الود

بسم الله الرحمن الرحيم

     إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا اله الا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ﭧ ﭨ ﭽ                                                                              وبـعـــد : فهذه الحلقة الأولى في موضوع ( الود )ونبدأ بالتعريفات :

الود في اللغة :

 الود محبة الشيء ، وتمني وقوعه ،والوُدُّ مصدر المودَّة .. والودُّ هو الحبُّ يكون في جميع مداخل الخير. 

  فكل ودود مُحب، وليس كل مُحب ودود ..

 وقال ابن الأنباري : الودود في أسماء الله عز وجل ، المحب لعباده  قال ابن الأثير : الودود في أسماء الله تعالى ، فعول بمعنى مفعول ، من الود المحبة .

أما المعنى الإصطلاحي

فالود هو الحب

   والودود من الود وهو الحب  ؛ و الحب  ذكر في القرآن  أربع وثمانون مرة  ؛ كان ثلاث وثمانون مرة في حب الله فالحب يجب أن يكون لله وفي الله لانه إن فرغ القلب من حب الله امتلأ بحب الخطيئة والمعصية ، فحب الإنسان لوالديه ولأبنائه وللفقراء وللمسلمين حبا في الله وقد قال الله عز وجل : { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا } أي أن الله يمد حبال الود بين الصالحين فمن يحبه الله يلقي محبته في قلوب البشر

 الله هو الودود

 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ثلاثة من كن فيه ذاق حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا في الله وأن يكره أن يعود إلى الذنب ـ أو الكفر ـ كما يكره أن يلقى في النار ) والثلاثة تتعلق في الحب

 والله عز وجل يحبنا ونحبه وقد قال عز وجل في القرآن { يحبهم ويحبونه } فعندما تمتلئ قلوبنا بحب الله ترطب ألسنتنا بذكر الله

الأم تحب ولدها حتى لو عصاها او جفاها او آذاها وكذا الله عز وجل فحبه سابق لحبنا، فالله يحبنا بجلبه المنافع لنا فهو الذي أوجدك من عدم وأوجد لك أسباب الحياة وأسبغ عليك أنواع النعم وهذا كله دليل على حب الله لنا ونحن لا نستشعر ذلك لان هذا موجود لدينا منذ الصغر ولكننا نتيقن من حب الله لنا عند دفعه الضرر عنا فعندما نتعرض لحادث ونخرج منه بدون إصابات نقول الله يحبنا وعندما نتعرض لكارثة ولا يصيبنا خلالها أي ضرر نقول الله يحبنا على الرغم من إن الله يرسل لنا كل لحظة مئات رسائل الحب ولكننا لا نفهمها ففهم رسائل الله يحتاج إلى إيمان قوي ويقين بالله فقد اجتمع قوم يستسقون الله عز وجل ولكن المطر لم ينزل عليهم فإذا بأحد الصالحين يرفع أكفه بالدعاء وسرعان ما نزل الغيث فسأله قومه بماذا دعوت قال : قالت ( اللهم بحق حبك لنا انزل علينا الغيث )

 فالودود :  هو الذي يحبك فكل هواء تتنفسه في اليوم هو رسالة حب من الله يقول يا عبدي إني احبك لذا سخرت لك الهواء ليمدك بالحياة ، وكل دقيقة نوم تهنأ بها هي رسالة حب من الله يقول يا عبدي أنا احبك فوفرت لك راحة البدن ، وكل طعام لذيذ نأكله هو رسالة حب من الله يقول يا عبدي أنا احبك ولذلك رزقتك هذا الطعام اللذيذ ، حتى الصلاة والصيام هي رسائل حب من الله يقول لك يا عبدي أنا أحبك ولذلك أعنتك على طاعتي ، والجنة التي خلقها الله فيها ما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر هي رسالة حب من الله يقول يا عبدي أنا أحبك لذا بنيت لك مسكنك في الآخرة ولكن حزننا على المفقود ينسينا الشكر على الموجود

 فمع كل نعمة أنعمها الله عليك تذكر المحرومين منها واستشعر رسالة الحب التي بعثت لك ، ومع كل سجدة تسجدها لله تذكر ملايين الغافلين عن السجود واستشعرنداء الله لك فقد اختارك أنت من دون هذه الملايين ليبعث لك رسالة حب يقول لك يا عبد الله ياأمة الله  أنا احبك وأعينك على طاعتي ذاك هو الودود

 والودود : هو الذي يحبنا فهو الغني ملك الملوك الذي ينزل الى السماء الدنيا كل ليلة في رسالة حب يومية يقول فيها هل من تائب فأتوب عليه وهل من مستغفر فاغفر له وهل من طالب حاجة فألبيها له فأنا أحبكم ، هذه رسالة حب من الغني للفقير ، من القادر للعاجز فهو الذي يشرفنا بقربه ولكننا نتعامل مع نداءات الله ورسائله على أنها تكليف ! لا والله إنه لم يناديك إلا ليعطيك فما أحوجنا إليه وما أغناه عنا ، أوليس هذا هو الحب فكم يحبنا إذ أكرمنا بالإسلام ومن علينا بمحمد عليه السلام فأحلى ما في الإيمان أن المؤمن يستطيع أن يفسر أقدار الله فيه من خلال يقينه { قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا } وقد قال رسولنا الكريم : ( عجبا لأمر المسلم كل أمره خيرا أذا أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإذا أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ) فالمؤمن يعرف لماذا أعطاه الله ولماذا منعه الله وهذا يعطيه مناعة ضد مصائب الدهر فلا يجزع ولا يقنط

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

 

 

 

 

 

 

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثانية في موضوع (الود ) وهي إستكمالا للحلقة الماضية والتي بعنوان الله هو الودود :

الودود سبحانه هو الذي يقول لنا في رسالة حب يا ابن آدم عندما اسخر لك الهواء الداخل إلى رئتك أكون قد مددت لك في عمرك لتتوب وتستغفر فأنجيك من عذابي وهي فرصة لك للطاعة لتفوز بجنتي ولكننا انشغلنا بحب البشر فضيعنا حب رب البشر فالله يفرح ببكاء التائبين أكثر من فرحه بتسبيح المسبحين فقد قال عز وجل      { واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود }

    وكل يدعي محبة الله عز وجل لأننا نجهل حقيقة هذه المحبة فالطفل عندما تعطيه القليل من المال يفرح اعتقادا منه انه يمتلك ثروة وذلك لأنه يجهل قيمة المال ونحن كذالك الطفل نقوم بالقليل من العبادات ونعتقد أننا بذلك نحب الله فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :     ( نحن معاشر الأنبياء تنام أعيننا وقلوبنا تذكر الله ) فمعنى أن تحب الله أي أن يتحول قلبك إلى أداة تذكر الله بإرادة وبغير إرادة ، وأن يوافق حبك حب الله فتحب ما يحب الله وتكره ما يكره الله ، وذلك مصداقا لقول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به )

 يقول أحد الصالحين : ( كابدت الليل عشرون عاما ثم تنعمت عشرون عاما ثم خشيت أن لا أجر عليه لأنه أصبح هواي أنا لا أجاهد فيه ) أي أن هذا الرجل قد جاهد نفسه وخالف هواه في قيام الليل عشرون عاما حتى أصبحت متعته وغرامه في قيام الليل فخشي بعد ذلك أن لا يؤجر على القيام لان ليس به كبد ولا تعب بل أصبح به لذة  كما يقول الله في الحديث القدسي :     ( ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به  وبصره الذي يبصر به) أي يبرمجه الله برمجه ربانية فكل ما يفعله يكون ضمن ما يحبه الله ولا يتأتى ذلك الا بالمجاهدة والصبر على الطاعة فتصبح الطاعة هواه

 وقالوا الودود :  هو الذي يُحبه عباده الصالحين من ملء قلوبهم، فيملأ حُبه سمعهم وبصرهم وقلوبهم وجوارحهم ودمائهم وأرواحهم فيكون أحب إليهم من أنفسهم وأولادهم وكل ما في الأرض، ولعل هذا المعنى هو ما أشار إليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ).

