الموت والنوم

بسم الله الرحمن الرحيم

الموت والنوم المختصر

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله . } يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون {سورة آل عمران، الآية : 102 .

} يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً ، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبــا{ سورة النساء، الآية :1

} يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً { سورة الأحزاب، الآيتان : 70-71، و بعد :

فهذه الحلقة الأولى في موضوع الموت والنوم وستكون بعنوان :

المقدمة وتعريفات :

المقدمة :

يقول تعالى : } تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير، الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور { [سورة الملك، الآيتان : 1-2]

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أكثروا ذكر هادم اللذات : الموت "[صححه الألباني في صحيح الجامع برقم 1221، وعزاه إلى الترمذي، والنسائي وابن ماجة ]

إن تذكر الموت والبحث فيه يرقق القلب القاسي، ولأهمية الموت وما بعده، ولأن الله وعظنا بالنوم لأنه موت، وكأن الله يقول لنا : يا من يموت كل يوم الموت الأصغر : لا تنسى الموت الأكبر وما بعده، لهذا وغيره أحببت أن أذكّر نفسي ومن يقرأ هذا البحث والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله .

تعريف الموت :

أسماء الموت : الموت، والحتف، والمنون، وشعوب، والسام، والحِمام، والردى، والحين، والثكل، والوفاة، والهلاك . ألفاظ مؤتلفة، ومترادفة   [الألفاظ المؤتلفة للجياني ، جـ2، ص233]

والموت هو : خلق من خلق الله، وهو ضد الحياة، والموات ما لا روح فيه، وهو أيضاً: الأرض التي لا مالك لها من الآدميين، والموتة : جنس من الجنون والصرع، والمستميت : الشجاع الطالب للموت، ومات : سكن ونام وبلى

والموت : صفة وجودية خلقت ضداً للحياة، وباصطلاح أهل الحق قمع هوى النفس فمن مات عن هواه فقد حيي بهداه .

والموت الأبيض : الجوع ؛ لأنه ينور الباطن ويبيض وجه القلب فمن ماتت بطنته حييت فطنته .

والموت الأحمر : مخالفة النفس، والموت الأخضر : لبس المرقع من الخرق الملقاة التي لا قيمة لها لإخضرار عيشه بالقناعة . والموت الأسود : هو إحتمال أذى الخلق[لسان العرب لابن منظور جـ2، ص90-94، القاموس للفيروز آبادي، جـ1، ص158]

*وأنواع الموت بحسب أنواع الحياة :

الأول : ما هو بإزاء القوة النامية الموجودة في الإنسان والحيوان والنبات نحو} وأحيينا به بلدة ميتاً { .

الثاني: زوال القوة الحساسة . ومنه } ويقول الإنسان أئذا ما مت { .

الثالث: زوال القوة العاقلة وهي الجهالة نحو } أو من كان ميتاً فأحييناه { .

الرابع: الحزن المكدر للحياة ومنه {ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت}

الخامس: المنام فقد قيل النوم موت خفيف، والموت نوم ثقيل وعليه سماه الله توفياً     [ التعريفات للمناوي، جـ2، ص683، 684]

قال تعالى : } تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير، الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور { قال ابن كثير : واستدل بهذه الآية من قال : إن الموت أمر وجودي لأنه مخلوق[ تفسير ابن كثير، جـ8، ص203 ] وقال تعالى : } ويأتيه الموت من كل مكان { [ سورة ابراهيم، الآية :17] قال ابن كثير : أي يألم له جميع بدنه وجوارحه وأعضائه ؛ قال ميمون بن مهران : من كل عظم، وعرق، وعصب .وقال عكرمة : حتى من أطراف شعره . وقال ابراهيم التيمي: من موضع كل شعرة، أي : من جسده، حتى من أطراف شعره.

وقال ابن جرير : أي من أمامه، وورائه، وعن يمينه، وشماله، ومن فوقه، ومن تحت أرجله، ومن سائر أعضاء جسده [تفسير ابن كثير، جـ4، ص405 ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الثانية في موضوع الموت والنوم وستكون بعنوان :

* الله حي لا يموت، بل هو المحيي والمميت :

الله هو الحي القيوم، ومن أسمائه : الحي، والحي في صفة الله

عز وجل هو الذي لم يزل موجوداً، وبالحياة موصوفاً، فالحياة له صفة قائمة بذاته           [    الاعتقاد للبيهقي، ص18، ط. فيصل آباد]

ثم قال البيهقي : قال الله جل ثناءه " لا إله إلا هو الحي القيوم " وقال : " وعنت الوجوه للحي القيوم" وقال " وتوكل على الحي الذي لا يموت " فهو حي، وله حياة يباين بها صفة من ليس بحي [ الاعتقاد، ص26 ]

وقال ابن أبي العز الحنفي : إنه حي لا يموت لأن صفة الحياة الباقية مختصة به تعالى دون خلقه فإنهم يموتون …

واعلم أن هذين الاسمين أعني " الحي القيوم " مذكوران في القرآن معاً في ثلاث سور وهما من أعظم أسماء الله الحسنى، حتى قيل أنهما الاسم الأعظم فإنهما يتضمنان إثبات صفات الكمال أكمل تضمن وأصدقه … واقترانه بالحي يستلزم سائر صفات الكمال ويدل على دوامها وبقائها وانتفاء النقص والعدم عنها أزلاً وأبداً . ولهذا كان قوله " الله لا إله إلا هو الحي القيوم " أعظم آية في القرآن كما ثبت ذلك في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، فعلى هذين الاسمين مدار الأسماء الحسنى كلها وإليهما ترجع معانيها، فإن الحياة مستلزمة لجميع صفات الكمال فلا يتخلف عنها صفة منها إلا لضعف الحياة فإذا كانت حياته تعالى أكمل حياة وأتمها استلزم

 إثباتها إثبات كل كمال يضاد نفيه كمال الحياة[ شرح العقيدة الطحاوية، ص 124]

وقال سبحانه وتعالى : } وتوكل على الحي الذي لا يموت، وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيراً { [سورة الفرقان، الآية : 58]

وقال سبحانه وتعالى : } الله لا إله إلا هو الحي القيوم … { [   سورة البقرة، الآية : 255 ]

قال ابن كثير : " الحي القيوم " أي الحيّ في نفسه الذي لا يموت أبداً المقيم لغيره، وكان عمر يقرأ : " القيِّام " فجميع الموجودات مفتقرة إليه، وهو غني عنها، ولا قوام لها بدون أمره … "[    تفسير ابن كثير، جـ1، ص455 ]

وقال تعالى : } إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير { [    سورة الروم، الآية :50 ]

وقال تعالى : } هو الحي لا إله إلا هو فأدعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين { [ سورة غافر، الآية : 65 ]

وقال سبحانه:} وهو الذي يحيي ويميت فإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون{ [ سورة غافر، الآية : 68 ]

وقال عز وجل : } وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده، وهو أهون عليه { [    سورة الروم، الآية : 27 ]

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال الله : " كذبني ابن آدم، ولم يكن له أن يكذبني، وآذاني ابن آدم، ولم يكن له أن يؤذيني ؛ أما تكذيبه إياي فقوله : لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون عليّ من آخره .. [    أخرجه البخاري في الصحيح في تفسير سورة البقرة، أنظر تفسير ابن كثير، جـ5، ص246]

يقول تعالى : } ويقول الإنسان : أإذا ما مت لسوف أخرج حياً ؟ أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئاً { [ سورة مريم، الآيتان : 66،67 ]

يقول سيد قطب : وهو الذي يحيي ويميت … " والحياة والموت حادثان يقعان في كل لحظة، وليس إلا الله يملك الموت والحياة ؛ فالبشر – أرقى الخلائق – أعجز من بث الحياة في خلية واحدة، وأعجز كذلك من سلب الحياة سلباً حقيقياً عن حي من الأحياء، فالذي يهب الحياة هو الذي يعرف سرها، ويملك أن يهبها ويستردها، والبشر قد يكونون سبباً وأداة لإزهاق الحياة، ولكنهم هم ليسوا الذين يجردون الحي من حياته على وجه الحقيقة،إنما الله هو الذي يحيي ويميت،وحده دون سواه00"

[في الظلال، جـ4، ص2477 ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الثالثة في موضوع الموت والنوم وستكون بعنوان :

* الحكمة من الموت :

كل ما قضاه وقدره الحكيم سبحانه، فلا بد وأن يكون له حكمة والحياة والموت من أعظم المخلوقات، فلا بد وأن تكون الحكمة منهما عظيمة وكبيرة …

قال تعالى : } تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير، الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور {

قال ابن كثير : ومعنى الآية أنه أوجد الخلائق من العدم، ليبلوهم ويختبرهم أيهم أحسن عملاً ؟ .. "

وقال القرطبي : وقيل معنى " ليبلوكم " ليعاملكم معاملة المختبر ؛ أي ليبلوا العبد بموت من يعز عليه ليبين صبره، وبالحياة ليبين شكره، وقيل : خلق الله الموت للبعث والجزاء، وخلق الحياة للابتلاء .

وقال السدي : أي أكثركم للموت ذكراً وأحسن إستعداداً ومنه أشد خوفاً وحذراْ..[تفسير القرطبي الجامع، جـ18، ص207 ]

*والموت هو نهاية دار وبداية دار أخرى …

قال ابن أبي العز : الدور ثلاث : دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار القرار، وقد جعل الله لكل دار أحكاماً تخصها، وركب هذا الإنسان من بدن ونفس، وجعل أحكام الدنيا على الأبدان والأرواح تبعٌ لها، وجعل أحكام البرزخ على الأرواح، والأبدان تبع لها، فإذا جاء يم حشر الأجساد وقيام الناس من قبورهم، صار الحكم والنعيم والعذاب على الأرواح والأجساد جميعاً … "[شرح العقيدة الطحاوية، ص452 ]

وحكمة الموت تظهر جلية واضحة في هذه الآيات قال تعالى : } ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين، ثم جعلناه نطفة في قرار مكين، ثم خلقنا النطفة علقة، فخلقنا العلقة مضغة، فخلقنا المضعة عظاماً، فكسونا العظام لحماً، ثم أنشأناه خلقاً آخر، فتبارك الله أحسن الخالقين، ثم إنكم بعد ذلك لميتون، ثم إنكم يوم القيامة تبعثون { [ سورة المؤمنون، الآيات : 12-16]

قال ابن كثير : وقوله " ثم إنكم بعد ذلك لميتون " يعني بعد هذه النشأة الأولى من العدم تصيرون إلى الموت، " ثم إنكم يوم القيامة تبعثون "، يعني النشأة الآخرة، " ثم الله ينشيء النشأة الآخرة "، يعني يوم المعاد، وقيام الأرواح والأجساد، فيحاسب الخلائق، ويوفي كل عامل عمله، إن خيراً فخيراً، وإن شراً فشر "[تفسير ابن كثير، جـ5، ص463] .

* هل الموت مخلوق أم لا ؟

 

الموت تقدم تعريفه وهو : إنقطاع تعلق الروح بالبدن، ومفارقته وحيلولة بينهما، وتبدل حال، وإنتقال من دار إلى دار وهو مخلوق كما قال تعالى : } تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير، الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور {

قال القرطبي : قال مقاتل : خلق الموت ؛ يعني النطفة والعلقة والمضغة، وخلق الحياة؛ يعني خلق إنساناً ونفخ فيه الروح فصار إنساناً .

