النصر

النصر

إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا اله الا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله                                 ﭧ ﭨ ﭽ                            ،ﭧ ﭨ ﭽ                                          ﭡﭢ               ﭨﭩ                    ﭧ ﭨ ﭽ                                ﯔﯕ                      وبعــــــــــــــــــــــد :         

 فهذه الحلقة الأولى في موضوع (النصر) وستكون بعنوان :مقدمة والتعريفات

وبعد التأمل في واقع البشر وفي الحروب القائمة والقتل المستحر في الناس وقفت على حقيقة مرة ألا وهي أن معظم من يقتل في الوقت الحاضر هم المسلمون ، ثم نظرت فوجدت أن غير المسلمين قد تأكدوا أن المسلمين ليس لهم قدرة على الدفاع عن أنفسهم أو مقدساتهم أو أعراضهم فهبوا هبة رجل واحد في غزوهم لديار المسلمين والتسلط عليهم ، ونهب ثرواتهم ، وإذلالهم ؛ ساعدهم في ذلك أتباعهم من المسلمين  ؛ والذين هم أصلاً صنائعهم ، لكن الصحوة الإسلامية المعاصرة ، والتململ من الشعوب الإسلامية الحالية ، وماحدث أخيرا أعاد للمسلمين الأمل في الإنتصار على الأعداء وتحرير شعوبهم ، وتخليص مقدساتهم من الإحتلال لكن المسألة ليست هينة وتحتاج إلى تضحيات كبيرة بالأنفس والأموال والأوقات ومواصلة الجهاد بشتى أنواعه حتى يتم النصر الكامل والذي تعود معه الكرامة والعزة والسؤدد والقيادة والريادة للأمة الإسلامية كما كانت في العصور المزدهرة ، وعلى هذا فإن أمنية كل مؤمن أن ينتصر المسلمون على أعدائهم ولهذا كان هذا البحث  .

معنى النصر :

قال ابن منظور : النصر : إعانة المظلوم ونصره على عدوه ، وفي الحديث : انصر أخاك ظالما أو مظلوما ، وتفسيره أن يمنعه من الظلم إن وجده ظالما ، وإن كان مظلوما أعانه على ظالمه ، والاسم النصرة  و النصير : الناصر قال الله تعالى : { نعم المولى ونعم النصير } والجمع أنصار و الأنصار : أنصار النبي ، و النصرة : حسن المعونة . قال الله عز وجل :{من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة } المعنى من ظن من الكفار أن الله لا يظهر محمدا ، على من خالفه فليختنق غيظا حتى يموت كمدا ، فإن الله عز وجل يظهره ، ولا ينفعه غيظه وموته حنقا ، و انتص الرجل إذا امتنع من ظالمه .             و الاستنصار : استمداد النصر . و استنصره على عدوه أي سأله أن ينصره عليه . و التناصر : التعاون على النصر . و تناصروا : نصر بعضهم بعضا .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثانية في موضوع (النصر) وستكون الحلقة بعنوان : الناصر هو الله

ﭧ ﭨ ﭽ     ﭠﭡ          

قال الطبري :  يعني بقوله  { بل الله مولاكم  }  وليكم وناصركم على أعدائكم الذين كفروا { وهو خير الناصرين}  لا من فررتم إليه من اليهود وأهل الكفر بالله ؛ فبالله الذي هو ناصركم ومولاكم فاعتصموا وإياه فاستنصروا دون

غيره ممن يبغيكم الغوائل ويرصدكم بالمكاره                                                                  

ﭧ ﭨ        ﭿ                                           ﮎﮏ                

قال الألوسي : { ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا } أي منعناه وحميناه منهم بإهلاكهم وتخليصه ، وقيل : أي نصرناه عليهم فمن بمعنى على وقال بعضهم : إن النصر يتعدى بعلى ومن ففي الأساس نصره الله تعالى على عدوه ونصره من عدوه وفرق بينهما بأن المتعدي بعلى يدل على مجرد الإعانة والمتعدي بمن يدل على استتباع ذلك للإنتقام من العدو والإنتصار { أنهم كانوا قوم سوء } منهمكين في الشر والجملة تعليل لما قبلها وتمهيد لما بعد من قوله تعالى { فأغرقناهم أجمعين }

وقال السعدي : فاستجاب الله له ، فأغرقهم ، ولم يبق منهم أحدا ، ونجى الله نوحا وأهله ، ومن معه من المؤمنين ، في الفلك المشحون ، وجعل ذريته هم الباقين ، ونصرهم الله على قومه المستهزئين .

وقال ابن كثير : وقوله { ونصرناه من القوم } أي ونجيناه وخلصناه منتصرا { من القوم الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين } أي أهلكهم الله بعامة ولم يبق على وجه الأرض منهم أحد كما دعا عليهم نبيهم

وﭧ ﭨ ﭽ                                                                         

قال ابن كثير : قال ابن عباس من كان يظن أن لن ينصر الله محمدا صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب أي بحبل { إلى السماء } أي سماء بيته { ثم ليقطع }  يقول ثم ليختنق به .... وكذا قال مجاهد وعكرمة وعطاء وأبو الجوزاء وقتادة وغيرهم  ، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم { فليمدد بسبب إلى السماء } أي ليتوصل إلى بلوغ السماء فإن النصر إنما يأتي محمدا من السماء { ثم ليقطع } ذلك عنه إن قدر على ذلك وقول ابن عباس وأصحابه أولى وأظهر في المعنى وأبلغ في التهكم فإن المعنى من كان يظن أن الله ليس بناصر محمدا وكتابه ودينه فليذهب فليقتل نفسه إن كان ذلك غائظه فإن الله ناصره لا محالة قال الله تعالى { إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد } الآية وﭧ ﭨ ﭽ         ﭕﭖ               قال السعدي : كان المسلمون في أول الإسلام ، ممنوعين من قتال الكفار ، ومأمورين بالصبر عليهم ، لحكمة إلهية . فلما هاجروا إلى المدينة ، وأوذوا ، وحصل لهم منعة وقوة ، أذن لهم بالقتال ، كما قال تعالى : {أذن للذين يقاتلون } يفهم منه أنهم كانوا قبل ممنوعين ، فأذن الله لهم بقتال الذين يقاتلونهم ، وإنما أذن لهم ، لأنهم ظلموا ، بمنعهم من دينهم ، وأذيتهم عليه ، وإخراجهم من ديارهم . { وإن الله على نصرهم لقدير } فليستنصروه ، وليستعينوا به

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثالثة في موضوع (النصر) وستكون الحلقة إستكمالا للحلقة الماضية بعنوان : الناصر هو الله   وﭧ ﭨ ﭽ                                     ﭹﭺ          ﭿ                                             ﮒﮓ                       قال السعدي : { ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله } فلا تعتمدوا على ما معكم من الأسباب ، بل الأسباب فيها طمأنينة لقلوبكم ، وأما النصر الحقيقي الذي لا معارض له ، فهو مشيئة الله لنصر من يشاء من عباده ، فإنه إن شاء نصر من معه الأسباب كما هي سنته في خلقه ، وإن شاء نصر المستضعفين الأذلين ليبين لعباده أن الأمر كله بيديه ، ومرجع الأمور إليه ، ولهذا قال { عند الله العزيز}  فلا يمتنع عليه مخلوق ، بل الخلق  كلهم أذلاء  مدبرون تحت تدبيره  وقهره   { الحكيم } الذي يضع الأشياء مواضعها ، وله الحكمة  في إدالة  الكفار في  بعض الأوقات  على المسلمين إدالة غير مستقرة   

وقال الرازي : قال تعالى : { وما النصر إلا من عند الله } والمقصود التنبيه على أن الملائكة وإن كانوا قد نزلوا في موافقة المؤمنين ، إلا أن الواجب على المؤمن أن لا يعتمد على ذلك بل يجب أن يكون اعتماده على إغاثة الله ونصره وهدايته وكفايته لأجل أن الله هو العزيز الغالب الذي لا يغلب ، والقاهر الذي لا يقهر ، والحكيم فيما ينزل من النصرة فيضعها في موضعها .

*المولى هو الناصر

ﭧ ﭨ ﭽ                        قال القرطبي : أي  وليهم وناصرهم وموفقهم .{ وأن الكافرين لا مولى لهم } أي : لا ولي ينقذهم من الضلال ، وفي قراءة عبد الله بن مسعود : {ذلك بأن الله ولي الذين آمنوا }       قال ابن عباس : المولى الناصر وأكثر المفسرين على أن المولى هنا : الولي ، والمعنى واحد ، وعلى هذا يتناول قول النبي صلى الله عليه وسلم ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) أي : من كنت وليه وناصره فعلي وليه وناصره  ، وقيل معناه : من كان يتولاني وينصرني فهو يتولى  [عليا] وينصره                                 وقال الغزالي : الولي هو المحب الناصر .. ومعنى نصرته ظاهر فإنه يقمع أعداء الدين وينصر أولياءه قال الله سبحانه وتعالى { الله ولي الذين آمنوا } وقال تعالى      { ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم }

وقال الزجاج : الولي هو فعيل من الموالاة والولي الناصر وقال محمد رشيد : أن الولي الناصر بالذات هو الله تعالى كما قال : {الله ولي الذين آمنوا} وأن ولاية الرسول والمؤمنين تبع لولايته ، ولو قال : " إن أولياءكم الله ورسوله والذين آمنوا " لما أفاد هذا المعنى ; لأن هذا التعبير لا يدل على تفاوت ما بين المعطوف والمعطوف عليه ، وهل يستوي الخالق والمخلوق ، والرب والمالك ، والعبد المملوك ؟  { ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون }  أي إذا كان الله هو وليكم وناصركم ، وكان الرسول والذين آمنوا أولياء لكم بالتبع لولايته فهم بذلك حزب الله تعالى والله ناصر لهم ، ومن يتول الله تعالى بالإيمان به والتوكل عليه ، ويتول الرسول والمؤمنين بنصرهم وشد أزرهم ، وبالاستنصار بهم دون أعدائهم ، فإنهم هم الغالبون ، فلا يغلب من يتولاهم ; لأنهم حزب الله تعالى ، ففيه وضع المظهر موضع الضمير ، ونكتته بيان علة كونهم هم الغالبين .

