كتابة الاعمال

كتابة الأعمال ( المختصر)

{ ما يلفظُ من قولٍ إلاَّ لديهِ رقيبٌ عتيدٌ }

إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ،وأشهد أن لا اله الا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .

{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } (1)

 { ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ، وخلق منها زوجها ، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً ، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً } (2)

{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً ، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً }(3) وبعد :

   فهذه الحلقة الأولى في موضوع كتابة الأعمال والتي هي بعنوان :

المقدمة والتعريفات  

   من يقرأ قول المجرمين يوم القيامة عندما يقرؤن كتبهم وقد سجل فيها الكرام الكاتبون كل أفعالهم القبيحة كبيرها وصغيرها ، عظيمها وحقيرها …قال تعالى حكاية عن قولهم هذا :{ ويقولون : ياويلتنا مال هذا الكتاب لايغادرصغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، ووجدوا ما عملوا حاضراً } الآية من يقرأ مثل هذه الآيات يفرق فرقاً كبيراً ، ويتمنى أن يرحمه الله ، وأن يجعله من المؤمنين الأتقياء ، ولا يجعله من المجرمين الأشقياء …

   وقد يخطر في البال أن يعرف الإنسان؛ماهو هذا الكتاب؟، ومن يسجل فيه الأعمال؟ وكيف تسجل هذه الأعمال  ؟ ، وهل تسجل كل الأعمال ؟ أم أنه يفوت علىالمسجلين بعضها؟أسئلة كثيرة كان هذا البحث المتواضع إجابة عليها ؛ إن وفقت فالتوفيق من الله سبحانه وتعالى ، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان ، وأستغفر الله من كل ذنب وخطيئة ، وإذا نبهت إلى ذلك الخطأ؛ وتبين لي أنه خطأ فعلاًفسأرجع عنه ، وأدعو لمن أسدى إلىّ عيوبي بجزاك الله خيراً واحمد لله أولاً وآخراً .    

-------------------------------------------------------------------------

(1)         آل عمران  / 120 ، (2)  النساء  / 1  ، (3)  الأحزاب  / 70 ، 71

................................................................................

  التعريفات :

  الكتابة : في اللغة : يأتي على أربعة وجوه :

1-         كتب بمعنى فرض،قال تعالى:{كتب عليكم القصاص} (1)،وقال تعالى :

   { كتب عليكم الصيام } (2) ، وقال تعالى :{ كتب عليكم القتال } (3) .

2-         كتب بمعنى قضى ، قال تعالى :{ كتب الله لأغلبن } (4) ، وقال تعالى :{ قل لن يصيبنا إلا ماكتب الله لنا } (5

 

3-         كتب بمعنى جعل ، قال تعالى :{ أولئك كتب في قلوبهم } (6) ، وقال تعالى :{ فاكتبنا مع الشاهدين } (7) .

 4-كتب بمعنى أمر،قال تعالى:{ ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم } (8) (9)

 والكتب : ضم أديم إلى أديم بالخياطة …

 والكتابة في الإصطلاح :  كتبه : خطه ، واكتتبه : استملاه  ، وكتب : ضم الحروف بعضها إلى بعض بالخط  ، والأصل في الكتابة : النَّظم بالخط ، لكن يستعار كل واحد للآخر ، ولهذا سُمى كلام الله ، وإن لم يُكتب : كتاباً  ، قال تعالى :{ الم~ ، ذلك الكتاب } (10)  ، والكتاب : ما يكتب فيه ، والمكتب : موضع التعليم ، والكتاب مصدر ، يقال : كتب يكتب كتاباً وكتابة ، ثم سمي به المكتوب … (11) 

 أما الأعمال :  العمل : المهنة والفعل ، والجمع : أعمال ، واستعمله : طلب

  إليه العمل ، والعمل يستعمل في الأعمال الصالحة والسيئة ، قال تعالى :

 { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات }(12) ، وقال تعالى :{ ومن يعمل

سوء اً يجز به } (13)  .إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 (1) البقرة / 178  ، (2) البقرة / 183  ، (3) البقرة / 216 ، (4)المجادلة / 21   ، (5) التوبة / 51

   (6) المجادلة / 22 ، (7) آل عمران / 53 ، (8) المائدة / 21

     (9) كشف السرائر في معنى الوجوه والأشباه والنظائر ، لابن العماد   ، (10) البقرة / 1،2 

 (11) النهاية لابن الأثير ج 4 ص 147  ، المفردات للراغب الأصفهاني ص 423  ، لسان العرب ج 1 ص698  ،القاموس المحيط ج 1 ص 121 ،  (12 ) البقرة / 277  ، (13) النساء / 123  ، المفردات للراغب ص 348 

بسم الله ،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثانية في موضوع كتابة الأعمال والتي هي بعنوان :

عدل الله يقتضي ، كتابة أعمال العباد                  

المبحث الأول :عدل الله يقتضي ، كتابة أعمال العباد :

قال تعالى :{ وكل إنسان ألزمناه طآئره في عنقه ، ونخرج له يوم القيامة

 كتاباً يلقاه منشوراً ، اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً } (1)

  قال ابن كثير :" … والمقصود أن عمل ابن آدم محفوظٌ عليه ، وقليله وكثيره ، يكتب عليه ليلاً ونهاراً ، صباحاً ومساء اً …