وهذا قول حسن، يدل عليه قوله تعالى : } ليبلوكم أيكم أحسن عملاً { … وقال السدي : .. أي أكثركم للموت ذكراً وأحسنكم إستعداداً، ومنه أشد خوفاً وحذراً …

وقيل : خلق الله الموت للبعث والجزاء، وخلق الحياة للإبتلاء. وحكي عن ابن عباس والكلبي ومقاتل : أن الموت والحياة جسمان، فجعل الموت في هيئة كبش لا يمر بشيء ولا يجد ريحه إلا مات …

وقال ابن تيمية : والأرواح مخلوقة بلا شك، وهي لا تعدم ولا تفنى

 ولكن موتها بمفارقة الأبدان، وعند النفخة الثانية تعاد الأرواح إلى الأبدان [مجموع الفتاوى، جـ4، ص279 ]

قال ابن أبي العز : والصواب أن يقال : موت النفس هو مفارقتها لأجسادها وخروجها منها، فإن أريد بموتها هذا القدر فهي ذائقة الموت، وإن أريد أنها تعدم وتفنى بالكلية فهي لا تموت بهذا الاعتبار، بل هي باقية بعد خلقها في نعيم أو في عذاب … وقد أخبر سبحانه أن أهل الجنة } لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى { [    سورة الدخان، الآية : 56 .]  وتلك الموتة هي مفارقة الروح والجسد [ شرح العقيدة الطحاوية، ص446 ]

ثم قال ابن أبي العز : فالتحقيق : أن النفس تطلق على أمور، وكذلك الروح، فيتحد مدلولهما تارة، ويختلف تارة، فالنفس تطلق على الروح، ولكن غالب ما يسمى نفساً إذا كانت متصلة بالبدن، وأما إذا أخذت مجردة فتسمية الروح أغلب عليها . [ شرح العقيدة الطحاوية، ص444 ]

وذكر ابن حجر عن ذبح ملك الموت أقوال كثيرة ومنها قوله : وقالت طائفة : بل الذبح على حقيقته، والمذبوح : متولي الموت، وكلهم يعرفه لأنه الذي تولى قبض أرواحهم . قلت : وارتضى هذا بعض المتأخرين وحمل قوله " هو الموت الذي وكل بنا " على أن المراد به ملك الموت لأنه هو الذي وكل بهم في الدنيا كما قال تعالى في سورة ألم السجدة } قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون { سورة السجدة، الآية :11.

أما حديث الكبش فقد أخرجه البخاري بسنده من حديث أبي

سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح، فينادي مناد : يا أهل الجنة، فيشرئبون وينظرون فيقول : هل تعرفون هذا ؟، فيقولون : نعم، هذا الموت وكلهم قد رآه، ثم ينادي : يا أهل النار، فيشرئبون وينظرون، فيقول : هل تعرفون هذا ؟ فيقولون: نعم : هذا الموت، وكلهم قد رآه، فيذبح، ثم يقول : يا أهل الجنة، خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت ثم قرأ } وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة – وهؤلاء في غفلة الدنيا – وهم لا يؤمنون { [ صحيح البخاري ( فتح الباري، جـ8، ص428، رقم 4730) ]

وعلى أية حال فالموت مخلوق سواء كان هو انفصال الروح أو النفس عن الجسد، أو هو ملك الموت الذي مثله الله في صورة كبش أملح أو غير ذلك والله أعلم .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الرابعة في موضوع (الموت والنوم )وستكون بعنوان :

* كل نفس ذائقة الموت :

قال تعالى : } كل نفس ذائقة الموت، ونبلوكم بالشر والخير فتنةً وإلينا ترجعون{ [ سورة الأنبياء، الآية : 235 ]

وقال سبحانه : } كل نفسٍ ذائقةُ الموت، ثم إلينا ترجعون { [ سورة العنكبوت، الآية : 57]

وقال تعالى : } كل نفس ذائقة الموت، وإنما توفون أجوركم يوم القيامة { [ سورة آل عمران، الآية : 185 ]

وقال سبحانه : } أينما تكونوا يدركم الموت، ولو كنتم في بروج مشيدة { [ سورة النساء، الآية : 77 ]

قال ابن كثير : أي : أينما كنتم يدرككم الموت، فكونوا في طاعة الله وحيث أمركم الله. فهو خير لكم، فإن الموت لابد منه  ولا يحيد عنه، ثم إلى الله المرجع، فمن كان مطيعاً له جازاه أفضل الجزاء، ووافاه أتم الثواب [ تفسير ابن كثير، جـ6، ص299 ]

ثم قال : أنتم صائرون إلى الموت لا محالة، ولا ينجو منه أحد منكم كما

 قال تعالى :  } كل من عليها فان … { [    سورة الرحمن، الآية : 26 ] الآية، وقال تعالى :  كل نفس ذائقة الموت { ، وقال تعالى: } وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد { [    سورة الأنبياء، الآية : 34 ]، والمقصود : أن كل أحد صائر إلى الموت لا محالة، ولا ينجيه منه شيء، وسواء عليه جاهد أو لم يجاهد، فإن له أجلاً محتوماً، وأمداً مقسوماً… [    تفسير ابن كثير، جـ2، ص316 ]

كل نفس مخلوقة كتب الله عليها الموت حتى أصفياءه وعلى رأسهم خليله وحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم :

قال تعالى : } وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً، وسيجزي الله الشاكرين، وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً، ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين { [ سورة آل عمران، الآيتان : 144-145]

وقال تعالى : } فأصبر إن وعد الله حقٌ، فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون { [ سورة غافر، الآية : 77 ]

وقال تعالى : } إنك ميت وإنهم ميتون، ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم

 تختصمون{ [ سورة الزمر، الآيتان : 30-31 ]

قال ابن كثير : هذه الآية من الآيات التي استشهد بها الصديق عند موت الرسول- صلى الله عليه وسلم – حتى تحقق الناس موته مع قوله " وما محمد إلا رسول … [ تفسير ابن كثير، جـ7، ص87 ]

وقال تعالى : {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد، أفإين مت فهم الخالدن } [سورة الأنبياء، الآية : 34 ]

وأخرج البخاري ومسلم من حديث عائشة زوج النبي – صلى الله عليه وسلم – قالت: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول وهو صحيح : إنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة ثم يخير فلما نزل به، ورأسه على فخذي غُشي عليه ساعة ثم أفاق فأشخص بصره إلى السقف ثم قال : " اللهم الرفيق الأعلى " قلت إذاً لا يختارنا، وعرفت أنه الحديث الذي كان يحدثنا به، قالت : فكانت تلك آخر كلمة تكلم بها النبي – صلى الله عليه وسلم – قوله " اللهم الرفيق الأعلى [ صحيح البخاري، كتاب الرقاق الحديث رقم 6028، وصحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، الحديث رقم 4476 ]

وقال سبحانه عن سليمان } فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته

إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمونالغيب ما لبثوا في العذاب المهين { [سورة سبأ، الآية : 14 ]

 

قال صاحب الظلال : إن لكل نفس كتاباً مؤجلاً مرسوم، ولن تموت نفس حتى تستوفي هذا الأجل المرسوم ؛ فالخوف، والهلع، والحرص، والتخلف، لا يطيل أجلاً، والشجاعة، والثبات، والإقدام، والوفاء ؛ لا يقصر عمراً، فلا كان الجبن، ولا نامت أعين الجبناء، والأجل المكتوب لا ينقص منه يوم ولا يزيد .

بذلك تستقر حقيقة الأجل في النفس، فتترك الإشتغال به، ولا تجعله في الحساب، وهي تفكر في الأداء والوفاء بالالتزامات والتكاليف الإيمانية، وبذلك تنطلق من عقال الشح والحرص، كما ترتفع على وهلة الخوف والفزع، وبذلك تستقيم على الطريق بكل تكاليفه وبكل إلتزاماته، في صبر وطمأنينة، وتوكل على الله الذي يملك الآجال وحده [ في الظلال، جـ1، ص487 ]

ثم يقول : " كل نفس ذائقة الموت … " إنه لا بد من استقرار هذه الحقيقة في النفس: حقيقة أن الحياة في هذه الأرض موقوتة، محدودة بأجل، ثم تأتي نهايتها حتماً… يموت الصالحون ويموت الطالحون، يموت المجاهدون ويموت القاعدون، يموت المستعلون بالعقيدة، ويموت المستذلون للعبيد، يموت الشجعان الذين يأبون الضيم، ويموت الجبناء الحريصون على الحياة بأي ثمن .. يموت ذوو الاهتمامات الكبيرة والأهداف العالية، ويموت التافهون الذين يعيشون فقط للمتاع الرخيص

الكل يموت .. " كل نفس ذائقة الموت " كل نفس تذوق هذه الجرعة، وتفارق هذه الحياة .. لا فارق بين نفس ونفس في تذوق هذه الجرعة من هذه الكأس الدائرة على الجميع، إنما الفارق في شيء آخر، الفارق في قيمة أخرى، الفارق في المصير الأخير[في ظلال القرآن، جـ1، ص538 ]

وقال تعالى : } كل شيء هالكٌ إلا وجهه، له الحكم وإليه ترجعون {   [    سورة القصص، الآية : 88 ]

وقال تعالى : } كل من عليها فان، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام { [ سورة الرحمن، الآيتان : 26-27 ]

وقال صلى الله عليه وسلم : " أعوذ بعزتك الذي لا إله إلا أنت الذي لا يموت والجن والإنس يموتون [    صحيح البخاري، من حديث ابن عباس(فتح الباري، جـ13،ص368، رقم 7383، ومسلم ذكر 68]

وقال تعالى : } نحن قدرنا بينكم الموت، وما نحن بمسبوقين { [    سورة الواقعة، الآية : 60 ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الرابعة في موضوع (الموت والنوم )وستكون بعنوان :

* سكرات الموت :

الموت له كربات، وغمرات، وألم وجمع ذلك في كلمة واحدة وهي " سكرة " وتأتي حين الاحتضار . قال تعالى : } وجآءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد { [ سورة ق، الآية : 19 ]

وأخرج البخاري من حديث عائشة قال : " ما رأيت الوجع على أحد أشدَّ منه على رسول الله صلى الله عليه وسلم [ صحيح البخاري، ( فتح الباري، جـ10، ص110، رقم 5646) ]

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في سكرات الموت : " لا إله إلا الله إن للموت سكرات [صحيح البخاري، ( فتح الباري، جـ11، ص361، رقم 6510 من حديث عائشة رضي الله عنها]

ثم قال ابن حجر : " وقع في رواية القاسم عن عائشة عند أصحاب السنن سوى أبي داود بسند حسن بلفظ : " ثم يقول اللهم أعني على سكرات الموت [فتح الباري، جـ11، ص362 ] وفي رواية "هون عليّ "

وقال تعالى : } ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة

 باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم

 تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون {[سورة الأنعام، الآية : 93 ]

قال ابن كثير : " أي : في سكراته وغمراته وكرباته …،" والملائكة باسطوا أيديهم" أي : بالضرب لهم حتى تخرج أنفسهم من أجسادهم، ولهذا يقولون لهم : "أخرجوا أنفسكم" وذلك أن الكافر إذا إحتضر بشرته الملائكة بالعذاب والنكال، والأغلال والسلاسل، والجحيم والحميم، وغضب الرحمن الرحيم، فتتفرق روحه في جسده، وتعصى وتأبى الخروج، فتضربهم الملائكة حتى تخرج أرواحهم من أجسادهم، قائلين لهم : "أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق…" الآية، أي : اليوم تهانون غاية الإهانة كما كنتم تكذبون على الله وتستكبرون عن أتباع آياته والانقياد لرسله[ تفسير ابن كثير، جـ3، ص295 ]

وهذا فيه دلالة على أن شدة سكرات الموت على الكافرين والمشركين أعظم منها على المؤمنين الطائعين، بل إنها على الشهيد مثل القرصة وهذا فيه دلالة على فضل الشهيد ..