و أيضاً في معنى اسم الله الودود: الذي تقرب إلى أولياءه وتحبب إلى أولياءه بالقرب منهم، وتحبب إلى المذنبين بالرحمة والمغفرة، وتحبب إلى الخلق كل الخلق بالعطاء والرفق في الكون.    الودود سبحانه وتعالى الذي يتودد إلى عباده بالحنان والعطف والحب، فيحنوا عليهم ويُحبهم ويُعطيهم. هل نتخيل هذا الحب وهذا العطاء من الغني العلي لعباده الفقراء العاصين ؟!

الود أشمل وأعم وأكبر من الحب.. كيف؟ الحب هو المشاعر الداخلية، ما تُكنه في قلبك للآخرين. الود هو التعبير عن هذه المشاعر بالأفعال. الحب مشاعر داخلية والود تصرفات وأفعال. الحب إحساس داخلي والود ترجمة وتحويل المشاعر الداخلية لأفعال وتصرفات.

 إذن فكل ودود مُحب وليس كل مُحب ودود. ولله المثل الأعلى. هناك حديث واضح جداً يبين لك هذا الفرق ( إن الله إذا أحب عبداً نادى جبريل، يا جبريل إني أحب فلانا فأحبه - لماذا؟ لأنه الودود سبحانه وتعالى – فينادي جبريل في أهل السماء: يا أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض)

 ما الفرق بين الودود والرحيم والغفور والتواب..؟ ربما يشعر البعض أن هذه الأسماء متقاربة ولها نفس المعنى... بل الفرق كبير واشرح لك بمثال

    الإنسان مخلوق ضعيف، احتياجاته لا تنتهي. محتاج للطعام والشراب، فيتجلي الله عليه باسمه الرزاق.. أليس كذلك؟ محتاج للحماية والحفظ، فيتجلى الله عليه باسمه الحفيظ. محتاج للتربية والإصلاح، فيتجلى الله عليه باسمه الرحيم. محتاج للتعليم والفهم، فيتجلى الله عليه باسمه الفتاح العليم. محتاج قوة وعزة، فيتجلى عليه باسمه العزيز. كل ذلك يحتاجه، ولكنه يحتاج إلى شيء هام جداً ألا وهو الحنان والعطف. فالله تبارك وتعالى تجلى عليه بالرحيم والكريم والرزاق والعزيز، ولكنه مازال يحتاج لشيء أخر.. فتجلى عليه باسمه الودود. أرأيت كم هو عليم باحتياجاتك؟ فاحتياجاتك المادية.. الرزاق، واحتياجاتك الروحية.. الودود سبحانه وتعالى.

 

   إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

 

 

 

 

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثالثة في موضوع (الود ) وهي إستكمالا للحلقة الماضية والتي بعنوان الله هو الودود :

 يقول سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه: " لو قيل لي يوم القيامة سنحول حسابك لأبيك وأمك لرفضت، لأن الله سيكون أرحم بي وبأبي وأمي مني "

هذه الكلمة لمن يعرف الودود حقاً كسيدنا علي، فهو يعيش مع أسماء الله الحسنى ويعرفها جيداً.

الودود يتودد إليك بطريقتين:

1- الود العام ود لكل البشر مسلمهم وكافرهم، مؤمنهم وغير مؤمنهم، فاجرهم وعاصيهم.. لماذا؟ لأنه الودود سبحانه وتعالى، ثم ود خاص للمؤمنين.

انظر إلى الكون وخلقُ الله في كونه، فكلما نظرت في صفحة الكون لوجدت دلائل تودد الله تبارك وتعالى إليك. الشمس، القمر، الأنهار، البحار، الورود..      وكل هذه نعم لها وظائف لديمومة الحياة، ولكن نفس هذه الأشياء جعل الله فيها دلائل وده. كان من الممكن أن تكون هذه الأشياء جافة وصماء غير نافعة ، ولكن انظر إلى الودود ماذا يفعل مع كل عباده. هل تذكر الشمس وقت العصر، والجلسات الطيبة..؟ أتذكر الشمس وقت الشروق؟ أتذكر الشمس في لحظة الغروب وما تفعله في القلوب..؟! ما وقع في القلب هذا هو من الودود سبحانه وتعالى

وإذا تأملت منافع الشمس للكائنات الحية وجدت عجباً؟

    الليل له دوره.. ليرتاح الناس وينامون، ولكن انظر إلى الودود ماذا قال ؟ قال : { وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى } فالليل يأتي بنسماته العليلة ويجلس الناس يتسامرون فيه، ويخلوا الحبيب بحبيبه في لحظات الليل الرقيقة الجميلة. كان من الممكن أن يكون ليلاً مُظلماً موحشاً.. ولكنه الودود سبحانه ؛ جعل هذه المنافع في الليل ؟

اسم الله الودود تجده أمامك دائماً، وانظر إلى هذه الآية الكريمة { أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً }

   بماذا يعبر هذا الظل..؟ يعبر عن الود من الله سبحانه وتعالى، فقد جعله من أجلك. وقد جاءت هذه الآية في سورة الفرقان، وسورة الفرقان تتحدث عن إيذاء الكافرين للنبي وكيف أن الله تبارك وتعالى ودود ورحيم به صلى الله عليه وسلم وليعلمه مثلما أن الكون ودود به، سيكون الله تعالى ودود به.

هناك ملايين الأنواع من الأسماك.. كم نوع منها يؤكل..؟ قليل.. ولماذا الباقي؟! زينة ومناظر جميلة! انظروا إلى الكون بطريقة جديدة.. الودود سبحانه وتعالى. الأزهار التي لا تؤكل.. لماذا؟ من أجل الشكل الجميل والرائحة ومن أجل صناعة العطور، فكلما رأيت وردة تذكرت الودود سبحانه وتعالى. هناك ملايين الأنواع من الطيور.. كم نوع منها يؤكل..؟ قليل جداً.. والباقي؟! من الودود سبحانه وتعالى. جعل الله لك مئات الأنواع من الفاكهة وبألوان مختلفة.