وقال معمر ، عن قتادة :{ ألزمناه طائره في عنقه } ، قال : عمله – { ونخرج

له يوم القيامة } ، قال : نخرج ذلك العمل { كتاباً يلقاه منشوراً } –       قال معمر : وتلا الحسن البصري :{عن اليمين وعن الشمال قعيد } ، يا ابن آدم ، بسطت لك صحيفتك ، ووكل بك ملكان كريمان ، أحدهما عن يمينك والآخر عن يسارك ،فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك ، وأما الذي عن يسارك فيحفظ سيئاتك ، فاعمل ماشئت ، أقلل أو أكثر ، حتى إذا مت طويت صحيفتك فجعلت في عنقك معك في قبرك ، حتى تخرج يوم القيامة كتاباً تلقاه منشوراً ، { اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً } ، قد عدل – والله – عليك من جعلك حسيب نفسك "

  ثم قال ابن كثير : هذا من أ حسن كلام الحسن ، يرحمه الله . " (2)      

   والله سبحانه وتعالى أعدل العادلين ، بل أمر بالعدل قال تعالى :{ إن الله يأمر بالعدل والإحسان ، وإيتاء ذي القربى … } (3)

  فهذا قمة العدل ، أن يكون الإنسان هو حسيب نفسه ، بالحجة القاطعة التي قد أثبتت في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، وهذا قول من خصم نفسه يوم القيامة

 قال تعالى : { ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون : ياويلتنا مال هذا الكتاب لايغادر صغيرة ولا كبيرة إلآ أحصاها ، ووجدوا ما عملوا حاضراً ، ولا يظلم  ربك أحداً } (4)  ، اللهم عاملنا برحمتك ولا تعاملنا بعدلك .

-------------------------------------------------------------------------  

(1)        الإسراء  / 13،14 ،  (2) تفسير ابن كثير ج 5 ص 49  ، (3) النحل / 90  ، (4) الكهف / 49 

....................................................................

المبحث لثاني : الكاتبون هم الملائكة:

قال تعالى :{ إن رسلنا يكتبون ما تمكرون } (1)

قال ابن كثير :" الكاتبون الكرام يكتبون عليه جميع ما يفعله ، ويحصونه عليه ، ثم يعرضونه على عالم الغيب والشهادة ، فيجازيه على الحقير والجليل  ، والنقير والقطمير " (2)

وقال تعالى:{أم يحسبون أنا لانسمع سرهم ونجواهم،بلى ورسلنا لديهم يكتبون}(3)

قال ابن كثير :" أي : نحن نعلم ماهم عليه ، والملائكة أيضاً يكتبون أعمالهم ، صغيرها وكبيرها " (4) 

 وقال تعالى :{ وإن عليكم لحافظين ، كراماً كاتبين ، يعلمون ما تفعلون} (5)

 قال ابن كثير :" يعني : وإن عليكم لملائكةً حفظة كراماً ، فلا تقابلوهم بالقبائح ،فإنهم يكتبون عليكم جميع أعمالكم " (6)

 وأخرج النسائي بسنده من حديث أبي هريرة أن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم –  قال : (( إذا كان يوم الجمعة قعدت الملائكة على أبواب المساجد فكتبوا من جاء إلى الجمعة ، فإذا خرج الإمام طوت الملائكة الصحف .)) الحديث(7)

وذكره الألباني في صحيح الجامع ،ثم قال : صحيح (8) 

وقال السيوطي : ولأبي نعيم في الحلية ( إذا كان يوم الجمعة بعث الله ملائكة بصحف من نور ، وأقلام من نور  ) قال الحافظ ابن حجر : وهو دال على أن الملائكة المذكورين غير الحفظة " (9)

  وقال تعالى :{ ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ، إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ، ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } (10)   

----------------------------------------------------------------------

  (1) يونس  / 21 ، (2) تفسير ابن كثير ج 4 ص 195   ، (3) الزخرف / 80  ، (4) تفسير ابن كثير ج 7 ص 227  (5) الإنفطار / 10 - 12 ، (6) تفسير ابن كثير ج 8 ص 365  ،

  (7) سنن النسائي ، كتاب الجمعة ، باب التبكير  إلى الجمعة ج 3 ص 97 ط دار أحياء التراث ، (8) رقم 786  ، 787 (9) سنن النسائي ج 3 ص 97 الهامش   ، (10) ق / 16 – 18

......................................................................

 إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله ،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثالثة في موضوع كتابة الأعمال والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : المبحث لثاني : الكاتبون هم الملائكة:                                                             قال ابن كثير :" يعني ملائكته تعالى أقرب إلى الإنسان من حبل وريده إليه …{ إذ يتلقى المتلقيان } يعني الملكين اللذين يكتبان عمل الإنسان { عن اليمين وعن الشمال قعيد } أي: متربص { ما يلفظ } أي : ابن آدم { من قول } أي: ما يتكلم بكلمة { إلا لديه رقيب عتيد } أي : إلا ولها من يراقبها معتد لذلك يكتبها ، لا يترك كلمة ولا حركة ، كما قال تعالى :{وإن عليكم لحافظين ، كراماً كاتبين ، يعلمون ماتفعلون } … قال الأحنف بن قيس : صاحب اليمين يكتب الخير ، وهو أمير على صاحب الشمال … ، وقال الحسن البصري وتلا هذه الآية :{ عن اليمين وعن الشمال قعيد } : ياابن آدم ، بسطت لك صحيفة ، ووكل بك ملكان كريمان أحدهما عن يمينك ، والآخر عن شمالك ، فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك ، وأما الذي عن يسارك فيحفظ سيئاتك ، فاعمل ما شئت ، أقلل أو أكثر حتى إذا مت طُويت صحيفتك ، وجعلت في عنقك معك في قبرك ، حتى تخرج يوم القيامة … " 

 وقال ابن عباس في قوله تعالى :{ ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد }

 قال : يكتب كل ما تكلم به من خير أو شر حتى إنه ليكتب قوله : أكلت ، وشربت ، ذهبت ، وجئت ، ، رأيت . حتى إذا كان يوم الخميس عرض قوله وعمله فأقر منه ما كان فيه خيرأو شر وألقى سائره،وذلك قوله تعالى :{يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب } (1)

وأخرج أحمد بسنده من حديث بلال بن الحارث المزني قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم - : (( إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله – تعالى –ما يظنّ أن تبلغ ما بلغت يكتب الله – عزوجل – له بها رضوانه إلى يوم القيامة ، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت ، يكتب الله – تعالى- عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه )) فكان علقمة يقول : كم من كلام قد منعنيه حديث بلال بن الحارث " ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجة وقال الترمذي : حسن صحيح (2)

 وذكره الألباني ، وعزاه إلى مالك ، وأحمد ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجة ، وابن حبان ، والحاكم . ثم قال : صحيح (3) 

--------------------------------------------------------------------- 

(1) تفسير ابن كثير ج 7 ص  376،  377  ،   (2) مسند الإمام أحمد ج 3 ص 469  ، (3) صحيح الجامع رقم 1615

000000000000000000000

وأخرج الطبراني بسنده من حديث أبي أمامة أن رسول الله– صلى الله عليه وآله وسلم - قال : ( إن صاحب الشمال ليرفع القلم ست ساعات عن العبد المسلم المخطيء، فإن ندم واستغفر الله منها ألقاها ، وإلا كتبت واحدة ) (1)

 وأخرج مسلم بسنده من حديث أبي هريرة  قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم - : (( قال الله عز وجل :[ إذا هم عبدي بسيئة فلا تكتبوها عليه ، فإن عملها فاكتبوها سيئة ،وإذا هم بحسنة فلم يعملها فاكتبوها حسنة ، فإن عملها فاكتبوها عشراً )) (2)

 وهؤلاء الكتبة الكرام ، الأقوياء ، والأشداء في المراقبة والملاحظة ؛ يكتبون كل شيء ، ولذلك ينادون الكفار يوم القيامة ، عندما يرون كتاب أعمالهم قائلين :{ يا ويلتنا ، ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، ووجدوا ما عملوا حاضراً ، ولايظلم ربك أحداً } (3)

وهؤلاء الملائكة الكرام الذين يسجلون أعمال العباد ، أيضاً يرفعونها بعد تسجيلها إلى رب الأرباب ، ويسألهم عن عباده وهو أعلم بهم :

 قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم -:(( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل، وملائكة

 بالنهار ، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ، ثم يعرج الذين باتوا فيكم ، فيسالهم ـوهو أعلم بهم -: كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون : تركناهم وهم يصلون ، وأتيناهم وهم يصلون )) (4)

 قال ابن حجر :" وفيه من الفوائد … الإخبار بما نحن فيه من ضبط أحوالنا

، حتى نتيقظ ، ونتحفظ في الأوامر والنواهي … " (5)

------------------------------------------------------------------------- 

    (1) انظر صحيح الجامع للألباني ج 2 ص212 رقم 2093 ثم قال : حسن 

    (2) صحيح مسلم ، كتاب الإيمان ، باب إذا هم العبد بحسنة ج 1 ص 117 رقم 203

   (3) الكهف / 49  (4) صحيح البخاري ، المواقيت ، باب فضل صلاة العصر ج 2 ص 33 رقم 554 من حديث قيس بن جرير ، صحيح مسلم كتاب المساجد حديث رقم 210 ، (5) فتح الباري ج 3 ص 37

..................................................................................

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله ،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الرابعة في موضوع كتابة الأعمال والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : المبحث لثاني : الكاتبون هم الملائكة:                                                            

وأخرج البخاري بسنده من حديث رفاعة بن رافع الزرقي قال : كنا يوماً نصلي وراء النبي – صلى الله عليه وآله وسلم - ، فلما رفع رأسه من الركعة قال : (( سمع الله لمن حمده )) قال رجل وراءه : ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه .

 فلما انصرف قال : (( من المتكلم ؟)) قال : أنا . قال :  (( رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أول )) (1)

 قال ابن حجر :" … ولا تعارض بين روايتى يكتبها ويصعد بها لأنه يحمل على أنهم يكتبونها ثم يصعدون بها،والظاهر أن هؤلاء الملائكة غير الحفظة،ويؤيده ما في الصحيحين

  عن أبي هريرة مرفوعاً (أن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل

الذكر) الحديث،واستدل به على أن بعض الطاعات قد يكتبها غير الحفظة … " (2)

 وقال ابن كثير :" وذكر عن الإمام أحمد أنه كان يئن في مرضه ، فبلغه عن طاوس أنه قال : يكتب الملك كل شيء حتى الأنين . فلم يئن أحمد حتى مات رحمه رحمه الله " ( 3) وقال تعالى:{هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق،إنا كنا نستنسخ ماكنتم تعملون} (4)

 قال ابن كثير :" أي: إنا كنا نأمر الحفظة أن تكتب أعمالكم عليكم . (5)

 ويتضح مما سبق أن الملائكة الكرام هم الذين يكتبون أعمال العباد ، ويسجلونها بالكيفية التي علمهم الله إيّاها ، وقد أعطاهم الله قدرة كبيرة جداً ، وقوة مراقبة وملاحظة شدية جداً ، بحيث يطلعون على كل مايفعله الإنسان ؛ كبيره وصغيره ، عظيمه ، وحقيره ، أعمال البر ، والخير ، وأعمال الأثم والشر ، ماكان معلناً ، وما  كان مستتراً ، بل وفي كل حال ، وفي كل زمان ، وفي كل مكان …

----------------------------------------------------------------------- 

(1)      صحيح البخاري ، الأذان ، باب 797 رقم 799 ، ( فتح الباري ج 2 ص 284 ) ، (2) فتح الباري ج 2 ص 287

(3) تفسير ابن كثير ج 7 ص 377 ، (4) الجاثية / 29 

(5) تفسير ابن كثير ج 7 ص 256

.........................................................................

