الوهاب

بسم الله الرحمن الرحيم

الوهاب(المختصر )

إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا اله الا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله 

قال تعالى :{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} آل عمران/ 120 وبعـــــد :

فهذه الحلقة الأولى في موضوع (الوهاب) وستكون بعنوان :

المقدمة والتعريفات :   

فالذي يقرأ القرآن الكريم  يلاحظ في عدد من آي القرآن الكريم ذكر اسم الله ( الوهاب ) عند هباته وعطاياه الكبيرة والعظيمة والمهمة الخاليةُ عن عوض ؛ مثل الرسالة والنبوة  والإمامة والهداية والرحمة والنصر والأخوة والرضا والملك والعافية والذرية والأزواج والمال وغير ذلك 000 ،      بل اتصف سبحانه بـ (الوهاب ) وهي صفة فعلية ، وصيغة مبالغة من  (وهب )  فيد رك المرء أن  هذا الأسم  ( الوهاب ) من الأسماء الحسنى العظيمة والمهمة000 والتي اتصف بها ربنا جل جلاله فهو الواهب والرازق والمعطي إبتداءً ، من دون مُقابل ؛ لأنه هو الوهاب الكريم سبحانه ، ولكونه على كل شيء قدير ، وعنده خزائن كل شيء ؛ تفرد بهذه الصفة العظيمة سبحان وتعالى ؛ فلم نجد أحداً غيره يعطي أي عطاء إلا بمقابل وبطلب غالباً ممن يريد أن يعطيه 0             

 فكل نعمة أنعم بها سبحانه على عباده ومخلوقاته فهي هبة ومنحة ورزق منه سبحانه وتعالى ، له الحمد وله الشكر وله الثناء الحسن ؛ فالوجود هبة منه ،وخلقُ الإنسان هبة منه ،وجعله في أحسن تقويم هبة منه ،وهدايته هبة منه ، وإرسال الرسل وإنزال الكتب هبة منه ،وتسخير الكون للإنسان هبة منه،والرضا والسعادة لأوليائه هبة منه ، والإطمئنان للمؤمنين هبة منه ، والأمن لعباده هبة منه ،والأخوة والمحبة في الله بين عباده المخلصين  هبة منه ، والصحة والعافية هبة منه ، والأزواج والذرية هبة منه ، قال تعالى : {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها }             

 وهنا وجدت نفسي في أمس الحاجة للوقوف على علم الأسماء والصفات

 بعامة واسمه (الوهاب) بخاصة 0 فكان هذا البحث المهم وهو مجموعة من الآيات الكريمات والأحاديث الشريفة الصحيحة ، وأقوال الصحابة والأئمة والمفسرين والكتاب جزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء- وهو اشبه مايكون بالتفسير الموضوعي - إختياراً وجمعاً وتأليفاً ، وعزوت كل قول لقائله  إن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان واستغفر الله من كل خطأ ومعصية  0

التعريفات :

معنى الوهاب لغة : وَهّاب: (اسم) صيغة مبالغة من وهَبَ رَجُلٌ وَهَّابٌ : مَنْ يُعْطِي كَثِيراً  [الأنترنت – موقع المعاني]

معنى وهب في لسان العرب : في أَسماءِ اللّه تعالى الوَهَّابُ الهِبةُ العَطِيَّة الخاليةُ عن الأَعْواضِ والأَغْراضِ فإِذا كَثُرَتْ سُمِّي صاحِبُها وَهَّاباً وهو من أَبنية المُبالغة ومن صفاتِ اللّه المُنعِمُ على العباد واللّهُ تعالى الوهَّابُ الواهِبُ وكلُّ ما وُهِبَ لك من ولَد وغيره فهو مَوهُوبٌ والوَهُوبُ الرجلُ الكثيرُ الهِباتِ  . ابن سيده : وَهَبَ لك الشيءَ يَهَبُه وَهْباً ووَهَباً بالتحريك وهِبَةً والاسم المَوهِبُ والمَوهِبةُ بكسر الهاءِ فيهما ولا يقال وَهَبَكَه هذا قول سيبويه وحكى السيرافي عن أَبي عمرو أَنه سمع أَعرابياً يقول لآخر انْطَلِقْ معي أَهَبْكَ نَبْلاً ،ووَهَبْتُ له هِبةً إِذا أَعْطَيْتَهُ ووهَبَ اللّهُ له الشيءَ فهو يَهَبُ هِبةً ،وتَواهَبَ الناسُ بينهم ،وفي حديث الأَحْنَفِ (ولا التَّواهُبُ فيما بينَهم ضَعَةٌ ) يعني أَنهم لا يَهَبُونَ مُكْرَهِينَ والاسْتِيهابُ سُؤَالُ الهِبَةِ قال أَبو عبيد رأَى النبيُّ صلى اللّه عليه وسلم جَفاءً في أَخلاقِ البادية وذَهاباً عن المُروءة وطَلباً للزيادة على ما وَهَبُوا فخَصَّ أَهلَ القُرى العربيةِ خاصَّةً بقَبولِ الهَدِيَّةِ منهم دون أَهل البادية لغلبة الجَفاء على أَخلاقهم وبُعْدِهم من ذوي النُّهَى والعُقُولِ

ومعنى وَهَبَ له الشيء ـَ في المعجم الوسيط :: أعطاه إيّاه بلا عِوَض.

و( المَوْهُوبُ ): الولد. يقال للمولود له: شكرت الواهب، وبورك لك في الموهوب.( الهِبَةُ ): العطِيّة الخالية من الأعْواض والأغراض.

الأنترنت – موقع معاجم اللغة العربية    

 وملخّص ما جاء في "النّهاية"  و"اللّسان" : أنّ الوهّاب بمعنى كثير

العطاء، فهو صيغة مبالغة من " وهب الشّيء إذا أعطاه، ومصدره: الوهْب والوهَب والهبة.

وفي أصل اشتقاق الهبة قولان:

الأوّل: أنّه من هبّ الشّيء إذا مرّ، ومنه هبوب الرّيح، فالعطيّة تمرّ من يد إلى أخرى.الثّاني: من هبّ بمعنى تيقّظ، لأنّ فاعلها تيقّظ لفعل الخير.

ويقال في المبالغة: وَهُوب ووهّابة أيضا، وهو متصرّف له ماضٍ ومضارع وأمر فيقال: وهب يهبُ وهبْ.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

يسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثانية في موضوع (الوهاب) وستكون بعنوان :

معنى الوهاب إصطلاحاً :

الوهاب : اسم من اسماء الله وصفة من صفاته ؛ يوصف الله عزَّ وجلَّ بأنه الوَهَّاب، يهب ما يشاء لمن يشاء كيف شاء، وهذا ثابت بالكتاب والسنة، وهي صفةٌ فعليةٌ، و(الوَهَّاب) من أسمائه تعالى.

• الدليل من الكتاب:

 1- قولـه تعالى: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} آل عمران: 8

  2- وقوله:{ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ }[الشورى:49].

• الدليل من السنة:

حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (... ثم ذكرت قول أخي سليمان: رب اغفر لي وَهَبْ لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي...) .متفق عليه

قال أبو القاسم الزجاجي: (الوَهَّاب: الكثير الهبة والعطية، وفعَّال في كلام العرب للمبالغة؛ فالله عَزَّوجَلَّ وهَّاب، يهب لعباده واحداً بعد واحد ويعطيهم، فجاءت الصفة على فعَّال لكثرة ذلك وتردده، والهبة: الإعطاء تفضلاً وابتداءً من غير استحقاق ولا مكافأة) . [الأنترنت – موقع الفرق بين الوهاب والرزاق - الكاتب:  عبد الحليم توميات- "النّهاية" (5/231)، و"اللّسان" (6/4929)]

وقال ابن منظور في لسان العرب : الهبة: العطية الخالية عن الأعواض والأغراض، فإذا كثرت؛ سمَّي صاحبها وهَّاباً، وهو من أبنية المبالغة...)، ثم قال: (واسم الله عزَّ وجلَّ الوهاب؛ فهو من صفات الله تعالى المنعم على العباد، والله تعالى الوَهَّاب الوَاهِب.[ الأنترنت – موقع الدرر السنية]

وهو اسم تكرر في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع،قال الله تعالى :{ رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ }،وقال تعالى :{ أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ}،وقال تعالى في ذكر دعاء نبي الله سليمان –عليه السلام-قال :{ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ }.

والوهاب:هو كثير الهبة والمنة والعطية ،و (فعّال )في كلام العرب للمبالغة ،فالله جل وعلا وهاب ،يهب لعباده من فضله العظيم ،ويوالي عليهم النعم ،و يوسع لهم في العطاء ،و يجزل لهم في النوال ، فجاءت الصفة على (فعّال) لكثرة ذلك وتواليه وتنوعه وسعته ،وهو سبحانه بيده خزائن كل شيء وملكوت السماء والأرض ومقاليد الأمور،يتصرف في ملكه كيف شاء.

وقد ذكر الله عز و جل في القرآن الكريم أنواعًا من هباته ،وذكر توجه أنبياءه والصالحين من عباده إليه في طلبها ونيلها .

وهذه الهبات المتنوعة بيده سبحانه ،فهو المالك لهذا الكون ،المتصرف فيه سبحانه كما شاء ،قال تعالى :   { لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } فاللهم لك الحمد شكرًا ،ولك المنّ فضلًا.[الأنترنت – موقع شبكة المسك – مختصر فقه الأسماء الحسنى للشيخ عبد الرزاق البدر]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

 

 

يسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثانية في موضوع (الوهاب) وستكون بعنوان :

معنى كلمة الْوَهَّابُ في القرآن الكريم

    وهب الهبة: أن تجعل ملكك لغيرك بغير عوض. يقال: وهبته هبة وموهبة وموهبا. قال تعالى: ﴿ووهبنا له إسحق﴾ [الأنعام/84]، ﴿الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق﴾ [إبراهيم/39]، ﴿إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا﴾ [مريم/19]، فنسب الملك إلى نفسه الهبة لما كان سببا في إيصاله إليها، وقد قرئ: ﴿ليهب لك﴾ (وبها قرأ قالون بخلف عنه، وورش وأبو عمرو ويعقوب. الإتحاف) فنسب إلى الله تعالى، فهذا على الحقيقة، والأول على التوسع. وقال تعالى: ﴿فوهب لي ربي حكما﴾ [الشعراء /21]، ﴿ووهبنا لداود سليمان﴾ [ص/30]، ﴿ووهبنا له أهله﴾ [ص/43]، ﴿ووهبنا له من رحمتنا أخاه هرون نبيا﴾ [مريم/53]، ﴿فهب لي من لدنك وليا يرثني﴾ [مريم/5]، ﴿ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين﴾ [الفرقان/ 74]، ﴿هب لنا من لدنك رحمة﴾ [آل عمران/8]، ﴿هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي﴾ [ص/35]، ويوصف الله تعالى بالواهب والوهاب بمعنى: أنه يعطي كلا على استحقاقه، وقوله: ﴿إن وهبت نفسها﴾ [الأحزاب/50]. والاتهاب: قبول الهبة .

وفي الحديث: ( لقد هممت أن لا أتهب إلا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي)  ، الحديث عن ابن عباس أن أعرابيا وهب للنبي صلى الله عليه وسلم هبة فأثابه عليها، قال: رضيت؟ قال: لا، فزاده، قال: رضيت؟ قال: لا، فزاده، قال: رضيت؟ قال: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد هممت أن لا أتهب هبة إلا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي). [الأنترنت – موقع المعاني - (انظر: الأسماء والصفات ص 97) أخرجه أحمد في المسند 1/295؛    وأبو داود مختصرا 3/290؛ والنسائي 6/280).]

كلام العلماء في معنى اسم الله "الوهَّاب":

يقول الطبري: "أي المُعطي عباده التوفيق والسداد للثبات على الدين وتصديق الكتاب وتصديق المرسلين"وفي زمن الفتن نحتاج أن نتواصى بهذا المعنى ولذلك ذكره الله في مقام {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا...} لأنه سيمُدُك بالثبات، وقال: "الوهَّاب أي يهب لمن يشاء ما شاء من مُلكٍ وسلطان ونبوة" ولذلك دعا سيدنا سليمان عليه السلام بهذا الدعاء، محض رحمة تستوجب أن تذل وتخضع له وتُحبه.

وقال الخطابي: "الوهَّاب هو الذي يجود بالعطاء عن ظهر يد من غير استفادة" أي من غير طلب للثواب ولا مصلحة، ويقول الحُليني: "وهو المُتفضل بالعطايا المُنعم بها لا عن استحقاق عليه".

ويقول النسفي: "الوهَّاب هو الكثير المواهب، المُصيب بها مواقعهم، الذي يقسمها على من تقتضيه حكمته"؛ أي  يفيض بالخير على الكل على وفق الحكمة.

قال ابن القيم في النونية:  

  "وكذلك الوهَّاب من اسمائه * * * * *فانظر مواهبه مدى الأزمان

   أهل السماوات العلا والأرض ****عن تلك المواهب ليس ينفكان".

يقول بعضهم في بيان هبات ربه سبحانه وتعالى: "انظر إلى هباته سبحانه تتابعت نعمه وفاض كرمه وزاد، يغفر ذنبك، يفرج كربك، يُجبر كسيرًا، يُغني فقيرًا، يشفي سقيمًا، يُخصِب عقيمًا، ويُعلم جاهلًا، ويهدي ضالًا، ويُرشد حيرانًا، ويفك أسيرًا، ويكسوعاريًا، ويُسَّلي صابرًا، ويزيد شاكرًا، ويقبل تائبًا، ويُجزي محسنًا، ويعطي محرومًا، وينشر مظلومًا، ويقصد ظالمًا، ويقيل عثرةً، ويستر عورةً، ويؤمن روعةً، ويُزيد لوعةً، ما للعباد عليه حق واجب، ولا سعيٌ لديه ضائع، إن نُعموا فَبفضلهِ أو عُذبوا فبعدلهِ، وهو الكريم الواسع سبحانه وتعالى...".

فهو الوهاب سبحانه: يهب الولد الصالح {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص:30].

والزوجة هبة {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان:74] ويقول جل في عُلاه عن نبي الله زكريا: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ...} [الأنبياء:90] هبة منه سبحانه وتعالى.

والأهل هبة يقول الله في حق نبي الله أيوب: {وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا...} [ص:43]

كذلك الأخ الصالح هبة، فعندما يرزقك الله سبحانه وتعالى بأخ صالح يكون عونا لك على طاعة الله فذلك هبة منه سبحانه وتعالى، يقول الله تعالى عن نبى الله موسي حين أرسل معه أخوه هارون: {وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً} [مريم:53].

والنبوة هبة، يقول الله عن نبي الله موسى: {...فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:21] وقال وهب لي لأنه يشعر أنه لا يستحق النبوة، لذا لم يقل أعطاني لأن العطاء قد يكون عن استحقاق.

والأخلاق الطيبة هبة، يقول النبي   في دعائه: «اللهم أهدني لأحسن الأعمال وأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت وقني سيئ الأعمال وسيئ الأخلاق لا يقي سيئها إلا أنت» (صححه الألباني) فالأخلاق الطيبة هبة من هبات الله سبحانه وتعالى ولذلك قال تعالى عن بعض أنبيائه: {وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً} [مريم:50] فهذا هو الوهَّاب سبحانه وتعالى.[الأنترنت – موقع شرح وأسرار الأسماء الحسنى -  اسم الله الوهَّــاب - هاني حلمي عبد الحميد]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

 

يسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثالثة في موضوع (الوهاب) وستكون بعنوان :

  معنى كلمة الْوَهَّابُ وما تصرف منه في القرآن الكريم

والآيات التي ذُكر فيها اسم (الوهاب ) ثلاث آيات فقط ،آية في سورة آل عمران ،وآيتان في سورة ص .

وهذه الآيات هي :

1-(رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) آل عمران: ٨ .

2-(أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ )ص؛٩ .

3-{قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ) ص: ٣٥

أما (أهب ،وهب،وهبنا ،وهبت ،ويهب،هبّ ) فذُكرت على النحو التالي :

(أهب) وردت في آية واحدة: (( قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا ))[مريم:19]؟

(وهب) وردت في آيتين :(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ۚ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ) إبراهيم: ٣٩ . (فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ )﴿٢١ الشعراء﴾

ووهبنا وردت في تسع آيات :

الأولى :(وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا) ﴿٨٤ الأنعام﴾

الثانية:(فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ) ﴿٤٩ مريم﴾

الثالثة:(وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا) ﴿50 مريم﴾

الرابعة :(وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا) ﴿٥٣ مريم﴾

الخامسة :(وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ )﴿٧٢ الأنبياء﴾

السادسة :(فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ) ﴿90 الأنبياء﴾

السابعة :(وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ) ﴿٢٧ العنكبوت﴾

الثامنة :(وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ )﴿30 ص﴾

التاسعة :(وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا) ﴿٤٣ ص﴾

(ويهب) وردت مرتين في آية واحدة : (لِّلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ، يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ )الشورى: ٤٩ .

ووهبت وردت في آية واحدة :(وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ ﴿50 الأحزاب﴾

وأما (هبّ) فوردت في آيات :

الأولى: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) آل عمران: ٨

والثانية :(فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا) ﴿٥ مريم﴾

والثالثة :(وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) الفرقان: ٧٤ .

والرابعة:( رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ) الشعراء ٨٣ .

الخامسة :فقوله تعالى : (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ) الصافات: ١..

أما السادسة ؛فقوله تعالى : {قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ) ص: ٣٥

ومن خلال الآيات السابقة ؛فإن الله سبحانه وتعالى ذكر اسمه الوهاب في مواضع معينة:

1- في سؤال الله الثبات وسؤاله الرحمة .

2- في سؤال سيدنا سليمان الله الملك العظيم الذي لا ينبغي لأحد من بعده .

3- في ذكر خزائن رحمته ،وذكر سبحانه (أهب) في هبة الغلام الزكي.

وذكر سبحانه (وهب) في شكر الخليل إبراهيم ربه على أن وهبه على الكبر إسماعيل وإسحاق ، وفي هبة الحكم .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

يسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الرابعة في موضوع (الوهاب) وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : معنى كلمة الْوَهَّابُ وما تصرف منه في القرآن الكريم  

وذكر سبحانه (وهبنا) في مواضع معينة :

١- هبة الذرية الصالحة العظيمة من الرسل. 2- هبة الرحمة .

٣- هبة الأخ الصالح الرسول . ٤- هبة الأهل .

وذكر سبحانه (وهبت) في هبة المرأة نفسها للرسول صلى الله عليه وسلم

وذكر سبحانه (يهب) في بيان تصرفه التام في هبة الذكور والإناث .

وذكر سبحانه (هبّ) في مواضع معينة :

1- في سؤال الله الرحمة .2- في سؤال الله الذرية الطيبة .

3- في سؤال الله قرة الأعين من الأزواج والذرية .

4- في سؤال الله الحكم واللحاق بالصالحين .

5- في سؤال الله من الصالحين ،وهو عائد على الذرية ؛وسؤاله الولي وهو عائد على الذرية أيضاً .

6- في سؤال سيدنا سليمان الله الملك العظيم الذي لا ينبغي لأحد من بعده .

وباختصار فإن اسم الله الوهاب وما تصرف منه ذُكر في: ( سؤال الله الثبات والرحمة ،وسؤاله الذرية وصلاحها وصلاح الأزواج ،وسؤال الله الحكم والملك ، وسؤال الله اللحاق بالصالحين ).

ودائما ما يقرن اسم الله الوهاب في الهبات العظيمة ( من الرحمة والملك والحكم والذرية الصالحة من المرسلين وهبة الأهل والتأييد بالأخ الصالح النبي ).[الأنترنت – موقع صيد الفوائد  - تأملات في اسم الله الوهَّاب - مصلح بن زويد العتيبي]

    وهَبَ فلانا شيئا أي أعطاه إياه بلا عوض أو مقابل، والاسم (واهب) و(وهوب) و(وهاب) .. والهبة أي المعطية بلا مقابل. و(الوهاب) اسم من أسماء الله الحسنى على وزن صيغة المبالغة (فعال) والله تبارك وتعالى هو الوهاب بحق إذ هو الذي يهب ما يملك، كما أنه هو الذي يعطي بلا مقابل ولا ينتظر الرد .. أما هبة المخلوق فهي هبة غير حقيقية ؛ لأنه يهب ما هو موهوب له من الله عز وجل، كما أن هبة المخلوق قلما تكون بلا مقابل، فإن لم يكن الوهاب يبغي من هبته مقابلا دنيويا فإنه لا محالة يبغي جزاء الآخرة.

والحق سبحانه وتعالى لا ينال من عطائه للعباد أي مقابل على الإطلاق .. وإن قيل إنه جل شأنه يبغي من هذا العطاء أن يعبد مصداقا لقوله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) فإننا نقول: إن هذه العبادة

التي تعبدنا بها ليست مقابلا لعطاياه جل وعلا لأنه الغني عما سواه على الإطلاق، ولا حاجة به لغيره في وجوده ولا في بقائه وفي ذلك يقول عز وجل: {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلي الله والله هو الغني الحميد  (15) إن يشأ يذهبكم ويأت بخلقٍ جديدٍ (16) وما ذلك على الله بعزيزٍ (17) } ( سورة فاطر)

ويقول في الحديث القدسي الصحيح : (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعها فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنكم لن تبلغوا شري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك ما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه).

 فالعبادة ما هي إلا مجموعة من الالتزامات تدخل في إطار (افعل ولا تفعل) الغرض منها الارتقاء الروحي والبدني بالإنسان ؛الرقي الذي يتناسب مع كونه خليفة الله في أرضه. تأمل عبادة الصلاة في الإسلام سوف تدرك على الفور الحكمة في فرضها على العباد .. انظر إلي المصلي الذي يواظب على صلاته تجده دائما نظيف البدن والمظهر مضيء الوجه، دائم الصلة بالله، كثير الذكر قليل الذنب حسن الحديث مأمون الجانب، هادئ الطبع قلما يخرج عن هدوئه ووقاره .. لأن صلاته تفكه من أسر الشيطان، وهذه السمات مجرد أمثلة لا حصر لها.

كذلك عبادة الصوم .. شرعها الله عز وجل ليتذكر الإنسان نعم الله عليه والتي يفقد الإحساس بها حينما يألفها مع التكرار، وليشعر بما يعانيه الفقير الذي لا يملك قوت يومه، ولترتقي النفس البشرية فوق الغرائز الحيوانية .. فلا يصبح إشباع الغريزة لدى الإنسان غاية كما هو الشأن لدى سائر الحيوانات، وتأخذ الغريزة بذلك موضعها الصحيح .. الطعام ليمد الإنسان بالطاقة اللازمة لاستمراره وبقائه .. والغريزة الجنسية من أجل الإنجاب وإعمار الأرض، وبذلك لا نجد بيننا ذلك الذي يتصور أن الحياة قد جعلت للطعام والشراب ومعاشرة النساء كما هو الحال في الدول التي يزعم أنها متقدمة.

