النور

 

النُّور

((  اللهُ نورُ السماواتِ والأرضِ  ))

 

 

 

تأليف

 

د / مسفر بن سعيد دماس الغامدي                                     الأستاذ المشارك بمعهد إعداد الأئمة والدعاة

بمكة المكرمة

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له

وأشهد أن لا اله الا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون }

 { ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ، وخلق منها زوجها ، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً ، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً }

{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً ، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً }

وبعد :فهذه الحلقة الأولى من موضوع (  النور )

ولما للنور من أهمية في حياة العباد ، بل لجميع المخلوقات ، ولأن الحياة لا يمكن أن تستمر من دون النور ، ولأن الله سمى نفسه نوراً ، ووصف نفسه بالنور ، وجعل نور مخلوقاته من نوره وجعل كتابه نوراً ، ونبيه نوراً ، ودينه نوراً ، وصلاته نوراً ، وجعل في قلوب أولياءه نوراً ، وجعل دار كرامته نوراً ، وحرَم أعداءه النور

ولهذا يُعرّف النور على أوجه :

 أحدها : يكون بمعنى الإسلام ، قال الله تعالى :{يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ، ويأبى الله

          إلا أن يتم نوره } يعني : دينه

ثانيها  : يكون بمعنى الإيمان الذي يهتدى به  ، قال الله تعالى :{ ويجعل لكم نوراً تمشون به }

ثالثها : يكون بمعنى هادي أهل السماوات والأرض، قال الله تعالى:{الله نورالسماوات والأرض }

رابعها : يكون بمعنى ضوء النهار ، قال تعالى :{ وجعل الظلمات والنور }

خامسها : يكون بمعنى ضوء القمر ، قال تعالى :      { وجعل القمر فيهن نورا}   

سادسها : يكون بمعنى الضوء الذي يعطيه الله للمؤمنين يمشون به على الصراط يوم القيامة ،

قال  تعالى :{يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم}

سابعها : يكون بمعنى الحلال والحرام والأحكام والمواعظ التي وردت في التوراة ، قال تعالى :

{ إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور }

ثامنها : يكون بمعنى القرآن ، وما فيه من بيان الحلال والحرام والأمر والنهي قال تعالى:{ فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا }

تاسعها :  يكون بمعنى ( الرب ) قال تعالى :{وأشرقت الأرض بنور ربها }                                              والنور: اسم من اسماء الله الحسنى قال تعالى :    { الله نور السماوات والأرض}

وهو الذي يُبصر بنوره ذو العماية ، ويرشد بهداه ذو الغواية ، .

وقيل : هو الظاهر الذي به كل ظهور . فالظاهر في نفسه المُظهر لغيره يسمى نُورا .

وفي حديث أبي ذر ( قال له ابن شقيق : لو رأيتُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم-كنتُ أسأله : هل رأيتَ ربَّك ؟ فقال : قد سألته ، فقال : (نورٌ أنَّى أراه ؟)

والنور :  الضياء   ، والنور : ضد الظلمة  ، وفي المحكم : النور : الضوء ، أياً كان . وقيل : هو شعاعه وسطوعه .

والجمع : أنوار ، ونيران   ، والمنار والمنارة : موضع النور ..

والنور: هو الهادي ، وقيل : المنور ، وقيل :هو الحق ، وقيل: هو الذي لايخفى على أوليائه ..

وقال ابن القيم : "والله سبحانه وتعالى سمى نفسه نوراً، وجعل كتابه نوراً ، ورسوله – صلى الله عليه

وسلم – نوراً ، ودينه نوراً ، واحتجب عن خلقه بالنور ، وجعل دار أوليائه نوراً يتلألأ

قال الله تعالى :{ الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح ، المصباح في زجاجة ، الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية ، يكاد زيتها يضيء ولولم تمسسه نار ، نور على نور ، يهدي الله لنوره من يشاء ، ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم }                                                                                               

والنور الذي هو من أوصافه قائم به ، ومنه  اشتق له اسم النور ، الذي هو أحد الأسماء الحسنى ،     والنور يضاف إليه سبحانه على أحد وجهين : إضافة صفة إلى موصوفها ، وإضافة مفعول إلى فاعله … 

وقال ابن مسعود كما في معجم الطبراني ، والسنة ، وكتاب عثمان الدارمي وغيرها

  قال : ليس عند ربكم ليل ولا نهار ، ونور السماوات والأرض من نور وجهه )

وهذا الذي قاله ابن مسعود أقرب إلى تفسير الآية من قول من فسرها بأنه هادي أهل السماوات والأرض ، وأما من فسرها بأنه منور السماوات والأرض فلا تنافي بينه وبين قول ابن مسعود .

والحق أنه نور السماوات والأرض بهذه الإعتبارات كلها

وإلى هنا نقف ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

 

 

 

 

 

 

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية في موضوع النور وهي بعنوان  : الفصل الأول :  اللهُ سمى نفسه نوراً

 قال الله تعالى :{ الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح ، المصباح في  زجاجة ، الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية  ولا غربية ، يكاد زيتها يضيء ولولم تمسسه نار ، نور على نور ، يهدي الله لنوره من يشاء ، ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم }

قال ابن كثير : " قال ابن عباس : هادي أهل السماوات والأرض ، ومدبر الأمر فيهما ، نجومهما ، وشمسهما ، وقمرهما .

  وقال ابن مسعود : إن ربكم ليس عنده ليل ولا نهار ، نور العرش من نور وجهه .

وقال السدي : فبنوره أضاءت السماوات والأرض . 

وقال القرطبي :" واختلف العلماء في تأويل هذه الآية ؛ فقيل: المعنى أى به وبقدرته أنارت أضواؤها ،واستقامت أمورها ، وقامت مصنوعاتها … وهو الذي أبدع الموجودات ، وخلق العقل نوراً هادياً ؛ لأن ظهور الموجود به حصل بالضَّوء ظهور المبصرات ، تبارك الله وتعالى لا ربّ غيره . قال معناه مجاهد والزهري وغيرهما .                                 وقال ابن عرفة : أي منوّر السماوات والأرض . كذا قال: الضحاك والقرظي.

  وقال مجاهد : مدبّر الأمور في السماوات والأرض .

وقال أبيّ بن كعب والحسن وأبو العالية : مزيّن السماوات بالشمس والقمر والنجوم ، ومُزيِّن الأرض بالأنبياء  والعلماء والمؤمنين .

وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في دعائه يوم آذاه أهل الطائف:( أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ، أن يحل بي غضبك ، أو أن ينزل بي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك )

وأخرج البخاري بسنده من حديث ابن عباس قال :  كان النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا قام  من الليل يتهجد قال :  ( اللهم لك الحمد أنت قيِّم السماوات والأرض ومن فيهن  ، ولك الحمد لك  ملك السماوات والأرض ومن  فيهن ، ولك  الحمد  أنت  نور السماوات  والأرض ، ولك الحمد … ) الحديث

 قال ابن تيمية :" النص في كتاب الله وسنة رسوله قد سمى الله نور السماوات والأرض ، وقد أخبر النص أن الله نور ، وأخبر أيضاً أنه يحتجب بالنور ؛ فهذه ثلاثة أنوار في النص وقد تقدم الأول .

وأما الثاني : فهو في قوله :{ وأشرقت الأرض بنور ربها } وفي قوله :{مثل نوره } وفيما رواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم - : ( إن الله خلق خلقه في ظلمة ، وألقى عليهم من نوره ، فمن اصابه من ذلك النور اهتدى ومن اخطأه ضل ) .ومنه قوله – صلى الله عليه وسلم – في دعاء الطائف : ( أعوذ بنور وجهك الذي اشرقت له الظلمات ، وصلح عليه امر الدنيا والآخرة أن ينزل بي سخطك ، أو يحل علىّ غضبك ) رواه الطبراني وغيره . ومنه قول ابن مسعود : إن ربكم ليس عنده ليل ولا نهار ، نور السماوات  من نور وجهه

ومنه : ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي موسى قال : قام فينا رسول الله – صلى الله عليه وسلم بأربع كلمات فقال : ( إن الله لاينام ولا ينبغي له أن ينام ، يخفض القسط ويرفع ،يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار ، وعمل النهار قبل عمل الليل ، حجابه النور – أو النار – لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما أدركه بصره من خلقه ) فهذا الحديث فيه ذكر حجابه .

فإن تردد الراوي في لفظ النار والنور لا يمنع ذلك ، فإن مثل هذه النار الصافية التي كلم بها موسى يقال لها نار ونور ، كما سمى الله نار المصباح نوراً ، بخلاف النار المظلمة كنار جهنم فتلك لا تسمى نوراً .

 

وإلى هنا نقف ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

 

 

 

 

 

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة في موضوع النور وهي بعنوان  :   

أقسام النورثلاثة :

( إشراق بلا إحراق ) وهو النور المحض كالقمر .    و( إحراق بلا إشراق ) وهي النار المظلمة .          و ( ماهو نار ونور ) كالشمس ، ونار المصابيح التي في الدنيا توصف بالأمرين ؛ وإذا كان كذلك صح أن يكون نور السماوات والأرض ، وأن يضاف إليه النور ، وليس المضاف هو عين المضاف إليه ….

وقد أخبر الله في كتابه أن الأرض تشرق بنور ربها ، فإذا كانت تشرق من نوره كيف لا يكون هو نوراً ؟ ولا يجوز أن يكون هذا النور المضاف إليه إضافة خلق وملك وإصطفاء – كقوله { ناقة الله } ونحو ذلك – لوجوه :

  أحدها :

 أن النور لم يضف قط إلى الله إذا كان صفة لاعيان قائمة ، فلا يقال في المصابيح التي في الدنيا: أنها نور الله ، ولا في الشمس والقمر ، وإنما يقال كما قال عبد الله بن مسعود : أن ربكم ليس عنده ليل ولا نهار نور السماوات من نور وجهه . وفي الدعاء المأثور عن النبي  صلى الله عليه وسلم : ( أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ) .

 الثاني :

 أن الأنوار المخلوقة كالشمس والقمر تشرق لها الأرض في الدنيا ، وليس من نور إلا وهو خلق من خلق الله ، وكذلك من قال : منور السماوات والأرض لا ينافي أنه نور ، وكل منور نور ، فهما متلا زمان .

ثم أن الله تعالى ضرب مثل نوره الذي في قلوب المؤمنين بالنور الذي في المصباح ، وهو في نفسه نور ، وهومنور لغيره ، فإذا كان نوره في القلوب هو نور ، وهو منور ، فهو في نفسه أحق بذلك ، وقد علم أن كل ماهو نور فهو منور (مجموع فتاوى ابن تيمية ج6 ص 392 )                            وقد قرر ابن تيمية وابن القيم والمحققين من أهل الحديث  وأئمة السنة : أنه نور على الحقيقة ،بل ذكر ابن تيمية أن الجهمية والمعتزلة أثبتا أنه نورثم قال ابن تيمية :"  وأول هؤلاء المؤمنين  بالله وبأسمائه ،وصفاته رسول الله – صلى الله عليه وسلم - . وقدأجاب النبي –صلى الله عليه وسلم – عن هذا السؤال الذي عارض به المعترض فقال – صلى الله عليه وسلم - : ( حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما أدركه بصره من خلقه ) فأخبر أنه حجب عن المخلوقات بحجابه النور أن

 تدركها سبحات وجهه ، وأنه لو كشف ذلك الحجاب لأحرقت سبحات وجهه ما أدركه بصره من خلقه ، فهذا الحجاب عن إحراق السبحات يبين ما يرد في هذاالمقام …

فقد تبين أن جميع ما ذكر من الأقوال يرجع إلى معنيين من معاني كونه نور السماوات والأرض،وليس في ذلك دلالة على أنه في نفسه ليس بنور(مجموع فتاوى ابن تيمية ج 6 ص 396 )ونخلص إلى أن المحققين من أهل السنة والجماعة أثبتوا أن الله سبحانه وتعالى : في نفسه نور ،وسمى نفسه نوراً ،وصفته النور ، ومنه النور ، والمنور لغيره هو : نور  ، وكل ذلك -كما تقدم - ثابت في الكتاب ، والسنة ، وأقوال الأئمة ؛ فهو نور ، لكنه سبحانه { ليس كمثله شيء } فهو نور لا كالنورالمخلوق ، نور يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه ، نور يليق بالخالق ، ومختلف عن نور المخلوق الذي هو خالقه سبحانه ، والذي أخبرنا بهذا هو سبحانه ، وأخبرنا بذلك رسوله الذي هو أعلم خلقه به .

 

 وإلى هنا نقف ونكمل في الحلقة القادمة بإذن الله وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

 

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة في موضوع النور وهي بعنوان  :                                      

الفصل الثاني:

احتجب سبحانه عن خلقه بالنور

 قال مسلم :" باب في قوله عليه السلام : ( نور أنى أراه ) ، وفي قوله : ( رأيت نوراً ) .