 أعطيك مثل ولله المثل الأعلى. عندما تكون معزوماً عند شخص في بيته ووضع لك على مائدة الطعام الأرز واللحم والماء.. ألم يكرمك؟ ألم يضيفك؟ بلى، ولكن فرق كبير أن تذهب لبيت أخر وتجد فيه على مائدة الطعام كل ما لذ وطاب وعشرة أنواع من الفاكهة وورود وعطور. فالأول قد أطعمك وأما الثاني تودد إليك.

  يجب عليك أن تُعيد النظر في الكون بوسعه مرة أخرى ولتعلم أنه مسجد كبير حتى تعرف الودود سبحانه وتعالى وتتودد إليه.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

 

 

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الرابعة في موضوع (الود ) وهي إستكمالا للحلقة الماضية والتي بعنوان الله هو الودود :

2- الود الخاص

 ليس للأنبياء فقط وليس للشهداء فقط، بل الود لعباده المؤمنين. واستمع إلى هذه الآية التي ستجعلك تذوب شوقاً للودود سبحانه وتعالى.. { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً } إن تؤمن وتعمل الصالحات سيكون لك من الله ود خاص، وكلمة "سيجعل"هنا ممتدة. سيجعل لك في الدنيا؟ و سيجعل لك في القبر؟ و سيجعل لك يوم القيامة؟ و سيجعل لك في الجنة.؟قال سبحانه{الذين آمنوا وعملوا الصالحات} ولم يقل الشهداء ولم يقل الأنبياء.

مظاهر ود الله تبارك وتعالى

1- مع النبي صلى الله عليه وسلم: أتذكرون كيف كان غار حراء؟ هو جبل ولكنه على شكل حُضن. أتذكرون أول شيء فعله جبريل عليه السلام مع النبي صلى الله عليه وسلم؟ ضمهُ بالحُضن شوقاً. أتذكرون عندما تعرض النبي للإيذاء الشديد؟ فتنزلت الآية الكريمة تقول له { وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا...} أنت مُحاط برعايتنا.. أليست وداً؟ وعندما مات ابنه صلى الله عليه وسلم، فقالوا مُحمد ابتر، فينزل قرآن مخصوص لرسول الله { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ }

خرج صلى الله عليه وسلم من مكة، محزونا لفراقها، فينزل القرآن { إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ...} فالود مُتصل.

 يُؤذى النبي الأكرم ويُجرح يوم غزوة أحد ويستشهد سبعون من الصحابة، وقلوب بقية الصحابة مجروحة، فينزل القرآن الكريم كله ود ورحمة وحنان { وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ }. فماذا تدل عليه هذه الآيات غير أنها وداً وحناناً { وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا... }

انظر إلى النبي عندما تأخر عنه الوحي ، وبدأت قريش تضحك وتقول: رب مُحمد قلاه – ودّعه – والنبي صلى الله عليه وسلم يتألم أشد الألم، فتنزل سورة كاملة من القرآن {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى * أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى } أريدك أن تتخيل حبيبك صلى الله عليه وسلم وهذه الآيات تنزل عليه من رب العالمين مالك المُلك..   ما هو شعوره صلى الله عليه وسلم؟! . عندما أنزلت عليه سورة الضحى وفيهاكلمة   { ألم }  تُذكر ثلاث مرات، وانظر إلى الود في كلمة  { فآوى}  وكأنها حُضن رقيق، وانظر إلى السورة وقد بدأت ب { الضحى والليل } فأراد الله تعالى أن يضرب له مثل بالكون في أفضل لقطات الود التي فيه، وأقسم بالليل في لحظات الصفاء الرقيقة وليس بالليل الموحش. اقرأوا سورة الضحى واستشعروها جيداً وراجعوا إلى تاريخكم وما فات من حياتكم لتعرفوا الودود، وأن الود في الكون مرتبط بالود في حياتنا.

ليس هذا فقط.. هناك سورة أخرى { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } انظر إلى الود في قلبك كيف هو من الله سبحانه وتعالى. كم مرة بكيت؟ كم مرة خشعت؟ كم مرة قلت له أحبك يا الله؟ كم مرة أحسست بالقرب والحنان..؟ من لم يشعر بذلك فهو إما أنه سبحانه وتعالى يتودد إليك وأنت لست منتبهٌ لذلك وهذه مشكلة، وإما أنه لا يتودد إليك لأنك لا تستحق، فهذه مُصيبة.

الودود يحب أن تذهب إليه، وتُكلمه وتدعوه . هناك فرق بين الدعاء والفضفضة وأن تشكوا إلى الله همك، لأنه الودود سبحانه وتعالى. عندما تُحب إنساناً ويكون مُتعباً.. ماذا يفعل؟ يقول لك سآتي لأشتكي إليك ولا أريد منك شيئاً غير الفضفضة.. ولله المثل الأعلى. فهل جربت أن تذهب إلى الله الودود سبحانه وتعالى..؟ هذا المعنى هام جداً والكثير من الناس لا يلتفتون إليه.

تكلم مع الودود سبحانه وتعالى وأنت مستلقي على فراشك، واشتكي إليه واستشعر قربك منه، فهذه عبادة رقيقة جداً، وما إن تفعلها إلا وتجد حلاوة في قلبك عجيبة، هذه الحلاوة تعرف أنها من الودود سبحانه وتعالى. سيسألني البعض أين أصل هذه العبادة؟ سأخبرك على أصلها من القرآن.؟

2- أم مريم وزوجة عمران. هي تريد أن تنجب ذكراً يُحرر المسجد الأقصى وهذه أمنيتها.. انظر معي إلى هذا الحوار وهذه المناجاة في سورة آل عمران {... رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً – خالص لك وحدك ومحرراً من أي قيود - فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ } فكانت الأم صادقة في العلاقة وكانت قريبة ومتصلة بالودود.. وكانت تناجيه سبحانه وتتساءل.. هل تستطيع هذه البنت أن تفعل شيئاً من أجل الدين؟ فهي ليست كالذكر، ومن الذي سيربيها وأنا عجوز؟ فانظر معي إلى هذه الآيات التي تود هذه المرأة التي ذهبت إلى الودود لتكلمه بصدقٍ { فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً }

3- انظر إلى أيوب عليه السلام عندما أصابه المرض ؛ قال تعالى {...رَبِ إنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ } وانظر إلى الآية التي بعدها { فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ... } أين الدعاء؟!

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

 

 

 

 

 

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الخامسة في موضوع (الود ) وهي إستكمالا لما ورد في الحلقة الماضية والتي هي بعنوان :

*مظاهر ود الله تبارك وتعالى :

4- وقال عن يونس :{ وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } وانظر إلى الآية التي بعدها { فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ...} أين الدعاء؟!

هذه العبادة وهذه المناجاة تتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى باسمه الودود، فهو يحب أن يسمعك ويحب أن تذهب إليه. هل تستطيع أن تفعل ذلك وتذهب للودود بهذه الطريقة؟؟

انظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم الطائف لما ضُرب وأوذي يقول ( اللهم إني أشكوا إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، أنت رب العالمين، وأنت رب المستضعفين، وأنت ربي. إلى من تكلني، إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري، إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي ) ، أين الدعاء؟!