  المبحث الثالث :

               كيفية كتابة الحسنات والسيئات

أولاً : الحسنات : إذا هم العبد بفعل الحسنة فلم يعملها؛فإن الله يكتبها له حسنة واحدة وإذا هم العبد بفعل الحسنة فعملها ؛ فإن الله يكتبها له عشر حسنات ، إلى سبعمائة ضعف ، إلى أضعاف كثيرة .

 ثانياً : السيئات : إذا هم العبد بفعل السيئة فلم يعملها ؛ فإن الله  يكتبها حسنة كاملة .

  وإذا هم العبد بفعل السيئة فعملها؛فإن الله يكتبها سيئة واحدة .

   أخرج مسلم بسنده من حديث ابن عباس عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم –

  فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى ؛ قال : [ إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بيّن ذلك . فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ، وإن هم بها فعملها كتبها الله عز وجل عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ، وإن هم بها فعملها ، كتبها الله سيئة واحدة ] (1)

 ثالثاُ : هل يكتب الملك كل شيء من الكلام ؟

قال ابن كثير: إختلف العلماء : هل يكتب الملك كل شيء من الكلام ؟ أو إنما يكتب مافيه ثواب وعقاب ؟،على قولين : الأول قول : الحسن وقتادة . والثاني : قول ابن عباس ، وظاهر الآية الأول،لعموم قوله:{ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد }

رابعاً : هل يكتب الملك أعمال القلوب ؟ لاشك أن الملك يكتب جميع الأعمال

الظاهرة ؛ بل لاخلاف في ذلك ، والنصوص تدل على ذلك ، لكن الخلاف في كتابة أعمال القلوب . ذهب ابن أبي العز شارح الطحاوية إلى أن الملك يكتب جميع الأعمال بما في ذلك أعمال القلوب وأحتج بقوله تعالى :{ يعلمون ما تفعلون } (2)  إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

-------------------------------------------------------------------- 

(1)          صحيح مسلم ، كتاب الإيمان ، باب إذا هم العبد بحسنة ، ج 1 ص 118 رقم 207 ، (2) الإنفطار / 12

...........................................................

بسم الله ،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الخامسة في موضوع كتابة الأعمال والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : المبحث الثالث : كيفية كتابة الحسنات والسيئات                                                             

      واستدل أيضاً بالحديث المتفق عليه ، يقول الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم –: (( قال الله عز وجل :[ إذا هم عبدي بحسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة ، فإن عملها فاكتبوها عشراً ] )) ، وبالحديث الذي رواه مسلم قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم - : (( قالت الملائكة : رب ذاك عبدك يريد أن يعمل سيئة ـ وهو أبصر به – فقال : [ ارقبوه ، فإن عملها فاكتبوها له بمثلها ، وإن تركها فاكتبوها له حسنة ، إنما تركها من جرَّاى]  (1) (2) (3)

  وعموم الأدلة تدل على أن الملك يكتب جميع الأعمال ؛ وأعمال القلوب من الأعمال، ولا يقاس قدرة الملك على قدرة الإنسان ، فالملائكة لهم قدرة عظيمة ، قد لايتخيلها الإنسان ،وليس هناك دليل يمنع من كتابة الملائكةلأعمال

 القلوب ، وهو أمر ممكن  .

 وعموم الأدلة تدل على ذلك ، ثم يبقى الأمر أولاً وآخراً لله ، يثبت ويمحو ما يشاء – سبحانه وتعالى - مما كتبته الملائكة ، وفوق كل ذي علم عليم .

 خامساً : للحسنات كاتب وللسيئات كاتب

قال تعالى :{ إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ، ما يلفظ من

قول إلا لديه رقيب عتيد } (4)

قال الأحنف بن قيس : " صاحب اليمين يكتب الخير ، وهو أمير على صاحب الشمال … "  

   وقال الحسن البصري : "… ووكل بك ملكان كريمان أحدهما عن يمينك ، والآخرعن شمالك ، فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك ، وأما الذي عن

 يسارك فيحفظ سيئاتك ، فاعمل ما شئت ، أقلل أو أكثر …" (5)  

إذن هناك تخصص ؛ فمن على اليمين يكتب الحسنات ، ومن على الشمال يكتب السيئات وإن كان هناك ممن يكتب غير الحفظة .  

-----------------------------------------------

    (1) صحيح مسلم ، كتاب الإيمان ، ج 1 ص 118 رقم 205   ،  (2) شرع العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي ص 440 (3) عالم الملائكة للأشقر ص 48    ، (4) ق  / 17،18   ، (5) تفسير ابن كثير ج 7 ص 773 

00000000000000000000000000000000

سادساً : هل هناك كتبة لايكتب غيرهم ، أم هناك من يكتب غيرهم ؟          

أخرج البخاري بسنده من حديث رفاعة بن رافع الزرقي قال : كنا يوماً نصلي

 وراء النبي – صلى الله عليه وآله وسلم - ، فلما رفع رأسه من الركعة قال : (( سمع الله لمن حمده )) قال رجل وراءه :" ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ".