يقول أبو حامد الغزالي : " … فلا تسأل عن كربه وألمه، حتى قالوا : إن الموت لأشد من ضرب بالسيف، ونشر بالمناشير، وقرض بالمقاريض

 ولذا ينقطع صوت الميت وصياحه من شدة ألمه ، فالألم قد هد كل

 قوة وأضعف كل جارحة، فلم يترك له قوة الاستعانة لا بعقله ولا بلسانه [الموت هادم اللذات، ص29، ط الأولى، 1415هـ ]

* كيف يموت الإنسان ؟

قال ابن القيم : موت النفوس هو مفارقتها لأجسادها، وخروجها منها فإن أريد بموتها هذا القدر فهي ذائقة الموت، وإن أريد أنها تعدم وتضمحل وتصير عدماً محضاً فهي لا تموت بهذا الإعتبار، بل هي باقية بعد خلقها في نعيم أو في عذاب[ الروح لابن القيم، ص46، ط المدني ]

وقال : الروح ذات قائمة بنفسها تصعد وتنزل، وتتصل وتنفصل وتخرج وتذهب وتجئ، وتتحرك وتسكن، وعلى هذا أكثر من مائة دليل … وقد وصفها الله سبحانه وتعالى بالدخول والخروج والقبض والتوفي والرجوع، وصعودها إلى السماء، وفتح أبوابها لها وغلقها عنها، فقال تعالى : } ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوآ أيديهم أخرجوا أنفسكم { [ سورة الأنعام، الآية : 93 ]، وقال تعالى } يا أيتها النفس المطمئنة أرجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي { [سورة الفجر، الآية : 28 ] وهذا يقل لها عند المفارقة للجسد. وقال تعالى :

} ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها { [ سورة الشمس، الآية : 8 ]

فأخبر انه سوى النفس كما أخبر أنه سوى البدن في قوله } الذي خلقك فسواك فعدلك { [ سورة الانفطار، الآية : 7 ] ، فهو سبحانه سوى نفس الإنسان كما سوى بدنه بل سوى بدنه كالقالب لنفسه، فتسوية البدن تابع لتسوية النفس والبدن موضوع لها كالقلب لما هو موضوع له، ومن ها هنا يعلم أنها تأخذ من بدنها صورة لتميز بها عن غيرها، فإنها تتأثر وتنتقل عن البدن، كما يتأثر البدن وينتقل عنها، فيكتسب البدن الطيب والخبث من طيب النفس وخبثها، وتكتسب النفس الطيب والخبث من طيب البدن وخبثه، فأشد الأشياء ارتباطاً وتناسباً وتفاعلاً، وتأثراً من أحدهما بالآخر، الروح والبدن، ولهذا يقال لها عند المفارقة : أخرجي أيتها النفس الطيبة، كانت في الجسد الطيب، وأخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث [ الروح لابن القيم، ص51، 52 ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الرابعة في موضوع (الموت والنوم )وستكون بعنوان :

قال تعالى : } الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها

 فيمسك التي قضى عليها الموت، ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى {    [سورة الزمر، الآية : 42، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أن بصر الميت يتبع نفسه إذا قبضت [  أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الجنائز، جـ2، ص634، رقم 920 ]من حديث أم سلمة . . وأخبر : أن الملك يقبضها فتأخذها الملائكة من يده فيوجد لها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض، أو كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض [أخرجه الإمام أحمد في مسنده 4/287 بطوله ]

والأعراض لا ريح لها ولا تمسك، ولا تؤخذ من يد إلى يد …. وإذا كان هذا شأن الأرواح فتميزها بعد المفارقة يكون أظهر من تميز الأبدان والاشتباه بينها أبعد من أشتباه الأبدان، فإن الأبدان تشتبه كثيراً، وأما الأرواح فقل ما تشتبه … وإذا كانت الأرواح العلوية وهم الملائكة، متميزاً بعضهم عن بعض من غير أجسام تحملهم، وكذلك الجن، فتميز الأرواح البشرية أولى [الروح لابن القيم، ص 53-54 ]

والروح أو النفس إذا فارقت البدن بعد الممات فإن لها به تعلق في البرزخ فإنها وإن فارقته وتجردت عنه فإنها لم تفارقه فراقاً كلياً، بحيث لا يبقى لها إلتفات إليه، وقد وردت الأحاديث والآثار بما يدل على ردها إليه، وقت سلام المسلم، وهذا الرد إعادة خاصة لا يوجب حياة البدن

 قبل يوم القيامة [الروح لابن القيم، ص58 ]

وقد صرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بإعادة الروح إلى البدن وقت السؤال، ففي حديث البراء بن عازب : كنا في جنازة في بقيع الغرقد، فأتانا النبي صلى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حوله كأن على رؤوسنا الطير، وهو يلحد له فقال : أعوذ بالله من عذاب القبر ثلاث مرات …. فتعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له : من ربك؟[رواه الامام أحمد في المسند 4/287، وأبو داود والنسائي .. الحديث ]

ثم قال ابن القيم : وذهب إلى القول بموجب هذا الحديث جميع أهل السنة والحديث من سائر الطوائف [الروح لابن القيم، ص54-56]

أما كيفية الموت فإن حكمة الله إقتضت أن تقبض ملائكته أرواح عباده ، قال تعالى:           ﯿ                   السجدة: ١١

وقال تعالى :          ﭬﭭ              ﭴﭵ                                النحل: ٢٨  

وقال تعالى : } وهو القاهر فوق عباده، ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون { [ سورة الأنعام، الآية : 61 ]

قال ابن كثير : الظاهر من هذه الآية أن ملك الموت شخص معين

 من الملائكة، وقد سمى في بعض الآثار بعزرائيل وهو المشهور، قاله قتادة وغير واحد، وله أعوان، وهكذا ورد في الحديث أن أعوانه ينتزعون الأرواح من سائر جسده حتى إذا بلغت الحلقوم تناولها ملك الموت [ تفسير ابن كثير، جـ6، ص362 ]

والموت : انقطاع تعلق الروح بالبدن، ومفارقته وحيلولة بينهما، وتبدل حال، وانتقال من دار إلى دار [التذكرة للقرطبي، ص4 ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الرابعة في موضوع (الموت والنوم )وستكون بعنوان :

* متى يموت الإنسان ؟

يموت الإنسان إذا انتهى أجله، ولا تموت أي نفس إلا بإذن الله، قال تعالى : } وما كان لنفسٍ أن تموت إلا بإذن الله، كتاباً مؤجلاً … {     [ سورة آل عمران، الآية : 145 ]

قال ابن كثير: أي : لا يموت أحد إلا بقدر الله، وحتى يستوفى المدة التي ضربها الله له، ولهذا قال " كتاباً مؤجلاً " كقوله } وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب {[سورة فاطر، الآية : 11 ]  وكقوله } هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلاً وأجل مسمى عنده{ [ سورة الأنعام، الآية : 2 ،تفسير ابن كثير، جـ2، ص110 ]

وقال تعالى : } … ثم لتكونوا شيوخاً، ومنكم من يتوفى من قبل، ولتبلغوا أجلاً وأجل مسمى ولعلكم تعقلون {[سورة غافر، الآية : 67 ]

وقال ابن كثير: " أي من قبل أن يوجد ويخرج إلى هذا العالم، بل تسقطه أمه سقطاً، ومنهم من يتوفى صغيراً، وشاباً، وكهلاً قبل الشيخوخة …[تفسر ابن كثير، جـ7، ص146 ]

* أين يموت الإنسان ؟

قال تعالى : } وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير { [سورة لقمان، الآية : 34 ]

وأخرج البخاري بسنده من حديث ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مفتاح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله : لا يعلم أحد ما يكون في غدٍ، ولا يعلم أحد ما يكون في الأرحام، ولا تعلم نفس ماذا تكسب غداً، وما تدري نفس بأي أرض تموت، وما يدري أحد متى يجي المطر "[صحيح البخاري، ( فتح الباري، جـ2، ص524، رقم 1039) ]

وأخرج الامام أحمد بسنده من حديث أبي هريرة قال : قال رسول

 الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أراد الله قبض عبد بأرض، جعل له فيها حاجة "[ مسند الإمام أحمد 3/429، وذكره الألباني في صحيح الجامع برقم 308 وقال صحيح ]

وأخرج ابن ماجة بسنده من حديث ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا كان أجل أحدكم بأرض أتى له حاجة إليها، فإذا بلغ أقصى أثره قبضه الله إليه، فتقول الأرض يوم القيامة رب هذا ما استودعتني [    سنن ابن ماجة، كتاب الزهد، باب ذكر الموت والاستعداد له رقم 2463، 2/1424-1425، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 758 .]

* وهل يتعدد الموت ؟

قال تعالى : } كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون {[سورة البقرة، الآية: 28 ]

قال ابن كثير: … أي : كنتم عدماً فأخرجكم إلى الوجود كما قال تعالى : } أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون، أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون { وقال } هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً { ..

وعن ابن مسعود } قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحيينا اثنتين {[سورة غافر:11] قال : هي التي في البقرة } وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم { ..

وعن ابن عباس : أمواتاً في أصلاب آبائكم، لم تكونوا شيئاً حتى

 خلقكم، ثم يميتكم موتة الحق، ثم يحييكم حين يبعثكم قال : وهي مثل قوله } أمتنا اثنتين وأحينا أثتنيت { .

وعن ابن عباس أيضاً: قال : كنتم تراباً قبل أن يخلقكم فهذه ميتة، ثم أحياكم فخلقكم فهذه حياة، ثم يميتكم فترجعون إلى القبور فهذه ميتة أخرى، ثم يبعثكم يوم القيامة فهذه حياة أخرى ؛ فهذه ميتتان وحياتان فهو كقوله : " كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم " .

وعن السدي عن أبي صالح : قال : يحييكم في القبر، ثم يميتكم .

وعن زيد بن أسلم : خلقهم في ظهر آدم، ثم أخذ عليهم الميثاق، ثم أماتهم، ثم خلقهم في الأرحام، ثم أماتهم، ثم أحياهم يوم القيامة … ثم قال ابن كثير : وهذا غريب والذي قبله والصحيح ما تقدم عن ابن مسعود وابن عباس [ تفسير ابن كثير، جـ1، ص96-97 ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الخامسة في موضوع (الموت والنوم )وستكون بعنوان :

* الملائكة هي التي تقبض الأرواح بإذن الله :

إقتضت حكمة الله أن يرسل رسله لقبض أرواح عباده حينما تأتي لحظة الأجل. قال تعالى : } وهو القاهر فوق عباده، ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جآء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون {[سورة الأنعام، الآية: 61 ]

قال ابن كثير: " توفته رسلنا " أي ملائكة موكلون بذلك .

قال ابن عباس وغير واحد : لملك الموت إذا انتهت إلى الحلقوم … وقوله " وهم لا يفرطون " أي : في حفظ روح المتوفى، بل يحفظونها وينزلونها حيث شاء الله عز وجل، إن كان من الأبرار ففي عليين، وإن كان من الفجار ففي سجين، عياذاً بالله من ذلك.."[تفسير ابن كثير، جـ3، ص262 ]

وقال تعالى : } الذين تتوفاهم الملائكة طيبين {[سورة النحل، الآية :32 ]

وقال سبحانه : } قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم {[سورة السجدة، الآية :11 ]

وقال تعالى : } الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم {[سورة النحل: 28 ]وقال سبحانه : } ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم {[سورة الأنفال، الآية : 50 ]وقال سبحانه:} فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم {[سورة محمد، الآية : 27 ]

وروى مسلم في حديث فيه طول قال أبو زميل : فحدثني ابن عباس، قال : بينما رجل من المسلمين يومئذ، يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه، إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت الفارس يقول: أقدم حيزوم إذ نظر إلى المشرك أمامه فخر مستلقياً إليه فإذا هو قد خطم أنفه وشق وجهه لضربة السوط فاخضر ذلك أجمع، فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : صدقت، ذلك من مدد السماء الثانية " فقتلوا يومئذ سبعين وأسروا سبعين وذكر الحديث[ صحيح مسلم في كتاب الجهاد، باب 142، سنن النسائي، 3/72،6/31]

وبعد أن أورد القرطبي نصوص القرآن والسنة في هذا الباب قال : فصل : إن قال قائل : كيف الجمع بين هذه الآي، وكيف يقبض ملك الموت في زمن واحد أرواح من يموت بالمشرق والمغرب ؟ قيل له : اعلم أن التوفي مأخوذ من توفيت الديّن، واستوفيته إذا قبضته، ولم تدع منه شيئاً، فتارة يضاف إلى ملك الموت لمباشرته ذلك، وتارة إلى أعوانه من الملائكة، لأنهم قد يتولون ذلك أيضاً، وتارة إلى الله تعالى، وهو المتوفي على الحقيقية كما قال عز وجل } الله يتوفى الأنفس حين موتها {

وقال الكلبي : يقبض ملك الموت الروح من الجسد، ثم يسلمها إلى

ملائكة الرحمة إن كان مؤمنا، وإلى ملائكة العذاب إن كان كافراً،

 وهذا المعنى منصوص عليه في حديث البراء [ التذكرة للقرطبي، ص60،]