ما هذا إذن..؟ هذه مناجاة، تُكلمُ الله فيها وتشكوا إليه.. ذاهب للودود. نريد أن نمارس هذه العبادة ونعلمها لأولادنا كيف يعبدوا الله ويتوددوا إليه بها.

*الودود مع عباده

{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً }  { وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ }. أكثروا من الصالحات وانتظروا الود الجميل من الودود. أي تشريف أكثر من ذلك..؟!

استمع لهذه الآيات وهذه الأحاديث التي تعرفك بالودود سبحانه وتعالى في أمور كثيرة. يقول الله تبارك وتعالى    { فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } وبدأ بنفسه سبحانه وتعالى بـحبه لعباده قبل أن يحبوه

اسمع حديث النبي صلى الله عليه وسلم ( إن الله تبارك وتعالى يُنادى يوم القيامة: يا آدم إن الله يأمرك أن تُخرج من ذريتك بعثاً إلى النار، فيقول آدم: يارب وكم بعث النار، فيُقال له من كل ألف، تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة، فعندما قال النبي هذا الحديث، غطى الصحابة وجوههم وسُمع لهم صوت بكاء، فدخل النبي بيته فنزل جبريل. يقول لك الله: لما تُقنط عبادي..؟ اخرج إليهم فبشرهم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعون ومنكم واحد، وإني لأرجوا أن تكونوا رُبع أهل الجنة، فكبرنا.. فقال النبي: وإني لأرجوا أن تكونوا ثُلث أهل الجنة، فكبرنا.. فقال النبي: وإني لأرجوا أن تكونوا نصف أهل الجنة).

 *الودود يحب أن يستبشر عباده ويفرحوا.

يقول النبي ( عُرضت عليّ الأمم يوم القيامة، فرأيت النبي يأتي ومعه الرجل، ورأيت النبي يأتي ومعه الرهط، ورأيت النبي يأتي وليس معه أحد، ثم رُفع إليّ سوادٌ عظيم – أي عدد كبير من الرؤوس – فقلت أمتي أمتي، فقيل لي لا، هذا موسى وقومه. ولكن انظر إلى الطرف الأخر، فنظرت فإذا سواد يسُد الأفق، فقيل لي هؤلاء أمتك، ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب. فقال النبي : فاستزدت ربي فزادني على كل ألفٍ سبعون ألف يدخلون الجنة بغير حساب )

يقول النبي ( عينان لا تمسهما النار، عين بكت من خشية الله.. ) فهنيئاً لك من الودود، فهذه العين حُرّمت على النار.

اسمع لهذا الحديث القدسي ( أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه ) تَعَود أن تذكر الله..

{ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ } ( من ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ خير منه ) أليس ودوداً..؟؟                                      يأتي أحد الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم، اسمه عثمان بن أبي طلحة ويقول له: يا رسول الله أشتكي من وجع في جسدي، فيعلمه النبي أن يكون بينه وبين الله علاقة قريبة، فقال له النبي: ضع يدك على مكان الوجع وقل : باسم الله ثلاث مرات ثم قل أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر سبع مرات. يقول ظللت أفعلها فذهب عني الوجع، ووالله من يومها وأنا أعلمها لأهلي ولكل من أعرف ، هذا فضل الودود .

كان يجلس النبي يوماً في بيته، فقام وذهب إلى المسجد ليجد مجموعة من الصحابة يجلسون، فقال لهم: ما أجلسكم؟ فقالوا جلسنا نذكر الله يا رسول الله. قال: آلله ما أجلسكم إلا هذا؟ قالوا آلله ما أجلسنا إلا هذا. فقال النبي: إني لم أسألكم تُهمة لكم، ولكن بلغني أن الله يباهي بكم الملائكة. أرأيتم كيف يحبنا الودود..؟؟

اسمع الودود سبحانه وتعالى وهو يقول ( من تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، ومن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة ) أرأيتم؟!

الودود يعاتبك بود { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ }. فعتابه ليس مؤلماً.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

 

 

 

 

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السادسة في موضوع (الود ) وهي بعنوان :

*الودود سبحانه وتعالى مع النساء في الحجاب

قال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ  فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }. فلابسة الحجاب تدلل على قربها من الله  فلا يتعرض لها أحد بسوء. هل فكر أحد في الحجاب بهذا الشكل..؟ لو فهمتي الحجاب بهذا الشكل لذبتِ شوقاً إلى الحجاب الذي أمر به  الودود سبحانه وتعالى.

   الودود الذي غرس في كل قلوبنا الود بيننا وبين بعض.. أليس كذلك؟؟ الجلسات النقية الطاهرة التي تجمع بين الأصدقاء. الجلسات العائلية والفرحة التي تغمرهم وأولادهم بينهم. أليست من الودود سبحانه وتعالى؟

   فترة الخطوبة والعقد.. لهفة الاثنين على بعض { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً...}. أليست هذه من الودود سبحانه وتعالى؟

ابحث في الكون، ابحث في حياتك الشخصية، ابحث في القرآن.. ستجد الودود في كل مكان يُناديك ويدعوك إلى محبته سبحانه وتعالى.

دموع الأم وهي تودع ابنها للسفر.. أليست هذه من الودود؟                                             العُمرة.. قالوا سميت العُمرة بهذا الاسم لأنها زيارة تُعمّر الود بينك وبين الله سبحانه وتعالى ولإعمار الود بين العبد وبين الله تعالى.. أليست العُمرة من الودود؟      ألا تلاحظ أن ما تردده حتى تصل إلى الكعبة هو " لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والمُلك، لا شريك لك " يقول أحد التابعين أثناء كلمات التلبية " طال شوقي إليك فعجل قدومي عليك ".

رؤية الكعبة تجعلك تشتاق إليها ويهفوا قلبك حباً لها، فما بالك بالنظر للودود سبحانه وتعالى يوم القيامة؟! { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ }

( إنكم سترون ربكم كما ترون البدر في ليلة التمام ).

 

*الودود في الجنة

• يقول النبي صلى الله عليه وسلم على أهل الجنة :     (قلوبهم قلب رجل واحد،لا اختلاف بينهم ولا تباغض )، كمال الود. في الدنيا أنت تريد شيئاً وأنا أريد شيئاً آخر، وأما في الجنة فـلا.