وأخرج بسنده من حديث أبي ذر قال : سألت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – هل رأيت ربك ؟

 قال : ( نُورٌ أنى أراه ) وفي الرواية الآخرى : ( رأيت نوراً )

 وأخرج أيضاً من حديث أبي موسى قال : قام فينا رسول الله  صلى الله عليه وسلم  بخمس كلمات فقال : ( إن الله  عز وجل  لاينام ولا ينبغي له أن ينام ، يخفض القسط ويرفعه ، يُرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار ، وعمل النهار قبل عمل الليل ، حجابه النور ( وفي رواية أبي بكر : النار ) لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما أنتهى إليه بصره من خلقه )

قال النووي :" … ومعناه حجابه نور فكيف أراه ، قال الإمام أبو عبد الله المازري : الضمير في أراه عائد على الله سبحانه وتعالى ، ومعناه : أن النور منعني من الرؤية …

وقوله : ( رأيت نوراً) معناه رأيت النور فحسب ولم أر غيره …

ثم قال :" … معنى ( سبحا ت وجهه) : نوره وجلاله وبهاؤه …

 قال ابن تيمية :" … فأخبر أنه حجب عن المخلوقات بحجابه النور أن تدركها سبحات وجهه ، وأنه لو كشف ذلك الحجاب لأحرقت سبحات وجهه ما أدركه بصره من خلقه ، فهذا الحجاب عن إحراق السبحات يبين ما يرد في هذا المقام "   

وقال ابن القيم :"سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية  رحمه الله يقول : معناه كان ثم نور وحال دون رؤيته نور فأنى أراه . قال : ويدل عليه أن في بعض الألفاظ الصحيحة : هل رأيت ربك ؟ فقال : ( رأيت نوراً ) ، ويدل على صحة ما قال شيخنا في معنى حديث ابي ذر رضى الله عنه قوله  صلى الله عليه وآله وسلم  في الحديث الآخر : ( حجابه النور ) فهذا النور هو – والله أعلم – النور المذكور في حديث أبي ذر –رضى الله عنه – ( رأيت نوراً ) .  

وقال ابن حجر :".. وبهذا يتبين مراد أبي ذر بذكره النور ، أي النور حال بين رؤيته له ببصره "

وقال ابن أبى العز الحنفي في شرحه للعقيدة الطحاوية : " … فيكون – والله أعلم – معنى قوله

 لأبي ذر ( رأيت نوراً ) : أنه رأى الحجاب ، ومعنى قوله ( نورٌ أنى أراه ؟ ) أي فكيف أراه

 والنور حجاب بيني وبينه يمنعني من رؤيته ؟ فهذا صريح في نفي الرؤية . والله اعلم "

و اختلف الصحابة،هل رأى النبي – صلى الله عليه وسلم – ربه ؟ أم لا ؟ ، ثم اختلف من أثبت الرؤية  هل رآه بأم عينيه ؟ أم رأه بقلبه ؟

فريق أثبتوا الرؤية القلبية ؛ منهم ابن عباس رضي الله عنه

وفريق آخر نفوا الرؤية ؛ منهم عائشة رضى الله عنها .

     قال ابن حجر :" وعلى هذا فيمكن الجمع بين إثبات ابن عباس ونفي عائشة بأن يحمل نفيها على رؤية البصر ، وإثباته على رؤية القلب .

ثم المراد برؤية الفؤاد رؤية القلب لا مجرد حصول العلم ، لأنه – صلى الله عليه وسلم –كان عالماً بالله على الدوام

لكن حديث ابن عباس الذي أخرجه أحمد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - :  ( رأيت ربي عز وجل )           عمدة من أثبت الرؤية .

قال ابن القيم :" وقد حكى عثمان بن سعيد الدارمي في كتاب الرؤية له ، إجماع الصحابة

 على أنه لم ير ربه ليلة المعراج ، وبعضهم استثنى ابن عباس فيمن قال ذلك ،

    وشيخنا – يعني ابن تيمية – يقول : ليس ذلك بخلاف في الحقيقة ، فإن ابن عباس لم يقل

  رآه بعيني راسه ، وعليه اعتمد أحمد في احدى الروايتين حيث قال : أنه – صلى الله عليه وسلم –

 رآه عز وجل ، ولم يقل بعيني رأسه ، ولفظ أحمد لفظ ابن عباس رضي الله عنهما …   

     ونختم هذا المبحث : بأن رسول الله رأى ربه بقلبه ، ورأى حجابه النور بعيني رأسه .

وإلى هنا نقف ونكمل في الحلقة القادمة بإذن الله وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

 

 

 

 

 

 

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة في موضوع النور وهي بعنوان  :

الفصل الثالث: 

الله يخرج عباده من الظلمات إلى النور

قال تعالى :{الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور،والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت

يخرجهم  من النور إلى الظلمات ، أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون }

  قال ابن كثير :" يخبرتعالى أنّه يهدي من اتبع رضوانه سُبُل السلام ، فيخرج عباده المؤمنين من ظلمات

 الكفر والشك والريب إلى نور الحق الواضح الجلي المبين السهل المنير ، وأن الكافرين إنما وليهم  الشياطين تزين لهم ماهم فيه من الجهالات والضلالات ، ويخرجونهم ويحيدون بهم عن طريق الحق إلى الكفر والإفك { أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } .

 ولهذا وحد تعالى لفظ النور وجمع الظلمات ، لأن الحق واحد ، والكفر أجناس كثيرة ، وكلها باطلة كما قال تعالى :{ وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ، ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ، ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون}، وقال تعالى:{وجعل الظلمات والنور } ، وقال:{عن اليمين والشمائل}

 إلى غير ذلك من الآيات التي في لفظها إشعار بتفرد الحق ، وانتشار الباطل وتفرقه وتشعبه .

وقال تعالى:{ ومن لم يجعلِ اللهُ له نُوراً فما لهُ من نورٍ }  

 قال ابن كثير :" أي : من لم يهده فهو هالك جاهل حائر بائر كافر ، كما قال تعالى :           

{ من يضلل الله فلا هادى له }

وهذا مُقابلة ما قال في مثل المؤمنين :{ يهدي الله لنوره من يشاء }فنسأل الله العظيم أن يجعل في قلوبنا نوراً ، وعن أيماننا نوراً ، وعن شمائلنا نوراً ، وأن يعظم لنا نوراً "

وقال تعالى :{ هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور، وكان بالمؤمنين

  رحيماً}

 قال ابن كثير :" أي: بسبب رحمته بكم وثنائه عليكم ، ودعاء ملائكته لكم ، يخرجكم من ظلمات الجهل والضلال إلى نور الهدى واليقين …

الفصل الرابع :  جعل في كتبه نوراً ؛

1 -  جعل في كتابه القرآن نوراً

قال تعالى :{ يا أ هل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير

، قد جآءكم من الله نورٌ وكتابٌ مبين ، يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام، ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ، ويهديهم إلى صراط مستقيم }  

وقال تعالى :{ فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النورالذي أنزل معه أولئك هم المفلحون}

 قال ابن كثير :" أي : القرآن والوحي الذي جاء به مبلغاً إلى الناس …

وقال تعالى :{ يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون }  

وقال تعالى :{ يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلآ أن يتم نوره ولو كره الكافرون } 

 قال ابن كثير :" يقول تعالى : يريد هؤلاء الكفار من المشركين وأهل الكتاب { أن يطفئوا نور الله }

 أي: ما بعث به رسوله من الهدى ودين الحق ، بمجرد جدالهم وافترائهم ، فمثلهم في ذلك كمثل من يريد أن يطفىء شعاع الشمس ، أو نور القمر بنفخه ، وهذا لاسبيل إليه ، فكذلك ما أرسل الله به رسوله لابد أن يتم ويظهر ، ولهذا قال مقابلالهم فيما راموه وأرادوه:{ويابى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون }  

وقال تعالى :{ ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشآءُ من عبادنا } وهو القرآن .