وملائكة الموت تأتي المؤمن في صورة حسنة جميلة، وتأتي الكافر والمنافق في صورة مخيفة، ورد ذلك في حديث البراء بن عازب أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قال : " إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجود، كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مدَّ بصره، ثم يجيء ملك الموت عليه السلام، حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الطيبة ( وفي رواية : المطمئنة ) أخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، قال : فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء فيأخذها . وإن العبد الكافر ( وفي رواية الفاجر ) إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه من السماء ملائكة ( غلاظ شداد ) سود الوجوه، معهم مسوح من النار فيجلسون منه مدَّ البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول : أيتها النفس الخبيثة أخرجي إلى سخط من الله وغضب قال : فتفرق في جسده، فينتزعها كما ينتزع السفود ( الكثير الشعب ) من الصوف المبلول ( فتقطع معها العروق والعصب"[جمع د. عمر الأشقر، روايات هذا الحديث نقلاً عن الشيخ/ محمد ناصر الدين الألباني وتصحيحه لمجموع رواياته تبعاً لابن القيم والذهبي والحاكم ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة السادسة في موضوع (الموت والنوم )وستكون بعنوان :

* الإنسان يحيد عن الموت :

مهما تحصن الإنسان من الموت، ومهما هرب منه أو حاد عنه فإنه سيأتيه، أو سيلحقه، أو سيقابله : -

قال تعالى : } قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم، ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون {[سورة الجمعة، الآية : 8 ]

قال القرطبي : أي إن فررتم منه فإنه ملاقيكم، ويكون مبالغة في الدلالة على إنه لا ينفع الفرار منه، قال زهير :

         ومن هاب أسباب المنايا ينلنه             ولورام أسباب السماء بُسلّمِ

وقال طرفة :

         وكفى بالموت فاعلم واعظــــاً             لمن الموتُ عليه قد قـــــــــدر

         فاذكر الموت وحاذر ذكـــــــره             إنَّ في الموت لذي اللب عبر

         كل شيء ســـــوف يلقى حتفه             في مقام أو على ظهر سفـــر

         والمنايا حوله ترصــــــــــــده             ليس ينجيه من الموت حذر

[   تفسير القرطبي، جـ18، ص96 – 97 ]

وقال تعالى: } أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيد{

[ سورة النساء، الآية: 78 ]

قال ابن كثير : أي : لا يغني حذر وتحصن من الموت، والمشيدة : المنيعة"[تفسير ابن كثير، جـ2، ص317 ]

وقال تعالى : } ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون {[سورة البقرة، الآية : 243 ]

وقال القرطبي : … أصح هذه الأقوال وأبينها وأشهرها أنهم خرجوا فراراً من الوباء، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : خرجوا فراراً من الطاعون فماتوا، فدعا الله نبي من الأنبياء أن يحييهم حتى يعبدوه فأحياهم الله .. وقال عمرو بن دينار في هذه الآية : وقع الطاعون في قريتهم فخرج أناس وبقى أناس، ومن خرج أكثر ممن بقي، قال: فنجا الذين خرجوا ومات الذين أقاموا ؛ فلما كانت الثانية خرجوا بأجمعهم إلا قليل فأماتهم الله ودوابهم، ثم أحياهم فرجعوا إلى بلادهم وقد توالدت ذريتهم . وقال الحسن : خرجوا حذاراً من الطاعون فأماتهم الله ودوابهم في ساعة واحدة، وهم أربعون ألفاً [ تفسير القرطبي، جـ3، ص232 ]

وقال تعالى : } قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل

 وإذا لا تمتعون إلا قليلاً {[سورة الأحزاب، الآية: 16 ]

قال ابن كثير : " ثم أخبرهم أن فرارهم ذلك لا يؤخر آجالهم، ولا يطول أعمارهم بل ربما كان ذلك سبباً في تعجيل أخذهم غرة، ولهذا قال :" وإذا لا تمتعون إلا قليلاً " أي بعد هربكم وفراركم ،وقال تعالى : } وجآءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد {[تفسير ابن كثير، جـ6، ص391 ]

* المؤمن يفرح عند الموت بلقاء الله :

أعظم من فَرِحَ عند موته بلقاء ربه هو محمد بن عبد الله حبيب الله وخليله، فقد ثبت أنه خيّر فاختار الرفيق الأعلى[  صحيح البخاري (فتح الباري، جـ11،ص357)]

وأخرج البخاري بسنده من حديث عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، قالت عائشة أو بعض أزواجه : إنا لنكره الموت ؟ قال : ليس كذلك، ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته، فليس شيء أحب إليه مما أمامه، فأحب لقاء الله، وأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا حضر بشر بعذاب الله وعقوبته، فليس شيء أكره إليه مما أمامه، فكره لقاء الله، وكره الله لقاءه [صحيح البخاري، (فتح الباري، جـ3، ص184)، النسائي، 4/41]

قال الأشقر : ولذلك فإن العبد الصالح يطالب حامليه بالإسراع به إلى القبر شوقاً منه إلى النعيم، بينما العبد الطالح ينادي بالويل من المصير الذاهب إليه، ففي صحيح البخاري وسنن النسائي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : "إذا وضعت الجنازة فاحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت : قدموني، وإن كانت غير صالحة قالت لأهلها : يا ويلها، أين يذهبون بها ؟ يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمع الإنسان لصعق[ القيامة الصغرى للأشقر، ص28]

وقالت عائشة: سمعت النبي – صلى الله عليه وسلم – في مرضه الذي مات فيه : وأخذته بحة يقول " مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً " قالت فظننت أنه خير يومئذ"

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة السادسة في موضوع (الموت والنوم )وستكون بعنوان :

* الكافر والمفرط يتمنى الرجوع عند الاحتضار :

قال تعالى : } حتى إذا جآء أحدهم الموت قال رب أرجعون، لعلي

 أعملُ صالحاً فيما تركت، كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون {[سورة المؤمنون الآيتان : 99-100]

وقال تعالى : } وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت : فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين، ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون {[سورة المنافقون : 10-11]

وقال تعالى : } وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا : ربنا أخرنا إلى أجل قريب، نجب دعوتك ونتبع الرسل، أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال {[سورة إبراهيم، الآية : 44 ]

وقال تعالى: } يوم يأتي تأويلٍ يقول الذين نسوه من قبل : قد جاءتك رسل ربنا بالحق، فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا، أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل {[سورة الأعراف، الآية : 53 ]

وقال سبحانه : }ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا: يا ليتنا نرد

ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين،بل بدا لهم ما كانوا يخفون

 

من قبل،ولو ردوا لعادوا لما نهو عنه وإنهم لكاذبون {[سورة الأنعام: 27-28 ]

وقال تعالى: } ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم : ربنا، أبصرنا وسمعنا، فارجعنا نعمل صالحاً، إنا موقنون {[سورة السجدة، الآية : 12]

وقال سبحانه : } وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون : هل إلى مرد من سبيل{[سورة الشورى، الآية : 44 ]

وقال تعالى : } قالوا: ربنا، أمتنا اثنتين وأحيينا اثنتين، فاعترفنا بذنوبنا، فهل إلى خروج من سبيل، ذلكم بإنه إذا دعى الله وحده كفرتم، وإن يشرك به تؤمنوا، فالحكم لله العلي الكبير {[سورة غافر، الآيتان : 11-12]

وقال تعالى: } وهم يصطرخون فيها : ربنا، أخرجنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل، أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير، فذوقوا، فما للظالمين من نصير {[سورة فاطر، الآية : 37 ]

قال ابن كثير: يخبر تعالى عن حال المحتضر عند الموت، من الكافرين أو المفرطين في أمر الله تعالى، وقيلهم عند ذلك، وسؤالهم الرجعة إلى الدنيا، ليصلح ما كان أفسده في مدة حياته … فذكر تعالى أنهم يسألون الرجعة فلا يجابون عند الاحتضار، ويوم النشور، ووقت العرض على الجبار، وحين يعرضون على النار، وهم في غمرات عذاب الجحيم.

قال قتادة : والله ما تمنى أن يرجع إلى أهل ولا إلى عشيرة، ولكن تمنى أن يرجع فيعمل بطاعة الله، فانظروا أمنية الكافر المفرط فاعملوا بها ولا قوة إلا بالله، وعن محمد بن كعب القرضي نحوه [تفسير ابن كثير، جـ5، ص486-487 ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة السابعة في موضوع (الموت والنوم )وستكون بعنوان :

* الفرق بين موتى المؤمنين وموتى الكافرين :

أولاً: موتى المؤمنين :

قال تعالى : } إن المتقين في مقام أمين، في جنات وعيون، يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين، كذلك وزوجناهم بحور عين، يدعون فيها بكل فاكهةٍ آمنين، لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى، ووقاهم عذاب الجحيم، فضلاً من ربك ذلك هو الفوز العظيم{[سورة الدخان: 52-57] .

قال ابن كثير : " وقوله " لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى "، هذا الاستثناء يؤكد النفي، فإنه استثناء منقطع، ومعناه : أنهم لا يذوقون فيها الموت أبداً، كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يؤتى بالموت في صورة كبش أملح، فيوقف بين الجنة والنار، ثم يذبح، ثم يقال : يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار، خلود فلا موت " .

وأخرج مسلم من حديث أبي سعيد وأبي هريرة قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال لأهل الجنة إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وأن لكم أن تعيشوا فلا تموتوا أبداً، وأن لكم أن تنعموا فلا تيأسوا أبداً [    صحيح مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها، 8/148، رقم 5069 ،تفسير ابن كثير، جـ7، ص247 ]

ثانياً: موتى الكافرين والمنافقين :

قال تعالى : } إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولاهم ينظرون {[سورة البقرة، الآيتان : 161-162 ]

قال ابن كثير : ثم أخبر تعالى عمن كفر به واستمر به الحال إلى مماته بأن " عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها " أي : في اللعنة التابعة لهم إلى يوم القيامة، ثم المصاحبة لهم في نار جهنم التي " لا يخفف عنهم العذاب " فيها : أي لا ينقص عمّا هم فيه " ولا هم ينظرون " أي: لا يغير عنهم ساعة واحدة، ولا يفتر، بل متواصل دائم، فنعوذ بالله من ذلك.

وقال أبو العالية وقتادة : إن الكافر يوقف يوم القيامة فيلعنه الله، ثم تلعنه الملائكة، ثم يلعنه الناس أجمعون [ تفسير ابن كثير، جـ1، ص289، الدر المنثور، جـ1، ص393 ]

وقال تعالى : } ولا تصلِ على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله، وما توا فاسقون، ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون {[سورة التوبة، الآيتان : 84-85 ] وسبب نزول هذه الآية صلاته صلى الله عليه وسلم على عبد الله بن أبي سلول فنهاه الله[ الدر المنثور، جـ4، ص258-259 ] وقال تعالى : } إن الذين كفروا، وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين {[سورة آل عمران: 91 ]

قال ابن كثير : أي : من مات على الكفر فلن يقبل منه خيراً أبداً، ولو كان قد انفق ملء الأرض ذهباً فيما يراه قربة، كما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن جدعان- وكان يعزي الضيف، ويفك العاني، ويطعم الطعام - : هل ينفعك ذلك ؟ فقال : لا، إنه لم يقل يوماً من الدهر : رب أغفر لي خطيئتي يوم الدين [ صحيح مسلم، كتاب الإيمان، جـ1، ص136 ،تفسير ابن كثير، جـ2، ص59 ]

وقال تعالى : } واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد، من ورائه جهنم

 ويسقى من مآء صديد، يتجرعه ولا يكاد يسيغه، ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ [ سورة إبراهيم، الآيات : 15-17 ]

قال ابن كثير : " ويأتيه الموت من كل مكان " أي : يألم له جميع بدنه وجوارحه وأعضائه، قال ميمون بن مهران : من كل عظم، وعرق، وعصب، وقال عكرمة : حتى من أطراف شعره، وقال إبراهيم التيمي : من موضع كل شعرة، أي من جسده، حتى من أطراف شعره، وقال ابن جرير: أي من أمامه وورائه، وعن يمينه وشماله، ومن فوقه، ومن تحت أرجله، ومن سائر أعضاء جسده.