*{ إذا جاء نصرالله والفتح } هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال ابن كثير : أخرج مسلم والنسائي بسنديهما من حديث عن عبد الله بن عبد الله بن عتبة قال قال لي ابن عباس يا ابن عتبة أتعلم آخر سورة من القرآن نزلت قلت نعم{ إذا جاء نصر الله والفتح }قال صدقت      وروى الحافظ أبو بكر البزار والبيهقي من حديث موسى بن عبيدة البريدي عن صدقة بن يسار عن ابن عمر قال أنزلت هذه السورة ( إذا جاء نصر الله والفتح ) على رسول الله صلى الله عليه وسلم  أوسط أيام التشريق فعرف أنه الوداع فأمر براحلته القصواء فرحلت ثم قام فخطب الناس فذكر خطبته المشهورة ، وأخرج الحافظ البيهقي بسنده من حديث ابن عباس قال لما نزلت ( إذا جاء نصر الله والفتح ) دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة وقال : (إنه قد نعيت إلي نفسي فبكت ثم ضحكت وقالت أخبرني أنه نعيت إليه نفسه فبكيت ثم قال اصبري فإنك أول أهلي لحاقا بي فضحكت وقد رواه النسائي

وأخرج البخاري بسنده من حديث ابن عباس قال كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر فكأن بعضهم وجد في نفسه فقال : لم يدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله ؟ فقال عمر: إنه ممن قد علمتم فدعاهم ذات يوم فأدخله معهم فما ربت أنه دعاني فيهم يومئذ إلا ليريهم  فقال : ما تقولون في قول الله عز وجل { إذا جاء نصر الله والفتح } ؟ فقال بعضهم : أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا . وسكت بعضهم فلم يقل شيئا ، فقال لي : أكذلك تقول يا ابن عباس ؟ فقلت : لا ، فقال : ما تقول ؟ فقلت  : هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم  أعلمه له قال ( إذا جاء نصر الله والفتح ) فذلك علامة أجلك ( فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ) ، فقال عمر بن الخطاب : لا أعلم منها إلا ما تقول تفرد به البخاري

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الرابعة في موضوع (النصر) وستكون الحلقة إستكمالا للحلقة الماضية بعنوان : {إذا جاء نصرالله والفتح } هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم  

وقال الشنقيطي : قوله تعالى: { إذا جآء نصر الله والفتح }. فيه ذكر النصر والفتح ، مع أن كلا منهما مرتبط بالآخر : فمع كل نصر فتح ، ومع كل فتح نصر . فهل هما متلازمان أم لا ؟

كما جاء النصر مضافا إلى الله تعالى ، والفتح مطلقا . اتفقوا على نزول هذه السورة بعد فتح مكة . ومعلوم : أنه سبق فتح مكة عدة فتوحات . منها فتح خيبر ، ومنها صلح الحديبية ، سماه الله تعالى فتحا في قوله : { فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا } .

والنصر يكون في معارك القتال ويكون بالحجة والسلطان ، ويكون بكف العدو ، كما في الأحزاب. { ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا }.

. فالنصر حق من الله ، {وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم } .

وقد علم المسلمون ذلك ، كما جاء في قوله تعالى :       { مستهم البأسآء والضرآء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله } ، فهم يتطلعون إلى النصر . ويأتيهم الجواب { ألا إن نصر الله قريب } . وجاء قوله صلى الله عليه وسلم : ( نصرت بالرعب مسيرة شهر ) .

وقد قال تعالى لموسى وأخيه { لا تخافآ إنني معكمآ أسمع وأرى } ، فهو نصر معية وتأييد ، فالنصر هنا عام . وكذلك الفتح في الدين بانتشار الإسلام ، وأعظم الفتح فتحان : فتح الحديبية ، وفتح مكة .

إذ الأول تمهيد للثاني ، والثاني قضاء على دولة الشرك في الجزيرة ، ويدل لإرادة العموم في النصر والفتح.  ويلاحظ أن النصر هنا جاء بلفظ { نصر الله }، وفي غير هذا جاء نصر الله ، { وما النصر إلا من عند الله }. ومعلوم أن هذه الإضافة هنا لها دلالة تمام وكمال ، كما في بيت الله . مع أن المساجد كلها بيوت لله ، فهو مشعر بالنصر كل النصر ، أو بتمام النصر كله لرسول الله صلى الله عليه وسلم  . )

*النصر مع الصبر

ﭧ ﭨ ﭽ                         قال ابن الجوزي : قال أبو سلمة بن عبد الرحمن نزلت في انتظار الصلاة بعد الصلاة وليس يؤمئذ غزو يرابط وفي الذي أمروا بالصبر عليه خمسة أقوال :

احدها : البلاء والجهاد قاله ابن عباس

الثاني : الدين قاله الحسن والقرظي و الزجاج

والثالث : المصائب روي عن الحسن أيضا

والرابع  : الفرائض قاله سعيد بن جبير

والخامس : طاعة الله قاله قتادة

وفي الذي امروا بمصابرته قولان :

أحدهما  : العدو قاله ابن عباس والجمهور

والثاني  : الوعد الذي وعدهم الله قاله عطاء والقرظي

وفيما أمروا بالمرابطة عليه قولان :

أحدهما : الجهاد للأعداء قاله ابن عباس والحسن وقتادة في آخرين قال ابن قتيبة وأصل المرابطة والرباط أن يربط هؤلاء خيولهم وهؤلاء خيولهم في الثغر كل يعد لصاحبه والثاني : أنه الصلاة أمروا بالمرابطة عليها قاله أبو سلمة بن عبد الرحمن والصبرعلى كل حال هو الفلاح وهو أعظم النصر   

وقال السمعاني : قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اصبروا } يعني : على الجهاد ، { وصابروا } أي : مع الأعداء { ورابطوا } أي : في الثغور بالملازمة ، وقيل : اصبروا على دينكم ، وصابروا مع الأعداء ، ورابطوا بالمحافظة على الصلوات ، وفي الحديث : قال رسول الله : ' ألا أدلكم على ما يمحو الله به السيئات ، ويرفع الله به الدرجات ، قيل : بلى يا رسول الله ، قال : إسباغ الوضوء في السبرات ، ونقل الأقدام إلى الجماعات ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم ، الرباط ، فذلكم الرباط ، فذلكم الرباط ' . { واتقوا الله لعلكم تفلحون } أي : كونوا على رجاء الفلاح

وأخرج الإمام أحمد بسنده من حديث بن عباس قال : كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فقال  : ( يا غلام أو يا غليم ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن فقلت بلى فقال احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده أمامك تعرف إليه في الرخاء يعرفك في الشدة وإذا سألت فسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله قد جف القلم بما هو كائن فلو ان الخلق كلهم جميعا أرادوا ان ينفعوك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه وان أرادوا أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه واعلم ان في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا وان النصر مع الصبر وان الفرج مع الكرب وان مع العسر يسرا ) وأخرجه الترمذي

وقال المناوي : واعلم أن النصرملازم للصبر لا ينفك عنه فهما اخوان شقيقان والثاني سبب للاول

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الخامسة في موضوع (النصر) وستكون الحلقة بعنوان : *نصر الله قريب

ﭧ ﭨ ﭽ                        ﯟﯠ                            ﯭﯮ                   قال القرطبي : ومعنى الآية : أحسبتم أيها المؤمنون أن تدخلوا الجنة ولم يصبكم مثل ما أصاب من كان قبلكم من اتباع الأنبياء من الشدائد والخوف حتى قال الرسول والذين معه : { متى نصر الله } ، كأنهم استبطأوا النصر فأخبرهم الله تعالى أن/ نصر الله قريب .

وقيل : إن في الآية تقديما وتأخيرا وحذفا للاختصار والتقدير : وزلزلوا حتى يقولوا؟ { متى نصر الله } ، ويقول لهم الرسول : { ألا إن نصر الله قريب } اسبتطأوا النصر وزاد عليهم الخوف ، فقالوا : متى نصر الله؟ فقال لهم الرسول : { ألا إن نصر الله قريب } .فقوله :  { ألا إن نصر الله قريب } من قول الرسول ، وقوله : { متى نصر الله } من قول المؤمنين من أمة الرسول  ، وهذه الآية في قول السدي وقتادة نزلت يوم الخندق حين اشتد على المؤمنين أمر الأحزاب وآذاهم البرد وضيق العيش ، وفيه نزل : { يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله} الآية

قال التستري : وسئل عن قوله : {حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب } أكان قولهم استبطاء للنصر؟ قال سهل : لا ، ولكن لما أيسوا من تدبيرهم قالوا : {متى نصر الله  } فلما علم الله تعالى من تبريهم من حولهم وقوتهم وتدبيرهم لأنفسهم وإظهارهم الافتقار إليه ، وأن لا حيلة لهم دونه أجابهم بقوله : {ألا إن نصر الله قريب }  قال سهل : البلاء والعافية من الله عز وجل ، والأمر والنهي منه ، والعصمة والتوفيق منه ، والثواب والعقاب منه ، والأعمال منسوبة إلى بني آدم ، فمن عمل خيرا وجب عليه الشكر ليستوجب به المزيد ، ومن عمل شرا وجب عليه الاستغفار ليستوجب به الغفران. والبلوى من الله على وجهين  :  بلوى رحمة ، وبلوى عقوبة ، فبلوى الرحمة : يبعث صاحبه على إظهار فقره و فاقته  إلى الله عز وجل وترك التدبير ، وبلوى العقوبة : يبعث  صاحبه على اختيار منه وتدبيره. فسئل سهل : الصبر على العافية أشد أم على البلاء؟  فقال  :  طلب  السلامة  في  الأمن أشد من طلب السلامة في الخوف.

وقال الشوكاني : { أم } معنى الاستفهام هنا التقرير والإنكار أي أحسبتم دخولكم الجنة واقعا ولم تمتحنوا بمثل ما امتحن به من كان قبلكم فتصبروا كما صبروا واذكروا الله سبحانه هذه التسلية بعد أن ذكر اختلاف الأمم على أنبيائهم تثبيتا للمؤمنين وتقوية لقلوبهم ومثل هذه الآية قوله تعالى { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم } وقوله تعالى { الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون }

فبشرهم الله سبحانه بقوله { ألا إن نصر الله قريب } و  { متى نصر الله } ليس فيه إلا استعجال النصر من الله سبحانه

وقال ابن كثير : قوله { وزلزلوا حتى يقول الرسل والذين آمنوا معه متى نصر الله } أي يستفتحون على أعدائهم ويدعون بقرب الفرج والمخرج عند ضيق الحال والشدة قال الله تعالى { ألا إن نصر الله قريب } كما قال { فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا } وكما تكون الشدة ينزل من النصر مثلها ولهذا قال { ألا إن نصر الله قريب } وفي حديث أبي رزين ( عجب ربك من قنوط عباده وقرب غيثه فينظر إليهم قنطين فيظل يضحك يعلم أن فرجهم قريب .. ) الحديث

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السادسة في موضوع (النصر) وستكون الحلقة بعنوان :

 *آية الكرسي من أعظم ما انتصر به على الجن أخرج البخاري بسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته وقلت والله لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إني محتاج وعلي عيال ولي حاجة شديدة قال فخليت عنه فأصبحت فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة قال قلت يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا فرحمته فخليت سبيله قال أما إنه قد كذبك وسيعود فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه سيعود فرصدته فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال دعني فإني محتاج وعلي عيال لا أعود فرحمته فخليت سبيله فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا هريرة ما فعل أسيرك قلت يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا فرحمته فخليت سبيله قال أما إنه قد كذبك وسيعود فرصدته الثالثة فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله وهذا آخر ثلاث مرات تزعم لاتعود ثم تعود قال دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها قلت ما هو قال : إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } حتى تختم الآية فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربنك شيطان حتى تصبح فخليت سبيله فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما فعل أسيرك البارحة ؟ ) قلت : يا رسول الله زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله ، قال : (ما هي ؟ ) قلت : قال لي إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم   { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } وقال لي  : لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح، ـ وكانوا أحرص شيء على الخير ـ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أما إنه قد صدقك وهو كذوب تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة  ؟ قال : لا ، قال : ( ذاك شيطان ؟ )  

وقال المرادي : وبالجملة إن آية الكرسي من أعظم ما انتصر به على الجن فقد جرب المجربون الذين لا يحصون كثرة أن لها تأثيرا عظيما في طرد الشياطين عن نفس الإنسان وعن المصروع وعمن تعينه الشياطين مثل أهل الشهوة والطرب وأرباب سماع المكاء والتصدية وأهل الظلم والغضب إذا قرئت عليهم بصدق

*الدعاء بالنصرعلى القوم الكافرين

ﭧ ﭨ ﭽ             

قال ابن كثير : أي الذين جحدوا دينك وأنكروا وحدانيتك ورسالة نبيك وعبدوا غيرك وأشركوا معك من عبادك فانصرنا عليهم واجعل لنا العاقبة عليهم في الدنيا والآخرة قال الله نعم ، وفي الحديث الذي رواه مسلم عن ابن عباس ( قال الله قد فعلت ) وأخرج ابن جرير بسنده من حديث سفيان عن أبي إسحاق أن معاذا رضي الله عنه كان إذا فرغ من هذه السورة { وانصرنا على القوم الكافرين } قال آمين

وقال السعدي : فنسألك يا ربنا ومولانا تمام نعمتك بأن تنصرنا على القوم الكافرين ، الذين كفروا بك وبرسلك ، وقاوموا أهل دينك ونبذوا أمرك ، فانصرنا عليهم بالحجة والبيان والسيف والسنان ، بأن تمكن لنا في الأرض وتخذلهم وترزقنا الإيمان والأعمال التي يحصل بها النصر *الصلاة والزكاة من أركان ووسائل النصر والسلطان في الدنيا

قال محمد رشيد : فقوله : {وأقيموا الصلاة}  هداية إلى طريق الاقتناع التام بهذا الدليل حتى يكون وجدانا للنفس لا تزلزله الشبهات ، ولا تؤثر فيه المشاغبات والمجادلات .