 الودود في الجنة: يشتاق الأخ إلى أخيه في الجنة، فيُقرب الله سرير هذا من سرير هذا، فيقول الأخ لأخيه: أتذكر متى غفر الله لنا؟ فيقول له نعم، يوم كذا وكذا. فالآية الكريمة تقول

{ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ }  أليس ذلك من الودود..؟

هل عرفت الآية التي تتكرر كثيراً في القرآن من الودود؟ { عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ } قاله : عمرو خالد

*الله يتودد إلى أوليائة

                                 يعني وتوبوا إلى الله { إن ربي رحيم } بعباده  { ودود  } يعني يتودد إلى أوليائه بالمغفرة ويقال محب لأهل طاعته

 وهو الذي يحب الخير لجميع الخلق فيحسن إليهم ويثني عليهم وهو قريب من معنى الرحيم لكن الرحمة إضافة إلى مرحوم والمرحوم هو المحتاج والمضطر وأفعال الرحيم تستدعي مرحوما ضعيفا وأفعال الودود لا تستدعي ذلك بل الإنعام على سبيل الابتداء من نتائج الود , وكما أن من معانى رحمته سبحانه وتعالى إرادته الخير للمرحوم وكفايته له ، فكذلك وده إرادته الكرامة والنعمة وإحسانه وإنعامه 

   الودود من عباد الله من يريد لخلق الله كل ما يريده لنفسه وأعلى من ذلك من يؤثرهم على نفسه

 ولوْ لمْ يَكُنْ مِنْ تَحَبُّبِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ إلى عبادِهِ وإحسانِهِ إليهم وَبِرِّهِ بهم إلاَّ أنَّهُ سُبْحَانَهُ خَلَقَ لهم ما في السَّمَاواتِ والأرضِ وما في الدنيا والآخرةِ، ثُمَّ أَهَّلَهُم وَكَرَّمَهم، وَأَرْسَلَ إليهمْ رُسُلَهُ وأَنْزَلَ عليهمْ كُتُبَهُ، وَشَرَعَ لهم شَرَائِعَهُ، وَأَذِنَ لهم في  مُنَاجَاتِهِ  كلَّ  وقتٍ  أَرَادُوا ،  وَكَتَبَ  لهم  بكُلِّ حسنةٍ يَعْمَلُونَهَا عَشْرَ أَمْثَالِهَا إلى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إلى أضعافٍ كثيرةٍ، وكَتَبَ لهم بالسيِّئَةِ واحدةً، فإنْ تَابُوا منها مَحَاهَا وأَثْبَتَ مكانَهَا حسنة

وإذا بَلَغَتْ ذُنُوبُ أحدِهِم عَنانَ السماءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرَهُ غَفَرَ لهُ، ولوْ لَقِيَهُ بِقُرَابِ الأرضِ خَطَايَا، ثُمَّ لَقِيَهُ بالتوحيدِ لا يُشْرِكُ بهِ شيئاً لأَتَاهُ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً، وَشَرَعَ لهم التوبةَ الهادمةَ للذنوبِ؛ فَوَفَّقَهُم لِفِعْلِهَا ثُمَّ قَبِلَهَا مِنْهُم .. فَإنَّما الفضلُ كُلُّهُ والنعمةُ كُلُّهَا والإحسانُ كلُّهُ منهُ أَوَّلاً وآخِراً .. أَعْطَى عَبْدَهُ مالَهُ، وقالَ: تَقَرَّبْ بهذا إِلَيَّ أَقْبَلْهُ منكَ .. فالعبدُ لهُ، والمالُ لهُ، والثوابُ منهُ .. فهوَ المُعْطِي أوَّلاً وآخِراً، فكيفَ لا يُحَبُّ مَنْ هذا شأنُهُ؟!! وكيفَ لا يَسْتَحِي العبدُ أنْ يَصْرِفَ شَيْئاً منْ مَحَبَّتِهِ إلى غَيْرِهِ؟!!

ومَنْ أَوْلَى بالحمدِ والثناءِ والمَحَبَّةِ منهُ سبحانَهُ؟!! ومَنْ أَوْلَى بالكَرَمِ والجُودِ والإحسانِ منهُ؟!! قاله ابن القيم

    إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السابعة في موضوع (الود ) وهي بعنوان :

*معنى الاسم ( الودود ) في حق الله تعالى             قال ابن عباس "الودود هو الرحيم"، وقال البخاري "الودود هو الحبيب"

وقال الزجاج: الودود: فعول بمعنى فاعل، كقولك: غفورٌ بمعنى غافر، وشكور بمعنى شاكر .. فيكون الودود في صفات الله  بمعنى: الذي يودُّ عباده الصالحين ويحبهم.

والمعنى الثاني: أنه  مودود بمعنى مفعول، أي: الذي يوده عباده ويحبونه. وقال الخطابي "وقد يكون معناه أن يُوَدِّدَهم إلى خلقه، كقوله  { إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا }

يقول السعدي: "الودود: الذي يحب أنبياءه ورسله وأتباعهم، ويحبونه، فهو أحب إليهم من كل شيء، قد امتلأت قلوبهم من محبته، ولهجت ألسنتهم بالثناء عليه، وانجذبت أفئدتهم إليه ودًا وإخلاصًا وإنابةً من جميع الوجوه"

ويقول ابن القيم في النونية:

وهوَ الودودُ يُحِبُّهُم وَيُحِبُّهُ ... أحبابُهُ والفضلُ لِلْمَنَّانِ

وهوَ الذي جَعَلَ المَحَبَّةَ في قُلُو ... بِهِمُ وَجَازَاهُم بِحُبٍّ ثَانِ

هذا هوَ الإحسانُ حَقًّا لا مُعَا ... وَضَةً ولا لِتَوَقُّعِ الشُّكْرَانِ

لكنْ يُحِبُّ شُكُورَهُم وَشَكُورَهُم ... لا لاحْتِيَاجٍ منهُ للشُّكْرَانِ

*عجـــائب ودُّ الله 

    يقول ابن القيم "ليس العجب من مملوك يتذلل لله ويتعبد له ولا يمل من خدمته مع حاجته وفقره إليه، إنما العجب من مالك يتحبب إلى مملوك بصنوف إنعامه ويتودد إليه بأنواع إحسانه مع غناه عنه.

كفى بك عزًّا أنك له عبد * * وكفى بك فخراً أنه لك رب"

من أنت أيها العبد الفقير حتى يتقرَّب إليك أغنى الأغنياء؟! .. وماذا تساوي أنت أيها الذليل حتى يتودد إليك العزيز جلَّ في علاه؟!

أخرج مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ "إِذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ أَوْ ثُلُثَاهُ يَنْزِلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى؟ ..        هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ؟ .. هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ؟ .. حَتَّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ"

ألا تشكو من قسوة القلب؟! ألا تعاني من هجر القرآن؟!  ألا يسوؤك حالك مع الله تعالى؟! ألا يواجههك ضيق العيش؟! .. ألا تبتلى؟! ..

   إذًا، هلم ارفع شكواك وقَدِم نجواك في الثلث الأخير من الليل، فاتحة الأحزان وفاتحة الرضوان، وجنات النعيم والكرم الإلهي ..

 عجبًا لك أيها العبد! ترفع حوائجك إلى من أغلق دونك بابه وجعل دونها الحراس والحُجَّاب، وتنسى من بابهُ مفتوحٌ إلى يوم القيامة !!

ومن عجائب ودَّهُ: أن تسبق محبته للعباد محبتهم له ..