قال ابن القيم :" وجعل كتابه نوراً ، .. ودينه نوراً …

ومما سبق يتضح أن الله سمى كتابه نوراً ، وسمى دينه نوراً لما يشتمل عليه النور من الهدى والحق والصواب ، والتوفيق والطهر والنقاء والصفاء …

 

وإلى هنا نقف ونكمل في الحلقة القادمة بإذن الله وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

 

 

 

 

 

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة في موضوع النور وهي إستكمالا للحلقة السابقة والتي هي بعنوان (جعل في كتبه نوراً)

2- جعل في كتابه التوراة نوراً

قال تعالى :{إنآ أنزلنا التوراة فيها هُدى ونور ، يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهدآء .....} الآيات

قال ابن كثير :" مدح التوراة التي أنزلها على عبده ورسوله موسى بن عمران …

وقال تعالى :{ وما قدروا الله حق قدره~ إذ قالوا : مآ أنزل الله على بشر من شيء ، قل من أنزل  الكتاب الذي جآء به موسى نوراً وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيراً }  

 قال ابن كثير :" … أي : قل يامحمد لهؤلاء المنكرين لإنزال شيء من الكتب من عند الله ، في جواب سلبهم العام بإثبات قضية جزئية موجبة : { من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى } يعني التوراة التي قد علمتم – وكل أحد – أن الله قد أنزلها على موسى بن عمران نوراً وهدى للناس ، أي: ليستضاء بها في كشف المشكلات ، ويهتدى بها من ظلم الشبهات ."

 وبهذا نعلم أن كتب الله كلها جعل الله فيها نوراً ، وهداية للأنبياء وأتباعهم، ولكل الأمم ،بل لكل البشرية لمن أراد أن يسير على صراط مستقيم لا عوج فيه .

3- جعل في كتابه الأنجيل نوراً 
قال تعالى:{وقفينا على آثارهم بعيسى بن مريم مصدقاًلما بين يديه من التوراة ، وآتيناه الأنجيل فيه هدى ونور، ومصدقاً  لما بين  يديه من  التوراة  وهدى  وموعظة للمتقين}

  قال ابن كثير { وآتيناه الأنجيل فيه هدى ونور} أي: هدى إلى الحق ، ونور يستضاء به في إزالة  الشبهات وحل المشكلات … "  

والأنجيل فيه نور مثل التوراة ، ومثل القرآن  وكل كتب الله فيها نورلأنها من عند النُّور ، ومن تسمى بالنور .

 الفصل الخامس: سمى اللهُ رسوله   (السراج المنير)

وأمرهُ بإخراج  الناس من الظلمات إلى النور
 قال تعالى: { ألر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد }

قال ابن كثير :" أي: إنما بعثناك يامحمد بهذا الكتاب ، لتخرج الناس مما هم فيه من الضلال والغي إلى الهدى والرشد ..

 وقال تعالى :{ هو الذي ينزل على عبده~ آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور ، وإن الله بكم لرؤف رحيم }

 قال ابن كثير:" أي: من ظلمات الجهل والكفر ، والآراء المتضادة إلى نور الهدى واليقين والإيمان

 وقال تعالى :{ رسولا يتلو عليكم آيات الله مبينات ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات

  إلى النور ، ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيهآ أبداً ، قد أحسن الله له رزقاً }

  قال ابن كثير :" أي : من ظلمات الكفر والجهل إلى نور الإيمان والعلم ، وقد سمى الله تعالى الوحي الذي أنزله نوراً ؛ لما يحصل به من الهدى ،كما سماه روحاً ؛ لما يحصل به من حياةالقلوب فقال تعالى : {وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ، ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ، ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا ، وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم }

وقال تعالى :{ ياأيها النبي إنآ أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً ، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً }

 قال ابن القيم :" وقد سماه الله سراجاً منيراً ، وسمى الشمس سراجاً وهاجاً .والمنير:هو الذي ينير من غير إحراق بخلاف الوهاج،فإن فيه نوع إحراق وتوهج إنه أنار وفتح عيوناً عمياً ، وآذاناً صماً ،وقلوباً  غلفاً  ، وأخرج الناس من الظلمات إلى النور بأذن ربهم ،فيستحق أن يكون من أسماءه [السراج المنير ] .

 

وإلى هنا نقف ونكمل في الحلقة القادمة بإذن الله وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

 

 

 

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة في موضوع  النور والتي  هي بعنوان :

 الفصل السادس: النبي سأل الله أن يجعل له نوراً   في كل عضو من أعضائه

أخرج البخاري بسنده من حديث ابن عباس … وكان يقول في دعائه : (  اللهم اجعل في قلبي نورا، وفي بصري نوراً ، وفي سمعي نوراً ،وعن يميني نوراً وعن يساري نوراً ،وفوقي نوراً وتحتي نوراً ،وأمامي نوراً ، وخلفي نوراً ،واجعل لي نوراً  ) وزاد مسلم( واجعل في لساني نوراً ، واجعل في نفسي نوراً ، وأعظم لي نوراً ، اللهم أعطني نوراً ) وفي رواية عند مسلم شك الراوي فقال : ( واجعل لي نوراً) أوقال : ( اجعلني نوراً)

 قال ابن حجر : قال القرطبي :" هذه الأنوار التي دعا بها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يمكن حملها على ظاهرها فيكون سأل الله تعالى أن يجعل له في كل عضو من أعضائه نوراً يستضيء به يوم القيامة في تلك الظلم هو ومن تبعه أو من شاء الله منهم … "                   ثم قال ابن حجر : والتحقيق في معناه أن النور مظهر مانسب إليه ، وهو يختلف بحسبه : فنور السمع مظهر للمسموعات ، ونور البصر كاشف للمبصرات ، ونور القلب كاشف للمعلومات ، ونور الجوارح ما يبدو عليها من أعمال الطاعات  .