وقد مضت سنة القرآن بقرن الزكاة بالصلاة ؛ لأن الصلاة لإصلاح نفوس الأفراد ، والزكاة لإصلاح شئون الاجتماع وبعد أن أمر بالصلاة والزكاة في سياق كشف شبهة من يشتبه من ضعفاء الإيمان في نصر الله المؤمنين ، وجعل السلطان لهم على الكافرين ، وبيان أن إقامة هذين الركنين من وسائل النصر والسلطان في الدنيا

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السادسة في موضوع (النصر) وستكون الحلقة بعنوان :

*ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم

ﭧ ﭨ ﭽ               ﭱﭲ        

قال الشوكاني : أي من يمنعني من عذاب الله وانتقامه إن طردتهم فإن طردهم بسبب سبقهم إلى الإيمان والإجابة إلى الدعوة التى أرسل الله رسوله لأجلها ظلم عظيم لا يقع من أنبياء الله المؤيدين بالعصمة ولو وقع منهم فرضا وتقديرا لكان فيه من الظلم ما لا يكون لو فعله غيرهم من سائر الناس وقوله { أفلا تذكرون } معطوف على مقدر كأنه قيل أتستمرون على ما أنتم عليه من الجهل بما ذكر أفلا تذكرون من أحوالهم ما ينبغي تذكره وتتفكرون فيه حتى تعرفوا ما أنتم عليه من الخطأ وما هم عليه من الصواب   وقال أبو السعود : { ويا قوم من ينصرني من الله } يدفع حلول سخطه عني { إن طردتهم } فإن ذلك أمر لا مرد له لكون الطرد ظلما موجبا لحلول السخط قطعا وإنما لم يصرح به إشعارا بأنه غني عن البيان لا سيما عما قدم ما يلوح به من أحوالهم فكأنه قيل من يدفع عني غضب الله تعالى إن طردتهم وهم بتلك المثابة من الكرامة والزلفى كما ينبيء عنه قوله تعالى { أفلا تذكرون } أي أتستمرون على ما أنتم عليه من الجهل المذكور فلا تتذكرون ما ذكر من حالهم حتى تعرفوا أن ما تأتونه بمعزل عن الصواب ولكون هذه العلة مستقبلة بوجه مخصوص ظاهر الدلالة على وجوب الإمتناع عن الطرد أفردت عن التعليل السابق وصدرت بياقوم

 *فمن ينصرني من الله  إن عصيته

ﭧ ﭨ ﭽ                                     ﭢﭣ             

قال الشوكاني : { قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي } أي حجة ظاهرة وبرهان صحيح { وآتاني منه } أي من جهته {رحمة } أي نبوة وهذه الأمور وإن كانت متحققة الوقوع لكنها صدرت بكلمة الشك اعتبارا بحال المخاطبين لأنهم في شك من ذلك كما وصفوه عن أنفسهم { فمن ينصرني من الله } استفهام معناه النفي أي لا ناصر لي يمنعني من عذاب الله { إن عصيته } في تبليغ الرسالة وراقبتكم وفترت عما يجب علي من البلاغ { فما تزيدونني } بتثبيطكم إياي { غير تخسير } بأن تجعلوني خاسرا بإبطال عملي والتعرض لعقوبة الله لي قال الفراء أي تضليل وإبعاد من الخير وقيل المعنى فما تزيدونني باحتياجكم بدين آبائكم غير بصيرة بخسارتكم

*حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين

ﭧ ﭨ ﭽ                           ﯢﯣ                     قال ابن كثير : يذكر تعالى أن نصره ينزل على رسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين عند ضيق الحال وانتظار الفرج من الله في أحوج الأوقات إليه كقوله تعالى { وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله } الآية

وقال البيضاوي : { حتى إذا استيأس الرسل } غاية محذوف دل عليه الكلام أي لا يغررهم تماد أيامهم فإن من قبلهم أمهلوا حتى آيس الرسل عن النصر عليهم في الدنيا أو عن إيمانهم لانهماكهم في الكفر مترفهين متمادين فيه من غير وازع { وظنوا أنهم قد كذبوا } أي كذبتم أنفسهم حين حدثتهم بأنهم ينصرون أو كذبهم القوم بوعد الإيمان وما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الرسل ظنوا أنهم أخلفوا ما وعدهم الله من النصر إن صح فقد أراد بالظن ما يهجس في القلب عن طريق الوسوسة هذا وأن المراد به المبالغة في التراخي والإمهال على سبيل التمثيل وقال الشوكاني : { حتى إذا استيأس الرسل } من النصر بعقوبة قومهم أو حتى إذ استيأس الرسل من إيمان قومهم لانهماكهم في الكفر { وظنوا أنهم قد كذبوا } وقيل المعنى ظن القوم أن الرسل قد كذبوا فيما ادعوا من نصرهم والمعنى عليها واضح أى ظن الرسل بأن قومهم قد كذبوهم فيما وعدوهم به من العذاب ويجوز فى هذا أن يكون فاعل ظن القوم المرسل إليهم على معنى أنهم ظنوا أن الرسل قد كذبوا فيما جاءوا به من الوعد والوعيد وقد قيل إن الظن فى هذه الآية بمعنى اليقين لأن الرسل قد تيقنوا أن قومهم كذبوهم وليس ذلك مجرد ظن منهم والذى ينبغي أن يفسر الظن باليقين فى مثل هذه الصورة ويفسر بمعناه الأصلي فيما يحصل فيه مجرد ظن فقط من الصور السابقة { جاءهم نصرنا } أى فجاء الرسل نصر الله سبحانه فجأة أو جاء قوم الرسل الذين كذبوهم نصر الله لرسله بإيقاع العذاب على المكذبين .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السابعة في موضوع (النصر) وستكون الحلقة بعنوان :

*من أشرك بالله فليس له فئة تنصره من دون الله وما كان منتصراً

ﭧ ﭨ ﭽ                                                                                            ﯷﯸ                                                      قال البغوي : قال الله تعالى { ولم تكن له فئة { جماعة { ينصرونه من دون الله } يمنعونه من عذاب الله { وما كان منتصرا } ممتنعا منتقما لا يقدر على الانتصار لنفسه وقيل لا يقدر على رد ما ذهب عنه

وقال الواحدي : { ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله } لم ينصره النفر الذين افتخر بهم حين قال { وأعز نفرا } { وما كان منتصرا } بأن يسترد بدل ما ذهب منه  

وقال الشوكاني : { ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله ( فئة اسم كان وله خبرها وينصرونه صفة لفئة أى فئة ناصرة ويجوز أن تكون ينصرونه الخبر ورجح الأول سيبويه ورجح الثاني المبرد واحتج بقوله { ولم يكن له كفوا أحد } والمعنى أنه لم تكن له فرقة وجماعة يلتجئ إليها وينتصر بها ولا نفعه النفر الذين افتخر بهم فيما سبق ) وما كان ( فى نفسه ) منتصرا ( أى ممتنعا بقوته عن إهلاك الله لجنته وانتقامه منه

*الكفار لايستطيعون كف النار عن وجووهم ولا هم ينصرون

ﭧ ﭨ ﭽ                                                       ﭿ                     قال الطبري : يقول تعالى ذكره لو يعلم هؤلاء الكفار المستعجلون عذاب ربهم ماذا لهم من البلاء حين تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون فلا يكفون عن وجوههم النار التي تلفحها ولا عن ظهورهم فيدفعونها عنها بأنفسهم ولا هم ينصرون يقول ولا لهم ناصر ينصرهم فيستنقذهم حينئذ من عذاب الله لما أقاموا على ما هم عليه مقيمون من الكفر بالله ولسارعوا إلى التوبة منه والإيمان بالله ولما استعجلوا لأنفسهم البلاء  

وقال الشنقيطي : وما تضمنته من كونهم في ذلك اليوم ليس لهم ناصر ولا قوة يدفعون بها عن أنفسهم جاء مبينا في مواضع أخر . كقوله تعالى : ) فما له من قوة ولا ناصر ( ، وقوله تعالى : ) ما لكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون ( والآيات في ذلك كثيرة .

*الآلهه لاتمنع مريديها ولا تنصرهم

ﭧ ﭨ ﭽ              ﮥﮦ                           ﯔﯕ                        

قال الشوكاني : أى هم عاجزون عن نصر أنفسهم فكيف يستطيعون أن ينصروا غيرهم ولا هم منا يصحبون أى ولا هم يجارون من عذابنا وقال ابن قتيبة أى لا يجيرهم منا أحد لأن المجير صاحب الجار والعرب تقول صحبك الله أى حفظك وأجارك .

وقال الشنقيطي : قوله في هذه الآية الكريمة { أم } هي المنقطعة ، وهي بمعنى بل والهمزة ، فقد اشتملت على معنى الإضراب والإنكار ، والمعنى : ألهم آلهة تجعلهم في منعة وعز حتى لا ينالهم عذابنا . ثم بين أن الهتهم التي يزعمون لا تستطيع نفع أنفسها ، فكيف تنفع غيرها بقوله : { لا يستطيعون نصر أنفسهم } .