    فالله  هو الذي يبتديء عباده بالمحبة .. قال تعالى {...فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ..}

 يقول ابن الجوزي "سبحان من سبقت محبته لأحبابه؛ فمدحهم على ما وهب لهم، واشترى منهم ما أعطاهم، وقدم المتأخر من أوصافهم لموضع إيثارهم، فباهى بهم في صومهم، وأحب خلوف أفواههم. يا لها من حالةٍ مصونةٍ! لا يقدر عليها كل طالب، ولا يبلغ كنه وصفها كل خاطب" ومن عجائب ودَّهُ: أنه يتودد بنعمه لأهل المعاصي، ويقيم بها عليهم الحجة ..

ثم قال ابن القيم :" ومن لطائف ودَّهُ: أنه لا يرفعه عن المذنبين، وإن تكررت ذنوبهم، فإذا تابوا منها وعادوا إليه شملهم بمحبته أعظم مما كانوا عليه .. أليس الله يحب التوابين؟

    وهذا بخلاف ما يظنه من نقصت معرفته بربِّه من أنه سبحانه إذا غفر لعبده ذنبه فإنه لا يعود الودُّ الذي كان له منه قبل الجناية، واحتجوا فى ذلك بأثرٍ إسرائيليٍ مكذوب أن الله قال لداود  : يا داود، أما الذنب فقد غفرناه، وأما الودُّ فلا يعود.

وهذا كذبٌ قطعاً، فإن الودُّ يعود بعد التوبة النصوح أعظمُ مما كان، فإنه سبحانه يحب التوابين، ولو لم يَعُدْ الودُّ لما حصلت له محبته، وأيضًا فإنه يفرح بتوبة التائب، ومحال أن يفرح بها أعظم فرح وأكمله وهو لا يحبه.

وتأمل سر اقتران هذين الاسمين فى قوله تعالى: {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِيءُ وَيُعِيدُ وَهُوَ الْغَفُورُ الْودُود} تجد فيه من الرد والإنكار على من قال: لا يعود الودُّ والمحبة منه لعبده أبدًا، ما هو من كنوز القرآن ولطائف فهمه، وفى ذلك ما يُهَيِّج القلب السليم ويأْخذ بمجامعه ويجعله عاكفًا على ربِّه الذي لا إله إلا هو ولا ربُّ له سواه .. عكوف المحب الصادق على محبوبه الذي لا غنى له عنه، ولا بد له منه ولا تندفع ضرورته بغيره أبدًا."

فالله  هو الذي يبدأ بالمغفرة ويُعيدها مرةً أخرى .. تذنب ثم تتوب إليه بصدق، فيغفر ويصفح .. ليس هذا فحسب بل تزداد محبته لك، أفضل وأعظم مما كانت لك قبل ذلك

 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثامنة في موضوع (الود ) وهي بعنوان :

*سر اقتران اسم الله (الودود) باسميه (الغفور) و (الرحيم)

ورد اسم الله (الودود ) مرتين في كتاب الله عزوجل:

الأولى في قوله تعالى: { وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ  }

والثانية في قوله تعالى:  { وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ  }

يقول ابن القيم رحمه الله :  وما ألطف اقتران اسم الله الودود بالرحيم؛ فإن الرجل قد يغفر لمن أساء إليه ولايحبُّـه، وكذلك قد يرحم من لايُحبُّ، والرب تعالى يغفر لعبده إذا تاب إليه، ويرحمه ويحبُّه مع ذلك فإنه " يحب التوابين" وإذا تاب إليه عبده أحبَّه ولو كان منه ماكان. 

*معظم العلماءفسر الود بالمحبة  

عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إذا أحب الله العبد نادى جبريل إن الله يحب فلاناً فأحببه فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض » [رواه البخاري].

*من صفات المحبوبين عند الله : 1- التوابين:

قال تعالى: { إنَّ الله يُحبُّ التَّوابين ويُحبُّ المُتطهِّرين } وقد ذكر أهل العلم للتوبة شروطاً هي:

أ- أن تكون التوبة خالصة لله- عزّ وجلّ.  

 ب-- الندم على ما فات من الذنوب.

ج- الإقلاع عن المعصية فوراً

د- العزم على عدم العودة إلى المعصية

ه- أن تكون التوبة قبل انتهاء وقتها

و- إذا كانت المعصية متعلقة بالعباد كاغتصاب الأموال مثلاً فيجب إعادة الحقوق إلى أصحابها وإن كانت المعصية غيبة أو نميمة أو ما شابه ذلك فيجب الإستبراء منهم والدعاء لهم في ظهر الغيب

2- المتبعون لسنة النبي صلى الله عليه وسلم:

قال تعالى: { قُل إن كنتم تُحبُّون الله فاتَّبعوني يُحْبِبْكُمُ الله ويغفر لكم ذُنُوبَكُمْ واللهُ غفورٌ رحيم }

3- المقسطون: وهم العادلون في جميع شئونهم مع أنفسهم ومع غيرهم

قال تعالى: { لا ينهاكم الله عن الَّذين لم يُقاتلوكم في الدِّين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرُّوهم وتُقسطوا إليهم إنَّ الله يُحِبُّ المُقسطين }

4- المحسنون: وهم الذين ينفقون على أنفسهم وعلى غيرهم قال تعالى: { وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إنَّ الله يُحبُّ المحسنين }

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة التاسعة في موضوع (الود ) وهي إستكمالا للماضية والتي بعنوان *من صفات المحبوبين عند الله :

5- المحبون للقاء الله تعالى:

ودليل ذلك ما رواه عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه .... ) الحديث . رواه البخاري

6- المتقربون إلى الله بنوافل العبادات والمكثرون من ذكره: يقول سبحانه وتعالى: { فاذكروني أذكركم واشكروا لي

8- المتحابون في الله:

روى أبو هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن الله يقول يوم القيامة أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي » [رواه مسلم].

9- المكثرون من الطهارة والمتجملون لله:

والطهارة هي إزالة النجاسة من البدن والملابس وأماكن العبادة والله سبحانه يحب من عباده المتطهرين لقوله تعالى: { فيه رجالٌ يُحبُّون أن يتطهَّروا واللهُ يحبُّ الْمطَّهِّرين }

10- صاحب السواك والمستاكون:                   روت عائشة- رضي الله عنها- عن النبي صلى الله عليه وسلم: « السواك مطهرة للفم مرضاة للرب » رواه البخاري

11- المتقربون إلى الله تعالى بفعل الفرائض والمحافظة عليها:

عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن الله قال من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحب مما افترضت عليه ... ) الحديث . رواه البخاري

12- المتقون:

قال جلّ وعلا { بلى من أوفى بعهده واتَّقى فإنَّ الله يُحبُّ المُتَّقين }

 

13- الصابرون:

قال تعالى: { وكأيِّن من نَّبيٍّ قاتل معه ربّيُّون كثيرٌ فما وَهَنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضَعُفُوا وما اسْتكانوا واللهُ يُحِبُّ الصَّابرين }

14- المتوكلون على الله تعالى:

قال تعالى : { فبما رحمةٍ مِّن اللهِ لنت لهم  ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضُّوا من حولك فاعفُ عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر  فإذا عزمت فتوكَّل على الله  إنَّ الله يُحِبُّ الْمُتوكِّلين }  

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة العاشرة في موضوع (الود ) وهي بعنوان:

*الخلة صفاء المودة

 قال تعالى : { وجعل بينكم مودة ورحمة } أي : بالمصاهرة والخـتـونة يعطف بعضهم على بعض .