 فلما انصرف قال : (( من المتكلم ؟)) قال : أنا . قال :  (( رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أول )) (1)

 قال ابن حجر :" …والظاهر أن هؤلاء الملائكة غير الحفظة،ويؤيده ما في الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعاً (( أن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر… )) الحديث ، واستدل به على أن بعض الطاعات قد يكتبها غير الحفظة … " (2)

  سابعاً : كتابة الملائكة للأعمال في صحف ، أو سجلات ، أو بطاقات

 أخرج مسلم بسنده من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم - : (( إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب

 المسجد ملائكة يكتبون الأول فالأول ، فإذا جلس الإمام طووا الصحف

 وجاؤا يستمعون الذكر … )) (3) 

 وأخرج البخاري بسنده من حديث ابن عمر قال : سمعت النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – يقول : (( يدنو المؤمن حتى يضع عليه كنفه ، فيقرره بذنوبه : تعرف ذنب كذا ؟ يقول رب أعرف ( مرتين ) فيقول :[ سترتها في الدنيا، وأغفرها لك اليوم ] ، ثم تطوى صحيفة حسناته … )) الحديث (4)

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

----------------------------------------------- 

   (1) صحيح البخاري ، الأذان ، باب 797 رقم 799 ، ( فتح الباري ج 2 ص 284 ) ،

(2) فتح الباري ج 2 ص 287

     (3) صحيح مسلم ، كتاب الجمعة ، باب فضل التهجير يوم الجمعة ، ج 2 ص 587 رقم 24

      (4) صحيح البخاري ، كتاب التفسير ، سورة 11 ، 4 ( فتح الباري ج 8 ص 353 رقم 4685 ) 

000000000000000000000000000000000

بسم الله ،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السادسة في موضوع كتابة الأعمال والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : المبحث الثالث : كيفية كتابة الحسنات والسيئات                                                            

وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : (( إن الله سيخلص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة ، فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاً ، كل سجل مد البصرثم يقول : اتنكر من هذا شيئاً ؟ ، أظلمك كتبتي الحافظون ؟ فيقول : لا يارب ، فيقول : أفلك عذر؟ فيقول : لا يارب . فيقول : بلى إن لك عندنا حسنة فإنه لا ظلم عليك اليوم فتخرج بطاقة فيها " أشهد أن لا اله إلا الله ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله " فيقول : احضر وزنك ، فيقول : ماهذه البطاقة مع هذه السجلات ؟ فقال : إنك لا تُظلم ، قال : فتوضع السجلات في كفة ، والبطاقة في كفة ، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ، فلا يثقل مع اسم الله شيء )) (1)                                                  ثامناً : صاحب الشمال لا يكتب السيئة فوراً،بل يمكث ست ساعات

لعل المسيء يتوب قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : (( إن صاحب الشمال ليرفع القلم ست ساعات عن العبد المسلم المخطيء ، فإن ندم واستغفر الله منها ألقاها وإلا كتبت واحدة)) ( 2)

 

(1)  أخرجه الترمذي في سننه ، كتاب الإيمان ، باب 17 ج 5 ص 23 رقم 2639 من حديث عبد الله بن عمرو

           ثم قال الترمذي : حديث حسن غريب ، وابن ماجة رقم 4300 ، والحاكم ( 1/ 6 و529 ) ، وأحمد 2 / 213 ،

          وذكره الألباني في صحيح الجامع رقم 1772 ثم قال : صحيح  ، وقال الحاكم : صحيح الإسناد على شرط مسلم ،

         ووافقه الذهبي … ( الصحيحة للألباني ج 1 ص 52 رقم 135 )

    (2) اخرجه الطبراني في الكبير ، عن ابي أمامة ، وذكره الألباني في صحيح الجامع 2/212 رقم 2093 ثم قال : حسن

 

...................................................................................

   المبحث الرابع : الشهود على الإنسان يوم  القيامة

1-الجوارح: قال تعالى :{ ويوم يحشر أعدآء الله إلى النار يوزعو، حتى~ إذاما جآؤُها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون ، وقالوا لجلودهم     

 : لم شهدتم علينا ؟ قالوآ : أنطقنا الله الذي~ أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون ، وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولآ أبصاركم ، ولا جلودكم ،ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون ، وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم ،فأصبحتم من الخاسرين،فإن يصبروا فالنارمثوى لهم،وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين}(1)

  قال ابن كثير :" … أي : بأعمالهم مما قدموه وأخروه ، لا يكتم منه حرف …ولاموا أعضاءهم وجلودهم حين شهدوا عليهم ، فعند ذلك أجابتهم الأعضاء { قالوا : أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة } أي : فهو لا يخالف ولا يمانع ، وإليه ترجعون …

 وقوله :{ وما كنتم تستترون …} ألآية ، أي: تقول لهم الأعضاء والجلود حين يلومونهاعلى الشهادة عليهم : ما كنتم تتكتمون منا الذي كنتم تفعلونه ، بل كنتم تجاهرون الله بالكفر والمعاصي ، ولا تبالون منه في زعمكم ، لأنكم كنتم لا تعتقدون أنه يعلم جميع أفعالكم … وهذا الظن الفاسد هو الذي أتلفكم وأرداكم عند ربكم ،{ فأصبحتم من الخاسرين } أي: في مواقف القيامة خسرتم أنفسكم وأهليكم " (2)

وقال تعالى :{ اليوم نختم على أفواههم وتكلمنآ أيديهم ، وتشهد أرجلهم بما كانوا

 يكسبون } (3)

 قال ابن كثير :" …هذا حال الكفار والمنافقين يوم القيامة ، حين ينكرون مااجترموه في الدنيا،ويحلفون ما فعلوه ، فيختم الله على أفواههم ، ويستنطق جوارحهم بما عملت "(4)

-------------------------------------------------------------------------

(1) فصلت / 19 – 24  ، (2) تفسير ابن كثير ج 7 ص 159-161 ، (3) يس / 65 ،(4) تفسير ابن كثير ج6 ص 571 

 ........................................................

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

000000000000000000000000000000000

بسم الله ،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السابعة في موضوع كتابة الأعمال والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :   المبحث الرابع : الشهود على الإنسان يوم  القيامة                                                    

وقال تعالى :{يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون } (1)

 قال القرطبي : " المعنى : يوم تشهد ألسنتهم بعضهم على بعض بما كانوا

 يعملون من القذف والبهتان . وقيل : تشهد عليهم ألسنتهم ذلك اليوم بما تكلموا به .{ وأيديهم وأرجلهم } أي وتتكلم الجوارح بما عملوا في الدنيا … (2)

 وقال تعالى:{يامعشرالجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقآء يومكم هذا ؟ قالوا : شهدنا على~ أنفسنا ، وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على~ أنفسهم أنهم كانوا كافرين } (3)

  قال ابن كثير :" أي أقررنا أن الرسل قد بلغونا رسالاتك ، وأنذرونا لقاءك ، وأن هذا اليوم كائن لا محالة " (4)

 2- الأرض : قال تعالى:" إذا زلزلت الأرض زلزالها ، وأخرجت الأرض أثقالها ،وقال الإنسان :مالها ؟،يومئِذٍ تحدث أخبارها،يأن ربك أوحى لها } (5)             

  قال ابن كثير :" قوله :{ يومئذ تحدث أخبارها } أي: تحدث بما عمل العاملون على ظهرها " وعن أبي هريرة قال :  قرأرسول الله – صلى الله عليه وسلم

 هذه الآية { يومئذ تحدث أخبارها } قال : (( أتدرون ما أخبارها ؟)) قالوا :

الله ورسوله أعلم . قال : (( فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما

عمل على ظهرها،أن تقول :عمل كذا وكذا،يوم كذا وكذا،فهذه أخبارها ) (6)

                                     

  (1) النور / 24   ، (2) تفسير القرطبي ج 12 ص 210  ، (3) الأنعام / 130

   (4) تفسير ابن كثير ج 3 ص 332   ، (5) الزلزلة / 1- 5

   (6) تفسير ابن كثير ج 8 ص 481 ، والحديث أخرجه أحمد في المسند ج2 ص 374 ، والترمذي ( تحفة الأحوذي ج 7 ص  116 رقم الحديث 2546 ثم قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح غريب 

...................................................................................

 3- الملائكة ( الحفظة ) كل ما يكتبه الملائكة الكرام الحفظة ؛ الذين يحفظون الأعمال بكتابتها وتسجيلها في سجلات وبطاقات ، كل ذلك شهادة للصالحين المؤمنين الأبرار، وشهادة على الفاسقين الكفار الفجار …

وأخرج مسلم بسنده من حديث أنس بن مالك قال : كنا عند رسول الله –صلى الله عليه وسلم – فضحك فقال : (( هل تدرون مم أضحك ؟ )) قال : قلنا : الله ورسوله أعلم . قال : (( من مخاطبة العبد ربه . يقول : يارب ألم تُجرني من الظلم ؟ قال : يقول: بلى . قال : يقول : فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهداً مني . قال : فيقول : كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً . وبالكرام الكاتبين شُهُوداً …. )) الحديث (1)

واخرج البخاري بسنده من حديث أبي هريرة أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : (( يتعاقبون فيكم ملائكةٌ بالليل وملائكة بالنهار ، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ، ثم يعرج الذين باتوا فيكم ،فيسألهم – وهو أعلم بهم - : كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون : تركناهم وهم يصلون ،

 وأتيناهم وهم يصلون )) (2)

قال ابن حجر :" قوله (( فيسألهم )) قيل الحكمة فيه إستدعاء شهادتهم لبني  آدم بالخير ، واستنطاقهم بما يقتضي التعطف عليهم .. (3)

 

-------------------------------------------    

(1)   صحيح مسلم ، الزهد ، حديث رقم 17 ج 4 ص 2280 

(2)  صحيح البخاري ، مواقيت ، باب فضل صلاة العصر ، ( فتح الباري ج 2 ص 33 ) رقم 555

(3) فتح الباري ج 2 ص 37   

0000000000000000000000

4-الأنبياء  : قال تعالى :{ فكيف إذا جئناك من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلآء شهيداً } (1)

قال ابن كثير :" يقول تعالى مخبراً عن هول يوم القيامة ، وشدة أمره وشأنه ؛ فكيف يكون الأمر والحال يوم القيامة وحين يجيء من كل أمة بشهيد – يعني : الأنبياء عليهم السلام ؟ كما قال تعالى:{وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء } … الآية ، وقال تعالى :{ ويوم نبعث في كل أمة شهيداً عليهم من أنفسهم } … الآية " (2)

 وقال تعالى :{ ما قلت لهم إلا مآ أمرتني به~ أن اعبدوا الله ربي وربكم ، وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم ، فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم ،

 وأنت على كل شيء شهيد } (3)

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله ،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثامنة في موضوع كتابة الأعمال والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :   المبحث الرابع : الشهود على الإنسان يوم  القيامة                                                    

 قال ابن كثير : أي :كنت أشهد على أعمالهم حين كنت بين أظهرهم ، { فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم ، وأنت على كل شيء شهيد } " (4)
  وأخرج البخاري بسنده من حديث ابن عباس قال : خطب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال : (( ياأيها الناس ، إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلاً ، ثم قال : { كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين } إلى آخر

الآية ثم قال : (( ألا وإن أول الخلائق يُكسى يوم القيامة ؛ إبراهيم ، ألا وإنه يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال ، فأقول : يارب أصحابي ، فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ؟ فأقول كما قال العبد الصالح : { وكنت عليهم شهيداً مادمت فيهم ، فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم } فيقال : إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم )) (5)

 

-------------------------------------------------------------------------

(1) النساء  / 41   ،  (2)  تفسير ابن كثير 2 ص 268   ، (3) المائدة  / 117  ،

 (4) تفسير ابن كثير ج 3 ص 22

  (5) صحيح البخاري ، التفسير ، سورة المائدة ، حديث رقم 4625

..........................................................................

وقال تعالى :{ ويوم نبعث من كل أمة شهيداً ، ثم لا يؤذن للذين كفروا ولا هم يستعتبون } (1)

قال ابن كثير :"يخبر تعالى عن شان المشركين يوم معادهم في الدار الآخرة ، وأنه يبعث من كل أمة شهيداً ، وهو نبيها ، يشهد عليها بما أجابته فيما بلغها عن الله تعالى ..(2)

 وقال تعالى :{ وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهدآء على الناس ويكون

 الرسول عليكم شهيداً  .. } (3)

  وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : (( يُدعى نوح يوم القيامة فيقول : لبيك

  وسعديك يارب ، فيقول : هل بلغت ؟ فيقول : نعم . فيقال لأمته : هل بلغكم ؟ فيقولون : ما أتانا من نذير ، فيقول : من يشهد لك ؟ فيقول : محمد وأمته . فيشهدون أنه قد بلغ ، ويكون الرسول عليكم شهيداً ، فذلك قوله جل ذكره : { وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ، ويكون الرسول عليكم شهيداً }  (4)

 وقال تعالى :{ ويوم نبعث في كل أمة شهيداً عليهم من أنفسهم ، وجئنا بك شهيداً على هؤلاء  } ..الآية (5) قال ابن كثير : يعني : أمته (6)

 إذن الأنبياء يُسألون يوم القيامة : هل بلغوا الرسالة ؟ أم لا ؟ ، فإذا أنكرت الأقوام يُرجع إلى ما دون وسجل ، ويُرجع إلى شهادة الشهود ، لإقامة الحجة على الكاذبين .

  وشهادة الشهود بمثابة الكتابة ، والتدوين ، والتسجيل ؛ سواء كان الشهود : جوارح ، أو أرض ، أو ملائكة ، أو أنبياء ، أوغير ذلك  

--------------------------------------------------------------------

(1) النحل / 84  ، (2) تفسير ابن كثير ج 4 ص 511  ، (3) البقرة / 143  

    (4) أخرجه البخاري في الصحيح ، التفسير ، باب 13 رقم الحديث 4487 ( فتح الباري ج 8 ص 171 ) من حديث أبي سعيد الخدري

   (5) النحل / 89   ، (6) تفسير ابن كثير ج 4 ص 513

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

0000000000000000000000000000000000

بسم الله ،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة التاسعة في موضوع كتابة الأعمال والتي هي بعنوان :  

 المبحث الخامس : يوم القيامة يأخذ المؤمن كتابه بيمينه، والكافر بشماله

  قال تعالى :{ فأما من أُوتى كتابه بيمينه فيقول : هآؤُمُ اقرأوا كتابيه ، إني ظننت  أني ملاق حسابيه }(1)

 قال ابن كثير : يخبر تعالى عن سعادة من أوتى كتابه يوم القيامة بيمينه ، وفرحه بذلك ،وأنه من شدة فرحه يقول لكل من لقيه : { هاؤم اقرأوا كتابيه } ، أي :خذوا اقرأوا كتابيه،لأنه يعلم أن الذي فيه خير وحسنات محضة،لأنه ممن بدّل الله سيئاته حسنات (2)

 وقال تعالى : { وأما من أُ وتى كتابه بشماله فيقول : ياليتني لم أُت كتابيه ، ولم أدر ما حسابيه } … الآية (3)

قال ابن كثير :" وهذا إخبار عن حال الأشقياء إذا أعطى أحدهم كتابه في العرصات بشماله ، فحينئذ يندم غاية الندم … (4)

 وقال تعالى :{ يوم ندعوا كل أناس بإمامهم ، فمن أُتى كتابه بيمينه فأولئك يقرأون كتابهم ولا يظلمون فتيلاً } (5)

  قال ابن كثير :" أي: من فرحته وسروره بما فيه من العمل الصالح ، يقرؤه ، ويحب قراءته " … (6)

هذا الكتاب لم يغادر كبيرة ولا صغيرة  ؛ ولذلك فرح المؤمن بإستلامه ، ورفعه عالياً ليقرأه كل من رأه ، أما الكافر ؛فإنه تمنى أن لم يؤت كتابه ، وأنه لم يدر شيئاً عن حسابه بل دعا على نفسه أن تكون الموتة الأولى هي القاضية ، وأنه لم يبعث للحساب … 

------------------------------------------------

(1)        الحاقة / 19،  20 ،

(2) تفسير ابنة كثير ج 8ص  240  ،

(3)الحاقة  / 25 ، 26 ، (4) تفسير ابن كثير ج 8 ص 242

(5 ) الإسراء / 71   ،  

(6) تفسير ابن كثير ج 5 ص 96

0000000000000000000000000000 

  المبحث السادس: غفلة وشك كثيرمن الناس عن هذا الأمر

 قال تعالى:{لقد كنت في غفلة من هذا،فكشفنا عنك غطآءك فبصرك اليوم حديد}(1)