وقال الطيبي : معنى طلب النور للأعضاء عضواً عضواً أن يتحلى بأنوار المعرفة والطاعات ، ويتعرى عما عداهما …
واخرج احمد بسنده من حديث ابن مسعود قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - :  ( ما أصاب أحداً قط هم ولا حزن فقال : اللهم إني عبدك ، ابن عبدك ، ابن أمتك ، ناصيتي بيدك ، ماض فيّ حكمك ، عدل فيّ قضاؤك ، أسألك بكل اسم هو لك ، سميت به نفسك ، أو علمته أحداً من خلقك ، أو أنزلته في كتابك ، أو أستأثرت به في علم الغيب عندك ؛ أن تجعل القرآن ربيع قلبي ، ونور صدري ، ، وجلاء حزني ، وذهاب همي ، إلا أذهب الله همه ، وحزنه ، وأبدله الله مكانه فرحاً ، قال : فقيل : يا رسول الله ألا نتعلمها ؟ فقال :: بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها
الفصل السابع : جعل دار أولياءه نوراً

 قال تعالى :{ والذين آمنوا بالله ورسله~ أولئك هم الصّدّيقون ، والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم ، والذين كفروا وكذبوا بآياتنآ أولئك اصحاب الجحيم }

 قال ابن كثير :" أي : لهم عند ربهم أجر جزيل ونور عظيم يسعى بين أيديهم ، وهم في ذلك يتفاوتون بحسب ما كانوا في الدار الدنيا من الأعمال …   

 واخرج مسلم بسنده من حديث عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – :

( إن المقسطين عند الله على منابر من نور . عن يمين

 الرحمن عز وجل . وكلتا يديه يمين ؛ الذين يعدلون في حكمهم   واهليهم وما ولوا )

 وأخرج الترمذي بسنده من حديث معاذ بن جبل قال : سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول : ( قال الله عز وجل : [ المتحابون في جلالي، لهم منابرمن نور يغبطهم النبيون والشهداء  ] ) قال أبو عيسى : حديث حسن صحيح  

  نعم هي نور يتلألأ ، وريحانة تهتز ، وقصر مشيد ، ونهر مطرد ، وفاكهة نضيجة ، وزوجة حسناء جميلة ، وحلل كثيرة ، في مقام أبداً ، في حبرة ونضرة ، في دور عالية سليمة بهية .

 ومما سبق يتضح من أوصاف الجنة أنها { نور } وهو لاشك من نور الله الذي أشرقت له السماوات والأرض كما قال تعالى : { وأشرقت الأرض بنور ربها ، ووضع الكتاب ، وجيء~ بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون }       

 قال ابن كثير :" أي : أضاءت يوم القيامة إذا تجلى الحق – تبارك وتعالى – للخلائق لفصل القضاء

 وقال القرطبي :" قال العلماء : ليس في الجنة ليل ونهار ، وإنما هم في نور دائم أبداً ، وإنما يعرفون مقدار

  الليل بإرخاء الحجب وإغلاق الأبواب ، ويعرفون مقدار النهار برفع الحجب وفتح الأبواب ، ذكره أبو الفرج بن الجوزي "                                  قال ابن تيمية :" والجنة ليس فيها شمس ولا قمر ، ولا ليل ولا نهار ، لكن تعرف البكرة والعشية بنور يظهر من قبل العرش "                                 والجنة نور يتلألأ ، وليس فيها شمس ولا قمر ، فماهو هذا النور ؟ إنه نور الله  ، بل إن أعظم نعيم في الجنة هو النظر إلى وجه الله العظيم ، وهو نور ، واسمه النور ، وصفته النور ، ودينه نور ، ونبيه نور ،وجنته نور ، وبنوره يستضيء أولياؤه يوم القيامة ….

فإذا كان أعظم نعيم في الجنة هو رؤية وجهه الذي يزداد به الناظر والرائي حسناً وجمالاً ونوراً وبهائاً ،فلا بد أن تكون داره التي أعدها لأوليائه ؛ نور على نور ، حتى تكون أعظم في النعيم ، وكيف يكون  نعيم من دون نور وحبور ، وضياء  ؟،

وإلى هنا نقف ونكمل في الحلقة القادمة بإذن الله وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة  في موضوع  النور والتي  هي بعنوان :

الفصل الثامن : جعل نوره لأولياءه في الدنياوالآخرة

 قال تعالى :{ يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم ، بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ، ذلك هو الفوز العظيم ،يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا : انظرونا نقتبس من نوركم . قيل:ارجعوا وراءكم ، فالتمسوا نورا فضرب  بينهم بسورله باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ، ينادونهم : ألم نكن معكم ؟ قالوا : بلى ، ولكنكم فتنتم أنفسكم ، وتربصتم ، وارتبتم ، وغرتكم الأمانُّي ، حتى جآء أمر الله ، وغركم بالله الغرور ، فاليوم لايؤخذ منكم فديةٌ ، ولا من الذين كفروا ، مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير }

 قال ابن كثير :" يقول تعالى مخبراً عن المؤمنين المتصدقين : أنهم يوم القيامة يسعى نورهم بين أيديهم

 في عرصات القيامة ، بحسب أعمالهم ، كما قال عبد الله بن مسعود في قوله :{ يسعى نورهم بين أيديهم } قال :على قدر أعمالهم يمرون على الصراط ، منهم من نوره مثل الجبل ، ومنهم من نوره مثل النخلة ، ومنهم من نوره مثل الرجل القائم ، وأدناهم نوراً من نوره في إبهامه يتّقد مرة ويطفأ مرة )

 وقال قتادة : ذكر لنا أن نبي الله – صلى الله عليه وسلم – كان يقول : ( من المؤمنين من يضيء نوره من المدينة إلى عدن أبين وصنعاء فدون ذلك ، حتى أن من المؤمنين من يضيء نوره موضع قدميه )

 وقال الضحاك : ليس أحد إلا يعطى نوراً يوم القيامة ، فإذا انتهوا إلى الصراط طُفىء نور المنافقين ،فلما رأى ذلك المؤمنون أشفقوا أن يطفأ نورهم كما طفىء نور المنافقين ، فقالوا : {ربنا أتمم لنا نورنا }

 وقوله :{ يوم يقول المنافقون للذين آمنوا : انظرونا نقتبس من نوركم } وهذا إخبار منه تعالى عما يقع يوم القيامة في العرصات من الأهوال المزعجة ، والزلازل العظيمة ، والأمور الفظيعة ، وإنه لا ينجو يومئذ إلا من آمن بالله ورسوله ، وعمل بما أمرالله ، وترك ما عنه زجر "

وقال القرطبي :" قوله تعالى :{ يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم .}

 أي : نستضيء من نوركم .. قال المفسرون : يعطى الله المؤمنين نوراً يوم القيامة على قدر أعمالهم يمشون به على الصراط ، ويعطى المنافقين أيضاً نوراً خديعةً لهم ؛ دليله { وهو خادعهم } ، وقيل : إنما يعطون النور ؛ لأن جميعهم أهل دعوة دون الكافر، ثم يسلب المنافق نوره لنفاقه ؛ قاله ابن عباس ..

وقال تعالى :{ والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم }

قال ابن كثير :" أي : لهم عند ربهم أجر جزيل ، ونور عظيم يسعى بين ايديهم،وهم في ذلك يتفاوتون بحسب ماكانوا في الدنيا من الأعمال .

وقال تعالى :{ يآأيها الذين آمنوا توبوآ إلى الله توبة نصوحاً ، عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ، يوم لايُخزي الله النبي والذين آمنوا معه ، نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون : ربنآ أتمم لنا نورنا واغفر لنآ ، إنك على كل شيء قدير }   

وقال تعالى :{ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور }

قال ابن كثير :" أي : من لم يهده الله فهو هالك جاهل حائر بائر كافر ، كما قال تعالى :{ من يضلل  الله فلا هادى له } ، وهذا مقابلة ما قال في مثل المؤمنين :{ يهدي الله لنوره من يشاء } ، فنسأل الله العظيم أن يجعل في قلوبنا نوراً ، وعن أيماننا نوراً،وعن شمائلنا نوراً ، وأن يعظم لنا نوراً "

     و قال الله تعالى :{ الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح ، المصباح في  زجاجة ، الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية  ولا غربية ، يكاد زيتها يضيء ولولم تمسسه نار ، نور على نور ، يهدي الله  لنوره من يشاء ، ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم }                                                                                               

 قال ابن كثير :" قال أبيّ بن كعب : هو المؤمن الذي قد جعل الله الإيمان والقرآن في صدره ، فضرب الله مثله فقال : ( الله نور السماوات والأرض ) ، فبدأ بنور نفسه ، ثم ذكر نور المؤمن فقال : مثل نور من آمن به – قال فكان أبيّ بن كعب يقرؤها : { مثل نور من آمن به } ، فهو المؤمن جعل الإيمان والقرآن في صدره .  ، ثم قال الطبري : وهو مثل ضربه الله لطاعته ، فسمى الله طاعته نوراً ، ثم سمّاها أنواراً شتى ، قال أبيّ بن كعب : المصباح : النور ، وهو القرآن والإيمان الذي في صدره

وقوله :{ يهدي الله لنوره من يشاء } أي: يرشد الله إلى هدايته من يختاره ،  كما جاء في الحديث الذي رواه أحمد عن عبد الله بن عمرو ، سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول : ( إن الله خلق خلقه في ظلمة ، ثم ألقى عليهم نوره يومئذ ، فمن أصاب يومئذ من نوره اهتدى ، ومن أخطأه ضل ، فلذلك أقول : جف القلم على علم الله عز وجل                              وإلى هنا نقف ونكمل في الحلقة القادمة بإذن الله وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة  في موضوع  النور والتي  هي إستكمالا للحلقة السابقة والتي هي بعنوان (جعل نوره لأولياءه في الدنياوالآخرة ) :                         وقال تعالى :{ يآ أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله ؛يؤتكم كفلين من رحمته ، ويجعل لكم نوراً تمشون به ويغفر لكم ، والله غفور رحيم }           قال ابن كثير :" قال سعيد بن جبير : لما افتخر أهل الكتاب بأنهم يؤتون أجرهم مرتين أنزل الله هذه الآية في حق هذه الأمة ، و{كفلين} أي : ضعفين ، وزادهم :{ ويجعل لكم نوراً تمشون به } يعني : هدى يُتبصر به من العمى والجهالة ،ويغفر لكم ،ففضلهم بالنور والمغفرة

 وأخرج مسلم من حديث جابر بن عبد الله ، وكعب بن مالك قال: يحشر الناس يوم القيامة على تل ،فأكون أنا وأمتي على تل ، فتدعى الأمم بأوثانها وماكانت تعبد . الأول فالأول . ثم يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول : من تنتظرون ؟ فيقولون : ننتظر ربنا . فيقول : أنا ربكم . فيقولون : حتى ننظر إليك . فيتجلى لهم يضحك . قال : فينطلق بهم ويتبعونه . ويُعطى كلُّ إنسان منهم ، منافق أو مؤمن ، نوراً . ثم يتبعونه . وعلى جسر جهنم كلاليب وحسكٌ . تأخذ من شاء الله . ثم يطفأ نور المنافقين . ثم ينجو المؤمنون … ) الحديث   

الفصل التاسع : خلق اللهُ النور يوم الأربعاء

               وخلق اللهُ الملائكة من نور

أخرج مسلم بسنده من حديث أبي هريرة قال أخذ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بيدي فقال : ( خلق الله - عز وجل - التربة يوم السبت ، وخلق فيها الجبال يوم الأحد ، وخلق الشجر يوم الأثنين ، وخلق المكروه يوم الثلاثاء ، وخلق النور يوم الأربعاء … ) الحديث

وأخرج مسلم بسنده من حديث عائشة قالت : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ( خُلقت الملائكة من نور ، وخلق الجان من مارج من نار ، وخلق آدم مما وصف لكم ) وخلقهم الله سبحانه وتعالى على صورة جميلة كريمة كما قال تعالى في جبريل :{ علمه شديد القوى ،

  ذو مرة فاستوى }

 قال ابن عباس : { ذو مرة } ذو منظر حسن ،

وقال قتادة : ذو خلق طويل حسن . وقيل : {ذومرة } : ذو قوة . ولا منافاة بين القولين،فهو قوي وحسن المنظر .

وقد تقرر عند الناس وصف الملائكة بالجمال ، كما تقرر عندهم وصف الشياطين بالقبح ، ولذلك تراهم يشبهون الجميل من البشر بالملك ، انظر إلى ما قالته النسوة في حقِّ يوسف الصديق عندما رأينه: { فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشراً إن هذا إلا ملكٌ كريمٌ }  

  ونختم أنه سبحانه خصص يوماً من الأيام وهو يوم الأربعاء لخلق النور ، وما ذاك إلا لأهميته ، ومكانته

ثم إن من أعظم مخلوقاته ملائكته ، الموكلون بالمهام العظام ، خلقهم من نور ؛ فكانوا أجمل مايكون

 وأقوى ما يكون ، وأعظم مايكون في خلقهم …

   الفصل العاشر : الناس قسمان :

1-             أهل النور

2 - أهل الظلام

 أما القسم الأول[ أهل النور ] ففيه قوله تعالى:{ الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح ، المصباح في زجاجة ، الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية ، يكاد زيتها  يضيء ولولم تمسسه نار ، نور على نور ، يهدي الله لنوره من يشاء ،ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم }

وقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم - : ( إن الله خلق خلقه في

 ظلمة ، وألقى عليهم من نوره ،فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ومن اخطأه ضل )

 قال ابن تيمية :"  ثم أن الله تعالى ضرب مثل نوره الذي في قلوب المؤمنين بالنور الذي في المصباح ، وهو في نفسه نور ، وهومنور لغيره ، فإذا كان نوره في القلوب هو نور ، وهو منور ، فهو في نفسه أحق بذلك ، وقد علم أن كل ماهو نور فهو منور

قال ابن كثير : المشكاة : الكوة التي لا منفذلها… ، والمصباح : النور ، وهو القرآن الذي في صدره

والمصباح في زجاجة : أي: هذا الضوء مشرق في زجاجة صافية … ، كوكب دري :

أي: مضيء مبين ضخم … ، نور على نور : أي: نور النار ونور الزيت ، وقيل : فهو يتقلب في خمسة من النور : فكلامه نور ، وعمله نور ، ومدخله نور ، ومخرجه نور ، ومصيره إلى النور يوم القيامة إلى الجنة ، وقيل : نور النار ونور الزيت ، حين اجتمعا أضاءا ، ولا يضيء واحد بغير صاحبه

( كذلك نور القرآن ونور الإيمان حين إجتمعا ، فلا يكون واحد منهما إلا بصاحبه ، وقوله :{ يهدي الله لنوره من يشاء } أي : يرشد إلى هدايته من يختاره ..

 

وإلى هنا نقف ونكمل في الحلقة القادمة بإذن الله وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

 

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة العاشرة  في موضوع  النور والتي  هي إستكمالا للحلقة السابقة والتي هي بعنوان (الناس قسمان : 1-أهل النور2 - أهل الظلام ) :                        

 قال ابن القيم :" فإن الناس قسمان : أهل الهدى والبصائر، الذين عرفوا أن الحق فيما جاء به الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم – عن الله سبحانه وتعالى ، وأن كل ما عارضه فشبهات  يشتبه على من قل نصيبه من العقل والسمع أمرها فيظنها شيئاً له حاصل ينتفع به وهي :{ كسراب بقيعةيحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً  ، ووجد الله عنده فوفاه حسابه ، والله سريع الحساب ، أو كظلمات في بحر لجّي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ، ظلمات بعضها فوق بعض ، إذا أخرج يده لم يكد يراها، ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور } 

وهؤلاء هم أهل الهدى ودين الحق ، أصحاب العلم النافع والعمل الصالح ، الذين صدقوا الرسول – صلى الله عليه وسلم – في أخباره ولم يعارضوها بالشبهات ، وأطاعوه في أوامره ، ولم يضيعوها بالشهوات ، فلا هم في علمهم من أهل الخوض الخراصين الذين هم في غمرة ساهون ، ولا هم في عملهم من المستمتعين بخلاقهم ، الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة ، وأولئك هم الخاسرون ، أضاء لهم نور الوحي المبين ، فرأوا في نوره أهل الظلمات في ظلمات أرآئهم يعمهون ، وفي ضلالتهم يتهوكون ، وفي ريبهم يترددون ، مغترين بظاهر السراب ، ممحلين مجدبين مما بعث الله به رسوله – صلى الله عليه وسلم – من الحكمة وفصل الخطاب ، إن عندهم إلا نخالة الأفكار ، وزبالة الأذهان ، التي قد رضوا بها ، واطمانوا إليها ، وقدموها على السنة والقرآن ، إن في صدورهم إلا كبر ماهم ببالغيه ، أوجبه لهم إتباع الهوى ، ونخوة الشيطان ، وهم لأجله يجادلون في آيات الله بغير سلطان . "  

وأما القسم الثاني[ أهل الظلام]                    فقال ابن القيم رحمه الله فيهم :

أهل الجهل والظلم ، الذين جمعوا بين الجهل بما جاء به والظلم باتباع أهوائهم الذين قال الله تعالى فيهم :{ إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ، ولقد جاءهم من ربهم الهدى }  ، وهؤلاء قسمان :

 أحدهما : الذين يحسبون أنهم على علم وهدى ، وهم أهل الجهل والضلال ، فهؤلاء أهل الجهل المركب ، الذين يجهلون الحق ويعادونه ، ويعادون أهله وينصرون الباطل ، ويوالون أهله ، وهم يحسبون أنهم على شيء ، الا إنهم هم الكاذبون ،فهم لاعتقادهم الشيء على خلاف ما هو عليه بمنزلة رائي السراب الذي يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ، وهكذا هؤلاء أعمالهم وعلومهم بمنزلة السراب الذي يخون صاحبه أحوج ماهو إليه …          

 ولم يقتصر على مجرد الخيبة والحرمان  كما هو حال من أم السراب فلم يجده ماء ، بل انضاف إلى ذلك  أنه وجد عنده أحكم الحاكمين ، وأعدل العادلين سبحانه وتعالى ، فحسب له ما عنده من العلم والعمل فوفاه إياه بمثاقيل الذر ، وقدم إلى ما عمل من عمل يرجو نفعه فجعله هباء منثوراً ، إذ لم يكن خالصاً لوجهه ، ولا على سنة رسوله – صلى الله عليه وآله وسلم - ، وصارت تلك الشبهات الباطلة التي كان يظنها علوماً نافعة كذلك هباءً منثوراً ، فصارت أعماله وعلومه حسرات عليه ، والسراب : ما يرى في الفلاة المنبسطة من ضوء الشمس وقت الظهيرة يسرب على وجه الأرض كأنه ماء يجري ،

والبقيعة والبقاع : هو المنبسط من الأرض الذي لا جبل فيه ، ولا فيه واد ، فشبه علوم من لم يأخذ علومه من الوحي ، وأعماله ؛ بسراب يراه المسافر في شدة الحر فيؤمه فيخيب ظنه ، ويجده ناراً تلظى .

فهكذا علوم أهل الباطل وأعمالهم ؛ إذا حشر الناس ، واشتد بهم العطش بدت لهم كالسراب فيحسبونه

 ماء ، فإذا أتوه وجدوا الله عنده فأخذتهم زبانية العذاب فعتلوهم إلى نار الجحيم ، فسقوا ماءً حميماً ، فقطع أمعاءهم ، وذلك الماء الذي سقوه ؛ هو تلك العلوم التي لا تنفع ، والأعمال التي كانت لغير الله تعالى ، صيرها الله تعالى حميماً سقاهم أياه ، كما أن طعامهم  لا يسمن ولا يغني من جوع ، وهو تلك العلوم والأعمال الباطلة التي كانت في الدنيا كذلك لا يسمن ولا يغني من جوع وهؤلاء  هم الذين قال الله فيهم :   { قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً }  

والقسم الثاني من هذا الصنف أصحاب الظلمات : وهم المنغمسون في الجهل بحيث قد أحاط بهم من كل وجه ، فهم بمنزلة الأنعام ، بل هم أضل سبيلا ، فهؤلاء أعمالهم التي عملوها على غير بصيرة ؛بل بمجرد التقليد ، واتباع الآباء من غير نور من الله تعالى ، كظلمات : جمع ظلمة ؛ وهي ظلمة الجهل ،

 وظلمة الكفر ، وظلمة الظلم واتباع الهوى ، وظلمة الشك والريب ، وظلمة الإعراض عن الحق الذي بعث الله به رسله – صلوات الله وسلامه عليهم - ، والنور الذي أنزله معهم ليخرجوا به الناس من الظلمات إلى النور …

 

وإلى هنا نقف ونكمل في الحلقة القادمة بإذن الله وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

 

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الحادية عشرة  في موضوع  النور والتي  هي إستكمالا للحلقة السابقة والتي هي بعنوان (الناس قسمان : 1-أهل النور2 - أهل الظلام ) :

إن المعرض عما بعث الله تعالى به محمداً – صلى الله عليه وآله وسلم – من الهدى ودين الحق ؛ يتقلب

 في خمس ظلمات : قوله ظلمة ، وعمله ظلمة ، ومدخله ظلمة ، ومخرجه ظلمة ، ومصيره إلى الظلمة ،

  وقلبه ظلمة ، ووجهه مظلم ، وكلامه مظلم ، وحاله مظلم ، وإذا قابلت بصيرته الخفاشية ما بعث الله

 به محمداً – صلى الله عليه وآله وسلم – من النور ؛ جد في الهروب منه وكاد نوره يخطف بصره ، فهرب إلى ظلمات الآراء التي هي به أنسب وأولى كما قيل :

            خفافيش أعشاها النهاربضوئه       

             ووافقها قطع من الليل مظلم

فإذا جاء إلى زبالة الأفكار ونخالة الأذهان جال ومال وأبدى وأعاد وقعقع وفرقع …، فإذا طلع نور الوحي وشمس الرسالة ؛ إنحجر في جحرة الحشرات ، وقوله في بحر لجيّ ، واللجيّ :العميق . منسوب إلى لجة البحر ، وهو معظمه ، وقوله تعالى :{ يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب }

  تصوير لحال هذا المعرض عن وحيه فشبه تلاطم أمواج الشبه والباطل في صدره بتلاطم أمواج بعضها فوق بعض ، والضمير الأول في قوله : { يغشاه } راجع إلى البحر ، والضمير الثاني في قوله

 :{ من فوقه} عائد إلى الموج ، ثم إن تلك الأمواج مغشاة بسحاب ، فهاهنا ظلمات ؛ ظلمة البحر 

 اللجي ، وظلمة الموج الذي فوقه ، وظلمة السحاب الذي فوق ذلك كله ، إذا أخرج من في هذا البحر يده لم يكد يراها …..

 ثم ضرب الله سبحانه لهم مثلاً آخر مائياً فقال تعالى :{ أوكصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق ، يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين }  فشبه نصيبهم مما بعث الله تعالى به رسوله – صلى الله عليه وآله وسلم – من النور والحياة بنصيب المستوقد النار التي طفئت عنه أحوج  ما كان إليها وذهب نوره وبقي في الظلمات حائراً تائهاً ، لايهتدي سبيلاً ، ولا يعرف طريقاً ، وبنصيب أصحاب الصيب ، وهو المطر الذي يصوب ، أي : ينزل من علو إلى أسفل ، فشبه الهدى الذي هدى به عباده ؛ بالصيب ، لأن القلوب تحيا به حياة الأرض بالمطر ، ونصيب المنافقين من هذا الهدى ؛ بنصيب من لم يحصل له نصيب من الصيب إلاظلمات ورعد وبرق ، ولا نصيب له فيما وراء ذلك مما هو المقصود بالصيب من حياة البلاد والعباد والشجر والدواب ….

الفصل الحادي عشر :   الصلاة نور
 أخرج مسلم بسنده من حديث أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم : ( الطُّهُورُ شطر الإيمان ، والحمد لله تملأ الميزان ، وسبحان الله والحمد لله تملآن ( أو تملأ ) ما بين السماوات والأرض ، والصلاةُ نورٌ ، والصدقة برهان ، والصبر ضياء ، والقرآن حجة لك أو عليك ، كل الناس يغدو فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها ))

  قال النووي :" وأما قوله  صلى الله عليه وسلم  ( الصلاة نور  فمعناه : أنها تمنع من المعاصي وتنهى عن الفحشاء والمنكر ، وتهدي إلى الصواب ، كما أن النور يستضاء به .  وقيل معناه:أنه يكون أجرها نوراً لصاحبها يوم القيامة .

وقيل : لأنها سبب لإشراق أنوار المعارف ، وإنشراح القلب،ومكاشفات الحقائق لفراغ القلب فيها، وإقباله  إلى الله تعالى بظاهره وباطنه ، وقد قال الله تعالى :  { واستعينوا بالصبر والصلاة }

 وقيل : معناه أنها تكون نوراً ظاهراً على وجهه يوم القيامة ، ويكون في الدنيا أيضاً على وجهه البهاء ، بخلاف من لم يصل  

  وأخرج أبو داود ، والترمذي من حديث بريدة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : ( بشِّر المشَّائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة )

قال المبارك فوري : (بالنور التام ) الذي يحيط بهم من جميع جهاتهم ، أي على الصراط ، لما قاسوا  مشقة المشي في ظلمة الليل جوزوا بنور يضيء لهم ويحيطهم

 وأخرج الدارمي بسنده من حديث أبي الدرداء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال :  ( من مشى في ظلمة ليل إلى صلاة ، آتاه الله نوراً يوم القيامة )

 ثم قال المحقق : رواه أيضاً : الطبراني في الكبير بإسناد حسن ، وابن حبان في صحيحه بنحوه   

 وأخرج الدارمي أيضاً بسنده من حديث عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم  أنه ذكر الصلاة يوماً فقال : ( من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة من النار يوم القيامة ، ومن   لم يحافظ عليها لم تكن له نوراً ولا نجاة ولا برهاناً ، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف )ثم قال المحقق : رواه أيضاً الطبراني في الكبير والأوسط ، وأحمد ، ورجاله ثقات

وإلى هنا تنتهي حلقات هذا الموضوع (النور ) .

اللهم اجعل في قلوبنا نورا، وفي أبصارنا نوراً ، وفي أسماعنا نوراً ،وعن أيماننا نوراً ، وعن شمائلنا نوراً ،ومن فوقنا نوراً ، ومن تحتنا نوراً ، ومن أمامنا نوراً ، ومن خلفنا نوراً ،واجعل لنا نوراً ،وصلى الله وسلم على نبينامحمد وعلى آله وصحبه أجمعين.