وقال ابن عباس : أنواع العذاب الذي يعذبه الله بها يوم القيامة في نار جهنم، وليس منها نوع إلا الموت يأتيه منه لو كان يموت، ولكن لا يموت، لأن الله تعالى قال : } لا يقضي عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها { .

ومعنى كلام ابن عباس : أنه ما من نوع من هذه الأنواع من العذاب إلا إذا ورد عليه اقتضى أن يموت منه لو كان يموت، ولكنه لا يموت ليخلد في دوام العذاب والنكال ولهذا قال : " ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت [ تفسير ابن كثير، جـ4، ص405 ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة السابعة في موضوع (الموت والنوم )وستكون بعنوان :

* الحياة الدنيا دار الزوال والفناء وليست دار بقاء :

قال الله سبحانه وتعالى حكاية عن المؤمنين الذين استنصر بهم فرعون أمام وبحضرة الناس كلهم وقد هددهم وتوعدهم فقالوا : } قالوا لن نؤثرك على ما جآءنا من البينات والذي فطرنا فاقضي ما أنت قاض، إنما تقضي هذه الحياة الدنيا .. {[سورة طه، الآية : 72 ]

قال ابن كثير : أي : لن نختارك على ما حصل لنا من الهدى واليقين، " فاقضي ما أنت قاض" : أي، فافعل ما شئت وما وصَلَت إليه يدك " إنما تقضي هذه الحياة الدنيا" أي: إنما لك تَسَلُّط في هذه الدار، وهي دار الزوال، ونحن قد رغبنا في دار القرار [ تفسير ابن كثير، جـ5، ص298 ] وقال تعالى في ذم الدنيا :{وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور }[سورة آل عمران، الآية: 185 ] وقال سبحانه : } اعلموا إنما الحياة الدنيا لعب ولهوٌ وزينة {[سورة الحديد، الآية :20 ]وقال تعالى: } فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياةالدنيا ذلك مبلغهم من العلم {[سورة النجم: 29-30 ]

وأخرج مسلم بسنده من حديث المسور بن شداد قال : قال رسول

 الله صلى الله عليه وسلم : " ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم ، فلينظر بم يرجع[ صحيح مسلم، جـ4، ص2193]

والحياة الدنيا فيها الوفاة الكبرى والوفاة الصغرى ؛ فالنوم وفاة والقيام من النوم بعث ونشور، قال تعالى : } وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار، ثم يبعثكم فيه {[سورة الأنعام، الآية:60 ] وفي النوم تقبض أرواح العباد، ومن شاء الحق أن يمسك روحه في حال نومه أمسكها، ومن شاء بقاءها ردها إلى الأجل الذي حدده الله، وكفى بالقيامة الصغرى وهو الموت منغصاً في هذه الدار ؛ دار الحياة الدنيا التي ليست بدار قرار .

قال ابن القيم : " … ولا يستقيم الزهد في الدنيا إلا بعد نظرين صحيحين : النظر في الدنيا وسرعة زوالها وفنائها واضمحلالها، ونقصها وخسّتها، وألم المزاحمة عليها والحرص عليها، وما في ذلك من الغصص والنغص والأنكاد، وآخر ذلك الزوال والانقطاع مع ما يعقب من الحسرة والأسف، فطالبها لا ينفكُّ من همٍ قبل حصولها، وهمٍ في حال الظفر بها، وغمٍ وحزنٍ بعد فواتها، فهذا أحد النظرين . النظر الثاني في الآخرة وإقبالها ومجيئها ولابُدُّ، ودوامها وبقائها وشرف ما فيها من الخيرات والمسرات والتفاوت الذي بينه وبين ما ها هنا فهي كما قال سبحانه {والآخرة خير وأبقى }[سورة الأعلى، الآية: 17 ]، فهي خيرات كاملة دائمة، وهذه خيالات ناقصة منقطعة مضمحلة … إنها معبر وممر لا دار مقام ومستقر، وأنها دار عبور لا دار سرور وأنها سحابة صيف تنقشع عن قليل، وخيال طيف ما استتم الزيارة حتى آذن بالرحيل [ الفوائد لابن القيم، ص177-178]

* الشهيد في سبيل الله لا يموت :

الشهيد في اللغة : يأتي بمعانٍ عدة منها : الحاضر، والعالم، وبلاغ، وحافظ، الشهيد الذي يشهد بالحق، شركاء[  النهاية لابن الأثير، 2/513، لسان العرب، 3/238-243، كشف السرائر في معنى الوجوه والنظائر لابن العماد]

وفي الاصطلاح : الشهيد هو المستشهد في سبيل الله، قال تعالى } ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً {[سورة النساء : 69 ]

ويأتي المعنى على أقوال عدة منها : -

1)   لأنه حي .

2)    لأن الله وملائكته شهدوا له بالجنة .

3)    لأنه الملائكة تشهده .

4)    لقيامه بشهادة الحق حتى قتل .

5)    لأنه يشهد بما أعده الله له من الكرامة بالقتل .

6)    لأنه شهد لله بالوجود والوحدانية والإلهية.

7)    لسقوطه بالأرض وهي الشاهد له .

8)    لأنه شهد له بوجوب الجنة .

9)    من أجل شاهده وهو دمه.

10)    لأنه شهد له بالإيمان وحسن الخاتمة[تسلية أهل المصائب للمنبجي الحنبلي، ص229 ]

قال ابن الفارس : والشهيد : القتيل في سبيل الله والجمع شهداء .

وقال ابن النحاس : أعلم أن الشهادة رتبة عظيمة، ومنزلة جسيمة لا يلقاها إلا ذو حظ عظيم، ولا ينالها إلا من سبق له القدر بالفوز المقيم، وهي المرتبة الثالثة من مقام النبوة [ مشارع الأشواق، جـ2، ص693-694، ط. الأولى ]

والشهادة أنواع لكن ليسوا في المرتبة سواء، أعلاها : الشهيد في سبيل الله، وهو من أهريق دمه، وعقر جواده .

2-  المطعون 3 - المبطون 4 - الغريق 5 - صاحب الهدم 6 - صاحب ذات الجنب 7- الحريق 8- المرأة تموت وهي حامل 9- من قتل دون ماله 10- من قتل دون دمه   11- من قتل دون أهله 12- النفساء 13- من أصيب بالسل 14- من صرع عن دابته    15- من قتل دون مظلمته .

وللشهادة في سبيل الله ثمرات عظيمة وكثيرة، لكن أعظمها : الحياة بعد الاستشهاد، وبمعنى آخر الشهداء لا يموتون، بل هم أحياء لهم خصائص الأحياء :

1 – فهم يرزقون عند الله .

2 – وهم فرحون بما آتاهم الله من فضله .

3 – وهم يستبشرون بمصائر من وراءهم من المؤمنين .

فهذه خصائص الأحياء من متاع، واستبشار، وإهتمام، وتأثير، وتأثر        

قال تعالى : } ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون{[سورة البقرة، الآية : 154 ] وقال تعالى : { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون، فرحين بما آتاهم الله من فضله، ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم إلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، يستبشرون بنعمة من الله وفضل، وأن الله لا يضيع أجر

 المؤمنين ..} [سورة آل عمران، الآيات : 169-171 ]

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الشهداء على بارق نهر بباب الجنة في قبة خضراء، يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشياً [  ذكره ابن النحاس في مشارع الأشواق، جـ2، ص694-695 والمستدرك 2/74، ومجمع الزوائد 5/294،وقال: رجاله ثقات، وحسنه الألباني في الصحيح رقم 3636]

وقال تعالى : } والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقاً حسناً، وإن الله لهو خير الرازقين، ليدخلنهم مدخلاً يرضونه وأن الله لعليم حليم {[سورة الحج، الآية : 59]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة التاسعة في موضوع (الموت والنوم )وستكون بعنوان :

*القسم الثاني : النوم

1 – تعريف النوم هو : إسترخاء أعصاب الدماغ برطوبات البخار الصاعد إليه، وقيل: هو أن يتوفى الله النفس من غير موت، قال تعالى : } الله يتوفى الأنفس { الآية، وقيل النوم : موت خفيف، والموت نوم ثقيل، ورجل نؤومٌ، ونُوَمَةٌ : كثير النوم، والمنام: الوَّوْمُ . قال تعالى : { ومن آياته منامكم بالليل }، {وجعلنا نومكم سباتاً }، {لا تأخذه سنة ولا نوم }[المفردات، للراغب، ص510، ]

وقال الرازي : النوم معروف وقد نام ينام فهو نائم، وجمعه نيّام وجمع

النائم : نُوّم على الأصل، ونيَّم على اللفظ، ويقال يا نومان للكثير

 النوم .. وتناوم أَرَى أنه نائم وليس به… ونامت السوق أي كسدت [  مختار الصحاح للرازي، ص686، ]

والسبات : ضرب من الإغماء يعتري اليقظان مرضاً، فشبه النوم به وقيل السبات الراحة، جعل النوم سباتاً أي سبب راحة [  البحر المحيط لأبي حيان، جـ6، ص504، جـ8، ص410 ]

والنوم هو : النعاس، نام ينام نوماً ونياماً، والاسم : النِّيمةُ وهو نائم إذا رقد، ورجلٌ نائمٌ، ونؤومٌ، ونومةٌ ..

وفي التنزيل العزيز } إذ يريكهم الله في منامك قليلاً { جاء في التفسير أن النبي صلى الله عليه وسلم، رآهم في النوم قليلاً، وقصَّ الرؤيا على أصحابه فقالوا : صدقت رؤياك يا رسول الله [ لسان العرب، جـ12، ص595-599 ]

وتفسير الآية {وهو الذي يتوفاكم بالليل } : فهي الوفاة إذن حين يأخذهم النعاس؛ هي الوفاة في صورة من صورها بما يعتري الحواس من غفلة، وما يعتري الحس من سهوة، وما يعتري العقل من سكون، وما يعتري الوعي من سبات – أي انقطاع- وهو السر الذي لا يعلم البشر كيف يحدث، وإن عرفوا ظواهره وآثاره ؛ وهو" الغيب " في صورة من صوره الكثيرة المحيطة بالإنسان .. وهؤلاء هم البشر مجردين من كل حول وطول – حتى من الوعي – ها هم أولاء في سبات وانقطاع عن الحياة، ها هم أولاء في قبضة الله – كما هم دائماً في الحقيقة – لا يردهم إلى الصحوة والحياة الكاملة إلا إرادة الله… [ في ظلال القرآن، جـ2، ص1121 ]

وقال ابن كثير : على الآية " لا تأخذه سنة ولا نوم " : السنة هي الوسن، والنعاس، ولذلك قال : " ولا نوم " لأنه أقوى من السنة

    [تفسير ابن كثير، جـ1، ص455] وهو حالة طبيعية تتعطل معها القوى بسبب ترقي البخارات إلى الدماغ . وفي المصباح : النوم غشية ثقيلة تهجم على القلب فتقطعه عن المعرفة بالأشياء، ولذلك قيل: إنه آفة لأن النوم أخو الموت

[التعاريف للمناوي، جـ2، ص713 ، التعاريف للجرجاني، جـ2، ص317 ]، وهو آية من آيات الله قال تعالى : } ومن آياته منامكم بالليل والنهار، وابتغاؤكم من فضله، إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون {[سورة الروم، الآية : 23 ]

والنوم وفاة، قال تعالى : } هو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار، ثم يبعثكم فيه ليقضيى أجلٌ مسمى .. [ سورة الأنعام، الآية : 60]

وقال تعالى : } الله يتوفى الأنفس حين موتها، والتي لم تمت في منامها، فيمسك التي قضى عليها الموت، ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون [سورة الزمر، الآية: 42 ]

وأخرج البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث عبيد الله بن عمر،

 عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبيه عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : " إذا آوى أحدكم إلى فراشه فلينفضه بداخلة إزاره، فإنه لا يدري ما خلفه عليه، ثم ليقل : باسمك ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها، بما تحفظ به عبادك الصالحين ".