إن عبادة الحج قصد بها الله عز وجل أن يلتقي المسلمون من مختلف الشعوب والأجناس حول غاية واحدة، ويتبادلون الرأي حول أمور الدنيا والآخرة. الزكاة شرعت لإعادة توزيع الدخل بانتقال جزء منه من الأغنياء إلي الفقراء لإعانتهم على المعيشة بما يمنع التحاسد والبغضاء، ويمنع انتشار الجرائم في المجتمع. كذلك الأمر بالفضائل المختلفة كالصدق والحياء والكلمة الطيبة وإماطة الأذى عن الطريق والابتسامة في وجه أخيك وغيرها، والنهي عن الرذائل كالكذب والنفاق والرياء والحسد والحقد والغيبة والنميمة وغيرها ..  الأوامر والنواهي على وجه العموم إنما شرعت لمصلحة الإنسان وليس إذلالا ومناً من الله عز وجل على العباد.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

يسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الخامسة في موضوع (الوهاب) وستكون بعنوان :

أنواع هبات الله الكريم

 الحق سبحانه وتعالى هو الوهاب أزلا وأبدا .. فحين خلقنا عز وجل من العدم كان ذلك هبة منه جل وعلا .. فبدن الإنسان هبة .. وعقله هبة .. وسمعه هبة .. وبصره هبة .. وقلبه هبة. الكون بكل ما يحوي من مخلوقات هبة منه عز وجل للإنسان .. فالهواء الذي نتنفسه هبة .. الماء الذي نشربه هبة .. والطعام الذي تخرجه لنا الأرض هبة .. والدواب التي تحملنا إلي الأماكن المتباعدة هبة .. الشمس التي تمدنا بالدفء والضوء هبة .. القمر الذي نسير على أشعته ليلا هبة منه تبارك وتعالى.

الرسالات السماوية التي يرسلها ليهدينا بها إلي سواء السبيل هبة منه جل وعلا .. الهداية والانتقال من الكفر إلي الإيمان هبة منه، وفي ذلك يقول جل شأنه: {يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحدٍ أبداً ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم }"21" (سورة النور)

الزوج هبة من الله عز وجل لزوجته، والزوجة هبة لزوجها، والأطفال هبة للوالدين وفي ذلك يقول جل وعلا: {لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور }"49" أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً إنه عليم قدير "50" (سورة الشورى)

فعطاء الله عز وجل هبة، ومنعه هبة، وقد قلنا من قبل إن النعمة قد تكمن في جوف النقمة، والنقمة قد تكمن في جوف النعمة، ولا يعلم أين الخير من الشر سوى الله عز وجل علام الغيوب. ويجب على الإنسان أن يعتقد اعتقاداً جازماً بأن كل شيء هبة من الله تبارك وتعالى حتى تلك الأشياء التي نظن أننا نكتسبها بالأسباب .. ولو ظن الإنسان أن ما به من نعمة من كسبه وعمله ونسى فضل الله عليه فإنه لا محالة سيفقد هذه النعمة .. وقد رأينا ماذا فعل الله عز وجل بقارون حينما أدعى أن ما به من نعمة قد جاءته بعلمه وعمله.

ومن الواضح من القصة أن قارون قد ارتكب عدة معاص اجتمعت معا. فحق عليه العذاب، فهو فضلا عن ادعائه بأن النعم قد آلت إليه بعلمه وعمله، لم يكن يبتغي فيما أوتي الدار الآخرة، وكان يبغي الفساد في الأرض، وكان يخرج على الناس في زينته المبالغ فيها والتي كانت تسبب للفقراء من الناس إيذاء نفسيا وتشعرهم بالإحباط والقنوط والسخط على ما هم فيه من ضيق ذات اليد....                              ورسل الله عليهم جميعا افضل الصلاة وأتم التسليم كانوا يدركون جيدا أن كل شيء موهوب من الله، لذلك كانوا في دعائهم يستخدمون الفعل (هب) دون غيره من أفعال الدعاء .. ومن هذه الأدعية التي وردت في القرآن الكريم قوله تعالى: {الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق }(سورة إبراهيم ـ 39)

وقوله سبحانه: {هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذريةً طيبة }(سورة آل عمران ـ 38)

وقوله الحق: {رب هب لي حكماً وألحقني بالصالحين }"83" (سورة الشعراء)

والإنسان يجب أن يلجأ في كل طلب إلي الله عز وجل لأنه وحده هو الوهاب الذي يعطي بلا مقابل، كما أنه هو وحده الذي يملك خزائن كل شيء، حتى تلك الأشياء التي نظن أنها بيد فلان من الناس .. وقد قلنا من قبل إن الإرادة الإلهية تسخر الأسباب، بينما الأسباب لا تملك أن تغير هذه الإرادة. والمولى عز وجل كما أخبر عن نفسه قال: {أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب }"9" (سورة ص)[الأنترنت– موقع الأسماء الحسنى

 

أعظم الهبات التي يهبها الله -سبحانه وتعالى- هي الرحمة والهداية والتوفيق، فقد يعطي الله -عز وجل- الدنيا لمن أحب ولمن كره، ولكنه لا يعطي الدين إلا لمن أحب. وإعطاؤه -عز وجل- الدنيا لمن كرهه؛ لهوانه وهوانها، فإن العطاء الدنيوي بلا عطاء ديني شقاء! فها هم فقراء المهاجرين أول الناس دخولاً الجنة، فكان حرمانهم عطاء وهبة.          إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

يسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السادسة في موضوع (الوهاب) وستكون بعنوان :  

*شهود آثار اسم الله الوهاب

لقد وهب الله -سبحانه وتعالى- كل مخلوق وجوده، وأعطاه إياه، وهو -سبحانه وتعالى- يهب لمن يشاء ما يشاء من أمر الدنيا، فيهبه المال، والصحة، والرياسة، والولد، وعطاؤه -سبحانه وتعالى- في ذلك هبة منه بلا مقابل: (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ . أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا) (الشورى:49-50).

وأعظم الهبات التي يهبها الله -سبحانه وتعالى- لعباده هي الرحمة والهداية والتوفيق، كما أخبر الله -عز وجل- عن أهل الإيمان إذ يقولون: (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (آل عمران:8). فهم يتوسلون إلى الله -عز وجل- بهذا الاسم -اسم "الوهاب"- أن يهب لهم الرحمة وأن يعطيهم إياها، وذلك بلا مقابل منهم؛ فهداية قلوبهم هبة من الله، ورحمته وثوابه على ذلك هبة منه -سبحانه وتعالى- أيضًا، وهو -عز وجل- يهب الدنيا لمن أحب ولمن كره، ولكنه لا يعطي الدين إلا لمن أحب، وإعطاؤه الدنيا لمن كرهه؛ لهوانه وهوانها، فلولا هوان الدنيا على الله -عز وجل-؛ لما سقى الكافر منها شربة ماء، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ؛ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

فالدنيا بأسرها شيء تافه ليس له قدر، خلد إبليس فيها إلى يوم يبعثون؛ لهوانه ولهوان الدنيا على الله -عز وجل-، فهو يعطي الدنيا لمن أحب ولمن كره، ولكنه لا يعطي الدين إلا لمن أحب، وعطاؤه -عز وجل- الدنيا لمن كره يجعله سببًا لشقائه وعذابه؛ إذا لم يشكر نعمة الله، ولم يعرف فضله -سبحانه وتعالى-، فيجعل الله -عز وجل- ما يعطيه له من الدنيا سببًا لعذابه وشقائه، فقد قال الله -سبحانه وتعالى-: (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ) (التوبة:55).

*معاملة اسم الله الوهاب بما يقتضيه من أفعال العباد :

ولذا؛ على العبد أن يسأل الله -عز وجل- أن يهب له طاعته وهدايته ورحمته، فلا يكون همه العطاء الدنيوي، فإن العطاء الدنيوي بلا عطاء ديني شقاء على الإنسان، وعذاب ونقمة في صورة نعمة، يحسده الناس عليها ولا يتمتع بها!

فكم مِن الكفرة والمنافقين يعطيهم الله -عز وجل- الأموال؛ ليشقوا بها ويذلوا ويخضعوا لها ويعبدوها من دون الله، ويعطيهم الأولاد فيكون هؤلاء الأولاد سببًا في شقائهم.. في تنشئتهم، ثم في عقوقهم، ثم في مفارقتهم إلى غيرها مِن أنواع الأذى التي تصلهم من أولادهم، وهذا من

جزاء عملهم.

فقد صرفوا هبة الله -عز وجل- التي وهبهم إياها في غير طاعته، واستغلوها في غير عبادته، فجعلها الله -عز وجل- نقمة عليهم وعذابًا لهم، فهو "الوهاب" -سبحانه- الذي كل موهوب وصل إلى خلقه فمن فيض بحار جوده، وفضله ونعمائه الزاخرة، كما أخبر -سبحانه وتعالى-: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ) (النحل:53).

وكما ذكرنا في عطاء الله -عز وجل- الدين لعبده، فهو وإن لم يهب له أشياء من الدنيا فإن ما وهبه الله إياه من الدين، وما أعطاه له من الطاعة يجعل ما حرمه الله -سبحانه وتعالى- من الدنيا عطاء آخر رحمة به وفضلاً عليه، فها هم فقراء المهاجرين أول الناس دخولاً الجنة ومرورًا على الصراط، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيَائِهِمْ بِخَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، فكان حرمانهم عطاء وهبة.

*الرزق قوت.. والزاد زاد الراكب :

   وتأمل سؤال النبي -صلى الله عليه وسلم- من ربه الدنيا كيف يكون؟ فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا) (متفق عليه)، فطلب الرزق من الله -عز وجل-.. طلب أن يرزقه الذي يقيته هو وأهله دون زيادة! وهو حينئذٍ في أسعد وأحسن أحواله، والقوت هو: ما يكفي دون زيادة، فانظر إلى ما ينبغي أن يطلب العبد من الدنيا.

   ولذا؛ أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه أن يكون زاد أحدهم من الدنيا كزاد الراكب، فعن خباب بن الأرت -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنَّمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ مِنَ الدُّنْيَا مِثْلُ زَادِ الرَّاكِبِ) (رواه الطبراني والبيهقي، وصححه الألباني).

أما أن يسأل الإنسان ربه -عز وجل- الدنيا.. مع أن سؤال العبد ربه -عز وجل- خير في ذاته، ولكن أن يسأله الإنسان الدنيا فإن ذلك ليس من هدي المؤمنين كاملي الإيمان؛ فكيف إذا كان سؤال الدنيا مِن غير الله -عز وجل-؟! فكيف إذا كان سؤالها بإغضاب الله -سبحانه وتعالى- وإسخاطه وإرضاء عباده؟!

فلا تكون نعمة بل نقمة، ولا تكون عطاء، بل منعًا؛ حتى وإن ظن الناس أنه قد وُهب الكثير![الأنترنت – موقع انا السلفي - تأملات في اسم الله "الوهاب" ياسر برهامي] إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

يسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السابعة في موضوع (الوهاب) وستكون بعنوان : 

*من ثمار الإيمان باسم الله “الوهاب”

1- أن ( الوهاب ) على الحقيقة هو اللَّه وحده ،فإن كل من يهب شيئًا من الخلق إنما يهب من هبات اللَّه له ، فلا بد أن يهبه اللَّه ليَهَب ، وأن يُعطيَه اللَّه ليُعطي،وأن يَرْزُقه اللَّه ليَرْزُق ،أما اللَّه فإنه يُطِعِم ولا يُطعم وهو يجير ولا يُجار عليه،قال تعالى:{وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} النحل : 53

2- دعاء اللَّه باسمه الوهاب : وهذه ثمرة معرفة اللَّه بهذا الاسم الطيب رجاؤه وسؤاله من هباته وواسع فضله سبحانه وبحمده ، فمن نظر إلى واسع كرمه وجليل نعمه طمع في رحمته ، وخير من عرف اللَّهَ هم الأنبياءُ الكرام عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام .

فانظر إلى نبي اللَّه إبراهيم عليه السلام وهو يسأل الله عز وجل الحكم والصلاح ، فيقول : { رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}الشعراء : 83 .

وتأمل نبي الله سليمان عليه السلام وهو يسأل المُلك فيقول : { رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي } ص : 35 .

وانتبه إلى دعاء نبي الله زكريا عليه السلام وهو يسأل الولد فيقول :     { رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً } آل عمران : 38 .

وقد سار الصالحون على درب الأنبياء والمرسلين عليهم السلام فتراهم يقولون : ( وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ) آل عمران : 8

3- العلم بأن الهبة ليست مجرد عطاء :فإن العطاء لا يكون هبة حتى يكون مقرونًا بطاعة وخير وبركة في الدنيا والآخرة . وهذا معنى قوله تعالى : { وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ } آل عمران : 8.

    فقد علَّم اللَّه أولياءه كيف يسألونه الإنعام والإحسان على وجه لا

يكون فيه مكر ولا استدراج ، كما فعل بالكفار حين خلق لهم ومكنَّهم مما فيه ضررهم وهلكتهم ، وقد كان الأنبياء عليهم السلام يسألون ربهم تبارك وتعالى الهبات المقرونة بالمغفرة ، كما قال تعالى عن نبيه سليمان عليه السلام : { رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا } ص : 35 .

ونبي اللَّه زكريا عليه السلام لم يسأل مجرد الولد والذرية ولكنه سأل وليًا للَّه صالحًا ؛ إذ قال : { فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا } مريم : 5

وقد وصف اللَّه عباد الرحمن فكان من دعائهم : { رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا } الفرقان : 74 .

قال ابن عباس رضي الله عنهما : يَعْنُونَ من يعمل بطاعة اللَّه فتقرَّ به أعينهم في الدنيا والآخرة .

فهم لا يسألون مجرد زوجة ، بل يسألون الصالحة منهن وهذا ما يسعدهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فاظفر بذات الدين تربت يداك )

ولا يسألون مجرد الولد والذرية ، ولكنهم يسألون أولادًا عُبَّادًا زُهَّادًا ، صالحين قانتين ، من الأبرار ليسوا من الفجار ، علماء ليسوا من الجهلاء .

4- شكر اللَّه على هباته : من رأى هبات اللَّه لا يسعه إلا أن يسبح بحمده تبارك وتعالى ، كما قال خليل الرحمن عليه السلام حين وهبه اللَّه ولديه إسماعيل وإسحاق : {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ } إبراهيم : 39

5- الرضا :الرضا إذا أُعطِي والرضا إذا مُنع : إن أُعِطيَ علم أن اللَّه عزَّ وجلَّ قد أعطاه برحمته ، وإن مُنِع علم أنّ الله تبارك وتعالى قد منعه بحكمته ، ولا يكون كعبد الدينار والدرهم ، فإنه لا يرضى إلا للدنيا ولا يسخط إلا لها ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة إن أُعطي رَضِيَ ، وإن لم يُعْطَ لم يَرْضَ) .

6- إذا آمنا أن الله هو الوهاب يعطي عباده بحكمة ويمنع لحكمة فمعنى ذلك ألا نحسد أحد على ما آتاه الله من فضله .

7-الصبر عند المصيبة وضياع النعم والهبات :فقد يكون المنع هو عين العطاء ، فإن ابتلاك اللهُ بالحرمان من نعمة بأن صرفها عنك أو أخذها بعد أن وَهَبَك إياها فلا بد وأن هناك حكمة من ذلك ، فاصبر لحكم ربك فمن أعظم ما يُسلي العبد ويُصبِّره إرجاعه الأمر لصاحبه وتسليمه المُلك لمالكه ويعلم أنه لا حق له في النعم ، ولله أن يعطي ويمنع ويقبض ويبسط ولا معقب لحكمه ولا راد لقضائه .

8- الزهد في الدنيا : هل رأينا هبة من هبات الدنيا قد بقيت لصاحبها ؟ فليعلم كل من وهبه اللَّه شيئًا من الدنيا أنه زائل عنه ولا بد ، فكما أخذه لابد أن يذهب عنه ، فلا ينشغل بالخلق عن خالقه ، ولا بالرزق عن رازقه ، ولا ينشغل بالهبة عن واهبها تبارك وتعالى ، ولا يشغله الفاني عن الباقي . قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ }

. وقال تعالى : { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ } الرحمن : 26، 27 [الانترنت – موقع إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً - الكاتب:  عبد الحليم توميات ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

 

 

يسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثامنة في موضوع (الوهاب) وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :  *ومن آثار الإيمان بهذا الاسم

1- لا شكّ أنّه لمّا كان الوهّاب بمعنى الرزّاق فآثار الإيمان به هي نفسها، وكما سبق ذكره أنّ هذا الاسم ورد ذكره ثلاث مرّات في القرآن الكريم:

مرّة بمعنى الرزّق العامّ الّذي يعمّ جميع الخلق، قال تعالى:{أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ} [ص:9]. ومرّة بمعنى الرّزق الخاصّ بالأبدان والأعيان، كقوله تعالى:{قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [ص:35]. ومرّة بمعنى الرّزق الخاصّ بالقلوب وهو الهداية:{رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8].

لذلك قال الطّبري رحمه الله في تفسيره لهذه الآية:" يعني إنّك أنت المعطي عبادك التّوفيق والسّداد للثّبات على دينك وتصديق كتابك ورسلك ".

2- أعظم هبة وهبها الله العبد هي الاستقامة على دينه، لذلك وصف الدّاعين بهذا الدّعاء بأنّهم أولو الألباب، فقال:{وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7) رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8)} [آل عران]. ولذلك كانت النبوّة أعظم هبة، قال تعالى عن موسى عليه السّلام:{فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: من الآية21]، وكذا العلم الّذي هو ميراث النبوّة.

3-الفرق بين هبة الخالق والمخلوق: وذلك من أوجه :

- الوجه الأوّل: من حيث الدّوام والاتّصال، ذكره الخطّابي رحمه الله تعالى في "شأن الدّعاء" (ص53) فقال:" فكلّ من وهب شيئا من عرض الدّنيا لصاحبه فهو واهب، ولا يستحقّ أن يسمّى وهّابا إلاّ من تصرّفت مواهبه في أنواع العطايا، فكثرت نوافله ودامت.

والمخلوقون إنّما يملكون أن يهبوا مالا أو نوالا في حال دون حال، ولا يملكون أن يهبوا شفاءً لسقيم، ولا ولدا لعقيم، ولا هُدىً لضالّ، وعافية لذي بلاء، والله الوهّاب سبحانه يملك جميع ذلك، وسع الخلقَ جودُه، فدامت مواهبه، واتّصلت مننُه وعوائده "اهـ.

- الوجه الثّاني: من حيث العوض، ذكره الرّازي في "شرح الأسماء"، وهو يُفهم مّما مضى بيانه، فأكثر الخلق إنّما يهبون من أجل عوض ينالونه، كمقابل لذلك، أو ثناء بين النّاس، وأحسنهم من يهب طمعا في الأجر من الله تعالى.

- الوجه الثّالث: أنّ هبة الله تعالى لا حصر لها، ولا عجز فيها، فهو كما مضى في شرح اسم "الرزّاق" أنّه المعطي بلا كلفة الرّازق بلا مؤنة.

- الوجه الرّابع: أنّ هبة الله تعالى ليست عن ضعف أو ذلّ، ولكنّها عن مشيئة وقدرة وعزّة، لذلك قال تعالى: { لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} [الشّورى:49]، بخلاف عطيّة العبد، فتكون أحيانا ناتجة عن ضعف.

- الوجه الخامس: أنّ هبة الله تعالى عن حكمة بالغة، لذلك ختم آية الهبة بقوله:{أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [الشورى:50].

فهبته إمّا شكر لعمل العبد، أو استدراج له، فكلّ عطاء منه أصاب موضعه، بخلاف عطيّة العبد فإنّها ربّما لم تُصِب موضعها. 

من ذلك حديث البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ:( قَالَ رَجُلٌ لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ ! فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ. فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ زَانِيَةٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ ! فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى زَانِيَةٍ، لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ.فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ غَنِيٍّ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى غَنِيٍّ ! فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى سَارِقٍ وَعَلَى زَانِيَةٍ وَعَلَى غَنِيٍّ. فَأُتِيَ، فَقِيلَ لَهُ: أَمَّا صَدَقَتُكَ عَلَى سَارِقٍ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعِفَّ عَنْ سَرِقَتِهِ، وَأَمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا، وَأَمَّا الْغَنِيُّ فَلَعَلَّهُ يَعْتَبِرُ فَيُنْفِقُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ .

4- إذا علم العبد أنّ الهبة من الله تابعة لحكمته ومشيئته، فينبغي له الرّضا بما قسم الله له:

- فالذرّية هبة من الله تعالى، وقد ذكر الله أنبياء بذرّية ذكور كنوح، ويعقوب عليهم السّلام، وذكر أنبياء لهم ذرّية إناث كنبيّ الله لوط عليه السّلام، وذكر أنبياء وليس لهم ذرّية كعيسى ويحيى ويوسف عليه السّلام، وذكر أنبياء وهبهم الله ذرّية بعد كبر في السنّ ووهن في العظم كنبي الله إبراهيم وخليله القائل:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} [إبراهيم:39]، ونبيّ الله زكريّا عليه السّلام القائل:{رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} [آل عمران: من الآية38].

بل ذكر أنّ نبيّا آتاه الله ملكا لا ينبغي لأحد بعده، ووهب له الرّياح تجري بأمره رخاء حيث أصاب، أي حيث شاء، وسخّر له الشّياطين تعمل له ما يشاء من تماثيل ومحاريب وقصور وقدور وجفان، ويغوصون في البحر يستخرجون منه اللّآلئ، وقال الله له:{هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [ص:39].

ومع ذلك لم يهب له إلاّ شقّ ولد، روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: ( قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عليهما السلام: " لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى مِائَةِ امْرَأَةٍ أَوْ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ كُلُّهُنَّ يَأْتِي بِفَارِسٍ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يَقُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يَحْمِلْ مِنْهُنَّ إِلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ جَاءَتْ بِشِقِّ رَجُلٍ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فُرْسَانًا أَجْمَعُونَ ). وليعلم أنّ الله سمّى الولد هبة، فينبغي له أن يرضى بهبة الله تعالى له، سواء أكان ذكرا أو أنثى، سواء أكان صحيحا أم سقيما، وما أقبح أن لا يرضى العبد بعطيّة الله له.

5- وممّا ينبغي لنا معرفته: أنّ هناك اسمين يُذكران عادة بهذا المعنى، وهما: ( المعطي والمانع )[الأنتر نت – موقع منتديات اذكر الله - أهمية معرفة أسماء الله الحسنى (الوهّــاب) للشيخ عبد الحليم توميات

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

يسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة التاسعة في موضوع (الوهاب) وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

*ومن آثار الإيمان باسم اللَّه ( الوهاب ) تبارك وتعالى :

 أولاً : أن ( الوهاب ) على الحقيقة هو اللَّه وحده . فإن كل من يهب شيئًا من الخلق إنما يهب من هبات اللَّه له ، وأن يُعطيَه اللَّه ليُعطي ، وأن يَرْزُقه اللَّه ليَرْزُق ، أما اللَّه فإنه يُطِعِم ولا يُطعم وهو يجير ولا يُجار عليه . وقال تعالى : { وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ } [ النحل : 53 ]

 ثانيًا : دعاء اللَّه باسمه الوهاب : رجاؤه وسؤاله من هباته وواسع فضله سبحانه وبحمده ، وخير من عرف اللَّهَ هم الأنبياءُ الكرام عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام . فانظر إلى نبي اللَّه إبراهيم عليه السلام وهو يسأل الله عز وجل الحكم والصلاح ، فيقول : { رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ } [ الشعراء : 83 ] .

ثالثًا : العلم بأن الهبة ليست مجرد عطاء : فإن العطاء لا يكون هبة حتى يكون مقرونًا بطاعة وخير وبركة في الدنيا والآخرة . قال القاضي أبو بكر العربي : ( ولا تكون الهبة منه سبحانه والعطاء إلا أن يتعلق بنوع ما يكون به منعمًا محسنًا وذلك بما لا أَلَم فيه ولا ضرر فإذا كان ما يخلق ضررًا وألمًا لم تكن هبة ) . فالمرجو منه سبحانه هبة يكون مآلها كحالها ، لا تنفصل ولا تتغير ولا يقترن بها ضررٌ ولا ألم . وقد كان الأنبياء عليهم السلام يسألون ربهم تبارك وتعالى الهبات المقرونة بالمغفرة ، كما قال تعالى عن نبيه سليمان عليه السلام : { رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا } [ ص : 35 ] . ونبي اللَّه زكريا عليه السلام لم يسأل مجرد الولد والذرية ولكنه سأل وليًا للَّه صالحًا ؛ إذ قال : { فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا } [ مريم : 5 ] قال ابن عباس رضي الله عنهما : يَعْنُونَ من يعمل بطاعة اللَّه فتقرَّ به أعينهم في الدنيا والآخرة . فهم لا يسألون مجرد زوجة ، بل يسألون الصالحة منهن وهذا ما يسعدهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فاظفر بذات الدين تربت يداك ) . ولا يسألون مجرد الولد والذرية ، ولكنهم يسألون أولادًا عُبَّادًا زُهَّادًا ، صالحين قانتين ، من الأبرار ليسوا من الفجار ، علماء ليسوا من الجهلاء .