قال ابن عباس : المودة حب الرجل امرأته ، والرحمة رحمته إياها أن لا يمسها بسوء .  وقال  مجاهد : المودة الجماع ، والرحمة الولد  ، وقال النووي : الخلة بضم الخاء هي تخلل المودة في القلب والخلة صفاء المودة التى توجب تخلل الاسرار

وقال بن فورك : الخلة صفاء المودة بتخلل الاسرار وقيل اصلها المحبة ومعناه الاسعاف والالطاف وقيل الخليل من لا يتسع قلبه لغير خليله )

*الأخوة تقتضي المعاشرة في المودة

ومعنى {كونوا عباد الله اخوانا } أي تعاملوا وتعاشروا معاملة الاخوة ومعاشرتهم في المودة والرفق والشفقة والملاطفة والتعاون في الخير ونحو ذلك مع صفاء القلوب والنصيحة بكل حال

وعن أم كلثوم بنت عقبة قالت: «لم أسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يرخص في شيء من الكذب مما يقول الناس إلا في الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها» رواه أحمد ومسلم وأبو داود . 

*السلام  مفتاح استجلاب المودة

وقال عليه الصلاة و السلام : " لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى تحابوا ألا أدلكم على شيء إذا فعلتمون تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم " رواه مسلم وغيره

  والسلام أول أسباب التألف ومفتاح استجلاب المودة وفى افشائه تكمن ألفة المسلمين بعضهم لبعض واظهار شعارهم المميز لهم من غيرهم من أهل الملل مع ما فيه من رياضة النفس ولزوم التواضع واعظام حرمات المسلمين

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ثلاث يثبتن لك الود في صدر أخيك: أن تبدأه بالسلام، وتوسع له في المجلس، وتدعوه بأحب الأسماء إليه .. .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

 

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الحادية عشرة  في موضوع (الود ) وهي بعنوان  : *مودة قربى النبي من اعظم الصلة

 أخرج البخاري بسنده من حديث  عبد الملك عن طاوس عن بن عباس رضي الله عنهما قال : { إلا المودة في القربى }  قال  سعيد بن جبير :  قربى محمد  صلى الله عليه وسلم  ثم قال : إن النبي  صلى الله عليه وسلم  لم يكن بطن من قريش إلا وله فيه قرابة  فقال :  إلا أن تصلوا قرابة بيني وبينكم

 *الهدية تورث المودة

 أخرج الطبراني بسنده  من حديث أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : ( يا معشر الأنصار تهادوا فإن الهدية تسل السخيمة وتورث المودة فوالله لو أهدي إلي كراع لقبلت ولو دعيت إلى ذراع لأجبت )  

 *إخاء المودة

أخرج الطبراني بسنده من حديث ا بن عباس قال : قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  : ( ما من أحد أمن علي في يده من أبي بكر زوجني ابنته وأخرجني إلى دار الهجرة ولو كنت متخذا خليلا لأتخذت أبا بكر خليلا ولكن إخاء مودة إلى يوم القيامة )  

*النظر إلى المخطوبة يوثق المودة بينهما

   أخرج الطبراني بسنده من حديث  بكر بن عبد الله المزني قال خطب المغيرة بن شعبة امرأة فذكر أمرها للنبي  صلى الله عليه وسلم  فقال : رأيتها ؟  قال : لا  قال : إن استطعت أن تنظر إليها قبل أن تزوجها فافعل فإنه أحرى أن  يؤدم  - المودة  - بينكما

*سؤال الأخ عن اسم اخيه واسم ابيه أوصل للمودة

أخرج عبد بن حميد بسنده من حديث  يزيد بن نعامة الضبي قال قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  إذا آخى الرجل الرجل فليسأله عن اسمه واسم أبيه وممن هو فإنه أوصل للمودة

*أمر النبي بتزوج الودود الولود

أخرج أحمد بسنده من حديث أنس بن مالك قال كان رسول الله  صلى الله عليه وسلم  يأمر بالباءة وينهى عن التبتل نهيا شديدا ويقول تزوجوا الودود الولود اني مكاثر الأنبياء يوم القيامة ،قال الشيخ شعيب الأرناؤوط : صحيح لغيره , وهذا إسناد قوي  

أخرج ابن حبان بسنده من حديث  معقل بن يسار أن رجلا جاء إلى رسول الله  صلى الله عليه وسلم  فقال يا رسول الله إني أصبت امرأة ذات جمال وإنها لا تلد قال أأتزوجها  ؟ فنهاه  ، ثم أتاه الثانية  فنهاه  ثم أتاه الثالثة  فنهاه  وقال : ( تزوج الودود الولود فإني مكاثر بكم )

قال الشيخ شعيب الأرناؤوط :  إسناده صحيح على شرط الشيخين  . إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثانية عشرة في موضوع (الود) وهي بعنوان:

*الزواج مودة ورحمة  

يقول تبارك وتعالى: { وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } فهذه المودة والرحمة والهدوء والاستقرار النفسي... تنشأ بفعل الزواج، ولكننا كمسلمين نعتقد أن الله تعالى هو الذي وضع هذا النظام وليست الطبيعة!

إن الملحدين عزفوا عن الزواج ولجؤوا إلى الصداقة والشذوذ والفاحشة، فكانت الأمراض الجنسية المعدية، وكان الاكتئاب الذي يعصف بالمجتمع الغربي، حتى إن أحدث دراسة تقول إن 13 % من أطفال أمريكا مصابون باضطرابات نفسية!

*المرأة الودود جوهرة الحياة   

الودود: المُحبة لزوجها، قال تعالى : {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ }  

(الودود) كثيرة الود، دائمة البٍشْر. وسئل النبي صلى الله عليه وسلم مرة أخرى عن المرأة التي ينبغي أن يبحث عنها من هي؟ قال: (وامرأة تعين زوجها على أمر الآخرة)، هذه هي المرأة التي ينبغي أن يبحث الرجل عنها.