قال ابن كثير : قال تعالى مخبراً عن نفسه الكريمة بأنه المتصرف في الوجود بما شاء، وأنه يتوفى الأنفس الوفاة الكبرى، بما يرسل من الحفظة الذين يقبضونها من الأبدان، والوفاة الصغرى عند المنام [  صحيح البخاري، جـ8، ص87 ، وصحيح مسلم، 8/77، وانظر تفسير ابن كثير، جـ7، ص92، 93 ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة العاشرة في موضوع (الموت والنوم )وستكون بعنوان :

* الله لا ينام :

قال تعالى عن نفسه : } الله لا إله إلا هو الحي القيوم، لا تأخذه سنة ولا نوم..} [سورة البقرة، الآية 255 ]

قال ابن كثير : .. أي لا يعتريه نقص ولا غفلة، ولا ذهول عن خلقه،

 بل هو قائم على كل نفس بما كسبت، شهيد على كل شيء، لا يغيب عنه شيء، ولا يخفى عليه خافية، ومن تمام القيومية أنه لا يعتريه سنة ولا نوم، فقوله " لا تأخذه " أي : لا تغلبه سنة وهي الوسن والنعاس، ولهذا قال : " ولا نوم "، لأنه أقوى من السنة، وفي الصحيح عن أبي موسى قال : قام فينا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بأربع كلمات فقال : " إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام … "الحديث[ تفسير ابن كثير، جـ1، ص455 ]

يقول ابن أبي العز الحنفي : .. وإنما يمدح الرب تعالى بالنفي إذا تضمن أمراً وجودياً كمدحه بنفي السنة والنوم المتضمن كمال القيومية، ونفي الموت المتضمن كمال الحياة، ونفي اللغوب والاعياء المتضمن كمال القدرة … "[شرح العقيدة الطحاوية، ص208 ] ثم قال : إنه قيوم لا ينام إذ هو مختص بعدم النوم والسنة دون خلقه فانهم ينامون…"[شرح العقيدة الطحاوية، ص124]

* النوم موت أصغر :

ورد في التعريفات : أن النوم حالة طبيعية تتعطل معها القوى وهو آية من آيات الله، وهو وفاة، وأن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، وأن النوم درجات ؛ فمنه السنة ومنه النوم، وقد مدح سبحانه نفسه بنفي السنة والنوم عنه ؛ المتضمن كمال قيومته ، كما نفى عن نفسه الموت المتضمن كمال حياته ..

فالسنة : هو النعاس، والنعاس هو الوسن، ويقال للنعاس أنه السنة، وهو ليس بنوم بل مقاربته قال تعالى: } إذ يغشيكم النعاس أمنة منه {[سورة الأنفال، الآية : 11 ] وقال سبحانه } ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاساً يغشى طائفة منكم {[سورة آل عمران: 154 ،لسان العرب، جـ6، ص233]

أما النوم فهو غشية ثقيلة تهجم على القلب فتقطعه عن المعرفة بالأشياء، ولذلك قيل: إنه آفة لأن النوم أخو الموت ..

وقد قال تعالى : } الله يتوفى الأنفس حين موتها، والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت، ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون{[سورة الزمر، الآية : 42 ]

قال ابن كثير: قال تعالى مخبراً عن نفسه الكريمة بأنه المتصرف في الوجود بما يشاء، وأنه يتوفى الأنفس الوفاة الكبرى، بما يرسل من الحفظة الذين يقبضونها من الأبدان، والوفاة الصغرى عند المنام [   تفسير ابن كثير، جـ7، ص92 ]

وقال تعالى : } وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم

يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى، ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون }[سورة الأنعام، الآية : 60 ]

قال ابن كثير: يخبر تعالى أنه يتوفى عباده في منامهم بالليل، وهذا هو التوفي الأصغر .. [ تفسير ابن كثير، جـ3، ص261 ]

قال ابن القيم : قال ابن تيمية : … لأنه سبحانه أخبر بوفاتين وفاة كبرى ؛ وهي وفاة الموت، ووفاة صغرى ؛ وهي وفاة النوم، وقسم الأرواح قسمين : قسماً قضى عليها الموت فأمسكها عنده، وهي التي توفاها وفاة موت، وقسماً لها بقية أجل فردها إلى جسدها إلى إستكمال أجلها [ الروح لابن القيم، ص27 ]

وقال المناوى : الخامس المنام فقد قيل : النوم موت خفيف، والموت نوم ثقيل وعليه سماه الله توفياً [التعاريف للمناوي، جـ2، ص684 ]

وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفضه بداخلة إزاره فإنه لا يدري ما خلفه عليه، ثم ليقل : " اللهم باسمك ربي وضعت جنبي وباسمك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به الصالحين من عبادك [  صحيح البخاري، رقم 5845، وصحيح مسلم، رقم 4889. ( انظر الدرر المنثور للسيوطي، جـ7، ص232) ]. والامساك هنا هو الموت والوفاة الكبرى .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الحادية عشرة في موضوع (الموت والنوم )وستكون بعنوان :* النوم آية من آيات الله :

قال تعالى : } ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله، إن في ذلك لآياتٍ لقوم يسمعون }  [سورة الروم، الآية : 23 ]

قال ابن كثير: أي : ومن الآيات ما جعل لكم من صفة النوم في الليل والنهار فيه تحصيل الراحة وسكون الحركة وذهاب الكلال والتعب، وجعل لكم الإنتشار والسعي في الأسباب والأسفار في النهار، وهذا ضد النوم [  تفسير ابن كثير، جـ6، ص316 ]

وفي حالة النوم فإن القلم مرفوع عن المكلف لكونه فاقد الأهلية ومعنى : رفع القلم عنه أي عدم كتابة الشر عليه دون الخير، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رفع القلم عن ثلاثة : النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يشب، وعن المعتوه حتى يعقل[  رواه أحمد وأبو داود، والحاكم والترمذي وابن ماجة، وذكره الألباني في صحيح الجامع رقم 3506، 3507، 3508، ثم قال : صحيح ]

وما ذاك إلا لأنه آية من آيات الله فهو حالة قد فقد المكلف وعيّه فيها وإدراكه ومناط تكليفه، والروح قد فارقت البدن من وجه ولهابه تعلق من وجه آخر وكنهه على الحقيقة لا يعلمها الإنسان لكنه آية عظيمة من آيات الله .

ولكونه آية عظيمة فمن رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه فقد رآه حقيقة. أخرج البخاري بسنده من حديث أبي هريرة قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " من رآني في المنام فسيراني في اليقظة، ولا يتمثل الشيطان بي .. [  صحيح البخاري(فتح الباري، جـ12، رقم الصفحة 383، رقم الحديث، 6993) ]

وفي رواية ثانية من حديث أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي، ورؤيا المؤمن جزء من ستةٍ وأربعين جزءاً من النبوة [ صحيح مسلم، ( فتح الباري، جـ12، ص383، رقم 6994، 6995) ]

وأخرج البخاري بسنده من حديث أبي قتادة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : "الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان، فمن رأى شيئاً يكرهه، فلينفث عن شماله ثلاثاً، وليتعوذ من الشيطان، فإنها لا تضره، وإن الشيطان لايتراءى بي [ المرجع السابق ]

وهذه النصوص تدل على أن النائم يمر بأحوال مختلفة منها ماهو بتدبير الله وتوفيقه مثل الرؤيا للنبي صلى الله عليه وسلم، والرؤيا الصالحة والتي هي جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة، ومنها ما هو من فعل الشيطان عدو الإنسان اللدود …

ولذلك شرع قراءة آية الكرسي قبل المنام حتى لا يكون للشيطان

 طريق على المؤمن ثبت ذلك في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة في الحديث الطويل مع الشيطان وفي آخره قال صلى الله عليه وسلم : " أما أنه قد صدقك وهو كذوب " عندما قال له الشيطان: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية " الله لا إله إلا هو الحي القيوم [ صحيح البخاري، جـ4، ص487، رقم 3311 كتاب الوكالة ]

* تعلق الروح بالبدن حال النوم :

أولاً: ما هي الروح ؟

قال ابن تيمية : " والروح المدبرة للبدن التي تفارقه بالموت هي الروح المنفوخة فيه، وهي النفس التي تفارقه بالموت [ رسالة العقل والروح، مجموعة الرسائل المنيرية 2/36( انظر القيامة الصغرى للأشقر ص85)]

وقال شارح الطحاوية : وأما اختلاف الناس في مسمى النفس والروح : هل هما متغايران أو مسماهما واحد ؟ فالتحقيق : أن النفس تطلق على أمور : وكذلك الروح، فيتحد مدلولها تارةً، ويختلف تارة، فالنفس تطلق على الروح، ولكن غالب ما يسمى نفساً إذا كانت متصلة بالبدن، وأما إذا أخذت مجردةً فتسمية الروح أغلب عليها [ شرح العقيدة الطحاوية ص444-445 ]

وقال الأشقر : لما كانت الروح مخلوقة من جنس لا نظير له في عالم الموجودات، فإننا لا نستطيع أن نعرف صفاتها، فقد عرفنا الله أنها تصعد وتهبط، وتسمع وتبصر وتتكلم إلى غير ذلك، إلا أن هذه الصفات مخالفة لصفات الأجسام المعرفة، فليس صعودها وهبوطها وسمعها وبصرها وقيامها وقعودها من جنس ما نعرفه ونعلمه، فقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن الروح يصعد بها إلى السموات العلى، ثم تعاد إلىالقبر، ساعة من الزمن وقد أخبرنا أنها تنعم أو تعذب في القبر، ولاشك أن هذا النعيم على نحو مخالف لما نعلمه ونعرفه [ القيامة الصغرى، ص87 ]

وقال شارح الطحاوية في تعريف الروح : " والذي يدل عليه الكتاب والسنة وإجماع الصحابة وأدلة العقل : أن النفس جسم مخالف بالماهية لهذا الجسم المحسوس، وهو جسم نوراني علّوي، خفيف حي متحرك، ينفذ في جوهر الأعضاء، ويسرى فيها سريان الماء في الورد، وسريان الدهن في الزيتون، والنار في الفحم فما دامت هذه الأعضاء صالحة لقبول الآثار الفائضة عليها من هذا الجسم اللطيف، بقي ذلك الجسم اللطيف سارياً في هذه الأعضاء، وأفادها هذه الآثار، من الحس والحركة الإرادية، وإذا فسدت هذه بسبب استيلاء الأخلاط الغليظة عليها، وخرجت عن قبول تلك الآثار، فارق الروح البدن وانفصل إلى عالم الأرواح [شرح العقيدة الطحاوية، ص443]

ومسكن الروح جميع أجزاء البدن، وهي مخلوقة وهو أمر مجمع عليه عند سلف الأمة، كما قال ابن تيمية ، والروح هي النسمة، ذكر ذلك

وغيره والأدلة على ذلك صاحب القيامة الصغرى د. عمر الأشقر[    القيامة الصغرى، ص92-96 ]

وهي تموت باعتبار مفارقتها للبدن، لكنها لا تفني فتصبح عدماً ذكر ذلك ابن تيمية وابن القيم وعلماء الأمة[ انظر مبحث " هل تموت النفوس لعمر الأشقر في القيامة الصغرى " ص101 ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الثانية عشرة في موضوع (الموت والنوم )وستكون بعنوان:

*ثانياً: الروح لها بالبدن تعلق من وجه ومفارقة من وجه والنوم شقيق الموت[انظر : الروح لابن القيم، ص58]

قال تعالى: } الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت، ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى } [سورة الزمر، الآية : 42 ]

والأرواح يعرج بها في منامها، فما رأت وهي في السماء فهو الحق فإذا

ردت أجسادها تلقتها الشياطين في الهواء، فكذبتها فما رأت من ذلك فهو الباطل[ الروح لابن القيم، ص41 .