وما تضمنته هذه الآية الكريمة : من كون الآلهة التي اتخذوها لا تستطيع نصر أنفسها فكيف تنفع غيرها جاء مبينا في غير هذا الموضع ؟ كقوله تعالى : { أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون ولا يستطيعون لهم نصرا ولا أنفسهم ينصرون وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم سوآء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين ألهم أرجل يمشون بهآ أم لهم أيد يبطشون بهآ أم لهم أعين يبصرون بهآ أم لهم آذان يسمعون بها قل ادعوا شركآءكم ثم كيدون فلا تنظرون } ، وقوله تعالى : { والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون } ، وقوله تعالى : { ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعوا دعآءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم } ، وقوله تعالى : { ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة } ، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن تلك الآلهة المعبودة من دون الله ليس فيها نفع البتة .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثامنة في موضوع (النصر) وستكون الحلقة بعنوان :

*نجّى الله نوحاً ونصره على القوم الذين كذبوا بآيات الله

ﭧ ﭨ ﭽ       ﭿ                                           ﮎﮏ                

قال ابن عباس : على القوم ويقال نجيناه إن قرأت نصرناه بتشديد الصاد من القوم { الذين كذبوا بآياتنا } بكتابنا ورسولنا نوح { إنهم كانوا قوم سوء } فى كفرهم { فأغرقناهم أجمعين } بالطوفان

وقال الشوكاني : أى نصرناه مستتبعا للانتقام من القوم المذكورين وقيل المعنى منعناه من القوم وقال أبو عبيدة من بمعنى على ثم علل سبحانه ذلك بقوله { إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين } أى لم نترك منهم أحدا بل أغرقنا كبيرهم وصغيرهم بسبب إصرارهم على الذنب

قال ابن كثير : يخبر تعالى عن إستجابته لعبده ورسوله نوح عليه السلام حين دعا على قومه لما كذبوه ( فدعا ربه أني مغلوب فانتصر ) وقال نوح ( رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا ) ولهذا قال ههنا ( إذ نادى من قبل فاستجبنا له فنجيناه وأهله ) أي الذين آمنوا به كما قال   ( وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل ) وقوله ( من الكرب العظيم ) أي من الشدة والتكذيب والأذى فإنه لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الله عز وجل فلم يؤمن به منهم إلا القليل وكانوا يتصدون لأذاه ويتواصون قرنا بعد قرن وجيلا بعد جيل على خلافه وقوله ( ونصرناه من القوم ) أي ونجيناه وخلصناه منتصرا ( من القوم الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين ) أي أهلكهم الله بعامة ولم يبق على وجه الأرض منهم أحد كما دعا عليهم نبيهم

*الذي لايعتقد نصرالله لرسوله فليقتل نفسه

ﭧ ﭨ ﭽ                                                                   قال السعدي : ومعنى هذه الآية الكريمة : يا أيها المعادي للرسول محمد صلى الله عليه وسلم  ، الساعي في إطفاء دينه ، الذي يظن بجهله ، أن سعيه سيفيده شيئا ، اعلم أنك ، مهما فعلت من الأسباب ، وسعيت في كيد الرسول ، فإن ذلك لا يذهب غيظك ، ولا يشفي كمدك ، فليس لك قدرة في ذلك ، ولكن سنشير عليك برأي ، تتمكن به من شفاء غيظك ، ومن قطع النصر عن الرسول ، إن كان ممكنا . ائت الأمر من بابه ، وارتق إليه بأسبابه ، اعمد إلى حبل من ليف أو غيره ، ثم علقه في السماء ، ثم اصعد به ، حتى تصل إلى الأبواب التي ينزل منها النصر ، فسدها ، وأغلقها ، واقطعها ، فبهذه الحال تشفي غيظك . فهذا هو الرأي والمكيدة ، وما سوى هذه الحال فلا يخطر ببالك أنك تشفي بها غيظك ولو ساعدك من ساعدك من الخلق . وهذه الآية الكريمة ، فيها من الوعد والبشارة بنصر الله لدينه ، ولرسوله ، وعباده المؤمنين ، ما لا يخفى ، ومن تأييس الكافرين ، الذين يريدون أن يطفؤوا نور الله بأفواههم ، والله متم نوره ، ولو كره الكافرون ، أي : وسعوا مهما أمكنهم . { وكذلك أنزلناه آيات بينات وأن الله يهدي من يريد }  

وقال ابن كثير : المعنى من كان يظن أن الله ليس بناصر محمدا وكتابه ودينه فليذهب فليقتل نفسه إن كان ذلك غائظه فإن الله ناصره لا محالة   

وقال الشنقيطي : والمعنى : فليعقد رأس الحبل في خشبة السقف {ثم ليقطع } أي ليختنق بالحبل ، فيشده في عنقه ، ويتدلى مع الحبل المعلق في السقف حتى يموت ، وإنما أطلق القطع على الاختناق ، لأن الاختناق يقطع النفس بسبب حبس مجاريه ، ولذا قيل للبهر وهو تتابع النفس : قطع ، فلينظر إذا اختنق { هل يذهبن كيده } أي هل يذهب فعله ذلك ما يغيظه من نصر الله نبيه صلى الله عليه وسلم، في الدنيا والآخرة .  والمعنى : لا يذهب ذلك الذي فعله ذلك الكافر الحاسد ما يغيظه ويغضبه من نصر الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

 وحاصل هذا القول : أن الله يقول لحاسديه ، الذين يتربصون به الدوائر ، ويظنون أن ربه لن ينصره : موتوا بغيظكم ، فهو ناصره لا محالة على رغم أنوفكم

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة التاسعة في موضوع (النصر) وستكون الحلقة بعنوان :

*الله على نصر المظلومين لقدير، ولينصرن الله من ينصره

ﭧ ﭨ ﭽ         ﭕﭖ                                              ﭧﭨ                                    ﭸﭹ        ﭽﭾ  ﭿ          

قال السعدي : كان المسلمون في أول الإسلام ، ممنوعين من قتال الكفار ، ومأمورين بالصبر عليهم ، لحكمة إلهية . فلما هاجروا إلى المدينة ، وأوذوا ، وحصل لهم منعة وقوة ، أذن لهم بالقتال ، كما قال تعالى : ) أذن للذين يقاتلون ( يفهم منه أنهم كانوا قبل ممنوعين ، فأذن الله لهم بقتال الذين يقاتلونهم ، وإنما أذن لهم ، لأنهم ظلموا ، بمنعهم من دينهم ، وأذيتهم عليه ، وإخراجهم من ديارهم . ) وإن الله على نصرهم لقدير ( فليستنصروه ، وليستعينوا به

وقال ابن جرير عن ابن عباس قال : لما أخرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة قال أبو بكر أخرجوا نبيهم إنا لله وإنا إليه راجعون ليهلكن  قال ابن عباس فأنزل الله عز وجل { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير }  قال أبو بكر رضي الله تعالى عنه : فعرفت أنه سيكون وزاد قال ابن عباس : وهي أول آية نزلت في القتال ، وقوله { وإن الله على نصرهم لقدير } أي هو قادر على نصر عباده المؤمنين من غير قتال ولكن هو يريد من عباده أن يبلو جهدهم في طاعته كما قال { فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء الله لا نتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم ويدخلهم الجنة عرفها لهم } وقال تعالى{ قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم } وقال{ أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون } وقال { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين} وقال { ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم } والآيات في هذا كثيرة

ولهذا قال ابن عباس في قوله { وإن الله على نصرهم لقدير } وقد فعل ، وإنما شرع تعالى الجهاد في الوقت الأليق به لأنهم لما كانوا بمكة كان المشركون أكثر عددا فلو أمر المسلمون وهم أقل من العشر بقتال الباقين لشق عليهم ولهذا لما بايع أهل يثرب ليلة العقبة رسول الله وكانوا نيفا وثمانين قالوا يا رسول الله ألا نميل على أهل الوادي يعنون أهل منى ليالي منى فنقتلهم فقال رسول الله إني لم أومر بهذا فلما بغى المشركون وأخرجوا النبي من بين أظهرهم وهموا بقتله وشردوا أصحابه شذر مذر فذهب منهم طائفة إلى الحبشة وآخرون إلى المدينة فلما استقروا بالمدينة وافاهم رسول الله واجتمعوا عليه وقاموا بنصره وصارت لهم دار إسلام ومعقلا يلجؤون إليه شرع الله جهاد الأعداء فكانت هذه الآية أول ما نزل في ذلك فقال تعالى { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق }         

وقوله تعالى : { ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز } . بين الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أنه أقسم لينصرن من ينصره ، ومعلوم أن نصر الله إنما هو باتباع ما شرعه بامتثال أوامره ، واجتناب نواهيه ونصرة رسله وأتباعهم ، ونصرة دينه وجهاد أعدائه وقهرهم حتى تكون كلمته جل وعلا هي العليا ، وكلمة أعدائه هي السفلى . ثم إن الله جل وعلا بين صفات الذين وعدهم بنصره لتمييزهم عن غيرهم فقال مبينا من أقسم أنه ينصره ، لأنه ينصر الله جل وعلا : { الذين إن مكناهم فى الا رض أقاموا الصلواة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر } وما دلت عليه هذه الآية الكريمة : من أن من نصر الله نصره الله جاء موضحا في غير هذا الموضع كقوله تعالى : { ياأيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم } وقوله تعالى : { ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون } وقوله تعالى : { كتب الله لاغلبن أنا ورسلى } وقوله : { وعد الله الذين ءامنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض } . إلى غير ذلك من الآيات    

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة التاسعة في موضوع (النصر) وستكون الحلقة بعنوان :*من بُـغي عليه فإن الله ناصره

ﭧ ﭨ ﭽ                            ﮑﮒ               

 قال السعدي : ذلك بأن من جُني عليه وظُلم ، فإنه يجوز له مقابلة الجاني ، بمثل جنايته ، فإن فعل ذلك ، فليس عليه سبيل ، وليس بملوم ، فإن بُغي عليه بعد هذا ، فإن الله ينصره ، لأنه مظلوم ، فلا يجوز أن يُبغى عليه ، بسبب أنه استوفى حقه .

وقال الشوكاني : ومعنى { ومن عاقب بمثل ما عوقب به } من جازى الظالم بمثل ما ظلمه وسمى الابتداء باسم الجزاء مشاكلة كقوله تعالى { وجزاء سيئة سيئة مثلها } والعقوبة فى الأصل إنما تكون بعد فعل تكون جزاء عنه والمراد بالمثلية أنه اقتصر على المقدار الذى ظلم به ولم يزد عليه ومعنى { ثم بغي عليه } أن الظالم له فى الابتداء عاوده بالمظلمة بعد تلك المظلمة الأولى واللام فى {لينصرنه الله } جواب قسم محذوف أى لينصرن الله المبغى عليه على الباغي

وقال القرطبي : قوله تعالى : { ذلك ومن عاقب } ذلك في موضع رفع أي ذلك الأمر الذي قصصنا عليك قال مقاتل : نزلت في قوم من مشركي مكة لقوا قوما من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرم فقالوا : إن أصحاب محمد يكرهون القتال في الشهر الحرام فاحملوا عليهم فناشدهم المسلمون ألا يقاتلوهم في الشهر الحرام فأبى المشركون إلا القتال فحملوا عليهم فثبت المسلمون ونصرهم الله على المشركين وحصل في أنفس المسلمين من القتال في الشهر الحرام شيء فنزلت هذه الآية فمعنى من عاقب بمثل ما عوقب به أي من جازى الظالم بمثل ما ظلمه فسمى جزاء العقوبة عقوبة لاستواء الفعلين في الصورة فهو مثل {وجزاء سيئة سيئة مثلها } ثم بغي عليه ( أي بالكلام والإزعاج من وطنه وذلك أن المشركين كذبوا نبيهم وآذوا من آمن به وأخرجوه وأخرجوهم من مكة وظاهروا على إخراجهم ) لينصرنه الله ( أي لينصرن الله محمدا وأصحابه فإن الكفار بغوا عليهم )