روى الإمام النسائي رحمه الله من حديث ابن عباس، قال صلى الله عليه وسلم: (خير نسائكم من أهل الجنة الودود الولود العئود ؛ التي إذا غضب منها زوجها أخذت بيده، وقالت له: لا أذوق غُمضاً حتى ترضى) ولك أن تقف متأملاً قوله عليه الصلاة والسلام: (لا أذوق غمضاً) والغمض: هو النوم، أي: لا أنام، ولا ألتذ بمنام إلا أن ترضى، هذه هي خير نسائنا من أهل الجنة جعلنا الله وإياكم وأزواجنا من أهلها .. ونفهم من كلمة (من أهل الجنة) أن المرأة إذا أحبها زوجها في الدنيا كانت زوجته في الآخرة. (العئود): أي التي يعود نفعها على زوجها، فإذا كانت غنية أنفقت على زوجها وعلى عيالها. ويدخل في قوله صلى الله عليه وسلم: (العئود) المرأة المدبرة، التي لا تتلف متاع زوجها وماله، لأنها إذا أتلفت متاعه استبدله الزوج بمتاع آخر وبمال جديد؛ مما يزيد من معاناته ويعقبه الفقر، فهي إذا وفرت له ذلك كأنما أعطته مالاً، و(العئود) فرع من (الودود) فهذه الصفة من أجمل الصفات

 ولفظ (ودود) على وزن (فعول) -صيغة مبالغة- أي: كثير الود؟! لأنه الرب الغفور الرحيم المتفضل، فهو يتودد إليك برغم معاصيك، وبرغم أنه لا يحتاج إليك.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثالثة عشرة في موضوع (الود) وهي بعنوان:

*المودة والرحمة بين الزوجين

قال تعالى :  { وجعل بينكم مودة ورحمة } اي جعل بين الزوجين مودة اي محبة ورحمة أي شفقة إلا إذا ظلم أحدهما الآخر فإن تلك المودة وتلك الرحمة قد ترتفع حتى يرتفع الظلم ويسود العدل والحق .

 الآية الكريمة { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة  } فهذه آية من آيات الفطرة الإلهية هي أقوى ما تعتمد عليه المرأة في ترك أبويها ، وإخوتها ، وسائر أهلها ، والرضا بالاتصال برجل غريب عنها تساهمه السراء والضراء ، فمن آيات الله - تعالى - في هذا الإنسان أن تقبل المرأة بالانفصال من أهلها ذوي الغيرة عليها ، لأجل الاتصال بالغريب ، تكون زوجا له ويكون زوجا لها تسكن إليه ويسكن إليها ، ويكون بينهما المودة والرحمة أقوى من كل ما يكون بين ذوي القربى ، فكأنه يقول : إن المرأة لا تقدم على الزوجية وترضى بأن تترك جميع أنصارها وأحبائها لأجل زوجها إلا وهي واثقة بأن تكون صلتها به أقوى من كل صلة ، وعيشتها معه أهنأ من كل عيشة ، وهذا ميثاق فطري من أغلظ المواثيق ، وأشدها إحكاما ، وإنما يفقه هذا المعنى الإنسان الذي يحس إحساس الإنسان ، فليتأمل تلك الحالة التي ينشئها الله - تعالى - بين الرجل وامرأته يجد أن المرأة أضعف من الرجل ، وأنها تقبل عليه تسلم نفسها إليه ، مع علمها بأنه قادر على هضم حقوقها ، فعلى أي شيء تعتمد في هذا الإقبال والتسليم ؟ وما هو الضمان الذي تأخذه عليه ، والميثاق الذي تواثقه به ؟ ماذا يقع في نفس المرأة إذا قيل لها : إنك ستكونين زوجا لفلان . إن أول شيء يخطر في بالها عند سماع مثل هذا القول ، أو التفكر فيه ، وإن لم تسأل عنه هو أنها ستكون عنده على حال أفضل من حالها عند أبيها وأمها ، وما ذلك إلا لشيء استقر في فطرتها وراء الشهوة ، وذلك الشيء : هو عقل إلهي ، وشعور فطري أودع فيها ميلا إلى صلة مخصوصة لم تعهدها من قبل ، وثقة مخصوصة لا تجدها في أحد من الأهل ، وحنوا مخصوصا لا تجد له موضعا إلا البعل ، فمجموع ذلك هو الميثاق الغليظ الذي أخذته من الرجل بمقتضى نظام الفطرة الذي يوثق به ما لا يوثق بالكلام الموثق بالعهود والأيمان ، وبه تعتقد المرأة أنها بالزواج قد أقبلت على سعادة ليس وراءها سعادة في هذه الحياة ، وإن لم تر من رضيت به زوجا ، ولم تسمع له من قبل كلاما ، فهذا ما علمنا الله - تعالى - إياه ، وذكرنا به - وهو مركوز في أعماق نفوسنا - بقوله : إن النساء قد أخذن من الرجال بالزواج ميثاقا غليظا ، فما هي قيمة من لا يفي بهذا الميثاق ، وما هي مكانته من الإنسانية ؟ قاله صاحب المنار

      إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الرابعة عشرة في موضوع (الود) وهي بعنوان:

*ما يثبت الود في القلب

   قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ثلاث يثبتن لك الود في صدر أخيك: أن تبدأه بالسلام، وتوسع له في المجلس، وتدعوه بأحب الأسماء إليه

*الود يتوارث والبغض يتوارث واهميةصلة ود الأب

ورد في هذا الباب عدة أخبار ، من ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - «الود يتوارث والبغض يتوارث» وقوله «ثلاث يطفين نور العبد : أن يقطع ود أبيه ، ويبدل سنة صالحة ، ويزني ببصره في الحجرات» وذكر في الآداب الكبرى قال : مكتوب في بعض كتب الله لا تقطع من كان أبوك يصله فيطفى نورك .

وعن ابن عمر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه» رواه مسلم والترمذي وصححه

*المودة : المرتبة االثانية من مراتب المحبة

أول مرتبة المحبة تسمى الاستحسان، وهي المتولدة عن النظر والسماع، ثم تقوى هذه المرتبة بطول الفكرة في محاسن المحبوب وصفاته الجميلة، فتصير مودة، وهي الميل إليه والألفة بشخصه. ثم تتأكد المودة فتصير محبة، والمحبة هي الائتلاف الروحاني. فإذا قويت صارت خلة، وهذا أصح الأقوال. والخلة بين الآدميين هي تمكن محبة أحدهما من قلب صاحبه حتى يسقط بينهما السرائر، ثم تقوى الخلة فتصير هوى، والهوى أن المحب لا يخالطه في محبوبه تغير ، ولا يداخله تلون . ثم يزيد الهوى فيصير عشقا.

والعشق : الإفراط في المحبة حتى لا يخلو العاشق من تخيل المعشوق وفكره وذكره ، ولا يغيب عن خاطره وذهنه، فعند ذلك يشغل النفس عن استخدام القوة الشهوانية والنفسانية، فيمنع من النوم لاستضرار الدماغ. فإذا قوي العشق صار تتيما ، وفي هذا الحال لا يوجد في قلبه فضلة لغير تصور معشوقه ، ولا يرضى نفسه بسواها. فإذا تزايد الحال صار ولَهَاً ، والوله هو الخروج عن الحدود والضوابط حتى تختل أفعاله وتتغير صفاته، ويصير موسوسا لا يدري ما يقول ولا أين يذهب، فحينئذ يعجز الأطباء عن مداواته، وتقصر آراؤهم عن معالجته، لخروجه عن الحدود والضوابط. قاله ابن تيمية

وإلى هنا تنتهي حلقات هذا الموضوع (الود) إن اصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي الشيطان وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

 

 

الود

{ وهو الغفور الودود }

 

تأليف

الدكتور : مسفربن سعيددماس الغامدي