 قال ابن كثير :" … يعني من هذا اليوم ، { فكشفنا عنك ، غطاءك ، فبصرك  اليوم حديد } أي: قوي ، لأن كل واحد يوم القيامة يكون مستبصراً 

، حتى الكفار في الدنيا يكونون يوم القيامة على الإستقامة، لكن لا ينفعهم ذلك ، { أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا } (2) ، وقال تعالى : { ولو ترى إذا المجرمون ناكسوا رؤسهم عند ربهم ، ربنا أبصرنا وسمعنا ، فأرجعنا نعمل صالحاً ، إنا موقنون } (3) (4)

وقال تعالى :{ وأنذرهم يوم الحسرة ، إذ قُضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون } (5)

 قال ابن كثير :" أي: أنذر الخلائق يوم الحسرة ، { إذقُضي الأمر } ، أي: فصل بين أهل الجنة وأهل النار ، ودخل كل إلى ما صار إليه مخلداً فيه ، { وهم } ، أي:اليوم { في غفلة } عما أنذروا به ، { وهم لا يؤمنون } ، أي: لا يصدقون به " (6)

وقال تعالى:{وإذ أخذ ربك من بني~ آدم من ظهورهم ذريتهم،وأشهدهم

على~أنفسهم ألست بربكم ؟ قالوا : بلى شهدنآ أن تقولوا يوم القيامة : إنا كنا

عن هذا غافلين } (7)

   أما الشك : فقال تعالى :{ وإنهم لفي شك منه مريب } (8)

   قال ابن كثير :" أي: وما كان تكذيبهم له عن بصيرة منهم لما قالوا ، بل كانوا شاكين

        فيما قالوا ، غير محققين لشيء كانوا فيه .هكذا وجهه ابن جرير ، وهو محتمل (9) وقال قوم صالح لنبيهم ،قال تعالى :{ وإننا لفي شك مما تدعونآ إليه مريب } (10)

 قال ابن كثير :" أي شك كثير " (11)  وقال قوم موسى لموسى ، قال تعالى :{ وإنا لفي شك مما تدعوننآ إليه مريب } (12) 

 قال ابن كثير :" يقولون : لا نصدقكم فيما جئتم به ؛ فإن عندنا فيه شكاً قوياً " (13)

--------------------------------------------------------------------------

 (1)  ق / 22  ، (2) مريم / 38  ، (3) السجدة /  12 ، (4) تفسير ابن كثير  ج 7 ص 379 ، 380  ، (5) مريم /39   (6) تفسير ابن كثير ج 5 ص 227  ، (7) الأعراف / 172  ، (8) هود / 110 ، فصلت / 45 ،(9) تفسير ابن كثير ج 7  ص 173،(10) هود /  62 ، (11) تفسير ابن كثير ج 4 ص 263،(12) إبراهيم / 9 ،(13) تفسير ابن كثير ج 4ص301

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

 

بسم الله ،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة العاشرة في موضوع كتابة الأعمال والتي هي إستكمالا للماضية والتي بعنوان : المبحث السادس: غفلة وشك كثيرمن الناس عن هذا الأمر  

وهي آخر حلقة في موضوع ( كتابة الأعمال )

قال ابن القيم : أخبر سبحانه أن الإنسان في غفلة من هذا الشأن الذي هو حقيق بأن لا يغفل عنه ، وأن لا يزال على ذكره وباله ، وقال :{ في غفلة من هذا } ولم يقل عنه ، كما قال { وإنهم لفي شك منه مريب } ، ولم يقل في شك فيه ، وجاء هذا في المصدر وإن لم يجيء في الفعل فلا يقال غفلت منه ولا شككت منه كأن غفلة عنه وشك فيه ، فإنه جعل ما ينبغي أن يكون مبدأ التذكرة واليقين ومنشأهما مبدأ للغفلة والشك .

 ثم أخبر أن غطاء الغفلة والذهول يكشف عنه ذلك اليوم كما يكشف غطاء النوم عن القلب فيستيقظ ، وعن العين فتنفتح . فنسبة كشف هذا الغطاء عن العبد عند المعاينة

 كنسبة كشف غطاء النوم عنه عند الإنتباه … (1)

 وفي الختام نعلم أن الملائكة المكرمين الموكلين بكتابة الأعمال ملازمين للإنسان في كل أحواله ، عدا حالين ؛ عند قضاء الحاجة ، وعند قضاء الوطر ؛ لكنهما يعلمان ما يفعل العبد حتى في هذين الحالين ، ويكتبان كل صغيرة وكبيرة ، الحسنات والسيئات ، الظاهر

 منها والباطن،بل ويشهدون على العباد في ذلك اليوم العظيم،ويشهد عليهم غير الملائكة وهذه الشهادة من واقع ماكتب عليهم ، وسجل، مما فعلوا في الحياة الدنيا ، وهؤلاء لايضعفون ، ولا ينسون ، ولا يغفلون ، بل هم أقوى ما يكون ، وأشد ملاحظة ورقابة ولذلك يجب على العباد التحرز من هؤلاء الحفظة الكرام ، وعدم فعل مايستحيى منه  في ذلك اليوم؛يوم القيامة،كما قال علقمة : كم من كلام قد منعنيه حديث بلال بن الحارث

نسأل الله أن يوفقنا للعمل الصالح ، وأن يجنبنا السيئات ؛ وأن يجعلنا –برحمته – ممن يأخذ كتابه بيمينه ، ويقول { هآؤُمُ اقرأوا كتابيه } اللهم أرحمنا برحمتك ياأرحم الراحمين .

------------------------------------------------

  (1) الفوائد لابن القيم ص 24 ط الأولى