*الأنبياء والرسل إذا كُذبوا أستنصروا الله فينصرهم

ﭧ ﭨ ﭽ                                   ﮛﮜ                                                                                                                                

قال ابن كثير : يخبر تعالى عن نوح عليه السلام أنه دعا ربه ليستنصره على قومه كما قال تعالى مخبرا عنه في الآية الأخرى ( فدعا ربه أني مغلوب فانتصر ) وقال ههنا ( رب انصرني بما كذبون ) فعند ذلك أمره الله تعالى بصنعة السفينة وإحكامها وإتقانها وأن يحمل فيهما من كل زوجين اثنين أي ذكرا وأنثى من كل صنف من الحيوانات والنباتات والثمار وغير ذلك وأن يحمل فيها أهله ( إلا من سبق عليه القول منهم ) أي من سبق عليه القول من الله بالهلاك وهم الذين لم يؤمنوا به من أهله كابنه وزوجته والله أعلم

وقال الرازي : أما قوله : { رب انصرنى بما كذبون } ففيه وجوه : أحدها : أن في نصره إهلاكهم فكأنه قال أهلكهم بسبب تكذيبهم إياي وثانيها : انصرني بدل ما كذبوني كما تقول هذا بذاك أي بدل ذلك ومكانه ، والمعنى أبدلني من غم تكذيبهم سلوة النصر عليهم وثالثها : انصرني بإنجاز ما وعدتهم من العذاب وهو ما كذبوه فيه حين قال لهم : { إنى أخاف عليكم عذاب يوم عظيم } ولما أجاب الله دعاءه قال : { فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا }

ثم قال :                          وقال الألوسي : أي بسبب تكذيبهم إياي وإصرارهم عليه أو بدل تكذيبهم وﭧ ﭨ ﭽ                ﯿ  ﰀﰁ           ﰆﰇ             قال ابن كثير : { فانصرنا على القوم الكافرين } أي الذين جحدوا دينك وأنكروا وحدانيتك ورسالة نبيك وعبدوا غيرك وأشركوا معك من عبادك فانصرنا عليهم واجعل لنا العاقبة عليهم في الدنيا والآخرة قال الله نعم وفي الحديث الذي رواه مسلم عن ابن عباس قال الله قد فعلت

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة العاشرة في موضوع (النصر) وستكون الحلقة بعنوان :*من عذبه الله لاينصره حتى وإن جأر

ﭧ ﭨ ﭽ                               ﮍﮎ                                                         

وقال الشوكاني : أخبر سبحانه أنه يقال لهم حينئذ على جهة التبكيت { لا تجأروا اليوم }  فالقول مضمر والجملة مسوقة لتبكيتهم وإقناطهم وقطع أطماعهم وخصص سبحانه المترفين مع أن العذاب لاحق بهم جميعا واقع  على مترفيهم وغير مترفيهم لبيان أنهم بعد النعمة التى كانوا فيها صاروا على حالة تخالفها وتباينها فانتقلوا من النعيم التام إلى الشقاء الخالص وخص اليوم بالذكر للتهويل وجملة { إنكم منا لا تنصرون }  تعليل للنهي عن الجؤار والمعنى إنكم من عذابنا لا تمنعون ولا ينفعكم جزعكم وقيل المعنى إنكم لا يلحقكم من جهتنا نصرة تمنعكم مما دهمكم من العذاب

*الذين يُعبدون من دون الله لاينصرون ولا ينتصرون

ﭧ ﭨ ﭽ                                                  

قال ابن عباس : { وقيل لهم } لعبدة الأوثان { أين ما كنتم تعبدون ، من دون الله } فى الدنيا من الأصنام {هل ينصرونكم } هل يمنعونكم من عذاب الله { أو ينتصرون } يمتنعون بأنفسهم من العذاب

وقال الشوكاني : ) وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون من دون الله ( من الأصنام والأنداد ) هل ينصرونكم ( فيدفعون عنكم العذاب أو ينتصرون بدفعه عن أنفسهم وهذا كله توبيخ وتقريع لهم

*أئمة الضلالة يوم القيامة لا ينصرون

ﭧ ﭨ ﭽ         ﮰﮱ              قال ابن عباس : { وجعلناهم } خذلناهم { أئمة } قادة إلى الكفار والضلال { يدعون إلى النار } إلى الكفر والشرك وعبادة الأوثان { ويوم القيامة لا ينصرون } لا يمنعون من عذاب الله

وقال السعدي : أي : جعلنا فرعون وملأه من الأئمة الذين يقتدي بهم ويمشي خلفهم إلى دار الخزي والشقاء . { ويوم القيامة لا ينصرون } من عذاب الله ، فهم أضعف شيء ، عن دفعه عن أنفسهم ، وليس لهم من دون الله من ولي ولا نصير .

وقال الشوكاني : {وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار} أي صيرناهم رؤساء متبوعين مطاعين في الكافرين فكأنهم بإصرارهم على الكفر والتمادى فيه يدعون أتباعهم إلى النار لأنهم اقتدوا وسلكوا طريقتهم تقليدا لهم {ويوم القيامة لا ينصرون} أي لا ينصرهم أحد ولا يمنعهم مانع من عذاب الله

*خسف الله بقارون فما كان له من فئة ينصرونه وما كان من المنتصرين

ﭧ ﭨ ﭽ                                                    

قال ابن عباس : { فخسفنا به } بقارون { وبداره } بمنزله { الأرض } غارت به الأرض { فما كان له من فئة } من جماعة وجند { ينصرونه } يمنعونه { من دون الله } من عذاب الله حين نزل به { وما كان من المنتصرين } الممتنعين بنفسه من عذاب الله

وقال ابن كثير : أي ما أغنى عنه ماله ولا جمعه ولا خدمه وحشمه ولا دفعوا عنه نقمة الله وعذابه ونكاله ولا كان هو في نفسه منتصرا لنفسه فلا ناصر له من نفسه ولا من غير

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الحادية عشرة في موضوع (النصر) وستكون الحلقة بعنوان :*وكان حقاً علينا نصر المؤمنين

ﭧ ﭨ ﭽ                          ﮩﮪ              قال البغوي : قوله تعالى { ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات ) بالدلالات الواضحات على صدقهم ( فانتقمنا من الذين أجرموا ) عذبنا الذين كذبوهم ( وكان حقا علينا نصر المؤمنين ) إنجاؤهم من العذاب ففي هذا تبشير للنبي بالظفر في العاقبة والنصر على الأعداء قال الحسن أنجاهم مع الرسول من عذاب الأمم

وقال ابو السعود : { وكان حقا علينا نصر المؤمنين } مزيد تشريف وتكرمة للمؤمنين حيث جعلوا مستحقين على الله تعالى أن ينصرهم وإشعار بأن الانتقام من الكفرة لأجله وقد يوقف على حقا على أنه متعلق بالانتقام

وقال الطبري : يقول تعالى ذكره مسليا نبيه صلى الله عليه وسلم  فيما يلقى من قومه من الأذى فيه بما لقي من قبله من رسله من قومهم ومعلمه سنته فيهم وفي قومهم وأنه سالك به وبقومه سنته فيهم وفي أممهم ولقد أرسلنا يا محمد من قبلك رسلا إلى قومهم الكفرة كما أرسلناك إلى قومك العابدي الأوثان من دون الله فجاءوهم بالبينات يعني بالواضحات من الحجج على صدقهم وأنهم لله رسل كما جئت أنت قومك بالبينات فكذبوهم كما كذبك قومك وردوا عليهم ما جاءوهم به من عند الله كما ردوا عليك ما جئتهم به من عند ربك فانتقمنا من الذين أجرموا يقول فانتقمنا من الذين أجرموا الآثام واكتسبوا السيئات من قومهم ونحن فاعلو ذلك كذلك بمجرمي قومك وكان حقا علينا نصر المؤمنين يقول ونجينا الذين آمنوا بالله وصدقوا رسله إذ جاءهم بأسنا وكذلك نفعل بك وبمن آمن بك من قومك وكان حقا علينا نصر المؤمنين على الكافرين ونحن ناصروك ومن آمن بك على من كفر بك ومظفروك بهم

*بنصر الله ينصر من يشاء

ﭧ ﭨ ﭽ      ﯪﯫ            ﯮﯯ            

قال الطبري : فتأويل الكلام غلبت فارس الروم في أدنى الأرض من أرض الشام إلى أرض فارس والروم من بعد غلبة فارس إياهم سيغلبون فارس في بضع سنين غلبتهم فارس ومن بعد غلبتهم إياها يقضي في خلقه ما يشاء ويحكم ما يريد ويظهر من شاء منهم على من أحب إظهاره عليه {ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله }يقول ويوم يغلب الروم فارس يفرح المؤمنون بالله ورسوله بنصر الله إياهم على المشركين ونصرة الروم على فارس ينصر الله تعالى ذكره من يشاء من خلقه على من يشاء وهو نصرة المؤمنين على المشركين ببدر وهو العزيز يقول والله الشديد في انتقامه من أعدائه لا يمنعه من ذلك مانع ولا يحول بينه وبينه حائل الرحيم بمن تاب من خلقه وراجع طاعته أن يعذبه

وقال الشوكاني : بنصر الله للروم لكونهم أهل كتاب كما أن المسلمين أهل كتاب بخلاف فارس فإنه لا كتاب لهم ولهذا سر المشركون بنصرهم على الروم قال الزجاج وهذه الاية من الايات التي تدل على أن القرآن من عند الله لأنه إنباء بما سيكون وهذا لا يعلمه إلا الله سبحانه { ينصر من يشاء } أن ينصره { وهو العزيز } الغالب القاهر ) الرحيم ( الكثير الرحمة لعباده المؤمنين وقيل المراد بالرحمة هنا الدنيوية وهي شاملة للمسلم والكفر

*الآلهه التي تُتخذ من دون الله لايملكون نصراً ولا يستطيعون

ﭧ ﭨ ﭽ                                       ﭿﮀ                 قال ابن كثير : يقول تعالى منكرا على المشركين في اتخاذهم الأنداد آلهة مع الله يبتغون بذلك أن تنصرهم تلك الآلهة وترزقهم وتقربهم إلى الله زلفى قال الله تعالى { لايستطيعون نصرهم } أي لا تقدر الآلهة على نصر عابديها بل هي أضعف من ذلك وأقل وأذل وأحقر بل لا تقدر على الإستنصار لأنفسها والإنتقام ممن أرادها بسوء لأنها جماد لا تسمع ولا تعقل

وقال الشوكاني : ثم ذكر سبحانه جهلهم واغترارهم ووضعهم كفران النعم مكان شكرها فقال { واتخذوا من دون الله آلهة } من الأصنام ونحوها يعبدونها ولا قدرة لها على شىء ولم يحصل لهم منها فائدة ولا عاد عليهم من عبادتها عائدة { لعلهم ينصرون } أى رجاء أن ينصروا من جهتهم إن نزل بهم عذاب أو دهمهم أمر من الأمور وجملة { لا يستطيعون نصرهم } مستأنفة لبيان بطلان ما رجوه منها وأملوه من نفعها

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثانية عشرة في موضوع (النصر) وستكون الحلقة بعنوان :*نصر اللهُ موسى وهارون فكانوا هم الغالبين

ﭧ ﭨ ﭽ                                      

قال الشنقيطي : قوله تعالى: { ونصرناهم فكانوا هم الغالبين } . بين جل وعلا أنه نصر موسى وهارون وقومهما على فرعون وجنوده ، { فكانوا هم الغالبون } ، أي : وفرعون وجنوده هم المغلوبون ، وذلك بأن الله أهلكهم جميعا بالغرق ، وأنجى موسى وهارون وقومهما من ذلك الهلاك ، وفي ذلك نصر عظيم لهم عليهم ، وقد بين جل وعلا ذلك في غير هذا الموضع ؛ كقوله تعالى :   { قال سنشد عضدك  بأخيك  ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما باياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون }، إلى غير ذلك من الآيات .

وقال ابن الجوزي : قوله تعالى { ونصرناهم } فيه قولان أحدهما أنه يرجع إلى موسى وهارون وقومهما والثاني أنه يرجع إليهما فقط فجمعا لأن العرب تذهب بالرئيس إلى الجمع لجنوده وأتباعه ذكرهما ابن جرير

*من ياتيه العذاب لاينصره الله                 ﭧ ﭨ ﭽ                             قال السمعاني : قوله تعالى { وأنيبوا إلى ربكم } معناه : وارجعوا إلى ربكم ، وقوله : { وأسلموا له }  أي : وأخلصوا له ، ويقال : واستسلموا له ، وقوله : { من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون }  أي : لا تمنعون .

وقال ابن الجوزي : { وأنيبوا } بمعنى ارجعوا إلى الله من الشرك والذنوب ) وأسلموا له ( أي أخلصوا له التوحيد وتنصرون بمعنى تمنعون

*أهل الكتاب الفاسقون لاينصرون

ﭧ ﭨ ﭽ              ﭱﭲ                     ﭻﭼ       ﭿ              

قال السمرقندي : { ثم لا ينصرون } يقول لا يمنعون من الهزيمة فكأنه يحكي ضعفهم عن القتال يقول لو كانوا عليكم لا يضرونكم ولو كانوا معكم لا ينفعونكم وهذا حالهم إلى اليوم وهم اليهود ليس لهم شوكة ولا قوة القتال في موضع من المواضع  

وقال الشوكاني : وقوله { ثم لا ينصرون } عطف على الجملة الشرطية أي ثم لا يوجد لهم نصر ولايثبت لهم غلب في حال من الأحوال بل شأنهم الخذلان ما داموا وقد وجدنا ما وعدنا سبحانه حقا فإن اليهود لم تخفق لهم راية نصر ولا اجتمع لهم جيش غلب بعد نزول هذه الآية فهى من معجزات النبوة

*الله هو الذي نصر المؤمنين يوم بدر

ﭧ ﭨ ﭽ                ﭤﭥ                                                ﭹﭺ          ﭿ                                             ﮒﮓ                      

قال ابن كثير : وقوله تعالى { ولقد نصركم الله ببدر } أي يوم بدر وكان يوم جمعة وافق السابع عشر من شهر رمضان من سنة إثنتين من الهجرة وهو يوم الفرقان الذي أعز الله فيه الإسلام وأهله ودمغ فيه الشرك وخرب محله وحزبه هذا مع قلة عدد المسلمين يومئذ فإنهم كانوا ثلاث مئة وثلاثة عشر رجلا فيهم فارسان وسبعون بعيرا والباقون مشاة ليس معهم من العدد جميع ما يحتاجون إليه وكان العدو يومئذ ما بين التسع مئة إلى الألف في سوابغ الحديد والبيض والعدة الكاملة والخيول المسومة والحلي الزائد فأعز الله رسوله وأظهر وحيه وتنزيله وبيض وجه النبي وقبيله وأخزى الشيطان وجيله ولهذا قال تعالى ممتنا على عباده المؤمنين وحزبه المتقين { ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة } أي قليل عددكم لتعلموا أن النصر إنما هو من عند الله لا بكثرة العدد والعدد

وقال السعدي : وهذا امتنان منه على عباده المؤمنين ، وتذكير لهم بما نصرهم به يوم بدر وهم أذلة في قلة عددهم وعددهم مع كثرة عدد عدوهم وعددهم .... ولكن الله تعالى هنا أتى بها ليتذكر بها المؤمنون ليتقوا ربهم ويشكروه ، فلهذا قال { فاتقوا الله لعلكم تشكرون } لأن من اتقى ربه فقد شكره ، ومن ترك التقوى فلم يشكره

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثالثة عشرة في موضوع (النصر) وستكون الحلقة بعنوان :

*الله يؤيد بنصره من يشاء وفي ذلك آية وعبرة

ﭧ ﭨ ﭽ ﭿ             ﮅﮆ                        ﮑﮒ           ﮗﮘ                   

قال السعدي : { قد كان لكم آية } أي : عبرة عظيمة { في فئتين التقتا } وهذا يوم بدر { فئة تقاتل في سبيل الله } وهم الرسول صلى الله عليه وسلم  وأصحابه { وأخرى كافرة } أي كفار قريش الذين خرجوا من ديارهم بطرا وفخرا ورئاء الناس ، ويصدون عن سبيل الله ، فجمع الله بين الطائفتين في بدر ، وكان المشركون أضعاف المؤمنين ، فلهذا قال { يرونهم مثليهم رأى  العين } أي : يرى المؤمنون الكافرين يزيدون عليها زيادة كثيرة ، تبلغ المضاعفة وتزيد عليها ، وأكد هذا بقوله {رأي العين } فنصر الله المؤمنين وأيدهم بنصره فهزموهم ، وقتلوا صناديدهم ، وأسروا كثيرا منهم ، وما ذاك إلا لأن الله ناصر من نصره ، وخاذل من كفر به ، ففي هذا عبرة لأولى الأبصار ، أي : أصحاب البصائر النافذة والعقول الكاملة ، على أن الطائفة المنصورة معها الحق ، والأخرى مبطلة ، وإلا فلو نظر الناظر إلى مجرد الأسباب الظاهرة والعدد والعدد لجزم بأن غلبة هذه الفئة القليلة لتلك الفئة الكثيرة من أنواع المحالات ، ولكن وراء هذا السبب المشاهد بالأبصار سبب أعظم منه لا يدركه إلا أهل البصائر والإيمان بالله والتوكل على الله والثقة بكفايته ، وهو نصره وإعزازه لعباده المؤمنين على أعدائه الكافرين  

وقال الشنقيطي : ذكر في هذه الآية الكريمة أن وقعة بدر آية أي : علامة على صحة دين الإسلام إذ لو كان غير حق لما غلبت الفئة القليلة الضعيفة المتمسكة به الفئة الكثيرة القوية التي لم تتمسك به .وصرح في موضع آخر أن وقعة بدر بينة أي : لا لبس في الحق معها وذلك في قوله : { ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حى عن بينة } وصرح أيضا بأن وقعة بدر فرقان فارق بين الحق والباطل ، وهو قوله { وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان } الآية

*أسباب وشروط النصر والتمكين

ففي القرآن الكريم بيان شروط النصر والتمكين للمسلمين، وذلك في قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }

وقوله تعالى: { الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ }

فشروط التمكين في الآية الأولى هي:

1- الإيمان بكل معانيه وبكافة أركانه.    2- العمل الصالح.

3- تحقيق العبودية لله تعالى.        4- محاربة الشرك والبراءة منه ومن أهله.

وبينت الآية الثانية لوازم استمرار التمكين فجاء فيها:

1- إقامة الصلاة.    2- إيتاء الزكاة. 3- طاعة الرسول.  4- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ومن أسباب النصر المادية:
- الإعداد، كما قال الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ }

ولقد طبق الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الأمر بكل حذافيره في كل مراحل دعوته وفي جميع غزواته، ففي الهجرة -مثلاً- لم يترك الرسول صلى الله عليه وسلم أمراً من الأمور إلا أعد له عدته وحسب حسابه، فقد أعد الرواحل والدليل واختار الرفيق والمكان الذي سيتوارى فيه هو وصاحبه، واستخدم الحذر والكتمان.
وكذلك الأمر بالنسبة لغزواته بدر وأحد والأحزاب، وغيرها.
ومن أسباب النصر:
إعداد الأفراد الربانيين الذين يأخذون على عاتقهم إقامة الدين والجهاد، وهذا ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم منذ اليوم الأول من بعثته، فحرص صلى الله عليه وسلم على إعداد أصحابه إعداداً ربانياً في هدوء وتدرج وسرية، قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}
وقال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ}
ومن أسباب النصر: محاربة أسباب الفرقة والأخذ بأصول الوحدة، وفي هذا يقول الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا}

ومن أسباب النصر المادية التخطيط.. وهذا واضح جداً في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم كما في الهجرة، والغزوات وغيرها.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الرابعة عشرة في موضوع (النصر) وستكون الحلقة بعنوان :فقه النصر والتمكين

قال الدكتور / علي الصلابي :

- إن فقه التمكين يعني دراسة أنواعه وشروطه وأسبابه ومراحله وأهدافه ومعوقاته ومقوماته؛ من أجل رجوع الأمة إلى ما كانت عليه من السلطة والنفوذ والمكانة في دنيا الناس، وتطبيق شرع الله عز وجل.

- إن النصر والتمكين للمؤمنين له وجوه عدَّة، وصور متنوعة من أهمها تبليغ الرسالة، وهزيمة الأعداء، وإقامة الدولة.

- إن من أنواع التمكين التي ذكرت في القرآن الكريم، تمكين الله تعالى للدعاة بتبليغ الرسالة وأداء الأمانة، واستجابة الخلق لهم, ومن أمثلة ذلك: أصحاب القرية، وأصحاب الأخدود، وتمكين الله تعالى لرسول الله صلى الله عليه وسلم لتبليغ الرسالة في مكة.

- إن من أنواع التمكين، هلاك الكفار ونجاة المؤمنين ونصرهم في المعارك كالذي حدث في قصة نوح عليه السلام مع قومه، وموسى عليه السلام مع قوم فرعون، وطالوت مع جالوت، ونبينا صلى الله عليه وسلم في مغازيه كبدر وغيرها.

- إن من سنن الله الماضية في المجتمعات والشعوب والأمم سُنَّة إنجاء المؤمنين المصدقين من أوليائه، المعترفين برسالة رسله وأنبيائه، وإهلاك الكافرين المكذبين لهم من أعدائه.

- إن السنن الربانية ثابتة في الكون وتقع على الإنسان في كل زمان ومكان, وسنة التدافع من السنن التي تتعلق بالتمكين تعلقًا وثيقًا، وهي من أهم سنن الله في الشعوب والأمم.

- إن تولي أهل التوحيد والإيمان أعباء الحكم لدولة غير مؤمنة نوع من أنواع التمكين، وقد أشار القرآن الكريم لهذا النوع من التمكين في قصة يوسف عليه السلام، ولقد شاركت بعض الحركات الإسلامية حكوماتها في الحكم، وحققت إنجازات مهمة للإسلام، من أهمها: تجربة اليمن، والأردن, وتركيا.

- إن من أنواع التمكين التي ذكرت في القرآن الكريم وصول أهل التوحيد والإيمان الصحيح إلى سدة الحكم، وتوليهم لمقاليد الدولة، كما حدث لداود وسليمان عليهما السلام وذي القرنين.

- إن الاستخلاف في الأرض والتمكين لدين الله، وإبدال الخوف أمنًا - وعد من الله تعالى متى حقق المسلمون شروطه.

- إن من شروط التمكين تحقيق الإيمان بكل معانيه وجميع أركانه، وممارسة العمل الصالح بكل أنواعه، والحرص على كل أنواع الخير وصنوف البر.