قال ابن تيمية : " فإنه سبحانه ذكر إمساك التي قضى عليها الموت من هذه الأنفس التي يتوفاها وفاة نوم، وأما التي توفاها حين موتها فتلك لم يصفها بإمساك ولابإرسال، بل هي قسم ثالث … لأنه سبحانه أخبر بوفاتين وفاة كبرى وهي وفاة الموت، ووفاة صغرى وهي وفاة النوم، وقسم الأرواح قسمين : قمساً قضى عليها الموت فأمسكها عنده، وهي التي توفاها وفاة موت، وقسماً لها بقية أجل فردها إلى جسدها إلى استكمال أجلها …

وقال ابن القيم : والتحقيق : أن الآية تتناول النوعين فإنه سبحانه ذكر وفاتين؛ وفاة نوم ، ووفاة موت، وذكر إمساك المتوفاة وإرسال الأخرى، ومعلوم أنه سبحانه يمسك كل نفس ميت سواء مات في النوم أو في اليقظة، ويرسل نفس من لم يمت فقوله } يتوفى الأنفس حين موتها { يتناول من مات في اليقظة ومن مات في المنام [الروح لابن القيم، ص27 ]

وقال تعالى : } وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضي أجل مسمى، ثم إليه مرجعكم … } [ سورة الأنعام، الآيتان : 60-61 ]

قال ابن القيم : وفيها ثلاثة أدلة :

احداها : الإخبار بتوفي الأنفس بالليل .

الثاني : بعثها إلى أجسادها بالنهار .

الثالث: توفى الملائكة له عند الموت[ الروح، ص240 ]

وقال ابن كثير : يخبر تعالى أنه يتوفى عباده في منامهم بالليل، وهذا هو التوفي الأصغر، كما قال تعالى } إذ قال الله  يا عيسى : إني متوفيك ورافعك إليّ { ، وقال تعالى : } الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى { فذكر في هذه الآية الوفاتين : الكبرى والصغرى، وهكذا ذكر في هذا المقام حكم الوفاتين الصغرى والكبرى [  تفسير ابن كثير، جـ3، ص261 ]

* هل النائم يتصرف ؟ وما هي علاقة النائم باليقظة ؟

قال ابن تيمية : والنائم يحصل له في منامه لذة وألم، وذلك يحصل للروح والبدن، حتى إنه يحصل له في منامه من يضربه، فيصبح والوجع في بدنه، ويرى في منامه أنه أطعم شيئاً طيباً فيصبح وطعمه في فمه، وهذا موجود، فإذا كان النائم يحصل لروحه، وبدنه من النعيم والعذاب ما يحس به – والذي إلى جنبه لا يحس به – حتى قد يصيح النائم من شدة الألم ؛ أوالفزع الذي يحصل له ويسمع اليقظان صياحه، وقد يتكلم إما بقرآن، وإما بذكر، وإما بجواب .

واليقظان يسمع ذلك وهو نائم، عينه مغمضة، ولو خوطب لم يسمع،

فكيف ينكر حال المقبور الذي أخبر الرسول – صلى الله عليه وسلم – أنه يسمع قرع نعالهم ؟ وقال: " ما أنتم أسمع لما أقول منهم [ مجموع فتاوى ابن تيمية، جـ4، ص275-276 ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الثانية عشرة في موضوع (الموت والنوم )وستكون بعنوان:

* الرؤية في المنام

     ثم قال ابن تيمية : أما الرؤية في المنام فهي أقرب ما يكون في تصرف النائم وهي أنواع :

قال ابن تيمية : الرؤيا على ثلاثة أنواع ؛منها الرؤيا الصحيحة ولها أقسام :

1- رؤيا من الله، 2 – رؤيا من الشيطان، 3- رؤيا من حديث النفس .

والرؤيا الصحيحة أقسام :

منها : إلهام يلقيه الله سبحانه في قلب العبد، وهو كلام يكلم به الرب عبده في المنام، كما قال عبادة بين الصامت وغيره .

ومنها : مثل يضربه له ملك الرؤيا الموكل بها .

ومنها : إلتقاء روح النائم بأرواح الموتى من أهله وأقاربه وأصحابه .

ومنها: عروج روحه إلى الله سبحانه وخطابها له .

ومنها : دخول روحه إلى الجنة ومشاهدتها وغير ذلك [ الروح لابن القيم، ص39 ]

ثم قال : قال بعض السلف : إن الأرواح تتلاقى في الهواء فتتعارف أو تتذاكر فيأتيها ملك الرؤيا بما هو لاقيها من خير أو شر، قال: وقد وكل الله بالرؤيا الصادقة ملكاً علمه وألهمه معرفة كل نفس بعينها واسمها ومنقلبها في دينها ودنياها وطبعها ومعارفها، لا يشتبه عليه منها شيء، ولا يغلط فيها فتأتيه نسخة من علم غيب الله من أم الكتاب بما هو مصيب لهذا الإنسان من خير وشر في دينه ودنياه قدمه أو يقدمه، وينذره من معصية ارتكبها أو هم بها، ويحذره من مكروه انعقدت أسبابه ليعارض تلك الأسباب بأسباب تدفعها، ولغير ذلك من الحكم والمصالح التي جعلها الله في الرؤيا نعمة، ورحمة، وأحياناً تذكيراً وتعريفاً، وجعل أحد طرق ذلك ؛ تلاقي الأرواح وتذاكرها وتعارفها وكم من كانت توبته وصلاحه وزهده وإقباله على الآخرة عن منام رآه أو رؤى له، وكم ممن استغنى وأصاب كنزاً دفيناً عن منام [  الروح، ص 42-43 ]

أخرج البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : "سمعت النبي –صلى الله عليه وسلم – يقول : الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها أئتلف، وما تناكر منها اختلف [صحيح البخاري، ( فتح الباري، جـ6، ص369، رقم 3336)، صحيح مسلم، ( شرح مسلم للنووي، جـ16، ص185).]

قال ابن حجر : قال الخطابي : يحتمل أن يكون إشارة إلى معنى التشاكل في الخير والشر والصلاح والفساد، وأن الخيّر من الناس يحن إلى شكله والشرير نظير ذلك يميل إلى نظيره، فتعارف الأرواح يقع بحسب الطباع التي جبلت عليها من خير وشر، فإذا اتفقت تعارفت، وإذا اختلفت تناكرت [ فتح الباري، جـ6، ص369]

قال البخاري : " باب رؤيا الصالحين " .

وقوله تعالى : } لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق، لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤسكم ومقصرين لا تخافون، فعلم ما لم تعلموا، فجعل من دون ذلك فتحاً قريباً } [سورة الفتح، الآية : 27 ]

حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس ابن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزءٌ من ستةٍ واربعين جزءًا من النبوة [صحيح البخاري، ( فتح الباري، جـ12، ص361رقم698).]

وعند مسلم من حديث ابي هريرة بمثله، ومن حديث ابن عمر: " جزء من سبعين جزءاً [ صحيح مسلم، ( شرح النووي، جـ15، ص22-23) .

وقال  صلى الله عليه وسلم :" إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله، فليحمد الله

عليها وليحدث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من

الشيطان، فليستعذ من شرها، ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره            [أخرجه البخاري في صحيحه، ( فتح الباري، جـ12، ص368)، وهو عند مسلم ( شرح النووي، جـ15، ص20).]

وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا اقترب الزمان، لم تكن رؤيا المسلم تكذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً، ورؤيا المسلم جزء من جزء من خمسٍ وأربعين جزءاً من النبوة، والرؤيا ثلاثة  1 – فرؤيا الصالحة بشرى من الله، 2- ورؤيا تحزين من الشيطان، 3- ورؤيا مما يحدث المرء نفسه، فإن رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل، ولا يحدث بها الناس [    صحيح مسلم، كتاب الرؤيا ( شرح النووي، جـ15، ص20-21) ]

قال النووي : قال الإمام المازري : مذهب أهل السنة في حقيقة الرؤيا أن الله تعالى يخلق في قلب النائم إعتقادات، كما يخلقها في قلب اليقظان، وهو سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء، لا يمنعه نوم ولا يقظة، فإذا خلق هذه الاعتقادات فكأنه جعلها علماً على أمور أخر يخلقها في ثان الحال، أو كان قد خلقها ؛ فإذا خلق في قلب النائم الطيران، وليس بطائر؛ فأكثر ما فيه أنه اعتقد أمراً على خلاف ما هو، فيكون ذلك الاعتقاد علماً على غيره، كما يكون خلق الله سبحانه وتعالى الغيم علماً على المطر، والجميع خلق الله تعالى، ولكن يخلق الرؤيا والاعتقادات التي جعلها علماً على ما يسر بغير حضرة الشيطان، ويخلق ما هو علم على ما يضر بحضرة الشيطان، فينسب إلى الشيطان مجازاً لحضوره عندها، وإن كان لا فعل له حقيقته [ صحيح مسلم بشرح النووي، جـ15، ص17 ]

وأخرج البخاري بسنده من حديث أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم – يقول : " لم يبق من النبوة إلا المبشرات " قالوا : وما المبشرات ؟ قال : "الرؤيا الصالحة [  صحيح البخاري ( فتح الباري، جـ12، ص375 رقم 6990).]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الثالثة عشرة في موضوع (الموت والنوم )وستكون بعنوان:

* رؤيا الأنبياء والصحابة :

1 – رؤيا إبراهيم عليه السلام : قال تعالى : } فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى ؟ قال : يا أبتِ افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين ، فلما أسلما وتله للجبين، وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين }[ سورة الصافات، الآية : 102 ]

قال ابن كثير : قال عبيد بن عمير : رؤيا الأنبياء وحي [    تفسير ابن كثير، جـ7، ص23 ]

وهو حديث أخرجه البخاري بسنده من حديث عبيد بن عمير قال : " إن رؤيا الأنبياء وحي" ثم قرأ } إني أرى في المنام أني أذبحك } [    صحيح البخاري ( فتح الباري، جـ2، ص344 ) ]

2 – رؤيا يوسف عليه السلام . قال تعالى : } إذ قال يوسف لأبيه : يا أبتِ إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين قال : يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً … } [    سورة يوسف، الآيتان : 4-5 ]

وقوله تعالى : } يا أبتِ هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقاً… }   [ سورة يوسف ، الآية : 100 ]

3 – رؤيا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال تعالى : } إذ يريكهم الله في منامك قليلاً، ولو أراكهم كثيراً لفشلتم، ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلم، إنه عليم بذات الصدور، وإذ يريكموهم إذا التقيتم في أعينكم قليلاً ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمراً كان مفعولاً، وإلى الله ترجع الأمور }   [ سورة الأنفال، الآيتان، 43-44 ]

وقال تعالى: } وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس، وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فمايزيدهم إلا طغياناً كبيراً }        [    سورة الاسراء، الآية : 60 ]

وقال تعالى : } لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق، لتدخلن المسجد

الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤسكم ومقصرين لا تخافون، فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحاً قريباً } [ سورة الفتح، الآية : 27 ]

وأخرج البخاري بسنده من حديث عائشة أنها قالت : أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فان لا يرى رؤيا إلا جاءته مثل فلق الصبح [ صحيح البخاري، كتاب التعبير، الباب الأول، ( فتح الباري، جـ12، ص351 رقم 6982).]

* رؤيا الصحابة :

أخرج البخاري في صحيحه في باب التواطؤ على الرؤيا حديثاً بسنده من حديث ابن عمر أن ناساً أروا ليلة القدر في السبع الأواخر، وأن أناساً أروها في العشر الأواخر فقال النبي صلى الله عليه سلم : " التمسوها فيالسبع الأواخر [صحيح البخاري، ( فتح الباري، جـ12، ص379) ]

وقال صلى الله عليه وسلم : " من رآني في المنام فقد رآني ، فإن الشيطان لا يتمثل بي، ورؤيا المؤمن جزء من ستة واربعين جزءاً من النبوة [  أخرجه البخاري في صحيحه ( فتح الباري، جـ12، ص383) .] وأخرج البخاري بسنده من حديث سمرة بن جندب قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني مما يكثر أن يقول لأصحابه : هل رأى أحد منكم من رؤيا ؟ قال : فيقص عليه ما شاء الله أن يقص [ صحيح البخاري، ( فتح الباري، جـ12، ص438 رقم 7047).]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الرابعة عشرة في موضوع (الموت والنوم )وستكون بعنوان:

القسم الثالث :

* العلاقة بين النوم والموت :

قبل أن نوضح العلاقة بين النوم والموت، يحسن بنا أن نوضح العلاقة بين الروح والبدن في أنواع التعلق الخمسة، والموت - بشقيه الأكبر والأصغر- والحياة من مخلوقات الله تبارك وتعالى ، قال تعالى : } الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً } [سورة الملك، الآية : 2 ]

والإنسان مخلوق في أصل خلقته من صلصال كالفخار قال تعالى : } خلق الإنسان من صلصال كالفخار } [ سورة الرحمن، الآية : 14 ]

ثم اقتضت حكمة الحكيم أن يخلقه من نطفة قال تعالى : } والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجاً } [سورة فاطر، الآية : 11 ]

وقال تعالى : } ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين، ثم جعلناه نطفة في قرار مكين، ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً، فكسونا العظام لحماً، ثم أنشأناه خلقاً آخر، فتبارك الله

أحسن الخالقين }[ سورة المؤمنون ، الآيات : 12-14 ]

ثم نفخ فيه من روحه قال تعالى : } فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين } [سورة الحجر، الآية :29 ] وقال عن النفس : } ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها }[سورة ص ، الآية : 72 ]

فهو سبحانه سوى نفس الإنسان، كما سوى بدنه، بل بدنه كالقالب لنفسه، فتسوية البدن، تابع لتسوية النفس والبدن موضوع لها كالقلب لما هو موضوع له، ومن ها هنا يعلم أنها تأخذ من بدنها صورة لتميز بها عن غيرها، فإنها تتأثر وتنتقل عن البدن، كما يتأثر البدن وينتقل عنها، فيكتسب البدن الطيب والخبث من طيب النفس وخبثها، وتكتسب النفس الطيب والخبث من طيب البدن وخبثه، فأشد الأشياء إرتباطاً، وتناسباً، وتفاعلاً، وتأثراً من أحدهما بالآخر : الروح والبدن .