رابعًا : شكر اللَّه على هباته : من رأى هبات اللَّه لا يسعه إلا أن يسبح بحمده تبارك وتعالى ، كما قال خليل الرحمن عليه السلام حين وهبه اللَّه ولديه إسماعيل وإسحاق : { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ } [ إبراهيم : 39 ] .

خامسًا الزهد : فليعلم كل من وهبه اللَّه شيئًا من الدنيا أنه زائل عنه ولا بد ، فكما أخذه لابد أن يذهب عنه ، فلا ينشغل بالخلق عن خالقه ، ولا بالرزق عن رازقه ، ولا ينشغل بالهبة عن واهبها تبارك وتعالى ، ولا يشغله الفاني عن الباقي

سادسًا : الرضا : الرضا إذا أُعطِي والرضا إذا مُنع . إن أُعِطيَ علم أن اللَّه عزَّ وجلَّ قد أعطاه برحمته ، وإن مُنِع علم أنّ الله تبارك وتعالى قد منعه بحكمته

سابعًا : الصبر : الصبر عند المصيبة بضياع النعم والهبات : فقد يكون المنع هو عين العطاء ، فإن ابتلاك اللهُ بالحرمان من نعمة بأن صرفها عنك أو أخذها بعد أن وَهَبَك إياها فلا بد وأن هناك حكمة من ذلك ، فاصبر لحكم ربك

ثامنا : ليس كمثله شيءٌ في هباته : إن اللَّه عزَّ وجلَّ هو ( الوهَّاب ) ، فلا يشبهه أحدٌ من مخلوقاته في هباته ، وذلك من وجوه :

 أولاً : لأنه خالق الهبات  ، ثانيًا : يهب بغير عوض ولا غرض

 ثالثًا : كثرة هباته وعظمتها الحكمة في الهبة : فإن الناس قد يهبوا من لا يستحق أو من تضره الهبة ، فيضروه من حيث أرادوا نفعه ، أمَّا اللَّه عزَّ وجلَّ فإنه حكيم فيما يهب ولمن يهب عليم بمن يستحق خبير بمن تصلحه الهبات ممن تفسده ، ولذلك فإنه لا يملك الهبة والنفع بها إلا الله وحده ، ولذلك فإنه { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } . و القلوب جبلت على حب من يحسن لها ويعطيها، فتذكر نعم الله يحي القلوب وينشطها للعبادة فقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام : ( أحبوا الله لما يغذوكم به من النعم ) وهبات الله كثيرة ولكن يجب على المؤمن أن لا يحزن إلا على ضياع هبة الهداية فهي هبة الدنيا والآخرة وما سواها هبات الدنيا وقد قيل ما حمد الله بأفضل من ( اللهم لك الحمد حمدا كثيرا مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك ) ( اللهم لك الحمد والشكر هديتنا من ضلالة وعلمتنا من جهالة ورزقتنا القرآن ، اللهم لك الحمد على حمدنا اياك ولك الحمد على القضاء والبلاء وعلى الرضا بعد البلاء ولك الحمد على ما أعطيت وما أخذت ) [ الأنترنت – موقع اسم الله الوهاب]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

يسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة العاشرة في موضوع (الوهاب) وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

*ومن آثار الإيمان باسم اللَّه ( الوهاب ) تبارك وتعالى :

1- إن الوهاب هو الله وحْده , بيده خزائن كل شيء ,الذي له مُلك السموات والأرض ومن فيهن قال:

{لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَأَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ}

قال ابن كثير : يخبر تعالى أنه خالق السماوات والأرض ومالكهما والمتصرف فيهما وأنه ما شاء كان وما لم يشأ

لم يكن , وأنه يعطي من يشاء, ويمنع من يشاء,لا مانع لما أعطى , ولا معطي لما منع , وأنه يخلق ما يشاء .

ثم قال : فجعل الناس أربعة أقسام منهم من يعطيه البنات ,ومنهم من يعطيه البنين , ومنهم من يعطيه من النوعين ذكوراً وإناثاً , ومنهم من يمنعه هذا وهذا , فيجعله عقيماً لا نسل لمن له ولا ولد له ,} إِنَّهُ عَلِيمٌ{ أي : بمن يستحق كل قسم من هذه الأقسام .}قَدِيرٌ{ أي : على ما يشاء من تفاوت الناس في ذلك . فالله سبحانه يهب ما يشاء لمن يشاء , لأنه مالك الملك

وأما العباد فإنهم ملكٌ لله سبحانه , والعبد لا يملك أن يهب شيئاً على الحقيقة . قال I: }ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ{

2-الفرق بين هبة الخالق و المخلوق :

قال الخطابي رحمه الله : فكُلُّ من وهب شيئاً من عرض الدنيا لصاحبه فهو واهب , ولا يستحق أن يسمى وهّاباً إلا من تصرفت مواهبُهُ في أنواع العطايا فكثرت نوافله ودامت ,والمخلوقون إنما يملكون أن يهبوا مالاً أو نوالاً في حال دون حال ,ولا يملكون ان يهبوا شفاءً لسقيمٍ ,ولا ولداً لعقيم , ولا هدى لضالٍ ولا عافيةً لذي بلاء , والله الوهاب سبحانه يملك جميع ذلك ,وسع الخلق جودُهُ , فدامت مواهبه واتصلت منَنُه وعوائده

3- النبوة والكتاب هبة من الله يختص بها من يشاء من عباده , وقد أنكر أقوام الرسل هذا الأمر فحكى الله عن قوم صالح  أنهم قالوا : }أَءُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ{ وقال عن كفار قريش

}أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ* أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ{

يقول ابن جرير رحمه الله (يقول تعال ذكره أم عند هؤلاء المشركين المنكرين وحي الله إلى محمد خزائن رحمة ربك يعني مفاتيح رحمة ربك يا محمد , العزيز في سلطانه , الوهاب لمن يشاء من خلقه ما يشاء من ملك وسلطان ونبوة , فيمنعوك يا محمد ما منَّ الله به عليك من الكرامة , وفضّلك به من الرسالة)).

وقال Iعن إبراهيم :}وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ{

وقال عن موسى : {فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ}

4- الملك والسلطان هبة من الله سبحانه : {وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ

وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} وقال : {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا *أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا} وهذا استفهام إنكار أي : ليس لهم نصيب من الملك بل الله وحده هو المالك للملك الذي يهب ما يشاء لمن يشاء.

وقد دعا سليمان ربه أن يهبه ملكاً لا يكون لأحد من بعده فاستجاب(الْوَهَّابْ) له: }فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ* وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ *هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ{سخر الله له الريح التي تجري بأمره حيث أراد أي : تحمله حيث شاء , والشياطين التي تعمل له ما يشاء من تماثيل ومحاريب وقصور وقدور وجفان , ويغوصون في البحار يستخرجون له اللآليء . فيا له من ملك عظيم يعجز أعظم البشر مالاً وسلطاناً أن يهب شيئاً منه, }هَذَا عَطَاؤُنَا{هذه هبة الله لمن يريد من خلقه.

5- الذرية هبة من الله أيضاً.

}لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ{ وقد وهب الله بعض الأنبياء الذرية بعد كبر السن ووهن العظم . قال I عن إبراهيم  } الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء{

وكذا زكريا وهبه الله الولد بعد ما طعن في السن وشاخ , وكانت امرأته عاقراً أيضاً كما بين الله ذلك في مطلع سورة مريم

لكن ذلك لم يمنع زكريا من الطمع في هبة الله الوهاب , فدعا ربه :}هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء{فاستجاب الله دعاءه : }فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ{أي : شفى امرأته من العقم , فحملت بيحيى فسبحان الكريم (الْوَهَّابْ). [الأنترنت – موقع شبكة الدفاع عن السنة]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

يسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الحادية عشرة في موضوع (الوهاب) وستكون بعنوان :

* الفرق بين الوهاب وغيره من الأسماء

*الفرق بين الرزاق ، والوهاب

الوهاب هذا الاسم ورد ذكره في ثلاث مواضع من القرآن ] رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [ (آل عمران: ] أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ [ (صّ:9) ] قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [ (صّ:35) لذلك لم يختلف العلماء في أنّ الوهاب اسم من أسماء الله.

معنى هذا الاسم في حق الله : قال الطبري في تفسيره : الوهاب الذي يهب لمن يشاء من خلقه ما يشاء من ملكه

 وقال الخطابي في شأن الدعاء :  هو الذي يجود بالعطاء من غير استثابة، أي من غير طلب الثواب من أحد.

وقال الحليمي في المنهاج:هو المتفضل بالعطايا،المنعم بها لا عن استحقاق عليه

قال ابن القيم في نونيته :

وكذلك الوهاب من أسماءه *** فانظر مواهبه مدى الأزمان

أهل السماوات العلى عن * * * تلك المواهب ليس ينفكان.

وبهذا ندرك الفرق بين الوهاب والرزاق، فكلمة الرزق قد تطلق على من يعطي وينتظر المقابل بخلاف الوهاب فلا ينتظر منها مقابل، فهي أكثر دلالة على العطاء والجود من الرزاق ؛ فأنت تعمل وتسعى لطلب الرزق فيرزقك الله الرزاق ، وقد لا تسعى ولكن الله الوهاب يهبك من فضله [الأنترنت – موقع الفروق بين الأسماء الحسنى المتشابهة]

     *و الفرق بين الوهاب والرزاق مايلي :

 1. من الممكن أن أصرف عليك راتب شهري هذا رزق، أما إذا وجدت هدية على مكتبك غيرالمرتب الشهري هذه هدية ولها طعم أحلى.

 2. الرزاق ما أجرى عليك من رزق يترتب على سعي "..فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ .."أما الوهاب فهو بلا سعي(اصطفاء) "وَرَبُّكَ

يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَار.."

 3. الرزاق.. السعي قبل الرزق، أما الوهاب.. السعي بعد الرزق.

 4. الرزاق.. أنت تعتاد على الرزق من شمس وقمر وماء وهواء ونور ومرتب شهري، أما الوهاب.. أنت في انتظار مفاجأة جميلة

 5. الرزاق.. أنت تعتاد على الرزق فتنسى الرزاق لأن طبيعة النفس البشرية تعتاد على الأرزاق فلا تشكر عليها، أما الوهاب.. لأن الله يريد أن يحببك ويقربك فيريك نوع أخر من الرزق على شكل هدية ليظل الحب دائم في القلب. [ الأنترنت – موقع اسم الله الوهاب]

*الفرق بين (العزيز)  و (الوهاب ) :

ومعلوم أن خزائن الله جل وعلا غير متناهية كما قال سبحانه: ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ﴾ (الحجر:12) ولما كان منصب النبوة منصباً عظيماً ودرجة عالية رفيعة، وأن القادر على هبتها يجب أن يكون عزيزاً أى كامل القدرة، وواهباً أى عظيم الجود، وذلك هو الله العزيز الوهاب، وإذا كان هو الله تعالى كامل القدرة، وكامل الجود لم يتوقف كونه واهباً لهذه النعمة على كون الموهوب غنياً أو فقيراً، من هنا اقترن وصف «العزيز» بوصف «الوهاب» ليظهر هذا المعنى وذلك فى قوله جل وعلا: ﴿أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ العَزِيزِ الوَهَّابِ﴾ والمعنى: ليست خزائن فضل الله عندهم فيتصدوا لحرمان من يشاءون حرمانه من مواهب الخير، فإن المواهب من الله يصيب بها من يشاء من عباده لا مانع لها، فإنه العزيز الذى لا يرام جنابه الوهاب الذى يعطى ما يريد لمن يريد. وفى ذلك سخرية بهؤلاء المشركين وتهكم، بلغ الغاية القصوى فى التوبيخ. [يراجع فى ذلك التفسير الكبير 25/287،882 بتصرف واختصار ،والتحرير والتنوير 32/512) ]، وجيء بصفة «العزيز» للرد على ما كانوا يزعمونه لأنفسهم وآلهتهم من ترفع وتكبر. كما جيء بصفة «الوهاب» للإشارة على أن النبوة هبة من الله تعالى لمن يختاره من عباده وهو سبحانه وتعالى أعلم حيث يجعل رسالته..  [الأنترنت – موقع أسرار اقتران اسم الله «العزيز» بغيره من الأسماء الحسنى  (التحرير والتنوير 32/216)]

   إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

يسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثانية عشرة في موضوع (الوهاب) وستكون بعنوان :

*يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ

   قال تعالى : {لِّلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ۖ وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)  الشورى﴾

   قال ابن كثير : يخبر تعالى أنه خالق السموات والأرض ومالكهما والمتصرف فيهما ، وأنه ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن ، وأنه يعطي من يشاء ، ويمنع من يشاء ، ولا مانع لما أعطى ، ولا معطي لما منع ، وأنه يخلق ما يشاء ، و ( يهب لمن يشاء إناثا ) أي : يرزقه البنات فقط - قال البغوي : ومنهم لوط ، عليه السلام ( ويهب لمن يشاء الذكور )

أي : يرزقه البنين فقط .

قال البغوي : كإبراهيم الخليل ، عليه السلام - لم يولد له أنثى ، . ( أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ) أي : ويعطي من يشاء من الناس الزوجين الذكر والأنثى ، أي : من هذا وهذا . قال البغوي : كمحمد ، عليه الصلاة والسلام ( ويجعل من يشاء عقيما ) أي : لا يولد له . قال البغوي : كيحيى وعيسى ، عليهما السلام ، فجعل الناس أربعة أقسام :

1-منهم من يعطيه البنات ، 2-ومنهم من يعطيه البنين ، 3-ومنهم من يعطيه من النوعين ذكورا وإناثا ، 4-ومنهم من يمنعه هذا وهذا ، فيجعله عقيما لا نسل له ولا يولد له ، ( إنه عليم ) أي : بمن يستحق كل قسم من هذه الأقسام ، ( قدير ) أي : على ما يشاء ، من تفاوت الناس في ذلك .

وهذا المقام شبيه بقوله تعالى عن عيسى : ( ولنجعله آية للناس ) [ مريم : 21 ] أي : دلالة لهم على قدرته ، تعالى وتقدس ، حيث خلق الخلق على أربعة أقسام : 1-فآدم ، عليه السلام مخلوق من تراب لا من ذكر ولا أنثى ، 2-وحواء عليها السلام ، [ مخلوقة ] من ذكر بلا أنثى ،     3-وسائر الخلق سوى عيسى [ عليه السلام ] من ذكر وأنثى ،        4-وعيسى ، عليه السلام ، من أنثى بلا ذكر فتمت الدلالة بخلق عيسى ابن مريم ، عليهما السلام ; ولهذا قال : ( ولنجعله آية للناس ) ، فهذا المقام في الآباء ، والمقام الأول في الأبناء ، وكل منهما أربعة أقسام ، فسبحان العليم القدير . [ موقع إسلام ويب - تفسير ابن كثير - إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي]

 يقول ابن قيم الجوزية -رحمه الله- : (فقسم سبحانه حال الزوجين إلى أربعة أقسام اشتمل عليها الوجود وأخبر أن ما قدره بينهما من الولد فقد وهبهما إياه وكفى بالعبد تعرضاً لمقته أن يتسخط ما وهبه.

وبدأ سبحانه بذكر الإناث، فقيل جبراً لهن لأجل استثقال الوالدين لمكانهن.

وقيل -وهو أحسن- إنما قدمهن لأن سياق الكلام أنه فاعل ما يشاء لا ما يشاء الأبوان فإن الأبوين لا يريدان إلا الذكور غالباً، وهو سبحانه قد أخبر أنه يخلق ما يشاء، فبدأ بذكر الصنف الذي يشاءُ، ولا يريده الأبوان.

وفيه وجه آخر: وهو أنه سبحانه قدم ما كانت تؤخره الجاهلية من أمر

البنات حتى كانوا يئدوهن أي هذا النوع المؤخر عندكم مقدم عندي في الذكر.

وتأمل كيف نكر سبحانه الإناث وعرّف الذكور فجبر نقص الأنوثة بالتقديم وجبر نقص التأخير بالتعريف فإن التعريف تنويه كأنه قال : ويهب لمن يشاء الفرسان الأعلام المذكورين الذين لا يخفون عليكم.

ثم لما ذكر الصنفين معاً قدم الذكور إعطاء لكل من الجنسين حقه من التقديم والتأخير والله أعلم بما أراد من ذلك.

والمقصود: أن التسخط بالإناث من أخلاق الجاهلية الذين ذمهم الله تعالى في قوله: {وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون}[النحل 58-59].

وقال: {وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم}[الزخرف 17]، ومن هاهنا عبر بعض المعبِّرين لرجل قال له رأيت كأن وجهي أسود فقال ألك امرأة حامل قال نعم قال تلد لك أنثى)

وقال أيضاً-رحمه الله- في "مفتاح دار السعادة" ( 2 / 188 ) : (فذكر أصناف النساء الأربعة مع الرجال:

إحداها: من تلد الإناث فقط. الثانية: من تلد الذكور فقط.

الثالثة: من تلد الزوجين الذكر والأنثى -وهو معنى التزويج هنا- أي: يجعل ما يهب له زوجين ذكراً أو أنثى.

الرابعة: العقيم التي لا تلد أصلاً؛ فهذه القسمة التي قدرها الله عزوجل لا يسع العبد المؤمن إلا أن يُسلِّم لها لأنه من الإيمان بالقدر الذي هو سر الله عزوجل

 يقول ابن القيم في مفتاح دار السعادة  [( 2 / 263 ) (2) موقع الآجري - "تحفة المودود" (ص49-50):" أنه سبحانه يُعرِّفُ عِبادَهُ عِزَّه في قضائه وقَدَرَهُ ونفوذ مشيئته، وجريان حِكمته، وأنه لا محيص للعبد عما قضاه عليه ولا مفر له منه، بل هو في قبضة مالكه وسيده، وأنه عبده وابن عبده وابن أمته، ناصيته بيده، وماضٍ فيه حكمه، عدلٌ فيه قضائه"

فمن تمام عبودية العبد لربه التسليم لقدر الله فلا يخوض في ذلك بأن يقول العبد لِمَ رزق فلان وحرمني، لم أعطى فلان ومنعني وغير هذه الأسئلة، لا يجوز التفكير فيها فضلاً على التلفظ بها، ويعلم العبد علماً يقينياً أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطئه لم يكن ليصيبه، وما شاء الله كان وما لم يشاء الله لم يكن.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

يسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثالثة عشرة في موضوع (الوهاب) وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :*يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ

   وقال المنجد : يعطي من يشاء ذكوراً وإناثاً، ويعطي من يشاء ذكوراً فقط، ويعطي من يشاء إناثاً فقط، ويجعل من يشاء عقيماً بحكمته سبحانه وتعالى، وفي هذه الآية نلاحظ تقديم الإناث على الذكور، فقال: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ } ، قال العلماء: قدم الإناث حثاً على الإحسان إليهن، وجبراً لهن لاستثقال الأبوين لمكانهن، قدمه بعكس ما كانت تفعل الجاهلية من كراهية البنات حين كانوا يئدوهن، فكأنه قال لهم: إن هذا النوع المحتقر عندكم مقدم عندي في الذكر، وقدمهن لضعفهن، وعند العجز والضعف ينبغي أن تكون العناية أبلغ.

إن هذا التكريم بخلاف ما جرت عليه عادة الجاهليين الذين كانوا يحتقرون المرأة ويهينونها، ،يعتبرونها من سقط المتاع، كانت الأنثى إذا بُشِّر بها أبوها، يقع عليه الخبر كالصاعقة: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ } سورة النحل:58-59....

ومن الناس الآن من هم على مذهب أهل الجاهلية في كراهية البنات، وإذا جاءته البنت تلو البنت، وهذا رزق ربك، تبرم وتضجر، وتشاؤم وحزن، فلما جاء الإسلام أذهب الله به ظلمة الجاهلية، فجاء بالعطف والإحسان، واعتنى بها أيما عناية، وصانها وحفظها، وفرض لها حقوقاً.

*فضل البنات:

وجاءت النصوص في البنات، ولم يرد مثلها في البنين، قال عليه الصلاة والسلام: (من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو وضم أصابعه) ؛ من ربى ابنتين إذن، وقام بمصالحهما من النفقة والكسوة، فإن فاعل ذلك قريب من النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.

وقالت عائشة رضي الله عنها: دخلت امرأة معها ابنتان لها تسأل –أي من الفقر- فلم تجد عندي شيئاً غير تمرة، فأعطيتها إياها فقسمتها بين ابنتيها، ولم تأكل منها شيئاً، ثم قامت فخرجت، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم علينا، فأخبرته، فقال: (من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له ستراً من النار) رواه البخاري ومسلم .

إذن البنت شرف ومنحةوهبة عزيزة، قال الحسن رحمه الله: البنات حسنات والبنون نعم، والحسنات مجزي عليها، والنعم محاسب عليها.

كتب بعضهم إلى صديق يهنئه بالبنت يقول: أهلاً وسهلاً بعقيلة النساء، وأم الأبناء، وجالبة الأصهار، والأولاد الأطهار،والمبشرة بإخوة يتناسقون، ونجباء يتلاحقون،فلو كان النساء كمن ذكرنا *** لفضلت النساء على الرجال

                وما التأنيث لاسم الشمس عيب *** ولا التذكير فخر للهلال

 [ الأنترنت – موقع الشيخ المنجد الرسمي]

 إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

يسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الرابعة عشرة في موضوع (الوهاب) وستكون بعنوان :

*وهب الله لأيوب أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّه

    قال تعالى عن أيوب :{وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا ﴿٤٣ ص﴾

قال الطبري :  تأويل الكلام: فاغتسل وشرب, ففرجنا عنه ما كان فيه من البلاء, ووهبنا له أهله, من زوجة وولد ( وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا ) له ورأفة ( وَذِكْرَى ) يقول: وتذكيرا لأولي العقول, ليعتبروا بها فيتعظوا.

  وقال طنطاوي في الوسيط  : الايه الكريمه معطوفه على مقدر يفهم من السياق اى استجاب ايوب لتوجيهنا فاغتسل وشرب من الماء فكشفنا عنه ما نزل به من بلاء وعاد ايوب معافى ولم نكتف بذلك بل وهبنا له اهله ووهبنا له مثلهم معهم اى بان رزقناه بعد الشفاء اولادا كعدد الاولاد الذين كانوا معه قبل شفائه من مرضه فصار عددهم مضاعفا وذلك كله رحمة منا اى من اجل رحمتنا به وذكرى لاولي الالباب اى ومن اجل ان يتذكر ذلك اصحاب العقول السليمه فيصبروا على الشدائد كما صبر ايوب ويلجاوا الى الله تعالى كما لجا فينالوا منا الرحمه والعطاء الجزيل قال الالوسى ما ملخصه قوله {ووهبنا له اهله } الجمهور على انه تعالى احيا له من مات من اهله ومثلهم معهم فكان له ضعف ما كان والظاهر ان هذه الهبه كانت فى الدنيا

  وقال ابن كثير :  قال الحسن وقتاده احياهم الله تعالى له باعيانهم وزادهم مثلهم معهم وقوله {رحمة منا } اي به على صبره وثباته وانابته وتواضعه واستكانته وذكرى لاولي الالباب اي لذوي العقول ليعلموا ان عاقبة الصبر الفرج والمخرج والراحة

   وقال ابن عاشور : اقتصار ايوب في دعائه على التعريض بازالة النصب والعذاب يشعر بانه لم يصب بغير الضر في بدنه ويحتمل ان يكون قد اصابه تلف المال وهلاك العيال كما جاء في كتاب ايوب من كتب اليهود فيكون اقتصاره على النصب والعذاب في دعائه لان في هلاك الأهل والمال نصبا وعذابا للنفس ولم يتقدم في هذه الآية ولا في آية سورة الانبياء أن أيوب رزىء أهله فيجوز أن يكون معنى {ووهبنا له أهله ومثلهم معهم } أن الله أبقى له أهله فلم يصب فيهم بما يكره وزاده بنين وحفدة ويكون فعل وهبنا مستعملا في حقيقته  ويويد هذا المحمل وقوع كلمة { معهم }عقب كلمة {ومثلهم } فان مع تشعر بأن الموهوب لاحق باهله ومزيد فيهم فليس في الآية تقدير مضاف في قوله {ووهبنا له اهله } وليس في الاخبار الصحيحة ما يخالف هذا الا اقوالا عن المفسرين ناشئة عن افهام مختلفة ويحتمل أن يكون مما اصابه أنه هلك واولاده في مدة ضره كما جاء في كتاب ايوب من كتب اليهود واقوال بعض السلف من المفسرين فيتعين تقدير مضاف اي وهبنا له عوض اهله والفاظ الآية تنبو عن هذا الوجه ،الثاني ومعنى ومثلهم مماثلهم والمراد مماثل عددهم  اي ضعف عدد اهله من بنين وحفده وتقدم نظير هذه الآية في قوله {واتيناه اهله ومثلهم معهم رحمه من عندنا وذكرى للعابدين } في سورة الانبياء 84  ، وما بين الآيتين من تغيير يسير هو مجرد تفنن في التعبير لا يقتضي تفاوتا في البلاغة واما ما بينهما من مخالفة في قوله هنا {وذكرى لاولي الالباب} وقوله في سوره الانبياء {وذكرى للعابدين} فاما قوله هنا وذكرى لاولي الالباب فان الذكر التذكير بما خفي او بما يخفى واولو الالباب هم اهل العقول اي تذكرة لاهل النظر والاستدلال فان في قصة ايوب مجملها ومفصلها ما اذا سمعه العقلاء المعتبرون بالحوادث والقائسون على النظائر استدلوا على ان صبره قدوة لكل من هو في حرج ان ينتظر الفرج فلما كانت قصص الانبياء في هذه السورة مسوقة للاعتبار بعواقب الصابرين وكان النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون مامورين بالاعتبار بها من قوله {اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الايد } كما تقدم حق ان يشار اليهم باولي الالباب واما الذي في سوره الانبياء فانه جيء به شاهدا على ان النبوءة لا تنافي البشرية وان الانبياء تعتريهم من الاحداث ما يعتري البشر مما لا ينقص منهم في نظر العقل والحكمة وانهم انما يقومون بامر الله ابتداء من قوله تعالى {وما ارسلنا قبلك الا رجالا يوحى اليهم } الانبياء 7 وانهم معرضون لاذى الناس مما لا يخل بحرمتهم الحقيقية واقصى ذلك الموت من قوله {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد افان مت فهم الخالدون } الانبياء 34 واذ كان المشركون يقولون {نتربص به ريب المنون} الطور 30 وحاولوا قتله غير مرة فعصمه الله ثم من قوله {ولقد استهزىء برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون } الانعام 10 ثم قال  { ولقد اتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعه مشفقون } الانبياء 48 49 وذكر من الانبياء من ابتلي من قومه فصبر ومن ابتلي من غيرهم فصبر وكيف كانت عاقبه صبرهم واحدة مع اختلاف الاسباب الداعية اليه فكانت في ذلك ايات للعابدين اي الممتثلين امر الله المجتنبين نهيه فان مما امر به الله الصبر على ما يلحق المرء من ضر لا يستطيع دفعه لكون دفعه خارجا عن طاقته فختم بخاتمة ان في ذلك لايات للعابدين [الأنترنت – موقع  (وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا)]

وقال السعدي : {وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ} قيل: إن الله تعالى أحياهم له {وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ} في الدنيا، وأغناه الله، وأعطاه مالا عظيما {رَحْمَةً مِنَّا} بعبدنا أيوب، حيث صبر فأثبناه من رحمتنا ثوابا عاجلا وآجلا. {وَذِكْرَى لأولِي الألْبَابِ} أي: وليتذكر أولو العقول بحالة أيوب ويعتبروا، فيعلموا أن من صبر على الضر، أن الله تعالى يثيبه ثوابا عاجلا وآجلا ويستجيب دعاءه إذا دعاه. [ الأنترنت - المكتبة الشاملة]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

يسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الخامسة عشرة في موضوع (الوهاب) وستكون بعنوان :

*رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّايَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي

قال تعالى : {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي ، إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ }﴿٣٥ ص﴾

قال الطبري : يقول تعالى ذكره: قال سليمان راغبا إلى ربه: ربّ استر عليّ ذنبي الذي أذنبت بيني وبينك, فلا تعاقبني به ( وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي ) لا يسلبنيه أحد كما سلبنيه قبل هذه الشيطان. [الأنترنت – موقع تفسير الطبري ] وقال القرطبي : يقال : كيف أقدم سليمان على طلب الدنيا ، مع ذمها من الله تعالى ، وبغضه لها ، وحقارتها لديه ؟ . فالجواب : أن ذلك محمول عند العلماء على أداء حقوق الله تعالى وسياسة ملكه ، وترتيب منازل خلقه ، وإقامة حدوده ، والمحافظة على رسومه ، وتعظيم شعائره ، وظهور عبادته ، ولزوم طاعته ، ونظم قانون الحكم النافذ عليهم منه ، وتحقيق الوعود في أنه يعلم ما لا يعلم أحد من خلقه حسب ما صرح بذلك لملائكته فقال : إني أعلم ما لا تعلمون وحاشا سليمان - عليه السلام - أن يكون سؤاله طلبا لنفس الدنيا ; لأنه هو والأنبياء أزهد خلق الله فيها ، وإنما سأل مملكتها لله ، كما سأل نوح دمارها وهلاكها لله ، فكانا محمودين مجابين إلى ذلك ، فأجيب نوح فأهلك من عليها ، وأعطي سليمان المملكة . وقد قيل : إن ذلك كان بأمر من الله - عزوجل - على الصفة التي علم الله أنه لا يضبطه إلا هو وحده دون سائر عباده ، أو أراد أن يقول ملكا عظيما فقال : لا ينبغي لأحد من بعدي وهذا فيه نظر . والأول أصح . ثم قال له : هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب قال الحسن : ما من أحد إلا ولله عليه تبعة في نعمه غير سليمان بن داود - عليه السلام - فإنه قال : {هذا عطاءنا ....}  الآية [الأنترنت – موقع تفسير القرطبي]

  وقال ابن عطية في المحرر الوجيز: "أراد أن يفرده بين البشر لتكون خاصة له وكرامة، وهذا هو الظاهر من قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في خبر العفريت الذي عرض له في صلاته، فأخذه وأراد أن يوثقه بسارية من سواري المسجد، قال: «ثم ذكرت قول أخي سليمان: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي فأرسلته». وقال قتادة، وعطاء بن أبي رباح: إنما أراد سليمان: لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي مدة حياتي، أي لا أسلبه ويصير إلى أحد كما صار إلى الجني"[الأنترنت – موقع إسلام ويب – مركز الفتوى]

   وقَالَ ابن كثير : قَالَ بَعْضهمْ مَعْنَاهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي أَيْ لَا يَصْلُح لِأَحَدٍ أَنْ يَسْلُبَنِيهِ بَعْدِي كَمَا كَانَ مِنْ قَضِيَّة الْجَسَد الَّذِي أُلْقِيَ عَلَى كُرْسِيّه لَا أَنَّهُ يَحْجُر عَلَى مَنْ بَعْده مِنْ النَّاس وَالصَّحِيح أَنَّهُ سَأَلَ مِنْ اللَّه تَعَالَى مُلْكًا لَا يَكُون لِأَحَدٍ مِنْ بَعْده مِنْ الْبَشَر مِثْله وَهَذَا هُوَ ظَاهِر السِّيَاق مِنْ الْآيَة وَبِذَلِكَ وَرَدَتْ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة مِنْ طُرُق عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْبُخَارِيّ عِنْد تَفْسِير هَذِهِ الْآيَة حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم أَخْبَرَنَا رَوْح وَمُحَمَّد بْن جَعْفَر عَنْ شُعْبَة عَنْ مُحَمَّد بْن زِيَاد عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إِنَّ عِفْرِيتًا مِنْ الْجِنّ تَفَلَّتَ عَلَيَّ الْبَارِحَة - أَوْ كَلِمَة نَحْوهَا لِيَقْطَع عَلَيَّ الصَّلَاة فَأَمْكَنَنِي اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْهُ وَأَرَدْت أَنْ أَرْبِطهُ إِلَى سَارِيَة مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِد حَتَّى تُصْبِحُوا وَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلّكُمْ فَذَكَرْت قَوْل أَخِي سُلَيْمَان عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام " رَبّ اِغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي " قَالَ رَوْح فَرَدَّهُ خَاسِئًا [الأنترنت – موقع تفسير ابن كثير]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

يسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السادسة عشرة في موضوع (الوهاب) وستكون بعنوان :

* وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ

قال تعالى : {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴿٣٠ ص﴾

قال ابن كثير: يَقُول تَعَالَى مُخْبِرًا أَنَّهُ وَهْب لِدَاوُدَ سُلَيْمَان أَيْ نَبِيًّا كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ " وَوَرِثَ سُلَيْمَان دَاوُد " أَيْ فِي النُّبُوَّة وَإِلَّا فَقَدْ كَانَ لَهُ بَنُونَ غَيْره فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ عِنْده مِائَة اِمْرَأَة حَرَائِر وَقَوْله تَعَالَى " نِعْمَ الْعَبْد إِنَّهُ أَوَّاب " ثَنَاء عَلَى سُلَيْمَان بِأَنَّهُ كَثِير الطَّاعَة وَالْعِبَادَة وَالْإِنَابَة إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عَمْرو بْن خَالِد حَدَّثَنَا الْوَلِيد بْن جَابِر حَدَّثَنَا مَكْحُول قَالَ لَمَّا وَهَبَ اللَّه تَعَالَى لِدَاوُدَ سُلَيْمَان قَالَ لَهُ يَا بُنَيَّ مَا أَحْسَن ؟ قَالَ سَكِينَة اللَّه وَالْإِيمَان قَالَ فَمَا أَقْبَح ؟ قَالَ كُفْر بَعْد إِيمَان قَالَ فَمَا أَحْلَى قَالَ رُوح اللَّه بَيْن عِبَاده قَالَ فَمَا أَبْرَد ؟ قَالَ عَفْو اللَّه عَنْ النَّاس وَعَفْو النَّاس بَعْضهمْ عَنْ بَعْض قَالَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام فَأَنْتَ نَبِيٌّ. [الأنترنت – موقع الرو 7 - تفسير ابن كثير]

و سليمان بن داود -عليهما السلام- مِن سبط يهوذا بن يعقوب: قال الله -تعالى-: (وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) (ص:30).

 وصفه الله بالقوة في العبادة كما وصف أباه: قال -تعالى-: (وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ).

 وورث سليمان داود في الملك والنبوة لا المال: قال -تعالى-: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ) (النمل:16).

 والأنبياء لا يورثون وإلا كان لداود تسعة عشر ولدًا غيره -فيما يُروى عن أهل الكتاب-: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ) (متفق عليه).

وكلاهما مرسل: لكن كان داود -عليه السلام- عبدًا رسولاً، وكان سليمان -عليه السلام- ملكًا رسولاً.

ومِن الأنبياء مَن جمع الله له بيْن المُلك والنبوة: مثل : "سليمان - يوسف".

* بيان فضل العبد الرسول على النبي الملِك:

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: جَلَسَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ فَإِذَا مَلَكٌ يَنْزِلُ فَقَالَ جِبْرِيلُ: إِنَّ هَذَا الْمَلَكَ مَا نَزَلَ مُنْذُ يَوْمِ خُلِقَ قَبْلَ السَّاعَةِ، فَلَمَّا نَزَلَ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ رَبُّكَ أَفَمَلَكاً نَبِيًّا يَجْعَلُكَ أَوْ عَبْداً رَسُولاً؟  

قَالَ: جِبْرِيلُ تَوَاضَعْ لِرَبِّكَ يَا مُحَمَّدُ. قَالَ: (بَلْ عَبْداً رَسُولاً) (رواه أحمد، وصححه الألباني). قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "وحال العبد الرسول أكمل مِن حال النبي الملك، كما هو حال نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، فإنه كان عبدًا رسولاً مؤيدًا مطاعًا متبوعًا، وبذلك يكون له مثل أجر مَن تبعه، وينتفع به الخلق، فالعبد الرسول أفضل عند الله مِن النبي الملك، ولهذا كان أمر نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم أفضل عند الله مِن داود وسليمان ويوسف -عليهم السلام-") اهـ.

* مظاهر ما وهبه الله لسليمان -عليه السلام-:

أولا : الحكمة على حداثة سنه:

- تحكيمه في قصة الغنم: قال الله -تعالى-: (وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ) (الأنبياء:78).

- تحكيمه في قصة المرأتين:- في الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (بَيْنَمَا امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا جَاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بِابْنِ إِحْدَاهُمَا، فَقَالَتْ هَذِهِ لِصَاحِبَتِهَا: إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ أَنْتِ. وَقَالَتِ الأُخْرَى: إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ. فَتَحَاكَمَتَا إِلَى دَاوُدَ فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى، فَخَرَجَتَا عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ -عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ- فَأَخْبَرَتَاهُ فَقَالَ: ائْتُونِي بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَكُمَا. فَقَالَتِ الصُّغْرَى: لاَ، يَرْحَمُكَ اللَّهُ هُوَ ابْنُهَا. فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى).

ثانيا: تسخير الريح لسليمان -عليه السلام-:

- قال الله -تعالى-: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ) (سبأ:12)، قال الحسن: "كان يغدو مِن دمشق فينزل بأصطخر فيتغذى، ويذهب رائحًا منها فيبيت بكابل"، وقال -تعالى-: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ) (الأنبياء:81).

- وذكر ابن كثير -رحمه الله-: "أنه كان له بساط تحمله الريح فيه الدور المبنية والخيام والأمتعة، والخيول والجمال والرجال، وغير ذلك... ".

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

يسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السابعة عشرة في موضوع (الوهاب) وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :* مظاهر ما وهبه الله لسليمان -عليه السلام-:

ثالثا: تسخير الجن لسليمان -عليه السلام-:

- كان ذلك لسليمان -عليه السلام- وحده: قال الله -تعالى-: (وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ . يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ) (سبأ:12-13)، وقال -تعالى-: (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ) (النمل:17). وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الْجِنِّ تَفَلَّتَ عَلَيَّ الْبَارِحَةَ لِيَقْطَعَ عَليَّ الصَّلاَةَ، فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ إِلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، حَتَّى تُصْبِحُوا وَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ، فَذَكَرْتُ قَوْلَ أَخِي سُلَيْمَانَ: رَبِّ هَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) (متفق عليه).

رابعًا: أسال الله له عين القطر:

 قال تعالى-: (وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) (سبأ:12)، وهو النحاس المذاب، كما ألان الحديد لوالده داود -عليه السلام- فقال -تعالى- عنه: (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) (سبأ:10)، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "إنه النحاس"، وعين القطر كانت باليمن أنبعها الله له, فكان يأخذ منها ما يحتاج إليه للبنايات، وغيرها.

خامسا: تعليمه منطق الطير والحيوان :

- قال الله -تعالى-: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا

 مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) (النمل:16). وقال -تعالى-: (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ . حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (النمل:17-18).الأنترنت – موقع صوت السلفيين - دروس مِن قصة نبي الله سليمان -عليه السلام-  كتبه/ سعيد محمود]

  وقال ابن عاشور : جعل التخلص الى مناقب سليمان عليه السلام من جهه انه من منن الله على داود عليه السلام فكانت قصه سليمان كالتكملة لقصة داود ولم يكن لحال سليمان عليه السلام شبه بحال محمد صلى الله عليه وسلم فلذلك جزمنا بان لم يكن ذكر قصته هنا مثالا لحال محمد صلى الله عليه وسلم وبانها اتمام لما انعم الله به على داود اذ اعطاه سليمان ابنا بهجة له في حياته وورث ملكه بعد مماته كما انبأ نا عنه تعالى فقال {ووهبنا لداوود سليمان} الآية ولهذه النكته لم تفتتح قصه سليمان بعبارة  {واذكر } كما افتتحت قصة داود ثم قصة ايوب والقصص بعدها مفصلها ومجملها غير انها لم تخل من مواضع اسوة وعبرة وتحذير على عادة القرآن من افتراض الارشاد ومن حسن المناسبة لذكر موهبة سليمان [الأنترنت – موقع تفسير التحريروالتنوير]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

يسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثامنة عشرة في موضوع (الوهاب) وستكون بعنوان :

  *رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ

  قال تعالى : { إني ذاهب إلى ربي سيهدين رب هب لي من الصالحين}

قال ابن كثير : يقول تعالى مخبراً عن خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام، أنه بعدما نصره اللّه تعالى على قومه، وأيس من إيمانهم بعد ما شاهدوا من الآيات العظيمة، هاجر من بين أظهرهم وقال: { إني ذاهب إلى ربي سيهدين رب هب لي من الصالحين} يعني أولاداً مطيعين يكونون عوضاً عن قومه وعشيرته الذين فارقهم، قال اللّه تعالى: { فبشرناه بغلام حليم} هذا الغلام هو إسماعيل عليه السلام، فإنه أول ولد بشر به إبراهيم عليه السلام، وهو أكبر من إسحاق باتفاق المسلمين وأهل الكتاب، بل في نص كتابهم أن إسماعيل ولد ولإبراهيم عليه السلام ست وثمانون سنة، وولد إسحاق في عمر إبراهيم عليه الصلاة والسلام تسع وتسعون سنة، وعندهم أن اللّه تبارك وتعالى أمر إبراهيم أن يذبح ابنه ووحيده، وفي نسخة أخرى: بكره، فأقحموا ههنا كذباً وبهتاناً إسحاق ولا يجوز هذا لأنه مخالف لنص كتابهم، وإنما أقحموا إسحاق لأنه أبوهم، وإسماعيل أبو العرب، حسدوهم، وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الذبيح هو إسحاق وحكي ذلك عن طائفة من السلف، حتى نقل عن بعض الصحابة رضي اللّه عنهم أيضاً، وليس ذلك في كتاب ولا سنة، وما أظن ذلك تلقي إلا عن أحبار أهل الكتاب وأخذ ذلك مُسَلَّماً من غير حجة، وهذا كتاب اللّه شاهد ومرشد إلى أنه إسماعيل، فإنه ذكر البشارة بغلام حليم، وذكر أنه الذبيح، ثم قال بعد ذلك: { وبشرناه بإسحاق نبياً من الصالحين} ، ولما بشرت الملائكة إبراهيم بإسحاق قالوا { إنا نبشرك بغلام عليم} ، وقال تعالى: { فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} أي يولد في حياتهما ولد يسمى يعقوب فيكون من ذريته عقب ونسل، فكيف يمكن بعد هذا أن يؤمر بذبحه صغيراً؟ وإسماعيل وصف ههنا بالحليم لأنه مناسب لهذا المقام، وقوله تعالى: { فلما بلغ معه السعي} أي كبر وترعرع وصار يذهب مع أبيه ويمشي معه، قال ابن عباس ومجاهد: { فلما بلغ معه السعي} بمعنى شب وارتحل، وأطاق ما يفعله أبوه من السعي والعمل { قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى} قال عبيد بن عمير: رؤيا الأنبياء وحي، ثم تلا هذه الآية: { قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى} ؟، وإنما أعلم ابنه بذلك ليكون أهون عليه، وليختبر صبره وجلده وعزمه في صغره على طاعة اللّه تعالى وطاعة أبيه { قال يا أبت افعل ما تؤمر} أي امض لما أمرك اللّه من ذبحي، { ستجدني إن شاء اللّه من الصابرين} أي سأصبر وأحتسب ذلك عند اللّه عزَّ وجلَّ، وصدق صلوات اللّه وسلامه عليه فيما وعد، ولهذا قال اللّه تعالى: { واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً} ، قال تعالى: { فلما أسلما وتله للجبين} أي فلما تشهدا وذكرا اللّه تعالى إبراهيمُ على الذبح وشهد الولد شهادة الموت، وقيل: { أسلما} يعني استسلما وانقادا، إبراهيم امتثل أمر اللّه تعالى وإسماعيل طاعة للّه ولأبيه قاله مجاهد وعكرمة وقتادة والسدي وهو الأظهر ، ومعنى { تلّه للجبين} : أي صرعه على وجهه ليذبحه من قفاه، ولا يشاهد وجهه عند ذبحه ليكون أهون عليه، قال ابن عباس: { وتله للجبين} أكبه على وجهه وهو قول مجاهد وسعيد بن جبير والضحّاك وقتادة . عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أنه قال: لما أمر إبراهيم عليه السلام بالمناسك عرض له الشيطان عند السعي فسابقه، فسبقه إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ثم ذهب به جبريل عليه السلام إلى جمرة العقبة، فعرض له الشيطان، فرماه بسبع حصيات، حتى ذهب، ثم عرض له عند الجمرة الوسطى، فرماه بسبع حصيات، ثم تلَّه للجبين، وعلى إسماعيل عليه الصلاة والسلام قميص أبيض: فقال له يا أبت إنه ليس لي ثوب تكفني فيه غيره، فأخلعه حتى تكفني فيه، فعالجه ليخلعه، فنودي من خلفه: { أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا} فالتفت إبراهيم، فإذا بكبش أبيض أقرن أعين" "هذا جزء من حديث رواه الإمام أحمد عن ابن عباس موقوفاً". وقوله تعالى: { وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا} أي قد حصل المقصود من رؤياك بإضجاعك ولدك للذبح، وذكر السدي وغيره أنه أمرَّ السكين على رقبته فلم تقطع شيئاً، بل حال بينها وبينه صفحة من نحاس، ونودي إبراهيم عليه الصلاة والسلام عند ذلك { قد صدقت الرؤيا} ، وقوله تعالى: { إنا كذلك نجزي المحسنين} أي هكذا نصرف عمن أطاعنا المكاره والشدائد، ونجعل لهم من أمرهم فرجاً ومخرجاً كقوله تعالى: { ومن يتق اللّه يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب} قال تعالى: { إن هذا لهو البلاء المبين} أي الاختبار الواضح الجلي حيث أمر بذبح ولده فسارع إلى ذلك، مستسلماً لأمر اللّه تعالى منقاداً لطاعته ولهذا قال تعالى: { وإبراهيم الذي وفى} [الأنترنت – موقع تفسير بن كثير]

وقال الشنقيطي : اعلم ، وفقني الله وإياك ، أن القرآن العظيم قد دل في موضعين ، على أن الذبيح هو إسماعيل لا إسحاق . أحدهما في " الصافات " ، والثاني في " هود " .

أما دلالة آيات " الصافات " على ذلك ، فهي واضحة جدا من سياق الآيات ، وإيضاح ذلك أنه تعالى قال عن نبيه إبراهيم وقال{ إني ذاهب إلى ربي سيهدين رب هب لي من الصالحين فبشرناه بغلام حليم فلما بلغ معه السعي قال يابني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال ياأبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن ياإبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم وتركنا عليه في الآخرين سلام على إبراهيم كذلك نجزي المحسنين } قال بعد ذلك عاطفا على البشارة الأولى : {وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين }، فدل ذلك على أن البشارة الأولى شيء غير المبشر به في الثانية ; لأنه لا يجوز حمل كتاب الله على أن معناه : فبشرناه بإسحاق ، ثم بعد انتهاء قصة ذبحه يقول أيضا : وبشرناه بإسحاق ، فهو تكرار لا فائدة فيه ينزه عنه كلام الله ، وهو واضح في أن الغلام المبشر به أولا الذي فدي بالذبح العظيم ، هو إسماعيل ، وأن البشارة بإسحاق نص الله عليها مستقلة بعد ذلك . [الأنترنت - تفسير أضواء البيان للشنقيطي]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

 

 

يسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة التاسعة عشرة في موضوع (الوهاب) وستكون إستكمالا

للماضية والتي هي بعنوان :*رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ

  والصلاح: ضد الفساد، وهما مختصّان في أكثر الاستعمال بالأفعال، وقُوبل في القرآن تارة بالفساد، وتارة بالسيئة، قال تعالى: ﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا﴾ سورة التوبة، الآية 102.، وقال تعالى: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾  الأعراف، الآية: 56. [  انظر: مفردات القرآن، مادة (صلح)]

هذه الدعوة ضمن دعوات إبراهيم عليه السلام حيث سأل اللَّه تعالى أن يهب له ولداً صالحاً، فبعد أن طلب الصلاح لنفسه: ﴿رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ طلب الصلاح من اللَّه تعالى لذريته، حتى يتم الكمال له ولذريته، ومطلب الصلاح هو سؤال الأنبياء والمرسلين .                                        فقد طلبه سليمان عليه السلام فقال: ﴿وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾ سورة النمل، الآية: 19. وطلبه يوسف عليه السلام فقال: ﴿تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ سورة يوسف، الآية: 101.، وهي -كما تقدم – دعوة نبينا محمد عليه السلام: (اللَّهم توفنا مسلمين، وأحينا مسلمين،وألحقنا بالصالحين )؛ لأن الصلاح هو أفضل الخصال، وأسماها، وأشرف مقامات السالكين إلى اللَّه تعالى، فمن ناله صلح أمره وشأنه في الدنيا، وحسنت عاقبته في الآخرة. فإن الولد الصالح من أعظم النعم، و أقرِّ الأعين، وأحبِّ المُنى، وهل يكون الفلاح في الآخرة إلا بالصلاح، وسؤال اللَّه تعالى الصلاح للذرية يدخل فيه سؤال اللَّه صلاح البدن ، والخلق، والدِّين أن يكون سليماً مستقيماً في خِلْقته، وخُلُقه في ظاهره وباطنه، وهذه من أعظم النعم التي يتمناها كل عبدٍ صالح .

و قوله: ﴿رَبِّ هَبْ لِي﴾ فيه بيان أن رزق الولد الصالح مِنَّةٌ ربانيةٌ، ومِنحةٌ إلهيةٌ، والهبة هي: عطاء بلا عوض، ولا ثمن، فالهبة منه عز وجل كمال محض؛ لأن الإعطاء منه تفضلاً، وابتداءً من غير استحقاق، ولا مكافأة [(انظر: النهاية، 5/ 231، واللسان، 6/ 4929) ]

قوله: ﴿مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ قَيّد في سؤاله الصلاح، وهذا أمر مهمٌّ؛ لأن من

 الذرية ما يكون سبباً للهمِّ والنّكَدِ، وسوء الخُلُقِ.

قال ابن جرير الطبري رحمه اللَّه: يقول: يا ربِّ هبْ لي منك ولداً يكون من الصالحين الذين يطيعونك، ولا يعصونك، ويصلحون في الأرض، ولا يفسدون [( تفسير الطبري، 1/ 314)]

ففي صلاح الذرية النفع الكبير للوالدين في الدارين، ففي الدنيا طاعتهما، والقيام على خدمتهما، وبذل المعروف لهما، وبعد موتهما بالدعاء لهما، قال النبي صلى الله عليه وسلم (إذا ماتَ الإِنْسانُ انْقَطَعَ عنه عَمَلُهُ إلاَّ مِنْ ثَلاَثةٍ: صَدَقَةٍ جارِيَةٍ، أوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أوْ وَلَدٍ صالحٍ يَدْعُو لهُ) [صحيح مسلم، كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، برقم 1631]

، وقوله عليه الصلاة و السلام: ((بَخٍ بَخٍ, خَمْسٌ مَا أَثْقَلَهُنَّ فِي الْمِيزَانِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ, وَسُبْحَانَ اللَّهِ, وَالْحَمْدُ لِلَّهِ, وَاللَّهُ أَكْبَرُ, وَالْوَلَدُ الصَّالِحُ يُتَوَفَّى لِلْمَرْءِ الْمُسْلِمِ فَيَحْتَسِبُهُ) [السنن الكبرى للنسائي، 6/ 50، برقم 9995، ومسند الإمام أحمد، 24/ 430وغبرهم ، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، برقم 1557، ورقم 2009]

   وفي الآخرة من رفع الدرجات ، والمنازل العُلا، قال عليه الصلاة و

السلام : (إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: أَنَّى هَذَا؟ فَيُقَالُ:

بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ) [سنن ابن ماجه، أبواب الأدب، باب بر الوالدين، برقم 3660، ومسند أحمد، 16/ 357، برقم 10611، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير، برقم 2497، وحسّنه في سلسلة الأحاديث الصحيحة، 4/ 129، برقم 1598، وصحيح ابن ماجه، برقم 3650]

وفي لفظ آخر موقوفاً على أبي هريرة: (ترفعُ للميّت بعدَ موتِهِ درجتُه، فيقولُ: أيْ ربِّ، أيُّ شيءٍ هذا؟ فيُقالُ: ولدُكَ استغفَرَ لَكَ) [ الأدب المفرد للبخاري، ص 28، برقم 36، وحسّن إسناده الألباني في صحيح الأدب المفرد، ص 17، برقم 27]

ولمّا كانت هبة الولد الصالح عطية عظيمة من اللَّه تعالى، ونعمة جليلة من نعمه، كان شكرها، وحمد الرب تبارك وتعالى عليها واجباً على العبد، كما قال تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّه عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ﴾ سورة البقرة، الآية: 231.؛ ولأن بالشكر تدوم النعم﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ سورة إبراهيم، الآية: 7.، فقد وفّى خليل الرحمن بهذه النعمة خير التمام، حيث قال: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾( سورة إبراهيم، الآية: 39. أكد الجملة بـ(إنَّ) و هي حرف توكيد، تنصب الاسم، وترفع الخبر، وكذلك أنها تفيد العليّة كما صرح بذلك الأصوليون. [انظر: القياس في القرآن الكريم والسنة النبوية، وليد الحسيني ]

، و(اللام) للدعاء، والإجابة، أي وهب اللَّه لي على الكبر إسماعيل، وإسحاق؛ لأنه تعالى سميع الدعاء، وهذه هي عادة اللَّه تبارك وتعالى مع الصادقين السائلين أن يجيبهم، ويؤتيهم سؤلهم؛ لأنه سبحانه وتعالى مجيب لمن دعاه، كما دلّ قوله تعالى: ﴿فَبَشَّرْنَاهُ﴾ (بالفاء التي تفيد التعقيب والترتيب والسببية، أي فبسبب دعائه ببشارته)[  تفسير سورة الصافات للعلامة ابن عثيمين رحمه الله، ص 234] ، ودلّت هذه البشارة أنها جاءت عقب الدعاء مباشرة، كما دلّ على ذلك بـ(الفاء) التي تدلّ على التعقيب دون مهلة، وهذا يدلّ على عظم شأن الدعاء، فما استجلبت النعم، ودفعت النقم بمثله

*تضمن هذا الدعاء من الفوائد:

1- إن كل أحد وإن علا قدره من البشر مفتقر إلى اللَّه عز وجل ومفتقر إلى من يغنيه، لقوله تعالى: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِن الصَّالِحِينَ﴾ .

2- أهمية الصلاح، وأنه مطمع، ومأمل كل الأنبياء والمرسلين والصالحين، فينبغي للعبد أن يسأله له، ولأهله، ولذريته، ولجميع المسلمين.

3- ينبغي للعبد حين سؤاله ربه الذرية أن يقيّدها بالصلاح .

4- أهمية التوسل إلى اللَّه حال الدعاء بأسمائه الحسنى، وكذلك بصفاته الفعلية العُلا، ومنها (الهبة) المشتقة من اسمه تعالى (الوهّاب) .

5- الإكثار من الدعاء للأبناء بالصلاح؛ لأن الذرية الصالحة من آثار العبد الصالح، كما في دعاء إبراهيم، وإسماعيل عليهما السلام: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ﴾.

6- على العبد أن يتخيّر في دعائه أحسن الألفاظ، وأجمل المعاني، كما دلّ قوله: ﴿هَبْ لِي﴾ .

7- أن الذرية الصالحة هبة محضة من اللَّه تعالى، فمن أوتيها ينبغي له أن يحمد اللَّه تعالى عليها كثيراً .

8- أن من أعظم أسباب هبة الولد الصالح الدعاء .

9- يحسن للداعي أن يذكر بعض الأمور الحميدة التي يتمناها حال سؤاله.

10- أهمية الدعاء في حياة المؤمن؛ لما فيه من تحصيل المنافع، واعطاء المرجو في العاجل والآجل [الأنترنت –موقع الكلم الطيب]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

يسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة العشرون في موضوع (الوهاب) وستكون بعنوان :

*من خصوصيات النبي أن وهبت إمرأة نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم

قال ابن كثير : قال تعالى : {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ ﴿٥٠ الأحزاب﴾ أي : ويحل لك - يأيها النبي - المرأة المؤمنة إذا وهبت نفسها لك أن تتزوجها بغير مهر إن شئت ذلك . وهذه الآية توالى فيها شرطان ، كقوله تعالى إخبارا عن نوح ، عليه السلام ، أنه قال لقومه : ( ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم )  هود : 34  ، وكقول موسى : ( يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين )  يونس : 84  . وقال هاهنا : ( وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها ) وقد قال الإمام أحمد : حدثنا إسحاق ، أخبرنا مالك ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد الساعدي ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت : يا رسول الله ، إني قد وهبت نفسي لك . فقامت قياما طويلا فقام رجل فقال : يا رسول الله ، زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( هل عندك من شيء تصدقها إياه ) ؟ فقال : ما عندي إلا إزاري هذا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن أعطيتها إزارك جلست لا إزار لك ، فالتمس شيئا ) . فقال : لا أجد شيئا . فقال : ( التمس ولو خاتما من حديد ) فالتمس فلم يجد شيئا ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( هل معك من القرآن شيء ؟ ) قال : نعم; سورة كذا ، وسورة كذا - لسور يسميها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :( زوجتكها بما معك من القرآن ) أخرجاه من حديث مالك

وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا مرحوم ، سمعت ثابتا يقول : كنت مع أنس جالسا وعنده ابنة له ، فقال أنس : جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا نبي الله ، هل لك في حاجة ؟ فقالت ابنته : ما كان أقل حياءها . فقال : ( هي خير منك ، رغبت في النبي ، فعرضت عليه نفسها ) .

انفرد بإخراجه البخاري ، من حديث مرحوم بن عبد العزيز العطار ،عن ثابت البناني ، عن أنس ، به

والغرض من هذا أن اللاتي وهبن أنفسهن  من النبي صلى الله عليه وسلم كثير ، كما قال البخاري ، حدثنا زكريا بن يحيى ، حدثنا أبو أسامة قال : هشام بن عروة حدثنا عن أبيه ، عن عائشة قالت : كنت أغار من اللاتي وهبن أنفسهن من النبي صلى الله عليه وسلم وأقول : أتهب امرأة نفسها ؟ فلما أنزل الله : ( ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ) قلت : ما أرى ربك إلا يسارع في هواك .

وقوله : ( خالصة لك من دون المؤمنين ) قال عكرمة : أي : لا تحل الموهوبة لغيرك ، ولو أن امرأة وهبت نفسها لرجل لم تحل له حتى يعطيها شيئا . وكذا قال مجاهد والشعبي وغيرهما [الأنترنت – موقع إسلام ويب – المكتبة الإسلامية – تفسير ابن كثير]

    وقال ابن العربي : قوله : { وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي } وسبب نزول هذه الآية: أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوقـفت عليه ، وقالت : يا رسول الله ; إني وهبت لك نفسي . الحديث إلى آخره  .

وورد في ذلك للمفسرين خمسة أقوال :

الأول : نزلت في ميمونة بنت الحارث ، خطبها لرسول الله صلى الله عليه وسلم جعفر بن أبي طالب ، فجعلت أمرها إلى العباس عمه .

وقيل : وهبت نفسها له ; قاله الزهري ، وعكرمة ، ومحمد بن كعب ، وقتادة .

الثاني : أنها نزلت في أم شريك الأزدية ، وقيل العامرية ، واسمها غزية ; قاله علي بن الحسين ، وعروة ، والشعبي .

الثالث : أنها زينب بنت خزيمة أم المساكين . الرابع : أنها أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط .الخامس : أنها خولة بنت حكيم السلمية .

والذي يتحقق أنها لما قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : وهبت نفسي لك ; فسكت عنها ، حتى قام رجل فقال : زوجنيها يا رسول الله إن لم تكن لك بها حاجة .

ولو كانت هذه الهبة غير جائزة لما سكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ; لأنه لا يقر على الباطل إذا سمعه ، حسبما قررناه في كتب الأصول .

ويحتمل أن يكون سكوته ; لأن الآية قد كانت بالإحلال ويحتمل أن يكون

 سكت منتظرا بيانا ; فنزلت الآية بالتحليل والتخيير ; فاختار تركها

وزوجها من غيره .

ويحتمل أن يكون سكت ناظرا في ذلك حتى قام الرجل لها طالبا .

وقد روى مسلم ، عن عائشة أنها قالت : كنت أغار من اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالت : أما تستحي امرأة أن تهب نفسها ، حتى أنزل الله : { ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء } فقلت : ما أرى ربك إلا يسارع في هواك .

فاقتضى هذا اللفظ أن من وهبت نفسها للنبي عدة ، ولكنه لم يثبت عندنا أنه تزوج منهن واحدة أم لا .

وقوله : { وامرأة } المعنى أحللنا لك امرأة تهب نفسها من غير صداق فإنه أحل له في الآية قبلها أزواجه اللاتي آتى أجورهن .

وهذا معنى يشاركه فيه غيره ; فزاده فضلا على أمته أن أحل له الموهوبة ، ولا تحل لأحد غيره [الأنترنت – موقع إسلام ويب – المكتبة الإسلامية – تفسير أحكام القرءان ، لابن العربي]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

يسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الواحدة والعشرون في موضوع (الوهاب) وستكون بعنوان :

*قول موسى لفرعون :فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ

قال تعالى : {فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِى رَبِّى حُكْمًا وَجَعَلَنِى مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ }(الشعراء - 21)

   قال الطبرى : يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل موسى لفرعون ففررت منكم معشر الملا من قوم فرعون لما خفتكم ان تقتلوني بقتلي القتيل منكم {فوهب لي ربي حكما }يقول فوهب لي ربي نبوة وهي الحكم كما حدثنا موسى بن هارون قال ثنا عمرو قال ثنا اسباط عن السدي {فوهب لي ربي حكما }والحكم النبوة وقوله {وجعلني من المرسلين }يقول والحقني بعداد من ارسله الى خلقه مبلغا عنه رسالته اليهم بارساله اياي اليك يا فرعون   وقال البغوى : {ففررت منكم لما خفتكم } الى مدين {فوهب لي ربي حكما } يعني النبوة وقال مقاتل يعني العلم والفهم وجعلني من المرسلين

 وقال القرطبى : اي خرجت من بينكم الى مدين كما في سورة القصص {فخرج منها خائفا يترقب } وذلك حين القتل فوهب لي ربي حكما يعني النبوة ; عن السدي وغيره الزجاج تعليم التوراة التي فيها حكم الله وقيل علما وفهما وجعلني من المرسلين

  وقال ابن عاشور : قوله ففررت منكم اي فرارا مبتدئا منكم لانهم سبب فراره وهو بتقدير مضاف اي من خوفكم والضمير لفرعون وقومه الذين ائتمروا على قتل موسى كما قال تعالى {وجاء رجل من اقصى المدينه يسعى قال يا موسى ان الملا ياتمرون بك ليقتلوك } القصص 20 والحكم الحكمة والعلم واراد بها النبوة وهي الدرجه الاولى حين كلمه ربه ثم قال {وجعلني من المرسلين} اي بعد ان اظهر له المعجزة وقال له  { اني اصطفيتك على الناس } الاعراف 144 ارسله بقوله { اذهب الى فرعون انه طغى }طه 24[الأنترنت – موقع  {فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ}]

*رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ

قال تعالى : {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ واجعلنا للمتقين إماما }٧٤ الفرقان

  قال ابن كثير : يعني الذين يسألون اللّه أن يخرج من أصلابهم من ذرياتهم من يطيعه ويعبده وحده لا شريك له، قال ابن عباس: يعنون من يعمل بطاعة اللّه فتقر به أعينهم في الدنيا والآخرة، قال عكرمة: لم يريدوا بذلك صباحة ولا جمالاً، ولكن أرادوا أن يكونوا مطيعين.

وسئل الحسن البصري عن هذه الآية فقال: أن يرى اللّه العبد المسلم من زوجته ومن أخيه ومن حميمه طاعة اللّه، لا واللّه لا شيء أقر لعين المسلم من أن يرى ولداً، أو ولد ولد، أو أخاً أو حميماً مطيعاً للّه عزَّ وجلَّ. وقال ابن أسلم: يعني يسألون اللّه تعالى لأزواجهم وذرياتهم أن يهديهم للإسلام، وقوله تعالى: { واجعلنا للمتقين إماما} قال ابن عباس والحسن والسدي: أئمة يقتدي بنا في الخير، وقال غيرهم: هداة مهتدين دعاة إلى الخير، ولهذا ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: ولد صالح يدعو له، أو علم ينتفع به من بعده، أو صدقه جارية). وقال الطبري : الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَالَّذِينَ يَرْغَبُونَ إِلَى اللَّه فِي دُعَائِهِمْ وَمَسْأَلَتهمْ بِأَنْ يَقُولُوا : { رَبّنَا هَبْ لَنَا مِنْ

أَزْوَاجنَا وَذُرِّيَّاتنَا } مَا تَقَرّ بِهِ أَعْيُننَا مِنْ أَنْ تُرِينَاهُمْ يَعْمَلُونَ بِطَاعَتِك [الأنترنت – موقع الرو 7] أي يا ربنا هب لنا من هباتك العظيمة الكثيرة أزواجاً، وذرية صالحة ؛ من يعمل لك بالطاعة، فتقرّ أعيننا بهم في الدنيا والآخرة .فهم يلحّون بهذا السؤال، كما أفاد الفعل المضارع (يقولون) أن يرزقهم اللَّه تعالى من يخرج من أصلابهم ومن ذرياتهم من يطيعه، ويعبده وحده لا شريك له .

وهذا الدعاء لأزواجهم وذريتهم في صلاحهم؛ فإنه دعاء لأنفسهم؛ لأن نفعه يعود عليهم، ويدوم في الدنيا والآخرة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عنه عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ،  أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ)، وفي الآخرة مرافقتهم في جنات النعيم، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾.

بل ويعود هذا النفع إلى عموم المسلمين؛ لأن بصلاح من ذُكر يكون سبباً لصلاح كثير ممن يتعلق بهم، وينتفع بهم .

 وهذا هو الشعور الفطري الإيماني العميق، شعور الرغبة في مضاعفة السالكين في الدرب إلى اللَّه عز وجل ، وفي أولهم الذرية والأزواج، فهم أقرب الناس تبعة، وهم أول أمانة يُسأل عنها الرجال .

﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾: أي واجعلنا أئمة هدىً يقتدي بنا أهل التقوى، في الفعل، والقول، وفي إقامة الدين، وسؤالهم أن يجعلهم أئمة للمتقين يُقتدَى بهم، هو طلب من اللَّه أن يهديهم، ويوفقهم، ويمنَّ عليهم بالعلوم النافعة، والأعمال الصالحة الظاهرة والباطنة التي توصلهم إلى هذه المنزلة العليّة .

  إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

يسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثانية والعشرون في موضوع (الوهاب) وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ

قال تعالى : {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ ،وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا }٧٤ الفرقان

وسؤالهم هذا هو كذلك سؤال لأعلى درجات العبودية، وهي درجات

 الكمَّل من عباد اللَّه، والصدّيقين، وهي درجة الإمامة في الدين، وهذه الدرجة السامية لا تتمّ إلا بالصبر واليقين، كما قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾، فهذا الدعاء دلّ بمنطوقة ومفهومه على سؤال اللَّه أن يكونوا كاملين لهم ولغيرهم، هادين مهتدين، وهذه أعلى الحالات، وأجلّ الكمالات، ولمّا كانت هممهم ورغباتهم عالية، كان الجزاء من جنس العمل، فجازاهم بالمنازل والدرجات العالية ﴿أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا﴾ .

الفوائد:

1- أهمية هذه الدعوة كسابقتها لثناء اللَّه تعالى على قائليها، وكذلك ملازمتهم، وتكرارهم هذه الدعوة بين الحين والآخر، كما أفاد الفعل المضارع (يقولون).

2-  إن هبة اللَّه تعالى من أعظم النعم، ولذلك توسّلوا بها .

3- إن سؤال اللَّه تبارك وتعالى إصلاح الزوجة والذرية من المقاصد المهمّة

 التي ينبغي للداعي الاعتناء بها .

4-  ينبغي للداعي أن يعظم رغبته في الدعاء، وأن يسأل اللَّه تعالى أعلى المطالب، وأسمى المراتب، كما في سؤالهم اللَّه تعالى أعلى مراتب الدين ﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾.

5-  فيه بيان لعظم الدعاء، وأنه من أعظم الأسباب في إعطاء المرجوّ، وأنه يدلّ على عظم كرم اللَّه تعالى، وكمال قدرته، وسمعه، وعلمه، ويدلّ على محبّة اللَّه تعالى له، ولعلك يا عبد اللَّه قد علمت لماذا وصفهم تعالى بهذه الصفات الجميلة، والخصال الحميدة، وشرّفهم بأن أضافهم إلى نفسه الكريمة، فجاهِدْ نفسك بأن تكون على شاكلتهم[ الأنترنت – موقع الكلم الطيب]

  وقال السعدي : وإذا استقرأنا حالهم وصفاتهم عرفنا من هممهم وعلو مرتبتهم أنهم لا تقر أعينهم حتى يروهم مطيعين لربهم عالمين عاملين وهذا كما أنه دعاء لأزواجهم وذرياتهم في صلاحهم فإنه دعاء لأنفسهم لأن نفعه يعود عليهم ولهذا جعلوا ذلك هبة لهم فقالوا: {هَبْ لَنَا} بل دعاؤهم يعود إلى نفع عموم المسلمين لأن بصلاح من ذكر يكون سببا لصلاح كثير ممن يتعلق بهم وينتفع بهم.

{وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} أي: أوصلنا يا ربنا إلى هذه الدرجة العالية، درجة الصديقين والكمل من عباد الله الصالحين وهي درجة الإمامة في الدين وأن يكونوا قدوة للمتقين في أقوالهم وأفعالهم يقتدى بأفعالهم، ويطمئن لأقوالهم ويسير أهل الخير خلفهم فيهدون ويهتدون.

ومن المعلوم أن الدعاء ببلوغ شيء دعاء بما لا يتم إلا به، وهذه الدرجة -درجة الإمامة في الدين- لا تتم إلا بالصبر واليقين كما قال تعالى: {وَجَعَلْنَاهم أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} فهذا الدعاء يستلزم من الأعمال والصبر على طاعة الله وعن معصيته وأقداره المؤلمة ومن العلم التام الذي يوصل صاحبه إلى درجة اليقين، خيرا كثيرا وعطاء جزيلا وأن يكونوا في أعلى ما يمكن من درجات الخلق بعد الرسل.

ولهذا، لما كانت هممهم ومطالبهم عالية كان الجزاء من جنس العمل فجازاهم بالمنازل العاليات فقال: {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا} أي: المنازل الرفيعة والمساكن الأنيقة الجامعة لكل ما يشتهى وتلذه الأعين وذلك بسبب صبرهم نالوا ما نالوا كما قال تعالى: {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} ولهذا قال هنا {وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا} من ربهم ومن ملائكته الكرام ومن بعض على بعض ويسلمون من جميع المنغصات والمكدرات.

والحاصل: أن الله وصفهم بالوقار والسكينة والتواضع له ولعباده وحسن الأدب والحلم وسعة الخلق والعفو عن الجاهلين والإعراض عنهم ومقابلة إساءتهم بالإحسان وقيام الليل والإخلاص فيه، والخوف من النار

والتضرع لربهم أن ينجيهم منها وإخراج الواجب والمستحب في النفقات والاقتصاد في ذلك - وإذا كانوا مقتصدين في الإنفاق الذي جرت العادة بالتفريط فيه أو الإفراط، فاقتصادهم وتوسطهم في غيره من باب أولى- والسلامة من كبائر الذنوب والاتصاف بالإخلاص لله في عبادته والعفة عن الدماء والأعراض والتوبة عند صدور شيء من ذلك، وأنهم لا يحضرون مجالس المنكر والفسوق القولية والفعلية ولا يفعلونها بأنفسهم وأنهم يتنزهون من اللغو والأفعال الردية التي لا خير فيها، وذلك يستلزم مروءتهم وإنسانيتهم وكمالهم ورفعة أنفسهم عن كل خسيس قولي وفعلي، وأنهم يقابلون آيات الله بالقبول لها والتفهم لمعانيها والعمل بها، والاجتهاد في تنفيذ أحكامها، وأنهم يدعون الله تعالى بأكمل الدعاء، في الدعاء الذي ينتفعون به، وينتفع به من يتعلق بهم وينتفع به المسلمون من صلاح أزواجهم وذريتهم، ومن لوازم ذلك سعيهم في تعليمهم ووعظهم ونصحهم لأن من حرص على شيء ودعا الله فيه لا بد أن يكون متسببا فيه، وأنهم دعوا الله ببلوغ أعلى الدرجات الممكنة لهم وهي درجة الإمامة والصديقية....

ولما كان الله تعالى قد أضاف هؤلاء العباد إلى رحمته واختصهم بعبوديته لشرفهم وفضلهم ربما توهم متوهم أنه وأيضا غيرهم فلم لا يدخل في العبودية؟فأخبر تعالى أنه لا يبالي ولا يعبأ بغير هؤلاء وأنه لولا دعاؤكم إياه دعاء العبادة ودعاء المسألة ما عبأ بكم ولا أحبكم فقال: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} أي: عذابا يلزمكم لزوم الغريم لغريمه وسوف يحكم الله بينكم وبين عباده المؤمنين. [ الأنترنت –تفسير السعدي ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

يسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثالثة والعشرون في موضوع (الوهاب) وستكون بعنوان :

* وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ

     قال الطبري : قال تعالى : (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (90 الأنبياء )، يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم :واذكر يا محمد زكريا حين نادى ربه ( رب لا تذرني فردا) وحيدا لا ولد لي ولا عقب ( وأنت خير الوارثين ) يقول : فارزقني وارثا من آل يعقوب يرثني ، ثم رد الأمر إلى الله فقال {وأنت خير الوارثين }، يقول الله جل ثناؤه : فاستجبنا لزكريا دعاءه ، ووهبنا له يحيى ولدا ووارثا يرثه ، وأصلحنا له زوجه .

واختلف أهل التأويل في معنى الصلاح الذي عناه الله جل ثناؤه بقوله

( وأصلحنا له زوجه ) فقال بعضهم : كانت عقيما فأصلحها بأن جعلها ولودا . [ الأنترنت  - موقع تفسير الطبري]

   وقال ابن كثير : يخبر تعالى عن عبده زكريا حين طلب أن يهبه اللّه ولداً يكون من بعده نبياً، { إذ نادى ربه} أي خفية عن قومه { رب لا تذرني فردا} أي لا ولد لي ولا وارث يقوم بعدي في الناس { وأنت خير الوارثين} دعاء وثناء مناسب للمسألة، قال اللّه تعالى: { فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه} أي امرأته، قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير: كانت عاقراً لا تلد فولدت، وقوله: { إنهم كانوا يسارعون في الخيرات} أي في عمل القربات وفعل الطاعات {ويدعوننا رغبا ورهبا} قال الثوري: رغباً فيما عندنا، ورهباً مما عندنا { وكانوا لنا خاشعين} ، قال ابن عباس: أي مصدقين بما أنزل اللّه، وقال مجاهد: مؤمنين حقاً، وقال أبو العالية: خائفين، وقال الحسن وقتادة والضحّاك { خاشعين}   أي متذللين للّه عزَّ وجلَّ، وكل هذه الأقوال متقاربة. [ الأنترنت – موقع تفسير ابن كثير]

   وقال السعدي : أي: واذكر عبدنا ورسولنا, زكريا, منوها بذكره, ناشرا

 لمناقبه وفضائله, التي من جملتها, هذه المنقبة العظيمة المتضمنة لنصحه الخلق, ورحمة الله وإياه. وأنه " نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا " أي: " قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا " .

من هذه الآيات علمنا أن قوله " رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا " أنه لما تقارب أجله.

خاف أن لا يقوم أحد بعده مقامه في الدعوة إلى الله, والنصح لعباد الله, وأن يكون في وقته فردا, ولا يخلف من يشفعه ويعينه, على ما قام به.

" وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ " أي: خير الباقين, وخير من خلفني بخير, وأنت أرحم بعبادك مني. ولكني أريد ما يطمئن به قلبي, وتسكن له نفسي, ويجري في موازيني ثوابه.{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ }سورة الأنبياء الآية رقم 90

" فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى " النبي الكريم, الذي لم يجعل الله له من قبل سميا.

" وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ " بعد ما كانت عاقرا, لا يصلح رحمها للولادة فأصلح الله رحمها للحمل, لأجل نبيه زكريا. وهذا من فوائد الجليس, والقرين الصالح, أنه مبارك على قرينه. فصار يحيى مشتركا بين الوالدين.

ولما ذكر هؤلاء الأنبياء والمرسلين, كلا على انفراده, أثنى عليهم عموما فقال: " إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ " أي: يبادرون إليها ويفعلونها في أوقاتها الفاضلة, ويكملونها على الوجه اللائق, الذي ينبغي ولا يتركون فضيلة يقدرون عليها, إلا انتهزوا الفرصة فيها.

" وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا " أي يسألوننا الأمور المرغوب فيها, من مصالح الدنيا والآخرة, ويتعوذون بنا, من الأمور المرهوب منها, من مضار الدارين, وهم راغبون لا غافلون, لاهون ولا مدلون.

" وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ " أي خاضعين متذللين متضرعين, وهذا لكمال معرفتهم بربهم.[ الأنترنت –موقع تفسير السعدي – سورة الأنبياء]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الرابعة والعشرون في موضوع (الوهاب) وستكون بعنوان :

*قال تعالى : {وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا ﴿٥٣ مريم﴾

  قال البغوى : ووهبنا له من رحمتنا اخاه هارون نبيا وذلك حين دعا موسى فقال " واجعل لي وزيرا من اهلي هارون اخي " طه 29 30 فاجاب الله دعاءه وارسل هارون ولذلك سماه هبه له

 وقال ابن كثير : وقوله {ووهبنا له من رحمتنا اخاه هارون نبيا} اي واجبنا سواله وشفاعته في اخيه فجعلناه نبيا كما قال في الآية الاخرى {واخي هارون هو افصح مني لسانا فارسله معي ردءا يصدقني اني اخاف ان يكذبون } القصص 34 وقال {قد اوتيت سولك يا موسى } طه 36 وقال {فارسل الى هارون ولهم علي ذنب فاخاف ان يقتلون } الشعراء 13 14 ; ولهذا قال بعض السلف ما شفع احد في احد شفاعة

 في الدنيا اعظم من شفاعة موسى في هارون ان يكون نبيا ،

    وقال ابن عاشور : معنى هبة اخيه له ان الله عززه به واعانه به اذ جعله نبيا وامره ان يرافقه في الدعوة لان في لسان موسى حبسه وكان هارون فصيح اللسان فكان يتكلم عن موسى بما يريد ابلاغه وكان يستخلفه في مهمات الامة وانما جعلت تلك الهبة من رحمة الله لان الله رحم موسى اذ يسر له اخا فصيح اللسان واكمله بالانباء حتى يعلم مراد موسى مما يبلغه عن الله تعالى ولم يوصف هارون بانه رسول اذ لم يرسله الله تعالى وانما جعله مبلغا عن موسى واما قوله تعالى {فقولا انا رسولا ربك }  طه 47 فهو من التغليب [الأنترنت – موقع  وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا]

*وقال تعالى:{وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا ﴿٥٠ مريم﴾

قال الطبرى : ووهبنا لهم من رحمتنا يقول جل ثناوه ورزقناهم جميعا ؛ يعني ابراهيم واسحاق ويعقوب من رحمتنا وكان الذي وهب لهم من رحمته ما بسط لهم في عاجل الدنيا من سعه رزقه واغناهم بفضله وقوله {وجعلنا لهم لسان صدق عليا }يقول تعالى ذكره ورزقناهم الثناء الحسن والذكر الجميل من الناس ؛كما روى عن ابن عباس قوله {وجعلنا لهم لسان صدق عليا } يقول الثناء الحسن وانما وصف جل ثناوه اللسان الذي جعل لهم بالعلو لان جميع اهل الملل تحسن الثناء عليهم والعرب تقول قد جاءني لسان فلان تعني ثناءه او ذمه;

وقيل في التفسير الميسر : ووهبنا لهم جميعا من رحمتنا فضلا لا يحصى، وجعلنا لهم ذكرًا حسنًا، وثناءً جميلا باقيًا في الناس.

 وقال طنطاوي في الوسيط: {ووهبنا لهم} اى لابراهيم واسحاق ويعقوب من رحمتنا بان جعلناهم انبياء ومنحناهم الكثير من فضلنا واحسانا ورزقنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا بان صيرنا الناس يثنون عليهم ويمدحونهم ويذكرونهم بالذكر الجميل لخصالهم الحميده واخلاقهم الكريمه وهكذا نرى ان اعتزال الشرك والمشركين والفسق والفاسقين يودى الى السعاده الدينيه والدنيويه وما اصدق قوله تعالى {فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له اسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا } وخص سبحانه هنا اسحق ويعقوب بالذكر دون اسماعيل لان اسماعيل سيذكر فضله بعد هذا

وقال البغوى : {ووهبنا لهم من رحمتنا } قال الكلبي المال والولد وهو قول الاكثرين قالوا ما بسط لهم في الدنيا من سعه الرزق وقيل الكتاب والنبوة {وجعلنا لهم لسان صدق عليا} يعني ثناء حسنا رفيعا في كل اهل

 الاديان فكلهم يتولونهم ويثنون عليهم

وقال ابن كثير : وقوله ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا قال علي بن ابي طلحه عن ابن عباس يعني الثناء الحسن وكذا قال السدي ومالك بن انس وقال ابن جرير انما قال عليا ; لان جميع الملل والاديان يثنون عليهم ويمدحونهم صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين [الأنترنت – موقع  {وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا}

  وقال المنجد : لا يُعرف أحد أعظم في منته على أخيه من موسى - عليه السلام - فإنه لم يزل يسأل ربه حين أوحى إليه أن يجعل معه أخاه حتى أجاب الله دعاءه وجعل معه أخاه هارون نبياً.

والله - عز وجل - وهب له أخاه هارون نبياً رحمة منه - عز وجل -  قال الله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا } سورة مريم:53 فكان هذا الأخ الصالح والشقيق الطيِّب، والنبي المؤازِر، والوزير المعاوِن، واليد اليمنى، والساعد الكبير والنصير باللسان، والمعين بالرأي والبدن له تلك المشاركة العظيمة بين أخوين في مهمة جليلة جداً هي النبوة والرسالة ومواجهة المعاندين.

 تميز هارون - عليه السلام - بالفصاحة، قال الله عن موسى: { وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا } سورة القصص: 34 ومعنى ذلك أنه أحسن بياناً وأدرى من موسى بلهجة القوم الذين تركهم موسى هذه السنين العشر.

ومن ميزات هارون - عليه السلام - أنه كان رفيقاً ليِّن الجانب، ولذلك لما خاطب موسى في قصة العجل ماذا قال؟ {قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي } سورة طـه:94.

وكان قلب هارون - عليه السلام - رؤوفاً رحيماً رؤوماً مشفقاً، تميز بالرفق، وكان يتحلى بالحكمة والصبر، ولذلك حاول أن يجمع ما تبقى من بني إسرائيل في قصة العجل رغم اضطهادهم له، قال الله تعال: {قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي } سورة الأعراف:150 كما أنه تحلَّى بالشجاعة في القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع أولئك الفراعنة.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الخامسة والعشرون في موضوع (الوهاب) وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

   * {وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا }

   وقيل: إن هارون - عليه السلام - كان أكبر من موسى - عليه السلام - بسنة، وقيل بثلاث، وهو في الخبرة ببني القبط وقوم فرعون يفوق موسى - عليه السلام - من جهة أنه كان قبله في مخالطتهم وأكثر منه في مدة المكث معهم ومعايشتهم، وهذه الخبرة مهمة في الدعوة لهؤلاء القوم.

جمع الله لهارون - عليه السلام - بين الصفات الدينية والأخلاقية، فكان صادقاً، أميناً، تقياً، صالحاً، هيّناً، ليّناً، سهلاً، مطيعاً لموسى - عليه السلام -، ويندر أن تجد أخاً أكبر يلين مع أخيه الأصغر ويطيعه، فموسى هو الأمير وهارون هو الوزير، فهو وإن كان أكبر من موسى لكنه يسلم له في القياد.

وقد بلغ من منزلة هارون - عليه السلام - أن نبينا - صلى الله عليه وسلم - لما لقيه ليلة المعراج في السماء الخامسة قال له: (مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح).

أثبت الله أثر هارون في الدعوة إليه فقال تعالى عن السحرة: {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى } سورة طـه:70،وهذا يدل على جهده.

وقد تتفاوت صفات الأنبياء ومقاماتهم، فلا شك أن موسى - عليه السلام - أفضل وأعلى، قال الله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ } سورة البقرة: 253 وموسى كليم الله.

وقد كان موسى صاحب شجاعة وبأس وشدة، وكان هارون ذا حلم ورفق هائباً لموسى مسلساً القيادة له، وهذا المزيج من قوة موسى وحلم هارون ورفقه كان ضرورياً جداً في قيادة بني إسرائيل، ولذلك فإن مما يحتاج إليه القائد إذا كان شديداً أن يختار ولاة ومعاونين له فيهم لين ورأفة ورقة، وإذا كان هيناً ليناً اختار معه من يكون فيه قوة وبأس؛ حتى تعتدل الأمور ولا ينفلت الزمام، وهذا يفسر استعمال أبي بكر الصديق لخالد بن الوليد القوي، ثم مات أبو بكر فتولى عمر فعيَّن أبا عبيدة بدلاً من خالد في بعض المواقع.

قال شيخ الإسلام بن تيمية - رحمه الله -: "كان عمرو بن العاص أحد الأمراء، وأبو عبيدة الجراح أيضاً، وقدم أبو بكر عليهم خالد بن الوليد لشجاعته ومنفعته في الجهاد ، فلما توفي أبو بكر ولى عمر بن الخطاب  أبا عبيدة أميراً على الجميع ؛ لأن عمر كان شديداً في الله، فولى أبا عبيدة لأنه كان ليناً، وكان أبو بكر ليناً وخالد شديداً على الكفار، فولى اللين الشديد، وولى الشديد اللين؛ ليعتدل الأمر، وكلاهما فعل ما هو أحب إلى الله في حقه".[انتهى كلامه - رحمه الله -].

لما كان التعاون في إقامة الدين والدعوة إليه درجة عظيمة طلبها موسى لأخيه، فقال: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا } سورة القصص:34، ومن ذا الذي يذكر اليوم ميزة أخيه عليه؟ قال: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي } سورة القصص: 34ردءاً يصدقني يعني معيناً يصدقني؛ لأن مواجهة هؤلاء المعاندين الجبابرة تحتاج إلى من يؤيد على الحق ويصدق عليه ويؤمِّن.

وقال الله - سبحانه - عن موسى - عليه السلام -: {وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي* هَارُونَ أَخِي* اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي* وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي* كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا* وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا* إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا } سورة طـه:29-35.

فأجاب الله هذا الدعاء الخالص من ذلك الشقيق والأخ المحب لشقيقه فقال الله - عز وجل -: {قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى } سورة طـه:36.

لقد ناشد موسى ربه فقال: {وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا } سورة طـه:29 يعني مؤازراً يؤازرني ومعيناً يعاونني ومساعداً يساعدني على من أرسلت إليهم، ويتحمل معي الأعباء، ويحمل معي الأثقال، ويا لها من مسؤولية كبيرة في الدعوة إلى الله ومواجهة هؤلاء الطغاة.

 والوزير مع الملك أو الأمير يحمل ثقله، ويعينه برأيه، وهو مشتق من الوزر الذي هو الثقل، لأنه يحمل الثقل عن أميره، ويعتصم الأمير برأيه ويلجأ إليه في أموره، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا أراد الله بالأمير خيراً جعل له وزير صدق، إن نسي ذكَّره، وإن ذكَر أعانَه، وإذا أراد الله به غير ذلك جعل له وزير سوء، إن نسي لم يذكِّره وإن ذكر لم يعِنْه)،ولذلك قال العلماء : ومن سعادة السلطان أن يسهل الله له وزيراً صالحاً ومشيراً ناصحاً.

   قال موسى - عليه السلام -:{ وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي } سورة طـه: 29 بكونه أشفق وأوثق وأقرب وأعون، فمعه علاقة إضافية في أخوة الدين وهي أخوة النسب، وإنها لقريبة جداً، وسأله أن يكون من أهله؛ لأنه من باب البر وأحق ببر الإنسان قرابته، فأراد موسى الخير لنفسه والخير لأخيه.

ثم بين من هو فقال: {هَارُونَ أَخِي } طـه:30؛ لأنه أجدر بالمناصرة، وأوثق ليتحمل العبء معي، وهكذا استجاب الله - عز وجل - كما قال تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا} سورة مريم:53      أي: فأجبنا سؤاله وجعلناه معه، ولم يكن لموسى - عليه السلام - وزير سوى أخيه هارون - عليه السلام - كما ذكر ابن كثير - رحمه الله -، قال الله - عز وجل -: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا } سورة الفرقان:35.

وقد كان هارون عند القوم طاهر النفس، سليم الطوية، شريفاً في قومه معروفاً، ليس له إساءة حتى مع القبط، وقد قضى بينهم عمراً طويلاً لم يعثروا له على زلة.

وكان طلب موسى - عليه السلام - المعاونة للمهمة العظيمة في الدعوة، سواء دعوة بني إسرائيل، أو دعوة أولئك القبط الأشداء، وهذه مهمة تحتاج إلى قوة وثبات، ولذلك قال موسى في سبب الطلب : {اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي } سورة طـه:31 أي : قوتي وظهري، { وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي } سورة طـه:32 يعني في النبوة، فتجعله معي رسولاً أيضاً فأستشير به واستأنس ويكون له وحي أيضاً يسدده فيعاونني بذلك.

لماذا هذه المشاركة؟ هل هي لشيء من الدنيا، أو لمجرد القرابة فقط؟ كلا، وإنما  { كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا* وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا* إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا } سورة طـه:33-35  تعلم حالنا وضعفنا وعجزنا وافتقارنا إليك، أنت أبصر بنا من أنفسنا وأرحم، فمُنَّ عليَّ بأخي هارون، وأجب دعائي في هذا الطلب، وهكذا كان.[الأنتر نت – موقع الشيخ محمد المنجد]

  إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السادسة والعشرون في موضوع(الوهاب)وستكون بعنوان:

*قال تعالى : {قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا ﴿١٩ مريم﴾

  قال الطبرى : اختلفت القراء في قراءة ذلك فقراته عامة قراء الحجاز والعراق غير ابي عمرو لأهب لك بمعنى انما انا رسول ربك يقول ارسلني اليك لأهب لك غلاما زكيا على الحكاية وقرا ذلك ابو عمرو بن العلاء ليهب لك غلاما زكيا بمعنى انما انا رسول ربك ارسلني اليك ليهب الله لك غلاما زكيا . قال ابو جعفر : والصواب من القراءة في ذلك ما عليه قراء الامصار وهو لأهب لك بالالف دون الياء لان ذلك كذلك في مصاحف المسلمين وعليه قراءة قديمهم وحديثهم غير ابي عمرو وغير جائز خلافهم فيما اجمعوا عليه ولا سائغ لاحد خلاف مصاحفهم والغلام الزكي هو الطاهر من الذنوب وكذلك تقول العرب غلام زاك وزكي وعال وعلي

وقال ابن كثير : وقال " انما انا رسول ربك ليهب لك غلاما زكيا " هكذا

 قرا ابو عمرو بن العلاء احد مشهوري القراء وقرا الاخرون لاهب لك غلاما زكيا وكلا القراءتين له وجه حسن ومعنى صحيح وكل تستلزم الاخرى

وقال القرطبى : فقال لها جبريل عليه السلام انما انا رسول ربك لاهب لك غلاما زكيا جعل الهبه من قبله لما كان الاعلام بها من قبله وقرا ورش عن نافع ليهب لك على معنى ارسلني الله ليهب لك وقيل معنى لاهب بالهمز محمول على المعنى اي قال ارسلته لاهب لك ويحتمل ليهب بلا همز ان يكون بمعنى المهموز ثم خففت الهمزه فلما سمعت مريم ذلك من قوله استفهمت عن طريقه

 وقال طنطاوي في الوسيط: وهنا يجيبها جبريل كما حكى القران عنه بقوله {قال انما انا رسول ربك لاهب لك غلاما زكيا } اى قال لها جبريل ليدخل السكون والاطمئنان على قلبها انما انا يا مريم رسول ربك الذى استعذت به والتجات اليه فلا تخافى ولا تجزعى وقد ارسلنى سبحانه اليك لاهب لك باذنه وقدرته غلاما { زكيا } اى ولداً طاهراً من الذنوب والمعاصى كثير الخير والبركات ونسب الهبه لنفسه لكونه سببا فيها وقرا نافع وابو عمرو ليهب لك بالياء المفتوحه بعد اللام اى ليهب لك ربك غلاما زكيا

   وقال ابن عاشور : قال انما انا رسول ربك لاهب لك غلاما زكيا 19 والقصر في قوله انما انا رسول ربك قصر اضافي اي لست بشرا ردا على قولها ان كنت تقيا المقتضي اعتقادها انه بشر وقرا الجمهور لاهب بهمزه المتكلم بعد لام العله ومعنى اسناد الهبه الى نفسه مجاز عقلي لانه سبب هذه الهبه وقراه ابو عمرو وورش عن نافع ليهب بياء الغائب اي ليهب ربك لك مع انها مكتوبه في المصحف بالف وعندي ان قراءه هولاء بالياء بعد اللام انما هي نطق الهمزه المخففه بعد كسر اللام بصوره نطق الياء ومحاورتها الملك محاوله قصدت بها صرفه عما جاء لاجله لانها علمت انه مرسل من الله فارادت مراجعه ربها في امر لم تطقه كما راجعه ابراهيم عليه السلام في قوم لوط وكما راجعه محمد عليه الصلاه والسلام في فرض خمسين صلاه ومعنى المحاوره ان ذلك يجر لها ضررا عظيما اذ هي مخطوبه لرجل ولم يبنن بها فكيف يتلقى الناس منها الاتيان بولد من غير اب معروف [الأنترنت - موقع  {قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا }

     وقال  الشنقيطي  : ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن ذلك الروح الذي هو جبريل قال لها إنه رسول ربها ليهب لها ، أي : ليعطيها غلاما ، أي : ولدا " زكيا " أي : طاهرا من الذنوب والمعاصي ، كثير البركات ، وبين في غير هذا الموضع كثيرا من صفات هذا الغلام الموهوب لها ، وهو عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ، كقوله : إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين  .

وفي معنى إسناده الهبة إلى نفسه على قراءة الجمهور خلاف معروف بين العلماء ، وأظهر الأقوال في ذلك عندي : أن المراد بقول جبريل لها قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا ، أي : لأكون سببا في هبة الغلام  بالنفخ في الدرع الذي وصل إلى الفرج ، فصار بسببه حملها عيسى ، وبين تعالى في سورة " التحريم " أن هذا النفخ في فرجها في قوله تعالى : ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا الآية ، والضمير في قوله : " فيه " راجع إلى فرجها ولا ينافي ذلك قوله تعالى في " الأنبياء " : والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا  ; لأن النفخ وصل إلى الفرج فكان منه حمل عيسى ، وبهذا فسر الزمخشري في الكشاف الآية .[تفسير القرآن -» سورة مريم »  أضواء البيان للشنقيطي]

وقال السعدي : فأعاضها الله بعفتها, ولداً من آيات الله, ورسولاً من رسله.

فلما رأى جبريل منها الروع والخيفة, قال: { إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ } أي, إنما وظيفتي وشغلي, تنفيذ رسالة ربي فيك { لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا } .

وهذه بشارة عظيمة بالولد وزكائه, فإن الزكاء, يستلزم تطهيره من الخصال الذميمة, واتصافه بالخصال الحميدة.فتعجبت من وجود الولد من غير أب فقالت: " أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا " والولد لا يوجد إلا بذلك؟!!.[الأنترنت – موقع تفسير السعدي]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السابعة والعشرون في موضوع(الوهاب)وستكون بعنوان:

*فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا

   قال تعالى : ( كهيعص ( 1 ) ذكر رحمة ربك عبده زكريا ( 2 ) إذ نادى ربه نداء خفيا ( 3 ) قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا ( 4 ) وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا ( 5 ) يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا ( 6 ) ، ثبت في الصحيحين من غير وجه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا نورث ، ما تركنا فهو صدقة " وفي رواية عند الترمذي بإسناد صحيح : " نحن معشر الأنبياء لا نورث " وعلى هذا فتعين حمل قوله : ( فهب لي من لدنك وليا يرثني ) على ميراث النبوة; ولهذا قال : ( ويرث من آل يعقوب ) ، كما قال تعالى :   ( وورث سليمان داود ) [ النمل : 16 ] أي : في النبوة; إذ لو كان في المال لما خصه من بين إخوته بذلك ، ولما كان في الإخبار بذلك كبير فائدة ، إذ من المعلوم المستقر في جميع الشرائع والملل أن الولد يرث أباه ، فلولا أنها وراثة خاصة لما أخبر بها ، وكل هذا يقرره ويثبته ما صح في الحديث : " نحن معاشر الأنبياء لا نورث ، ما تركنا فهو صدقة " .

قال مجاهد في قوله : ( يرثني ويرث من آل يعقوب ) قال : كان وراثته علما وكان زكريا من ذرية يعقوب .

وقال هشيم : أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح في قوله : ( يرثني ويرث من آل يعقوب ) قال : قد يكون نبيا كما كانت آباؤه أنبياء .

وقال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة ، عن الحسن : يرث نبوته وعلمه .

وقال السدي : يرث نبوتي ونبوة آل يعقوب .

وعن مالك ، عن زيد بن أسلم : ( ويرث من آل يعقوب ) قال : نبوتهم . [الأنترنت -  تفسير ابن كثير - تفسير سورة مريم عليها السلام]

  وقال القرطبي :  فيه سبع مسائل :......

الخامسة : قوله تعالى : {فهب لي من لدنك وليا } سؤال ودعاء . ولم يصرح بولد لما علم من حاله وبعده عنه بسبب المرأة . قال قتادة : جرى له هذا الأمر وهو ابن بضع وسبعين سنة . مقاتل : خمس وتسعين سنة ؛ وهو أشبه ؛ فقد كان غلب على ظنه أنه لا يولد له لكبره ؛ ولذلك قال : وقد بلغت من الكبر عتيا . وقالت طائفة : بل طلب الولد ، ثم طلب أن تكون الإجابة في أن يعيش حتى يرثه ، تحفظا من أن تقع الإجابة في الولد ولكن يخترم ، ولا يتحصل منه الغرض .

السادسة . قال العلماء : دعاء زكريا - عليه السلام - في الولد إنما كان لإظهار دينه ، وإحياء نبوته ، ومضاعفة لأجره لا للدنيا ، وكان ربه قد عوده الإجابة ، ولذلك قال :  {ولم أكن بدعائك رب شقيا }، أي بدعائي إياك . وهذه وسيلة حسنة ؛ أن يتشفع إليه بنعمه ، يستدر فضله بفضله ؛ يروى أن حاتم الجود لقيه رجل فسأله ؛ فقال له حاتم : من أنت ؟ قال : أنا الذي أحسنت إليه عام أول ؛ فقال : مرحبا بمن تشفع إلينا بنا . فإن قيل : كيف أقدم زكريا على مسألة ما يخرق العادة دون إذن ؟ فالجواب أن ذلك جائز في زمان الأنبياء وفي القرآن ما يكشف عن هذا المعنى ؛ فإنه تعالى قال : {كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب} فلما رأى خارق العادة استحكم طمعه في إجابة دعوته ؛ فقال تعالى : {هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة } الآية .

السابعة : إن قال قائل : هذه الآية تدل على جواز الدعاء بالولد ، والله

 سبحانه وتعالى قد حذرنا من آفات الأموال والأولاد ، ونبه على المفاسد الناشئة من ذلك ؛ فقال : { إنما أموالكم وأولادكم فتنة }. وقال : { إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم } فالجواب أن الدعاء بالولد معلوم من الكتاب والسنة حسب ما تقدم في ( آل عمران ) بيانه . ثم إن زكريا - عليه السلام - تحرز فقال : {ذرية طيبة} وقال : {واجعله رب رضيا }. والولد إذا كان بهذه الصفة نفع أبويه في الدنيا والآخرة ، وخرج من حد العداوة والفتنة إلى حد المسرة والنعمة . وقد دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنس خادمه فقال : (اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته ) فدعا له بالبركة تحرزا مما يؤدي إليه الإكثار من الهلكة .

وهكذا فليتضرع العبد إلى مولاه في هداية ولده ، ونجاته في أولاه وأخراه اقتداء بالأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - والفضلاء [الأنترنت - تفسير القرطبي]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثامنة والعشرون في موضوع(الوهاب)وستكون بعنوان:

*قال تعالى : {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ﴿٣٩ ابراهيم﴾ قال ابن كثير في تفسيره : يقول تعالى مخبراً عن إبراهيم خليله أنه قال: { ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن} أي أنت تعلم قصدي في دعائي وما أردت بدعائي لأهل هذا البلد، وإنما هو القصد إلى رضاك والإخلاص لك، فإنك تعلم الأشياء كلها ظاهرها وباطنها لا يخفى عليك منها شيء في الأرض ولا في السماء، ثم حمد ربه عزَّ وجلَّ على ما رزقه من الولد بعد الكبر فقال: { الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء} أي أنه يستجيب لمن دعاه، وقد استجاب لي فيما سألته من الولد، ثم قال: { رب اجعلني مقيم الصلاة} أي محافظاً عليها مقيماً لحدودها { ومن ذريتي} أي واجعلهم كذلك مقيمين لها يعني بذريته: بني إسماعيل الذين تناسلت فيهم عرب الحجاز. وقيل أيضاً عرب اليمن، وذريته اثنا عشر رجلاً وامرأة""، { ربنا وتقبل دعاء} أي فيما سألتك فيه { ربنا اغفر لي ولوالدي} ، وكان هذا قبل أن يتبرأ من أبيه لما تبين عداوته للّه عزَّ وجلَّ { وللمؤمنين} أي كلهم { يوم يقوم الحساب} أي يوم تحاسب عبادك فتجازيهم بأعمالهم إن خيراً فخير وإن شراً فشر.

وقال الطبري: الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَر إِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق إِنَّ رَبِّي لَسَمِيع الدُّعَاء } يَقُول : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي رَزَقَنِي عَلَى كِبَر مِنْ السِّنّ وَلَدًا إِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق. { إِنَّ رَبِّي لَسَمِيع الدُّعَاء } يقُول: إِنَّ رَبِّي لَسَمِيع دُعَائِي الَّذِي أَدْعُوهُ بِهِ , وَقَوْلِي : { اِجْعَلْ هَذَا الْبَلَد آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُد الْأَصْنَام } وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ دُعَائِي وَدُعَاء غَيْرِي , وَجَمِيع مَا نَطَقَ بِهِ نَاطِق لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْء . [الأنترنت – موقع الرو 7]

 وقال ابن عاشور : لما دعا الله لأهم ما يهمه وهو إقامة التوحيد وكان يرجو إجابة دعوته ، وأن ذلك ليس بعجب في أمر الله خطر بباله نعمة الله عليه بما كان يسأله ، وهو أن وهب له ولدين في إبان الكبر وحين اليأس من الولادة ; فناجى الله فحمده على ذلك ، وأثنى عليه بأنه سميع الدعاء ، أي : مجيب ، أي : متصف بالإجابة وصفا ذاتيا ، تمهيدا لإجابة دعوته هذه كما أجاب دعوته سلفا ، فهذا مناسبة موقع هذه الجملة بعد ما قبلها بقرينة قوله  {إن ربي لسميع الدعاء }

واسم الموصول إيماء إلى وجه بناء الحمد ، و ( على ) في قوله على الكبر للاستعلاء المجازي بمعنى ( مع ) ، أي : وهب ذلك تعليا على الحالة التي شأنها أن لا تسمح بذلك ، ولذلك يفسرون ( على ) هذه بمعنى مع ، أي : مع الكبر الذي لا تحصل معه الولادة ، وكان عمر إبراهيم حين ولد له إسماعيل - عليهما السلام - ستا وثمانين سنة ( 86 ) ، وعمره حين ولد له إسحاق - عليهما السلام - مائة سنة ( 100 ) ، وكان لا يولد له من قبل . وجملة إن ربي لسميع الدعاء تعليل لجملة وهب ، أي : وهب ذلك ; لأنه سميع الدعاء ، والسميع مستعمل في إجابة المطلوب كناية ، وصيغ بمثال المبالغة أو الصفة المشبهة ليدل على كثرة ذلك وأن ذلك شأنه ، فيفيد أنه وصف ذاتي لله تعالى .[تفسير القرآن - التحرير والتنوير - محمد الطاهر ابن عاشور]

وقال تعالى : *{ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا }﴿٨٤ الأنعام﴾

وقال تعالى : {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ} ﴿٧٢ الأنبياء﴾

    وقال تعالى :*{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ ﴿٢٧ العنكبوت﴾

  قال ابن كثير : أخبر تعالى انه وهب لابراهيم اسحاق بعد أن طعن في السن وايس هو وامراته " سارة " من الولد فجاءته الملائكة وهم ذاهبون الى قوم لوط فبشروهما باسحاق فتعجبت المرأة من ذلك وقالت {قالت يا ويلتى االد وانا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب قالوا اتعجبين من امر الله رحمه الله وبركاته عليكم اهل البيت انه حميد مجيد}هود 72 ،73 

وبشروه مع وجوده بنبوته وبأن له نسلا وعقبا كما قال {وبشرناه باسحاق نبيا من الصالحين } الصافات 112 وهذا اكمل في البشاره واعظم في النعمة وقال         ﯿ                     هود 71  اي ويولد لهذا المولود ولد في حياتكما فتقر اعينكما به كما قرت بوالده فان الفرح بولد الولد شديد لبقاء النسل والعقب ولما كان ولد الشيخ والشيخة قد يتوهم انه لا يعقب لضعفه وقعت البشاره به وبولده باسم " يعقوب " الذي فيه اشتقاق العقب والذرية وكان هذا مجازاة لابراهيم عليه السلام حين اعتزل قومه وتركهم ونزح عنهم وهاجر من بلادهم ذاهبا الى عبادة الله في الارض فعوضه الله عز وجل عن قومه وعشيرته باولاد صالحين من صلبه على دينه لتقر بهم عينه كما قال تعالى {فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له اسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا } مريم 49 ، وقال هاهنا {ووهبنا له اسحاق ويعقوب كلا هدينا }

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة التاسعة والعشرون في موضوع(الوهاب)وستكون بعنوان:

 * ووهبنا له اسحاق ويعقوب كلا هدينا

قال طنطاوي في الوسيط : اى ووهبنا لابراهيم فضلا منا وكرما وعوضا عن قومه لما اعتزلهم ؛ اسحاق ، وهو ولده من زوجه سارة ويعقوب وهو ابن اسحاق لتقر عينه ببقاء عقبه اذ في رؤية ابناء الابناء سرور للنفس وراحة للفؤاد وقوله {كلا هدينا } اى كلا من اسحاق ويعقوب هديناه الهداية الكبرى بلحوقهما بدرجة ابيهما في النبوة ولفظ كلا مفعول لما بعده وقدم لافادة اختصاص كل منهما بالهداية على سبيل الاستقلال والتنويه بشأنهما وقوله {ونوحا هدينا من قبل } اى وهدينا نوحا من قبل ابراهيم الى مثل ما هدينا اليه ابراهيم وذريته من النبوة والحكمة وهذا لون اخر من تشريف ابراهيم حيث انه من نسل نوح الذي وصفه الله بالهداية ولا شك ان شرف الاباء يسرى على الابناء وقال ابن كثير وكل منهما له خصوصية عظيمة اما نوح فان الله لما اغرق اهل الارض الا من آمن به وهم الذين صحبوه في السفينة جعل الله ذريته هم الباقين فالناس كلهم من ذريته واما الخليل ابراهيم فلم يبعث الله بعده نبيا الا من ذريته كما قال تعالى {ولقد ارسلنا نوحا وابراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب

وقال القرطبى : فيه مسائل :

الاولى قوله تعالى {ووهبنا له اسحاق ويعقوب } اي جزاء له على الاحتجاج في الدين وبذل النفس فيه كلا هدينا اي كل واحد منهم مهتد و " كلا " نصب ب " هدينا " ونوحا نصب ب " هدينا "

الثاني ومن ذريته اي ذريه ابراهيم وقيل من ذريه نوح ; قاله الفراء واختاره الطبري وغير واحد من المفسرين كالقشيري وابن عطيه وغيرهما والاول قاله الزجاج واعترض بانه عد من هذه الذريه يونس ولوط وما كانا من ذريه ابراهيم وكان لوط ابن اخيه وقيل ابن اخته وقال ابن عباس هولاء الانبياء جميعا مضافون الى ذريه ابراهيم وان كان فيهم من لم تلحقه ولاده من جهته من جهه اب ولا ام ; لان لوطا ابن اخي ابراهيم والعرب تجعل العم ابا كما اخبر الله عن ولد يعقوب انهم قالوا نعبد الهك واله ابائك ابراهيم واسماعيل واسحاق واسماعيل عم يعقوب وعد عيسى من ذريه ابراهيم وانما هو ابن البنت فاولاد فاطمه رضي الله عنها ذريه النبي صلى الله عليه وسلم وبهذا تمسك من راى ان ولد البنات يدخلون في اسم الولد وهي الثانيه قال ابو حنيفه والشافعي من وقف وقفا على ولده وولد ولده انه يدخل فيه ولد ولده وولد بناته ما تناسلوا وكذلك اذا اوصى لقرابته يدخل فيه ولد البنات والقرابه عند ابي حنيفه كل ذي رحم محرم ويسقط عنده ابن العم والعمه وابن الخال والخاله ; لانهم ليسوا بمحرمين وقال الشافعي القرابه كل ذي رحم محرم وغيره فلم يسقط عنده ابن العم ولا غيره وقال مالك لا يدخل في ذلك ولد البنات وقوله لقرابتي وعقبي كقوله لولدي وولد ولدي يدخل في ذلك ولد البنين ومن يرجع الى عصبه الاب وصلبه ولا يدخل في ذلك ولد البنات وقد تقدم نحو هذا عن الشافعي في " ال عمران " والحجه لهما قوله سبحانه يوصيكم الله في اولادكم فلم يعقل المسلمون من ظاهر الايه الا ولد الصلب وولد الابن خاصه وقال تعالى وللرسول ولذي القربى فاعطى عليه السلام القرابه منهم من اعمامه دون بني اخواله فكذلك ولد البنات لا ينتمون اليه بالنسب ولا يلتقون معه في اب قال ابن القصار وحجه من ادخل البنات في الاقارب قوله عليه السلام للحسن بن علي ان ابني هذا سيد ولا نعلم احدا يمتنع ان يقول في ولد البنات انهم ولد لابي امهم والمعنى يقتضي ذلك ; لان الولد مشتق من التولد وهم متولدون عن ابي امهم لا محاله ; والتولد من جهه الام كالتولد من جهه الاب وقد دل القران على ذلك قال الله تعالى ومن ذريته داود وسليمان الى قوله من الصالحين فجعل عيسى من ذريته وهو ابن ابنته

  وقال ابن عاشور : لان مضمونها تكرمة وتفضيل وموقع هذه الجملة وان كانت معطوفة هو موقع التذييل للجمل المقصود منها ابطال الشرك واقامة الحجج على فساده وعلى ان الصالحين كلهم كانوا على خلافه والوهب والهبه اعطاء شيء بلا عوض وهو هنا تفضل وتيسير ومعنى هبه يعقوب لابراهيم انه ولد لابنه اسحاق في حياه ابراهيم وكبر وتزوج في حياته فكان قره عين لابراهيم ....                       

وقوله كلا هدينا اعتراض اي كل هولاء هديناهم يعني ابراهيم واسحاق ويعقوب فحذف المضاف اليه لظهوره وعوض عنه التنوين في كل تنوين عوض عن المضاف اليه كما هو المختار وفائدة ذكر هديهما التنويه باسحاق ويعقوب وانهما نبيئان نالا هدى الله كهدية ابراهيم وفيه ايضا ابطال للشرك ودمغ لقريش ومشركي العرب وتسفيه لهم باثبات أن الصالحين المشهورين كانوا على ضد معتقدهم كما سيصرح به في قوله {ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو اشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون} الاعراف 88 وجمله ونوحا هدينا من قبل عطف على الاعتراض اي وهدينا نوحا من قبلهم وهذا استطراد بذكر بعض من انعم الله عليهم بالهدى واشارة الى أن الهدى هو الاصل ومن اعظم الهدى التوحيد كما علمت وانتصب نوحا على انه مفعول مقدم على هدينا للاهتمام و من قبل حال من نوحا [الأنترنت – موقع  {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا}

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثلاثون في موضوع(الوهاب)وستكون بعنوان:

*قال تعالى :*{هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ﴿٣٨ آل عمران﴾

   قال الطبرى : قال ابو جعفر واما قوله " هنالك دعا زكريا ربه " فمعناها عند ذلك اي عند رويه زكريا ما راى عند مريم من رزق الله الذي رزقها وفضله الذي اتاها من غير تسبب احد من الادميين في ذلك لها ومعاينته عندها الثمره الرطبه التي لا تكون في حين رويته اياها عندها في الارض طمع بالولد مع كبر سنه من المراه العاقر فرجا ان يرزقه الله منها الولد مع الحال التي هما بها كما رزق مريم على تخليها من الناس ما رزقها من ثمره الصيف في الشتاء وثمره الشتاء في الصيف وان لم يكن مثله مما جرت بوجوده في مثل ذلك الحين العادات في الارض بل المعروف في الناس غير ذلك كما ان ولاده العاقر غير الامر الجاريه به العادات في الناس فرغب الى الله جل ثناوه في الولد وساله ذريه طيبه وذلك ان اهل بيت زكريا فيما ذكر لنا كانوا قد انقرضوا في ذلك الوقت

    وقال ابن كثير : لما راى زكريا عليه السلام ان الله تعالى يرزق مريم عليها السلام فاكة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء طمع حينئذ في الولد و أن كان شيخا كبيراً قد ضعف و وهن منه العظم واشتعل راسه شيبا وان كانت امرأته مع ذلك كبيرة وعاقرا لكنه مع هذا كله سال ربه وناداه نداء خفيا وقال رب هب لي من لدنك اي من عندك ذرية طيبة اي ولدا صالحا انك سميع الدعاء

  وقال القرطبى : هنالك دعا زكريا ربه هنالك في موضع نصب ; لانه ظرف يستعمل للزمان والمكان واصله للمكان وقال المفضل بن سلمه " هنالك " في الزمان و " هناك " في المكان وقد يجعل هذا مكان هذا هب لي اعطني من لدنك من عندك ذريه طيبه اي نسلا صالحا والذريه تكون واحده وتكون جمعا ذكرا وانثى وهو هنا واحد يدل عليه قوله فهب لي من لدنك وليا ولم يقل اولياء وانما انث طيبه لتانيث لفظ الذريه ; كقوله ابوك خليفه ولدته اخرى وانت خليفه ذاك الكمال فانث ولدته لتانيث لفظ الخليفه وروي من حديث انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اي رجل مات وترك ذريه طيبه اجرى الله له مثل اجر عملهم ولم ينقص من اجورهم شيئا وقد مضى في " البقره " اشتقاق الذريه و طيبه اي صالحه مباركه انك سميع الدعاء اي قابله ;

قال الله تعالى مخبرا عن ابراهيم الخليل {واجعل لي لسان صدق في الاخرين } وقال : {والذين يقولون ربنا هب لنا من ازواجنا وذرياتنا قره اعين } وقد ترجم البخاري على هذا باب طلب الولد وقال صلى الله عليه وسلم لابي طلحه حين مات ابنه اعرستم الليله قال نعم قال بارك الله لكما في غابر ليلتكما قال فحملت في البخاري قال سفيان فقال رجل من الانصار فرايت تسعه اولاد كلهم قد قرءوا القران وترجم ايضا " باب الدعاء بكثره الولد مع البركه " وساق حديث انس بن مالك قال قالت ام سليم يا رسول الله خادمك انس ادع الله له فقال اللهم اكثر ماله وولده وبارك له فيما اعطيته وقال صلى الله عليه وسلم اللهم اغفر لابي سلمه وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين خرجه البخاري ومسلم وقال صلى الله عليه وسلم تزوجوا الولود الودود فاني مكاثر بكم الامم اخرجه ابو داود والاخبار في هذا المعنى كثيره تحث على طلب الولد وتندب اليه ; لما يرجوه الانسان من نفعه في حياته وبعد موته قال صلى الله عليه وسلم اذا مات احدكم انقطع عمله الا من ثلاث فذكر او ولد صالح يدعو له ولو لم يكن الا هذا الحديث لكان فيه كفايه فاذا ثبت هذا فالواجب على الانسان ان يتضرع الى خالقه في هدايه ولده وزوجه بالتوفيق لهما والهدايه والصلاح والعفاف والرعايه وان يكونا معينين له على دينه ودنياه حتى تعظم منفعته بهما في اولاه واخراه ;

الا ترى قول زكريا واجعله رب رضيا وقال ذريه طيبه وقال هب لنا من ازواجنا وذرياتنا قره اعين ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لانس فقال اللهم اكثر ماله وولده وبارك له فيه خرجه البخاري ومسلم وحسبك

   إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الواحدة والثلاثون في موضوع(الوهاب)وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:

*قال تعالى :*{هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ﴿٣٨ آل عمران﴾

وقال طنطاوي : قوله تعالى {هنالك دعا زكريا ربه } كلام مستانف وقصه مستقله سيقت في تضاعيف قصه مريم وامها لما بينهما من قوه الارتباط وشده الاشتباك مع ما في ايرادها من تقرير ما سبقت له قصه مريم وامها من بيان اصطفاء ال عمران و هنا ظرف يشار به الى المكان القريب كما في قوله تعالى انا هاهنا قاعدون وتدخل عليه السلام والكاف هنالك او الكاف وحدها هناك فيكون للبعيد وقد يشار به للزمان اتساعا والمعنى في ذلك المكان الطاهر الذي كان يلتقى فيه زكريا بمريم ويرى من شانها ما يرى من فضائل وغرائب تحركت في نفس زكريا عاطفه الابوه وهو الشيخ الكبير الذي وهن عظمه واشتعل راسه شيبا وبلغ من الكبر عتيا فدعا الله تعالى بقلب سليم وبنفس صافيه وبجوارح خاشعه ان يرزقه الذريه الصالحه ولقد حكى القران دعاءه باسلوبه الموثر فقال {قال رب هب لي من لدنك ذريه طيبه انك سميع الدعاء } اى قال زكريا مناجيا ربه يا رب انت الذي خلقتني وانت الذي لا يقف امام قدرتك شيء وانت الذي جعلتني ارى من احوال مريم ما يشهد بقدرتك النافذه وفضلك العميم فهب لي يا خالقي من عندك ذريه صالحه تقر بها عيني وتكون خلفا من بعدي انك سميع الدعاء اى انك عليم بدعائى علم من يسمع قريب الاجابه لمن يدعوك فان اجيب لي سوالى فبفضلك وان لم تجبه فبعدلك وحكمتك فانت ترى في هذا الدعاء الذي صدر عن زكريا عليه السلام اسمى الوان الادب والخشوع والانابه فقد رفع اكف الضراعه في مكان مقدس طاهر وفي التعبير بقوله دعا زكريا ربه اشاره الى تسليمه الله والى شعوره بقدرة الله على كل شيء فهو الذي خلقه ورباه وتولاه برعايته في كل ادوار حياته وفي قوله { هب لي من لدنك } اشعار بانه يريد من خالقه عز وجل ان يعطيه هذه الذريه بلا سبب عادى ولكن بارادته وقدرته لانه لو كان الامر في هذا العطاء يعود الى الاسباب والمسببات العاديه لكان الحصول على الذريه مستبعدا اذ هو قد بلغ من الكبر عتيا وزوجته قد تجاوزت السن التي يحصل فيها الانجاب في العاده اى هب لي من عندك لا من عندي لان الاسباب عندي اصبحت مستبعده وفي تقييد الذرية بكونها طيبه اشارة الى ان زكريا لقوة ايمانه ونقاء سريرته وحسن صلته بربه لا يريد ذرية فحسب وانما يريد ذرية صالحة يرجى منها الخير في الدنيا والاخرة وجملة  { انك سميع الدعاء } تعليلية اى انى ما التجات اليك يا الهى الا لانك مجيب للدعاء

   وقال ابن عاشور : اي في المكان قبل ان يخرج وقد نبهه الى الدعاء مشاهده خوارق العاده مع قول مريم { ان الله يرزق من يشاء بغير حساب } ال عمران 37 ، والحكمه ضاله المومن واهل النفوس الزكيه يعتبرون بما يرون ويسمعون فلذلك عمد الى الدعاء بطلب الولد في غير اوانه ،وقد كان في حسره من عدم الولد كما حكى الله عنه في سوره مريم وايضا فقد كان حينئذ في مكان شهد فيه فيضا الاهيا ولم يزل اهل الخير يتوخون الامكنه بما حدث فيها من خير والازمنه الصالحه كذلك وما هي الا كالذوات الصالحه في انها محال تجليات رضا الله وسال الذريه الطيبه لانها التي يرجى منها خير الدنيا والاخره بحصول الاثار الصالحه النافعه ومشاهده خوارق العادات خولت لزكرياء الدعاء بما هو من الخوارق او من المستبعدات لانه راى نفسه غير بعيد عن عنايه الله تعالى لا سيما في زمن الفيض او مكانه فلا يعد دعاوه بذلك تجاوزا لحدود الادب مع الله على نحو ما قرره القرافي في الفرق بين ما يجوز من الدعاء وما لا يجوز وسميع هنا معنى مجيب [الأنترنت – موقع هنالك دعا زكريا.............]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثانية والثلاثون في موضوع(الوهاب)وستكون بعنوان:

*قال تعالى : {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ } آل عمران آية /8

  قال ابن كثير : ثم قال تعالى عنهم مخبرا أنهم دعوا ربهم قائلين : ( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ) أي : لا تملها عن الهدى بعد إذ أقمتها عليه ولا تجعلنا كالذين في قلوبهم زيغ ، الذين يتبعون ما تشابه من القرآن ولكن ثبتنا على صراطك المستقيم ، ودينك القويم ( وهب لنا من لدنك ) أي : من عندك ( رحمة ) تثبت بها قلوبنا ، وتجمع بها شملنا ، وتزيدنا بها

 إيمانا وإيقانا ( إنك أنت الوهاب )

وقال القرطبى : فيه مسالتان الاولى قوله تعالى {ربنا لا تزغ قلوبنا }في الكلام حذف تقديره يقولون وهذا حكاية عن الراسخين ويجوز ان يكون المعنى قل يا محمد ويقال ازاغه القلب فساد وميل عن الدين افكانوا يخافون وقد هدوا ان ينقلهم الله الى الفساد ؟ فالجواب : ان يكونوا سالوا اذ هداهم الله الا يبتليهم بما يثقل عليهم من الاعمال فيعجزوا عنه ; نحو {ولو انا كتبنا عليهم ان اقتلوا انفسكم او اخرجوا من دياركم } قال ابن كيسان : سالوا الا يزيغوا فيزيغ الله قلوبهم ; نحو {فلما زاغوا ازاغ الله قلوبهم }  اي ثبتنا على هدايتك اذ هديتنا والا نزيغ فنستحق ان تزيغ قلوبنا وقيل هو منقطع مما قبل ; وذلك انه تعالى لما ذكر اهل الزيغ عقب ذلك بان علم عباده الدعاء اليه في الا يكونوا من الطائفه الذميمة التي ذكرت وهي اهل الزيغ وفي الموطا عن ابي عبد الله الصنابحي انه قال : قدمت المدينة في خلافة ابي بكر الصديق فصليت وراءه المغرب فقرا في الركعتين الاوليين بام القرآن وسورة من قصار المفصل ثم قام في الثالثه فدنوت منه حتى ان ثيابي لتكاد تمس ثيابه فسمعته يقرا بام القران وهذه الآية {ربنا لا تزغ قلوبنا } الايه ، قال العلماء :قراءته بهذه الآية ضرب من القنوت والدعاء لما كان فيه من امر اهل الردة والقنوت جائز في المغرب عند جماعة من اهل العلم وفي كل صلاه ايضا اذا دهم المسلمين امر عظيم يفزعهم ويخافون منه على انفسهم

وروى الترمذي من حديث شهر بن حوشب قال قلت لام سلمة يا ام المومنين ما كان اكثر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا كان عندك ؟ قالت :كان اكثر دعائه (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) فقلت : يا رسول الله ما اكثر دعاءك يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ؟ قال : ( يا ام سلمه انه ليس ادمي الا وقلبه بين اصبعين من اصابع الله فمن شاء اقام ومن شاء ازاغ  ، فتلا معاذ {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا } قال حديث حسن

وقال الطبري  : قال ابو جعفر يعني بذلك جل ثناوه ان الراسخين في العلم يقولون امنا بما تشابه من اي كتاب الله وانه والمحكم من آيه من تنـزيل ربنا ووحيه ويقولون ايضا " ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا " يعني انهم يقولون رغبه منهم الى ربهم في ان يصرف عنهم ما ابتلى به الذين زاغت قلوبهم من اتباع متشابه اي القران ابتغاء الفتنه وابتغاء تاويله الذي لا يعلمه غير الله ؛ يا ربنا لا تجعلنا مثل هولاء الذين زاغت قلوبهم عن الحق فصدوا عن سبيلك { لا تزغ قلوبنا } لا تملها فتصرفها عن هداك بعد اذ هديتنا له فوفقتنا للإيمان بمحكم كتابك ومتشابهه { وهب لنا } يا ربنا { من لدنك رحمة } يعني من عندك رحمة يعني بذلك هب لنا من عندك توفيقا وثباتا للذي نحن عليه من الاقرار بمحكم كتابك ومتشابهه { انك انت الوهاب } يعني انك انت المعطي عبادك التوفيق والسداد للثبات على دينك وتصديق كتابك ورسلك

وقا ل ابن عاشور : دعاء علمه النبي صلى الله عليه وسلم تعليما للامة لان الموقع المحكي موقع عبرة ومثار لهواجس الخوف من سوء المصير الى حال الذين في قلوبهم زيغ فما هم الا من عقلاء البشر لا تفاوت بينهم وبين الراسخين في الانسانية ولا في سلامة العقول والمشاعر فما كان ضلالهم الا عن حرمانهم التوفيق واللطف ووسائل الاهتداء وقد علم من تعقيب قوله {هو الذي انزل عليك الكتاب } ال عمران 7 الآيات بقوله {ربنا لا تزغ قلوبنا } ان من جملة ما قصد بوصف الكتاب بان منه محكما ومنه متشابها ايقاظ الآمة الى ذلك لتكون على بصيرة في تدبر كتابها تحذيرا لها من الوقوع في الضلال الذي اوقع الامم في كثير منه وجود المتشابهات في كتبها وتحذيرا للمسلمين من اتباع البوارق الباطلة مثل ما وقع فيه بعض العرب من الردة والعصيان بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم لتوهم ان التدين بالدين انما كان لاجل وجود الرسول بينهم ولذلك كان ابو بكر يدعو بهذه الآية في صلاته مدة ارتداد من ارتد من العرب[الأنترنت -  موقع ربنا لا تزغ قلوبنا     ..]

    إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثالثة والثلاثون في موضوع(الوهاب)وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:

*قال تعالى : {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ } آل عمران آية /8

وأيضاً  علمهم الله أن يدعوه وصدروا دعاءهم بربوبيته تعالى التي هي أفضل وأعلى الغايات، وهو استقامة القلوب على ما يحبه اللَّه تعالى ويرضاه، والثبات على ذلك : فقالوا : يا ربنا، ويا مدبر أمورنا، لا تُمِل قلوبنا بعد الهدى الذي أنعمت به علينا، توسلوا بسابق إحسانه وإنعامه بعد التوسل بربوبيته دلالة على أهمية مطلبهم لربهم، وأنهم في تضرع كبير لهذا المطلب المهم، لا كالذين أزاغ اللَّه قلوبهم من اتباع المتشابه في القرآن ابتغاء الفتنة، فهم ضلوا وأضلوا، والعياذ باللَّه، أما العلماء فقد اهتدوا وهدوا .

‏فتضمّن هذا المطلب الجليل سؤال اللَّه تعالى الثبات على الدين القويم، والصراط المستقيم الذي عليه النجاة في يوم الدين، ولا يكون ذلك إلا بالتوفيق من اللَّه تعالى رب العالمين .

‏لهذا كان أكثر دعاء نبي الرحمة : (يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ)، وجاء عنه (اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ)

  {وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً  } : ومن جميل تضرعهم وتوسلهم سألوا اللَّه تعالى بلفظ الهبة إشارة إلى أن ذلك منه تعالى تفضل محض دون شائبة وجوب عليه

   وسألوا ربهم [رَحْمَةً] بالتنوين والتنكير دلالة على التفخيم والتعظيم ، أي رحمة عظيمة واسعة شاملة التي تقتضي حصول نور الإيمان والتوحيد والمعرفة في القلب، وحصول الطاعة في الجوارح والأركان.

‏فالرحمة من آثارها التوفيق، والدوام على الهدى في الدنيا، والنعيم الأبدي في الآخرة؛ ولهذا كثرة الأدعية في كتاب اللَّه لهذا المطلب الجليل .

 {‏مِنْ لَدُنْكَ } : جُعلت الرحمة من عنده؛ لأن تيسير الأسباب، وتكوين الهيئات منه جل وعلا تفضلاً وتكرماً، وفيها معاني التعظيم والإجلال للَّه تعالى، وهذا من حسن دعائهم، وأدبهم مع ربهم U التي ملأت قلوبهم حباً وتعظيماً له

 {إنَّكَ أنْتَ الوَهَّابُ } عللوا طلبهم، وأكَّدوه بخصوصية الهبة المطلقة الكاملة للَّه تعالى، التي لايعدّها عادٌّ، ولا يحدّها حادّ، إيماناً منهم بكمال صفاته تعالى، ومن جملتها هباته تعالى؛ لأن هبات الناس بالنسبة لما أفاض اللَّه تعالى من الخيرات شيء لا يُعبأ به.

‏لذلك قالوا: {رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ } (حيث استحضروا عند طلب الرحمة أحوج ما يكونون إليه، وهو يوم تكون الرحمة سبباً للفوز الأبدي، ‏فأعقبوا بذكر هذا اليوم دعاءهم على سبيل الإيجاز، ‏كأنهم قالوا : وهب لنا من لدنك رحمة، وخاصة يوم تجمع الناس) (توسَّلوا إلى ربهم بالإيمان ومنة اللَّه تعالى به، من الوسائل المطلوبة، فيكون هذا من تمام دعائهم)  وفيه إقرار منهم بكمال صفاته الفعلية؛ لذلك قالوا :  {رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ } ،

 تضمنت هذه الدعوات المباركات كثيراً من المنافع والفوائد :

1- أن العلم باللَّه تعالى هو أشرف العلوم على الإطلاق .

2- (أن الرسوخ في العلم هو قدر زائد على مجرد العلم، فإن الراسخ في العلم يقتضي أن يكون عالماً محققاً)

3- أن سؤال اللَّه تعالى الثبات على الإيمان هو أعظم مقاصد الشارع المطلوبة.

4- ينبغي للعبد أن يستحضر دوماً نعم اللَّه تعالى عليه، وخاصة نعمة الدين.

5- كما أن التوسل إلى اللَّه تعالى بأسمائه وصفاته، كذلك يتوسل إليه بصفاته المنفية عنه تعالى ]إنَّ اللَّه لاَ يُخْلِفُ المِيعَادَ[ . وهذا النفي يتضمّن صفات الكمال، ومنها كمال صدقه وقدرته جلَّ وعَلا .

6- (أهمية التوسل إلى اللَّه تعالى بنعمه  {بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا }

7- (إنّ الإنسان لا يملك قلبه؛ لأنه بين إصبعين من أصابع الرحمن يُقلِّبه كيف يشاء، ‏فيسأل اللَّه ألاَّ يزغه).

8-  (أن التخلية تكون قبل التحلية، يعني يُفرغ المكان من الشوائب والأذى، ثم يطهر، دلَّ عليه قوله:  {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا } ثم قال:  {وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً }

9- أن العطاء يكون على قدر المعطي؛ لقوله تعالى: (وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً)، هذا من باب التوسل بحال المدعو، ومن باب التوسل بصفات اللَّه (

10- أن كل الخلق لا غنى لهم عن دعاء ربهم في جلب المنافع، ودفع المضار.

‏فبعد هذا الوصف الجميل لهم، يجدر بالعبد السالك إلى طريق اللَّه المستقيم أن يحرص على هذه الكلمات اليافعات، والدعوات المباركات، ويستحضر هذه المعاني، والمطالب العالية [الأنترنت – موقع الكلم الطيب]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الرابعة والثلاثون في موضوع(الوهاب)وستكون بعنوان:

*قال تعالى : { أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ } ﴿٩ ص﴾

قال ابن كثير :  قال مبينا أنه المتصرف في ملكه الفعال لما يشاء ، الذي يعطي من يشاء ما يشاء ، ويعز من يشاء ويذل من يشاء ، ويهدي من يشاء ويضل من يشاء ، وينزل الروح من أمره على من يشاء من عباده ، ويختم على قلب من يشاء ، فلا يهديه أحد من بعد الله وإن العباد لا يملكون شيئا من الأمر وليس إليهم من التصرف في الملك ولا مثقال ذرة وما يملكون من قطمير ; ولهذا قال تعالى منكرا عليهم : ( أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب ) أي : العزيز الذي لا يرام جنابه ، الوهاب الذي يعطي ما يريد لمن يريد .

وهذه الآية شبيهة بقوله : ( أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس

نقيرا أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم

الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا ) [ النساء : 53 : 55 ] وقوله ( قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا ) [ الإسراء : 10 ] وذلك بعد الحكاية عن الكفار أنهم أنكروا بعثة الرسول البشري وكما أخبر تعالى عن قوم صالح [ عليه السلام ] حين قالوا :    ( أؤلقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر سيعلمون غدا من الكذاب الأشر ) [ القمر : 25 : 26 ][ الأنترنت – تفسير ابن كثير]

  وقال ابن عاشور : ( أم ) منقطعة وهي للإضراب أيضا وهو إضراب انتقالي ، فإن ( أم ) مشعرة باستفهام بعدها هو للإنكار والتوبيخ إنكارا لقولهم { أأنزل عليه الذكر من بيننا } أي ليست خزائن فضل الله تعالى عندهم فيتصدوا لحرمان من يشاءون حرمانه من مواهب الخير ، فإن المواهب من الله يصيب بها من يشاء ، فهو يختار للنبوءة من يصطفيه وليس الاختيار لهم فيجعلوا من لم يقدموه عليهم في دينهم غير أهل لأن

 يختاره الله . وتقديم الظرف للاهتمام لأنه مناط الإنكار وهو كقوله تعالى { أهم يقسمون رحمة ربك } والخزائن : جمع خزانة بكسر الخاء . وهي البيت الذي يخزن فيه المال أو الطعام ، ويطلق أيضا على صندوق من خشب أو حديد يخزن فيه المال .

والخزن : الحفظ والحرز . والرحمة : ما به رفق بالغير وإحسان إليه ، شبهت رحمة الله بالشيء النفيس المخزون الذي تطمح إليه النفوس في أنه لا يعطى إلا بمشيئة خازنه على طريقة الاستعارة المكنية . وإثبات الخزائن : تخييل مثل إثبات الأظفار للمنية،والإضافة على معنى لام الاختصاص.

والعدول عن اسم الجلالة إلى وصف لأن له مزيد مناسبة للغرض الذي الكلام فيه إيماء إلى أن تشريفه إياه بالنبوءة من آثار صفة ربوبيته له ؛ لأن وصف الرب مؤذن بالعناية والإبلاغ إلى الكمال . وأجري على الرب صفة " العزيز " لإبطال تدخلهم في تصرفاته ، وصفة " الوهاب " لإبطال جعلهم الحرمان من الخير تابعا لرغباتهم دون موادة الله تعالى .

والعزيز : الذي لا يغلبه شيء ، والوهاب : الكثير المواهب فإن النبوءة رحمة عظيمة فلا يخول إعطاؤها إلا لشديد العزة وافر الموهبة [ تفسير القرآن - التحرير والتنوير - محمد الطاهر ابن عاشور]

     وقال الطبرى : {ام عندهم خزائن رحمه ربك العزيز الوهاب} يقول تعالى ذكره ام عند هولاء المشركين المنكرين وحي الله الى محمد خزائن رحمه ربك يعنى مفاتيح رحمه ربك يا محمد العزيز في سلطانه الوهاب لمن يشاء من خلقه ما يشاء من ملك وسلطان ونبوه فيمنعوك يا محمد ما من الله به عليك من الكرامه وفضلك به من الرساله

 وقال البغوى : ام عندهم خزائن رحمه ربك اي نعمه ربك يعني مفاتيح النبوه يعطونها من شاءوا نظيره " اهم يقسمون رحمه ربك " الزخرف 32 اي نبوه ربك العزيز الوهاب العزيز في ملكه الوهاب وهب النبوه لمحمد صلى الله عليه وسلم

 

   وقال القرطبى : ام عندهم خزائن رحمه ربك العزيز الوهاب قوله تعالى ام عندهم خزائن رحمه ربك العزيز الوهاب قيل ام لهم هذا فيمنعوا محمدا عليه السلام مما انعم الله عز وجل به عليه من النبوه و " ام " قد ترد بمعنى التقريع اذا كان الكلام متصلا بكلام قبله كقوله تعالى الم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين ام يقولون افتراه وقد قيل ان قوله ام عندهم خزائن رحمه ربك متصل بقوله وعجبوا ان جاءهم منذر منهم فالمعنى ان الله عز وجل يرسل من يشاء ; لان خزائن السماوات والارض له

وقال طنطاوي : ام عندهم خزائن رحمه ربك العزيز الوهاب ثم انكر عليهم سبحانه بعد ذلك اعتراضهم على اختيار نبيه صلى الله عليه وسلم للرساله وساق هذا الانكار باسلوب توبيخى تهكمى فقال تعالى ام عندهم خزائن رحمه ربك العزيز الوهاب اى انهم لم يملكوا خزائن رحمه ربك ايها الرسول الكريم حتى يعطوا منها من يشاءون ويمنعوها عمن يشاءون ويتخيروا للنبوه صناديدهم ويترفعوا بها عنك وانما المالك لكل ذلك هو الله تعالى العزيز الذى لا يغلبه غالب الوهاب اى الكثير العطاء لعباده والمراد بالعنديه فى قوله عندهم الملك والتصرف وتقديم الظرف عند لانه محل الانكار وفى اضافه الرب عز وجل الى الضمير العائد الى النبى صلى الله عليه وسلم تشريف وتكريم له صلى الله عليه وسلم وجئ بصفه العزيز للرد على ما كانوا يزعمونه لانفسهم والهتهم من ترفع وتكبر كما جئ بصفه الوهاب للاشاره الى ان النبوه هبه من الله تعالى لمن يختاره من عباده وهو سبحانه اعلم حيث يجعل رسالته [الأنترنت – موقع  {أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ

الخاتمة

وفي الختام الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى ، حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه ، حمداً يبلغ مابين السماوات والأرضين وما بينهما وما تحت الثرى ؛ على نعمه وكرمه وفضله وإحسانه وهباته التي لا تعد ولا تحصَ والتي شملت الأولين والآخرين بل وجميع مخلوقاته على مدى الأزمان 0000

ومن النعم العظيمة نعمة الإسلام ونعمة الإيمان ونعمة العلم الشرعي وخاصة علم الأسماء والصفات - وأي علم يشرف بشرف متعلقه - وأسماء الله وصفاته متعلقة بذات الله العلية ؛ فهو اشرف العلوم على الإطلاق وكل أسماء الله حسنى وكل صفاته علا ومنها ( الوهاب ) وقد علمنا الله جل جلاله في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم انه هو الوهاب ، والذي وهب ويهب كل نعمة لكل مخلوقاته المكلف وغير المكلف على وفق علمه وحكمته ورحمته وقدرته وكرمه وفضله ، فله الحمد أولا وآخراً وظاهراً وباطناً ، اللهم اجعله علماً نافعاً وعملا صالحاً متقبلا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آ له وصحبه أجمعين 0   

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

جمع وتأليف

الدكتور : مسفر بن سعيد دماس الغامدي