- إن من شروط التمكين لدين الله تحقيق العبادة في دنيا الناس، وعلى المسلمين أن يفهموا حقيقة العبادة في القرآن الكريم وسنة سيد المرسلين عليه أفضل الصلاة والتسليم، وأن يعملوا على نشر مفهوم العبادة الصحيح في شرايين الأمة؛ حتى تخرج من الأوهام والمغالطات والخرافات التي ما أنزل الله بها من سلطان.

- من شروط التمكين المهمة، محاربة الشرك بجميع أشكاله وأنواعه، ولذلك على الجماعة المسلمة والتي تسعى لتحكيم شرع الله تعالى أن تعرف حقيقة الشرك وخطره وأسبابه وأدلة بطلانه وأنواعه, وأن تنقِّي صفها منه بكل الأساليب الشرعية، ولا يمكن للإنسان أن يحذر من الشرك وأن يحذِّر غيره إلا إذا عرفه وعرف خطره.

- إن من شروط التمكين المهمة تقوى الله عز وجل؛ لأن تقوى الله تعالى لها ثمرات عظيمة في الدنيا والآخرة, وهذه الثمرات تظهر على الأفراد والمجتمع الذي يسعى لتحكيم شرع الله والتمكين لدينه.

- إن الأخذ بالأسباب التي تؤدي إلى التمكين أمر أرشدنا إليه القرآن الكريم، وحثنا على الأخذ بها سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم, وقد أمر الله تعالى بالإعداد الشامل فقال: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ}  والإعداد في حقيقته أخذ بالأسباب.

- إن من أهم السنن الربانية التي ترتبط بعلاقة مباشرة مع سنن التمكين سنة الأخذ بالأسباب، ولذلك يجب على الأفراد والجماعات العاملة للتمكين لدين الله من فهمها واستيعابها وإنزالها على أرض الواقع.

- إن العمل بسنة الأخذ بالأسباب من صميم تحقيق العبودية لله تعالى، وهو الأمر الذي خلق له العبيد، وأرسلت به الرسل، وأنزلت لأجله الكتب، وبه قامت السموات والأرض، وله وجدت الجنة والنار، فالقيام بالأسباب المأمور بها محض العبودية.

- إن أسباب التمكين تنقسم إلى نوعين: أسباب معنوية، ومادية. فمن أهم الأسباب المعنوية: إعداد الأفراد الربانيين، والقيادة الربانية، ومحاربة أسباب الفرقة، التي من أهمها: الابتداع، والجهل، واتباع الهوى، وتحكيم العقل وتقديمه على النصوص، ومخالفة منهج أهل السنة في النظر والاستدلال.

- ومن أسباب التمكين المعنوية الأخذ بأصول الوحدة والاتحاد والاجتماع المتمثلة في وحدة العقيدة، وتحكيم الكتاب والسنة، وصدق الانتماء إلى الإسلام، وطلب الحق والتحري في ذلك، وتحقيق الأخوة بين أفراد المسلمين.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الخامسة عشرة في موضوع (النصر) وستكون الحلقة إستكمالا للحلقة الماضية والتي بعنوان :

أسباب النصر والتمكين وشروطه

- إن من أسباب التمكين المادية، الاهتمام بمبدأ التفرع والتخصص، ومراكز البحوث، والتخطيط والإدارة، والاهتمام بالقوة الاقتصادية، والإعداد الإعلامي.

- إن التمكين لدين الله في الأرض يمر بمراحل لا بد منها وهذه المراحل هي: مرحلة التعريف، ومرحلة الإعداد والتربية، ومرحلة المغالبة، ومرحلة الظهور.

- إن الخطوة الأولى في سبيل إقامة الدولة المسلمة أو التمكين للإسلام هو التعريف به والدعوة إليه.

- إن عدة الدعاة القائمين على مرحلة التعريف هي: التمييز الإيماني، والتفوق الروحي، والرصيد العلمي، والزاد الثقافي، ورجاحة العقل، وقوة الحجة، ورحابة الصدر وسماحة النفس.

- إن من السنن المهمة في فقه التمكين فَهم سُنَّة التدرج, ومراعاة تدرج الأمة من السهل إلى الصعب، ومن الصعب إلى الأصعب، ومن الهدف القريب إلى الهدف البعيد، ومن الخطة الجزئية إلى الخطة الكلية.

- إن رسل الله الكرام عليهم -أفضل الصلوات والسلام- عندما بلغوا رسالات الله إلى أقوامهم، اختاروا من الناس من استجاب لدعوتهم وغرسوا في نفوسهم المعاني الإيمانية والأخلاق الربانية، حتى استطاعوا أن يحملوا معهم دعوة الله إلى الناس.

- إن عدة القائمين على مرحلة الإعداد والتربية أمور كثيرة من أهمها: الخبرات والتجارب، وأن يكون القائمون أصحاب سياسة حكيمة.

- في مرحلة الإعداد والتربية يهتم المشرفون عليها بغرس صفات جيل التمكين في نفوس العناصر التي اختيرت لهذه المرحلة. إن سنة الابتلاء مرتبطة بالتمكين ارتباطًا وثيقًا، فلقد جرت سنة الله -تعالى- ألا يُمكن لها إلا بعد أن تمر بمراحل الاختبار المختلفة، وبعد أن ينصهر معدنها في بوتقة الأحداث، فيميز الله الخبيث من الطيب.

- إن مرحلة المغالبة هي مرحلة التركيز والتخصيص، لسد ثغرات العمل الإسلامي كله، من حيث الكم ومن حيث النوع, ومن حيث الاستجابة لكل متطلبات الدعوة وأعبائها.

- إن بناء القاعدة الصلبة على أسس من منهج أهل السنة والجماعة يدخل ضمن الطائفة المنصورة، التي تتحرك بهذا الدين على جميع الثغرات.

- إن من صفات الطائفة المنصورة من خلال الأحاديث الصحيحة هي: أنها على الحق، وأنها قائمة بأمر الله، وأنها تقوم بواجب الجهاد والقتال في سبيل الله، وأنها المجددة للأمة أمر دينها، وأنها ظاهرة إلى قيام الساعة، وأنها صابرة.

- إن مرحلة التمكين هي ذروة العمل الإسلامي المنظم، وهي تمثل الثمرة الناضجة من الجهود التي بذلت في المراحل التي سبقتها.

- إن بشائر العودة إلى التمكين ومظاهره بدأت مع الحركات الإسلامية منذ قرنين ماضيين, وتوارثت الأجيال الحاضرة تلك التجارب التي تركت لنا معالم في فقه التمكين, ومن أهم هذه الحركات حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في شبه الجزيرة العربية، وحركة الشيخ أحمد بن عبد الأحد السرهندي في الهند.

- إن من أهم أهداف التمكين: إقامة المجتمع المسلم، ونشر الدعوة إلى الله.

*النبيون والربانيون إذا جاهدوا وسألوا الله النصر اثابهم الله ونصرهم

ﭧ ﭨ ﭽ                                                ﯟﯠ                                                                                 ﯿﰀ                 

قال البيضاوي : أي وما كان قولهم مع ثباتهم وقوتهم في الدين وكونهم ربانيين إلا هذا القول وهو إضافة الذنوب والإسراف إلى أنفسهم هضما لها وإضافة لما أصابهم إلى سوء أعمالها والاستغفار عنها ثم طلب التثبيت في مواطن الحرب والنصر على العدو ليكون عن خضوع وطهارة  فيكون أقرب إلى الإجابة

وقال ابو السعود :

قولهم { وثبت أقدامنا } أي في مواطن الحرب بالتقوية والتأييد من عندك أو ثبتنا على دينك الحق{وانصرنا على القوم الكافرين} تقريبا له إلى حيز القبول فإن الدعاء المقرون بالخضوع الصادر عن زكاء وطهارة أقرب إلى الاستجابة والمعنى لم يزالوا مواظبين على هذا الدعاء من غير أن يصدر عنهم قول يوهم شائبة الجزع والخور والتزلزل في مواقف الحرب ومراصد الدين وفيه من التعريض بالمهزمين مالا يخفى

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وب

فهذه الحلقة السادسة عشرة في موضوع (النصر) وستكون الحلقة بعنوان

*من نصره الله فلا غالب له ومن خذله فلا ناصر له

ﭧ ﭨ ﭽ           ﭿ  ﮀ ﮁﮂ                 ﮊﮋ              قال البغوي : ( إن ينصركم الله ) يعينكم الله ويمنعكم من عدوكم ( فلا غالب لكم ) مثل يوم بدر ( وإن يخذلكم ) يترككم فلم ينصركم كما كان بأحد والخذلان القعود عن النصرة والإسلام للهلكة ( فمن ذا الذي ينصركم من بعده ) أي من بعد خذلانه ( وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) قيل التوكل أن لا تعصي الله من أجل رزقك وقيل أن لا تطلب لنفسك ناصرا غير الله ولا لرزقك خازنا غيره ولا لعملك شاهدا غيره                  

وقال الرازي : قال ابن عباس : ان ينصركم الله كما نصركم يوم بدر . فلا يغلبكم أحد ، وان يخذلكم كما خذلكم يوم أحد لم ينصركم أحد .

قيل المقصود من الآية الترغيب في الطاعة ، والتحذير عن المعصية ، وذلك لأنه تعالى بين فيما تقدم أن من اتقى معاصي الله تعالى نصره الله ، وهو قوله : ( بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هاذا يمددكم ربكم بخمسة ءالاف من الملئكة )  ثم بين في هذه الآية أن من نصره الله فلا غالب له ، فيحصل من مجموع هاتين المقدمتين ، ان من اتقى الله فقد فاز بسعادة الدنيا والآخرة فانه يفوز بسعادة لا شقاوة معها وبعز لا ذل معه ، ويصير غالبا لا يغلبه أحد ، وأما من أتى بالمعصية فان الله يخذله ، ومن خذله الله فقد وقع في شقاوة لا سعادة معها ، وذل لا عز معه .

*مؤمن آل فرعون حذر قومه من بأس الله وأن لا ناصر إلا هو

ﭧ ﭨ ﭽ                              ﮫﮬ                                 قال الشوكاني :{ فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا } أى من يمنعنا من عذابه ويحول بيننا وبينه عند مجيئه وفى هذا تحذير منه لهم من نقمة الله بهم وإنزال عذابه عليهم فلما سمع فرعون ما قاله هذا الرجل من النصح الصحيح جاء بمراوغة يوهم بها قومه أنه لهم من النصيحة والرعاية بمكان مكين وأنه لا يسلك بهم إلا مسلكا يكون فيه جلب النفع لهم ودفع الضر عنهم ولهذا قال { ما أريكم إلا ما أرى } وقال ابن الجوزي : قوله تعالى ( ظاهرين في الأرض ) أي عالين في أرض مصر ( فمن ينصرنا ) أي من يمنعنا ( من بأس الله ) أي من عذابه والمعنى لا تتعرضوا للعذاب بالتكذيب وقتل النبي صلى الله عليه وسلم

*الله ناصر رسله والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد

ﭧ ﭨ ﭽ                                قال السعدي : لما ذكر عقوبة آل فرعون في الدنيا ، والبرزخ ، ويوم القيامة ، وذكر حالة أهل النار الفظيعة ، الذين نابذوا رسله ، وحاربوهم ، قال : ( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ) أي : بالحجة والبرهان ، والنصر . ( ويوم يقوم الأشهاد ) أي : في الآخرة بالحكم ، ولأتباعهم بالثواب . ولمن حاربهم بشدة العذاب .

وقال ابن كثير : قد أورد أبو جعفر ابن جرير رحمه الله تعالى عند قوله تعالى ( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ) سؤالا فقال قد علم أن بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قتله قومه بالكلية كيحيى وزكريا وشعيبا ومنهم من خرج من بين أظهرهم إما مهاجرا كإبراهيم وإما إلى السماء كعيسى فأين النصرة في الدنيا ثم أجاب عن ذلك بجوابين [ أحدهما ] أن يكون الخبر خرج عاما والمراد به البعض قال وهذا سائغ في اللغة [ الثاني ] أن يكون المراد بالنصر الانتصار لهم ممن آذاهم وسواء كان ذلك بحضرتهم أو في غيبتهم أو بعد موتهم كما فعل بقتلة يحيى وزكريا وشعيبا سلط عليهم من أعدائهم من أهانهم وسفك دماءهم وقد ذكر أن النمرود أخذه الله تعالى أخذ عزيز مقتدر وأما الذين راموا صلب المسيح عليه السلام من اليهود فسلط الله تعالى عليهم الروم

فأهانوهم وأذلوهم وأظهرهم الله تعالى عليهم ثم قبل يوم القيامة سينزل عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام إماما عادلا وحكما مقسطا فيقتل المسيح الدجال وجنوده من اليهود ويقتل الخنزير ويكسر الصليب ويضع الجزية فلا يقبل إلا الإسلام وهذه نصرة عظيمة وهذه سنة الله تعالى في خلقه في قديم الدهر وحديثه أنه ينصر عباده المؤمنين في الدنيا ويقر أعينهم ممن آذاهم ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أنه قال : (يقول تبارك وتعالى : من عادى لي وليا فقد بارزني بالحرب ) وفي الحديث الآخر ( إني لأثأر لأوليائي كما يثأر الليث الحرب ) ولهذا أهلك الله عز وجل قوم نوح وعاد وثمود وأصحاب الرس وقوم لوط وأهل مدين وأشباههم وأضرابهم ممن كذب الرسل وخالف الحق ، وأنجى الله تعالى من بينهم المؤمنين فلم يهلك منهم أحدا ، وعذب الكافرين فلم يفلت منهم أحدا  

 

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السابعة عشرة في موضوع (النصر) وستكون الحلقة بعنوان :

*أمر الله المؤمنين بأن يكونوا أنصار الله

ﭧ ﭨ ﭽ       ﯿ                                                 ﰋﰌ           ﰑﰒ                 ﰙﰚ                      

قال ابن كثير : قال تعالى آمرا عباده المؤمنين أن يكونوا أنصار الله في جميع أحوالهم بأقوالهم وأفعالهم وأنفسهم وأموالهم وأن يستجيبوا لله ولرسوله كما استجاب الحواريون لعيسى حين قال ( من أنصاري  إلى الله ) أي من معيني في الدعوة إلى الله عز وجل ( قال الحواريون ) وهم أتباع عيسى عليه السلام ( نحن أنصار الله ) أي نحن أنصارك على ما أرسلت به وموازروك على ذلك ولهذا بعثهم دعاة إلى الناس في بلاد الشام في الإسرائيليين واليونانيين     

وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول في أيام الحج من رجل يؤويني حتى أبلغ رسالة ربي فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ رسالة ربي حتى قيض الله عز وجل له الأوس والخزرج من أهل المدينة فبايعوه ووازروه وشارطوه أن يمنعوه من الأسود والأحمر إن هو هاجر إليهم فلما هاجر إليهم بمن معه من أصحابه وفوا له بما عاهدوا الله عليه ولهذا سماهم الله ورسوله الأنصار وصار ذلك علما عليهم رضي الله عنهم وأرضاهم وقوله تعالى

وقال السعدي : قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله ) ، أي : بالأقوال والأفعال ، وذلك بالقيام بدين الله ، والحرص على تنفيذه على الغير ، وجهاد من عانده ونابذه ، بالأبدان والأموال ، وجهاد من نصر الباطل بما يزعمه من العلم ورد الحق ، بدحض حجته ، وإقامة الحجة عليه ، والتحذير منه . ومن نصر دين الله ، تعلم كتاب الله وسنة رسوله ، والحث على ذلك ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . ثم هيج الله المؤمنين بالاقتداء بمن قبلهم من الصالحين بقوله : { كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله }

*التجارة مع الله يفوز صاحبها بالجنة في الآخرة                      وبالنـصر  والفتـح  القريـب  في  الدنـيـا 

ﭧ ﭨ ﭽ                                                            ﯔﯕ                                                                          ﯪﯫ                   ﯱﯲ             ﯷﯸ          

قال البغوي : ( وأخرى تحبونها ) ولكم خصلة أخرى تحبونها في العاجل مع ثواب الآخرة وتلك الخصلة ( نصر من الله وفتح قريب ) قال الكلبي هو النصر على قريش وفتح مكة وقال عطاء يريد فتح فارس والروم ( وبشر المؤمنين ) يا محمد بالنصر في الدنيا والجنة في الآخرة ثم حصنهم على نصرة الدين وجهاد المخالفين

وقال ابن الجوزي : وأخرى تحبونها قال الفراء والمعنى ولكم في العاجل مع ثواب الآخرة أخرى تحبونها ثم فسرها فقال تعالى { نصر من الله وفتح قريب } وفيه قولان  : أحدهما : أنه فتح مكة قاله ابن عباس ، والثاني فتح فارس والروم قاله عطاء ، وقوله تعالى (وبشر المؤمنين) أي بالنصر في الدنيا والجنة في الآخرة    

وقال الرازي : وقوله تعالى :: ( نصر من الله ) هو مفسر للأخرى ، لأنه يحسن أن يكون : ) نصر من الله ( مفسرا للتجارة إذ النصر لا يكون تجارة لنا بل هو ربح للتجارة ، وقوله تعالى : ) وفتح قريب ( أي عاجل وهو فتح مكة

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثامنة عشرة في موضوع (النصر) وستكون الحلقة بعنوان : *المؤمنون والمهاجرون والمجاهدون والذين ءاووا ونصروا أولياء بعض

ﭧ ﭨ ﭽ            ﭿ                       ﮊﮋ                         ﮗﮘ                           ﮤﮥ           

قال البغوي : قوله تعالى ( إن الذين آمنوا وهاجروا ) أي هجروا قومهم وديارهم يعني المهاجرين من مكة ( وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين امنووا ) رسول الله صلى الله عليه وسلم  والمهاجرين معه أي أسكنوهم منازلهم ( ونصروا ) أي نصروهم على أعدائهم وهم الأنصار رضي الله عنهم ( أولئك بعضهم أولياء بعض ) دون أقربائهم من الكفار قيل في العون والنصرة

وقال السعدي : هذا عقد موالاة ومحبة ، عقدها الله بين المهاجرين ، الذين آمنوا وهاجروا في سبيل الله ، وتركوا أوطانهم لله ، لأجل الجهاد في سبيل الله ، وبين الأنصار الذين آووا رسول الله e وأصحابه وأعانوهم في ديارهم وأموالهم وأنفسهم ، فهؤلاء بعضهم أولياء بعض ، لكمال إيمانهم وتمام اتصال بعضهم ببعض . )

وقال ابن كثير : ذكر تعالى أصناف المؤمنين وقسمهم إلى مهاجرين خرجوا من ديارهم وأموالهم وجاءوا لنصر الله ورسوله وإقامة دينه وبذلوا أموالهم وأنفسهم في ذلك والى أنصار وهم المسلمون من أهل المدينة إذ ذاك آووا إخوانهم المهاجرين في منازلهم وواسوهم في أموالهم ونصروا الله ورسوله بالقتال معهم فهؤلاء ) بعضهم أولياء بعض ( أي كل منهم أحق بالآخر من كل أحد ولهذا آخى رسول الله بين المهاجرين والأنصار كل اثنين إخوان فكانوا يتوارثون بذلك إرثا مقدما على القرابة حتى نسخ الله تعالى ذلك بالمواريث

*السابقون من المهاجرين والأنصار واللذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم

ﭧ ﭨ ﭽ                                                      ﭦﭧ          

قال ابن كثير : يخبر تعالى عن رضاه عن السابقين من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان ورضاهم عنه بما أعد لهم من جنات النعيم والنعيم المقيم قال الشعبي السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار من أدرك بيعة الرضوان عام الحديبية وقال أبو موسى الأشعري وسعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين والحسن وقتادة هم الذين صلوا إلى القبلتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال محمد بن كعب القرظي مر عمر بن الخطاب برجل يقرأ هذه الآية ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ) فأخذ عمر بيده فقال من أقرأك هذا فقال أبي بن كعب فقال لا تفارقني حتى أذهب إليه فلما جاءه قال عمر أنت أقرأت هذا هذه الآية هكذا قال نعم قال وسمعتها من رسول الله قال نعم قال لقد كنت أرى أنا رفعنا رفعة لا يبلغها أحد بعدنا فقال أبي تصديق هذه الآية في أول سورة الجمعة ( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم ) وفي سورة الحشر ( والذين جاءوا من بعدهم ) الآية وفي الأنفال ( والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا معكم ) الآية            وقال السعدي : { والسابقون الأولون } هم الذين سبقوا هذه الأمة وبدروها للإيمان والهجرة ، والجهاد ، وإقامة دين الله .   {من المهاجرين }  ، { الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون } ،{ و } من { الأنصار } ،{ الذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم ، يحبون من هاجر إليهم ، ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ، ويؤثرون على أنفسهم ، ولو كان بهم خصاصة } { والذين اتبعوهم بإحسان } بالاعتقادات ، والأقوال والأعمال ، فهؤلاء هم الذين سلموا من الذم ، وحصل لهم نهاية المدح ، وأفضل الكرامات من الله . { رضي الله عنهم } ورضاه تعالى أكبر من نعيم الجنة ، { ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار } الجارية ، التي تساق إلى سقي الجنان ، والحدائق الزاهية الزاهرة ، والرياض الفاخرة . ) خالدين فيها أبدا ( لا يبغون عنها حولا ، ولا يطلبون منها بدلا ، لأنهم مهما تمنوه ، أدركوه ، ومهما أرادوه ، وجدوه . { ذلك الفوز العظيم } الذي حصل لهم فيه ، كل محبوب للنفوس ، ولذة للأرواح ، ونعيم للقلوب ، وشهوة للأبدان ، واندفع عنهم كل محذور .

 

إلى هنا نختم هذا البحث المهم ، ولأننا في هذا الوقت وهذه الأجواء التي هجم الأعداء فيهاهجوما عنيفا على أهل الإسلام في كل مكان بشتى الوسائل سواء كانت حربية أو فكرية أو إقتصادية أو سياسية أو إجتماعية ...   نـفـتـقـر إلى إعادة الأمل في النفوس بوعد الله المبين بنصر عباده الموحدين  إذا تحققت شروطه وانتفت موانعه ، ولاشك أن الغرب والشرق يخافون من عودة الإسلام من جديد ؛ لأنهم قد خبروه في أوقات وأزمنة ماضية ، في أماكن متعددة ، ومرات متكررة لكن هذا الضغط وهذا الإستنفار لقواهم المختلفة هو الذي سيجعل المسلمين بإذن الله يستيقضون من رقدتهم العميقة الضاربة في الأزمان

وهذه الحلقة هي الأخيرة في هذا الموضوع (النصر ) وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

النصر

                    

تأليف

الدكتور / مسفر بن سعيد دماس الغامدي