ولهذا يقال لها عند المفارقة : أخرجي أيتها النفس الطيبة، كانت في الجسد الطيب، وأخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث     [الروح لابن القيم، ص51-52]

*والروح لها بالبدن خمسة أنواع من التعلق [ انظر كتاب الروح لابن القيم، ص58 ]

أولها : تعلق الروح بالبدن في بطن الأم جنيناً :

قال تعالى : } ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين، ثم جعلناه نطفة في قرار مكين، ثم خلقنا النطفة علقا، فخلقنا العلقة مضغة، فخلقنا المضغة عظاماً، فكسونا العظام لحماً، ثم أنشأناه خلقاً آخر، فتبارك الله أحسن الخالقين } [ سورة المؤمنون، الآيتان : 12-14 ]

قال ابن كثير: " … " ثم أنشأناه خلقاً آخر " أي : ثم نفخنا فيه الروح، فتحرك وصار خلقاً آخر ذا سمع وبصر وإدراك، وحركة وإضطراب .

وقال ابن عباس : يعني به الروح، وقال ذلك علي بن أبي طالب وأبي سعيد الخدري، ومجاهد، وعكرمة، والشعبي، والحسن [    تفسير ابن كثير، جـ5، ص461 ]

وبعد أن ينفخ الملك الروح في الجنين وهو في بطن أمه ليصبح خلقاً آخراً، يتحرك، ويسمع، ويحس، ويتأثر بما تتأثر منه أمه ؛ لأنه أصبح إنساناً مكوناً من جسم وروح ولذلك تتنزل عليه أحكام الأحياء من جنايات وغيرها ..

يقول ابن القيم : للنفس أربع دور، كل دار منها أعظم من التي قبلها :

الدار الأولى : في بطن الأم، وذلك الحصر والضيق والغم والظلمات الثلاث [الروح، ص 155 ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الرابعة عشرة في موضوع (الموت والنوم )وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:

القسم الثالث :* العلاقة بين النوم والموت :

ثانياً : تعلق الروح بالبدن بعد خروجه إلى الأرض :

يقول ابن القيم : " والدار الثانية : هي الدار التي نشأت فيها وألفتها واكتسبت فيها الخير والشر، وأسباب السعادة والشقاوة[الروح، لابن القيم، ص156]

وقال ابن ابي العز : الدور الثلاث : دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار القرار ؛ وقد جعل الله لكل دار أحكاماً تخصها، وركب هذا الإنسان من بدن ونفس، وجعل أحكام الدنيا على الأبدان والأرواح تبعٌ لها

[شرح العقيدة الطحاوية، ص 452 ]

والروح في الحياة الدنيا مدبرة للبدن وهي التي تفارقه بالموت[    انظر رسالة العقل والروح، مجموعة الرسائل المنيرية 2/36 ( القيامة الصغرى للأشقر، ص85)]

والروح ملازمة للبدن في دار الحياة الدنيا ملازمة تامة إلا في حالتين : حال النوم، وحال الموت ؛

ثالثاً: تعلق الروح بالبدن في الحياة الدنيا حال النوم :

قال ابن القيم : والروح لها بالبدن تعلق من وجه ومفارقة من وجه، والنوم شقيق الموت[ الروح لابن القيم، ص58 ]

قال تعالى : } الله يتوفى الأنفس حين موتها، والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت، ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى { [سورة الزمر، الآية :42 ]

قال ابن القيم : وإذا كان النائم روحه في جسده وهو حي، وحياته غير حياة المستيقظ، فإن النوم شقيق الموت[ الروح لابن القيم، ص 58 ]

وقال ابن القيم أيضاً: … ذكر سبحانه وفاتين ؛ وفاة نوم، ووفاة موت،وذكر إمساك المتوفاة، وإرسال الأخرى، ومعلوم أنه سبحانه يمسك كل نفس ميت سواء مات في النوم، أو في اليقظة، ويرسل نفس من لم يمت، فقوله : } يتوفى الأنفس حين موتها { يتناول من مات في اليقظة ومن مات في المنام [ الروح لابن القيم، ص27 ] .قال ابن كثير: " يخبر تعالى أنه يتوفى عباده في منامهم بالليل، وهذا هو التوفي الأصغر[ سورة الأنعام، الآيتان : 60-61 ] .وقال ابن القيم : وفيها ثلاثة أدلة :1 – الأخبار بتوفي الأنفس بالليل .2 – بعثها إلى أجسادها بالنهار .3 – توفى الملائكة له عند الموت[    الروح، ص240 ] وقال ابن تيمية : والنائم يحصل له في منامه لذة وألم، وذلك يحصل للروح والبدن[    مجموع فتاوى ابن تيمية، جـ4، ص275-276 ]

والرؤيا في المنام على ثلاثة أنواع :

1 – رؤيا من الله .. وهي الصحيحة .

2 – رؤيا من الشيطان .

3 – رؤيا من حديث النفس [الروح لابن القيم، ص39 ]

رابعاً: تعلق الروح بالبدن بعد الحياة الدنيا حال الموت ( البرزخ ) :

والموت هو مفارقة الروح للبدن حال إنتهاء الأجل بقضاء وقدر من الله فيرسل ملك الموت فيقبضها، فتأخذها ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب  على التفصيل الذي مرّ في مبحث " كيف يموت الإنسان ؟ " .

وبعد مفارقة النفس للبدن لها به تعلق في البرزخ لأنها وإن فارقته وتجردت عنه فإنها لم تفارقه فراقاً كلياً بحيث لا يبقى لها إلتفات إليه، وقد وردت الأحاديث والآثار بما يدل على ردها إليه في أحوال وأوقات، لكن هذه الرد رد خاص لا يوجب حياة البدن قبل يوم القيامة [الروح، لابن القيم، ص58 ]

قال تعالى : } قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم، ثم إلى ربكم ترجعون } [سورة السجدة، الآية : 11 ] قال ابن القيم : الميت إذا أعيدت روحه إلى جسده، كانت له حال متوسطة بين الحي وبين الميت[الروح لابن القيم، ص58 ] وقد صرح رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بإعادة الروح إلى البدن وقت

 السؤال كما ورد في حديث البراء بن عازب الذي تقدم .

قال ابن أبي العز : " … وجعل أحكام البرزخ على الأرواح، والأبدان تبع لها[ شرح العقيدة الطحاوية، ص452 ]

وقال القرطبي : انقطاع تعلق الروح بالبدن، ومفارقته، وحيلولة بينهما، وتبدل حال، وإنتقال من دار إلى دار [ التذكرة، ص4 ]

خامساً: تعلق الروح بالبدن يوم البعث :

يقول ابن القيم : وهو أكمل أنواع تعلقها بالبدن، ولا نسبة لما قبله من أنواع التعلق إليه، إذ هو تعلق لا يقبل البدن معه موتاً ولا نوماً ولا فساداً[ الروح لابن القيم، ص58 ]

وقال ابن أبي العز : فإذا جاء يوم حشر الأجساد، وقيام الناس من قبورهم، صار الحكم والنعيم والعذاب على الأرواح والأجساد جميعاً … والقرآن بيّن معاد النفس عند الموت، ومعاد البدن عند القيامة الكبرى في غير موضع … والأجساد تنقلب من حال إلى حال، فتستحيل تراباً، ثم ينشئها الله نشأة أخرى، كما استحال في النشأة الأولى، فإنه كان نطفةً، ثم صار علقة، ثم صار مضغة، ثم صار عظاماً ولحماً، ثم أنشأه خلقاً سوياً،

 كذلك الإعادة ؛ يعيده الله بعد أن يبلى [ شرح العقيدة الطحاوية، ص452 – 263 ]

قال تعالى : } فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز } [ سورة آل عمران، الآية : 185 ]

ولا شك أن النعيم والعذاب يوم القيامة يقع على البدن والروح معاً، لأن تعلقهما ببعض أكمل تعلق فيكون النعيم أكمل نعيم، والعذاب أشده وألمه ..

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الخامسة عشرة في موضوع (الموت والنوم )وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:

القسم الثالث :* العلاقة بين النوم والموت :

2 – العلاقة بين الموت والنوم :

ومما سبق يتضح أن العلاقة بين الموت والنوم وثيقة، فمفارقة الروح للبدن العامل المشترك بينهما، وكلاهما سماه الله وفاة وموت، فهو سبحانه يتوفى الأنفس حين النوم ؛ وهو الموت الأصغر، ويتوفى الأنفس حين الموت الأكبر .

وكما أن الله يرد روح النائم إليه إذا لم ينتهي الأجل، فإن الله يرد على الميت روحه في أحوال وأوقات معينة مثل سؤال الملكين له في القبر – كما ورد في حديث البراء بن عازب- وكما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم تُرد روحه عليه ليرد السلام على من يسلم عليه . وأيضاً إذا فارقت الروح بدن النائم، فإن لها به تعلق من وجه آخر ، فيكون النائم في حال متوسطة بين اليقظان وبين الميت الذي رود روحه إلى بدنه .

وروح الميت إذا فارقته، فإن لها به تعلق من وجه آخر، لكن لا يمكن أن تعود الحياة إلى البدن إلى يوم القيامة .

أما ا لبدن حال النوم فهو ينعم ويعذب كما ورد في الآثار التي مضت، وفي حال الموت ينعم ويعذب كما صحت الأخبار بإن القبر إما روضة من روضات الجنة، أو حفرة من حفر النيران .

والروح أيضاً حال النوم، وحال الموت تنعم وتعذب، لأنها حال النوم تبعاً للبدن، وحال الموت البدن تبعاً لها، وقد صحت الآثار بذلك كما تقدم

والروح حال النوم وحال الموت ؛ تصعد، وتهبط، وتسمع وتبصر وتتكلم إلى غير ذلك، إلا أن هذه الصفات مخالفة لصفات الأجسام المعروفة …

ولذلك يرى النائم في منامه ثلاث أنواع من الرؤيا ؛ إما صالحة وهي من الله، ورؤيا من الشيطان، ورؤيا من حديث النفس، وهذا وغيره مما تختص به الروح حال النوم …

وأيضاً الروح حال الموت يصعد بها ثم يرجع بها، وتكون في حواصل طير خضر في الجنة لمن استشهد في سبيل الله .. أو في أسفل سافلين في العذاب المهني للعاصين .

والأرواح حال النوم، وحال الموت تبعث فالأولى تبعث حال الاستيقاظ من النوم في الليل أو في النهار، والثانية تبعث يوم القيامة للحساب والجزاء .

وفي الختام نحمد الله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، كما نحمده على إتمام هذا البحث المهم، اسأل الله أن يختم لنا بالصالحات وأن يرزقنا الشهادة في سبيله ، وأن لا يميتنا إلا وهو راض عنا ، وأن يجعل آخر كلامنا من الدنيا شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وأصلي وأسلم على الهادي البشير والسراج المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين