لفظ الجلالة الله

(الله)

(الحلقات ،المختصر ،المقالات)

إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا اله الا الله ،وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله 

قال تعالى :{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته،ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} آل عمران/ 120 وقال تعالى :{ يائها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ، وخلق منها زوجها ، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً ، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً }  النساء  / 1  وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً ، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً } الأحزاب /70 ، 71 وبعـــــد :

 فهذه الحلقة الولى في موضوع لفظ الجلالة ( الله )

وسيكون موضوعها *المقدمة :

هناك أسئلة كثيرة تحتاج الى إجابات مقنعة : ماهي حكمة الوجود ومن هو الله؟ من أنا ؟.. من أين أتيت؟ وإلى أين أسير؟ ما الهدف من مجيئي إلى هذه الحياة؟ أتراني خُلقت عبثًا لا هدف من وراء وجودي في هذه الحياة؟ أم أن هناك هدفًا من وراء وجودي؟ كيف أتيت إلى هذه الحياة؟ هل وُجدت مصادفة كما يقول بعضهم؟ وما مدى مصداقية هذا الأمر؟ هل تستطيع المصادفة أن توجد كل هذا الجمال والكمال في كل شيء في الكون؟ هل لهذه النظرية نصيب من الصحة في عصر العلم؟أم أن الطبيعة هي التي أوجدتني كما يقول بعضهم الآخ؟وما هي تلك الطبيعة؟ما حقيقتها وما معناها؟ هل تستطيع الطبيعة أن تنفرد بالخلق؟ هل هي شيء واحد أم أشياء كثيرة متعددة ومتنوعة؟ هل لها عقل يدبّر لها أم أنها لا عقل لها؟وهل يستطيع ما لا عقل له أن يخلق العاقل المفكر؟أم أن هناك إلهًا خلق كل هذا الكون وأبدع خلقه وأتقنه، ووضع كل شيء في موضعه، بحيث لو لم يكن كل شيء كما نراه الآن لانعدمت الحياة؟وهل قصد هذا الإله ذلك لنتبين حكمته؟ ونعرف دقته وبديع صنعته؟

وإذا كان هناك إله فهل عرفنا هذا الإله؟ ولماذا خلقنا هذا الإله؟ وماذا يريد منا؟ وهل أمرنا بعبادته؟ وما هي الطريقة التي فعل بها ذلك؟ ولماذا لم يُرِنا هذا الإله نفسه، كي لا يكون عرضة لطعن الطاعنين ولا لإنكار المنكرين؟ وإذا آمنت بوجود الإله؟ فما هي خصائص هذا الإيمان؟ وما هي طريقته؟

ولماذا نحتاج إلى أن يعرِّفنا هذ الإله نفسه؟ هل العقل ليس كافيًا للوصول إليه ومعرفته حق المعرفة؟

وما أسباب عدم كفايته؟ أي طريق من هذه الطرق أتبع؟

هذا كله ما نحاول إيضاحه في هذا البحث المهم

إلى هنا ونجيب على هذه الأسئلةفي الحلقة التالية وما بعدها وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثانية في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان : الإجابة على الأسئلة التي تقدمت في الحلقة الأولى

*مبدأ السببية:

بنظرة بسيطة.. إذا نظرنا إلى السماء والأرض وجدنا أن المطر يأتي من السحاب، وأن الثمر يحصل من الشجر، وأن الشجر ينبت من الماء والتراب، وأن الماء ينشأ من الأوكسجين والهيدروجين، فلم يشاهد الإنسان منذ فتح عينيه على الوجود أن حادثًا حدث من غير سبب، أو أن شيئًا وُجد من غير موجد، حتى أصبح هذا المعنى -بحكم الواقع القاهر- لا يتصور العقل خلافه، ولا يطمئن إلى غيره.

ولا يرفض هذا المبدأ إلا عقل مريض شأن المعتوهين، أو عقل قاصر شأن الطفل الذي يكسر الإناء، ثم يقول : إنه انكسر وحده، وجرت الحوادث أبدًا على هذا القانون، حتى أصبح مبدأً مسلّمًا به في كتب الفلسفة، وسمي (مبدأ السببية) وهو أوّل مبادئ العقل المديرة للمعرفة، لأنه أساس الأحكام العقلية والمحاكمات المنطقية.

إذًا فقولنا لا بد لكل حادث من مُحدث أو لا بد لكل موجود من مُوجد أمر يقيني مسلّم به، ولا يقبل العقل غيره، وبالتالي محال على حادث أن يحدث بذاته أو على شيء أن يوجد بغير مُوجد.                     وبناء على هذه القاعدة نقول: إن عالمنا هذا من أرض وجبال وشجر وبشر ودواب وكواكب وشموس لا بد له

 من مُحدث، فلا بد لهذا العالم من خالق.

ولهذا قال الرجل الأعرابي البسيط "البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، ليل داج ونهار ساج، وسماء ذات أبراج، أفلا تدل على الصانع الخبير"       [ سعيد حوى، الله جل جلاله، ص109 و110]

*إبطال أزلية الكون:

   إلا أنه قد يقول لنا قائل: إن هذا العالم قديم أزلي (أي أنه لا بداية لوجوده) ولا نهاية له، وهذا الرأي أيضًا أبطله العلم والقوانين الثابتة، فقد أثبت العلم أنه كما أن للإنسان عمرًا فإن للكواكب والمجرات أعمارًا، وأنه سيأتي يوم تنعدم فيه الحياة على سطح الأرض، بل أبعد من ذلك، لقد قالوا إن لهذا العالم بداية زمانية،

وهذه القضية قال بها الفلاسفة قديمًا وثبت اليوم عدم

 خطؤها.

إن القانون الثاني من قوانين الديناميكا الحرارية يثبت أن هذا الكون لا يمكن أن يكون أزليًّا، فهنالك انتقال حراري مستمر من الأجسام الحارة إلى الأجسام الباردة ، ولا يمكن أن يحدث العكس بقوة ذاتية، بحيث تعود الحرارة فترتد من الأجسام الباردة إلى الأجسام الحارة.

ومعنى ذلك أن الكون يتجه إلى درجة تتساوى فيها حرارة جميع الأجسام، وينضب فيها معين الطاقة، ويومئذ لن تكون هناك عمليات كيماوية أو طبيعية، ولن يكون هناك أثر للحياة في هذا الكون.

ولما كانت الحياة لاتزال قائمة،ولاتزال العمليات الكيماوية والطبيعية تسير في طريقها، فإننا نستطيع أن نستنتج أن هذا الكون لا يمكن أن يكون أزليًّا؛

وإلا لاستهلكت طاقته منذ زمن بعيد، وتوقف كل نشاط في الوجود.

وهكذا توصلت العلوم دون قصد إلى أن لهذا العالم بداية، وهي بذلك تثبت وجود الله، لأن ما له بداية لا يمكن أن يكون قد بدأ بنفسه، ولا بد له من مبدئ أو خالق وهو الإله.[ إدوارد لوثركيسيل، مقالة فلننظر إلى الحقائق دون ملل وتحيز، ضمن كتاب الله يتجلى في عصر العلم، ص33].

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثالثة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

*إبطال أزلية الكون:

إن ذرات الشموس تتحطم في قلبها المرتفع الحرارة، وبوساطة هذا التحطم الواسع المستمر تتولد هذه الطاقة الحرارية الهائلة، وكما هو معلوم فإن الذرة حين تتحطم تفقد جزءًا من كتلتها، حيث يتحول هذا الجزء إلى طاقة، ومعنى ذلك أن كل يوم يمر على الشمس يعني فقدان جزء ولو يسير من كتلتها، وكذا بقية النجوم.[ أحمد زكي، مع الله في السماء ]

لقد أمكن العلماء باستخدام العلاقات الإشعاعية وغيرها من الوسائل أن يقدّروا عمر الأرض، وقد قُدّرت بخمسة بلايين سنة، وعلى هذا فإن هذا الكون لا يمكن أن يكون أزليًّا، وهذا يتفق مع القانون الثاني من قوانين الديناميكا الحرارية، الذي قد سبقت الإشارة إليه.[ رونالدرو برتكار، مقالة موجهات جيولوجية، ضمن كتاب الله يتجلى في عصر العلم، ص91.]

ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل أثبت العلم أن هذا الكون بدأ دفعة واحدة منذ نحو خمسة بلايين سنة، ولا يزال في عملية انتشار مستمر تبدأ من مركز نشأته، واليوم لا بد لمن يؤمنون بنتائج العلوم من أن يؤمنوا بفكرة الخلق أيضًا، وهي فكرة تستشرف سنن الطبيعة، لأن هذه السنن إنما هي ثمرة الخلق أيضًا، ولا بد من أن يسلّموا أيضًا بفكرة الخالق الذي وضع هذه القوانين، فليس من المعقول أن يكون هناك خلق دون خالق.[ إدوارد لوثركيسيل، مقالة فلننظر إلى الحقائق دون ميل أو تحيز، ضمن كتاب الله يتجلى في عصر العلم، ص 33 و34.]

من كل هذا يتبين لنا أن هذا الكون ليس قديمًا، كما إنه لم ينشأ نشأة ذاتية فلا بد له من موجد أوجده.

*أدلة بطلان نظرية المصادفة:

نأتي هنا إلى أولئك الذين يقولون إن هذا العالم نشأ مصادفة، لنبين بالدليل القاطع استحالة ذلك.

1-ملاءمة الأرض للحياة:

تتخذ ملاءمة الأرض للحياة صورًا عديدة لا يمكن تفسيرها على أساس المصادفة أو العشوائية، فالأرض كرة معلّقة في الفضاء، تدور حول نفسها، فينتج من ذلك تتابع الليل والنهار، وتَسْبَح حول الشمس مرة كل عام، فيكون في ذلك تتابع الفصول، الذي يؤدي بدوره إلى زيادة مساحة الجزء الصالح للسكنى من سطح كوكبنا ، ويزيد اختلاف الأنواع النباتية أكثر

مما لو كانت الأرض ساكنة.

2-أما الغلاف الغازي الذي يحيط بالأرض فيشتمل على الغازات اللّازمة للحياة، ويمتد إلى ارتفاع كبير، ويبلغ من الكثافة درجة تحول دون وصول ملايين الشهب القاتلة إلينا.

وكثيرًا ما يَسْخَرُ بعضهم من صغر حجم الأرض بالنسبة إلى ما حولها من فراغ لا نهائي، ولو أن الأرض كانت صغيرة كالقمر، أوحتى أن قطرها كان ربع قطرها الحالي لعجزت عن احتفاظها بالغلافين الجوي والمائي، اللذين يحيطان بها،ولصارت درجة الحرارة فيهابالغة حد الموت

أما لو كان قطر الأرض ضعف قطرها الحالي لتضاعفت مساحة سطحها أربعة أضعاف وأصبحت جاذبيتها للأجسام ضعف ما هي عليه، وانخفض تبعًا لذلك غلافها الهوائي، وزاد الضغط الجوي من كيلوجرام إلى كيلوجرامين على السنتيمتر المربع، ويؤثر كل ذلك أبلغ الأثر في الحياة على سطح الأرض.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الرابعة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

*أدلة بطلان نظرية المصادفة:

بالإضافة إلى اتساع المناطق الباردة اتساعًا كبيرًا ونقص

 مساحة الأراضي الصالحة للسكنى نقصًا كبيرًا، وبذلك تعيش الجماعات الإنسانية منفصلة وفي أماكن متنائية، فتزداد العزلة بينها ويتعذر السفر والاتصال، بل قد يصير ضربًا من ضروب الخيال.

ولو كانت الأرض في حجم الشمس مع احتفاظها بكثافتها لتضاعفت جاذبيتها للأجسام، ونقص ارتفاع الغلاف الجوي، وأصبح تبخر الماء مستحيلًا، ولارتفع الضغط الجوي، ولوَصَلَ وزن الحيوان الذي يزن حاليًّا رطلًا واحدًا إلى 150 رطلًا، ولتضاءل حجم الإنسان حتى أصبح في حجم السنجاب، ولتعذرت الحياة الفكرية لمثل هذه المخلوقات.

ولو أزيحت الأرض إلى ضعف بعدها الحالي عن الشمس؛ لنقصت كمية الحرارة التي تتلقاها من الشمس إلى ربع كميتها الحالية،واستغرق دوران الأرض حول الشمس وقتًا أطول، وتضاعف تبعًا لذلك طول فصل الشتاء، وتجمدت الكائنات الحية على سطح الأرض.

ولو نقصت المسافة بين الأرض والشمس إلى ضعف ما هي عليه الآن لتلقت الأرض أربعة أمثال ما تتلقاه من الحرارة ولصارت الحياة على سطح الأرض مستحيلة.

وعلى ذلك فإن الأرض بحجمها وبعدها الحاليين عن كوكب الشمس، وسرعتها في مدارها تهيئ للإنسان أسباب الحياة، والاستمتاع بها في صورها المادية والفكرية والروحية، على النحو الذي نشاهده اليوم في حياتنا. وبعد كل هذا ندعي نظرية المصادفة!

*بطلان نظرية المصادفة من الناحية الرياضية:

النظريات الرياضية تضع أمامنا الحكم الأقرب إلى الصواب، مع تقدير احتمال الخطأ في هذا الحكم، فهل لنظرية المصادفة أي أسس رياضية سليمة؟

فلنتأمل معًا ما تستطيع أن تلعبه المصادفة في نشأة الحياة  : البروتينات هي مركبات أساسية في جميع الخلايا الحية، وتتكون من خمسة عناصر هي: الكربون، والأيدروجين، والنيتروجين ، والأكسجين، والكبريت، ويبلغ عدد الذرات في الجزيء البروتيني الواحد 40000 ذرّة. (أربعين ألف ذؤة)

  ولما كان عدد العناصر الكيماوية في الطبيعة 92 عنصرًا موزّعة كلها توزيعًا عشوائيًّا، فإن احتمال اجتماع هذه العناصر الخمسة لكي تكون جزيئًا من جزيئات البروتين، يمكن حسابه لمعرفة كمية المادة التي ينبغي أن تخلط خلطًا مستمرًا لكي تؤلف هذا الجزيء،ثم حساب طول الفترة الزمنية اللازمة لكي يحدث هذا الاجتماع بين ذرات الجزيء الواحد.

وقد قام عالم الرياضيات السويسري(تشارلزيوجين جاي)  بحساب هذه العوامل جميعًا، فوجد أن الفرصة لا تتهيأ عن طريق المصادفة لتكوين جزيء بروتيني واحد إلا بنسبة واحد إلى عشرة مضروبة في نفسها مئة وستين مرّة، وهو رقم لا يمكن النطق به أو التعبيرعنه بكلمات، وتكون كمية المادة اللّازمةلحدوث هذاالتفاعل بالمصادفة بحيث ينتج جزيء واحد أكثر مما يتسع لهذا الكون بملايين المرات.

ويتطلب تكوين هذا الجزيء على سطح الأرض وحدها عن طريق المصادفة بلايين لا تحصى من السنوات، قدّرها العالم السويسري بعشرة مضروبة في نفسها مئتين واثنتين وأربعين سنة!!.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الخامسة في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان : *سر الحياة :

 إضافة إلى ذلك، تتكون البروتينات من سلاسل طويلة من الأحماض الأمينية، فكيف تتآلف ذرات هذه الجزيئات؟ إنها إذا تآلفت بطريقة أخرى غير تلك التي تتآلف بها، تصير غير صالحة للحياة، بل تصير في بعض الأحيان سمومًا، وقد حَسَبَ العالم الإنجليزي (ج.ب.ليثر) الطرق التي يمكن أن تتآلف بها الذرات في أحد الجزيئات البسيطة من البروتينات، فوجد أن عددها يبلغ البلايين (عشرة مضروبة في نفسها ثمانٍ وأربعين مرة)، وعلى ذلك فإنه من المحال عقلًا أن تتآلف كل هذه المصادفات لكي تبني جزيئًا بروتينيًّا واحدًا.

ومع كل هذا فالبروتينات مواد كيميائية عديمة الحياة، ولا تدب فيها الحياة إلاعندما يحل فيها ذلك السر العجيب الذي لا ندري من كنهه شيئًا، إنه العقل اللانهائي، وهو الله وحده، الذي استطاع أن يدرك ببالغ حكمته أن مثل ذلك الجزيء البروتيني يصلح لأن يكون مستقرًا للحياة، فبناه وصوره وأغدق عليه سر الحياة.[ فرانك ألن، مقالة نشأة العالم هل هو مصادفة أم قصد، ضمن كتاب الله يتجلى في عصر العلم، ص 13 – 16.]

كيف لنا أن نفسّر هذه العمليات المعقّدة المنظمة تفسيرًا يقوم على أساس المصادفة  والتخطيط العشوائي؟ وكيف نستطيع أن نفسّر هذا الانتظام في هذا الكون والعلاقات السببية، والتكامل والتوافق والتوازن الذي ينتظم سائر الظواهر وتمتد آثارها من عصرإلى عصر؟كيف يعمل هذا الكون دون أن يكون له خالق مدبّر هو الذي خلقه وأبدعه ودبّرسائر أموره؟ دورة الماء في الطبيعة، ودورة ثاني أكسيد الكربون، وعمليات التكاثر العجيبة، وعمليات التمثيل الضوئي ذات الأهمية البالغة في اختزان الطاقة الشمسية، وما لها من أهمية بالغة في حياة الكائنات الحية، وما لا يحصى من عجائب هذا الكون.[ ميريتستان ليكونجدن، مقالة درس من شجيرة الورد، ضمن كتاب الله يتجلى في عصر العلم، ص 25 و26.]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السادسة في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان : *القانون الدوري:

إن أمور هذا الكون منظمة تنظيمًا دقيقًا مما ينفي فكرة المصادفة تمامًا، فمنذ مئة سنة تقريبًا استطاع العالم الروسي (ماندليف ) ترتيب العناصر الكيماوية تبعًا لتزايد أوزانها الذرية، ترتيبًا دوريًّا، وقد وجد العناصر التي تقع في قسم واحد تؤلّف فصيلة واحدة يكون لها خواص متشابهة ، فهل يمكن إرجاع ذلك إلى مجرد المصادفة؟

وكذلك تمكّن العلماء بفضل هذا الترتيب من أن يتنبؤوا بوجود عناصر لم يكن البشر قد توصّلوا إليها بعد، بل أمكن التنبؤ بخواص هذه العناصر المجهولة وتحديدها تحديدًا دقيقًا، ثم صدقت حساباتهم في جميع الحالات، فاكتُشفت العناصر المجهولة، وجاءت صفاتها مطابقة كل المطابقة للصفات التي توقعوها، فهل يبقى بعد ذلك مكان للاعتقاد أن أمور هذا الكون تجري على أساس المصادفة؟!

إن اكتشاف (مندليف) لايطلق عليه المصادفة الدورية ولكن يطلق عليه القانون الدوري!!

وقد عرف العلماء كذلك أن سرعة التفاعل بين ذرات المعادن القلوية والماء تزداد بزيادة أوزانها الذرية، بينما تسلك عناصر الفصيلة الهالوجينية سلوكًا مناقضًا لهذا السلوك كل المناقضة، ولا يعرف أحد سبب هذا التناقض، ومع ذلك فإن أحدًا لم يرجع ذلك إلى محض المصادفة، أو يظن أنه ربما يتعدّل سلوك هذه العناصر بعد شهر أو شهرين، أو تبعًا لاختلاف المكان والزمان، أو خطر بباله أن هذه الذرّات ربما لا تتفاعل بالطريقة نفسها، أو بطريقة عكسية أو بطريقة عشوائية .      [ جونكليفلاند كوثران، مقالة النتيجة الحتمية، ضمن كتاب الله يتجلى في عصر العلم، ص 28 و29.]

إن هذا النظام الذي نشاهده من حولنا ليس مظهرًا من مظاهر القدرة فحسب، بل إنه يتصف فوق ذلك بالحكمة، والاتجاه نحو تحقيق صالح الإنسان، ما يدل على أن اهتمام الخالق بما ينفع عباده لا يقل عن اهتمامه بالسنن والقوانين التي تنظم هذا الوجود.

*الماء العجيب:

فالماء مثلًا، يتوقع الإنسان من وزنه الجزيئي (18) أن يكون غازًا تحت درجة الحرارة المعتادة، والنمط المعتاد، فالنشادر مثلًا وزنها الجزيئي (17) تكون غازية عند درجة حرارة (-73)، وتحت الضغط الجوي المعتاد، وكبريتور الأيدروجين الذي يعتبر قريبًا في خواصه من الماء بحكم وضعه في الجدول الدوري، وله وزن جزيئي قدره (34)، يكون غازيًّا عند درجة حرارة (-59). ولذلك فإن وجود الماء على هذه الحالة السائلة في درجة الحرارة المعتادة يجعل الإنسان يقف ليفكر ويتدبّر كثيرًا!!

  وللماء فوق ذلك كثير من الخواص الأخرى ذات الأهمية البالغة، التي إذا نظر الإنسان إليها وجدها تدل على التصميم والتدبير المحكم، فالماء يغطي نحو ثلاثة أرباع سطح الأرض، وهو بذلك يؤثر تأثيرًا بالغًا في الجو السائد، ولدرجة الحرارة أهمية كبيرة، إذ بسببها يطفو الجليد على سطح الماء عندما تشتد البرودة، ويكوّن طبقة عازلة بينه وبين الماء تحفظ درجة حرارة الماء، ما يلائم استقرار الحياة تحت الماء، ولولا ذلك لتكوّنت كتل من الجليد أسفل البحار يصعب إذابتها، وعندما يأتي الربيع يذوب هذا الجليد بسرعة.

لذلك يقول أحد العلماء: إنني أرى في كل ظاهرة من هذه الظواهر أكثرمن الخلق والتدبيرالمجرد من العاطفة، إنني ألمس فوق كل ذلك محبة الخالق لخلقه واهتمامه بأمورهم.[ توماس دافيد باركسن، مقالة الماء يروي لك القصة، ضمن كتاب الله يتجلى في عصر العلم، ص 49 – 51.]

 إذًا يتبين لنا بما لا يدع مجالًا للشك أن المصادفة لا مكان لها في إيجاد العالم أو خلقه، فهذا مما لا يتصوره عقل عاقل.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السابعة في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان : *رادار الوطواط

وقد نستطيع في ضوء خبرة الإنسان العلمية أن نتقدم بالسؤال التالي: هل تم اختراع جهاز الرادار نتيجة المصادفة، أم عن طريق التصميم والاختراع، ثم هل تكوّن جهاز الرادار الموجود بجسم الوطواط، الذي لا يحتاج من الحيوان إلى انتباه، ولا يتطلب إصلاحًا ويستطيع أن يورثه لذريته عبر الأجيال، هل تكوّن عن طريق المصادفة أم عن طريق التصميم والإبداع؟

إن الخبرة العلمية للإنسان تقوم على التصميم، وعلى إدراك الأسباب، وعلى ذلك فإن المشتغل بالعلوم أوّل من عليه التسليم منطقيًّا بوجود خالق مبدع لا حدود لعلمه أو قدرته، سواء في ذلك المكان المتسع، أو كل ذرة أو جزئية من جزئيات هذا الكون اللانهائية في تفاصيلها الدقيقة.[ حسان منان، مقدمته لكتاب إثبات وجود الله في كتاب "في ظلال القرآن" لسيد قطب، ص 84.]

إن هذا الكون وما فيه من بدائع الحكم وغرائب المخلوق ودقيق الصنع مع العظمة والاتساع والتناسق والإبداع ، وهذه السماء الصافية بكواكبها وأفلاكها، وشموسها وأقمارها ومداراتها، والأرض بنباتها وخيراتها ومعادنها وكنوزها وعناصرها وموادها، وعالم الحيوان وما فيه من غريب الهداية والإلهام، وتركيب الإنسان وما حواه من أجهزة، وعالم البحار، والقوى الكونية وما فيها من حكم وأسرار،كل هذا يأتيك بالدليل القاطع والبرهان الساطع على العقيدة السهلة السليمة، وهي أن لهذا الكون خالقًا صانعًا موجِدًا، وأن هذا الصانع لا بد من أن يكون عظيمًا فوق ما يتصوره العقل البشري من العظمة، وقادرًا فوق ما يفهم الإنسان من القدرة، وحيًّا أكمل معاني الحياة.[ مجموعة رسائل الإمام حسن البنا، ص 304]

وقد قال (نيوتن ) في جواب عن سؤال وُجه إليه أن يقدم دليلًا في درجة المحسوس لوجود الخالق، فقال: لا تشكّوا في الخالق، فإنه مما لا يعقل أن تكون الضرورة وحدها هي فائدة الوجود، لأن ضرورة عمياء متجانسة في كل مكان وفي كل زمان لا يتصور أن يصدر منها ترتيب أجزاء، وتناسبها مع تغيرات الأزمنة والأمكنة، بل إن كل هذا لا يعقل أن يصدر إلا من كائن أولي له حكمة وإرادة.[ مقدمة حسان منان، ص 3.]

*هل الطبيعة هي الخالقة؟!

ما هي الطبيعة؟ ولماذا يقول بعضهم إن الطبيعة هي

 الخالقة؟

للطبيعة مفهومان؛ المفهوم الأول: أنها الأشياء ذاتها، فالجماد والحيوان والنبات، كل هذه الكائنات هي الطبيعة، إلا أنه مفهوم غير دقيق، وحكم غير سديد، كما سيتبين.

المفهوم الثاني: أنها عبارة عن صفات الأشياء وخصائصها، فهذه الصفات من حرارة وبرودة، ورطوبة ويبوسة، وملاسة وخشونة، وهذه القابليات من حركة وسكون، ونمو واغتذاء، وتزاوج وتوالد، كل هذه الصفات والقابليات هي الطبيعة.

أما القول الأوّل: فلا يخرج بالطبيعة بالنسبة إلى خلق الوجود عن تفسير الماء بالماء، فالأرض خلقت الأرض، والسماء خلقت السماء، وبطلان هذا القول بيِّن، فهو إما ادعاء بأن الشيء وجد بذاته من غير سبب، وقد تبين فساده بقانون السببية، وإما إدماج الخالق والمخلوق في كائن واحد، فالسبب عين المسبب، وهو مستحيل، بل هو من التهافت والتناقض بحيث لا يحتاج إلى الوقوف والشرح.

أما القول الثاني: وهو الاعتماد على قابليات الأشياء وخصائصها في التكوين، فنقول فيه: الحقيقة أن الذين يعزون الخلق إلى تلك القابليات والخصائص لا يخرجون عن كونهم واصفين لتلك الظواهر، لا يعرفون كنهها، ولم يكلّفوا أنفسهم عناء البحث عن حقيقتها، ولو فعلوا ذلك لوجدوا أن القابلية التي اعتمدوا عليها في خلق الشيء سراب خادع، يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا.

 إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثامنة في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان : *فالق الحب :

مثال: نضع حبة في التراب، ونسقيها بالماء، فتنتفخ وتنفلق.. فالقابليّة التي كانت في الحبة هي الانتفاخ  والانفلاق، ولولا هذه القابليات المتوالية لما حدثت تلك الظواهر الحيوية بصورة مستمرة، ولما نشأت عنها الثمرةفلنأت إلى هذه القابلية بالذات نبحث عن حقيقتها

لو لم تنتفخ الحبّة وتنفلق لما نشأ شيء، فمن الذي نفخها وفلقها ؟!  

لو كان للحبّة عقل وتدبير لقلنا: إن عقلها هو الذي هيأ لها ذلك، ولو أن الماء هو الذي نفخها وفلقها، لأمكن للماء أن ينفخ في الحديد فيفلقه، إذن فلا بد من مؤثر، وقبول لتأثير ذلك المؤثر، وإذا كانت الحبّة بذاتها -جدلًا- انتفخت وانفلقت، فلماذا لم تجمد وتضمر بدلًا من أن تنتفخ وتنمو؟!

ولكي يحصل التكاثر والبقاء يحتاج الأمر إلى عقل وإدراك، ومنهاج مرسوم من قبل لتلك البذرة، والبذرة لا تملك شيئًا من ذلك ! فكيف حصلت إذن ثمرة بعينها، بل كيف حصلت ثمار كثيرة متنوّعة، وكيف كمنت الغاية المعينة والصفات المقصودة في صميم كل بذرة منها؟

*احتراق الوقود.. هل يخلق المحرك؟!

  ولكي نزيد الأمر وضوحًا، نضرب لذلك مثالًا بمحرك السيارة، فإن تحرّك أجزاء المحرّك واحتراق البنزين والوقود، كل تلك الخصائص قابليات وطبائع، فهل تجد أن قابلية الاحتراق وخاصية الانفجار وقوانين الميكانيكا هي التي خلقت المحرّك، وأبدعت السيارة؟ لا شك في أن القابلية غير ذات الشيء، فالطبائع أسباب فرعية تساند مبدأ السببية.[ سعيد حوى، الله جل جلاله، ص111 – 114.]

*إله أم اثنان؟! :

من كل هذا الذي سردناه يتبين لنا أن هذا الكون حادث؛ له بداية ولا بد له من خالق أو مُوجد أوجده، وأن قضية المصادفة باطلة بكل المقاييس العقلية والعلمية، ولم يبق لنا إلا أن يكون هذا العالم أوجده إله قادر حكيم عليم محب لخلقه، كما تبين لنا مما سبق.

وهنا نكون قد وصلنا إلى نقطة فاصلة، فمن هذا الإله؟ ولماذا لا تكون آلهة متعدّدة؟ وما هي صفات هذا الإله؟

أقول إن هذا الكون العظيم تجمعه كله وحدة الانسجام والتنظيم، والترابط والتلاؤم بين جميع مكوناته، ما يدل على أن خالقه واحد. فلو كان هناك إلهان لهذا العالم فإما أن يكون الاثنان قويين، وإما عاجزين، فإن كانا عاجزين، فالعاجز مقهور، وغير كائن إلهًا، وإن كانا قويين، فإن كل واحد منهما يعجز عن صاحبه فهو عاجز، والعاجز لا يكون إلهًا، فإن كان كل واحد منهما قويًّا على صاحبه، فهو بقوة صاحبه عليه عاجز، إذن لم يبق إلا الواحد المطلق الذي لا يعجزه شيء.

ولو كان هناك إلهان، يريد أحدهما فعل شيء، ويريد الآخر فعل عكس ذلك الشيء، في الوقت نفسه، فمحال نفوذ الإرادتين لاستحالة المراد، فإن غلبت إرادة أحدهما على الآخر، فهذا الآخر عاجز مقهور، فهو ليس بإله، وبقي واحد.. إذًا فلا بد من أن يكون هذا الإله واحدًا.

كذلك لا بد أن يكون هذا الإله عليمًا حكيمًا قديرًا مدبرًا محيطًا سميعًا بصيرًا كبيرًا عظيمًا جميلًا. ولكن كيف عرفنا ذلك؟

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة التاسعة في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان : *مؤلّف الكتاب :

لو أخذنا كتابًا ودرسناه، فإننا نستطيع أن نتعرّف إلى كثير من صفات كاتبه أو مؤلّفه من خلال دراستنا للكتاب، فإذا كان في الكتاب أدب حكمنا على صاحبه بأنه أديب، وإذا كان مبتكرًا حكمنا على صاحبه أنه مبدع، وإذا كان بليغًا حكمنا على صاحبه أنه بليغ، وإذا كان فيه إحاطة في موضوعه قلنا عن صاحبه بأنه محيط ،وإذا كان فيه دقّة وجمال في العرض،حكمنا على صاحبه بأنه ذواق ودقيق، وإذا كان الكتاب مرتّبًا منظّمًا منسجمًا متسلسل الأفكار، حكمنا على صاحبه بأنه ناضج، وإذا كان في الكتاب علم كثير، حكمنا على صاحبه بأنه عليم، وهكذا......،

فكل ظاهرة في الكتاب تدلنا على صفة من صفات صاحبه نسمي صاحبه بسببها اسمًا مشتقًا منها، له علاقة بها، وبالتالي نكون قد عرفنا صاحب الكتاب.

ولنطبق هذه القاعدة، فكل ظاهرة من ظواهر الكون تدل على اسم من أسماء خالق هذا الكون أو أكثر، فالكون من آثار خالق هذا الكون، فظاهرة القدم وحدوث العالم تدل على أنه الأوّل والخالق، وظاهرة الحياة تدل على أنه المحيي المميت، وظاهرة الحكمة تدل على أنه الحكيم وهكذا.[ سعيد حوى، الله، ص127 و128.]

هل تشك في وجود نفسك؟! :

يقول "جون لوك" الفيلسوف الإنجليزي الشهير، في كتابه "محاولة الفهم البشري":

إنه لأجل إثبات الخالق لا ترانا في حاجة إلا إلى التأمل في أنفسنا وفي وجودنا، فإنه مما لا مشاحة فيه أن كلًا منا يعتقد أنه موجود، وأنه شيء من أشياء الوجود، أما الذي يشك في وجود نفسه فليس لنا معه كلام، وإننا نعلم أيضًا ببداهة العقل أن العدم لا ينتج مطلقًا كائنًا حقيقيًّا، ومن هنا يظهر لنا بوضوح جلي وبأسلوب

 رياضي أنه لا بد من أن  يكون قد  وجد شيئًا من الأزل.

لأن كل ما له بداية يجب أن يكون نابعًا من شيء تقدّمه، ومما لا ريب فيه أن كل كائن يكتسب وجوده من غيره يستمد منه كل ما هو متمتع به من الخصائص والصفات، إذًا فالينبوع الأزلي الذي نتجت منه جميع الكائنات، يجب أن يكون هو أصل جميع قواها، فهو إذن قادر على كل شيء.

وغير ذلك فإن الإنسان يرى في نفسه قوة على العلم، فيجب أن يكون الأصل الأزلي الذي نتج منه الإنسان عالمًا، لأنه لا يعقل أن ذلك الأصل يكون مجرّدًا عن العلم، وتنتج منه كائنات عاقلة، وما يناقض البداهة أن المادة المجرّدة من الحس تتمتع نفسها بعقل لم يكن لها من قبل، فيجب بالبداهة أن يكون أصل الكون عاقلًا بل لا حد لعقله.[ مقدمة حسان منان لكتاب إثبات وجود الله، ص39.]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة العاشرة في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان : *هل كنت موجودًا قبل أن توجد؟!

يقول (فنيلون) ؛ وهو من كبار فلاسفة القرن السابع عشر في كتابه "وجود الله وصفاته":

"إنما علمت ببحثي في نفسي أني لم أخلق ذاتي ؛ لأن إيجاد الشيء يقتضي الوجود قبله، فيلزم على ذلك أني كنت موجودًا قبل أن أوجد، وهو تناقض صريح، فهل أنا موجود بذاتي؟

فلأجل أن أجيب عن هذا السؤال يلزمني أن أعرف ماذا يجب أن يكون عليه الكائن الموجود بذاته، يجب أن يكون أزليًّا ثابتًا، ولا يكون محتاجًا لشيء من الخارج عنه... إذن فلست أنا الكامل كمالًا مطلقًا، ولست أنا القائم بنفسي،فلا بد إذن من قيّوم أوجدني، وإذا كان غيري أوجدني فلا بد من أن يكون موجودًا بذاته، ويلزم من ذلك أن يكون كاملًا كمالًا مطلقًا، فهذا الكائن القائم بذاته، الذي أنا قائم به، هو الله.    [ مقدمة حسان منان لكتاب إثبات وجود الله، ص 34.]

إذن قد عرفنا أن هناك إلهًا وأنه متّصف بصفات الكمال، لكن ما علاقتنا بهذا الإله، هل خلقنا وتركنا كي نصل إليه بعقلنا؟ وهل العقل كافٍ في الوصول إليه؟ وماذا بعد ذلك؟ ولماذا خلقنا؟

أقول لك إن العقل غير كافٍ في الوصول إلى الله ومعرفته حق المعرفة، وإن كان كافيًا في الدلالة عليه، فهو غيركافٍ في القيام بحق هذا الإله؛ إذ إن العقل قد تعتريه بعض الأهواء التي تضلّه، وبعض الغرائز التي جُبل عليها الإنسان والتي قد تؤثر في صحة رؤيته، بالإضافة إلى تفاوت الناس في عقولهم، فليست العقول سواء.

ولقد جعل الله الأداة الأولى لإدراك وجوده هي العقل، فالعقل هو الذي يدرك وجود الله تعالى بالدليل العقلي الذي وضعه الخالق في الكون، ولكن مهمّة العقل بالنسبة إلى هذا الوجود محدودة، ذلك أننا بالعقل ندرك أن هناك خالقًا مبدعًا قادرًا، ولكننا بالعقل لا نستطيع أن ندرك ماذا يريد الخالق منا، وكيف نعبده، وكيف نشكره، وماذا أعد لنا من جزاء، يثيب به من أطاعه، ويعاقب به من عصاه، فهذا كله فوق قدرة العقل.

ولذلك كان لا بد أن يرسل الله الرسل ليبلغونا عن الله، لماذا خلق الله هذا الكون؟ ولماذا خلقنا؟ وما هو منهج الحياة الذي رسمه لنا لنتّبعه؟ وماذا أعد لنا من ثواب وعقاب؟ فتلك مهمة فوق قدرات عقولنا، وتلك مهمة لو استخدمنا فيها العقل لن نصل إلى شيء.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الحاديةعشرة في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان : العقل وحده لا يكفيك:

يظن الإنسان أنه يستطيع أن يصل إلى كل شيء وحده، وأن يدرك الحقيقة كاملة بنفسه، برغم أنه لا يعلم نفسه ولا ما يستقر فيها من مشاعر ولا يدرك حقيقة نفسه ولا حقيقة مشاعره.

العقل لا يدرك حتى هذه اللحظة ما هو العقل نفسه؟ وأين يوجد هذا العقل؟ هل هو في الرأس أم في القلب أم في سائر الجهاز العصبي؟ وما هي العلاقة بين الدماغ والعقل والجهاز العصبي بشكل عام؟ هل العقل أمر مادي محسوس أم أنه لا يمتلك مكانًا محسوسًا في جسم الإنسان، وهو في ذلك مثيل للروح؟ وحتى هذه اللحظة فإن العقل لم يُدرَك بالعقل!! وإذا كان العقل لا يستطيع أن يدرك كنه ذاته بذاته فكيف بهذا العقل المُبهم المجهول أن يدرك كنه خالقه سبحانه وتعالى؟!!

فالعقل نفسه لا يعرف كيف يعمل، لأنه لا يملك مراقبة نفسه في أثناء عمله، وحين يرقب نفسه يكف عن عمله الطبيعي، فلا يبقى هناك ما يراقب، وحين يعمل عمله الطبيعي لا يملك أن ينشغل في الوقت ذاته بالمراقبة، ومن ثم فهو عاجز عن معرفة خاصة ذاته، وعن معرفة طريقة عمله، وهو الأداة التي يتطاول بهاالإنسان        [ سيد قطب، إثبات وجود الله، ص87.]

بل إن الإنسان لم يكن يومًا من الأيام قادرًا على حماية نفسه من المطامع والحروب والصراع، حتى بعد أن أحرز مفاتيح العلوم، وعرف سنن الطبيعة، بل لعله لم يكن في يوم من الأيام أشد منه في هذه الأيام صراعًا واندفاعًا واستعدادًا لمثل هذه الأمور.

إن الإنسان هو الإنسان مهما تقدّم في مضمار السبق

العلمي، وما لم تتقدّم مفاهيمه النفسية والروحية، فتعلو به عن الهوى والمادة والمطامع ، فسيستعمل كل ما أحرزه  من تقدّم في سبيل الشر، ولن يكون الإنسان آمنًا على نفسه ومجتمعه، إلا إذا كان مؤمنًا بالله، ملتزمًا منهاجه، متحركًا داخل إطاره.[ أحاديث إلى الشباب عن العقيدة والنفس والحياة في ضوء الإسلام، للأستاذ أنور وجدي، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، العدد 165، 15 ذي الحجة، 1394، 26 ديسمبر1974]

*طريق الرسل :

من هنا كان لا بد من طريق آخر يدعم صحيح العقل ويؤيده، وهذا الطريق هو طريق الرسل الذين قامت الأدلّة على صدقهم، والذين جاؤوا بالدين الصحيح؟ ولكن أي دين؟!

هناك العديد من الأديان التي لا نستطيع عدّها، فهناك من يعبد حجرًا وهناك من يعبد صنمًا وهناك من يعبد فأرًا، وهناك من يعبد القمر، وهناك من يعبد الشمس، وهناك من يعبد بشرًا، وهناك من يعبد الخلاء، وهناك من يعبد إلهًا يزعم أنه ليس من حق الغير أن يعرفه.

وهناك من يعبد إلهًا فوق كل هذا، خلق الشمس والقمر وأوجد البشر والحجر، يتصف بكل صفات الكمال ويتنزه عن كل صفات النقص، ومن حق كل البشر أن يعرفوه، وأن يعبدوه، وأن يشكروه؛ لأنه خالقهم وإلههم، وأنزل لهم دينًا يدعو إلى كل خير، وينهى عن كل شر، دين وسط لا يكلف أتباعه فوق ما يطيقون، ولا يتركهم يلعبون، وهذا الدين يسمى الإسلام.

كما أن هناك العديد من المذاهب الفلسفية التي دعت

 إلى عبادة الإله، ووصفت هذا الإله بأوصاف متعدّدة

وفق ما ارتأته هذه المذاهب وواضعوها. فأي هذه المذاهب والأديان دين الله الذي أرسل به الرسل؟! وما مكانته بين هذه الأديان التي يكتظ بها العالم؟!

وللتوضيح نستعرض العقيدة الإلهية في عدد من المذاهب والأديان، ومقارنتها بالعقيدة الإسلامية تلك التي نقول عنها إنها أكمل الأديان وأتمها، وإنها دين الله الذي كلّف البشر جميعهم أن يتبعوه.

ونكتفي بالعقيدة الإلهية؛ لأن العقيدة في الإله رأس العقائد الدينية بجملتها وتفصيلها، فمن عرف عقيدة قوم عرف نصيب دينهم من رفعة الفهم والوجدان، ومن صحة المقاييس التي يقاس بها الخير والشر، وتقدّر بها الحسنات والسيئات، فلا يهبط دين وعقيدته في الإله عالية،ولايعلو دين وعقيدته في الإله هابطة لا تناسب صفات الموجود الأوّل الذي تتبعه جميع الموجودات.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثانيةعشرة في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان : الإله عند اليونانيين:

نبدأ بتصور اليونانيين للإله، فقد كان هناك صورتان للإله عند اليونانيين؛ صورة فيها تنزيه وتجريد للإله، تصفه ببعض صفات الكمال الواردة في مذاهب الفلاسفة وعلى رأسهم أرسطو، وصورة تقترب فيها صورة الإله من الشيطان في عقائد العامة.. فلنتأمل الصورتين.

عند أرسطو :

أن الإله كائن أزلي، أبدي، مطلق الكمال، لا أوّل له ولا آخر، ولا عمل له، ولا إرادة؛ مذ كان العمل طلبًا لشيء، والله غني عن كل طلب؛ وقد كانت الإرادة اختيارًا بين أمرين، والله قد اجتمع عنده الأصلح والأفضل من كل كمال، فلا حاجة به إلى الاختيار بين صالح وغير صالح، ولا بين فاضل ومفضول، وليس مما يناسب الإله في رأي أرسطو أن يبتدئ العمل في زمان، لأنه أبدي سرمدي لا يطرأ عليه طارئ يدعوه إلى العمل، ولا يستجد عليه من جديد في وجوده المطلق بلا أوّل ولا آخر، ولا جديد ولا قديم، وكل ما يناسب كماله فهو السعادة بنعمة بقائه التي لا بغية وراءها، ولا نعمة فوقها ولا دونها، ولا تخرج من نطاقها عناية تعنيه.

فالإله الكامل المطلق الكمال: لا يعنيه أن يخلق العالم أو يخلق مادته الأولى "الهيولى"، ولكن لهذه الهيولى قابلية للوجود، ويخرجها من القوة إلى الفعل شوقها إلى الوجود الذي يفيض عليها من قبل الإله، فيدفعها هذا الشوق إلى الوجود، ثم يدفعها من النقص إلى الكمال المستطاع في حدودها، فتتحرك وتعمل بما فيها من الشوق والقابلية.

ولا يقال عنها: إنها من خلق الله إلا أن تكون الخلقة على هذا الاعتبار.. كمال مطلق لا يعمل ولا يريد، أو كمال مطلق يوشك أن يكون هو والعدم المطلق على حد السواء.. هذا هو مذهب أرسطو.

عقائد العامة :

كان "جوبيتر" رب الأرباب عندهم؛ حقودًا لدودًا،

 مشغولًا بشهوات الطعام والغرام، لا يعنيه من شؤون الأرباب والمخلوقات، إلا ما يعينه على حفظ سلطانه، والتمادي في طغيانه.

وكان يغضب على "أسقولاب" إله الطب، لأنه يداوي المرضى، فيحرمه جباية الضريبة على أرواح الموتى الذين ينتقلون من ظهر الأرض إلى باطن الهاوية، وكان يغضب على "برومنيوس" إله المعرفة والصناعة، لأنه يعلم الإنسان كيف يستخدم النار في الصناعة، وكيف يتخذ من المعرفة قوة تضارع قوة الأرباب، وقد حكم عليه بالعقاب الدائم، فلم يقنع بموته ولا بإقصائه عن حظيرة الآلهة، وكان يخادع زوجته "هيرة" من أجل عشيقاته.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثالثةعشرة في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان : الإله في الديانات الهندية :

ومثل الأمم القديمة كمثل اليونان، في بعد الفارق بين صورة الإله في حكمة الفلاسفة وصورته في شعائر الكهان والمتعبدين، فالهند القديمة كانت تطوي هياكلها ومعابدها على طوائف من الأرباب، منها ما يلحق بالحيوان وعناصر الطبيعة، ومنها ما يلحق بالأوتاد والأنصاب، وكثير منها يتطلب من سدنته أن يتقرّبوا إليه بالبغاء المقدس وسفك الدماء.

وقد انتهى إلى ثالوث أبدي يشتمل على ثلاث من الصور الإلهية، هي الإله "برهما" في صورة الخالق، والإله "فيشنو" في صورة الحافظ، والإله "سيفا" في صورة الهادم، فجعلوا الهدم وسفك الدماء من عمل الإله الأعلى، وزادوا على ذلك أنهم جعلوا لكل إله قرينًا يسمونه "الشاكني" أو الزوجة أو الصاحبة، فينسبون إليها من الشرور ما ينزهون عنه قرينها أو صاحبها.

فهذه الأرباب صورة، لا تبتعد عن صور الشياطين والعفاريت والأرواح الخبيثة المعهودة في أقدم الديانات.

فإذا ارتفعنا إلى معارج التجريد والتنزيه بلغنا منها ذروتها العليا في صورتين هما: "الكارما" و"النرفانا"، وكلتاهما من قبيل المعاني الذهنية، وقل أن توصف بهما الذات الإلهية، فالكارما حالة من الحالات العامة، يمكن أن يعبر عنها بأنها هي ما ينبغي، وهي الوضع الحاصل على النحو الأمثل، فليست ذاتًا إلهية معروفة الصفات، ولكنها مرادف لكلمة الواجب.

و"النرفانا"؛ حالة أقرب إلى العدم التي تنتهي إليها جميع الأرواح حين تفرغ من عناء الوجود، وتتساوى فيه أرواح الآلهة وأرواح البشر.

*الديانات في مصر القديمة:

بلغت عقائد المصريين القدماء في الآلهة درجة عالية من الرقي في التوحيد والتنزيه، وإن كانت في العبادات الشائعة تهبط أحيانًا إلى مهبط الديانات الغابرة من عبادة الطوطم والأنصاب، وعبادة الأرواح الخبيثة والشياطين.

فقد بلغت ذروتها في التوحيد والتنزيه في ديانة آتون، التي بشر بها الفرعون المنسوب إليه إخناتون، ويؤخذ من صلوات إخناتون المحفوظة في أيدينا، أنه كان يصلي إلى خالق واحد ، يكاد يقترب في صفاته من الإله الخالق، الذي يصلي له العارفون من أتباع الديانات الكتابية، لولا شائبة من العبادة الوثنية علقت به من عبادة الشمس، فكانت هذه الشمس رمزًا له ومرادفًا لاسمه في معظم الصلوات.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الرابعة عشرة في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان : الإله.. بين التنزيه والشيطان:

ونكتفي بتلك النماذج لتكون شواهد على ما ارتقت إليه فكرة الألوهية من التنزيه، وما هبطت إليه من التجسيم والتشبيه.

فأما تلك الديانات التي قرّبت صورة الإله من صورة

 الشيطان، ووصفته بما لا يصح، فهي باطلة في ذاتها لا تحتاج إلى إبطال، وأما تلك التي نزهت الإله فيلاحظ عليها أمران:

الأول: أن فكرة التنزيه كانت مقصورة على الفئة القليلة من المفكرين، والمطلعين على صفوة الأسرار الدينية.

الثاني: أنه تنزيه لم يسلم في كل أوقاته من ضعف يعيبه عقلًا، ويجعله غير صالح للأخذ به في عبادات العامة على الخصوص.

ففي الديانة المصرية القديمة، لم تسلم فكرة التوحيد من شائبة الوثنية، ولم تزل عبادة الشمس ظاهرة الأثر في عبادة آتون.

وديانة الهند لم تهدِ الناس إلى الإيمان بذات إلهية معروفة الصفات، وليست في معبوداته أشرف من الكارما والنرفانا، وهي بالمعاني الذهنية أشبه منها بالكائنات الحية، وإحداهما وهي النرفانا أقرب إلى الفناء من البقاء.

والتنزيه الفلسفي الذي ارتقت إليه حكمة اليونان في مذهب أرسطو يكاد يلحق الكمال بالعدم المطلق، ويخرج لنا صورة للإله لا تصلح للإيمان بها ولا للاقتناع بها على هدي من الفهم الصحيح.

كل ذلك لا يبلغ بالتنزيه الإلهي مبلغه الذي جاءت به الديانة الإسلامية، صالحًا للإيمان به في العقيدة الدينية، وصالحًا للأخذ به في المذاهب الفكرية.[ عباس العقاد، حقائق الإسلام وأباطيل خصومه.]

*الإله في الإسلام : فما هي صفات الإله في الإسلام؟ ومن هو هذا الإله؟ وما اسمه؟

مجمل ما يُقال عن العقيدة الإلهية في الإسلام؛ أن الذات الإلهية هي غاية ما يتصوره العقل البشري من الكمال في أشرف الصفات. فالعقيدة الإلهية في الإسلام فكرة تامة؛ لا يتغلب فيها جانب على جانب،ولا تسمح بعارض من عوارض الشرك والمشابهة، ولا تجعل لله مثيلًا في الحس ولا في الضمير، بل له المثل الأعلى؛ (فكل كمال في نفسه ثبت للمخلوق ليس فيه نقص بوجه من الوجوه، فإن الخالق أولى به من المخلوق، وكل نقص تنزه عنه المخلوق، فالخالق أولى بأن يتقدس ويتنزه عنه) و{ ليس كمثله شيء} ، فالإله وحده لا شريك له، "ولم يكن له شريك في الملك".

والمسلمون هم الذين يقولون {ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء}، ويقولون أيضًا {ولن نشرك بربنا أحدًا}.

ويرفض الإسلام الأصنام على كل وضع من أوضاع التمثيل أو الرمز أو التقريب، وللإله في الإسلام أعلى صفات الكمال، وله الأسماء الحسنى، فلا تغلب فيه صفات القوة والقدرة على صفات الرحمة والمحبة، ولا تغلب فيه صفات الرحمة والمحبة على صفات القوة والقدرة. فهو قادر على كل شيء، وهو عزيز ذو انتقام، وهو كذلك رحمن رحيم، وغفور رحيم، وسعت رحمته كل شيء، وهو الخالق دون غيره.

فليس الإله في الإسلام مصدر النظام وكفى، ولا مصدر الحركة الأولى وكفى،ولكن الله {خالق كل شيء}، {وخلق كل شيء فقدّره تقديرًا}، {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده}، {وهو بكل شيء عليم }.

الله في الإسلام {عالم الغيب والشهادة}، و{لا يعزب

 عنه مثقال ذرة}، وهو لا يغفل عن خلقه، {وما كنا عن الخلق غافلين}، و{وسع كل شيء علمًا}، وهو {عليم بما في الصدور} وهوكذلك مريد و{فعال لما يريد}

فكانت فكرة الله في الإسلام هي الفكرة المتممة لأفكار كثيرة موزعة في هذه العقائد الدينية والمذاهب الفلسفية التي تدور عليها، ولهذا بلغت المثل الأعلى في صفات الذات الإلهية، وتضمّنت تصحيحًا للضمائر، وتصحيحًا للعقول في تقرير ما ينبغي لكمال الله، بطريق الإيمان وطريق النظر والقياس. الإله في الإسلام واحد صمد

لا يحيط به الزمان والمكان،وهو محيط بالزمان والمكان، فهو الأوّل وهو الآخر وهو الظاهر وهو الباطن،{وهو بكل شيء محيط}.

كذلك جاء الإسلام بالقول الفصل في مسألة البقاء

والفناء؛ فالإله وحده هو الأبدي السرمدي الذي ليس في زمان، وبقاء المخلوقات في زمان، وبقاء الخالق بقاء أبدي سرمدي لا يحده الماضي والحاضر والمستقبل، فالإله هو الحي الذي لا يموت، "وهو الذي يحيي ويميت"، "وكل شيء هالك إلا وجهه"، ولا بقاء على الدوام إلا لمن له الدوام ومنه الابتداء وإليه الانتهاء.

   [ عباس العقاد، الله، ص 109 – 111.]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الخامسة عشرة في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان : *صفات الله في الإسلام:

للاقتراب أكثر من معرفة الإله في الإسلام.. معرفة الله

 ، الذي يؤمن المسلمون بأن معرفته على وجه الدقّة والإحاطة  غير ممكنة، لقصور العقل البشري عن ذلك، إلا أن مستوى المعرفة الإسلامية عن الله هي أكمل العقائد الدينية التي عرفها واهتدى إليها البشر، ولا يحتاجون أكثر منها،وهي المعرفة الراقية والصحيحة، التي توصلوا إليها بالنقل والعقل،وللتعرف إليها سنقترب سريعًا من هذه الصفات وباختصار:

واحد: لا شريك له، فهو إله واحد في ذاته؛ لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد؛ وليست له زوجة ولا صاحبة ولا أولاد، وجميع البشر لديه سواسية، فهو ربهم وخالقهم، وهم عباده، واحد في صفاته، وهذه الوحدانية هي جوهر العقيدة الإسلامية، واحد في ذاته.

أحد: الذي لا نظير له ولا وزير، ولا شبيه ولا عديل؛ لأنه الكامل في جميع صفاته وأفعاله.

صمد: سيد قد كمل في سؤدده، باقٍ بعد خلقه، يصمد إليه الخلائق في حوائجهم ومسائلهم، لم يلد ولم يولد، قد تنزه عن الطعام والشراب.

رحمن رحيم: يخلص عباده من أنواع الآفات، ويوصل الخيرات إلى أصحاب الحاجات. ملك: يستغني في ذاته وصفاته عن كل موجود، ويحتاج إليه كل موجود، وكل شيء سواه هو له مملوك في ذاته وصفاته، وتحت ملكه وقهره وإرادته. قدوس: منزه عن كل وصف يدركه حس أو يتصوره خيال، أو يسبق إليه وهم، أو يختلج به ضمير، أو يقضي به تفكير، فالقدوس عبارة عن كون حقيقة ذاته مخالفة للماهية التي هي في أنفسها نقائص.

حكيم: صاحب الحكمة الحقيقية المطلقة. سلام: الذي تسلم ذاته عن العيب، وصفاته عن النقص، وأفعاله عن الشر، وليس في الوجود سلامة إلا وكانت منسوبة إليه صادرة عنه.

مؤمن: فهو الذي يمنح الأمن والأمان. مهيمن: يقوم على خلقه بأعمالهم وأرزاقهم وآجالهم.

عزيز: لا يوجد له نظير، ويحتاج إليه كل شيء في وجوده وبقائه وصفاته، فهو قد عز عن كل شيء فقهره، ولا يُنال جنابه لعزته وعظمته وجبروته. جبار: تنفذ مشيئته على سبيل الإجبار في كل أحد. متكبّر: لا يرى العظمة والكبرياء إلا لنفسه. خالق: خلق كل شيء، ولم يخلقه شيء، موجد الكل من العدم، وهو موجود منذ القدم، يخلق ما يشاء وينشئ الإنشاء، وهو على كل شيء قدير، خلق الإنسان من نطفة، وجعل له عينين ولسانًا وشفتين، كل ما على الأرض وما في السماء خلقه، بل والأرض والسماء خلقه، فأين خلق غيره؟!

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السادسة عشرة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *صفات الله في الإسلام:

بارئ: يبري الخلق بعد أن يوجدهم للحياة، فيفصل بعضهم عن بعض، فالباري هو الذي يبري ويبدع التفصيل، كمن يصنع القلم الرصاص، فإن القلم يكون غير صالح للكتابة إلا إذا براه، فلا بد للقلم من بارٍ يبريه، فإذا براه فقد هيأه للكتابة، فكذلك الخالق سبحانه وتعالى، ولله المثل الأعلى أوجد الخلق، وأصلحهم وهيأهم للحياة. مصور: هو الإله الذي خلق فأوجد، والذي برى ففصل، والذي صوّر فأبدع، من أرض وسماء، وشمس وقمر، ونجوم وكواكب، وما بينهما من ماء وهواء ونبات وجماد ومخلوقات تملأ الكون جمالًا وإجلالًا، تنطق بعظمة المصوّر، فإذا نظر الإنسان إلى عينه فقط بحجمها الصغير، وما يتم فيها من عمليات معقدة في جزء من الثانية لتحدث عملية الإبصار، كل ذلك والإنسان لا يشعر بشيء، وكذلك كل ما حولنا من أرض وسماء ليس هناك اختلال في شيء، فسبحان المصوّر. أوّل آخر: سابق على الموجودات، ومنه المبدأ أوّلًا وهو الذي إليه مصير الموجودات، وإليه المرجع والمصير آخرًا. ظاهر باطن: ظاهر فليس فوقه شيء، باطن فليس دونه شيء. حي قيوم: دائم الحياة التي لم تُسبق بموت، ولم يطرأ عليها موت، عظيم القيومية على كل شيء، ولولا قيوميته على الخلائق ما استقام من أمر العوالم شيء. علي: الذي لا رتبة فوق رتبته، ولا شيء فوقه ولا يغلبه شيء. عظيم: كل شيء أمام عظمته صغير حقير، ولا يتصوّر العقل أن يحيط بكنه حقيقته، فهو عظيم في العلم والعمل، عظيم في الرحمة والحكمة، عظيم في كمال القدرة. عليم: يحيط علمًا بكل شيء، ظاهره وباطنه، دقيقه وجليله، أوّله وآخره، عاقبته وفاتحته. حليم: لا يعجّل بالعقوبة؛ يشاهد معصية العصاة، ويرى مخالفة الأمر ثم لا يعتريه غضب ولا غيظ، ولا يحمله على المسارعة إلى الانتقام، أو الامتناع عن إيصال الرحمة، مع غاية في الاقتدار. عفو: لا يؤاخذ على كل ذنب، فهو يعفو عن سيئات عباده، ولولا عفوه لأهلكهم جميعًا. غفور: تام الغفران كامله، حتى يبلغ أقصى درجات المغفرة. سميع: لا يعزب عن إدراكه مسموع وإن خفي. بصير: يشاهد ويرى كل شيء ولا يخفى عنه شيء. حق: الذي يضاد الباطل، فهو الحق المطلق، والموجود الحقيقي بذاته، الذي يأخذ منه كل حق حقيقته، وهو الذي يكون وجوده ثابتًا لذاته أزلًا وأبدًا، ومعرفته حقًا أزلًا وأبدًا، وكل ذلك لذاته فقط لا لغيره. كبير: ذو الكبرياء وكمال الذات، فهو كبير في ذاته.

لطيف: الذي يعلم دقائق المصالح وغوامضها، وما دقّ منها وما لطف، ثم يسلك في إيصاله إلى المستحق سبيل الرفق بطرق خفيّة عجيبة.

خبير: لا تعزب عنه الأخبار الباطنة، ولا يجري في الملك والملكوت شيء، ولا تتحرك ذرة ولا تسكن، ولا تضطر بنفس ولا تطمئن إلا ويكون عنده خبره.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السابعة عشرة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيتين والتي هي بعنوان : *صفات الله في الإسلام:

 غني: غنى ذاتي لا يفتقر معه إلى شيء أبدًا.

حميد: محمود مثنى عليه، فهو الحميد بحمد نفسه أزلًا، وبحمد عباده له، ويرجع ذلك إلى صفات الجلال والعلو والكمال، منسوبًا إلى ذكر الذاكرين له. رؤوف: ذو الرأفة، والرأفة شدة الرحمة، لكن الرأفة أميل إلى جانب إيصال النفع، والرحمة أميل إلى جانب دفع الضرر، فهو بمعنى الرحيم مع المبالغة. قهّار: الذي يقصم ظهور الجبابرة من أعدائه، وهو الذي لا موجود إلا وهو مسخّر تحت قهره وقدرته، وعاجز في قبضته. غفّار: الذي أظهر الجميل وستر القبيح، وغفر الذنوب، وأسقط العقاب عن المذنبين، فهو الذي يغفر الذنب وإن تكرّر، وأصل المغفرة الستر. توّاب: الذي ييسر أسباب التوبة لعباده مرّة بعد أخرى. وهّاب: صاحب الهبات والعطايا الخالية عن الأعواض والأغراض. ولي: محب ناصر لأوليائه المؤمنين. ودود: الذي يحب الخير لجميع الخلق، فيحسن إليهم، وهو قريب من معنى الرحيم، ولكن الرحمة مضافة إلى مرحوم، والمرحوم هو المحتاج والمضطر، وأفعال الرحيم تستدعي مرحومًا ضعيفًا، وأفعال الودود لا تستدعي ذلك، بل الإنعام على سبيل الابتداء من نتائج الود، برّ منه كل مبرّة وإحسان. خلّاق: كثير المخلوقات. رازق : الذي خلق الأرزاق، وأوصلها إلى خلقه، وخلق لهم أسباب التمتع بها. قوي: والقوة هي القدرة التامة، فالإله سبحانه وتعالى بالغ القدرة تامها. متين: والمتانة تدل على شدة القوة، فشديد القوة يسمى متين. فتّاح: الذي بعنايته يفتح كل مغلق، وبهدايته ينكشف كل مشكل، وبيده مفاتح الغيب ومفاتح الرزق. قدير: على كل شيء يميت الشاب النشيط، ويبقي الهرِم الفاني، وهو على كل شيء قدير. واسع: ذو السعة المطلقة من العلم والإحسان وبسط النعم. كريم: الذي إذا قدر عفا، وإذا وعد وفّى، وإذا أعطى زاد على منتهى الرجا، ولا يبالي كم أعطى ولمن أعطى، وإن وقعت حاجة إلى غيره لا يرضى، وإذا جفى عاتب وما استقصى، ولا يضيع من لاذ به والتجأ، ويغني عن الوسائل والشفعاء. رقيب: الذي يراقِب ولا يراقَب، ويلاحِظ ولا يلاحَظ، ويدرِك ولا يدرَك، العليم بكل شيء، الحفيظ لكل شيء، المترصّد، المراعي الذي لا يغفل عن شيء، الذي يسمع ويرى، الحاضر الذي لا يغيب. مجيب: الذي يجيب الداعين، ويعطي السائلين، ويكفي المضطرين، قد علم حاجة المحتاجين قبل أن يخلقهم فدبّر لهم الأمر. مليك: تعالى أمره في الملك. مقتدر: تعالى أمره في القدرة، فهو ذو القدرة الحكيمة الذي يفعل ما يشاء ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، له الإرادة المطلقة والمشيئة المحقّقة، القادر على كل شيء، ولا يقدر عليه شيء، القادر بذاته المقتدر بصفاته، المتمكّن المتحكّم في ملكوته، الذي لا رادّ لقضائه، ولا دافع لقدره، الذي يملك ويحكم ولا معقّب لحكمه، ويأمر وينهى ولا رادّ لأمره.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثامنة عشرة في موضوع ( الله ) والتي

ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*صفات الله في الإسلام:

حكم: فهو الحكم الأكبر الذي لا يظلم عنده أحد، ولا يخفى عليه شيء، يحكم بالحق، وقد أحكم الله آياته في السماوات والأرض، كل يسير وفق نظام وإحكام لا تبديل ولا تغيير ولا تقدم ولا تأخر فيه، فقد أحكمها الله ولم يتركها لحكم الخلق؛ لأنه لو تركها لحكم الخلق أهلك بعضهم بعضًا، إذ لا يتصوّر متصوّر أن يترك الإله نعمة كنعمة الهواء أو الماء في أيدي الخلق؛ لأنه لو تركها في أيدي الخلق لتطاحنوا عليها، ولو أراد أحدهم أن يهلك الآخر، لمنع عنه الهواء، ولقطع عنه الماء، ولكن برحمته وفضله جعل الهواء عامًا لا يملكه إلا هو، والماء عذبًا زلالًا يجري أنهارًا بأمره وحكمه، فهو الحكم الأكبر فلا رادّ لقضائه ولا معقّب لحكمه.

مجيد: الشريف في ذاته، الجميل في أفعاله، الجزيل في

 عطائه ونواله، فشرف الذات إذا قارنه حسن الفعال سمي مجدًا. شاكر: الذي يثيب على الطاعة، يقبل اليسير ويعطي الجزيل، شكور وهي مبالغة من الشاكر، فالشكور هو الذي يحب ولا ينبذ، ويعطي ولا يأخذ وهو الذي يجزي القليل بالجزيل، والصغير بالكبير، والحبّة بمئة حبّة، والحسنة بعشرة أمثالها، والضعف بسبعمئة ضعف وقد يزيد. أعلى: لا شيء أعلى منه، فما من عالٍ إلا وهو أعلى.

قادر: ذو القدرة، الذي إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل. أكرم: الزائد في الكرم على كل كرم؛ فإنه سبحانه وتعالى ينعم بلا عوض، ويحلم من غير تخوّف، بل هو الكريم وحده على الحقيقة.

كفيل: الرقيب والشاهد والضامن. نصير: لا مثيل له في

 النصرة، فإذا نصر عبدًا لا يستطيع الكون كله هزيمته.

حفي: بارّ بعباده كريم معهم. حفيظ: الذي يحفظ فلا ينسى، ويحفظ فيصون، وحفظ الله ليس كحفظ الناس، فإذا حفظ الأمين من الناس شيئًا فإن ذلك الحفظ يكون بردّ هذا الشيء كما هو دون نقص؛ أما حفظ الله، فهو حفظ الشيء كما هو وزيادته إلى الأحسن، فإذا اُستودِع الله شيئًا حفظه وزاده، وهو خير من يحفظ الودائع، فإذا استودعته أهلك ومالك، فإن الله يحفظهما لك بالتمام أوّلًا، وبالزيادة ثانيًا، فالحفيظ المطلق هو.

مقيت: المقتدر العليم، الذي يقدر ولا يُقدر عليه، والأمر منه وإليه، وهو على كل شيء قدير، الذي يطعم ولا يُطعم، والأقوات كلها بيديه. هادي: فهو المرشد والدليل؛ الذي هدى الأسماع إلى التحصيل، والأبصار إلى المشاهدة، والألباب إلى التدبير، والقلوب إلى المعرفة، والأيدي إلى العمل، وهدى عباده بآياته لمعرفة ذاته، وهدى الكون كله حتى يعمل الكل في إحكام، ويُسَيّر الكون في نظام وتوافق وانسجام، فهو الهادي المطلق الذي يملك القلوب ومفاتيحها، فيفتح لها ما يشاء ويغلق ما يشاء.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة التاسعة عشرة في موضوع ( الله ) والتي

ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*صفات الله في الإسلام:

حسيب: كافٍ وافٍ، الذي يكفي الوجود كله، بطريق مباشر وغير مباشر، فما من شيء إلا وهو كافيه دون أن ينقص ذلك من ملكه شيئًا، وهو الحسيب الذي يحاسب عباده على ما قدموا من حسنات وسيئات، وهو الحسيب الشريف الذي له خصائص الشرف؛ فالحسب لله بمعنى أن صفات المجد والشرف ونعوت الكمال والجلال ليست إلا له سبحانه وتعالى. صادق: فليس هناك أحد أكثر صدقًا منه، فإنه لا يتطرّق الكذب إلى خبره بوجه من الوجوه، لأنه نقص، وهو محال عليه. وارث: الذي ترجع إليه الأملاك بعد فناء الملاك، وإليه مرجع كل شيء ومصيره.

وهو كذلك "رب العالمين"، و"مالك يوم الدين"،

 و"نور السماوات والأرض"، و"غافر الذنب وقابل التوب"، و"محيي الموتى"، و"عالم غيب السماوات والأرض"، و"علام الغيوب"، و"بديع السماوات والأرض"، و"فاطر السماوات والأرض"، و"جامع الناس ليوم لا ريب فيه". حنّان منّان: يحن على عباده ويمن عليهم بكريم عطاياه.

سبّوح: المبرأ من النقائص والشريك، وكل ما لا يليق

 بالإلهية. شافٍ: يشفي المرضى، فبيده الشفاء كله لا يعجزه داء، فهو الذي ينزل الداء ويجعل له الدواء. حيي: يستحي إذا رفع العبد إليه يديه أن يردهما صفرًا خائبتين. ستير: يستر عباده وهم يعصونه، ويحب لهم الستر. جوّاد: لا حد لجوده، ولا حد لكرمه، يعطي بلا حساب. طيّب: منزه عن النقائص والخبائث، طيب في ذاته،طيب في صفاته. ماجد:الشريف ذو المجد والسؤدد،ولا ماجد مطلقًا إلا الرب الجليل،الذي له المجد في السماوات والأرض،وله الحمد فيهما،وله الكبرياء محسن: يحسن إلى عباده لا سيما الطائعين منهم. رفيق: بعباده، يحب الرفق في الأمر كله.

جميل: يحب الجمال. وتر: يحب الوتر، فهو واحد لا شريك له. مقدّم مؤخّ:الذي يقرّب ويبعّد في الرتبة ومن قرّبه فقد قدّمه، ومن أبعده فقد أخّره. قابض باسط: يقتر على من يشاء ويوسع على من يشاء على حسب ما يرى من المصلحة لعباده،ويقبض الأرواح عند الموت ،ويبسط الأرواح في الأجساد عند الحياة،ويقبض القلوب فيضيّقها،ويبسط القلوب بما يتقرّب إليها من برّه ولطفه وجماله. إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة ا لعشرون في موضوع ( الله ) والتي

ستكون بعنوان :*صفات الخالق والمخلوقين:

تختلف الصفات التي يتّصف بها الله عزّ وجلّ عن صفات المخلوقين؛ فالله عالم، وفلان عالم، ولكن علم الله يختلف عن علم فلان؛ فعلم الله لا يتناهى كماله، ولا يعد علم المخلوقين شيئًا إلى جانبه، وكذلك حياته، وكذلك سمعه وبصره، وكذلك كلامه، وقدرته وإرادته، فصفات الله عزّ وجلّ تختلف عن صفات المخلوقين، من حيث الكمال والكيفية، اختلافًا كليًّا، فإنه سبحانه وتعالى لا يشبه أحدًا من خلقه.[ انظر أسماء الله الحسنى ومرادفاتها وتأويلاتها، محمد عبدالمجيد الزميتي، ط3، 1998، 1419، مكتبة الآداب، القاهرة، ص8: 29، وأسماء الله الحسنى في معتقد أهل السنة والجماعة، عمر سليمان عبد الله الأشقر، دار النفائس، الأردن، 2000، 1421ه، ص، وأيضًا تفسير البيضاوي، ومختصر تفسير ابن كثير، ج3.]

*هذا هو الله:

الله.. هي كلمة علم على الرب تبارك وتعالى، على الذات المقدّسة، وتجمع جميع هذه المعاني، ولم يتسمّ بها أحد إلا هو جلّ جلاله، وهو الموصوف بجميع هذه الصفات السابقة.

وقد يتّصف العبد بشيء يسير جدًّا من معاني أسماء اللَّه الحسنى، إلا اسم الجلالة (اللَّه).

فقد تفرَّد الحق سبحانه وتعالى به وحده وخصّ به نفسه فلم يسم به غيره ولم يتصف به غيره.

الله.. الكلمة الوحيدة في اللغة العربية التي ليس لها مرادف، وليس لها مصدر اشتقاق، ولا تُجمع. أحرفه الثلاثة (ا لــ هـ) من أجمل الحروف وأسهلها لفظًا وكتابة. وهي أحرف مشتركة في جميع لغات العالم.

وهي نفسها حروف كلمة التوحيد "لا إله إلَّا اللَّه".

ومن عظمة اسم "اللَّه".. أن مكوّنات أحرفه، دون الأسماء جميعها، تخرج من خالص الجوف لا من الشفتين.

اسم (الله) هو الاسم الجامع لمعاني الألوهية، الدال على استحقاقه للعبوديّة، وقد عبّر الغزالي عن هذا المعنى بقوله: "اسم للموجود الحق الجامع لصفات الإلهية المنعوت بنعوت الربوبية".

وأولى منه تفسير ابن عباس -رضي الله عنه- للفظ الجلالة حيث قال: "الله ذو الألوهية والمعبودية على خلقه أجمعين" فقد جمع في تفسيره بين أمرين: بين صفة الله الدالة عليه، وهي الألوهيّة، والصفة المتعلّقة بالعباد من هذا الاسم، وهي العبوديّة.

وليس له هذا الاسم فقط، بل له الأسماء الحسنى، التي سبق ذكر معانيها، وهي أسماء كثيرة، فهو الله الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر، الخالق البارئ المصوّر، الأوّل الآخر الظاهر الباطن، السميع البصير، المولى النصير، العفو القدير، اللطيف الخبير، الوتر الجميل، الحيي الستير، الكبير المتعالي، الواحد القهار، الحق المبين، القوي، الحي القيّوم، العلي العظيم، الشكور الحليم، الواسع العليم، التوّاب الحكيم، الغني الكريم، الأحد الصمد، القريب المجيب، الغفور الودود، الولي الحميد، الحفيظ المجيد، الفتّاح الشهيد، المقدّم المؤخّر، المليك المقتدر، القابض الباسط، الرازق، القهار الديان، الشاكر المنان، القادر الخلّاق، المالك الرازق، الوكيل الرقيب، المحسن، الحسيب، الرقيب، الشافي، المعطي المجيب، السيد الطيب، الحكم الأكرم، البر الغفار، الرؤوف الوهاب، الجواد السبوح، الوارث، الرب، الأعلى، الإله.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الواحدة والعشرون في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان : *واجبنا نحو هذا الإله:

   إن واجبنا أن نؤمن به، ونعبده، ونتّبع أمره ونهيه، وأوّل ما يجب علينا تجاه هذا الإله أن نوحّده، فما هو معنى التوحيد؟

التوحيد في اللغة: الحكم بأن الشيء واحد، والعلم بأنه

 واحد.[ التعريفات، الجرجاني، ص 96.]

تقول وحدت الشيء أي جعلته منفردًا عما يشاركه أو يشبهه في ذاته وصفاته، والتشديد للمبالغة، وأصل معنى التوحيد، اعتقاد أن الله واحد لا شريك له.[ الشيخ محمد عبده، رسالة التوحيد، ص 8.]

أنواع التوحيد: عندما يُطلق التوحيد في الإسلام فإنه يعني ثلاثة أنواع؛ هي:

توحيد الربوبية: هو تفرُّد الله سبحانه وتعالى بالخلق والرزق، والإحياء والإماتة والتدبير، وأنه النافع الضار، المنفرد بإجابة الدعاء، والأمر كله بيده، وبيده الخير كله وهو على كل شيء قدير، ليس له في ذلك شريك، وهذا لا يكفي في الإيمان، فلا يكفي أن تعرف أن الله خلقك وخالق كل شيء، ورزقك ورزق كل شيء، بل لا بد من أن تعبده، وهذا هو القسم الثاني. توحيد الألوهية: أن تفرده بالعبادة، فلا تشرك معه أحدًا من خلقه؛ لأنه وحده المستحق لأن يُعبد، فتتوجه إليه بالعبادة دون سواه، سواء كانت هذه العبادة من أعمال الجوارح أو من أعمال القلوب.

فإذا علمت أن الله هو الذي خلقك ورزقك ودبّر لك أمرك (وهو توحيد الربوبية) فلا بد من أن تعبده (وهذا هو توحيد الألوهية).

توحيد الأسماء والصفات: أن تثبت لله ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات، وأثبته له رسوله وتنفي عنه ما نفاه عن نفسه ونفاه عنه رسوله من الأسماء والصفات التي ذكرت آنفًا.

[ مدخل لدراسة العقيدة الإسلامية، عثمان جمع ضميرية، ط3، 1999م، 1420ه، مكتبة الوادي، ص 223 – 229.]

*معنى لفظ الجلالة (الله)

    في قاموس المعجم الوسيط : الله : علم على الذَّات العليَّة الواجبة الوجود ، الجامعة لصفات الألوهيّة ، ولذا لا يجوز أن يتسمَّى به أحد ، وسائر الأسماء قد يتسمَّى بها غيرُه ، وهو أوّل أسمائه سبحانه وأعظمها ، وينطق باللاّم المفخَّمة ما لم تسبقه الكسرة أو الياء ، ويذكر عادة مقرونًا بألفاظ تدلّ على الإجلال مثل :

 الله تعالى ، الله سبحانه وتعالى ، وقد يُكتفى بذكر ألفاظ الإجلال فقط مثل : قال تعالى : لا إله إلاّ الله ،

  1 .: اِسْمُ الجَلاَلَةِ . الإلَهُ الْمَعْبُودُ بحَقٍّ الخَالِقُ : قال تعالى { اللهُ لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ } البقرة آية 255 .

 وَأصْلُ كَلِمَةِ اللهِ إلاهٌ ، دَخَلَتْ عَلَيْهِ ألْ ، ثُمَّ حُذِفَتْ هَمْزَتُهُ وَأُدْغِمَ اللامَانِ .

   2 . :- اَللَّهُمَّ إنَّكَ تَعْلَمُ سَرِيرَتِي :-: أيْ يَا اللهُ . وَقَدْ حُذِفَ حَرْفُ النِّدَاءِ وَعُوِّضَ بِالمِيمِ الْمُشَدَّدَةِ وَلاَ يُجْمَعُ مَا بَيْنَ حَرْفِ النِّدَاءِ وَالمِيمِ ، أيْ لاَ يُقَالُ يا اَللَّهُمَّ . بل . اَللَّهُمَّ . [الأنترنت – موقع معجم المعاني]

والله : اسم علم مفرد لا يُمكن جمعه بناءً على قواعد اللغة العربية، ويدل على المعبود والخالق في الديانات التوحيدية الثلاثة، ويتصف الله عزوجل بأنه خالق كل شيء، وأنه يملك القدرة والمكانة والحكمة وكل تدابير وأمور الكون الذي نعيش فيه، يُقال أن أصل كلمة الله هي إِلاه؛ لأن الله معبود ومَأْلُوه، فإذا قلنا الإِلاه فإننا نطلق هذا المصطلح على الله عزوجل، وعلى ما يعبد الناس من الأصنام، بينما إذا قلنا الله فإننا نعنيه وحده لا شريك له؛ أي رب السماوات والأرض. إلَهُ: يَقال أن الله اسم علم غير مشتق، وأصله يعود إلى المصطلح إلَه، ومعناه مَأْلُوه؛ أي كل ما اتخذ معبوداً عند متخذه. أَلِهَ : يُقال أيضاً أن كلمة الله مأخوذة من أَلِهَ يَأْلَه إذا احتار، لأنّ العقول تَأْلَه من عظمة الله عزوجل وقدرته، وأّلِهَ يَأْلَه أَلَها أي تحير وأصلها ولِهَ يَوْلَهُ وَلَهاً، وعند قولنا أن فلانة أَلِهْت على فلان فإننا نعني أنَّ جزعها اشتد عليه كمثل قولنا وَلِهْت.[ الأنترنت – موقع موضوع - ساجدة أبو صوي]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثانية والعشرون في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :*شرح لفظ الجلالة:  (الله )

*المسألة الأولى : معناه واشتقاقه :

    هو عَلَمٌ على ربّنا الإله المستحقّ للعبادة سبحانه وتعالى ، وقداختلف العلماء في كون لفظ الجلالة مشتقّا أو جامدا على قولين:

الأوّل: أنّه مشتقّ من الألوهيّة والإلهيّة، وهي العبوديّة، تقول العرب: أله الشّيءَ أي: عبده وذلّ له. فأصل كلمة ( الله ) كما قال الكسائي والفرّاء وأبو الهيثم: الإله، حذفوا الهمزة وأدخلوا الألف واللاّم، ثمّ أدغمت اللاّم في الأخرى.ونظيره كلمة ( الأُناس ): حذفوا الهمزة فقالوا: "النّاس".

فالله من إله بمعنى مألوه أي: معبود، ككتاب بمعنى مكتوب، وفراش بمعنى مفروش، وبساط بمعنى مبسوط، وإمام بمعنى مأموم يقصده النّاس.

وروى الطّبريّ عن ابن عبّاس رضي الله عنه قال:" هو الّذي يألهُه كلّ شيءٍ، ويعبده كلّ خلق "، وعن الضحّاك عن ابن عبّاس رضي الله عنه قال:" الله ذو الألوهيّة والعبوديّة على خلقه أجمعين ".

فإن قال قائل: وما الّذي يدلّ على أنّ الألوهية هي العبادة، وأنّ الإله هو المعبود ؟

فالجواب هو: أنّ العرب نطقت بذلك في كلامها:

قال ابن سيده: والإلاهة والألوهة والألوهية: العبادة، وقد قرأ ابن عبّاس: ( وَيَذَرَكَ وَإَلاَهَتَكَ ) – بكسر الهمزة – أي: وعبادتك.

القول الثّاني: أنّ لفظ الجلالة جامد، ويُنقل القول بعدم اشتقاقه عن الخليل – كما في " لسان العرب " – وسيبويه – كما في " أوضح البرهان في تفسير أمّ القرآن " للمعصومي – وكثير من الأصوليّين، ولكنْ في نسبة ذلك إلى سيبويه .

وقال ابن القيّم في " بدائع الفوائد " (1/26):" زعم أبو القاسم السّهيلي وشيخه ابن العربي أنّ اسم الله غيرُ مشتقّ ".وأدلّتهم على ذلك:

1-أنّ الاشتقاق يستلزم مادّةً يُشتقّ منها، واسمه تعالى قديم والقديم لا مادّة له فيستحيل الاشتقاق.

2-لو كان مشتقّا لاشترك في معناه كثيرون ممّن يُعبد، وذلك لم يقع، حتّى إنّ فرعون قال:{أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى} ولم يقل: أنا الله ! بل عندما ادّعى الألوهيّة قال:{وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص: من الآية38].

3-بقيّة أسماء الله تعالى، تقع صفات، كالرّحمن الرّحيم،

 وغيرها، وهو لم يقع صفة أبدا.

4-كلّ أسمائه تعالى يمكن ترجمتهاإلاّ لفظ الجلالة "الله".

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثالثة والعشرون في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :   *والجواب عن هذه الأدلّة ما يلي:

-   أمّا قولهم: إنّ الاشتقاق يستلزم مادّةً يُشتقّ منها، واسمه تعالى قديم والقديم لا مادّة له. فهذا مردود بأنّ سائر أسمائه الحسنى كالعليم والقدير والغفور والرّحيم والسّميع والبصير أسماءمشتقّة من مصادرها بلا ريب، وهي قديمة، والقديم لا مادّة له، فما كان جوابكم عن هذه الأسماء فهو جواب القائلين باشتقاق اسم الله.

-   وقولهم: لو كان مشتقّا لأُطلِق على كثير من المعبودات، وأنّه لا يقع صفةً، وأنّه لا يمكن ترجمته، فهذا لا يدلّ على ذلك، فإنّ لفظ الجلالة اختصّ به سبحانه، كما اختصّ القرآن بأن أُطلِق على كتاب الله المنزّل على محمّد صلّى الله عليه وسلّم دون غيره من الكتب، مع كونها مقروءة، ولم يمكن ترجمته كما تُرجمت الأسماء الأخرى. والله أعلم.

*المسألة الثّانية: مكانة هذا الاسم.

اسم" الله "جلّ جلاله هو الاسم الجامع،وعلم الأعلام، ولهذا كان له خصائص كثيرة، منها:

1-  أنّه علم اختصّ به،وحتّى أعتى الجبابرة لم يتسمّ به.

2-  تُضاف الأسماء إليه، ولا يُضاف إليها، فيقال: الرّحمن الرّحيم من أسماء الله، ولا يقال: الله من أسماء الرّحمن الرّحيم، حتّى إنّه قال:{ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } [الأعراف:180] وقال:{ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23)} [الحشر].

3-  أنّه لا يصحّ إسلام أحد من النّاس إلاّ بالنّطق به، فلو قال: لا إله إلاّ الرّحمن، لم يصحّ إسلامه عند جماهير العلماء.

4-  ولا تنعقد صلاة أحد من النّاس إلاّ بالتلفّظ به، فلو قال: الرّحمن أكبر ! لم تنعقد صلاته.

5-  ذهب بعض المحققين أنه هو اسم الله الأعظم ؛

 لأنّه اسم لم يُطلَق على غيره، ولأنّه الأصل في الأسماء

الحسنى، ومن ثَمَّ أُضيفت إليه.

*المسألة الثّالثة: ثمرات العلم بهذا الاسم.

الثّمرة الأولى:من علم معنى لفظ الجلالة، وأنّه المستحقّ للعبادة دون من سواه، حقّق التّوحيد الذي جاءت به الرّسل، وأُنزلت لأجله الكتب، وهو توحيد العبادة، قال عزّ وجلّ:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النّحل: من الآية36]، وقال:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:25]، وما افتتح الله قصّة نبيّ من الأنبياء إلاّ ذكر نداءه لقومه:{ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ }.وغير ذلك من الآيات.

وفي الصّحيحين عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ:

 بَيْنَا أَنَا رَدِيفُ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا أَخِرَةُ الرَّحْلِ فَقَالَ:( يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ ) قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ! ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ:

(( يَا مُعَاذُ ))، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ! ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ:(( يَا مُعَاذُ ))، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ! قَالَ:(( هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ ؟ ))، قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ:(( حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ))، ثُمَّ سَارَ سَاعَة،ً ثُمَّ قَالَ:(( يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ ))، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ! فَقَالَ:(( هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوهُ ؟)) قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ! قَالَ:(حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ ) فعلى المؤمن أن يحذر الوقوع في شيء ينقض صرح كلمة التّوحيد،

 إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الرابعة والعشرون في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :   *والجواب عن هذه الأدلّة ما يلي:

والمعنى الّذي يدلّ عليه هذا الاسم المجيد، لأنّه:

 أوّلاً: كثيرا ما حذّر الله تعالى من الإشراك به فقال: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً} [النساء:48].

 ثانيا : أنّ من أوقع الآيات على القلوب المنفّرة من الشّرك بالله تعالى قوله تعالى بعد مدح أنبيائه وصفوة خلقه – وهم ثمانية عشر رسولا –: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: من الآية88]، وقال لسيّد الموحّدين محمّد صلّى الله عليه وسلّم:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:65].

 ثالثا: كان إبراهيم عليهم السلام يدعو ربّه متضرّعا قائلا: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [إبراهيم: من الآية35]، قال بعض السّلف: ومن يأمن على نفسه الشّرك بعد إبراهيم ؟!

رابعا: وما من آية تنهى عن الشّرك إلاّ ويتوعّد الله صاحبه بما لا يتوعّد به غيره، كقوله تعالى: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج: من الآية31]

،وقوله تعالى:{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: من الآية13]،

 وكقوله تعالى:{إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: من الآية72].

لذلك روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَعَلَى وَجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ وَغَبَرَةٌ[1]، فَيَقُولُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: " أَلَمْ أَقُلْ لَكَ لَا تَعْصِنِي[2] ؟ فَيَقُولُ أَبُوهُ: فَالْيَوْمَ لَا أَعْصِيكَ.  فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: يَا رَبِّ ! إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَنْ لَا تُخْزِيَنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ، فَأَيُّ خِزْيٍ أَخْزَى مِنْ أَبِي الْأَبْعَدِ ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: (( إِنِّي حَرَّمْتُ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ )) ثُمَّ يُقَالُ: يَا إِبْرَاهِيمُ ! مَا تَحْتَ رِجْلَيْكَ ؟ فَيَنْظُرُ، فَإِذَا هُوَ بِذِيخٍ[3] مُلْتَطِخٍ فَيُؤْخَذُ بِقَوَائِمِهِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ )).

وفي الصّحيحين عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه يَرْفَعُهُ: ( إِنَّ

 اللَّهَ يَقُولُ لِأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا: ( لَوْ أَنَّ لَكَ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ كُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ ؟) قَالَ: نَعَمْ ! قَالَ: ( فَقَدْ سَأَلْتُكَ مَا هُوَ أَهْوَنُ مِنْ هَذَا وَأَنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ أَنْ لَا تُشْرِكَ بِي فَأَبَيْتَ إِلَّا الشِّرْكَ ).

 خامسا: أنّ الشّرك يبقى مهيمنا على نفوس بعض هذه الأمّة، وفي ذلك كثير من الأحاديث، منها:

ما رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه وأحمد عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَلْحَقَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي بِالْمُشْرِكِينَ وَحَتَّى يَعْبُدُوا الْأَوْثَانَ وَإِنَّهُ سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي ثَلَاثُونَ كَذَّابُونَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ لَا نَبِيَّ بَعْدِي )).

وفي البخاري عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهأَنَّ رَسُولَ

 اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ عَلَى ذِي الْخَلَصَةِ وَذُو الْخَلَصَةِ طَاغِيَةُ دَوْسٍ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ )). وغيرها من الأحاديث.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الخامسة والعشرون في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :  

*الثّمرة الثّانية:إذا علمنا معنى الإله، تحقّقت المحبّة،

وهو غاية الإسلام، فكيف ذلك ؟ ذلك لأنّ الله من الإله، بمعنى المعبود، والعبادة هي التذلّل، فإنّ الحبّ يملك على العبد قلبه حتّى يُذلّه له تعالى، قال ابن القيّم في "مدارج السّالكين" (3/26): " فإنّ الإله هو الّذي يأله العبادَ حبًّا وذلاًّ وخوفا ورجاءً وتعظيما وطاعة له، بمعنى مألوه،وهو الّذي تألهه القلوب أي: تحبّه وتذلّ له.

وأصل التألّه التعبّد، والتعبّد آخر مراتب الحبّ، يقال

 عبَّدَه الحبّ وتيّمه، إذا ملكه وأذلّه لمحبوبه، فالمحبّة حقيقة العبوديّة، وهل تمكن الإنابة دون المحبّة والرّضى والحمد والشّكر والخوف والرّجاء ؟ وهل الصّبر في الحقيقة إلاّ صبر المحبّين ؟

وكذلك الزّهد في الحقيقة هوزهد المحبّين،فإنّهم يزهدون في محبّة ما سوى محبوبهم لمحبّته.

وكذلك الحياء في الحقيقة، إنّما هو حياء المحبّين، فإنّه يتولّد من بين الحبّ والتّعظيم، وأمّا مالا يكون عن محبة فذلك خوف محض.

وكذلك مقام الفقر، فإنّه في الحقيقة فقر الأرواح إلى محبوبها، وهو أعلى أنواع الفقر، فإنّه لا فقر أتمّ من فقر القلب إلى من يحبّه.

وكذلك الغنى هو غنى القلب بحصول محبوبه وكذلك الشوق إلى الله تعالى ولقائه فإنه لب المحبة وسرّها.

فمنكر هذه المسألة ومعطلها من القلوب معطل لذلك كلّه، وحجابه أكثف الحجب، وقلبه أقسى القلوب وأبعدها عن الله وهو منكر لخلّة  إبراهيم عليه السلام  فإنّ الخلّة كمال المحبّة ".

أروح وقد ختــمــت عـلـى فــؤادي ***بحُبِّـك أن يحـلّ به سـواكــــا

فلو أنّي استطعت غضضت طرفي ***فلـم أنظر بـــه حــتّـى أراكـــا

أحـبّـك لا بـبـعـضـي بـل بكلّـــــي ***وإن لم يُـبقِ حبُّـك لي حـراكا

لذلك روى التّرمذي وأحمد عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ في حديث اختصام الملأ الأعلى، وفيه: قَالَ الله له: قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ وَأَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةَ قَوْمٍ فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ أَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى حُبِّكَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّهَا حَقٌّ فَادْرُسُوهَا ثُمَّ تَعَلَّمُوهَا )).

وكان ابن عمر يدعو في حجّه: " اللهمّ اجعلني ممّن يُحبّك، ويحبّ ملائكتك، ويحبّ رسلك، ويحبّ عبادك الصّالحين ".

وكان حكيم بن حزام يطوف بالبيت ويقول:" لا إله إلاّ الله، نِعْم الربّ والإله، أحبّه وأخشاه

وهذا العبّاس بن عبد المطّلب وقد حضرته الوفاة يوصي ابنه عبد الله:" إنّي موصيك بحبّ الله وحبّ طاعته، وخوف الله وخوف معصيته، وإنّك إذا كنت

 كذلك لم تكره الموت متى أتاك ".

وجعل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم علامة الإيمان الكامل حبّ الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، ففي الصّحيحن عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ  صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ )).

والله الموفّق لما يحبّه ويرضاه، لا معبود بحقّ سواه.

[ الأنترنت – موقع الكلم الطيب] [الأنترنت – موقع نبراس الحق- الكاتب:  عبد الحليم توميات ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السادسة والعشرون في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :   

  و(الله ) لفظ الجلالة  هو العَلَم الحقُّ على الإله الحقِّ المعبود بحق - سبحانه وتعالى - كان ولم يكن شيء معه،ثم خلق كل شيء بعلمه وإرادته وقدرته - سبحانه وتعالى -ما شاء أن يكون كان، وما لم يشأ أن يكون لم يكن، {ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن} ، يعلم ما كان وما هو كائن، وما سوف يكون- سبحانه وتعالى قدّر كل شيء قبل أن يوجده، وأوجد كل شيء على مقتضى ما قدره - سبحانه وتعالى - (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) القمر/49، أوجد وأفنى، وأمات وأحيا، الملكُ ملكُه، والوجودُ خَلْقُه، والأمور تدبيره، والبدء منه، والمصير إليه، حسابُه عدل، وجزاؤه بميزان، وعقابه عدل، وثوابه تفضُّل وإحسان، لا يخرج شيء عن ملكه، ولا يعزب مثقال ذرة عن علمه، وكل شيء عنده بمقدار، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال - - سبحانه وتعالى .

ولأن هذا اللفظ الأقدس له فى القلوب والعقول أسمى السمو، وأعظم التعظيم، وأجل الإجلال، وأقدس التقديس، فقد تعددت المباحث حوله فى أمور شتى نشير إلى أهمها فى هذا الفصل.

المبحث الأول :معنى لفظ الجلالة الله من حيث اللغة

اختلف العلماء حول جواز البحث فيما يتصل بلفظ الجلالة الله - سبحانه وتعالى - والقول فيه اجتهادًا أو حرمة ذلك ووجوب الإمساك عن كل ما يتصل

 بالاسم الأقدس تخشعًا وتورعًا.

 فقال جماعة من العلماء : بوجوب الإمساك ورعًا وخشيةً وهيبةً وتقديسًا وإجلالًا للاسم الأعظم وتحوطًا من الخطأ فى شيء من الأبحاث التى تدور حوله، فإن البحوث اجتهادات قد تخطئ وقد تصيب وما دام احتمال الخطأ واردًا فقد وجب التوقف عن البحث حوله والإمساك عن القول فيه فإن القول فيه مع احتمال الخطأ في الرأي فيه إجازة للخطأ في بعض ما يتصل بالاسم الأشرف والعلم الأقدس، وهذا ما ينبغي التحرز عنه، والاستغفار منه.

الرأي الأول: وهو إجازة البحث - ذهب جمهرة العلماء، فأجازوا البحث حول الاسم الأقدس {الله} - سبحانه وتعالى -؛ إذ إن ذلك من دلائل الاهتمام وزيادة العلم به والعرفان، بل إن ذلك من أوجب الواجبات، إذ كيف نهمل البحث حول الاسم الأقدس،ونحن نبذل الجهد في البحث حول الأسماء العادية،والألفاظ المتداولة التي لا شأن لها بجانب لفظ الجلالة.

 * لفظ الجلالة لفظ عربي :

كما اختلفوا حول الاسم الأقدس لفظ الجلالة {الله} - سبحانه وتعالى - عربيًّا أو أعجميًّا فذهب بعضهم إلى: أنه معرب عن السريانية، أو العبرانية، وأن أصله (ل اهـ ا) فحذف الألف من آخره، فأصبحت اللفظة: (لاه) ثم عوض عن الألف المحذوفة بأداة التعريف (أل) فصارت {الله} وهو العلم الحق على الإله الحق - سبحانه وتعالى -، أو عوض عن الألف المحذوفة ألفًا في أول الكلمة، فصارت: (إله) وهى لفظة تطلق على كل

 إله معبود حقًا كان أو باطلًا.

 والحق ما ذهب إليه جمهور العلماء من: أن الاسم الأشرف لفظ الجلالة {الله} - سبحانه وتعالى - عربي، وأن كلمة: (لاها) التى أشاروا إلى أنها الأصل السرياني للاسم الأقدس لم يُسمع بأن أحدًا أخذها عنهم اسمًا لله - سبحانه وتعالى -.

ولو كان ذلك واقعًا لوجدناه في لغات أخرى هي أقرب إلي الأخذ عن (السريانية) من العربية.

  فالمستقر والثابت أن لفظ الجلالة عربي

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السابعة والعشرون في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :  

  *الخصائص اللفظية واللغوية للفظ الجلالة {الله} - سبحانه وتعالى -

 #خصائص في اللفظ تخرج على القواعد المتعارف عليها بالنسبة إلى الكلمات والألفاظ في العربية، وكذلك له - سبحانه وتعالى - خصائص في المعنى والخصائص والميزات والأسرار والإشارات التى تتصل بالاسم الأقدس {الله} - سبحانه وتعالى - لا يحيط بها إلا هو -سبحانه وتعالى - ونحن لا نستطيع أن نحيط بشئ من ذلك إلا بما أذن {الله} لنا أن نعرفه من أسرار اسمه الشريف وخصائصه ومن ثم فسوف نشير إلى بعض تلك الخصائص من جانب اللفظ والرسم أولًا، ثم نتلمس ما هو من جانب المعنى.

 أولا: من خصائص الرسم والكتابة:

اتفق علماء اللغة على أن يكتبوا لفظ الجلالة {الله} - سبحانه وتعالى - بلامين مخالفين بذلك القاعدة في رسم الكلمات المماثلة في التلفظ مثل: الذي، والتي، مع التماثل في اللفظ، ولزوم التعريف، وكثرة الاستعمال وذلك لأمور منها:

1-                        عدم الالتباس بين {الله} و (إله) فإن لفظ الجلالة {الله} لو كتب بلام واحدة لالتبس بلفظة (إله) والتفرقة بينهماواجبة للفرق الكبيربينهمامن حيث المعنى.

2-                        التفخيم والتعظيم، فإن تفخيم لفظ الجلالة واجب

 في النطق والتلفظ، فكذلك لزم أن يكون في الرسم

 والكتابة،ووضع لامين أقرب إلى التفخيم من لام واحدة.

 3- التفرد والتوحد، لأن رسم لفظ الجلالة على القواعد التي تجري على غيره من الألفاظ يدرجه ضمنها ويجعله مثلها، ولكن الخروج عن هذه القواعد بما لا يهدمها أو يفسدها، يعطي نوعًا من تفرده وتوحده، وتميزه، وهذا مطلب أصيل بجانب لفظ الجلالة - سبحانه وتعالى -.

  وقد ذكر بعض العلماء أن: كتابة اللامين في لفظ الجلالة، واللام والواحدة في (الذي) و (التي) إنما هو للتفرقة بين المعرب والمبني، فالمعرب يكتبونه بلامين، وأما (الذي) و (التي) فلكونهما مبنيين فقد كتبوهما بلام واحدة. وفي هذا الكلام نظر، فإن لفظة: الليل معربة، ومع ذلك اتفق الجميع على أن الفصيح فيها أن يكتب

 بلام واحدة وليس بلامين، فالصحيح أن تكتب (اليل)

 كما حذفوا في كتابة لفظ الجلالة الألف الممدودة قبل الهاء في آخر الكلمة، وذلك لأربعة أمور:

  1- التخفيف والتسير في الكتابة، فإن لفظ الجلالة - سبحانه وتعالى - يكثر التلفظ به، والذكر له. وذلك يقتضي التخفيف.

  2- كراهة اجتماع المتماثلات الكثيرة في الخط، فإن الألف الأولى من لفظ الجلالة - سبحانه وتعالى - - ثم اللامين بعدها كلها حروف متماثلة في الرسم ممدودة ومستطيلة فإذا رُسمت الألف التي قبل الهاء صارت أربعًا ممدودة في الرسم. وهذا ثقيل في الرسم، لذلك كرهوا اجتماع الحروف المتشابهة في الصورة عند الرسم أو الكتابة كما كرهوا توالي الأمثال في النطق.

  3- لئلا تشتبيه بـ (اللاة) وهى: صنم عند أهل الجاهلية، فإن لفظ الجلالة لو أثبتت فيه الألف قبل الهاء لاشتبه باللاة في الرسم والكتابة والخروج من هذا الاشتباه مقصود أصلي، للتفرقة بين الاسم الأقدس العلم الحق للمعبود بحق، والعلم الباطل للمعبود الباطل.

   4- ولئلا يشتبه لفظ الجلالة باسم الفاعل من: (لهى) أي: (عقل) و (لعب) وهو: (اللاه) عز وجل.

  إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السابعة والعشرون في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان : ثانيا: من خصائص النطق:

ينطق لفظ الجلالة {الله} - سبحانه وتعالى - بتفخيم اللام بعد الفتح والضم، أي إن كان الحرف الذى قبل لفظ الجلالة مفتوحًا أو مضمومًا فخِّمت اللام في لفظ الجلالة، وكذلك إذا ابتُدئ بلفظ الجلالة فتفخم لامه مثل (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ) الشورى/19 ومثل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ) آل عمران/102، ومثل: (ُقلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) الإخلاص/1.

  فالأولى: فيها ابتداء بلفظ الجلالة، وفي الثانية: الحركة قبل لفظ الجلالة ضمة، وفي الثالثة: الحركة قبل لفظ الجلالة فتحة. وفي كل هذه الحالات تُفخَّم اللام وتُغلَّظ غاية التغليظ، وإنما يكون ذلك بإطباق اللسان بالحنك، وإنما فخموا فيه ذلك التفخيم تعظيمًا للاسم الأقدس، وتفرقه بينه وبين (اللاة) و (اللاهي) والأولى اسم صنم كان لمشركي قريش، والثانية اسم فاعل من: (لها يلهو) .

   أما إذا كان ما قبل لفظ الجلالة مكسورًا فإن لامة تُرقَّق، وذلك لأن الكسرة توجب السُّفل واللام المفخمة تتطلب الصعود. والانتقال من السفل إلي الصعود أمر ثقيل.

على أن هناك من أوجب تفخيم اللام في لفظ الجلالة في الحالات كلها، سواء ابتُدئ به، أو كان ما قبله مفتوحًا أو مضمومًا أو مكسورًا، وكل ذلك مقبول في لسان العرب، ما عدا ما كان قبله مكسورًا فهو مخالف، وعلى الرأي الأخير يكون التفخيم بعد الكسر أمرًا خاصًا بلفظ الجلالة وحده - سبحانه وتعالى -.

 ثالثا: من خصائص (ال) في لفظ الجلالة:

ذهب البعض إلى: أن (ال) في لفظ الجلالة وُضِعت في الأصل للتعريف، حيث أصل لفظ الجلالة: (إله) ، ثم وُضِعت (ال) للتعريف، فصارت (الإلاة) ثم حُذِفت الهمزة، وأدغمت اللامان فصارت: {الله} .

 والحق أن (ال) في لفظ الجلالة من مبنى الكلمة الشريفة نفسها، وليست للتعريف، فلفظ الجلالة {الله} أعرف المعارف بإطلاق، ولا يمكن أن تقع الشركة في مدلولة على الإطلاق. ولأنها ليست للتعريف فقد جعلت لمحض التعويض عن الهمزة المحذوفة من كلمة: (الإلاة) . أو أن: (ال) هى من نفس مبنى لفظ الجلالة، كما ذهب إلي ذلك جماعة من اللغويين وفي جميع الحالات لا يمكن أن تكون (ال) في لفظ الجلالة للتعريف.ـ انتهى ـ [الأنترنت – موقع الفصيح - بيان وافٍ لمعنى لفظ الجلالة (الله ) المؤلف : محمد حامد محمد

  [ انظر: رسالة العلامة محمود مزروعة (لفظ الجلالة الله ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثامنة والعشرون في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :*معرفة الله وخطورة الجهل به

 الحمد لله الذى نصب الكائنات على ربوبيته ووحدانيته حججاً، وحجب العقول والأَبصار أن تجد إلى تكييفه منهجاً، وأَوجب الفوز بالنجاة لمن شهد له بالوحدانية شهادة لم يبغ لها عوجاً، وجعل قلوب أَوليائه متنقلة من منازل عبوديته بين الخوف والرجا، وأَشهد أن لا إِله إِلا الله وحده لا شريك له، ولا سمي له، ولا كفو له، ولا شبيه له، ولا صاحبة له ولا ولد، ولا يحصي أَحد ثناءً عليه بل هو كما أَثنى على نفسه، وفوق ما يثنى عليه خلقه،وأَشهد أَن محمداً عبده ورسوله،وخيرته من خلقه ،وأَمينه على وحيه،وسفيره بينه وبين عباده، أَرسله ربه رحمة للعالمين،وقدوة للعاملين،ومحجة للسالكين، وحجة على العباد أجمعين، صلى عليه صلاة تملأُ أَقطار الأَرض والسماء، وسلم تسليماً كثيراً مباركاً مزيداً.

  إن أوجب الواجبات وأولى الأولويات أن يعرف العبد ربه وخالقه، لأن معرفة الله معرفة حقيقية هي أساس كل شيء في هذا الدين العظيم، وأول مقصد للدين كله هو التعريف بالله -جل جلاله-، إذ لا يصح أن يعبد الإنسان رباً لا يعرفه حق المعرفة ، لأن كل إنسان يعرف الله بالفطرة، حتى الكفار يعرفون الله، ومن ينكر معرفة الله فإنه أفاك كاذب، يعرفه في نفسه وينكر معرفته بلسانه، يقول الله -سبحانه وتعالى-: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ

 هَذَا غَافِلِينَ) [الأعراف : 172].

وقد روى الترمذي -رحمه الله-: "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ -رضي الله عنه-، سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ فقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُسْأَلُ عَنْهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ، ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَمِينِهِ، فَأَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً، فَقَالَ: خَلَقْتُ هَؤُلَاءِ لِلْجَنَّةِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ يَعْمَلُونَ، ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً فَقَالَ: خَلَقْتُ هَؤُلَاءِ لِلنَّارِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ يَعْمَلُونَ…" [ الترمذي (3075) ]. فالشاهد أن الله -سبحانه- أشهد الخلق على أنفسهم فعرفوه وهم لازالوا في عالم الذر، فلا يُخلق المخلوق إلا وهو يعرف الله -سبحانه-، لكننا نريد الحديث عن المعرفة الحقيقية التي تثمر في القلب، وتؤثر فيه، وليس المعرفة الإجمالية التي كلنا فيها سواء.

إن الإنسان يجب عليه قبل أن يعرف نفسه أن يعرف خالقه، وقبل أن يستفصل في معرفة ذاته عليه أن يتعرف على الله أولاً، وقبل أن تقول لنفسك من أنا فقل لها من الذي أوجدني وجاء بي إلى هذا الكون الفسيح وهذه الحياة المعمورة؟، فإذا عرفت الله حقاً فستعرف نفسك حقاً، فمعرفة الأصل هي الأصل، ومعرفة المصدر تكون قبل معرفة أي شيء آخر،  يقول تعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الزمر : 67]، ويقول -صلى الله عليه وسلم- وهو يأمرنا بالتعرف على الله: "تَعَرَّفْ على اللهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ" [ المعجم الكبير للطبراني (11243) ].

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة التاسعة والعشرون في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *معرفة الله وخطورة الجهل به

  إن العبد إذا عرف الله عبده حق عبادته، وقدّره حق قدره، وعظمه حق تعظيمه، لأن هذه المعرفة تجعله يعبد الله وهو يعلم من هو الله الذي يعبده ويتقرب إليه، بخلاف الذي يعبد الله وهو لا يعرفه حق المعرفة فإن عبادته لربه ستكون عبادة ضعيفة باهتة، فالذي يعرفه سيعبده بإجلال وخضوع ووقار وخشوع، وبالتالي سيكثر من عبادته والتقرب إليه، ومن عرف الله أكثر سيعبده أكثر، وكلما زادت عظمة الله في قلبه كلما ازداد شوقاً له، وحباً لعبادته، والتقرب منه، لأنه يعلم أنه يتقرب إلى رب عظيم كريم، بيده مقاليد السموات والأرض، وعنده مفاتيح كل شيء، وكل شيء تحت أمره وقهره وتصرفه سبحانه، (فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [يس : 83].

ومن هنا ندرك السر في كثرة عبادة السلف لربهم، وتضحيتهم من أجله،وبذلهم للغالي والرخيص في سبيله، لأنهم عرفوا الله حق المعرفة فعبدوه حق العبادة، وضحوا في سبيله بكل شوق ومحبة، أما نحن اليوم فسبب بعدنا عن ربنا هو أننا ما عرفناه حقاً، فتقاعسنا عن عبادته، وتركنا أوامره، وارتكبنا المعاصي، وفعلنا المخالفات، وضيعنا العبادات، كل هذا لأن قلوبنا ما عرفت الله حق معرفته، وإلا فهل يعقل أن يكذب الإنسان أو يزني أو يسرق أو يأكل الحرام وهو يعرف ربه معرفة يقينية، ويعلم أن الرب -جل جلاله- يراه ويسمعه، ويطلع على جميع أحواله، ويعلم كل أسراره، كيف سيعصيه إذا كان يعرفه بهذه المعرفة.

  ولو عرفنا الله المعرفة المطلوبة لتغيرت أحوالنا تغيراً هائلاً، ولتحسنت أوضاعنا تحسناً كبيراً، ولصرنا في حال غير الحال الذي نحن عليه اليوم، لكن لما كان الجهل بالله قل خوفنا منه، وضعف رجاؤنا فيه، وجعلناه أهون الناظرين إلينا. فكثرت الجرائم التي تحدث كل يوم في واقعنا ومجتمعاتنا، كالسرقات والسطو والنصب والاحتيال والزنا واللواط، فكل هذا ما حدث إلا بسبب جهلنا بربنا وخالقنا -سبحانه-.

تخيل ولله المثل الأعلى لو أن شخصاً أعطاك كل ما تطلب، وأسدى إليك ما تحب، وأتم لك كل شيء انتقص عليك، ولم يترك شيئاً لك فيه حاجة إلا وهبه لك، فعرفته تمام المعرفة، وتيقنت من محبته لك حق اليقين، وخبرته حق الخبرة، لا شك أنك ستحبه، وستبادله الوفاء بالوفاء، وستقوم به بما تستطيع كما قام بك بكل ما يستطيع، لكن أبناؤك من بعدك ومن بعدهم ومن بعدهم، إذا لم يعرفوا هذا الشخص، ولم يطلعوا على جهوده، ولم يسمعوا بفضله، فلا شك أنهم لن يقدروه قدره، ولن يعطوه حقه الذي يستحقه، فهم لم يعرفوا خيره ولم يدركوا فضله على أبيهم من قبل؛ فالخلل إذاً يكمن في عدم المعرفة، فلو عرفوه كما يجب قدروه حق قدره، وإن لم يعرفوه فلن يقدروه قدره. وهكذا ولله المثل الأعلى، ربنا -جل جلاله وعز كماله- لن يقدره الإنسان حق قدره ولن يعظمه العبد حق تعظيمه

 إلا إذا عرفه، وعرف فضله، وتدبر كلامه، وعرف

 أسمائه، وتمعن في صفاته، وتفكر في آياته ومخلوقاته.

     إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثلاثون في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :     *معرفة الله وخطورة الجهل به

إن التعرف على الله -سبحانه وتعالى- تتم عبر أمور عديدة، أعظمها وأجلها التعرف على الله من خلال كتابه الذي أنزله للتعريف بنفسه، فالقرآن كلام الله -سبحانه-، تكلم به بنفسه، وسمعه جبريل من ربه فبلغه إلى رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ففيه من التعريف بالله ما يكفي ويوفي لمن أراد التعرف على الله -سبحانه وتعالى-.

إن تدبر القرآن الكريم، والإكثار من تلاوته، وتمعن آياته، والوقوف عند معانيه، يورث في القلب هيبة الله، وتعظيمه، ومعرفته، ومحبته جل جلاله، ولن يأتي هذا في الإنسان إلا إذا أكثر من التلاوة، والتدبر، وعاش مع القرآن وتفاعل معه تفاعلاً حقيقياً بكل مشاعره وأحاسيسه، فهنا يأتي أثر القرآن في قلب العبد، ويؤثر في نفسه، يهز مشاعره، ويحرك وجدانه، فيتعرف على ربه ومولاه من خلال كلامه وآياته العظيمة، يقول ربنا جل جلاله: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)[الزمر:23 ] ويقول: (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ) العنكبوت : 49

فالقرآن أعظم معرّف بالله -سبحانه وتعالى-، فمن أراد أن يعرف ربه حق المعرفة فعليه بالقرآن، ومن أراد أن يتقي الله حق التقوى فعليه بالقرآن، ومن أراد أن يعظمه حق التعظيم والإجلال فعليه بالقرآن، فإن ثلث القرآن يتكلم عن الله -سبحانه- وتوحيده، وعظمته، وأسمائه وصفاته، بل إن كثيراً من آيات القرآن الكريم تجدها قد ختمت باسم من أسماء الله الحسنى أو صفة من صفاته العلى،وقل أن تجد آية في القرآن الكريم لا يذكر فيها لفظ الجلالة{الله}أواسم آخر من أسمائه جل جلاله.

ولو تمعنا وتدبرنا هذه الأسماء الحسنى التي سمى الله

 نفسه بها لتعرفنا عليه -سبحانه-، فالتعرّف على الله -سبحانه- من خلالها لا شك أنه يحقق العلم الصحيح بفاطر الأرض والسماوات، والعلم بأسماء الله وصفاته يستلزم عبادة الله ومحبته وخشيته، ويوجب تعظيمه وإجلاله،يقول قوام السنة الإمام الأصفهاني رحمه الله: "قال بعض العلماء: أول فرض فرضه الله على خلقه: معرفته،فإذا عرفه الناس عبدوه،قال الله تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ) [محمد: 19]، فينبغي للمسلمين أن يعرفوا أسماء الله وتفسيرها؛ فيعظموا الله حق عظمته، ولو أراد رجل أن يعامل رجلاً: طلب أن يعرف اسمه وكنيته، واسم أبيه وجده،وسأل عن صغير أمره وكبيره، فالله الذي خلقنا ورزقنا، ونحن نرجو رحمته ونخاف من سخطه أولى أن نعرف أسماءه ونعرف تفسيرها".

إن القرآن الكريم مليء بأسماء الله وصفاته، وما علينا إلا أن نتدبرها ونتأملها، ونقف معها ومع كل ما في القرآن الكريم من آيات وأحكام وقصص وأمثال، فالقرآن بكل آياته يعرفنا بالله ويدلنا عليه، ولهذا كان أعظم الناس خشية لله وعلماً به هم العلماء الربانيون، لأنهم يكثرون من تأمل القرآن وتدبره والغوص في مسائله ودلائله وأحكامه، فكانوا أخشى الناس وأتقاهم،

 قال الله عنهم: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) [فاطر : 28].

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الواحدة والثلاثون في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :     *معرفة الله وخطورة الجهل به

  ومن أعظم ما يعرّف العبد بالله بعد التفكر والتدبر لآيات الله الشرعية، التفكر والتأمل في آيات الله الكونية، فالتفكر في مخلوقات الله يورث في القلب معرفة يستدل بها العبد على عظمة الله، ويتعرف من خلالها على نعوت كماله، وصفات جلاله، وحكمه البالغة، وما له من النعم الواسعة، والأيادي المتكاثرة، وكلما تدبر العاقل وتفكر في هذه المخلوقات وتغلغل فكره في التأمل فيها وما أودعه من اللطائف والحكم والعبر في خلقها، علم بذلك أنها خلقت للحق وبالحق، وأنها آيات ودلالات على ما أخبر الله -سبحانه- به عن نفسه ووحدانيته، وما أخبر به الرسل -عليهم الصلاة والسلام- عن الله -تبارك وتعالى، وعلم أيضاً أنها مسخرات مطيعات ليس لها تدبير ولا استعصاء على مدبرها ومصرفها، فكل ما في هذا الكون آيات تدل على الله، (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) [فصلت 9: 11].

فيا عجبا كيف يعصى الإله *** أم كيف يجحده الجاحد

ولله في كل تحريكة *** وفي كل تسكينة شاهد

وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه الواحد

يقول الله -تبارك وتعالى-: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران 190: 191]، فالتفكر في مخلوقات الله يحمل على الإيمان به، ويوصل إلى الإكثار من العمل الصالح كما هو واضح في الآية لو تمعناها وتدبرناها، إن التفكر في خلق الله يورث المؤمن معرفة بربه، فإذا رأى شيئاً من المخلوقات فيه قوة وشدة علم أن الله -سبحانه- وتعالى أقوى وأشد، وإذا رأى مخلوقاً عنده علم وحكمة علم أن الله أعلم وأحكم، وإذا رأى شيئاً من المخلوقات فيه رأفة ورحمة علم أن الله أرأف وأرحم وأحلم، يقول شيخ الإسلام في الفتاوى: "وكل ما في المخلوقات من قوة وشدة دل على أن الله تعالى أقوى وأشد، وما فيها من علم يدل على أن الله أعلم، وما فيها من علم وحياة يدل على أن الله أولى بالعلم والحياة ".

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثانيةوالثلاثون في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :     *معرفة الله وخطورة الجهل به

  إن للجهل بالله وعدم معرفته المعرفة الصحيحة آثاراً

 سلبية عظيمة، ونتائج قبيحة، أعظمها وأقبحها أن يقع الجاهل بالله في أعظم ذنب ألا وهو الشرك بالله، وما وقع بنو إسرائيل في قولهم: (اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ) إلا بسبب جهلهم بالله، وعدم معرفتهم به -سبحانه- وتعالى معرفة حقيقية، (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ)

[الأعراف : 138].

   إن الجهل بالله مصيبة عظيمة، وكارثة كبيرة؛ تجعل الإنسان يتخبط في هذه الحياة، لا يعرف الله، ولا يعرف شرعه، يسير من دون هدى، تتحكم فيه الأهواء والشهوات، ويتحكم فيه الشيطان والشبهات، وتسيّره النفس الأمارة بالسوء فتوقعه في المخالفات العظيمة والموبقات الكبيرة، فما وقع قوم لوط في الفاحشة إلا بسبب جهلهم بالله، وعدم تقديرهم لجنابه وعظمته، ولذلك قال لهم نبيهم: (أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) [النمل : 55]، ووقع قوم عاد،وقوم لوط،وقوم نوح، في الكبر والغرور واستعجال عذاب الله، وطلبهم نزوله، ولو عرفوا الله حق المعرفة لما ( قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) [العنكبوت : 29]، و (قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) [الأحقاف : 22] ، كل هذا لأنهم ما عرفوا الله حق المعرفة، ولو عرفوا قوته، وقدرته، وجبروته، وشدته، وبطشه، لما تجرأوا على قولهم هذا.

وهكذا اليوم ما وقعنا في الجرائر وما اقترفناه من

 الكبائر إلا بسبب جهلنا بالله، وعدم علمنا به العلم الحقيقي الكامل الذي يجعلنا نحبه ونجله، فتدفعنا محبته إلى طاعته، وتنفيذ أوامره، وترك نواهيه، وتقديم مراده ومحبوباته على شهواتنا ومحبوباتنا ، لوعرفنا الله حق معرفته، وقدرناه حق قدره، لطمعنا في ثوابه، وخفنا من عذابه،ورجونا رحمته، وخشينا من عقابه، وتسابقنا على طاعته، وابتعدنا عن معصيته، وبادرنا إلى جنته، وابتعدنا عن ناره، ولكن معرفتنا به معرفة ضعيفة، جعلتنا نستهين به، ونقع بكل سهولة في معصيته ومخالفته، يقول -صلى الله عليه وسلم-: (إِنِّي أَرى مالا تَرَوْنَ، وأسمع مالا تسمعون, أَطَّتِ السَّماءُ وحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، مَا فِيهَا موْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلاَّ وَمَلَكٌ واضِعٌ جبهتهُ ساجِداً للَّهِ تَعَالى، واللَّه لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ، لضَحِكْتمْ قَلِيلاً، وَلَبكَيْتُمْ كَثِيراً، وَمَا تَلَذَّذتُم بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ وَلَخَرجْتُمْ إِلى الصُّعُداتِ تَجْأَرُون إِلى اللَّه تَعَالَى" [ الترمذي (2312 ) ]، ويقول أَنس بن مالك -رضي الله عنه-: خَطَبَنَا رَسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- خُطْبَةً مَا سَمِعْتُ مِثْلَهَا قَطُّ، فَقَالَ: "لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قلِيلا ولبَكيْتمْ كَثِيراً" فَغَطَّى أَصْحابُ رسولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وجُوهَهمْ، وَلهُمْ خَنينٌ"[ البخاري (462 ) مسلم (2359) ].

فالصحابة رضي الله عنهم ما تأثروا هذا التأثر إلا لأن قلوبهم امتلأت بعظمة الله، ومعرفته، ومحبته، ومحبة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فرقت قلوبهم، وبكت عيونهم، هيبة لله، وإجلالاً له، وخوفاً منه جل جلاله. الأنترنت – موقع ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثالثةوالثلاثون في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :*معرفة الله بين أهل السنة ومخالفيهم

 افترقت الطوائف في أصل المعرفة بالله-هل هي نظرية أم ضرورية- على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أن معرفة الله لا تحصل إلا بالنظر.

وهذا قول كثير من أهل الكلام من معتزلة وماتريدية وأشعرية، ومن وافقهم من أصحاب المذاهب الأربعة.

والقول الثاني:أن معرفة الله تحصل ضرورة في قلوب العباد، فالله تعالى يبتدي تلك المعرفة اختراعاً في قلوب العقلاء البالغين من غير سبب يتقدم ومن غير نظر.

وقد قال بهذا القول كثيرٌ من أهل الكلام والصوفية

 والشيعة وغيرهم، كما يحكى عن بعض المعتزلة، كصالح

 قبة، وفضل الرقاشي، وغيرهما.

والقول الثالث: أن معرفة الله يمكن أن تقع ضرورةً، ويمكن أن تقع بالنظر.

وهذا هو قول أهل السنة، وهو قول جمهور طوائف المسلمين، وقال به جماعة من المتكلمين، ومنهم: الغزالي، والرازي، والآمدي وغيرهم[انظر: درء تعارض العقل والنقل(7/352-354، 395، 405)، وانظر كذلك: فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة للغزالي ضمن رسائل الغزالي(93).]

وفيما يلي عرض مفصل للقول الثالث، وهو قول السلف، وللقول الأول، إذ هما أشهر ما قيل في المسألة.

المسألة الأولى: تفصيل مذهب أهل السنة والجماعة في معرفة الله، وبيان أدلتهم.

الفرع الأول: بيان قول أهل السنة في المعرفة.

يتلخص مذهب أهل السنة والجماعة ومن وافقهم في

 معرفة الله تعالى فيما يلي:

1-ذهب أهل السنة والجماعة إلى أن معرفة الله تعالى والإقرار بوجوده أمر فطريٌّ ضروري،هذا هو الأصل عند كل بني آدم، وهو الذي يقر به عامة الناس من مختلف الديانات، وإن كان قد يحصل عند فئام منهم نوع من التقصير في تمام التحقيق لتفاصيل هذه المعرفة، والإتيان بلوازمها، فذلك شأن آخر، وهذا الإقرار هو من الفطرة التي فطر اللهُ الناسَ عليها، كما أنه داخل الميثاق الذي أخذه على بني آدم وهم في ظهور آبائهم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية ’: «والمقصود هنا أنه من المعروف عند السلف والخلف أن جميع الجن والإنس معترفون بالخالق، مقرون به...فعلم أن أصل الإقرار بالصانع والاعتراف به مستقرٌ في قلوب جميع الأنس والجن، وأنه من لوازم خلقهم، ضروريٌ فيهم، وإن قُدِّر أنَّه حصل بسبب، كما أن اغتذاءهم بالطعام والشراب هو من لوازم خلقهم وذلك ضروري فيهم، وهذا هو الإقرار والشهادة المذكورة في قوله: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ، أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ)[الأعراف: ١٧٢ – ١٧٣] [ درء تعارض العقل والنقل8/482، وانظر:المرجع السابق8/440، فتح الباري لابن حجر13/439]

2-ومعرفة الله وإن كانت فطرية ضرورية إلا أنها قد تقع بطرق أخرى غير الفطرة، كالنظر الصحيح الذي جاء به الشرع، ونحو ذلك من الطرق.

والأصل أن هذا النظر إنما يخاطب به من فسدت فطرته، وغطت الشبهات بصيرته، فجاهر بإنكار وجود الله تعالى، فإنه يخاطَب حينها بالطرق النظرية الصحيحة، والتي جاء القران ببيان أصولها أحسن بيان وأوضحه، لا بالطرق الكلامية المبتدعة، وذلك ليمحو الفساد الذي غطى تلك الفطرة وحجبها.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الرابعة والثلاثون في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

*معرفة الله بين أهل السنة ومخالفيهم

3-ومما يقرره أهل السنة أن معرفةَ الله والإقرارَ

بوجوده ليس هو الغاية الأولى من بعثة الرسل، وليس هو المقصد من خلق الإنسان، ولا يكفي ذلك الإقرار وحده في دخول الإنسان في الإسلام، إنما الغاية العظمى من بعثتهم هو تحقيق لازم تلك المعرفة، ألا وهو إفراد الله بالعبادة والقصد والطلب، كما قال تعالى(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون) الذاريات: ٥٦

4-ومن فضل الله ورحمته أن لم يؤاخذ العباد بمقتضى هذه الفطرة وذلك الميثاق لوحدة، بل كانت المؤاخذة موقوفة على إقامة الحجة الرسالية، كما قال تعالى: (مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15) ) الإسراء: ١٥، فالرسل تذكر الناس بذلك الميثاق الأول وبمقتضاه، وتفصِّل لهم أمور الدين من أخبار وأحكام، وتنفي عن الناس ما غير فطرهم وأفسدها[انظر: مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام(16/348).]، فبهم تقوم على الناس الحجة، وتنقطع المعذرة، كما قال تعالى:(فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً(5)عُذْراً أَوْ نُذْراً(6)) المرسلات وهي الملائكة التي تنزل الوحي إلى رسل الله، فيكون فيه إعذار إلى الخلق[انظر: تفسير ابن كثير(8/297)،تفسير السعدي(903)، ] وحول مذهب أهل السنة ومن وافقهم في مسألة فطرية المعرفة، [انظر: درء تعارض العقل والنقل(7/352-357، 395-404)، مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام(16/328).]، وكما قال سبحانه(رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَالرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاًحَكِيماً) النساء: ١٦٥

الفرع الثاني: أدلة أهل السنة على فطرية المعرفة:

استدل أهل السنة على قولهم إن معرفة الله ضرورية فطرية بعدة أدلة، ومنها:

1-قوله تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ )[الروم: ٣٠]

2-وعن أبي هريرة _ قال: قال رسول اللَّهِ ‘:((ما من مَوْلُودٍ إلا يُولَدُ على الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أو ينصرانه أو يُمَجِّسَانِهِ، كما تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هل تُحِسُّونَ فيها من جَدْعَاءَ. ثُمَّ يقول أبو هُرَيْرَةَ _: (فِطْرَة اللَّه الَّتِي فَطَرَ النَّاس عَلَيْهَا لَا تَبْدِيل لِخَلْقِ اللَّه ذَلِكَ الدِّين الْقَيِّم) [ رواه البخاري(1/465)ح(1293)، ومسلم(4/2049)، ح(2658).]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الخامسة والثلاثون في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :*معنى الفطرة:

تعددت أقوال العلماء في بيان معنى الفطرة، والصواب من الأقوال أن المراد بالفطرة في الآية والحديث: الإسلام، كما فسرها بذلك جمع من السلف، وغالب الأقوال الأخرى للسلف ترجع إلى هذا التفسير[انظر: جامع البيان للطبري(20/98)، التمهيد لابن عبد البر(18/72)، تفسير البغوي(6/269-270)، أحكام أهل الذمة لابن القيم(2/953) تفسير ابن كثير(6/313)، فتح الباري(3/248-250)، تحفة الأحوذي(6/287).]، بل قد حُكِي إجماع السلف على تفسير الآية بذلك[انظر: التمهيد لابن عبد البر(18/72)، فتح الباري(3/248).]، والإسلام الذي فُسِّرت به الفطرة يراد به الإسلام العام، وهو معرفة الله ومحبته وتوحيده[انظر: مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام(16/344).]، «وإذا قيل إنه ولد على فطرة الإسلام، أو خُلق حنيفاً، ونحو ذلك، فليس المراد به أنه حين خرج من بطن أمه يعلم هذا الدين ويريده، فإن الله تعالى يقول: (قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ) [النحل: ٧٨]، ولكن فطرته مقتضية موجبة لدين الإسلام لمعرفته ومحبته، فنفس الفطرة تستلزم الإقرار بخالقه ومحبته وإخلاص الدين له»[ درء تعارض العقل والنقل(8/383).] وهذه الفطرة هي الحنيفية التي خلق الله عليها العباد، كما في:

3- حديث عِيَاضِ بن حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ _ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‘ قال ذَاتَ يَوْمٍ في خُطْبَتِهِ: ((ألا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ ما جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يومي هذا، كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا حَلالٌ، وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمْ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عن دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عليهم ما أَحْلَلْتُ لهم، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي ما لم أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا)) [ رواه مسلم(4/2197) ح(2865).]

«فأخبر أنه خلقهم حنفاء، وذلك يتضمن معرفة الرب، و محبته، و توحيده، فهذه الثلاثة تضمنتها الحنيفية، وهي معنى قول: (لا إله إلا الله)»[ مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام(16/345)]

وعلى القول بوقفه فهو في حكم المرفوع، لأنه في أمر غيبي، وفي تفسير القران، ولما له من شواهد مرفوعة عن جمع من الصحابة، [انظر: السلسلة الصحيحة للألباني(4/158-163]

، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ’: «فالنفس بفطرتها إذا تُرِكت كانت مقرة لله بالالهية محبة له، تعبده لا تشرك به شيئاً، ولكن يفسدها ما يزين لها شياطين الإنس و الجن بما يوحى بعضهم إلى بعض من الباطل»[مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام(14/296).]

كما أن هذه الفطرة هي العهد الذي أخذه الله تعالى على الناس وهم في صلب أبيهم آدم ‘[انظر: تفسير البغوي(6/270).]،

4-قال تعالى (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ، أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) [الأعراف: ١٧٢ – ١٧٣]

5- وعن أَنَسَ بن مَالِكٍ _ عن النبي ‘ قال:(( يقول الله تَعَالَى لأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يوم الْقِيَامَةِ: لو أَنَّ لك ما في الأرض من شَيْءٍ أَكُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ؟ فيقول: نعم. فيقول أَرَدْتُ مِنْكَ أَهْوَنَ من هذا وَأَنْتَ في صُلْبِ آدَمَ، أَنْ لا تُشْرِكَ بِي شيئاً، فَأَبَيْتَ إلا أَنْ تُشْرِكَ بِي))

[ رواه البخاري(5/2399)ح(6189)، ومسلم(4/2160)ح(2805).]

6- وعَنِ ابن عَبَّاسٍ ، عَنِ النبي ‘ قال:(أَخَذَ الله الْمِيثَاقَ من ظَهْرِ آدَمَ بِنَعْمَانَ-يَعْنِى عَرَفَةَ-فاخرج من صُلْبِهِ كُلَّ ذُرِّيَّةٍ ذَرَأَهَا، فَنَثَرَهُمْ بين يَدَيْهِ كَالذَّرِّ، ثُمَّ كَلَّمَهُمْ قِبَلاً، قال (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) [الأعراف][ رواه الإمام أحمد(1/272) ح(2455)، والنسائي في الكبرى(6/347) ح(11191)، والحاكم في المستدرك(2/593) ح(4000) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، كما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه(2/207) ح(8200)، والفريابي في القدر(71-72)ح(60) وحسنه، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد(7/25): رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، كما حسنه الشيخ أحمد شاكر كما في تحقيق المسند(4/251)، وقد اختلف في رفعه ووقفه، وممن رجح الوقف ابن كثير، كما في تفسيره(3/502)، والبداية والنهاية(1/90).]

قال ابن كثير عن آية الأعراف السابقة: «يخبر تعالى أنه استخرج ذرية بني آدم من أصلابهم، شاهدين على أنفسهم أن الله ربهم ومليكهم، وأنه لا إله إلا هو، كما

 أنه تعالى فطرهم على ذلك وجبلهم عليه»[تفسير ابن كثير(3/500).]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السادسة والثلاثون في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *معنى الفطرة:

7-ومما يدل على فطرية المعرفة من العقل: أن جميع العلوم النظرية لا بد أن تنتهي إلى علوم ضرورية، إذ لو كانت كل العلوم النظرية مبنية على علوم أخرى للزم من ذلك الدور القبلي، أو التسلسل في المؤثرات في محل له ابتداء، وكلاهما معلوم البطلان بالضرورة واتفاق العقلاء، فثبت بهذا أن العلوم النظرية لا بد وأن تنتهي إلى علوم ضرورية فطرية أولية يبتدؤها الله في قلب الإنسان، ولولاها لم يثبت في الإنسان علم أبداً، لا ضروري ولا نظري[انظر: درء تعارض العقل والنقل(3/309-310)، وانظر بعض الأدلة العقلية الأخرى في: شفاء العليل(303-307)ط:دار الفكر.]

وذلك يتضح بالتأمل في تعريف المتكلمين للنظر، فقد عرفوا النظر بأنه: ترتيب تصديقات يتوصل بها إلى تصديقات أخر[انظر: المحصل للرازي(121).]، فهذه التصديقات التي نتجت عنها تصديقاتٌ أخرى، إما أن تكون ضرورية خلقت ابتداء ً في عقل الإنسان، وإما أن تكون نظرية، فإن كانت ظرورية فهذا إقرار بوجود العلم الضروري في الإنسان، وهو المطلوب، وإن كانت نظرية فمعنى كونها نظرية أنها ناتجة عن تصديقات سابقة-كما يفيده التعريف السابق للنظر- وهكذا يستمر القول إلى أن ينتهي الأمر إلى إثبات علم ضروري، أو إلى إنكار العلوم جملة والانتهاء إلى السفسطة الباطلة بالاتفاق. )

قال شيخ الإسلام ابن تيمية ’: «إن الله تعالى نصب

 على الحق الأدلة والأعلام الفارقة بين الحق والنور، وبين الباطل والظلام، وجعل فطر عباده مستعدةً لإدراك الحقائق ومعرفتها، ولولا ما في القلوب من الاستعداد لمعرفة الحقائق لم يكن النظر والاستدلال، ولا الخطاب والكلام، كما أنه سبحانه جعل الأبدان مستعدة للاغتذاء بالطعام والشراب، ولولا ذلك لما أمكن تغذيتها وتربيتها، وكما أن في الأبدان قوة تفرق بين الغذاء الملائم والمنافي، ففي القلوب قوة تفرق بين الحق والباطل أعظم من ذلك»[ درء تعارض العقل والنقل (5/62).]

المسألة الثانية: بيان مذهب المخالفين في معرفة الله تعالى، وأدلتهم، والرد عليها.

الفرع الأول:بيان مذهب المتكلمين في معرفة الله.

ذهب جماهير المتكلمين من المعتزلة [انظر: المحيط بالتكليف(31)، شرح الأصول الخمسة(15)، المغني في أبواب العدل والتوحيد(12/512).، والزيدية[انظر: ينابيع النصيحة في العقائد الصحيحة للحسين بن بدر الدين الزيدي ]، وغيرهم إلى أن معرفة الله تعالى نظرية، فلا سبيل إلى معرفته سبحانه-عندهم-إلا بالنظر والاستدلال بطرقهم التي ابتدعوها، وأنكروا أن تكون معرفة الله فطرية.)

وبناء على قولهم هذا فقد ذهبوا إلى القول بوجوب النظر، بل والقول بأنه أول واجب على المكلف.

ومما يشار إليه هنا أن هذا القول ليس هو قول جميع المعتزلة، بل قد خالف فيه بعضهم، كأبي القاسم البلخي، وأبي علي الأسواري، وأصحاب المعارف، كالجاحظ وغيره[انظر: المحيط بالتكليف(31)، شرح الأصول الخمسة(25، 27)، المغني في أبواب العدل والتوحيد(12/316).، كما خالف فيه بعض الأشاعرة.)]

الفرع الثاني: أدلة المتكلمين على أن معرفة الله ليست فطرية ولا ضرورية:

استدل المتكلمون على أن الله لا يعرف بالضررورة، وإنما يعرف بالنظر والاكتساب بعدة أدلة، ومنها:

1-«أن العلم بالله...لو كان ضرورياً لوجب في العادم له أن يكون معذوراً، لأن ذلك عند الخصم موقوفٌ على الله تعالى، حتى إذا اختار الله تعالى كان، وإلا فلا، وهذا يوجب في الكفار كلهم أن يكونوا معذورين في تركهم معرفة الله تعالى وغير ذلك من المعارف، وهذا الوجهُ مُعتَمَدٌ عليه»[ شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار-ط: إحياء التراث العربي(26).]

وللجواب عن هذه الشبهة يقال: إن مبنى الرد هذه الشبه راجع إلى بيان الغاية من الخلق والتكليف وإرسال الرسل، وهل الغاية منها مجرد معرفة الله-حتى يكون الكفار معذورين بتحقيقهم لهذه المعرفة- أم إلى غير ذلك. إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السابعة والثلاثون في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان : *معرفة الله عند ابن القيم

معرفة الله سبحانه نوعان ‏:‏

« الأول ‏:‏ » معرفة إقرار وهي التي اشترك فيها الناس البر والفاجر والمطيع والعاصي‏.

«‏ والثاني‏:‏» معرفة توجب الحياء منه والمحبة له وتعلق القلب به والشوق إلى لقائه وخشيته والإنابة إليه والأنس به والفرار من الخلق إليه‏.‏ وهذه هي المعرفة الخاصة الجارية على لسان القوم وتفاوتهم فيها لا يحصيه إلا الذي عرفهم بنفسه وكشف لقلوبهم من معرفته ما أخفاه عن سواهم وكل أشار إلى هذه المعرفة بحسب مقام وما كشف له منها‏.‏ وقد قال أعرف الخلق به ‏ ‏:‏ ‏ «‏لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك‏» ‏ ، وأخبر أنه سبحانه يفتح عليه يوم القيامة من محامده بما لا يحسنه الآن‏.‏ ولهذه المعرفة بابان واسعان‏:‏

«الباب الأول‏:» ‏ التفكر والتأمل في آيات القرآن كلها، والفهم الخاص عن الله ورسوله‏.‏

«والباب الثاني‏:‏» التفكر في آياته المشهودة وتأمل حكمته فيها وقدرته ولطفه وإحسانه وعدله وقيامة بالقسط على خلقه‏.‏ وجماع ذلك‏:‏ الفقه في معاني أسمائه الحسنى وجلالها وكمالها وتفرده بذلك وتعلقها بالخلق والأمر، فيكون فقيها في أوامره ونواهيه،فقيها في قضائه وقدره ، فقيها في أسمائه وصفاته، فقيها في الحكم الديني الشرعي والحكم الكوني القدري ، و ‏«‏ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم‏» ‏‏.

   ولقد رزق مالك ابن دينار الدأب على السير في طاعة مولاه جل وعلا، يبتغي الوصول إلى المعرفة الحقة وهو معرفة الله. قال رحمة الله عليه: "خرج أهل الدنيا من الدنيا، ولم يذوقوا أطيب شيء فيها، قالوا: وما هو يا أبا يحيى؟ قال: معرفة الله تعالى".

*لا يعرف خالقه من لا يعرف نفسه

من لم يعرف نفسه كيف يعرف خالقه‏؟‏ فاعلم أن الله تعالى خلق في صدرك بيتا وهو القلب ، ووضع في صدره عرشا لمعرفته يستوي عليه المثل الأعلى فهو مستو على عرشه بذاته بائن من خلقه‏.‏

والمثل الأعلى من معرفته ومحبته وتوحيده مستوى على سرير القلب وعلى السرير بساط من الرضا ‏.‏ ووضع عن يمينه وشماله مرافق شرائعه وأوامره وفتح إليه بابا من جنة رحمته والأنس به والشوق إلى لقائه، وأمطره من وابل كلامه ما أنبت فيه أصناف الرياحين والأشجار المثمرة من أنواع الطاعات والتهليل والتسبيح والتحميد والتقديس ، وجعل في وسط البستان شجرة معرفتة ، فهي تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها من المحبة والإنابة والخشية والفرح به والابتهاج بقربه‏.‏ وأجرى إلى تلك الشجرة ما يسقيها من تدبر كلامه وفهمه والعمل بوصاياه .

وعلق في ذلك البيت قنديلا أسرجه بضياء معرفته والإيمان به وتوحيده فهو يستمد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار‏.‏ ثم أحاط عليه حائطا يمنعه من دخول الآفات والمفسدين ومن يؤذي البستان فلا يلحقه أذاهم ‏.‏ وأقام عليه حرسا من الملائكة يحفظونه في يقظته ومنامه، ثم أعلم صاحب البيت والبستان بالساكن فيه فهو دائما همه إصلاح السكن ولم شعثه ليرضاه الساكن منزلا‏.‏ وإذا أحس بأدنى شعث في السكن بادر إلى إصلاحه ولمه خشية انتقال الساكن منه، فنعم الساكن ونعم المسكن‏.‏

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثامنة والثلاثون في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

*لا يعرف خالقه من لا يعرف نفسه

فسبحان الله رب العالمين ، كم بين هذا البيت وبيت

قد استولى عليه الخراب وصار مأوى للحشرات والهوام ومحلا لإلقاء الأنتان والقاذورات فيه‏.‏ فمن أراد التخلي وقضاء الحاجة وجد خربة لا ساكن فيها ولا حافظ لها وهي معدة لقضاء الحاجة مظلمة الأرجاء منتنة الرائحة قد عمها الخراب وملأتها القاذورات ، فلا يأنس بها ولا ينزل فيها إلا من يناسبه سكناها من الحشرات والديدان والهوام‏.‏ الشيطان جالس على سريرها وعلى السرير بساط من الجهل وتخفق فيه أهواء وعن يمينه وشماله مرافق الشهوات‏.‏ وقد فتح إليه باب من حقل الخذلان والوحشة والركون إلى الدنيا والطمأنينة بها والزهد في الآخرة ، وأمطر من وابل الجهل والهوى والشرك والبدع ما أثبت فيه أصناف الشوك والحنظل والأشجار المثمرة بأنواع المعاصي والمخالفات من الزوائد و التنديبات والنوادر والهزليات والمضحكات والأشعار الغزليات والخمريات التي تهيج على ارتكاب المحرمات وتزهد في الطاعات ‏.‏ وجعل في وسط الحقل شجرة الجهل به والإعراض عنه، فهي تؤتي أكلها كل حين من الفسوق والمعاصي واللهو واللعب والمجون والذهاب مع كل ريح و اتّباع كل شهوة، ومن ثمرها الهموم و الغموم والأحزان والآلام ‏.‏ ولكنها متوارية باشتغال النفس بلهوها ولعبها، فإذا أفاقت من سكرها أحضرت كل هم وغم وحزن وقلق ومعيشة ضنك ، وأجري إلى تلك الشجرة ما يسقيها من اتباع الهوى وطول الأمل والغرور‏.‏

ثم ترك ذلك البيت وظلماته وخراب حيطانه بحيث لا

يمنع منه مفسد ولا حيوان ولا مؤذ ولا قذر، فسبحان

 خالق هذا البيت وذلك البيت، فمن عرف بيته وقدر ما فيه من الكنوز والذخائروالآلات انتفع بحياته ونفسه، ومن جهل ذلك جهل نفسه وأضاع سعادته .

 سئل سهل التستري‏:‏ الرجل يأكل في اليوم أكلة‏؟‏ قال‏:‏ أكل الصديقين ، قيل له‏:‏ فأكلتين‏؟‏ قال‏:‏ أكل المؤمنين، قيل له‏:‏ فثلاث أكلات‏؟‏ فقال‏:‏ قل لأهله يبنوا له معلفا‏.‏

قال الأسود بن سالم‏:‏ ركعتين أصليهما لله أحب إلي من الجنة بما فيها‏.‏ فقيل له‏:‏ هذا خطأ، فقال‏:‏ دعونا من كلامكم، الجنة رضا نفسي والركعتان رضا ربي ، ورضا ربي أحب إلي من رضا نفسي‏.‏

العارف في الأرض ريحانة من رياحين الجنة، إذا شمها

 المريد اشتاقت نفسه إلى الجنة ‏.‏

قلب المحب موضوع بين جلال محبوبه وجماله فإذا لاحظ جلاله هابه وعظمه ، وإذا لاحظ جماله أحبه واشتاق إليه‏.‏

*مراتب معرفة الله

من الناس من يعرف الله بالجود والإفضال والإحسان، ومنهم من يعرفه بالعفو والحلم والتجاوز،ومنهم من يعرفه بالبطش والانتقام ، ومنهم من يعرفه بالعلم والحكمة، ومنهم من يعرفه بالعزة والكبرياء، ومنهم من يعرفه بالرحمة والبر واللطف ومنهم من يعرفه بالقهر والملك، ومنهم من يعرفه بإجابة دعوته وإغاثة لهفته وقضاء حاجته‏.‏ وأهم هؤلاء معرفة من عرفه من كلامه، فإنه يعرف رباً قد اجتمعت له صفات الكمال ونعوت الجلال، منزه عن المثال، بريء من النقائص والعيوب، له كل اسم حسن وكل وصف كمال، فعال لما يريد، فوق كل شيء ومع كل شيء، وقادر على كل شيء ، ومقيم لكل شيء،آمرٍ ناهٍ متكلمٍ بكلماته الدينية والكونية، أكبر من كل شيءٍ وأجمل من كل شيءٍ، أرحم الراحمين وأقدر القادرين وأحكم الحاكمين‏.‏

فالقرآن أُنزل لتعريف عباده به وبصراطه الموصل إليه وبحال السالكين بعد الوصول إليه‏.[الأنترنت – موقع الفوائد لابن القيم ] .[ الأنترنت – موقع مع مالك ابن دينار]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة التاسعة والثلاثون في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :*تقوى الله جل جلاله

فائدة في فضائل التقوى المستنبطة من القرآن ، والبواعث عليها ، ودرجاتـها :

أما فضائلها فهي خمسة عشر :

- الـهـدى،لقوله تعالى:{هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} (2) سورة البقرة

- والنصـرة، لقوله تعالى : { إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ ...} (128) سورة النحل .

- والولايـة ، لقوله تعالى : { ... وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ } (19) سورة الجاثية .

- والمحـبة ، لقوله تعالى : { ... فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} (76) سورة آلعمران.

- والمغفـرة ، لقوله تعالى : {يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ

اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (29) سورة الأنفال .

- والمخرج من الغم ، والرزق من حيث لا يحتسب ، لقوله تعالى : {... وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا} (2) سورة الطلاق

- وتيسيـر الأمور ، لقوله تعالى : {... وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}(4)سورةالطلاق.

- وغفـران الذنوب وإعظام الأجور ، لقوله تعالى : { ... وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} (5) سورة الطلاق .

- وتقبـل الأعمال ، لقوله تعالى : {... إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} (27) سورة المائدة .

-والفـلاح ، لقوله تعالى : { ... وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (189) سورة البقرة .

-والبشرى ، لقوله تعالى : {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ ...} (64) سورة يونس

-ودخول الجنة ، لقوله تعالى : {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ } (34) سورة القلم

-والنجاة من النار ، لقوله تعالى: { ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا ... } (72) سورة مريم .

وأما البواعث على التقوى فهي عشرة ، وهي :

خوف العقاب الأخرويّ .

وخوف العقاب الدنيويّ .

ورجاء الثواب الدنيويّ .

ورجاء الثواب الأخرويّ .

وخوف الحساب .

والحياء من نظر الله ، وهو مقام المراقبة .

والشكر على نعمه بطاعته .

والعلم ، لقوله تعالى : {... إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ... } (28) سورة فاطر .

وتعظيم جلال الله ، وهو مقام الـهـيـبة . وصدق المحبة

وأما درجاتـهـا ، وهي خمس :

أن يتقي العبد الكفر ، وذلك مقام الإسلام .

وأن يتقي المعاصي والحرمات ، وهو مقام التوبة .

وأن يتقي الشبهات ، وهو مقام الورع .

وأن يتقي المباحات ، وهو مقام الزهد .

وأن يتقي حضور غيـر الله على قلبه ، وهو مقام المشاهدة .[ الأنترنت – موقع إضاءات في حـب الله عزوجـــــل ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الأربعون في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :*كيف ننمي تقوى الله في قلوبنا ؟

 أولا :أمر الله عز وجل بتقواه ، وأخبر أن التقوى هي عنوان الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة ، فقال عز وجل : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) آل عمران/ 102، وقال عز وجل : (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) النور/ 52

وأخبر أنه سبحانه مع المتقين، فقال : (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) النحل/ 128 ، وأنه وليهم ، فقال : (وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) الجاثية/ 19 ، وأن العاقبة للمتقين، فقال : (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) الأعراف/ 128، وأنهم أهل النجاة والفوز في الدنيا والآخرة، فقال : (وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) فصلت/ 18، وقال : (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا) مريم/ 72 ، وقال : (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا) النبأ/ 31. والمتقون من المؤمنين هم أولياء الله ، (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ، الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ) يونس/62، 63. والآيات في ذلك كثيرة .

ثانيا :التقوى هي فعل ما أمر الله به،وترك ما نهى عنه

ومما يعين العبد على ذلك : التفكر في أمر الدنيا والآخرة ، ومعرفة قدر كل منهما ، فإن هذه المعرفة لا بد أن تقود الإنسان إلى السعي إلى الفوز في الأخرة بنعيم الجنان ، والنجاة من النار ، ولذلك أخبرنا الله عز وجل عن الجنة أنها (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) آل عمران/133.

ومما يزيد التقوى في القلوب : اجتهاد الإنسان في طاعة الله تعالى ، فإن الله يكافئه على ذلك بزيادة الهداية والتقوى ، فيعينه على القيام بما أمر الله به ، ويفتح له من أبوب الخير والطاعات وييسرها له ما لم يكن يسيرا عليه من قبل . قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ) محمد/17.

ومما يصل بالإنسان إلى التقوى : الحرص على الصيام ، والإكثار منه ؛ فإن الله تعالى جعل فيه خاصية تعين العبد على الطاعات وتحببها إليه ، ولذلك قال الله تعالى عن فرض الصيام : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) البقرة/183 . ولذلك أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم ، وأكد وصيته ، وأخبر بأنه لا مثل له في ذلك:

فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مُرْنِي بِعَمَلٍ، قَالَ: ( عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا عَدْلَ لَهُ )، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي بِعَمَلٍ، قَالَ: ( عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا عِدْلَ لَهُ ) " . [رواه أحمد (22149) ، والنسائي (4/165) وغيرهما ، وصححه الألباني .]

ومن ذلك أيضا : التخلق بأخلاق وصفات المتقين التي ذكرها الله تعالى في كتابه ، قال الله تعالى : ( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ

 الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ) البقرة/177.

وقال تعالى : (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) آل عمران/133-136.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الواحدة والأربعون في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *كيف ننمي تقوى الله في قلوبنا ؟

ومن ذلك أيضا : التمسك بهدي النبي صلى الله عليه وسلم ، والابتعاد عن البدع المحدثة في الدين ، قال الله تعالى : (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) الأنعام/ 153 .

ومن ذلك أيضا : الابتعاد عن حرمات الله ، قال الله تعالى : ( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) البقرة/ 187.

ومن ذلك أيضا : التفكر في آيات الله الشرعية

والكونية ، قال تعالى : (إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) يونس/ 6 . وقال سبحانه : (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا) طه/ 113

ومن ذلك أيضا :- الإكثار من ذكر الله وتلاوة القرآن .

- مصاحبة أهل الخير الذين ينصحون ويذكّرون ، ومجانبة أهل الشر والبدعة .

- قراءة سير المتقين ، من المؤمنين الصالحين ، من أهل العلم والزهد والعبادة .

ثانيا : ينبغي للعاقل أن يستعد للقاء الله تعالى في كل لحظة ،فإنه لا يدري متى يحل به الموت ، فلا يمكنه استدراك ما قصر فيه ، وحينئذ يندم وقت لا ينفع الندم .

وكل إنسان مسئول يوم القيامة : (عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ) [رواه الترمذي (2416) ، وصححه الألباني.]

-والصحة وتوفر الوقت من نعم الله تعالى التي لا يعرف قدرها كثير من الناس إلا بعد فواتها وضياعها منه ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ ) رواه البخاري (6412) .

والغبن هو الخسارة في البيع ، فمعنى الغبن هنا : أنه لا يستفيد منها ، بل يخسر صحته وفراغه ووقته فيما لا ينفعه في الدنيا ولا في الآخرة . وهذا أعظم من خسارة التاجر في تجارته .

فالعاقل يعلم أنه مقبل على أمر عظيم ، فلا بد أن يستعد له . وكل تعب في طاعة الله في الدنيا سيكون راحة في الآخرة ، ولذلك كان بعض السلف يجهد نفسه في طاعة الله ، فكلمه الناس أن يريح نفسه ولو قليلا ، فقال : "راحتَها أريد" [انتهى من  الفوائد  (ص 42) .]

وكل راحة وتلذذ بمعصية الله في الدنيا سيعقبها الندم والعذاب إن لم يعف الله عن صاحبها يوم القيامة .والله أعلم [ الأنترنت – موقع الإسلام سؤال وجواب – المنجد ] إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثانية والأربعون في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم

  من الآفات الخفية العامة أن يكون العبد في نعمة أنعم الله بها عليه واختارها له، فيملها ويطلب الانتقال منها إلى ما يزعم لجهله أنه خير له منها، وربه برحمته لا يخرجه من تلك النعمة، ويعذره بجهله وسوء اختياره لنفسه، حتى إذا ضاق ذرعا بتلك النعمة وسخطها وتبرم بها واستحكم ملله لها سلبه الله إياها ‏.‏ فإذا انتقل إلى ما طلبه ورأى التفاوت بين ما كان فيه وما صار إليه، اشتد قلقه وندمه وطلب العودة إلى ما كان فيه، فإذا أراد الله بعبده خيرا ورشدا أشهده أن ما هو فيه نعمة من نعمة عليه ورضاه به وأوزعه شكره عليه، فإذا حدثته نفسه بالانتقال عنه استخار ربه استخارة جاهل بمصلحته عاجز عنها، مفوض إلى الله طالب منه حسن اختياره له‏.‏

وليس على العبد أضر من ملله لنعم الله، فإنه لا يراها

نعمة ولا يشكره عليها ولا يفرح بها، ، بل يسخطها

ويشكوها ويعدها مصيبة ‏.‏

هذا وهي من أعظم نعم الله عليه،فأكثر الناس أعداء نعم الله عليهم ولا يشعرون بفتح الله عليهم نعمة، وهم مجتهدون في دفعها وردها جهلا وظلما‏.‏ فكم سعت إلى أحدهم من نعمة وهو ساع في ردها بجهده، وكم وصلت إليه وهو ساع في دفعها وزوالها بظلمه وجهله، قال تعالى‏:‏‏ «‏ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم‏» ‏سورة الأنفال ‏:‏ الآية رقم :‏53‏ ‏،وقال تعالى‏:‏«‏إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم‏» ‏الرعد‏:‏ الآية رقم :‏11‏ ‏فليس للنعم أعدى من نفس العبد، فهو مع عدوه ظهير على نفسه ،فعدوه يطرح النار في نعمة وهو ينفخ فيها، فهو الذي مكنه من طرح النار ثم أعانه بالنفخ، فإذا اشتد ضرامها

 استغاث من الحريق وكان غايته معاتبة الأقدار‏:‏

وعاجز الرأي مضياع لفرصته * * * حتى إذا فات أمر عاتب القدرا.

[ الأنترنت – موقع إضاءات في حـب الله عزوجـــــل ]

*جمال الله عز وجل

من أعز أنواع المعرفة معرفة الرب سبحانه بالجمال، وهي معرفة خواص الخلق ، وكلهم عرفه بصفة من صفاته وأتمهم معرفة من عرفه بكماله وجلاله وجماله سبحانه،ليس كمثله شيء في سائر صفاته، ولو فرضت الخلق كلهم على أجملهم صورة وكلهم على تلك الصورة ، ونسبت جمالهم الظاهر والباطن إلى جمال الرب سبحانه لكان أقل من نسبة سراج ضعيف إلى قرص الشمس، ويكفي في جماله أنه لو كشف الحجاب عن وجهه لأحرقت سبحاته ‏‏ ما انتهى إليه بصره من خلقه‏.‏ ويكفي في جماله أن كل جمال ظاهر وباطن في الدنيا

والآخرة فمن آثار صنعته ،فما الظن بمن صدر منه هذا الجمال‏.‏

ويكفي في جماله أنه له العزة جميعا والقوة جميعا والجود كله والإحسان كله والعلم كله والفضل كله،ولنور وجهه أشرقت الظلمات كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء الطائف‏‏‏:‏ ‏ « ‏أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة » وقال عبد الله بن مسعود‏:‏ ليس عند ربكم ليل ولا نهار، نور السموات والأرض من نور وجهه، فهو سبحانه نور السموات والأرض، ويوم القيامة إذا جاء لفصل القضاء تشرق الأرض بنوره‏.‏

ومن أسمائه الحسنى« ‏الجميل‏»وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏ « إن الله جميل يحب الجمال‏»

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثالثة والأربعون في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :وجماله سبحانه على أربع مراتب‏:‏ جمال الذات، وجمال الصفات ، وجمال الأفعال ، وجمال الأسماء، فأسماؤه كلها حسنى، وصفاته كله صفات كمال، وأفعاله كلهاحكمة ومصلحة وعدل ورحمة‏.‏

 وأما جمال الذات وما هو عليه فأمر لا يدركه سواه ولا يعلمه غيره، وليس عند المخلوقين منه إلا تعريفات تعرّف بها إلى من أكرمه من عباده ، فإن ذلك الجمال مصون عن الأغيار محجوب بستر الرداء والإزار كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يحكى عنه‏:‏ ‏ « ‏الكبرياء ردائي والعظمة إزاري‏» ‏‏.‏ ولما كانت الكبرياء أعظم وأوسع كانت أحق باسم الرداء ، فإنه سبحانه الكبير المتعال

 فهو سبحانه العلي العظيم‏.‏

قال ابن عباس ‏:‏ حَجَبَ الذات بالصفات وحجب الصفات بالأفعال ، فما ظنك بجمال حجُب بأوصاف الكمال وسُتر بنعوت العظمة والجلال‏.‏

ومن هذا المعنى يُفهم بعض معاني جمال ذاته، فإن

العبد يترقى من معرفة الأفعال إلى معرفة الصفات ، ومن معرفة الصفات إلى معرفة الذات‏.‏

فإذا شاهد شيئا من جمال الأفعال استدل به على جمال الصفات ثم استدل بجمال الصفات على جمال الذات‏.‏

ومن هنا يتبين أنه سبحانه له الحمد كله وأن أحدا من خلقه لا يُحصي ثناء عليه، بل هو كما أثنى على نفسه، وأنه يستحق أن يُعبد لذاته ويُحب لذاته ويُشكر لذاته، وأنه سبحانه يُحب نفسه ويثني على نفسه ويحمد نفسه، وأن محبته لنفسه وحمده لنفسه وثناءه على نفسه وتوحيده لنفسه هو في الحقيقة الحمد والثناء والحب والتوحيد، فهو سبحانه كما أثنى على نفسه وفوق ما يثني به عليه خلقه ، وهو سبحانه كما يحب ذاته يحب صفاته وأفعاله، فكل أفعاله حسن محبوب وإن كان في مفعولاته ‏ ما يبغضه ويكرهه، فليس في أفعاله ما هو مكروه مسخوط ، وليس في الوجود ما يحب لذاته ويحمد لذاته إلا هو سبحانه، وكل ما يُحب سواه فإن كانت محبته تابعة لمحبته سبحانه بحيث يُحب لأجله فمحبته صحيحة وإلا فهي محبة باطلة، وهذا هو حقيقة الإلهية، فإن الإله الحق هو الذي يُحب لذاته ويحمد لذاته‏.‏ فكيف إذا انضاف إلى ذلك إحسانه

 وإنعامه وحلمه وتجاوزه وعفوه وبره ورحمته‏؟‏‏!‏

فعلى العبد أن يعلم أنه لا إله إلا الله فيحبه ويحمده لذاته وكماله، وأن يعلم أنه لا محسن على الحقيقة بأصناف النعم الظاهرة و الباطنة إلا هو فيحبه لإحسانه وإنعامه ويحمده على ذلك فيحبه من الوجهين جميعا، وكما أنه ليس كمثله شيء فليس كمحبته محبة‏.‏ والمحبة مع الخضوع هي العبودية التي خلق الخلق لأجلها،فإنها غاية الحب بغاية الذل، ولا يصلح ذلك إلا له سبحانه ، والإشراك به في هذا هو الشرك الذي لا يغفره الله ولا يقبل لصاحبه عملا‏.‏

وحمده يتضمن أصلين‏:‏ الإخبار بمحامده وصفات كماله، والمحبة له عليها، فمن أخبر بمحاسن غيره من غير محبة له لم يكن حامدا، ومن أحبه من غير إخبار بمحاسنه لم يكن حامدا حتى يجمع الأمرين، وهو سبحانه يحمد نفسه بنفسه، ويحمد نفسه بما يجريه على ألسنة الحامدين له من ملائكته وأنبيائه ورسله وعباده المؤمنين ، فهو الحامد لنفسه بهذا وهذا ، فإن حمدهم له بمشيئته وإذنه وتكوينه، فإنه هو الذي جعل الحامد حامدا والمسلم مسلما والمصلي مصليا والتائب تائبا، فمنه ابتدات النعم وإليه انتهت فابتدأت بحمده وانتهت إلى حمده، وهو الذي ألهم عبده التوبة وفرح بها أعظم فرح، وهي من فضله وجوده‏.‏ وألهم عبده الطاعة وأعانه عليها ثم أثابه عليها وهي من فضله وجوده وهو سبحانه غني عن كل ما سواه بكل وجه، وما سواه فقير إليه بكل وجه، والعبد مفتقر إليه لذاته في الأسباب والغايات، فإن ما لا يكون به لا يكون، وما لا يكون له لا ينفع‏.‏

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الرابعة والأربعون في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :*الله جميل يحب الجمال

وقوله في الحديث ‏:‏ ‏ « ‏إن الله جميل يحب الجمال‏ » ‏ يتناول جمال الثياب المسؤول عنه في نفس الحديث ‏.‏ ويدخل فيه بطريق العموم الجمال من كل شيء كما في الحديث الآخر‏:‏ ‏ « ‏إن الله نظيف يحب النظافة‏ » ‏ ‏.‏ وفي الصحيح ‏:‏ ‏ « ‏إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا‏ » ‏ ‏.‏ وفي السنن ‏:‏ ‏ « ‏إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده‏» ‏ ‏.‏وفيها عن أبي الأحوص الجشمي، قال ‏:‏ ‏ « ‏رآني صلى الله عليه وسلم وعليَّ أطمار، فقال‏:‏ هل لك من مال‏؟‏ قلت نعم، قال‏:‏ من أي المال‏؟‏ قلت‏:‏ من كل ما آتى الله من الإبل و الشاء ، قال ‏:‏ فلتر نعمته وكرامته عليك‏» ‏‏.‏

فهو سبحانه يحب ظهور أثر نعمته على عبده، فإنه من الجمال الذي يحبه، وذلك من شكره على نعمه، وهو جمال باطن فيحب أن يرى على عبده الجمال الظاهر بالنعمة والجمال الباطن بالشكر عليها‏.‏

ولمحبته سبحانه للجمال أنزل على عباده لباسا وزينة تجمل ظواهرهم ، وتقوى تجمل بواطنهم فقال‏:‏ ‏ «‏يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ‏» ‏ الأعراف ‏:‏ الآية 26 ‏، وقال في أهل الجنة ‏:‏ ‏ «‏ولقاهم نضرة وسرورا، و جزاهم بما صبروا جنة وحريرا‏» ‏ الإنسان ‏:‏ الآية 11- 12‏، فجمل وجوههم بالنضرة وبواطنهم بالسرور وأبدانهم بالحرير، وهو سبحانه كما يحب الجمال في الأقوال والأفعال واللباس والهيئة ، يبغض القبيح من الأقوال والأفعال والثياب والهيئة، فيبغض القبيح وأهله ويحب الجمال وأهله‏.‏ ولكن ضل في هذا الموضوع فريقان‏:‏ فريق قالوا كل ما خلقه جميل فهو يحب كل ما خلقه ونحن نحب جميع ما خلقه فلا نبغض منه شيئا، قالوا‏:‏ ومن رأى الكائنات منه رآها كلها جميلة ‏.‏ وأنشد منشدهم‏:‏

وإذا رأيت الكائنات بعينهم * * * فجميع ما يحوي الوجود مليح

واحتجوا بقوله تعالى‏:‏ ‏ «‏الذي أحسن كل شيء خلقه‏» السجدة‏:‏ الآية رقم ‏:‏ ‏‏7‏‏ ، وقوله‏:‏ ‏ «‏صنع الله الذي أتقن كل شيء‏» ‏‏ النمل ‏:‏ الآية رقم ‏:‏ ‏88‏ ، وقوله ‏:‏ ‏ «‏ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت‏» ‏ الملك ‏:‏ الآية رقم ‏:‏ ‏‏3‏ والعارف عندهم هو الذي يصرح بإطلاق الجمال ولا يرى في الوجود قبيحا‏.‏ وهؤلاء قد عدمت الغيرة لله من قلوبهم والبغض في الله والمعاداة فيه وإنكار المنكر والجهاد في سبيله وإقامة حدوده ويرى جمال الصور من الذكور والإناث من الجمال الذي يحبه الله، فيتعبدون بفسقهم وربما غلا بعضهم حتى يزعم أن معبوده يظهر في تلك الصورة ويحل فيها ‏.‏ وإن كان اتحاديا قال هي مظهر من مظاهر الحق ويسميها المظاهر الجمالية ‏أو‏

أنواع الجمال.

وقابلهم الفريق الثاني فقالوا‏:‏ قد ذم الله سبحانه جمال الصور وتمام القامة والخلقة ، فقال عن المنافقين ‏:‏ ‏ «‏وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم‏» ‏ المنافقون‏:‏ الآية رقم :‏4‏‏ ، وقال ‏:‏ ‏ «‏وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا‏» ‏ مريم ‏:‏ الآية رقم :‏74‏‏ ، أي أموالا ومناظر ، قال الحسن ‏:‏ هو الصور، وفي صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏ «‏إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم‏» ‏ ، قالوا ‏:‏ ومعلوم أنه لم ينف نظر الإدراك وإنما نفى نظر المحبة ‏.‏ قالوا ‏:‏ وقد حرم علينا لباس الحرير والذهب وآنية الذهب والفضة، وذلك من أعظم جمال الدنيا، وقال ‏:‏ ‏ «‏ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه‏» ‏ طه ‏:‏ الآية رقم :‏131‏‏ ، وفي الحديث ‏:‏ ‏ « ‏البذاذة من الإيمان‏» ‏ ، وقد ذم الله المسرفين ‏.‏ و السرف كما يكون في الطعام والشراب يكون في اللباس‏.‏

وفصل النزاع أن يقال‏:‏ الجمال في الصورة واللباس والهيئة ثلاثة أنواع‏:‏

منه ما يحمد، ومنه ما يذم، ومنه ما لا يتعلق به مدح ولا ذم، فالمحمود منه ما كان لله وأعان على طاعة الله وتنفيذ أوامره والاستجابة له كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتجمل للوفود ‏.‏ وهو نظير لباس آلة الحرب للقتال ولباس الحرير في الحرب والخيلاء فيه‏.‏ فإن ذلك محمود إذا تضمن إعلاء كلمة الله ونصر دينه وغيظ عدوه.

والمذموم منه ما كان للدنيا والرياسة والفخر والخيلاء والتوسل إلى الشهوات، وأن يكون هو غاية العبد وأقصى مطلبه‏.‏ فإن كثيرا من النفوس ليس لها همة في سوى ذلك‏.‏

وأما ما لا يحمد ولا يذم هو ما خلا عن هذين القصدين وتجرد عن الوصفين‏.‏

والمقصود أن هذا الحديث الشريف مشتمل على أصلين عظيمين ‏:‏ فأوله معرفة ، وآخره سلوك‏.‏

فيُعرف الله سبحانه بالجمال الذي لا يماثله فيه شيء ، ويعبد بالجمال الذي يحبه من الأقوال والأعمال والأخلاق ‏‏ فيحب من عبده أن يحمل لسانه بالصدق، وقلبه بالإخلاص والمحبة والإنابة والتوكل، وجوارحه بالطاعة، وبدنه بإظهار نعمه عليه في لباسه وتطهيره له من الأنجاس والأحداث والأوساخ والشعور المكروهة والختان وتقليم الأظفار، فيعرفه بصفات الجمال ويتعرف إليه بالأفعال والأقوال والأخلاق الجميلة ، فيعرفه بالجمال الذي هو وصفه ، ويعبده بالجمال الذي هو شرعه ودينه، فجمع الحديث قاعدتين‏:‏ المعرفة والسلوك‏.‏.

[ الأنترنت – موقع إضاءات في حـب الله عزوجـــــل ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الخامسة والأربعون في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :*كيف تكسب حب الله لك؟

حب الله تعالى ليس له طريق واحد،بل طرقه متعددة ،حتى يكون الطريق فسيحا أمام خلقه جميعا ، ويمكن استقصاء طرق حب الله تعالى بالرجوع إلى القرآن الكريم ، والبحث بمادة " حب" ، من ذلك :

1- اتباع الرسول  عليه وسلم " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعون يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم

2- الإحسان طريق إلى محبة الله تعالى، قال تعالى :" يحب المحسنين ".

3- الإنفاق وحسن الخلق ، قال تعالى :" الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس ، يحب المحسنين" . وقوله تعالى :" ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا"

4- تقوى الله ، قال سبحانه " إن الله يحب المتقين ".

5- التواضع ، قال تعالى :" من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين " .

6- التوبة والرجوع إليه ، فقال تعالى :" إن الله يحب التوابين " .

7- الطهارة والنظافة الخارجية والداخلية، قال تعالى :" ويحب المتطهرين ".

8- الصبر عن الشدائد، فقال تعالى :" والله يحب الصابرين ".

9- التوكل على الله قال تعالى:إن الله يحب المتوكلين  

10- طيب الكلام ، قال تعالى :" لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم ".

11- العدل والقسط ، قال تعالى :{ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين }وقال :{إن الله يحب المقسطين }.

12- عدم الإسراف ، قال تعالى :" ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ".

13- الوحدة والاجتماع والبعد عن الفرقة ، قال تعالى :" إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص"

14- إتيان الطاعة والبعد عن المعصية ، قال تعالى :" وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه ، قل فلم يعذبكم بذنوبكم " .

15- وهناك درجات في الحب أكثر من غيرها ، كما

جاء في الحديث القدسي :" أحب الغني الكريم وحبي للفقير الكريم أشد، وأحب الفقير المتواضع وحبي للغني المتواضع أشد، وأحب الشيخ الطائع وحبي للشاب الطائـع أشـد. وأبغض ثلاثاً وبغضي لثلاث أشد: أبغض الغني المتكبر وبغضي للفقير المتكبر أشد،وأبغض الفقير البخيل وبغضي للغني البخيل أشد، وأبغض الشاب العاصي وبغضي للشيخ العاصي أشد."

وتعدد هذه المداخل لحب الله تعالى يجعل المرء يمكن له الحصول عليها ، فيتخير من النوافل والزوائد على الطاعات ، والبعد عن المحرمات ، وترك المكروهات ما يجعله أقرب إلى الله تعالى ، بل إن ما فرضه الله تعالى علينا هو أيضا طريق إلى حب الله ، كما جاء في الحديث القدسي :" وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ".[الأنترنت – موقع كيف تكسب حب الله لك ؟]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السادسة والأربعون في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*هل تريد أن تعرف ماهي الأعمال التي يحبها الله؟

  قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعكلم تفلحون) هذه بعض الأعمال الصالحة التي يحبها الله سبحانه وتعالى، فاحرص على أن تعلمها و العمل مانستطيع منها بكل همة لكي نفوز برضى الله سبحانه وتعالى في الدنيا والآخرة، ومع أن ثواب هذه الأعمال عظيم إلا أنه من الأكمل لإيمانك أن تعمل بها محبة في الله وليس حبا للثواب فقط فذلك أخلص إلى الله وأقرب، وكل ما أمر الله به فهو يحبه، وكل ما نهى الله عنه فهو لايحبه بل يكرهه ،والعبد له الثواب في إمتثال الأوامر والإنتها عن النواهي  .

الناس هلكى إلا العالمين،والعالمون هلكى إلا العامـلين

والعاملون هلكى إلا المخلصـين ،ومنها:

1-ذكر الله:

وهو أعظم الأعمال على الإطلاق وأفضلها للتقرب إلى الله، فإن وفقك الله إلى الذكر، سهلت عليك باقي الأعمال، لأن الله أودع في الذكر سرعظيم يجعلك تحب الطاعات وتقوم بها بسهولة، وبدونه تجد الطاعات

صعبة، وهو ذكر الله بمفردك، وذكر الله في المساجد.

قال الله تعالى: ( ياأيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكره وأصيلا)، قال تعالى في الحديث القدسي: (أنا جليس من ذكرني)

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم؟ قالوا بلى, قال ذكر الله)، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله و يتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة و غشيتهم الرحمة و حفتهم الملائكة و ذكرهم الله في من عنده)

فوائده في الدنيا: قضاء الحوائج، السعادة، زيادة الرزق، ذهاب الهموم والأحزان، استجابة الدعاء

فوائده في الآخرة: محبة الله، نور يوم القيامة، دخول

 أعلى الدرجات في الجنة، يكون من أكرم الناس عند الله .

النصيحة: خصص وقتا لذكر الله بشكل يومي لمدة ساعة على الأقل

2-الصلاة على وقتها:

عدم تأخير الصلاة والأفضل أدائها في المسجد

قال الله تعالى: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين}وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:  (خمس صلوات افترضهن الله عزّ وجل، من أحسن وضوءهن وصلاّهن لوقتهن وأتمّ ركوعهن وسجودهن كان له على الله عهد أن يغفر له)

فوائدها في الدنيا: تنظيم الساعة البيولوجية، والتفاعلات الهرمونية في الجسم وإعطاء الجسم النشاط والحيوية، تفرح النفس، تبيض الوجه، تجلب البركة،

 تبعد الشيطان، تقرب من الله، غذاء روحي للإنسان.

فوائدها في الآخرة: نور يوم القيامة، تكفر الذنوب، قبول الأعمال

النصيحة: عود نفسك عندما يحين وقت الصلاة اترك اي عمل تقوم فيه مهما كان مهما

3-بر الوالدين:

أي معاملة الوالدين معاملة حسنة، وإدخال السرور عليهما، وعدم اغضابهما إن بر الوالدين طريق مختصر إلى رضى الله عز وجل

قال الله تعالى: (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنًا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلى المصير)

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أرضى والديه فقد أرضى الله، ومن أسخط والديه فقد أسخط الله)

فوائده في الدنيا: طول العمر، زيادة في الرزق

فوائده في الآخرة: دخول الجنة من دون حساب

النصيحة: قبل يدي والديك كل يوم

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السابعة والأربعون في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

*هل تريد أن تعرف ماهي الأعمال التي يحبها الله؟

4-التفكر في آيات القرآن الكريم والعمل بما فيه والتفكر بآيات الله في الكون:

قراءة القرأن الكريم قراءة للتعلم وللتعليم والتطبيق مع التفكر والتدبر والفهم لكلماته ومعانيه ولآياته ومعجزاته

قال الله تعالى: (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب * الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ماخلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار) وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (تفكر ساعة خير من عبادة سبعين عاماً)

فوائده في الدنيا: الاتصال الدائم بالله تعالى، تكثير العلم واستجلاب المعرفة، ترسيخ الإيمان وتنميته إلى درجة اليقين، محبة الله تعالى، الخشية من الله. التفكر يكشف حقائق الأمور ويميز مراتبها في الخير والشر

فوائده في الآخرة: يكفر الله عنهم ذنوبهم، يدخلهم

جنات تجري من تحتها الأنهار.

النصيحة: اقرأ القرآن ببطئ واحصل على كتاب المعجزات العلمية في القرآن الكريم وانظر في الكون

4-صلة الأرحام:

زيارة الأقارب والأهل من وقت لآخر وعدم قطيعتهم

قال الله تعالى: (واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا)

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال: نعم ! أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى قال: فذلك لك)، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (من سره أن يمد له في عمره ويزاد في رزقه فليبر والديه وليصل رحمه)

فوائدها في الدنيا: زيادة في الرزق، طول العمر

فوائدها في الآخرة: دخول الجنة بسلام

النصيحة: كن على تواصل مع أقاربك ولو حتى بالهاتف

5-الصدقة على الفقراء وإطعام الفقراء والمساكين وادخال السرور عليهم:

قال الله تعالى: (إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما)  وقال تعالى في الحديث القدسي: (يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني، فيقول: يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ فيقول: استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي)

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن صدقة السر تطفىء غضب الرب تبارك وتعالى)

فوائدها في الدنيا: تبعد موتة السوء، تشفي الأمراض، تزيد في الرزق، ترضي الرب، تدخل السرور على النفس، تقي من البلايا والآفات، يبقى ثوابها بعد موت الإنسان.

فوائدها في الآخرة: يكون في ظل عرش الله يوم الحر الشديد يوم القيامة، محبة الله ورضاه، رفعة منزلة صاحبها في الجنة.

النصيحة: انفق القليل من نقودك كل يوم على اي فقير تصادفه

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثامنة والأربعون في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*هل تريد أن تعرف ماهي الأعمال التي يحبها الله؟

5-كفالة اليتيم والأرامل:

اللالتزام بالإنفاق على يتيم أو أرملة بشكل مستمر والعناية بهم ، قال الله تعالى: ( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) (فأما اليتيم فلا تقهر)

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أحب البيوت إلى الله تعالى بيت فيه يتيم مكرم) (الساعي على الأرملة والمسكين كالقائم الذي لا يفتر وكالصائم لا يفطر)

فوائدها في الدنيا: خير كثير في الدنيا، ترقيق القلب، زيادة في الرزق

فوائدها في الآخرة: من أفضل القربات إلى الله تعالى، يقيهم الله بذلك شر يوم القيامة، مرافقة النبي في الجنة.

النصيحة: ابحث عن يتيم او ارملة وأعطهم بعض المال لهم ولو لمرة واحدة

6-الصيام:

وهو صيام رمضان لله وصيام التطوع 

قال الله تعالى: (كل عمل ابن أدم له كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (إن في الجنة بابا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لايدخل معهم أحد غيرهم، يقال أين الصائمون ؟ فيدخلون منه فإذا دخل أخرهم أغلق فلم يدخل منه أحد)

وقال أيضا: (من صام يوماً في سبيل الله باعد الله

 تعالى وجهه عن النار سبعين خريفاً)

فوائده في الدنيا: صحة في الجسد، شفاء من الأمراض المستعصية ويخفف الآلام، استجابة الدعوة

فوائده في الآخرة: يشفع الصوم لصاحبه حتى يدخله الجنة، يرضي الرب

النصيحة: حاول ان تصوم ولو يوما في الشهر

7-قيام الليل:

الصلاة في جوف الليلل أي قبل صلاة الفجر

قال الله تعالى: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون * فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون)

قال صلى الله عليه وآله وسلم: (إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدّها الله لمن ألان الكلام، وأطعم الطعام، وتابع الصيام، وصلى بالليل والناس نيام) وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، قربة إلى الله تعالى ومنهاة عن الإثم وتكفير عن السيئات ومطردة للداء عن الجسم)

فوائده في الدنيا: شرف الانسان وعزه، يعطي نورا في الوجه، وغنى، ويغني عما في أيدي الناس، يفرح القلب

فوائده في الآخرة: يخفف الله عن صاحبه طول يوم القيامة، يعطي نورا للمؤمن يوم القيامة

النصيحة: حاول ان تقوم في الليل وتصلي ولو ركعة واحدة

8-التوكل على الله:

وهو اعتماد القلب على الله في الأمور كلها والثقة به أنه لن ينساك

قال الله تعالى: (إن الله يحب المتوكلين) وقال أيضا سبحانه: ( ومن يتوكل على الله فهو حسبه)

قال صلى الله عليه وآله وسلم: (لو أنكم توكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً، وتعود بطاناً) وقال أيضا: (من انقطع الى الله كفاه الله كل مؤنه ورزقه من حيث لا يحتسب ومن انقطع الى الدنيا وكله الله إليها)

فوائده في الدنيا: يجلب الخير ويبعد الشر، يجلب الرزق، يعجل بالشفاء، يبعد المصائب، قوة ونشاط للقلب، يحفظه الله وأهله.

فوائده في الآخرة: تصبح من أحباب الله، الثواب العظيم والنعيم الخالد في الجنة

النصيحة: ضع ثقتك في الله بقوة قبل اي عمل تقوم به

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة التاسعة والأربعون في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*هل تريد أن تعرف ماهي الأعمال التي يحبها الله؟

9-صلاة الفجر والعشاء في المسجد:

قال تعالى: (والفجر وليال عشر) (وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا) قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من صلى العشاء فى جماعة فكأنما قام نصف الليل و من صلى الفجر فى جماعة كأنما قام الليل كله) وقال أيضا: ( بشر المشاءين في الظلم بالنور التام يوم القيامة) وقال أيضا: (من صلى الفجر فى جماعة كتب من الابرار) وقال أيضا: (من صلى الفجر فى جماعة حرستة الملائكة طوال يومه) وقال أيضا صلى الله عليه وآله وسلم: (ركعتا الفجر خير من الدنيا و ما فيها) وقال أيضا: (من صلى الفجر فى جماعة اتاه الله نورا فى ظلمات القيامة)

فوائدها في الدنيا: تقي من أمراض القلب، تعطي نشاط فكري وعقلي، توسع الرزق، غذاء روحي للإنسان.

فوائدها في الآخرة: نور يوم القيامة، تكون من المقربين إلى الله.

النصيحة: حاول أن تلتزم بهاتين الصلاتين على الأقل بشكل يومي في المسجد

10-حضور مجالس العلم والذكر في المساجد:

قال الله تعالى: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا

 العلم درجات والله بما تعملون خبير) أوحى الله إلى

 الدنيا: (اخدمي من خدمني واستخدمي من خدمك)

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان الله وملائكته واهل السموات والارضين حتى النملة في حجرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير) وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ألا أخبركم عن الأجود الأجود ؟ الله هو الأجود الأجود، وأنا أجود ولد آدم، وأجودهم بعدي رجل تعلم علما فنشر علمه، يبعث يوم القيامة أمة وحده) وقال ايضا صىلى عليه وآله وسلم: (مسألة واحدة يتعلمها المؤمن خير له من عبادة سنة وخير له من عتق رقبة من ولد إسماعيل وإن طالب العلم والمرأة المطيعة لزوجها والولد البار بوالديه يدخلون الجنة مع الأنبياء بغير حساب) وقال صىلى الله عليه وسلم: (ليس مني إلا عالم أو متعلم ولاخير في سواهما)

فوائدها في الدنيا: معرفة الله سبحانه وتعالى، زيادة الإيمان، رفعة المنزلة في الدنيا والآخرة، تتنزل الملائكة بمجالس العلم،  فوائدها في الآخرة: رفعة المنزلة في الجنة . النصيحة: احضر ولو درسا واحدا كل اسبوع في المسجد لاحد العلماء

11-زيارة المرضى:

يقول ربنا للعبد يوم القيامة: ( يا ابن آدم مرضت فلم تعدني! فيقول: كيف أعودك يا رب وأنت رب العالمين؟ فيقول: مرض عبدي فلان فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده).قال صلى الله عليه وآله وسلم: (من عاد مريضا أو زار أخا له في الله ناداه مناد أن طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلا) وقال أيضا: (ما من رجل يعود مريضا ممسيا إلا خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يصبح، وكان له خريف في الجنة، ومن أتاه مصبحا خرج معه سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يمسي، وكان له خريف في الجنة).

فوائدها في الدنيا: تصلي عليه الملائكة وتستغفر له، استجابة الدعوة.

فوائدها في الآخرة: يلقاه الله وهو راض عنه، الآكل من ثمار الجنة.

النصيحة: فتش عن المرضى في عائلتك وزرهم ولو لمرة

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الخمسون في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*هل تريد أن تعرف ماهي الأعمال التي يحبها الله؟

12-تفريج كربة عن مؤمن:

حل مشكلة لأخيك المؤمن ومساعدته ،قال صلى الله عليه وآله وسلم: (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة؛ ومن يسر على معسر يسر الله عليه فى الدنيا والآخرة ؛ ومن ستر مسلما ستره الله فى الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد فى عون أخيه) وقال أيضا: (أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل، سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً، ولئن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إليَّ من أن أعتكف في المسجد شهراً ، ومن كف غضبه ستر الله عورته ، ومن كظم غيظا ، ولو شاء أن يمضيه أمضاه ، ملأ الله قلبه رضا يوم القيامة ، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له, ثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام ، وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل)

فوائدها في الدنيا: ييسر الله له الأمور ويستره

فوائدها في الآخرة: ينجيك الله يوم القيامة.

النصيحة: حاول أن تساعد الناس وتنفعهم على قدر استطاعتك

13-مجاهدة النفس والخوف من الله:

وهو محاسبة النفس ومنعها من المعاصي ومراقبة الله واستشعارك أنه يراك ، قال الله سبحانه وتعالى: (ونفس وما سواها فألهما فجورها وتقوها * قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها) وقال أيضا سبحانه وتعالى: (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المآوى)

قال صلى الله عليه وآله وسلم: (ألا أخبركم بالمؤمن ؟ من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر

 من هجر الخطايا والذنوب )

فوائدها في الدنيا: التقرب إلى الله،  الشعور بلذة الإيمان، وزيادة الطاعات، وسعة الرزق، وتفريج الهموم والكربات، ويساعده الله في كل أمور حياته.

فوائدها في الآخرة: يكون من أهل الجنة،النصيحة: حاول ان تقلل من الذنوب مااستطعت، وذكر الله يساعدك على التغلب على ذنوبك

14-حب أولياء الله:

حب أحباب الله والتقرب إلى الله بمحبتهم وخدمتهم وهم الأولياء والعارفين بالله

قال الله تعالى لموسى عليه السلام: ( لو أتيتني بعبادة أهل السموات والأرض وحب لله ليس معك وبغض في الله ليس معك ماقبلت منك شيئا) وقال أيضا: (من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب)، وقال تعالى: (حقت محبتي للمتحابين فيّ وحقت محبتي للمتباذلين فيّ وحقت محبتي للمتزاورين فيّ والمتحابون في الله على منابر من نور في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله

قال صلى الله عليه وآله وسلم: (من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان) (من أحب في الله وأبغض في الله فقد استحق الولاية من الله)، وقال أيضا: (المتحابون في الله على منابر من نور في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله)

فوائده في الدنيا: يقربه الله إليه ويغفر ذنوبه ويجعله من المخلصين

فوائده في الآخرة: يحشر معهم ويكون رفيقا لاولياء الله في الجنة وينال أعلى المراتب ببركة محبتهم.

النصيحة: ابحث عن اولياء الله والعارفين بالله وأحبهم والزم مجالسه

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الواحدة والخمسون في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*هل تريد أن تعرف ماهي الأعمال التي يحبها الله؟

15-حسن الخلق:

معاملة الناس بأخلاق راقية وبلطف ولين

قال الله تعالى: (وإنك لعلى خلق عظيم)

قال صلى الله عليه وآله وسلم: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً) وقال أيضا: (وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل) وقال ايضا: (ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خُلق حسن، وإن الله تعالى ليبغض الفاحش البذيء)  وقال أيضا: (إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا) وقال أيضا: (أكثر ما يدخل الناس الجنة، تقوى اللّه وحسن الخلق) وقال ايضا: (إن لله مئة وسبعة عشر

 خلقا من تخلق بواحد منها دخل الجنة)

فوائده في الدنيا: كسب القلوب، من أفضل ما يقرب  العبد إلى الله تعالى، علو الهمة، يصلح ما بين الناس،

فوائده في الآخرة: يثقل الميزان يوم القيامة، رضى الله ومحبته

النصيحة: لاتغضب ولاتحقد ولاتحسد وعامل الناس معاملة طيبة

16-حسن الظن بالله تعالى:

يقول الله سبحانه وتعالى: (أنا عند حسن ظن عبدي بي فليظن بي ماشاء) قال تعالى: (أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم ،وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعا،وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا،وإن أتاني يمشي أتيته هرولة)

قال صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل) وقال أيضا: (والذي لا إله غيره لا يحسن عبد بالله الظن إلا أعطاه ظنه وذلك بأن الخير في يده)

فوائده في الدنيا: يعطيه الله مايتمنى،يقوي الإيمان، يكفيه الله ماأهمه، الرزق من غير حساب

فوائده في الآخرة: الفوز بالجنة

النصيحة: لاتسيء الظن بالله مهما كان، وثق أن الله لايأتي إلا بالخير

17-من حبب الله إلى الناس:

قال تعالى: (والذين آمنوا أشد حبا لله) قال داود: (يا رب! من أحب العباد عندك؟ قال: من حببني إلى خلقي وحبب خلقي إلي، قال: يا رب وكيف يحببك إلى خلقك؟ قال: يذكرهم بنعمائي فيحبونني فأحبهم فأغفر لهم فأدخلهم الجنة) قال صلى الله عليه وآله وسلم: (أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه وأحبوني لحب الله وأحبوا أهل بيتي لحبي( فوائده في الدنيا: محبة الله، محبة الناس

فوائده في الآخرة: يكون من المقربين إلى الله  ، النصيحة: ذكر الناس بنعم الله عليهم

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثانية والخمسون في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*هل تريد أن تعرف ماهي الأعمال التي يحبها الله؟

18-العفو عمن ظلمك:

قال تعالى: (اعفوا واصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله

 لكم) قال صلى الله عليه وآله وسلم: (ما نقصت صدقة من مال ، وما زاد الله عبدابعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله) وقال ايضا: (ما من عبد ظلم بمظلمة فيغضي عنها لله عز وجل إلا أعز الله بها نصره) فوائده في الدنيا: يرزقك الله محبة من عفوت عنه، صفاء القلوب، العزة من الله ، فوائده في الآخرة: يعطيه الله قصور من الذهب واللؤلؤ في الجنة، ويعفو ويغفر له ، النصيحة: سامح وانس الاساءة وفكر برضى الله عليك الذي ستكسبه إن عفوت عمن ظلمك ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ان الله وملائكته واهل السموات والارضين حتى النملة في حجرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير)، وقال أيضا: (ألا أخبركم عن الأجود الأجود ؟ الله هو الأجود الأجود، وأنا أجود ولد آدم، وأجودهم بعدي رجل تعلم علما فنشر علمه، يبعث يوم القيامة أمة وحده) انشرها لتنال الثواب الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شاء الله؛وكل الطاعات تقربك من حب الله [الأنترنت – موقع الأعمال التي يحبها الله ]

*عـلامــات حـــب الله للعبــد ؛ مجملة

1- العلامه الاولى لحب الله لك ( حسن التدبير لك )

2- العلامه الثانيه لحب الله لك( يرزقك الرفق واللين )

3- العلامه الثالثه لحب الله لك ( القبول في الارض وحب الناس له )

4 - العلامه الرابعه لحب الله لك ( الابتلاء )

5 - العلامه الخامسه لحب الله لك ( حسن الخاتمه )

6 - العلامه السادسه لحب الله لك ( حب الخلوه )

7 - العلامه السابعه لحب الله لك ( الصبر )

9 - العلامه التاسعه لحب الله لك (فعل الطاعه وترك المعصيه)

10 - العلامه العاشره لحب الله لك (الغيره والجهاد )

11 - العلامه الحادية عشر لحب الله لك (حسن الظن عند الموت )

" ان الله اذا احب عبداً نادى، ياجبريل، اني احب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء، يأهل السماء أن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض)،،

 اللهم انا نسألك حبك وحب من أحبك، وحب عمل يقربنا لحبك، اللهم مارزقتناممانحب فجعله قوة لنا فيما تحب .[الأنترنت – موقع عـلامــات حـــب الله للعبــد ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثالثة والخمسون في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*علامات حب الله للعبد :

ما هي علامات حب الله للعبد ؟ . وكيف يكون العبد على يقين تام بأن الله جل وعلا يحبه وعلى رضا تام لهذا العبد ؟.

محبة الله " هي المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون .. وإليها شخص العاملون .. إلى عَلَمها شمر السابقون .. وعليها تفانى المحبون .. وبِرَوحِ نسيمها تروَّح العابدون .. فهي قوت القلوب وغذاء الأرواح .. وقرة العيون ..

وهي الحياة التي من حُرِمها فهو من جملة الأموات .. والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات .. والشفاء الذي من عدمه حلت بقلبه الأسقام .. واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام ..

وهي روح الإيمان والأعمال .. والمقامات والأحوال .. التي متى خَلَت منها فهي كالجسد الذي لا روح فيه "فاللهـــــم اجعلنا من أحبابــــــك

ومحبة الله لها علامات وأسباب كالمفتاح للباب ، ومن تلك الأسباب :

1 - اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم ؛ قال تعالى في كتابه الكريم { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم } .

2 –5 - الذل للمؤمنين،والعزة على الكافرين،والجهاد في سبيل الله،وعدم الخوف إلا منه سبحانه وقد ذكر الله تعالى هذه الصفات في آية واحدة ، قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولايخافون لومة لائم }

ففي هذه الآية ذكر الله تعالى صفات القوم الذين يحبهم ، وكانت أولى هذه الصفات : التواضع وعدم التكبر على المسلمين ، وأنهم أعزة على الكافرين : فلا يذل لهم ولا يخضع ، وأنهم يجاهدون في سبيل الله : جهاد الشيطان ، والكفار ، والمنافقين والفساق ، وجهاد النفس ، وأنهم لا يخافون لومة لائم : فإذا ما قام باتباع أوامر دينه فلا يهمه بعدها من يسخر منه أو يلومه .

6 - القيام بالنوافل : قال الله عز وجل – في الحديث القدسي - : " وما زال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه " ، ومن النوافل : نوافل الصلاة والصدقات

 والعمرة والحج والصيام

7 - 10 - الحبّ ، والتزاور ، والتباذل ، والتناصح في الله

وقد جاءت هذه الصفات في حديث واحد عن الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل قال : " حقَّت محبتي للمتحابين فيَّ ، وحقت محبتي للمتزاورين فيَّ ، وحقت محبتي للمتباذلين فيَّ ، وحقت محبتي للمتواصلين فيَّ " . [رواه أحمد ( 4 / 386 ) و ( 5 / 236 ) و " التناصح " عند ابن حبان ( 3 / 338 ) وصحح الحديثين الشيخ الألباني في " صحيح الترغيب والترهيب " ( 3019 و 3020 و 3021 ) ]

ومعنى " َالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ " أي أَنْ يَكُونَ زِيَارَةُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ مِنْ أَجْلِهِ وَفِي ذَاتِهِ وَابْتِغَاءِ مَرْضَاتِهِ مِنْ مَحَبَّةٍ لِوَجْهِهِ أَوْ تَعَاوُنٍ عَلَى طَاعَتِهِ .

وَقَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى " وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ " أي يَبْذُلُونَ

 أَنْفُسَهُمْ فِي مَرْضَاتِهِ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى جِهَادِ عَدُوِّهِ وَغَيْرِ

 ذَلِكَ مِمَّا أُمِرُوا بِهِ ." انتهى من المنتقى شرح الموطأ حديث 1779

11- الابتلاء ، فالمصائب والبلاء امتحانٌ للعبد ، وهي علامة على حب الله له ؛ إذ هي كالدواء ، فإنَّه وإن كان مُرّاً إلا أنَّـك تقدمه على مرارته لمن تحب - ولله المثل الأعلى - ففي الحديث الصحيح : " إنَّ عِظم الجزاء من عظم البلاء ، وإنَّ الله عز وجل إذا أحب قوماً ابتلاهم ، فمن رضي فله الرضا ، ومن سخط فله السخط " [رواه الترمذي ( 2396 ) وابن ماجه ( 4031 ) ، وصححه الشيخ الألباني ]

ونزول البلاء خيرٌ للمؤمن من أن يُدَّخر له العقاب في الآخرة ، كيف لا وفيه تُرفع درجاته وتكفر سيئاته ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا أراد الله بعبده الخير عجَّل له العقوبة في الدنيا ، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبـــه حتى يوافيه به يوم القيامة " [رواه الترمذي ( 2396 ) ، وصححه الشيخ الألباني ]

وبيَّن أهل العلم أن الذي يُمسَك عنه هو المنافق ،

فإن الله يُمسِك عنه في الدنيا ليوافيه بكامل ذنبه يوم القيامة فإذا أحبك الله فلا تسل عن الخير الذي سيصيبك .. والفضل الذي سينالك .. فيكفي أن تعلم بأنك " حبيب الله " ..

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الرابعة والخمسون في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

من الثمرات العظيمة لمحبة الله لعبده ما يلي :

أولاً : حبُّ الناسِ له والقبول في الأرض ، كما في حديث البخاري (3209) : " إذا أحبَّ الله العبد نادى جبريل إن الله يحب فلاناً فأحببه فيحبه جبريل

 فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلانا.

 فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض

ثانياً : ما ذكره الله سبحانه في الحديث القدسي من فضائل عظيمة تلحق أحبابه فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّهَ قَالَ : مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ

مَسَاءَتَهُ " رواه البخاري 6502

فقد اشتمل هذا الحديث القدسي على عدة فوائد لمحبة الله لعبده :

1- " كنت سمعه الذي يسمع به " أي أنه لا يسمع إلا ما يُحبه الله ..

2- " وبصره الذي يبصر به " فلا يرى إلا ما يُحبه الله

3- " ويده التي يبطش بها " فلا يعمل بيده إلا ما يرضاه الله ..

4- " ورجله التي يمشي بها " فلا يذهب إلا إلى ما يحبه الله ..

5- " وإن سألني لأعطينه " فدعاءه مسموع وسؤاله مجاب ..

6- " وإن استعاذني لأعيذنه " فهو محفوظٌ بحفظ الله له من كل سوء ..

نسأل الله أن يوفقنا لمرضاته والله أعلم . [الأنترنت – موقع الإسلام سؤال وجواب للمنجد]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الخامسة والخمسون في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*تجديد و تقوية الإيمان بالله جل جلاله

قال الإمام العلامة بن القيم: "إذا غرست شجرة المحبة فى القلب و سقيت بماء الإخلاص و متابعة سيد الناس أثمرت كل أنواع الثمار و أتت أكلها كل حين بإذن ربها, فهى شجرة أصلها ثابت فى قرار قلب المؤمن

و فرعها متصل بسدرة المنتهى"

فإذا نطق العبد بالشهادتين ووحد الله فإنه قد بذر بذرة الإيمان فإما أن يتعهدها لتصبح شجرة كبيرة, أو يهملها لتموت فى الحال.

و هذه ثمان طرق لزيادة الإيمان:

أولا: معرفة الله عز و جل:

معرفة الله عز وجل هى أول طرق زيادة الإيمان, و ليست معرفته أنك وحدته بلسانك فقط, و لكن هل تعرفت على الله عز وجل باسماء جلاله و صفات كماله, ليمتلئ قلبك بالحب و الخشية معا, ثم تتعبد الله بمقتضى هذه الأسماء و الصفات.

قال بن القيم: "جميع ما يبدو للقلوب من صفات الرب

 سبحانه و تعالى يستغنى العبد بها, بقدر حظه من

معرفتها, و قيامه بعبوديتها".

إذا ما عرف الإنسان ربه وآمن به تفجرت ينابيع الخير في قلبه ثم فاضت على جوارحه بمقدار علمه وقوة إيمانه, فالعلم هو السبيل للمعرفة, فأعلم الناس بالله هو أخشاهم لله. قال تعالى: <إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء> (فاطر: 28)

فيجب على كل شخص يقوى أساس دينة, بدراسة العقيدة الصحيحة, و الحذر من العقائد الفاسدة.

ثانيا: تدبر القرآن:

كثير من المسلمين الأن يقرأون القرآن و كل همه أن يختمه, دون تدبر للمعانى و لا فهم للألفاظ.

فتدبر القرآن من أهم أسباب زيادة الإيمان, قال تعالى

 فى صفات المؤمنين الصادقين: <وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ

 زَادَتْهُمْ إِيمَاناً>.

وقد أمرنا الله عز وجل أن نتدبر القرآن فقال تعالى: <كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ>, أما من يقرأ و لا يتدبر الآيات قال الله عنه: <أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا>.

قال بن القيم: "إذا أردت الإنتفاع بالقرآن فأحضر قلبك عند تلاوته و سماعه و ألقى سمعك و أحضر حضور من يخاطبه به, فإنه خطاب الله لك على لسان نبيه المصطفى قال تعالى: <إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ> "

ثالثا: معرفة رسول الله صلى الله عليه وسلم:

بمعرفة النبى صلى الله عليه وسلم و سيرته و معجزاته يزيد إيمان المؤمن, و يؤمن الكافر.

و لا يكتمل إيمان المؤمن حتى يكون رسول الله أحب

 اليه من نفسه التى بين جنبيه, كما فى الحديث الصحيح, و أول مقتضيات حب رسول الله صلى الله عليه و سلم هو الطاعة و الوفاء قال تعالى: <قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ> .

فعلى كل مسلم قراءه سيرة الرسول, و معرفة أخلاقه و معجزاته و أن يتخذه قدوة و أسوة فى كل أعماله.

 إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السادسة والخمسون في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*تجديد و تقوية الإيمان بالله جل جلاله

رابعا: التفكر فى خلق الله:

التفكر فى خلق الله من أعظم العبادات, و هى عباده نسيها أكثر المسلمين الأن,و هى من أهم طرق تحصيل اليقين, و زيادة الإيمان.

لما نزل قول الله تعالى: <إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ>

قال رسول الله -صلى الله عليه و سلم- : "ويل لمن قرأها و لم يتفكر فيها"

فأنظر حولك فى السماوات و الأرض, و الجبال و الأشجار, و أنظر فى كل ثمره تأكلها, بل و أنظر الى نفسك, فنظرك فيك يكفيك قال تعالى: <وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ>.

خامسا: كثرة النوافل بعد الفرائض:

الإكثار من النوافل هى الطريق إلى محبة الله لك,

 فصلي السنن بعد الفروض, و قيام الليل, و صوم الأثنين و الخميس, و الصدقة, و كل أعمال البر تزيد الإيمان فى القلب. لأنها الوسيلة إلى محبة الله

وفي الحديث القدسي " لا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ولئن دعاني لأجيبنه ولئن سألني لأعطينه". صحيح البخارى

سادسا: القرب من بيئة الطاعة:

القرب من أى بيئة طاعة يزيد الإيمان, و القرب من بيئة المعصية ينقص الإيمان, فيأبى الله الا أن يعز من أطاعه, و يأبى الله الا أن يزل من عصاة.

فابعد قلبك عن الأفلام و المسلسلات و الأغانى و

 التحدث مع الفتيات و إطلاق النظر, و ابعد عن

 أصدقاء السوء ، فلا تصاحب الا مؤمنا.

قال صلى الله عليه وسلم :" مثل الجليس الصالح و السَّوء، كحامل المسك و نافخ الكير؛فحامل المسك إما أن يُحديك و إما أن تبتاع منه، و إما أن تجد منه ريحا طيبة, والجليس السوء كنافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن لا تسلم من دخانه "(متفق عليه)

قال صلى الله عليه وسلم : "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل" ) رواه أبو داود)

سابعا: ذكر الله تعالى:

قال صلى الله عليه وسلم : "مثل الذى يذكر ربه و الذى لايذكر مثل الحي و الميت" (البخاري)

و قال صلى الله عليه وسلم :"أفضل الكلام بعد القرآن أربع،لا يضرك

 بأيهن بدأت و هن من القرآن: سبحان الله، و الحمد

 لله، و لا إله إلا الله، و الله أكبر" (أخرجه مسلم)

ثامنا: الدعوة إلى الله عز وجل: قال تعالى: <ولْتَكُن منكم أمَّةٌ يدْعُون إلَى الخَيْرِ ويَأْمُرونَ بالمَعْروفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ>وقال عز و جل: <ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين>

و دعى رسول الله صلى الله عليه وسلم لحامل الدعوة فى الحديث الصحيح قال عليه الصلاة والسلام: "نضَّر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها ثم أدَّاها كما سمعها فرب مبلِّغ أوعى من سامع ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه"

و قال صلى الله عليه وسلم : "الدين النصيحة قلنا لمن يا رسول الله، قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم"

اللهم اعنا على شكرك و ذكرك و حسن عبادتك [الأنترنت – موقع مفاتيح سعادة الإنسان]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السابعة والخمسون في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :*أصول الوصول الى الله جل جلاله -

الأصل الأول : عليك البداية وعليه التمام

اعلم أيها السائر الى الله : أن الله تعالى أراد برحمته سبحانه وهو الحكيم العليم والخبير البصير أن يحكم هذا الكون بسنن ربانية غاية فى الدقة والثبات " فلن تجد لسنت الله تبديلا ولن تجد لسنت الله تحويلا " ( فاطر : 43 ) .. تلكم الاولى

وأما الثانية : فان الانسان خلق مبتلى فى هذه الدنيا " الذى خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور " ( الملك : 2 ) .

وثالثهما : أن الله العزيز الكريم خلق الخلق وهو اعلم بهم ,

قال سبحانه " هو أعلم بكم اذ أنشأكم من الارض وإذ أنتم أجنة فى بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى " ( النجم : 32 ) وقال سبحانه " وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا " ( الاسراء : 17 ) .

وقد أراد الله ابتلاء واصلاحا ,أن يبتلى عباده بتكليف هو غاية فى الخطورة وهو أنه – سبحانه – أناط بهم البداية , فأحال عليهم بداية الشروع اليه والقصد نحوه , قال - سبحانه – فى الحديث القدسى : " عبدى قم الىّ أمش اليك " , وهذا رعاية لجلال العزة وحماية لجناب العظمة : أن يكلف العبد أن يأتى سيده ثم يكون من السيد القبول والاكرام .

قال تعالى {وقال ربكم ادعونى أستجب لكم}( غافر : 60 )

, وقال تعالى {واذا سألك عبادى عنى فانى قريب

 أجيب دعوة الداع اذا دعان " ( البقرة : 186 )

وقال تعالى فى الحديث القدسى " يا ابن آدم قم الىّ أمش اليك , وامش الىّ أهرول اليك" [صححه الألبانى]

وقال - سبحانه – أيضا " من تقرب منى شبرا تقربت منه ذراعا ومن تقرب منى ذراعا تقربت منه باعا ومن أتانى يمشى أتيته هرولة " [متفق عليه] . اذا فابدأ .. ابدأ فبداية الطريق خطوة , ابدأ خطوة الى الله والله يبارك ويتم , فهو سبحانه كريم .. ابدأ ولا تشتك .

  إن كثيرا منا يشكو الفتور وينام .. اذا أصبت بالفتور فعليك بالتفكير فورا فى عمل تقوم به .. اعمل والله يرفع عنك البلاء .. ابدأ والله يأخذ بيدك .. اعمل .. تحرك .

ان كثيرا من الاخوة ينتظر نصر الله بمعجزة , ينتظر اصلاح فساد قلبه بمعجزة فى لحظة دون أن يصنع شيئا .. وهذا لا يكون .

أخى ان القضية تحتاج الى عمل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بل اعملوا فكل ميسر لما خلق له "

[متفق عليه] .. اعملوا .. لابد من عمل .

ان بعض الناس يعيش هذه الدنيا على أنها " ضربة حظ " يعيش الحياة على انها " ظروف " فيعيش كيفما اتفق , تماما كالذى يدخل الى الصلاة ولا يدرى ماذا صلى , لانه فى الاصل لا يعبأ بالخشوع , يترك نفسه هكذا , فالمهم عنده أنه أدى الصلاة فقط .. المهم عنده أن يعيش , والامر ليس كذلك .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثامنة والخمسون في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *أصول الوصول الى الله جل جلاله -

  تأمل معى قصة عكاشة بن محصن فى حديث السبعين ألفا , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " عرضت علىّ الامم , فرأيت النبى ومعه الرهط , والنبى ومعه الرجل والرجلان , والنبى وليس معه أحد , اذ رفع لى سواد عظيم فظننت أنهم أمتى , فقيل لى : هذا موسى وقومه , فنظرت فاذا سواد عظيم , فقيل لى : هذه أمتك ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب "  ثم نهض فدخل منزله , فخاض الناس فى اولئك فقال بعضهم : فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم : فلعلهم الذين ولدوا فى الاسلام فلم يشركوا بالله شيئا , وذكروا أشياء  فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه , فقال : هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون " .. فقام عكاشة فقال : يا رسول الله , ادع الله أن يجعلنى منهم قال : " أنت منهم " قال : ثم قام رجل آخر فقال : ادع الله أن يجعلنى منهم,فقال(سبقك بها عكاشة " . [متفق عليه]

قد يبدو للناظر أن عكاشة خطف " الجنة " بغير حساب أو أدركها بكلمة بضربة حظ , ولكنك – أخى – تنظر الى التشطيبات النهائية ولا ترى ما وراء ذلك , انك تنظر الى اللقطة الاخيرة ولم تر أصل الموضوع وتقدير الارزاق .

ان عكاشة سار الى الله طويلا وعمل كثيرا حتى بلغ هذه المنزلة . فلما بلغها أوحى الله الى رسوله صلى الله عليه وسلم بقبول عكاشة فى ركب السبعين المفردين , وأجرى على لسانه صلى الله عليه وسلم الذى لا ينطق عن الهوى هذا الكلام , ثم أنطق عكاشة بالطلب فى لحظتها وهذا دليل ترقيه له فأعطيها .. هذه حقيقة الامر .. فليس عكاشة قد خطفها فى لحظة .. لا .. الله عليم حكيم ..

عليم يعلم ان عكاشة تعب فى السير اليه , فكان الأولى بها أحق بها وأهلها , ولما فتح الباب وقلده آخرون منعوا , ولا يظلم ربك أحدا " ان الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون "( يونس : 44 ) , ان عكاشة بدأ السير الى الله فى هذه الطريق , فلما وصل تلك المنزلة

وأراد الله أن يمنحه اياها , أجرى الله هذا الكلام على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحضره فى المكان فأسمعه ثم أنطقه فبشره .. هذه هى القضية .. فليست خطفة فى لحظة .. افهم ذلك جيدا .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة التاسعة والخمسون في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان : *أصول الوصول الى الله جل جلاله -

موقف آخر يفسر لك الموضوع :

أمسك جعفر الصادق بغلام ليعاقبه , فقال الغلام : يا سيدى أتعاقب من ليس له شفيع عندك غيرك ؟

فقال : انطلق اذا , فلما انطلق الغلام التفت اليه وقال : يا سيدى اعلم انك لست الذى أطلقتنى, انما أطلقنى الذى أجراها على لسانى , فقال : اذهب فأنت حر لوجه الله .

وقفت – أيها الاخوة – مع هذا الموقف مليا أقول :

 سبحان الله ! هذا كلام عبد لعبد , فأعتق العبد عبده , فكيف اذا جرى هذا الكلام مع السيد الكريم الله ؟! .. اللهم أعتق رقابنا من النار .. آمين .

نعم : لو جرى هذا الكلام على لسانك لربك لتحررت من العبودية لغيره , ولكن من الذى يجريه على لسانك , وماذا قدمت لكى يجريه ؟ ! لابد أن تبدأ أنت أولا .. ان الله اذا أراد عبده لأمر هيأه له وأجراه على لسانه فهو – سبحانه – الذى ينطق لسانه , قال – تعالى - " أنطقنا الله الذى أنطق كل شىء " ( فصلت : 21) .. أنطق كل شىء .. سبحانه وتعالى .

ولذلك قال الله – تعالى  " فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه انه هو التواب الرحيم " ( البقرة : 37 ) , فالله – تعالى – هو الذى أجرى على لسان آدم كلمات التوبة منّ بقبولها , فكان الفضل منه اولا وآخرا . نعم : وفقه للتوبة فتاب , وقبل توبته , لانه – تعالى – تواب رحيم .

أيها الاخوة , ان هذه القضية تحتاج الى وقفة كبيرة  , فالايمان لا ياتى طفرة وانما له مقدمات وتمهيدات تحتاج منك الى استعانة بالله وعمل , اللهم ثبت على الايمان قلوبنا , وارزقنا فهما فى الدين يرضيك عنا .. آميــــن .

ان الذى ينظر فى قصة السحرة , سحرة فرعون مع

 موسى , هؤلاء الذين آمنوا فى لحظة وتعرضوا لاقسى انواع التهديد : لأقطعن ولأصلبن ولأفعلن ولأفعلن , فثبتوا وقالوا " فاقض ما أنت قاض " ( طه : 72 ) – ان الناظر الى هؤلاء يظن انهم حصلوا على الايمان فى لحظة , لم ينظر لقدر الله كيف عمل فى هؤلاء السحرة سنين ليعدهم لتلك اللحظة .لم اختير هؤلاء السحرة بالذات ؟ ولم وجدوا فى هذا المكان بالذات ؟! والجواب : لأنهم سعوا .. نعم – أخىّ - : ان القضية تحتاج منك الى سعى .

وفى قصة الثلاثة أصحاب الغار , لما نزلت صخرة فسدّت عليهم باب الغار , توسل الأول بعمل صالح فانفرجت الصخرة شيئا يسيرا حتى رأوا النور , فلما توسل الثانى انفرجت أكثر حتى رأوا السماء , فلما توسل الثالث انفرجت الصخرة حتى خرجوا يمشون , فعلى قدر عطائك تعطى , وعلى قدر سعيك تمنح .

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس فى حلقة من أصحابه فدخل ثلاثة , فأما الاول : فوجد فرجة فجلس فيها , وأما الثانى : فاستحيى فجلس خلف الحلقة , وأعرض الثالث فمشى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أو أخبركم بخبر الثلاثة نفر , أما الأول : فأوى الى الله فآواه الله وأما الثانى : فاستحيى فاستحيى الله منه , وأما الثالث فأعرض فأعرض الله عنه )متفق عليه ،فان أويت الى الله آواك , وان أعرضت عنه أعرض عنك وطردك وألقاك . قال الله – جل جلاله – عن يونس عليه السلام  {فلولا أنه كان من المسبحين * للبث فى بطنه الى يوم يبعثون } الصافات : 143- 144  

.. مع أنه نبى .. نعم : فلا أحد عزيز على الله – مهما بلغت منزلته – ان لم يئو الله .. فائو الى الله ولا تعرض ،قال ابن القيم رحمه الله : " وأيما جهة أعرض الله عنها أظلمت أرجاؤها ودارت بها النحوس "

ائو الى الله وابدأ .. ابدأ خطوة .. اعمل .. اتعب .. تحرك اسع وسوف يتم عليك بخير.ودائما معلوم أن نقطة البداية هى الاشق,وانطلاقة البداية هى الأصعب , وهذا هو عين الابتلاء من الله – سبحانه وتعالى – " فاذا عزم الامر فلو صدقوا الله  لكان خيرا لهم " ( محمد : 21 ) فسعادته فى صدق العزيمة وصدق الفعل  فصدق العزيمة جمعها وجزمها وعدم التردد فيها بل تكون عزيمة لا يشوبها تردد ولا تلوّم .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الستون في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان : *أصول الوصول الى الله جل جلاله -

فاذا صدقت عزيمته بقى عليه صدق الفعل , وهو استفراغ الوسع وبذل الجهد فيه , وأن لا يتخلف عنه بشىء من ظاهره وباطنه , فعزيمة القصد تمنعه من ضعف الارادة والهمة , وصدق الفعل يمنعه من الكسل والفتور .  ومن صدق الله فى جميع أموره صنع الله له فوق ما يصنع لغيره . وهذا الصدق معنى يلتئم من صحة الاخلاص وصدق التوكل,فأصدق

الناس من صح اخلاصه وتوكله " .

فأخى الحبيب , انت مبتلى بأن تبدأ , وممتحن بأن

 تصدق , فإذا بدأت كما يحب أتم لك كما تحب ..

والانقطاع سببه البداية الضعيفة . فان السائر ان فتر عزمه استمر سيره بقوة الدفع الأولى . فأين بدايتك أيها الحبيب ؟ أعطنى الدفعة الأولى واترك الأقساط على الله .

*الاصل الثانى : كن واحدا لواحد على طريق واحد

هذا الاصل هو خلاصة الكلام فى أمر السير الى الله , والوصول اليه سبحانه وتعالى .. كن واحدا لواحد على طريق واحد تصل .*كن واحدا .. مامعناها ؟

أخىّ هل تعرف فى زماننا رجلا بوجهين ؟ .. أنا لا أعرف !! . فأكثر الناس اليوم بعشرة وجوه ليس بوجهين فقط . بل عشرين , بل خمسين . بل مئة .. حتى ذى الوجهين قلما تجده !! .. فأين المخلص الذى لا يعرف له الا وجه واحد ؟! , اللهم اجعلنا من عبادك المخلصين .

نعم – اخوتاه - : كثيرا ما تجد انسانا معك فى المسجد , قدمه فى قدمك , وكتفه فى كتفك ورأسه بجوار رأسك فى السجود , يبتهل الى الله ويدعوه , ويتمتم بأطيب الكلمات , ثم اذا خرج من المسجد فبوجه آخر فاذا دخل بيته مع زوجته وأولاده فبوجه ثالث , وفى العمل بوجه رابع , فاذا تعامل مع النساء الاجنبيات فرقيق طيب ولين بوجه خامس , واذا تعامل مع الرجال فبوجه سادس فاذا تعامل مع الاكابر أو من هم أعلى منه اجتماعيا كمديره أو رؤسائه فى العمل فبوجه سابع واذا تعامل مع من هم ادنى منه كالفقراء والضعفاء فبوجه ثامن , وتاسع وعاشر .. من أنت ؟؟!!

من أنت يا عبد الوجه ؟! أى الوجه وجهك الحقيقى ؟! الى متى ستظل تخلع وجها وتلبس آخر ؟! الى متى ستظل غشاشا ؟! ألا تعلم أن الله يرى كل هذه الوجوه ؟! .. يراك هنا ويراك هناك ..يراك الآن ويراك غدا .

ترى ذا الوجوه اذا مرض بوجه , واذا صح بوجه , واذا افتقر بوجه , واذا اغتنى وامتلك فبوجه آخر , تجده اذا تولى سعى فى الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل , واذا رُئس فذليل مهان منافق .. تجد ذا الوجوه لا يستحى من الله وهو يراه .

من أنت يا أخى؟أجب عن هذا السؤال ...من أنت وأى الوجوه وجهك وأى الاشخاص شخصك وأى الطرق طريقتك ؟لماذا تعيش بعشرين وجها,وعشرين لونا , وعشرين طريقة ألا تستحى من الله وهو يراك ؟!

أخـــىّ  كن واحدا كن صاحب وجه واحد , يمشى بطريقة واحدة .

أخـــى أى الوجوه أريدك ؟ أريد لك وجه العبد .. أن تظل عبدا .. العبد الذى يركع ويسجد ويتلو القرآن ويبتهل ويتفرغ . هذا العبد كنه فى البيت مع الزوجة والاولاد , وكنه فى الشارع مع الناس  كنه كيف كنت , ومتى كنت , وأين كنت .. كن عبدا فى كل أحوالك

أخـــى اذا جاءتك امرأة متبرجة لتقضى منك حاجة نراك تتعامل معها برقة ولطافة , أرأيت رقتك ؟ أرأيت جمالك ؟ ألا يكون هذا مع زوجتك ؟ .. وهى أولى .. لماذا لا تتعامل بمثل هذا مع شريكة حياتك وأم عيالك ؟!! .. نعم : العبد هو الذى يتعامل بالرقة والجمال والحنان والتودد مع الزوجة وأما الشدة والوجه الغليظ فمع الاجنبية .. هذا هو المطلوب وبهذا تكون عبدا لله

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الواحدة والستون في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان : *أصول الوصول الى الله جل جلاله -

أخى فى الله  حبيبى فى الله , اننى أريدك عبدا لله فى البيت , وعبدا لله فى المسجد , وعبدا لله فى الشارع , وعبدا لله فى العمل , عبدا لله وحده هنا حيث يعرفك الناس , وعبدا لله هناك حيث تخلو فلا يعرفك أحد الا الله , فالله الذى يراك هناك هو الذى يعرفك هنا , فاستح أن يراك على غير ما يعرفك . كن واحدا ولا تكن عشرة , لا تكن اثنين , كن عبدا لله وحده , ولست أقصد أن تكون دوما ذليلا , بل العبد على مقتضى العبودية : فى البيت رجل له القوامة والتربية , وفى العمل تراه مخلصا وان لم يره أحد , وفى الشارع مراقبا لمولاه .

كن عبدا لله وحده مع الرجال والنساء , والاغنياء والفقراء , والصغار والكبار .. كن عبدا وضع يديك ورجليك فى قيود الشريعة الفضية لتتحرر من العبودية لغير الله .. الزم الامر والنهى , وكن كما يريد الله .. عش على مراد الله منك لتكون عبدا .

فكن واحدا : أى عبدا ..لـواحـد : أى لله وحده , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تعس عبدالدرهم, تعس عبد الدينار

 ,تعس عبد القطيفة والخميصة , تعس عبد المرأة , تعس وانتكس , واذا شيك فلا انتقش " .

[هذا الحديث أصله فى البخارى]

أسألك بالله , واصدق يا عبد الله : أنت عبد لمن ؟ لله وحده أم عبد للظروف أيضا ؟ أم عبد للبيئة والمجتمع ؟! عبد للعادات والتقاليد ؟! أم عبد للمهنة والوظيفة والراتب الشهرى , عبد لصاحب العمل , أم عبد لزوجتك وأولادك واحتياجاتهم ومطالبهم ؟! .. عبد من أنت ؟

كثير من الناس عبيد لاشياء كثيرة فمنهم من عبد بطنه , ومنهم من عبد شهوته وفرجه , ومنهم من عبد بيته وفراشه , ومنهم من عبد رصيده وماله , ومنهم .. ومنهم .. فكن أنت عبدا لله .

ان المتأمل – اخوتاه – فى تاريخ العقيدة الاسلامية

 الطويل , ليدرك مدى العناد والتكذيب الذى واجهه أنبياء الله ورسله فى تعبيد القلوب لاله واحد هو الله ,فقوم نوح كذبوا المرسلين , وكذبت ثمود وعاد بالقارعة ,وكذب بنو اسرائيل موسى وجحدوا ما جاء به , وعاند المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ومع كل هذا صبر هؤلاء الانبياء والمرسلون , لعلمهم بعظمة وأهمية ما يدعون اليه .. وهو التوحيد .

فالتوحيد نظام الكون , ولا يصلح فى الطريق الى الله الا التوحيد , توحيد القصد وتوحيد المعبود ولذلك اذا أردت – أيها الحبيب – أن تسير الى ربك سيرا حسنا فالزم التوحيد , قال تعالى " قل ان صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين لا شريك له

 وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين " ( الانعام : 162 – 163 ) .

ولابد أن تعلم أن الله – سبحانه وتعالى – هدد أنبيائه ورسله بحبوط الاعمال – وان كثرت – ان فاتها التوحيد , فقال بعد أن ذكر جملة كثيرة منهم فى سورة الانعام : " ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون "   ( الانعام : 88 ) بل قال مخاطبا نبيه محمد صلى الله عليه وسلم : " ولقد أوحى اليك والى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكوننّ من الخاسرين بل الله فاعبد وكن من الشاكرين " ( الزمر : 65 – 66 ) .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثانية والستون في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان : *أصول الوصول الى الله جل جلاله (خطورة أمر التوحيد)

  ومن خطورة أمر التوحيد أن الشرك فى هذه الامة أخفى من دبيب النمل , لذا علمك النبى صلى الله عليه وسلم أن تقول كل يوم مرارا " اللهم انى أعوذ بك أن أشرك بك شيئا أعلمه وأستغفرك لما لا أعلمه "

 .[صحيح الأدب المفرد]

ومن خطورة أمر التوحيد الخوف على التوحيد , قال الله تعالى حاكيا عن ابراهيم عليه السلام دعوته { واجنبنى وبنى أن نعبد الاصنام }( ابراهيم : 35 ) ..

فهذا ابراهيم خليل الله يخاف على توحيده , فيطلب التثبيت عليه ويطلب لبنيه ألا يحيدوا عنه .

ومن خطورة التوحيد أنه قد يلتبس على العبد قال ابن القيم – رحمه الله تعالى – فى "الفوائد " :

" التوحيد ألطف شىء وأنزهه وأنظفه وأصفاه , فأدنى شىء يخدشه ويدنسه ويؤثر فيه , فهو كأبيض ثوب يكون , يؤثر فيه أدنى أثر , وكالمرآة الصافية جدا , أدنى شىء يؤثر فيها .

ولهذا تشوّشه اللحظة واللفظة والشهوة الخفية  , فان بادر صاحبه وقلع ذلك الأثر بضده , والا استحكم وصار طبعا يتعسر عليه قلعه . وهذه الاثار والطبوع التى تحصل فيه : منها ما يكون سريع الحصول سريع الزوال , ومنها ما يكون بطىء الحصول سريه الزوال , ومنها ما يكون بطىء الحصول بطىء الزوال .

ولكن من الناس من يكون توحيده كبيرا عظيما , ينغمر

 فيه كثير من تلك الاثار , ويستحيل فيه بمنزلة الماء الكثير الذى يخالطه أدنى نجاسة أو وسخ , فيغتر به صاحب التوحيد الذى هو دونه فيخلط توحيده الضعيف بما خلط به صاحب التوحيد العظيم الكثير توحيده , فيظهر من تأثيره فيه ما لم يظهر فى التوحيد الكثير . وأيضا فان المحل الذى لم يبلغ فى الصفاء مبلغه ،فيتداركه بالازالة دون هذا , فانه لا يشعر به ،وأيضا فان قوة الايمان والتوحيد اذا كانت قوية جدا أحالت المواد الرديئة وقهرتها , بخلاف القوة الضعيفة " .

فانظر - رحمك الله -  الى توحيدك : هل ما زال على صفائه وطهارته ونقائه أم أنه تلوث من مخالطة البشر ومعاملاتهم , وغياب العلم عن القلب , ونسيان الذكر وكثرة الكلام والجدال المقيت وحب العلو والغلبة , وتعلق القلب بمدح الناس ودفع ذمهم , والشهوات المركبة فى الانفس ...

هذه كلها ان وقعت فى القلب سقطت سماء توحيدك على أرضه , فلا تقوم لقلبك قائمة فيا أخى الحبيب , كن لواحد تسترح.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثالثة والستون في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان : *أصول الوصول الى الله جل جلاله (خطورة أمر التوحيد)

قال الله تعالى : {ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء

متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا

 الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون "( الزمر : 29 ) .

 يضرب الله المثل للعبد الموحد والعبد المشرك : بعبد يملكه شركاء يخاصم بعضهم بعضا فيه "وهو بينهم موزع , ولكل منهم فيه توجيه , ولكل منهم عليه تكليف , وهو بينهم حائر لا يستقر على نهج ولا يستقيم على طريق , ولا يملك أن يرضى أهوائهم المتنازعة المتشاكسة المتعارضة التى تمزق اتجاهاته وقواه ! وعبد يملكه سيد واحد , وهو يعلم ما يطلبه منه , ويكلفه به , فهو مستريح مستقر على منهج واحد صريح ..  {هل يستويان مثلا } .. انهما لا يستويان .

فالذى يخضع لسيد واحد ينعم براحة الاستقامة والمعرفة واليقين وتجمع الطاقة ووحدة الاتجاه ووضوح الطريق . والذى يخضع لسادة متشاكسين معذب مقلقل لا يستقر على حال ولا يرضى واحدا منهم فضلا على ان يرضى الجميع !

وهذا المثل يصور حقيقة التوحيد وحقيقة الشرك فى جميع الاحوال , فالقلب المؤمن بحقيقة التوحيد هو القلب الذى يقطع الرحلة على هذه الارض على هدى , لأن بصره أبدا معلق بنجم واحد على الافق فلا يلتوى به الطريق . ولأنه يعرف مصدرا واحدا للحياة والقوة والرزق ,ومصدرا واحدا للنفع والضر , ومصدرا واحدا للمنح والمنع , فتستقيم خطاه الى هذا المصدر الواحد , يستمد منه وحده , ويعلق يديه بحبل واحد يشد عروته , ويطمئن اتجاهه الى هدف واحد لا يزوغ عنه بصره , ويخدم سيدا واحدا يعرف ماذا يرضيه فيفعله وماذا يغضبه فيتقيه .. وبذلك تتجمع طاقته وتتوحد , فينتج بكل طاقته وجهده وهو ثابت القدمين على الارض متطلع الى اله واحد فى السماء .. ويعقب – سبحانه – على هذا المثل الناطق الحى , بالحمد لله الذى اختار لعباده الراحة والامن والطمأنينة والاستقامة والاستقرار . وهم مع هذا ينحرفون , وأكثرهم لا يعلمون

فهل انت لواحد ؟ أم انك لشركاء متشاكسين ؟! .

نـعـم :  ان اكثر الناس اليوم منحرفون عن التوحيد ,ويعيشون فى شتات , فتجد قلوبهم معلقة بالمال والزوجة والولد والبشر , فيعيشون مهمومين محزونين مشتتين مضيعين .. ولا يمكن أن يتعلق القلب بالله وحده الا بأن يكون فى قلبك هم واحد : هو طلب رضا الله والاستعانة به , فهمّك وهمتك وتفكيرك دائر فى تحصيل رضا الله , ساعتها تكون عبدا لله وحده .. تكون واحدا لواحد بحق , ومنها تنطلق على طريق الوصول الى الله – تعالى .على طريق واحد :

اذا كنت واحدا لواحد فلكى تصل لابد من أن يكون لك طريق واحد الى الله – تعالى – فهما توحيدان:

توحيد القصد وتوحيد المعبود .هو طريق واحد لا يتعدد ولا يتغير , كما قال ربنا – جل وعلا - : " وأن هذا صراطى مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله " ( الانعام : 153 ) فوحد سبيله لانه فى نفسه واحد لا تعدد فيه , وجمع السبل المخالفة لانها كثيرة ومتعددة .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الرابعة والستون في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان : *أصول الوصول الى الله جل جلاله (خطورة أمر التوحيد)

  كن على طريق واحد تصل وهو الطريق الى الله – سبحانه وتعالى – وأصله : الكتاب والسنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " انه من يعش بعدى فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين عضوا عليها بالنواجذ , واياكم ومحدثات الامور , فان كل محدثة بدعة وكل ضلالة فى النار "  [صححه الألبانى]  وقال صلى الله عليه وسلم : " تركت فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدى أبدا كتاب الله وسنتى "[أحمد والترمذى وقال حسن غريب] فاسلك الطريق الواحد واذا سلكته فلا تغير ولا تبدل لئلا تطرد .. لا تتلون ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله .. اللهم نجنا من مضلات الفتن لما جاء حذيفة بن اليمان الموت جلس عبدالله بن مسعود عند رأسه وقال له : أوصنى , فقال له : ألم يأتك اليقين ؟ قال : بلى وعزة ربى , فقال حذيفة : واياك والتلون , فان دين الله واحد .

ومـن الـتلـون : استحلال الحرام , قال العلماء : الفتنة أن تستحل ما كنت تراه حراما .

يمشى الشاب فى الطريق الى الله سنين واعتقاده : أن صلاة الجماعة فى المسجد فرض عين , صار يقول : هناك مذاهب أخرى فيمكن أن أصلى فى البيت .. تلون وفتور .. بعد أن كان يعتقد أن طلب العلم لازم له , وبعد أن كان يعتقد أن الدعوة الى الله أمانة في

 عنقه , تخلى وانشغل بدنياه , فتشعبت به الطرق .

أيها المفتون : ستموت , وستحاسب على ارائك القديمة لم غيرتها .. لم بدلت .. لم تلونت .. لم التفتّ ؟ .. كان راضيابالقليل فاذا به يستشرف لحياة المترفين والاغنياء ..لم يا عبدالله ؟لم غيرت طريقك ؟ انها سكة واحدة ومنهج واحد هو الصحيح فماذا بعد الحق الا الضلال "

( يونس  : 32 )

 .. أخى , الحق واحد لا يتعدد , فعلى منهجك فاثبت " قل انما أنا بشر مثلكم يوحى الىّ أنما الهكم اله واحد فاستقيموا اليه واستغفروه وويل للمشركين ( فصلت : 6

كن على طريق واحد , واعلم أن الكتاب والسنة بفهم سلف الامة منهج معصوم , ليس لأننى أقول ذلك ,

 بل لأن الله – تعالى – أمر بذلك , قال – تعالى - : " والسابقون الاولون من المهاجرين والانصار والذين

اتبعوهم باحسان رضى الله عنهم " ( التوبة : 100 ) , وقال – سبحانه وتعالى –" فان آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وان تولوا فانما هم فى شقاق " ( البقرة : 137 )

سئل أبو على .. الحسن بن على بن الجوزجانى : كيف الطريق الى الله ؟ , فقال : الطرق الى الله كثيرة , وأوضح الطرق وأبعدها عن الشبه : اتباع السنة قولا وفعلا وعزما وعقدا ونية,لأن الله يقول : {وان تطيعوه تهتدوا } ( النور : 54 ) فقيل له : كيف الطريق الى السنة , فقال : مجانبة البدعة , واتباع ما اجمع عليه الصدر الاول من علماء الاسلام , والتباعد عن مجالس الكلام واهله ولزوم طريقة الاقتداء , وبذلك أُمر النبى صلى الله عليه وسلم بقوله – سبحانه وتعالى - :

" ثم أوحينا اليك ان اتبع ملة ابراهيم " ( النحل : 123 ) .

وقال ابو الحسن الوراق : لا يصل العبد الى الله  الا بالله وبموافقة حبيبه صلى الله عليه وسلم فى شرائعه,ومن جعل الطريق الى الوصول فى غير الاقتداء ,يضل من حيث يحسب انه مهتد .

وقال ابو بكر الطمستانى : الطريق واضح , والكتاب والسنة بين أظهرنا , وفضل الصحابة معلوم لسبقهم الى الهجرة ولصحبتهم , فمن صحب منا الكتاب والسنة وتغرب عن نفسه والخلق وهاجر بقلبه الى الله , فهو الصادق المصيب .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الخامسة والستون في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان : *أصول الوصول الى الله جل جلاله

وعن طريق البدع يقول الحسن : صاحب البدعة لا يزداد اجتهادا , صياما وصلاة , الا ازداد من الله بعدا

وعن أبى ادريس الخولانى أنه قال  :  لأن أرى في

 المسجد نارا لا استطيع اطفائها احب الىّ من ان ارى

 فيه بدعة لا استطيع تغييرها .

فتمسك بما كان عليه سلفك الصالح , وابتعد عن البدع واهلها وكن على طريق واحد(طريق السنة)ولا تلتفت

قال بندار بن الحسين :  صحبة أهل البدع تورث الاعراض عن الحق .

وقال حمدون القصار: من نظر فى سيرالسلف , عرف تقصيره وتخلفه عن درجات الرجال .

قال الشاطبى : " وهذه – والله أعلم – اشارة الى المثابرة على الاقتداء بهم , فانهم اهل السنة " .

اخـوتـاه : الطريق الى الله واحدة لا تتغير ابدا فلسنا نجدد فى منهجنا او نغيره او نبدله او نعدله : 

هو منهج واضح , والثبات عليه هو سر الوصول الى الله,فان غيرت او بدلت او جددت او التفت ضعت .

قال ابن القيم : " لو أن عبدا اقبل على الله الف سنة , ثم التفت عن الله لحظة واحدة , لكان ما خسر فى هذا اعظم مما حصله فى الالف سنة " اهـ .

فسر ولا تلتفت انطلق على طريق واحد انطلق وكن واحدا لواحد على طريق واحد تصل باذن الله .

الأصل الثالث : ما لا يكون بالله لا يكون وما لا يكون لله لا ينفع ولا يدوم

تدبر هذه القاعدة , فالزم " اياك نعبد واياك نستعين " .. وهاك بيانها : ما لايكون بالله لا يكون :العبدضعيف .. خلق فى الاصل محتاجا فقيرا , قال الله : " يا أيها الناس أنتم الفقراء الى الله والله هو الغنى الحميد "     ( فاطر : 15 ) , وقال تعالى :{وخلق الانسان ضعيفا }    ( النساء : 28 ) في أصل خلقتك ضعف , انظر قول الله عز وجل " ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان الا قليلا " ( النساء : 83 ) , وقال تعالى :{ ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكى من يشاء }( النور : 21 ) .

وقال سبحانه" من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما

 نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا * ومن أراد الاخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا * كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا * انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللاخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا " ( الاسراء : 18 – 21 ) .

" كلا نمد " .. من الممد ؟ الله , ومن المستعان ؟ الله .. الله هو الممد المعطى المستعان ..

الله هو الموفق المسدد .. الله هو الذى يصطفى ويختار .. فالسير فى الطريق الى الله مبنى على الاصطفاء والاختيار , فاذا اختارك واصطفاك هيأك .

قال  تعالى فى حق يونس عليه السلام " فاجتباه ربه فجعله من الصالحين " ( القلم : 50 )

اجتباه فجعله .. فأنت ضعيف لا طاقة لك .. أنت ضعيف لا قوة لك ولا قدرة لك ولا حول لك الا ان تكون بالله , فما لا يكون بالله لن يكون , فالذى أتى بك الى المسجد , الله , والذى أنطق فأسمع , الله .. الله هو الذى اجتباك وجعلك من الملتزمين .

أخى فى الله , حبيبى فى الله على طريق الحق للوصول الى الله , الزم : اياك نعبد واياك نستعين "

تبرأ من حولك وقوتك والجأ الى حوله وقوته واستعن به , استعن به وتوجه اليه واطلب منه ..

استعن به وحده يكن لك .. كما قال العلماء : كن لله كما يريد , يكن لك فوق ما تريد .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السادسة والستون في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان : *أصول الوصول الى الله جل جلاله

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " احفظ الله يحفظك , احفظ الله تجده تجاهك , اذا سألت فاسأل الله , واذا استعنت فاستعن بالله , واعلم ان الامة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشىء لم ينفعوك الا بشىء قد كتبه الله لك , وان اجتمعوا على أن يضروك بشىء لم يضروك الا بشىء قد كتبه الله عليك رفعت الاقلام وجفت الصحف " . [صححه الألبانى]

" احفظ الله يحفظك " والاعجب منها : " احفظ الله

 تجده تجاهك " احفظ الله تجده معك , فى اتجاهك

 فى الاتجاه الذى تريده تجده – سبحانه – تجاهك .

ان كثيرا منا حين يسير فى الطريق الى الله فيصيبه الفتور أو يفتن فيتراجع , يظل طيلة الوقت يسأل عن السبيل الى الرجوع ويعلّم أسباب الرجوع ويأخذ بالأسباب وينسى الله , فلا تؤتى الاسباب ثمرتها تقول له : افعل كذا , يقول : فعلت ولم أجد فائدة , افعل كذا .. فعلت ولا فائدة .. افعل , فعلت وفعلت .. وفعلت .. نعم : فعل ولم يستعن بالله فلم توجد ثمرة , ولا يوجد ولن توجد الا بالله .

وتأمل معى هذا الحديث العظيم ليثبت يقينك فى هذه القاعدة : ما لا يكون بالله لا يكون , وأضف اليها القاعدة الاولى والاصل الاول : عليك البداية وعليه التمام : يقول الله تعالى فى الحديث القدسى : يا عبادى كلكم ضال الا من هديته فاستهدونى أهدكم يا عبادى كلكم جائع الا من أطعمته , فاستطعمونى أطعمكم , يا عبادى كلكم عار الا من كسوته , فاستكسونى أكسكم , يا عبادى انكم تخطئون بالليل والنهار , وانا اغفر الذنوب جميعا , فاسغفرونى أغفر لكم .." . [مسلم]

هـكـذا  : " كلكم " الا من سأل الله فأعطاه .. فلن تؤتى شيئا الا وعند الله خزائنه " وما ننزله الا بقدر معلوم " ( الحجر : 21 ) فاستعن بالله تعن واستهده تهد .. وهكذا : ما لا يكون بالله لا يكون .

فكن لله يكن لك . والا فالضياع والتيه ثم الهلكة عياذا بالله تعالى" ومن يعتصم بالله فقد هدى الى صراط مستقيم " ( آل عمران : 101 ) .

وما لا يكون لله لا ينفع ولا يدوم :

اخوتى فى الله , ما كان لغير الله اضمحل .. يضمحل .. يتلاشى كالرسوم على رمال الشاطىء تمحوها أمواج البحر .. نعم : ما كان لله دام واتصل , وما كان لغير الله انقطع وانفصل .

شجرة الصفصاف تقطع فى ثلاثة أشهر ما تقطعه شجرة الصنوبر فى ثلاثين سنة ,ثم تقول لها :

ما قطعتيه فى ثلاثين سنة قطعته فى ثلاثة أشهر ويقال لى شجرة ويقال لك شجرة , فتقول لها الصنوبرة : اصبرى حتى تهب رياح الخريف فان ثبتّ لها تم فخرك

وعندما ثبتت دودة القز تنسج , قامت العنكبوت تنسج وقالت لها : لك نسج ولى نسج , فقالت دودة القز : أما نسجك فمصايد الذباب , وأما نسجى فأردية الملوك , وحال اللمس يبين الفرق .

نــعــم : هكذا – اُخىّ – اذا هبت رياح الابتلاء فثبت لها تم فخرك , فليست القضية بصورة العمل فقد تتساوى الاشجار فى المناظر ويسمى الكل نسجا , ولكن البهرج لا يدوم , قال الله – سبحانه وتعالى – " كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الارض " ( الرعد : 17 )

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السابعة والستون في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان : *أصول الوصول الى الله جل جلاله

فهؤلاء الذين يدخلون الطريق الى الله لشهوة أو لهوى

 أو لحظ نفس لا ينفعون ولا ينتفعون , ولا يستطيع أحدهم أن يتم عملا ولو كان بسيطا , وحين يبدأ فى مشروع خير كطلب علم أو عبادة أو دعوة الى الله تجده ينقطع ولا يداوم عليه , ونسأل : ما السر ؟!! .

ان السر الدفين – اخوتاه – لعدم القبول هو وجود حظ للنفس فى العمل , فالذى يأتى الى صلاة الجمعة – ليس لله – والذى يقوم الليل أو يصوم النهار , يحفظ القرآن أو يتعلم العلم , أو يؤم الناس أو يخطب الجمعة , أو يعطى درسا , أو .. أو .. وفى العمل شائبة من حظ النفس , فعمله باطل باطل .. أحبطه حين عمله لحظ نفسه " .

نــعــم : سل نفسك : عملك لمن ؟ واصدق ولا تتهرب فالامر جد خطير .. ألا تخاف من هذه الكلمة التى تقض المضاجع :" عملت ليقال وقد قيل , فلا أجر لك عندى ثم يسحب على وجهه الى جهنم"

اعلم – أُخىّ – أنك اذا صليت ثم خرجت فلم تنهك صلاتك عن الفحشاء والمنكر – اعلم أنك ما صليت لله , فلو صليت له لأعطاك الثمرة , واذا حفظت القرآن فلم تزجرك نواهيه ولم تلزمك أوامره فاعلم أنك لم تحفظه لله , فالله شكور .. يشكر على القليل .. اذا عملت له عملا لابد أن يثيبك ويشكرك عليه , ويعطيك منه , فاذا لم تعط فاتّهم عملك .. اتهم عملك فان المعبود كريم .

فالاخلاص الاخلاص – اخوتاه – الاخلاص والا الضياع .. الاخلاص والا الشرود عن طريق الله الاخلاص حتى لا تضلوا السبيل .. الاخلاص نور الطريق .

كان الفضيل بن عياض يقول : اذا كان يسأل الصادقين عن صدقهم , مثل اسماعيل وعيسى – عليهما الصلاة السلام – فكيف بالكذابين من أمثالنا ؟! وكان رحمه الله اذا قرأ : " ونبلو أخباركم " يقول : اللهم انك ان بلوت أخبارنا فضحتنا وهتكت استارنا , عافيتك هى أوسع لنا , وأنت أرحم الراحمين .

قال أبو عثمان المغربى : الاخلاص نسيان رؤية الخلق بدوام النظر الى الخالق .

وقال سهل بن عبدالله التسترى : نظر الاكياس فى تفسير سورة الاخلاص فلم يجدوا غير هذا :

أن تكون حركته وسكونه فى سره وعلانيته لله تعالى , لا يمازجه شىء لا نفس ولا هوى ولا دنيا .

وقيل لحمدون بن أحمد : ما بال كلام السلف أنفع من

 كلامنا ؟ قال : لأنهم تكلموا لعز الاسلام ونجاة النفوس ورضا الرحمن , ونحن نتكلم لعز النفوس وطلب الدنيا ورضا الخلق .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثامنة والستون في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان : *أصول الوصول الى الله جل جلاله ( الإخلاص)

يقول الشيخ سيد العفاني حفظه الله تعالى :" فاعقل درجتك ولا تزهُ عند الخلق وجوهرك جوهر الفضائح وسيماك سيما الابرار , وعُد نفسك مع أنفس الكذابين , وروحك مع أرواح الهلكى وبدنك مع أبدان المذنبين , وأقبل على تعلم الاخلاص , فوالله إن علمه خير العلم , وفقهه الفقه كل الفقه .

يا اخوتاه , الاخلاص مسك القلب , وماء حياته ومدار فلاحه كله عليه , نعم : بضاعة الاخرة لا يرتفع فيها الا مخلص صادق .

ولا نجاة ولا فقه الا مع سير السلف الصالحين , فقد

 كان الشيوخ فى قديم الزمان أصحاب قدم .

والطلاب أصحاب ألم , فذهب القدم والألم , اليوم غصة ولا قصة , وان التربية بالقدوة خير وسائل التربية , والحكايات عن سلفنا جند من جنود ه تعالى يثبت الله بها قلوب أوليائه "

قال الامام أبو حنيفة : الحكايات عن العلماء ومحاسنهم أحب الىّ من كثيرمن الفقه,لانها آداب القوم واخلاقهم , قال الله – تعالى – " لقد كان فى قصصهم عبرة لاولى الالباب " ( يوسف : 111) , وقال تعالى لنبيه " اولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ( الانعام : 90

وانطلاقا من هذا الكلام الطيب , فان الحديث عن الاخلاص والمخلصين يحلو, وهاك طرفا منه

-الــصـلاة :قال أبو تميم بن مالك : كان منصور بن المعتمر اذا صلى الغداة , أظهر النشاط لاصحابه , فيحدثهم ويكثر اليهم , ولعله انما بات قائما على أطرافه كل ذلك يخفى عليهم العمل

  وقال أبو اسحاق كعب الاحبار صاحب الكتب والاسفار : من تعبد لله ليلة حيث لا يراه أحد يعرفه خرج من ذنوبه كما يخرج من ليلته .

-صدقة السر : هذا زين العابدين على بن الحسين :

 يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل , فيتصدق به

 ويقول :ان صدقة السر تطفىء غضب الرب عز وجل

ولما مات وجدوه يقوت مئة أهل بيت بالمدينة , ولما جاءوا يغسلونه وجدوا بظهره أثار سواد فقالوا : ما هذا ؟ فقيل : كان يحمل جرب الدقيق ليلا على ظهره يعطيه فقراء أهل المدينة .

-الصــــــوم :وإذا ذكر الصوم وإخفاؤه فاذكر داود بن أبى هند .. صام أربعين سنة لا يعلم به أهله ولا أحد وكان خزازا يحمل معه غذاءه من عندهم فيتصدق به فى الطريق ويرجع عشيا فيفطر معهم فيظن أهل السوق أنه قد أكل فى البيت ويظن أهله أنه قد أكل فى السوق .

قال إبراهيم بن أدهم :  لا تسأل أخاك عن صيامه فإن

 كان قال : أنا صائم فرحت نفسه وإن قال : أنا غير

صائم حزنت نفسه وكلاهما من علامات الرياء , وفى ذلك فضيحة للمسئول واطلاع على عوراته من السائل

-الذكر وقراءة القرآن :قال ابن الجوزى : كان ابراهيم النخعى اذا قرأ فى المصحف فدخل داخل غطاه .

وكان الامام أحمد يقول : أشتهى مالا يكون .. أشتهى مكانا لا يكون فيه أحد من الناس .

-البكــــــــــــاء: قال الثورى : البكاء عشرة أجزاء تسعة لغير الله وواحد لله فاذا جاء الذى لله فى السنة مرة فهو كثير .

قال ابن الجوزى: كان ابن سيرين يتحدث بالنهار ويضحك فاذا جاء الليل فكأنه قتل أهل القرية .

حــــالت لفقــدكم أيامــنا فغـــــــدت ***سودا وكانت بكم بيضا ليالينا

من مبلغ الملبسينا عما بانتزاحهم ***حزنا مع الدهر لا يبلى ويبلينا

إن الزمان الذى قد كان يضحكنا ***أنسا بقربـــــهم قد عاد يبكينا

ليسق عهدكم عهد السرور فما ***كنتم لارواحـــــــنا الا رياحينا

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة التاسعة والستون في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان : *أصول الوصول الى الله جل جلاله ( الإخلاص)

قال محمد بن واسع : إن كان الرجل ليبكى عشرين سنة وامرأته معه فى لحافه لا تعلم به .

وقال سفيان بن عيينه : أصابتنى ذات يوم رقة فبكيت فقلت فى نفسى : لو كان بعض أصحابنا لرق معى ثم غفوت فأتانى أت فى منامى فرفسنى وقال : يا سفيان

 خذ أجرك ممن أحببت أن يراك !!

-العلـــم :قال الشافعى : وودت ان الخلق تعلموا هذا

( يعنى علمه ) على أن لا ينسب إلى حرف منه

وقال عون بن عمارة : سمعت هشام الدستوائى يقول : والله ما أستطيع أن أقول : إني ذهبت يوما قط أطلب الحديث اريد به وجه الله عز وجل .

قال الذهبى : والله ولا أنا .. فاللهم أعف عنا !

*أصحاب السرائر والخوف من الشهرة :

قال ابن المبارك عن ابراهيم بن ادهم   : صاحب سرائر وما رأيته يظهر تسبيحا ولا شيئا من الخير ولا أكل مع قوم إلا كان آخر من يرفع يده .

يقول امام الوعاظ ابن الجوزى : اشتهر ابن ادهم ببلد فقيل : هو فى البستان الفلانى فدخل الناس يطوفون ويقولون : أين ابراهيم بن ادهم ؟ فجعل يطوف معهم ويقول : اين ابراهيم بن ادهم ؟ !

وانظر الى العلاء بن زياد العدوى  الذى قال فيه الحسن البصرى : الى هذا والله انتهى استقلال الحزن .. قال له رجل : رأيت كأنك فى الجنة فقال له : ويحك ! ! أما وجد الشيطان أحد يسخر به غيرى وغيرك .

قال الامام أحمد: كان سفيان الثورى اذا قيل له رئيت فى المنام يقول : أنا أعرف بنفسى من أصحاب المنامات

وإبراهيم النخعى الامام الفقيه :  كان لا يجلس الى الساريه فى المسجد توقيا للشهره , كان يقول : تكلمت ولووجدت بدا ما تكلمت فإن زمانا أكون فيه فقيه الكوفة لزمان سوء .

وكان يقول :

خلت الديار فسدت غير مسود ***ومن البلاء تفردى بالسؤدد

وكان محمد بن يوسف الاصبهانى : ( عروس الزهاد ) لا يشترى زاده من خباز واحد قال :

لعلهم يعرفوني فيحابوني فاكون ممن اعيش بديني .

وسفيان الثورى :الذى قال عنه الامام احمد : أتدرى من الامام ؟ الامام سفيان الثورى لا يتقدمه أحد فى قلبى .. كان رحمه الله لا يترك أحدا يجلس إليه إلا نحو ثلاثة أنفس فغفل يوما فرأى الحلقة قد كبرت فقام فزعا وقال : أخذنا والله ولم نشعر والله لو أدرك أمير المؤمنين عمر رضى الله عنه مثلى وهو جالس فى هذا المجلس لاقامه , وقال له : مثلك لا يصلح لذلك .

وكان رحمه الله اذا جلس لاملاء حديث يجلس مرعوبا خائفا وكانت السحابة تمر عليه فيكست حتى تمر ويقول : أخاف أن يكون فيها حجارة ترجمنا بها .

وكان يقول : كل شىء أظهرته من عملى فلا أعده شيئا

 لعجز أمثالنا عن الاخلاص إذا رأه الناس .. رحمك

 الله يا سفيان ولله درك يا أمام كما علمتنا أن نكون لله

مر الحسن البصرى  على طاووس وهو يملى الحديث فى الحرم فى حلقة كبيرة فقرب منه وقال له فى اذنه :

إن كانت نفسك تعجبك فقم من هذا المجلس فقام طاووس فورا .

قال بشر:لا ينبغى لامثالنا أن يظهر من أعماله الصالحة ذرة فكيف بأعماله التى دخلها الرياء؟ فالاولى بأمثالنا الكتمان !

وكان مالك بن دينار يقول : إذا ذكر الصالحون فأف لى وتف . وقال الفضيل : من أراد أن ينظر الى مراء فلينظر إلىّ .

أخوتاه : أطلنا الكلام مع المخلصين لاهميته فبدون الاخلاص لا يكون للاعمال أى قيمة ولن تصل إلى الله على الاطلاق ما دمت مرائيا ..

فأبدأ من الآن وكن بكلك لله .. أخلص وإلا فلا تتعن .. أخلص وإلا فالخسار والدمار وخراب الديار

أخوتاه  ما لا يكون بالله لا يكون , وما لا يكون لله لا ينفع ولا يدوم .. فاستعينوا بالله وأخلصوا لله والزموا " اياك نعبد واياك نستعين "تصلوا الى الله  تعالى  بأمان واطمئنان .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السبعون في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان : *أصول الوصول الى الله جل جلاله

الاصل الرابع : الشكر أساس المزيد

إن من أخطر أصول الوصول الى الله – تعالى – شكر نعمة الله عز وجل على أن هيأك ويسر لك وحبب اليك أن تسلك سبيلا اليه .. وإن اختيار هذا الطريق رغبة ورهبة وطلبا لرضا الله وخوفا من عذابه .. نعمة

وان معرفة الطريق الى الله عز وجل،والشغف بالسير فيها والحرص على التقدم .. نعمة .. والاعمال الصالحة من تلاوة وذكر وصيام وقيام وتبتل وتهجد واحسان وبر وغيرها , هى حوامل الوصول فى هذا الطريق . وهى نعمة .. وهذه النعم ان لم تدم وتزد وتبارك كان النكوص والارتداد والسلب والحرمان .. ولا سبيل قط الى حراسة النعم وحمايتها وزيادتها الا بالشكر .

جاء وفد اليمن الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان فيهم رجل

 يسمى حديرا , فلما أرادوا الانصراف – وكان من

سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطى كل ضيف جائزته –

أعطى لكل فرد هدية , وكان حدير مشغولا بذكر الله بعيدا عن عين رسول الله صلى الله عليه وسلم , فاستحيى حدير أن يطلب جائزته ,فانطلقوا وانطلق معهم حدير , وبعد ان انصرفوا اذ بجبريل ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول : ربك يقرئك السلام ويذكرك بحدير – يذكرك أنك نسيت حديرا – فطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فارسا وأعطاه هدية وقال : " الحق القوم فاسأل عن حدير وأعطه هديته وأقرئه منى السلام "  فلما أدركهم قال : أين حدير ؟ قالوا له : هذا فقال له : رسول الله يقرئك السلام ويقول لك : " انه نسيك فذكره بك الله " فقال حدير : " اللهم كما لم تنس حديرا , فاجعل حديرا لا ينساك " فكان أكثر الناس ذكرا لله .

" اللهم كما لم تنس حديرا فاجعل حديرا لا ينساك " .. هذا هو موطن الشاهد وهوشكر النعمة على مقتضاها وهو طلب الزيادة من خير الاخرة .

  ابتلى أحد الاخوة بمرض السكر فقال لى : استفدت من هذا المرض فائدة : ما عرفت نعمة الله فى أن أنام ثلاث ساعات متواصلة الا بعد المرض , فكل ساعة أقوم لأدخل الحمام !! ..فهل نمت أنت ثلاث ساعات متواصلة ؟! هل شكرت هذه النعمة ؟ .. اذا ابتليت ستعرف هذه النعمة وتقدرها .

هذا الرجل المكسور يقول : أود أن اتقلب على جنبىّ !! فهل تتقلب على جنبيك وأنت نائم ؟! هل شكرت هذه النعمة؟هل فكرت مرة أن تذهب الى المستشفيات لترى المقعدين الذين لا يملكون حراكا ؟ لترى فى قسم الحرائق ما فعلته النيران فى الوجوه الجميلة ؟ ولترى فى قسم العيون من فقدوا نور أعينهم ؟! .

كان بكر بن عبدالله المزنى رحمه الله يقول : يا ابن آدم اذا أردت أن تعلم قدر ما أنعم الله عليك فغمض عينيك

هل رأيت أصحاب المحاليل المعلقة ؟!! وهل رأيت من عاشوا حياتهم فى المستشفيات ثم ماتوا ؟! كل هذه النعم التى فقدها الاخرون وملكتها أنت هل شكرت الله عليها ؟!! . وأنت أيها المريض المبتلى هل شكرت النعم التى أنت غارق فيها ؟! هل نظرت الى من هم أشد منك بلاء ؟! .. وان كنت أنت أشد المرضى ألما فهل شكرت الله على ان ابتلاك فى جسدك وحفظ لك قلبك فملأه بالايمان ؟! هل شكرت هذه النعمة :

 نعمة الايمان والتوحيد التى هى أعظم النعم .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الواحدة والسبعون في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان : *أصول الوصول الى الله جل جلاله

الاصل الرابع : الشكر أساس المزيد

عن مجاهد فى قوله سبحانه وتعالى " وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة " ( لقمان : 20 ) قال : لااله الا الله .

وعن سفيان بن عيينة قال : ما أنعم الله عز وجل على العباد نعمة أفضل من أن عرفهم : أن لا اله الا الله . قال : وان " لا اله الا الله " لهم فى الاخرة كالماء فى الدنيا .

لقد كان من هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم تذكر فاقد النعمة

ليعظم عنده شكرها,فكان رسول الله صلى الله عليه

وسلم اذا أوى الى فراشه يقول :

" الحمد لله الذى أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا وكم ممن لا كافى له ولا مأوى " [مسلم] 

قال سلام بن أبى مطيع :  دخلت على مريض أعوده , فإذا هو يئن فقلت له : اذكر المطروحين فى الطريق , اذكر الذين لا مأوى لهم , ولا لهم من يخدمهم . قال : ثم دخلت عليه بعد ذلك فلم أسمعه يئن . قال : وجعل يقول : اذكر المطروحين فى الطريق , اذكر من لا مأوى له ولا له من يخدمه .

شكر النعم أصل , قال الملك :{وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابى لشديد ( ابراهيم : 7 )

قال ابن القيم – رحمه الله تعالى - :  " من أنعم عليه بنعمة فلم يشكرها عذب بتلك النعمة ذاتها ولابد " اهـ

عرفت – أخى الملتزم – ما سبب الفتور ؟ لأنك لم تشكر نعمة الالتزام , فلو شكرت هذه النعمة لزادك الله التزاما , قال تعالى " والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم "   (محمد : 17) لكن لما لم تشكر نعمة الالتزام فترت , وتراجع التزامك .

قال الحسن : ان الله عز وجل ليمتع بالنعمة ما شاء , فإذا لم تشكر قلبها عليهم عذابا .

نعـــم : كل من أعطى أولادا فلم يشكر نعمة الأولاد يعذب بهم , ومن أنعم الله عليه بزوجة فلم يشكر نعمة الزوجة عذب بها , ومن أعطى مالا فلم يشكره عذب به ولابد .. وهكذا : كل نعمة لا تشكرها تعذب بها .. وسر الشكر استخدام النعمة فى طاعة المنعم .

شكر حدير النعمة وسأل الله ألا ينسيه ذكره , ولو أننى أنا الذى جاءونى بالهدية لشغلنى فرحى بالهدية عن ذكر الله .. واقع مر .. كثير من المسلمين مشغول بالنعمة عن المنعم , مشغول بالبلية عن المبتلي , مشغول عن الله بغير الله , ناسٍ له , غافلٍ عنه .

اخوتاه , سليمان بن داود هذا النبى الصالح ابن النبى الصالح – عليهما السلام – ما شغله الملك  الذى ما آتاه الله أحدا من العالمين قبله ولا بعده عن الشكر والتحدث بنعم الله عليه

قال  تعالى {وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شىء ان هذا لهو الفضل المبين * وحشر لسليمان جنوده من الجن والانس والطير فهم يوزعون * حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون * فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعنى أن أشكر نعمتك التى أنعمت علىّ وعلى والدىّ وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلنى برحمتك فى عبادك الصالحين } ( النمل : 16- 19 )

ولما حمل اليه عرش بلقيس قال " هذا من فضل ربى ليبلونى ءأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربى غنى كريم " ( النمل : 40 ) .

عن الحسن قال : قال نبى الله داود : " إلهى لو أن لكل شعرة منى لسانين يسبحانك الليل والنهار والدهر ما وفيت حق نعمة واحدة " .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثانية والسبعون في موضوع ( الله )

والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الاصل الرابع : الشكر أساس المزيد

 دخل رجل على سهل بن عبدالله فقال : اللص دخل دارى وأخذ متاعى فقال : اشكر الله , فلو دخل اللص قلبك – وهو الشيطان – وأفسد عليك التوحيد ماذا كنت تصنع ؟ " .

  سئل بعض الصالحين : كيف أصبحت ؟ فقال : أصبحت وبنا من نعم الله ما لا يحصى مع كثير ما يعصى , فلا ندرى على ما نشكر : على جميل ما نشر , أو على قبيح ما ستر ؟

وقال آخر : أصبحت بين نعمتين لا أدرى أيتهما أعظم : ذنوب سترها الله علىّ , فلا يقدر أن يعيرني بها أحد , ومحبة قذفها الله فى قلوب الخلق لا يبلغها عملي .

من أصول السير الى الله : كلما أنعم الله عليك بنعمة فاشكرها ..

اذا حفظت آية فاشكرها , اذا ذكرته لحظة فاشكرها , اذا أعفيت لحيتك اشكرها ,اذا صليت جماعة اشكرها , اذا تعلمت مسألة اشكرها , اذا قمت ليلة اشكرها , اشكر الله على نعمته , لأنك ان لم تشكره تعذب .. تلك سنة ربانية , فلذلك انشغل بشكر النعمة .

ولكن كيف يكون شكر النعمة ؟

الشكر يقوم على خمسة أركان :

1- الاقرار بالنعمة          2- الثناء على الله بالنعمة

3- الخضوع لله بالنعمة      4- حب المنعم    

 5- استعمال النعمة فى شكر المنعم

عن عنبسة بن الازهر قال : كان محارب بن دثار

– قاضى الكوفة – قريب الجوار منى فربما سمعته فى بعض الليل يقول : " أنا الصغير الذى ربيته فلك الحمد , وأنا الضعيف الذى قويته فلك الحمد , وأنا الفقير الذى أغنيته فلك الحمد , وأنا الغريب الذى وصيته فلك الحمد , وأنا الصعلوك الذى مولته فلك الحمد , وأنا العزب الذى زوجته فلك الحمد , وأنا الساغب    ( الجائع ) الذى أشبعته فلك الحمد , وأنا العارى الذى كسوته فلك الحمد , وأنا المسافرالذى صاحبته فلك الحمد وأنا الغائب الذى رددته فلك الحمد وأنا الراحل الذى حملته فلك الحمد وأنا المريض الذى شفيته فلك الحمد وأنا السائل الذى أعطيته فلك الحمد وأنا الداعى الذى أجبته فلك الحمد فلك الحمد ربنا حمدا كثيرا على حمدى لك "  اهـ .

لله ما أحلى هذا الكلام !! نعم: كان كلامهم دواء للخطائين

يا رب" تم نورك فهديت , فلك الحمد , عظم حلمك فغفرت , فلك الحمد , وبسطت يدك فأعطيت , فلك الحمد , ربنا وجهك أكرم الوجوه , وجاهك أعظم الجاه , وعطيتك أفضل العطية وأهنأها , تطاع ربنا فتشكر , وتعصى فتغفر , وتجيب المضطر , وتكشف الضر , وتشفى السقيم , وتغفر الذنب , وتقبل التوبة , ولا يجزى بآلائك أحد , ولا يبلغ مدحتك قول قائل " .. فلك الحمد .

  الشكر أساس المزيد . أحبتى فى الله  , يا من عزمتم السير الى الله,اشكروا الله .. اشكروا الله .. اشكروا الله يزدكم ..

عن على رضى الله عنه أنه قال لرجل من أهل همدان

 " إن النعمة موصولة بالشكر , والشكر متعلق بالمزيد , وهما مقرونان فى قرن , فلن ينقطع المزيد من الله – عز وجل – حتى ينقطع الشكر من العبد " اهـ .

فإذا رأيت إيمانك لا يزيد فارجع الى الشكر ..

اشكر تزدد إيمانا , فإن الشكر أساس المزيد .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثالثة والسبعون في موضوع ( الله )

والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل الخامس : املك عصا التحويلة

بعض الناس يركب القطار ويظن أن السائق هو الذى

 يقوده , وينسى أن هناك عاملا بسيطا بيده عصا صغيرة يحول بها مجرى القطار كله رغم أنف السائق .. فعصا تحويلة قلبك فى يد من ؟!

أيها الاخوة: الصراط مدحضة مزلة , تزل عنه الاقدام , فمع طول السفر قد تتحول الاقدام عن الطريق دون شعور , ولذا ينبغى أن تملك عصا التحويلة فلا تسلمها لأحد يتحكم بها فيك غير الله الذى يهديك الصراط المستقيم , صراط الوصول إليه – سبحانه - .

فكم منا من سلم العصا لزوجته فحولته من طالب علم الى طالب دنيا , وكم منا من سلمها لأولاده فحولوا همه من طالب جنة الى طالب مال .. عصا تحويلة قلبك فى يد من ؟ أسلمتها لمن ؟ لصاحب .. لزميل .. لشيخ .. لمدير ؟!!

أخى فى الله , سل نفسك من المتحكم فيك , ومن الذى يسير قلبك , هل هوالله وحده ؟ أم أشياء أخر ؟ قف مع نفسك وقفة لتسلم قلبك لله يقودك كيف شاء .

 إننا نحتاج أن نملك عصا التحويلة لندور مع القرآن , لندور مع الشرع , لندور مع الدين , مع الامر والنهى , فلا نثبت على الباطل .

أخــى , عصا التحويلة خطر , فأى لعب بها قد يتسبب فى أن يحيد القطار عن طريق الوصول , وربما اصطدم فانقلب , فتحكم – أخى – فى كل ذرة من قلبك , ووجهها الى الله وحده , حرك قطار نفسك فى طريق واحد .. طريق الوصول الى الله ..

أخــى ,  سُرتُ الى الله سنين ثم تحولت , فما الذى

 حولك ؟! من الذى حولك ؟! لم تغيرت فغيرت اتجاهك ؟! لم انزلقت رجلك فخرجت عن طريق السير الى الله ؟!

إننا بحاجة لأن نملك عصا التحويلة , لكى نعيد السير الى الطريق مرة أخرى , حتى وإن حدنا أو تهنا أو خضنا أو ضللنا أو أخطأنا أو أذنبنا .. لابد من العود .. ارجع والله عز وجل كريم يقبل توبة العبد إذا تاب , قال الملك جل جلاله  {ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما }( النساء : 110 ) .. فعد الى الله واتجه الى الله , وقف على طريق السير الى الله .

فبعصا التحويلة غير اتجاهك , وحول قلبك الى الصراط المستقيم عدل طريقك , ونظم سيرك

,ووجه قلبك تجد الله غفورا رحيما املك عصا التحويلة تسلك طريق الوصول الى الله

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الرابعة والسبعون في موضوع ( الله )

والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل السادس : يومك يومك

الله جل جلاله حين خلق العبد ما خلقه الا ليعبده , قال  تعالى { وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون }      ( الذاريات : 56 ) ثم أجرى الله اللطيف الرحيم تكاليفه على العبد فكلفه ما يطيق  قال الملك : { ولو شاء الله لأعنتكم } ( البقرة : 220 ) يعنى : ولو شاء الله لأوقعكم فى العنت والمشقة والتعب , ولكن الله يقول :{يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } ( البقرة : 185 ) ويقول  سبحانه وتعالى : {يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الانسان ضعيفا " ( النساء : 28 ) .

فمن رحمة الله ولطفه بالعبد فى التكاليف أنه كلفك كل يوم على قدر يومك , لكى لا يعنتك , ولذا فإن من ظلم العبد لنفسه أن يحمل هم غد .. من رحمته سبحانه أن جعل التكاليف يوما بيوم .. فلو صليت العشاء لا يطالبك الله بشىء أو فرض حتى أذان الفجر , فكل وقت له واجب , والله لا يطالبك الا بواجب الوقت .. لا يطالبك سبحانه بواجب الغد .. أما اليوم فنعم .

إنك لو مت الآن قبل صلاة العشاء لن يسألك الله

 عن العشاء .. لو مت قبل أن يمر العام ويحول الحول , لن تسأل عن زكاة هذه السنة .. لو عشت عمرك ولم يبلغ مالك النصاب لا يسألك الله عن الزكاة .. وهذا كله من رحمة الله .. فمن ظلم العبد لنفسه حمل هم غد .

تجد الرجل اليوم جالسا يفكر : آخر الشهر من أين سنأتى بالنقود .. يا أخى أين أنت وأين آخر الشهر ؟!

تجده يتكلم ويقول  :  الأولاد عندما  يكبرون أين سيعيشون؟  .. يا أخى عندما يكبرون فلهم رب يتكفل بهم أحنُّ عليهم منك .. وهكذا يحمل الهمّ فينشغل به .

تجد الأب فى زماننا – للاسف الشديد – مشغولا بشراء قطعة أرض ليبنى بيتا للاولاد .. مشغولا بسعادتهم الدنيوية وراحتهم البدنية , فينسى فى خضم المشاكل والظروف أن يعرفهم طريق الله .

سبحان الله العظيم !! .. عمر بن عبد العزيز كان له أحد عشر ولدا ذكرا , غير الاناث , فلما جاءه الموت قال له كاتبه رجاء بن حيوة : لو أوصيت بهم أحدا .. أوص عليهم أحدا ينفق عليهم .. قال له ذلك , لأن عمر بن عبد العزيز لم يترك وهو يموت الا عشرة دراهم .. أحد عشر ولدا ورثهم أحد عشر درهما . قال له عمر بن عبد العزيز : والله لست أوصى بهم أحدا الا الله , ان يكونوا صالحين فالله يتولى الصالحين , ثم جمعهم فقال : إنى أموت ولم أترك لكم شيئا , غير أنكم ما مررتم بأحد من المسلمين إلا وهو يعلم أن لكم عليه حقا

وهذه الكلمة الاخيرة كلمة جميلة .. أنك حين تترك

 أولادك ويكون لك ذكرى طيبة عند الناس , تجدهم كلما مر عليهم الأولاد يقولون : اللهم ارحم أباكم , لقد كان رجلا صالحا .. وهذه تكفى .

نعم , هذا هو الوالد الحقيقى الذى عرف الطريق الى الله فعرفه لأبنائه , لا ذالكم الأب الذى ضيع أيامه وانشغل بالدنيا ،وتعجب حين تعلم أن هذا الأب كلما انشغل بالأولاد ليرضيهم لا يرضون فتزداد المشاكل والهموم , ولو أنه شغل نفسه وعياله بالله لحُلّتْ المشاكل .

إننا اليوم ونحن ننظر فى واقع المسلمين , لا نجد أحدا يعيش يومه فالكل ينظر للمستقبل وناسٍ أنه يمكن ألا يكمل يومه .. قال ابن عمر : " إذا أصبحت فلا تنتظر المساء وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الخامسة والسبعون في موضوع ( الله )

والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل السادس : يومك يومك

لقد تعجبت لبعض الافكار والاخلاقيات التى وصلت الى القرى !! وكيف لا أدهش ونحن دائما نعد هؤلاء الفلاحين أصولنا ..هؤلاء أولاد الأصول .. هؤلاء هم الناس الذين يفهمون فى الأصول , ألا لعنة الله على الظالمين الذين لوثوا صفاء الريف الروحى .

أفسد الاعلام أخلاقياتهم , فتجد الرجل يرسل ابنته لتتعلم وقد تسافر وحدها وترجع بالليل فتقول له : لماذا تعلم البنت ؟ فهى فى النهاية ستتزوج وتجلس فى البيت , يقول لك : حتى يكون فى يديها " سلاح " وتقول له : وإذا طلقت بسبب السلاح أو لم تتزوج فما الحل ؟ ! وهل كان مع أمها سلاح ؟ هل كان معها " بكالوريا " ؟! وأمك أنت ماذا كان معها ؟! ماذا كان سلاحهم ؟!! ان السلاح هو رضا الله .فهؤلاء الناس ينظرون الى المستقبل ولا يعيشون واقعهم ,  لا يعيشون يومهم .. وانظر حولك لترى الناس كيف

 يعيشون , وكيف تعلقت قلوبهم بالغد .

ولهذا , فلكى تصل الى رضا الله عش يوما بيوم , فاجعل كل يوم هدفا تصل به الى أعلى درجة فى الجنة

ابدأ يوما جديدا من صلاة الفجر , وضع فى حسبانك أنه آخر يوم فى عمرك,ولذا تسأل نفسك ماذا سأفعل؟ .. أول شىء : أتوب – اللهم تب علينا يا رب .

إخوتاه , هل فيكم أحد يود أن يتوب اليوم ؟ إذا قال : نعم تبت , قلت : من ماذا ؟ قال : من كل شىء , قلت : لست صادقا .. إن الذى يقول : تبت من كل شىء يريد أن يخادع الله .. أخىّ , قل لى , حدد لى من أى ذنب تبت ؟ من النظر للنساء , من الكذب , من السجائر , أم من النوم عن صلاة الفجر , أم من النفاق .. تبت من ماذا ؟ من أكل الحرام , أم من

 حلق اللحية .. من أى شىء تبت ؟!

سأعطيك فرصة أخرى الآن – وسمها اختبارا إن شئت - : استحضر فى ذهنك الآن ذنبا , ذنبا ثقيلا وتب منه الآن .. اذا هيا نتوب .. الآن الآن .. اللهم تب علينا يا رب .. اللهم تقبل توبتنا , واغسل حوبتنا , وأجب دعوتنا .

نعم – أيها الاخوة – تبدأ اليوم فتقول : اليوم سأتوب من النظر الى النساء .. وعد يا رب .. وعهد بينى وبينك , اليوم لن أنظر وليكن ما يكون , اليوم تحد .. اليوم سأحفظ رُبعاً , اليوم سأقرأ ثلاثة أجزاء , اليوم سأصوم  , اليوم سأتصدق بخمسة جنيهات , .. وهكذا كل يوم تسأل نفسك : ماذا سأعمل اليوم ؟ فيكون لك خطة عمل واضحة , فتنجز كل يوم شيئا

 جديدا , فيصبح لحياتك معنى .

يقول ابن القيم : " العبد من حين استقرت قدمه فى هذه الدار فهو مسافر فيها الى ربه , ومدة سفره هى عمره الذى كتب له . فالعمر هو مدة سفر الانسان فى هذه الدار الى ربه – تعالى – ثم قد جعلت الايام والليالى مراحل لسفره , فكل يوم وليلة من المراحل فلا يزال يطويها مرحلة بعد مرحلة حتى ينتهى السفر . فالكيّس الفطن هو الذى يجعل كل مرحلة نصب عينيه , فيهتم بقطعها سالما غانما ,  فإذا قطعها جعل الاخرى نصب عينيه ولا يطول عليه الامد فيقسو قلبه ويمتد أمله ويحضره بالتسويف والوعد والـتأخير والمطل , بل يعد عمره تلك المرحلة الواحدة فيجتهد فى قطعها بخير ما بحضرته , فإنه إذا تيقن قصرها وسرعة انقضائها هان عليه العمل وطوعت له نفسه الانقياد الى التزود , فإذا استقبل المرحلة الاخرى من عمره استقبلها كذلك , فلا يزال هذا دأبه حتى يطوى مراحل عمره كلها فيحمد سعيه ويبتهج بما أعده ليوم فاقته وحاجته , فإذا طلع صبح الاخرة وانقشع ظلام الدنيا , فحينئذ يحمد سراه وينجلى عنه كراه , فما أحسن ما يستقبل يومه

وقد لاح صباحه واستبان فلاحه " .

إذا نريد أن نجعل كل يوم وحدة مستقلة نعيشها ونخطط لها فى حينها , أما " غدا " فلا علاقة لنا به , فحينما يأتى سنفكر له فى حينه , وأما " أمس " فقد انقضى وانتهى فلا علاقة لنا به أيضا , نحن الآن فى " اليوم " ماذا سنصنع به , هل سنضيعه بالتفكير فى " أمس " و " غد " , أم أننا سنجعل حياتنا وحدة مستقلة نعيشها يوما بيوم لنريح ونستريح ؟ .

أخى فى الله , فاتتك صلاة بالأمس , فاعزم اليوم على الا تضيع فرضا فى جماعة .. بالأمس لم يكن فى القراءة

خشوع ولا فهم ولا تركيز , وكانت دماغك مشغولة , فتوكل اليوم على الله , وارم حمولك عليه لتصل اليه , وعش يومك الذى أنت فيه .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السادسة والسبعون في موضوع ( الله )

والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل السادس : يومك يومك

ابن يومك وارفع بناءه بأداء ما يرضي الله , ويقرب اليه , بحيث أنك لو مت فى هذا اليوم دخلت الجنة – اللهم ارزقنا الجنة يا رب .

ويقول ابن القيم أيضا : " السنة شجرة , والشهور فروعها , والايام أغصانها , والساعات أوراقها , والانفاس ثمرها , فمن كانت أنفاسه فى طاعة فثـمرة شجرته طيبة ,ومن كانت فى معصية فثمرته حنظل,وإنما يكون الجذاذ يوم المعاد,فعند ذلك يتبين حلو الثمار من مرها " اهـ

وهكذا يومك , لابد  أن تملأه بطاعة الله معتقدا أنه اليوم الاخير لك على الدنيا , والا فسيأتيك الموت كما اتى غيرك , فتموت ولم تصل الى الله .

أخى فى الله, أوصيك بوصية الامام الموفق ابن قدامة رحمه الله إذ يقول :

" فاغتنم حياتك النفيسة , واحتفظ بأوقاتك العزيزة , واعلم أن مدة حياتك محدودة , وأنفاسك معدودة , فكل نفس ينقص به جزء منك . والعمر كله قصير , والباقى منه هو اليسير , وكل جزء منه جوهرة نفيسة لا عدل لها ولا خلف منها , فإن بهذه الحياة اليسيرة خلود الأبد فى النعيم أو العذاب الاليم , وإذا عادلت هذه الحياة بخلود الأبد , علمت أن كل نفس يعادل أكثر من ألف ألف عام فى نعيم , وما كان غير هكذا فلا قيمة له , فلا تضيع جواهر عمرك النفيسة بغير طاعة أو قربة تتقرب بها , فإنك لوكان معك جوهرة من جواهر الدنيا لساءك ذهابها , فكيف تفرط فى ساعاتك , وكيف لا تحزن على عمرك الذاهب بغير عوض ؟! " اهـ .

وعن عمر بن ذر أنه كان يقول : " اعملوا لانفسكم – رحمكم الله – فهذا الليل وسواده , فإن المغبون من غبن خير الليل والنهار , والمحروم من حرم خيرهما , إنما جعل سبيلا للمؤمنين الى طاعة ربهم , ووبالا للاخرين للغفلة عن أنفسهم , فأحيوا لله أنفسكم بذكره , فإنما تحيا القلوب بذكر الله عز وجل . كم من قائم لله – جل وعلا – فى هذا الليل قد اغتبط بقيامه فى ظلمة حفرته , وكم من نائم فى هذا الليل قد ندم على طول نومته عندما يرى من كرامة الله للعابدين غدا , فاغتنموا ممر الساعات والليالى والايام – رحمكم الله - , وراقبوا الله جل وعلا فى كل لحظة , وداوموا شكره " اهـ .

فلذلك أطالبك – أخى فى الله – لكى تصل الى رضوان الله جل جلاله بأمر مهم : هو ان تحصل لك عزلة شعورية تماما عن المستقبل وما يجرى فيه , لأنك لا

 تعلم الغيب , قال ربنا – جل جلاله

{وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا }( لقمان : 34 ) , ولا تخف من المستقبل فالله معك يعينك , وهو – سبحانه – لا يضيع عباده الصالحين { إن ولىّ الله الذى نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين}( الاعراف : 196 ) , فدع عنك هم غد لغد , فرزق غد عند ربك , ولربما جاء " غد " فلم يجدك .. الهم ارزقنا حسن الخاتمة .

فالزم يومك الذى أنت فيه , وابذل قصارى جهدك فى أن تجعل من هذا اليوم مطية للوصول اليه  تعالى  , فقد يكون آخر يوم لك فى هذه الحياة .. فيومك يومك يا طالب الوصول .

يقول ابن القيم رحمه الله : " هلمّ الى الدخول على الله ومجاورته فى دار السلام بلا نصب ولا تعب ولا عناء , بل من أقرب الطرق وأسهلها , وذلك أنك فى وقت من بين وقتين وهو فى الحقيقة عمرك , وهو وقتك الحاضر بين ما مضى وما يستقبل , فالذى مضى تصلحه بالتوبة والندم والاستغفار , وذلك شىء لا تعب عليك فيه ولا نصب ولا معاناة عمل شاق , وإنما هو عمل القلب , وتمتنع  فيما  يستقبل  من  الذنوب, وامتناعك ترك وراحة , ليس هو عملا بالجوارح يشق عليك معاناته , وإنما هو عزم ونية جازمة تريح بدنك وقلبك وسرك ,فما مضى تصلحه بالتوبة , وما يستقبل تصلحه بالامتناع والعزم والنية , وليس للجوارح فى هذين نصب ولا تعب , ولكن الشأن فى عمرك ,وهو وقتك الذى بين الوقتين , فإن أضعته أضعت سعادتك ونجاتك , وإن حفظته مع إصلاح الوقتين الذى قبله وبعده بما ذكرت , نجوت وفزت بالراحة واللذة والنعيم " . هذه خلاصة الكلام أيها السائر : يومك يومك

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السابعة والسبعون في موضوع ( الله )

والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل السابع : وليسعك بيتك

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن سأل عن النجاة : " أمسك عليك لسانك , وليسعك بيتك , وابك على خطيئتك " [صححه الألبانى] : قال عبدالله بن عباس رضى الله عنهما : " أخسر الناس صفقة من انشغل بالناس عن نفسه ,وأخسر منه صفقة من انشغل بنفسه عن الله.

وقال بعض السلف :  " علامة إعراض الله عن العبد انشغاله بما لا يعنيه "وقال بعض السلف أيضا " علامة الافلا س كثرة الحديث عن الناس " .

وقال ابن الجوزى : " إذا رأيت نفسك تأنس بالخلق وتستوحش من الخلوة فاعلم أنك لا تصلح لله"

وقال ابن قدامة : " إذا رأيت الناس يعجبون بك ,

 فاعلم أنهم إنما يعجبون بستر الله عليك , فلا تذب عن الناس الذباب وحجرك مملوء بالعقارب " .

مصيبة عصرنا الانشغال بالناس , ومن الانشغال بغير الله الانشغال بوسائل الاعلام والجرائد والمجلات والتلفاز ووسائل الإتصال.. وللاسف الشديد إنشغل كثير من الناس بها عن العلم الشرعي وعن الآخرة , وهذه نكسة .. نكسة

.. إذا فالتفرج والانشغال بهذه الترهات لا ينقذ المسلمين .. لابد أن تفهم الوضع .. نريد أن نوقف التفرج والانشغال بالناس , لأنه موقف الضعيف الذليل المتخاذل , ولننشغل بأنفسنا أولا قبل كل شىء , فبصلاح النفس تنصلح الامة ويكون النصر .

انشغل بنفسك وأهل بيتك , قال الله – تعالى - : "

 يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا " ( التحريم : 6 ) .

نعـــم : إن انشغالك بنفسك هو الاصل , قال الله : " فقاتل فى سبيل الله لا تكلف الا نفسك "( النساء : 84 ) , وقال – تعالى - : " ولا تزر وازرة وزر أخرى " ( الانعام : 164 ) .. فالأصل فى الاسلام : انج بنفسك أولا .

أيها الاخ الكريم , سؤال واضح ومحدد وصريح ويحتاج الى إجابة قاطعة : كيف حالك مع الله اسألك فى التو واللحظة : الآن , هل الله راض عنك ؟ أجب ولا تكن مغرورا .. لو مت اليوم فى لحظتك هذه , هل ستكون مع النبى محمد صلى الله عليه وسلم فى الجنة ؟! .. هذه هى القضية التى أقصدها .. أن تجعل نفسك قضيتك , ورضا ربك عنك هو موضوعك .

نعم يا شباب : كلنا مشغولون , ولكن 99 % من الشغل بالاخرين , 99 % من الشغل بأنفسنا ليس بالله .. حتى الجزء اليسير الذى ننشغل فيه بأنفسنا لنصلحها لا يكون لله – ولا حول ولا قوة الا بالله - , فاللهم ارزقنا الاخلاص واجعلنا من أهله , لذلك لا تغتر بعبادات تؤديها , وقربات تقوم بها , وطاعات تقدمها , وعبادات تغتر بصورها وهى فى الحقيقة من الفتنة .

نعم كثير منا يطالب دائما بحقوقه ولا يلتفت الى واجباته .. فقبل أن تطالب بحقك أد ما عليك من واجب , ولاشك أن أول الواجبات علينا أنفسنا .. وللاسف الشديد تجلس مع بعض الاخوة فتجد أحدهم يقول : أنا خائف على الاخ فلان , لأنه ظل أياما لم

 يصل الفجر .. أقول له : خف أنت على نفسك .

نعـــم : لا مانع من أن نخاف على إخواننا , ولكن لا ينبغى أن ننشغل بعيوبهم , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : " يرى أحدكم القذاة فى عين أخيه , ولا يرى الجذع فى عين نفسه "[موقوف على أبى هريرة] فإذا كنت يا هذا صادقا فى كلمتك " أخاف على فلان " فاذهب اليه سرا , وابحث عنه لعله  متورط فى مشكلة , لعل له عذرا , اذهب اليه وساعده على القيام للصلاة , والا فاكفه شرك , ولا تعن الشيطان عليه , وانشغل بنفسك فهذا أولى بك .

الزم نفسك والزمها طاعة الله .. احمل هم نفسك , فهذا أصل من الاصول المهمة .. وليسعك بيتك .. انشغل بإصلاح قلبك , وأمر صلاتك , وذكرك لله , وحفظك للقرآن , وتعلمك للعلم , ودعوتك الى الله , وتربية أولادك وأهل بيتك على الكتاب والسنة وليسعك بيتك .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثامنة والسبعون في موضوع ( الله )

والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل الثامن : الصادق حبيب الله

  القضية إما دنيا وإما آخرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الاخرة قد تولت مقبلة ,وإن الدنيا قد تولت مدبرة ,ولكل منهما بنون ,فكونوا أبناء الاخرة

 ولا تكونوا أبناء الدنيا " .

من انشغل بدنياه أضر بآخرته ومن انشغل بآخرته أضر بدنياه ولابد .

شعبة بن الحجاج أمير المؤمنين فى الحديث قال : لازمت الحديث فأفلست ,ولزم أخى فلان دكانه فأنجح وأفلح " قال " فلان "ظل يتاجر حتى أصبح صاحب ملايين , أما أنا فطلبت العلم وليس عندى الآن أى شىء .

ولذلك قال الامام الشافعى  " لا يصلح لطلب هذا العلم الا رجل ضربه الفقر . قالوا : ولا الغني المكفّي ؟ قال : لا .. يعنى : حتى من كان عنده مال يكفيه لا يصلح لطلب العلم .. ولأجل ذلك أقول بدون مبالغة : كلكم غير صالحين لطلب العلم , لأننا أصحاب دنيا . فلنكن صادقين وواضحين وصرحاء .. فلو كنا نطلب الله لرضينا بالكفاف .

بقى بن مخلد .. ذلكم العالم تلميذ الامام أحمد,لما اشتكى إليه الطلبة الفقر , قال : والله لقد جاء علىّ يوم بعت فيه سروالي لاشترى الكاغد – الورق - , وقال : ولقد كانت تمضي علىّ أيام لا أذوق فيها طعاما , فانتقل بين المزابل آكل ورق الكرنب الذى يلقيه الناس .. نعم : هذا هو طالب العلم .. وهذه هى الاخرة .. وهؤلاء هم الصادقون .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " طوبى لمن هُدى للإسلام , ورزق كفافا , وقنعه الله بما آتاه" [صححه الألبانى]

وقال صلى الله عليه وسلم "اللهم اجعل طعام آل محمد قوتا " [البخارى]  وكان صلى الله عليه وسلم لا يدخر لغد .

أخوتاه , ما المقصود بالصدق ؟ .. لأن الناس اليوم قد صغروا قضية الصدق جدا , فعندما يأتي أحد ليتكلم فى الصدق تنصرف الاذهان الى قول الحق وصدق اللسان فقط , والصدق له معنى أكبر من ذلك بكثير .. نعم : فنحن فى زمن تصغير الكبير .. وتصغير القضايا الكبيرة وتكبير الاصاغر والمسائل الصغيرة ..

 والصدق أكبر مما تظنون . الصدق – إخوتاه – هو الاسلام , قال تعالى  " والذى جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون "( الزمر : 33 ) , وقال ربنا " ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الاخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفى الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين فى البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا " ( البقرة : 177 ) . فبعد أن ذكر الله أركان الايمان أركان الاسلام , قال : " أولئك الذين صدقوا " .. إذا فالصدق هو الدين كله .. والتقوى أيضا تشمل الدين كله , فكل طاعة تقوى لكن أعز أنواع الصدق : صدق العزم , قال – تعالى {طاعة وقول معروف فإذا عزم الامر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم }( محمد : 21 ) .. هذه الاية مبهرة .. اقرأها ثانية .. هل فهمتها ؟ ..

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة التاسعة والسبعون في موضوع ( الله )

والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل الثامن : الصادق حبيب الله

أسألك : لديك رغبة فى دخول الجنة ؟ لديك استعداد لقيام الليلة من أولها لاخرها ,وتصبح صائما , وتتصدق بنصف ما تملك من مال ؟ , تقول : نعم , ان شاء الله .. وهذا ما يقوله الله فى الاية .. " طاعة وقول معروف " .. فترى هذا الشخص يسمع الكلام فيتكلم كلاما جميلا , فإذا عزم الامر .... أتدرى ما معنى هذه النقاط ؟! , أى إذا عزم الامر لم تجد أحدا , " فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم " .

يقول ربك :  " وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن قل لا تقسموا طاعة معروفة ( النور : 53 ).

عندى كراسة اسمها " آيات فاضحة " .. أجمع فيها الايات التى تفضح البواطن وتظهر الحقائق وتجلو الخفايا السيئة والرديئة , ايات تحس حين تقرؤها أنها تتكلم عنك أنت وتوجه أصابع الاتهام إليك وهذه الاية منها , اية فاضحة فعلا , فوقت الكلام تجدهم , لكن وقت الجد والتنفيذ ما تجد أحدا على الاطلاق – اللهم استرنا ولا تفضحنا , اللهم عافنا ولا تبتلنا , اللهم تب علينا يا رب العالمين , اللهم إنا نسألك أن ترزقنا الصدق والاخلاص , اللهم ارزقنا صدق العزم معك يا الله .. آمين .

إخوتاه , اصدقوا فى عزمكم مع الله , وكونوا على

استعداد للوفاء بهذا العزم , فإن النفس قد تسخو بالعزم فى الحال , إذ لا مشقة فى الوعد والعزم , فإذا حقت الحقائق , وهاجت الشهوات , انحلت العزيمة ولم يتحقق الوفاء بالعزم . قال تعالى " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا " ( الاحزاب : 23 )

عن أنس بن مالك رضى الله عنه : " عمى أنس بن النضر – سميت به – لم يشهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم – فكبر عليه – فقال : أول مشهد قد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غبت عنه !! , أما والله , لئن أراني الله مشهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرين الله ما أصنع , قال : فهاب أن يقول غيرها , فشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد من العام المقبل , فاستقبل سعد بن معاذ , فقال  : يا أبا عمرو , إلى أين ؟ - تنبيها على خطئه فى الانهزام والفرار - , ثم قال أنس : واها لريح الجنة !! أجدها دون أحد . فقاتل حتى قتل , فوجد فى جسده بضع وثمانون , ما بين ضربة وطعنة ورمية . قالت عمتي الربيع بنت النضر : فما عرفت أخى الا ببنانه . ونزلت هذه الاية : " رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا "    ( الاحزاب : 23 ) [متفق عليه] .. لله دره من صادق رباني !! .. يجد حلاوة العمل قبل الشروع فيه , يجد ريح الجنة قبل أن يقاتل ! .. وما ذاك الا لصدقه فى الوفاء بالعزم

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثمانون في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل الثامن : الصادق حبيب الله

أيها الاخوة الاحباب,من الشواهد القوية على الصدق فى قصة أصحاب الاخدود : أن الولد حينما تعلم من الراهب التوحيد وتعلم من الساحر الكفر , كان فى داخل قلبه إرادة صادقة فى معرفة الحق لديه ميول فطرية للراهب لكنه يريد ان يكون لديه يقين ان ما هو عليه هو الصواب ..

قال : حين رأى دابة تقطع طريق الناس اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك فاقتل الدابة ودع الناس يمشون .. فلما كان صادقا فى طلب الحق أراه الله آية .. وهذه نقطة مهمة جدا , أنه صدق فعرفه الله الحق فعرفه وسار عليه وثبت , فشق شيخه أمامه نصفين وشق صديقه أمامه نصفين , وصعد به الى الجبل وأدخل الى البحر وهو فى منتهى الثبات . وعلامة الصدق أنه دل الملك كيف يقتله !! قال الغلام للملك : لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به , خذ سهما من كنانتي وضعه فى كبد قوسك ثم قل : بسم الله رب الغلام , حينذاك تقتلني .. إذا فالغلام هو الذى دل الملك كيف يقتله .. ولماذا ضحى بنفسه فى سبيل القتل ؟! , حتى يسمع الناس كلمة : بسم الله .. حتى يعرف الناس أن لهم معبودا اسمه الله .. هذا هو الصدق .

شاهد ثان فى الصدق من نفس القصة .. الراهب لما

 جاءه الغلام وقال له : كانت دابة تعترض طريق الناس فرميتها فقتلتها , قال له الراهب : أى بني , أنت اليوم أفضل مني .. صدق .. فلم يخف تلك الافضلية. 

ومن القصص الطريفة , أنه كان هناك رجل أمي لا يعرف القراءة ولا الكتابة ومعه خطاب , فكان يمشي فى الشارع فأعطى الخطاب لرجل يقرؤه له , لكن هذا الرجل كان ضعيف النظر , فحاول أن يقرأ فلم يستطع , فأخرج نظارته وقرأه له وقعد يفهمه الموضوع .. فقال الامي فى نفسه متعجبا : النظارة فعلت كل هذا !! .. وقال للرجل : ما هذه النظارة العجيبة ؟! قال له : هذه نظارة قراءة , فذهب واشترى نظارة قراءة ولبسها وأخذ ينظر بها ولا يستطيع القراءة !! .. ونسى أن القضية ليست فى النظارة .. القضية فى الدماغ الذي

 وراء النظارة .. هل فهمت ما أقصد ؟! .

فبعض الناس يعتقد أنه طالما أطال لحيته , وقرأ كتابين , واستمع لبعض الشرائط , وحضر بعض الدروس قد أصبح " الامام " .. لا يا بنيّ , القضية فى القلب الذى وراء النظارة .. فى القلب الذى وراء المظهر .. نعم لابد أن يوافق المظهر المخبر , والا كنا كذابين غشاشين مخادعين لأنفسنا قبل الناس .

قال عبد الواحد بن زيد : كان الحسن البصرى إذا أمر بشىء كان من أعمل الناس به , وإذا نهى عن شىء كان من أترك الناس له , ولم أر أحدا قط أشبه سريرة بعلانية منه .

وكان أبو عبدالرحمن الزاهد يقول : إلهي , عاملت

 الناس فيما بيني وبينهم بالأمانة , وعاملتك فيما بيني

 وبينك بالخيانة , ويبكي .

وقال أبو يعقوب النهرجورى : الصدق موافقة الحق فى السر والعلانية .

إخوتاه , اصدقوا فى أعمالكم مع الله ," فمخالفة الظاهر للباطن عن قصد هى الرياء , وإن كانت عن غير قصد يفوت بها الصدق,فقد يمشى الرجل على هيئة السكون والوقار وليس باطنه موصوفا بذلك الوقار , فهذا غير صادق فى عمله , وإن لم يكن مرائيا " .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الواحدة والثمانون في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل الثامن : الصادق حبيب الله

سؤال :   هل تحب أن ينصر الله الاسلام ؟ .. أرأيت أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم كل أمة محمد صلى الله عليه وسلم مثلك .. لو أن الامة كلها الصغار والكبار مثلك بالضبط .. بذنوبك وعيوبك وإيمانك وأعمالك .. تنصر الامة ؟! .. الامة تنصر بالإخلاص .. اللهم اجعلنا من المخلصين.

هل تصلح أنت للنصر ؟! .. لايمكن , وإلا فلو قلت : نعم , فأنت مغرور جدا .. إذا أقول لك : إن قولك : إنك تحب أن ينصر الله الإسلام كذب .. أول نصر الدين أن تصلح نفسك .. من هنا البداية .

ولذا , فحينما أقول لك : هل تصلح أن تكون مجددا للإسلام ؟ , فلا تقل : الله المستعان وتنصرف ..   لا .. فكلمة " الله المستعان " هذه تحتاج إلى شغل , تحتاج إلى علم وعبادة , تحتاج إلى صلة بالله , تحتاج إلى جهد ليل نهار .. فإن كنت صادقا مع الله فتعال إلى هنا واحفر لنفسك خندقا .. احفر بنفسك .. احفر واتعب , فامر الدين يحتاج إلى شغل وسهر وجهاد , فاصدق ولا تكن كذابا .

الامام النووى لما جاءه الموت قالوا له : لمَ لمْ تتزوج ؟ , قال : لو تذكرت لفعلت .. نسيت ..

والامام ابن تيميّة أيضا مات ولم يتزوج .. أيضا نسي .. سبحان الله العظيم ! نسوا الزواج , تلكم القضية التى تكاد تطيش بعقول الشباب اليوم .. والملتزم منهم على الخصوص .

نعـــم : فمن يوم أن يلتزم الشاب لا تجد شيئا فى رأسه

 يفكر فيه ليل نهار إلا الزواج , فصارالزواج شغله الشاغل وهمه الدائم , ولذلك أصبح الزواج عقبة .. فتراه إذا رأى منتقبة قال : أتزوج هذه .. لالا , بل هذه .. وهكذا .. ليس هؤلاء المؤمل لهم أن يكونوا رجالا .. فهل هؤلاء هم الذين سيحملون الدين ؟! .. هل هؤلاء هم الذين سينصر الله بهم الدين ؟!! , وأين الرجال ؟!!! , بل أين أنصاف الرجال ؟! , بل أين أين أشباه الرجال ؟!! .. يا حسرة على الرجال !!

إخوتاه , إن الله ينصر الدين برجال قضيتهم الدين .. رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه .. رجال لا يعرفون إلا الله،رجال يحبون الله ويحبهم ،رجال صادقون فعلا.

إخوتاه , اصدقوا الله فى استقامتكم ..استقيموا بصدق ولا تلتفتوا إلى غير الله .

قال الشاعر :

أردنـاكـم صــرفـا فـلمّـا مــزجتـم ***بعدتم بمقدار التفاتكـــــم عنّـّا

وقلنا لكم لا تسكنوا القلب غيرنا ***فأسكنتم الأغيار , ما أنتم منّا

قال جعفر الصادق : الصدق هو المجاهدة , وأن لا تختار على الله غيره ,كما لم يختر عليك غيرك,قال تعالى { هو اجتباكم }( الحج : 78 ) .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثانية والثمانون في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل الثامن : الصادق حبيب الله

والصدق مفتاح الصّدّيقية , وأعلى مراتب الصدق :

 كما جاء فى الحديث : " وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صدّيقا " [متفق عليه] .

فالصدق مفتاح الصديقية , ومبدؤها وهي غايته , فلا ينال درجتها كاذب ألبتة , لا فى قوله , ولا فى عمله , ولا فى حاله .. قال الله تعالى عن أبى بكر رضى الله عنه : {والذى جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون }( الزمر : 33 ) .

قال على بن أبى طالب رضى الله عنه : والذى نفسي بيده , إن الله سمى أبا بكر فى السماء صديقاً .

فالذى جاء بالصدق :  من هو شأنه الصدق فى قوله وعمله وحاله .

فالصدق : فى هذه الثلاثة . فالصدق فى الاقوال : استواء اللسان على الاقوال , كاستواء السنبلة على ساقها . والصدق فى الاعمال : استواء الافعال على الامر والمتابعة , كاستواء الرأس على الجسد . والصدق فى الاحوال : استواء أعمال القلب والجوارح على الاخلاص , واستفراغ الوسع , وبذل الطاقة , فبذلك يكون العبد من الذين جاءوا بالصدق .

وبحسب كمال هذه الامور فيه وقيامها به , تكون صديقيته , ولذلك كان لأبى بكر الصديق رضى الله عنه ذروة سنام الصديقية , سمى : " الصديق " على الاطلاق , و" الصّدّيق " أبلغ  من  الصدوق

والصدوق أبلغ من الصادق . فأعلى مراتب الصدق : مرتبة الصّدّيقية , وهى كمال الانقياد للرسول صلى الله عليه وسلم , مع كمال الإخلاص للمرسل .

قال ابن القيم : " قال شيخنا : والصّديق أكمل من

 المحدّث , لأنه استغنى بكمال صديقيته ومتابعته عن التحديث والإلهام والكشف , فإنه قد سلم قلبه وسره وظاهره وباطنه للرسول صلى الله عليه وسلم , فاستغنى به عما سواه . قال : وكان هذا المحدّث يعرض ما يحدّث به على ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم , فإن وافقه قبله , وإلا ردّه , فعلم أن مرتبة الصديقية فوق مرتبة التحديث ".

والفهم عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عنوان الصديقية , ومنشور الولاية النبوية , وفيه تفاوت مراتب العلماء , حتى عدّ ألف بواحد .

أخى فى الله, الصادق حبيب الله ,  فهل تريد الله أم تريد الدنيا ؟ .. هل تريد الجنة أم تريد شهواتك ؟ .. هل تريد الرّفعة فى الدنيا أم تريد المنزلة العليا فى الجنة ؟ .. هذه قضية تحتاج منك أن تكون صادقا فيها .. فاصدق الله , فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اصدق الله يصدقك " [صححه الألبانى] . قال أبو سليمان : اجعل الصدق مطيتك , والحق سيفك , والله تعالى غاية طلبتك . وقال ذو النون المصرى : الصدق سيف الله فى أرضه ما وضع على شىء إلا قطعه . وقيل : من طلب الله بالصدق , أعطاه الله مرآة يبصر منها الحق والباطل .وقال محمد بن سعيد المروزى : إذا طلبت الله بالصدق , آتاك الله تعالى مرآة بيدك , تبصر كل شىء من عجائب الدنيا والآخرة .وقال أبو سليمان:"من كان الصدق وسيلته ,كان الرضامن الله جائزته "فاصدق الله فالصادق حبيب الله .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثالثة والثمانون في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل التاسع :دوما فى المعاملة السحب من الرصيد فى المعاملة مع الله جل جلاله دائما السحب من الرصيد

قال الله تعالى {فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون }

( سورة المائدة : 49 ) .

وأنت سائر فى طريقك إلى الله تفاجأ بأنك قد تعثرت عليك طاعة لست قادرا على قيام الليل مثلا ونسأل ما السبب ؟! .

قال سفيان : اغتبت إنسانا فحرمت قيام الليل شهرا .. وقال بعضهم : أصبت ذنبا فأنا منذ أربع سنين إلى وراء .. أربع سنين فى النازل بسبب ذنب .. قال الله {إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا " ( آل عمران : 155 ) .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  "احفظ الله يحفظك , احفظ الله تجده تجاهك .. تعرف الى الله فى الرخاء يعرفك فى الشدة " هذا هو معنى كلمة السحب من الرصيد.

فلابد أن يكون لك عند الله رصيد سابق من الخيرات يثمر خيرات جديدة يقبلك الله بكلتيهما ويكونان رصيدا لك فى المستقبل .

وهكذا {والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم }    ( محمد : 17 ) , فكلما ازدادوا هدى آتاهم تقوى , وكلما ازدادوا تقوى زادهم هدى .

إن التعامل مع ربنا الكريم عظيم , وكلما كان رصيدك

 عنده أعلى كان رزقك منه فى الخيرات أوفر .

انظر الى الثلاثة الذين نزلت  عليهم الصخرة فى الغار لما كانوا فى الاصل وأول الامر مخلصين ,بدليل أنهم توسلوا بأعمال كانوا فيها مخلصين , وفقهم الله للتوسل بها .. يعنى : كى يوفقك الله فلابد أن يكون لديك عمل , قال تعالى {وهو وليهم بما كانوا يعملون}( الانعام : 127   فالولاية تحتاج للعمل إذا فحينما تأتى لتبدأ فى التعامل مع الله فأنت تسحب من رصيدك السابق من أعمال عنده , فتستجلب بها الزيادة والجديد .

والبداية – لاشك – تحتاج إلى معاناة , لذا يقول العلماء " من كانت له بداية محرقة , كانت له نهاية مشرقة " .. أن تكون الانطلاقة الاولى قوية ومؤثرة وصحيحة ..

قال أحد السلف : عالجت قيام الليل عشرين سنة ثم تمتعت به عشرين سنة .. وقال آخر : حرست قلبي عشرين سنة فحرسني عشرين سنة .. نعم : لابد دائما أن يكون السحب من الرصيد .

كنت مرة فى سفر لبلد غربى فرأيت فى المسجد شابا قد امتلأ وجهه بنور الايمان , فتعجبت من أن أجد فى هذا الجو وجها يذكّر بالله , فقلت له : من أنت وما الذى جاء بك إلى هنا ؟, قال لى  : منذ شهر وأنا ماكث فى المسجد لا أخرج .. لماذا ؟! .. قال : لأنني عندما سافرت إلى هذا البلد انبهرت , وطبعا كنت اعيش فى بلدي فى الكبت , فلما جئت إلى هنا وجدت الانفتاح , ولا أحد يقول لي : أين تذهب أو من أين أتيت ؟, فالحياة مفتوحة , فشرب للخمر وزنا

 وسرقة وكل شىء .

يقول : حتى مرضت مرضا شديدا جدا .. كنت أظل أسعل حتى أسقط من على السرير وأنا فى الشقة وحدي .. وفى لحظة سعلت فوقعت فحاولت أن أقوم فلم أستطع .. فقلت : يا رب يا رب يا رب وبكيت .. ثم أفقت وقلت : يا رب !! لكن بأى وجه أنادى ربي ؟!! .. فأنا لا أصلي ولا أصوم ولا أعرف ربنا .. أقول يا رب بماذا ؟! .. قال : وساعة أن وقعت فى ذهني هذه الكلمة , ارتعشت وخرجت أجري بسرعة أبحث عن مسجد , فوجدت هذا المسجد فدخلت فيه ولم أخرج حتى الآن !!

فالذى أعجبنى من هذا الموقف هو كلمة هذا الشاب : أقول : يا رب , لكن يا رب بم ؟! " .. ماذا لدىّ عند الله كى أدعوه ؟!.. وهذا هو معنى : " تعرف إلى الله فى الرخاء يعرفك فى الشدة " .. هذا هو معنى الكلمة التى أقولها لكم دائما : " إياك أن تبيعه فيبيعك " .

وهو أيضا معنى حديث النبى صلى الله عليه وسلم : " وأما الثالث فأعرض , فأعرض الله عنه " [أخرجه مسلم]

ومعنى قول الله عز وجل : " نسوا الله فنسيهم "     ( التوبة : 67 ) .

فماذا قدمت وما رصيدك لكى تطلب ؟! , وهل تريد من الله وأنت لست على ما يريد ؟!! ..

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الرابعة والثمانون في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل التاسع :دوما فى المعاملة السحب من الرصيد

قال ابن القيم – عليه رحمة الله - : " كن لله كما يريد , يكن لك فوق ما تريد " .. فلذلك دوما فى المعاملة السحب من الرصيد .

عن الشعبى : أن قوما من المهاجرين خرجوا متطوعين فى سبيل الله , فنفق حمار رجل منهم , فأرادوه على أن ينطلق معهم فأبى , وانطلق أصحابه مرتحلين وتركوه , فقام فتوضأ وصلى , ثم رفع يديه فقال : اللهم إنى خرجت من الدفينة ( مكان بين مكة والبصرة ) مجاهدا فى سبيلك وابتغاء مرضاتك , وأشهد أنك تحيى الموتى وتبعث من فى القبور . اللهم فأحى لى حمارى . ثم قام إلى الحمار فضربه , فقام الحمار ينفض أذنيه , فأسرجه وألجمه ثم ركبه , فأجراه حتى لحق بأصحابه , فقالوا له : ما شأنك ؟ , قال : شأنى أن الله بعث لى حمارى ..

نعـم : هذا هو الرصيد الذى سحب منه , ولذلك استجيب دعاؤه . وهذا معنى التوسل بالعمل الصالح , " ربنا إننا سمعنا مناديا ينادى للايمان ان آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا " ( آل عمران : 193 ) .. انظر إلى فاء الترتيب فى قوله – تعالى - : " ربنا فاغفر " أى نتوسل لك بسرعة استجابتنا لمناديك أن تستجيب دعاءنا .

وانظر إلى البراء بن مالك الذى لقى المشركين وقد

 أوجعوا فى المسلمين , فقالوا له : يا براء , إن رسول الله قال : " إنك لو أقسمت على الله أبرك " فاقسم على ربك , فقال  : أقسم عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم , وألحقتنى بنبيك , فمنحوا أكتافهم , وقتل البراء شهيدا .. نعم : مجاب الدعوة ..

يسال ربه النصر للمسلمين , ولنفسه الشهادة , فيجاب وينالها .. سبحان الله العظيم يقسم على الله فيجيب فى التو واللحظة .. نعم – إخوتاه - : لأن له

فى الاصل رصيدا يسحب منه .

والواعظ البر عمر بن ذر , قال عنه كثير بن محمد : سمعت عمر بن ذر يقول : اللهم إنا أطعناك فى أحب الاشياء إليك أن تطاع فيه : الايمان بك  والاقرار بك , ولم نعصك فى أبغض الاشياء أن تعصى فيه : الكفر والجحد بك . اللهم فاغفر لنا ما بينهما , وأنت قلت : " وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت " ( النحل : 38 ) , ونحن نقسم بالله جهد أيماننا لتبعثنّ من يموت , أفتراك تجمع بين أهل القسمين فى دار واحدة ؟. نعم : قدم الطاعة والايمان وابتعد عما يغضب الرحمن , فحرى أن يستجاب له .

وعامر بن عبد قيس الذى كان يسأل ربه أن ينزع شهوة النساء من قلبه , فكان لا يبالى أذكرا لقى أم أنثى .. استجاب الله دعاءه , لأن له عند الله رصيدا كبيرا من الصالحات .. فما رصيدك أنت لكى تطلب ؟!

حبيبى فى الله , أدلك على ما يزيد فى رصيدك من الحسنات ؟ .. القرآن .. القرآن معين لا ينضب .. هو أفضل الذكر وأحسن الطاعات , فعض عليه يساعدك

 فى القيام بالصالحات .

أخى فى الله , قدم صالحا تجد صالحا .. املأ رصيدك لتسحب منه عند الحاجة , فدوما فى

المعاملة مع الله السحب من الرصيد .

 إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الخامسة والثمانون في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل العاشر : القرآن قائدٌ وسائقٌ وحادٍ

قال الله عز وجل{ ولو شئنا لبعثنا فى كل قرية

 نذيرا * فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا }  

( الفرقان : 51- 52 ) .. وجاهدهم بماذا ؟ , بالقرآن .. كأن الله جل جلاله يشير فى هذه الاية إلى أن هذا القرآن بديل من إرسال الرسل , فقد كفل الله به مهمة جميع الرسل , بأن يصنع القرآن رجالا كالرسل . يقول ربي وأحق القول قول ربي " وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه "  ( العنكبوت : 50 ) فقال الله " أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم "  ( العنكبوت : 51 ) .. فهم يطلبون آية فعرفهم أعظم آية .. هى القرآن .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من نبي قبلي الا وأوتي ما على مثله آمن البشر , وكان الذى أوتيته كتابا يتلى , وأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة " [متفق عليه]

وفى سورة البقرة يقول الله تعالى " أو كالذى مر على

قرية وهى خاوية على عروشها قال أنى يحيى هذه الله

 بعد موتها فأماته الله مئة عام ثم بعثه ( البقرة : 259 ) الرجل يقول : هل يعقل أن يحيى الله هذه .. كيف "! , فأراه الله الآية فى نفسه أماته الله وأحياه .. قال له : أرأيت ؟ قال : ما رأيت شيئا .. قال له الله : كم لبثت ؟ قال  : لبثت يوما أو بعض يوم .. لا .. " فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك "أراه الآية بعينيه {وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما ( البقرة : 259 ) .. الحمار قدّامه .. هيكل عظمى على الارض , بدأ العظم يقف ويتركب بعضه فى بعض , وبعد العظم الغضاريف وبعدها كسى اللحم ثم نفخ فى الحمار الروح ونهق ؛نظرت بأم عينيك ؟ !.. " قال أعلم أن الله على كل شىء قدير " ( البقرة : 259 )

وبعد هذه القصة مباشرة : " وإذ قال إبراهيم رب أرني

 كيف تحي الموتى " ( البقرة : 260 ) .. نفس السؤال .. لكنّ الله لم يره الآية فى نفسه , بل قال " فخذ أربعة من الطير فصرهنّ إليك ثم اجعل على كل جبل منهنّ جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا " ( البقرة : 260 ) .. فالأول أراه الله الآية فى نفسه , وسيدنا إبراهيم أراه الله الآية فى الطير .. فى الكون .

ونفس السؤال وجّهه العاص بن وائل السهمى , وأبي بن خلف إلى النبى محمد صلى الله عليه وسلم , قال الله

" وضرب لنا مثلا ونسى خلقه قال من يحي العظام وهى رميم  " ( يس : 78 ) فأجاب الله عليه بقرآن :

" قل يحييها الذى أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم * الذى جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون * أو ليس الذى  خلق السماوات والارض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم "  ( يس : 79 – 81 ) .

إذا فالأول أراه الله الآية فى نفسه .. فى حماره وطعامه , وسيدنا أبراهيم عليه السلام أراه الله الآية فى الطير , أما فى أمة محمد صلى الله عليه وسلم فالآية فى القرآن , هذه هى القضية .. قضية كلية .. أن ديننا كله مرده إلى القرآن والسنة .. القرآن هو الاصل والسنة متمّمة ومكملة ومفسرة .. ولذلك لابد أن تتذكروا دوما : " كل ما شغلك عن القرآن فهو شؤم عليك " .

بعض الناس طيلة الوقت يستمع إلى الشرائط  , ويحضر للمشايخ , ويقرأ فى كتب العلم وهو هاجر للقرآن .. كل هذا لن ينفعك .. القرآن هو الذى يصنعك .. القرآن يربيك .. القرآن ينفعك .. فعليك بالقرآن حفظا وتلاوة وتدبرا وتفسيرا ومذاكرة .. تفهم معنى كلمة مذاكرة ؟!

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السادسة والثمانون في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل العاشر : القرآن قائدٌ وسائقٌ وحادٍ

القرآن فيه علم العقيدة والفقه والسيرة والتفسير والتاريخ واللغة والبلاغة والرقائق .. كل شىء .. القرآن كلام الله .. كتاب مبارك يربيك على العلم والعمل والدعوة .. القرآن هو طريقك لأن تكون رجلا .. نعم : القرآن هو الذى يصنع الرجال , وسيظل يصنعهم إلى أن يرث الله الارض ومن عليها.

 القرآن مصنع الرجال .. القرآن يفرّخ الابطال .. فى حظيرة العبودية .. وأهل القرآن هم أهل الله وخاصته .. فهل أنت من أهل الله ؟ .. هل أنت من أهل القرآن ؟! .. هل وهبت كل حياتك للقرآن ؟, وهل وضعته على قمة أولوياتك ؟ .. هل فكرت مرة أن تذاكره كما تذاكر الكتاب المدرسى بجد واجتهاد ؟!  أخى فى الله , إذا كنت بعيدا عن القرآن فاعلم أنك محروم كل الحرمان , ولو ذقت لما ابتعدت .. تعال إلى الله واعكف على القرآن لتصنع , وإلا فما أبعد الدواء عن تلك الأدواء .

قال تعالى " ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت

 به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا "  

( الرعد : 31 ) كان المشركون يطلبون من رسول الله صلى الله عليه وسلم آيات حسية : تسيير الجبال أوتقطيع الأرض أو تكليم الموتى , فأنزل الله هذا القرآن ليس من شأنه ذلك بل أعظم من ذلك وهو صياغة النفوس , وصناعة القلوب , وإيجاد الإنسان الذى يرضاه الله له عبدا .

لقد تربى الصحابة – رضوان الله عليهم – أفضل جيل عرفه التاريخ على يد أعظم مرب عرفته البشرية .. تربوا بالقرآن , فكان منهم ما تسمع وتقرأ .. إيمان وثبات تزول دونه الجبال

وهاك مثالا واحدا منهم :  عبّاد بن بشر .. صديق القرآن .. يقول الكتور عبدالرحمن رأفت باشا – رحمه الله تعالى - : " إن نشدته بين العبّاد وجدته التقى النقى قوّام الليل بأجزاء القرآن , وإن طلبته بين الأبطال ألفيته الكمي الحمي خوّاض المعارك لإعلاء كلمة الله , وإن بحثت عنه بين الولاة رأيته القوى المؤتمن على أموال المسلمين .

وقد استمع عبّاد بن بشر إلى مصعب بن عمير حين أتى المدينة وهو يرتل القرآن بصوته الفضى الدافىء ونبرته الشّجية الآسرة , فشغف ابن بشر بكلام الله حبّا , وأفسح له فى سويداء قلبه مكانا رحبا , وجعله شغله الشاغل , فكان يردده فى ليله ونهاره وحله وترحاله حتى عرف بين الصحابة بالإمام وصديق القرآن " .

ومن الأئمة الذين رباهم القرآن , الإمام أبو بكر محمد بن أحمد بن سهل , المعروف بابن النابلسى:

قال عنه أبو ذر الحافظ : سجنه بنو عبيد – الفاطميون – وصلبوه على السّنّة , سمعت الدارقطنى يذكره ويبكي , ويقول , كان يقول وهو يسلخ : " كان ذلك فى الكتاب مسطورا " ( الإسراء : 58 )

" قال أبو الفرج ابن الفرج : أقام جوهر – القائد – لأبى تميم صاحب مصر أبا بكر النابلسى فقال له : بلغنى أنك قلت : إذا كان مع الرجل عشرة أسهم , وجب أن يرمى فى الروم سهما وفينا تسعة .. قال : ما قلت هذا , بل قلت : إذا كان معه عشرة أسهم وجب أن يرميكم بتسعة , وأن يرمى العاشر فيكم أيضا , فإنكم غيرتم الملة وقتلتم الصالحين , وادعيتم نور الألوهية .. فشهره ثم ضربه  ثم أمر يهوديا فسلخه .

قال معمر بن أحمد بن زياد الصوفى : أخبرنى الثقة أن

 أبا بكر سلخ من مفرق رأسه , حتى بلغ الوجه , وكان يذكر الله ويصبر حتى بلغ الصدر , فرحمه السلاخ , فوكزه بالسكين موضع قلبه فقضى عليه , وأخبرنى الثقة : أنه كان إماما فى الحديث والفقه , صائم الدهر , كبير الصّولة عند العامة والخاصة , ولما سلخ كان يسمع من جسده قراءة القرآن " .

نعــم : لما أطعم القرآن لحمه , وأسقاه دمه .. لما اختلط القرآن بلحمه ودمه فجرى فى عروقه ونبض به حسه , نطق جسده الطاهر بالقرآن .. اللهم اجعلنا من أهل القرآن , اللهم لا تحرمنا نعيم القرآن وطعم القرآن ولذة القرآن وحلاوة القرآن .. يا كريم يا رحمن .. يا كريم يا منّان . اللهم يا ربنا اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا , ونور أبصارنا , وجلاء أحزاننا وهمومنا وغمومنا , اللهم اجعله حجة لنا لا علينا , اللهم اجعله لنا فى الدنيا إماما , وفى القبر مؤنسا ,ويوم القيامة شفيعا, وعلى الصراط نورا , ومن النار سترا وحجابا .. اللهم يا ربنا ربّنا بالقرآن وللقرآن وعلى القرآن .. اللهم لا تحرمنا نعمة القرآن .. آميـــن

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السابعة والثمانون في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل العاشر : القرآن قائدٌ وسائقٌ وحادٍ

القران نعمة . وتأمل ماذا يقول من ذاق نعمة القرآن ..

إنه رجل ربّاه القرآن وسرى بألفاظه ومعانيه فى دمه  : " الحياة فى ظلال القرآن نعمة , نعمة لا يعرفها إلا من ذاقها , نعمة ترفع العمر وتباركه وتزكيه , والحمد لله لقد منّ علىّ بالحياة فى ظلال القرآن فترة من الزمان, ذقت فيها من نعمته ما لم أذق قط فى حياتى .. عشت أتملّى فى ظلال القرآن ذلك التصور الكامل الشامل الرفيع النظيف للوجود , لغاية الوجود كله وغاية الوجود الانساني .. وعشت فى ظلال القرآن أحس التناسق الجميل بين حركة الإنسان كما يريدها الله وحركة هذا الكون الذى أبدعه الله .. وعشت فى ظلال القرآن أرى الوجود أكبر بكثير من ظاهره المشهود , أكبر فى حقيقته وأكبر فى تعدّد جوانبه,إنه عالم الغيب والشهادة لا عالم الشهادة وحده , وإنه الدنيا والآخرة لا هذه الدنيا وحدها .. عشت فى ظلال القرآن أرى الإنسان أكرم بكثير من كل تقدير عرفته البشرية من قبل للإنسان ومن بعد , إنه أنسان بنفخة من أمر الله .. وهو بهذه النفخة مستخلف فى الارض .. وفى ظلال القرآن تعلمت أنه لا مكان فى هذا الوجود للمصادفة العمياء ولا للفلتة العارضة,{ إنا كل شىء خلقناه بقدر}( القمر : 49 ) .

ومن ثم عشت – فى ظلال القرآن – هادىء النفس , مطمئن السريرة , قرير الضمير .. عشت أرى قضاء الله وقدره , أمره ومشيئته فى كل حادث , وفى كل أمر . عشت فى كنف الله وفى رعايته , عشت استشعر إيجابية صفاته – تعالى – وفاعليتها {أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء " ( النمل : 62 )

{وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير}( الانعام: 18 )

" والله غالب على أمره ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون " ( يوسف : 21 ) .." واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه " ( الانفال : 24 ) .." فعال لما يريد "(البروج : 16 )" ومن يتق الله يجعل له مخرجا " ( الطلاق : 2 ) .." ما من دابّة إلا هو آخذ بناصيتها " ( هود : 56 ) .." أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه " ( الزمر : 36 ) ..

" ومن يهن الله فما له من مكرم " ( الحج : 18 ) ..

" ومن يضلل الله فما له من هاد " ( الزمر : 23 ) .

ذلك ما أحسّه وهو يقرأ القرآن ويعيش معه , فما النتيجة والحصيلة من هذه المعايشة الطويلة ؟ .. يقول رحمه الله : " وانتهيت من فترة الحياة فى ظلال القرآن إلى يقين جازم حاسم : أنه لا صلاح لهذه الارض , ولا راحة لهذه البشرية , ولا طمأنينة لهذا الانسان , ولا رفعة ولا بركة ولا طهارة ولا تناسق مع سنن الكون وفطرة الحياة إلا بالرجوع ألى الله , والرجوع إلى الله – كما يتجلى فى ظلال القرآن – له صورة واحدة وطريق واحد , واحد لا سواه , إنه العودة بالحياة كلها إلى منهج الله الذى رسمه للبشرية فى كتابه الكريم , إنه تحكيم هذا الكتاب وحده فى حياتها , والتحاكم إليه وحده فى شئونها,وإلا فهو الفساد فى الارض, والشقاوة

للناس والارتكاس فى الحمأة الجاهلية التى تعبد الهوى من دون الله " فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهوائهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدى القوم الظالمين " ( القصص : 50 ) .

إن الاحتكام ألى منهج الله فى كتابه ليس نافلة ولا

 تطوعا ولا موضع اختيار , وإنما هو الايمان أو فلا ايمان .. والامر إذا جد .. إنه أمر عقيدة من أساسها , ثم هو أمر سعادة هذه البشرية أو شقائها .. إن هذه البشرية وهى من صنع الله لا تفتح مغاليق فطرتها الا بمفاتيح من صنع الله , ولا تعالج أمراضها وعللها إلا بالدواء الذى يخرج من عنده – سبحانه - , وقد جعل فى منهجه وحده مفاتيح كل مغلق وشفاء كل داء " وننزّل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين " ( الإسراء : 82 ) .." إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم " ( الإسراء : 9 ) .

لقد تسلّم الإسلام القيادة بهذا القرآن وبالتصور الجديد الذى جاء به من القرآن , وبالشريعة المستمدة من هذا التصور .. فكان ذلك مولدا جديدا للانسان , أعظم فى حقيقته من المولد الذى كانت به نشأته . لقد أنشأ هذا القرآن للبشرية تصورا جديدا عن الوجود والحياة والقيم والنظم , كما حقق لها واقعا اجتماعيا فريدا كان يعز على خيالها تصوره مجرد تصور قبل أن ينشئه لها القرآن إنشاء .. نعم لقد كان هذا الواقع من النظافة والجمال والعظمة والارتفاع والبساطة واليسر والواقعية والايجابية والتوازن والتناسق .. بحيث لا يخطر للبشرية على بال , لولا أن الله أراده لها وحققه فى حياتها .. فى ظلال القرآن , ومنهج القرآن , وشريعة القرآن " .

لذلك نصيحتى لكم دائما : ربّوا أولادكم على القرآن , دعوهم للقرآن يربيهم .. ربّوهم وتربوا معهم على مائدة القرآن .. فالقرآن القرآن .. القرآن أصل .. ومن سلك طريق القرآن فقد بلغ مراد الله منه. قال – تعالى – " واعتصموا بحبل الله جميعا " ( آل عمران : 103 ) قال العلماء : حبل الله : القرآن .. فاجعل القرآن معك وكن مع القرآن .. لا تنسه أبدا , فإنه القائد والحادى والسائق إلى الله . اللهم اجعلنا وأهلينا وذرياتنا من أهل القرآن أهلك وخاصتك

 إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثامنة والثمانون في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل الحادى عشر : لا تلبس ثياب الفراغ أثناء العمل

عندنا فى مصر تجد الميكانيكى طوال الاسبوع بملبس العمل المزيت تراه وهو لابس " العفريتة " الزرقاء , ويداه مزيتة ووجهه فيه الشحم , ويوم الاحد لا تعرفه ! .. فتراه قد رجل شعره ووضع عليه الفزلين والكريمات , ولبس البدلة ووضع المنديل الاحمر والازرة الالماس , وارتدى النظارة الشمسية , وخرج فى أحسن صورة , وهو يقول : وقت الشغل شغل , أما آخر الاسبوع فتنزه وفسح وترويح .. هذا الرجل لو جاء الورشة بهذا اللبس ماذا يقول له صاحب الورشة ؟ سيقول له : ارجع , فليس هذا شكل من يريد أن يشتغل !! .. هذا ما اقصده بقول : لا تلبس ثياب الفراغ أثناء العمل .. فبعضنا يريد أن يعيش الجنة فى الدنيا مثل هذا الرجل .

إن بعضنا يريد أن يلتزم بالدين وفى نفس الوقت يريد شقة واسعة , ومحمولا وسيارة مكيفة , وعروسا عينها زرقاء وشعرها أصفر وطويلة وعريضة ومطيعة وطالبة علم , وعشرة أولاد صبيان , وبنتا تدللـه , وخداما وخدامة .. لا .. الدنيا دار ابتلاء " لقد خلقنا الانسان فى كبد " ( البلد : 4 )  ." الذى خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا " ( الملك : 2 ) .

المؤمن فى هذه الدنيا فى شغل .. ومتى الفراغ ؟ .. الفراغ فى الجنة .. فحينما تدخل الجنة افعل ما شئت .. الدنيا دار عمل , فلا تلبس ثياب الفراغ أثناء العمل , فلست فى فسحة من أمرك , ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر " . [أخرجه مسلم]  الدنيا سجن المؤمن , والسجن له ظروفه .. السجن له ملابسه وأكله وشربه,وله أحكامه ومواعيده , وله ضوابطه .. الدنيا سجن , فلا تحاول فى السجن أن تعيش الجنة .

السجن له مواعيده .. مواعيد الفسح .. هناك مواعيد للصلاة لا يصح النوم فيها ولا الشغل أثنائها , هذا هو سجن الدنيا .. لابد أن تقطع هكذا .. لكن الذى يريد أن يعيشها على أنها الجنة , فيأكل على مزاجه ويشرب على مزاجه ويمشى على مزاجه وينام على مزاجه , ويفعل ما يريد وما يشتهى ,سيضل الطريق لا محالة  .

لابد أن تعيش الدنيا كما يريد الله لا كما تريدها أنت .. فأنت الآن فى سجن التكاليف الشرعية .. وإن كنت مكتفٍ بهذه التكاليف النبيلة , فهناك أناس غيرك مكتفون أيضا بالعادات والتقاليد , لكن ليس لهم أجر ولك أنت أجر .. فلو كنت تمرض فالكفار يمرضون , ولو كنت تتعب فالمنافقون يتعبون .. إذا كنت تؤذى فى سبيل الله , فهناك من يؤذون من أجل مناهج باطلة بل وكفرية .. " إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون " ( النساء : 104 ) أنت ترجو بالذى تعمله أجرا هم لا يرجونه .. وهذا هو عزاؤك .. ان الله  تعالى سيعطيك .. فضع نفسك فى سجن التكاليف الشرعية ليكون الخروج على باب الجنة

ولذلك لم يقل الله للمؤمنين بعد غزوة أحد : كفاكم ما حدث واقعدوا فى بيوتكم .. لا .. بل قال – سبحانه وتعالى – " ولا تهنوا فى ابتغاء " .. خلفهم وإياكم أن تتركوهم .. نعم : شغل مستمر , وعمل متواصل , وجهد غير منقطع , ومع ذلك تجد بعض الناس يريد أن يتناول كل الشهوات , وأن يعيش دوما فى عافية ..

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة التاسعة والثمانون في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل الحادى عشر : لا تلبس ثياب الفراغ أثناء

   إن النبى محمد صلى الله عليه وسلم أوذى وطرد وشتم بل وتفل فى وجهه الشريف .. اضطهد أعز وأطهر مخلوق على ظهر الارض .. صلى الله عليه وسلم .. شتموه ووضعوا التلااب على رأسه .. خنقوه بثوبه ورموا الحجر عليه .. وحفر له حفرة فى غزوة أحد ليقع فيها .. فوقع وجحشت ساقاه .. ودخلت حلقات المغفر فى وجنتيه .. شقوا رأسه وأدموا وجهه وضربوا كتفه .. ورموه بالسهام .. وفى الطائف رموه بالحجارة حتى جرح كل جسده – فداه أبي وأمي- ونفسى صلى الله عليه وسلم .. وقع من على الفرس فجحش جنبه الشريف .. مرض بالحمى عاش غريبا .. مطاردا من كفار يريدون قتله .

من يوم نودى صلى الله عليه وسلم بـ " يا أيها المدثر * قم فأنذر " ( المدثر : 1 – 2 ) , قام ولم يرقد أو يركد بعدها لحظة .. ذهب زمان النوم يا خديجة .

  إن المتفقه فى سيرة النبى محمد صلى الله عليه وسلم لا يجد لحظة استراح فيها , فأيامه كلها جهاد وتعب ومشقة .. وإن العين لتذرف رأفة ورحمة به .. مشى كثيرا وجرى كثيرا .. جاع شهورا وكان يأكل الدّقّل( أردأ التمر ) وربما لا يجده .. سهر السنين الطويلة .. ونام على الحصير .. ولم يلبس الديباج أو الحرير .. عاش هذه الدنيا فى كد ونصب , ليقيم الحق ويبلغ دعوة ربه , بأبي هو وأمي ونفسي رسول الله صلى الله عليه وسلم .. أرسل بالمدثر فقام صابرا محتسبا , فلم يهدأ حتى جاءه نصر الله , ودخل الناس فى دين الله أفواجا .

هكذا عاشها رسول الله صلى الله عليه وسلم , وتريد أنت أن تعيشها نظيفة حلوة ! .. تريد أن تعيشها ممتعا معافى ! تريد أن تعيشها فى راحة وأمان ! لا يا أخى .. هذه دنيا الأصل فيها المشاكل والأحزان , وإلا لما كان هناك اشتياق للآخرة .. الدنيا – يا أخى – للعمل والتعب والجد

والاجتهاد , فلا تلبس ثياب الفراغ أثناء العمل .

الدنيا شغل .. شغل للآخرة , فالزم الشغل حتى تمر هذه الدار بسلام .. فإذا أردت زوجة فلتكن ما تكون .. قصيرة أو نحيفة أو .. أو .. المهم أن تكون صاحبة دين و " بنت أصول " ولا تتنازل عن هذين الشرطين أبدا .. وارض بها مهما كانت صفاتها , واتخذها بلغة [أى ما تتبلغ به] إلى الجنة .. وفى الجنة سيصنعها الله لك من جديد " إنا أنشأناهنّ إنشاء *فجعلناهنّ أبكارا * عربا أترابا "الواقعة : 35 – 37 , بل ويزيد لك سبعين حورية من الحور العين .. الزم الشغل ولا تحزن على شىء من الدنيا ولا تفكر فيها , فإن جاءتك أو لمّحت إليك , فسخرها فى خدمة ما أنت فيه من عمل الآخرة , وإلا فاطرحها جانبا وامض فى طريقك إلى الله .

إخوتاه , إن الذى يسير على هذا النهج هو رجل

 الآخرة الذى يريد الوصول , فلا يخلع ثياب العمل حتى يلقى الله , أما الذى يريد أن يلبس ثياب الفراغ أثناء العمل فينشغل قلبه بالزوجة والمال والاولاد فهو رجل الدنيا يعيش لها , ولذا لن يصل إلى الله مطلقا حتى يخلع ثياب الفراغ ,ويلبس دائما ثياب العمل لآخرة

فوظف كل أركان حياتك فى العمل للآخرة , وواصل الشغل ليل نهار ..

فأنت فى مقام مستعبد , ولا يصح للأجير أن يلبس ثياب الراحة فى زمان الاستئجار , وكل زمان المتقى نهار صوم .. فواصل السير ولا تنقطع .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة التسعون في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل الثانى عشر : فى الطريق مواقف للتمييز

السائر إلى الله أو عموم من يعيش فى هذه الحياة لابد أن يتعرض لمواقف .. فهذه الحياة أمواج تترادف يركب  الانسان فيها طبقا عن طبق .. هذه المواقف للتمحيص  قال سبحانه: {قد خلت من قبلكم سنن فسيروا فى الارض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين * هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين * ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين * إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين * وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين * أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولمّا يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين} ( آل عمران : 137 – 142 )

تَدُلّكَ هذه الايات على أن الله سبحانه وتعالى يقلب الايام على الناس ليتبين أحوالهم , وليعلم الله علم ظهور وإقامة حجة على العباد من يستحق الجنة ممن لا يستحقها .. فالسائرون إلى الله صفوة,ولكن{ ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكنّ الله يجتبى من رسله من يشاء فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم " ( آل عمران : 179 ) .

أيها الاخوة ,  التمييز بين  النعمة  والنقمة  والفتنة ,

وبين المنة والحجة , وبين العطية والبلية , وبين المحنة والمنحة أمر مهم للسائر فى الطريق إلى الله .

ففى طريق الوصول إلى الله لابد أن تكون صاحب تمييز بين النعمة والفتنة .. فقد يصيب رجلين شيء واحد , ويكون بالنسبة لأحدهما نعمة وللآخر فتنة .. قد يكون الشىء الواحد لرجل بلية وللآخر عطية .

يقول ربك {أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق }( البقرة : 19 ) صيب " ماء" يحيي الله به الارض , ولكن فى نفس الوقت فيه ظلمات ورعد وبرق . " يجعلون أصابعهم فى آذانهم من الصواعق حذر الموت " ( البقرة : 19 ) .

يقول العلماء : هذا هو المثل المائى الذى ضربه الله سبحانه وتعالى للقرآن , أنه صيب وهو للمؤمنين , قال تعالى " وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا " ( الإسراء : 82 ) .

فى قصة كعب بن مالك لما جاءه كتاب من ملك غسان يقول له : " بلغنا أنّ صاحبك قد قلاك , ولم يجعلك الله بدار مهانة , فالحق بنا نواسك , لم يقل – أى كعب -: جاء الغيث .. ولكنه التمييز .. قال : " وهذا من البلاء , فتيممت التنور فسجرته " .

نعــم :  فقد يرزق العبد مالا ويظن أنه نعمة ويكون هذا المال بالنسبة له فتنة .. قد يرزق عملا وهذا العمل من وجهة نظر الناس جميعا كرم , وهو فى حقه بلاء .. قد يحفظ القرآن ويكون عليه حجة ..

نعم : القرآن حجة لك أو عليك .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الواحدة والتسعون في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل الثانى عشر : فى الطريق مواقف للتمييز

قال العلماء : " إذا رأيت أن الله يعطى العبد على معاصيه , فاعلم أنه استدراج " .. تعصى ويكرمك , وتعصى ويزيدك , وتعصى ويبارك لك .. إذا سينتقم منك .. لا تطمئن , فهو – سبحانه – يجرك لينتقم منك, قال تعالى " سنستدرجهم من حيث لا يعلمون * وأملى لهم إن كيدى متين " ( القلم : 44 – 45 )

يقول المفسرون فى هاتين الآيتين : وإن شأن المكذبين وأهل الارض أجمعين لأهون وأصغر من أن يدبر الله لهم هذه التدابير .. ولكنه سبحانه يحذرهم نفسه ليدركوا أنفسهم قبل فوات الاوان , وليعلموا أن الامان الظاهر الذى يدعه لهم هو الفخ الذى يقعون فيه وهم مغرورون , وأن إمهالهم على الظلم والبغى والاعراض والضلال هو استدراج لهم إلى أسوأ مصير , وأنه تدبير من الله ليحملوا أوزارهم كاملة , ويأتوا إلى الموقف مثقلين بالذنوب , مستحقين للخزى والرهق والتعذيب .. وليس أكبر من التحذير , وكشف الاستدراج والتدبير , عدلا ولا رحمة  , والله - سبحانه – يقدم لأعدائه وأعداء دينه ورسوله عدله ورحمته فى هذا التحذير وذلك النذير , وهم بعد ذلك وما يختارون لأنفسهم , فقد كشف القناع ووضحت الأمور ! .

إنه سبحانه يمهل ولا يهمل , ويملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته , وهو هنا يكشف عن طريقته وعن سننه التى قدرها بمشيئته , ويقول لرسوله صلى الله عليه وسلم " فذرنى ومن يكذب بهذا الحديث " ( القلم : 44 ) , وخل بينى وبين المعتزين بالمال والبنين والجاه والسلطان , فسأملى لهم , وأجعل هذه النعمة فخهم ! فيطمئن رسوله , ويحذر اعداءه .. ثم يدعهم لذلك التهديد الرعيب " .

فلا تفرح بالكرم بعد المعصية , وكن مميزا بين العطية والبلية وبين النعمة والنقمة , ولذا قال سبحانه وتعالى " لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم "      ( الحديد : 23 ) , تقول زوجة سعيد بن عامر الجمحى : استيقظت يوما على صوته وهو يقول : أعوذ بالله منك , أعوذ بالله منك , أعوذ بالله منك , فقمت فوجدت بين يديه سرة مال وهو يدفعها بيده كأنها عقرب , قلت : مالك , قال : " دخلت علىّ الدنيا لتفسد علىّ دينى.

 لابد أن يكون لديك بصيرة وتمييز بين ما ينفعك وما يضرك فى آخرتك , فإذا أعطاك الله نعمة واستعملتها فى طاعته كانت نعمة , وإذا استعملتها فى المعصية كانت محنة وفتنة .. أعطاك الله مالا : هل هذا المال زادك قربا أم أبعدك ؟! .. أعطاك زوجة أعانتك على طاعته , فهذه نعمة ,ولو شغلتك عن الله كانت فتنة .

فانظر كل لحظة فى حياتك لترى النعم التى وهبها الله لك : هل تقربك منه أم تبعدك عنه ؟.. هل هى نعم أم نقم ؟ .هل توقفك بين يدى الله أم تشغلك عنه ؟

 تزيدك إيمانا أم تقسي قلبك؟تزيدك شكرا أم طمعا ؟!

    قف مع نعم الله لتعلم أين قدمك .. لتعلم أين أنت .. فى طريق الوصول أم تائه فى طرق أخرى ؟ ..  فرق بين النعمة والنقمة .. وبين المحنة والمنحة .. وبين البلية والعطية .. وبين الحجة والمنة .. ميز لتعرف أين الفتنة لتجتنبها فتصل إلى الله بسلام .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثانية والتسعون في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل الثالث عشر: الاعتصام بالله عقيدة وعمل ودعاء

قال – تعالى – " قل من ذا الذى يعصمكم من الله

 إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا " ( الأحزاب : 17 ) , إذا فالإنسان يحتاج مولى ونصيرا , وليس لك من دون الله ولي ولا نصير , فلذلك إذا أردت الولىّ والنصير فاعتصم بالله , قال تعالى " ومن يعتصم بالله فقد هدى " ( آل عمران : 101 ) .. ولكن كيف نعتصم بالله ؟ .

امرأة العزيز قالت : " ولقد راودته عن نفسه فاستعصم "( يوسف :32 ) كيف استعصم ؟

أولا : عقيدة : قال :" معاذ الله .. أعوذ بالله , ألتجىء إلى الله وأحتمى به وحده .. ولم يقل لها : هل أصابك الجنون ؟! ..ولم يقل أيضا : ألا تعرفين من أنا ؟! , أنا يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام .. ، أنا ابن هؤلاء الأنبياء .. لم يقل لها : اذهبى لحالك يا بنية هداك الله لم يقل ذلك , وإنما قال :معاذ الله , عقيدة أن الذى ينجّينى هو الله

أيضا لما فشلت امرأة العزيز وسمعت النسوة يتكلمن , قالت فى نفسها : آتى بهن إليه أم آتي به إليهن ؟

.. الأمران .. أتت بهن وأقعدتهن وأخرجته عليهن .. خرج ولم يكن أمامه كيد امرأة بل كيد نساء , فقال فى التو :" رب السجن أحب إلىّ مما يدعوننى إليه "      ( يوسف : 33 ) يا رب , السجن أحب إلىّ من حرير امرأة العزيز سبحان الله!تشم رائحة الصدق من الكلام .

بالله عليك هل تجد فى نفسك هذه النقطة ؟ ..     إننا – وللأسف – نضحك من انفسنا .. نهرج ونلعب فى دين الله .. هل فعلا السجن أحب إليك من دعوة

 الفاتنات أو الغانيات الفاجرات ؟ ..

قال يوسف : يا رب , عذاب السجن أحسن عندى من قصور العزيز .. العذاب من أجلك يا رب أحب إلىّ من أن أنام وأنا لك عاص .. هذا هو الاعتصام , فكن على عقيدة صادقة بالله لتعتصم بها وقت الشدائد , يقول ربي فى يوسف عليه السلام  :{ ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزى المحسنين} (يوسف : 22 ) " فقد أوتى صحة الحكم على الامور , وأوتى علما بمصائر الأحداث أو بتأويل الرؤيا , أو بما هو أعم , من العلم بالحياة وأحوالها,فاللفظ عام ويشمل الكثير, وكان ذلك جزاء إحسانه فى الاعتقاد وإحسانه فى السلوك  :{ وكذلك نجزى المحسنين} وعندئذ تجيئه المحنة الثانية فى حياته , وهى أشد وأعمق من المحنة الأولى , تجيئه وقد أوتي صحة الحكم وأوتى العلم رحمة من الله  ليواجهها وينجو منها جزاء إحسانه الذى سجله الله فى قرآنه .

والآن نشهد ذلك المشهد العاصف الخطير المثير كما يرسمه التعبير :

{وراودته التى هو فى بيتها عن نفسه وغلقت الابواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربى أحسن مثواى إنه لا يفلح الظالمون }( يوسف : 23 ) ..

وإذن فقد كانت المراودة فى هذه المرة مكشوفة, وكانت الدعوة فيها سافرة إلى الفعل الاخير .. وحركة تغليق الابواب لا تكون أول دعوة من المرأة , إنما تكون هى الدعوة الاخيرة , وقد لا تكون أبدا إذا لم تضطر إليها المرأة اضطرارا , والفتى يعيش معها وقوته وفتوته تتكامل , وأنوثتها هى كذلك تكمل وتنضج , فلابد كانت هناك إغراءات شتى خفيفة لطيفة , قبل هذه المفاجأة الغليظة العنيفة , " قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواى إنه لا يفلح الظالمون "

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثالثة والتسعون في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل الثالث عشر: الاعتصام بالله عقيدة وعمل ودعاء

" معــــــاذ الله " ..

أعيذ نفسى بالله أن أفعل ," إنه ربى أحسن مثواى "

وأكرمنى بأن نجاني من الجبّ وجعل فى هذه الدار مثواى الطيب الآمن ." إنه لا يفلح الظالمون " .. الذين يتجاوزون حدود الله , فيرتكبون ما تدعيننى اللحظة إليه " عقيدة .. عقيدة فى الله اعتصم بها يوسف فنجاه الله من الفتنة .

ويقول شيخ الإسلام وعلم الأعلام ابن القيم – رحمه الله  فى المفاسد العاجلة والآجلة لعشق الصور :

والله سبحانه وتعالى إنما حكى هذا المرض طائفتين 

من الناس , وهم قوم لوط والنساء , فأخبر عن عشق امرأة العزيز ليوسف , وما راودته وكادته به , وأخبر عن الحال التى صار إليها يوسف بصبره وعفته وتقواه , مع أن الذى ابتلي به أمر لا يصبر عليه إلا من صبره الله عليه ,فإن موافقة الفعل بحسب قوة الداعى وزوال المانع ,وكان الداعى ها هنا فى غاية القوة,وذلك لوجوه :

أحدها : ما ركّب الله سبحانه  فى طبع الرجل من ميله إلى المرأة,كما يميل العطشان إلى الماء,والجائع إلى الطعام , حتى إن كثيرا من الناس يصبر على الطعام والشراب ولا يصبر على النساء,وهذا لا يذم إذا صادف حلالا .

الثانى :أن يوسف عليه السلام كان شابا , وشهوة الشباب وحدته أقوى .

الثالث : أنه كان عزبا لا زوجة له ولا سرية تكسر

 حدة الشهوة .

الرابع : أنه كان فى بلاد غربة لا يتأتى للغريب فيها قضاء الوطر , ما يتأتي لغيره فى وطنه وأهله  ومعارفه .

الخامس : ان المرأة كانت ذات منصب وجمال , بحيث

 إن كل واحد من هذين الامرين يدعو موافقتهما .

السادس : إنها غير آبية ولا ممتنعة , فإن كثيرا من الناس يزيل رغبته فى المرأة إباؤها وامتناعها , لما يجد فى نفسه من ذل النفس والخضوع والسؤال لها .

السابع : أنها طلبت وأرادت وبذلت الجهد , فكفته مؤونة الطلب وذل الرغبة إليها , بل كانت هى الراغبة الذليلة وهو العزيز المرغوب إليه .

الثامن : أنه فى دارها وتحت سلطانها وقهرها , بحيث

 يخشى  إن لم يطاوعها من أذاها له , فاجتمع داعى

الرغبة والرهبة .

التاسع : أنه لا يخشى أن تنم عليه هى ولا احد من جهتها , فهاهى الطالبة والراغبة , وقد غلقت الابواب  وغيبت الرقباء .

العاشر : أنه كان مملوكا لها فى الدار , بحيث يدخل ويخرج ويحضر معها , ولا ينكر عليه , وكان الامن سابقا على الطلب ,وهو أقوى الدواعى .

الحادى عشر:أنها استعانت عليه بأئمة المكر والاحتيال , فأرته إياهن وشكت حالها إليهن,لتستعين بهن عليه ,فاستعان هو بالله عليهن,فقال :{وإلا تصرف عنى كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين} يوسف :33

الثانى عشر:أنها توعدته بالسجن والصغار,وهذا نوع إكراه ,إذ هو تهديد ممن يغلب على الظن  وقوع ما هدد به ,فيجتمع داعى الشهوة,وداع حب السلامة من ضيق السجن والصغار

الثالث عشر : أن الزوج لم يظهر من الغيرة والنخوة ما يفرق به بينهما , ويبعد كلا منهما عن صاحبه .ومع هذه الدواعى كلها فقد آثر مرضاة الله وخوفه , وحمله حبه لله على أن يختار السجن على الزنا , فقال : " رب السجن أحب إلىّ مما يدعوننى إليه "( يوسف : 33 ) , وعلم أنه لا يطيق صرف ذلك عن نفسه , وأن ربه – تعالى – إن لم يعصمه ويصرف عنه كيدهن صبا إليهن بطبعه , وكان من الجاهلين , وهذا من كمال معرفته بربه وبنفسه .

ثم إن الاعتصام لن يكون إلا إذا كان هناك عمل ودعاء .. فمثلا : الاخ الذى أقول له تب , فيقول : ادع لى يا " عم الشيخ " , أقول له : يا بنى , " تب " هذه تحتاج إلى عمل وشغل , وأن تدعو أنت لنفسك أولا , ثم ادعو أنا لك بعد ذلك ..يوسف عليه السلام كان محسنا .. محسنا فى الاعتقاد ومحسنا فى السلوك , وفوق ذلك دعا بالعصمة , فكانت النجاة .. نجا لأنه فى الاصل أحسن العمل .

نعــم : كان يوسف محسنا مع ربه وأيضا مع الناس , وقد سمى الله قصته  " أحسن القصص "( يوسف : 3 ) ووصفه السجناء بالاحسان فقالوا : " نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين "( يوسف : 36 ) ..

وبالاحسان مكنه الله – تعالى – فى الارض , " وكذلك مكنا ليوسف فى الارض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين " ( يوسف : 56 ) .. وقال له إخوته وهم لا يعرفونه : " فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين " ( يوسف : 78 )ثم أثنى على ربه بإحسانه إليه  : " وقد أحسن بى إذ أخرجنى من السجن ( يوسف : 100

قال – تعالى – " ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين " ( يوسف : 24 ) , وهؤلاء ليس للشيطان عليهم سلطان ألبتة .. ومع كل ذلك فزع يوسف إلى الله وقال : " معاذ الله إنه ربى أحسن مثواى إنه لا يفلح الظالمون " ( يوسف : 23 ) . ولابد أن نعلم أن طهارة يوسف عليه السلام كانت أساس الاعتصام .. إذا فالاعتصام بالله لابد أن يكون على عقيدة راسخة بالله وعمل دائم له , وسلوك قويم

 معه – سبحانه – ومع الناس .

نعم : الاعتصام عمل .. الاعتصام دعاء .. الاعتصام عقيدة .

فاربط قلبك بالله وحده , واصدق معه , واعمل ما

 فى وسعك , وادع بإخلاص , يعصمك الله فتهتدى إلى طريق الوصول إليه .

قال ربك  "ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم " ( آل عمران : 101) .

قال ابن كثير رحمه الله:أى ومع هذا فالاعتصام بالله والتوكل عليه هو العمدة فى الهداية,والعدة فى مباعدة الغواية,والوسيلة إلى الرشاد,وطريق السداد وحصول المراد " .فاعتصم بالله يا طالب الوصول

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الرابعة والتسعون في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل الرابع عشر : من استطال الطريق ضعف مشيه

الطريق إلى الله طويلة جدا , بعيدةجدا , ولذا تحتاج إلى همة وعمل دائم وعدم التفات لكي تقطعها وتصل بسلام , وإلا فلو ظللت تقول : الطريق طويلة وبعيدة وأنت مكانك,فلن تصل؛فاستعن بالله واترك الشكوى .. اعمل واجتهد واتعب حتى الموت , قال – تعالى - : {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين }( الحجر : 99 )  أي الموت

وقال تعالى : {فإذا فرغت فانصب " ( الشرح : 7 ) . قال ابن كثير : " وقال زيد بن أسلم والضحاك : فإذا فرغت أى من الجهاد , فانصب أى : فى العبادة : " {وإلى ربك فارغب }( الشرح : 8 ) . قال الثورى : اجعل

 نيتك ورغبتك إلى الله عز وجل " .

" فإذا فرغت من شغلك مع الناس ومع الارض , ومع شواغل الحياة ،إذا فرغت من هذا كله , فتوجه بقلبك كله إذا إلى ما يستحق أن تنصب فيه وتكد وتجهد .. العبادة والتجرد والتطلع والتوجه .. " وإلى ربك فارغب " ..إلى ربك وحده خاليا من كل شيء حتى من أمر الناس الذين تشتغل بدعوتهم إنه لابد من الزاد للطريق . وهنا الزاد . ولابد من العدة للجهاد . وهنا العدة وهنا ستجد يسرا مع كل عسر وفرجا مع كل ضيق هذا هو الطريق ! " .

هذا هو الطريق إلى الله , فجد ولا تنم , فرسول الله

 صلى الله عليه وسلم لما قالت له خديجة : ألا تنام يا رسول الله ؟! ,

 قال : " مضى عهد النوم يا خديجة " .. وقال صلى

الله عليه وسلم لعائشة لما تعجبت من عبادته وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه : " أفلا أكون عبدا شكورا " [متفق عليه].

أخى فى الله , اثبت فى الطريق على الطاعة ولا تيأس من طول الطريق , فما عليك إلا أن تجد السير وتسرع الخطا ولا تلتفت وستصل بإذن الله .. صبر نفسك واصطبر,واعلم أن الصبر على الطاعة هو الصبر الاعلى , وأكمل الناس صبرا على الطاعة أولوا العزم من الرسل , ولذلك أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يصبر صبرهم ,فقال تعالى :" فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ( الاحقاف : 35  ,ومعلوم أن الامر للقدوة أمر لأتباعه ،ونهاه أن يتشبه بصاحب الحوت , حيث لم يصبر صبر أولي العزم , فقال تعالى : " فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب

 الحوت إذ نادى وهو مكظوم " ( القلم : 48 ) .

ولقد جعل الله الوصول إليه والفوز بالجنة والنجاة من النار لا يحظى به إلا الصابرون , فقال تعالى :" إنى جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون " ( المؤمنون : 111 )

وفى الصحيح عن رسولنا صلى الله عليه وسلم " وما أعطى أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر ".  وأخبر صلى الله عليه وسلم أن الصبر ضياء  وقال على بن أبى طالب : الصبر مطية لا تكبو .

وقال سليمان بن القاسم :كل عمل يعرف ثوابه إلا الصبر ,قال تعالى :" إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب " ( الزمر : 10 ) , قال : كالماء المنهمر  .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الخامسة والتسعون في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل الرابع عشر : من استطال الطريق ضعف مشيه

أخى فى الله , اصبر فى السير إلى الله ولا تستطل الطريق , فلقد صبر نوح فأوقف أنفاسه على الدعوة إلى الله ألف سنة إلا خمسين عاما .. لم يستطل الطريق , بل ظل مع الله فى أطول صبر عرفه تاريخ البشرية .. وأكرم صبر .

قال ابن كثير فى قصص الانبياء : "  وكان كلما انقرض جيل وصوا من بعدهم بعدم الايمان به – أى بنوح – ومحاربته ومخالفته , وكان الوالد إذا بلغ ولده وعقل عنه كلامه , وصاه فيما بينه وبينه ألا يؤمن بنوح .. أبدا ما عاش ودائما ما بقى " اهـ .

قال تعالى " قال رب إنى دعوت قومى ليلا ونهارا * فلم يزدهم دعائى إلا فرارا * وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم فى آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا  واستكبروا استكبارا * ثم إني دعوتهم جهارا * ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا * فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا * ما لكم لا ترجون لله وقارا " ( نوح : 5 – 13 ) .

قال أبو القاسم الغرناطى فى التسهيل لعلوم التنزيل :  "ذكر أولا أنه دعاهم بالليل والنهار,ثم ذكر أنه دعاهم جهارا , ثم ذكر أنه جمع بين الجهر والإسرار , وهذه غاية الجد فى النصيحة وتبليغ الرسالة " اهـ .

وقال القاسمى فى محاسن التأويل:" بذل نوح غاية الجهد دائما بلا فتور ولا توان , وضاقت عليه الحيل فى تلك المدد الطوال " اهـ .

ويقول الشيخ سيد بن حسين العفانى حفظه الله تعالى:" كفاح نبيل طويل : سلك نوح إلى آذان قومه وقلوبهم وعقولهم شتى الاساليب ومتنوع الوسائل فى دأب طويل , وفى صبر جميل , وجهد نبيل , ألف سنة إلا خمسين عاما .. ثم عاد إلى ربه ليقدم حسابه , ويبث شكواه , فى هذا البيان المفصل وفى هذه اللهجة المؤثرة ،وصورة نوح فى دعوته ,وهو لا يمل ولا يفتر , ولا ييأس أيام الاعراض والاصرار , صورة لاصرار الداعية على الدعوة , وتحيّن كل فرصة ليبلغهم إياها , واصرارهم على الضلال .

ولم ينس نوح – عليه الصلاة والسلام – الدعوة حتى حين حضرته الوفاة , فقد وصى ابنيه بـ " لا إله إلا الله " ونهاهما عن الشرك , وأمرهما بسبحان الله وبحمده .

وإن الانسان ليأخذه الدهش والعجب , كما تغمره الروعة والخشوع , وهو يستعرض هذا الجهد الموصول من الرسل – عليهم صلوات الله وسلامه – لهداية البشرية الضالة المعاندة , ويتدبر إرادة الله المستقرة على إرسال هؤلاء الرسل , واحدا بعد واحد لهذه البشرية المعرضة العنيدة .

وقد يعن للانسان ان يسأل :ترى هل تساوى الحصيلة هذا الجهد الطويل , وتلك التضحيات النبيلة ,من لدن نوح عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم , ثم ما كان بينهما وما تلاهما من جهود المؤمنين بدعوة الله وتضحياتهم الضخام , ترى : هل تساوى هذا الجهد الذى وصفه نوح عليه السلام , وقد استغرق عمرا طويلا بالغ الطول , لم يكتف قومه فيه بالاعراض , بل اتبعوه بالسخرية والاتهام,وهو يتلقاها بالصبر والحسنى, والادب الجميل والبيان المنير ؟!!

ثم تلك الجهود الموصولة منذ ذلك التاريخ , وتلك

 التضحيات النبيلة التى لم تنقطع على مدار التاريخ من

 رسل يستهزأ بهم , أو يحرقون بالنار , أو ينشرون بالمنشار , أو يهجرون الاهل والديار .. حتى تجيء الرسالة الاخيرة , فيجهد فيها محمد صلى الله عليه وسلم ذلك الجهد المشهود المعروف,ثم تتوالى الجهود المضنية والتضحيات المذهلة من القائمين على دعوته فى كل أرض وفى كل جيل ؟؟ ..ترى تساوى الحصيلة كل هذه الجهود , وكل هذا الجهاد الشاق المرير ؟!

ثم ترى هذه البشرية كلها تساوى تلك العناية الكريمة من الله , المتجلية فى استقرار إرادته سبحانه على إرسال الرسل تترى , بعد العناد والاعراض والاصرار والاستكبار من هذا الخلق الهزيل الصغير المسمى بالانسان ؟!

والجواب بعد التدبر: أن نعم : وبلا جدال!!

إن استقرار حقيقة الايمان بالله فى الارض يساوى كل هذا الجهد , وكل هذا الصبر , وكل هذه المشقة, وكل هذه التضحيات النبيلة المطردة من الرسل وأتباعهم الصادقين فى كل جيل !

الدعوة إلى الله لابد أن تمضي في طريقها كما أراد الله ,

 لأن الحصيلة تستحق الجهود المضنية والتضحيات النبيلة , ولو صغرت فانحصرت فى قلب واحد , يقرب من الله ويحبه ويشتاق إليه . قال صلى الله عليه وسلم :   " عرضت علىّ الامم , فرأيت النبى ومعه الرهط , والنبى ومعه الرجل والرجلان,والنبى وليس معه أحد"[متفق عليه] اهـ

حبيبى فى الله , لا تستطل الطريق إلى الله , فمن استطال الطريق ضعف مشيه , فواصل العمل .. واصل , فالله معك .. واعلم أن الشرط فى السير أن تجهد وتتعب .. فواصل العمل ولا تنقطع .. وتذكر دائما نوحا عليه السلام .. أخى فى الله , اعمل بلا انقطاع , وعند الله المستراح .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السادسة والتسعون في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل الخامس عشر : السر الدفين لعدم القبول وجود حظ للنفس فى العمل

هل تصلى لله أم لتستجم ؟! .. تصوم من أجل أن تريح بطنك , أم أن يرضى الله عنك ؟! .. تكرم الناس ليعاملوك معاملة حسنة أم تكرمهم لله لأنك تحبه ؟! .. أعفيت لحيتك توقيرا ام لأنها سنة النبى صلى الله عليه وسلم ؟! .. تدفع ما عليك ليقول عنك الناس : محترم أم لترضى ربك ؟! .. تحج وتعتمر رياء وفسحة وتغيير جو أم لتستغفر ربك هناك ؟!..

قال الحسن رحمه الله : رحم الله عبدا وقف عند همه , فإن كان لله : مضى , وإن كان لغيره : تأخر .. اغتربت عن بلدك , وهاجرت إلى الله لماذا ؟ .. لتتعلم العلم وتعبد الله وتدعو إليه لماذا ؟ .. لماذا تتعلم العلم ؟! .. لماذا تتصدق ؟! .. لو كان فى هذه الاعمال شيء ولو بسيط من حظ النفس , لا يقبلها الله أبدا .

قال الله تعالى فى الحديث القدسى : " من عمل عملا وأشرك فيه غيري تركته وشركه " [أخرجه مسلم] .. فالله عز وجل غني .. عزيز .. يغار .. لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا وابتغى به وجهه .. اللهم ارزقنا الاخلاص واجعلنا من أهله .

لذلك فإن الذين يأتون يوم القيامة وأعمالهم لم تقبل سيفاجئون بأن أعمالهم كانت لله ,ولكنها لم تكن خالصة .. كان فيها شيء من حظ النفس .. يا لله !! .. فصحح نيتك , فالطريق إلى الله لا يصلح فيها الا حسن النية .. أخلص قبل أن يأتيك يوم القيامة .

وآه من يوم القيامة ! اللهم ارحم ضعفنا يوم القيامة ، اللهم ارحم ذل وقوفنا بين يديك يا أرحم الراحمين...

يوم القيامة وما أدراك ما يوم القيامة ! إياك أن تنسى ذلك اليوم قال ربنا " ولمن خاف مقام ربه جنتان "    ( الرحمن : 46 ) .. تذكر هذا المقام يوم وقوفك بين يديه وأعمالك كلها معروضة عليه .. يوم يقول لك : عبدى , عشت سبعين سنة ولم تصل إلا سنتين لماذا ؟ , فتقسم : وعزتك وجلالك يا رب صليت من يوم أن ذهبت إلى المدرسة وأنا فى أولى ابتدائى , ماذا حصل ؟!!! ..  تجد خمسين سنة من عمرك لم تقبل وعشر سنين فقط قبلت  !! " وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون " ( الزمر : 47 ) .. السبب : وجود حظ النفس .. صمت كثيرا , ولم يقبل إلا النذر القليل .. نعم : لوجود حظ النفس فى العمل

أقول لكم كثيرا : لو كان لها " دور ثان " , لو كان فيها " ملحق " , أو لو كان لها " إعادة " , لقلنا : يا رب

 , أخطأنا فارجعنا نصلح ما كان منا .. لكن هى مرة واحدة إذا ذهبت فيها إلى جهنم كانت المصيبة ..     قال الحسن  :" ابن آدم عن نفسك فكايس فإنك إن دخلت النار لم تنجبر بعدها أبدا " .. اللهم ارزقنا حسن الخاتمة , اللهم قنا عذابك يوم تبعث عبادك .

  السر الدفين لعدم القبول هو وجود حظ النفس فى العمل : أن تتزوج بالبنت الفلانية لأنها تعجبك وتحبها ولا تتزوج ليعفك الله ويسترك ،تكرم الناس ليكرموك ليس لأجل أن يكرمك الله .. تصلى لتستريح ليس لأنه أمرك بالصلاة .. تؤدي الحقوق كما ينبغي ليقولوا عنك : أمين , ليس لأن الله ألزمك بذلك فوجود حظ للنفس فى العمل معناه : أن تشتغل لحسابك .. تعمل لنفسك وليس لله .. وجود حظ للنفس .. إياك أن تنسى هذه الكلمة .. أن تصير " شغالا " لحسابك .. لمزاجك .. لهواك .. لنفسك .. لا لله .. اللهم استرنا ولا تفضحنا .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السابعة والتسعون في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل الخامس عشر : السر الدفين لعدم القبول وجود حظ للنفس فى العمل

 المشكلة الكبيرة ؛ أن معظمنا أكثر عمله لنفسه لا لله .. هذه هى الحقيقة ولا تغضب , لذلك قف وقفة جادة وحقق الاخلاص .. جرد النية لله , فلا تدرى متى تموت .. أخلص يقبل عملك ,وإلا فسيطرح فى وجهك , وتخسر الوصول إلى الله .

قال أبو أيوب مولى ضيغم بن مالك : قال لى أبو مالك يوما : يا أبا أيوب احذر نفسك على نفسك , فإنى رأيت هموم المؤمنين فى الدنيا لا تنقضي , وأيم الله , لئن لم تأت الدار الآخرة المؤمن بالسرور , لقد اجتمع عليه الامران : هم الدنيا , وشقاء الآخرة . قال : قلت : بأبي أنت وأمي , وكيف لا تأتيه الآخرة بالسرور , وهو ينصب لله فى دار الدنيا ويدأب ؟! , قال : يا أبا أيوب , فكيف بالقبول ؟! وكيف بالسلامة ؟! , ثم قال : كم من رجل يرى أنه قد أصلح نفسه ,وقد أصلح قرباته , قد أصلح همته , قد أصلح عمله , يجمع ذلك يوم القيامة ثم يضرب به وجهه " .

حاسبوا أنفسكم وانظروا فيها .. عامر بن قيس كان يقول لنفسه : قومي يا مأوى كل سوء , فوعزة ربي لأزحفنّ بك زحف البعير , وإن استطعت أن لا يمس الارض زهمك ( شحم الجسم ) لأفعلن . ثم يتلوى كما يتلوى الحَبُ على المقلى , ثم يقوم فينادي : اللهم إن النار قد منعتني من النوم , فاغفر لي .

وتعبد رجل ببيت شعر سمعه :

لنفسي أبكي لست أبكي لغيرها ***لنفسي فى نفسي عن الناس شاغل

 إن فتنة النفس والشهوة , وجاذبية الارض والدعة والاطمئنان , وصعوبة الاستقامة على صراط الايمان , والاستواء على مرتضاه , مع المعوقات والمثبطات فى أعماق النفس هى : الفتنة الكبرى .

لكن ما الحل لننفي عن أعمالنا حظ النفس ليقبلنا الله ؟

النفس تصهرها المجاهدة فتنفي عنها الخبث , وتستجيش كامن قواها المذخورة فتستيقظ . ويكفي قول الله عز وجل : " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين " ( العنكبوت : 69 ) .

قال أبو يزيد البسطامى : عالجت كل شىء, فما عالجت أصعب من معالجة نفسي , ما شيء أهون علىّ منها .

وقال : دعوت نفسى إلى الله , فأبت علىّ واستَصعَبَتْ , فتركتها ومضيتُ إلى الله .

وقيل لبعض أهل الرياضة : كيف غلبت نفسك ؟ , فقال : قمت صف حربها بسلاح الجد , فخرج مرحب الهوى يدافع , فعلاه العزم بصارم الحزم , فلم تمض ساعة حتى هلكت خيبر .

وقيل لآخر :كيف قدرت على هواك ؟, فقال  :خدعته حتى أسرته , واستلبت عوده فكسرته , وقيدته بقيد العزلة , وحفرت له مطمور الخمول فى بيت التواضع , وضربته بسياط الجوع فلان ..

   لا يقبل الله عملا فيه حظ للنفس , فخلوا أنفسكم

 وتعالوا إلى الله .. واستعينوا بالله عليها بالمجاهدة والاحسان فى المعاملة ,قال ربى – وأحق القول قول ربى – : " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين " ( العنكبوت : 69 ) .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السابعة والتسعون في موضوع ( الله )

 والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل السادس عشر : الأمر كله بيد الله , فسلّم تسلم

قال تعالى عن إبراهيم :{إذ قال له ربه أسلم قال

أسلمت لرب العالمين * ووصى بها إبراهيم بنيه "       ( البقرة : 131 – 132 ) .

قال ابن كثير رحمه الله : " وقوله تعالى : " إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين " أى : أمره الله – تعالى – بالإخلاص له والاستسلام والانقياد , فأجاب إلى ذلك شرعا وقدرا .

وقوله "ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب " أى : وصى بهذه الملة وهى الاسلام لله , أو يعود الضمير على الكلمة , وهى قوله : " أسلمت لرب العالمين " لحرصهم عليها ومحبتهم لها حافظوا عليها إلى حين الوفاة , ووصوا أبناءهم بها من بعدهم " اهـ .

فسلم لربك يا طالب الوصول , فالأمر كله له , قال الملك : " إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم فى أخراكم فأثابكم غمّا بغمّ لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم والله خبير بما تعملون * ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شىء قل إن الامر كله لله يخفون فى أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الامر شىء ما قتلنا ها هنا قل لو كنتم فى بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلى الله ما فى صدوركم وليمحص ما فى قلوبكم والله عليم بذات الصدور " ( آل عمران : 153 - 154 )

" وطائفة قد أهمتهم أنفسهم " .. نعم : فكم من ناس فى هذه الدنيا لا هم لهم إلا أنفسهم .. سلموا أمرهم لأنفسهم

لا لله .. وقديما قالوا : من عاش لنفسه عاش صغيرا

ومات حقيرا .. فسلم نفسك لله وحده يأمرها وينهاها بما هو أنفع وأصلح لها , فهو سبحانه عليم حكيم .. ضع يديك ورجليك فى قيود الشريعة الفضية لتتحرر من ذل العبودية لغير الله .. سلم تسلم فالامر كله لله .

كم رأينا رجلا أهم شىء لديه أن يأكل ويشرب ويلبس وينام .. أهم شىء مزاجه , أما العيال فمالى وللعيال ! , فأنا الذى آتى بالعيال .. والزوجة ؟ .. وما لى بالزوجة , فلتذهب لأهلها يطعموها .. وعن الآخرة يقول : حينما يأتى الحساب ستفرج !!

طبعا أنت ستتعجب هذا الرجل , فكلامه لا يقوله إلا جاهل أو عاص , ولكن لا تعجب,فهذا الكلام موجود بداخل الكثير منّا – معاشر الملتزمين – وإن كان لا يقوله بلسانه .. نعم : كثير منّا يود أن يعيش لنفسه – ونفسه – فقط - .. ودعونا نتصارح حتى نعالج تلك المشاكل , وإلا فسيظل السوس ينخر فى العظم .. عظم الامة .

إن سبب مصائبنا اليوم أنفسنا .. ترانا " منكوسين موكوسين  " لماذا ؟ .. من أنفسنا .. شلة يهود .. شرذمة يهود يضربوننا على أم رؤوسنا لماذا ؟ .. لماذا استضعفونا واستهانوا بنا ؟ .. لهواننا على أنفسنا .. مع أننا أكثرمن هؤلاء الناس جميعا,وعندنا كل الامكانيات التى تؤهلنا لسيادة العالم ولكن لا نسود لأن  السوس  فى قلوبنا .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثامنة والتسعون في موضوع ( الله )

 والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل السادس عشر : الأمر كله بيد الله , فسلّم تسلم

إن أول نصر الدين أن تصلح نفسك، فمن هنا المنطلق , ومن هنا البداية .. وإصلاح النفس يكون بتسليمها لله بكل حب ورضا يأمرها وينهاها .

البداية من نفسك .. وهذا الكلام قلته من عشرين سنة .. وعشر .. وخمس .. والأمس .. واليوم .. وسأظل أقوله حتى أموت , لأنه قانون إلهى .. " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " ( الرعد : 11 )  " ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " ( الأنفال : 53 ) .

وإن الذى يتحدث عن التغيير فى كل شىء إلا من عند نفسه لن يغير شيئا على الإطلاق . فالبداية إذا من أين ؟ .. من عند أنفسنا .. وهذا ليس من عندى , ولكنه كلام الله كما مر ،إذاً فلابد من التحديق .. تدرى معنى التحديق ؟ .. التحديق فى ذوات أنفسنا .. أى شىء فى أنفسنا يجب أن يتغير ؟ فغير نفسك وسلم نفسك لا لنفسك ولكن لله .

يقول الله تعالى " وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شىء " ( آل عمران : 154 ) .. يقول هؤلاء المنافقون : من الذى أتى بنا إلى هنا .. ما لنا ولهذا الأمر ؟! .. كالذين يقولون : ما لنا وفلسطين ؟! , ويقولون : هم الذين باعوا أرضهم .. إن القضية يا هؤلاء !! ليست فلسطين .. هذه قضية الإسلام واليهود .. القضية قضية إسلام وكفر .

وإن الذى يهتم ويحزن لأحوال المسلمين ينبغى أن يفكر فى نفسه فيصلحها لتنصلح أمته الجريحة .. وليسلم لله وليقل بلسان الحال والمقال : سمعا وطاعة يا ب .. " وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير "

( البقرة : 285 ) .. فلا يحلق لحيته مثلا ويقول :

 احلقها وأرح دماغك .. لا .. فأين السمع والطاعة إذا ؟! . أين التسليم الذى نتحدث عنه ؟!! .. أنت لم ترح نفسك بل عصيت ربك الذى بيده الأمر والنهى .

لماذا سجن الإمام أحمد بن حنبل ؟ ..  من أجل العقيدة

 .. يقولون له : القرآن مخلوق , قال لهم : القرآن كلام الله غير مخلوق .. سجنوه وضربوه .. الذى ضربه قال : ضربت أحمد سبعة عشر سوطا لو ضربها جبل لانهد .. نعم : سجن .. وفى شعب أبى طالب كم ضرب أناس ! .. النبى صلى الله عليه وسلم نفسه سجن وضرب .فالتأديب بالسجن والضرب الآن ليس جديدا .. " ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك " ( فصلت : 43 ) ..

أبو سيدنا إبراهيم قال له : " لئن لم تنته لأرجمنك "    ( مريم : 46 ) ..

فرعون قال لموسى عليه السلام : " لأجعلنك من المسجونين " ( الشعراء : 29 ) ..

فهذه سنة كونية .. سنة دائمة لا تتغير .. وابتلاء أحمد

 بن حنبل كان من أجل كلمة ما أسهل أن يتنازل عنها

 الناس اليوم , بل والملتزمون .

قال أبو سعيد الواسطى :  دخلت على أحمد السجن قبل الضرب فقلت : يا أبا عبدالله , عليك عيال ولك صبيان وأنت معذور , كأنى أسهل عليه الإجابة .. كأنه يقول له بلغة عصرنا : وراءك عيال وتحتاج إلى تربيتهم , قل لهم الكلمة التى يريدونها .. " القرآن مخلوق " .. واخرج من هنا .. ألست من داخل قلبك تعتقد أن القرآن كلام الله ؟! , إذا لا حرج عليك طالما أن قلبك مطمئن بالايمان !! فقال الامام أحمد : "        يا أبا سعيد , إن كان هذا عقلك فقد استرحت !! " .. وما أكثر أصحاب العقول المستريحة فى زماننا .. أراح دماغه .. وغير عابىء بأى أمر .. وتارك نفسه مع الماشى , وحينما يموت لا يجد إلا النار .

لذلك حينما يقول الله : " هل لنا من الأمر من شىء " , نقول له : إن الامر كله لله .

الامر أمر الله .. فإذا أرادك أن تحمل فاحمل ما أمرك به .. هذه مسئوليتك .. وهذه هى الامانة التى قال الله عنها : " إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا " ( الأحزاب : 72 ) .. احمل مسئولية هذا الدين , فالدين أمانة .. الدين نسبك وصهرك .. الدين مسئولية كل مسلم .. الدين مسئوليتك الشخصية , وسوف تسأل عنه .. ووالله ثم والله لتسألن عن دين الله .. ماذا عملت به , وماذا قدمت له ؟

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة التاسعة والتسعون في موضوع ( الله )

 والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل السادس عشر : الأمر كله بيد الله , فسلّم تسلم

قال أبو بكر الصديق لما منعوا الزكاة :  أينقص الدين وأنا حى ؟!! كلا والله .. فهل ينقص وأنت حى .. هل ينقص الدين فى بيتك وفى منطقتك وفى أرضك وفى كل العالم ؟! .. نعم ينقص , لأنك لم تحمله .

والمنافقون هم الذين لا يريدون أن يحملوا الدين  : " يقولون هل لنا من الأمر من شىء قل إن الأمر كله لله " .. يقولون لأنفسهم : ما الذى أتى بكم إلى هنا ؟! .. " يخفون فى أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شىء ما قتلنا ها هنا " ( آل عمران : 154 ) .. لو كان الموضوع بأيدينا ! ..

ما الذى جاء بنا إلى هنا ؟! .. ما لنا وللقتال .. لماذا نقاتل ؟! .. لا .. فليس الأمر بأيديكم , " قل لو كنتم فى بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم " ( ّل عمران : 154 ) .. لو لم يأتكم رسول ولو لم تخرجوا لقتلتم هنا أيضا .. طالما أنه – سبحانه – كتب عليكم أن تقتلوا هنا فسوف تقتلون هنا ولا محالة .. هذا قدر .

ولذلك فإن من يحلق لحيته حتى لا يؤذى تجده يحلقها فيؤذى .. مكتوبة مكتوبة .. فالقضية ليست قضية أسباب .. القضية من مسبب الاسباب .. انتبه .. لذلك حينما يأتى ويقول : احلق لحيتى , نقول له : يا أخى , البلاء يدفع بطاعة الله ورسوله لا بمعصية الله ورسوله .. فهل تعصى ربك لتدفع عنك البلاء ؟! .. اللهم ارفع عن المسلمين البلاء .

أطع ربك .. نفذ أوامره , فالامر كله له لا لمن تخاف منهم .. سلم تسلم , فالذى أمرك الله .. الله العزيز .. الله الجبار .. الله اللطيف " الله لطيف بعباده " ( الشورى : 19 ) .. الله الرحيم .. الله الحفيظ .. فكن معه , فأنت فى حماه , ولن يضيعك أبدا , فهو الله .

كلمة جليلة جدا لأبى إسماعيل الهروى يبين فيها هذا الاصل : يقول :  "أن تعلم أن الامر صادر من عين من لا يخاف عواقب الامر " .. فالذى أمرك من ؟ .. الله .. هل يخاف ؟ .. أعوذ بالله وحاشا لله .. قال ربى : " فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها * ولا يخاف عقباها " ( الشمس : 14 – 15 ) . فكن معه وسيحميك ويحرسك ويحفظك ويسددك وينجيك , وإن ابتلاك فسيرضيك .

قال ابن القيم – رحمه الله - : " اصدق الله , فإذا صدقت عشت بين عطفه ولطفه , فعطفه يقيك ما تحذره , ولطفه يرضيك بما يقدره " اهـ .

ستعيش وتحيا بين العطف واللطف .. فيعطف عليك .. فكل ماتخاف منه لن يحدث , لأنه – سبحانه – هو الملك – فلا يجرى فى الكون شىء إلا بقدره وإذنه ومشيئته , فسيحميك بعطفه .. وإذا قدر عليك شيئا تكرهه فسيرضيك بلطفه . إذا فكل لله كما يريد , يحميك ويرضك .. فسلم له تسلم .

فلان كان يقود السيارة وفى لحظة القدر لم ير أمامه ,

 فكانت الحادثة .. وفيها حصل العطف واللطف .. فالعطف : أن السيارة تكسرت لكنه خرج هو وأولاده سالمين .. هذا عطف ..أما اللطف : فإنه نزل من السيارة ساجدا يقول : الحمد لله يقولون له :السيارة انتهت , يقول: يا أخى, الحمد لله ,الحمد لله  فهذا لطف وعلى العكس: من يحلق لحيته :فيعصى فيؤذى فيتلفظ بما يسخط الله .. فلا هو نفذ الامر فعاش بعطف الله , ولا هو سكت فعاش سعيدا وفاز بلطف الله .وهكذا إذا عشت لله فنفذت أوامره ,وسلمت له زمام نفسك فأطعته فى كل مايأمرك به,سلمت,وسيرك بين عطفه ولطفه – اللهم احفظنا بعطفك ولطفك يا رب .. فسلم تسلم لتصل فالامر كله لله  . إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة المئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل السابع عشر : دليل عدم رضاه عنك عدم رضاك عنه

رجل تضايقه زوجته بعض الشىء , ولكنه رجل صالح وراض وصابر ويقول : بذنوبى .. هذا الرجل الراضى يفاجأ بأن الله يرضيه , فيأتيه برجل يجلس بجواره ويقول له : يا أخى , لا أدرى ماذا أفعل مع زوجتى !! .. كلما أكلمها كلمة توبخنى وتهيننى .. فيقول صاحبنا : اللهم لك الحمد , إذا فأنا فى نعمة .

ورجل آخر كلما تضايقه زوجته يقول : يا رب , ماذا

 عملت فى دنياى حتى تبتلينى بهذه البلوى ؟! , فيقعد الله له رجلا بجواره يقول له : يا أخى , سبحان الله ! لماذا تعذب نفسك ؟! طلقها واسترح من مشاكلها !! ولو رضى لأرضاه الله .

قال سفيان : قال الحسن : من رضى بما قسم الله له وسعه , وبارك الله له فيه , ومن لم يرض لم يوسعه , ولم يبارك له فيه .

وقال أبو عثمان الحيرى : منذ أربعين سنة ما أقامنى الله فى حال فكرهته , وما نقلنى إلى غيره فسخطته .

لقد حدث لأحد الإخوة موقف عجيب .. كان نائما بالليل فعطش فقام يشرب ورجع فوجد زوجته قد استيقظت وتقول له : أين كنت ؟ فقال : كنت أشرب فبكت وقالت له : لم لم توقظنى ؟ لم لم تأمرنى

 ؟ ما فائدتى إذن ؟ !!

فالذى وضع هذا الرجل لهذا , ووضع هذه لهذا من ؟ .. الله .. فحينما ترضى يرضيك , وحينما تسخط يزيدك سخطا , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله إذا أحب قوما ابتلاهم , فمن رضى فله الرضا , ومن سخط فعليه السخط " [صححه الألبانى] .. هذه هى القضية : إنك إذا كنت راضيا دائما , أرضاك الله وبعث إليك ما يرضيك ومن يرضيك .

والقصة التى مرت من خير الشواهد .. قصة حدير .. لما مشوا ووجد كل واحد منهم فى يده الهدية لم يقل : وأنا ؟ ولم يرجع ليقول : أنا لم آخذ هديتى يا رسول الله .. ولو طلب لأعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم .. لكنّ الرجل كان راضيا , فيكفيه أن الله ذكره .. ولما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم به , أرسل إليه هديته بسرعة .. فحاز الهدية وذكر الله .. لرضاه .

سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه معروف أنه كان مستجاب الدعوة , وكان قد كف بصره فى آخر عمره , قال له ابنه : يا أبت أراك تدعو للناس ! هلا دعوت لنفسك أن يرد الله عليك بصرك,قال : يا بنى , قضاء الله أحب إلىّ من بصرى .

إخوتاه,هل أنتم راضون عن الله ؟,هل فعلا قضاء الله وقدره أحب إليكم مما أنتم فيه من بلاء وفتنة

وغربة ؟ .. إذا أردتم أن تتأكدوا , فالرضا عن الله يصح بثلاثة شروط ذكرها ابن القيم فى المدارج :

الأول : استواء النعمة والبلية عند العبد , لأنه يشاهد حسن اختيار الله له .

الثانى : سقوط الخصومة عن الخلق , إلا فيما كان حقا لله ورسوله صلى الله عليه وسلم .

فالراضى لا يخاصم ولا يعاتب إلا فيما يتعلق بحق الله , وهذه كانت حال رسول الله صلى الله عليه وسلم , فإنه لم يكن يخاصم أحدا , ولا يعاتبه إلا فيما يتعلق بحق الله , كما أنه لا يغضب لنفسه , فإذا انتهكت محارم الله لم يقم لغضبه شىء حتى ينتقم لله . فالمخاصمة لحظ النفس تطفىء نور الرضا وتذهب بهجته , وتبدل بالمرارة حلاوته , وتكدر صفوه .

والشرط الثالث : الخلاص من المسألة للخلق والإلحاح , قال تعالى " يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لايسألون الناس إلحافا }( البقرة : 273 قال ابن عباس : إذا كان عنده غداء لم يسأل عشاء ,

 وإذا كان عنده عشاء لم يسأل غداء .

ثم يبين رحمه الله أن منع الله تعالى لعبده عطاء , وابتلاءه إياه عافية فيقول :" فإنه سبحانه لا يقضى لعبده المؤمن قضاء إلا كان خيرا له , ساءه ذلك القضاء أو سره . فقضاؤه لعبده المؤمن عطاء , وإن كان فى صورة المنع .ونعمة,وإن كانت فى صورة محنة .وبلاؤه عافية , وإن كان فى صورة بلية . ولكن لجهل العبد وظلمه لايعد العطاء والنعمة والعافية إلا ما التذّ به فى العاجل,وكان ملائما لطبعه،ولو رزق من المعرفة حظا وافرا لعد المنع نعمة,والبلاء رحمة , وتلذذ بالبلاء أكثر من لذته بالعافية , وتلذذ بالفقر أكثر من لذته بالغنى , وكان فى حال القلة أعظم شكرا من حال الكثرة .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الواحدة بعد المئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل السابع عشر : دليل عدم رضاه عنك عدم رضاك عنه

فالراضى : هو الذى يعد نعم الله عليه فيما يكرهه , أكثر وأعظم من نعمه عليه فيما يحبه , كما قال بعض السلف : ارض عن الله فى جميع ما يفعله بك , فإنه ما منعك إلا ليعطيك , ولا ابتلاك إلا ليعافيك , ولا أمرضك إلا ليشفيك , ولا أماتك إلا ليحييك . فإياك أن تفارق الرضى عنه طرفة عين ,فتسقط من عينه "

إخوتاه , قال الثورى يوما عند رابعة : اللهم ارض عنا

 . فقالت : أما تستحى أن تسأله الرضا عنك وأنت غير راض عنه ؟ , فقال : أستغفر الله . ثم قال لها جعفر بن سليمان : متى يكون العبد راضيا عن الله ؟ قالت : إذا كان سروره بالمصيبة مثل سروره بالنعمة .

ودخل رجل على أبى العالية فى مرضه الذى مات فيه , فقال : إن أحبه إلىّ , أحبه إلى الله – عز وجل .

وقيل ليحيى بن معاذ : متى يبلغ العبد إلى مقام الرضا ؟ فقال : إذا أقام نفسه على أربعة أصول فيما يعامل به ربه , فيقول : إن أعطيتنى قبلت ,وإن منعتنى رضيت , وإن تركتنى عبدت , وإن دعوتنى أجبت .

وعن حفص بن حميد قال : كنت عند عبدالله بن المبارك بالكوفة حين ماتت امرأته,فسألته : ما الرضا ؟

 قال : الرضا : لا يتمنى خلاف حاله .

ونظر رجل إلى قرحة فى رجل محمد بن واسع فقال : إنى لأرحمك من هذه القرحة , فقال : إنى لأشكرها منذ خَرَجَتْ إذ لم تخرج فى عينى .

بشير الطبرى كان عنده مزرعة فيها أربعمئة جاموسة .. ثروة تقدر بمليون جنيه اليوم .. فهجم الروم يوما عليها , فساقوا الجواميس كلها , وكان عنده مئة عبد يحرسونها , فأرسل هؤلاء العبيد إلى بشير أن قد أخذت الجواميس , فركب مع ولد له إليهم .. فلما وصل إلى المزرعة لقيه العبيد يبكون .. يا سيدنا , يا مولانا : أخذت الجواميس , فقال : وأنتم أيضا : اذهبوا فأنتم أحرار لوجه الله .. فقال له ابنه : أفقرتنا يا أبتاه , فقال : اسكت يا بنى , إن الله أراد أن يبتلي رضائى به , فأحببت أن أزيده .. رحمك الله يا بشير .. إن الله يمتحننى أأرضى بقضائه أم لا , قلت له : لا , أنا راض جدا , وهذه الزيادة أيضا من أجلك يا رب .. اذهبوا فأنتم أحرار لوجه الله !!

العبـد ذو ضجـر والــرب ذو قــدر***والدهر ذو دول والرزق مقسوم

والخير أجمع فى ما اختار خالقنا ***وفى اختيار سواه اللوم والشوم

يقول ابن القيم – رحمه الله تعالى -  :

" وثمرة الرضا : الفرح والسرور بالرب – تبارك وتعالى – ورأيت شيخ الاسلام ابن تيمية – قدس الله روحه – فى المنام , وكأنى ذكرت له شيئا من أعمال القلب , وأخذت فى تعظيمه ومنفعته – لا أذكره الان – فقال : أما أنا فطريقتى : الفرح بالله , والسرور به . أو نحو هذا من العبارة " .

إلهى سسنا كيف شئت ***فسوف نرضى  إلهى

إذا ارتحل الكرام إليك يوما ***ليلتمســوك حـالا بعد حــال

فإن رحالنا حطّت لتـرضــى ***بحلمك عن حلول وارتحال

أنخنا فى فنــائـك يـا إلـهــى ***إليك معرضين بلا اعتـــدال

فسسنا كيف شئت ولا تكلنا ***إلى تدبيرنا يـا ذا الـمعـالـى

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثانية بعد المئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل السابع عشر : دليل عدم رضاه عنك عدم رضاك عنه

يقول ابن الجوزى رحمة الله  فى " صيد الخاطر " تحت عنوان : تذكر أحوال الرسول صلى الله عليه وسلم " :

" من أراد أن يعلم حقيقة الرضى عن الله عز وجل  فى أفعاله , وأن يدرى من أين ينشأ الرضى , فليتفكر فى أحوال الرسول صلى الله عليه وسلم .

فإنه لمّا تكاملت معرفته بالخالق سبحانه رأى أن الخالق مالك , وللمالك التصرف فى مملوكه , ورأه حكيما لا يصنع شيئا عبثا , فسلم تسليم مملوك لحكيم , فكانت العجائب تجرى عليه ولا يوجد منه تغير , ولا من الطبع تأفف . ولا يقول بلسان الحال : لو كان كذا , بل يثبت للأقدار ثبوت الجبل لعواصف الرياح .

هذا سيد الرسل صلى الله عليه وسلم بعث إلى الخلق وحده , والكفر قد ملأ الآفاق فجعل يفر من مكان إلى مكان, واستتر فى دار الخيزران , وهم يضربونه إذا خرج , ويدمون عقبه , وشق السلى على ظهره , وهو ساكت ساكن .

ويخرج كل موسم فيقول : من يؤوينى , من ينصرنى ؟

ثم خرج من مكة فلم يقدر على العود إلا فى جوار كافر , ولم يوجد من الطبع تأفف .

إذ لو كان غيره لقال : يا رب , أنت مالك الخلق , وقادر على النصر , فلمَ أُذل ؟كما قال عمر رضى الله عنه يوم صلح الحديبية : ألسنا على الحق ؟ فلم نعطى الدنية فى ديننا ؟!!

ولما قال هذا,قال له الرسول صلى الله عليه وسلم :"إنى عبدالله

ولن يضيعنى "فجمعت الكلمتان الأصلين اللذين

 ذكرناهما .فقوله : إنى عبدالله , إقرار بالملك وكأنه قال : أنا مملوك يفعل بى ما يشاء .

وقوله : لن يضيعنى , بيان حكمته , وأنه لا يفعل شيئا

 عبثا . ثم يبتلى بالجوع فيشد الحجر,ولله خزائن

 السماوات والارض .

وتقتل أصحابه , ويشج وجهه , وتكسر رباعيته ويمثل بعمّه وهو ساكت .

ثم يرزق ابنا ويسلب منه , فيتعلل بالحسن والحسين فيخبر بما سيجرى عليهما .

ويسكن بالطبع إلى عائشة رضى الله عنها , فينغص عيشه بقذفها .

ويبالغ فى إظهار المعجزات , فيقام فى وجهه مسيلمة والعنسى وابن صياد .

ويقيم ناموس الامانة والصدق ,فيقال : كذاب ساحر .

ثم يعلقه المرض كما يوعك رجلان ,وهو ساكن ساكت .

فإن أخبر بحاله فليعلم الصبر .

ثم يشدد عليه الموت , فيسلب روحه الشريفة وهو

 مضطجع فى كساء ملبد وإزار غليظ , وليس عندهم زيت يوقد به المصباح ليلة إذ .

هذا شىء ما قدر على الصبر عليه كما ينبغى نبى قبله , ولو ابتليت به الملائكة ما صبرت .

هذا آدم عليه السلام : تباح له الجنة سوى شجرة , فلا يقع ذباب حرصه ألا على الممنوع . ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول فى المباح : " مالى وللدنيا " !

وهذا نوح عليه السلام:   يضج مما لاقى , فيصيح من كمد وجده " لا تذر على الارض من الكافرين ديارا " ( نوح : 26 ) , ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول : " اللهم اهد قومى فإنهم لا يعلمون " .

هذا الكليم موسى صلى الله عليه وسلم : , يستغيث عند عبادة قومه

 العجل على القدر قائلا :" إن هى إلا فتنتك " ( الأعراف

 : 155 ) , ويوجه أليه ملك الموت فيقلع عينه .

وعيسى صلى الله عليه وسلم يقول : " إن صرفت الموت عن أحد فاصرفه عنّى " , ونبينا صلى الله عليه وسلم يخير بين البقاء والموت , فيختار الرحيل إلى الرفيق الأعلى .

هذا سليمان صلى الله عليه وسلم يقول : هب لى ملكا , ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول :"اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا "

هذا فعل رجل عرف الوجود والموجد فماتت أغراضه وسكنت اعتراضاته فصار هواه فيما يجرى " فإذا رضيت يا عبدالله , فاعلم أن الله راض عنك فدليل عدم رضاه عنك عدم رضاك عنه فارض عن الله تصل إليه وتذكر دائما أحوال الرسول صلى الله عليه وسلم .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثالثة بعد المئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل الثامن عشر : إياك أن تمكر به فيمكر بك

تدبر معى هذه الايات : قال تعالى :" والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد " ( فاطر : 10) , وقال  تعالى :" ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين"( الأنفال : 30 ) . وقال تعالى:"وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال" ( إبراهيم : 46 ) , وقال تعالى : " ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون * فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمّرناهم وقومهم أجمعين * فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن فى ذلك لآية لقوم يعلمون " ( النمل : 50 – 52 ) , وقال تعالى :" قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون " ( النحل : 26 ) , وقال عز وجل : " وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر فى آياتنا قل الله أسرع مكرا إن رسلنا يكتبون ما تمكرون " ( يونس : 21 ) , وقال عز وجل : " وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون "( الأنعام : 123 ) , وقال عز وجل : " ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون " ( النمل : 50 ) , وقال عز وجل : " أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون * أو يأخذهم فى تقلبهم فما هم بمعجزين * أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم

 لرؤوف رحيم " ( النحل : 45 – 47 ) .

وقال جل وعلا{سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون ( الأنعام : 124 )

وقال – جل وعلا - : " استكبارا فى الأرض ومكر السيىء ولا يحيق المكر السيىء إلا بأهله " ( فاطر : 43 ) , وقال – جل وعلا -  " ومكر أولئك هو يبور " ( فاطر : 10 )وقال – جلا وعلا : " وقد مكر الذين من قبلهم فلله المكر جميعا يعلم ما تكسب كل نفس " ( الرعد : 42 ) , وقال – جل وعلا - : " أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون "( الأعراف : 99 ) .

إن التأمل فى هذه الآيات ومعاودة قراءتها بتأن وتدبر يغرس فى القلب الخوف من المكر , فها هى عاقبة المكر تراها واضحة أمامك فى الآيات .. وكأن الآيات تقول لك : إياك أن تمكر .. إياك . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المكر والخديعة والخيانة فى النار " [صححه الألبانى] فإياك أن تمكر فيمكر بك .

كثير من الناس يعيش فى هذه الدنيا يعامل الله بالمكر .. غباء .. يتعامل مع زوجته بالمكر , مع أبيه بالمكر , مع مديره وزميله فى العمل بالمكر , مع جاره ومن حوله بالمكر , فيظن أنه يستطيع أن يمكر بالله !

كلمة خطيرة لابن الجوزى يقول فيها: تصر على المعاصى وتصانع ببعض الطاعات والله إن هذا لمكر " اهـ .

فتراه قد واعد البنت الفلانية ليقابلها غدا , ويجلس فى المسجد أمام الخطيب وهو يفكر فى الموعد .. إصرار على المعصية .. أتمكر بربك ؟! .. يأكل الحرام وواعد على رشوة , ومع ذلك يصلى ويتصدق وحاجز فى العمرة .. تمكر بمن ؟! . وستجد من يجلس فى المسجد يستغفر وهو يحمل علبة السجائر ؛مصر على المعصية , ويقول : اللهم تب علىّ ! .. بمن تمكر ؟!! .. وأعجب من هؤلاء جميعا من إذا سمع بهذا الكلام قال معاندا : إذا والله لن أتوب ولن أصلى .. لا .. أنا لا أقول ذلك الكلام لتقول هذا , ولكن أقوله لكى لا تمكر بربك .. فهو الذى خلقك ويعلمك .

فالذى قد واعد البنت الفلانية وجاء ليصلى يمكر .. نعم : هذا مكر .. وتعجب من قوله حين يسمع بهذا الكلام : أنا آسف , ولن أصلى بعد ذلك .. وهذا هو الغلط .. هذا هو العور فى البصيرة .. فبدلا من أن تقول : تبت إلى الله , تقول هذا الكلام ؟! .. سلم يا رب سلم .. تصر على المعاصى وتصانع ببعض الطاعات إن هذا لمكر .. فالمفترض والمتوقع حينما أقول لك هذا الكلام أن تقول:لا للمعصية ,لا أن تقول : لا للطاعة !!

وفرق كبير بين الذى يعصى ثم يستغفر ويتوب ويندم ويعزم على ألا يعود , وبين من يمكر السيئات .. وفرق كبير من يعمل السوء بجهالة ثم يتوب من قريب , وبين الذى يدبر ويمكر ويصر ويستمر .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الرابعة بعد المئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل الثامن عشر : إياك أن تمكر به فيمكر بك الملحظ الخطير عند تأمل الآيات السابقة :

أنك تجد التفريق بين من يتورط فى المعصية عند غلبة الشهوة مع الجهل وشدة الغفلة,وبين من يمكر للموضوع فيحتال ويدبر ويحتاط ويلف ويدور , ويبحث عن الشبهات ويتعامى عن الضوابط , لذا كانت عقوبة الماكر أشد بكثير من عقوبة العاصى .

لذا إذا قلت لك : تصانع بالطاعات وأنت مصر على المعاصى , فلا تقل : إذا لن أصلى حتى أنتهى عن المعاصى !! .. لأن هذا مكر ! .. ولم لا تنتهى عن المعاصى وتستمر فى الصلاة ؟!! .. اللهم تب على كل عاص مسلم يا رب ..

وتأمل معى قصة أصحاب السبت  لمّا مكروا على الله

 ,واستخفوا بزواجره , مسخوا قردة ؛قال الله تعالى :" واسألهم عن القرية التى كانت حاضرة البحر إذ يعدون فى السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون "      ( الأعراف : 163 ) . أى : واسأل يا محمد يهود المدينة عن أخبار أسلافهم وعن أمر القرية التى كانت بقرب البحر وعلى شاطئه ماذا حل بهم لما عصوا أمر الله واصطادوا يوم السبت ؟ , ألم يمسخهم قردة وخنازير ؟! والاعتداء فى السبت مجرد معصية أهون  بكثير من معاصيهم , كقتل الأنبياء وطلب رؤية الله جهرة وطلب أصنام وعبادة عجل ..الاعتداء فى السبت أخف من كل هذا بلا شك .. وفى كل هذا لم يمسخوا , وإنما مسخوا باعتدائهم فى السبت .. وهذا يدلك على أن العقوبة لم تكن على مجرد المعصية , وإنما العقوبة على المكر . قال الفيروزآبادى:"إن معصيتهم هذه كان فيها استخفاف بالله " , إذ حفروا الحفر يوم الجمعة ونصبوا عليها الشباك فوقعت فيها الاسماك يوم السبت وهم ينظرون , ثم جمعوا السمك يوم الأحد .. فتراهم قد خادعوا ومكروا بنصب الشباك يوم الجمعة وجلسوا كالمستخفيّن بربهم يوم السبت يضعون أيديهم فى جيوبهم وهم ينظرون إلى السمك يتساقط  فى شباكهم التى نصبوها ويقولون :يا رب,انظر كيف نحن مطيعون لك يوم السبت فلم نصنع شيئا مطلقا؛وهيهات هيهات.

تعال معى إلى سرد القصة :

" كان بنو إسرائيل قد طلبوا أن يجعل لهم يوم راحة يتخذونه عيدا للعبادة , ولا يشتغلون فيه بشؤون المعاش , فجعل لهم السبت .. ثم كان الابتلاء ليربيهم الله ويعلمهم كيف تقوى إرادتهم على المغريات والأطماع , وكيف ينهضون بعهودهم حين تصطدم بهذه المغريات والأطماع .. وكان ذلك ضروريا لبنى إسرائيل الذين تخلخلت شخصياتهم وطباعهم بسبب الذل الذى عاشوا فيه طويلا ,ولابد من تحرير الإرادة بعد الذل والعبودية , لتعتاد الصمود والثبات .

فضلا على أن هذا ضرورى لكل من يحملون دعوة الله , ويؤهلون لأمانة الخلافة فى الأرض .. وقد كان اختبار الإرادة والاستعلاء على الإغراء هو أول اختيار وجه من قبل إلى آدم وحواء .. فلم يصمدا له واستمعا لإغراء الشيطان بشجرة الخلد وملك لا يبلى ! , ثم ظل هو الاختبار الذى لابد أن تجتازه كل جماعة قبل أن يأذن الله لها بأمانة الاستخلاف فى الأرض .. إنما يختلف شكل الابتلاء , ولا تتغير فحواه !

ولم يصمد فريق من بنى إسرائيل – فى هذه المرة – للابتلاء الذى كتبه الله عليهم بسبب ما تكرر قبل ذلك من فسوقهم وانحرافهم .. لقد جعلت الحيتان فى يوم السبت تتراءى لهم على الساحل , قريبة المأخذ , سهلة الصيد . فتفوتهم وتفلت من أيديهم بسبب حرمة السبت التى قطعوها على أنفسهم ! , فإذا مضى السبت وجاءتهم أيام الحل , لم يجدوا الحيتان قريبة ظاهرة , كما كانوا يجدونها يوم الحرم ! .. وهذا ما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يذكرهم به , ويذكرهم ماذا فعلوا وماذا قالوا .  

على أية حال , لقد وقع ذلك لأهل القرية التى كانت حاضرة البحر من بنى إسرائيل .. فإذا جماعة منهم تهيج مطامعهم أمام هذا الإغراء ,فتتهاوى عزائمهم , وينسون عهدهم مع ربهم وميثاقهم , فيحتالون الحيل – على طريقة اليهود – للصيد فى يوم السب !

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الخامسة بعد المئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل الثامن عشر : إياك أن تمكر به فيمكر بك

ما أكثر الحيل عندما يلتوي القلب , وتقل التقوى ,

 ويصبح التعامل مع مجرد النصوص , ويراد التفلت من ظاهر النصوص .

إن أوامر الشريعة ونواهيها لا يحرسها مجرد وجود النصوص فى الكتب أو على ألسنة الدعاة والوعاظ , بل ولا السيف ولا المدفع , إنما تحرسها القلوب اليقظة التقية التى تستقر تقوى الله فيها وخشيته , فتحرس هى شريعتها وتحميها . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الحلال بيّن , وإن الحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات , لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه , ومن وقع فى الشبهات وقع فى الحرام , كالراعى يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه , ألا وإن لكل ملك حمى , ألا وإن حمى الله محارمه ",ثم عقب على ذلك بقوله :" ألا وإن فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله,ألا وهى القلب .[متفق عليه]

فمهما قلنا : حلال .. حرام .. يجوز .. لا يجوز .. يجب .. يكره .. فلن يجد هذا الكلام صدى إلا عند أصحاب القلوب التقية النقية والنوايا الطيبة .

" من أجل ذلك تفشل الانظمة والاوضاع التى لا تقوم على حراسة القلوب التقية . وتفشل النظريات والمذاهب التى يضعها البشر للبشر ولا سلطان فيها من الله .. ومن أجل ذلك تعجز الاجهزة البشرية التى تقيمها الدول لحراسة القوانين وتنفيذها . وتعجز الملاحقة والمراقبة التى تتابع الامور من سطوحها !

وهكذا راح فريق من سكان القرية التى كانت حاضرة البحر يحتالون على السبت , الذى حرم عليهم الصيد فيه .. وروى أنهم كانوا يقيمون الحواجز على السمك ويحوطون عليه فى يوم السبت , حتى إذا جاء الاحد سارعوا إليه فجمعوه , وقالوا : إنهم لم يصطادوه فى السبت , فقد كان فى الماء وراء الحواجز غير مصيد

وأنى لهذا أن يدخل على الله ,والله سبحانه يراقب خلجات النفوس وأسرار القلوب .. فمهما قالوا : " غير مصيد " بألسنتهم , فقد اصطادوا بقلوبهم ونياتهم ..

فيا من تصيدوا المعاصى والسيئات مكرا وخداعا , الله يراك ويعلم نواياك ,فاتق الله واحذر مغبة ذنبك وعاقبة فعلك .. ومهما خدعت الناس ومكرت على الخلق ودخل ذلك عليهم , فلن تخدع الله .. وإذا مكرت , فاعلم أنه " لا يحيق المكر السيىء إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنت الأولين فلن تجد لسنت الله تبديلا

 ولن تجد لسنت الله تحويلا " ( فاطر : 43 ) .

يا من تملأ قلبك بالهموم وتدنسه بالمعاصى عامدا , ثم

 تسأل الله سلامة القلب ! .. إن هذا لمكر .. مستمر فى شحن قلبك بالهموم ومتعمد .. تحمل هم المال وهم اللبس وهم الصيف وهم الشتاء وهم العيال وهم البنات وهم المرتب وهم الشغل وهم .. وهم .. وتقول : يا رب , طهر قلبى .. وأنت المداوم على تدنيسه !! .. إن هذا لمكر .. اللهم طهر قلوبنا يا رب .

حريص على الدنيا , غافل عن الآخرة , كثير الذنوب , بطيء التوبة , ثم تشكو قسوة القلب !! .. إن هذا لمكر .. إياك أن تمكر .. كن صادقا مع الله .. لا تكن ثعلبا , فالطريق وعرة .. الطريق إلى الله وعرة , ولن تصل إلى بتوفيقه , أفبهِ تمكر وهو دليلك الوحيد ؟!!

ولذا إذا أردت الوصول إلى الله , فتب من المكر ,

 فاجعل همومك هما واحدا هو الله .. الهموم نجسة

 فطهر قلبك منها .. اللهم طهر قلوبنا يا رب .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السادسة بعد المئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل الثامن عشر : إياك أن تمكر به فيمكر بك

أسباب تطهير القلب من الهموم

من أسباب تطهير القلب من الهموم سبعة :

أولا : الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم :

لما قال رجل : يا رسول الله , اجعل كل دعائى صلاة عليك ؟ , قال : " إذا يكفك الله ما أهمك " [حديث حسن] . وفى الرواية الثانية  : " يغفر ذنبك وتكف ما أهمك " [حسنه الألبانى] .

أحد مشايخنا ذهب إليه رجل سُرقت سيارته , فقال له : اذهب واجلس فى المسجد وصل الصلاة الابراهيمية : " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد . اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد " . وسبحان الله العظيم ! ما ارتفعت الشمس بعد صلاة الفجر إلى الضحى إلا وعادت إليه سيارته .. وهذا ليس كلاما صوفيا , ولكنه يقين فى الحديث .. الصوفى صاحب بدعة يؤلف لك حكاية , أما أنا فأكلمك فى السنة .. هذا كلام النبى صلى الله عليه وسلم : صل عليه يكفك الله ما أهمك .. أى شىء تحمل همه فأكثر من الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم يفرج ويقضى ويحل .

ثانيا : قراءة المعوذتين :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قرأ " قل هو الله أحد , وقل أعوذ برب الفلق حين يصبح وحين يمسى كفاه الله كل ما أهمه " [حسنه الألبانى] .. ولكن الشرط: اليقين والاحتساب , وهو أن أقرأها وأنوى بقرائتها أن يكفينى الله همومى .. أقرأها وأنت تعلم يقينا بأن الله قادر أن يكفيك همومك , وأن النبى صلى الله عليه وسلم صادق .. اقرأها باليقين والاحتساب يكفك الله ما أهمك .

ثالثا : قول : حسبى الله :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قال حين يصبح وحين يمسى حسبى الله لا إله ألا هو عليه توكلت , وهو رب العرش العظيم , سبع مرات , كفاه الله كل ما أهمه من أمر الدنيا والآخرة " [أخرجه أبو داود]

أثناء قولك : حسبى الله , تدبر معناها .. حسبى الله .. كفيلى .. لا إله إلا هو عليه توكلت,وهو رب العرش .. تخيل القبر حتى يكفيك هم القبر , والصراط حتى يكفيك هم الصراط , وتطاير الصحف حتى يكفيك تطاير الصحف , والميزان حتى يكفيك هم الميزان , والعرض على الله حتى يكفيك هم العرض عليه ...

رابعا : ذكر دعاء الهمّ :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قال : اللهم إنى عبدك وابن عبدك وابن أمتك , ناصيتى بيدك , ماض فىّ حكمك , عدل فىّ قضاؤك , أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك , أو أنزلته فى كتابك , أو علمته أحدا من خلقك , أو استأثرت به فى علم الغيب عندك , أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبى , وشفاء صدرى , وجلاء همى وغمى , إلا أبدله الله مكان الهم فرجا " . قالوا : يا رسول الله : أنتعلمها ؟, قال : " ينبغي لكل من سمعها أن يتعلمها " [صححه أحمد شاكر] . إذا فليلزم كل واحد منكم حفظ هذا الحديث .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السابعة بعد المئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل الثامن عشر : إياك أن تمكر به فيمكر بك

أسباب تطهير القلب من الهموم

خامسا : الاستغفار :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من لزم الاستغفار , جعل الله له من كل ضيق مخرجا , ومن كل هم فرجا , ورزقه من حيث لا يحتسب " [صححه أحمد شاكر] .

سادسا : جعل الهموم هما واحدا :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  "من جعل الهموم هما واحدا هم الآخرة كفاه الله ما أهمه , ومن تشعبت به الهموم لم يبال الله به فى أى أودية الدنيا هلك [حسنه الألبانى]

إذاً يجب أن يكون شغلك في كل لحظة هو :  يا ترى هل الله راض عنى أم لا ؟ هل لو مت الآن سأدخل الجنة أم النار ؟ .. يا ترى سأقع على الصراط أم سأمر بسلام ؟ .. يا ترى الميزان أى كفتيه ستخف ؟ .. عند تطاير الصحف سآخذ باليمين أم بالشمال ؟ .. هذا همك الرئيس والأساس : الآخرة .. أما هموم الدنيا فكثيرة وهينة على الله , ومن تشعبت به عاش شقيا ومات شقيا .

سابعا : الدعاء : الدعاء سلاحك , فادع الله أن يجمع عليك شملك ويكفيك ما أهمك , اضرع إليه وقل : اللهم فرغ قلبى لك حتى لا يحول بينى وبينك شىء .. اللهم اجعل همومى هما واحدا هو لك , واجعل أشغالى شغلا واحدا هو بك , واجعل أفكارى فكرة واحدة هى فيك .. ارحمنى يا ربى وجمع شتات قلبى .. اكفنى ما أهمنى وغمنى .. قل : اللهم إنى أعوذ بك من الهم والحزن .. ادع الله وهو – سبحانه وتعالى – قريب يستجيب دعاء المهموم المضطر

وهكذا يا أخى فى الله يا طالب الوصول يكون الهم .. فطهر قلبك من هموم الدنيا .. وكن صادقا , ولا تمكر بالله حتى لا يمكر بك فتكون من الهالكين الخاسرين .. اجعل همك الذى تعيش له وتعيش به : هو الدار الآخرة .. رضا الله وفقط .. فلا تمكر وإلا فلن تصل إلى الله على الاطلاق .

الأصل التاسع عشر : اجن العسل ولا تكسر الخلية

لكل باب مفتاح فاجن العسل ولا تكسر الخلية .

بعض الناس إذا أراد أن يحصل على عسل من خلية النحل يدب برجله فيها فيدغدغها .. مهلا مهلا فلها مفتاح .. إذا كنت لا تعرف فأت بمن يعرف حتى تأكل عسلا .. وتترك الخلية تخرج العسل مرة ثانية .. لا تكسر الخلية .

أيها الإخوة , إن بعضنا حينما يسير فى الطريق إلى الله ويريد أن يجنى شيئا من الخير , تراه يهجم عليه بدون وعى ولا امتلاك مفاتيح .. مفاتيح الوصول .. سيكسب عسلا ولكن لآخر مرة .. فافهم ولا تهجم .. وادع الله أن يرزقك الفهم فى دينك .. اللهم فهمنا ما تحبه وترضاه لنفعله , اللهم بلغنا رضاك يا رب .

وقد ذكر ابن القيم فى كتابه القيم " حادى الارواح الى بلاد الافراح " – اللهم بلغنا بلاد الافراح يا رب – ذكر مجموعة مفاتيح , فقال - رحمه الله تعالى - :

" وقد جعل الله – سبحانه – لكل مطلوب مفتاحا يفتح به , فجعل مفتاح الصلاة الطهور .. كما قال : مفتاح الصلاة الطهارة .. ومفتاح الحج الاحرام .. ومفتاح البر الصدق .. ومفتاح الجنة التوحيد .. ومفتاح العلم حسن السؤال وحسن الاصغاء .. ومفتاح النصر والظفر الصبر .. ومفتاح المزيد الشكر .. ومفتاح الولاية المحبة والذكر .. ومفتاح الفلاح التقوى .. ومفتاح التوفيق الرغبة والرهبة .. ومفتاح الإجابة الدعاء .. ومفتاح الرغبة فى الاخرة الزهد فى الدنيا .. ومفتاح الإيمان التفكر فيما دعا الله عباده إلى التفكر فيه .. ومفتاح الدخول على الله إسلام القلب وسلامته له .. والإخلاص له فى الحب والبغض والفعل والترك .. ومفتاح حياة القلب تدبر القرآن والتضرع بالاسحار وترك الذوب .. ومفتاح حصول الرحمة الاحسان فى عبادة الخالق والسعى فى نفع عبيده .. ومفتاح الرزق والسعى مع الاستغفار والتقوى .. ومفتاح العز طاعة الله ورسوله . ومفتاح الاستعداد للآخرة قصر الامل .. ومفتاح كل خير الرغبة فى الله والدار الآخرة .. ومفتاح كل شر حب الدنيا وطول الامل " .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثامنة بعد المئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل الثامن عشر : إياك أن تمكر به فيمكر بك

أسباب تطهير القلب من الهموم(لكل شيء مفتاح )

قال ابن القيم : " مفتاح الصلاة الطهور " .. فلكى

 تصلى كما ينبغى توضأ كما ينبغى .. يقول بعض العلماء : إذا أخطأ الإمام ولبس عليه فى الصلاة ,فإن هذا دليل على أن من خلفه لم يحسن الوضوء .

فانظر كيف تؤثر طاعة أو معصية المأموم على الإمام .. وإذا كان تأثيره يصل الى الامام فما بالك على صلاته هو .. إذاً حينما تقول لى : أنا أشرد بذهنى فى الصلاة , أقول لك توضأ وضوءا بحق .. نريد ونحن نتوضأ أن نحس بمعنى كل حركة .. فإذا غسلت يديك فانظر للمياه واستشعر نزول الذنوب معها التى جنتها يداك , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فإذا غسل العبد يديه خرجت كل خطيئة بطشتها يداه حتى تخرج من تحت أظفاره , فإذا تمضمض خرجت كل خطيئة بطشها لسانه حتى تخرج الخطايا من بين أسنانه " [أخرجه مسلم] .

تخيل وأنت تغسل وجهك .. تخيل الخطايا وهى تخرج من تحت أشفار عينك .. عينك هذه التى كم جنت .. فتوضأ بحق , فالوضوء مفتاح الصلاة .. " ومفتاح الحج الاحرام " , فإذا أحرمت كما ينبغى , استمتعت بالحج  , فحججت بحق .. المفاتيح كثيرة ..

فأمسك المفاتيح يفتح لك الباب , أما إذا تركت المفاتيح وكسرت الباب .. فستدخل , ولكن ستفقد العسل باقى عمرك .

وللشر مفاتيح : فمفتاح الزنا النظر , ومفتاح النار الاعراض عن الله . ومفتاح النفاق الكذب . ومفتاح الرياء الجدل. ومفتاح كل إثم الخمر . ومفتاح العشق الاختلاط .. هذه مفاتيح الشر فاعرفها جيدا .

قال ابن القيم : " كما جعل – سبحانه – الشرك

 والكبر والاعراض عما بعث الله به رسوله والغفلة عن ذكره والقيام بحقه مفتاحا للنار , وكما جعل الخمر مفتاح كل إثم .. وجعل الغنى مفتاح الزنا .. وجعل إطلاق النظر فى الصور مفتاح الطلب والعشق .. وجعل الكسل والراحة مفتاح الخيبة والحرمان .. وجعل المعاصى مفتاح الكفر .. وجعل الكذب مفتاح النفاق .. وجعل الشح والحرص مفتاح البخل وقطيعة الرحم وأخذ المال من غير حله .. وجعل الاعراض عما جاء به الرسول مفتاح كل بدعة وضلالة " .

لذلك يجب أن نأتي البيوت من أبوابها .. فإذا أتيت الباب فاملك المفتاح تدخل وتصل .

 إننا بحاجة إلى أن نملك المفاتيح التى نفتح بها أبواب الخير ألى الله ..

قال ابن القيم :وهذا باب عظيم من أنفع أبواب العلم , وهو معرفة مفاتيح الخير والشر , لا يوفق لمعرفته ومراعاته الا من عظم حقه وتوفيقه , فإن الله – سبحانه وتعالى – جعل لكل خير وشر مفتاحا وبابا يدخل منه إليه " .

ثم يعقب – رحمه الله – فى نهاية كلامه عن المفاتيح قائلا :"وهذه الامور لا يصدق بها الا كل من له بصيرة صحيحة وعقل يعرف به ما فى نفسه وما فى الوجود من الخير والشر , فينبغى للعبد أن يعتنى كل الاعتناء بمعرفة المفاتيح وما جعلت المفاتيح له , والله من وراء توفيقه وعدله له الملك وله الحمد وله النعمة والفضل لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون " .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة التاسعة بعد المئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل الثامن عشر : إياك أن تمكر به فيمكر بك

أسباب تطهير القلب من الهموم( المفاتيح)

أخى فى الله , هذا أصل إياك أن تنساه .. لكل خير باب , ولكل باب مفتاح .فإن أتيت الباب فقد أهلت للخير فاستعد .. وكما يقول أهل الامثال :" إنما يسقط التفاح لمن يبحث عنه تحت الشجرة " .. فهل الذى يبحث عن التفاح تحت عمود الكهرباء سينزل عليه تفاح ؟! .. لا يمكن .. وإنما ينزل التفاح للذى يبحث عنه فى مكانه المناسب , فلذلك لكل خير باب إذا أتيته فقد أهلت للخير , ولم يبق لك الا أن تفتح الباب , وإذا كان فتح الباب بالمفتاح , فالمفتاح لابد أن يكون له أسنان , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مفتاح الجنة لا إله الا الله " [أخرجه أحمد والبزار] .. فكل مفتاح له أسنان , وأسنان لا إله إلا الله شرائع الاسلام وسنن المصطفى صلى الله عليه وسلم .. إذا فلا تقل : ربنا غفور رحيم , وتترك العمل , لأنك بذلك تكسر الخلية .. فأين مفاتيحك وأين أسنانها ؟!!

قال وهب بن منبه حين قيل له : أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :مفتاح الجنة لا إله إلا الله؟", قال :" بلى , ولكن ليس مفتاح إلا له أسنان,فإن جئت بمفتاح له أسنان,فتح لك ,وإلا لم يفتح لك "[أخرجه البخارى] .

فلذلك فإن " لا إله إلا الله "لها أسنان هي الشروط

 .. حققها ليفتح لك باب الجنة .. فللجنة باب , وللباب مفتاح , وللمفتاح أسنان , وكذلك كل أنواع الخير لها أبواب .

والقضية الخطيرة أن بعضنا يأتى باب الخير ثم يرجع .. اللهم ثبتنا على الايمان يا رب .. كثير من الناس أكرمه الله وتاب عليه بعد أن كان يعمل فى الذنوب والمعاصى , ثم عاد وآثر المعصية وترك الطاعة وابتعد عن طريق الله – اللهم تب علينا توبة ترضيك , اللهم إنا نسألك توبة من عندك تصلح بها قلوبنا , وتهدى بها أفئدتنا , وتنور بها بصائرنا .

أحبتى فى الله , تجد بعض الشباب الذين عرفوا طريق الخير قد وصل إلى الباب فدخل المسجد وحضر الدروس وسمع الشرائط , فوقف بهذا على الباب , وفجأة تجده قد أعطى الباب ظهره ! .. قال الملك : { ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزى الله الشاكرين }( آل عمران : 144 ) . وسبب هذا الرجوع – إخوتاه – أننا فى زمان التزيين .. فتنة التزيين .. نعم : التزيين فتنة خطيرة جدا فى هذه الايام .. إننا فى زمان يزين فيه الباطل , ويجمل , ويظهر فى صورة الحق فتقبله النفوس فتفتن .

ومن أخطر أسباب التزيين : الهوى – اللهم إنا نعوذ بك من الهوى - , وأخطر ما فى الهوى أن سلطانه قوي , ومكره خفي .. الهوى هو المزاج .. مزاجك الشخصي .. كم من أناس من حولنا تابوا – يا رب ثبتنا على التوبة يا رب - , فبدأ الواحد منهم يصلى وانتهى عن المشى مع البنات , وألغى أسطوانات " المزيكا والديسكو " .. لكن فى داخله هوى .. فى نفسه هوى : أنه لا يزال يود أن يعصى ليستمتع بالمعصية , فإذا قرأ فى الجرائد فوجد الشيخ الفلانى يسأل عن الاغانى فيقول : " الأغانى كالشعر حسنه حسن وقبيحه قبيح " , فماذا نتوقع منه ؟! .. لا شك أنه سيفتن بفتوى مضلة ملبسة , وليس قول هذا الشيخ : " أنا أسمع الغناء " بحجة لنفسه أو لغيره .

الشاهد : أن الشباب حينما يقرأ هذه الفتاوى والبلاوى , يقول : إذا فهى حلال , ويبدأ فى تشغيلها لغلبة الهوى , ولا حول ولا قوة إلا بالله .

 كان أحد إخوانكم معى فى المسجد وفى الدرس,بل وكان يحضر معى فى السيارة  فتن – اللهم رده إلينا ردا جميلا – قال  لى : سمعت قليلا من  " الغناء "

وبعدها غرقت فى بحر الشهوات .. تاه .. ضل , لأن المنزلق خطر .. سلطان الهوى قوى .. وتياره جارف .. وأمواجه ترمى بعيدا عن الشاطىء فى داخل البحر .

نعم : سلطان الهوى على القلب والعقل قوى وخفى , تجد صاحب الهوى يقول : سأمتع نفسى بعض الشىء وبعض الوقت – يقصد – بالمعصية !- ثم إننى أعود إلى الله , إذا فلن أتضرر كثيرا .. أقول لك : أنت لا تضمن , فقد يسخط الله عليك وقت معصيتك – هذه التى تستصغرها – فتنحرف وتنجرف لتعيش فى الطين إلى أبد الآبدين.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة العاشرة بعد المئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل الثامن عشر : إياك أن تمكر به فيمكر بك

أسباب تطهير القلب من الهموم( المفاتيح)

إن بعض الناس بل الكثير يأتون الباب – وهذا فضل الله عليهم - , ولكنهم لا يريدون ولوجه .. لا يريدون أن يدخلوا فى الطاعة  , ويستمروا فيها ويثبتوا عليها .. لا يريدون ذلك , لأن قلوبهم قد أشربت الهوى .. فتراهم يرجعون فيولون الخير ظهورهم .. لأنهم لم يمتلكوا من البداية مفاتيح الخير, بل حرصوا على مفاتيح الشر كالهوى الذى هو مفتاح كل مصيبة .. فتجده قد أتى الباب , وها هو الباب سيفتح , فإذ به – فجأة – قد ولى وترك الباب !! , ولا حول ولا قوة إلا بالله .

فيا من تأتون الابواب وليس معكم مفاتيحها .. يا من لم تعرفوا مفاتيحها فلم تستطيعوا أن تصنعوا شيئا , دعونى أعطكم مجموعة مفاتيح اجعلوها معكم واحتفظوا بها .. وإياكم أن تستعملوا هذه المفاتيح فى باب أحد غير الله .

هل لديك استعداد الآن لتأخذ هذه المفاتيح ؟ .. وفيم ستأخذها ؟ .. خذها فى قلبك .. أريدك أن تعلق هذه المفاتيح فى قلبك وتربطها به – اللهم افتح قلوبنا يا رب - . لأن هذه المفاتيح إذا دخلت على قلبك بالحق , سيفتح , ويفتح بها أيضا قلوبا أخرى مغلقة .

المفاتيح : أولا : مفتاح الإجابة الدعاء :

قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه : " أنا لا أحمل هم الاجابة , وإنما أحمل هم الدعاء , فإنى إذا ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه " .

إخوتى الشباب , وأنت ساجد فى الصلاة ماذا طلبت من الله ؟ , وأى الدعاء حضر فى قلبك ؟ - اللهم ارزقنا حضور القلب يا رب .. هل طلبت من ربك الفردوس الاعلى من الجنة ؟ هل طلبت منه أن يرزقك قيام الليل ؟ والخشوع فى الصلاة ؟ هل طلبت منه أن يرزقك الحلم ؟ .. طلبت منه التوبة ؟ طلبت منه الإنابة ؟ طلبت منه النجاة من الفتن ؟ وأن يصرف عنك الأذى ؟ .. ماذا سألته ؟ !!

للأسف الشديد , إن أكثرنا يدعو الله وهو فى غفلة , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله لا يقبل الدعاء من قلب غافل لاه " [حسنه الألبانى] .. فلذلك إذا أردت شيئا أو حزبك أمر فالدعاء مفتاحك , فادع ليفتح لك .. إذا فالإجابة باب , ومفتاحها الدعاء , والدعاء باب ومفتاحه حضور القلب , وأسنان المفتاح الإخلاص , وإذا لم يفتح الباب فلا تنصرف ولكن ظل واقفا وحاول الفتح .. حرك المفتاح .. حرك قلبك بالإخلاص .. لا تعجل ولا تيأس فبسنة واحدة للمفتاح يمكن الفتح , ولكن المهم أن تديم الإخلاص فلا تتعجل , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يستجاب لأحدكم ما لم يعجل , يقول : دعوت فلم أر يستجاب لى " [متفق عليه] .

ثانيا : مفتاح الرغبة فى الآخرة الزهد فى الدنيا : 

اللهم إنا نعوذ بك من الدنيا وما فيها .. الدنيا فتنة .. وفتنة الدنيا مصيبة .. وإن الخطر الأكبر فى الدنيا تزيينها .. تزيين الدنيا , قال الملك – جل جلاله – " زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المئاب " ( آل عمران : 14 ) .." وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا " ( الزخرف : 35 ) ." دنيا " .. ماذا تعنى هذه الكلمة ؟ .. تعنى : سيارة أغلى وأفضل , وأحسن , وشقة فارهة وملايين ونساء .. ثم ماذا بعد ؟! .. دخول جهنم .. هذه هى الحقيقة .

فيا من لا تركب إلا سيارة جديدة لتلفت نظر البنات , فتنتك الدنيا وتريد أن تفتن الآخرين ؟! .. هذه فتنة على فتنة , ومصيبة على مصيبة , أن نُفتن فَنفتن الآخرين .. فتذكر آخرتك , تذكر يوم الحساب يوم الوقوف والعرض على الله يوم يجاء بجهنم " يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى "( الفجر : 23 ) .. تذكر يوم تقول : "يا ليتنى قدمت لحياتى* فيومئذ لا يعذب عذابه أحد*ولا يوثق وثاقه أحد "( الفجر : 24 _ 26 )

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الحادية عشرة بعد المئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل الثامن عشر : إياك أن تمكر به فيمكر بك

 ( المفاتيح)

ولكى يكون لديك رغبة فى الآخرة , ازهد فى حطام الدنيا الزائل .. الدنيا زائلة فألقها وراء ظهرك , بل ضعها تحت قدميك .. ونظرة واحدة إلى مآلك تهونها عليك , فتأمل حالك يوم وضعك فى التراب , يوم أن تترك الأهل والأحباب , يوم أن تخلع أحسن الثياب , وترتدى ثياب الموتى .. وتذكر فقط القبور , فأهوالها كافية لجعلك تقبل على الآخرة , فتزهد فى الدنيا

ان الميت اذا وضع فى قبره كلمه القبر .. وهذا هو اول هول " تكليم القبر " .. تكلمه جدران القبر فتقول له – اى المؤمن - : اما انك كنت افضل من يمشى على ظهرى , اما اذ بليتك اليوم وصرت الىّ فى بطنى فسترى صنيعى بك .. ثم يضمه القبر ضمة الام الحنون لولدها الغائب – اللهم اجعلنا منهم يا رب – مثلما تكون راجعا من سفر فتضمك امك الى حضنها .. اخذتك بشدة وضمتك بقوة لكنها ضمة جميلة .. ضمة مريحة .. انها امك الارض .. انها امك وابوك .. اصلك وفصلك ..

اما الاخر – يارب استرنا يا رب , اللهم ارزقنا حسن الخاتمة , اللهم لا تتوفانا الا وانت راض عنا – فيكلمه القبر فيقول له : اما انك كنت ابغض من يمشى على ظهرى .. فتدبر – اخى – حالى هذين الرجلين .. فكر فى اليوم الذى يضعونك فيه فى القبر ويقفلون عليك .

كنت حاضرا دفن احد الاخوة – اللهم ارحمه وارحم موتى المسلمين يارب , اللهم ارحم كل ميت مسلم يا حى يا قيوم – ونحن نرى الرجل الذى دفنه وهو يضع

 ترابا وطوبا وطينا وجبسا !!!..

ويؤكد القفل عليه !! .. سبحان الله هل سيجرى ويترك القبر ؟ ! .. اتركه يا اخى لقد اوجعت قلبى .. سيفعلون بك مثل هذا فى يوم من الايام .

الكل سيتركك .. لن تنفعك زوجتك ولا حبيبتك وروح قلبك , " حياتك " التى ضيعت عمرك من اجلها وعصيت ربك لترضيها لن تسأل عنك .. هم يغلقون عليك القبر لن تجد احدا يجلس معك ولا احدا يمسك بك . امك , ابوك , اخوانك , اصدقاؤك , احبابك , اموالك .. كلهم سيسلمونك ثم يذهبون للراحة .. سيسدون عليك ويحكمون الغلق ويتركونك لتظل وحدك ؟ , فتوهم نفسك , وتخيل حالك .

ظلمة .. وحشة .. خوف .. رعب .. عريان .. وتفاجا

 بان احدا يقول لك  : اما انك كنت ابغض من يمشى على ظهرى .. من انت ؟ .. ماذا جرى ؟ !! .. تجد جدران القبر تكلمك !! , ثم بعد ذلك تاتيك الملائكة لتسألك : من ربك وما دينك ومن نبيك ؟ , وبعد انصرافهم تفاجا برجل اسود الوجه اسود الثوب , منتن الريح , فتقول له :من انت؟ !,فوجهك الوجه الذى لا يجىء بالخير,يقول لك:الا تعرفنى,انا حبيبك عملك

آه .. آه .. آه .. والله ياكاد القلب يقف نبضه حينما اتخيل هذا الموقف , والعجب – اخوتاه – اننا نسمع بهذا الكلام ونقراه ونستوعبه ونفهمه ونعجب به , ثم نعمل اعمالا ستدخل علينا سوداء : تزنى .. تكذب .. تنام عن الصلاة .. تغتاب .. تنم .. تؤذى .. تعمل اعمالا سيئه .. ستدخل عليك وانت فى قبرك وحدك ..

ففى اهوال القبر وظلمته تنظر وتسأل : من انت ؟ , يقول لك : انا عملك الاسود .. انا معاصيك , الا تعرفنى ؟!!, انا حبيبك الذى عشت معك طول عمرك .. انا عملك السيىء

لكن المصيبة الكبرى انه سيظل معك الى يوم القيامة ! , فلو كان معك وقتا محدودا لهان الامر شيئا ..لكن لا .. ليس غيره معك الى يوم القيامة , لذلك فان مفتاح الرغبة فى الاخرة الزهد فى الدنيا , فالذى تحب ان يكون معك فى قبرك من هذه الدنيا فاعمله .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثانية عشرة بعد المئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل الثامن عشر : إياك أن تمكر به فيمكر بك

 ( المفاتيح)

اقول لكم شيئا جميلا : الذى يريد ان يكون قبره " مكيفا " , يكيف لنا هذا المسجد .. الذى يريد لمبة نور فى قبره يتصدق على الفقراء بلمبة كهرباء ..   الذى يريد ان ياكل ويشرب فى قبره يطعم اليوم خمسين مسكينا .. شغل جوارحك فى طاعة الله .. المصنع الذى وهبه الله لك , شغله فى انتاج الحسنات , ولا تشغل نفسك بجمع الدنيا .. فالدنيا لن تنفعك , ولن ينفعك ما فيها الا العمل الصالح , فازهدها ترغب فى الاخرة .

اخى فى الله, لن تستقيم لك رغبة فى الاخرة الا بالزهد فى الدنيا .. اللهم انا نعوذ بك من الدنيا .

ابو طلحة الانصارى رضى الله عنه كان له بستان من نخيل واعناب , لم تعرف المدينة بستانا اعظم منه شجرا , ولا اطيب ثمرا , ولا اعذب ماء .. وفى ما كان ابوطلحة يصلى تحت افيائه الظليلة , اثار انتباهه طائر غرد اخضر اللون احمر المنقار مخضب الرجلين .. وقد جعل يتواثب على اسنان الاشجار ظربا مغردا متراقصا .. فاعجبه منظره , وسبح بفكره معه .. ثم ما لبث ان رجع الى نفسه , فاذ هو لا يذكر كم صلى ؟ : ركعتين ؟ ثلاثا ؟ .. لا يدرى .. فما ان فرغ من صلاته , حتى غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم , وشكا له نفسه التى صرفها البستان وشجره الوارف , وطيره الغرد عن الصلاة .. ثم قال له : اشهد يا رسول الله : انى جعلت هذا البستان صدقة لله – تعالى .. فضعه حيث يحب الله ورسوله [متفق عليه] .

يذكرك ابوطلحة فى تصرفه هذا بالنبى سليمان عليه السلام , الذى راح يعقر خيله بسيفه فى سوقها واعناقها , لما شغله تفقدها عن صلاته وتسابيحه , قال تعالى :"ووهبنا لداود سليمان نعم العبد انه اواب * اذ عرض عليه بالعشى الصافنات الجياد * فقال انى احببت حب الخير عن ذكر ربى حتى توارات بالحجاب * ردوها على فطفق مسحا بالسوق والاعناق " (ص : 30-33) . وهكذا تأمل – اخى فى الله – ابا طلحة وكيف انه رضى الله عنه لما وجد الحديقة وطيورها " الدنيا " قد شغلته وألهته عن الله , سارع بتركها والزهد فيها .. نعم : فمفتاح الرغبة فى الاخرة الزهد فى الدنيا .. فاللهم لا تجعل الدنيا اكبر همنا ولا مبلغ علمنا .. اللهم واجعل الاخرة هى دارنا وهمنا , واجعل منانا رضالك عنا .. اللهم ولا تحرمنا لذة النظر الى وجهك الكريم .. آمين .

ثالثا : مفتاح الايمان التفكر فى الاء الله ومخلوقاته :

التفكير فى النعم هو مفتاح الايمان , قال الله – تعالى - :" فاذكروا الاء الله لعلكم تفلحون "( الاعراف :69) , قلت لاخ بكلية الهندسة : اعطاك الله عقلا .. هذا العقل نعمة ام لا ؟ .. نجحت فى الثانوية العامة بمجموع 98% ودخلت كلية الهندسة بحبك لها , واجتهدت فتفوقت وعينت معيدا , ثم حصلت على الماجستير والدكتوراه .. كل هذا بهذا الدماغ الذي وهبه الله لك

أعطاك نعمة العقلية المتفكرة هذه .. فهل استعملتها فى الوصول اليه سبحانه ؟!.. استعملتها فى الدنيا كثيرا , ولكن نراك لا تشغلها مطلقا مع الله !! .. لماذا عطلتها فى التجارة مع الله ؟!.. يا بنى , إن سكة الله تحتاج الى هندسة .. تحتاج الى عقل .. فشغل عقلك فى التفكير فى النعم والتأمل فى المخلوقات لتزداد عظمة الله فى قلبك .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثالثة عشرة بعد المئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل الثامن عشر : إياك أن تمكر به فيمكر بك

 أنواع التوحيد ثلاثة :

توحيد الربوبية . توحيد الالوهية , توحيد الاسماء والصفات .

أما توحيد الربوبية : فهو توحيد الله بأفعال الله , فالله

 هو الذى ينزل المطر , ويحيى ويميت , يعطى ويمنع , يضر وينفع , يعز ويذل .. لم يعارض فيه أحد من الخلق , فلم يقل أحد : إنه هو الذى خلق السماوات والارض , والمشركون كانوا يقرون بذلك .. ولم ينكره الا الملاحدة والشيوعيون فى زماننا , الذين انتكست فطرتهم فلم يعملوا عقولهم .

ودائما أقول جملة : " إن عين أصغر نملة تفقأ عين أكبر ملحد " .

نقول له : خذ النملة وسل نفسك : من الذى وضع عينها هنا وجعلها ترى ؟! .. تفكر فى خلقها حتى لا تقول : خلقت صدفة .

أما توحيد الالوهية : فهو توحيد الله بأفعال العباد , يعنى ألا نسجد إلا لله , ولا ندعو الا الله , ولا ننذر إلا لله , ولا نخاف الا من الله .. صرف جميع أنواع العبادة لله .

وأما النوع الثالث فهو توحيد الاسماء والصفات : وهو

 ان نثبت لله ما أثبته لنفسه , وما أثبته له رسول الله

 صلى الله عليه وسلم . فالربوبية – كما قلت – لم يخالف فيها أحد , ولذلك تجد كثيرا من الإخوة لا يهتم ولا يعبأ بتوحيد الربوبية .. يقول : ليس هناك مشكلة , أهم شىء توحيد الألوهية , نعم : هذا صحيح , ولكن الربوبية هى المدخل وهى الموقد للالوهية , فكلما ازداد القلب تأملا وتفكرا فى نعم الله , فى النفس والكون , ازداد شكرا وعبادة لله .

ولذا أسأل : متى كانت آخر مرة نظرت فيها الى السماء ؟! .. أقول – وللاسف الشديد - : لقد أصبحنا فى زمان يحول أهله الطاعات الى معاص .. فأصبح لا ينظر الى السماء الا " الحبيبة " , فيقولون : " أنا بت أعد النجوم " .. ويظلون ينظرون الى القمر .. معاص .. فأين المتأملون المتدبرون بحق , أين أصحاب العقول

 اللبيبة المتفكرة ؟!!

إخوتاه , البحر من آيات الله , فهل تأملتموه ؟!! ..

إن ولدا على البحر ذاق المياه فوجدها مالحة جدا , فسأل أمه : من الذى وضع ملحا فى البحر ؟! .. فجلست أفكر : من الذى وضع ملحا فى البحر ؟! ..

" هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج " ( الفرقان : 53 ) .. أجاج : ملح .. من الذى فعل هذا ؟.. سبحانه

هو الملك .. انظر الى نهر النيل وذق ماءه , سبحان الله .. الفرق شاسع .. ماء وماء لكن الطبيعة مختلفة !! من اليوم ينظر الى البحر ؟! .. لا أحد .. سوى أصحاب مصائف السوء .. ينظرون نظر عصيان وخيانة .. حولوا الطاعات الى معاص .. لا يقف على النيل اليوم أحد يسبح الله .. الكل يعصى أمام نعمة تبهر العقول وترقق القلوب .. ولا يعنى هذا أن نقف معهم , بل ينبغى أن نبحث عن أماكن أخرى خالية من المعاصى نتأمل فيها نعم الله .

اخرج الى حديقة أو الى البساتين الواسعة وتأمل أنواع الزهور والزروع , وسبح الله .. أمسك بزهرة وتأملها .. تأمل أنواع الطيور .. تأمل انواع الزروع واختلافها فى الاحجام والالوان والثمار , فهذا مر علقم بجوار آخر حلو لذيذ , وهذا اخضر بجوار آخر أحمر .. سبحان الله .. مع أن الكل يروى من ماء واحد وفى أرض واحدة , إنها يد الله التى تضبط وتسير وتقدر كل شىء بقدره .. فسبحانه سبحانه .. سبحانه من إله عظيم .. سبحانه من خالق جميل .

 كنت فى سفر قطعت فيه أربعمئة وخمسين كيلو مترا

 لم يكف لسانى عن التسبيح , مما أرى من بديع خلق الله .. عظيم خلق الله .. جميل خلق الله .. جمال من جمال !! سبحان الله .. لذا أريدك أن تنظر وتتأمل .. فاصعد الى سطح منزلكم الليلة واستلق على ظهرك , ولا تنظر يمنة او يسرة .. انظر الى السماء فقط .. انظر الى النجوم والكواكب وأجزاء الكون .. يزيد هذا فى قلبك عظمة الله .. فتحس بأنوار عظيمة تملأ قلبك .. أريدك أن تذهب الى مكان فيه جبال وتنظر للجبال , انظر يمينها وشمالها وفوقها وتحتها ..

جرب وقل : سبحان الله ! .. جرب , ولا تعص الله بنعم الله .. فلا تذهب الى البحر فى الصيف , بل اذهب فى الشتاء حيث لا أحد .. اذهب لعمل عمرة , وهذه دعوة الى مصيف جديد فى مكة المكرمة – اللهم ارزقنا الحج والعمرة , وتابع لنا بين الحج والعمرة , اللهم لا تحرمنا من الحج والعمرة .

يذهب العصاة الى الشواطىء فى الصيف , فاذهب أنت لى الكعبة , اذهب الى المدينة .. اجلس أمام الكعبة وتأمل الجلال والبهاء .. تأمل وأنت مسافر بالطائرة أو الباخرة أو بالحافلة برا .. تأمل خلق الله , استمتع بالبحر وانت مسافر , استمتع ببلاد الله وبساتينها الجميلة .. تامل لتزداد عظمة الله فى قلبك , لتذوق حلاوة الايمان , ولذة الايمان وطعم الايمان .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثالثة عشرة بعد المئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل الثامن عشر : إياك أن تمكر به فيمكر بك

رابعا : مفتاح الدخول على الله إسلام القلب :

نريد أن ندخل على الله .. فمن منكم يريد أن يدخل ؟ .. لازلنا واقفين منذ زمن نتفرج .. ودائما أقول : أنا دلال على بضاعة الله , ولكن الزبائن من نوعية أهل عصرنا يتفرجون ولا يشترون .. فمن يشترى الجنة ؟ .. من منكم يريد أن يدخل على ربه .

قال تعالى حاكيا عن الخليل إبراهيم عليه السلام : " إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت " ( البقرة : 131 ) .. أسلم , أسلمت .. هذه هى القضية .. قال – تعالى - : " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن " ( البقرة : 124 ) .. هذه هى قضية الدخول على الله .. إنك تسمع للامر فتقول : أسلمت وتسمع للنهى فتقول : أسلمت تنفذ المطلوب نه أسلمت .. تمام الاستسلام .. أن تكون مع الله بادىء الرأى , قال الملك : " يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدى الله ورسوله " ( الحجرات : 1 ) .

أحد الناس كان مستجاب الدعوة , وكان عليه دين فقال له ابنه : هلا دعوت الله أن يقضى دينك , فرفع يديه الى السماء , وقال : اللهم اغفر لى وتب علىّ , فقال له ابنه : يا ابت , ادع الله بقضاء الدين , فقال : " يا بنى إذا غفر ذنبى قضى دينى " , اللهم اغفر ذنوبنا , واقض ديوننا .. هذه هى القضية : تعلق القلب بالله .. " إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت " .. فأسلموا – إخوتاه – فمفتاح الدخول على الله إسلام القلب لله .

كثير من الشباب الذين يرجعون عن كلامهم فيتركون طريق الوصول الى الله , إنما رجعوا وتركوا الطريق , لأن قلوبهم لم تسلم بعد .. قلبه لا يزال مشغولا بالبنات .. بالدنيا .. بالهموم .. المال .. بالزواج .. باللعب .. بالفسح .. بالتنزه .. باللبس .. لكن إذا أسلم القلب لله , أصبح أحب شىء إليه طاعة الله .

إن الشباب إذا التزم وكان لا يزال فى قلبه هوى – نعوذ بالله تعالى من الهوى – فلابد أن يقع فى المعاصى مرة أخرى .

قيل لابن الجوزى :  ما بالنا إذا ملأنا الكذنب لا يبرد

 , وإذا أنقصناه يبرد , قال : " لتعلموا أن الهوى لا يدخل الا على ناقص " .. فلا تكن ناقصا , كن ممتلىء القلب بالايمان حتى لا يدخل عليك الهوى , زد فى إيمانك ليسلم قلبك لله .فمفتاح الدخول على الله إسلام القلب لله وسلامته له اللهم ارزقنا قلوبا سليمة يا رب

كثير منا قلبه مفتت،مقطع ،مكسر،فمع البنات والشقة والسيارة واللبس والمظاهر،مع "تسريحته" والكلية والاصحاب والجيران ،دنيا ،بعضنا قلبه مشتت بين الشغل والشركة والديون والاموال والرصيد وتأمين المستقبل و .. و.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:من كانت الدنيا همه فرق الله عليه شمله,وجعل فقره بين عينيه,ولم يأته من الدنيا الا ما كتب له[صححه الألبانى] .

 سلامة القلب لله .. وأنا لا أقول لك : لا تلبس حسنا .. لا .. بل البس وتعطر واركب سيارة واثنتين وثلاث .. ليست هذه القضية .. القضية أن يكون قلبك مشغول بالله لا بالسيارات .. تزوج واحدة ومثنى وثلاث ورباع , لكن لا يكن قلبك مشغولا بالنساء .. احصل على شهادات وماجستير ودكتوراه , لكن لا يكن قلبك مشغولا بالمناصب ..اجعل قلبك مشغولا بالله .. اللهم لا تشغلنا الا بك .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الرابعة عشرة بعد المئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*أصول الوصول الى الله جل جلاله

رابعا : مفتاح الدخول على الله إسلام القلب :

انظر ماذا يقول ربك .. آية تشيب النواصى !!..

{ إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون * أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون "(يونس : 7 – 8 ) تدبر هذه الآية وأعد قراءتها مرات لتعرف حقيقة ما أنت فيه .. فإياك أن ترضى بالدنيا , وتركن إليها وتغفل عن الله .

كثير من الناس اليوم يقول : الحمد لله , ماذا ينقصني ؟! أنا لا أريد من الله شيئا .. يا مسكين , أنت محتاج الى الله فى كل شىء , فما أنت فيه دنيا , فافهم , ولذلك لا يرى بها الا الادنى منها , أما الموحد فلا يرضيه الا رؤية وجه الله تعالى فى الجنة .. اللهم اجعلنا من الموحدين , اللهم متعنا بالنظر الى وجهك الكريم , اللهم لا تحرمنا من النظر الى وجهك الكريم .. آمين .

نعم – أيها الاخوة – مفتاح الدخول على الله إسلام القلب وسلامته لله ,والاخلاص له فى الحب والبغض والفعل والترك – اللهم ارزقنا الاخلاص فى القول والعمل .. هذا مفتاح كبير جدا .. الاخلاص لله فى الحب والبغض فأنت تحب الاخ الفلانى لماذا تحبه ؟ هذه هى القضية .. فأحبب لله واكره لله , فبتحقيق هاتين الكلمتين يكون قلبك قد أسلم لله وسلّم لله .

إذا فإسلام القلب لله وسلامته له من الغير يكون

بالاخلاص له سبحانه فى الحب والكره .. فعندما أكره أكره لله وعندما أحب أحب لله , وكذلك الفعل والترك , فحينما أفعل أفعل لله , وحينما أترك أترك لله .. هذا هو مفتاح الدخول على الله , فاجن العسل ولا تكسرالخلية .

 خامسا : مفتاح حياة القلوب ثلاثة :

أولها : ترك الذنوب , وثانيها : التدبرللقرآن , وثالثها : التضرع بالاسحار .

أولا - ترك الذنوب : يقول ابن القيم فى " الفوائد " تحت عنوان " ترك الذنوب اولا " :

" العارف لا يأمر الناس بترك الدنيا , فإنهم لا يقدرون على تركها , ولكن يأمرهم بترك الذنوب مع إقامتهم على دنياهم , فترك الدنيا فضيلة , وترك الذنوب فريضة , فكيف يؤمر بالفضيلة من لم يقم الفريضة ! , فإن صعب عليهم ترك الذنوب فاجتهد أن تحبب الله اليهم بذكر الائه وإنعامه وإحسانه وصفات كماله ونعوت جلاله,فإن القلوب مفطورة على محبته,فإذا تعلقت بحبه هان عليها ترك الذنوب والاصرار عليهاوالاستقلال  منها , وقد قال يحيى بن معاذ : طلب العاقل للدنيا خير من ترك الجاهل لها " .

إن الذنوب تخنق القلوب .. المعاصى تقتل القلوب .. الذنوب تميت القلوب .. قال ابن القيم عن نتائج المعصية : قلة التوفيق , وفساد الرأى , وخفاء الحق , وفساد القلب , وخمول الذكر , وإضاعة الوقت , ونفرة الخلق , والوحشة بين العبد وبين ربه , ومنع اجابة الدعاء , وقسوة القلب , ومحق البركة فى الرزق والعمر , وحرمان العلم , ولباس الذل , واهانة العدو, وضيق الصدر , والابتلاء بقرناء السوء الذين يفسدون القلب ويضيعون الوقت , وطول الهم والغم , وضنك المعيشة , وكسف البال .. تتولد من المعصية والغفلة عن ذكرالله كما يتولد الزرع عن الماء والاحراق عن النار , وأضداد هذه تتولد عن الطاعة " .

إن الشاب الذى فتن – اللهم رده الى الالتزام ردا قريبا , اللهم ثبت قلوبنا على الايمان – قال : سأستمع الى بعض الاغانى ثم أدخل على " الانترنت " , ثم أستمع شريطا للشيخ فلان حبيبي .. وسأحضر للشيخ فلان الدرس القادم .. هو ذاهب للشيخ قابلته بنت فظل يتكلم معها حتى وصلت الحال الى حد الزنا على الهواء .. ففتن – اللهم نجنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن .. فتن لذنبه الاول .. فبذنب لم يتركه قتل قلبه .. وضيع نفسه .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الخامسة عشرة  بعد المئة  في موضوع       ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :*أصول الوصول الى الله جل جلاله

رابعا : مفتاح الدخول على الله إسلام القلب :

يقول ابن القيم رحمه الله : " ما ضرب عبد بعقوبة

أعظم من قسوة القلب والبعد عن الله "

ويوضح – رحمه الله – الطريق الى صفاء القلب فيقول : من أراد صفاء قلبه فليؤثر الله على شهواته, القلوب

المتعلقة بالشهوات محجوبة عن الله بقدر تعلقها بها , القلوب آنية الله فى أرضه , فأحبها اليه أرقها وأصلبها وأصفاها , شَغَلُوا قلوبهم بالدنيا , ولو شغلوها بالله والدار الآخرة لجالت فى معانى كلامه وآياته المشهودة , ورجعت الى أصحابها بغرائب الحكم وأطراف الفوائد ,   إذا غذي القلب بالتذكر وسقي بالتفكر ونقي من الدغل ,رأى العجائب وأُهْلَ  للحكمة , ليس كل  من  تحلى بالمعرفة والحكمة وانتحلها كان من أهلها , بل أهل المعرفة والحكمة الذين أحيوا قلوبهم بقتل الهوى , وأما من قتل قلبه بإحياء الهوى ؛فالمعرفة والحكمة عارية على لسانه "

إن ترك الذنوب حياة القلوب .. اترك الذنب فالذنب يقتل القلب .. يقتله .. أقول لأحدهم :

لماذا لا تقوم بالليل ؟, يقول : أنام مقتولا لا أستطيع

 حراكا , قلت له : من الذنوب .

قيل لأحد السلف : كيف أستعين على قيام الليل ؟ , قال : " لا تعصه بالنهار يقمك بالليل " .. إذا رأيت قيام الليل ثقيلا عليك , فاعلم أنك محروم مكبل .. كبلتك خطاياك .. مُكَتّفْ .. قيدتك ذنوبك , فاتركها وتب منها ليحيا قلبك .

ثانيا – التدبر للقرآن :

يا أخى فى الله يا طالب كلية الهندسة , ويا حبيبى فى الله يا طالب كلية الطب , ويا أخى فى الله يا طالب كلية التجارة .. يا من تحل أصعب المسائل , عقلك الجميل هذا ماذا فهمت به من القرآن ؟!

أحد الاخوة قال لى : قرأت فى الجريدة لكاتب يقول : إن الله أمر الرجال بإدناء الثياب مثل النساء , فقال تعالى :"يدنين عليهن من جلابيبهن "( الاحزاب : 59 ) !!  قلت : أعاقل هذا ؟!! ..

نون النسوة يا أخى !! .. أين العقل ؟!.. ألا يوجد فهم ؟!.. حتى عقولهم لا يعملونها !! ولذا , أريدك أن تفهم وتتدبر القرآن " كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته " ( ص : 29 ) .. تدبر .. تدبر القرآن لقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بآية يرددها : " إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم " ( المائدة : 118 )

وقام تميم الدارى ليلة بهذه الآية : " أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون "       ( الجاثية : 21 ) .

وقام سعيد بن جبير ليلة يردد هذه الآية : " وامتازوا

اليوم أيها المجرمون " ( يس : 59 ) . أى تميزوا وانفردوا عن المؤمنين .

ومحمد بن المنكدر يسأله أبو حازم عن البكاء طيلة ليله , فيقول : آية من كتاب الله أبكتنى , " وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون " ( الزمر : 47 ) . وقال بعضهم : إنى لأفتتح السورة فيوقفنى بعض ما أشهد فيها عن الفراغ منها حتى يطلع الفجر . وكان بعضهم يقول : آية لا أتفهمها , ولا يكون قلبى فيها لا أعد لها ثوابا .

ويقول أبو سليمان الدارانى : إنى لأتلو الآية فأقيم فيها أربع ليال أو خمس ليال , ولولا أنى أقطع الفكر فيها ما جاوزتها الى غيرها . قال تعالى:{ إن فى ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد " ( ق : 37 ) .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السادسة عشرة  بعد  المئة  في  موضوع       ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :*أصول الوصول الى الله جل جلاله

قاعدة جليلة : شروط الانتفاع بالقرآن

يقول ابن القيم – رحمه الله تعالى – فى " الفوائد " تحت عنوان " قاعدة جليلة : شروط الانتفاع بالقرآن " :  " إذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عن تلاوته وسماعه , وألق سمعك , واحضر حضور من يخاطبه به من تكلم به – سبحانه – منه اليه , فإنه خطاب منه لك على لسان رسوله , قال – تعالى - : " إن فى ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد " ( ق : 37 )

وذلك أن تمام التأثير لما كان موقوفا على مؤثر مقتض ,

 ومحل قابل , وشرط لحصول الاثر وانتفاء المانع الذى يمنع منه , تضمنت الآية ذلك كله بأوجز لفظ وأبينه وأدله على المراد . فقوله : " إن فى ذلك لذكرى " إشارة إلى ما تقدم أول السورة من ها هنا . وهذا هو المؤثر , وقوله : " لمن كان له قلب " فهذا هو المحل القابل , والمراد به القلب الحى الذى يعقل عن الله , كما قال – تعالى - : " إن هو إلا ذكر وقرآن مبين * لينذر من كان حيا " ( يس : 69 – 70 ) , أى : حى القلب . وقوله : " أو ألقى السمع وهو شهيد " ( ق : 37 ) أى : وجه سمعه , وأصغى حاسة سمعه إلى ما يقال له , وهذا شرط التأثر بالكلام .

وقوله :{وهو شهيد }, أى شاهد القلب حاضر غير

 غائب .

قال ابن قتيبة : " استمع كتاب الله وهو شاهد القلب والفهم , ليس بغافل ولا ساه . وهو إشارة الى المانع من حصول التأثير ,وهو سهو القلب وغيبته عن تعقل ما يقال له والنظر فيه وتأمله . فإذا حصل المؤثر وهو القرآن , والمحل القابل وهو القلب الحى ووجد الشرط وهو الاصغاء,وانتفى المانع وهو اشتغال القلب وذهوله عن معنى الخطاب وانصرافه عنه الى شىء آخر, حصل الاثر وهو الانتفاع والتذكر " .

ويواصل ابن القيم حديثه الممتع فيقول : " فصاحب القلب يجمع بين قلبه وبين معانى القرآن , فيجدها كأنها قد كتبت فيه , فهو يقرؤها عن ظهر قلب . ومن الناس من لا يكون تام الاستعداد , واعى القلب , كامل الحياة , فيحتاج الى شاهد يميز له بين الحق والباطل , ولم تبلغ حياة قلبه ونوره وذكاء فطرته مبلغ صاحب القلب الحى الواعى , فطريق حصول هدايته أن يفرغ سمعه للكلام,وقلبه لتأمله والتفكر فيه, وتعقل معانيه , فيعلم حينئذ انه الحق " .

إخوتاه,افهموا القرآن وتدبروه .. افتحوا قلوبكم وأسماعكم وأبصاركم له لقد كان المدرس يقول لنا : إذا ذاكرت الموضوع من الكتاب فأغلقه ثم اكتب فى ورقة خارجية ما فهمته .. فهل سألت نفسك مرة بعد أن فرغت من التلاوة : ماذا فهمت ؟ , ما الذى انغرس فى قلبى من معانى القرآن ؟ , بماذا خرجت اليوم من القرآن ؟

إن أكثرنا اليوم يأتى إلى القرآن وهو مغلق القلب تماما .. لا يريد أن يفتح قلبه , فلا ينتفع بالقرآن , لأنه لا يريد أن يتعب نفسه فى التدبر , ومن كانت حاله هكذا فإنه يأتى القرآن فلا يخرج منه بشىء , بل وربما خرج من جلسته وقد أصابه الملل من القرآن , لأنه يأتيه فى أوقات لا يكون قلبه فيها متهيئا , وفى ظروف لا تكون نفسه فيها هادئة .

إخوتاه , إن أردتم الحياة لقلوبكم , فلابد أن تفهموا مجمل القرآن وموضوع القرآن , ومراد القرآن .. لابد أن تتأملوا كلام الله وما يحويه , لتخرجوا منه بمعرفة الله وحب الله , وتقوى قلوبكم فى السير إلى الله .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السابعة عشرة  بعد  المئة  في  موضوع       ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :*أصول الوصول الى الله جل جلاله

محتوى خطاب القرآن

يقول ابن القيم تحت عنوان " فائدة : محتوى خطاب القرآن " :" تأمل خطاب القرآن تجد ملكا له الملك كله , وله الحمد كله , أزمّة الامور كلها بيده ومصدرها منه ومردها إليه , مستويا على سرير ملكه , لا تخفى عليه خافية فى أقطار مملكته , عالما بما فى نفوس عبيده , مطلعا على أسرارهم وعلانيتهم , منفردا بتدبير المملكة , يسمع ويرى , ويعطى ويمنع ويثيب ويعاقب . ويكرم ويهين , ويخلق ويرزق ويميت , ويقدر ويقضى ويدبر .  الامور نازلة من عنده , دقيقها وجليلها , وصاعدة إليه لا تتحرك فى الكون ذرة الا بإذنه , ولا تسقط ورقة الا بعلمه .

فتأمل كيف تجده يثنى على نفسه ويمجد نفسه , ويحمد نفسه , وينصح عباده , ويدلهم على ما فيه سعادتهم وفلاحهم ويرغبهم فيه , ويحذرهم مما فيه هلاكهم , ويتعرف إليهم بأسمائه وصفاته , ويتحبب إليهم بنعمه والآئه . فيذكرهم بنعمه عليهم ويأمرهم بما يستوجبون به تمامها,ويحذرهم من نقمه ويذكرهم بما أعد لهم من الكرامة إن أطاعوه , وما أعد لهم من العقوبة إن عصوه .. ويخبرهم بصنعه فى أوليائه وأعدائه وكيف كان عاقبة هؤلاء وهؤلاء .

ويثنى على أوليائه بصالح أعمالهم وأحسن أوصافهم ,

 ويذم أعداءه بسيىء أعمالهم وقبيح صفاتهم , ويضرب

 الامثال وينوع الادلة والبراهين , ويجيب عن شبه أعدائه أحسن الاجوبة , ويصدق الصادق ويكذب الكاذب , ويقول الحق ويهدى السبيل . ويدعو إلى دار السلام , ويذكر أوصافها وحسنها ونعيمها , ويحذر من دار البوار ويذكر عذابها وقبحها وآلامها , ويذكر عباده فقرهم إليه وشدة حاجتهم إليه من كل وجه , وأنهم لا غنى لهم عنه طرفة عين , ويذكر غناه عنهم وعن جميع الموجودات , وأنه الغنى بنفسه عن كل ما سواه,وكل ما سواه فقير إليه بنفسه,وأنه لاينال أحد ذرة من الخير فما فوقها الا بفضله ورحمته,ولاذرة من الشرفما فوقها الا بعدله وحكمته

ويشهد من خطابه عتابه لأحبابه ألطف عتاب , وأنه

 مع ذلك مقيل عثراتهم,وغافر زلاتهم,ومقيم أعذارهم , ومصلح فسادهم,والدافع عنهم ,والمحامى عنهم , والناصر لهم,والكفيل بمصالحهم,والمنجى لهم من كل كرب, والموفى لهم بوعده,وأنه وليهم الذى لا ولى لهم سواه , فهو مولاهم الحق ونصيرهم على عدوهم , فنعم المولى ونعم النصير.فإذا شهدت القلوب من القرآن ملكا عظيما رحيما جوادا جميلا هذا شأنه , فكيف لا تحبه وتنافس فى القرب منه , وتنفق أنفاسها فى التودد إليه , ويكون أحب إليها من كل ما سواه,ورضاه آثر عندها من رضا كل ما سواه ؟,وكيف لاتلهج بذكره ويصيرحبه والشوق إليه والانس به هو غذاؤها وقوتها ودواؤها بحيث إن فقد ذلك فسدت وهلكت ولم تنتفع بحياتها ؟! " .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثامنة عشرة  بعد  المئة  في  موضوع       ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :*أصول الوصول الى الله جل جلاله

ثالثا- التضرع بالأسحار :

أريدك أن تقوم سحرا , وتتوضأ والدنيا سكون والكل نائم . سبحان الله ! , كم منكم من يود أن يقابل الشيخ فلانا ويجلس معه ويكلمه ويملأ عينيه منه .. ألا تود أن تقابل ربك , وتتحدث معه وحدك قبل الفجر ؟! , لتقول له : اللهم باعد بينى وبين خطاياى كما باعدت بين المشرق والمغرب .. بعد أن تملأ قلبك بـ " الله أكبر "  إن للمناجاة فى جوف الليل لذة لا تضاهيها لذات الدنيا بأسرها .. أن تنادى ربك سبحانه وتعالى  حينما تقف بين يديه فى ذل وخشوع وانكسار وهيبة لتقول دعاء الاستفتاح :" وجهت وجهى للذى فطر السماوات والارض حنيفا مسلما وما انا من المشركين .. " قل إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول

 المسلمين " ( الأنعام : 162 – 163 ) .

صل وأسمع نفسك التلاوة .. فى غرفتك .. فى الشرفة .. فوق السطوح .. أو فى المسجد تحت البيت عندكم .. ستحس أنك تكلم الله .. تناديه .. تناجيه .. تشعر بأن هناك سرا بينك وبينه .. ستحس بوجود علاقة .. علاقة ود وحب وقرب .. ما أجمله من لقاء .. ما أعظمه من وقوف .. وأبهاه من حديث .. إنه لقاء مع الملك .. الرحمن .. حين تستشعر ذلك الموقف وأنك مع الله .. سيفيض عليك ساعتها بالرحمات .. فتضرع بالأسحار , فهذا الوقت غال لا تعوضه أموال الدنيا .. تضرع لتحمى قلبك , عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين , ومن قام بمئة آية كتب من القانتين , ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين " [صححه الألبانى] .. والمقنطرون : هم من كتب لهم قنطار من الاجر , والقنطار – كما جاء فى حديث فضالة بن عبيد وتميم الدارى عند الطبرانى - : " خير من الدنيا وما فيها " .

عبدالعزيز بن سلمان ,كانت رابعة –رحمها الله – تسميه : " سيد العابدين " .. كان رحمه الله يقول : ما للعابدين والنوم !! , لا نوم والله فى دار الدنيا إلا نوم غالب .. ويقول عنه ابنه محمد : كان أبى إذا قام من الليل ليتهجد , سمعت فى الدار جلبة شديدة , واستقاء للماء الكثير , قال : فنرى أن الجن كانوا يستيقظون للتهجد فيصلون معه .

وهذه عجردة العمية – رحمها الله .. قال عنها رجاء بن مسلم العبدى : كنا نكون عند عجردة العمية فى الدار , فكانت تحيى الليل صلاة , وربما قال : تقوم من أول الليل إلى السحر , فإذا كان السحر نادت بصوت لها محزون : إليك قطع العابدون دجى الليالى , بتكبير الدلج إلى ظلم الاسحار , يستبقون إلى رحمتك وفضل مغفرتك , فبك إلهى لا بغيرك أسألك أن تجعلنى فى أول زمرة السابقين إليك , وأن ترفعنى إليك فى درجة المقربين , وأن تلحقنى بعبادك الصالحين , فأنت أكرم الكرماء , وأرحم الرحماء , وأعظم العظماء . ثم تخر ساجدة , فلا تزال تبكى وتدعو فى سجودها , حتى يطلع الفجر , فكان ذلك دأبها ثلاثين سنة .

وقيل لعفيرة العابدة :  إنك لا تنامين الليل , فبكت وقالت : ربما اشتهيت أن أنام فلا أقدر عليه , وكيف ينام أو يقدر على النوم من لاينام عنه حافظاه ليلا ولا نهارا ؟!

هؤلاء نساء !! , فأين أنتم يا رجال ؟!! .. يا حسرة على الرجال !! .

وخلاصة ما سبق : اترك ذنوبك أولا , ثم أقبل على كتاب الله تلاوة وفهما وتدبرا .. فاتله

بخشوع وتحزن لتصهر قلبك فينفى خبثه , ثم تضرع إلى ربك بالأسحار لتعيش النعيم وتذوق لذة المناجاة .. يحيا بذلك قلبك , فيصمد فى السير إلى الله .. فاملك هذا المفتاح ولا تفرط فيه , حتى لا تكسر الخلية فيضيع منك العسل .

ينبغى عليك أن تعتنى كل الاعتناء بمعرفة" علم المفاتيح " , لتجنى العسل فلا تكسر الخلية

 إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة التاسعة عشرة  بعد  المئة  في  موضوع       ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل العشرون : " ومن كل شىء خلقنا زوجين لعلكم تذكّرون ففروا إلى الله "

قال – تعالى - : ومن كل شىء خلقنا زوجين لعلكم تذكّرون * ففروا إلى الله إنى لكم منه نذير مبين "     ( الذاريات : 49 – 50 ) . قال ابن كثير – رحمه الله تعالى - : أى : جميع المخلوقات أزواج : سماء وأرض وليل ونهار وشمس وقمر وبر وبحر وضياء وظلام وإيمان وكفر وموت وشقاء وسعادة وجنة ونار حتى الحيوانات والنباتات , ولهذا قال – تعالى - : " لعلكم تذكرون " أى : لتعلموا أن الخالق واحد لا شريك له" ففروا إلى الله " أى : الجأوا إليه واعتمدوا فى أموركم عليه " إنى لكم منه نذير مبين " اهـ .

وقال صاحب الظلال – رحمه الله تعالى - : " وفى ظل هذه اللمسات القصيرة العبارة , الهائلة المدى : فى أجواز السماء , وفى آماد الارض ,وفى أعماق الخلائق , يهتف بالبشر ليفروا إلى خالق السماء والارض والخلائق , متجردين من كل ما يثقل أرواحهم ويقيدها , موحدين الله الذى خلق هذا الكون وحده بلا شريك ."ففروا إلى الله إنى لكم منه نذير مبين *ولا تجعلوا مع الله إلها آخر إنى لكم منه نذير مبين ( الذريات : 50 – 51 ) .. والتعبير بلفظ الفرار عجيب حقا .

وهو يوحى بالأثقال والقيود والأغلال والأوهاق , التى تشد النفس البشرية إلى هذه الارض , وتثقلها عن الانطلاق , وتحاصرها وتأسرها وتدعها فى عقال . وبخاصة أوهاق الرزق والحرص والانشغال بالأسباب الظاهرة للنصيب الموعود . ومن ثم يجىء الهتاف قويا للانطلاق والتملص والفرار إلى الله من هذه الأثقال والقيود ! , الفرار إلى الله وحده منزها عن كل شريك . وتذكير الناس بانقطاع الحجة وسقوط العذر : " إنى لكم منه نذير مبين " .. وتكرار هذا التنبيه فى آيتين متجاورتين , زيادة فى التنبيه والتحذير ! " .

إخوتاه , ففروا إلى الله .. اقتربوا من طريق الله .. تعالوا خطوة واحدة إلى الله .. ضعوا أرجلكم على أول الطريق .. أعينونا على أنفسكم بالوقوف على رأس الطريق والله يأخذ بأيديكم .

أروا الله من أنفسكم خيرا  , فلقد كتب الله – جل جلاله – سنة من سننه فى خلقه : أن من تقرب إليه تقرب – سبحانه – إليه ومن ابتعد عنه ابتعد – سبحانه – عنه .. " نسوا الله فنسيهم " ( التوبة : 67 )

" فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم " ( الصف : 5 ) .. فمن تاب تاب الله عليه وأحبه , ومن بذل جهده واستفرغ وسعه فى طاعة الله , أعانه الله وسدده .. هذه قاعدة .. سنة مسلّمة .. فلا تنم عن الطاعات ثم تقول : لو كان الله يحبنى لهدانى .. لا .. بل تعال وهو يهديك .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة العشرون  بعد  المئة  في  موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل العشرون : " ومن كل شىء خلقنا زوجين لعلكم تذكّرون ففروا إلى الله "

وقد سمى ابن القيم – رحمه الله – هذا الأصل لقاحا ..

 مثل حبوب اللقاح فقال عليه رحمة الله "فى الفوائد  :

* الطلب لقاح الايمان , فإذا اجتمع الإيمان والطلب أثمرا العمل الصالح .

* وحسن الظن بالله لقاح الافتقار واضطرار إليه , فإذا اجتمعا أثمرا إجابة الدعاء .

* والخشية لقاح المحبة , فإذا اجتمعا أثمرا امتثال الأوامر واجتناب المناهى .

* والصبر لقاح اليقين , فإذا اجتمعا أورثا الإمامة فى الدين , قال تعالى : " وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لمّا صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون " ( السجدة : 24 ) .

* وصحة الاقتداء بالرسول لقاح الاخلاص , فإذا اجتمعا أثمرا قبول العمل والاعتداد به .

* والعمل لقاح العلم , فإذا اجتمعا كان الفلاح والسعادة , وإن انفرد أحدهما عن الآخر لم يفد شيئا .

* والحلم لقاح العلم  , فإذا اجتمعا حصلت سيادة الدنيا والآخرة , وحصا الانتفاع بعلم العالم , وإن انفرد أحدهما عن صاحبه فات النفع والانتفاع .

* والعزيمة لقاح البصيرة , فإذا اجتمعا نال صاحبهما خير الدنيا والآخرة , وبلغت به همته من العلياء كل مكان . فتخلف الكمالات إما من عدم البصيرة , وإما من عدم العزيمة .

 *وحسن القصد لقاح لصحة الذهن , فإذا فقدا فقد الخير كله , وإذا اجتمعا أثمرا أنواع الخيرات .

* وصحة الرأى لقاح الشجاعة , فإذا اجتمعا كان النصر والظفر , وإن فقدا فالخذلان والخيبة

وإن وجد الرأى بلا شجاعة فالجبن والعجز , وإن حصلت الشجاعة بلا رأى فالتهور والعطب

* والصبر لقاح البصيرة , فإذا اجتمعا فالخير في اجتماعهما . قال الحسن : إذا شئت أن ترى

 بصيرا لا صبر له رأيته , وإذا شئت أن ترى صابرا لا بصيرة له رأيته , فإذا رأيت صابرا بصيرا فذاك .

* والنصيحة لقاح العقل , فكلما قويت النصيحة قوى العقل واستنار .

* والتذكر والتفكر كل منهما لقاح الآخر , إذا اجتمعا أنتجا الزهد فى الدنيا والرغبة فى الآخرة .

* والتقوى لقاح التوكل , فإذا اجتمعا استقام القلب .

* ولقاح أخذ أهبة الاستعداد للقاء قصر الأمل , فإذا اجتمعا فالخير كله فى اجتماعهما والشر فى فرقتهما .

* ولقاح الهمة العالية النية الصحيحة , فإذا اجتمعا بلغ العبد غاية المراد " اهـ .

فالقضية إذا تحتاج إلى تلقيح .. أقصد قضية السير إلى الله والوصول إليه .. نعم : الوصول يحتاج إلى لقاحات

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الواحدة والعشرون  بعد  المئة  في  موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل العشرون : " ومن كل شىء خلقنا زوجين لعلكم تذكّرون ففروا إلى الله "

 شرح أهم هذه اللقاحات :

الأول : لقاح الاستعداد للقاء الله قصر الأمل :

قال ابن القيم : " ولقاح أخذ أهبة الاستعداد للقاء

 قصر الامل , فإذا اجتمعا فالخير كله فى اجتماعهما والشر فى فرقتهما " .

وأسألك :  لو خيرت , متى تحب أن تموت ؟.. سؤال ينبغى أن يفرض نفسه عليك .. متى تحب أن تموت ؟.. قال أحدهم : الآن , فقلت له : أمتأهب ؟! .. أخاف عليك , لأن الله يقول : " وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون " ( الزمر : 47 ) .. وقال آخر : أخاف أن أقابله فأجد أمورا لم أكن أتوقعها .. أشياء لم أضعها فى حسبانى .. لم أكن أنتظرها .. هناك قضايا ومشاكل تنتظرنى سيحاسبنى الله عليها لا أعرفها .. ولذلك فأنا خائف .

معاذ بن جبل لما جاءه الموت قال : " مرحبا بالموت

 مرحبا زائر مغب وحبيب جاء على فاقة لا أفلح من

 ندم " .. فمعاذ إذا متأهب ومستعد .

حذيفة بن اليمان  لما جاءه الموت قال : " يا موت غط غطك , يا موت شد شدك أبى قلبى إلا حبك"..

يحب الموت لأنه متجهز ومستعد , فهل أنت متجهز ؟!! .. هل أنت مستعد لمقابلة الله الآن ؟!..

" وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون " ( الزمر : 47 ) .. " وبدا لهم سيئات ما كسبوا "  ( الزمر : 48 ) .. وجدوا المكسب سيئات !

فلقاح أخذ الاهبة أن تكون سائرا فى الطريق إلى الله بحذر وتيقظ , فتخشى أن يأتيك

الموت بغتة .. فعش يومك الذى أنت فيه معتقدا وجازما أنه آخر يوم لك على الدنيا .. عش الدنيا كما عاشها رسول الله صلى الله عليه وسلم .. عش كما عاش ومت كما مات .. قال النبى صلى الله عليه وسلم : " ما لى وللدنيا , ما أنا فى الدنيا إلا كراكب استظل بظل شجرة ثم راح وتركها " [صححه الألبانى] ولذلك " كن فى الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل " .. هذا شعاره صلى الله عليه وسلم .

واعلم أن الامانى بحر المفاليس .. نعم : إن الذى يبيت ظانا أنه سيقوم غدا .. طويل الأمل وغير مستعد للقاء الله .. ولذلك إذا قصر أملك فى الدنيا فقد لقحت استعدادك للموت . فيحصل الصدق وتسير إلى الله بذلك .. بهذا تكون مستعدا .

الثانى: لقاح الهمة العالية النية الصحيحة :

اللهم ارزقنا علو الهمة .. أحد إخواننا كان يحفظ القرآن , ثم بدأ فى الصيف فى دورة علمية فالتزم فيها , وفجأة ترك الدورة قال : لقد وجدت أن الاهتمام بالدورة قد شغلنى عن القرآن .. ولماذا يا بنى لا يكون الاثنان معا ؟! أين الهمة العالية ؟! أنت فى الكلية تدرس ست مواد أو ثمانية فى الفصل الواحد وتذاكرها جميعا بل وتحصل على امتياز لماذا لاتكون همتنا عالية أيضا فى طلب علم الكتاب والسنة وفى العبادة والدعوة إلى الله ؟!! ثم إن الهمة العالية وحدها لا تكفى , بل كثيرا ما تجنى على أصحابها فتجرهم إلى الوراء .. فالذى لديه همة عالية بدون نية صالحة تجده مبتلى بالعجب والغرور والرضا عن النفس , والكبر والازدراء للآخرين واحتقارهم .. إذا فلقاح الهمة وزوجها : النية الصالحة .. اللهم ارزقنا حسن النية .

والهمة نعمة , واستقلالك لنعم الله عليك يسقطك من

 عين الله .. لذلك إذا رزقك الله همة عالية فلقحها بنية

 صالحة , لتحفظ النعمة وتستقيم على الطريق .

يقول ابن القيم : "  ولقاح الهمة العالية النية الصالحة , فإذا اجتمعا بلغ العبد غاية المراد " .. أحسن نيتك فى همتك تكن الهمة صالحة , فتصل إلى الجنة العالية .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثانية والعشرون  بعد  المئة  في  موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل العشرون : " ومن كل شىء خلقنا زوجين لعلكم تذكّرون ففروا إلى الله "

الثالث : التقوى لقاح التوكل :

قال ابن القيم " والتقوى لقاح التوكل , فإذا اجتمعا استقام القلب "

التقوى : ترك ما تهوى لما تخشى .. فالذى يمشى فى الشارع فلا ينظر يمنة أو يسرة , بل آخر حدود عينه خطوة أو خطوتان .. هذه تقوى , لأنه سلك طريقا كلها أشواك , فإذا نظر فى أى اتجاه وجد بلوى ومصيبة , ولذلك فهو دائما يمشى على الشوك بالتقوى .. فإذا

 وجد اثنين يتكلمان فلا يحاول أن يعرف فيما يتكلمان .. فهذع تقوى .

قيل لأحدهم : هل سلكت طريقا ذا شوك ؟ , قال : نعم , قيل : ماذا صنعت ؟ , قال : شمرت واجتهدت , قيل له : فتلك التقوى : التشمير والاجتهاد .. أن تعيش هذه الحياة ماشيا على الشوك , فتكون شديد الحذر . ولقاح هذه التقوى وزوجها التوكل .. أن تتوكل على الله وأنت تسير على الشوك , قال الله:

 "ومن يتوكل على الله فهو حسبه"( الطلاق : 3 ) .

ويتحدث ابن القيم عن حقيقة التوكل فى إحدى درجاته العالية فيقول :

" اعتماد القلب على الله , واستناده إليه , وسكونه إليه . بحيث لا يبقى فيه اضطراب من تشويش الاسباب , ولا سكون إليها , بل يخلع السكون إليها من قلبه , ويلبسه السكون إلى مسببها .

وعلامة هذا : أنه لا يبالى بإقبالها وإدبارها , ولا يضطرب قلبه ولا يخفق عند إدبار ما يحب منها وإقبال ما يكره , لأن اعتماده على الله , وسكونه إليه , واستناده إليه , قد حصنه من خوفها ورجائها , فحاله حال من خرج عليه عدو عظيم لا طاقة له به , فرأى حصنا مفتوحا , فأدخله ربه إليه  وأغلق عليه باب الحصن , فهو يشاهد عدوه خارج الحصن , فاضطراب قلبه وخوفه من عدوه فى هذه الحال لا معنى له .

وقد مثل ذلك بحال الطفل الرضيع فى اعتماده , وسكونه , وطمأنينته بثدى أمه لا يعرف غيره , وليس فى قلبه التفات إلى غيره , كما قال بعض العارفين : المتوكل كالطفل , لا يعرف شيئا يأوى إليه إلا ثدى أمه , كذلك المتوكل لا يأوى إلا إلى ربه سبحانه " .

إذا فلقاح التقوى التوكل , فلابد للمتقى من صدق التوكل على الله وإلا فهى حذر مجرد دون نية صالحة , فيقع فى المحذور وهو أتقى ما يكون , فتجد هذا المغبون الذى فقد التوكل مع التقوى رغم تحريه وشدة اتقائه يقع فى كبائر يعافها الفساق .. ألم تر إلى مصل قوام صوام يأكل أموال الناس بالباطل !! وأمثال ذلك كثير لاعتماده على التقوى وعدم توكله على الله , فلابد منهما معا . فبهما معا يكفيك الله ما أهمك من عقبات الطريق , فيوصلك ويبلغك إليه .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثالثة والعشرون  بعد  المئة  في  موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل العشرون : " ومن كل شىء خلقنا زوجين

 لعلكم تذكّرون ففروا إلى الله "

الرابع : التذكر والتفكر كل منهما لقاح الآخر :

قال ابن القيم : " والتذكر والتفكر كل منهما لقاح الآخر , إذا اجتمعا أنتجا ازهد فى الدنيا والرغبة فى الآخرة " . فالتفكر فى مخلوقات الله مع الذكر زوجان لا يفترقان .. تأمل وقل : سبحان الله !! .. فإذا ذكرت الله تفكرت , وإذا تفكرت ذكرت .. نعم : الذكر يصفى القلب , فيجعله لا يمر على شىء إلا تعقله وتأمل فيه .. وكذلك التفكر يقوى القلب فيجعله هائما دوما بذكر الله .. فاحرص – أخى – على هذين اللقاحين فى طريق السير إلى الله يزهداك فى الدنيا ويرغباك فى الآخرة ويساعداك كثيرا فى الوصول إلى الله – تعالى .

الخامس : الصبر لقاح البصيرة :

قال ابن القيم : " الصبر لقاح البصيرة , فإذا اجتمعا فالخير فى اجتماعهما . قال الحسن : إن شئت أن ترى بصيرا لا صبر له رأيته , وإذا شئت أن ترى صابرا لا بصيرة له رأيته , وإذا شئت أن ترى صابرا بصيرا فذاك " .. فذاك الرجل .. اللهم اجعلنا من رجالك .

صبر مع بصيرة .. أن ترى الحق فتعرفه , وترى الباطل فتعرفه .. أن تعرف الحق من الباطل وتصبر عليهما حتى تصل إلى الله – عز وجل .

السادس : العزيمة لقاح البصيرة :

يقول ابن القيم : " والعزيمة لقاح البصيرة , فإذا اجتمعا نال صاحبهما خير الدنيا والآخرة , وبلغت به همته العلياء كل مكان . فتخلف الكمالات إما من عدم البصيرة وإما من عدم العزيمة " .

البصيرة : أن يرى قلبك الحق فيعرفه , فإذا رأى الحق عزم عليه فعاش عليه , ثم تحدث لك عزيمة ثانية على ترك الباطل فتبتعد عنه .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الرابعة والعشرون  بعد  المئة  في  موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل العشرون : " ومن كل شىء خلقنا زوجين

 لعلكم تذكّرون ففروا إلى الله "

السابع : حسن الظن بالله لقاح الافتقار والاضطرار إليه :

يقول ابن القيم : " وحسن الظن بالله لقاح الافتقار والاضطرار إليه , فإذا اجتمعا أثمرا إجابة الدعاء "

حسن الظن .. وتأمل هذا الحديث : " إن رجلا بعث فحوسب فثقلت موازين سيئاته , فقال الله : خذوه إلى النار , فصار يلتفت , فقال الله : ردوه , فقال الله : عبدى هل وجدت سيئة فى صحيفتك لم تعملها قال : لا يا رب قال : فما بالك تلتفت , قال : ما هذا ظنى فيك يا رب , فقال الله : خذوه إلى الجنة " .. اللهم ارزقنا الجنة .. لم يكن ظنى بك يا رب أنك ستدخلنى النار , بل كان ظنى أنك سترحمنى وتدخلنى الجنة .. كان هذا ظنى فيك يا رب .

قال الله – عز وجل – فى الحديث القدسى : " أنا عند ظن عبدى بى فليظن عبدى ما شاء " [صححه الألبانى] .. فما ظنك بالله , العذاب أم الجنة ؟ .. اللهم استرنا يا رب .. وإذا كنت تظن به خيرا فهل عملت خيرا ؟! .. وهل تصلح وهل تستحق لأن يدخلك الجنة ؟! .اصدق مع الله يرحمك وينجك .

حاول أن تكون مستحقا لأن يحبك الله , فاضبط نفسك على طاعته .. فحسن الظن مع سوء العمل لا ينفع صاحبه , فضلا عن أنه سوء أدب مع الله , قال الحسن : " إن قوما غرتهم الأمانى قالوا : نحسن الظن بالله وكذبوا , لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل " .

فكيف تحسن ظنك بالله وأنت تحاربه , وتعاديه بالمعاصى ؟! كيف وأنت موله ظهرك ؟! كيف وأنت لا تذكره ؟! كيف وأنت لا تقرأ كلامه ولا تنفذ أوامره وأحكامه ؟! وكيف وأنت لا تطيعه ؟! كيف تحسن الظن بالله وأنت تفعل كل ما نهاك عنه ؟! إن الأمر إخوتاه ليس لعبا ,قال تعالى :"وما هو بالهزل "

( الطارق : 14 )  .

فأحسن الظن بحق , فاعمل .. أحسن الظن , فحسن الظن لقاح الافتقار والاضطرار . قال الله : " أمّن يجيب المضطر إذا دعاه " ( النمل : 62 ) ..

يا رب , ليس لى إلا أنت .. افتقار واضطرار .. يا رب , لو وكلتنى إلى نفسى فسأضل , فلا تكلنى إلى نفسى طرفة عين أبدا ولا أقل من ذلك .. خذ بيدى يا رب .. لا تسلط علىّ أعدائك فأنا ضعيف ..لا تسلمنى للعصاة والمذنبين فأنامفتون وضعيف يا رب !

سيدنا يوسف افتقر إلى ربه فقال : " وإلا تصرف عنى كيدهن أصب إليهن " ( يوسف : 33 ) .. فقل : يا رب .. قل : " إنى مغلوب فانتصر " ( القمر : 10 ) .. افتقر إلى الله فى كل شىء .. يا رب , لا أعرف أصلى فعلمنى ..

يا رب , القرآن ثقيل علىّ فسهله لى .. يا رب , لا أقوم الليل ولا أصلى الفجر فبأى وجه أقابلك , فخذ بيدى .. يا رب , المعاصى تملأ الارض , وكلما مشيت وقعت , فخذ بيدى .. يا رب .. يا رب .. هذا هو حال المؤمن , كمثل رجل فى البحر على خشبة يقول : يا رب .. يا رب , فاللهم سلمنا وارض عنا .. اضطرار وافتفار مع حسن ظن أنه لن يخيب رجاءك فيه

, فيأخذ بذلك يدك ويبلغك المطلوب .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الخامسة والعشرون  بعد  المئة  في

 موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات

 والتي هي بعنوان :*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل العشرون : " ومن كل شىء خلقنا زوجين

 لعلكم تذكّرون ففروا إلى الله "

الثامن : الخشية لقاح المحبة :

قال ابن القيم : " والخشية لقاح المحبة , فإذا اجتمعا أثمرا امتثال الاوامر واجتناب المناهى " .

قال سهل : خوف الصديقين من سوء الخاتمة عند كل خطوة وعند كل حركة , وهم الذين وصفهم الله – تعالى - , إذ قال : "وقلوبهم وجلة "( المؤمنون : 60 )

لمّا احتضر سفيان الثورى جعل يبكى , فقيل له : يا أبا عبدالله , عليك بالرجاء , فإن عفو الله أعظم من ذنوبك , فقال : أو على ذنوبى أبكى ؟! , لو علمت أنى أموت على التوحيد لم أبال بأن ألقى الله بأمثال

 الجبال من الخطايا .

وقال ثابت البنانى : ما شرب داود عليه السلام شرابا بعد المغفرة إلا ونصفه ممزوج بدموع عينيه .

وهذا الصحابى الجليل عبدالله بن عمرو بن العاص يقول : " لأن أدمع دمعة من خشية الله أحب إلىّ من أن أتصدق بألف دينار " .

وقالت ابنة الربيع بن خثيم : " كنت أقول لأبى : يا أبتاه , ألا تنام ؟! فيقول : يا بنية , كيف ينام من يخاف البيات ؟!

وقال الحسن – رحمه الله - :  يحق لمن يعلم أن الموت مورده , وأن الساعة موعده , وأن القيامة بين يدى الله – تعالى – مشهده أن يطول حزنه .

" قال يوسف بن أسباط : كان سفيان الثورى إذا

أخذ فى ذكر الآخرة يبول الدم " .

وعن زيد بن أبى الزرقاء قال : حمل ماء سفيان إلى طبيب فى علته  فلما نظر قال : هذا ماء رجل قد أحرق الخوف جوفه .

إخوتاه , طوبى لقلوب ملأتها محبة الله فخافته .

حكيم بن حزام سيد شعاره الحب .. كان رضى الله عنه يطوف بالبيت ويقول : لا إله إلا الله , نعم الرب ونعم الاله , أحبه وأخشاه .

وقال هرم بن حيان : المؤمن إذا عرف ربه – عز وجل – أحبه , وإذا أحبه أقبل إليه , وإذا وجد حلاوة الاقبال إليه لم ينظر إلى الدنيا بعين الشهوة , ولم ينظر إلى الآخرة بعين الفترة , وهى تحسره فى الدنيا وتروحه فى الآخرة .

قال خليد العصرى : يا إخوتاه : هل منكم من أحد لا يحب أن يلقى حبيبه ؟! , ألا فأحبوا

ربكم – عز وجل – وسيروا إليه سيرا جميلا , لا مصعدا ومميلا .

ولله در القائل :

كانت لقلبــى أهواء مــفرقــــــــة ***فاستجمعت مذ رآك القلـــب أهوائــــــــى

فصار يحسدن من كنت أحسـده ***وصرت مولى الورى مذ صرت مولائـــــــى

تركت للناس دنياهم ولـــــهوهم ***شغلا بحبك يا دينــــــى ودنيائـــــــــــــــــى

وقال الشاعر :

أروح وقد ختمت على فـــــــــــؤادى ***بحبك أن يحل بـه سواكــــــا

فلو أنى استطعت غضضت طرفـــى ***فلم أنظر به حتــــى أراكـــــا

أحبك لا ببعضــــى بل بكلـــــــــــــــى ***وإن لم يبقى حبك لى حراكـا

وفـى الاحبــــاب مختص بوجـــــــــــد ***وآخر يدعى معه اشتراكــــــــا

وكل يدعى حبــــا لربـــــــــــــــــــــــى ***وربـــى لا يقر لهم بذاكـــــــــــا

إذا اشتبكت دمــوع فـــــــى خـــدود ***تبين من بكــى ممن تباكــــــى

فأما من بكـى فيذوب وجـــــــــــــدا ***وينطق بالهوى من قد تباكــى

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السادسة والعشرون  بعد  المئة  في

 موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات

 والتي هي بعنوان :*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل العشرون : " ومن كل شىء خلقنا زوجين

 لعلكم تذكّرون ففروا إلى الله "

الثامن : الخشية لقاح المحبة :

وقال مسمع بن عاصم : سمعت عابدا من أهل البحرين يقول فى جوف الليل : قرة عينى وسرور قلبى !! ما الذى أسقطنى من عينك يا مانح العصم .. ثم صرخ وبكى , ثم نادى : طوبى لقلوب ملأتها خشيتك , واستولت عليها محبتك , فمحبتك مانعة لها من كل لذة غير مناجاتك والاجتهاد فى خدمتك , وخشيتك قاطعة لها عن سبيل كل معصية جوفا لحلول سخطك . ثم بكى وقال : يا إخوتاه , ابكوا على فوت خير الآخرة , حيث لا رجعة ولا حيلة

وعتبة الغلام القائل : تراك مولاى تعذب محبيك وأنت الحى الكريم :" قال عنه سليم النحيف : رمقت عتبة ذات ليلة , فما زاد ليلته تلك على هذه الكلمات : إن تعذبنى فإنى لك محب , وإن ترحمنى فإنى لك محب . فلم يزل يرددها ويبكى حتى طلع الفجر .

وقال عنبسة الخواص : بات عندى عتبة الغلام ذات ليلة , فبكى من السحر بكاء شديدا , فلما أصبح قلت له : قد فزعت قلبى الليلة ببكائك , ففيم ذاك يا أخى ؟ قال : يا عنبسة , إنى والله ذكرت يوم العرض على الله . ثم مال ليسقط فاحتضنته ... فناديته : عتبة عتبة , فأجابنى بصوت خفى : قطع ذكر يوم العرض على الله أوصال المحبين . قال : ويردده , ثم جعل يحشرج البكاء ويردده حشرجة الموت ويقول : تراك مولاى تعذب محبيك أنت الحى الكريم ؟! قال : فلم يزل يرددها حتى والله أبكانى .

وقال عتبة – رحمه الله - : من سكن حبه قلبه لم يجد حرا ولا بردا . قال عبد الرحيم بن يحيى الدبيلى: يعنى من سكن حب الله قلبه , شغله حتى لا يعرف الحر من البرد , ولا الحلو من الحامض , ولا الحار من البارد

وقال عتبة – رحمه الله - : من عرف الله أحبه , ومن

 أحب الله أطاعه , ومن أطاع الله أكرمه , ومن أكرمه أسكنه فى جواره , ومن أسكنه فى جواره فطوباه وطوباه , وطوباه وطوباه . فلم يزل يقول : وطوباه حتى خر ساقطا مغشيا عليه .

والخلاصة : لقح الحب بالخشية .. تقو على طريق السير إلى الله .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السابعة والعشرون  بعد  المئة  في

 موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات

 والتي هي بعنوان :*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل العشرون : " ومن كل شىء خلقنا زوجين

 لعلكم تذكّرون ففروا إلى الله "

التاسع : الصبر لقاح اليقين :

أنا على يقين بأن الله سينصر أمة محمد صلى الله عليه وسلم , فهل أنت على يقين ؟.. يأتى اليقين بالصبر , قال - تعالى – " وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون " ( السجدة : 24 ) .. بالصبر واليقين تبلغ الامامة فى الدين .

الصبر على البلاء .. والصبر عن المعصية .. والصبر على الطاعة .. الصبر مع الله وبالله ولله .. الصبر لقاح اليقين .. فاصبروا – إخوتاه – صبرا جميلا .

علامات اليقين :

قال الفيروزآبادى : ثلاثة من أعلام اليقين :

1 – قلة مخالطة الناس فى العشرة .

2 – ترك المدح لهم فى العطية .

3 – التنزه عن ذمهم عند المنع .

ومن علاماته أيضا :

النظر إلى الله فى كل شىء , والرجوع إليه فى كل أمر , والاستعانة به فى كل حال .

العاشر :صحة الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم لقاح الاخلاص :

صحة الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم تورث الاخلاص , فإذا اجتمعا أثمرا قبول العمل ووجود أثره .

شروط قبول العمل شرطان : الاخلاص والمتابعة .. فإذا لم تكن مخلصا فأكثر من أعمال السنة يأتك الاخلاص . وإذا كنت لا تعمل .. إذا كنت بطيئا وضعيفا وخاملا , فأكثر من الاخلاص يضعك الله فى الخدمة فتكون من خدامه .. إذا فلابد من وجود أحد الشرطين لديك ليتوفر الاخر .. وآه ممن فقد الشرطين !! .. كيف يكون حاله ؟!.. وماذا يصنع ؟!.. ليس له إلا أن يقول : يا رب .

 كنت أقول لأولادى الصغار مرة : لو أخلص الواحد منا أثمر ذلك متابعة النبى صلى الله عليه وسلم , أم لو تابع النبى صلى الله عليه وسلم أثمر الاخلاص ؟.. هذه هى قضية " البيضة أم الفرخة ؟ " .. الاثنان معا .. يجلب أحدهما الآخر .. هذا هو اللقاح .. فلو كنت مخلصا فلابد أن تكون حالك متابعة النبى صلى الله عليه وسلم , ولو كنت متبعا فلابد أن تكون حالك الاخلاص .

وثمرة الاخلاص والمتابعة قبول العمل ووجود ثمرة العمل .. أن تجد نتيجة العمل فلو كنت مخلصا متبعا وخرجت الى الشارع لا تنظر الى البنات مطلقا ذه نتيجة وثمرة العمل الصالح .. أنك لا تعصى .. لو كنت مخلصا أو متبعا لوجدت انك تستيقظ قبل الفجر تنتظر الصلاة فتجلس حاضر القلب .. ثمرة ونتيجة .. فتجد من نفسك اخباتا وخشية فى قلبك .

قال العلماء : " بين العمل وبين القلب مسافة وبين القلب وبين الرب مسافة وبين تلك المسافات قطاع طرق " .. فترى الرجل كثير الصلاة , كثير الصيام , كثير ذكر الله وقراءة القرآن ولم يصل الى قلبه من ذلك شىء .. نعم : قطاع طرق قطعوا الطريق عليه .. لكن لو عمل بإخلاص ومتابعة فلابد ان يصل الى القلب أثر العمل .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثامنة والعشرون بعد المئة في موضوع    ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات

 والتي هي بعنوان :*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل العشرون : " ومن كل شىء خلقنا زوجين

 لعلكم تذكّرون ففروا إلى الله "

الحادى عشر : العمل لقاح العلم :

العلم والعمل وجهان لعملة واحدة وزوجان لا ينفصلان فى الاصل , ولذلك إذا اجتمعا كان الفلاح والسعادة .. فإذا تعلمت ولم تعمل كنت منافقا , وإذا عملت بدون علم كنت مبتدعا .. والذى يعلم ولا يعمل فيه شبه من المغضوب عليهم اليهود , والذى يعمل بدون علم فيه شبه من الضالين النصارى .. إذا فلابد أن يقترن العلم بالعمل .. قال الامام على رضى الله عنه : " العلم يهتف بالعمل ,فإن أجابه والا ارتحل " .. فاعمل بما علمت تزدد علما وتقى وخشية .. لقح العلم بالعمل .

قال الامام الشاطبى – رحمه الله تعالى – فى " الموافقات " :

" كل مسألة لا ينبنى عليها عمل فالخوض فيها خوض فيما لم يدل على استحسانه دليل شرعى , وأعنى بالعمل عمل القلب وعمل الجوارح من حيث هو مطلوب شرعا " ..

ويبين رحمه الله أن الدليل على ذلك استقراء الشريعة , فيذكر جملة من الايات والاحاديث الدالة على أن الشارع يعرض عما لا يفيد عملا مكلفا به .

ومن هذه الادلة باختصار : قوله – تعالى - : "

يسألونك عن الاهلة قل هى مواقيت للناس والحج " ( البقرة : 189 ) , فوقع الجواب بما يتعلق به العمل , اعراضا عما قصده من السؤال عن الهلال  : لما يبدو فى أول الشهر دقيقا كالخيط , ثم يمتلىء , ثم يصير بدرا ثم يعود الى حالته الاولى .

وقال – تعالى – بعد سؤالهم عن الساعة : " فيم أنت من ذكراها "  ( النازعات :43 ) , أى إن هذا سؤال عما لا يعنى , إذ يكفى من علمها أنه لابد منها , ولذلك لما سئل صلى الله عليه وسلم عن الساعة قال للسائل : " ما أعددت لها " , إعراضا عن صريح سؤاله , إلى ما يتعلق به مما فيه فائدة , ولم يجبه عما سأل .

وقد كان مالك بن أنس يكره الكلام فيما ليس تحته

 عمل , ويحكى كراهيته عمن تقدم .

ويؤكد الامام الشاطبى رحمه الله على أن كل علم طلب الشارع له , إنما يكون حيث هو وسيلة الى التعبد به الى الله .. قال – تعالى - : " وإنه لذو علم لما علمناه "( يوسف: 68 ) , قال قتادة : يعنى لذو عمل بما علمناه

وروى عن أبى جعفر محمد بن على فى قول الله تعالى : " فكبكبوا فيها هم والغاون " ( الشعراء : 94 ) , قال : قوم وصفوا الحق والعدل بألسنتهم وخالفوه إلى غيره .

وعن أبى الدرداء : إنما أخاف أن يقال يوم القيامة : علمت أم جهلت ؟ , فأقول : علمت , فلا تبقى آية من كتاب الله آمرة أو زاجرة الا جاءتنى تسألنى فريضتها,فتسألنى الآمرة : هل ائتمرت؟,والزاجرة : هل ازدجرت ؟,فأعوذ بالله من علم لا ينفع,ومن قلب لا يخشع,ومن نفس لا تشبع,ومن دعاء لا يسمع .

وذكر مالك أنه بلغه عن القاسم بن محمد قال : أدركت الناس وما يعجبهم القول إنما يعجبهم العمل .

ويواصل الشاطبى حديثه قائلا :

والادلة على هذا المعنى أكثر من أن تحصى . وكل ذلك يحقق أن العلم وسيلة من الوسائل ليس مقصودا لذاته من حيث النظر الشرعى وإنما هو وسيلة الى العمل . وكل ما ورد فى فضل العلم فإمنا هو ثابت للعلم من جهة ما يتوسل به اليه , وهو العمل .

وإنما يكون العلم باعثا عل العمل إذا صار للنفس وصفا

 وخلقا .. وهنا ينصح الشاطبى رحمه

الله المشتغلين بالعلم , والذين لم يصلوا بعد الى مرتبة الذين صار العلم لنفوسهم وصفا وخلقا بعدم ترك العلم لعدم عملهم به بداية أو لسوء نيتهم فيه , عليهم بمواصلة

 الطلب , فإنه سيلجئهم حتما الى العمل .

يقول رحمه الله : " على أن المثابرةعلى طلب العلم والتفقه فيه , وعدم الاجتزاء باليسير منه , يجر إلى العمل به , ويلجىء إليه , وهو معنى قول الحسن : كنا نطلب العلم للدنيا فجرنا الآخرة . وعن حبيب بن أبى ثابت : طلبنا هذا الامر وليس لنا فيه نية , ثم جاءت النية بعد . وعن أبى الوليد الطيالسى قال : سمعت ابن عيينة منذ اكثر من ستين سنة يقول :

 طلبنا هذا الحديث لغير الله فأعقبنا الله ما ترون " .

وإذا كان لقاح العلم العمل به , وأن زكاة العلم العمل .. هذا فى حق كل الناس , فهم مكلفون بالعمل .. إذا كان ذلك فالعمل فى حق من هم مظنة الاقتداء بهم أحرى وأولى .

وفى نهاية هذا البحث الماتع يقول الشاطبى – رحمه الله - : " فالحاصل أن الافعال أقوى فى التأسى والبيان إذا جامعت الأقوال , من انفراد الاقوال , فاعتبارها فى نفسها لمن قام فى مقام الاقتداء أكيد لازم , بل يقال : إذا اعتبر هذا المعنى فى كل من هو مظنة الاقتداء ومنزلة التبيين , ففرض عليه تفقد جميع أقواله وأعماله . ولا فرق فى هذا بين ما هو واجب وما هو مندوب أو مباح أو مكروه أو ممنوع وهذا البيان الشافى المخرج عن الاطراف والانحرافات هو الراد إلى الصراط المستقيم " اهـ .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثلاثون بعد المئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل العشرون : " ومن كل شىء خلقنا زوجين

 لعلكم تذكّرون ففروا إلى الله "

الثانى عشر : الحلم لقاح العمل : الحلم أن تكون حليما فى شرع الله , وحليما مع خلق الله .

الحلم فى شرع الله : أن تشفق على العصاة والمذنبين وتنظر إليهم بعين الرحمة والعطف .. تتحملهم وتحاول أن تأخذ بأيديهم لتنقذهم من الغرق , لتدفعهم إلى طريق الله .. تبذل نفسك لتنتشلهم من نيران المعاصى المحرقة .. ويساعدك تذكر حالك قبل , وأن الله منّ عليك ونجاك  وقديما قالوا : لا يضحك فى وجه العاصى الا عالم .. نعم : كلما ازداد الإنسان علما ازداد حلما .

قال منصور بن محمد الكريزى :

سألزم نفسى الصفح عن كل مذنب ***وإن كثرت منــه إلىّ الجرائــم

فمــا النــاس الا واحــد من ثلاثـــــــة ***شريف ومشروف ومثل مقاوم

والحلم يبدل العداوة محبة,قال الله تعالى :"ادفع بالتى هى أحسن فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم * وما يلقاها الا الذين صبروا وما يلقاها الا ذو حظ عظيم " ( فصلت : 34 – 35 ) .. وفى ذلك يقول معين بن أوس المزنى :

فأبرأت غل الصدر منه توسعــا ***بحلمـى كمـا يشفـى بأوديـة كلـم

وأطفأت نار الحرب بينى وبينه ***فأصبح بعد الحرب وهو لنا سلــــم

إخوتاه , الحلم طريق العمل .. فإذا كنت لا تعمل فكن حليما يأتك العمل .. كن حليما يحبك الله , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأشج عبدالقيس : " إن فيك خصلتين يحبهما الله : الحلم والأناة " [أخرجه مسلم] .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله رفيق يحب الرفق فى الأمر كله " [أخرجه البخارى] .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله رفيق يحب الرفق , ويعطى على الرفق ما لا يعطى على العنف وما لا يعطى على ما سواه " [أخرجه مسلم] .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أخبركم بمن يحرم على النار – أو بمن تحرم عليه النار ؟ - تحرم على كل قريب هين لين سهل " [صححه الألبانى] .

أخى فى الله , حبيبى فى الله , كن حليما مع خلق الله , واقتد بنبيك صلى الله عليه وسلم وصحابته الأكرمين وسلفك الصالحين

عن أنس رضى الله عنه قال : "كنت أمشى مع رسول

الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجرانى غليظ الحاشية , فأدركه أعرابى , فجذبه بردائه جذبة شديدة , فنظرت إلى صفحة عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أثر بها حاشية الرداء من شدة جذبته , ثم قال : يا محمد , مر لى , فالتفت إليه فضحك , ثم أمر له بعطاء" [متفق عليه] .

وشتم رجل أبا ذر رضى الله عنه , فقال له : يا هذا لا تستغرق فى شتمنا , ودع للصلح موضعا .. فإنا لا نكافىء من عصى الله فينا بأكبر من أن نطيع الله فيه .

وكانت أم المؤمنين عائشة – رضى الله عنها – صائمة فأمرت جاريتها بريرة أن تصنع لها طعاما , لتفطر به , فتشاغلت عن ذلك حتى مضى النهار , وجاء المغرب , فلم تجد أم المؤمنين طعاما , فالتفتت إليها وقالت وهى تكتم غيظها : لله در التقوى لم تدع لذى غيظ

 شفاء "

" وقيل للأحنف بن قيس : من أين تعلمت الحلم ؟ , فقال : من قيس بن عاصم , قيل : وما بلغ حلمه ؟ قال : بينما هو جالس فى داره , إذ أتته جارية له بسفود عليه شواء , فسقط من يدها , فوقع على ابن له صغير فمات , فدهشت الجارية , فقال لها : لا روع عليك , أنت حرة لوجه الله – تعالى " .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الواحدة والثلاثون بعد المئة في موضوع

   ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي

 هي بعنوان :*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل العشرون : " ومن كل شىء خلقنا زوجين

 لعلكم تذكّرون ففروا إلى الله "

الثانى عشر : الحلم لقاح العمل :

" وقيل : إن أويسا القرنى كان إذا رآه الصبيان يرمونه بالحجارة , فكان يقول لهم : يا إخوتاه , إن كان ولابد فارمونى بالصغار , حتى لا تدموا ساقى , فتمنعونى عن الصلاة " .

" وكان ليحيى بن زياد الحارثى غلام سوء,فقيل له : لم تمسكه ؟!,فقال : لأتعلم الحلم عليه "

وكان لمعاوية رضى الله عنه قطعة أرض وبجوارها أخرى لعبدالله بن الزبير رضى الله عنهما كان يجلس فيها هو وأهله .. فكان عمال معاوية يدخلون عليه ..فكتب إلى معاوية يقول : يا ابن آكلة الأكباد , امنع عمالك عنى , والا كان لى ولك شأن .. والسلام .

فلما وقف معاوية على الكتاب دفعه لولده يزيد وقال له : ما ترى ؟ , قال : أرى أن تبعث إليه جيشا يكون أوله عنده وآخره عندك يأتونك برأسه . فقال له معاوية : غير هذا خير . ثم قلب الكتاب وكتب على ظهره : أما بعد : فقد وقفت على كتابك يا ابن حوارى رسول الله صلى الله عليه وسلم , ويا ابن ذات النطاقين , وساءنى ما ساءك .. ووالله لو كانت الدنيا بأسرها بينى وبينك لأتيتك بها .. وقد نزلت عن أرضى لك , فأضفها إلى أرضك بما فيها من العبيد والاموال .. والسلام .

فلما قرأها ابن الزبير رضى الله عنه بكى .. وكتب إليه : قد وقفت على كتاب أمير المؤمنين – أطال الله بقاءه , ولا أعدمه الرأى الذى أحله من قريش هذا المحل .. والسلام .

فلما وقف معاوية عليه تهلل وجهه وأسفر , وقال لابنه : يا بنى , من عفا ساد , ومن حلم عظم , ومن تجاوز استمال إليه القلوب .. فإذا ابتليت بشىء من هذه الامور فداوه بمثل هذا الدواء .

نعم – إخوتاه - : وصل هؤلاء إلى الله – تعالى – بترويض أنفسهم على طاعته ولزوم أوامره واجتناب نواهيه وهذا أيضا من الحلم فى شرع الله .. قال – جل جلاله - : " فاصفح الصفح الجميل " ( الحجر : 85 ) , وقال – جل جلاله - : " وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم " ( النور : 22 ) , والعفو : ترك المؤاخذة على الذنب , والصفح : ترك التأنيب عنه . وقال – جل جلاله - : " والعافين عن الناس والله يحب المحسنين "   ( آل عمران : 134 ) ,      وقال – عز وجل - : " ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور (الشورى : 43 ) .والخلاصة : لقح العمل بالحلم .

وبعد – إخوتاه - : فهذه لقاحات على الطريق .. لقاحات على طريق السير والوصول إلى الله , تقويك وتهيىء لك أسباب الوصول .. فالزم كل زوج من هذه اللقاحات تجن ثمار خير كل منهما , لتقطع الطريق بقوة وسرعة وسهولة .. وتذكر دائما قول الله – تعالى – " ومن كل شىء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ففروا إلى الله " .. ففروا إلى الله .. الجأ إلى الله , واعتمد عليه , واستعن به .. وانطلق .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثانية والثلاثون بعد المئة في موضوع

   ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي

 هي بعنوان :*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل الحادى والعشرون : من صفّى صُفى له , ومن كدّر كُدر عليه

اللهم إنا نسألك أن تصفى لنا أعمالنا من الكدر , وقلوبنا من الرياء , وأعيننا من الخيانة , وألسنتنا من الكذب .. اللهم إنا نسالك أن تصفى لنا حياتنا لتكون خالصة لك .. من صفى صفى له , ومن كدر كدر عليه

أيها الاخ الكريم , اسمح لى أن أقول لك : إن العلاقة مع الله علاقة ذات حساسية بالغة .. وبعض الشباب لا يلتفت لتلك العلاقة , فتراه يلتزم – اللهم ارزق شبابنا الالتزام , اللهم ثبتهم على الايمان , اللهم نجهم من الفتن ما ظهر منها وما بطن – ويبدأ الطريق , ومع ذلك لا يزال يتلون , لا يزال تافها وفارغا , لا يزال ماء قلبه معكرا .. تراه يمكر بالله .. يحاول أن يخدع الله .. وإنما أتى هذا المسكين من جهله , لأنه لم يعرف الله .

لقد كنت على المنبر فأخرجت جنيها وقلت : هل رأيتم هذا الجنيه ؟! إن الذى أعطانى هذا الجنيه رجل " بقال " .. والجنيه مكتوب عليه بخط واضح : " حبيبتى الغالية , كل عام وأنت بخير , أحب أن أعبر لك عما فى داخلى .. والله يا حبيبتى لولا خوفى من الله , وأنى أعبده , لعبدتك أنت حبيبتى .. حبيبك فلان " .. البعض يضحك من هذا , ووالله إنه لأمر يوجع القلب .

إن هذا الولد من الممكن أن يكون مؤمنا , بدليل أن أول كلمة قالها : لولا خوفى من الله .. هذا الكلام قد يقوله البعض , ولكن الحقيقة أن هذا الولد لو كان خائفا من الله ما قال هذا الكلام بداية .. نعم : هو جاهل غير خائف , أخرج ما بداخله وأظهره . وما أكثر من بداخلهم مثل هذا الشاب وأكثر , ولكنهم لا يقولون بألسنتهم , لأنهم كذابون , يخادعون الله

قال البقال كلمة جميلة جدا : " انظر ! .. الولد يقول لها :أعبدك وهى باعته وصرفت الجنيه !! " باعته وتركته رغم أنه يعبدها !! الجهل يا شباب يفعل أكثر من هذا .. فهؤلاء الشباب المساكين فى جهل مطبق بالعقائد .. بالدين .. بالفقه .. فهذا الولد جاهل وذنب أبيه وأمه مثل ذنبه تماما , لأنهما لم يعرفاه بالدين , ولو كان يعرف الله لما قال هذا الكلام . فلا تمكر بالله , ولا تبع الله مثل هذا الشاب ,وتب إلى الله واصدقه ..

ولذلك عندما أقول لك : تب فتقول : تبت من كل شىء فأنت إذا كذاب .. حدد من أى شىء تبت .. تبت من ماذا ؟ , فذنوبك كثيرة ؟! .. ينبغى أن تسمى الاشياء بمسمياتها لتكون واضحا .. تعامل مع الله بصراحة وإياك أن تخادع أو تمكر .

أخى فى الله , إذا التزمت فصفِ .. صفِّ .. لابد أن نصفي أعمالنا مع الشيطان .. نصفي حساباتنا مع النفس والهوى .. لابد أن نبدأ فى تصفية أحوالنا مع الشهوات , لتبقى حياتنا صافية تماما لله وحده .

بعض الشباب ينظر إلى النساء المتبرجات , فهل هذا يصفي أم يكدر ؟ .. يقول : أشعر بقسوة فى قلبى لا أعرف لماذا ؟! .. عجيب أمرك ! أتمكر ؟! .. أنت تعرف ما سبب هذه القسوة .. فحينما تكدر يكدر عليك .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثالثة والثلاثون بعد المئة في موضوع

( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي

 هي بعنوان :*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل الحادى والعشرون : من صفّى صُفى له , ومن كدّر كُدر عليه

والعلماء يستدلون على هذا الاصل : " من صفى صفّى له , ومن كدر كدر عليه " بقول الله – تعالى -: " إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا * عينا يشرب بها عبد الله " ( الإنسان : 5 – 6 ) .. عينا يشرب بها من ؟ " عباد الله " .. فهم أبرار , عباد الله أولا , ولذلك استحقوا النعيم والتكريم .

قال العلماء : الناس ثلاث درجات : الدرجة الاولى : أصحاب الشمال – نعوذ بالله منهم – وهؤلاء هم أهل النار , وإن كانوا فى النهاية سيدخلون الجنة . والدرجة الثانية : الأبرار ,وهم من أهل الجنة .

والثالثة :المقربون وهم أفضل وأعلى من الأبرار .

إذا فأهل الجنة درجتان : أبرار ومقربون , ولذلك يقول عز وجل : " ولمن خاف مقام ربه جنتان " ( الرحمن : 46 ) , وفى قوله : " ومن دونهما جنتان " ( الرحمن : 62 ) , جنتان من ذهب للمقربين , وجنتان من ورق( فضة ) لأصحاب اليمين .. وفى هؤلاء جميعا يقول الله عز وجل :( فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة * وأصحاب المشئمة ما أصحاب المشئمة * والسابقون السابقون * أولئك المقربون (الواقعة : 8 – 11 )

أصحاب اليمين والسابقون أو الأبرار والمقربون .. درجتان : ممتازة وعادية .. فأى الدرجتين تفضل ؟! , ولذلك فإن الناس الأبرار يقول الله فيهم : " إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا "( الإنسان : 5 ) .. مزاجها أى ممزوجة .. أى إنهم سيشربون ماء كافورا .. " مزاجها كافورا " , أى : رائحتها كافور .. أما عباد الله المقربون فسيشربون كافورا خالصا ,كافورا صافيا .. لأنهم صفّوا .. ومن صفّى صفى له , ومن كدر كدر عليه

لقد كنت أقول لأولادى – اللهم أصلح أولادى أولاد المسلمين , اللهم ربّ لنا أولادنا , اللهم احفظ أولادنا ونجهم من الفتن ما ظهر منها وما بطن – كنت أقول لهم عندما وجدت فيهم بعض الفتور وعدم الصفاء : أنتم لستم جهالا .. تعرفون فضل قيام الليل , وتعرفون فضل صلاة النوافل , وفضل الذكر , وفضل الصدقة .. وتعرفون وتعرفون .. فلماذا إذا لا تعملون ؟! .. لماذا أنتم كسالى ؟! .. قلت لهم وأقول لكم أيضا لأنكم أيضا أولادى : تعرفون ما السبب ؟! .. السبب أنكم لم تتصوروا الجنة كما ينبغي .

وقلت لبناتي : أنت لو مت الآن هل ستكونين مع السيدة فاطمة أو عائشة حبيبة النبى صلى الله عليه وسلم فى الجنة ؟! .. إذا ما فائدة الجنة إذا لم تكوني مع

هؤلاء ؟!!

إن بعض الناس فى الجنة – اللهم ارزقنا الجنة يا رب – ينظر إلى وجه ربه بكرة وعشية , وبعض الناس لا يرى الله الا كل جمعة .. كل أسبوع مرة فماذا تنوى أنت ؟ هل تحب أن ترى الله مرتين فى الاسبوع أم مرة كل يوم ؟ .. إذا منا فى الدنيا نتمنى أن نأتى إلا درس العلم كل يوم , فما بالنا فى الجنة برؤية الملك !!

إخوتاه , لو أنكم كنتم فى الجنة , وحرمت أنت من

 النظر إلى وجه الله الكريم كل يوم , ولم تتمتع برؤيته كما يتمتع أهل الفردوس , فكيف تتصور حالك ؟! .. نعم : ستكون سعيدا فى الجنة ولكن ليس كسعادة أهل الفردوس .. هذه هى القضية .. أن تفكر فى حالك , وهل أنت صاف مع الله أم لا ؟ .. هل لو مت اليوم ستكون مع النبى محمد صلى الله عليه وسلم ؟ .. أجب !! .. إذا فاعمل للفردوس الاعلى .. ابدأ وصف ولا تلتفت , فإن الذى يضع الفردوس فى ذهنه يظل يعمل لها طوال عمره لينالها .

نعــــم : لن تستطيع السير فى الطريق الى الفردوس الا إذا صفيت , فصف ليصفى الله لك قلبك , ويصفى لك عبادتك .. صف ليصفى لك حياتك .. صف ليصفى لك طريقك اليه .. خل عنك مشاكلك ومشاغلك ولا تفكر الا فى الله .. عش لله خالصا صافيا .. لا تنشغل الا بالله وحده .. وكلما صفيت لله صفى لك .. ومن كدر كدر عليه .. فإذا وجدت فى حياتك كدرا , كأن تجد والدك يضايقك حين التزمت أو زوجتك أو زملاءك فى العمل , فاعلم يقينا أن هذا الكدر منك أنت , فلو كنت صافيا لله لأراح قلبك .. نعم : السبب : أنك لست بخالص .. كدرت فكدر الله عليك حياتك .. فصف يصف لك .

إذا وجدت أنك تقف فى الصلاة فيشرد ذهنك , وتقرأ القرآن فلا تركز ولا تتدبر وتذكر الله وفكرك شارد ..

 فاعلم أنك كدرت العبادة .. لم تصف بعد لله .. فالكدر آت منك أنت .

ولذلك يقول العلماء : " من رأس العين يأتى الكدر " .. فالكدر خارج من داخلك أنت , من أعماق قلبك فصفِ قلبك لله .. فرغ قلبك لله وحده , ليصفي لك حياتك , فتصل اليه بأمان واطمئنان .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الرابعة والثلاثون بعد المئة في موضوع

( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي

 هي بعنوان :*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل الثانى والعشرون : تتجاهل جانبا واحدا من جوانب الدين ، الدين .. ما هو الدين ؟!

بعض الناس يرى أن الدين هو الدعوة , وكل همه الدعوة إلى الله .. يجمع الناس ويدخلهم المساجد ويجلس يكلمهم ويهديهم ويدعوهم , ونسى كل شىء فى الدين الا هذه .. وبعض الناس يرى أن الدين مجرد عبادة : صيام وقيام وذكر وصلاة .. ففرغ نفسه للعبادة تماما وترك كل الدين .. وبعض آخر يرى أن الدين هو العلم , فتراه جالسا للعلم ليل نهار .. علم .. علم .. ونسى بقية جوانب الدين .. وبعض آخر يظن أن الدين إقامة الدولة , فتراه يدأب ويحارب ليقيم دولة الاسلام , ونسى بقية الدين وفرط فيه من أجل هذه الجزئية .

ليس هذا هو الدين .. الدين كل لا يتجزأ .. فكل هذا هو الدين .. الدين هو العلم والعمل والعبادة والدعوة والجهاد للتمكين .. الدين كل .. وكثيرا ما أقول هذه الجملة : الدين لا يؤخذ بالقطاعى ,ولا يؤخذ بالتقسيط .. لا يؤخذ بالقطعة .. الدين كل , ولذلك يقول ربى – وأحق القول قول ربى – " ادخلوا فى السلم كافة "   ( البقرة : 208 ) , أى خذوا الاسلام بكلياته , واعملوا بكل ما فيه من بر .

ولذلك حينما أخاطب من ترتدى بنطالا بأن تلتزم , يقولون : احمد الله , فهذه أفضل من غيرها .. خطوة خطوة .. فاليوم بنطال وغدا تلبس الإيشارب .. وهكذا .. تدرج , أقول : لا .. ليس هكذا الدين .. الدين ليس لعبة .. الدين ليس تهريجا , قال الله – تعالى - : " وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا " ( الأنعام : 70 )

وتأمل معى هذا الحديث  العظيم الذى ينبغى ألا يقرأه أحد قط إلا ويرتجف قلبه ويشيب شعره , حديث الثلاثة الذى رواه أبو هريرة رضى الله عنه قال سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول : " إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد , فأتى به , فعرفه نعمه , فعرفها , قال : فما عملت فيها؟قال:قاتلت فيك حتى استشهدت , قال : كذبت , ولكنك قاتلت لأن يقال : جرىء فقد قيل , ثم أمر به , فسحب على وجهه , حتى ألقى فى النار , ورجل تعلم العلم وعلمه , وقرأ القرآن , , فأتي به , فعرفه نعمه فعرفها , قال : فما عملت فيها ؟ قال : تعلمت العلم وعلمته , وقرأت فيك القرآن , قال : كذبت , ولكنك تعلمت العلم ليقال : عالم , وقرأت القرآن ليقال : قارىء , فقد قيل , ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقى فى النار , ورجل وسّع الله عليه , وأعطاه من أصناف المال كله , فأتى به , فعرفه نعمه فعرفها قال : فما عملت فيها ؟ قال : ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك , قال : كذبت , ولكنك فعلت ليقال : هو جواد , فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه , حتى ألقى فى النار " .

انظر كيف سعرت جهنم بهؤلاء الثلاثة بعد ما سحبوا على وجوههم إليها , إنه – والله – شىء مخيف .. شىء رهيب .. عالم شهد الله له أنه علّم فقال : علّمت ليقال , ثم يكون أول من يسحب على وجهه إلى جهنم .. عالم معلم .. شيخ داعية .. مشهور مؤثر له أتباع ومع ذلك يدخل جهنم , لأنه فقد الإخلاص لله – سبحانه وتعالى .

وأظن أن ذلك أيضا نتيجة أحادية النظرة , فلعله كان إذا دعى إلى جهاد أو صدقة أو قيام ليل أو مجلس ذكر أو إعانة فقير محتاج , فإنه كان يقول : إننى عالم .. فهدم كل جوانب الدين ظانا أنه يكفيه هذا الجانب الذى هو فيه .. اختل به هذا الجانب أيضا , فهوى به فى هوة سحيقة من جهنم .

ومثله المتصدق :  كان يعمل الليل والنهار ليحوز المال الذى يتصدق به .. وقصر فى كل جوانب الدين , وإذا ذكرته يقول : أنا أفتح بيوتا وأعول فقراء وأقيت جوعى , إنما أعمل ليقوم بى ناس كثير فلما سقط هذا الجانب أيضا ولم يكن له غيره هوى فى بئر جهنم .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الخامسة والثلاثون بعد المئة في موضوع

( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي

 هي بعنوان :*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل الثانى والعشرون : تتجاهل جانبا واحدا من جوانب الدين ؛ الدين .. ما هو الدين ؟!

فإياك – أخى – أن تغتر بجانب تقوم به , وإنما كن للدين كله – عافانا الله وإياك من اتباع الهوى .

الدين حين يأتى بالأمر , فلابد أن تلتزم به كله فى الحال,قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم, وما نهيتكم عنه فانتهوا " [متفق عليه]

يقول الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله تعالى – فى منظومته فى أصول الفقه وقواعده :

والامر للفور فبادر الزمن ***الا إذا دل دليل فاسمعن

" ومعنى هذا أن الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم إذا أمرا

 بشىء فإنه للفور , يعنى يجب على الانسان أن يفعله فورا من حين أن يوجد سبب الوجود ويكون قادرا على ذلك . " فبادر الزمن " يعنى أن الزمن يمضى ويمشى , فبادر قبل أن يفوت . والدليل على ذلك أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه عام الحديبية أن يحلقوا , ولكنهم تأخروا رجاء أن يحدث لهم نسخ , فغضب النبى صلى الله عليه وسلم لذلك . فكان هذا دليلا على أن الأمر المطلق يكون للفور , ولو أننا قلنا : يجوز التأخير لتراكمت المأمورات وكثرت وعجز الإنسان عنها " .

 فاذا التزمت اليوم علي طريق الله , فلابد ان تنتهي عن التدخين في نفس اللحظة التي التزمت فيها.. ليس بالتدريج .. فلاتقل : اليوم ادخن عشرسجائروغداخمسا وهكذا حتي اقلع .. لا.. ولاتقولي- ايتها الاخت المتبرجة - : اليوم سأترك " التزين " وبعد ذلك ألبس ملابس طويلة , ثم أغطى شعرى وأربط رقبتى ثم أرتدى بعد ذلك الحجاب .. لا .. فالأمر دين .. اليوم التزمتِ وتبتِ إلى الله فالبسي حجابك الشرعي , وسيرى على طريق الله , وانتهت القضية .

أحد الإخوة أراد أن يلعب تنسا , فذهب الى المدرب

 وقال له : ما المطلوب فى لعب التنس , فقال له المدرب : مضرب تنس و " كاب " أبيض وفانلة بيضاء و " شورت " أبيض وجورب أبيض و " بوت " أبيض .. فقال له الاخ : لا يصح التنس الا بهذا اللبس ؟ قال له : نعم , لا يكون التنس الا بهذا الشكل .. فذهب الاخ وأحضر اللبس , فأتى وهو يحمل المضرب فقابله أحد من يعرفه فقال له : أتلعب تنسا ؟!! .. لماذا تلعب ؟! .. فانظر الى تعجب الناس منه .. لأنهم يظنون فى الاصل أنه رجل دين لا يلعب ولا يلهو !!

الشاهد من هذا الموقف : أن من يريد الدين فلابد أن يلبس " دين " .. قال المدرب : لا يصح التنس الا بهذا الشكل , وأقول لك : لا يصح الدين الا إذا التزمت به كليا . فإذا أردت السير فى طريق الله فلابد أن يكون شكلك بالدين , وحياتك بالدين , لتكون من أهل الدين الفائزين بالوصول الى الله .

فإذا دخل أحد بيتك يعلم من أول وهلة ومن أول نظرة : أنك رجل دين , فعش بالدين وللدين وعلى الدين .. إن الناس اليوم لا يلعبون التنس , بل يلعبون بالدين , فأمسك على الدين ولا تلعب به , فالدين ليس تهريجا . إنه حق جد حق , وما هو بالهزل

فإذا أردت أن تغني فلا تغنِ باسم الدين .. إذا أردت أن تلعب فالعب بعيدا عن الدين , ولا تلبس على الناس دينهم بهواك , فتأخذ من الدين ما يعجبك وتترك ما يخالف هواك ..

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السادسة والثلاثون بعد المئة في موضوع

( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي

 هي بعنوان :*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل الثانى والعشرون : تتجاهل جانبا واحدا من جوانب الدين ؛ الدين .. ما هو الدين ؟!

إذا أردت أن تدخل فى الدين وإذا أردت أن تكون من أهله , فالشرط أن تتمسك بالكل .. فلا تتجاهل جانبا واحدا من جوانب الدين . الرسول صلى الله عليه وسلم لما رجع من الطائف وجلس بمكة بدأ يعرض نفسه , أى يعرض الدين على القبائل , فيقول لهم : " قولوا : لا إله إلا الله تفلحوا " , كما كان يعرضه عليهم قبل الطائف , ولكن العرض بعد الطائف كان عرضا للحماية فكان صلى الله عليه وسلم يقول : " هل من رجل يحملنى إلى قومه فيمنعني ( أى يحمينى ) كى أبلغ رسالة ربي , فإن قريشا قد منعتني أن أبلغ رسالة ربي " . نعم : كان يطلب الحماية من القبائل العربية , فأتى بني عامر بن صعصعه , فعرض عليهم نفسه , فقام رجل منهم يقال له : بحيرة بن فراس فقال : والله لو أني أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب , ثم قال له : أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك , ثم أظهرك الله على من خالفك , أيكون لنا الامر من بعدك ؟ .. يقصد : نحن معك , ولكن عندما تموت سأكون أنا الرئيس المطاع , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء " .. ومعنى هذا الكلام : أنك إذا أردت أن تدخل فى الدين فلا تشترط على الملك .. أنت عبد .. فالرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يعلمه ويعلمنا : أنك تبايعني وتحميني لتعبد ربك .. تبايعني وتحميني لأجل الجنة , لا لشىء من الدنيا .

بعض الشباب يلتزم حتى يعطيه الله المال وغيره .. لا .. قال الرسول صلى الله عليه وسلم :إن الأمر لله يضعه حيث يشاء " لذلك تجدبعض الناس يعيشون الدين بالغش, يدخلون الى الالتزام من أجل مصالح دنيوية . فإن كنت قد فعلت , فصحح نيتك , يصحح الله لك عملك .

إن من عادتنا أن نذهب إلى المستشفيات فنأخذ معنا عسلا .. نصف كيلو عسلا , وكتاب " حصن المسلم ",والمصحف للمرضى – اللهم اشف مرضى المسلمين - , فيكون الكتاب والسنة والشفاء .. نعطى للمريض هذه الثلاث , فنأتيه بعد أسبوعين فنجده قد التحى , فيقول : ها أنا ذا قد التحيت , وكأنه يرضينا , لا , بل , قل : التحيت من أجل الله ليشفيني .. ادخل الدين من أجل الله .. ادخله وأنت قوى معافى .. ادخله برضاك , بدلا من أن تدخله وأنت مبتلى مقهور

الشاهد : أن الرسول صلى الله عليه وسلم عرض نفسه على مجلس فيه السكينة والوقار , فدخل سيدنا أبوبكر فقال : ممن القوم ؟ فقالوا : شيبان بن ثعلبة , فالتفت أبوبكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له : بأبي أنت وأمي , هؤلاء فرد فى قومهم , فقال أبوبكر : كيف المنعة فيكم ؟ قالوا : علينا الجد والجهد ولكل قوم جد – كلام جميل - , فقالوا له : إلام تدعو يا أخا قريش ؟ قال : " أدعو إلى شهادة أن لا إله إلا الله " , فقالوا : وإلام تدعو أيضا يا أخا قريش ؟ قال : " قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم " ( الأنعام : 151 ) , وإلام تدعو أيضا , قال : " إن الله يأمر بالعدل والإحسان " ( النحل : 90 ) ,فقالوا : دعوت يا أخا قريش والله إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال,ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك

قال أحدهم : ولكن " – أنا أرى : إن تركنا ديننا واتبعناك على دينك على مجلس واحد جلسته إلينا , فإنه لوهن فى الرأى , وسوء نظر فى العاقبة .. إنما تكون الذلة مع العجلة , وإن من ورائنا قوما نكره أن نعقد عليهم عقدا , ولكن نرجع وترجع , وننظر وتنظر

فقام رجل منهم هو المثنى بن حارثة فقال : إنما نحن نزلنا بين سريان اليمامة والسماوة , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فما هذا السريان ؟ " , فقال المثنى : أنهار كسرى ومياه العرب .. فأما ما كان من أنهار كسرى فذنب صاحبه غير مفغور وعذره غير مقبول .. يعنى : أننا لسنا نقدر على كسرى .. وأما ما كان من مياه العرب فذنبه مغفور وعذره مقبول .. وإنما نزلنا على عهد أخذه علينا كسرى : ألا نحدث حدثا ولا نأوى محدثا , إن هذا الأمر تكرهه الملوك .. ما هذا الدين الذى جئت به ؟ .. وإنا نرى أن هذا الأمر تكرهه الملوك . فإن أحببت أن نؤويك وننصرك ممن يلى مياه العرب فعلنا , أما من كسرى أو قيصر فلا , فلسنا نحتمل الوقوف فى وجه هؤلاء .. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أسأتم الرد إذ أفصحتم بالصدق ,وإن دين الله لن ينصره إلا من أحاطه من جميع جوانبه " .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السابعة والثلاثون بعد المئة في موضوع

( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي

 هي بعنوان :*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل الثانى والعشرون : تتجاهل جانبا واحدا من جوانب الدين ؛ الدين .. ما هو الدين ؟!

  إننا نضيق بمن ندعوهم , لأننا لم نفهم الدين .. لأننا متضايقون ومهمومون , أو قل : عاصون .. يأتيني أحدهم مهموما مخنوقا .. مالك ؟! , يقول : روحى تكاد أن تخرج , أقول له : هل تحتاج إلى مال ؟ .. لا .. المال كثير , هل زوجتك أغضبتك ؟.. لا .. يا ليت كل النساء مثل زوجتي , أولادك ؟ .. الحمد لله حالهم حسنة .. تحتاج إلى عمل ؟ ! .. لا .. كل شىء على ما يرام .. إذا ما الامر ؟ , يقول : لا أعرف , فأنا مخنوق ومتعب .. أقول له : تعال , افتح صدرك لي وقل لي .

  يقول : والله لا أعرف , ولو كنت أعرف لقلت لك .. ليس هناك سبب واضح للضيق الذى انا فيه الآن .. وأحيانا يقول هذا الكلام أخ ملتزم .. لقد كان حالي قبل أن التزم أحسن من هذا , فكنت لا أعصى الله بهذه الطريقة , ماذا جرى بعد الالتزام ؟ !!

  السر فى الضيق والهم والغم هو المعصية الكبيرة التى تعملها وتصر عليها فتسبب لك الوحشة ..يقول ابن القيم فى كتاب " الداء والدواء " : " إن المعصية توقع بين العبد وبين الله وحشة , فإن زادت استحكمت تلك الوحشة " اهـ .

إذا زادت المعصية زادت فى المسافة بينه وبين أقرب الناس إليه .

فترى هذا الذى استحكمت عليه الوحشة إذا قال له أحد : مالك ؟ , يقول : لا أريد أحدا أن يقول لى : مالك ! , وإذا سأل عنه أصحابه , قال : قولوا لهم ليس موجودا , فإذا استحكمت الوحشة أكثر وقعت بينه وبين نفسه .

يقول العلماء : وقد تقتل هذه الوحشة إن زادت .. نعم : قد يموت بسببها .. فسر الوحشة معصية , وأخطر المعاصي معصية السر , أن تعصى ربك ولا يراك غيره , لأنك ساعتها تحذر أن يراك الناس ولا تحذر أن يراك الله , تخاف من الناس ولا تخاف من الله .

إذا فقد يكون هناك جانب من الدين متهدم فى حياتك

 هو هذا الجانب"المعصية فى السر" وهو الذى يسبب لك هذه الوحشة .

وقد يكون هذا الجانب هو أنك هاجر للقرآن , فلا تحفظ ولا تراجع ولا تتلو .. هاجر بالكلية .. وقراءة القرآن للتعبد سنة مستحبة , ولكن هدمها هدم للدين .. وقد يكون الجانب المنهدم من دينك هو عدم صلتك للرحم أو عدم برك بوالديك , وقد تكون اللحية .

أرى بعض الملتزمين اليوم بدون لحية .. هل هى غير مهمة ؟! .. اللحية فرض , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعفوا اللحى " [متفق عليه] .. " أرخوا اللحى " [أخرجه مسلم] .. " وفروا اللحى " [أخرجه البخارى] .. بالامر .. وإذا تعللت بالمشكلات , فقد

تخدعني ولكن أبدا لن تخدع الله .. لا .. اللحية فرض

أخى فى الله , ابحث عن الجانب أو الجوانب التى هدمتها فى دينك وسدها .. أقم جوانب الدين تزل عنك الوحشة .. لا تهمل جانبا واحدا من جوانب الدين .. فالدين كلٌ .. قال تعالى" يا أيها الذين آمنوا ادخلوا فى السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين * فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم * هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله فى ظلل من الغمام والملائكة وقضى الأمر وإلى الله ترجع

الأمور " ( البقرة : 208 – 210 )

فلابد أن تأخذ الدين كله .. وإياك أن تتمسك بجزئية

 فيه وتترك الباقى .. فبالكل لا بالجزء بإذن الله تصل .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السابعة والثلاثون بعد المئة في موضوع

( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي

 هي بعنوان :*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل الثالث والعشرون : أنجز كل يوم شيئا جديدا

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الإيمان ليخلق فى جوف أحدكم كما يخلق الثوب , فاسألوا الله أن يجدد الإيمان فى قلوبكم " [صححه الألبانى] كيف تجدد الإيمان فى قلبك ؟ .. أن تعمل كل يوم عملا جديدا,وذلك لأن أصل اعتقادنا أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص,يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي .

بعض الناس بعد فترة من الالتزام يرقد ويقعد وينام .. يقف ويتعطل .. يتدهور حاله فلا يكون لديه جديد ..

 إن ديننا أبدا لا تنتهي جدته فدوما هناك جديد لم تعمله ! لقد كنت أتكلم مرة مع الإخوة عن الجديد فى الالتزام فقلت : إن العلماء يقولون : إن الأكسجين المخلّق حديثا فى المعمل أكثر اشتعالا من الاكسجين الموجود فى الجو .. فما السبب ؟ , قالوا : لأنه جديد .. وكذلك الالتزام الجديد يكون فيه انطلاقة وحيوية وإيمانيات عالية ثم بعد ذلك يقدم ويضعف ويخفت .

ولذا يحتاج منك دوما إلى تجديد .. بأن يكون كل يوم فى حياتك مختلفا عن سابقه ولاحقه .. فكل يوم له لون جديد فى الطاعة .. فلا تمل ولا تفتر , وتشعر دائما بجدة الإيمان .

ولا تقل : إن الدين ستنتهى أعماله .. لا .. فالاعمال فى ديننا كثيرة ومتنوعة , والطاعة ليس لها حدود .. فأنجز كل يوم شيئا جديدا بشرط أن تقوم به على أحسن وجه .

ابدأ اليوم وقل : اليوم سأضبط الخمس صلوات .. فلن أسمح لذهنى بالشرود .. اليوم فيه تحدٍ .. سأتحدى اليوم شيطان الصلاة " خنزب " .. اليوم سأقرأ فى الخمس صلوات سوراً جديدة لم أقرأها من قبل .. بعض الناس فى كل صلواته لا يقرأ إلا بسورتين قصيرتين ويظل معهما شهورا , ولذلك يشرد فلا يعيش الصلاة . لأنه يصلى ( عادة ) صلاة مكررة .

يوم آخر , تقول : أذكار الصلاة سأقولها اليوم بقلبي وبدموع عيني .. يوم آخر : سأتدبر اليوم صفحة جديدة من القرآن , وسأظل أغرس معانيها فى قلبى طوال اليوم .. وهكذا .. كل يوم شىء جديد .

سبحان الله العظيم .. حديث فى " صحيح مسلم " أعرفه , قرأته وكأني أقرأه لأول مرة فى حياتى .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من غازية تغزو فى سبيل الله فيصيبون غنيمة إلا تعجلوا ثلثي أجرهم من الآخرة , ويبقى لهم الثلث , وإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم " [أخرجه مسلم] .

ومعنى ذلك : " أن الغزاة إذا سلموا أو غنموا يكون أجرهم أقل من أجر من لم يسلم , أو سلم ولم يغنم , وأن الغنيمة هى فى مقابلة جزء من أجر غزوهم , فإذا حصلت لهم فقد تعجلوا ثلثى أجرهم المترتب على الغزو , وتكون هذه الغنيمة من جملة الأجر " .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثامنة والثلاثون بعد المئة في موضوع

( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي

 هي بعنوان :*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل الثالث والعشرون : أنجز كل يوم شيئا جديدا

إذا فهناك أحاديث كثيرة أنت سمعتها وتعرفها , ولكن

 عند التدبر والوقوف عندها تشعر بأنها جديدة عليك

 , فيزيد بها إيمانك .. إذا فبالجديد يزداد الإيمان .

وكذلك هناك آيات من القرآن تقرؤها فتقول : سبحان الله , هذه الآية جديدة علىّ : لم أسمعها من قبل , مع أنك تقرؤها ليل نهار , ولكن لأنك بدأت تتدبر وتفتح قلبك وتقف مع الآيات , فيرزقك الله المعانى الجديدة . آية فى سورة الرعد " وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا فى الآخرة إلا متاع " ( الرعد : 26 ) .. آية جميلة وجديدة ,وتردادها وتكرارها وتفهمها يزيد الإيمان ويقويه   آية تريح القلب , وتخفف المشاكل , وتزهد فى الدنيا , وتحث على السير إلى الله .

  نعـم : نقرأ القرآن كثيرا , ومع ذلك نجد جديدا كلما قرأنا .. ومعانى القرآن لا تنتهى , " قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربى لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربى ولو جئنا بمثله مددا " ( الكهف : 109 ) .. فاقرأ من القرآن آية بنفسها فى أوقات مختلفة وأحوال متغيرة سَتَخْرج كلما قرأت بجديد .. إذا فالجديد كثير .. وما عليك إلا أن تعزم وتجد .

  وحينما تنجزون جديدا وتـتـمونه على وجهه الأكمل ,

 ستعلمون أنكم كنتم قبل تلعبون , حين تذوقون نعيم

 الطاعة وطعم الإيمان ولذة الإيمان .. قال الشاعر :

وكنت أظن أن قد تناهى بى الهوى                    وبلغ بى غاية ليس لى بعدها مذهب

فلمــا تلاقينــا وعــاينت حسنهـــــا                   علمــت أنــى كنت قبل اليــوم ألعــب

فإذا صليت فصل كما ينبغى , وإذا قرأت القرآن فاقرأه كما ينبغى , وإذا تصدقت فتصدق كما ينبغى .. وإذا قمت الليل أو ذكرت أو حججت أو اعتمرت أو طفت أو سجدت فبحق .. أنجز الجديد فى اليوم الجديد على الوجه الذى ينبغى , لتذوق حلاوة الإيمان .

يقول ابن القيم : " وسعادة المعطى أعظم من سعادة الآخذ "نعم: الطاعة بحق لها سعادة وحلاوة ومتعة ولذة ،وهذا هو الدين ،اللهم ارزقنا الالتزام بالدين يا رب .

أخى فى الله , اقرأ اليوم بابا جديدا فى التوحيد , واقرأ غدا فى سيرة النبى صلى الله عليه وسلم , وبعد غد اقرأ فى تفسير آية لم تقرأها من قبل .. وهكذا .. أنجز كل يوم جديدا .. جديدا فى العلم .. أو جديدا فى العبادة .. أو جديدا فى الدعوة إلى الله .

جدد إيمانك يوميا حتى لا تفتر أو تمل فى طريق السير إلى الله فالتجديد يدفع الملل ويقوى السير ويحث عليه .. فجدد إيمانك وسل الله ذلك , تصل بإذن الله .. اللهم جدد الإيمان فى قلوبنا يا رب .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة التاسعة والثلاثون بعد المئة في موضوع

( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي

 هي بعنوان :*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل الرابع والعشرون : كف عن الشكوى وابدأ العلاج

كثير من الناس ليل نهار ليس لهم هم الا الشكوى .. التبرج كثير! .. والفتن ! و.. و..

يقول إسماعيل الهروى : الزهد فى الدنيا نفض اليدين عن الدنيا ضبطا أو طلبا,وإسكات اللسان عنها مدحا أو ذما , والسلامة منها طلبا أو تركا " .

الشاهد الذى نستخرجه من هذا الكلام المهم : أن الذى يحب الدنيا يتكلم عنها كثيرا ولو بالذم ..

كذلك يعد الرجل مفتونا بالنساء إذا أكثر من ذكرهن ولو بالذم , والذى يتكلم عن المال كثيرا ولو بالذم فهو أيضا مفتون .. ومن هنا فالذى يشتكى كثيرا فمفتون , قال الملك العليم سبحانه فى آية من الآيات الفاضحة : " ومنهم من يقول ائذن لى ولا تفتني ألا فى الفتنة سقطوا " ( التوبة : 49 ) .

تجد أحدهم يقول : لا أريد أن أذهب إلى الدرس الفلانى لأن هناك نساء وأنا ضعيف !! ..

يا مفتون .. تقول له : اخطب الجمعة فيقول لك : أخاف من الرياء ! .. مفتون .. عجبا لك ! , طوال الوقت تتكلم وتقول : حلال وحرام , ونصبت نفسك شيخا ,لماذا عند تحمل المسئولية تخاف من الرياء ؟!! .. اللهم ثبتنا على الإيمان وارزقنا الإخلاص .

الإمام مالك كان إذا أعطى موعظة بكى وقال : "

 يحسبون أن عينى تقر بكلامي , كيف وأنا أعلم أن

 الله سائلي عنه يوم القيامة ماذا أردت به " ..

إخوتى فى الله , هل تظنون أنى أفرح حينما أقول درسا أو أخطب جمعة ؟! هل يوم القيامة ستكونون جالسين أمامى بهذه الصورة ؟!! .. إن ربى سيسألنى : تحركت من هنا إلى مصر الجديدة لتعظ , لماذا ؟ لأجل الناس أم لأجلى ؟ , فماذا أقول له ؟! .. اللهم ارزقنا الإخلاص واجعلنا من أهله .

كُفْ عن الشكوى وابدأ العلاج .. تجد بعض الناس يشكو من الوسوسة وليس به شىء , ولكنه يظل يقول : الوسوسة .. الوسوسة .. حتى يوسوس فعلا .. بسبب كثرة شكواه .. يظل يشكو : النساء .. النساء , فيقع فى الفتنة , ولو كف عن الشكوى وبدأ فى العلاج , لكفاه الله هذه الفتنة .

إن مصيبة كثير من الإخوة أنهم مشغولون بالزواج .. فترى الواحد منهم يمشى فى الشارع فيقول فى نفسه : أتزوج هذه أم هذه ؟ .. لا , بل هذه .. لا لا بل مثل هذه ..إذا أردت الراحة فارفع هذا الموضوع عن تفكيرك , وعش حياتك الإيمانية كما ينبغى , ووقت أن تقرر الزواج تزوج فى نفس اللحظة .. أما أن تعيش هكذا , مشتت الفكر , تشتكى دوما من هذه القضية , فلن تنجو من الفتن أبدا .. فأرح دماغك الآن عن هم الزواج طالما أن ظروفك الإيمانية والحياتية لا تسمح ..

هذا هو الحل للفتنة : عدم الشكوى وعدم الهم وعدم الضيق والمرض بسببها .

بعض الناس يقول : المال .. ما لنا وللمال , المال دنيا , فكلامه المتكرر هذا عن المال دليل على أنه مفتون بالمال وبالدنيا , وفرق بين من يشكو ليعان وبين من يشكو ليتهرب .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الأربعون بعد المئة في موضوع

( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي

 هي بعنوان :*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل الرابع والعشرون : كف عن الشكوى

سيدنا موسى – عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام – لما قال له ربه : " اذهب إلى فرعون إنه طغى "       ( النازعات : 17 ) , " قال رب إنى قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون * وأخى هارون هو أفصح منى لسانا فأرسله معى ردءا يصدقنى إنى أخاف أن يكذبون "( القصص : 33 – 34 ) .. اشتكى , ولكنه طلب العون فاعين .. أعانه الله ووهب هارون النبوة وهذه من البركات أن يرزق أحد النبوة قال موسى : يا رب , وأخى , فقال – سبحانه - : وأخوك .

ولذا أريد منك حينما يرزقك الله الالتزام .. أريدك أن تقول : يا رب , وأخى .. يا رب , وأبى .. يا رب , وأمى .. يا رب , وأختى .. يا رب , وجارى ..

ادع الله أن يهديهم وانشغل بإصلاحهم بدلا من أن

 تظل تشكوهم وتشتكى منهم فتكرههم ويكرهوك .. ادع الله لهم وكف عن الشكوى , لينجيهم كما نجاك .

الرسول صلى الله عليه وسلم لما قيل له : نُطبق عليهم الأخشبين ؟ , قال : " لعل الله يخرج من أصلابهم من يوحد الله " [متفق عليه] .. خرج وتعب واستفرغ وسعه ..

 فليس همنا أن يحرق الله الكفار , وإنما همنا أن يهديهم , فما بالك بأهلك الذين تشكوهم ..

أيها الإخوة , كفوا عن الشكوى وابدأوا العلاج .. كفاكم شكاوى .. أنا لا أستطيع القيام للفجر , ولا أقدر على الدعوة , ولا أقدر على كذا , ولا أستطيع كذا .. طالما تشتكى فلن تقوم ولن تقدر ولن تستطيع .

الرسول صلى الله عليه وسلم لما جاءه الرجل الموسوس وقال له : إن أحدنا ليجد فى نفسه ما يتعاظم أن يتكلم به , قال : " الحمد لله الذى رد كيده إلى الوسوسة , إذا وجد أحد منكم ذلك فليقل : آمنت بالله ورسوله , وليستعذ بالله ثلاثا ولينته " [صححه الألبانى] , " ولينته " : أى لا يفكر فيها مرة ثانية .

" الحمد لله الذى رد كيده إلى الوسوسة " .. أى إن الشيطان حينما ييأس , ويخيب فى إغواء الرجل , لا يجد شيئا يكيد به سوى هذه الوسوسة فهى سلاحه الضعيف ولذا قال النبى صلى الله عليه وسلم : " الحمد لله " .

وقد قال صلى الله عليه وسلم أيضا فى قطع الوساوس : " اتفل عن يسارك ثلاثا وقل : اللهم ربى لا شريك له " [أخرجه أحمد وابن حبان فى صحيحه] .

اتفل على الشيطان , فهذا احتقار له وازدراء وإهانة , حتى لا يأتيك مرة ثانية .. ولا تعبأ به , وإنما انشغل بالله وحده فقل : الله ربى لا شريك له ،ثم انته عن ذلك,أى : لا تتكلم ولا تسأل أحدا ولا تقرأ عن هذه المسألة ولا تبحث عنها ,وإنما انته , لتنقطع الوساوس .

إذا فالعلاج فى أربعة أمور :

1 – قل : آمنت بالله ورسوله .

2 – استعذ بالله من الشيطان الرجيم .

3 – اتفل عن شمالك ثلاثا .

4 – اسكت .. التزم الصمت .. لا تشتك .. انتهِ .. أغلق هذا الباب تماما .

كثير من الشباب يقول : أبى يعمل كذا وكذا , وأمى تقوم بكذا وكذا .. وأختى .. وأخى ..

والمسجد فيه كذا , والامام يفعل كذا .. والشيخ قال كذا .. ويظل يشتكى .ارحم نفسك,ولا تكثر الشكوى .. لا تكثر الشكوى , وإنما اسكت .. اصمت لتستريح وتريح الناس من همك ومشاكلك , فالناس بهم ما يكفيهم , وإنما الراضى منهم من أرضاه الله , فارض بالله واشك همومك إليه وحده يكفيك ما أهمك فهو سبحانه يعلم حالك

إخوتاه , إن الذين يشكون الواقع لن يغيروه مطلقا , بل ولن يتغيروا هم أيضا , سيظلون هكذا فى وحل الفتنة يقاسون المرارة والكرب طالما لم يبدأوا العلاج من عند أنفسهم .

 إن الوصول إلى الله  يحتاج منا ألا نقف أمام المشاكل والهموم مكتوفى الأيدى , واضعين أيدينا على خدودنا نشتكى إلى كل رائح وغاد,بل لابد من التحرك والعلاج   فعاهد نفسك – أخى فى الله – من الآن ألا تشتكى مطلقا .. كف عن الشكوى وابدأ العلاج , ليعينك الله على الوصول إليه .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الواحدة والأربعون بعد المئة في موضوع

( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي

 هي بعنوان :*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل الخامس والعشرون : ليس الشأن أن تحب الله , إنما الشأن أن يحبك ، فهل يحبك الله ؟

  يذكر ابن القيم أن الدنيا لا تقوم إلا على الحب , فكل حركة وسكنة فى الحياة إنما الدافع عليها الحب , وأصل الحب حب الله .. وليست القضية أن تعزم وتظل

 الليل والنهار تقول :أحبك , وإنما الشأن أن يحبك هو , لذلك اختار الله قوما , قدم حبه على حبهم , قال جل جلاله :{ يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه " ( المائدة : 54 ) , فقدم حبه على حبهم له , فهو - سبحانه – أحبهم وبحبه لهم أحبوه , ولذلك فإن الأصل فى هذه القضية – أيها الأخ الكريم - : هل يحبك الله ؟!!

هذا هو السؤال .. الله يحبك أم لا ؟ سؤال يحتاج منك فعلا إلى إجابة،هل تصلح ؟ .. هل تستحق ؟!

مثال : لو قالوا : إن الممثلة الفلانية تحبك , فنراك تقول لأحد الناس :فلانة تحبنى,فينظرإليك متعجبا ويقول لك :تحبك أنت !! بماذا ؟,وعلى أى شىء تحبك ؟!! , ومن أنت ؟! .. "وله المثل الأعلى فى السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم }الروم : 27 فلو كنت جالسا مع الناس وقلت : إن الله يحبنى , سنقول لك أيضا : وعلى أى شىء يحبك , ولمَ يحبك ؟وبماذا يحبك ؟ ومن أنت حتى يحبك ؟! ..        الله الكبير .. الله العظيم .. الله الجليل .. الله الملك المتعال يحبك أنت ؟!! .. ماذا فيك يحب لأجل أن يحبك الله ؟!!

سهل جدا أن تقول : أحبه , ولكن من الصعب أن تقول : يحبنى .. وإذا قلت : نعم يحبنى , فما طلبت منه شيئا إلا وأعطانيه,أقول لك: ليس شرطا .. فقد أعطى الكفار ما يريدون , فهل معنى ذلك أنه يحبهم ؟! القضية إذا خطيرة , والكلام فيها وعنها أيضا خطير .

ويستدل ابن القيم – رحمه الله – لذلك فيقول :

  كيف وقد أعطى أبغض خلقه عنده .. يعنى : أن إبليس لما سأله الإنظار أعطاه له .." قال أنظرنى إلى يوم يبعثون * قال إنك من المنظرين " ( الأعراف : 14 – 15 ) .. إبليس طلب فأعطاه الله فهل يحبه ؟! .. لا .. فليس شرطا فى الإعطاء أن يحبك ..قد يعطيك لأنه يكرهك .. لا يريدك .. خذ ولا أريد أن أسمع صوتك .

ولذلك فإن من الاصول المهمة : تمام الخذلان انشغال العبد بالنعمة عن المنعم .

هل يحبك الله , وهل تحب الله ؟.. نعم : أحبه , إذا فما الدليل ؟.. إن أى ولد ممن يجلسون على النواصى فيواعد البنت الفلانية , تجده وهو ذاهب لمقابلتها فى أحسن شكل , وقلبه يرفرف , ويكاد يطير فرحا .. فهل وانت قادم إلى الصلاة يرفرف قلبك فرحا لملاقاة ربك ؟!! .. إن لم يكن فاعلم أنك لا تحبه .. هذا كلام منطقى .. إذا لم تكن سعيدا بلقاء الله , وانت فى بيت الله , ومع الله فأنت لا تحبه .

ولذلك فإن من ادعى محبة الله ثم مال بقلبه إلى الدنيا فهو كذاب .. نعم : إذا لم يرفرف قلبك بحبه فأنت كذاب .. , ليست المشكلة فى أن تحبه , المشكلة فى أن يحبك – اللهم أحبنا يا رب - , إذا أحبك نلت السعادة والوصول .

  يقول ابن القيم : " فهى محبة تقطع الوساوس , وتلذذ الخدمة , وتسلى عن المصائب " ..

فإذا أحبك انقطعت عنك الوساوس .. كثير من الشباب الملتزم اليوم مبتلى بالوسوسة .. نعم : لأنه لا يحب الله , ولو أحبه لانقطعت عنه الوساوس .. وسبب آخر هو : أن الموسوس دائما يسأل عن الوساوس ويشتكى منها – كما قلنا فى الأصل السابق .. اللهم إنا نسألك أن تعافى كل مبتلى مسلم .

أخى فى الله , لا يوسوس إلا فارغ , أما الذى قلبه ملآن ودماغه مشغول ففيما يوسوس ؟ !, فهو منشغل بعيدا عن هذه الوساوس،أنه مشغول بالله وبحب الله

وحين يحبك الله يملأ قلبك بحبه فلا تنشغل بغيره – , فتجد نفسك مشغولا ليلا ونهارا به – سبحانه وتعالى .. ليس لك هم إلا الله سبحانه وتعالى والوصول إليه , ونيل رضاه , فتعمل لخدمته , فتظل مشغولا به – سبحانه – وحده طيلة الوقت وطيلة العمر .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثانية والأربعون بعد المئة في موضوع

( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي

 هي بعنوان :*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل الخامس والعشرون : ليس الشأن أن تحب الله , إنما الشأن أن يحبك ، فهل يحبك الله ؟

نعم : إذا أحبك شغل قلبك بحبه , وجوارحك بخدمته

 , وعقلك بالفكر فيه , ثم لا تجد فى نفسك بقية لغيره ..أول شىء فى الحب أن المحبة تقطع الوساوس ..اللهم ارزقنا حبك يا رب .

ثم إن الحب يلذذ الخدمة .. أحد إخواننا ذهب ليعتمر فكان يوم بخدمة المعتمرين .. أسأل الله أن يتقبل منا ومنكم ومنه .. اللهم ارزقنا الحج والعمرة .. قلت له : اجعل قلبك – وانت تخدم إخوانك – مشغولا بالله .. واستشعر نظره إليك , لتزداد تلذذا وحبا فى الخدمة

أخى فى الله , لو أنك أتيت برجل يشتغل عندك ليدهن لك هذه المكتبة مثلا وانت واقف خلفه , فسيظل يعمل بحذر وجد . فاجعل هذا إحساسك .. المراقبة .. واقف أنت امام حبيبك فهو ناظرك .. حبيبك الذى تشتغل له وتعمل له , استشعر مراقبته لك دائما , ساعتها ستعمل بحب وتلذذ , ليس على خوف وفقط , بل بحب , لأن حبيبك يراك , والمحب يحب أن يراه حبيبه دوما وهو يعمل له .

صليت مرة بالناس فأطلت الصلاة وقلت لهم : إن الناقد بصير ( أعنى : أن الله ناظرنا ) .. ومررنا مرة على " استرجى " وقدامه الطقم " انتريه " وهو جالس يدهنه .. يمسك بالقطنة والريشة قلنا :ما لك لا تنتهى؟!,قال: إن صاحب الطقم يدقق جدا فى كل شىء أفهمت ؟ !

ولذلك فإذا صليت فاعلم أن الله ينصب وجهه إلى وجهك فى صلاتك ما لم تلتفت .. إذا قمت للصلاة فاعلم أن الله ينظر إليك ويطالعك .. ولذلك كان الواحد من السلف إذا توضا اصفر لونه ,وارتعش جلده , يقولون له : ما لك؟!,يقول : أتدرون بين يدى من سأقف ؟!

ولذلك فإن من الاصول المهمة أيضا : الاستحضار الذهنى للعبادات قبل الدخول فيها , سبيل الاخلاص فيها .

أيها الاخ الكريم , الحب تلذذ الخدمة .. نعم : يلذذ

 الحب الخدمة .. تكون الخدمة لذيذة

جدا .. قال أمير الشعراء عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم متلذذا له :

رضيّة نفسه لا تشتكى سأما ***وما مع الحب إن أخلصت من سأم

بكى أحد السلف عند موته , قيل : ما يبكيك ؟ , قال : " أبكى لأننى أموت ولم أشتف من قيام الليل " .. أبكى لأنى أموت ولم أشبع من قيام الليل .

وكان بعض السلف يقول عند موته : " اللهم إن كنت كتبت لأحد أن يصلى فى قبره

فاجعلنى ممن يصلى فى قبره " .. لم يشبع من الصلاة ويريد أن يصلى أكثر .. قالوا هذا , لأنهم أحبوا الله , فاستحضروا العبادات ذهنيا .. اشتغلوا فى العبادات بمحبة , فانقطعت عنهم الوساوس وتلذذوا بالخدمة , وتسلوا بتلك المحبة عن كل المصائب والمتاعب .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثالثة والأربعون بعد المئة في موضوع

( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي

 هي بعنوان :*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل الخامس والعشرون : ليس الشأن أن تحب الله , إنما الشأن أن يحبك ، فهل يحبك الله ؟

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" وجعلت قرة عينى فى الصلاة " [قال الألبانى حسن صحيح] .. هذه هى اللذة الحقيقية , وهذا هو التلذذ فى الخدمة بحق .. فهل أحببت ربك فعشت هذا النعيم ؟ .. هل أحسست بحلاوة الحب ومتعته ولذته وجماله بعد أن كنت فى جاهلية ؟ ..

كنت تأكل وتشرب وتهرج وتمشى مع البنات وتسمع الموسيقى وتدخل السينما وتذهب إلى المسرح وتدخل الملاهى وتسافر تصيف على البحر .. كنت فى جهل .. فى ضلال .. فى جاهلية عمياء , وتاب الله عليك ودخلت باب المسجد وبدأت تحب الله .. بدأت تحبه بعد حب البنات .. تحب المصحف بعد الموسيقى والاغانى .. بدات تصلى بعد الجلوس على المقاهى و" الشيشة " .. بدأت تمشى فى طريق الخير بعد ان كنت تمشى تعاكس الفتيات .. فأحسست بالفرق .. وعرفت النظافة وفهمت الطهارة .. فعشت الفرق .. فإذا أحسست بذلك وعشته فلا تستطيع أن تسكت .. لابد أن تنقل أحاسيسك هذه لغيرك .. لابد .

ولكن للأسف الشديد كثير منا حينما يلتزم ويريد ان

 ينقل أحاسيسه  ينقلها بصورة غير لائقة فينفر الناس , ويكرههم فى الدين .. حرام هذا .. حرام .. غلط .. غلط شديد .. تجده يقول للناس : الشيخ الفلانى يحرم كذا وكذا .. فيكرهون الشيخ والدين .. لا .. ليس الأمر أن تتكلم عن غيرك , إنما الامر ان تنقل أحاسيسك انت .. قل لهم : هل تعرفون بماذا أشعر , ثم تنقل إحساسك إليهم .

قل لهم : وأنا ساجد أشعر بكذا  , وأنا أقرأ كلام الله أحس بكذا .. حينما أذكر الله فأقول : سبحان الله العظيم وبحمده يمتلأ قلبى راحة واطمئنانا .. وبذلك تصل إلى قلوب الناس , أما إذا لم تحس بما تقول فأنت كذاب فى التزامك ولما تلتزم إلى الآن .. ولذلك أحس الجمال واستشعر حلاوة الايمان وطعم الايمان .. املأ قلبك بالمحبة لتتلذذ بالخدمة , وتتسلى بالمحبة عن المشاكل والهمو م .

ثم إن هذه المحبة تنشا من مطالعة المنة – كما يقول ابن القيم .. روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أحبوا الله لما يغذوكم به , أحبونى بحب الله " [ضعفه الألبانى] أحب الله فهو الذى يطعمك وينفق عليك ..

نعم : القلوب مجبولة على حب من أحسن إليها , فلو أن إنسانا أعطاك اليوم عشرة جنيهات , وغدا أعطاك عشرة أخرى , وبعد غد أعطاك مثلها أيضا .. وهكذا كل يوم يعطيك , وبعد العشرة أعطاك مئة , وبعدها ألفا , ثم مليونا .. وهكذا كل يوم فى زيادة , فلا شك أنك تحبه حبا شديدا , فكيف بك لو كان المعطى هو الله ؟! .. فالله – سبحانه وتعالى – أعطاك ملايين مملينة , فكم تساوى عينك وكم يساوى سمعك .. وكم تساوى الدنيا إن فقدت عينيك ؟ !!

الله – سبحانه وتعالى – أعطاك ولا يزال يعطيك .. فالهواء الذى تتنفسه لو كان النفس منه بعشرة قروش , فكم تدفع كل يوم ؟! .. لو كنت تدفع كما تدفع لعداد الكهرياء أو فاتورة الهاتف , فكم كنت ستدفع مقابل هذا الهواء ؟! .. لو أن الله يحاسبك ويأخذ منك مالا على أنه يمكنك من التكلم والسماع فكم كنت تدفع ؟! .. أنطقك وخلقك ولا يريد منك شيئا , " قالوا أنطقنا الله الذى أنطق كل شىء "( فصلت : 21 ) ..   اللهم كما أنطقتنا بقدرتك وعظمتك امنن علينا بحبك .. وامنن علينا بمطالعة نعمك لنحبك .. اللهم ارزقنا حبك يا رب . إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الرابعة والأربعون بعد المئة في موضوع

( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي

 هي بعنوان :*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل الخامس والعشرون : ليس الشأن أن تحب الله , إنما الشأن أن يحبك ، فهل يحبك الله ؟

ماذا كنت تصنع – أخى فى الله – لو كان هناك فاتورة على كل نعمة من هذه النعم ؟!! .. فطالع نعم الله , واشكره عليها , وأحبه من كل قلبك , فلا شك أن من يطالع نعم الله عليه تترى فيراها بقلبه وعينه – لا شك أنه سيذوب حبا فى الله .. فهو سبحانه – يعطيك ولا ينتظر منك شيئا , عكس المخلوق تماما , فالتجار جمعيا يتعاملون معك ليربحوا منك , أما الله : فهو سبحانه – وحده الذى يتاجرمعك لتربح عليه .. يعطيك حين يجد فى قلبك حبا له , فأحببه فهو المعطى .. أحببه ليعطيك .. أحببه ليحبك .

الشاهد : أن المحبة تنبت من مطالعة المنة , قال الله : " فاذكروا آلاء الله " ( الأعراف : 74 ) .. ذكر النعم ينبت المحبة .

والدى – اللهم ارحمه وموتى المسلمين – كان إذا تعب يقول له الناس : مالك ؟ فيقول : الحمد لله , لا تقل مالك ؟ لأن بعض الناس إذا قلت له : مالك ؟ يقول : عندى صداع , والصداع جاءنى بسبب ارتفاع الضغط , وارتفاع الضغط أصله تعب فى النعدة , وسبب ارتفاع النبض ارتفاع النبض ارتفاعا فى درجة الحرارة .. ويظل يعدد وكانه يشتكى ربه للناس .. فوالدى – يرحمه الله – يقصد : أن لا تفتح للناس باب الشكوى , ولكن افتح لهم باب ذكر النعم .

تجد الناس  إذا سألتهم : كيف الأخبار ؟ يقولون لك : لبنت مريضة , وزوجتى لا أدرى ماذا بلاها .. ونحن نسكن فى الدور الارضى , والارضى فيه رطوبة , ثم إن الجيران فى وجوهنا فلا نستطيع أن نفتح الشباك , والاطفال يلعبون فى الشارع يزعجوننا .. وهكذا .. شكوى .. شكوى .. فيعيشون يشتكون دوما !!

سبحان الله ! , هل وجدت إنسانا تجلس معه فيقول : عن الله أعطانى .. وأعطانى ؟! .. هل فعلت أنت ؟! .. هل جلست مع الناس مرة وقلت : والله العظيم إن الله أكرمنى .. فقد كنت فقيرا لا أجد لقمة فأعطانى , وأغنانى .. الحمد لله نجانى ولم اكن أستحق .. لم أكن أستاهل , ولكنه – سبحانه – وهبنى زوجة صالحة , وأعطانى شقة , ووهبنى أولادا , وصحتى والحمد لله ممتازة .. الحمد لله الحمد لله عملى هادىء فزملائى يحبوننى .. والفضل لله , والمرتب كاف .. وبفضل الله , الامور على ما يرام .. هل جلس معك أحد فقال لك هذا الكلام  ؟!!

انك اليوم فى كل مجالسك تشتكى للناس الصداع والمشاكل والمغص والزوجة والعيال والبيت والشغل والهم والنكد .. رغم ان الله امر بالعكس قال – تعالى – " وأما بنعمة ربك فحدث " ( الضحى : 11 ) .. فأين حديثك بالنعمة ؟! اين حبك ؟! .. الحب ينبت من مطالعة المنة .

كنت مرة اقوم بعمرة – واقول لذلك لاعلمك كيف تعمل – كنت مريضا بعض الشئ ولله الحمد والمنة – فبعد انه طفت وجدت ان رجلى تؤلمنى فلا استطيع ولا اقدر فأجرت كرسيا – ويؤجر هناك بخمسين او بخمسة وخمسين ريالا – لأسعى به .. فإذا بى وأنا عليه مستريح انظر الى الناس فأجد امراة مسكينة لا تقدر على المشى تستند الى سور الصفا والمروة .. فقلت لها وأنا راجع : انتظرى لحظة , تعال يا بنى اعطنى كرسيا , وقلت لها : اركبى قالت : ليس معى مال قلت : انا دفعت قالت : كم انت كريم يارب .. انت ترانى وتعرف حالى واعطيتنى كرسيا .. انا احبك يارب .

فكم تساوى هذة الكلمة – اخوتاه -؟! .. وكم يساوى ان تجعل احدا ينطق بحب الله ؟! .. والله ملايين الدنيا لا تساويها .. ربنا اكرمنى واعطانى كذا وكذا , وعمل لي كذا وكذا , وطلبت منه كذا فوهبنى كذا , وسترنى فى كذا , وعافانى من كذا وكذا .. هكذا يكون التحدث بالنعم , ولايكون كل كلامنا ان نشتكى .. هذا ما اريد ان أؤصله فيكم , واريدكم ان تعملوا به .. ان تجعلوا الناس يحبون الله .

. إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الخامسة والأربعون بعد المئة في موضوع

( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي

 هي بعنوان :*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل الخامس والعشرون : ليس الشأن أن تحب الله , إنما الشأن أن يحبك ، فهل يحبك الله ؟

وإذا كانت المحبة تنبت بمطالعة المنة , فإنها تثبت باتباع السنة – اللهم ارزقنا اتباع السنة يارب , اللهم إنا نسألك اتباع السنة وفعل السنة .. نعوذ بك اللهم من البدع واهلها .. المحبة تثبت باتباع السنة .. كن خلف النبى محمد صلى الله عليه وسلم تصل .. كن واحدا لواحد على طريق واحد تصل .. كن شخصا واحدا ليس بوجهين فأخلص .. " لواحد " اى : الزم التوحيد .. على طريق واحد هو اتباع السنة , على طريق النبى محمد صلى الله عليه وسلم تثبت ولا تتلون ولا تتغير ولا تحيد او تتحول .. اثبت على الطريق السنى .

وتنمو المحبة على الإجابة بالفاقة .. لابد أن تظهر فقرك وضعفك وذلك ومسكنتك بين يدى الله .. بعضنا – يا شباب – يظن أنه " فتوة " .. ما لا يكون بالله لا يكون بغيره , قال - تعالى - : " وما تشاءون إلا أن يشاء الله " ( الإنسان : 30 ) , ولذلك تنمو المحبة بإظهار الفاقة والضعف والفقر والذل والمسكنة .

شيخ الإسلام ابن تيمية رأى إنسانا يقف تحت حر الشمس حاسر الرأس حافيا , فسأل عنه فقالوا له : إنه نذر أن لا يجلس فى الظل , فقال شيخ الإسلام : " يا جاهل , هذا تقاو على الله " .. أتتقاوى على الله ؟!! .. قال لك الله : البس وتستر واركب , فلماذا تتقاوى عليه ؟!! .. لا تتقاو بنفسك على الله , قال – تعالى - : " إنما الصدقات للفقراء " ( التوبة : 60 ) , فأظهر فقرك ليتصدق الله عليك .. أظهر ضعفك ليرحمك .

يقول ابن الجوزى : " تضاعف ما أمكنك , فإن اللطف مع الضعف أكثر " .

كلما أظهرت ضعفك كلما لطف بك , ولا تقل : أنا أستطيع أن أواجه كذا وأقدر على كذا , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تتمنوا لقاء العدو , لكن اسألوا الله العافية " [متفق عليه] .. اللهم إنا نسألك العافية فى الدنيا والآخرة .. فإياك أن تعتقد أنك " فتوة " ..

إن البعض يقول : تخاف علينا من الجامعة بسبب الاختلاط .. لا .. لا يهمنى الاختلاط .. فلو كان أمامى ألف عارية فلن تهزمنى شعرة .. أقول : اللهم تب عليك .. كثير من الناس يقول هذا الكلام ويعمل به ولا يظهر ضعفه , فيعتمد على نفسه , فيكون أول من تندق عنقه بم لا يخشاه أو يحذره .. نعم : يكون أول الواقعين فى الفتنة .

فالجأ إلى الله وافتقر إليه فأنت ضعيف .. " وخلق الإنسان ضعيفا " ( النساء : 28 ) ,

 خلقك الله ضعيفا  لتفر إليه .. قال ابن تيمية فى تفسيرها : " ضعيفا أمام شهوة فرجه " , إن اعتمادك على نفسك فى مواجهة الفتن  أعظم عند الله وأشد إثما من الذنب نفسه .

ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :  اللهم لا تكلنى إلى نفسى طرفة عين أبدا " [حسنه الألبانى] .. فاللهم لا تكلنا إلى أنفسنا فتهلكنا .. لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك .. آميـــــن .

أخى فى الله , حبيبى فى الله , يا من أنت مشغوف بالوصول إلى الله إذا كنت تحب ربك فسل نفسك : هل يحبك ؟! , فليس الشأن أن تحبه , إنما الشأن أن يحبك .. والعلامة أنه إذا أحبك شغلك به وحده فعشت له وبه .. إذا أحبك شغل قلبك بحبه , وجوارحك بخدمته , وعقلك بالفكر فيه , ثم لا تجد فى نفسك بقية لغيره .. فانظر أين قدمك .. إذا أحبك وضع قدمه فى المواطن التى يرضاها .. نعم : إذا أردت أن تعرف مقامك فانظر أين أقامك ؟!

 إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السادسة والأربعون بعد المئة في موضوع

( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي

 هي بعنوان :*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل الخامس والعشرون : ليس الشأن أن تحب الله , إنما الشأن أن يحبك ، فهل يحبك الله ؟

علامات حب الله تعالى للعبد :

1 – اتباع النبى صلى الله عليه وسلم :قال الله – تعالى - " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم " ( آل عمران : 31 ) .

2 – الذلة على المؤمنين .

3 – العزة على الكافرين .

4 – المجاهدة فى سبيل الله .

5 – عدم خوف اللوم فى الله .

وجمع هذه الأربع قول الله – تعالى - : " يا أيها الذين

 آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون فى سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم}( المائدة : 54 )

6 – التقرب إلى الله بالنوافل .

عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله – تعالى – قال : من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب , وما تقرب إلىّ عبدى بشىء أحب إلىّ مما افترضت عليه , وما يزال عبدى يتقرب إلىّ بالنوافل حتى أحبه , فإذا أحببته , كنت سمعه الذى يسمع به , وبصره الذى يبصر به , ويده التى يبطش بها , ورجله التى يمشى بها , وإن سألنى أعطيته , ولئن استعاذنى لأعيذنه " [أخرجه البخاري] .

7 – القبول فى الأرض .

عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : إذا أحب الله – تعالى – العبد نادى جبريل : إن الله – تعالى – يحب فلانا فأحببه , فيحبه جبريل فينادى فى أهل السماء : إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء , ثم يوضع له القبول فى الأرض " [أخرجه البخاري] .

وفى رواية لمسلم : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله – تعالى – إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال : إنى أحب فلانا فأحببه ,فيحبه جبريل ثم ينادى فى السماء فيقول : إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء , ثم يوضع له القبول فى الأرض وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فيقول : إنى أبغض فلانا فأبغضه , فيبغضه جبريل ثم ينادى فى أهل السماء : إن الله يبغض فلانا فأبغضوه , ثم توضع له البغضاء فى الأرض " [أخرجه مسلم] .

8 – التعبد لله – تعالى – بأسمائه وصفاته .

عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سرية فكان يقرأ لأصحابه فى صلاتهم فيختم بـ " قل هو الله أحد " , فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم , فقال : " سلوه لأى شىء يصنع ذلك " ؟ , فسألوه , فقال : لأنها صفة الرحمن فأنا أحب أن أقرأ بها , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أخبروه أن الله – تعالى – يحبه " [متفق عليه].

ففتش – أخى – فى نفسك عن علامات حب الله لك .. فليست القضية فى الدعاية أنك تحبه , ولكن

الشأن كل الشأن فى أن يحبك هو .. فاعلم أن القضية يتعلق بعضها ببعض فإنك لن تحبه حتى يحبك فيجعلك تحبه ثم يثيبك على حبك حبا ثانيا منه سبحانه وتعالى .. فحبك محفوف بين حبين منه – سبحانه وتعالى - , حب قبله وحب بعده .. ولكن صلاحية المحل وأهلية الشخص .. فهل تصلح أن تكون حبيب الله ؟ .. بادر والله كريم

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السابعة والأربعون بعد المئة في موضوع

( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي

 هي بعنوان :*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل السادس والعشرون : كل متاع فى الدنيا يسحب من رصيدك فى نعيم الآخرة

لقد أصبت بالرعب عندما قرأت حديث صحيح مسلم : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من غازية تغزو فى سبيل الله فيصيبون الغنيمة , إلا تعجلوا ثلثى أجرهم من الآخرة ويبقى لهم الثلث , وإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم " [أخرجه مسلم] .. وكأنى أقرأه لأول مرة فى حياتى حديث يخوف .. يرعب ..

نفهم من هذا الحديث أن الذين يغزون فيغنمون ويسلمون استعجلوا ثلثى أجرهم , أى :  ضيعوا الثلثين من الاجر فى الدنيا , فلم يبق لهم فى الآخرة إلا الاجر القليل .. فالذى أخذته من الدنيا كم ضيعت فى مقابله من الآخرة .. إن كل ما تأخذه من الدنيا مخصوم

 من حسابك فى الآخرة .

أخذت من الدنيا مالا أو سيارة أو .. مخصوم من نعيم الآخرة .. ولا يستوى فى الآخرة الفقير مع الغنى , وإن دخل الغنى الجنة .. لا يستويان أبدا .. قال – الله تعالى - : " أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهاَ"   ( الأحقاف : 20 ) , وقال – تعالى - " ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ " ( التكاثر : 8 ) .. فكل ما أوتيته من متاع الدنيا فهو بالخصم من نعيمك فى الآخرة

لذلك قال ربنا جل جلاله : " كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ " ( الحاقة : 24 ) .. يقول ابن كثير

رحمه الله : " أى يقال لهم تفضلا عليهم وامتنانا وإنعاما وإحسانا , وإلا فقد ثبت فى الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " اعملوا وسددوا وقاربوا , واعلموا أن أحدا منكم لن يدخله عمله الجنة " , قالوا : ولا أنت يا رسول الله , قال : " ولا أنا إلا أن يتغمدنى الله برحمة منه وفضل " [متفق عليه] اهـ .

فإذا كان العمل الصالح وحده لا يدخل الجنة فما بالك بالسيىء ولذلك فإن متاعك الدنيوى "

السيىء " كلما كثر كلما ضيع عليك الآخرة , وإنما قال الله : " بِمَا أَسْلَفْتُمْ " , ليرفع من همتك فى السير إليه , وإلا فالأصل أنه – سبحانه – الذى وفقك .

وهذا اللون من النعيم مع هذا اللون من التكريم فى الالتفات إلى أهله بالخطاب , وقوله : " كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ " .. فوق أنه اللون الذى تبلغ إليه مدارك المخاطبين بالقرآن فى أول العهد بالصلة بالله , قبل أن تسمو المشاعر فترى فى القرب من الله ما هو أعجب من كل متاع .. فوق هذا , فإنه يلبى حاجات نفوس كثيرة على مدى

الزمان , والنعيم ألوان غير هذا وألوان " .

فمن عاش نعيم الدنيا حرم نعيم الآخرة , فأقبل على الله واترك الدنيا وملذاتها وشهواتها , أقبل على الأدوم فنعيم الآخرة خير وأبقى " وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ "( الرعد :  26 ) .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بشر هذه الأمة بالسناء والدين والرفعة والتمكين فى الأرض , فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا , لم يكن له فى الآخرة من نصيب " [صححه الألباني] .

قال ربى : " وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ " ( الأحقاف : 20 ) .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثامنة والأربعون بعد المئة في موضوع

( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي

 هي بعنوان :*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل السادس والعشرون : كل متاع فى الدنيا يسحب من رصيدك فى نعيم الآخرة

إن الذين يطلبون الدنيا ويتفانون فيها ويسعون فى الزيادة منها , لابد أن نذكرهم حال نبيهم صلى الله عليه وسلم , وكيف أنه صلى الله عليه وسلم , وكيف أنه صلى الله عليه وسلم مات ولم يجد ما يملأ بطنه من الدقل ( أردأ التمر ) ثلاثة أيام .. لم يكن يشبع ثلاثة أيام متتالية .. يشبع اليوم فيجوع غدا , ويشبع اليومين فيجوع الثالث .. نعم : لم تمر عليه ثلاثة أيام شبعها قط .. فما آخر مرة جعت فيها ؟ .. إننا لا نجوع يوما واحدا , ومع ذلك نتسخط ولا نشكر نعمة الله – اللهم لا تعذبنا يا رب , اللهم ارزقنا شكر نعمتك يا رب .. ومن هنا نفهم هذا الأصل , وأن قدوتنا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل السائرين إلى الله .. فكل ما تأخذه فى الدنيا فهو بالخصم من حسابك فى الآخرة .

قال بعض الصحابة – رضى الله عنهم اجمعين - : أسلمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أحدنا لا يجد ما يملأ بطنه , فمنا من مات ولم يصب من هذه الدنيا شيئا , كمصعب بن عمير , مات ولم نجد ما نكفنه فيه , إلا نمرة إذا غطينا رأسه بدت رجلاه , وإذا غطينا رجليه بدت رأسه , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " غطوا بها رأسه واجعلوا عليه شيئا من الإذخر " [أخرجه البخارى] .

مصعب بن عمير الذى فتح المدينة وحده , ولم يكن معه إلا عبدالله ابن أم مكتوم .. قائد فتح المدينة يموت ولا يجدون له كفنا .. فكم عندك من ملابس ؟! .. كم عدد القمص والعباءات التى عندك ؟! .. وكم بدلة تملكها ؟! .. وكم وكم ..

سلمان الفارسى لما أتاه الموت بكى , قالوا : ما يبكيك ؟! , قال : "عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدا وما أرانى إلا تجاوزته , قالوا : وما عهد إليكم , قال : عهد إلينا أن يكون زاد أحدنا كزاد الراكب" [صححه الألباني] .. فلما مات حسبوا له تركته , فوجدوا عنده ستة عشر درهما ( 64 جنيه مصري) .. فأين من يتركون الآلاف والملايين ؟! .. أين من يورثون الأراضى والفدادين ؟! .. أين أصحاب العمارات والمحلات والدكاكين ؟! .. أين هؤلاء من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! .. إن هذه المتع والملذات والمسرات بالخصم من حسابك فى الاخرة فانتبه .. انتبه قبل أن تذهب إلى هناك فلا تجد شيئا يسرك .

عن ابن عمر رضى الله عنهما قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبى فقال : كن فى الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل " . وكان ابن عمر رضى الله عنهما يقول : إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح , وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء , وخذ من صحتك لمرضك , ومن حياتك

لموتك" [أخرجه البخاري] .قال الإمام النووى رحمه الله : قوله صلى الله عليه وسلم : " كن فى الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل " , أى : لا تركن إليها , ولا تتخذها وطنا,ولا تحدث نفسك بالبقاء فيها,ولا تتعلق منها إلا بما يتعلق به الغريب فى غير وطنه الذى يريد الذهاب منه إلى أهله

وهذا معنى قول سلمان الفارسى رضى الله عنه : أمرنى خليلى صلى الله عليه وسلم ألا تتخذ من الدنيا إلا كمتاع الراكب

 ترجو البقاء بدار لا بقاء لها ***وهل سمعت بظل غير منتقل

"ومن حياتك لموتك :أمره بتقديم الزاد,وهذا كقوله تعالى :{وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ }( الحشر : 18 ) ولا يفرط فيها حتى يدركه الموت فيقول : " رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ " ( المؤمنون) ,

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة التاسعة والأربعون بعد المئة في موضوع

( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي

 هي بعنوان :*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل السادس والعشرون : كل متاع فى الدنيا يسحب من رصيدك فى نعيم الآخرة

وقال الغزالى – رحمه الله تعالى - : " ابن آدم بدنه معه كالشبكة يكتسب بها الأعمال الصالحة , فإذا اكتسب خيرا ثم مات كفاه , ولم يجتمع بعد ذلك إلى الشبكة , وهو البدن الذى فارقه بالموت .

ولا شك أن الإنسان إذا مات انقطعت شهوته من الدنيا , واشتهت نفسه العمل الصالح لأنه زاد القبر , فإن كان معه استغنى به , وإن لم يكن معه طلب الرجوع منها إلى الدنيا ليأخذ منها الزاد , وذلك إن أخذت منه الشبكة .

فيقال له : هيهات , قد فات , فيبقى متحيرا دائما نادما على تفريطه فى أخذ الزاد قبل انتزاع الشبكة ,فلهذا قال :"وخذ من حياتك لموتك " فلاحول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم"  اهـ

أخى فى الله , زود رصيدك فى الآخرة , فمستقل ومستكثر .. ستقول : ماذا أصنع ؟! , الله قد أعطانى أموالا فهل أرميها فى الشارع ؟! أقول لك:تصدق بها على الفقراء تجدها هناك " يقول ابن آدم : مالى مالى , فيقال له : ليس لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت , أو لبست فأبليت , أو تصدقت فأبقيت " .. فالمال مال الله أعطاه لك فرده إليه ولا تقل : مالى .. فهو – سبحانه – قادر على أن يفقرك ويسلبك هذا المال فتمشي فقيرا محتاجا .. ألا تشكر الله أن وهبك ماله , وفوق ذلك يثيبك ويرفعك حينما ترده إليه وتنفقه فى سبيله .. ألا تستحى من ربك ؟! .. فإن كان عندك مال فتصدق به ،ولذلك فإن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " والله ما أحب أن يكون لى مثل أحد ذهبا , فيبيت عندى منه ثلاث فأفعل بهم هكذا وهكذا وهكذا وهكذا " [متفق عليه] .. أى : يفرق هذا المال ويوزعه على الفقراء بسرعة .

يقول الإمام النووى – رحمه الله تعالى – فى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ازهد فى الدنيا يحبك الله , وازهد فيما عند الناس يحبك الناس " [صححه الألباني] :

" الزهد ترك ما لا يحتاج إليه من الدنيا وإن كان حلالا

 , والاقتصار على الكفاية " , والورع : ترك الشبهات , قالوا : وأعقل الناس الزهاد , لأنهم أحبوا ما أحب الله , وكرهوا ما كره الله من جميع الدنيا , واستعملوا الراحة لأنفسهم .. وللشافعى رحمه الله فى ذم الدنيا :

ومن يذق الدنيا فإنى طعمتهــا ***وسيق إلينا عذبـها وعذابهـا

فلـم أرها إلا غرورا وباطــلا***كما لاح فى ظهر الفلاة سرابها

ومـا هى إلا جيفـة مستحيـلة ***عليها كـلاب همهن اجتذابها

فإن تجتنبها كنت سلما لأهلهــا ***وإن تجتذبهـا نازعتـك كلابها

فـدع فضـلات الأمـور فإنـها ***حرام على نفس التقـي ارتكابها

قوله : "حرام على نفس التقى ارتكابها "يدل على تحريم الفرح بالدنيا , وقد صرح بذلك البغوى فى تفسير قوله – تعالى - : " وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا " ( الرعد : 26 ) ثم المقصود بالدنيا المذمومة:طلب الزائد على الكفاية

 ,أما طلب الكفاية فواجب .

قال الشافعى رحمه الله :طلب الزائد من الحلال عقوبة ابتلى الله بها أهل التوحيد " .

وقد مدح الله المقتصدين فى العيش فقال : " وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا "( الفرقان : 67 ) .. وكان يقال : القصد فى المعيشة يكفى عنك نصف المؤنة , والاقتصاد : الرضا بالكفاية " .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الخمسون بعد المئة في موضوع

( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي

 هي بعنوان :*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل السادس والعشرون : كل متاع فى الدنيا يسحب من رصيدك فى نعيم الآخرة

طلحة بن عبيد الله التيـمى .. الصحابى الجليل .. الذى قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من سره أن ينظر إلى رجل يمشى على الأرض وقد قضى نحبه , فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله " [حسنه الألباني] .

يقول عنه الدكتور عبد الرحمن رأفت الباشا – رحمه الله تعالى بعد أن ذكر قصة وفاته :هذه هى قصة نعت طلحة بن عبيد الله "بالشهيد الحى", أما تلقيبه بطلحة الخير , وطلحة الجود فلها مئة قصة وقصة ..

من ذلك أن طلحة كان تاجرا واسع التجارة عظيم الثراء , فجاءه ذات يوم مال من " حضر موت " مقداره سبعمئة ألف درهم , فبات ليلته وجلا جزعا محزونا .

فدخلت عليه زوجته أم كلثوم بنت أبى بكر الصديق , وقالت : ما بك يا أبا محمد ؟!! .. لعله رابك منا شىء !! , فقال : لا , ولنعم حليلة الرجل المسلم أنت .. ولكن تفكرت منذ الليل وقلت : ما ظن رجل بربه إذا كان ينام وهذا المال فى بيته ؟! , قالت : وما يغمك منه ؟! , أين أنت من المحتاجين من قومك وأخلائك ؟! , فإذا أصبحت فقسمه بينهم , فقال : رحمك الله , إنك موفقة بنت موفق .. فلما أصبح جعل المال فى صرر وجفان , وقسمه بين فقراء المهاجرين والأنصار .

وروى أيضا أن رجلا جاء إلى طلحة بن عبيد الله يطلب رفده , وذكر له رحما تربطه به , فقال طلحة : هذه رحم ما ذكرها لي أحد من قبل , وإن لي أرضا دفع لي فيها عثمان بن عفان ثلاثمئة ألف .. فإن شئت خذها , وإن شئت بعتها لك منه بثلاثمئة ألف وأعطيك الثمن , فقال الرجل : بل آخذ ثمنها , فأعطاه إياه ..

هنيئا لطلحة الخير والجود هذا اللقب الذى خلعه عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم , ورضى الله عنه ونور له فى قبره " .

أخى المسلم ,  عندك زيادة – وليس الكلام للأغنياء فقط - , فتصدق بها , ابن مسجدا أو عيادة لعلاج الفقراء مجانا .. تبن مشروعا للإنفاق على الأسر اليتيمة ساعد فى زواج الشباب المحتاج المتعفف .. تبن طالب علم شرعى ليخدم الأمة أنفق مالك فى مشاريع أخروية تكن لك عند الله,وإلا تفعل فهي بالخصم من حسابك فى الآخرة .

الأصل السابع والعشرون : المرء مع من أحب , فاختر حبيبك من ها هنا

قال لى أحدهم : أحب الممثلة الفلانية , قلت له : أتحب أن تحشر معها فى الآخرة ؟! .. تحب أن تكون معها أم مع النبى محمد صلى الله عليه وسلم ؟! تحب أن تكون مع من ؟ .. سأل أعرابى رسول الله صلى الله عليه وسلم : الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم؟,قال:"المرء مع من أحب " [متفق عليه] .

فهل تحب أن تكون مع الفاسدين وأهل اللغو والمجون ؟!

لذا لما سمع أنس بن مالك هذا الحديث , قال : فما فرحنا بشىء بعد الإسلام فرحنا بهذا الحديث " المرء مع من أحب " ,لأننى أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر , وأرجو أن أكون معهم فى الجنة .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الواحدة والخمسون بعد المئة في موضوع

( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي

 هي بعنوان :*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل السادس والعشرون : المرء مع من أحب

ولذلك كان من إحدى رسائلى على الهاتف لأحبابى فى الله : " اللهم إنك تعلم أنى وإن كنت أعصاك , إلا أننى أحب من يطيعك , فاجعل ذلك قربة لى عندك .. آمين " , هذه هى الرسائل النافعة .. وليست تلك التى يكتبونها اليوم من هراء غير مفيد .. اكتب شيئا مفيدا .. فالهاتف نعمة لا تستعملها فى المعاصى , لم تستعمله فى اللهو والغفلة ؟!

استعمله فى طاعة الله ونشر الحب فى الله .. اكتب :

 اليوم درس فى المكان الفلانى .. أرسله إلى كل الناس .. كل المسجل على الهاتف أرسل إليه .. فإن جاء فخير كبير , وإن لم يأت كانت أيضا فى ميزان حسناتك .. اكتب آية قرأتها نفعتك .. اكتبها وأرسلها .. حديثا سمعته اكتبه وأرسله ادع إلى الله بالحب لعل الله ينفع بك وإن لم تفعل .

إن فعلت هذا وعشت على هذا , فأنت تحب الخير وتحب أهله , وسوف تحشر معهم بإذن الله – تعالى .

والذى يحب الراقصة الفلانية والفنانة الفلانية والممثل الفلانى فسوف يكون معهم .. الذى تحبه ستكون معه .. تحب اللاعب الفلانى .. المسرحية الفلانية .. الأغنية الفلانية .. ستكونون معا يوم القيامة فى الموقف , وبعد ذلك جهنم والعياذ بالله .

أما إذا أحببت الله وأحببت من يحب الله .. فستكون جاره فى الفردوس الأعلى , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس , فإنه أعلى الجنة ووسط الجنة , ومنه تفجر أنهار الجنة , وسقفه عرش الرحمن " [أخرجه البخاري] ..

فإذا أحببت الله كنت جاره .. وإذا أحببت النبى صلى الله عليه وسلم كنت معه .

أبو بكر الصديق وعمر وعلى وعثمان وأبو الدرداء وأنس

 وأبو ذر ومعاذ رضى الله عنهم .. هؤلاء هم النجوم بحق , فإذا أحببتهم كنت معهم هناك فى الآخرة .. نعم : هؤلاء هم الذين يستحقون الحب .. فمن تحب ؟!

إن قضية الحب فى هذه الأيام قضية فى غاية الغرابة , فالناس اليوم يحبون أشياء غريبة وموضوعات عجيبة ..

إننا بحاجة إلى أن نبحث عن كل كلمة جميلة مريحة رطبة , وكل إشارة مؤدبة وكل حركة مهذبة لنتعامل بها مع الناس , لنكسب حبهم ونحببهم إلى الله , لنكون معهم ويكونوا معنا على طريق الحب فى الله .

وانظر إلى الرقة والأدب فى التعامل بين الصحابة – رضوان الله تعالى عليهم أجمعين - :

عن زيد بن أسلم عن أبيه : " عزل عمر خالدا , فلم يعلمه أبو عبيدة حتى علم من الغير , فقال : يرحمك الله , ما دعاك إلى أن لا تعلمنى ؟ , قال : كرهت أن أروعك " حب فى الله

قال الصورى : علامة الحب لله المراقبة للمحبوب , والتحرى لمرضاته .

ولما اشترى أبو بكر بلالا وهو مدفون فى الحجارة

بخمس أواق ذهبا , قالوا : لو أبيت إلا أوقية لبعناكه , فقال : لو أبيتم إلا مئة أوقية لأخذته .. حب فى الله .

قال فضيل بن غزوان : أتيت أبا إسحاق بعد ما كف بصره , قال : قلت : تعرفنى ؟ , قال : فضيل ؟ قلت : نعم  , قال : إنى والله أحبك , لولا الحياء منك لقبلتك , فضمنى إلى صدره ثم قال : حدثنى أبو الأحوص عن عبد الله :" لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ "      ( الأنفال : 63 ) نزلت فى المتحابين .وكان أبو العالية إذا دخل عليه أصحابه يرحب بهم ويقرأ :{وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ }( الأنعام : 54 )

وكان ابن عمر يقول : إنى لأخرج وما لى حاجة إلا أن

 أسلم على الناس ويسلمون علىّ .. حب فى الله ..

 يحب المسلمين ويحب رؤيتهم .

قال الأوزاعى : كتب إلىّ قتادة من البصرة : إن كانت الدار فرقت بيننا وبينك فإن ألفة الإسلام بين أهلها جامعة .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثانية والخمسون بعد المئة في موضوع

( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي

 هي بعنوان :*أصول الوصول الى الله جل جلاله

الأصل السادس والعشرون : الحب فى الله والبغض فى الله , والموالاة فى الله والمعاداة فى الله

.. الحب فى الله أن تحب الله – تعالى – ورسوله صلى الله عليه وسلم وتحب بحبهما المؤمنين , قال - تعالى - : "  إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ " ( المائدة : 55 )

والبغض فى الله أن تكره الكفر والكافرين والشرك والمشركين والفسق والفاسقين , حتى ولو كانوا أقرب الأقربين إليك , قال – تعالى - : " قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ " ( الممتحنة : 4 )

وأبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح .. أمين هذه الأمة .. حقق هذا الأصل العظيم يوم بدر .. أصل الموالاة فى الله والمعاداة فى الله .. هذا الأصل الذى يقول عنه العلماء : الولاء والبراء هو المقياس العملى والحقيقى للتوحيد الخالص .

" عاش أبو عبيدة تجربة المسلمين القاسية فى مكة منذ بدايتها إلى نهايتها , وعانى مع المسلمين السابقين من عنفها وضراوتها , وآلامها وأحزانها ما لم يعانه أتباع دين على ظهر الأرض , فثبت للابتلاء , وصدق الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فى كل موقف .

لكن محنة أبى عبيدة يوم " بدر " فاقت فى عنفها حسبان الحاسبين وتجاوزت خيال المتخيلين .

انطلق أبو عبيدة يوم بدر يصول بين الصفوف صولة من لايهاب الردى , فهابه المشركون , ويجول جولة من لا يحذر الموت , فحذره فرسان قريش , وجعلوا

يتنحون عنه كلما واجههم ..

لكن رجلا واحدا منهم جعل يبرز لأبى عبيدة فى كل اتجاه , فكان أبو عبيدة يتحرف عن طريقه ويتحاشى لقاءه .

ولج الرجل فى الهجوم وأكثر أبو عبيدة فى التنحي , وسد الرجل على أبى عبيدة المسالك ووقف حائلا بينه وبين قتال أعداء الله , فلما ضاق به ذرعا ضرب رأسه بالسيف ضربة فلقت هامته فلقتين , فخر الرجل صريعا بين يديه .

لا تحاول – أخي الكريم – أن تخمن من يكون الرجل الصريع .. أما قلت لك : إن عنف التجربة فاق حسبان الحاسبين وجاوز خيال المتخيلين ؟ .. ولقد يتصدع رأسك إذا عرفت أن الرجل الصريع هو عبد

 الله بن الجراح والد أبى عبيدة .

لم يقتل أبو عبيدة أباه , وإنما قتل الشرك فى شخص أبيه . فأنزل الله – سبحانه – فى شأن أبى عبيدة وشأن أبيه قرآنا , فقال – علت كلمته :

" لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " ( المجادلة : 22 ) . لم يكن ذلك عجيبا من أبى عبيدة , فقد بلغ من قوة إيمانه بالله ونصحه لدينه,والأمانة على أمة محمد صلى الله عليه وسلم مبلغا طمحت إليه نفوس كبيرة عند الله

فاختاروا – إخوتاه – من يسركم فى القيامة أن يكونوا معكم وتكونوا معهم , وابتعدوا عن طريق الصادين عن سبيل الله الذين يحبون أن تشيع الفاحشة فى الذين آمنوا .. تبرءوا من الفسقة الفجرة حتى لا يجمعكم الله بهم .. اتركوا الاختلاط بهم , واتركوا التشبه بهم فى الأعياد والاحتفالات والملبس والهيئة , واستعمال كلماتهم التى يكرهها الله .قال – تعالى - : "  وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ "( هود : 113 ) .. فالآية : فيها دليل على وجوب هجران أهل الكفر والمعاصى , وأهل البدع والأهواء,فإن صحبتهم كفر أو معصية,إذ الصحبة ,لا تكون إلا عن مودة [الأنترنت – موقع الكلم الطيب ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثالثة والخمسون بعد المئة في موضوع

( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي

 هي بعنوان :*السّبيل إلى معرفة الله عزّ وجلّ

  قال محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: فإذَا قيلَ لكَ: بِمَ عرفْتَ ربَّك ؟ فقُل: بآياتِه ومخلوقاتِه. ومِنْ آياتِه: اللّيلُ والنّهارُ والشمسُ والقمرُ، ومِنْ مخلوقاتِه السّمٰواتُ السَّبْعُ والأَرْضُونَ السَّبع ومَنْ فيهنَّ وما بينهما، والدّليلُ قولُه تَعَالىٰ: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت:37]، وقولُهُ تعالى:{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف:54].

الشّرح:

· قوله رحمه الله: ( فإذا قيلَ لكَ ): ما زال المؤلّف رحمه الله يؤصّل لهذه الأصول على طريقة السّؤال والجواب، لإثارة الاهتمام والانتباه.

· قوله: ( بِمَ عرفْتَ ربَّك ؟): أي: ما هو السّبيل إلى معرفة الله تعالى. ومعرفة الله نوعان: معرفة إقرار، ومعرفة اعتبار كما سيأتي بيانه إن شاء الله.

والمقصود بالمعرفة هنا معرفة الاعتبار الّتي تورثُ المحبّة والتّعظيم والخشية والرّجاء والتوكّل وغير ذلك من مقامات الإيمان.

· قوله: ( فقُل: بآياتِه ومخلوقاتِه ): الآيات جمع آية،

 وهي العلامة والبرهان والحجّة.والمخلوق هو كلّ ما سوى الله عزّ وجلّ، وهو ما أوجده الخالق من العدم. فالسّبيل إلى معرفة الله عزّ وجلّ طريقان:

أ) الآيات المتلوّة الشّرعيّة: قال تعالى:{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ}، وقال جلّ ذكره:{أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشّعراء: 197].

وقد أنكر سبحانه على من لم يتفطّن إلى أنّ القرآن من أعظم الآيات فقال:{وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51)} [العنكبوت].

ب) الآيات المرئيّة الكونيّة: قال تعالى:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 190]، وقال تعالى:{أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20)} [الغاشية].

والمؤلّف رحمه الله لم يذكر الآيات الشّرعيّة، وإنّما اقتصر على ذكر الآيات الكونيّة، وسمّاها آياتٍ ومخلوقات، وهي كلّها شيء واحد كما لا يخفى، فقال رحمه الله:

· قوله: ( ومن آياتِه: اللّيلُ والنّهارُ والشمسُ والقمرُ، ومِنْ مخلوقاتِه السّمٰواتُ السَّبْعُ والأَرْضُونَ السَّبع ومَنْ فيهنَّ وما بينهما): فالسّموات والأرض من الآيات، كما قال تعالى:{إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الجاثية: 3]. والظّاهر أنّه جعل الآيات ما يتغيّر حاله كاللّيل والنّهار والشّمس والقمر، والمخلوقات ما هو

 مستقرّ كالسّماوات والأرض.

فإن قال قائل: لماذا خصّ المؤلّف رحمه الله الآيات الكونيّة بالذّكر ؟ قيل: سبب هذا التّخصيص أنّ الآيات الكونيّة والمخلوقات المرئيّة دليل واضح لكلّ أحدٍ، وتقرّ به الفِطرة والعقل؛ إذ لكلّ حادث من مُحدِث، وقد سبق بيان ذلك.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الرابعة والخمسون بعد المئة في موضوع

( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي

 هي بعنوان :*السّبيل إلى معرفة الله عزّ وجلّ

وينبغي لصاحب العقيدة والإيمان أن يستحضر هذه

 الآيات، ولا تكون حياتُهم بمعزلٍ عنها، وإلاّ استوينا وأولئك الّذين نرميهم بأنّهم مادّيون ! فإذا نظر إلى السّماء والأرض والجبال وغير ذلك اعتبر وتذكّر عظمة الخالق عزّ وجلّ، وقيامه على هذا الكون، وبذلك لا يكون قد فصل حياته الكونيّة عن حياته الشّرعيّة، والله هو القائل:{أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: من الآية54]. روى البخاري ومسلم عن ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنه قال: بِتُّ عندَ خالتِي ميْمونَةَ رضي الله عنها، فَتَحَدَّثَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم معَ أهلِهِ ساعةً، ثمَّ رقَدَ، فلمّا كانَ ثلُثُ اللّيْلِ الآخِرُ، قَعَدَ، فنظَرَ إِلَى السّمَاءِ، فقالَ: (({إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ} ثُمَّ قَامَ، فَتَوَضَّأَ، وَاسْتَنَّ، فَصَلَّى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ.

زاد ابن حبان رحمه الله: فلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حتّى بَلَّ الأَرْضَ، فَجَاءَ بِلاَلٌ رضي الله عنه يُؤْذِنُهُ بِالصَّلاَةِ، فَلَمَّا رَآهُ يَبْكِي، قال: يا رسولَ اللهِ، لِمَ تَبْكِي وقدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ ؟! قال: (( أَفَلاَ أَكُونُ عَبْداً شَكُوراً ؟! لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ آيَةٌ، وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ

فِيهَا:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } الآية كلَّها )).

وقد كانت أكثر عبادة السّلف التفكّر والتذكّر، فقيل لأمّ الدّرداء رضي الله عنها: ما كان أكثرُ شأن أبي الدّرداء رضي الله عنه ؟ قالت: كان أكثر شأنه التفكّر.

قيل لأبي الدّرداء: أفترى التفكّر عملاً من الأعمال ؟

 قال: نعم هو اليقين.

وقال أحد الزّهاد:" والله ما رأيت الثّلج يتساقط إلاّ تذكّرت تطايُرَ الصّحف يوم الحشر والنّشر ".

كيف لا والله تعالى يقول:{وفي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ}.وقد أشار الله تعالى إلى عبادةَ التفكّر في قوله:{أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ ، أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِؤُونَ ، نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ،فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ}[الواقعة-74]

روى البخاري ومسلم عن أبِي هريرَةَ رضي الله عنه أنّ النّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِي يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ )).

فالمؤلّف رحمه الله ذكر طريقين إلى معرفة الله تعالى،

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الخامسة والخمسون بعد المئة في موضوع

( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيتين والتي

 هي بعنوان :*السّبيل إلى معرفة الله عزّ وجلّ

 وقال ابن القيّم رحمه الله  في " الفوائد " (170):

" فصل: معرفة الله سبحانه نوعان:

1- معرفة إقرار، وهي الّتي اشترك فيها النّاس جميعا: البرّ والفاجر، والمطيع والعاصي.

2- والثّاني: معرفة توجبُ الحياءَ منه والمحبّة له، وتعلّقَ القلب به، والشّوق إلى لقائه، وخشيتَه، والإنابةَ إليه، والأنسَ به، والفرارَ من الخلق إليه.

وهذه هي المعرفة الخالصة الجارية على لسان القوم، وتفاوتُهم فيها لا يُحصيه إلاّ الّذي عرّفهم بنفسه، وكشف لقلوبهم من معرفته ما أخفاه عن سواهم ... ولهذه المعرفة بابان واسعان:

باب التفكّر والتأمّل في آيات القرآن كلّها، والفهم الخاصّ عن الله ورسوله.

والباب الثّاني: التفكّر في آياته المشهودة، وتأمّل حكمته فيها، وقدرته ولطفه وإحسانه وعدله وقيامه بالقسط على خلقه، وجماع ذلك: الفقهُ في معاني أسمائه الحسنى وجلالها وكمالها، وتفرّده بذلك، وتعلّقها بالخلق والأمر، فيكون فقيها في أوامره ونواهيه، فقيها في قضائه وقدره، فقيها في أسمائه وصفاته، فقيها في الحكم الدّيني الشّرعيّ، والحكم الكونيّ القدريّ، و{ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ

 يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ}"اهـ. والدّليلُ قولُه تَعَالىٰ:{وَمِنْ آيَاتِهِ}: الدالّة على كمال القدرة، وكمال الحكمة، وكمال الرّحمة.{اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ}: فمن أعظم آيات الله المشاهدة بالأبصار اللّيل والنّهار، وكيف يأتي اللّيل على النّهار فيغطّيه حتّى كأنّه لم يكن، ثمّ يأتي النّهار فيذهب بظلمة اللّيل حتّى كأن اللّيل لم يكن، فمجيء هذا وذهاب هذا بهذا الإتقان وهذا التّرتيب البديع المنتظم دالّ على وحدانية خالقه سبحانه، وهو القائل :{وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ}.

وقال تعالى وهو يذكّر عباده بنعمة اللّيل والنّهار:{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (72)} [القصص].{وَالشَّمْسُ}: فهي من آيات الله

 العظيمة بحجمها وآثارها ونورها:

أمّا حجمها فهي مخلوق عظيم. وأمّا آثارها: فيحصُل منها من المنافع للأجسام والأشجار والأنهار والبحار ما لا يحاط به، على بُعدِها من الأرض، وقد أقرّ الكافرون أنفسُهم بأنّه لو ابتعدت الشّمس عن الأرض بحدّ أو اقتربت بحدّ لفسدت الأرض وخرب العالم. وأمّا نورها فمن آثاره النّهار الّذي جعله الله معاشا للنّاس.

{وَالْقَمَرُ}: حيث قدّره الله منازل لكلّ ليلة ليعلم النّاس عدد السّنين والحساب.

وترى كلاّ من الشّمس والقمر يجريان في الفلك بإتقان

 وإحكام، قال تعالى:{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ

تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)} [يس].

{لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ}: وجاء بعد الدّعوة إلى النّظر في آيات الله تعالى الدّالة على توحيد ووجوب عبادته، جاء البراء ممّا سواه، والأمر - كما سبق بيانه - دائرٌ بين الإثبات والنّفي.

فالشّمس والقمر مهما بلغا من شأنهما فإنّهما لا يستحقّان العبادة، وخصّ الشّمس والقمر بالذّكر لأنّهما أعظم المخلوقات، كما خصّ السّجود بالذّكر دون سائر أنواع العبادة لأنّه أشرف مظاهرها ونهاية التّعظيم. بل أخبر تعالى أنّ الشّمس والقمر كلّ منهما عبدٌ مطيع عابد ساجد لله، فقال:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي

السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ

وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ} [الحجّ من: 18]، فإذا كانا يسجدان لله فكيف يُسجد لهما ؟

روى البخاري روى البخاريّ عن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه قال: قال النّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم لأبي ذَرٍّ حِينَ غرَبَتْ الشَّمْسُ: (( أَتَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ ؟ )) قلت: اللهُ ورسولُهُ أَعْلَمُ. قال: (( فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ، فَتَسْتَأْذِنَ فَيُؤْذَنُ لَهَا، وَيُوشِكُ أَنْ تَسْجُدَ فَلَا يُقْبَلَ مِنْهَا، وَتَسْتَأْذِنَ فَلَا يُؤْذَنَ لَهَا، يُقالُ لها: ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ، فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فذلكَ قولُهُ تعالى:{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ})). لذلك قال تعالى: {وَاسْجُدُوا للهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}: أي: إن كنتم تعبدون الله على الحقيقة فإنّه لا يصحّ أن يُصرف شيءٌ من

 مظاهر العبادة لغيره، ولو كان أعظم مخلوق.

· وقولُهُ تعالى:{إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السادسة والخمسون بعد المئة في موضوع

( الله ) والتي ستكون بعنوان :*

ومن دلالات الخلق على توحيد الله:

· قوله تعالى:{إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ}: فهو سبحانه يتعرّف إلى

 عباده ليوحّدوه ويُعظّموه، فدلّهم عليه بمخلوقاته: {الَّذِي

 خَلَقَ السَّمَوَاتِ}: أي ومن أعظم مخلوقات الله الدالّة على وحدانيته: السماوات السبع، وسعتها، وارتفاعها، وما فيها من الكواكب الزّاهرة، والآيات الباهرة.

{وَالأَرْضَ}: أي: والأرضون السّبع، وامتدادُها، وسعة أرجائها، وما في الأرض من الجبال والبحار، وأصناف المخلوقات من الحيوانات والنباتات وسائر الموجودات.

ثمّ ما بين السّماوات والأرض من أنواع الهواءوالسّحاب

 وغيرذلك، كلّه دالّ على وحدانية الباري جلّ جلاله  {فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ}: من أيّام الدّنيا، ولو شاء سبحانه أن يخلقها في لحظة لفعل،ولكنّه تعالى يعلّم عبادة التّؤدة وترك العجلة،وربط الأسباب بمسبّباتها.

{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}: فقد كان الله ولا شيء معه،

 ولا قبله،فخلق الخلق،وجعل سقف السّموات العرش،

 وهو أعظم مخلوق، فعلا وارتفع على العرش سبحانه.

{يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ}: أي: يجعل اللّيل غطاء للنّهار، والنّهار غطاءً للّيل، حتّى تقوم السّاعة.{يَطْلُبُهُ حَثِيثًا}: أي سريعابسرعة فائقةمتناهية حتّى لانكاد نشعُر بذلك.

{وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ}: مذلّلات للخلق مأمورة بأمره سبحانه، فلا يسير شيء منها إلاّ بتدبيره وإذنه.{أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ}: الخلق هو الأمور الكونيّة، والأمر: هو الأمور الشّرعيّة فلم يأمر سبحانه إلاّ بما يُصلح أمور العباد في المعاش والمعاد، فلا يخالف أمرُه خلقَه.{تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}: البركة هي الخير الكثير، ومعنى ( تبارك ): بلغ من البركة نهايتَها؛ فهو إله الخلق  ومليكهم، وموصل الخيرات إليهم، ودافع المكاره عنهم، والمتفرّد بإيجادهم وتدبيرهم. [الأنترنت – موقع

 نبراس الحق – عبد الحليم توميات ]

 لقد كانت آخرُ المراحل للنبي صلى الله عليه وسلم قبل بعثته هي عبارة عن تأمُّلٍ وتفكُّر ، فقد جاء عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ كما عند البخاري ومسلم ، الحديث الذي تروي فيه بدء الوحي فتقول : (( .. ثُمَّ حُبّبَ إليه الخلاء ، فكان يذهب إلى غار حراء يتحَنَّثُ فيه ـ أي يتعبّد ـ الليالي ذوات العدد .. )) فأي عبادة تلك .. ولم تكن ثَـمَّةَ صلاة ولا صيام ، فأي عبادة عرفها النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يكون نبياً ؟

 إنّها عبادة التأمل والتفكّر في خلق الله تبارك وتعالى . كان يمكث أياماً طويلة يتفكر ، حتى ازداد قُربه من ربه قبل بعثته ؛ فكانت هذه العبادة بمثابة التهيئة من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن يترك هذه العبادة ـ أيضاً ـ بعد بعثته ، فقد جاء عن عائشة رضي الله عنها أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لها ذات ليلة : يا عائشة .. ذريني أتعبد الليلة لربي ، فقالت : والله إني أحب قربك ، وأحب ما يسرك .. قالت : فقام فتطهر ، ثم قام يصلي ، قالت : فلم يزل يبكي حتى بلّ حِجرهُ ، قالت : وكان جالسا فلم يزل يبكي حتى بل لحيته . قالت : ثم بكى حتى بل الأرض . فجاء بلال يؤذنه بالصلاة ، فلما رآه يبكي ، قال : يا رسول الله ! تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال : أفلا أكون عبدا شكورا ؟ لقد أُنزلت عليّ الليلة آية ؛ ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكر فيها : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) ..) الآيات من سورة آل عمران .. حسنه : الألباني صحيح الترغيب

ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم هو فقط مَن كان يؤدي هذه العبادة ، بل باقي الأنبياء مِن قبله ، فهذا ابراهيم الخليل عليه السلام ، يقول تعالى عنه :

( وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ

وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75)الأنعام .

   بهذه العبادة يُعرَفُ اللهُ فيُحَب ، وبها يُعرف مراد الله من الخلق ، وبهذه العبادة يرِقُّ القلب ويتصل بالخالق ـ عز وجل ـ وبها تُتركُ المعاصي ؛ لأنَّ هذه العبادة هي الباب الموصل إلى الله تبارك وتعالى

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السابعة والخمسون بعد المئة في موضوع

( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيتين والتي

 هي بعنوان :*دورعبادة التأمل والتفكر في معرفة الله  

قال ابن القيم رحمه الله : معرفة الله سبحانه وتعالى نوعان :الأول : معرفة إقرارٍ بوجوده ؛ وهذه يشترك فيها البر والفاجر ، والمطيعُ والعاصي،فكل الناس يقولون : إن الله موجود،كيف نصل إلى معرفة الله جلَّ وتقدَّس  ؟ إننا بالإمكان أن نصلَ إلى معرفة الله بطريقين :

الأول : آيات الله المقروءة ، ألا وهو كلام ربنا عن نفسه في كتابه القرآن .

والثاني : آيات الله المنظورة ، وهي صفحة الكون وما فيها من حياة ؛ لكي لا يكون لمن لا يُجيدُ القراءةَ والكتابة حجة على الله تعالى ، فيقول : لم أعرفك لأنني لا أجيد القراءة والكتابة .. لم أكن أفهم ..!! سبحان الله .. ألم تنظر حولك.. أفلم ينظروا .. أفلم يسيروا في الأرض فينظروا .. أفلم يسمعوا .. أفلم يروا ؟

أنظر حولك ، وانظر إلى بديع صنع الخالق جَـلَّ وعلا وتقدّس .. تأمّل صَنعة الباري وقل سبحان باريها ..

وفي ظل هذه الآيات المنظورة يَنقلُ هذا الأعرابي ما صوَّرتهُ عدسات عينه ـ عندما سُئل ـ عن وجود الله فقال بفطرته السليمة : "البَعَرَةُ تدل على البعير ، والأثر يدل على المسير ، فسماء ذات أبراج ، وأرض ذات فجاج ، ألا تدل على العزيز الخبير ". فلله ما أحسنه من استدلال وما أعجبه من منطق وبيان .

  ولو مررنا بكتاب الله لوجدنا أنّه دائماً يدعونا إلى

 إعمال العقل ، كما في قوله تعالى : ( أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20) (سورةالغاشية ). فيأمر الله عِبَاده بِالنَّظَرِ فِي مَخْلُوقَاته الدَّالَّة عَلَى قُدْرَته وَعَظَمَته.

  ويقول سبحانه : ( إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاء مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5) تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) ) (سورةالجاثية) .

 سُئِلت أم الدرداء:ما كان أفضل عمل أبي الدرداء؟

  قالت : ( التفكرُ والاعتبار ) ، فانظر يا رعاك الله كيف كان التفكر في خلق الله تعالى مِن أفضل العبادات عند أبي الدرداء ؛ ثمَّ انظر كم هي منسيةٌ هذه العبادة عند غيره ..

قال الإمام الحسن البصري وقال أبو الدرداء : ( تَفَكُرُ ساعة خير من قيام ليلة) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ،وابن المبارك في الزهد .

 وقال ابن عباس رضي الله عنهما : ركعتان مقتصدتان في تفكيرٍ خير من قيام ليلة والقلب ساه . فهلا أعملنا

هذا الفكرأيها الأحبة وأطلقنا له العنان يهيم في ملكوت الله لعلّه يرجع بثمارالمعرفة فيتجددبها الإيمان ويُنال رضى الديّان،لتجلس في غرفتك بينك وبين نفسك وشاهد خلق الله في نفسك ( وفي أنفسكم أفلا تبصرون )

تأمل في الوجود بعين فكر *** ترى الدنيا الدنيئة كالخيـالِ

ومن فيها جميعًا سوف يفنى *** ويبقى وجه ربك ذو الجلالِ

منقول من خطبة : جمال بن عبدالله العُمري الزهراني  [ الأنترنت -  موقع الخلق ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثامنة والخمسون بعد المئة في موضوع

( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*كيف عرّف الله عز وجل خلقه بذاته المقدسة في كتابه الكريم ؟

من المعلوم أن مصدر المعرفة والعلم بالنسبة للمسلمين هو كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهو مصدر لا يأتيه باطل من بين يديه ولا من خلفه ، وهو العلم الحق . والإنسان منذ وجوده على سطح هذا الكوكب وهو مشغول بمعرفة نفسه أولا ، وبمعرفة العالم من حوله . وقد ذهب الإنسان مذاهب شتى في تفسير وجوده ، ووجود العالم من حوله، وكان في معظم الأحيان يخبط خبط عشواء في تفسير وجوده ووجود العالم من حوله حتى تداركه الله عز وجل برسالاته عبر أنبيائه ورسله صلواته وسلامه عليهم ، فأخرجه من حيرته ومن خبطه . وعبر هذه الرسالات السماوية المتتالية تترا ؛عرف الإنسان أنه مجرد مخلوق ، وأن العالم من حوله أيضا مجرد مخلوق ، وأن وراء خلقهما خالق سبحانه وتعالى . يقول الله تعالى في خلق الإنسان : (( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون )). ويقول عز من قائل في خلق العالم : (( ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصيغ للآكلين وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون وعليها وعلى الفلك تحملون )) ففي هذين النصين القرآنيين الكريمين يجد الإنسان الجواب الشافي عن حقيقة وجوده وحقيقة وجود العالم من حوله بسمائه وأرضه ونباته وحيوانه ووسائل نقله. وفضول الإنسان لا يقف عند حد معرفة سر وجوده ، وسر وجود العالم من حوله بل يتعدى إلى محاولة معرفة الموجد سبحانه . والله عز وجل أعلم بمن خلق وما خلق ولهذا أجاب الإنسان عن تساؤلاته وعلى رأسها التساؤل عن خالقه بقوله : (( الله نور السماوات والأرض )) . والله العليم بالإنسان يعرف أنه يريد رؤية خالقه كنور لأنه تعود إدراك ما حوله ببصره فيجيبه بقوله : (( لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار )) ليصرفه عن التفكير في رؤيته البصرية لأن مؤهلات حاسة بصره لا تستطيع ذلك .

والله تعالى يعلم أن الإنسان إذا تعذرت عليه الرؤية

 بالبصر فكر في التمثل العقلي قياسا على الإبصار

 فأجابه ربه سبحانه : (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) فقطع عليه سبيل التمثل العقلي لأن ملكة عقله أعجز من أن تتمثل ما لم يسبق لها رؤيته من قبل أو ما لا تستطيع استيعابه لا ببصر ولا ببصيرة .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة التاسعة والخمسون بعد المئة في موضوع

( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

*كيف عرّف الله عز وجل خلقه بذاته المقدسة في كتابه الكريم ؟

معلوم أن حيرة الإنسان المتعلقة بمحاولة معرفة خالقه لا

 يمكن أن تنتهي طالما أنه لم يشف غليل معرفته بما أوتي من مؤهلات الإدراك القاصرة سواء كانت الحواس أم العقل لهذا تداركه الله عز وجل بلطفه فقرب من قدرته العقلية المحدودة صورة ذاته المقدسة من خلال صفات ذاته المقدسة وصفات أفعاله ، وهو ما يمكن للإنسان إدراكه وفق ضوابط ذلك أنه لا يمكنه أن يشبه خالقه بشيء ، ولا يمكن أن يعطل صفة من صفاته ادعاء للتنزيه بل يدركه على قدر طاقة استيعابه بصفات وصف بها ذاته سبحانه وأفعاله دون تمثل يوقع في التجسيد والتشبيه ، ودون تعطيل ينفي هذه الصفات جريا على دأب علماء وأئمة أهل السنة والجماعة من قبيل الإمام مالك رحمه الله تعالى القائل في استواء الله عز وجل على العرش قولته المشهورة :  » الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة «  ومن قبل الإمام أبي الحسن الأشعري الذي وقف موقفا وسطا بين المشبهة والمعطلة ، فلم يشبه ولم يعطل وإنما سلم بما وصف به الله عز وجل ذاته المقدسة دون أن يجسد ودون أن يعطل ويؤول. وأهل الكياسة يرون أن الذي يريد أن يدرك ربه بحاسة أو بتمثل كمن يريد وزن جبال بميزان ذهب ذلك أن عقول البشر أضعف وأعجز من أن تدرك إلها الأرض جميعا قبضته والسماوات مطويات بيمينه ، وكرسيه وسع السماوات والأرض،ومعلوم أن الواسع لا يسعه ما وسع

 والإنسان إذا نظر في خلقه ، وفي خلق العالم من حوله أدرك خالقه وخالق العالم من حوله عن طريق قاعدة العلة والمعلول ، وهي من قواعد العقل البشري التي هي من أسس التفكير والتي لا يرقى إليها شك ، وإذا شك فيها أحد كان شكه بمثابة الشك في وجود ذاته ، ومن شك في وجود ذاته من العبث أن يبحث في حقيقة من أوجده لهذا وجه الله الإنسان إلى ذاته وإلى الآفاق من حوله لمعرفة حقيقة من أوجده في قوله سبحانه : (( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق )) والحق صفة من صفات الخالق ، والحق نقيض الباطل ، والباطل ممتنع بذاته ، والحق واجب بذاته ، والله عز وجل واجب الوجود بذاته أزلا وأبدا ، والله حق في نفسه ،وجوده ثابت لذاته أزلا وأبدا ، ومعرفته حق أزلا وأبدا كما قال حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في مقصده الأسنى الشارح لأسماء الله الحسنى .

وأخيرا نشهد أنك الله لا إله إلا أنت لا شريك لك ولا والد ولا ولد ولا صاحبة وليس كمثلك شيء ، ولا تدركك الأبصار وأنت تدرك الأبصار وأنت اللطيف الخبير تسع كل شيء ولا يسعك شيء شهادة نلقاك بها عند الممات وفي القبر ويوم البعث والحشر وليس لنا من دو نها زاد ولا حجة بها نلقاك ،فإن تعذبنا فإنا عبادك المسرفون في الذنب ، ولست بظلام للعبيد ، وإن ترحمنا فأنت أرحم الراحمين وسعت رحمتك كل شيء ، لك الحمد حتى ترضى وإذا رضيت وفوق الرضى ،وسبحانك سبحانك لا يليق التسبيح والحمد إلا لك اغفر لنا كل تقصير في حقك ، وكل ذنب لا يرضيك ما غرنا بك يا ربنا الكريم إلا قولك : (( قل يا عبادي اللذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم )) والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين . [الأنترنت - موقع كيف عرف الله عز وجل خلقه بذاته المقدسة في كتابه الكريم ؟ - محمد شركي ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الستون بعد المئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

إن أوَّل خطوة على العبد أن يتخذها في الطريق هي معرفة الله سبحانه وتعالى، لإنها المقصِد الأسمى للإنسان في الحيــــــاة ..

قال تعالى مخاطبًا نبيه {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ

 وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} [محمد: 19] .. وقد ترجم الإمام البخاري في صحيحه بابًا بعنوان (العلم قبل القول والعمل) ..

وهذا العلم هو معرفة الله عزَّ وجلَّ .. ومحله هو القلب .. يقول ابن القيم في (الفوائد) :

 "أنزه الموجودات وأظهرها وأنورها وأشرفها وأعلاها ذاتاً وقدراً وأوسعها : عرش الرحمن جلَّ جلاله، لذلك صَلُحَ لاستوائه عليه، وكل ما كان أقرب إلى العرش كان أنوَّر وأنزه وأشرف مما بَعُدَ عنه، ولهذا كانت جنة الفردوس أعلى الجنات وأشرفها وأنورها وأجلَّها لقربها من العرش إذ هو سقفها، وكل ما بَعُدَ عنه كان أظلم وأضيق، ولهذا كان أسفل سافلين شر الأمكنة وأضيقها وأبعدها من كل خير . وخلق الله القلوب وجعلها محلاًّ لمعرفته ومحبته وإرادته، فهي عرش المثل الأعلى الذي هو معرفته ومحبته وإرادته" [الفوائد :ج1ص 29].

  فينبغي أن يمتليء القلب بمعرفة الله عزَّ وجلَّ .. مما يدفع العبد إلى خشية الله قبل الإقدام على أي معصية؛ لأنه يعلم أن ربَّه سميع بصيـــــر .. ويستشعر قربه حين مناجاته .. ويكون حليمًا في معاملته للناس، رغبةً في حلم ربِّه سبحانه وتعالى ولطفه.

ولقد فطرالله عزَّ وجلَّ القلوب على معرفته وطالما كان القلب بعيدًا عن معرفة بارئه، فإنه يظل مستوحشًا .. لأن الله تعالى قد خلق جميع عباده حنفاء،قال الرسول صلى الله عليه وسلم ذات يوم في خطبته "ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا ؛ كل مال نحلته عبدا حلال، وإني خلقت عبادي حنفــــاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم ،وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا .." [صحيح مسلم (5109)] ومعرفة الله تُزكي النفس .. فتجعلك تتخلص من الآفات التي كنت تعاني منها قبل معرفته، كالغضب وغيره .. لأن الربَّ شكور وسُيثيبك على طاعتك، بأن يجعل للإيمان أثرًا في قلبك .. فإن لم تجد هذا الأثر، فاعلم أنك واهم وأن علمك وطاعتك لن ينفعاك بشيء !

يقول ابن القيم "والفطرة فطرتان: فطرة تتعلق بالقلب وهي معرفة الله ومحبته وإيثاره على ما سواه، وفطرة عملية وهي هذه الخصال (أي: سُنن الفطرة)، فالأولى: تزكي الروح وتطهر القلب، والثانية: تطهر البدن وكل منهما تمد الأخرى وتقويها" [تحفة المودود (112)]                                                            ومن عرف الله حق المعرفة، فقد وجبت له سعادة الدنيا والآخرة .. قال مالك بن دينار: خرج أهل الدنيا من الدنيا ولم يذوقوا أطيب شيء فيها، قالوا: وما هو يا أبا يحيى؟، قال: معرفة الله تعالى. [حلية الأولياء (1,373)]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الواحدة والستون بعد المئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*معرفة الله أنس والجهل به شقاء

إن أوَّل خطوة على العبد أن يتخذها في الطريق هي

 معرفة الله سبحانه وتعالى، لإنها المقصِد الأسمى

 للإنسان في الحيــــــاة ..

فمهما حصَّلت من متاع الدنيـــا، فإنه لا يعدِل شيئًا بجانب لحظة الأنس بالله تعالى،،والجهل بالله تعالى يُوجِب الشقاء في الدنيـــــا والآخرة ..

فالجهل بالله هو أصل كل آفة .. فمن لا يعرف ربَّه لا يرضى بقدره، مما يوقعه في عذاب وآلام التسخُّط ..

ولا يعصي الله عزَّ وجلَّ إلا جــــاهل .. مهما أوتي من علومٍ ذهنية، فإن العلم الحقيقي هو الذي يجعل المرء يخشى ربَّه ويستحيي من معصيته ..

يقول تعالى {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 17] .. قال قتادة: عن أبي العالية: أنه كان يحدث: أن أصحاب رسول الله كانوا

 يقولون: كل ذنب أصابه عبد فهو بجهالة.

إذًا، كيف نُمكِّن قلوبنا من معرفة الله عزَّ وجلَّ؟

تنقسم معرفة الله عزَّ وجلَّ إلى نوعين:

1) معرفة الإقرار ..              2) معرفة توجِب الحيـــــــاء والمحبة ..

كما يقول ابن القيم في (الفوائد) "معرفة الله سبحــــانه نوعـــان : الأول: معرفة إقرار .. وهي التي اشترك فيها الناس، البر والفاجر والمطيع والعاصي.

والثاني: معرفة توجب الحياء منه والمحبة له .. وتعلق القلب به والشوق إلى لقائه وخشيته والإنابة إليه والأنس به والفرار من الخلق إليه. وهذه هي المعرفة الخاصة الجارية على لسان القوم، وتفاوتهم فيها لا يحصيه إلا الذي عرَّفهم بنفسه وكشف لقلوبهم من معرفته ما أخفاه عن سواهم وكلٌ أشار إلى هذه المعرفة بحسب مقام وما كشف له منها." [الفوائد (1:186,187)] ولن تتمكن من معرفة الله سبحانه وتعالى إلا بالرجوع إلى الشرع، وليس عن طريق قدراتك الذهنية والوجدانية وحدها.

يقول ابن القيم "ولهذه المعرفة بــــابــــان واسعـــان :

الباب الأول: التفكر والتأمل في آيات القرآن كلها .. والفهم الخاص عن الله ورسوله .

والباب الثاني: التفكر في آياته المشهودة .. وتأمل حكمته فيها وقدرته ولطفه وإحسانه وعدله وقيامة بالقسط على خلقه.

وجماع ذلك : الفقه في معاني أسمائه الحسنى .. وجلالها وكمالها وتفرده بذلك وتعلقها بالخلق والأمر، فيكون فقيهًا في أوامره ونواهيه، فقيهًا في قضائه وقدره، فقيهًا في أسمائه وصفاته، فقيهًا في الحكم الديني الشرعي والحكم الكوني القدري، و{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}" [الفوائد (1:187)]

فلن تعرف الله إلا بـــالله .. وهذا عن طريـــــق:

أولاً: التفكُّر والتأمل في آيـــــات القرآن الكريم ..

بالأخص تأمل أسماء الله جلَّ وعلا وصفاته التي تكون في أواخر الآيــــات، فتستشعرها وتُدخِلها إلى قلبك .. والتفكُّر في الحكمة من ورودها في تلك المواضع من القرآن الكريم.

ثانيًا: التفكُّر في رسائـــل الله في الكون ..

فتُكثِر من النظر إلى بدائع خلقه في السمـــاء والأرض؛ كي تستشعر عظمة وجمال الكبيـــر المُتعـَــاَل ..

وكذلك تتفكَّر في آيات الله المُرسلة إليك من إبتلاءات وعظات، وآثــــــار رحمته عليك وعلى سائر عبـــــــاده .. فتتعرف عليه بمعرفة مدى فقرك وإحتياجك إليه سبحـــــانه ..وحينما تتأمل في آيـــــــات الله المتلوة والمُشاهدة، ستستشعر قُربه وتُمكِن معرفته وحبه من قلبك ..ولكن احذر أن تقطع عن قلبك تلك الإمدادات، التي هي بمثابة الهواء الذي يمده بالحيــــــاة،، [الأنترنت – موقع الكلم الطيب ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثانية والستون بعد المئة في موضوع      ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*كمال الله تعالى في ذاته وصفاته وأفعاله أعظم المعارف

   شرفُ العلم بشرف المعلُوم، وأشرفُ العلوم وأزكاها العلمُ بالله، والحاجةُ إلى معرفته - سبحانه - وتعظيمه فوق كل الحاجات؛ بل هي أصلُ الضرورات، والله فطرَ عبادَه على محبَّته ومعرفته، والقلبُ إنما خُلق لذلك،  {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ }[الروم: 30].

وهي الحنيفيَّةُ التي يُولَدُ عليها كلُّ مولودٍ، وشياطينُ الجنِّ والإنسِ يسعَون لحرفِ فِطَر الخلق، قال الله في الحديث القُدسي: «خلقتُ عبادي حُنفَاء كلَّهم، وإنهم أتَـتـهم الشياطينُ فاجتالَتهم عن دينهم»؛ رواه مسلم.

وكلُّ مُسلمٍ مأمورٍ بتعاهُدِ فِطرته لتعود المُنحرِفةُ إلى أصلِها، ويزدادَ الذين آمنوا إيمانًا.

والله أقامَ آياته دليلاً على ربوبيَّته وألوهيَّته، ولو كان ماءُ البحر مِدادًا وجِيء ببحورٍ تمُدُّه لما نفِدَت كلماتُ الله وآياتُه الدالَّةُ عليه.

والرُّسُل بُعِثوا لتقرير الفِطرة وتكميلِها، وتوحيدُ الربوبيَّة بإفراد الله بأفعاله أعظمُ ما جاؤُوا به، فهو أصلٌ من أصول الإيمان، وأحدُ أنواع التوحيد الذي لأجله خلقَ الله العبادَ، وهو دليلٌ على وحدانيَّته في الألوهيَّة، وبه احتجَّ الله على إفراده. والشِّركُ فيه أعظمُ وأقبحُ أنواع الشِّرك، ولا يغلَطُ في الإلهيَّة إلا من لم يُعطِه حقَّه.

والله - سبحانه - كاملٌ في ذاته وصفاته وأفعاله، ومن صفاته - جلَّ شأنُه - الربوبيَّةُ لا شريكَ له فيها، كما لا شريكَ له في ألوهيَّته، قال تعالى:  {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ } [الأنعام: 164].

وهو - سبحانه المُتفرِّدُ بالخلق والمُلك والرِّزق والتدبير، خالقٌ ولا خالقَ معه، بديعُ السماوات والأرض، خلقَ فسوَّى وأحسنَ كلَّ شيءٍ خلقَه وهو الخلاَّقُ العليم، وكما بدأَ الخلقَ سيُعيدُه يوم القيامة وهو أهونُ عليه.

وكلُّ من سِوى الله لا يستحقُّ العبادة،والله المُستحقُّ لها وحدَه؛ لأنه الخالِق، { أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ } [النحل: 17].

وهو - سبحانه - الملِكُ والمُلكُ له،  {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ}  [فاطر: 13]. ومالِكٌ لخلقِه، له ما في السماوات وما في الأرض، وجميعُ الخلق له قانِتون ومُسبِّحون وكلُّهم له يسجُدون.

هو السَّيِّدُ لا شريكَ له والجميعُ عبيدُه،{ إِنْ كُلُّ مَنْ فِي

 السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا }[مريم: 93].

له المُلكُ التامُّ الدائِمُ،مالِكُ الدنيا ويوم الدين،وفي الآخرة يتجلَّى ويقول:{لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ }[غافر: 16]، فيُجيبُ نفسَه بقوله: { لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } انفردَ - سبحانه - بتدبير شُؤون خلقِه ومُلكِه، فالأمرُ كلُّه بيدِه وحدَه،{أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ }الأعراف: 54يأمرُ وينهَى، ويخلُقُ ويرزُقُ،ويُعطِي ويمنَعُ، ويخفِضُ ويرفَعُ،ويُعزُّويُذلُّ، ويُحيِي ويُميت،{يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُالنَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ  }[الزمر: 5]، { يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } [الروم: 19].جميعُ الخلق تحت قهره ومشيئته، وقلوبُ العباد ونواصِيهم بيدِه، وأزِمَّةُ الأمور معقُودةٌ بقضائِه وقدَره، قائِمٌ على كل نفسٍ بما كسبَت، والسماءُ والأرضُ قائمةٌ بأمره، ويُمسِكُ السماءَ أن تقعَ على الأرض إلا بإذنِه، ويُمسِكُ السماوات والأرضَ أن تزُولا.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثالثة والستون بعد المئة في موضوع      ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

*كمال الله تعالى في ذاته وصفاته وأفعاله أعظم المعارف

وكلُّ من في السماوات والأرض يسألونَه  {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ }[الرحمن: 29]،ومن جُملة شُؤونه: يغفرُ ذنبًا، ويهدِي ضالاًّ، ويُفرِّجُ همًّا، ويجبُرُ كسرًا، ويُغنِي فقيرًا، ويُجيبُ دعوة، قال تعالى:  {وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ } [المؤمنون: 17]. أوامرُه مُتعاقبة، ومشيئتُه نافِذة، لا تتحرَّك ذرَّة في الكون إلا بإذنه، فما شاءَ كانَ، وما لم يشَأ لم يكُن، يخلقُ ما يشاءُ، ويفعلُ ما يُريد، وكان أمرُه قدرًا مقدُورًا. لا مانِع لما أعطَى، ولا مُعطِيَ لما منَع، ولا مُعقِّبَ لحُكمه، ولا رادَّ لقضائِه، ولا دافعَ لمُراده، ولا مُبدِّل لكلماته.

قدَّر مقاديرَ الخلق قبل خلقِ السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، ولو اجتمعَ الخلقُ على شيءٍ لم يكتُبه الله ليجعَلوه كائنًا لم يقدِروا عليه، ولو اجتمَعوا على ما هو كائنٌ ليمنَعوه لم يقدِروا عليه، ولو اجتمعَت الأمةُ على ضُرِّ عبدٍ واللهُ لم يُرِد ضُرَّه لم يضُرُّوه، ولو اجتمعَت على نفعِه واللهُ لم يأذَن بنفعِه لن ينفَعوه، يهدِي من يشاءُ فضلاً، ويُضلُّ من يشاءُ عدلاً، إذا أرادَ شيئًا فإنما يقولُ له: كُن، فيكون،  لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ  [الأنبياء: 23].

  كلامُه أحسنُ الكلام، لا بدايةَ لكلماته ولا نهايةَ لها،  { وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ  [لقمان: 27].

  وعلمُه تعالى وسِعَ كلَّ شيءٍ، فيعلمُ ما كان وما لم يكُن وما لا يكُون، ويعلمُ ما فعلَه الخلقُ وما سيفعَلونه، ويعلمُ ما في البرِّ والبحر وما تسقطُ من ورقةٍ إلا يعلمُها، ولا يعزُبُ عنه - أي: لا يغيبُ عنه - مِثقالُ ذرَّة في الأرض ولا في السماء، يعلمُ ما هو غائبٌ عنَّا وما هو شاهِد، ويعلمُ ما تُوسوِسُ به النفوسُ، وما تنطوِي عليه خبايا الصُّدور، ويعلمُ ما تحمِلُه الأُنثَى في البُطون، ومفاتِحُ الغيب لا يعلمُها إلا هو، وعلومُ الخلق كلِّهم كقطرةٍ من بحرِ علمِه، وما علمُهم إلا بمشيئتِه.

  نقرَ عصفورٌ في البحر، فقال الخضِرُ لموسى - عليهما السلام -: "ما نقصَ علمي وعلمُك من علمِ الله إلا مثلَما نقصَ هذا العصفورُ من البحر"؛ رواه مسلم.

  سمعُه وسِع الأصوات، فلا تختلفُ عليه ولا تشتبِه. اشتكَت امرأةٌ زوجَها عند النبي - صلى الله عليه وسلم - وعائشةُ - رضي الله عنها - في ناحية البيت، ويخفَى عليها بعضُ كلامها، والله من فوقِ سبع سماواتٍ سمِعَ كلامَها وأنزلَ:  {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا } [المجادلة: 1].

وبصرُه أحاطَ بجميع المرئيَّات، فأفعالُ العباد في ظُلمة الليل لا تخفَى عليه، وكلُّ أعمالهم هو لها بالمِرصاد.

ولأن الخلقَ خلقُه فالحُكمُ له وحدَه، قال - سبحانه -: { إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ } [الأنعام: 57].

وأحكامُه وحدودُه وتشريعاتُه خيرُ الأحكام، ولا أحسنَ منه حُكمًا وهو خيرُ الحاكِمين، يحكمُ ولا مُعقِّبَ لحُكمه، ولا يظلِمُ ربُّك أحدًا.

 لا أرحمَ منه، فهو أرحمُ الراحمين وخيرُهم، أرحمُ من الوالِدة بولدِها، رحمتُه وسِعَت كلَّ شيءٍ، له - سبحانه مائةُ رحمةٍ،أنزلَ واحدةً يتراحَمُ الخلقُ فيما بينهم، وأمسكَ عنده تسعةً وتسعين جُزءًا. كريمٌ لا أكرمَ منه، يُحبُّ الإحسانَ والعطاءَ لخلقه، يرزقُهم من فوقهم ومن تحتهم، فضلُه عظيمٌ، وخزائنُه لا تنفَد، { قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } [سبأ: 24].

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الرابعة والستون بعد المئة في موضوع      ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

*كمال الله تعالى في ذاته وصفاته وأفعاله أعظم المعارف

ويدُه ملأى لا تغيضُها نفقة، سحَّاءُ الليل والنهار. قال - عليه الصلاة والسلام -: (أرأيتُم ما أنفقَ مُنذ خلقَ السماوات والأرض؛ فإنه لم ينقُص ما في يدِه ) رواه البخاري.

لا يرُدُّ دعوةً للعباد، قال - سبحانه -:  {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } [البقرة: 186].

ولا تتعاظمُه حاجةٌ أن يُعطِيَها، ولو أن العبادَ أولَهم

 وآخرَهم، وإنسَهم وجنَّهم قامُوا في صعيدٍ واحدٍ فسألوه، فأعطَى كلَّ واحدٍ مسألتَه، ما نقصَ ذلك مما عنده إلا كما ينقُصُ المخيَطُ إذا أُدخِل البحر.

وتكفَّل - سبحانه - برِزقِ كلِّ مخلُوقٍ من الإنسِ والجنِّ، مُسلِمهم وكافِرهم، { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا  } [هود: 6].  وعطاؤُه بلا منٍّ، وهو خيرُ الرازقين.

فتحَ أبوابَ الخير لعباده، فسخَّر بحارًا، وأجرَى أنهارًا، وأدرَّ أرزاقًا، وأعطَى عبادَه نعمًا كثيرةً وهم لم يسألُوه إياها، ومن كل ما سألُوه آتاهم، ويعرِضُ على عبادِه سُؤالَه فيقول: «من يسألُني فأُعطِيَه».

كلُّ خيرٍ فهو منه،{وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53].

  وأوصلَ لكل مخلوقٍ رزقَه، فرزقَ الجنينَ في بطن أمِّه، والنملَ في جُحره، والطيرَ في جوِّ السماء، والحيتانَ في لُجَج الماء، { وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ   } [العنكبوت: 60].

  قريبٌ مُجيبٌ لا يرضَى أن تُرفعَ الحاجاتُ إلى غيره، ومن لم يسأَله يغضَب عليه، والمحرُومُ من طمِعَ بغير ربِّه، ولا أحدَ أصبرُ على أذًى يسمعُه من الله، يُشرِكون به ويدَّعون له الولدَ، ثم هو يُعافِيهم ويرزُقهم.

وفَّق فضلاً منه وكرمًا أهلَ طاعته، وأثابَهم بعد توفيقه. شكورٌ يجزِي على القليل ويُجزِلُ على الكثير، الحسنةُ عنده بعشر أضعافها إلى أضعافٍ كثيرة، وأعدَّ لعباده في الجنة ما لا عينٌ رأَت، ولا أُذنٌ سمِعَت، ولا خطرَ على قلبِ بشر، ولا يزالُ يسترضِيهم فيقولُ: «هل رضِيتُم»، فيقولون: «وما لنا لا نرضَى وقد أعطيتَنا ما لم تُعطِ أحدًا من خلقِك»، فيقول: «أنا أُعطيكُم أفضلَ من ذلك»،  قالوا:  « يا ربِّ!  وأيُّ  شيءٍ  أفضلُ  من ذلك؟» ، فيقول: «أُحلُّ عليكم رِضواني فلا أسخَطُ عليكم بعدَه أبدًا»؛ رواه البخاري.

غنيٌّ بذاتِه، صمدٌ تصمدُ إليه الخلائِقُ في حاجاتها، وسيِّدٌ كاملٌ لا جوفَ له، { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ  } [الإخلاص: 3، 4]، وما اتَّخذَ صاحبةً ولا ولدًا، ولم يكُن له شريكٌ في المُلك ولم يكُن له وليٌّ من الذُّلِّ، وما كان معه من إلهٍ. لن يُطاعَ إلا بفضلِه، ولا يُعصَى إلا بعلمِه، غنيٌّ عن خلقِه، قائمٌ بنفسِه، وكلُّ شيءٍ قائمٌ به مُفتقِرٌ إليه، { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر: 15].

لا تنفعُه طاعةُ الطائِعين، ولا تضُرُّه معصيةُ العاصِين، لو كان الإنسُ والجنُّ على أتقَى قلبِ رجُلٍ واحدٍ ما زادَ ذلك في مُلكه شيئًا، ولو كانوا على أفجَر قلبِ رجُلٍ ما نقصَ ذلك في مُلكِه شيئًا، لن يبلُغ العبادُ نفعَه فينفعُوه، ولن يبلُغوا ضُرَّه فيضُرُّوه.حيٌّ قيُّومٌ لا تأخذُه سِنةٌ ولا نوم، يخفِضُ القسطَ ويرفعُه، يُرفعُ إليه عملُ الليل قبل عمل النهار، وعملُ النهار قبل عمل الليل.حجابُه نورٌ لو كشفَه لأحرقَت سُبُحات وجهه ما انتهَى إليه بصرُه، كبيرٌ عظيمٌ جبَّار متينٌ، العزَّةُ إزارُه، والكبرياءُ رِداؤُه، قويٌّ لا ظهيرَ له، وعليٌّ لا مثيلَ له، كلُّ شيءٍ هالِكٌ إلا وجهَه، مُحيطٌ بكل شيءٍ ولا يُحيطُ به شيءٌ، { لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ  } [الأنعام: 103].

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الخامسة والستون بعد المئة في موضوع      ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

*كمال الله تعالى في ذاته وصفاته وأفعاله أعظم المعارف

 الأرضُ جميعًا قبضتُه يوم القيامة والسماواتُ مطويَّاتٌ بيمينه، لا يسُتشفَعُ به على أحدٍ من خلقه، ولا يشفعُ عنده أحدٌ إلا بإذنه.

وكرسيُّه موضِعُ قدمَيه، وسِع السماوات والأرض، وما الكرسيُّ في العرشِ إلا كحلقةٍ من حديدٍ أُلقِيَت في فلاة، والعرشُ أعظمُ المخلُوقات يحملُه ملائكةٌ ما بين شحمةِ أُذُنِ أحدهم إلى عاتقِه مسيرةُ سبعمائة عام.

والله مُستوٍ على عرشِه كما يليقُ بجلاله، والله

مُستغنٍ عن العرش وما دُونَه.

تكادُ السماوات يتفطَّرن من فوقهنَّ، أي: يتشقَّقن خوفًا من عظمة الله، وإذا تكلَّم بالوحي أخذَت السماوات منه رَجفةٌ ورِعدةٌ شديدةٌ وصعِقَ أهلُ السماوات وخرُّوا لله سُجَّدًا.

هو الأولُ فليس قبلَه شيء، والآخرُ فليس بعده شيء، والظاهرُ فليس فوقَه شيء، والباطنُ فليس دونَه شيء، قادرٌ على كل شيءٍ وله القوةُ جميعًا، لا يُعجِزُه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، أمرُه كلمح البصر بل هو أقربُ، وله جنودٌ لا يعلمُها إلا هو.

وإذا انقضَى أمرُ الدنيا يرُجُّ الأرضَ رجًّا، ويدُكُّها دكًّا، ويُسيِّرُ الجبال سيرًا وينسِفُها نسفًا، وبنفخةٍ يفزَعُ الخلقُ، وبأُخرى يصعَقون، وبثالثةٍ يقومون للمحشَر.

   سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ تنزَّه عن كل عيبٍ ونقصٍ، له من الكمالِ أعلاه، ومن التمام والجمال أسناه، لا نِدَّ له ولا مثيلَ ولا سمِيَّ له ولا نظيرَ، { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ  } [الشورى: 11].

وبعدُ .. أيها المسلمون: أفلا يجبُ علينا أن نُحبَّ ربَّنا الذي هذه صفاتُه وأفعالُه، وأن نحمده ونُثنِي عليه ونُخلِصَ له العبادة، ومن عرفَ اللهَ اقتربَ منه وخضعَ له وذلَّ وأنِسَ به واطمأنَّ، ورجَا ثوابَه وخافَ عقابَه وأنزلَ به حاجاته، وتوكَّل عليه.

ومن مدَحَ الله وأكثرَ من ثنائِه ارتفع، فلا أحدَ أحبُّ إليه المدحُ من الله، من أجلِ ذلك مدحَ نفسَه، ومن أحبَّ اللهَ وعبدَه أحبَّه الله ورضِيَ عنه وأدخلَه الجنة.أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم:  إِنَّ اللَّهَ رَبِّي

 وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ  [آل عمران: 51].[الأنترنت – موقع بوابة الحرمين- خطبة جمعة -  د عبدالمحسن القاسم ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السادسة والستون بعد المئة في موضوع      ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : من هو الله ؟

أصل الكلمة لفظ اسم (الله) جل جلاله أصلها عربي، استعملها العرب قبل الإسلام  جل جلاله الإله الأعلى لا شريك له الذي آمن به العرب في فترة الجاهلية قبل الإسلام لكن بعضهم عبد معه آلهة أخرى وآخرون

 أشركوا الأصنام في عبادته.

وجود الله وصفاته : يمكن الاتفاق بين الناس كافة (المؤمنين منهم والملحدين) على أن يكون المنطق العلمي السليم هي السبيل الوحيد للوصول إلى حقيقة وجود الله وصفاته. فالكل يتفق على أن لكل فعل فاعل, ولكل شيء سبب. ولا يستثنى من ذلك شئ, فلا شئ يأتي من فراغ أو من عدم, ولا شئ يحصل بلا سبب أو مسبب. والأمثلة على ذلك لا تحصى, ولا يغفل عنها أحد. والكون كله بكل ما فيه من حي أو جماد, ساكن ومتحرك, وجد بعد العدم. فالمنطق والعلم يؤكدان إذا أن هناك من أوجد الكون. وسواء كان أسمه الله أو الخالق أو المبدع أو المبدئ, فليس لذلك تأثير على الحقيقة هذه. فالكون كله, بما فيه, يدل دلالة

 كافية على وجود الخالق.

والتعرف على صفات هذا الخالق يتم عن طريق دراسة ومتابعة ما أنجزه من أعمال ومصنوعات (مخلوقات). فالكتاب, على سبيل المثال,يدل على علم وخبرة وثقافة كاتبه وأسلوبه وتفكيره وقدرته على الإنجاز والتحليل. وكذلك كافة المصنوعات تعطي صورة وفكرة واسعة عن صفات الصانع. وإذا استعمل الناس هذا المنطق العلمي مع الكون والمخلوقات التي فيه لتمكنوا من الوصول إلى صفات الخالق (الصانع). فجمال البحار والطبيعة, ودقة الخلايا وحكمة ما فيها من تفاصيل, وتوازن الكون ونظام حركته, وكل ما توصل له الإنسان من علوم, كلها تدل على عظمة وعلم وحكمة الخالق. سواء اتفق الناس أم لم يتفقوا في ايجاد الحكمة

من الوجود أم لم يكتشفوها , وسواء اتفقوا على

الحكمة من وجود الألم والصعوبات في الحياة أم لم يتفقوا, فإن هذا لا يغير شئ من النتيجة التي وصل لها المنطق العلمي الذي يؤكد وجود الخالق العظيم والعليم والحكيم, الذي يتفق المؤمنون على تسميته الله جل جلاله[الانترنت – موقع معرفة الله - دكتور عمر سليمان الأشقر]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السابعة والستون بعد المئة في موضوع      ( الله ) والتي ستكون بعنوان : *إذا أردت أن تعرفه ... اطرق الباب

 

  هناك طرق عدة يتعرف الإنسان من خلالها على كل ما يحيط به من أشياء وكائنات وظواهر طبيعية وغير طبيعية ، وحسب كل شيء تتحدد الطريقة التي يمكن أن تتعرف عليه بها .

  فأنت مثلا عندما تود أن تعرف شخصا ما، قد تتقرب منه ، وتتودد إليه ، وتوقره وتحترمه حتى أن أصحاب اللغات المختلفة يضعون ضميرا لغويا محددا للشخص غير المعروف لهم، أو المقدمون على التعرف عليه ، وتسمى " صيغة الاحترام أو التوقير " . وأحيان أخرى تقوم بتقديم نفسك إلى الآخر، أو يفعل ذلك صديق بالنيابة عنك عندما يقدمك إلى الغير بأنك فلان ، ونتعرف على الكثيرين أيضا من صفحات الجرائد وشاشات التليفزيون، ونتعرف على بعض آخر من قصص وحكايات ينسجها الآخرون عنهم قد تقترب من الحقيقة وقد تبتعد عنها في أحايين أخرى.

طرق عدة، لمعرفة أي شيء، وأي شخص ويظل أقربها أن تستمع إلى الآخر لتعريفه، ولعل هذه هي الطريقة التي أحب أن تنهجها عند الحديث عن كيفية معرفة الله !!

*فمن هو الله ؟

   هذا السؤال يجيب عنه الله نفسه عز وجل، فيقول : " اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لا يؤوده حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ " ( البقرة : 255 ) . وهو هنا يعرف عن نفسه فيقول أنه الذي لا إله إلا هو  ؛ أي يثبت التوحيد لنفسه ، والحي الذي لا يموت وكل المخلوقات تموت ، فقوله: " اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ " إخبار عنه بأنه هو وحده المتفرد بالإلوهية لجميع الخلائق . وقوله : " الْحَيُّ الْقَيُّومُ " أي: الحي في نفسه الذي لا يموت أبدًا القيم لغيره فجميع الموجودات مفتقرة إليه وهو غني عنها ولا قوام لها بدون أمره .

وقوله: " لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ " أي: لا يعتريه نقص ولا غفلة ولا ذهول عن خلقه بل هو قائم على كل نفس بما كسبت شهيد على كل شيء لا يغيب عنه شيء ولا يخفى عليه خافية ، ومن تمام القيومية أنه لا يعتريه سنة ولا نوم، فقوله: " لا تَأْخُذُهُ " أي: لا تغلبه سنة وهي الوسن والنعاس ولهذا قال: " وَلا نَوْمٌ " لأنه أقوى من السِنة. وقوله: " لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ " إخبار بأن الجميع عبيده وفي ملكه وتحت قهره وسلطانه .وقوله: " مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ " يدل على عظمته وجلاله وكبريائه عز وجل أنه لا يتجاسر أحد على أن يشفع عنده إلا بإذنه له في الشفاعة .وقوله: " يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ " دليل على إحاطة علمه بجميع الكائنات: ماضيها وحاضرها ومستقبلها وقوله: " وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ " أي: لا يطلع أحد من علم الله على شيء إلا بما أعلمه الله عز وجل وأطلعه عليه. وقوله: "وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ " أي سلطانه وعرشه يحيط بكل شيء ويسع كل شيء .

وقوله: {لا يؤوده حِفْظُهُمَا } أي: لا يثقله ولا يُكْرثُهُ حفظ السموات والأرض ومن فيهما ومن بينهما، بل ذلك سهل عليه يسير لديه وهو القائم على كل نفس بما كسبت، الرقيب على جميع الأشياء، فلا يعزب عنه شيء ولا يغيب عنه شيء والأشياء كلها حقيرة بين يديه متواضعة ذليلة صغيرة بالنسبة إليه، محتاجة فقيرة وهو الغني الحميد الفعال لما يريد، الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون. وهو القاهر لكل شيء الحسيب على كل شيء الرقيب العلي العظيم لا إله غيره ولا رب سواه . وقوله: " وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ " أي هو فوق كل شيء وأعظم من كل شيء .

هذه هي بطاقة التعريف الأولى التي أطرحها عليك عزيزي القارئ إذا أردت أن تعرف من هو الله ، لم أجتهد في أن أسوق إليك حجج وبراهين ، ولم أكتب شعرا أو مدحا ، ولم أقل من نفسي شيئا عنه ، ولكن عرف الله نفسه؛ فتعالى وتبارك العلي العظيم .

 إن هذه الآية الكريمة ، والتي تسمى بآية الكرسي لهي بحق أعظم آيات القرآن الكريم . تدبرها جيدا ، واستمع إلى الله وهو يتحدث عن نفسه ، وحاول أن تعرفه عن قرب .[ الانترنت – موقع معرفة الله - فريق عمل الموقع ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الثامنة والستون بعد المئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان : *رحلة البحث عن الله

 الرحلة إلى التعرف على الله أيضا يمكن أن نسلكها

 بأكثر من طريق، والطريق الذي نسلكه هذه المرة ؛ رحلة استكشافية قام بها شخص استشعر أن هذا الوجود لابد أن يكون وراءه خالق وإله يستحق أن يعبد ، هذا الرجل هو إبراهيم الخليل ، نبي الله وأبو الأنبياء .

خرج إبراهيم عليه السلام يتدبر في خلق الله – وهو بعد لم يعرفه – ولكن عرف إبداعه وقدرته ؛ فبدأ في رحلته للبحث عن الله ، وتلك قصته كما يحكيها القرآن : " وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ(77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ(78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ(79) وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ (80) " ( سورة الأنعام : 75 – 80 )

إذاً استشعر إبراهيم عليه السلام أن هناك قوة خلقت كل شيء ، وأبدعت السموات والأرض، واستشعر في نفسه أن هذه الآلهة التي عكف عليها قومه لا تغني ولا تسمن من جوع ، وأنها بعيدة كل البعد عن أن تخلق شيئا، بل أثبت لهم فيما بعد أنها حتى لا تستطيع أن تدافع عن نفسها .

وحمل إبراهيم عليه السلام على عاتقه مهمة البحث عن ربه، فبدأ أولا بالنظر إلى السماء فرأى نجما كبيرا فقال هذا ربي، ولكن مهما بقي النجم فلابد من زوال، إذ انقشع الظلام وذهب النجم مع ذهاب سواد الليل، فتعجب إبراهيم ، كيف يتخذ إلها يغيب بغياب الليل .... وواصل الخليل رحلته الاستكشافية حتى رأى القمر في السماء فظن أنه هو الإله الذي يبحث عنه ولكن لم يكن القمر أطول عمرا من النجم إذ ذهب هو أيضا مع بزوغ الفجر .

فلما رأى نبي الله إبراهيم الشمس ازدادت آماله بأن تكون هي الإله الذي يبحث عنه ؛ ولكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه حيث غربت الشمس في نهاية اليوم وغربت معها آمال إبراهيم في أن يجد ضالته التي يبحث عنها ، وأصابه اليأس والإحباط حتى مَنّ الله عليه بالإيمان وأرسل إليه وحيه ليبلغه بأن الله قد اختاره ليكون نذيرا لقومه .

هذا هو الله الذي بحث عنه إبراهيم ، لم يكن الشمس ، ولم يكن القمر ، ولم يكن الصنم الذي سجد له قوم إبراهيم إنما هو الله فاطر السموات والأرض .

هذه الرحلة لم تكن هي الوحيدة للبحث عن الله ، ولكن هناك رحلة أخرى قطعها شخص آخر بحثا عن الله ولكن بعد موت إبراهيم عليه السلام بآلاف السنين .....[ الانترنت – موقع معرفة الله - فريق عمل الموقع ] إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة التاسعة والستون بعد المئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

* العلم بأسماء الله الحسنى وصفاته تعرفنا بالله :

تظهر أهمية العلم بأسماء الله وصفاته وشرفه وعلو شأنه فيما يلي:

أولًا: أنها أشرف العلوم وأجلها :

العلم بأسماء الله الحسنى وصفاته هو العلم الذي يتعلق بالله، وأسمائه الحُسنى وصفاته العلا، وبقدر معرفة العبد بأسماء الله جل وعز وصفاته يكون حظ العبد من العبودية لربه والأنس به ومحبته وإجلاله، مما يكون سببًا في الفوز برضوان الله جل وعز وجنته، والتنعم بالنظر إلى وجه الله ذي الجلال والإكرام في الدار

الآخرة، وهذه الغاية لن تتحقق إلا بتوفيق الله جل وعز.

ثانيًا: أنها أصل العلوم وأساس الإيمان:

العلم بأسماء الله جل وعز وصفاته هو أصل العلوم، وأساس الإيمان، وأول الواجبات؛ فإذا علم الناس بربهم عبدوه حق عبادته، قال تعالى: (هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ عَٰلِمُ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِۖ هُوَ ٱلرَّحۡمَٰنُ ٱلرَّحِيمُ) [الحشر: 22].شرف العلم بشرف المعلوم وليس هناك أشرف من العلم بالله وأسمائه الحسنى وصفاته.

ثالثًا: أن العلم بها زيادة في الإيمان واليقين:

معرفة الله جل وعز بأسمائه وصفاته زيادة في الإيمان واليقين، وتحقيق للتوحيد، وتذوق لطعم العبودية ، وهذا هو روح الإيمان وأصله وغايته، وأقرب طريق إلى ذلك تدبر صفاته وأسمائه من القرآن، فإن الله جل ثناؤه، وتقدست أسماؤه إذا أراد أن يكرم عبده بمعرفته وجمع قلبه على محبته، شرح صدره لقبول صفاته العلا، وتلقيها من مشكاة الوحي،فإذا ورد عليه شيء منها قابله بالقبول، وتلقَّاه بالرضا والتسليم، وأذعن له بالانقياد؛ فاستنار به قلبه، واتسع له صدره، وامتلأ به سرورًا ومحبة، فاشتد بها فرحه، وعظم بها غناؤه، وقويت بها معرفته، واطمأنت إليها نفسه، وسكن إليها قلبه، فجال من المعرفة في ميادينها، وأسام عين بصيرته في رياضها وبساتينها؛ لتيقنه بأن شرف العلم تابع لشرف معلومه، ولا معلوم أعظم وأجل ممن هذه صفته جل وعز، وهو ذو الأسماء الحسنى والصفات العلا، وشرفه أيضًا بحسب الحاجة إليه، وليست حاجة الأرواح قط إلى شيء أعظم منها إلى معرفة بارئها وفاطرها، ومحبته وذكره، والابتهاج به، وطلب الوسيلة إليه، والزلفى عنده، ولا سبيل إلى هذا إلا بمعرفة أوصافه وأسمائه، فكلما كان العبد بها أعلم كان بالله أعرف، وله أطلب، وإليه أقرب، وكلما كان لها أنكر كان بالله أجهل، وإليه أكره، ومنه أبعد، والله يُنْزِلُ العبد من نفسه حيث يُنْزِلُه العبدُ من نفسه.

العلم بالله وأسمائه الحسنى وصِفاته صلاح للقلب وتمام للإيمان.

رابعًا: الاستدلال من صفاته وأسمائه على أفعاله وتشريعاته: العالم بالله جل وعز حقيقة يستدل بما علم من صفاته وأسمائه الحسنى على ما يفعله وعلى ما يشرعه من الأحكام؛ لأنه تعالى لا يفعل إلا ما هو مقتضى أسمائه وصفاته، وأفعاله تعالى دائرة بين العدل والفضل والحكمة، كذلك لا يشرع ما يشرعه من الأحكام إلا حسب ما اقتضاه حمده وحكمته وفضله وعدله، فأخباره كلها حق وصدق، وأوامره ونواهيه عدل وحكمة ورحمة، وهذا العلم أعظم وأشهر من أن ينبه عليه لوضوحه.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة السبعون بعد المئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

* العلم بأسماء الله الحسنى وصفاته تعرفنا بالله :

خامسًا: إدراك التــلازم بين صفــاته وما تقتضيــه من العبادات: التــلازم الوثيــق بين صفــات الله جل وعز وما تقتضيــه من العبادات الظاهرة والباطنة، إذ لكل صفة عبودية خاصة هي من موجباتها ومقتضياتها، وهذا مطرد في جميع أنواع العبودية التي على القلب والجوارح؛ فعلم العبد بتفرد الرب تعالى بالضر والنفع، والعطاء والمنع، والخلق، والرزق، والإحياء والإماتة يثمر له عبودية التوكل عليه تعالى باطنًا، ولوازم التوكل وثمراته ظاهرًا، وعلمه بسمعه تعالى وبصره، وعلمه أنه لا يخفى عليه مثقال ذرة وأنه يعلم السر، ويعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور، يثمر له حفظ لسانه وجوارحه وخطرات قلبه عن كل ما لا يرضي الله، وأن يجعل تعلق هذه الأعضاء بما يحبه الله ويرضاه، فيثمر له ذلك الحياء باطنًا، ويثمر له الحياء اجتناب المحرمات والقبائح، ومعرفته بغناه وجوده وكرمه وبره وإحسانه ورحمته، توجب له سعة الرجاء، وكذلك معرفته بجلال الله وعظمته وعزته تثمر له الخضوع والاستكانة والمحبة، وتثمر له تلك الأحوال الباطنة أنواعًا من العبودية الظاهرة هي موجباتها؛ فرجعت العبودية كلها إلى مقتضى الأسماء والصفات.

سادسًا: آثارها الطيبة في القلوب والأخلاق:

للتعبد بأسماء الله جل وعز الحسنى وصفاته آثار طيبة في سلامة القلوب، وسلامة الأخلاق والسلوك، كما أن في تعطيلها بابًا إلى أمراض القلوب.

سابعًا: فيها تسلية للعبد عند المصائب والشدائد:

العلم بأسماء الله الحسنى وصِفاته فيه تَسلية للعبد حينما يَقع في المَصائب والمكروهات والشدائد، فإذا علم العبد أن ربه عليم حكيم عدل لايظلم أحدًا رضي وصبر،

 وعلم أن المكروهات التي تصيبه والمحن التي تنزل به فيها ضروب من المصالح والمنافع التي لا يبلغها علمه؛ لكنها هي مقتضى علم الله جل وعز وحكمته؛ فيطمئن ويسكن إلى ربه، ويفوض أمره إليه.

ثامنًا: فهمها طريق إلى محبة الله وتعظيمه:

فهم معاني أسماء الله جل وعز وصفاته طريق إلى محبة الله وتعظيمه ورجائه والخوف منه والتوكل عليه والاعتماد عليه ومراقبته سبحانه، وغير ذلك من ثمرات معرفة الله وأسمائه وصفاته.

تاسعًا: تدبرها أكبر عون على تدبر القرآن:

إن في تدبر معاني أسماء الله جل وعز وصفاته أكبر عون على تدبر كتاب الله؛ حيث أمرنا الله تعالى بتدبر القرآن في قوله جل وعز: (كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ إِلَيۡكَ

مُبَٰرَكٞ لِّيَدَّبَّرُوٓاْ ءَايَٰتِهِۦ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ٢٩) [ص]

ونظرًا لأن القرآن الكريم يكثر فيه ذكر الأسماء والصفات حسب متعلقاتها فإن في تدبرها بابًا كبيرًا من أبواب تدبر القرآن، فإذا تدبَّرتَ القرآنَ؛ أشهدكَ ملكًا قيومًا فوق سماواته على عرشه، يُدبِّر أمر عباده، يأمر وينهي، ويُرسل الرسلَ ويُنزل الكتبَ، ويرضى ويغضب، ويُثيب ويُعاقب، ويُعطي ويمنع، ويُعِزُّ ويُذِلُّ، ويخفض ويرفع، ويرى ويسمع من فوق سبع سماوات، ويعلم السرَّ والعلانية، فعَّال لما يُريد، موصوفٌ بكلِّ كمال، مُنزَّهٌ عن كلِّ عيبٍ، لا تتحرك ذرةٌ فما فوقها إلا بإذنه، ولا تسقط ورقة إلا بعلمه وهو العليم الحكيم.

من وجد الله فماذا فقد؟! ومن فقد الله فماذا وجد؟!

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الواحدة والسبعون بعد المئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

* العلم بأسماء الله الحسنى وصفاته تعرفنا بالله :

عاشرًا: العلم بها يزرع في القلب الأدب مع الله والحياء منه: العلم بأسماء الله الحسنى وصفاته يزرع في القلب الأدب مع الله والحياء منه، فالأدب مع الله جل وعز هو القيام بدينه والتأدب بآدابه ظاهرًا وباطنًا، ولا يستقيم لأحد قط الأدب مع الله إلا بثلاثة أشياء: معرفته بأسمائه وصفاته، ومعرفته بدينه وشرعه وما يحب وما يكره، ونفس مستعدة قابلة لينة متهيئة لقبول الحق علمًا وعملًا وحالًا.

الحادي عشر: العلم بها فيه تبصير للعبد بنقائص نفسه

 وعيوبها: المعرفة بالله جل وعز وأسمائه وصفاته تبصر العبد بنقائص نفسه وعيوبها وآفاتها؛  فيجتهد في

إصلاحها، وأركان الجحود أربعة:

الكبر، الحسد، الغضب، الشهوة، ومنشأ هؤلاء الأربعة جهل العبد بربه وجهله بنفسه، فإنه لو عرف ربه بصفات الكمال ونعوت الجلال، وعرف نفسه بالنقائص والآفات لم يتكبر، ولم يغضب لها، ولم يحسد أحدًا على ما آتاه الله.

الثاني عشر: الجهل بها سبب للضلال والجهل:

جهل العبد بأسماء الله الحسنى وصفاته، وعدم فهمه لها، والتعبد لله بها سبب للضلال والجهل، فأي شيء عرف من لم يعرف الله ورسله، وأي حقيقة أدرك من فاتتــه هذه الحقيقة، وأي علم أو عمل حصل لمن فاته العلم بالله والعمل بمرضاته ومعرفة الطريق الموصلة إليه، وما له بعد الوصول إليه، فإن حياة الإنسان بحياة قلبه وروحه، ولا حياة لقلب إلا بمعرفة فاطره ومحبته وعبادته وحده، والإنابة إليه، والطمأنينة بذكره، والأنس بقربه، ومن فقد هذه الحياة فقد الخير كله ولو تعوض عنها بما تعوض في الدنيا.

معرفة الله سبحانه وتعالى صلاح للقلوب والأبدان.

الثالث عشر: أنها سبب لتجريد التوحيد وتمام الإيمان:

العلم بأسماء الله الحسنى وصفاته سبب لتجريد التوحيد وتمام الإيمان، وتظهر بها أعمال القلوب من إخلاص ومحبة وخوف ورجاء وتوكل على الله وحده، والاعتناء بهذا الباب والتأمل فيه قليل مع أنه باب عظيم لإصلاح القلوب وتخليصها من وساوسها وآفاتها، ومن تأمل الشريعة في مصادرها ومواردها علم ارتباط أعمال الجوارح بأعمال القلوب وأنها لا تنفع بدونها، وأن أعمال القلوب أفرض على العبد من أعمال الجوارح، وهل يتميز المؤمن عن المنافق إلا بما في قلب كل واحد منهما من الأعمال التي ميزت بينهما، وهل يمكن لأحد الدخول في الإسلام إلا بعمل قلبه قبل جوارحه، وعبودية القلب أعظم من عبودية الجوارح، وأكثر وأدوم، وهي طريق لعمل الجوارح؛ ولذا فهي واجبة في كل وقت. [الأنترنت – موقع مع الله - فريق العمل ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الثانية والسبعون بعد المئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*ثمار الإيمان الذي هو ثمرة المعرفة بالله

الحمد الله التي بنعمته تتم الصالحات، نحمده حمد الشاكرين الذاكرين حمد أهل الإيمان، أنعم علينا بنعم عظمية وجزيلة، لا نحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، نثني عليك الخير كله، نشكرك ولا نكفرك، ونؤمن بك ونخلع ونترك من يفجرك، فلك الحمد على أسمائك الحسنى وصفاتك العلى، ولك الحمد على نعمك الظاهرة، والباطنة، ولك الحمد في الأولى والآخرة، ونصلى ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين، النذير البشير، إمام الموحدين، والداعي إلى سبيل رب العالمين، محمد صلى الله عليه وسلم في الأولين، وصلى الله وسلم عليه في الآخرين.

فمن أعظم النعم التي أنعم بها الحق تبارك وتعالى علينا وأهمها نعمة الإيمان فهي القضية المصيرية التي ينبغي للإنسان أن يهتم بها، فهي السعادة الأبدية، إما في الجنة أو عياذاً بالله في النار، هذه النعمة التي نحمده عليها لها ثمار يانعة، وفوائد عظيمة وجليلة يشاهدها كل من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولاً، فثمار هذا الإيمان أكثر من أن تحصى، فهي متعددة ومتنوعة تنوع مواضيع الإيمان فهناك ثمار عامة في الدنيا، وهناك ثمار في حياة الفرد يجدها في نفسه، وهناك ثمار في المجتمع تشعر بها الجماعة المسلمة، وهناك ثمار في الحياة الأخرى، وهناك ثمار خاصة في كثير من قضايا الإيمان كثمار الإيمان بالله - سبحانه وتعالى-، وما يتفرع عنه من ثمار لتوحيد الرب تبارك وتعالى في ربوبيته وألوهيته، والثمار التي يجدها المسلم في توحيد الأسماء والصفات، والثمار اليانعة التي يجنيها المسلم بالإيمان بالرسل الكرام، وثمار الإيمان بالكتب، وثمار الإيمان بالملائكة، وثمار محبة الصحابة الكرام، وغيرها كثير من الثمرات التي يقطفها المسلم في الدنيا والآخرة.

فالإنسان الجدير بالحياة الذي ينعم بهذه الثمار هو الذي آمن بربه، وعرف غايته، وتبين مصيره، وأيقن بمبعثه، فعرف لكل ذي حق حقه، فلا يغمط حقا، ولا يؤذي مخلوقا، فعاش عيشة السعداء، ونال الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَو أُنثَى وَهُو مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 97].   هذه الحياة الطبية في الدنيا، أما في الآخرة فله المساكن الطيبة في جنات عدن قال سبحانه: ﴿وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [الصف: 12].

وتسهيلاً للبحث يمكن أن نقسم الثمار إلى قسمين: ثمار عامة يجنيها المؤمن في الدنيا والآخرة، وثمار خاصة يجنيها المؤمن في كثير من قضايا الإيمان كما ذكرنا سابقاً، سواء كانت ثمار تعود على الفرد أوالمجتمع.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الثالثة والسبعون بعد المئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

*ثمار الإيمان الذي هو ثمرة المعرفة بالله

وهي ثمارعامة وثمار خاصة

أولاً: الثمار العامة:

وتشمل ثمار الإيمان في الحياة الدنيا، وثمار الإيمان في الحياة الآخرة، وأول ما نبدأ به من الثمار:

ثمار الإيمان في الحياة الدنيا: فللإيمان ثمار يانعة ونتائج طيبة يجنيها المؤمن في الحياة الدنيا، من أهم هذه الثمار:

1- الهداية للحق: قال الله تعالى: ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ ءَامَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الحج: 47]. فالهداية من الله -عز وجل- أحق الناس بها هم أهل الإيمان فهم المستحقين للهداية والتوفيق من رب العالمين، وهذه الثمرة ثمرة الهداية من أعظم وأجل الثمار التي يجنيها المؤمن في هذه الحياة.

2- الحياة الطيبة: قال الله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَو أُنْثَى وَهُو مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ [النحل: 97].

يقول ابن كثير: "هذا وعد من الله تعالى لمن عمل صالحا؛ وهو العمل المتابع لكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم من ذكر أو أنثى من بني آدم، وقلبه مؤمن بالله ورسوله،، وأن هذا العمل المأمور به مشروع من عند الله بأن يحييه الله حياة طيبة في الدنيا، وأن يجزيه بأحسن ما عمله في الدار الآخرة والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت"     [ تفسير ابن كثير: 2/ 772، وانظر تفسير الطبري: 7/ 641، وتفسير القرطبي: 10/ 155.] ففي الآية شرط وجواب فشرط الحياة الطيبة لكل ذكر وأنثى الإيمان والعمل الصالح.

3- الولاية: قال تعالى:﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ ءَامَنُوا﴾ [البقرة: 256].

فهو النصير والمعين لأهل الإيمان يتولاهم بعونه، ولا يكلهم إلى غيره سبحانه يقول ابن جريرفي معنى الآية:

 "نصيرهم وظهيرهم ويتولاهم بعونه وتوفيقه"[ تفسير الطبري 3/ 23، وانظر في معنى الآية تفسير القرطبي: 3/ 270، وفتح القدير: 1/ 417، وتفسير البغوي: 1/ 315..]

ومنه قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى﴾ [محمد: 11].فلكي تستحق الولاية لا بد من الإيمان.

4- الرزق الطيب: قال تعالى: ﴿وَلَو أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ [الأعراف: 96].فمن الثمار التي يجينها أهل الإيمان البركات التي يجدونها في أرزاقهم، مع تيسير الخير لهم، وإن كان بعض أهل التفسير قصر البركات من السماءوالأرض

 على المطر والنبات؛لكن حملها على العموم هو الأقرب.

يقول الإمام الشوكاني: ﴿لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ أي يسرنا لهم خير السماء والأرض كما يحصل التيسير للأبواب المغلقة بفتح أبوابها، قيل المراد بخير السماء: المطر، وخير الأرض النبات والأولى حمل ما في الآية على ما هو أعم من ذلك..[ باختصار من فتح القدير: 2/ 332، وانظر تفسير البيضاوي: 1/ 43، وروح المعاني: 9/ 10.]

5- العزة: قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [المنافقون: 8].

6- النصر على الأعداء، قال تعالى: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الروم: 47].

فالنصر على الأعداء والظفر بهم من أهم ثمار الإيمان في الدنيا فما أعظم هذه الثمرة وما أحوجنا إليه اليوم ونحن نعيش في مرحلة من الهزيمة والذل لم تعهده أمة الإسلام نسأل الله السلامة والعافية، وهذا النصر والظفر وعد من الذي لا يخلف الميعاد قال الشوكاني: "هذا إخبار من الله سبحانه بأن نصره لعباده المؤمنين حق عليه، وهو صادق الوعد لا يخلف الميعاد، وفيه تشريف للمؤمنين ومزيد تكرمة لعباده الصالحين"[ فتح القدير: 4/ 327، وانظر في تفسير الآية تفسير الطبري: 10/ 195، تفسير البغوي: 1/ 275.]

ويقول سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ [غافر: 51]. فهذه بشارة لأهل الإيمان بالنصر على الأعداء.

وقال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد: 7].

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الرابعة والسبعون بعد المئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

*ثمار الإيمان الذي هو ثمرة المعرفة بالله

وهي ثمارعامة وثمار خاصة

7- الدفاع: قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ ءَامَنُوا﴾ [الحج: 38]. فالله - عز وجل-

هو المدافع عن أهل الإيمان،بل يعلن الحرب على من يعاديهم فعن أبي هريرة- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه...»[ صحيح البخاري: 5/ 2384، برقم: 6137.]

8- عدم تسليط الكافرين: قال تعالى: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ

 لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾ [النساء: 141].

9- التمكين والاستخلاف في الأرض: قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا﴾ [النور: 55].

فمن الثمار العظيم التي تحصل لأهل الإيمان التمكين لهم،

 والاستخلاف في الأرض ،وجعلهم أئمة الناس والولاة عليهم، وخضوع البلاد لهم لمن أعظم ثمار الإيمان؛ لأن به تصلح البلاد ويحصل الأمن للناس، وقد حصل هذا للرسول صلى الله عليه وسلم ولمن جاء بعده من الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم، قال تعالى: ﴿وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [الأنفال: 26].

فهم حققوا الإيمان فتحقق لهم الوعد، وهذا الوعد عام يعم جميع الأمة بشرط الإيمان والعمل الصالح، قال الشوكاني: "وهذا وعد من الله سبحانه لمن آمن بالله وعمل الأعمال الصالحات بالاستخلاف لهم في الأرض لما استخلف الذين من قبلهم من الأمم وهو وعد يعم جميع الأمة، وقيل هو خاص بالصحابة ولا وجه لذلك فإن الإيمان وعمل الصالحات لا يختص بهم بل ويمكن وقوع ذلك من كل واحد من هذه الأمة، ومن عمل بكتاب الله وسنة رسوله فقد أطاع الله ورسوله"[ فتح القدير: 4/ 69، وانظر في تفسير الآية تفسير ابن كثير: 3/ 401، وتفسير القرطبي: 12/ 272.]

فالمؤمن الجدير بالحياة هو الذي آمن بربه، وعرف غايته، وتبين مصيره، وأيقن بمبعثه، فعرف لكل ذي حق حقه، فلا يغمط حقا، ولا يؤذي مخلوقا، فعاش عيشة السعداء، ونال الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَو أُنْثَى وَهُو مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ [النحل: 97].

فهذه جملة من ثمار الإيمان في الحياة الدنيا، شرطها الإيمان وتحقيقه في النفوس والعمل الصالح،

 وهذه الثمار تتحقق للفرد والجماعة المسلمة، وعدم تحقق هذه الثمار اليوم في المجتمع المسلم يرجع إلى ضعف الإيمان أو فقد بعض صفات الإيمان؛ "فمن ضعف إيمانه أو فقد بعض صفات الإيمان لم تتحقق له هذه الثمار، كما هو مشاهد اليوم في حال المسلمين. ويوم يعود المسلمون إلى الله تعالى عودة صادقة، ويجددون إيمانهم ويثبتونه سيجنون هذه الثمار العظيمة إلى جانب ماينتظرهم من الفوز العظيم في الدار الآخرة[علم الإيمان: 1/ 23،للشيخ عبد المجيد الزنداني]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الخامسة والسبعون بعد المئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

*ثمار الإيمان الذي هو ثمرة المعرفة بالله

وهي ثمارعامة وثمار خاصة

ثانياً: ثمار الإيمان في الحياة الآخرة:

للإيمان في الحياة الآخرة  ثمرا ت ينالها المؤمن بما قدمه في الحياة الدنيا من عمل صالح هذه الثمرات جاءت في

ثنايا كثير من آيات القرآن الكريم والسنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم نذكر طرفاً منها على وجه الإيجاز:

1- الخاتمة الحسنة: فهي أول الثمار التي يلقها المؤمن وهو في طريقه إلى عالم الآخرة حيث تحسن خاتمته ويموت ميتة حسنة، وتحصل له جملة من الثمار من نزول الملائكة بالبشارة لهم بالأمن وعدم الخوف، والبشارة بالجنة، والنعيم المقيم...قال تعالى: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 32].

قال ابن جرير: "كذلك يجزي الله المتقين الذين تقبض أرواحهم ملائكة الله وهم طيبون بتطييب الله إياهم بنظافة الإيمان وطهر الإسلام في حال حياتهم وحال مماتهم"[ تفسير الطبري: 7/ 580.], فهم مؤمنون طاهرون من الشرك كذا قال البغوي[ تفسير البغوي: 1/ 17.] وقال سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ﴾ [فصلت: 30-31].

لما ذكر الحق تبارك وتعالى عقاب الكافرين وما أعده لهم ذكر في هذه الآية حال المؤمنين وما أنعم عليهم به فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ﴾ أي وحده لا شريك له ﴿ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ على التوحيد ولم يلتفتوا إلى إله غير الله حصل لهم كرامات من نزول الملائكة بالبشارة لهم عند الموت، وحصول الأمن لهم وعدم الخوف، والتبشير بالجنة، والولاية لهم في الدنيا والآخرة.[ بتصرف فتح القدير: 4/ 733، وأنظر في تفسير الآية: تفسير الطبري: 11/ 106، وتفسير البيضاوي: 1/ 114، وتفسير أبي السعود: 8/ 13.]

2- التثبيت عند السؤال في القبر:

قال تعالى: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ [إبراهيم: 27]. فهذه الآية وردت على القول المشهور في سؤال الملكين في القبر، وتلقين الله المؤمن كلمة الحق في القبر عند السؤال وتثبيته إياه على الحق.

فالثبات حاصل لأهل الإيمان في الحياة الدنيا على القول الحق وهي شهادة التوحيد،وهو حاصل لهم في الآخرة عند القبر فهو أول منازل الآخرة.

يقول الألوسي: "في قوله تعالى: ﴿وَفِي الْآخِرَةِ﴾ أي بعد الموت وذلك في القبر الذي هو أول منزل من منازل الآخرة وفي مواقف القيامة فلا يتلعثمون إذا سئلوا عن معتقدهم هناك ولا تدهشهم الأهوال"[ تفسير الألوسي: 9/ 362، وانظر في تفسيرالآية: تفسير الطبري: 16/ 589، وفتح القدير: 4/ 145، والتحرير والتنوير: 7/ 431، وتفسير الرازي: 9/ 247.]

فمن مظاهر التثبيت ما ورد في الصحيح عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المسلم إذا سئل في القبر يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فذلك قولُ اللهِ: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾»[ صحيح البخاري: 4/ 1735، برقم: 4422.] والمؤمن يثبت عند السؤال من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقال له وما دينك؟ يقول: ديني الإسلام: ويثبت عندما يقال له: ومن نبيك؟ يقول: نبي محمد صلى الله عليه وسلم، كما ورد ذلك عن البراء بن عازب -رضي الله عنه-[جزء من حديث طويل عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - أنظر سنن أبي داود: 2/ 652، برقم: 4753، وقال الألباني: صحيح، ورواه الحاكم في المستدرك: 1-93، برقم: 107.]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة السادسة والسبعون بعد المئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

*ثمار الإيمان الذي هو ثمرة المعرفة بالله

ثانياً: ثمار الإيمان في الحياة الآخرة:

3- التوسعة في القبر:

فالمؤمن يوسع له في قبره ويرى مكانه من الجنة وذلك بعد سؤال الملكين له وثباته في الجواب، فقد جاء في حديث البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «... فينادى مناد في السماء أن صدق عبدي فافرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة، وافتحوا له بابا إلى الجنة قال: فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره...»[ سنن أبي داود: 2/ 652، برقم: 4753، ومسند أحمد بن حنبل: 4/ 287، برقم: 18557، وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح رجاله رجال الصحيح.]

4- الأمن من الفزع الأكبر:

قال تعالى: ﴿لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ [الأنبياء: 103].

اختلف أهل التفسير في المراد بالفزع على عدة أقوال[ أنظر هذه الأقوال في: تفسير البحر المحيط: 8/ 193، وتفسير ابن كثير: 5/ 381، وفتح القدير 5/ 84، والنكت والعيون: 3/ 98. ] : فقيل: وقوع طبق جهنم عليها، وقيل: النفخة الأخيرة. وقيل: الأمر بأهل النار إلى النار، وقيل: ذبح الموت، وقيل: إذا نودي ﴿قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾ [المؤمنون: 108]، وقيل: ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء﴾ [الأنبياء: 104].

وقيل: أهوال يوم القيامة من البعث والحساب والعقاب، وقيل: المراد الموت، وأياُ كان الفزع الأكبر فأهل الإيمان آمنون منه، لا يحزنهم فقد نجوا منه، وتستقبلهم الملائكة يهنئونهم ويقولون لهم: هذا ما كنتم

 توعدون به في الدنيا وتبشرون.

يقول سيد وهو يتحدث عن النار: "وهي تسري وتحرق، وتحدث ذلك الصوت المفزع, وإنه لصوت يتفزع له الجلد ويقشعر، ولذلك نجى الذين سبقت لهم الحسنى من سماعه فضلاً على معاناته نجوا من الفزع الأكبر الذي يذهل المشركين، وعاشوا فيما تشتهي أنفسهم من أمن ونعيم، وتتولى الملائكة استقبالهم بالترحيب، ومصاحبتهم لتطمئن قلوبهم في جو الفزع المرهوب"[ في ظلال القرآن: 5/ 174.]فما أعظم هذه الثمرة لأهل الإيمان! ثمرة النجاة والأمن من الفزع الأكبر اللهم آمنا من الفزع الأكبر، وجعلنا من الآمنين يا رب العالمين.

5- الوقاية من شر يوم القيامة:

أهل الإيمان آمنون من الشر المستطير في ذلك اليوم

 العظيم من بأسه وشدته وعذابه وأهواله فهو أشد الأيام وأطولها في البلاء والشدة قال تعالى: ﴿فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا﴾ [الإنسان: 11].

يقول تعالى: "مخبرا عن هؤلاء القوم -المطعِمين- أنهم يقولون لمن أطعموه من أهل الفاقة والحاجة: ما نطعمكم طعاما نطلب منكم عوضا على إطعامنا لكم جزاء ولا شكورا، ولكنا نطعمكم رجاء منا أن يؤمننا ربنا من عقوبته في يوم شديد هوله، عظيم أمره، تعبِس فيه الوجوه من شدّة مكارهه، ويطول بلاء أهله، ويشتدّ"[تفسير الطبري: 24/ 99، وانظر تفسير ابن كثير: 4/ 584، وتفسير القرطبي: 19/ 122، وتفسير الرازي: 16/ 226.]

فهذا هو يوم الأمن والرخاء والنعيم اللين الرغيد جزاء هؤلاء القائمين بالعزائم والتكاليف، الخائفين من اليوم العبوس القمطرير، الخيرين المطعمين على حاجتهم إلى الطعام، يبتغون وجه الله وحده، لا يريدون شكوراً من أحد، إنما يتقون اليوم العبوس القمطرير.[ في ظلال القرآن: 7/ 412، بتصرف.]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة السابعة والسبعون بعد المئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

*ثمار الإيمان الذي هو ثمرة المعرفة بالله

ثانياً: ثمار الإيمان في الحياة الآخرة:

6- الحساب اليسير وإعطاء الكتاب باليمين:

قال تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا﴾ [الانشقاق: 7 -9].

فالناس يوم القيامة على صنفين أصحاب اليمين، وأصحاب الشمال فأهل الإيمان هم أصحاب اليمين فصاحب الإيمان يأخذ كتابه بيمنه، ويحاسب حساباً يسيراً؛ وهو العرض فقط دون مناقشة، كما في حديث عائشة رضي الله عنها وسيأتي قريباً.

بخلاف المشرك الذي يأخذ كتابه بشماله ويدعو بالثبور والهلاك، وأهل الإيمان هم أهل السرور الآجل عندما ينقلبون إلى أهلهم، وهذا من تمم النعمة عليهم.

يقول سيد: "والذي يؤتى كتابه بيمينه هو المرضي السعيد، الذي آمن وأحسن، فرضي الله عنه وكتب له النجاة، وهو يحاسب حساباً يسيراً، فلا يناقش ولا يدقق معه في الحساب، والذي يصور ذلك هو الآثار الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم وفيها غناء.

عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حوسب عذب», قالت عائشة: فقلت أوليس يقول الله تعالى: ﴿فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً﴾ [الانشقاق: 8]. قالت فقال: «إنما ذلك العرض ولكن من نوقش الحساب يهلك»[صحيح البخاري: 1/ 51، برقم: 103، ومسلم: 4/ 2204، برقم: 2876.]

وعنها كذلك قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بعض صلاته: «اللهم حاسبني حساباً يسيراً»، فلما انصرف قلت: يا رسول الله، ما الحساب اليسير؟ قال: «أن ينظر في كتابه فيتجاوز له عنه، من نوقش الحساب يا عائشة يومئذ هلك»[ صحيح ابن خزيمة: 2/ 30، برقم: 849، وقال: الأعظمي: إسناده حسن، وانظر صحيح ابن حبان: 16/ 372، برقم: 7372.] [ في ظلال القرآن: 7/ 496، وانظر أضواء البيان: 9/ 116، والوسيط لسيد طنطاوي: 1/ 4471.]

فالمؤمنون الصادقون، يحاسبون حساباً يسيراً سهلاً، بأن تعرض أعماله على خالقهم -سبحانه

وتعالى- ثم يكون التجاوز عن المعاصي، والثواب على الطاعة، بدون مناقشة أو مطالبة بعذر أو حجة.فيحصل لهم بهذا السرور.

7- النجاة من النار:

قال تعالى: ﴿ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا﴾ [مريم: 72].

فمن أعظم النعم التي ينعم بها أهل الإيمان في الآخرة النجاة من النار وهولها والفوز بالجنة

 فهذا من أعظم الفوز كما قال الحق تبارك وتعالى: ﴿فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ [آل عمران: 185].ثم تتوالى على أهل الإيمان النعم في هذا اليوم الرهيب والعظيم.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الثامنة والسبعون بعد المئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*ثمار الإيمان الذي هو ثمرة المعرفة بالله

ثانياً: ثمار الإيمان في الحياة الآخرة:

8- النور الذي يكشف الطريق الموصلة إلى الجنة:

قال تعالى: ﴿يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُو الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [الحديد: 12].يقول ابن كثير: يقول تعالى مخبرًا عن المؤمنين المتصدقين: أنهم يوم القيامة يسعَى نورهم بين أيديهم في عَرصات القيامة، بحسب أعمالهم، كما قال عبد الله بن مسعود في قوله: ﴿يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ قال: على قدر أعمالهم يمرون على الصراط، منهم مَن نوره مثل الجبل، ومنهم مَن نوره مثل النخلة، ومنهم مَن نوره مثل الرجل القائم، وأدناهم نورًا مَن نوره في إبهامه يتَّقد مرة ويطفأ مرة.[ تفسير ابن كثير: 8/ 15، وانظر التحرير والتنوير: 14/ 393، وانظر اثر ابن مسعود في: المستدرك: 2/ 520،] وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقال الذهبي: على شرط البخاري.]                                            وقال قتادة: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «من المؤمنين من يضيء نُوره من المدينة إلى عَدن أبين وصنعاء فدون ذلك، حتى إن من المؤمنين من يضيء نوره موضع قدميه»[ رواه ابن جرير في تفسيره: 11/ 675.] فهذا النور دليل لهم في طريقهم إلى الجنة كما قال مقاتل.[ النكت والعيون: 4/ 234.]

"فهؤلاء هم المؤمنون والمؤمنات نراهم، ولكننا نرى بين أيديهم وبأيمانهم إشعاعاً لطيفاً هادئاً، ذلك نورهم يشع منهم ويفيض بين أيديهم، فهذه الشخوص الإنسانية قد أشرقت وأضاءت وأشعت نوراً يمتد منها فيرى أمامها ويرى عن يمينها..."[ في ظلال القرآن: 7/ 131.]

9- استقبال الملائكة بحفاوة

قال تعالى: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ [الزمر: 73].

وقال تعالى: ﴿وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾ [الرعد: 23-24].

10- الخلود في الجنة:

قال تعالى عن المؤمنين: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ

 يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [المؤمنون: 10-11].

وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [الأعراف: 42].

11- ألوان مختلفة من النعيم في الجنة:

1- من الأزواج المطهرة: قال تعالى:﴿وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة: 25]

2- والرضوان والنعيم المقيم:

قال الله تعالى: ﴿يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ﴾ [التوبة: 21].

3- المساكن الطيبة: قال تعالى: ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [الصف: 12].

4-ينزع الله الغل من صدورهم: قال تعالى: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ﴾ [الأعراف: 43].

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة التاسعة والسبعون بعد المئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*ثمار الإيمان الذي هو ثمرة المعرفة بالله

ثانياً: ثمار الإيمان في الحياة الآخرة:

5- النظر إلى وجه الله:

قال تعالى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: 26].

وفي صحيح مسلم تفسير هذه الزيادة بالنظر إلى الله

 عز وجل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبر على وجهه في جنة عدن»[ صحيح البخاري: 4/ 1848، برقم: 4597، ورواه مسلم: 1/ 163، برقم: 180.]

6- يحلون أساور من ذهب ويلبسون ثياباً خضراً من سندس وإستبرق: قال تعالى: ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ

مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا﴾ [الكهف: 31].

7- الرزق المعلوم: قال تعالى: ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ * فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾ [الصافات: 41-43].

8- الظلال والعيون والفواكه الشهية:

قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ * وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [المرسلات: 41-43].[ بتصرف أنظر هذه الثمار في علم الإيمان: ص 31، وما بعدها.]

فهذه نماذج من النعيم المقيم الذي يلقاه أهل الإيمان في دار النعيم نسأل من الله العزيز القدير أن يجعلنا من أهل الجنة بمنه وفضله وكرمه إنه على ما يشاء قدير.

وليس المقصود هنا حصر نعيم أهل الجنة فليس المقام لذلك فهناك في الجنة لأهل الإيمان من أنواع النعيم ما لم تسمع به أذن، ولا رأته عين، ولا خطر على قلب، كما جاء في الحديث الشريف عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فاقرؤوا إن شئتم: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة: 17]»[ صحيح البخاري: 3/ 1185، برقم: 3072، ورواه مسلم: 4/ 2174، برقم: 2824.]، والمقصود ذكر طرف من هذا النعيم الذي ينعم به أهل الإيمان في الحياة الآخرة لتظهر لنا من خلاله الثمار العظيمة التي تحصل لأهل الإيمان في الآخرة.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الثمانون بعد المئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*ثمار الإيمان الذي هو ثمرة المعرفة بالله

ثانياً: الثمار الخاصة:

وهناك ثمار للإيمان تتعلق في بعض قضايا الإيمان كأركان الإيمان الستة، وتوحيد الأسماء والصفات وتوحيد الربوبية، وخاتم الرسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ومحبة الصحابة الكرام وغيرها من القضايا الإيمانية فالإيمان بها يورث المؤمن جملة من الثمار، فهي وإن كانت خاصة إلا أنها تدخل بالجملة في ثمار الإيمان بشكل عام، وهي كثيرة ولكننا سوف نتحدث إن شاء الله تعالى عن بعض هذا الثمار في بعض قضايا الإيمان ليتبين لنا عظمة قضية الإيمان التي هي أعظم القضايا فمن أجلها خلق الله -عز وجل- السموات والأرض، وخلق الجنة والنار، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب، وفرض الجهاد،وانقسم الناس

 فيه إلى مؤمنين وكفار...، ويتبين عظيم ما يحصل

للمسلم من الثمار العظيمة والفوز والفلاح في الدنيا والآخرة.

وأول ما نبدأ الحديث عنه ثمار الإيمان في بعض أركان الإيمان.

1- ثمار الإيمان بالله -سبحانه وتعالى-:

فالإيمان بالله -عز وجل- أكثر من أن تحصى ثماره وما ذكر في الثمار العامة في الدنيا والآخرة ما هي إلا طرف مما يلقاه العبد المؤمن وخلاصة القول بأن ثمار الإيمان بالله - عز وجل- هو حصول المؤمن على كثير من خيرات الدنيا والآخرة، وجلب الخيور، ودفع الشرور كلها، والفوز والفلاح.

والإيمان بالله -عز وجل- يتضمن الإيمان بوجوده

سبحانه، والإيمان بألوهيته، وتفرده بالربوبية، والإيمان بأسمائه وصفاته، والحديث سيكون على الثمار التي يجنيها المؤمن من هذا التوحيد:

فتوحيد الله، وإفراده بالعبادة أجَلُّ النِّعم وأفضلها على الإطلاق،وفضائله وثمراته لا تعد ولا تحصى، نذكر طرفاً

من هذه الفضائل :

1- أعظم النعم: فتوحيد الألوهية من أعظم النعم التي أنعم الله على بها على عباده، حيث هداهم إليه، كما جاء في سورة النحل التي تسمى سورة النعم،فالله عز وجل قدم نعمة التوحيـد على كل نعمـة، فقال سبحانه: ﴿يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ﴾ [النحل: 2].

عبادة المولى تبارك وتعالى: فهو الغاية التي من

2-أجلها خلق الجن والإنس: قال سبحانه: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56].

3- أنزال الكتب: فمن ثمرات هذا التوحيد إنزال الكتب التي تحمل الهداية والنور للبشرية، وخاتم هذه الكتب القرآن الكريم قال تعالى: ﴿آلر * كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ﴾ [هود: 1 - 2].

4- تفريج الكرب: فهو السبب الأعظم لتفريج كربات الدنيا والآخرة، ودفع عقوبتهما كما في قصة يونس عليه السلام.

5- منع الخلود في النار: فمن ثماره العظيمة أنه يمنع صاحبه من الخلود في النار، إذا كان في القلب منه أدنى مثقال حبة خردل كما قال صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل النار أحد في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان»[ رواه مسلم: 1/ 93، برقم: 91.]، قال الإمام النووي: فالمراد دخول الكفار وهو دخول الخلود[ شرح صحيح مسلم: 2/ 91.]

6- منع دخول النار بالكلية: ومن ثماره أنه إذا كمل في القلب يمنع دخول النار بالكلية كما في حديث عتبان في الصحيحين؛ قال عليه الصلاة والسلام: «فإن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله»[ رواه البخاري: 1/ 164، برقم 415، ورواه مسلم: 1/ 454، برقم 33.]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الواحدة والثمانون بعد المئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*ثمار الإيمان الذي هو ثمرة المعرفة بالله

ثانياً: الثمار الخاصة:

7- حصول الاهتداء الكامل والأمن التام لأهله في الدنيا والآخرة: قال سبحانه: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الأنعام: 82].

8- حصول الرضا: فهو من أهم الأسباب لنيل رضا الله وثوابه.

9- حصول الشفاعة: فصاحبه من أسعد الناس بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم فعن أبي هريرة أنه قال: قيل يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أوّل منك لما رأيت من حرصك على الحديث أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصا من قلبه أو نفسه»[ رواه البخاري: 1/ 49.]

10- ترتب قبول الأعمال عليه: جميع الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة متوقفة في قبولها، وفي كمالها، وفي

 ترتيب الثواب عليها على التوحيد، فكلما قوي التوحيد والإخلاص لله كملت هذه الأمور وتمت.[نظرة النعيم: 4/ 1341.]

11- يسهل على العبد فعل الخيرات: ويعينه على ترك المنكرات، ويسليه عن المصيبات؛ فالمخلص لله في إيمانه وتوحيده تخف عليه الطاعات؛ لما يرجوه من ثواب ربه ورضوانه، ويهون عليه ترك ما تهواه النفس من المعاصي؛ لما يخشى من سخطه وأليم عقابه.

[ بتصرف من نظرة النعيم: 4/ 1341.]

12- تحبيب الإيمان في القلب: فالتوحيد إذا كمل في

 القلب حبب الله لصاحبه الإيمان، وزيّنه في قلبه، وكره إليه الكفر، والفسوق والعصيان، وجعله من الراشدين قال سبحانه: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾ [الحجرات: 7].

ففي الآية خطاب للمؤمنين المخلصين الذين لا يكذبون النبي صلى الله عليه وسلم ولا يخبرون بالباطل أي جعل الإيمان أحب الأديان إليهم وحسنه في قلوبهم فلا يقع منهم إلا ما يوافقه ويقتضيه من الأمور الصالحة.[ بتصرف من تفسير القرطبي: 16/ 266، وفتح القدير: 5/ 86.]

13- تحرر العبد: من رق المخلوقين ومن التعلق بهم، وخوفهم، ورجائهم، والعمل لأجلهم.

وهذا هو العز الحقيقي، والشرف العالي، فيكون بذلك متألهاً متعبداً لله، فلا يرجو سواه، ولا يخشى غيره، ولا ينيب إلا إليه، ولا يتوكل إلا عليه، وبذلك يتم فلاحه ويتحقق نجاحه.[ انظر بتصرف نضرة النعيم 4/ 1341.]

14- التوفيق والتسديد: فالله تكفل لأهله بالفتح والنصر، والعز والشرف، وحصول الهداية، والتيسير، وإصلاح الأحوال، والتسديد في الأقوال والأفعال، ويمن عليهم بالحياة الطيبة، والطمأنينة إليه وبذكره.

وشواهد ذلك من الكتاب والسنة كثيرة، فمن حقق التوحيد حصلت له هذه الثمار كلها وأكثر منها، والعكس بالعكس.[ أنظر توحيد الألوهية محمد إبراهيم الحمد.]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الثانية والثمانون بعد المئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*ثمار الإيمان الذي هو ثمرة المعرفة بالله

ثانياً: الثمار الخاصة: ثمرات توحيد الأسماء والصفات:

العلم بأسماء الله وصفات، والإيمان بها وتدبرها، وفهمها يورث ثمرات عظيمة وفوائد جليلة ذكرها العلماء نذكر طرفاً منها على وجه الإيجاز:

1-طريق معرفة الله:فالعلم بأسماء الله وصفاته هو الطريق إلى معرفته، فالله خلق الخلق ليعرفوه، ويعبدوه، وهذا هو الغاية المطلوبة منهم؛ فالاشتغال بذلك اشتغال بما خُلق له العبد، وتركه وتضييعه إهمال لما خُلق له، وقبيح بعبد لم تزل نِعَمُ الله عليه متواترة أن يكون جاهلاً بربه، معرضاً عن معرفته، يقول ابن القيم: ولا يستقر للعبد قدم في المعرفة حتى يؤمن بصفات الرب جل وعلا، ويعرفها معرفة تخرجه عن حد الجهل بربه، فالإيمان بالصفات وتعرفها هو أساس الإسلام، وقاعدة الإيمان، وثمرة الإحسان.[ أسماء الله الحسنى: ص: 30بتصرف، ابن القيم ، دار الكلم الطيب.]

2- محبة الله: فمعرفة الله تدعو إلى محبته وخشيته وخوفه ورجائه وإخلاص العمل له: وهذا هو عين سعادة العبد، ولا سبيل إلى معرفة الله إلا بمعرفة أسمائه وصفاته والتفقه بمعانيها، وأحكامها، ومقتضياتها.

3- الإقتداء: ومن ثمرات الإيمان بصفات الرب تبارك وتعالى أن العبد يسعى إلى الاتصاف والتحلي بها على ما يليق به، فالمحب يحب أن يتصف بصفات محبوبة، فأحب الخلق إلى الله تعالى من اتصف بالصفات التي يحبها الحق تبارك وتعالى وابغضهم إليه من اتصف بالصفات التي يكرهها.[ أسماء الله الحسنى: ص 47.]

4-تزكية النفوس وإقامتها على منهج العبودية للواحد الأحد: وهذه الثمرة من أجل الثمرات التي تحصل بمعرفة أسماء الله وصفاته، فالشريعة المنزلة من عند الله تهدف إلى إصلاح الإنسان، وطريقُ الصلاح هو إقامة العباد على منهج العبودية لله وحده لا شريك له، والعلمُ بأسماء الله وصفاته، يعصم ـ بإذن الله ـ من الزلل، ويفتح للعباد أبواب الأمل، ويثبت الإيمان، ويملأ قلبه بأجل المعارف والألطاف.[ أسماء الله وصفاته ص 19، الأشقر.] فمثلاً أسماء العظمة تملأ القلب تعظيماً وإجلالاً لله، فتثمر الخضوع والاستكانة والمحبة.[أسماء الله الحسنى: ابن القيم ص 41.]

وأسماء الجمال والبر والإحسان والرحمة والجود تملأ القلب محبة له، وشوقاً إليه، ورغبة بما عنده، وحمداً وشكراً له. وأسماء العزة، والحكمة، والعلم، والقدرة ـ تملأ القلب خضوعاً وخشوعاً وانكساراً بين يديه -عز وجل- وهكذا

5- الإنزجار عن المعاصي: ذلك أن النفوس قد تهفو إلى مقارفة المعاصي، فتذكر أن الله يبصرها، فتستحضر هذا المقام وتذكر وقوفها بين يديه، فتجانب المعصية.

6- التوبة من المعصية: فتضيق عليه الأرض بما رَحُبت، ويأتيه الشيطان؛ ليجعله يسيء ظنه بربه، فيتذكر أن من أسماء الله "الرحيم، التواب، الغفور" فلا يتمادى في خطيئته، بل ينزع عنها، ويتوب إلى ربه، ويستغفره

فيجده غفوراً تواباً رحيماً.

7- اللجوء إلى الله: ومنها أن العبد تتناوشه المصائب، والمكاره، فيلجأ إلى الركن الركين، والحصن الحصين، فيذهب عنه الجزع والهلع، وتنفتح له أبواب الأمل.

8- الشجاعة: فعند مقارعة الأشرار، وأعداء دين الله من الكفار والفجار، فيجدُّون في عداوته، وأذيته، ومنع الرزق عنه، وقصم عمره، وإلحاق الأذى به فعندما يعلم العبد بتفرد الرب تبارك وتعالى بالضر والنفع والعطاء والمنع والخلق والرزق والإحياء والإماتة يثمر له عبودية التوكل عليه ظاهراً وباطناً.[ المصدر السابق: ص 41.]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الثالثة والثمانون بعد المئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*ثمار الإيمان الذي هو ثمرة المعرفة بالله

ثانياً: الثمار الخاصة: ثمرات توحيد الأسماء والصفات:

9- زيادة الإيمان: فالعلم بأسماء الله وصفاته من أعظم أسباب زيادة الإيمان، وذلك لما يورثه في قلوب العابدين من المحبة، والإنابة، والإخبات، والتقديس، والتعظيم للباري ـ جل وعلا ـ قال سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ﴾ [محمد: 17].[ توحيد الأسماء والصفات: محمد إبراهيم الحمد.]

10- من أحصاها دخل الجنة: فمن أحصى تسعة وتسعين اسماً من أسماء الله دخل الجنة، قال -صلى الله عليه وسلم-: «إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة».[ صحيح البخاري: 2/ 981، برقم 2585، وصحيح مسلم: 4/ 2062، برقم: 2677.]

وهناك ثمار كثيرة لهذا التوحيد، فما من صفة لله تعالى، أو اسم من الأسماء إلا ولها ثمار عظيمة، وآثار كبيرة، وهذا من فضل الله -عز وجل- على أهل التوحيد.

2- ثمار الإيمان بالرسل الكرام:

إيمان المؤمن بالرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام له آثار عظيمة وثمرات كثيرة يجنيها المؤمن نذكر منها:

1- معرفة رحمه الله: فالإيمان بالرسل الكرام يعرّف الإنسان رحمة الله -عز وجل- بخلقة وعنايته سبحانه بهم حيث أرسل الرسل إليهم ليهدوهم إلى الطريق الصحيح، ويبينوا لهم كيف يعبدون الله - عز وجل- عبادة يرضاها ويقبلها قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107].

وقال سبحانه: ﴿قَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءايَـٰتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ﴾ [آل عمران: 164].

وقال عز وجل: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُو الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [إبراهيم: 4].

2- شكر الله تعالى على هذا النعمة:

فإرسال الرسل نعمة أنعم الله بها على الناس قال تعالى: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 151]، ففي هذه الآية يُذكر الله -تبارك وتعالى- عباده المؤمنين ما أنعم به عليهم من بعثة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم إليهم، يتلو عليهم آيات الله مبينات وَيُزَكِّيهم... فالناس قبل أرسل الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم كانوا في جاهلية جهلاء فانتقلوا ببركة رسالته، ويُمن سفارته، إلى حال الأولياء، وسجايا العلماء فصاروا أعمق الناس علمًا، وأبرهم قلوبًا، وأقلهم تكلفًا، وأصدقهم لهجة..[بتصرف من تفسير ابن كثير: 1/ 464.]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الرابعة والثمانون بعد المئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*ثمار الإيمان الذي هو ثمرة المعرفة بالله

ثانياً: الثمار الخاصة: ثمرات توحيد الأسماء والصفات:

3- محبة الرسل الكرام: ومن الثمار محبة الرسل عليهم الصلاة والسلام وتعظيمهم والثناء عليهم بما يليق بهم؛ لأنهم قاموا بعبادة الله وتبليغ رسالته والنصح لعباده، قال صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده، وولده، والناس أجمعين»[ رواه البخاري: 1/ 14، برقم: 15.]

   يقول ابن حجر: وفي هذا الحديث إيماء إلى فضيلة

التفكر فإن الأحبية المذكورة تعرف به وذلك أن محبوب الإنسان أما نفسه وأما غيرها أما نفسه فهو أن يريد دوام بقائها سالمة من الآفات هذا هو حقيقة المطلوب، وأما غيرها فإذا حقق الأمر فيه فإنما هو بسبب تحصيل نفع ما على وجوهه المختلفة حالا ومآلا فإذا تأمل النفع الحاصل له من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان إما بالمباشرة وإما بالسبب علم أنه سبب بقاء نفسه البقاء الأبدي في النعيم السرمدي وعلم أن نفعه بذلك أعظم من جميع وجوه الانتفاعات فاستحق لذلك أن يكون حظه من محبته أوفر من غيره.[ فتح الباري: 1/ 59.]

وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار»[رواه البخاري: 1/ 14، برقم: 16.، ومسلم: 1/ 66، برقم: 43.]

قال في عمدة القاري: قال النووي هذا حديث عظيم أصل من أصول الإسلام قلت كيف لا وفيه محبة الله ورسوله التي هي أصل الإيمان بل عينه...[ عمدة القاري: 1/ 148.]

فمحبة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم هي من أعظم الثمار التي يحصل عليها المؤمن لعظيم النفع الذي حصل له من بعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم،فكل من أمن بالنبي صلى الله عليه وسلم إيمانا صحيحا لا يخلو عن وجدان شيء من تلك المحبة الراجحة، غير الناس تتفاوت في ذلك فمنهم من أخذ من تلك المرتبة بالحظ الأوفى ومنهم من أخذ منها بالحظ الأدنى.[قاله القرطبي: انظر فتح الباري : 1/ 60.]

4-أتباع الهدى: فمن الثمار التي يجنيها المؤمن من خلال

 إيمانه بالرسل الكرام أتباع الهدى الذي جاء به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فيتحقق للمؤمن الخير والهدى والفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [طه: 123 - 124].

يقول ابن كثير: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي﴾ أي خالف أمري وما أنزلته على رسولي أعرض عنه وتناساه وأخذ من غيره هداه[ تفسير ابن كثير: 3/ 227.]

، فا تباع هدى الله -عز وجل- الذي جاء به الرسل الكرام يجنب الإنسان الضلال والشقاء في الدنيا والآخرة.

3- ثمار الإيمان بالملائكة:

للإيمان بالملائكة الكرام ثمرات عظيمة على المؤمن نذكر طرفاً منها:

1- عظمة الخالق: فالإيمان بهم يعرف المؤمن بعظمة خالقهم عز وجل وكمال قدرته وسلطانه: وهذه من أعظم الثمار فعظمة المخلوق تدل على عظمة الخالق -سبحانه وتعالى- فخلق الملائكة الكرام أولي أجنحة يوحي بعظمة الخالق سبحانه قال تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [فاطر: 1].

وقد جاء في الأحاديث رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام وله ستمائة جناح بين كل جناحين كما بين المشرق والمغرب.[ منها ما رواه الإمام البخاري في صحيحه عن ابن مسعود رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل له ستمائة جناح" أنظر صحيح البخاري: 3/ 1181 برقم: 3060، ومسلم: 1/ 158، برقم: 174.]

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أذن لي أن أحدِّث عن ملك من ملائكةِ اللَّه من حملة العرشِ، ما بين شحْمة أذنهِ إِلى عاتِقِهِ مسيرة سبعمائةِ عام»[ سنن أبي داود: 2/ 645، برقم: 4727، وقال الألباني: صحيح، انظر الجامع الصغير وزيادته: 1/ 86، برقم: 856.]فالمؤمن بذلك تزداد معرفته بخالقه وعظمته سبحانه، فهو على كل شيء قدير.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الخامسة والثمانون بعد المئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*ثمار الإيمان الذي هو ثمرة المعرفة بالله

ثانياً: الثمار الخاصة:

2-محبة الملائكة: على ما هداهم الله إليه من تحقيق

 عبادة الله على الوجه الأكمل ونصرتهم للمؤمنين واستغفارهم لهم قال تعالى: ﴿وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ﴾ [الصافات: 165- 166].

يقول ابن جرير: يقول تعالى مخبرًا عن ملائكته: ﴿وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ﴾ لله لعبادته ﴿وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ﴾ له، يعني بذلك المصلون له، وبنحو الذي قلنا في ذلك جاء الأثر عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وقال به أهل التأويل.[ تفسير الطبري: 21/ 127.]

ومن ذلك: ما رواه مسروق بن الأجدع، عن عائشة أنها قالت: قال نبي الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: «مَا فِي السَّمَاءِ الدُّنْيا مَوْضِعُ قَدَمٍ إلا عَلَيْهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ أو قائم» ، فذلك قول الله: ﴿وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ﴾.[ الحديث ذكره الإمام محمد بن نصر بن الحجاج المروزي في كتابه تعظيم قدر الصلاة: 1/ 260، وانظر الجامع الصغير وزيادته: 1/ 10، والسلسلة الصحيحة: 3/ 49، برقم: 1059. ] فالملائكة قائمة لله -عز وجل- بالعبادة والطاعة، فهم يسبحون بحمد الله قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً

وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ﴾ [غافر: 7].

يقول ابن جرير: الذين يحملون عرش الله من ملائكته ، ومن حول عرشه، ممن يحفّ به من الملائكة ﴿يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ يقول: يصلون لربهم بحمده وشكره ﴿وَيُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ يقول: ويقرّون بالله أنه لا إله لهم سواه، ويشهدون بذلك، لا يستكبرون عن عبادته"[ تفسير الطبري: 21/ 354.]

وقال عز وجل:﴿إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ﴾ الأعراف: 206

فمن ثمرات ذلك أن يتشبه المسلم بالملائكة في مداومتهم على طاعة الله عز وجل-والعبادة له.

3- عنايته الله -عز وجل- بعباده: حيث وكل بهم من هؤلاء الملائكة من يقوم بحفظهم وعنايتهم وكتابة أعمالهم وغير ذلك مما تتحقق به مصالحهم في الدنيا والآخرة مما يوجب عليهم شكره على هذا النعمة.

قال تعالى: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ﴾ [الرعد: 11].

والمعقبات: المتناوبات التي يخلف كل واحد منها صاحبه، ويكون بدلاً منه، وهم الحفظة من الملائكة في قول عامة المفسرين.[ فتح القدير: 4/ 92.]

يقول ابن كثير: للعبد ملائكة يتعاقبون عليه، حَرَس بالليل وحَرَس بالنهار،يحفظونه من الأسواء والحادثات،

كما يتعاقب ملائكة آخرون لحفظ الأعمال من خير أو شر، ملائكة بالليل وملائكة بالنهار.[تفسير ابن كثير: 4/ 437.]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة السادسة والثمانون بعد المئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*ثمار الإيمان الذي هو ثمرة المعرفة بالله

ثانياً: الثمار الخاصة:

4-المراقبة الدائمة - لله عز وجل-: فالمؤمن يعلم بالكرام

الكاتبين عن اليمين وعن الشمال قعيد فيديم المراقبة له سبحانه. قال سبحانه: ﴿إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق: 18].

وقال سبحانه:﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ *كِرَاماً كَاتِبِينَ *يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾ الانفطار: 10-12

فقوله: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ﴾ وإن عليكم رُقَباء حافظين يحفظون أعمالكم، ويُحْصونها عليكم ﴿كِرَامًا كَاتِبِينَ﴾كراما على الله كاتبين يكتبون أعمالكم.[ تفسير الطبري: 24/ 271.] فالملائكة تكتب أقوال الإنسان وأفعاله من خير وشر فيشعر المؤمن بهذا الرقابة الدائمة عليه فيحسن العمل ويستحي أن يرى على غير ما هو مأمور به، فيستقيم على طاعة الله تعالى، فلا يعصيه

 لا في العلانية، ولا في السر.

5- الاستئناس بالملائكة في طاعة الله - عز وجل-: حيث أن الله -عز وجل- يثبت بهم أولياءه على طاعته قال تعالى: ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ [الأنفال: 12].

فالمؤمن عندما يوقن أن معه في هذا الكون الفسيح أُلوفا من الملائكة تقوم بطاعة الله على أحسن حال وأكمل شأن يشعر بالأنس والطمأنينة، ويعلم بأن هناك من ينافسه على العبادة لله -عز وجل- فيجتهد في الطاعة والعبادة،وتحصل له الاستقامة على أمر الله -عز وجل-.

6- البعد عن إيذاء الملائكة: فأن الملائكة تتأذى مما

 يتأذى منه بنو آدم وأكثر ما يؤذي الملائكة الصور

 والتماثيل والروائح الكريهة، وما يصدر من الإنسان من المعاصي والذنوب.[ الثمرات الزكية في العقائد السلفية ص: 174، أحمد فريد، الدار السلفية للنشر والتوزيع.]

فعن أبي هريرة قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن مسجدنا ولا يؤذينا بريح الثوم».[ صحيح مسلم: 1/ 394, برقم: 562.]

وقال مرة: «من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم»  [ صحيح مسلم: 1/ 394, برقم: 563.]

7- التنبه من الغفلة والتذكر الدائم للموت: فعندما يتذكر المؤمن ملك الموت الذي يقبض الأرواح يستعد للموت وينتبه من غفلته ويعلم أن الدنيا دار عمل، وأن ما فيها زائل لا يدوم، وأنها لحظات قد يأتيه رسل الله

 -عز وجل- في أي لحظة منها فيحسن العمل الصالح،

والاستعداد لليوم الآخر.

قال تعالى: ﴿وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ﴾ [الأنعام: 61].

يقول ابن جرير: "إن ربكم يحفظكم برسل يعقب بينها يرسلهم إليكم بحفظكم وبحفظ أعمالكم إلى أن يحضركم الموت وينزل بكم أمر الله فإذا جاء ذلك أحدكم توفاه أملاكنا الموكلون بقبض الأرواح ورسلنا المرسلون به ﴿وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ﴾ في ذلك فيضيعونه"[ تفسير الطبري: 5/ 214.]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة السابعة والثمانون بعد المئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*ثمار الإيمان الذي هو ثمرة المعرفة بالله

ثانياً: الثمار الخاصة:

8- تطهير العقيدة من الشرك: المسلم إذا آمن بوجود الملائكة الذين كلفهم الله بهذه الأعمال العظيمة تخلص من الاعتقاد بوجود مخلوقات وهمية تسهم في تسيير الكون، فيطهر المسلم عقيدته من شوائب الشرك وأدرنه، وكذلك عندما يعلم المسلم أن الملائكة لا ينفعون ولا يضرون إلا بإذن الله، وإنما هم عباد مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، فلا يعبدهم ولا يتوجه إليهم، ولا يتعلق بهم.

[ بتصرف من الإسلام أصوله ومبادئه: 1/ 182]

4- ثمار الإيمان بالكتب:

أنزل الله -عز وجل- عبر القرون على الأنبياء والرسل كتب فيها الخير الهدى والنور والضياء للبشرية والمسلم يؤمن بها فهي من أركان الإيمان الستة كما هو معلوم، والإيمان بها يحقق ثمار للمسلم نذكر منها:

1-الشعور بأن دين الله واحد: فإيمان المسلم بالكتب السماوية التي أرسلها الله -عز وجل- على الأنبياء والرسل السابقين يشعر بوحدة الدين فدين الله واحد قال تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ [الشورى: 13]. ويشعر بوحدة الرسل، ووحدة البشرية، وبالتالي

الشعور بوحدة المنزل سبحانه وتعالى.

2- عناية الله تعالى بخلقه: يعلم المسلم عناية الله -عز وجل- بخلقه فإنزال الكتب على كل قوم منه سبحانه وتعالى ليهديهم ويرشدهم بها تدل على عنايته سبحانه بهم.

3- العلم بحكمة الله تعالى: حيث أنزل على كل قوم ما يناسبهم من الشرائع، وتناسب أحوالهم. قال تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً﴾ [المائدة: 48].

قال ابن جرير: لكل قوم منكم جعلنا طريقا إلى الحق يؤمه، وسبيلاً واضحاً يعمل به[ تفسير الطبري: 4/ 606.]

فالله -عز وجل- شرع شرائع مختلفة لكل أمة من الأمم ما يناسبها فجعل التوراة لأهلها، والإنجيل لأهله، والقرآن لأهله، ولكن هذا قبل نسخ الشرائع السابقة بالقرآن، وأما بعده فلا شرعة ولا منهاج إلا ما جاء به

 محمد صلى الله عليه وسلم.[ بتصرف من فتح القدير: 2/ 70.]

وبهذا يشعر المسلم بأن الإسلام الجامع لكل الديانات السماوية، والمسلمون هم أولى الناس بقيادة البشر إلى الخالق سبحانه وتعالى.

4- شكر نعمة الله في إنزال تلك الكتب: فهذه الكتب نور يستضيئون بها،وهدى يسيرون عليه في الدنيا

والآخرة، فهي نعمة عظيمة من الله -عز وجل- منّ بها على الناس فيتعيّن شكر الله على هذه النعم العظيمة كما في شكره على سائر النعم.

5- ثمار الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره:

الإيمان بالقضاء والقدر من أهم أركان الإيمان فهو قطب رحى التوحيد ونظامه، وهو سر من أسرار الله تعالى التي اختص به، فلم يعلمه نبي مرسل ولا ملك مقرب.

قال الإمام أبو المظفر السمعاني -رضي الله عنه-: سبيل معرفة هذا الباب التوقيف من الكتاب والسنة دون محض القياس ومجرد العقول فمن عدل عن التوقيف فيه ضل وتاه في بحار الحيرة، ولم يبلغ شفا النفس، ولا يصل إلى ما يطمئن به القلب لأن القدر سر من أسرار الله تعالى ضربت دونه الأستار واختص الله تعالى به وحجبه عن عقول الخلق ومعارفهم لما علمه من الحكمة فلم يعلمه نبي مرسل ولا ملك مقرب.[ مرهم العلل المضلة: 1/ 94، عبد الله بن أسعد بن علي اليافعي، دار الجيل، بيروت، ط1، 1992.]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الثامنة والثمانون بعد المئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*ثمار الإيمان الذي هو ثمرة المعرفة بالله

ثانياً: الثمار الخاصة:

والمؤمن بالقضاء والقدر يجني من الإيمان به ثمار عديدة وفوائد جليلة في الدنيا والآخرة فمن جملة هذه الثمار والفوائد:

1- الاعتماد على الله تعالى: فالمسلم عند فعل الأسباب يعتمد على الله - عز وجل- لأنه مقدر الأسباب والمسببات.

فالمرء لا يدري ما يصيبه من خير أو شر، والمسلم عندما يعتمد على الله تعالى يبقى دائم الاتصال به مرتبطاً بخالقه، متوكلاً عليه، وهم مأمورون بالأخذ بالأسباب مع التوكل على الله تعالى، والإيمان بأن الأسباب لا تعطي النتائج إلا بإذن الله، لأن الله هو الذي خلق الأسباب، وهو الذي خلق النتائج.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كُلٍّ خير، إحرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجزن، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت لكان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان»[ صحيح مسلم: 4/ 2052، برقم: 2664.]

يقول الإمام النووي: "احرص على طاعة الله تعالى والرغبة فيما عنده واطلب الإعانة من الله تعالى على ذلك ولا تعجز ولا تكسل عن طلب الطاعة ولا عن

طلب الإعانة".[ شرح النووي على مسلم: 16/ 215.]

فالحديث يتضمن الإيمان بالقدر لأنه لا حول ولا قوة إلا بالله، وأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فلا طاعة لله -عز وجل- إلا بمعونة وتوفيقه سبحانه ومن ظن أنه يستطيع أن يعبد الله -عز وجل- بلا معونته كما يزعم القدرية والمجوسية فقد جحد قدرة الله التامة ومشيئته النافذة وخلقه لكل شيء.[ بتصرف من مجموع الفتاوى: 8/ 74.]

2-الراحة النفسية: فالمؤمن إذا أدرك أن كل شيء بقضاء وقدر عاش في راحة نفسية، وسكون في القلب، فلا يقلق بفوات محبوب أو حصول مكروه فكل شيء عنده بقضاء وقدر. قال تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ

 وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [التغابن: 11].

وقال سبحانه: ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ [الحديد: 22]. فكل ما يصاب به الناس من المصائب والأمراض والأوجاع مكتوب في كتاب من قبل أن يخلق الله - عز وجل- الأنفس يقول ابن جرير في معنى الآية: ما أصابكم أيها الناس من مصيبة في الأرض بجدوبها وقحوطها وذهاب زرعها وفسادها ﴿وَلا فِي أَنفُسِكُمْ﴾ بالأوصاب والأوجاع والأسقام ﴿إِلَّا فِي كِتَابٍ﴾ يعني إلا في أم الكتاب ﴿مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا﴾ أي من قبل أن نبرأ الأنفس يعني من قبل أن نخلقها.[ تفسير الطبري: 11/ 685.] فالمؤمن يعش في هذا الدنيا المليئة بالمشاق مطمئن القلب لأنه يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه كما قال صلى الله عليه وسلم: «لا يجد أحدكم طعم الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه» ثم قرأ: ﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ﴾ أي كي لا تحزنوا على ما فاتكم من الدنيا فإنه لم يقدر لكم ولو قدر لكم لم يفتكم ﴿وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ﴾ أي من الدنيا.[ الحديث بهذا اللفظ ذكره القرطبي في تفسيره: 17/ 222، وقال عنه الألباني: حسن، انظر ظلال الجنة: 1/ 93، محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي - بيروت،ط3، 1413هـ، والحديث عند الترمذي بلفظ: لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن لخيطئه وأن ما أخطأن لم يكن ليصيبه، انظر سنن الترمذي: 4/ 451، برقم: 214، وقال الألباني: صحيح، أنظر الجامع الصغير وزيادته: 1/ 1355]

فتسكن نفسه ويطمئن باله، فإن من علم أن كل شيء بقدر هان عليه الأمر.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة التاسعة والثمانون بعد المئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*ثمار الإيمان الذي هو ثمرة المعرفة بالله

ثانياً: الثمار الخاصة: ثمار وفوائد الإيمان بالقضاء والقدر

3-تهون على العبد المصائب: لعلمه بأن ذلك من عند

 الله سبحانه، وما كان من الله سبحانه فالرضى به والتسليم له شأن كل عاقل، فمن ثمرات الإيمان بالقدر أنه يورث العبد قدرة على مواجهة المصائب والمحن التي تنزل عليه فلا يستسلم لها، ولا تضعف نفسه بل يرضى ويسلم أمره للذي بيده سبحانه ويقول كما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها، فعن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها -إلا أخلف الله له خيرا منها»[ صحيح مسلم: 2/ 631 برقم: 918.]

بل أمر المؤمن كله خير في السراء أو الضراء، فتهون

 عليه كل المصائب عن صهيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له».[ صحيح مسلم: 4/ 2295، برقم: 2999.]

4- ترك الإعجاب بالنفس: فالإيمان بالقدر يَعْرِف الإنسان قَدْر نفسه، فلا يتكبر ولا يَبْطُر ولا يتعالى أبدا؛ لأنه عاجز عن معرفة المقدورِ، ومستقبل ما هو حادث، وحصول النعم له من الله تعالى ما هي إلا بما قدره الله له من أسباب الخير والنجاح، فالإنسان يقرّ بعجزه وحاجته إلى ربه تعالى دائماً.

5- الثبات عند المحن والشدائد: فالمسلم يواجه المحن ومشاق الحياة بقلب ويقين صادق فلا تهزه الأحداث والفتن لأنه يعلم أن هذا الحياة دار ابتلاء وامتحان، تتقلب فيها الأمور في كل لحظة, فالرعيل الأول من الصحابة الكرام واجهوا المحن والمصائب بالإيمان الصادق والعزم الثابت، وما ذاك إلا لإيمانهم بقضاء الله وقدره وإيمانهم بقوله تعالى: ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُو مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [التوبة: 51][ بتصرف من الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد: 276/ 2.]

إن الإيمان بالقدر يبعث في القلوب الشجاعة والثبات

 على مواجهة الشدائد، ويقوي فيها العزائم، ولا تخاف الموت. وصور الثبات كثيرة منها الثبات في ساحات الجهاد يحث يلوح الموت في الأفق فالإيمان بالقدر يبعث في النفوس الشجاعة والإقدام والثبات في ساحات القتال، لإيمان النفوس المؤمنة بأن الآجال محدودة، والأنفس معدودة، فلا تتقدم ولا تتأخر لنشاهد أروع الأمثلة على الثبات والصمود أمام الأعداء مهما كانت قوَّتهم، ومهما كان عددهم.

6- الإيمان بالقدر هو القوة الدافعة والطاقة المولدة للنشاط: فهو يدفع الإنسان إلى العمل والإنتاج والثراء لأن المؤمن إذا علم أن الناس لا يضرونه إلا بشيء

قد كتبه الله عليه، ولا ينفعونه إلا بشيء قد كتبه الله له فإنه يتوكل ولا يهاب أحد من المخلوقين، ولا يعتمد عليه وإنما يتوكل على الله، فالقدر من أكبر الدواعي التي تدعو الفرد إلى العمل والنشاط والسعي بما يرضي الله في هذه الحياة، والإيمان بالقدر من أقوى الحوافز للمؤمن لكي يعمل، ويُقدم على عظائم الأمور بثبات ويقين[بتصرف من الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد: 2/ 277، الفوزان]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة التسعون بعد المئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*ثمار الإيمان الذي هو ثمرة المعرفة بالله

ثانياً: الثمار الخاصة: ثمار وفوائد الإيمان بالقضاء والقدر

7- الصدع بالحق والجهر به:

ومن آثار الإيمان بالقدر أن الداعي إلى الله يصدع بدعوته، ويجهر بها أمام الكافرين والظالمين، لا يخاف في الله لومة لائم، يبين للناس حقيقة الإيمان ويوضح لهم مقتضياته، كما يبين لهم مظاهر الكفر والنفاق ويحذَرهم منها، ويكشف الباطل وزيفه، ويقول كلمة الحق أمام الظالمين، فإن المؤمن يفعل كل ذلك وهو راسخ الإيمان واثق بالله، متوكل عليه، يعلم أن كل شيء بقدر، صابر على كل ما يحصل له في سبيله؛ لأنه موقن أن الآجال بيد الله وحده، وأن الأرزاق عنده وحده، وأن العبيد لا يملكون من ذلك شيئا مهما وجد لهم من قوة يتقوون بها، وأعوان ينتصرون بهم.[بتصرف من التوحيد للناشئة والمبتدئين 1/ 102.]

8- القضاء على كثير من الأمراض:

والإيمان بالقدر يقضي على كثير من الأمراض التي تعصف بالمجتمعات، وتزرع الأحقاد بين المؤمنين، وذلك مثل رذيلة الحسد، الذي يدفع العبد إلى الضغينة والحقد، فإن العبد إذا علم أن الله هو المعطي وهو المانع، وأن الرزق مقسوم، والأجل محدود، سلَّم أمره إلى الله، وقنع بما رُزِق، وعلم أن ما كتب له سيأتيه، ولو لم يرد أهل الأرض، وأن ما لم يكتب لن يأتيه ولو

 أراد أهل الأرض[ المصدر السابق بتصرف: 1/ 100.]

فالمؤمن لا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله؛ لأن الله هو الذي رزقهم وقدّر لهم ذلك، وهو يعلم أنه حين يحسد غيره إنما يعترض على القدر، فمن ثمار الإيمان بالقدر معالجة هذه الأمراض الناشئة عن عدم الرضا بالقضاء والقدر.

9- التحرر من الخوف: فمن ثمار الإيمان بالقدر تحرر العبد من الخوف إلا من الله جلَّ وعلا، فإذا علم المسلم أن لكل أجل كتاب، ولكل أمر مستقر، وأن نواصي العباد بيده سبحانه، لم يرهبه ظلم ظالم، ولا تجبر جبار.

10- الحرص على العمل الصالح: ومن ثمار الإيمان بالقدر الحرص على الأعمال الصالحة، لعلم العبد أن الموت قد يدهمه في أي لحظة، فيكون حاله كمن يسابق الزمن في سبيل التزود من عمل الخير.

11- شهود منه الله ونعمه على العباد: ومن فوائده: أنه يوجب للعبد شهود منة الله عليه فيما يمن به عليه من فعل الخيرات وأنواع الطاعات، فلا يعجب بنفسه ولا يدلي بعمله؛ لعلمه أنه تعالى هو الذي تفضل عليه بالتوفيق والإعانة وصرف الموانع والعوائق، وأنه لو وكل إلى نفسه لضعف وعجز عن العمل,كما أنه سبب لشكر نعم الله بما ينعم عليه من نعم الدين والدنيا. فإنه يعلم أنه ما بالعبد من نعمة إلا من الله وأن الله هو الدافع لكل مكروه ونقمة.[ التنبيهات اللطيفة فيما احتوت عليه الواسطية من المباحث المنيفة 1/ 88، عبد الرحمن ناصر السعدي، ط1، دار طيبة.]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الواحدة والتسعون بعد المئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*ثمار الإيمان الذي هو ثمرة المعرفة بالله

ثانياً: الثمار الخاصة: ثمار الإيمان باليوم الأخر:

الإيمان باليوم الأخر هو الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد البعث فهو إيمان بالأمور الغيبية التي تكون في يوم القيامة، والله -عز وجل- قد علق حصول التقوى والفلاح للإنسان في الدنيا والآخرة بالإيمان بما ذكره الله - سبحانه وتعالى- من الأمور الغيبية قال سبحانه: ﴿الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ

يُوقِنُونَ * أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [البقرة: 1-5].

واليوم الأخر هو من جملة الأمور الغيبية التي أخبر بها

 سبحانه، والتي يجب على العبد الإيمان به، فالإيمان به يورث المسلم ثمار عظيمة يجدها في الحياة الدنيا فمن هذه الثمار:

1- الحرص على الأعمال الصالحة والزيادة منها:

فالإيمان باليوم الآخر واليقين به يزيد المؤمن حرصاً على الأعمال الصالحات والزيادة منها، والابتعاد عن الأعمال السيئة فيستعد لهذا اليوم بما يحبه الله - سبحانه وتعالى- قال سبحانه: ﴿فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ [النازعات: 37-41].

يقول ابن جرير: قوله تعالى: ﴿وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ يقول: وآثر متاع الدنيا على كرامة الآخرة وما أعد الله فيها لأوليائه فعمل للدنيا وسعى لها وترك العمل للآخرة، ويقول: وأما من خاف مسألة الله إياه عند وقوفه يوم القيامة بين يديه فاتقاه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه: ﴿وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى﴾ ونهى نفسه عن هواها فيما يكرهه الله ولا يرضاه منها فزجرها عن ذلك وخالف هواها إلى ما أمره به ربه فإن الجنة هي مأواه ومنزله يوم القيامة.[ تفسير الطبري: 12/ 440.]

وهذا الآية عامة في كل كافر آثر الحياة الدنيا على الآخرة كما قال الإمام القرطبي.[ تفسير القرطبي: 19/ 180.] فالمؤمن يحرص على طاعة الله رغبة في ثواب ذلك اليوم، ويبتعد عن المعاصي خوفا من عقاب ذلك اليوم.

2-تسلية المؤمن: ففي اليوم الآخر تسلية للمؤمن عما

 يفوته من نعيم الدنيا ومتاعها بما يرجوه من نعيم الآخرة وثوابها[ أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة: 1/ 330]، نخبة من العلماء.، ويعلم أن عمله لا يضيع بل سيجزى به بدار النعيم المقيم قال سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً * أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً﴾ [الكهف: 30-31].

3-المحاسبة للنفس: فمن ثمار الإيمان باليوم الآخر أن يحاسب المسلم نفسه؛ لأنه يعلم أين مصيره بعد موته، ويعلم أنه ملاق جزاء عمله، إن خيرا فخيراً وإن شرا فشراً، وأنه سيوقف للمحاسبة، وسيقتص له ممن ظلمه، وتؤخذ حقوق العباد منه لمن ظلمهم أو اعتدى عليهم.[ بتصرف الإسلام أصوله ومبادئه: 1/ 123، محمد بن عبد الله بن صالح السحيم.]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الثانية والتسعون بعد المئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*ثمار الإيمان الذي هو ثمرة المعرفة بالله

ثانياً: الثمار الخاصة: ثمار الإيمان باليوم الأخر:

4- إحياء المعاني والصفات الحميدة: فالإيمان باليوم الآخر يحي في نفوس المؤمنين معاني الصبر والاحتساب، والرضا، والعفو والبذل في سبيل الله عز وجل، فالمؤمن يعلم أن الدنيا دار ابتلاء وامتحان وليست دار للجزاء والنعيم، فيعفو عمن ظلمة، ويقبل الأعذار، ويبذل وينفق في سبيل الله تعالى، ويضرب أروع الأمثلة في التضحية والفداء ويسعى إلى الخير ويقاوم الشر، لا يغش ولا يخدع، ولا يسرق، ولا يزني...كل هذا لإيمانه باليوم الآخر.

5- الزهد في الدنيا: ومن ثمرات اليقين باليوم الآخر الزهد في الدنيا وعدم تعلق القلب بها فالمؤمن يعلم أنها دار متاع، وأنها مرحلة من مراحل الحياة، وليست هي كل الحياة، والآخرة خير وأبقى فيرغب في الباقية ويزهد عن الفانية.

6- تحقيق الأمن والسلامة من الظلم: أن الإيمان بالله وباليوم الآخر يحقق للبشرية الأمن والسلام - في زمن عز فيه الأمن، ولم تتوقف فيه الحروب- وما ذاك إلا لأن الإيمان بالله وباليوم الآخر يلزم الإنسان أن يكف شره عن غيره في سره وفي علنه، فهو يردع الإنسان عن ظلم الآخرين وانتهاك حقوقهم، فإذا آمن الناس باليوم الآخر سلموا من ظلم بعضهم لبعض وحفظت حقوقهم.[ بتصرف المصدر السابق.]

7- كمال العدل الإلهي: فالمؤمن باليوم الأخر يستشعر كمال عدل الله تعالى حيث يجازي كلا بعمله مع رحمته بعباده، قال تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾ [الأنبياء: 47].

8- راحة البال: فالإيمان باليوم الآخر هو إجابة لأهم الأسئلة من الذي خلقك؟ ولماذا خلقت؟ وإلى أين المصير بعد الموت؟ فالمؤمن يجد الجواب على هذه الأسئلة، فيعيش مطمئن البال، أما الكافر الذي لا يجد الجواب عليها يعيش في حيرة عظيمة وقلق دائم.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الثالثة والتسعون بعد المئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*ثمار الإيمان الذي هو ثمرة المعرفة بالله

ثانياً: الثمار الخاصة: ثمار محبة الصحابة رضي الله عنهم:

ومن ثمار الإيمان الخاصة التي تتعلق ببعض قضايا الإيمان الثمار التي يجنيها المؤمن من حبه للصحابة الكرام

1-ومعرفة قدرهم ومكانتهم واحترامهم. وهذه الثمار كثيرة نذكر طرفاً منها:

الفلاح والغلبة والنصر: فمن أهم ثمار المحبة للصحابة الكرام الفلاح والنصر في الدنيا

والآخرة قال سبحانه وتعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾ [المائدة: 56].

يقول ابن كثير: "فكل من رضي بولاية الله ورسوله والمؤمنين فهو مفلح في الدنيا والآخرة ومنصور في الدنيا والآخرة"[ تفسير ابن كثير: 2/ 97.] وقد وقع ولله الحمد ما وعد الله به أولياءه وأولياء رسله وأولياء عباده المؤمنين من الغلبة على أعدائهم فإنهم غلبوا اليهود بالسبي والقتل والإجلاء وضرب الجزية حتى صاروا لعنهم الله أذل الناس..[ فتح القدير: 2/ 76.]

2- الحشر معهم: ومن ثمار محبتهم في الآخرة ما يُرجى لمُحبّهم من الحشر معهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم فقال: يا رسول الله كيف تقول في رجل أحب قومًا ولم يلحق بهم، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم: «المرء مع من أحب»[صحيح مسلم: 4/ 2034، برقم: 2640.]

فحب الصحابة الكرام وإخلاص المحبة لهم يجعل المحب

 لهم يكون من زمرتهم وإن لم يعمل عملهم لثبوت التقارب بين قلوبهم وربما تؤدي تلك المحبة إلى موافقتهم، ففي هذا الحديث الحث على محبة الصالحين والأخيار فهي من أسباب الخلاص من النار[ بتصرف: عون المعبود: 14/ 25.]

3- الابتعاد عن صفات أهل النفاق: فمن ثمار محبة الصحابة الكرام أن المحب لهم يخلع عن نفسه صفة من صفات أهل النفاق؛ فمن صفات أهل النفاق بغض الصحابة الكرام فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار»[صحيح البخاري: 1/ 14، برقم: 17، وصحيح مسلم: 1/ 85، برقم: 74.]

وما ذاك إلا لسابقتهم ومجاهدتهم أعداء الله بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفضائل الصحابة الكرام كثيرة نعرفها من خلال تدبر أحوالهم وسيرهم وآثارهم في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد موته من المسابقة إلى الإيمان والمجاهدة للكفار ونشر الدين وإظهار شعائر الإسلام وإعلاء كلمة الله ورسوله وتعليم فرائضه وسننه ولولاهم ما وصل إلينا من الدين أصل ولا فرع ولا علمنا من الفرائض والسنن سنة ولا فرضا ولا علمنا من الأحاديث والأخبار شيئاً وكل هذا يوجب على المؤمن محبتهم والرضا عنهم.[ بتصرف من كتاب الكبائر: 1/ 236.]

4- ومن الثمار التقرب إلى الله -عز وجل- بمحبتهم: فالصحابة الكرام كانوا يتقربون إلى الله -عز وجل- بمحبة أبي بكر وعمر ويعدون ذلك من أفضل أعمالهم فقد روى البخاري عن أنس -رضي الله عنه-: "أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة فقال متى الساعة؟ قال: «وماذا أعددت لها؟» قال: لا شيء إلا أني أحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فقال: «أنت مع من أحببت». قال أنس: فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم أنت مع من أحببت. قال أنس: فأنا أحب النبي صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر، وعمر، وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم وإن لم أعمل بمثل أعمالهم"  [ صحيح البخاري: 3/ 1349، برقم: 3485، وصحيح مسلم: 4/ 2032، برقم: 2639.]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الرابعة والتسعون بعد المئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*ثمار الإيمان الذي هو ثمرة المعرفة بالله

ثانياً: الثمار الخاصة: الثمار التي يجدها الفرد في حياته:

فالإيمان يورث الكرامة والعزة في نفس المؤمن ليعش حياة مليئة بالعزة، يثمر له السعادة، والسكينة والرضا والأمن والحب والأمل والثبات عند الشدائد وغيرها كثير.   [ أنظر في هذا الموضوع كتاب الإيمان والحياة للدكتور يوسف القرضاوي.]

وثمار الإيمان يجدها الفرد المسلم سواءً في الجانب العقائدي وهو ما تحدثنا عنه سابقاً، أوفي الجانب الاجتماعي، من حيث الأمن، والراحة، ومن حيث الوقاية من الرذائل والفواحش، أوفي الجانب الأخلاقي من حيث التحلي بالأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة التي ينبغي أن يكون عليه الفرد المسلم،والأمر ينسحب على الجماعة المسلمة لتجني الثمار في هذه الجوانب، وتظهر فيه المعاني الحميدة والأخلاق الفاضلة من الإخلاص في العمل والتضحية والفداء والبذل والعطاء والتكافل والتعاون بين جميع الأفراد، وتنتشر بين أفرده روح المحبة والإخاء،والرحمة، وتظهر فيه معاني القوة والعزة والكرامة، مجتمع منتج يسعى للتغيير والإصلاح، ينشر العدل والآمان فيتحقق له الفوز في الدنيا والآخرة، ويستحق وصف خير أمة أرسلت للناس.

ومن خلال هذه البحث يتبين لنا أهمية هذه القضية قضية الإيمان وما تثمر من الثمار اليانعة والطيبة في الحياة الدنيا والآخرة، وهي أكثر من أن تحصى أو تستقصى والمراد ذكر جملة من هذه الثمار التي يتحصل عليها المؤمن في الحياة الدنيا فيعيش حياة طيبة، فيها الراحة والآمان، والاطمئنان، وفي الآخرة ينعم بالعيش السعيد الأبدي في جنات النعيم.

ثمار يجدها الفرد المسلم في حياته يجدها في كل ركن من أركان إيمانه، كما تجدها الآمة المسلمة فتحيا حياة مليئة بالكرامة والعزة والسؤدد والسيادة على جميع الأمم، فتستحق أن تكون خير الأمم.

وهكذا تثمر الشجرة المباركة شجرة الإيمان تثمر الثمار اليانعة فهي طيبة وثمارها طيبة، قال سبحانه: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [إبراهيم: 25] [الأنترنت – موقع جامعة الإيمان- جمع وإعداد: خالد حسن محمد البعداني - مراجعة: علي عمر بلعجم. ]

ونخلص الى مايلي :

  للإيمان بالله تعالى ثمرات كثيرة، سواءً أكانت في الدنيا أو في الآخرة، وسنذكر بعضاً منها ملخصاً :

1-محبة العبد لله عز وجل. 2-محبة الله تعالى للعبد. 3-تعظيم الله سبحانه وتعالى وتقديسه. 4-استشعار مراقبة الله تعالى في كل مكان وزمان، وفي كلّ حال. 5-الامتثال لأوامر الله تعالى، واجتناب ما نهى عنه. 6-التوفيق والسداد. 7-تزكية النفس.8- الراحة النفسية.9- الاطمئنان والسكون. 10-تفريج الكروب.  11-الشعور بالعزّة والإباء. 12-جلب الخير ودفع الشر. 13-الأمن والسعادة في الدنيا والآخرة. 14-الفوز بشفاعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. 15- تيسير فعل الأعمال الصالحة والطاعات والعبادات. 16-تحرّر العبد من العبودية لغير الله تعالى.17- الخضوع والاستكانة لله تعالى.18- اللجوء لله تعالى وحده. 19-التوكل على الله في كل الأمور وكل الأحوال. 20-التوبة والرجوع عن المعاصي. 21-الشجاعة والقوة وعدم الخوف من الأعداء. 22-الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة. [الأنترنت – موقع موضوع ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الخامسة والتسعون  بعد  المئة  في  موضوع        ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*ثمار الإيمان الذي هو ثمرة المعرفة بالله

ثانياً: الثمار الخاصة:

 والتعبد بأسماء الله (تعالى) وصفاته له آثاره الطيبة في حسن الخلق وسلامة السلوك، كما أن تعطيل أسماء الله (تعالى) وصفاته لا ينفك عن مساوئ الأخلاق ورديء السلوك.

ومثال ذلك: أن القدرية النفاة لما كانوا ينفون علم الله (تعالى)المحيط بكل شيء، ويزعمون أن العبد يخلق فعله نفسه، فالخير هو الذي أوجده العبد وفَعَله ـ على حدّ زعمهم ـ، ودخوله الجنة عوض عمله، فأورثهم ذلك غروراً وعُجباً، وكما قال أبو سليمان الداراني:

(كيف يعجب عاقل بعمله؟ وإنما يعدّ العمل نعمة من

 الله، إنما ينبغي له أن يشكر ويتواضع، وإنما يعجب

 بعمله القدرية)[ حلية الأولياء، لأبي نعيم، جـ 9، ص 263.]

ـ والتعبد بأسماء الله (تعالى) وصفاته سبب رئيس في السلامة من الآفات: كالحسد، والكبر، كما قال ابن القيم: (لو عرف ربّه بصفات الكمال ونعوت الجلال، لم يتكبر ولم يحسد أحداً على ما آتاه الله؛ فإن الحسد في الحقيقة نوع من معاداة الله؛فإنه يكره نعمة الله على عبده وقد أحبها الله،ويحب زوالهاعنه والله يكره ذلك،فهومضاد لله في قضائه وقدره ومحبته وكراهته...)[ الفوائد، ص 150.]

ـ والتعبد بأسماء الله (تعالى) وصفاته يثمر الموقف الصحيح تجاه المكروهات والمصائب النازلة؛ فإن الإنسان ظلوم جهول، والله (تعالى) بكل شيء عليم، وهو (سبحانه) حَكَمٌ عدل، ولا يظلم (تعالى) أحداً، قال (سبحانه) : (كُتِبَ عَلَيكُمُ القِتَالُ وَهُوَ كُرهٌ لَّكُم وَعَسَى أَن تَكرَهُوا شَيئاً وَهُوَ خَيرٌ لَّكُم وَعَسَى أَن تُحِبٌّوا شَيئاً وَهُوَ شَرُّ لَّكُم وَاللَّهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لا تَعلَمُونَ) [البقرة: 216]

يقول ابن القيم: (من صحت له معرفة ربه والفقه في أسمائه وصفاته علم يقيناً أن المكروهات التي تصيبه والمحن التي تنزل به فيها ضروب من المصالح والمنافع التي لا يحصيها علمه ولا فكرته، بل مصلحة العبد فيما كره أعظم منها فيما يحب...) [ السابق، ص 85.]

ويقول أيضاً: (.. فكل ما تراه في الوجود ـ من شر وألم وعقوبة ونقص في نفسك وفي غيرك ـ فهو من قيام الرب (تعالى) بالقسط، وهو عدل الله وقسطه، وإن أجـراه على يد ظالم، فالمسلـط له أعدل العادلين، كما قال (تعالى) لمن أفسد في الأرض: (بَعَثنَا عَلَيكُم عِبَاداً لَّنَا أُولِي بَاًسٍ, شَدِيدٍ, فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ

 وَعداً مَّفعُولاً) [الإسراء: 5][ مدارج السالكين، جـ 1، ص 425.]

أ- وفي ختام هذه المقالة نسوق أمثلة من أسماء الله (تعالى)، وبيان معانيها وما تقتضيه من العبادات، يقول قوام السنة الأصفهاني ـ أثناء حديثه عن اسم الله (تعالى) (الرزاق) ـ:

( الرزاق: المتكفل بالرزق، والقائم على كل نفس بما يقيمها من قوتها، وَسِعَ الخلقَ كلهم رزقُه،فلم يخص بذلك مؤمناً دون كافر، ولا وليّاً دون عدو، ويرزق مَن عَبَدَهُ ومَن عبد غيره، والأغلب من المخلوق أن يرزق فإذا غضب منع، حكي أن بعض الخلفاء أراد أن يكتب جِراية لبعض العلماء، فقال: لا أريده، أنا في جراية من إذا غضب عليّ لم يقطع جرايته عني، قال الله (تعالى): (وَكَأَيِّن مِّن دَابَّةٍ, لاَّ تَحمِلُ رِزقَهَا اللَّهُ يَرزُقُهَا وَإيَّاكُم) [العنكبوت: 60]، والمخلوق إذا رزق، فإنه يفنى ما عنده فيُقطعُ عطـاؤه عمــن أفضـل عليــه، فإن لم يفن ما عنـده فني هـو وانقطع العطاء، وخزائن اللـه لا تنفــد وملكــه لا يزول..) [ الحجة في بيان المحجة، جـ 1، ص 138، وانظر: الأسنى للقرطبي، جـ 1، ص 284.]

ـ ولما ذكر القرطبي من أسماء الله (تعالى) (الحفيظ) محتجّاً بقوله (تعالى): ((وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَولِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيهِم)) [الشورى: 6]، قال: (يجب على كل مكلف أن يعلم أن الله هو الحافظ لجميع الممكنات، وأعظم الحفـــظ: حفــظ القلوب وحراسة الدين عن الكفر والنفاق وأنواع الفتن وفنون الأهواء والبدع حتى لا يزلّ عن الطريقة المثلى، قال (تعالى): (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَذِينَ آمَنُوا بِالقَولِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدٌّنـيَـــا وَفِي الآخِرَةِ) [ابراهيم: 27].

ويجب علينا حفظ حدوده، وحفظ ما وجب علينا من حـقـوقــه، فـيـدخل في ذلك: معرفة الإيمان والإسـلام وسائر ما يتعيّن عليــنا علمه..)[ الأسنى، شرح أسماء الله الحسنى، جـ 1، ص 311.]

ومـن إشـــــراقات ابن القيّم ـ التي سطرها أثناء حديثه عن اسمي الله تعالى: (الأول) و(الآخر) ـ مايلي: ( من عبد الله (تعالى) باسمه (الأول) و (الآخـر) حصــلـت له حقيقـة هـذا الفقر توجه القلب إلى الله وحده في جميع الأحوال.. فإن عبـوديـتـه باسمه (الأول) تقتضي التجرد من مطالعة الأسباب والوقوف أو الالتفات إليها، وتجريد النظر إلى مجرد سبق فضله ورحمته، وأنه هو المبتدئ بالإحسان من غير وسيلة من العبد.

وعبوديته باسمه (الآخر) تقتضي أيضاً عدم ركونه للأسـبـاب، فـإنـهـــا تـنـعـدم لا محالة وتنقضي بالآخرية، ويبقى الدائم الباقي بعدها، فالتعلق بها تعلق بما يعدم ويـنـقـضــــي، والتعلق بـ(الآخر) (سبحانه) تعلق بالحي الذي لا يموت ولا يزول، فالمتعلّق به حقيق أن لا ينقطع، بخلاف التعلق بغيره مما له آخر يفنى به)[طريق الهجرتين، ص 19، باختصار .] ،[ الأنترنت – موقع مداد – عبدالعزيز بن محمد آل عبداللطيف  ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة السادسة والتسعون  بعد  المئة  في  موضوع        ( الله ) والتي ستكون بعنوان : *ففروا إلى الله

مقدمة:حين يتكالب الأعداء على الاسلام والمسلمين وتقوى شوكتهم ويشتد أمرهم، وحين توجه الضربات تلو الضربات للإسلام وأهله، والمسلمون في حالة من الخذلان والضعف، فإنه لا ملجأ من الله إلا إليه، فهو يجير ولا يجار عليه.

1- حقيقة الفرار الى الله

الفرار إلى الله يكون باتباع أوامره واجتناب نواهيه: إن الفرار إلى الله يكون باتباع أوامره واجتناب نواهيه، والوقوف عند الحلال والحرام، والاهتداء بتعاليم المصطفى المختار، قال تعالى: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]. الفرار إلى الله هو العمل بطاعته، والبعد عن معصيته.. الفرار إلى الله شوقٌ إلى الجنة، وطلبٌ حثيثٌ لها، وخوفٌ من النار، وفزعٌ كبيرٌ منها.. الفرار إلى الله فرارٌ من الجهل إلى العلم، من الشرك إلى التوحيد، من الغفلة إلى اليقظة، من ظلمة المعصية إلى نور الطاعة، فرارٌ من الضيق إلى السعة، من الكدر إلى الصفاء، فرارٌ من الكسل إلى الجد، ومن التخليط إلى الإخلاص، فرارٌ من الخلق إلى الخالق، من الأرض إلى السماء، فرارٌ من ضيق الصدر وانقباضه إلى طمأنينة القلب وانشراحه، من القلق إلى قرة العين.. الفرار إلى الله فرارٌ من ذلّ الشهوة ومرارتها إلى عز الطاعة وحلاوتها..

معاشر المسلمين إن الفرار إلى الله يقتضي منا أن نقبل على كتاب الله عز وجل بالتلاوة والتدبر والنظر في معانيه والعمل بأحكامه، نفر إلى الله بالدعاء وقيام الليل وصيام التطوع وإخراج الصدقات، وفي ذلك يقول الإمام ابن قيم الجوزية: "وله في كل وقت هجرتان: هجرة إلى الله بالطلب والمحبة والعبودية والتوكل والتسليم والتفويض والخوف والرجاء والإقبال عليه وصدق اللجوء والافتقار إليه، وهجرة إلى رسوله في حركاته وسكناته الظاهرة والباطنة بحيث تكــون موافقة لشـرعه"[طريق الهجرتين 1/7]

قد يتساءل متسائل كيف يكون الفرار الى الله وإنما الفرار يكون من الشيء لا إليه؟

   الحقيقة كيف يكون الفرار إلى الله وليس من الله؟ والفرق كبيرٌ بينهما،كل الناس في حالة فرار،أما السعداء منهم ففرارهم إلى الله عز وجل، إلى رحابه، إلى جنته، وأماالأشقياء ففرارهم منه لا إليه،ينشغلون عنه بملهياتٍ كثيرة تبعدهم عن ربهم جل جلاله، هؤلاء السعداء يفرون صعوداً إلى السماء، وهؤلاء الأشقياء يفرون سقوطاً إلى الأرض.

الله جل جلاله يطالبنا أن نفر إليه لا منه في قوله تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} [الذاريات: 50].دع هذه الآية تحتل أكبر مساحة من قلبك ومن عقلك ثم انظر ماذا تصنع فيك ولك.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة السابعة والتسعون  بعد  المئة  في  موضوع        ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *ففروا إلى الله

  الفرار إلى الله يرفع الإنسان إلى السماء ليحيا في جنات القرب: الفرار إلى الله حقاً يرفعك إلى السماء لتحيا في جنات القرب الحافلة بكل بهجةٍ ونعيم، كلما صحّ لك هذا الفرار تذوقت ألواناً من أسرار العبادات، تجعل قلبك يهتز وروحك تنتشي، وعقلك يهدأ، وعينك تقر، ونفسك تطمئن، إن بقلب المؤمن من السعادة ما لو وزع على أهل بلدٍ لكفاهم، إن بقلب المؤمن من الأمن ما لو وزع على أهل بلدٍ لكفاهم، الإيمان مرتبة عالية جداً، مرتبة علمية، مرتبة أخلاقية، مرتبة جمالية، أنت حينما تفر إلى الله تجد نفسك في يسرٍ، وراحةٍ، وطمأنينةٍ، وسعادةٍ، وقربٍ، وأملٍ، وتفاؤلٍ، وإشراقٍ، تستعلي به على كل زخارف الدنيا.

  تسمو فوق كل فخاخ الشيطان التي يحرص على أن يسوقها بين يديك وعلى عينيك ليفتنك بها، حقيقة

 الفرار إلى الله أن تشحن قلبك بالنور، أن يمتلئ القلب بالنور حتى يصبح كالكوكب الدري يوقد من شجرةٍ مباركة، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ} [الحديد: 28] قلب المؤمن الصادق مستنير يرى الحق حقاً والباطل باطلاً، يمتلئ القلب نوراً من أنوار الوحي حتى يتوهج.

الفرار إلى الله فرارٌ من حظ النفس والهوى إلى مراد الله ورضوانه: الفرار إلى الله فرار من حظوظ النفس الظاهرة والخفية التي تقطعك عن الله جل جلاله وتصرفك عن بابه، الفرار إلى الله فرارٌ من صحبة سوء تحول بينك وبين مولاك، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119].كن مع الصادقين، صاحبهم، اجلس معهم.

فليتـــك تحلــو والحيـاة مــريـرةٌ   ********* وليتك ترضى والأنام غضــابُ

وليـت الـذي بيني وبينك عـامـرٌ ********** وبيني وبيـن العالمين خـرابُ

إذا صح منك الوصل فالكل هينٌ  ******** وكل الذي فوق الـترابِ ترابُ

2-الأمور التي تعين على الفرار إلى الله

محبة الله عز وجل: قال تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} [البقرة: 165].محبة الله قارب النجاة من الفتن، عاصم المرء من الخطايا، حب الله ينجي المسلم من الغرق في بحر الدنيا، ينجي المسلم من اللهاث وراء مُتعها وشهواتها، فالذي تعلق قلبه بالله لا يطغى عليه حبٌ آخر، والله تعالى يقول: {قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة:24].حب الله عز وجل والتعلق به يصنع المعجزات، إذ يهتدي المسلم بهدى الله، ويسترشد

 بهدي رسول الله.

تجديد التوبة: من وسائل الفرار إلى الله:  فالمؤمن كثير التوبة،ومجدا لها في كل حين وآن  قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً} [التحريم: 8]. وقال: { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31]. ويقول عليه الصلاة والسلام: (والله إِني لأستغفرُ الله وأَتوبُ إليه في اليومِ سَبعينَ مَرة)  [البخاري /6307]

من وسائل الفرار إلى الله التقرب إلى الله بالنوافل، يقول الله عز وجل في الحديث القدسي: (من عادى لي وَلِيّا فقد آذَنتُه بالحرب، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مِنْ أداءِ ما افترضتُ عليه..).الآن دققوا: (ولا يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أُحِبَّهُ، فإذا أحببتُهُ كُنتُ سمعَه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألَني أعْطَيتُه، وإن استَعَاذَ بي أعَذْتُه، وما تردَّدتُ عن شيء أنا فاعله تردّدي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مَساءَتَه) [أخرجه البخاري/6502]

 ومن وسائل الفرار إلى الله الرفقة الصالحة، قال صلى الله عليه وسلم: (المرءُ على دِين خليله، فلينظرْ أحدُكُم مَن يُخَالِلْ) [أحمد / 8417 وغيره، وحسنه الألباني ] {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف: 28]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الثامنة والتسعون  بعد  المئة  في  موضوع        ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *ففروا إلى الله

3- ما الدافع للفرار إلى الله

إن الناظر اليوم بعين البصر والبصيرة في واقع الأمة وما حل بها من مصائب وويلات، ليأخذ به الأسى والتوجع مأخذا بعيدا، حتى إن اليأس ليوشك أن يحيط به لولا عظيم الأمل في وعد الله عز وجل الذي قال: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 5- 6]ومما يذهب اليأس ويعزي النفوس معرفة المسلم بسنن الله عز وجل في عباده وإدراك أن ما أصابنا من المصائب إنما هو من عند أنفسنا وبسبب ذنوبنا، وبما طرأ على حياتنا من بعد عن الله عز وجل ونسيان للآخرة وانغماس في الملذات وإقبال على الدنيا.

وما دام الداء قد عُرف والمرض قد شُخِّص فلا يبقى أمام من ينشد النجاة لنفسه ولأمته إلا أن يقبل على العلاج وذلك بالفرار إلى الله عز وجل والإنابة إليه والاعتصام به سبحانه وتعالى كما أمر في كتابه العزيز بقوله: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} الذاريات: 50

على المسلم أن يفر إلى الله في زمن الانفتاح الشديد على الدنيا وتغلب الجانب المادي على حياة الناس أكثر، وما ترتب عن ذلك من تكالب على حطامها دون تمييز بين حلال وحرام وطيب وخبيث، فحصل التنافس الشديد على حطامها وصار الحب والبغض من أجلها، بل والقتال من أجلها والعياذ بالله.

على المسلم أن يفر إلى الله في زمن حصلت فيه الغفلة الشديدة عن الآخرة والغاية التي من أجلها خلقنا..

على المسلم أن يفر إلى الله في زمن ظهرت فيه الفتن المتلاطمة التي يوقظ بعضها بعضا، وتساقط فيها خلق كثير ما بين هالك فيها بقلبه أو بلسانه أو بيده.

إنْ مسنا الضرُّ أو ضاقتْ بنا الحيـــلُ ***  فلـــنْ يَخيـــبَ لنا في ربنا أمــــلُ

وإنْ أناخـــــتْ بنــــا البــــــلايا فـإنَّ لنا ***  رباً يحـــــولها عـــــنّا فتنتقــــلُ

اللهُ في كــــلِّ خطــــبٍ حســـــبنا وكفى ***  إليهِ نرفعُ شكــوانا ونبتهــلُ

فافزع إلى الله واقـرع باب رحمتــه فهــو ***  الـرجاء لمن أعيت به السـبل

الإنسان خلق ضعيفا يحتاج إلى من يقويه ويشد أزره والانسان تحيط به الهموم والكروب والشدائد والمحن  فهو يحتاج إلى من يفرج همه ويكشف غمه.. فإلى من يلجأ؟ وإلى من يلوذ؟ وبمن يحتمي؟ فكانت الإجابة من عند الله خالقه ومدبر أمره {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ}.

لهذا كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عند نومه: (اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِى إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِى إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِى أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِى أَرْسَلْتَ) [رواه البخاري/247]

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر، فزع إلى الصلاة، قَالَ حُذَيْفَةُ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى". [أحمد/ 23297 ] ، وغيره، وهذا فرار إلى الله.

هكذا كان رسول الله يعيش مع الله وبالله.. وينقاد إلى الله.. ويستسلم لله.. ويفر إلى الله، وهكذا كان الأنبياء عليهم السلام من قبله يلتجئون إلى الله سبحانه طالبين العون والمدد والحماية منه..

يقول الله عن إبراهيم عليه السلام: {إِنّي ذَاهِبٌ إِلَى

 رَبّى سَيَهْدِينِ} [الصافات: 99].

  حين يتكالب الأعداء علي الاسلام والمسلمين وتقوى شوكتهم ويشتد أمرهم، وحين توجه الضربات تلو الضربات للإسلام وأهله، والمسلمون في حالة من الخذلان والضعف، فإنه لا ملجأ من الله إلا إليه، فهو يجير ولا يجار عليه.

انظروا.. لما كان يوم الأحزاب واشتد الأمر وذَهلت الألباب وزاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر، وابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديدًا، لم يكن للرسول وأصحابه إلا الالتجاء إلى الله والاعتصام به..

وفي الصحيحين دعا رسول الله على الأحزاب، فعن ابْنَ أَبِى أَوْفَى رضى الله عنهما قَالَ: دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الأَحْزَابِ فَقَالَ: (اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، سَرِيعَ الْحِسَابِ، اهْزِمِ الأَحْزَابَ، اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ). [البخاري/6392، ومسلم/1742 ]  فأجاب الله عبده ونصر جنده وهزم الأحزاب وحده. وأرسل الله عز وجل على الأحزاب ريحًا كفأت قدورهم، واقتلعت خيامهم، نعم، {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ}.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة التاسعة والتسعون  بعد  المئة  في  موضوع        ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان : *ففروا إلى الله

4- ثمرات الفرار إلى الله:

-راحة القلب: فالقلب مركز التحكم للجسد فإذا اطمئن

 سعد الجسد كله، وهو محط نظر الرحمن حيث أن

 الله لا ينظر إلا أجسادنا ولا إلى أموالنا ولكن ينظر إلى قلوبنا،ففر إلى الله بذكره ليطمئن قلبك، {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28].

-قرة العين: وقرة العين وهناءتها لا يملكها إلا الله فالجأ إليه وسله أن يحقق لك ذلك، {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الفرقان: 74].

-سكينة النفس: هذه السكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء، هي جنةٌ معجلة، في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، {وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} [محمد: 6].

ذاقوا طعمها في الدنيا، كما قال شيخ الإسلام رحمه الله: "ماذا يفعل أعدائي بي؟ إن أبعدوني فإبعادي سياحة، وإن حبسوني فحبسي خلوة، وإن قتلوني

 فقتلي شهادة، فماذا يفعل أعدائي بي؟!".

-الفرار إلى الله جنةٌ معجلة، نعيمٌ يتجدد رغم المشقات التي يعانيها المؤمن، {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت :69] [الأنترنت – موقع رابطة العلماء السورييين ]

*التعبد لله بأسمائه وصفاته ثمرات وبركات

  إن أجل المقاصد وأنفع العلوم العلم بمعاني أسماء الله عز وجل الحسنى وصفاته العلا والتعرّف على الله تعالى من خلال أسمائه وصفاته يحقق العلم الصحيح بفاطر الأرض والسماوات والعلم بأسماء الله وصفاته يؤدي إلى عبادة الله تعالى ومحبته وخشيته ويوجب تعظيمه وإجلاله وإن كل ما في السماوات والأرض من خير وبركة، وحُسن وجمال، وبهاء وجلال، ما هو إلا أثر من آثار صفات ذي الجلال والكمال،(فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ) الروم  ، ومع أهمية هذا الجانب وجلالة قدره، إلا أن ثمة غفلةً عنه، فنلاحظ الجهل بأسماء الله وصفاته، وإهمال التعبد والدعاء بها، وضعف الالتفات إلى ما تقتضيه هذه الأسماء الحسنى من الآثار والثمرات

وتظهر أهمية هذا الموضوع من خلال الآيات القرآنية المتعددة التي تحض على تدبر القرآن الكريم كما قال سبحانه (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ) ص ،وذم القرآن من لا يفهمه فقال تعالى (فَمَالِ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا )النساء ،ولا شك أن فقه أسماء الله تعالى وصفاته يدخل في ذلك دخولاً أوليًا كما أن عبادة الله تعالى ومعرفته آكد الفرائض، ولا يتحقق هذا إلا بمعرفة أسماء الله وصفاته

قال الأصفهاني (قال بعض العلماء أول فرض فرضه الله على خلقه معرفته، فإذا عرفه الناس عبدوه) قال الله تعالى(فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ) محمد فينبغي على المسلمين أن يعرفوا أسماء الله وتفسيرها فيعظموااالله حق عظمته ولو أراد رجل أن يعامل رجلاًطلب أن يعرف اسمه وكنيته، واسم أبيه وجده، وسأل عن صغير أمره وكبيره، فالله الذي خلقنا ورزقنا، ونحن نرجو رحمته ونخاف من سخطه أولى أن نعرف أسماءه ونعرف تفسيرها [الحجة في بيان المحجة ] وفقه أسماء الله تعالى وصفاته يوجب تحقيق الإيمان والعبادة لله وحده، وإفراده سبحانه بالقصد والحبّ والتوكل وسائر العبادات، كما بيّن ذلك أهل العلم

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة المئتين في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان : * ثمرات معرفة الصفات

 يقول العز بن عبد السلام «فهم معاني أسماء الله تعالى وسيلة إلى معاملته بثمراتها من الخوف، والرجاء، والمهابة، والمحبة، والتوكل، وغير ذلك من ثمرات معرفة الصفات»

ويقول أيضًا «ذكر الله بأوصاف الجمال موجب للرحمة، وبأوصاف الكمال موجب للمهابة، وبالتوحد بالأفعال موجب للتوكل، وبسعة الرحمة موجب للرجاء، وبشدة النقمة موجب للخوف، وبالتفرد بالإنعام موجب للشكر،ولذلك قال سبحانه (اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا )

ويقول ابن القيم رحمه الله «لا يستقر للعبد قدم في

 المعرفة بل ولا في الإيمان حتى يؤمن بصفات الرب جل جلاله، ويعرفها معرفة تخرج عن حدّ الجهل بربه،فالإيمان بالصفات وتعرّفها هو أساس الإسلام، وقاعدة الإيمان، وثمرة شجرة الإحسان، فضلاً عن أن يكون من أهل العرفان» [مدارج السالكين]

ويقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي «إن معرفة الله تدعو إلى محبته وخشيته ورجائه وإخلاص العمل له، وهذا عين سعادة العبد،ولا سبيل إلى معرفة الله إلا بمعرفة أسمائه وصفاته، والتفقه في فهم معانيها بل حقيقة الإيمان أن يعرف الربّ الذي يؤمن به، ويبذل جهده في معرفة أسمائه وصفاته، حتى يبلغ درجة اليقين وبحسب معرفته بربه، يكون إيمانه،فكلما ازداد معرفة بربه، ازداد إيمانه، وكلما نقص نقص، وأقرب طريق يوصله إلى ذلك

 تدبر صفاته وأسمائه من القرآن [تفسير السعدي]

المقصود بالتعبد بأسماء الله وصفاته :تحقيق العلم بها ابتداءً وفقه معاني أسمائه وصفاته، وأن يعمل بها، فيتصف بالصفات التي يحبها الله تعالى كالعلم، والعدل، والصبر، والرحمة ونحو ذلك، وينتهي عن الصفات التي يكرهها له تعالى من عبيده مما ينافي عبوديتهم لله تعالى،

كالصفات التي لا يصح للمخلوق أن يتصف بها كالكبر والعظمة والجبروت، فيجب على العبد إزاءها الإقرار بها والخضوع لها ومن العمل بها أن يدعو الله تعالى بها، كما قال سبحانه (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) الأعراف،كما أن من العمل بها تعظيمهاوإجلالها، وتحقيق ما تقتضيه من فعل المأمورات وترك المحظورات

يقول ابن تيمية : «إن من أسماء الله تعالى وصفاته ما يُحمد العبد على الاتصاف به كالعلم والرحمة والحكمة وغير ذلك،

ومنها ما يذم العبد على الاتصاف به كالإلهية والتجبر والتكبر، وللعبد من الصفات التي يُحمد عليها ويؤمر بها ما يمنع اتصاف الربّ به كالعبودية والافتقار والحاجة والذل والسؤال ونحو ذلك» الصفدية

وقال ابن القيم : «لما كان سبحانه يحبّ أسماءه وصفاته كان أحبّ الخلق إليه من اتصف بالصفات التي يحبها، وأبغضهم إليه من اتصف بالصفات التي يكرهها، فإنما أبغض من اتصف بالكبر والعظمة والجبروت؛ لأن اتصافه بها ظلم،

إذ لا تليق به هذه الصفات ولا تحسن منه؛ لمنافاتها لصفات العبيد، وخروج من اتصف بها من ربقة العبودية، ومفارقته لمنصبه ومرتبته، وتعديه طوره وحدّه، وهذا خلاف ما تقدم من الصفات كالعلم والعدل والرحمة والإحسان والصبر والشكر، فإنها لا تنافي العبودية، بل اتصاف العبد بها من كمال عبوديته، إذ المتصف بها من العبيد لم يتعد طوره، ولم يخرج بها من دائرة العبودية طريق الهجرتين

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الواحدة بعد المئتين في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : * ثمرات

 معرفة الاسماء والصفات

وقال الحافظ ابن حجر أثناء شرحه لحديث «إن لله تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا من أحصاها دخل الجنة» [البخاري كتاب التوحيد ] وقيل معنى أحصاها عمل بها، فإذا قال «الحكيم»، مثلاً، سلَّم جميع أوامره، لأن جميعها على مقتضى الحكمة، وإذا قال «القدوس»، استحضر كونه منزهًا عن جميع النقائص، وهذا اختيار أبي الوفا بن عقيل

وقال ابن بطال : طريق العمل بها أن الذي يسوغ الاقتداء به فيها كالرحيم والكريم فإن الله يحب أن يرى أثرها على عبده فليمرن العبد نفسه على أن يصح له الاتصاف بها.

وما كان يختص بالله تعالى كالجبار والعظيم فيجب على العبد الإقرار بها، والخضوع لها، وعدم التحلي بصفة منها، وما كان فيه معنى الوعد نقف منه عند الطمع والرغبة، وما كان فيه معنى الوعيد نقف منه عند الخشية والرهبة [فتح الباري]

التلازم بين توحيد الأسماء والصفات وتوحيد العبادة:

ومما يستحق تقريره هنا أن هناك تلازمًا وثيقًا بين إثبات الأسماء والصفات لله تعالى وتوحيد الله تعالى بأفعال العبادة،فكلما حقَّقَ العبد أسماء الله وصفاته علمًا وعملاً، كلما كان أعظم وأكمل توحيدًا،وفي المقابل فإن هناك تلازمًا وطيدًا بين إنكار الأسماء والصفات وبين الشرك

يقول ابن القيم في تقرير هذا التلازم :«كل شرك في العالم فأصله التعطيل، فإنه لولا تعطيل كماله أو بعضه وظن السوء به، لما أشرك به، كما قال إمام الحنفاءِ وأهلِ التوحيد لقومه (أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) الصافات ،أي فما ظنكم به أن يجازيكم وقد عبدتم معه غيره؟ وما الذي ظننتم به حتى جعلتم معه شركاء ؟ أظننتم أنه محتاج إلى الشركاء والأعوان ؟ أم ظننتم أنه يخفى عليه شيء من أحوال عباده حتى يحتاج إلى شركاء تعرفه بها كالملوك ؟أم ظننتم أنه لا يقدر وحده على استقلاله بتدبيرهم وقضاء حوائجهم ؟ أم هو قاسٍ فيحتاج إلى شفعاء يستعطفونه على عباده؟والمقصود أن التعطيل مبدأ الشرك وأساسه ، فلا تجد معطلاً إلا وشركه على حسب تعطيله  ، فمستقلٌّ ومستكثرٌ

ونورد أمثلة في توضيح هذا التلازم والصلة بين توحيد العبادة وتوحيد الأسماء والصفات

فالدعاء مثلاً هو آكد العبادات وأعظمها؛ فالدعاء هو العبادة كما أخبر المصطفى ، وهو لا ينفك عن إثبات وفقه أسماء الله تعالى وصفاته

ويشير ابن عقيل إلى هذه الصلة بقوله «قد ندب الله تعالى إلى الدعاء، وفي ذلك معان

أحدها : الوجود، فإن من ليس بموجود لا يُدعى

الثاني الغنى، فإن الفقير لا يُدعى

الثالث السمع، فإن الأصم لا يُدعى

الرابع الكرم، فإن البخيل لا يُدعى

الخامس الرحمة، فإن القاسي لا يُدعى

السادس القدرة، فإن العاجز لا يُدعى

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الثانية بعد المئتين في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

التوكل على الله تعالى وحده شرط في الإيمان، وأجلّ العبادات القلبية، ولا يتحقق التوكل إلا بمعرفة أسماء الله تعالى وصفاته

وقد وضح ذلك ابن القيم بقوله«ولا يتم التوكل إلا بمعرفة الربّ وصفاته من قدرته وكفايته وقيوميته وانتهاء الأمور إلى علمه، وصدورها عن مشيئته وقدرته» [طريق الهجرتين]

وقال ابن تيمية رحمه الله : ولذلك لا يصح التوكل ولا يتصور من فيلسوف، ولا من القدرية النفاة القائلين بأن يكون في ملكه ما لا يشاء، ولا يستقيم أيضًا من الجهمية النفاة لصفات الرب جل جلاله، ولا يستقيم التوكل إلا من أهل الإثبات فأي توكل لمن يعتقد أن الله لا يعلم جزئيات العالم سفليه وعلويه، ولا هو فاعل باختياره، ولا له إرادة ومشيئة، ولا يقوم به صفة ؟  

 فكل من كان بالله وصفاته أعلم وأعرف، كان توكله أصح وأقوى، والله سبحانه وتعالى أعلم» اهـ «مجموع الفتاوى»

وحسن الظن بالله والثقة به تعالى عبادة جليلة تقوم على فقه أسماء الله وصفاته، كالحكمة والقدرة، كما أن سوء الظن بالله من آثار إنكار أسماء الله تعالى وصفاته

يقول ابن القيم «وأكثر الناس يظنون بالله ظن السوء فيما يختص بهم، وفيما يفعله بغيرهم، ولا يسلم من ذلك إلا من عرف الله، وأسماءه وصفاته، وعرف موجب حكمته وحمده ولو فتشت من فتشت لرأيت عنده تَعَتُّبًا على القدر وملامة له، وأنه كان ينبغي أن يكون كذا وكذا، فمستقل ومستكثر، وفتش نفسك هل أنت سالم من ذلك» [زاد المعاد ]

وأشار الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله إلى أن أصول العبادة الثلاثة الحب، والرجاء، والخوف من آثار وثمرات التعبد، بأسماء الله وصفاته، فقال في مسائل ذكرها في تفسير سورة الفاتحة :

«أركان الدين الحب، والرجاء، والخوف،فالحب في الأولى، وهي {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }،والرجاء في الثانية،وهي {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ }، والخوف في الثالثة، وهي {مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } [تاريخ ابن غنام ]

إذ ظهر بهذه الأمثله مدى التلازم الوثيق بين صفات الله تعالى وما تقتضيه من العبادات الظاهرة والباطنة، فيمكن أن نخلص إلى ما حرره ابن القيم بقوله :    «لكل صفة عبودية خاصة هي من موجباتها ومقتضياتها ، أعني من موجبات العلم بها والتحقق بمعرفتها، وهذا مطرد في جميع أنواع العبودية التي على القلب والجوارح ، فعلم العبد بتفرد الرب تعالى بالضر والنفع، والعطاء والمنع، والخلق والرزق،والإحياء والإماتة يثمر له عبودية التوكل عليه باطنًا ولوزام التوكل وثمراته ظاهرًا.

وعلمه بسمعه تعالى وبصره، وعلمه أنه لا يخفى عليه مثقال ذرة، وأنه يعلم السر، ويعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور يثمر له حفظ لسانه وجوارحه وخطرات قلبه عن كل ما لا يرضي الله، وأن يجعل تعلق هذه الأعضاء بما يحبه الله ويرضاه، فيثمر له ذلك الحياء باطنًا، ويثمر له اجتناب المحرمات والقبائح .

ومعرفته بغناه وجوده وكرمه وبره وإحسانه ورحمته

 توجب له سعة الرجاء، وكذلك معرفته بجلال الله وعظمته وعزته تثمر له الخضوع والاستكانة والمحبة، وتثمر له تلك الأحوال الباطنة أنواعًا من العبودية الظاهرة، هي موجباتها، فرجعت العبودية كلها إلى مقتضى الأسماء والصفات» [مفتاح دار السعادة _ آثار التعبد بأسماء الله تعالى وصفاته]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الثالثة بعد المئتين في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :ومن ثمرات الإيمان بالأسماء والصفات:

1ـ أن العبد يسعى إلى الاتصاف والتحلِّي بها على ما يليق به، فالله كريم يحب الكرماء ، رحيم يحب الرحماء ، رفيق يحب الرفق، فإذا علم العبد ذلك ؛ سعى إلى التحلي بصفات الكرم والرحمة والرفق، وهكذا في سائر الصفات التي يحب الله تعالى أن يتحلَّى بها العبد على ما يليق بالعبد.

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: [وأحب الخلق إلى الله من اتصف بمقتضيات صفاته فانه كريم يحب الكريم من عباده وعالم يحب العلماء وقادر يحب الشجعان وجميل يحب الجمال...،وهو سبحانه وتعالى رحيم يحب الرحماء وإنما يرحم من عباده الرحماء وهو ستير يحب من يستر على عباده وعفو يحب من يعفوا عنهم من عباده وغفور يحب من يغفر لهم من عباده ولطيف يحب من اللطيف من عباده ويبغض الفظ الغليظ القاسي الجعظري الجواظ ورفيق يحب الرفق وحليم يحب الحلم...ومن عامل خلقه بصفة عامله الله تعالى بتلك الصفة بعينها في الدنيا والآخرة, فالله تعالى لعبده على ما حسب ما يكون العبد لخلقه ...،فكما تدين تدان وكن كيف شئت فان الله تعالى لك كما تكون أنت لعباده] .

2ـ تورث تعظيمه تعالى :قال الشيخ السعدي رحمه الله : وهو تعالى موصوف بكل صفة كمال , وله من ذلك الكمال الذي وصف به أكمله وأعظمه وأجله , فله العلم المحيط , والقدرة النافذة , والكبرياء والعظمة , حتى أن من عظمته أن السموات والأرض في كف الرحمن كالخردلة في يد المخلوق , ...وهو تعالى ... يستحق على العباد أن يعظموه بقلوبهم وألسنتهم وأعمالهم, وذلك ببذل الجهد في معرفته ومحبته, والذل له والخوف منه, وإعمال اللسان بالثناء عليه, وقيام الجوارح بشكره وعبوديته. ومن تعظيمه أن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى, ويشكر فلا يكفر, ومن تعظيمه وإجلاله أن لا يعترض على شيء مما خلقه أو شرعه, بل يخضع لحكمته, وينقاد لحكمه.

وتعظيم الله تعالى يورث العبد الذل والافتقار بين يديه سبحانه وتعالى ،[ويحكى عن بعض العارفين أنه قال : دخلت على الله من أبواب الطاعات كلها فما دخلت من باب إلا رأيت عليه الزحام فلم أتمكن من الدخول حتى جئت باب الذل والافتقار فإذا هو أقرب باب إليه وأوسعه ولا مزاحم فيه ولا معوق فما هو إلا أن وضعت قدمي في عتبته فإذا هو سبحانه قد أخذ بيدي وأدخلني عليه.]

3-                        تورث العبد محبة الله جل جلاله: من تأمل أسماء الله

 وصفاته وتعلق بها طرحه ذلك على باب المحبة ،وفتح له من المعارف والعلوم أمورا لا يعبر عنها ،وإن من عرف الله أورثه ذلك محبة له سبحانه وتعالى.

وهذه المحبة عاطفة شرعية إيمانية وعبادة قلبية وهي محبة إجلال وتعظيم ،ومحبة طاعة وانقياد يبرهن بها العبد على صدق عبوديته لمولاه تعالى . فالمحبة هي ثمرة معرفة أسماء الله وصفاته واعتقاد جماله وكماله وجلاله ،والاعتراف بإحسانه وإنعامه .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الرابعة بعد المئتين في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

  ومن ثمرات الإيمان بالأسماء والصفات:

4- تورث اليقين والطمأنينة: إن قلب العبد لا يزال يهيم على وجهه في أودية القلق وتعصف به رياح الاضطراب حتى يخالط الإيمان بأسماء الرب تعالى وصفته يشاشة قلبه ،فحينئذ يبتهج قلبه ويأنس بقربه من معبوده جل جلاله ويحيى حياة طيبة ويصبح فارغا إلا من ذكر الله تعالى وذكر أسمائه وصفاته ويأتيه من روح اللذة والنعيم السرور وريحان الأمان والطمأنينة والحبور ما يعجز عن ذكره التعبير ويقصر عن بيانه التقرير .

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: [وحقيقة الطمأنينة التي تصير بها النفس مطمئنة أن تطمئن في باب معرفة أسمائه وصفاته ونعوت كما له إلى خبره الذي أخبر به عن نفسه وأخبرت به عنه رسله فتتلقاه بالقبول والتسليم والإذعان وانشراح الصدر له وفرح القلب به فإنه معرفة من معرفات الرب سبحانه إلى عبده على لسان رسوله فلا يزل القلب في أعظم القلق والاضطراب في هذا الباب حتى يخالط الإيمان بأسماء الرب تعالى وصفاته وتوحيده وعلوه على عرشه وتكلمه بالوحي بشاشة قلبه فينزل ذلك عليه نزول الماء الزلال على القلب الملتهب بالعطش فيطمئن إليه ويسكن إليه ويفرح به ويلين له قلبه ومفاصله حتى كأنه شاهد الأمر كما أخبرت به الرسل بل يصير ذلك لقلبه بمنزلة رؤية الشمس في الظهيرة لعينه فلو خالفه في ذلك من بين شرق الأرض وغربها لم يلتفت إلى خلافهم وقال إذا استوحش من الغربة: قد كان الصديق الأكبر مطمئنا بالإيمان وحده وجميع أهل الأرض يخالفه وما نقص ذلك من طمأنينة شيئا, فهذا أول درجات الطمأنينة ثم لا يزال يقوى كلما سمع بآية متضمنة لصفة من صفات ربه وهذا أمر لا نهاية له فهذه الطمأنينة أصل أصول الإيمان التي قام عليه بناؤه.

ومن عبد الله بأسمائه وصفاته وتحقق معرفة خالقه جلا وعلا،وعظمه حق التعظيم فإنه ولا شك يصل إلى درجة اليقين ،قال الحبر ابن القيم رحمه الله : [فاليقين هو الوقوف على ما قام بالحق من أسمائه وصفاته ونعوت كماله وتوحيده وهذه الثلاثة أشرف علوم الخلائق علم الأمر والنهي وعلم الأسماء والصفات والتوحيد وعلم المعاد واليوم الآخر والله أعلم] .

5- تورث زيادة الإيمان: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : [من عرف أسماء الله ومعانيها فآمن بها كان إيمانه أكمل ممن لم يعرف تلك الأسماء بل آمن بها إيمانا مجملا] فكلما ازداد العبد معرفة بأسماء الله وصفاته , ازداد إيمانه , وقوي يقينه . فينبغي للمؤمن : أن يبذل مقدوره ومستطاعه في معرفة الأسماء والصفات.

6- تورث زيادة في الطاعات البدنية : لما كان القلب للجوارح - كالملك المتصرف في الجنود الذي تصدر كلها عن أمره ويستعملها فيما يشاء فكلها تحت عبوديته وقهره وتكسب منه الاستقامة والزيغ وتتبعه فيما يعقده من العزم أو يلحه - ؛ كانت لهذه الثمرات التي يجنيها القلب من توحيد الله بأسمائه وصفاته سريان إلى الجوارح ،ولا بدَّ ،فكلما [قوي سراج الإيمان في القلب وأضاءت جهاته كلها به وأشرق نوره في أرجائه سرى ذل النور إلى الأعضاء وانبعث إليها فأسرعت الإجابة لداعي الإيمان وانقادت له طائعة مذللة غير متثاقلة ولا كارهة بل تفرح بدعوته حين يدعوها].

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الخامسة بعد المئتين في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

  ومن ثمرات الإيمان بالأسماء والصفات:

7- تُطْلِعُ العبدَ على خسةِ الدنيا: فالدنيا زائلة خسيسة ومن تعلق بالأسماء الحسنى والصفات العلى تبين له حقيقة هذه الدنيا, قال ابن القيم: [فأول شواهد السائر إلى الله والدار الآخرة أن يقوم به شاهد من الدنيا وحقارتها وقلة وفائها وكثرة جفائها وخسة شركائها وسرعة انقضائها ويرى أهلها وعشّاقها صرعى حولها قد بدّعت [خذلتهم] بهم وعذبتهم بأنواع العذاب وأذاقتهم أمرّ الشراب أضحكتهم قليلا وأبكتهم طويلا سقتهم كؤوس سمها بعد كؤوس خمرها فسكروا بحبها وماتوا بهجرها ،فإذا قام بالعبد هذا الشاهد منها ترحل قلبه عنها وسافر في طلب الدار الآخرة وحينئذ يقوم بقلبه شاهد من الآخرة ودوامها وأنها هي الحيوان حقا فأهلها لا يرتحلون منها ولا يظعنون عنها بل هي دار القرار ومحط الرحال ومنتهى السير وأن الدنيا بالنسبة إليها كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ هَذِهِ وَأَشَارَ يَحْيَى بِالسَّبَّابَةِ فِي الْيَمِّ فَلْيَنْظُرْ بِمَ تَرْجِعُ ] رواه مسلم.

وقال بعض التابعين: [ما الدنيا في الآخرة إلا أقل من ذرة واحدة في جبال الدنيا] ثم يقوم بقلبه شاهد من النار وتوقدها واضطرامها وبعد قعرها وشدة حرها وعظيم

عذاب أهلها فيشاهدهم وقد سيقوا إليها سود الوجوه زرق العيون والسلاسل والأغلال في أعناقهم..

فإذا قام بقلب العبد هذا الشاهد انخلع من الذنوب والمعاصي واتباع الشهوات ولبس ثياب الخوف والحذر وأخصب قلبه من مطر أجفانه وهان عليه كل مصيبة تصيبه في غير دينه وقلبه.

8- معرفة الأسماء والصفات تجعل العبد يتنقل بين درجات الرجاء والخوف : فالخوف والرجاء جناحي الإيمان وبهما يصل العبد لمرضاة الرحمن،ويظهر أثر الإيمان بالأسماء الحسنى والصفات العلى في مواطن عدة منها:* أن العبد إذا آمن بصفة [الحب والمحبة] لله تعالى وأنه سبحانه [رحيم ودود] استأنس لهذا الرب، وتقرَّب إليه بما يزيد حبه ووده له،وحبُّ الله للعبد مرتبطٌ بحبِ العبدِ لله ،وإذا غُرِست شجرةُ المحبة في القلب، وسُقيت بماء الإخلاص،ومتابعة الحبيب صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أثمرت أنواعَ الثمار، وآتت أُكُلَها كلَّ حينٍ بإذن ربها.

* ومنها : أنه إذا آمن العبد بصفات: [العلم ، والإحاطة ، والمعية] ؛ أورثه ذلك الخوف من الله عَزَّ وجَلَّ المطَّلع عليه الرقيب الشهيد، فإذا آمن بصفة [السمع]؛ علم أن الله يسمعه؛ فلا يقول إلا خيراً، فإذا آمن بصفات [البصر ، والرؤية ، والنظر ، والعين] ؛ علم أن الله يراه ؛ فلا يفعل إلا خيراً .

* ومن ثمرات الإيمان بصفات الله: أن لا ينازع العبدُ

 اللهَ في صفة [الحكم، والألوهية، والتشريع،والتحليل ،

 والتحريم] ؛فلا يحكم إلا بما أنزل الله,ولا يتحاكم إلا إلى

 ما أنزل الله فلا يحرِّم ماأحلَّ الله،ولا يحل ماحرَّم الله.

* ومن ثمرات الإيمان بصفات الله عَزَّ وجَلَّ : تَنْزِيه الله وتقديسه عن النقائص، ووصفه بصفات الكمال،فمن علم أن من صفاته [القُدُّوس،السُّبُّوح ]؛ نَزَّه الله من كلِّ عيبٍ ونقصٍ

* ومنها أن الإيمان بصفة [الكلام] وأن القرآن كلام الله يجعل العبد يستشعر وهو يقرأ القرآن أنه يقرأ كلام الله ، فإذا قرأ: [يَا أَيُّهَا الإنسان مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ] [الانفطار:6]. أحسَّ أن الله يكلمه ويتحدث إليه، فيطير قلبه وجلاً ، وأنه إذا آمن بهذه الصفة ، وقرأ في الحديث الصحيح أن الله سيكلمه يوم القيامة ، ليس بينه وبينه ترجمان ؛ استحى أن يعصي الله في الدنيا ، وأعد لذلك الحساب والسؤال جواباً.

9- يورث العبد حسن الظن بالله: القلب الممتلئ بأسماء الله وصفاته علما ومعرفة يضع الرجاء بالله تعالى وحسن الظن في محله اللائق به، فحسن الظن إنما يكون مع انعقاد أسباب النجاة وإما مع انعقاد أسباب الهلاك فلا يتأتي إحسان الظن. فإن قيل: بل يتأتي ذلك ويكون مستند حسن الظن سعة مغفرة الله ورحمته وعفوه وجوده وأن رحمته سبقت غضبه وأنه لا تنفعه العقوبة ولا يضره العفو قيل: الأمر هكذا والله فوق ذلك وأجل وأكرم وأجود وأرحم ولكن إنما يضع ذلك في محله اللائق به فإنه سبحانه موصوف بالحكمة والعزة والانتقام وشدة البطش وعقوبة من يستحق العقوبة فلو كان معول حسن الظن على مجرد صفاته وأسمائه لاشترك في ذلك البر والفاجر والمؤمن والكافر ووليه وعدوه فما ينفع المجرم أسماؤه وصفاته وقد باء بسخطه وغضبه وتعرض للعنته وأوقع في محارمه وانتهك حرماته بل حسن الظن ينفع من تاب وندم وأقلع وبدل السيئة بالحسنة واستقبل بقية عمره بالخير والطاعة ثم أحسن الظن فهذا حسن ظن والأول غرور والله المستعان.  [الأنترنت – موقع الموسوعة الشاملة – علي بن نايف الشحود]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة السادسة بعد المئتين في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

*ومن آثار الإيمان بأسماء الله وصفاته

   الإيمان بالله – جل جلاله – هو لذة الحياة ، وهو سعادة المؤمن ، بل هو الحياة على الحقيقة ، فبالله – جل وعلا – الأنس ، وبالله – جل وعلا – يُستعان ، وعلى الله – جل وعلا – التُّكْلان ، وإليه يُرجع الأمر كله ، هو الذي يخفض ويرفع ، وهو الذي يقبض ويبسط ، وهو الذي يُحيي ويميت ، وهو الذي يجير ولا يجار عليه ، هو الملك لا مُعَقّب لحُكمه ، ولا رادّ لأمره ، وهو القُدُّوس المطهَّر عن كل عيب ونقص ، وهو الجميل – جل جلاله – وكل جمال في هذه الأكوان ، فإنه من آثار جمال الرب – جل وعلا – .

هو الله الواحد الأحد ، هو القوي الْمُقتدِر ، العزيز الجبار المتكبر ، هو الله الذي أَنِسَت له

قلوب الأنبياء والصالحين ، فالتذَّت لمناجاته ، ورغبت في القرب منه ، ولأجله جاهد المجاهدون ، فأُهَرِيقت الدماء في سبيله ، ولأجله شَمَّر المشمرون ، طلبًا للقرب منه في دار كرامته ، وخوفًا منه شَمَّر المشمرون ، بُعْدًا عن دار هوانه وعذابه ، ووجَلًا منه ، ابتعد الصالحون عن كل ما يخدش الإخلاص ، ويقدح في التوحيد ، أو في كماله ، وفَرَقًا منه – جل وعلا – هروب المؤمنون منه إليه .

فسبحانه من إله عظيم ، سبحانه من رب قادر ، سبحان من وَجِلَت له القلوب ، وسبحت له الملائكة في علياء سمائه ، سبحانه – جل وعلا – كثيرًا وتنزيهًا له وتعظيما ، وحمدًا له وثناء ،كما يليق بجلاله وعظمته .

قال – جل وعلا – ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ﴾ [ الأنعام : 122 ] أومن كان ميتًا بالكفر والضلال ، فأحييناه بالإيمان الصحيح ، أحييناه بالتوحيد ، أحييناه بالإخلاص ، أحييناه بطاعة ربه ، كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها؟

هذا مَثَل الضالّ عن الله – جل وعلا – وعن العلم به ، فالإيمان بالله هو الحياة ، والإعراض عن الله – جل وعلا – وعدم الإيمان به ، وترك الإيمان به – جل وعلا – هو الموت ، قال –سبحانه – هنا ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ ﴾ [ الأنعام : 122 ] .

ولهذا فإن المؤمن على الحقيقة يرى الإيمان بالله – جل وعلا – هو الحياة الحقيقية ، فإذا سُلب منه ، أو سُلب بعضُه منه ، فإنه يرى أن حياته نقصت ، فكمال الحياة بكمال الإيمان ، وكمال السعادة بكمال الإيمان بالله – جل وعلا – .

قال مالك بن دينار – رحمه الله تعالى– وهو من سادات التابعين : خرج أهل الدنيا من الدنيا ، ولم يذوقوا أطيب شيء فيها . قالوا : وما هو؟ قال : معرفة الله – عز وجل – . يعني أن أطيب ما في الدنيا هو العلم بالله – جل جلاله – .

ومن هذا القبس قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية – رحمه الله تعالى –: إن في الدنيا جنة ، من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة .

وجنة الدنيا هي جنة الإيمان بالله ، جنة معرفة الله على الحقيقة ، جنة الإخلاص لله – جل وعلا – جنة الاستجابة لرسوله – صلى الله عليه وسلم – ولهذا كان مدار الأمر على الحقيقة مبنيٌّ على الإيمان بالله – جل وعلا – ولهذا أمر الله –سبحانه – المرسلين جميعًا بأن يأمروا الناس بالإيمان به – جل جلاله – .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة السابعة بعد المئتين في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

*ومن آثار الإيمان بأسماء الله وصفاته

الإيمان بالله هو أول فرض على الناس والإيمان به فرضه الله – جل وعلا – وهو أول فرض ، وأعظم فرض ، قال –تعالى – ﴿ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ﴾ [ البقرة : 285 ] ، والإيمان بالله هو ركن الإيمان الأعظم ، هو الركن الأول من أركان الإيمان ، وهذا الإيمان بالله – جل وعلا – يشمل كل ما يستحقه – جل وعلا – من أنواع التوحيد ، نؤمن به – جل وعلا – ربًّا واحدًا ، متصرفًا ، مدبرًا لهذا الملكوت ، وحده لا شريك له ، ونؤمن به –سبحانه بأنه المعبود بحق – جل جلاله – لا معبود بحق سواه ، ونؤمن به

– جل وعلا – بأن له الأسماء الحسنى ، وله – جل وعلا – الصفات العُلى ، وهو –سبحانه – الذي له المثَل الأعلى ، وله النَّعْت الأعلى ، وله أحسن الأسماء ، وأجلّ الصفات – جل جلاله – .

وهذا الإيمان سماه أهل العلم” توحيد الأسماء والصفات ”،أو ” الإيمان بأسماء الله وصفاته ”،وهو من الإيمان بالله – جل وعلا – وكان هذا الإيمان بأسماء الله وصفاته فرضًا ، لأن الله – جل وعلا – أمر بالإيمان به ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ ﴾ [ النساء : 136 ] ، وأمر به نبيه – صلى الله عليه وسلم – بل كانت الدعوة كلها إلى الإيمان بالله – جل جلاله – .

وإذا كان الأمر كذلك ، فإن الله – جل وعلا – حَضَّ عباده على أن يكونوا عالِمين به – جل وعلا – وأن يكونوا مُتَقَرِّبين منه –سبحانه – بالعِلم بأسمائه وصفاته ، والعلم بما يستحقه – جل وعلا – وما يُعلم من ذاته وصفاته وأفعاله ، جل جلاله ، وتقدست أسماؤه .

ولهذا فقد بين الله – جل وعلا – في كتابه أن له الأسماء الحسنى ، والصفات العُلى ، وأن له المثل الأعلى ، قال – جل وعلا – ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [ الأعراف : 180 ] ، وقال أيضًا – جل جلاله – ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [ طه : 8 ] ، وقال أيضًا ﴿ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [ الإسراء : 110 ] ، وقال أيضًا ﴿ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [ الحشر : 24 ] ، وأيضًا قال

– جل وعلا – في وصف نفسه ﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾  الإخلاص : 4 ، وقال ﴿ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾ [ مريم : 65 ] ،يعني هل تعلم من يشاركه في كمال اسمه ، وكمال صفاته؟وقال أيضًا ﴿ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى ﴾

  الروم : 27 ،وقال ﴿ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى ﴾  النحل : 60 ،يعني النعت ، والوصف الأعلى ولهذا يقول أهل العلم اقتباسًا مما جاء في هذه الآيات : إن لله – جل وعلا – الأسماء الحسنى ، والصفات العلى . فالله – جل وعلا – يُتعرف إليه بمعرفة أسمائه وصفاته ، ولما أَرسل النبي – صلى الله عليه وسلم – مُعاذًا إلى اليمن ، قال له : « إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ ، فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ » . وفي رواية للبخاري في صحيحه في كتاب التوحيد : « فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ –تَعَالَى – » . ولمسلم في الإيمان من صحيحه : « فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللهِ – عَزَّ وَجَلَّ – فَإِذَا عَرَفُوا اللهَ ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ »

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الثامنة بعد المئتين في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان : *أنواع المعرفة

وهذه المعرفة معناها العلم ، والمعرفة نوعان :

أولا : معرفة محمودة ، وهي التي تكون عن إيقان وعلم وبصيرة وبينة .

ثانيا : معرفة مذمومة ، وهي التي يعلم فيها المرء ما يعلم ، ثم يُنكر ، كما كان أهل الكتاب ، وأهل الشرك ، يعرفون نعمة الله ثم يُنكرونها ، يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم  كما يعرفون أبناءهم ، ولكنهم أنكروا نبوته .

ولهذا قال أهل العلم : أشرف معلوم ، وأعظم معلوم هو الله – جل وعلا – فإذا تقاسم الناس المعلومات ، وتنافسوا فيها ، فإن أعظم الناس مَن كان علمه بالله – جل وعلا – أعظم ، لأن شرف العِلم يكون بشرف المعلوم ، والمعلوم هنا هي أسماء الله – جل وعلا – وصفاته ، والإيمان به ، وما يستحقه – جل جلاله – لهذا كان من أشرف المطالب التي يسعى فيها العبد ، أن يتعلم الأسماء والصفات ، وأن يكون عالما بمعانيها ،

 ليحصل له بعد ذلك الثمرات المرجوة من ذلك .

إذا تبين ذلك ، فإن الكتاب والسنة فيهما الكثير من أسماء الله جل وعلاوصفاته،فا لله سبحانه علَّمنا

 وأخبرنا بما له - جل وعلا – من النعوت والأسماء ، فيجب علينا أن نؤمن بما قص الله – جل وعلا -

 علينا ، وأنزل في كتابه ، أو قصه نبينا – صلى الله عليه وسلم – أو أخبر به .

*أسماء الله وصفاته توقيفية :

قال أهل العلم من أئمة السلف الصالح ،وأهل الحديث – رحمهم الله تعالى – : أسماء الله وصفاته توقيفية . يعني أنه يجب فيها الوقوف مع النص من الكتاب أو السنة أو الإجماع ، فلا يدخلها قياس ، سواء كان قياسا نَقْلِيًّا ، أو عقليًّا ، فهي لا يدخلها أي نوع من أنواع القياس التي يستعملها الناس .

فالأسماء والصفات توقيفية ، بمعنى أن ما جاء في القرآن ، أو في السنة ، من الأسماء ، فإننا نثبته ، وما لم يأت في القرآن والسنة من الأسماء والصفات ، فإننا لا نثبته ، فالإثبات والنفي مداره على ما جاء في الدليل .

*الفرق بين الاسم والصفة :

   هناك جامع وفارق بين اسم الله – جل وعلا – وبين صفته ، فالاسم والصفة يجتمعان في أن كلا منهما فيه وصف لله – جل وعلا – أما الاسم فيزيد أنه يدل على ذاته – جل وعلا – فعندما نقول : من أسماء الله ” العليم ” ، و ” العليم ” من أسمائه –سبحانه – يدل على ذاته ، نقول : هو العليم . ويدل أيضًا على صفة العلم ، التي اشتمل عليها الاسم ، أما إذا قلت : العلم . من حيث هي صفة ، فإنها تدل على ثبوت الصفة ، دون دلالة على الذات ، ولهذا كان الاسم فيه زيادة على الصفات ، فأسماء الله – جل وعلا – تدل على ذات الله – جل وعلا – وعلى الصفات بالمطابقة ، وتدل على الاسم أو الصفة بالتضمن ، أما الصفة فهي تدل على الصفة فحسب ، وتدل على الاسم من جهة اللزوم .

  فتبين من هذا أنه يجب علينا أن نجعل الأسماء والصفات  تدور مع الدليل ، فمن جاء باسم زائد ، قلنا له : هذا لم يأت في الكتاب ، ولا في السنة ، فإذا قال قائل : إن من أسماء الله –جل وعلا – ” الصانع ” . قلنا : هذا الاسم لم يرد في الكتاب ، ولا في السنة .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة التاسعة بعد المئتين في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان : *أنواع المعرفة

وإذا قال قائل : من أسماء الله ” المريد ” ، أو ” المتكلم ” ، أو ” المستهزئ ” . قلنا : هذه الأسماء لم ترد في الكتاب ولا في السنة ، لكن جاءت هذه  الأشياء  على  جهة  الوصف ، إما  على  الوصف  المطلق ، وإما على جهة الكمال .

ومثال المطلق : أن نقول : إن الله – جل وعلا – متصف بصفة الكلام على وجه الكمال ، كما يليق بجلاله وعظمته ، لكنا لا نقول : هو متكلم ، بمعنى أن من أسمائه الحسنى ” المتكلم ” . ولا نقول : إن من أسمائه الحسنى ” المريد ” . لكنَّ الله – جل وعلا – موصوف بأن له إرادة ، وأنه –سبحانه – يريد ، قال –تعالى – ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [ البقرة : 185 ] ، فما نشتق من الفعل ، أو من الصفة اسمًا ، وإنما نَدُور حيث جاء الدليل من الكتاب والسنة ، لأنه لا أحد أعلم بالله – جل وعلا – من الله – سبحانه وتعالى – ولا أحد أعلم من الخلق بالله – جل وعلا – من رسوله – صلى الله عليه وسلم – فلذلك لا نتجاوز القرآن والحديث ، في أسماء الله وصفاته ، فما جاء من الصفات والأسماء ، في الكتاب والسنة أثبتناه ، وما لم يأتِ لم نُثْبِتْه .

وقال الله – جل وعلا – ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [ الأعراف : 180 ] ، وقال ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [ طه : 8 ] ، قال أهل التفسير ، كالبغوي في تفسيره وغيره عند آية الأعراف : والحُسنى تأنيث الأحسن ، كالكبرى والصغرى .

فقوله –سبحانه – ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ يعني أن أحسن الأسماء له – جل وعلا – والحسنى هي بالغة الحسن والجمال ، وهي لله – جل وعلا – واللام في قوله ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ لام استحقاق ، يعني أنه –سبحانه – مستحق للأسماء الحسنى ، التي هي أحسن الأسماء ، والتي هي بالغة في الحسن والجمال ، هي نهاية الحسن والجمال .

*لماذا توصف أسماء الله بالحسنى :

وكانت هذه الأسماء أحسن الأسماء ، لأنها تدل على صفات لله – جل وعلا – وصفاته –سبحانه – التي تضمنتها تلك الأسماء بالغة في الحسن والجمال .  

كما أن هذه الأسماء يدعى بها الله –جل وعلا – أي يُعبَد بها

كما أنه يُثنى عليه بها – جل وعلا – .كما أنه –سبحانه – يُسأل بأسمائه الحسنى ، ولا يُسأل الخلق بأسمائهم ، لأنهم لا بد أن يكون عندهم نقص في القدرة على إنفاذ ما تضمنته أسماؤهم ، فمثلًا عزيز مصر ، قال –تعالى – ﴿ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ ﴾ [ يوسف : 51 ] ، لقد كان عزيزا ، لكن ليس عنده صفات العزة ، لأن النقص يلازم الإنسان ، مهما بلغ من أسماء ، والله – جل وعلا – أسماؤه بالغة في الكمال والحسن ، لا وجه فيها لنقص ، بأي وجه من الوجوه ، ولذلك فإن الله جل وعلا يُسأل بأسمائه وصفاته

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة العاشرة بعد المئتين في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان : *أنواع المعرفة

كما أن كل اسم من أسماء الله – جل وعلا – له آثاره في الخلق : في السموات ، في الجنة ، في النار ، في العرش ، في الكرسي ، فيمن في السموات ، ومن في الأرض ، في الملكوت ، في الصغير والكبير ، في الهواء ، في كل المخلوقات .

فأسماء الله – جل وعلا – لها آثارها في ملكوته وخلقه ، كذلك لها آثارها في شرعه ودينه ،كذلك لها آثارها في جزائه ، حين يجازي الناس في الدنيا ، وحين يجازي الناس في الآخرة ، وأيضًا لها آثارها في وَعْده – جل وعلا – وإنفاذ وعده ، وفي وعيده ، وإنفاذ وعيده .

ولهذا كانت أسماء الله – جل وعلا – حسنى لاجتماع هذه المعاني فيها ، وقد ثبت في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما ، من حديث أبي الزِّنَاد عن الأعرج عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : « إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا – مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا – مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ »

هل أسماء الله محصورة في تسعة وتسعين اسما؟

وهنا نظر العلماء إلى أمرين : أولًا : معنى الحصر . ثانيا : معنى من أحصاها .

والكلام على الأمر الأول : أن قوله – عليه الصلاة والسلام – :« إن لله تسعًا وتسعين اسمًا » . ليس المراد بذلك الحصر ، ولكن هذا يراد به ترتب الثواب على هذه الأسماء .

قال أهل العلم : فلله – جل وعلا – أسماء كثيرة ، أكثر من التسعة والتسعين ، لكن التسعة والتسعون اسمًا ، تَرَتَّب عليها ثواب أن مَن أحصاها دخل الجنة .

ويدل على هذا الفهم – وهو فهم صحيح – قول النبي – صلى الله عليه وسلم – في حديث ابن مسعود المشهور : « مَا قَالَ عَبْدٌ قَطُّ إِذَا أَصَابَهُ هَمٌّ وَحَزَنٌ : اللهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ ، وَابْنُ عَبْدِكَ ، ابْنُ أَمَتِكَ ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي ، وَنُورَ صَدْرِي ، وَجِلَاءَ حُزْنِي ، وَذَهَابَ هَمِّي ، إِلَّا أَذْهَبَ اللهُ – عَزَّ وَجَلَّ – هَمَّهُ ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحًا » . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ؟ قَالَ : « أَجَلْ ، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ » .

فدل هذا الحديث على أن أسماء الله – جل وعلا – كثيرة ، لكن حديث أبي هريرة حَصَر تسعا وتسعين منها ، في أن من أحصاها دخل الجنة .

والأمر الثاني : معنى الإحصاء ، وهذا قد تكلم فيه العلماء كثيرا ، وخلاصة كلامهم أن الإحصاء يدور على ثلاثة معانٍ ، وله ثلاث مراتب :

أما المعنى الأول : أحصاها أي : عدّها . ودليلهم قول الله – جل وعلا – في القرآن ﴿ لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا ﴾ [ مريم : 94 ] ، والإحصاء هنا بمعنى العد .

والثاني : أحصاها أي : حفظها . ودليلهم قول الله –

 جل وعلا – ﴿ أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ ﴾ [ المجادلة : 6 ]

 يعني حفظه الله – سبحانه وتعالى – ونسوه .

والثالث : أحصاها أي : تَعَبَّد الله بها ، وعمل بمقتضاها . ودليلهم قوله –تعالى – ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ [ الأعراف : 180 ] .

ومعنى الإحصاء يشمل هذه الثلاثة : من عدها ، وحفظها ،وتعبد الله بها ؛دخل الجنة .نسأل الله الكريم أن يجعلنا من أهل الجنة ، بِمَنِّه وكرمه وعفوه ورحمته .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الحاديةعشرة بعد المئتين في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان : *أنواع المعرفة

أما عن مراتب إحصاء أسماء الله الحسنى فهي :

أولًا : أن تتعلم الأسماء ، يعني تعرف الله – جل وعلا – بأسمائه ، فمثلًا إذا سمعت اسما من أسماء الله لا تعرف معناه ، فعليك أن تبحث عن معناه ، فإذا سمعت اسم الله ” القدوس ” أو ” العزيز ” أو ” الجبار ” أو غيرها ، فعليك أن تبحث عن معناها ، فإذا لم تعرف معنى هذه الأسماء وغيرها من أسماء الله –جل وعلا – فهذا قصور .

ثانيا : أن تعرف ارتباط هذه الأسماء بآثار ما يُجْرِيه الله في الملكوت ، فمثلًا اسم الله ” الحليم ” ، من آثاره أننا نرى كفر الكفار،ونرى حلم الله بهم ،بإمهاله لهم ، وكثرة إنعامه عليهم ، إذا رأيت ذلك ، علمت أن الله حليم

ونرى الظالم يَظْلم ، والقاتل يَقْتُل ، والمسلمون

 يُستضعفون ، والله – جل وعلا – حليم ، لا

يعاجلهم بالعقوبة .

والله –جل وعلا – هو العزيز ، وهو الحكيم له الحكمة البالغة ، يُعِزّ من يشاء ، ويُذِلُّ مَن يشاء ، ونحن نرى في الكون آثار هذه الأسماء ، فهكذا علينا

 أن نفعل في بقية الأسماء .

فإذا علمت المرتبة الأولى ، فإنه سيأتيك في المتربة الثانية الربط بين هذه الأشياء ، وبين أسماء الله – جل وعلا – وصفاته ، وحينئذ ينتفي من قلب المؤمن خطرات المادية والإلحاد ، والظن بأن الأمور تجري هكذا ، دون من يُدَبّرها ، بل يربط الأشياء بأفعال الله جل وعلا وبأسمائه وصفاته ، فيكون عنده من النور في كل ما يرى ما لا يكون عند من لا يعلم .

ثالثا : أن يكون متعبدًا لله – جل وعلا – بها ، داعيًا

 لله – سبحانه وتعالى – بها ، لأن من ثمرات الإيمان العبادة – كما سيأتي إن شاء الله – فلا يُعقل أن يعلم شخص أسماء الله جل وعلا وصفاته،ثم لا يعبده وحده لا شريك له ، ولا يخضع له ، ولا ينكسر بين يديه ،أو لا يُخلص له،أو لا يُحسن الظن به،كل هذا يتنافى مع حقيقة الإيمان بأسماء الله جل وعلا  وصفاته .

وقول الله جل وعلا ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ [ الأعراف : 180 ] ،فنقول : جعل الله – جل وعلا – الأسماء الحسنى مستحقة له –سبحانه – ثم أمر عباده بقوله ﴿ فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ وهذا أمر ، والأمر هنا للوجوب والفرضية ، وقوله ﴿ فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ له ثلاثة معانٍ :

المعنى الأول : فادعوه بها : يعني اعبدوه بها ، فإنك إذا

 علمت الأسماء الحسنى ، وعلمت معانيها ، فإنك ستعبد الله – جل وعلا – بها ، لأن الآلهة المختلفة ، والأوثان والأصنام ، ومن عُبدوا من دون الله – جل وعلا – من البشر ، ومن الملائكة ، أو الأنبياء ، أو من الجن ، أو من الصالحين ، أو الطالحين ، كل هؤلاء لا يستحقون العبادة ، والذي يستحق العبادة هو من له الأسماء الحسنى ، البالغ في الكمال في جميع أنواعها ، وهو الله –جل وعلا – وحده لا شريك له .

وبهذا يكون المعنى الأول أي : فاعبدوه بها ، تعلّموها ، واعلموا معانيَها ، واعبدوا الله إيمانًا بما له –سبحانه – من الأسماء الحسنى .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الثانيةعشرة بعد المئتين في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان : *أنواع المعرفة، الدعاء بالأسماء

والمعنى الثاني : الثناء ، فقوله ﴿ فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ يعني أَثْنُوا على الله – جل وعلا – بها ، يعني بأثر هذه الأسماء ، فإذا علمت هذه الأسماء ، فإنك ستجد فيما بينك وبين ربك ، في أدعيتك ، وفي سجودك ، وفي ركوعك ، أبوابًا من الثناء على الله – جل وعلا – تُفتح عليك .

وتذكر هنا قول النبي – صلى الله عليه وسلم – في يوم الحشر الأعظم ، لما ذكر ما أصاب الناس ، ثم طلب الناس منه الشفاعة قال : « فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي ، فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ ، فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي وَقَعْتُ لَهُ سَاجِدًا ، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِي ، ثُمَّ يُقَالُ لِي : ارْفَعْ مُحَمَّدُ ، وَقُلْ يُسْمَعْ ، وَسَلْ تُعْطَهْ ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ ، فَأَحْمَدُ رَبِّي بِمَحَامِدَ عَلَّمَنِيهَا ، ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا ، فَأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ ، ثُمَّ أَرْجِعُ ».

ولهذا يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب المحدَّث الملهَم

–رضي الله عنه – : إني لا أحمل هم الإجابة ، وإنما أحمل هم الدعاء ،فإذا أُلهمت الدعاء ، فإن الإجابة معه .

فإذا كان أحدنا عندما يريد حاجة من بشر ، فإنه يبدأ حديثه ببعض الثناء على هذا المخلوق ، حتى يقضي له حاجته ، فإن الله – جل وعلا – أحق بالثناء ، وأحق بالحمد ، والله – جل وعلا – يُحب من عبده أن يحمده ، وأن يثني عليه ، وأن يوقِّره ، وأن يُجِلّه ، يحب أن يظهر أثر ذلك في دعاء العبد .

والمعنى الثالث : ﴿ فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ يعني اسألوه بها ، بمعنى توسلوا إلى الله – جل وعلا – بأسمائه وصفاته ، فأسماء الله متنوعة ، وصفاته متنوعة ، ومطالب الناس أيضًا كثيرة متنوعة ، وأسماء الله وصفاته لها آثارها وارتباطها ، بما يجري في الملكوت ، سواء في حياتك ، أو في حياة غيرك ، أو في السموات ، أو في الأرض ، فتسأل الله – جل وعلا – بالاسم المناسب ، أو بالصفة المناسبة لمطلوبك ، فإن هذا أحرى أن تجاب ، بعد أن تحمده وتثني عليه – جل وعلا – .

فلو انكسر شخص –مثلا – في أي أمر من أموره ، سواء كان دينيًّا أو دنيويًّا ، فهنا يسأل الله  جل وعلا

 بالأسماء المناسبة له ، فيقول : يا جبَّار اجبُر ضَعفي ، اجبر كسري ، يسأل باسم الله ” الرحيم ” ، يسأله باسمه ” الجواد ” ، يسأله باسمه ” الرافع ” ، يسأله باسمه ” المعز ” ، ” العزيز ” ، وهكذا .

كذلك إذا أردت النكاية في عدوك ، أو إذا أردت السلامة من الأعداء ، أو إذا أردت دفع الحسد والعين ، أو ما شابه ذلك ، وأعظمت التوكل عليه ، وسألته بأسمائه المناسبة لذلك ، فإنه أحرى أن يستجاب لك .

إذًا فمعنى ﴿ فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ أي فاعبدوه بها ، أثنوا عليه بها ، اسألوه بها .

لكن كيف يعبده ، ويثني عليه ويسأله ، وهو لم يتعلم الأسماء والصفات؟ ولذلك كان من السهل أن تحفظ التسعة والتسعين اسمًا ، فقد زُرنا بعض البلاد ، فوجدناهم يُعلّمون الأولاد في الابتدائي الأسماء التسع والتسعين ، في شبه نشيد ، وهذا يفتح عليك أبوابا من الإيمان إذا حفظتها ، لكن شريطة أن تعلم معناها ، وتعمل بمقتضاها ، كما قال ابن تيمية : إن في الدنيا جنة ، من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة .

يعني جنة الإيمان ، لذة الحياة الطيبة .

إذا تبين ذلك ، فأهل العلم قد نظروا فيما ذكرنا ، وتبين لهم أن أسماء الله – جل وعلا – وصفات الرب – جل وعلا – لها آثارها في الخلق والأمر ، يعني في ملكوت الله ومخلوقاته ، وفي أمره الكوني ، وأمره الشرعي ،وفي الجزاء ، وفي الوعد والوعيد ، وفي أنواع الحكمة،وما يحصل من أقدار الله جل وعلا وقضائه ، فتأملوا في الأسماء والصفات فقسّموها، ليَقْرُب  إلى الذهن معرفة الآثار ، والعمل بمقتضيات الإيمان .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الثانيةعشرة بعد المئتين في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان : *أنواع المعرفة

       صفات الجلال وصفات الجمال

وقد قسم ابن القيم – رحمه الله –: أسماء الله وصفاته إلى نوعين : أسماء جلال ، وأسماء جمال ، وهذه أخذها من قول الله – جل وعلا ﴿ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ [ الرحمن : 78 ] ، فهو –سبحانه – ذو الجلال ، وهو –سبحانه – ذو الإكرام ، والإكرام فيه معاني الجمال ، فيه الإكرام بالحياة ، والإكرام بالدين ، والإكرام في الدنيا ، والإكرام في الآخرة ، فيه الرحمة ، فيه كل ما يحصل للعبد من النعيم ، أو يندفع عنه من الأذى ، كل ذلك إنما هو بإكرام الله –

 جل وعلا – فهذه أنواع جمال .

ومن أنواع أسمائه وصفاته –جل وعلا – ما يتعلق بالإحاطة ، لأنه سبحانه محيط بكل شيء ، وذلك مثل اسم ” المهيمن ، الشهيد ، الرقيب ، المقيت ، العليم ، المحيط ” ، وهكذا ، فهذه الأسماء فيها معنى الإحاطة ، وأنه –سبحانه – لا تخفى عليه خافية .

وهناك صفات العزة والقدرة ، مثل : الرب والملك ، القدير ، القهار ، الجبار ، العزيز ، الخافض ، الرافع ، القابض ، الباسط ، المعز ، المذل ، هذه كلها فيها عزة ، وفيها قدرة ، تدل على أنه سبحانه على كل شيء قدير جل جلاله .

ومن أسمائه وصفاته ما يتعلق بالرحمة ، منها : الرحمن ،

 الرحيم ، الغفور ، الغفار ، الودود ، القريب الجواد

،وهكذا ، وهذه تتعلق برحمته بعباده .

وكل مجموعة من هذه المجموعات متعلقة بجميع ما ذكرنا ، من الخلق والملكوت وشرع الله جل وعلا وقدَره وبجزائه ووعده ووعيده ، وكل الأصناف ، وهنا ينظر العبد المؤمن – وهو يتأمل ذلك – فيرى أن أسماء الجلال ، من عزة الله وقدرته وجبروته –سبحانه – وملكه ، وأنه يُجير ، ولا يُجار عليه ، وأنه أمره نافذ ، وأنه الذي يخفض ويرفع ، فآثار كل هذه الصفات يراها في ملكوت الله ، في السماء ، ويراها في الأرض ، يراها في الناس ، يراها في نفسه .

وهكذا صفات الرحمة ، فإنه –سبحانه – وسعت رحمته كل شيء ، قال –تعالى – ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [ الأعراف : 156 ] ، فكل شيء وسعته

 الرحمة : العرش والملائكة ، وما دونهم .

بهذا ينبغي لك أن تتأمل ، بعد أن تتعلم الأسماء والصفات على النحو الذي ذكرنا ، وكل قسم تُعَلّقه بملكوت الله ، وبشرع الله ، وبأمره .

فلو نظرنا إلى صفة الحكمة –مثلا – فسنراها في خلقه ، ونراها أيضًا في دينه وشرعه ، ونراها في جزائه ، ونراها في جنته وناره ، في وعده ووعيده ، ولهذا وجب على الإنسان المؤمن أن تظهر ثمرات الإيمان بالأسماء والصفات على نفسه ، بعد تعلمه ومعرفته بأسماء الله وصفاته

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الثالثةعشرة بعد المئتين في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان : *أنواع المعرفة

ثمرات الإيمان بالأسماء والصفات:

أولًا : تحقيق ما أوجب الله – جل وعلا – من الإيمان به ، فالله – جل وعلا – أمرنا بالإيمان به ، فمن آمن بالأسماء والصفات جميعًا – كما أخبر الله – جل وعلا – بها ، وأخبر بها نبيه – صلى الله عليه وسلم – فقد حقق هذا الإيمان ، ومن حرَّف في ذلك ، ولم يؤمن بها جميعًا ، فلن تظهر ثمرات الإيمان على الحقيقة فيه ، من جهة أداء الواجب .

فنصيب المؤولة والمعطلة للأسماء والصفات – يعني الذين ينفون بعض أسماء الله – جل وعلا – أو يتأولونها على غير وجهها – ليس نصيبهم من هذا الإيمان كاملًا ، بل هو متأثر بما فرطوا وتركوا في ذلك ، فمنهم من بدعته في ذلك شديدة ، ومنهم من بدعته أقل ، ومنهم من بدعته كفرية ، في إنكاره للأسماء والصفات ، وتعطيله لذلك .

ثانيا : عبادة الله وحده لا شريك له ، كما ذكرنا عند قوله –تعالى – ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾   [ الأعراف : 180 ] ، فالإيمان بالأسماء والصفات يقود –حتمًا – إلى توحيد الله – جل وعلا – حق توحيده ، وأن يُعبد وحده لا شريك له ، لأن معنى الإيمان بتوحيد الأسماء والصفات ، أن تؤمن بأنه –سبحانه – هو الواحد الذي لا مثيل له ، لا في أسمائه ، ولا في صفاته .

فإذًا ما عُبِد من الأصنام والأوثان ، أو من الملائكة والأنبياء ، أو من الجن ، أو من الصالحين ، أو من

الطالحين ، من الموتى والأحياء ، كل هؤلاء فيهم نقص كبير في الذات وفي الصفات ، والذي يستحق العبادة هو الله – جل وعلا – فهو وحده الذي له الصفات الكاملة .

ولهذا قال أهل العلم : في القرآن ذكر الأسماء والصفات ، أو ذكر توحيد المعرفة والإثبات ،

 وهو توحيد الربوبية والأسماء والصفات ، ليقود إلى الإيقان بتوحيد الإلاهية ، فيُعبد الله

وحده لا شريك له .

فمن حقق توحيد الأسماء والصفات ، يعني آمن حقًّا بأنه –سبحانه – هو الذي له هذه الأسماء الحسنى ، وله هذه الصفات العلى ، فإنه حينئذ ليس أمامه إلا أن يعبده وحده لا شريك له ، ولذلك فشا الشرك في المعطلة ، وفشا في الذين ألحدوا في أسمائه ، قال –تعالى – ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [ الأعراف : 180 ] ، قال الطبري –رحمه الله – في تفسير هذه الآية([14]) : وكان إلحادهم في أسماء الله ، أنهم عدَلوا بها عمّا هي عليه ، فسموا بها آلهتهم وأوثانهم ، وزادوا فيها ونقصوا منها ، فسموا بعضها ” اللات ” اشتقاقًا منهم لها من اسم الله الذي هو ” الله ” ، وسموا بعضها ” العُزَّى ” اشتقاقًا لها من اسم الله الذي هو ” العزيز ” .

وهكذا أيضًا هناك من البشر مَن جعلوا لبعض الناس

 من الصفات مثل ما لله – جل وعلا – وبذلك يكونون قد ألحدوا في الأسماء ، فلما ألحدوا وقعوا في الشرك ، ولذلك ترى الموحّد في الأسماء والصفات ، يقوده ذلك إلى توحيد الله – جل وعلا – في العبادة فيعبد الله وحده لا شريك له .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الرابعة عشرة بعد المئتين في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *أنواع المعرفة : ثمرات الإيمان بالأسماء والصفات:

وهنا يجب أن نتأمل قول الله – جل وعلا ﴿ فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [ الأعراف : 180 ] ، وقوله ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [ الحشر : 23 ] ، لأن إثبات الأسماء تنزيه لله – جل وعلا – عن الشرك ، فمن أثبت الأسماء والصفات وعَلِمها ، وآمن بها على الحقيقة ، فإن ذلك تنزيه لله – جل وعلا – عن الشرك ، ولهذا كان المشركون يُلحدون في أسماء الله – جل وعلا – .

وفي هذه الأمة ، لما عطَّلت الباطنية ، وعدد من الفرق ، أو تأولت في أسماء الله – جل وعلا – فقد ألحدوا فيها ، سهُل عليهم أن يكون لبعض البشر بعض خصائص الله ، فوقعوا في الشرك ، والعياذ بالله .

ثالثا : المؤمن بالأسماء والصفات ، يَلين لسانه بحسن

 الثناء على الله ، ومَن أَكْثر الثناءَ على الله – جل وعلا – قَرُب منه ، وأحس في قلبه اللذة والحلاوة لمناجاته ، وهذه فتوح لا يعلمها إلا مَن ذَكرها من أهل العلم ، أو من عُلِّمَها ، لأنه يأتي للنفس من اللذة والحضور والسرور ،بالثناء على الله – جل وعلا – .

والذي لا يعلم الأسماء والصفات ، لا يؤمن بها على الحقيقة ، فلا يُفتح له باب الثناء على الله – جل وعلا – بأسمائه وصفاته .

رابعا : أنه يُفتح لك باب السؤال ، والدعاء الحسن لله – جل وعلا – في مطالبك ، لأن الله يقول ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ [ الأعراف : 180 ] ، فإذا سألت الله بما يناسب مطلوبك ، من أسمائه وصفاته ، تكون قد توسلت إلى الله –جل وعلا – بأعظم وسيلة ، لأن أعظم ما يُتوسل به إلى الله – جل وعلا – هو أن يُتوسل إليه  جل وعلا  بالله .

ولهذا كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول : « اللهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ ، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ » . فهذا سؤال لله – جل وعلا – بصفة من صفات الله – جل وعلا – .

خامسا : العلم بالكتاب والسنة ، وهي أعظم العلوم ، قال ابن القيم رحمه الله في نونيته :

العلم قال الله قال رسولُه *** قال الصحابة هم أولو العِرفان

ما العلم نَصْبُك للخلاف سفاهةً***بين الرسول وبين رأي فلان

كلا ولا جَحْد الصفات لربنا***في قالب التنزيه والسبحان

كلا ولا نفْي العُلُوّ لفاطر الأ***كْوان فوق جميع ذي الأكوان

كلا ولا عزل النصوص وأنها***ليست تفيد حقائق الإيمان

 والكتاب والسنة أكثر ما فيه وصف لله – جل وعلا – وبيان ما يستحقه سبحانه ، وبيان ما له – جل وعلا – ولذلك تجد أن أكثر الآيات مختومة بأسماء الله وصفاته ، فإذا لم يكن عندك علم بالأسماء والصفات التي ينتج عنها الإيمان ، فسيكون هناك نقص في معرفة الآيات ، وبالتالي سيكون هناك نقص في معرفتك بالقرآن ، ونقص في معرفتك بالسنة ،وهكذا .

سادسا : التدبر في ملكوت الله – جل وعلا – فقد قال الله – جل وعلا – ﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [ يونس : 101 ] ، وقال ﴿ أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [ الأعراف : 185 ] ، فإذا عظم العلم بالأسماء والصفات ، نظرت إلى الملكوت بنظرة أخرى ، نظرت إلى مخلوقات الله : من الجبال والنجوم والشمس والقمر والحجر والزواحف ، وغيرها من المخلوقات ، على أنها كلها تدل على الله جل وعلا .

ولهذا قال الحسن البصري – رحمه الله تعالى –: ما زال أهل العلم يعودون بِالتَّفَكُّرِ عَلَى التَّذَكُّرِ , وَبِالتَّذَكُّرِ عَلَى التَّفَكُّرِ , وَيُنَاطِقُونَ الْقُلُوبَ حَتَّى نَطَقَتْ , فَإِذَا لَهَا أَسْمَاعٌ وَأَبْصَارٌ , فَنَطَقَتْ بِالْحِكْمَةِ وَضَرَبَتِ الأَمْثَالَ , فَأَوْرَثَتِ الْعِلْمَ .

يعني تفكرنا في ملكوت الله ، وتفكرنا في أسماء الله وصفاته ، فأورث التفكر القلوب التذكر ، فرجعنا بالتذكر مرة أخرى على التفكر – يعني ابتدأ من جديد يتذكر بعدما بدأت في القلب الحياة – فحركنا القلوب بهما ، يعني ينتقل من التفكر إلى التذكر ، ثم يرجع من التذكر إلى التفكر ويزيد ، قال : فإذا لها أسماع وأبصار . يعني يسمع كلام الله – جل وعلا – وإذا به يرى فيه من الآيات والعِبر ما لم يكن في حسبانه سابقًا ، ويبصر في ملكوت الله ما لم يكن يبصره سابقًا ، والإلف يحجز العِبرة ، فنحن نألف الشمس ، ونألف القمر ، ونألف أنفسنا ، نألف حياتنا ، نألف طعامنا ، نألف الشراب ، لكن هذا الإلف يُبْعد النظر عن الاعتبار ، ولذلك كان من أهم استيقاظ القلب العلم بالأسماء والصفات [ الأنترنت – موقع الشيخ صالح آل الشيخ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الخامسة عشرة بعد المئتين في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*من آداب الإنترنت .. مراقبة الله سبحانه

   طالبٌ نجيب يتقد حماسًا ويثور ذكاءً ، اهتم به معلمه ، وظل يحسن تربيته ورعايته نظير هذا الذكاء وتلك الحماسة ، وظل ذلك المعلم يعمّق في طالبه هذا القيم السامية ، ويهتم بالمعاني والآثار المترتبة على تعليمه ، ويجهد في ذلك جهدًا عظيمًا . وفي يوم من الأيام أراد أن يجرّب أثر ذلك التعليم على أرض الواقع ، فجمع الطلاب حوله وأعطى كلاّ منهم طائرًا ، وقال لكل واحد منهم : اذبح هذا الطائر حيث لا يراك أحد ، مضى كلّ منهم إلى جهة ، وتستّر ما استطاع ، وغيّب كل منهم نظر الناس والدواب والحشرات عما يريد وذبح طائره ، ورجع هؤلاء الطلاب وكلّ قد تخلّص من ذلك الطائر غير طالب واحد – هو الطالب النجيب - عاد بطائره بين يديه ، فسأل المعلم المربي كل واحد من أولئك الطلاب : أين ذبح طائره ؟ فكلهم ذبحوا ذلك الطائر واجتهدوا أن لا يراهم أحد ، وكانوا كلهم يتطلعون لثناء معلّمهم ، فالتفت المعلّم إلى صاحب الطائر وقال له : لماذا عدت بالطائر بين يديك ؟ فقال قولاً فصلاً قال فيه : إنك أمرتني أن أذبحه في مكان لا يراني فيه أحد ، وقد اجتهدت غير أني لم أجد مكانًا يندّ عن نظر الله تعالى ، فعدت إليك بالطائر حيًّا ،أنّى لي أن أجد مكانًا خاليًا من نظر الله تعالى ؟!

هناك الكثير ممن يدخلون إلى شبكة الإنترنت –

 بشكل عام – ممن لا يضعون في اعتبارهم أن الله – تبارك وتعالى – مطِّلع عليهم ، يعلم ما يكتبون ، وما يقولون ، وكل ما يفعلون ، فنراهم لا يعرفون لله حرمة ، فقد ينتهكون خصوصيات غيرهم ، وربما يعتدون على الناس بسبٍّ ، أو قذف ، أو نحو هذا ، وكل هذا لأنهم غاب عن أذهانهم أن الله – تعالى – رقيب على الإنسان .

التحذير من انتهاك الحرمات :

عن ثوبان – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : « لأعلمن أقوامًا من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضًا ، فيجعلها الله عز وجل هباءً منثورًا ». قال ثوبان : يا رسول الله ، صفهم لنا ، جلهم لنا ، أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم . قال : « أما إنهم من إخوانكم ، ومن جلدتكم ، ويأخذون من الليل كما تأخذون ، ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها » [أخرجه ابن ماجه (2/1418 ، رقم 4245) ، قال البوصيرى (4/246) : هذا إسناد صحيح رجاله ثقات . والرويانى (1/425 ، رقم 651) . وأخرجه أيضًا : الطبرانى فى الأوسط (5/46 ، رقم 4632) ، وفى الصغير (1/396 ، رقم 662) ، والديلمى (5/131 ، رقم 7715) .]

فأولئك القوم ، الذي يحسبون لمراقبة الناس ألف حساب ، ويزنون الأعمال عند سمعهم ونظرهم أدق ما تكون ، فإذا انصرفت عنهم أعين الناس , وبعدت عنهم أسماعهم ، وجدوا عند ذلك مجالاً فسيحًا إلى أن ترسل الأبصار إلى الحرام ، وتبطش الأيدي في الحرام ، وتتحرك الأقدام إلى الحرام .

فغاب عنهم في تلك الحال أنهم ما خلوا إلا عمن لا يملك لهم جزاءً ولا حسابًا ، ولا يملك لهم نفعًا ولا ضرًا , ونسوا أن الذي يملك الجزاء والحساب ، وبيده النفع والضر يسمع كلامهم ، ويرى مكانهم ، ويعلم منهم مسارعتهم في مخالفته يوم أن غابت عنهم الأبصار التي عظموها ، وهان عليهم نظر الواحد الأحد إليهم .

وكم من الناس من إذا كنت معه أرسل اللسان بالتسبيح والتحميد والتهليل ، وأرسل النظر تفكرًا في الآيات الأفقية والنفسية ، ومعّر الوجه أمام تلك المنكرات التي يُغزى بها العباد ، حتى إذا غادرت إلى حيث لا تعلم حاله ، إما في داره وقد أوثق رتاجها ، أو مسافرًا إلى بلدٍ صار كالغريب فيها ، فلا أهل ولا معارف يطلعون على حاله , فهناك يتبدل ذلك اللسان الذاكر مزمارًا يردد ألحان الشياطين،وتكون تلك العيون هدفًا يستقبل كل سهم مسموم ، ويستحيل ذلك الوجه باسمًا أمام المنكرات التي كان متمعّرًا منها .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة السادسة عشرة بعد المئتين في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

*من آداب الإنترنت .. مراقبة الله سبحانه

رقابة الله عز وجل على كل شيء :

قال – تعالى – ﴿ إن الله كان عليكم رقيبا ﴾ [سورة النساء : الآية 1 .]، قال ابن كثير [التفسير 2/206 .] : ” أي هو مراقب لجميع أعمالكم ، وأحوالكم ” .

وقال – تعالى – ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [سورة ق : الآية 18 . ]، أي : ” إلا ولها من يراقبها معتدّ لذلك يكتبها ، لا يترك كلمة ، ولا حركة ” [راجع تفصيل الكلام في تفسير ابن كثير 7/398 .]

وقال تعالى﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ

بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾ [ سورة ق : الآية 16 .]، قال ابن كثير – رحمه الله – [التفسير 7/398 . ]: يخبرتعالى عن قدرته على الإنسان بأنه خالقه وعمله ، محيط بجميع أموره ، حتى إنه تعالى يعلم ما توسوس به نفوس بني آدم من الخير والشر .

وقال تعالى﴿ وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴾ [سورة الإسراء : الآية 13-14 . ]، قال ابن كثير [التفسير 5/50 . ]: يقول – تعالى – بعد ذكر الزمان ، وذِكر ما يقع فيه من أعمال بني آدم ﴿ وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ﴾ ، وطائره : هو ما طار عنه من عمله  كما قال ابن عباس ، ومجاهد ، وغير واحد :من خير ، وشر ،

 يُلزم به ، ويجازى عليه

وقال الله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [سور المجادلة : الآية 7 .] ، قال ابن كثير رحمه الله تعالى: ” يقول تعالى مخبرًا عن إحاطة علمه بخلقه واطلاعه عليهم وسماعه كلامهم ورؤيته مكانهم حيث ما كانوا وأين ما كانوا… فيطلع عليهم، ويسمع كلامهم وسرهم ونجواهم، ورسله أيضًا مع ذلك تكتب ما يتناجون به مع علم الله تعالى به، وسمعه لهم” [تفسير ابن كثير ( 8/ 41 ) .]

والله تعالى قد قرر هذا المعنى في كتابه كثيرًا ، ولفت

 أنظار المتفكرين في كتابه إليه ، كما قال تعالى : ﴿ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ﴾ [سورة التوبة : الآية 78 . ]، وقال تعالى: ﴿ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ﴾ [سورة الزخرف : الآية 80 . ]، وقال تعالى : ﴿ يَوْمَ يَبْعَثُهُمْ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [سورة المجادلة : الآية 6 . ]، قال ابن كثير رحمه الله تعالى: “شهيد على أفعالهم، حفيظ لأقوالهم، عليم بسرائرهم وما تكن ضمائرهم” [تفسير ابن كثير ( 5/ 402 ) . ]، وقال السعدي رحمه الله تعالى: “الشهيد المطلع على جميع الأشياء، سمع جميع الأصوات خفيها وجليها، وأبصر جميع الموجودات دقيقها وجليلها، صغيرها وكبيرها، وأحاط علمه بكل شيء، الذي شهد لعباده

 وعلى عباده بما عملوه”[تفسير السعدي ( ص 948 ) ..]

كما قال تعالى وهو يخبر عن يوم القيامة واطلاع الله تعالى على أعمال الأمم: ﴿ فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ ﴾ [سورة الأعراف : الآيتان 6، 7 . ]، قال الأصبهاني رحمه الله تعالى: “فينبغي لكل عامل أراد عملاً صغر العمل أو كبر أن يقف وقفة عند دخوله فيه، فيعلم أن الله تعالى شهيد عليه، فيحاسب نفسه، فإن كان دخوله فيه لله وإلا رد نفسه عن الدخول فيه وتركه” .

وقال الله تعالى وهو يقرر هذه الرقابة الربانية: ﴿ وَمَا

 تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [سورة يونس : الآية 61 . ]، وقال تعالى : ﴿ يَسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنْ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنْ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ﴾ [سورة النساء : 108 ].وجاء في الحديث بيان أن الكلمة قد تكون سببا في الهَوِيِّ في نار جهنم – والعياذ بالله – فقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم – : « إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ، لا يلقي لها بالا ، يرفعه الله بها درجات ، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سَخط الله ، لا يلقي لها بالا ، يهوي بها في جهنم » [أخرجه البخاري (5/2377 ، رقم 6113) .]قال النووي – رحمه الله – [شرح مسلم 18/117 .] [أخرجه البخاري (5/2240 ، رقم 5673) ، ومسلم (1/69 ، رقم 48) ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة السابعة عشرة بعد المئتين في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

*من آداب الإنترنت .. مراقبة الله سبحانه

رقابة الله عز وجل على كل شيء :

وينبغي لمن أراد النطق بكلمة،أو كلام أن يتدبره في نفسه قبل نُطقه،فإن ظهرت مصلحته تكلم،وإلا أمسك

وقال ابن رجب[1/194 .] : قال بعض السلف : من عمل لله على المشاهدة فهو عارف ، ومن عمل على مشاهدة الله إياه فهو مخلص . فهذان مقامان ، أحدهما : مقام المراقبة ، وهو أن يستحضر العبد قُرب الله منه ، واطلاعه عليه فيتخايل أنه لا يزال بين يدي الله

 ، فيراقبه في حركاته ، وسكناته ، وسره ، وعلانيته ،

 فهذا مقام المراقبين المخلصين ،وهو أدنى مقام الإحسان

والثاني : أن يشهد العبد بقلبه ذلك شهادة ، فيصير كأنه يرى الله ويشاهده ، وهذا نهاية مقام الإحسان ، وهو مقام العارفين .

ولكل صوت منه سمع حاضر***فالسر والإعلان مستويان

والسمع منه واسع الأصوات لا***يخفى عليه بعيدها والداني

وهو البصير يرى دبيب النملة ***الــسوداء تحت الصخر والصوان

يرى مجاري القوت في أعضائها***ويرى بياض عروقها بعيان

ويرى خيانات العيون بحطها***ويرى كذاك تقلب الأجفان

وهو العليم أحاط علمًا بالذي***في الكون من سر ومن إعلان

وبكل شيء علمه سبحانه*** فهو المحيط وليس ذا نسيان

تعريف المراقبة :

 إن النبي – صلى الله عليه وسلم – قد عرَّف المراقبة في ثنايا حديث جبريل المشهور عندما جاءه في صورة رجل ، ثم سأله عن الإحسان ، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – : « أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك » [أخرجه البخاري (1/27 ، رقم 50) ، ومسلم (1/39 ، رقم 9) .. ] قال الحافظ ابن حجر [فتح الباري 1/120 .] الإحسان هو مصدر ، تقول أحسن يحسن إحسانا ، ويتعدى بنفسه ، وبغيره ، تقول : أحسنت كذا . إذا أتقنته ، وأحسنت إلى فلان . إذا أوصلت إليه النفع ، والأول هو المراد ، لأن المقصود إتقان العبادة ، وقد يُلحظ الثاني بأن المُخْلِص – مثلا – محسن بإخلاصه إلى نفسه ، وإحسان العبادة الإخلاص فيها ، والخشوع ، وفراغ البال حال التلبس بها ، ومراقبة المعبود ، وأشار في الجواب إلى حالتين ، أرفعهما أن يغلب عليه مشاهدة الحق بقلبه ، حتى كأنه يراه بعينه ، وهو قوله « كأنك تراه » أي وهو يراك ، والثانية أن يستحضر أن الحق مُطَّلِع عليه ، يرى كل ما يعمل ، وهو قوله

« فإنه يراك » . وهاتان الحالتان يثمرهما معرفة الله وخشيته ، وقد عبر في رواية عُمارة بن القَعقاع بقوله : « أن تخشى الله كأنك تراه » . وكذا في حديث أنس .

وقال النووي : معناه أنك إنما تراعي الآداب المذكورة إذا كنت تراه ويراك لكونه يراك ، لا لكونك تراه ، فهو

دائما يراك ، فأحسِن عبادته ، وإن لم تره ، فتقدير الحديث : فإن لم تكن تراه فاستمِرَّ على إحسان العبادة ، فإنه يراك .

قال : وهذا القدر من الحديث أصل عظيم من أصول الدين ، وقاعدة مهمة من قواعد المسلمين ، وهو عمدة الصِّدِّيقين ، وبُغْية السالكين ، وكنز العارفين ، ودَأْب الصالحين ، وهو من جوامع الكلم التي أوتيَها – صلى الله عليه وسلم – وقد ندب أهل التحقيق إلى مجالسة الصالحين ، ليكون ذلك مانعا من التلبس بشيء من النقائص احتراما لهم ، واستحياء منهم ، فكيف بمن لا يزال الله مطلعا عليه في سِرِّه وعلانيته .

وقال ابن القيّم – رحمه الله – [مدارج السالكين 2/67 . ]: المراقبة هي التعبد باسمه الرقيب ، الحفيظ ، العليم ، السميع ، البصير ، فمن عقَل هذه الأسماء ، وتعبد بمقتضاها حصلت له المراقبة والله أعلم .

وقال أيضا [مدارج السالكين 2/65 .] : المراقبة دوام علم العبد وتيقنه باطلاع الحق – سبحانه وتعالى – على ظاهره وباطنه .

وقال ذو النُّون : علامة المراقبة إيثار ما أنزل الله ،وتعظيم ما عظَّم اللهُ،وتصغير ما صغَّر الله

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الثامنة عشرة بعد المئتين في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

*من آداب الإنترنت .. مراقبة الله سبحانه

رقابة الله عز وجل على كل شيء :

وقال المحاسبيّ: المراقبة:دوام علم القلب بعلم اللّه- عزّ

 وجلّ- في السّكون والحركة علما لازما مقترنا بصفاء اليقين.أمّا أوّل المراقبة فهو علم القلب بقرب الرّبّ عزّ وجلّ [الوصايا للمحاسبى (313) بتصرف واختصار.]

وقال الغزالي : اعلم أنّ حقيقة المراقبة هي ملاحظة الرّقيب وانصراف الهمم إليه، فمن احترز من أمر من الأمور بسبب غيره، يقال إنّه يُراقب فلانا، ويراعي جانبه، ويعني بهذه المراقبة حالة للقلب يثمرها نوع من المعرفة، وتثمر تلك الحالة أعمالا في الجوارح وفي القلب. أمّا الحالة فهي مراعاة القلب للرّقيب واشتغاله به والتفاته إليه وملاحظته إيّاه وانصرافه إليه. وأمّا المعرفة الّتي تثمر هذه الحالة فهي العلم بأنّ اللّه مطّلع على الضّمائر، عالم بالسّرائر، رقيب على أعمال العباد، قائم على كلّ نفس بما كسبت، وأنّ سرّ القلب في حقّه مكشوف كما أنّ ظاهر البشرة للخلق مكشوف بل أشدّ من ذلك. فهذه المعرفة إذا صارت يقينا- أعني أنّها خلت عن الشّكّ- ثمّ استولت بعد ذلك على القلب قهرته؛ فربّ علم لا شكّ فيه لا يغلب على القلب كالعلم بالموت، فإذا استولت على القلب استجرّت القلب إلى مراعاة جانب الرّقيب وصرفت همّه إليه؛ والموقنون بهذه المعرفة هم المقرّبون، وهم ينقسمون إلى الصّدّيقين وإلى أصحاب اليمين[انظر إحياء علوم الدين للغزالي (4/ 398).].

كيف تكون المراقبة :

إن كثيرا من الناس ربما يخفى عليهم معنى كلمة المراقبة ، أو صورتها ، أو كيفية تحصيلها ، ومن أفضل من تكلم في هذا الباب الحافظ ابن رجب الحنبلي – رحمه الله – في كتابه الماتع المسمى. [جامع العلوم والحكم صـ 162 . ]:

قال – رحمه الله –معناه لا يتدبرها ، ويفكر في قبحها ، ولا يخاف ما يترتب عليها ، وهذا كالكلمة عند السلطان وغيره من الولاة ، وكالكلمة تقذف ، أو معناه كالكلمة التي يترتب عليها إضرار مسلم ، ونحو ذلك ، وهذا كله حَثٌّ على حِفظ اللسان ، كما قال – صلى الله عليه وسلم – : « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل

 خيرا ، أو ليصمت »

  وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول في دعائه : « أسألك خشيتك في الغيب والشهادة » [ أخرجه ابن أبي شيبة(6/44 ، رقم 29346) ، وأحمد (4/264 ، رقم 18351) ، والنسائي (3/54 ، رقم 1305) ، والحاكم (1/705 ، رقم 1923) وقال : صحيح الإسناد . وصححه الألباني في الاحتجاج بالقدر صـ 90 .]

وخشية الله في الغيب والشهادة هي من المنجيات ، وقد سبق من حديث أبي الطُّفَيْل عن معاذ أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال له : "اسْتَحِ من الله استحياء رجل ذي هيبة من أهلك كذا في جامع العوم ، وهو عند الطبراني بلفظ : « كما تستحيي رجلا من رهطك ذي هيئة » » [أخرجه الطبراني (8/228 ، رقم 7897) . قال الهيثمي (6/148) : فيه على بن يزيد ، وهو ضعيف . وأخرجه البزار (7/89 ، رقم 2642) قال الهيثمي (8/23) : فيه ابن لهيعة وفيه لين ، وبقية رجاله ثقات . ومحمد بن نصر في تعظيم قدر الصلاة (2/827 ، رقم 825) . وصححه الألباني في الصحيحة 3559] وهذا هو السبب الموجب لخشية الله في السر ، فإنَّ مَن عَلم أن الله يراه حيث كان ، وأنه مطَّلع على باطنه وظاهره ، وسره وعلانيته ، واستحضر ذلك في خَلَواته ، أوجب له ذلك ترك المعاصي في السر ، وإلى هذا المعنى الإشارة في القرآن بقوله – تعالى – ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [سورة النساء : الآية 1 .]

كان بعض السلف يقول لأصحابه : زَهَّدنا الله وإيَّاكم في الحرام زُهْدَ مَن قدر عليه في الخلوة ، فعلم أن الله يراه فتركه من خشيته . أو كما قال .

وقال الشافعي : أعَزُّ الأشياء ثلاثة : الجُود من قِلَّة ، والوَرَع في خَلْوة ، وكلمة الحق عند من يُرجى ، أو يُخاف .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة التاسعة عشرة بعد المئتين في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

*من آداب الإنترنت .. مراقبة الله سبحانه

رقابة الله عز وجل على كل شيء :

وكتب ابن السماك الواعظ إلى أخ له : أما بعد أوصيك بتقوى الله الذي هو نَجِيُّك في سريرتك ، ورقيبك في علانيتك ، فاجعل الله من بالك على كل حال ، في ليلك ونهارك ، وخَفِ الله بقدر قُرْبه منك ، وقدرته عليك ، واعلم أنك بِعَيْنه ، ليس تخرج من سلطانه إلى سلطان غيره ، ولا من مُلكه إلى ملك غيره ، فَلْيَعْظُم منه حِذْرُك ، وليكثر منه وَجَلُك ، والسلام .

قال أبو الجلد : أوحى الله – تعالى – إلى نبي من

 الأنبياء : قل لقومك : ما بالكم تسترون الذنوب من خَلقي ، وتُظهرونها لي ؟ إن كنتم ترون أني لا أراكم ، فأنتم مشركون بي ، وإن كنتم ترون أني أراكم فَلِمَ تجعلونني أهون الناظرين إليكم .

وكان وَهْبُ بن الوَرْد يقول : خَفِ الله على قَدْر قُدْرَتِه عليك ، واستحي منه على قدر قُرْبه منك .

وقال له رجل : عِظني . فقال له : اتِّق الله أن يكون أهون الناظرين إليك .

وكان بعض السلف يقول : أتُراك ترحم مَن لم يُقِرَّ عينيه بمعصيتك ، حتى علم ألا عَيْن تراه غيرك .

وقال بعضهم : ابنَ آدمَ إن كنت حيث ركبت المعصية لم تَصْفُ لك من عيني ناظرة إليك ، فلما خلوت بالله وحده صَفَت لك معصيته ، ولم تَسْتَحِ منه حياءك مِنْ بعض خلقه ، ما أنت إلا أحد رَجُلَين : إن كنت ظننت أنه لا يراك ، فقد كَفَرْت ، وإن كنت علمت أنه يراك ، فلَم يمنعك منه ما منعك مِن أضعَفِ خلقه لقد اجترأت .دخل بعضهم غَيْضَة [الغيضة هي الأجمة ، وهي الشجر الملتف . اللسان : غيض .ذات شجر ، فقال : لو خَلَوت ها هنا بمعصية من كان يراني ؟]  فسمع هاتفا بصوت مَلَأَ الغيضة : ألا يعلم مَن خلق وهو اللطيف الخبير ؟ راود بعضهم أعرابية ، وقال لها : ما يرانا إلا الكواكب . قالت : أين مُكَوْكِبُها .

رأى محمد بن المُنْكَدِر رجلا واقفا مع امرأة يُكَلِّمها ، فقال : إن الله يراكما ، سترنا الله وإياكما .وقال الحارث المحاسبي : المراقبة عِلْمُ القَلْب بِقُرْب الرَّبِّ .وسئل الجُنَيْد : بِمَ يُسْتَعان على غَضِّ البصر؟ قال : بِعِلْمِك أن نظر الله إليك أسبق إلى ما تَنْظره وكان الإمام أحمد يُنْشِد :

إذا ما خَلوتَ الدَّهرَ يومًا فلا تقلْ ***خلوتُ ولكن قل عَلَيَّ رقيبُ

فلا تَحسَبَنَّ الله يَغفَلُ ساعةً***      ولا أنَّ ما يخْفى عَليْه يَغيبُ

وكان ابن السماك يُنْشِد :

يا مُدْمِنَ الذَّنْب أما تستحي***والله في الخَلْوَة ثانيكا

       غَرَّك من ربك إمْهَالُه***وسِتْره طول مساويكا

والمقصود أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لما وصى مُعاذا بتقوى الله سرًّا وعلانية ، أرشده إلى ما يُعِينُه على ذلك ، وهو أن يستحيي من الله كما يستحيي من رجل ذي هيبة من قومه ، ومعنى ذلك أن يستشعر دائما بقلبه قُرْب الله منه ، واطِّلاعه عليه فيستحيى مِن نَظَره إليه

وقد امْتَثَل معاذ ما وصاه به النبي – صلى الله عليه وسلم – وكان عمر قد بعثه على عمل ، فقدم وليس معه شيء فعاتبته امرأته ، فقال : كان معي ضاغِطٌ . يعني مَن يُضَيِّق عَلَيَّ ، ويمنعني مِن أَخْذِ شيء ، وإنما أراد معاذ رَبَّه – عز وجل – فظَنَّت امرأته أن عمر بعث معه رقيبا ، فقامت تشكوه إلى الناس .

ومن صار له هذا المقام حالًّا دائما ، أو غالبا ، فهو من المحسنين الذين يعبدون الله كأنهم يرونه،ومن المحسنين الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللَّمَم .

وفي الجملة ، فتقوى الله في السر هو علامة كمال الإيمان ، وله تأثير عظيم في إلقاء الله لصاحبه الثناء في قلوب المؤمنين ، وفي الحديث : « ما أسَرَّ عبد سَرِيرَةً إلا ألبسه الله رداءها علانية ، إنْ خَيْرا فَخَيْر ، وإن شَرًّا فَشَر »[. روي هذا مرفوعا ، وروي عن ابن مسعود من قوله ،أخرجه الطبراني في الكبير (2/171 ، رقم 1702) ، وفي الأوسط (8/43 ، رقم 7906) قال الهيثمي (10/225) : فيه حامد بن آدم ، وهو كذاب . وضعفه الألباني في الضعيفة 237 .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة العشرون بعد المئتين في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*من آداب الإنترنت .. مراقبة الله سبحانه

رقابة الله عز وجل على كل شيء :

.وقال أبو الدرداء لِيَتَّق أحدكم أن تلعنه قلوب المؤمنين وهو لا يشعر،يخلو بمعاصي الله ، فَيُلْقِي الله له البُغْض في قلوب المؤمنين .

وقال سليمان التَّيْمِيُّ : إن الرَّجُل لَيُصِيبُ الذَّنْب في السِّرِّ ، فيصبح وعليه مذلته .

وقال غيره : إن العبد لَيُذْنب الذنب فيما بينه وبين الله ، ثم يجيء إلى إخوانه فيرون أثر ذلك عليه .

وهذا من أعظم الأدلة على وجود الإله الحق المُجَازي

بِذَرَّات الأعمال في الدنيا قبل الآخرة ، ولا يَضيع عنده عَمَلُ عَامِل ، ولا ينفع مِن قُدْرَتِه حِجَابٌ ، ولا اسْتِتَار ، فَالسَّعِيد مَن أصلح ما بينه وبين الله ،فإنه مَن أصلح ما بينه وبين الله ، أصلح الله ما بينه وبين الخلق ، ومَن التَمَس مَحَامِد الناس بسخط الله عاد حَامِدُه من الناس ذَامًّا له .

قال أبو سليمان : إن الخاسر مَن أبدى للناس صالح عمله،وبَارَزَ بالقبيح مَنْ هو أقرب إليه من حبل الوريد

أنواع المراقبة :

اعلم – رحمك الله – أن أفعال العبد تحتاج دائما إلى مراقبة الله – جل وعلا – فيها ، لكي تكون مقبولة عند الله – تبارك وتعالى – وهذه الأفعال لا تخلو من أن تكون من الأوامر الشرعية ، التي كلف الله بها العبد على سبيل الإلزام – وهي الفرائض – أو على سبيل الندب ، وهي المستحبات ، أو تكون من المنهيات ، وهي المحرمات ، أو المكروهات ، أو من الأمور المسكوت عنها ، التي لم يرد فيها أمر ولا نهي ، وهي المباحات ، ومن هذه الجهة يمكن لنا أن نقسم المراقبة إلى أنواع ثلاثة ، وهي :

1-مراقبة العبد عند القيام بالطاعة :

إذ يجب على كل إنسان أن يراقب نفسه قبل أي عمل ، فيسأل نفسه عن الباعث لهذا العمل ، هل الباعث عليه طاعة الله – تبارك تعالى – أو الرياء ، أو الهوى ؟ فإن كان لله أمضاه ، وإن كان لغيره تركه ، وهذا هو الإخلاص .

قال – تعالى – ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ

 عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾  سورة الكهف : الآية 110 .، قال الطبري [التفسير 18/135 .] : ولا يجعل له شريكًا في عبادته إياه ، وإنما يكون جاعلا له شريكًا بعبادته إذا راءى بعمله الذي ظاهره أنه لله وهو مريد به غيره .

وقد قال الله – عز وجل – في الحديث القدسي : « أنا أغنى الشُّركاء عن الشرك ، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تَرَكْتُه وشِركه » [أخرجه مسلم (4/2289 ، رقم 2985) .وهذا من المراقبة عند أداء الطاعات ، إذ لا يقبل الله – جل وعلا – الطاعة إلا بها .

2-مراقبة العبد إذا هَمَّ بمعصية :

فقد تُسَول للإنسان نفسه أن يقوم بمعصية ، فإذا وُجدت المراقبة كانت سببا للامتناع عنها ،

فتحدث المراقبة تركا للمعصية ، وتوبة إلى الله – جل وعلا – ، فإذا هممت بمعصية فانظر إلى من تعصي ، واعلم أن الله يراك ، وأنه يحب أن يراك في طاعته ، ويبغض منك أن تعصيه ، فإذا هممت بالنظر إلى محرم ، فتذكر أن نظرك نعمة أنعم الله بها عليك ، فلا يعقل أن ينعم الله – عز وجل – عليك بنعمة ، فتستعملها في معصيته .وإذا هممت باستعمال أي جارحة فيما يغضب الله – جل وعلا – فتذكر أن هذه النعمة من الله ، لا يجوز لك أن تعصيه بنعمه ، فهذا ليس من فعل الكرام .وتذكر أن الله – جل وعلا – الذي وهب لك هذه النعم قادر على أن يسلبها منك ، فاتق الله فيما وهبك الله من نعم يحفظها الله لك بمَنِّه وكرمه .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الواحدة والعشرون بعد المئتين في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :

*من آداب الإنترنت .. مراقبة الله سبحانه

رقابة الله عز وجل على كل شيء (أنواع المراقبة )

3-مراقبة العبد في المباحات :

ويكون ذلك بمراعاة الآداب الشرعية في هذه المباحات ، وشكر الله – جل وعلا – عليها ، فكم من نعمة أنعم الله بها علينا ، وكل نعمة لا بد أن يكون لها شكر ، قال – تعالى – ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [سورة إبراهيم : الآية 7 .، قال ابن كثير (41) 41)في التفسير 4/479 .: أي لئن شكرتم نعمتي عليكم لأزيدنكم منها .

فاحمد الله – جل وعلا – على أن أحَلَّ الحلال ،

 وحرَّم الحرام ، وراقبه في ذلك ، والتزم الآداب الشرعية فيما أباحه الله ، فإن فعلت كنت من الذين يعبدون الله كأنهم يرونه ، فتحصل بذلك على مرتبة الإحسان التي أخبرنا بها نبينا – صلى الله عليه وسلم – .

ثمرات المراقبة :

اعلم – رحمك الله – أن المراقبة لها ثمرات عظيمة ، يعود نفعها على المرء في الدنيا والآخرة ، قال ابن القيم – رحمه الله – [مدارج السالكين 2/28 .: والمراقبة تثمر عمارة الوقت ، وحفظ الأيام ، والحياء ، والخشية ، والإنابة ويمكن أن نذكر بعض هذه الثمرات في عدة نقاط،وهي :

أولا : الكف عن المعصية :

فمن أعظم ثمرات المراقبة أنها تنهى صاحبها عن الوقوع في المعاصي ، لأنه دائما يعلم أن الله – تبارك وتعالى – ناظر إليه ، وقد بين ذلك النبي  صلى الله عليه وسلم[القصة بتمامها مخرجة في صحيحي البخاري (2/821 ، رقم 2208) ، ومسلم ( 8/89 ، رقم 7049) . ]

في قصة هؤلاء الثلاثة الذين آووا إلى كهف ليحميهم من المطر ، فوقعت صخرة فسدَّت عليهم باب الغار ، فلم يستطيعوا أن يخرجوا حتى كادوا يموتون ، فقال بعضهم لبعض : انظروا أعمالا عملتموها صالحة لله ، فادعوا الله – تعالى – بها ، لعل الله يفرجها عنكم . فقال أحدهم : اللهم إنه كانت لي ابنة عمّ أحببتها كأشدّ ما يحب الرجال النساء ، وطلبت إليها نفسها ، فأبَت حتى آتيها بمائة دينار ، فتعبت حتى جمعت مائة دينار ، فجئتها بها ، فلما وقعت بين رِجْلَيها قالت : يا عبد الله اتَّق الله ، ولا تفتح الخاتم إلا بحقه . فقمت عنها ، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك ، فافرُج لنا منها فرجة ، ففرج لهم . فانظر إلى هذا كيف أنه كف عن هذه الجريمة – وهي جريمة الزنا – لما أدرك أن الله ناظر إليه ، رقيب عليه .

ثانيا : حدوث الرقة في القلب :

فكل من يدرك أن الله – جل وعلا – رقيب عليه ، عالم بما تُحَدِّثه به نفسه ، لا بد أن يَحْدُث في قلبه نوع من الرقة ، والسكينة ، فهو دائما متأثر بكلام الله – تارك وتعالى – وكلام نبيه – صلى الله عليه وسلم – ليس فظًّا ولا غليظا ، بل هو رقيق الطبع ، خاشع لله ، وهذا ما أشار إليه النبي – صلى الله عليه وسلم – بقوله : « سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ : الإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ : إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ . وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ » [ أخرجه البخاري (1/234، رقم 629) ، ومسلم (2/715 ، رقم 1031) ]

فهذا الرجل ذكر الله جل وعلا في حال خلوته ، فاستشعر أن الله معه،مطلع عليه،رقيب عليه ، فحرك ذلك رقة ، وخشية في قلبه من مولاه وسيده فبكى .

ثالثا : المسارعة في الطاعات :

من ثمرات المراقبة أنها تحث صاحبها على المسارعة في الطاعات ، والإكثار منها ، فالذي يعلم أن الله رقيب عليه لا بد أن يسعى إلى أن يريه من نفسه خيرا ، قال – تعالى – ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ سورة آل عمران : الآية 133 .، قال ابن جرير [التفسير 7/207 . ] : يعني – تعالى ذكره – بقوله ﴿ وسارعوا ﴾ وبادروا ، وسابقوا ﴿ إلى مغفرة من ربكم ﴾ يعني إلى ما يستر عليكم ذنوبكم من رحمته ، وما يغطيها عليكم من عفوه عن عقوبتكم عليه .

وقال – تعالى – ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِه ﴾ [سورة الحديد : الآية 21.، قال القرطبي [التفسير 17/256 . ]: أي سارعوا بالأعمال الصالحة التي توجب المغفرة لكم من ربكم . وقيل : سارعوا بالتوبة ، لأنها تؤدي إلى المغفرة .

فيا أيها الأخ الكريم،يا من تدخل على شبكة الإنترنت ، اعلم أن الله جل وعلا رقيب عليك ، فاسْتحِ منه أن يراك على معصية ، فلا تنظر إلى محرم ، ولا تتلفظ بمحرم ، ولا تكتب كلمة يكون وبالها عليك في يوم لا

 ينفع فيه الندم ، وتذكر قول الشاعر :

إذا ما خلوت الدّهر يوما فلا تَقُل***خلوت ولكن قل عليّ رقيب

ولا تحسبنّ الله يغفل ساعة*** ولا أنّ ما تخفيه عنه يغيب

ألم تَرَ أنّ اليوم أسرع ذاهب***وأنّ غَدا للناظرين قريب

فَأَحسِن وأَجْمل ما استَطعتَ فإنما***بقَرضِك تُجْزَى والقُروضُ ضروبُ

فلا تَكُ مَغرورًا تَعَلّلُ بالمُنَى***وقُل إنما أُدْعَى غدًا فأُجِيبُ

ألم تَر أَنَّ اليومَ أسرعُ ذاهب***وأَنَّ غدًا للنّاظرين قريبُ

وأنَّ المَنايا تحتَ كل ثنيَّةٍ***لَهُنَّ سِهام ما تَزال تُصيبُ

ذهَبْن بإِخوَان الصَّفاء فأَصبَحَتْ***لهُنَّ علينَا نَوبَةٌ سَتَنُوبُ

 [الأنترنت – موقع السكينة - الكاتب: الشيخ محمد الطايع ] إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الثانية والعشرون بعد المئتين في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*لمعرفة الله وسيلتان : العقل وأسماء  الله وصفاته

إن معرفة الله،هى أسمى المعارف وأجلها،وهى الأساس الذى تقوم عليه الحياة الروحية كلها.

فمنها تفرعت المعرفة بالأنبياء والرسل، وما يتصل بهم من حيث عصمتهم، ووظيفتهم، وصفاتهم، والحاجة إلى رسالاتهم، وما يلحق بذلك من المعجزة والولاية، والكرامة، والكتب السماوية.وعنها تشعبت المعرفة بعالم ما وراء الطبيعة: من الملائكة والجن والروح.

وعنها انبثقت المعرفة بمصير هذه الحياة، وما تنتهى إليه

 من الحياة البرزخية، والحياة الأُخروية: من البعث،

 والحساب، والثواب، والعقاب، والجنة، والنار.

* وسيلة المعرفة : وللمعرفة بالله وسيلتان:

إحداهما: العقل والنظر فيما خلق الله من أشياء. وثانيهما: معرفة أسماء الله وصفاته.

فبالعقل من جانب، وبمعرفة الأسماء والصفات من جانب آخر، يعرف الإنسان ربه، ويهتدى إليه.ولْنُلْق ضوءًا على كل وسيلة من هاتين الوسيلتين:

* المعرفة عن طريق العقل:

إن لكل عضو وظيفة، ووظيفة العقل، هي التأمل والنظر والتفكير، وإذا تعطلت هذه القوى بطل عمل العقل، وعطل أهم وظائفه، وتبع ذلك توقف نشاط الحياة .. مما يتسبب عنه الجمود والموت والفناء؛ والإسلام أراد للعقل أن ينهض من عقاله، ويفيق من سباته، فدعا إلى النظر والتفكير، وعَدّ ذلك من جوهر العبادة.{قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}[سورة يونس - الآية 101]  {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا} [سورة سبأ - الآية 46.] والذين يجحدون نعمة العقل، ولا يستعملونه فيما خلق من أجله، ويغفلون عن آيات الله .. هم موضع التحقير والازدراء، والله سبحانه يعتب عليهم فيقول: {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ}[ سورة يوسف - الآية 105.] {وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ}[ سورة يس - الآية 46.]

وتعطيل العقل عن وظيفته يهبط بالإنسان إلى مستوى أقل من مستوى الحيوان، وهو الذى حال بين الأقدمين وبين النفود إلى الحقائق فى الأنفس وفى

 الآفاق؛ يقول الله سبحانه:{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [ سورة الأعراف - الآية 179.]

* التقليد حجاب العقل:

والتقليد هو المانع للعقل من الانطلاق، والمعوِّق له عن التفكير، ومن ثَمَّ فإن الله يُثْنى على الذين يخلصون للحقائق،ويميزون بين الأشياء، بعد البحث والتمحيص، فيأخذون ما هو أحسن، ويدعون غيره: {فَبَشِّرْ عِبَادِ *الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ} [ سورة الزمر - الآية 17، 18.]

ويندد بالمقلدين الذين لا يفكرون إلا بعقول غيرهم، ويحمدون على القديم المألوف، ولو كان الجديد أهدى وأجدى لهم. {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلايَهْتَدُونَ} [ سورة البقرة - الآية 170.]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الثالثة والعشرون بعد المئتين في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

*لمعرفة الله وسيلتان : العقل وأسماء  الله وصفاته

* المعرفة عن طريق العقل:

* ميادين التفكير:

والإسلام حين دعا إلى التفكير، ورحب به، إنما أراد

أن يكون ذلك فى دائرة نطاق العقل وحدود مداركه.

فدعا إلى النظر فيما خلق الله من شىء، فى السماوات والأرض، وفى الإنسان نفسه، وفى الجماعات البشرية، ولم يحظُر عليه إلا التفكير فى ذات الله؛ لأن ذات الله فوق الإدراك. «تفكروا فى خلق الله ولا تفكروا فى الله، فإنكم لن تقدروا قدره» [ رواه أبو نعيم فى الحلية مرفوعًا إلى النبى صلى الله عليه وسلم بسند ضعيف، ومعناه صحيح.]

والقرآن الكريم ملىء بمئات الآيات الداعية إلى النظر فى مجالات الكون الفسيحة، وآفاقه الرحبة التى لا تحد بحد، ولا تقف عند نهاية. {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ * فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ}[سورة البقرة - الآية 219، 220.] وما أوسع الدنيا التى دعا الإسلام إلى التفكير فيها، وسعتها ليست بشىء فى جانب سعة الآخرة.

* غاية التفكير:

ومن أجل الغايات التى يريدها الإسلام من: إيقاظ

العقل،واستعمال وظيفته فى التأمل والنظروالتفكير هى هداية الإنسان إلى قوانين الحياة، وعلل الوجود وسنن الكون، وحقائق الأشياء؛لتكون هذه هى المنارات التى تكشف له عن مبدع الكون وخالقه،ولتأخذه برفق إلى هذه الحقيقة الكبرى: حقيقة المعرفة بالله.

إن معرفة الله إنما هى نتاج عقل ذكى ملهم، وثمرة تفكير عميق مشرق. وهذه هى إحدى وسائل القرآن الكريم فى الدلالة على الله. إنه يوقظ العقل، ويفتح أمامه كتاب الطبيعة؛ ليتعرف منه ما لله من صفات كماله، ونعوت جلاله، ومظاهر عظمته، وأدلة قدسه، وشمول علمه، ونفوذ قدرته، وتفرده بالخلق والإبداع.

لنصغ إلى هذه الآيات فى وعى:{أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ

 وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ

 ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ *أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ * أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ * أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [سورة النمل - الآية 60 -64]  

فأى برهان أسطع من هذا البرهان؟وأى حجة أبلغ من

 هذه الحجة؟!وإذا لم يخضع العقل لهذا البرهان، ويذعن

لهذه الحجة، فإنه لا يخضع لبرهان، ولا يذعن لحجة قط.

{وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [ سورة النور - الآية 40.]

وليس يصح فى الأذهان شى**** إذا احتاج النهار إلى دليل

* المعرفة عن طريق معرفة الأسماء والصفات:

وقد تقدم هذا البحث

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الرابعة والعشرون بعد المئتين في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

أنواع أسماء الله الحسنى الواردة فى القرآن الكريم :

1 - أسماء الله بذاته تعالى وهى:الواحد؛ الأحد؛ الحق؛ القدوس؛ الصمد؛ الغنى؛ الأول؛ الآخر؛ القيوم.

2 - أسماء متعلقة بالتكوين وهى:

الخالق؛ البارئ؛ المصور؛ البديع.

3 - أسماء متعلقة بصفتى الحب والرحمة فيما عدا رب، ورحمن، ورحيم وهى: الرءوف؛ الودود؛ اللطيف؛ الحليم؛ العفو؛ الشكور؛ المؤمن؛ البار؛ رفيع الدرجات؛ الرزاق؛ الوهاب؛ الواسع.

4 - أسماء متعلقة بعظمة الله وجلاله وهى:

العظيم؛ العزيز؛ العلى؛ المتعالى؛ القوى؛ القهار؛ الجبار؛ المتكبر؛ الكبير؛ الكريم؛ الحميد؛ المجيد؛ المتين؛الظاهر؛ ذو الجلال والإكرام.

5 - أسماء متعلقة بعلمه تعالى وهى:

العليم؛ الحكيم؛ السميع؛ الخبير؛ البصير؛ الشهيد؛ الرقيب؛ الباطن؛ المهيمن.

6 - أسماء متعلقة بقدرته تعالى وتدبيره للأمور وهى:

القادر؛ الوكيل؛ الولى؛ الحافظ؛ الملك؛ المالك؛ الفتاح؛ الحسيب؛ المنتقم؛ المقيت.

7 - وهناك أسماء أخرى لم تذكر بالنص فى القرآن الكريم، ولكنها استمدت من أفعال أو صفات له تعالى وردت بالقرآن الكريم وهى:

القابض؛الباسط؛ الرافع؛ المعز؛ المذل؛ المجيب؛ الباعث ؛ المحصى؛ المبدئ؛ المعيد؛ المحى؛ المميت؛ مالك الملك؛ الجامع؛ المغنى؛ المعطى؛ المانع؛ الهادى؛ الباقى؛ الوارث.

8 - وهناك أسماء أخرى له تعالى مستمدة من المعانى الواردة فى القرآن الكريم وهى:

النور؛ الصبور؛ الرشيد؛ المقسط؛ الوالى؛ الجليل؛

 العدل؛ الخافض؛ الواجد؛ المقدم؛ المؤخر؛ الضار؛

النافع .. ويتصل بذلك صفتا التكلم والإرادة.

وكما أن لله هذه الأسماء، فله الأسم الأعظم [ سورة الأنبياء - الآية 88 ..] والحديث رواه الحاكم. إذا دعى به أجاب، وإذا سئل به أعطى، «ألا تسمع قول الله عز وجل {وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ}».

فهذه الأسماء التى تفتح آفاقًا واسعة من المعرفة بالله إذا فهمها الإنسان، وأدرك معناها، وانفعلت بها نفسه، واتخذها نبراسًا، فإنها تكشف له عن أكبر حقيقة من حقائق هذا الوجود و يظن بعض الناس أن لبعض أسماء الله خواص إذا واظب عليها الإنسان حصل له الكثير من الخير والعجائب والخوارق، وهذا الظن ليس له سند صحيح . [الأنترنت – موقع موسوعة العقيدة والسنة - العقائد الإسلامية]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الخامسة والعشرون بعد المئتين في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*وسائل تقوية اليقين في الله

لتقوية اليقين عند العبد وزيادته وثباته عليه أسباب ووسائل أهمها :

أولاً : تدبر القرآن الكريم ، وبخاصة آيات توحيد الله تعالى وآيات عظمته ، فإن معرفة الله عز وجل وتعظيمه في النفوس من أنفع الأسباب لتقوية اليقين .

ثانياً : مداومة قراءة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والمطالعة في سنته، ومعرفة أخباره صلى الله عليه وسلم الدالة على دعوته وشفقته على أمته وصبره وجهاده من أعظم ما يقوي اليقين .

ثالثاً : قراءة نصوص الوعد والوعيد ، الواردة في

الكتاب والسنة ، والتأمل في أوصاف الجنة وأوصاف أهلها ، وأوصاف النار – أعاذنا الله منها – وأوصاف أهلها ، وقراءة وفهم ما يدل على ما في القبر من أهوال عظيمة ، كالفتنة والضمة ثم النعيم أو العذاب ، كل ذلك من أقوى ما يزيد اليقين في النفوس .

رابعاً : القراءة فيما ثبت من قصص الأنبياء وأخبارهم ، وبخاصة الآيات التي أيدوا بها من الله تعالى ، ومنها المعجزات ، وكذلك صبرهم وثباتهم في مواجهة أقوامهم كل ذلك يقوي اليقين ، فاقرأ أخي المسلم قصص نوح وهود وإبراهيم وموسى ومحمد عليهم جميعًا أفضل الصلاة والسلام ، وغيرهم من الأنبياء ، فهم أكمل الناس يقينًا واطمئنانًا وثقة بنصر الله .

فقد لاقوا من أقوامهم والسادة في عهودهم أقسى أنواع

 العنت والتكذيب والاستهزاء ، فقابلوا ذلك بالإيمان والصبر والثقة بوعد الله تعالى واليقين بنصره سبحانه وتعالى ، فصارت الغلبة لهم وتحقق مرادهم .

خامساً : معرفة أشراط الساعة ، ما وقع منها وما لم يقع ، وتكرار قراءة النصوص الدالة عليها وما تتضمنه من أهوال : كالدجال ونزول عيسى بن مريم عليه السلام ويأجوج ومأجوج والخسوف والدخان وطلوع الشمس من مغربها والدابة ، والنار التي تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى محشرهم .

سادساً : دعاء الله تعالى والإلحاح بالدعاء بأن يقوي اليقين ويثبت القلب على الدين ، كما جاء في الحديث السابق ذكره : «سلوا الله اليقين والمعافاة... »(أخرجه البخارى فى الأدب المفرد، وصححه الألبانى فى الأدب المفرد ، وصحيح سنن ابن ماجه) وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم : «اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك ، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا."(أخرجه الترمذي في سننه، وصحح الألباني في صحيح الجامع) .

سابعاً : ومن أعظم ما يقوي اليقين ويثبت العبد عليه : النظر والتفكر في آيات الله الكونية ومخلوقاته العظيمة ، في السماوات والنجوم والكواكب ، والأرض وما فيها من جبال وبحار وأنهار وأشجار وحيوانات ونحو ذلك ، وتأمل تدبير الله لذلك كله ومعرفة عظمة الله تعالى وعظيم قدرته ، يقول الله تعالى : " اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ " (الرعد: 2) ويقول سبحانه:وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَات ِوَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنْ الْمُوقِنِينَ " (الأنعام: 75) .

وتأمل قوله تعالى : "حم* تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنْ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * إِنَّ فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ * وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ* وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَاوَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ * وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ

 وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ " (الجاثية: 1-10) .

يقول السعدي في تفسير هذه الآيات – ما ملخصه - : يخبرتعالى خبرًا يتضمن الأمر بتعظيم القرآن والاعتناء به ، أنه تنزيل من الله ، المألوه المعبود ، لما اتصف به من صفات الكمال ، وانفرد به من النعم ،الذي له العزة الكاملة والحكمة التامة .

ثم أيد ذلك بما ذكره من الآيات الأفقية والنفسية ، من خلق السماوات والأرض ، وما بث فيهما من الدواب ، وما أودع فيهما من المنافع ، وما أنزل الله من الماء الذي يحيي به الله البلاد والعباد .

فهذه كلها آيات بينات ، وأدلة واضحات على صدق هذا القرآن العظيم وصحة ما اشتمل عليه من الحكم والأحكام ، ودالات أيضًا على ما لله تعالى من الكمال ، وعلى البعث والنشر ، ومن تدبر الآيات وتفكر فيها زاد يقينه وقوي إيمانه واطمأنت نفسه ، بخلاف من أعرض عن تلك الآيات ؛ ولهذا قسم الله عز وجل الناس بالنسبة إلى الانتفاع بالآيات إلى قسمين :

قسم يتدبرونها وينظرون فيها ويتفكرون بها فينتفعون ويرتفعون وهم المؤمنون العقلاء ،

حيث يصل بهم هذا النظر والتدبر والتفكر إلى درجة اليقين ، فتزكى عقولهم وتطمئن نفوسهم وتزداد علومهم ، ويندفعون إلى العبادة والاتباع ويجدون حلاوة الإيمان .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة السادسة والعشرون بعد المئتين في موضوع      ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *وسائل تقوية اليقين في الله

وقسم يسمع آيات الله ثم يعرض عنها ويستكبر ، فلا يتدبرها ويتفكر بها ، فيزداد طغيانًا بسبب استكباره عنها ، بل إنه إذا علم من آيات الله شيئًا اتخذها هزواً ، فتوعده الله بالويل فقال : " وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ " أي كذاب في مقاله ، أثيم في فعاله ، وأخبر أن له عذابًا أليمًا وأن من ورائهم جهنم ، وأنه لا يغني عنهم ما كسبوا من الأموال ولا ما اتخذوا من دون الله من أولياء يستنصرون بهم فيخذلونهم ، في وقت هم أحوج إليهم فيه لو كانوا ينفعون (انظر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان) .

وقال تعالى : " وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ * وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ *فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ " (الذاريات: 20- 23) ففي هذه الآيات يدعو الله سبحانه وتعالى عباده إلى التفكر والاعتبار بالآيات والأنفس لعلهم يوقنون ، وهو شامل للتفكر في الأرض نفسها وما فيها من جبال وبحار وأنهار وأشجار ونبات تدل المتفكر فيها المتأمل لمعانيها على عظمة خالقها وسعة سلطانه وعميم إحسانه وإحاطة علمه بكل شيء ظاهرًا وباطنًا .

وكذلك التفكر في نفس العبد ؛ فإن فيها من العبر والحكمة ما يدل على وحدانية الله وأنه المستحق للعبادة  دون سواه ، وأنه لم يخلق الخلق سدى بل

 خلقهم لغاية عظيمة وهي عبادة الله وحده لا شريك له

والتفكر في ذلك كله يزيد اليقين ويقويه ، فيدفع إلى العمل والعبادة بكل اطمئنان وراحة نفس(انظر: تيسر الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان) ثم قال تعالى : " وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ " أي مادة رزقكم من الأمطار وصنوف الأقدار ، وهو رزق ديني ودنيوي ، ثم قال : " وَمَا تُوعَدُونَ "من الجزاء في الدنيا والآخرة .

فلما بين الآيات ودعا إلى التفكر فيها ، أقسم تعالى على أن وعده وجزاءه حق ، وشبه ذلك بأظهر الأشياء وهو النطق فقال : " فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ " فكما لا تشكون في نطقكم ، فكذلك لا ينبغي الشك في البعث والجزاء .

فدل على أن العاقل اللبيب الذي يتأمل في الأنفس

 والآيات يزداد يقينه ويقوى إيمانه بالله تعالى واليوم الآخر ولا يعتريه أي شك ولا ريب (انظر: تيسر الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان) .

ثامنًا : ومن وسائل تقوية اليقين مجالسة العلماء والصالحين وحضور مجالس الذكر ودروس العلم ؛

فإن ذلك مما يقوي اليقين ويرسخه في النفوس ،ويصرف عنها أسباب الشبهات والخواطر الرديئة .

هذه أهم وسائل تقوية اليقين في النفوس ، فتدبرها واعمل بمقتضاها أخي المسلم ، فستجد ثمارها واضحة في الرقي بيقينك،وزيادة إيمانك،وستشعر بآثارها محسوسة على مظهرك الشرعي وسمتك الحسن .[الأنترنت – موقع الكلم الطيب ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة السابعة والعشرون بعد المئتين في موضوع      ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*كيف نخاف الله عز وجل ؟

أولا : الخوف من الله تعالى واجب على كل أحد ، ولا يبلغ أحد مأمنه من الله إلا بالخوف منه ، قال الله عز وجل : ( فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) آل عمران/175 ، وقال عز وجل : ( فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ ) المائدة/44 ،وقال سبحانه :( وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ) البقرة/40 .

وقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَعِزَّتِي لَا أَجْمَعُ عَلَى عَبْدِي خَوْفَيْنِ، وَلَا أَجْمَعُ لَهُ أَمْنَيْنِ، إِذَا أَمِنَنِي فِي الدُّنْيَا أَخَفْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِذَا خَافَنِي فِي الدُّنْيَا أَمَّنْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) [رواه ابن المبارك في الزهد" (157) ، وحسنه الألباني في "الصحيحة" (742).]

ثانيا : كيف نخاف الله عز وجل ؟ ما هو الواجب علينا فعله لنبلغ هذه المنزلة ؟

كيف تدل محبة الله تعالى على الخوف منه ؟

إن لذلك وسائل شرعية ، وأعمالا قلبية ، نذكر منها ما يتهيأ به – إن شاء الله - لكل مسلم أن يخاف ربه ، ويخشى عذابه ، ويلجئه خوفه إلى حسن الظن به سبحانه ، فمن ذلك :

- قراءة القرآن وتدبر معانيه : قال تعالى : ( قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً ) الاسراء/107-109 وقال عز وجل : ( أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرائيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً ) مريم/58

- استشعار عظم الذنب وهوله :

روى البخاري (6308) عن ابن مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ : " إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ

 قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ ، وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ فَقَالَ بِهِ هَكَذَا " .

- تقوى الله تعالى،بفعل الطاعات،وترك المنكرات والمحرمات،فهذا يزرع الخوف في القلوب،ويحييها بعد مواتها،ويشغلها بمحبة الله وابتغاء مرضاته واتقاه سخطه

- تعظيم محارم الله .

قال ابن القيم رحمه الله :" الْخَوْفُ الْمَحْمُودُ الصَّادِقُ: مَا حَالَ بَيْنَ صَاحِبِهِ وَبَيْنَ مَحَارِمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِذَا تَجَاوَزَ ذَلِكَ خِيفَ مِنْهُ الْيَأْسُ وَالْقُنُوطُ.

قَالَ أَبُو عُثْمَانَ: صِدْقُ الْخَوْفِ : هُوَ الْوَرَعُ عَنِ الْآثَامِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا.

وَسَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ يَقُولُ: الْخَوْفُ الْمَحْمُودُ مَا حَجَزَكَ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ " [انتهى من "مدارج السالكين" (1/ 510) ]

- معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته .

قال ابن القيم رحمه الله : " كلما كان العبد بالله أعلم ، كان له أخوف. قال ابن مسعود: " كفى بخشية الله علماً " ونقصان الخوف من الله إنما هو لنقصان معرفة العبد به، فأَعرف الناس أخشاهم لله، ومن عرف الله اشتد حياؤه منه وخوفه له وحبه له، وكلما ازداد معرفة

 ازداد حياءً وخوفاً وحباً " [ من "طريق الهجرتين" (ص 283).]

- معرفة فضل الخائفين من الله الوجلين ، قال تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) الأنفال/ 2

وعن أبي هريرة - رضي اللَّه عنه – قال : قالَ رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : ( لا َيَلِجُ النَّارَ رَجْلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّه حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ في الضَّرْع ، وَلا يَجْتَمعُ غُبَارٌ في سَبِيلِ اللَّه ودُخانُ جَهَنَّمَ ) . [رواه الترمذي (1633) ، والنسائي (3108) . وصححه الألباني .]

وعنه قالَ : قالَ رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : ( سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلا ظلُّهُ ... ) الحديث ، وفيه : ( ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّه خالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ) . [رواه البخاري (660) ، ومسلم (1031) .]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الثامنة والعشرون بعد المئتين في موضوع      ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *كيف نخاف الله عز وجل ؟

- تدبر أحوال الخائفين ، وكيف وصلوا إلى هذه المنزلة بالإيمان والعمل الصالح ، وقيام الليل ، وصيام النهار ، والبكاء من خشية الله .

قال الغزالي رحمه الله :" معرفة سير الأنبياء والصحابة

 فيها التخويف والتحذير ، وهو سبب لإثارة الخوف من الله ،فإن لم يؤثر في الحال أثر في المآل" [إحياء علوم الدين (2/ 237) .] وقال ابن الجوزي رحمه الله :" من علم عظمة الإله : زاد وجله، ومن خاف نِقَم ربه : حسن عمله، فالخوف يستخرج داء البطالة ويشفيه ،وهو نعم المؤدب للمؤمن ويكفيه.

قال الحسن: صحبت أقواماً كانوا لحسناتهم أن ترد عليهم أخوف منكم من سيئاتكم أن تعذبوا بها .." [ "مواعظ ابن الجوزي" (ص 91) بترقيم الشاملة .]

- تدبر آيات العذاب والوعيد ، وما جاء في وصف النار ، وحال أهلها ، وما هم فيه من البؤس والشقاء والعذاب المقيم .

- أن تعلم قدر نفسك ، وأنك ضعيف مهين ، ولو شاء

 الله لعاجلك بالعقوبة ، فينبغي لمن هذه حاله أن يكون

 خائفا من مولاه ، قال الغزالي رحمه الله :

" الخوف مِنَ اللَّهِ تَعَالَى تَارَةً يَكُونُ لِمَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعْرِفَةِ صِفَاتِهِ وَأَنَّهُ لَوْ أَهْلَكَ الْعَالَمِينَ لَمْ يُبَالِ وَلَمْ يَمْنَعْهُ مَانِعٌ ، وَتَارَةً يَكُونُ لِكَثْرَةِ الْجِنَايَةِ مِنَ الْعَبْدِ بِمُقَارَفَةِ الْمَعَاصِي ، وَتَارَةً يَكُونُ بِهِمَا جَمِيعًا ، وَبِحَسَبِ مَعْرِفَتِهِ بِعُيُوبِ نَفْسِهِ وَمَعْرِفَتِهِ بِجَلَالِ اللَّهِ تَعَالَى وَاسْتِغْنَائِهِ ؛ فَأَخْوَفُ النَّاسِ لِرَبِّهِ أَعْرَفُهُمْ بِنَفْسِهِ وَبِرَبِّهِ " .[ "إحياء علوم الدين" (4/ 155) .

- تدبر أحوال الظالمين والعاصين الذين أخذهم الله بذنوبهم ، إلام صاروا ؟ وما هو حالهم اليوم بعد أن باغتهم العذاب ؟ قال تعالى : ( وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا ) مريم/ 98 .

- تدبر أحوال الناس يوم الفزع الأكبر ، وما هم فيه من

 الكرب العظيم ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ) الحج/ 1، 2 ، وقال عز وجل : ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ ) هود/ 103.

- سماع المواعظ المؤثرة والمحاضرات المرققة للقلب .

عن العرباض بن سارية رضي الله عنه ـ وهو أحد البكّائين ـ قال : ( وَعَظَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظةً بليغةً ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب ) . [رواه الترمذي (2676) ، وأبو داود (4607) ، وابن ماجه (42) وصححه الألباني.]

- كثرة ذكر الله : فكثرة الذكر تبعث على استحضار جلال الله وعظمته ومراقبته ومحبته والحياء منه

، وكل ذلك يبعث على خشيته والخوف منه ومن عذابه ومن حرمانه .

- الخوف من مباغتة العقوبة ، وعدم الإمهال والتمكن من التوبة : قال ابن القيم رحمه الله :" ينشأ - يعني الخوف - من ثلاثة أُمور: أحدها: معرفته بالجناية وقبحها.

والثاني: تصديق الوعيد ، وأن الله رتب على المعصية عقوبتها.

والثالث: أنه لا يعلم لعله يمنع من التوبة ، ويحال بينه وبينها إذا ارتكب الذنب. فبهذه الأمور الثلاثة يتم له الخوف، وبحسب قوتها وضعفها : تكون قوة الخوف وضعفه، فإن الحامل على الذنب إما أن يكون عدم علمه بقبحه، وإما عدم علمه بسوءِ عاقبته، وإما أن يجتمع له الأمران لكن يحمله عليه اتكاله على التوبة، وهو الغالب من ذنوب أهل الإيمان، فإذا علم قبح الذنب ، وعلم سوءَ مغبته وخاف أن لا يفتح له باب التوبة ، بل يمنعها ويحال بينه وبينها : اشتد خوفه.  هذا قبل الذنب ؛ فإذا عمله : كان خوفه أشد.

وبالجملة فمن استقر في قلبه ذكر الدار الآخرة وجزائها، وذكر المعصية والتوعد عليها، وعدم الوثوق بإتيانه بالتوبة النصوح : هاج في قلبه من الخوف ما لا يملكه ولا يفارقه حتى ينجو "[طريق الهجرتين"(ص 283) .. .[ الأنترنت – موقع الإسلام سؤال وجواب – المنجد ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة التاسعة والعشرون بعد المئتين في موضوع

( الله ) والتي ستكون بعنوان : *المتكلمون وفطرية معرفة الله

 لا خلاف بين المسلمينَ في أنّ كل مسائل الاعتقادِ مبناها الإقرارُ بوجودِ الله سبحانه وتعالى، ولكنّ الخلافَ في الوسيلةِ الموصلةِ إلى هذه النتيجة [ شموع النهار ص (23).]

هل هي فطرية أم نظرية؟

فأما أهل السنة فإنّ معرفة الله تعالى عندهم فطريةٌ بديهيةٌ ضروريةٌ لا تحتاج إلى نظر واستدلال[ بيان تلبيس الجهمية (4/ 570).]

، إلا أن العقلَ والنظرَ مساندٌ لهذه الغريزة “لينالَ

 المؤمنُ بذلك زيادة اليقين وثلج الصدر [الانتصار

 لأهل الحديث ص(60).]

وهذا من حيث الأصل، إلا أنه قد يَعرِضُ للإنسان

ما يحتاج معه إلى النظرِ والاستدلال العقلي؛ لإيقاظ هذا المعنى الفطري الكامن في النفس[ درء تعارض العقل والنقل (3/303)]. فسبُل معرفة الله تعالى ليست محصورةٌ في الفطرةِ وحدها، بل الأدلةُ الدالةُ على وجوده سبحانه وتعالى كثيرة متنوعة [ درء تعارض العقل والنقل (3/303).]

وأما المتكلمون فقد أنكروا دلالةَ الفطرة، وضيّقوا على أنفسهم وجعلوا السبيلَ الوحيدَ للإقرار بوجودِ الخالق هو العقلُ كما قال القاضي عبد الجبّار المعتزلي:” إن سأل سائل فقال: ما أولُ ما أوجبَ اللهُ عليك؟ فقل: النظرُ المؤدّي إلى معرفة الله تعالى؛ لأنه تعالى لا يُعرَفُ ضرورة ولا بالمشاهدة،فيجب أن نَعرفه بالتفكّر والنّظر”[ شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار ص (39).]

، وقال الباقلاني وهو يقرّر ذلك:” وأنْ يُعلم أن أوّل ما فَرض الله عز وجل على جميع العباد النظرُ في آياته…

 لأنه سبحانه غير معلوم باضطرار… وإنما يُعلمُ وجودُه وكونُه على ما تقتضيه أفعالُه بالأدلّة القاهرة، والبراهين الباهرة [ الإنصاف للقاضي الباقلاني ص (22)]، وليس هذا قول بعضهم بل هو قول عامة المتكلمين،[ ينظر: الارشاد لإمام الحرمين الجويني ص (3)، المواقف للإيجي ص (32).]

وهذا الأمر أدّى بهم إلى انحرافات عقدية أخرى؛ كمسألة أوّل واجب على المكلف هل هو النظر؟ أو القصد إليه؟ أو الشك؟…الخ[ ينظر: مجموع الفتاوى (16/833)، درء تعارض العقل والنقل (3/333)، فتح الباري لابن حجر (1/ 70).] وأيضًا مسألة حكمِ إيمانِ المقلّد[ شرح الكبرى للسنوسي ص (39)، شرح الجوهرة للبيجوري ص (32) وما بعدها.] وغيرها من المسائل العقدية التي زلت فيها أقدام أهل الكلام؛ بسبب حصرهم معرفةَ اللهِ تعالى في الدليل العقلي.

ولن نطيلَ الحديثَ في هذه المسائل وإبطالها؛ إذ بِبَيان بطلان أصلِ المسألة تبطل الفروع كما فعل ابن حجر[ حيث قال بعد أن ذكر هذه المسائل:” ومع ذلك فقول الله تعالى {فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها } وحديث (كل مولود يولد على الفطرة ) ظاهر في أن دفع هذه المسألة من أصلها” فتح الباري لابن حجر (1/ 70).]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الثلاثون بعد المئتين في موضوع( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *المتكلمون وفطرية معرفة الله

فإنّ ما ذكرنا من أن أدلة معرفة الله سبحانه وتعالى ليست محصورة في العقل،قول عليه الكثير من الأدلة، ومنها :دليل الفطرة الذي نحنُ بصددِ الحديثِ عنه، حيث إنها وردت في كثيرمن نصوص الكتاب والسنة، ومن ذلك:

أمرُ الله سبحانه وتعالى صراحةً بلزوم هذه الفطرة التي فطرنا عليهامن معرفته وتوحيده بصيغة الحثّ والترغيب

[ تفسير البغوي (6/269).] حيث قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [الروم: 30] أي: فسدد وجهك واستمر على الذي شرعه الله لك من الحنيفية ملة إبراهيم، الذي هداك الله لها وكملها لك غاية الكمال، وأنت مع ذلك لازم فطرتك السليمة التي فطر الله الخلق عليها ؛ فإنه تعالى فطر خلقه على معرفته وتوحيده، وأنه لا إله غيره[ تفسير ابن كثير ت سلامة (6/ 313).]

إخبار الله سبحانه وتعالى صراحة بأنه جعل في خلقنا وفطرتنا هذه المعاني وأشهدنا عليها[أنوار التنزيل وأسرار التأويل (3/ 41).]

حيث قال: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ}

 [الأعراف: 172].

فهذه الآية مع اختلافِ مفسِّرِي أهل السنة، بين من جعلها قصة حقيقية واقعية، ذاهبًا إلى أن الإشهاد كانَ حقيقةً في عالم الذرّ، وبين قائلٍ: إنها كناية عن خلقهم على هيئة يقرون معها بالله سبحانه وتعالى، إلا أنهم يتفقون على أن  معرفة  الله سبحانه وتعالى فطرية     [ ينظر: فتح القدير للشوكاني (2/ 299)

وقد أورد الأحاديث والآثار الواردة في ذلك ومن أهمها الحديث الوارد أن عمر بن الخطاب سئل عن هذه الآية (وإذ أخذ ربك) الآية فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسأل عنها فقال: «إن الله خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون، فقال رجل: يا رسول الله! ففيم العمل فقال: إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله به الجنة، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله به النار» [والحديث أخرجه أبو داود (4703)، والترمذي (3077)، وابن حبان (6166)، والضياء في المختارة (262)، وللاستزادة في معنى الآية والأقوال ينظر: إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (3/ 290)، تفسير البغوي ط طيبة (3/ 300).]

ومع إيماننا بأن الله سبحانه وتعالى أخذ الميثاق من بني آدم على الحقيقة،فإنه لا يلزم من هذا بطلان القول بأن الإنسان يولد على الإيمان بوجود الله سبحانه وتعالى، بل هو مولود على الإيمان به، والدليل على هذا قوله: “ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أوينصرانه، أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء”. ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ } [الروم: 30] [ صحيح البخاري برقم (1359) ومسلم برقم (6926).] قال ابن حجر: “وأشهر الأقوال أنّ المراد بالفطرة الإسلام”  [ فتح الباري لابن حجر (3/ 248)]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الواحدة والثلاثون بعد المئتين في موضوع( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيتين والتي هي بعنوان : *المتكلمون وفطرية معرفة الله

ثم نقل عن ابن عبد البر قوله في التمهيد: ” وهو

المعروف عند عامة السلف وأجمع أهل العلم بالتأويل على أن المراد بقوله تعالى {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} الإسلام”[ التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (18/ 72)] ثم بين حججهم فقال: واحتجوا بقول أبي هريرة في آخر حديث الباب اقرؤوا إن شئتم {فطرة الله التي فطر الناس عليها } وبحديث عياض بن حمار اللاحق لهذا الحديث في الأصل ورجحه بعض المتأخرين بقوله تعالى {فطرة الله } لأنها إضافة مدح وقد أمر نبيه بلزومها فعلم أنها الإسلام وقال بن جرير : قوله {فأقم وجهك للدين } أي سُدد لطاعته { حنيفا } أي : مستقيما ، {فطرة الله} أي : صبغة الله”.

 فالإنسان  يولد على نوع من الجبلة والطبع المتهيء لقبول الدين ، في تعريف الفطرة أقوال للعلماء، وما ذكرته هومذهب عامة السلف وعامة أهل التأويل في تفسير آية الروم [ينظر: فتح الباري لابن حجر (3/ 248)، شرح النووي على مسلم (16/ 208). درء تعارض العقل والنقل (3/303). شفاء العليل ص (478).]

وأهم مقولات الدين: إثبات وجود الله سبحانه وتعالى، وهذا المعنى متوافق مع اللغة أيضا[ينظر: لسان العرب: مادة “فطر” (5/55 – 56)، تاج العروس (13/325 – 326)، ابن فارس (4/510).]

ومما يؤكد صحة القول بأن الإنسان  يولد على الإيمان بوجود الله سبحانه وتعالى، قول النبي صلى الله عليه وسلم :” ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم، مما علمني يومي هذا، كل مال نحلته عبدا حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا…”[ أخرجه مسلم برقم (7386).]“فالحنيفية الإسلام”[ ينظر: شرح النووي على مسلم (17/ 197).]“والحنيف في كلام العرب المستقيم المخلص ولا استقامة أكثر من الإسلام”[ شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل (ص: 286)] فإن كانت الفطرة دالة على الإسلام فدلالتها على وجود مشرّع الإسلام من باب أَوْلى.

أسلوب تعامل الوحي مع المعترضين على هذه الفطرة :

  يعتبر فرعون من أشهرمن أنكر وجود الله عز وجلّ

، وإذا ما تأمّلنا منهج الوحي في إبطال ما ذهب إليه،

 وجدنا أن النصوص تذكّره بما هو مركوزٌ في فطرته،

قال تعالى: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ} [طه: 44] قآيات القرآن تشير إلى أن فرعون كان مولودًا على الإيمان بوجوده سبحانه وتعالى، ثُم حصل منه الجحود والغفلة عن هذا العلم؛ ولذا كان القول الليّن من دواعي تذكّرفرعون لما في فطرته من العلم الذي به يعرف ربه” [ مجموع الفتاوى (16/338).]

وكذلك كان جواب القرآن على قول الأمم الذين {قَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ} [إبراهيم: 9] فكان الردّ {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [إبراهيم: 10]، وهذا يحتمل شيئين:

أحدهما: أفي وجوده سبحانه وتعالى شك؛ فإن الفطر

 شاهدة بوجوده، ومجبولة على الإقرار به؛ وعلى هذا فإن الاعتراف به ضروري في الفطر السليمة.

والثاني: أفي إلهيته وتفرده بوجوب العبادة شك، ولا يستحق العبادة إلا هو، وحده لا شريك له؛ فإن غالب الأمم كانت مقرة بالصانع [ تفسير ابن كثير ت سلامة (4/ 482).]

فالفطرة دالةٌ على وجوده سبحانه وتعالى، وأما منْ

اجتَالتْه الشياطين، وانصرف عن هذا، وشكّ في هذه الفطرة، نُبّه عليه بالأدلة العقلية، ودُعي إلى التفكّر في شواهد الكون الدالة عليه سبحانه وتعالى؛ لعل غريزته تستيقظ ويعود إلى الإيمان بوجوده سبحانه وتعالى [ ينظر: شموع النهار ص (30).]

ومع ما قرّرنا من أن مذهب المتكلمين إنكار فطرية معرفة الله سبحانه وتعالى، فإن من الإنصاف أنْ نبيّن أنّ منَ المتكلمين  منْ أثبتَ ذلك ؛ كالشهرستاني والغزالي مثلًا  ؛ أثبت الغزالي ذلك في كتابه إحياء علوم الدين (1/ 86) إلا أن له كلاما يناقضه في كتابه المنقذ من الضلال (ص: 181)، وللاستزادة ينظر: نظرية المعرفة عند الغزالي بقلم  د. عبد الله حسن رزق، وأما الشهرستاني فقد صرّح بذلك في كتابه نهاية الإقدام(ص: 118)في القاعدة الخامسة. هذا وقد تبيّن لنا أنّ الحقّ الذي أثبته الوحي وعليه أهل السنة والجماعة، أنّ الله سبحانه وتعالى فطَر خلْقه على معرفته وأمر بلزوم تلك الفطرة، ولكن قد يعرِضُ لها ما تحتاج معه للنظر العقلي.ولا يُلتفت إلى من أنكر هذه الفطرة بعد أن أثبتها القرآن والسنة الصحيحة.[الأنترنت – موقع مركز سلف للبحوث والدراسات- إعداد هيئة التحرير ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الثانية والثلاثون بعد المئتين في موضوع        ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*منهج ابن القيم في التعرف على الله

إن معرفة الله -عز وجل- هي أصل الدين، وركن التوحيد، وأول الواجبات؛ ومن عرف الله أحبه، وصفا له العيش. ولا تصل القلوب إلى مُناها حتى تصل إلى مولاها، ولن تصل إليه حتى تعرفه حق المعرفة. لذا فقد اعتنى علماء أهل السنة على مر العصور بباب الأسماء والصفات، وظهرت عنايتهم بهذا الباب في جوانب، منها:

1 ـ العناية بتقعيد القواعد التي تضبط فهم هذا الباب فهمًا جيدًا على وفق الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة.

2 ـ تفنيد شبهات أهل البدع، والرد عليها ردًا قاطعًا مفحمًا.

3 ـ مخاطبة القلوب بمعاني الأسماء والصفات، وتربية النفس على التأثر بها حالًا وسلوكًا.وهذه الجوانب ظاهرة في مصنفاتهم، وعند التأمل نجد أن جانبي التقعيد والردود قد نالا الحظ الأوفر من الاهتمام والتصنيف، وأن الجانب الأخير قلّ من يتعرض له!، مع أن هذا الجانب من المفترض أن يكون هو الغاية المقصودة من التقعيد والردود؛ وإلا فما الفائدة من أن نقعد القواعد ونردّ على المبتدعة ثم لا ننتفع بذلك في خاصة أنفسنا؟! إن إغفال هذا الجانب من جوانب دراسة الأسماء والصفات أحدث في واقعنا فجوة كبيرة وانفصالًا مخيفًا بين العقيدة والسلوك!

لذا فلزامًا على من يدرس العقيدة أو يدرسها أن يسلك

 مسلكًا متوازنًا بين جانب التأصيل والرد على الشبهات،و جانب مخاطبة القلوب وتحريكها بهذه العقيدة؛ حتى نرى هذه العقيدة حية في القلوب، مؤثرة في السلوك...

وقد كان للإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ نصيبًا موفورًا في التركيز على هذا الجانب مع توازنه في عرض بقية الجوانب، فهو هو الذي صنّف مدارج السالكين وخاطب فيها القلوب، وعالج فيها أمراض النفوس، هو نفسه الذي صنّف في الرد على سائر طوائف المبتدعة وأتى على قواعدهم فخرّ عليهم السقف من فوقهم!

وكما قدمنا أن جانبي التقعيد والردود قد أخذا حقهما في

 التصنيف والتأليف عند أغلب علمائنا المتقدمين

 والمتأخرين فقد رأينا أن نركز على جانب التأثر بالأسماءوالصفات في منهج الإمام ابن القيم

لذا فقد جمعنا في مقالتنا هذه نقولات رائعة، يتحدث فيها الإمام ابن القيم عن أسماء الله وصفاته وأفعاله بأسلوب يأسر القلوب، ويوقظ الإيمان، ويشعل المحبة...، وهذا هو الغرض المقصود من دراسة الأسماء والصفات هذه النقولات تظهر لك عبقرية إمامنا ابن القيم في عرض العقيدة،وهدفنا من جمع هذه النقولات؛

أولًا: أن نتعلم من إمامنا المبجل كيف ندرس الأسماء والصفات، وكيف نخاطب الناس بها.ثانيًا: لنخاطب قلوبنا ونكرر التأمل لهذه النقولات الرائقة؛ عساها أن ترقق القلوب، وتقرب من علام الغيوب.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الثالثة والثلاثون بعد المئتين في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

*منهج ابن القيم في التعرف على الله

يقول الإمام ابن القيم في الفوائد عن الطريق الذي من خلاله نصل إلى المعرفة الصحيحة بالله-عز وجلّ- : الرب تعالى يدعو عباده في القرآن الي معرفته من طريقين: أحدهما: النظر في مفعولاته.

والثاني: التفكر في آياته وتدبرها فتلك آياته المشهودة وهذه آياته المسموعة المعقولة.

فالنوع الأول كقوله: (إن في خلق السموات والارض

واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما

 

ينفع الناس) إلي آخرها وقوله: (إن في خلق السموات

 والارض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب) وهوكثير في القرآن.

والثاني كقوله: (أفلا يتدبرون القرآن...) وقوله:(أفلم

 يدبروا القول...) وقوله: (كتاب أنزلناه اليك مبارك ليدبروا آياته...) وهو كثير أيضا.

فأما المفعولات فأنها دالة على الأفعال،  والأفعال دالة على الصفات،  فإن المفعول يدل على فاعل فعله،  وذلك يستلزم وجوده وقدرته ومشيئته وعلمه،  لاستحالة صدور الفعل الاختيارى من معدوم أو موجود لا قدرة له ولا حياة ولا علم ولا ارادة، ثم ما في المفعولات من التخصيصات المتنوعة دال على ارادة الفاعل، وإن فعله ليس بالطبع بحيث يكون واحدا غير متكرر وما فيها من المصالح والحكم والغايات المحمودة دال على حكمته تعالى وما فيها من النفع والاحسان والخير دال على رحمته وما فيها من البطش والأنتقام والعقوبة دال على غضبه وما فيها من الاكرام والتقريب والعناية دال على محبته وما فيها من الاهانة والابعاد والخذلان دال على بغضه ومقته وما فيها من ابتداء الشيء في غاية النقص والضعف ثم سوقه الى تمامه ونهايته دال على وقوع المعاد وما فيها من أحوال النبات والحيوان وتصرف المياه دليل على امكان المعاد وما فيها من ظهور آثار الرحمة والنعمة على خلقه دليل على صحة النبوات وما فيها من الكمالات التي لو عدمتها كانت ناقصة دليل على أن معطي تلك الكمالات أحق بها فمفعولاته من أدل شيء على صفاته وصدق ما أخبرت به رسله عنه فالمصنوعات شاهدة تصدق الآيات المسموعات منبهه علي الاستدلال بالآيات المصنوعات قال تعالى:(سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتي يتبين لهم أنه الحق) أي أن القرآن حق فاخبر انه لا بد من ان يريهم من آياته المشهودة ما يبين لهم أن آياته المتلوة حق ثم أخبر بكفاية شهادته على صحة خبره بما أقام من الدلائل والبراهين علي صدق رسوله فآياته شاهدة بصدقة وهو شاهد بصدق رسوله بآياته وهو الشاهد والمشهود له وهو الدليل والمدلول عليه فهو الدليل بنفسه على نفسه كما قال بعض العارفين كيف أطلب لدليل على من هو دليل علي كل شيء فأي دليل طلبته عليه فوجده أظهر منه ولهذا قال الرسل لقومهم: (أفي الله شك) فهو أعرف من كل معروف وأبين من كل دليل فالأشياء عرفت به في الحقيقة وان كان عرف بها في النظر والاستدلال

 بأفعاله وأحكامه عليه

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الرابعة والثلاثون بعد المئتين في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

*منهج ابن القيم في التعرف على الله

معنى البصيرة في أسماء الله وصفاته، فيقول في مدارج السالكين:  والبصيرة على ثلاث درجات من استكملها فقد استكمل البصيرة بصيرة في الأسماء والصفات وبصيرة في الأمر والنهي وبصيرة في الوعد والوعيد.

فالبصيرة في الأسماء والصفات أن لا يتأثر إيمانك بشبهة تعارض ما وصف الله به نفسه ووصفه به رسوله بل تكون الشبه المعارضة لذلك عندك بمنزلة الشبه والشكوك في وجود الله فكلاهما سواء في البلاء عند أهل البصائر وعقد هذا أن يشهد قلبك الرب تبارك وتعالى مستويا على عرشه متكلما بأمره ونهيه بصيرا بحركات العالم علويه وسفليه وأشخاصه وذواته سميعا لأصواتهم رقيبا على ضمائرهم وأسرارهم وأمر الممالك تحت تدبيره نازل من عنده وصاعد إليه وأملاكه بين يديه تنفذ أوامره في أقطار الممالك موصوفا بصفات الكمال منعوتا بنعوت الجلال منزها عن العيوب والنقائص والمثال هو كما وصف نفسه في كتابه وفوق ما يصفه به خلقه حي لا يموت قيوم لا ينام عليم لا يخفى عليه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض بصير يرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء سميع يسمع ضجيج الأصوات بإختلاف اللغات على تفنن الحاجات تمت كلماته صدقا وعدلا وجلت صفاته أن تقاس بصفات خلقه شبها ومثلا وتعالت ذاته أن تشبه شيئا من الذوات أصلا ووسعت الخليقة أفعاله عدلا وحكمة ورحمة وإحسانا وفضلا له الخلق والأمر وله النعمة والفضل وله الملك والحمد وله الثناء والمجد أول ليس قبله شيء وآخر ليس بعده شيء ظاهر ليس فوقه شيء باطن ليس دونه شيء أسماؤه كلها أسماء مدح وحمد وثناء وتمجيد ولذلك كانت حسنى وصفاته كلها صفات كمال ونعوته كلها نعوت جلال وأفعاله كلها حكمة ورحمة ومصلحة وعدل كل شيء من مخلوقاته دال عليه ومرشد لمن رآه بعين البصيرة إليه لم يخلق السموات والأرض وما بينهما باطلا ولا ترك الإنسان سدى عاطلا بل خلق الخلق لقيام توحيده وعبادته وأسبغ عليهم نعمه يتوسلوا بشكرها إلى زيادة كرامته تعرف إلى عباده بأنواع التعرفات وصرف لهم الآيات ونوع لهم الدلالات ودعاهم إلى محبته من جميع الأبواب ومد بينه وبينهم من عهده أقوى الأسباب فأتم عليهم نعمه السابغة وأقام عليهم حجته البالغة أفاض عليهم النعمة وكتب على نفسه الرحمة وضمن الكتاب الذي كتبه أن رحمته تغلب غضبه...

وقال في طريق الهجرتين ـ وهو يصف حال أحد السابقين ـ: (( فإذا وضع أحدهم جنبه على مضجعه صعدت أنفاسه إلى إلهه ومولاه واجتمع همه عليه متذكرا صفاته العلى وأسماءه الحسنى ومشاهدا له في اسمائه وصفاته قد تجلت على قلبه أنوارها فانصبغ قلبه بمعرفته ومحبته فبات جسمه في فراشه يتجافى عن مضجعه وقلبه قد أوى إلى مولاه وحبيبه فآواه إليه وأسجده بين يديه خاضعا خاشعا ذليلا منكسرا من كل جهة من جهاته فيا لها سجدة ما أشرفها من سجدة لا يرفع رأسه منها إلى يوم اللقاء وقيل لبعض العارفين أيسجد القلب بين يدي ربه قال أي والله بسجدة لا يرفع رأسه منها إلى يوم القيامة فشتان بين قلب يبيت عند ربه قد قطع في سفره إليه بيداء الأكوان وخرق حجب الطبيعة ولم يقف عند رسم ولا سكن إلى علم حتى دخل على ربه في داره فشاهد عز سلطانه وعظمة جلاله وعلو شأنه وبهاء كماله وهو مستو على عرشه يدبر أمر عباده وتصعد إليه شؤون العباد وتعرض عليه حوائجهم وأعمالهم فيأمر فيها بما يشاء فينزل الأمر من عنده نافذا فيشاهد الملك الحق قيوما بنفسه مقيما لكل ما سواه غنيا عن كل من سواه وكل من سواه فقير إليه يسأله من في السموات والأرض كل يوم هو في شأن يغفر ذنبا ويفرج كربا ويفك عانيا وينصر ضعيفا ويجبر كسيرا

ويغني فقيرا ويميت ويحيي ويسعد ويشقي ويضل

ويهدي وينعم على قوم ويسلب نعمته عن آخرين ويعز أقواما ويذل آخرين ويرفع أقواما ويضع آخرين ويشهده كما أخبر عنه أعلم الخلق به وأصدقهم في خبره حيث يقول في الحديث الصحيح يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار أرأيتم ما أنفق منذ خلق الخلق فإنه لم يغض ما في يمينه وبيده الأخرى الميزان يخفض ويرفع فيشاهده كذلك يقسم الأرزاق ويجزل العطايا ويمن بفضله على من يشاء من عباده بيمينه وباليد الأخرى الميزان يخفض به من يشاء ويرفع به من يشاء عدلا منه وحكمة لا إله إلا هو العزيز الحكيم فيشهده وحده القيوم بأمر السموات والأرض ومن فيهن ليس له بواب فيستأذن ولا حاجب فيدخل عليه ولا وزير فيؤتى ولا ظهير فيستعان به ولا ولي من دونه فيشفع به إليه ولا نائب عنه فيعرفه حوائج عباده ولا معين له فيعاونه على قضائها أحاط سبحانه بها علما ووسعها قدرة ورحمة فلا تزيده كثرة الحاجات إلا جودا وكرما ولا يشغله منها شأن عن شأن ولا تغلطه كثرة المسائل ولا يتبرم بإلحاح الملحين لو اجتمع أول خلقه وآخرهم وإنسهم وجنهم وقاموا في صعيد واحد ثم سألوه فأعطى كلا منهم مسألته ما نقص ذلك مما عنده ذرة واحدة إلا كما ينقص المخيط البحر إذا غمس فيه ولو أن أولهم وآخرهم وإنسهم وجنهم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منهم ما زاد ذلك في ملكه شيئا ذلك بأنه الغني الجواد الماجد فعطاؤه كلام وعذابه من كلام إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ويشهده كما أخبر عنه أيضا إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه يُرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما أدركه بصره من خلقه...))

 [الأنترنت – موقع الصفطاوي - كتبه : أحمد أبو رواش ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الخامسة والثلاثون بعد المئتين في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*كيف ننمي معرفة الله في أنفسنا ؟

 ما أسعد مَن عرف الله! من عرف أن الله هو الرزاق ، التواب، العظيم، الكريم، الوهاب، المحيي، المميت، المعطي،المانع؛الذي له الأسماء الحسنى والصفات العلا، سعد قلبه أيما سعادة.

إذا سُئلت: ما ثمرة التوحيد؟ قل: هي معرفة الله، إذا عرفت الله حق المعرفة فقد حققت ثمرة التوحيد، يقول شيخ الإسلام -رحمه الله- كما في مجموع الفتاوى: "أصل التفاضل بين الناس وتفاضلهم عند الله إنما هو بمعرفة الله ومحبته، فإذا كان الناس يتفاضلون فيما يعرفونه من المعروفات، فتفاضلهم في معرفة الله وصفاته أعظم". بل قال -رحمه الله-: "إن كان الخلق يتفاضلون فيما يعرفونه في أنفسهم من صفات أبدانهم، من صحتها، من سقمها، فتفاضلهم فيما يتعلق بمعرفة الله أعظم وأعظم، إذ لا موجود إلا والله خالقه".

   ثم استطرد قائلا: "وكل ما في المخلوقات من كمال فإنما هو أثر من كماله -سبحانه وتعالى-، وكل ما ثبت لمخلوق من الكمال على وجه لا نقص فيه، فالخالق به أحق، وكل صفة تنزه عنها المخلوق، فالله أحق أن ينزه عنها، وكل ما في المخلوقات من الصفات والأسماء كلها دلائل وشواهد على ما لله من الأسماء الحسنى والصفات العلا" انتهى كلامه -رحمه الله-.

 إذاً؛ كيف ننمي في نفوسنا معرفة الله؟

يقول ابن القيم-رحمه الله- كما في كتابه (الفوائد): "نعرف الله من طريقين: الطريق الأول: أن ننظر وأن نتفكر في مفعولات الله سبحانه وتعالى،أي: في مخلوقاته عز وجل والآيات في ذلك كثيرة، قال -تعالى-: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ) آل عمران:190، نحن في هذه الأيام نعيش اختلافا بين الليل والنهار، بدأ الليل يقصر والنهار يطول، أليست عبرة وآية على وجود الله وعظمته وقدرته؟

اسمع، والآيات في ذلك كثيرة، قال -تعالى-: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [فصلت:53]. (أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)، يعني في ملك السماوات والأرض، (وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ)، يعني: وفيما خلق الله من شيء، من جميع الأشياء، (وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ)، يتفكرون أن أجلهم ربما يأتيهم عما قريب، فلعل هذا التفكر يوصلهم إلى أن يؤمنوا بالله قبل أن يلقوه غير موحدين، (أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) [الأعراف:185] هذه آية وعلامة على وجود الله وقدرته: (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ رِزْقاً)، لكن؛ هل كل واحد يتعظ؟ (وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ) [غافر:13].

آية أخرى تدعونا إلى التفكر في مخلوقات الله: (أَفَلَمْ

يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ)، لا يُكلف الإنسان عناءً ولا تعبا إذا نظر إلى أعلى، ولذلك كان رسولنا -صلى الله عليه وسلم- كثيرا ما يرفع طرفه إلى السماء: (أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ * وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ) [ق:6-8]. حتى فِكرنا في أنفسنا، في أطوار حياتنا من الطفولة إلى الشباب إلى الكهولة إلى الشيخوخة، عبرة وعظة وآية وبرهان، يدعوك إلى أن تتعرف على الله، وأن تزداد معرفة بالله -جل وعلا-: (وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) [الذاريات:21]. حتى ما نملكه من الدواب والبهائم فيه عبرة: (أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) [الغاشية:17]، ومع عظمها يقودها أضعف الناس، قد يقودها طفل! هذه العظمة في هذه البهيمة ألا تدل على قدرة الله وخلقه وعظيم سلطانه -سبحانه وتعالى-؟ والآيات في ذلك كثيرة.

إذاً؛ كيف نعرف الله؟ يقول ابن القيم -رحمه الله-: "الطريق الأول أن تنظر وأن تتفكر في مخلوقات الله، الطريق الثاني أن تتدبر آيات الله"، أن تتأمل وأن تمعن النظر في آيات الله، في هذا القرآن الكريم: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) [محمد:24]، (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الْأَوَّلِينَ) [المؤمنون:68]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة السادسة والثلاثون بعد المئتين في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

*كيف ننمي معرفة الله في أنفسنا ؟

ثم استطرد ابن القيم قائلا : "فإن المفعول يدل على فاعله…ويستلزم أن يكون هذا الفاعل قديرا، موجودا، له مشيئة،له علم،لاستحالة أن يصدرالفعل من معدوم، أو من موجود لا صفات له".

ثم انظر إلى هذه المخلوقات ومافيهامن العجائب والفرائد ، قال -رحمه الله-: "وما في مخلوقات الله من المصالح والحكم دال على حكمته، وما في المخلوقات من النفع والإحسان دال على رحمته، وما في المخلوقات من البطش والانتقام دال على غضبه، وما في المخلوقات من الإكرام دال على محبته، وما في المخلوقات من الإهانة والخذلان دال على بغضه ومقته"، إلى آخر ما ذكر -رحمه الله-.

ثم قال -رحمه الله-: "فمفعولاته من أدل الأشياء على صفاته، فهو -سبحانه- أعرف من كل معروف"؛ ولذلك جبلنا على الفطرة: "ما من مولود إلا ويولد على الفطرة"، يقول -رحمه الله-: "فهو أعرف من كل معروف، وأبين من كل دليل، فالأشياء كلها إنما عرفت به -سبحانه وتعالى-، كما أنه عُرف بها على وجه النظر والاستدلال" انتهى كلامه -رحمه الله-.

يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح البخاري: "إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا"، لم؟ لأن قلبه -صلوات ربي وسلامه عليه- قد امتلأ من معرفة الله، لأن العبد إذا عرف

الله خافه -سبحانه وتعالى-.

   يقول القرطبي -رحمه الله- فيما ينقله عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في تفسير قوله -تعالى-: (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [الأنعام:79]، تلك المناظرة التي جرت بين إبراهيم -عليه السلام- وبين قومه في الله -سبحانه وتعالى-، يقول ابن عباس -رضي الله عنهما- "كذلك قلب المؤمن إذا عرف الله واستدل بقلبه عليه ازداد نورا على نور، فإبراهيم -عليه السلام- لما عرف الله بقلبه واستدل عليه بدلائله، علم أن له ربا وخالقا، فلما عرَّفه الله بنفسه وحصلت تلك المناظرة في نهايتها ماذا قال إبراهيم؟ (قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ) [الأنعام:80]، كلٌّ يريد أن يكون من المهتدين، كيف تكون مهتديا؟ اسمع إلى ما قاله ابن عباس -رضي الله عنهما-، والاهتداء لا يكون إلا بالمعرفة، لا يمكن أن تهتدي إلى طريق -ولله المثل الأعلى- لا يمكن أن تهتدي إلى طريق إلا إذا كنت عالما وعارفا به وإلا ضللت، فكذلك هداية الله لا تحصل إلا بمعرفته.

   يقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: "أفضل العبادة الفقه في الدين"، لم؟ قال -رضي الله عنهما-: "لأن الله -سبحانه وتعالى- جعل الفقه صفة القلب"، (لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا) [الأعراف:179]، ثم قال -رضي الله عنهما-: "فلما فقهوا علموا، فلما علموا عملوا، فلما عملوا عرفوا، فلما عرفوا اهتدوا"، ثم قال -رضي الله عنهما-: "كلما كان القلب أفقه كلما كانت نفسه أسرع استجابة لله، وأكثر انقيادا لمعالم شرع الله".

يقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "رحم الله

 صهيبا، لو لم يخف الله لم يعصه"، ما معنى هذا الكلام؟ يقول -رضي الله عنه-: لو أن صهيبا أعطي كتابا بالأمان من النار ما ترك عبادة الله، لم؟ قال: "لأنه كان عارفا بالله"؛ ولذا يقول بعض العلماء: "أخوف الناس لربه أعرفهم به"؛ ولذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن أخوفكم وأعلمكم بالله أنا"، هذا دليل على ما قاله -رحمه الله-.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة السابعة والثلاثون بعد المئتين في موضوع       ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :*كيف ننمي معرفة الله في أنفسنا ؟

نعم، تريد أن تكون عارفا عالما، عليك بخشية الله،

 وخشية الله لا طريق لها إلا بمعرفة الله، إذا عرفت عظمة الشيء خشيته، وأثنيت عليه، وعظمته، وتقربت إليه: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء) [فاطر:28]، ليس العلماء الذين يحفظون النصوص الشرعية دون أن يكون هناك تطبيق في واقعهم، كلا! العلماء حقيقة هم مَنْ عظموا الله وعرفوه، هؤلاء هم العلماء.

ولذا يقول بعض العلماء: "إذا كملت معرفتك بالله

 أورثت لك خوفا واحتراقا للقلب، ولا وصول إلى سعادة لقاء الله في يوم القيامة إلا بمعرفة الله -سبحانه وتعالى-، والأنس به في الدنيا، ولا تحصل تلك المحبة لله إلا بمعرفة الله".

إذاً؛ كيف أصل إلى معرفة الله؟ قال: "بدوام الفكر"، أن تمعن النظر في كل ما تراه من مخلوقات الله -سبحانه وتعالى-، فكيف بعبد أن يحزن أو أن يتعب أو أن يقلق أو أن يهتم وهو يعلم أن له ربا شافيا غنيا رزاقا وهابا رحيما رؤوفا، وقل ما تشاء من أسمائه وصفاته التي ثبتت له بالكتاب والسنة؛ ولذلك، من ازدادت معرفته بالله زادت هيبته، ثم إذا زادت معرفته بالله أوجبت له السكينة،تراه رجلا ساكنا متئدا متزنا.

ولذا يقول بعض العلماء: "المؤمن إذا عرف الله أحبه،

 وإذا أحبه أقبل على عبادته"، فبينما تراه مصليا تراه ساجدا، تراه ركعا، تراه متصدقا، تراه متعلما، تراه تاليا للقرآن، فهو مع المتعلمين متعلم، وهو مع المتصدقين متصدق، وهو مع المصلين مصلٍّ، وهكذا

ينتقل مَنْ عرف الله من عبادة إلى عبادة أخرى.

يقول بعض العلماء: "من عرف الله خرج من هذه الدنيا ولم يشبع من اثنتين"، قيل: ما هما؟

قال: "بكاؤه على نفسه وتقصيره، وثناؤه على ربه"، لماذا يثني على ربه؟ لأنه عرفه، ولذا قال بعض العلماء: "إن من عرف الله لو أعطي مثلما أعطي سليمان من الملك، ما أشغله هذا الملك عن الله طرفة عين".

فمن عرف الله صفا له العيش، وطابت له الحياة، وهابه كل شيء، وذهب عنه كل خوف، وأنس بالله، وقرت عينه بالله، وقرت به كل عين، ومن لم يعرف الله تقطع حسرات في هذه الدنيا.

ومن عرف الله لم تبق له رغبة فيما سواه، من عرف الله أورث الله له رضا وثقة بالله، وإقبالا على الله، وبعدا عن مساخط الله. من عرف الله جمع السعادة في الدارين في الدنيا والآخرة. من عرف الله صار من أطيب الناس عيشا. من عرف الله استنار قلبه.

من عرف الله في هذه الدنيا عرف الله يوم القيامة إذا أتى على صورته التي يُعرف بها، ولا يكون كالمنافقين، كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-. من عرف الله أورث قلبه خوفا وخشية منه -جل وعلا-. من عرف الله ازداد نورا على نور. من عرف الله: قل ما شئت من الخيرات والفوائد والإيجابيات والنعم.

نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يملأ قلوبنا بمعرفتة ، والأنس به، والتقرب إليه، وتعظيمه، وخشيته، والإقبال عليه، والإنابة إليه -جل وعلا-.[ الأنترنت – موقع ملتقى الخطباء - الشيخ : زيد بن مسفر البحري ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والثلاثون بعد المئتين في موضوع   ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*معرفة الله تعالى مفهومها ،وطرقها ، وآثارها في الحياة .

معنى معرفة الله في ضوء الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة

هناك تعريفات كثيرة من العلماء لمعرفة الله تعالى ومنها يلي :

التعريف الأول : تعريف الإمام شمس الدين أبي العون محمد بن أحمد بن سالم السفاريني: قال رحمه الله : ( هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ مَعْرِفَةِ وُجُودِ ذَاتِهِ تَعَالَى بِصِفَاتِ الْكَمَالِ ، دُونَ مَعْرِفَةِ حَقِيقِيَّةِ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ …) .

التعريف الثاني : تعريف الشيخ حافظ الحكمي قال:

إذ هو من كل الأمور أعظم****وهو نوعان أيا من يفهم

اثبات ذات الرب جل وعلا ***أسمائه الحسنى صفاته العلى

   ومن الجدير بالتنبيه أن العلماء يقصدون بالمعرفة تلك حدها الممكن يدركون به ويعلمون علم اليقين بوجود ذاته العلية ، وكونه هو الرب المعبود ، المتصف بجميع صفات الكمال ، والمتنزه عن صفات النقص ، ادراكا وعلما يستوجبان عبادته  وحده  لا شريك  له ، فلا يستطيع البشر إدراك حقيقة ذات الله تعالى ، ولا كيفية أسمائه وصفاته ، وذلك لا يعني الجهل به سبحانه ، وإنما نفي الإدراك والإحاطة وهما مستحيلان في حقه سبحانه وتعالى ، قال تعالى { لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} .

والجهل بالله تعالى وبأسمائه وصفاته وحقه على العباد مما ينافي الشهادة بأن لا إله إلا الله ، وأول شرط من شروطها هو العلم ، فَمن تلفظ بهَا وَهُوَ لَا يعرف مَعْنَاهَا ومقتضاها فَإِنَّهَا لَا تَنْفَعهُ لِأَنَّهُ لم يعْتَقد مَا تدل عَلَيْهِ كَالَّذي يتَكَلَّم بلغَة لَا يفهمها  .

و المعرفة بالله تعالى هي أول واجب على المكلفين ، قال عز وجل { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ } .

وقال صلى الله عليه وسلم في وصيته لمعاذ بن جبل رضي الله عنه لما بعثه إلى اليمن :(إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ،فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ،فَأَخْبِرْهُمْ  أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ ، فَإِذَا فَعَلُوا، فَأَخْبِرْهُمْ  أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ  زَكَاةً  مِنْ أَمْوَالِهِمْ  وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِذَا أَطَاعُوا بِهَا، فَخُذْ مِنْهُمْ وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ ) .

وقال السفاريني رحمه الله :

أول واجب على العبيد  ***معرفة الإلـــــه بالتسديد

 بأنه واحد لا نظير  *** له ولا شبيه ولا وزير

وقال حافظ الحكمي رحمه الله :

 أول واجب على العبيد ***معرفة الرحمن بالتوحيد

 إذ هو من كل الأمور أعظم ***وهو نوعان أيا من يفهم

وقال الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله تعالى :" أَوَّلُ وَاجِبٍ عَلَى الْمُكَلَّفِ مِنْ مُسْلِمٍ بَلَغَ، أَوْ كَافِرٍ يُرِيدُ الدُّخُولَ فِي الْإِسْلاَمِ: أَنْ يَعْلَمَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ .

والمعرفة بالله تعالى هي أساس دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام ، قال تعالى {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } .

قال ابن قيم الجوزية رحمه الله : فأساس دعوة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم معرفة الله سبحانه بأسمائه وصفاته وأفعاله  .

   ومعرفة الله أيضا هي أجل مقاصد المكلفين وغاية المؤمنين العابدين ،فكلما يعتقده المؤمن ويعمل به في جوارحه ، ويتحلى به من الفضائل فلأجل تحقيق هذا المقصد الجليل ، قال ابن القيم رحمه الله (وأجل المقاصد معرفة الله ومحبته والأنس بقربه والشوق إلى لقائه والتنعم بذكره وهذا أجل سعادة الدنيا والآخرة ) .

 إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة التاسعة والثلاثون بعد المئتين في موضوع 

( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*الطرق الشرعية لمعرفة الله تعالى .

   لما كانت معرفة الله تعالى بهذه الأهمية والخطورة، وجب علينا أن نسأل أنفسنا كيف نتعرف على ربنا ؟؟؟

فأما كيف نتعرف على الله تعالى معرفة صحيحة سليمة فيكون بالأمور التالية :

1- قراءة القرآن الكريم وتدبره : وهو كلام الله تعالى المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد أنزل الله فيه آيات بينات ، تعرف بالله تعالى وتعلم بأسمائه وصفاته ، وتدعو إلى التأمل في آيات الله ودلائل قدرته في الأنفس والآفاق ، ومن أعظم الآيات المتضمنة على التعريف بالله تعالى آية الكرسي وهي أعظم آية في كتاب الله وهي قوله تعالى { اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ } ، وخواتيم سورة الحشر ، وهي قوله تعالى { هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } ، و سورة الإخلاص التي تعدل

ثلث القرآن ، وكل آياتها في التعريف بالله تعالى والدلالة على وحدانيته سبحانه ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، أَنَّ رَجُلًا سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ يُرَدِّدُهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ ) ، وقال بعض أهل العلم في معنى قوله صلى الله عليه وسلم (تعدل ثلث القرآن ) أي :  تَضَمَّنَتْ هَذِهِ السُّورَةُ تَوْجِيهَ الِاعْتِقَادِ وَصِدْقَ الْمَعْرِفَةِ وَمَا يَجِبُ إِثْبَاتُهُ لِلَّهِ مِنَ الْأَحَدِيَّةِ الْمُنَافِيَةِ لِمُطْلَقِ الشَّرِكَةِ وَالصَّمَدِيَّةِ الْمُثْبِتَةِ لَهُ جَمِيعَ صِفَاتِ الْكَمَالِ الَّذِي لَا يَلْحَقُهُ نَقْصٌ وَنَفْيَ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ الْمُقَرِّرَ لِكَمَالِ الْمَعْنَى وَنَفْيَ الْكُفْءِ الْمُتَضَمِّنَ لِنَفْيِ الشَّبِيهِ وَالنَّظِيرِ وَهَذِهِ مجامع التَّوْحِيدِ الِاعْتِقَادِيِّ ، وَلِذَلِكَ عَادَلَتْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ لِأَنَّ الْقُرْآنَ خَبَرٌ وَإِنْشَاءٌ وَالْإِنْشَاءُ أَمْرٌ وَنَهْيٌ وَإِبَاحَةٌ وَالْخَبَرُ خَبَرٌ عَنِ الْخَالِقِ وَخَبَرٌ عَنْ خَلْقِهِ ، فَأَخْلَصَتْ سُورَةُ الْإِخْلَاصِ الْخَبَرَ عَنِ اللَّهِ وَخَلَّصَتْ قَارِئَهَا مِنَ الشِّرْكِ الِاعْتِقَادِيِّ .

2- تعلم الأحاديث النبوية الشريفة : وهي ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأقوال و الأفعال والصفات ، فالنبي صلى الله عليه وسلم أعرف الخلق بالله ، وقد دعا الناس إلى الإيمان بالله تعالى وأخبرهم بأسماءه الحسنى وصفاته العليا ، قال أبو الحسن الأشعري رحمه الله (( وأجمعوا على أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا جميع الخلق إلى معرفة الله وإلى نبوته، ونهاهم عن الجهل بالله عز وجل وعن تكذيبه)) ، ومصداق ذلك ما رواه أَبو مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكُنَّا إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى وَادٍ، هَلَّلْنَا وَكَبَّرْنَا ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا، إِنَّهُ مَعَكُمْ إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ، تَبَارَكَ اسْمُهُ وَتَعَالَى جَدُّهُ )) .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الاربعون بعد المئتين في موضوع 

( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :*الطرق الشرعية لمعرفة الله تعالى .

3- الإيمان بأسماء الله الحسنى وصفاته العليا ، وذلك بإثبات ما أثبته الله تعالى ، وأثبته رسوله صلى الله عليه وسلم من تلك الأسماء الحسنى والصفات والصفات ، من غير تأويل ولا تعطيل ولا تكييف ، قال تعالى { َلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } ، وقال عزوجل {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} ، وبعد الإيمان بالأسماء الحسنى والصفات العليا يأتي أمر آخر يغفل عنه كثير من الناس ، وهو إحصاء هذه الأسماء والصفات ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ ) ، ولإحصاء إسماء الله تعالى ثلاث مراتب وهي : المرتبة الأولى: إحصاء ألفاظها، وأسمائها، وعددها ، المرتبة الثانية: فهم معانيها، ومدلولها ، المرتبة الثالثة: دعاؤه بها كما في الآية، وهو نوعان: دعاء ثناء وعبادة، ودعاء طلب ومسألة .

4- التأمل في آيات الله الأفقية ، وذلك بإعمال الفكر في إتقانها وجودتها ودلالتها على الخالق العظيم سبحانه وتعالى ، قال تعالى { وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ} ، قال النسفي رحمه الله :  تدل على الصانع وقدرته وحكمته وتدبيره ، حيث هي مدحوة كالبساط لما فوقها ، وفيها المسالك والفجاج للمتقلبين فيها ، وهي مجزأة : فمن سهل ، ومن جبل ، وصلبة ، ورخوة وعداة ، وسبخة ، وفيها عيون منفجرة ، ومعادن مفننة ، ودواب منبثة ، مختلفة الصور والأشكال ، متباينة الهيئات والأفعال  .

وقال تعالى { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } ، قال الرازي رحمه الله تعالى :وَفِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ

 {سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ }قَوْلَانِ :

الْأَوَّلُ:أَنَّ الْمُرَادَ بِآيَاتِ الْآفَاقِ الْآيَاتُ الْفَلَكِيَّةُ وَالْكَوْكَبِيَّةُ  وَآيَاتُ  اللَّيْلِ  وَالنَّهَارِ  وَآيَاتُ  الْأَضْوَاءِ  وَالْإِضْلَالِ وَالظُّلُمَاتِ وَآيَاتُ عَالَمِ الْعَنَاصِرِ الْأَرْبَعَةِ وَآيَاتُ الْمَوَالِيدِ الثَّلَاثَةِ، وَقَدْ أَكْثَرَ اللَّهُ مِنْهَا فِي الْقُرْآنِ، وَقَوْلُهُ  {وَفِي أَنْفُسِهِمْ } الْمُرَادُ مِنْهَا الدَّلَائِلُ الْمَأْخُوذَةُ مِنْ كَيْفِيَّةِ تَكَوُّنِ الْأَجِنَّةِ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْحَامِ وَحُدُوثِ الْأَعْضَاءِ الْعَجِيبَةِ وَالتَّرْكِيبَاتِ الْغَرِيبَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: { وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} ، يَعْنِي : نُرِيهِمْ مِنْ هَذِهِ الدَّلَائِلِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى إِلَى أَنْ تَزُولَ الشُّبُهَاتُ عَنْ قُلُوبِهِمْ وَيَحْصُلَ فِيهَا الْجَزْمُ وَالْقَطْعُ بِوُجُودِ الْإِلَهِ الْقَادِرِ الْحَكِيمِ الْعَلِيمِ الْمُنَزَّهِ عَنِ الْمِثْلِ وَالضِّدِّ …

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِآيَاتِ الْآفَاقِ فَتْحُ الْبِلَادِ

الْمُحِيطَةِ بِمَكَّةَ وَبِآيَاتِ أَنْفُسِهِمْ فَتْحُ مَكَّةَ.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الواحدة والأربعون بعد المئتين في موضوع  ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :*الطرق الشرعية لمعرفة الله تعالى .

5- التبصر في آيات الله في الأنفس ، وذلك بملاحظة مظاهر قدرة الله وعظمته وعلمه المحيط بكل ذرة في النفس الإنسانية ، قال تعالى { وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ } ، قال الشوكاني رحمه الله تعالى : أَيْ: وَفِي أَنْفُسِكُمْ آيَاتٌ تَدُلُّ عَلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ وَصِدْقِ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ، فَإِنَّهُ خَلَقَهُمْ نُطْفَةً ثُمَّ عَلَقَةً ثُمَّ مُضْغَةً ثُمَّ عَظْمًا إِلَى أَنْ يَنْفُخَ فِيهِ الرُّوحَ، ثُمَّ تَخْتَلِفُ بَعْدَ ذلك صورهم وألوانهم وطبائعهم وألسنتهم، ثم نقش خَلْقِهِمْ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ الْعَجِيبَةِ الشَّأْنِ مِنْ لَحْمٍ وَدَمٍ وَعَظْمٍ وَأَعْضَاءٍ وَحَوَاسَّ وَمَجَارِي وَمَنَافِسَ. وَمَعْنَى أَفَلا تُبْصِرُونَ أَفَلَا تَنْظُرُونَ بِعَيْنِ الْبَصِيرَةِ، فَتَسْتَدِلُّونَ بِذَلِكَ عَلَى الْخَالِقِ الرَّزَّاقِ الْمُتَفَرِّدِ بِالْأُلُوهِيَّةِ، وَأَنَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا ضِدَّ وَلَا نِدَّ، وَأَنَّ وَعْدَهُ الْحَقُّ، وَقَوْلَهُ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا جَاءَتْ إِلَيْكُمْ بِهِ رُسُلُهُ هُوَ الْحَقِّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا شُبْهَةَ تَعْتَرِيهِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْأَنْفُسِ الْأَرْوَاحُ، أَيْ: وَفِي نُفُوسِكُمُ الَّتِي بِهَا حَيَاتُكُمْ آيَاتٌ )) ، وهذا فقط هو الطريق الشرعي للاستدلال بالنفس على الله وعلى وحدانية ، وثمرته هو الشهادة على النفس بالعبودية والافتقار على الله في كل صغير وكبير،والشهادة بأن الله واحد لا شريك له ،وهو رب العالمين وخالقهم ، فلا يحل فيهم ، ولا يتحدون به سبحانه

6- الاهتداء بما أودعه الله في الفطر السليمة من معرفة الله تعالى وتوحيده ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَثَلِ البَهِيمَةِ تُنْتَجُ البَهِيمَةَ هَلْ تَرَى فِيهَا جَدْعَاءَ )) ، وقد اختلف الشراح في معنى الفطرة والمراد منها ، ونقل الإمام النووي رحمه الله في ذلك أقوالا مختلفة لأهل العلم ، ومما نقله قول بعضهم (( كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْإِقْرَارِ بِهِ فَلَيْسَ أَحَدٌ يُولَدُ إِلَّا وَهُوَ يُقِرُّ بِأَنَّ لَهُ صَانِعًا وَإِنْ سَمَّاهُ بِغَيْرِ اسْمِهِ أَوْ عَبَدَ مَعَهُ غَيْرَهُ)) ، وهو عندي أصح مما رجحه الإمام النووي حين يقول رحمه الله ((وَالْأَصَحُّ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ مَوْلُودٍ يُولَدُ مُتَهَيِّئًا لِلْإِسْلَامِ فَمَنْ كَانَ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا اسْتَمَرَّ عَلَى الْإِسْلَامِ فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا وَإِنْ كَانَ أَبَوَاهُ كَافِرَيْنِ جَرَى عَلَيْهِ حُكْمُهُمَا فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا)) .

والفطرة على كل حال إذا لم تتغير فإنها تهدي صاحبها إلى معرفة الله تعالى والإيمان به ، قال الشيخ محمد صالح العثيمين رحمه الله ( فالإنسان مفطور على معرفة ربه وأن له خالقا،وإن كان لا يهتدي إلى معرفة صفات الخالق عل التفصيل، لكن يعرف أن له خالقا كاملا من كل وجه فإن الله تعالى خلق الناس على الفطرة السليمة التي تهديه إلى الإيمان بوجود الله تعالى ، ووجوب توحيده،والتضرع إليه والإستعانة والاستغاثة به ، قال تعالى {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ } ، وقال تعالى { هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ … }

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثانية والأربعون بعد المئتين في موضوع 

( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :*الطرق الشرعية لمعرفة الله تعالى .

7- التفكر في المعجزات والآيات التي يظهرها الله على أيدي الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام ، قال ابن الوزير رحمه الله ((وَأما دلَالَة المعجزات فَهِيَ من أقوى الدلالات وأوضح الْآيَات … ، وعَلى كل حَال فالنبوات وآياتها الْبَيِّنَة ومعجزاتها الباهرة وخوارقها الدامغة أَمر كَبِير وبرهان مُنِير مَا طرق الْعَالم لَهُ معَارض أَلْبَتَّة خُصُوصا مَعَ قدمه وتواتره فَإِن آدم عَلَيْهِ السَّلَام أول الْبشر وأبوهم نَبِي مُرْسل إِلَى أَوْلَاده ثمَّ لم تزل رسل الله عز وَجل لترى مبشرين ومنذرين وعاضدين لفطرة الله الَّتِي فطر الْخلق عَلَيْهَا فَلَا أشفى وَلَا أَنْفَع من النّظر فِي كتبهمْ وآياتهم ومعجزاتهم وأحوالهم ثمَّ اعتضد ذَلِك بأمرين أَحدهمَا اسْتِمْرَار نصر الْأَنْبِيَاء فِي عَاقِبَة أَمرهم وإهلاك أعدائهم بِالْآيَاتِ الرائعة وَثَانِيهمَا سلامتهم واتباعهم ونجاتهم على الدَّوَام من نزُول الْعَذَاب عَلَيْهِم كَمَا نزل على أعدائهم وَلَا مرّة وَاحِدَة )) ، ثم قال رحمه الله تعالى (( ثمَّ يعتضد هَذَا بِمَا يُنَاسِبه من كرامات الصَّالِحين وعقوبات الظَّالِمين الْمَذْكُورَة فِي كتاب الله تَعَالَى والمتواترة والمشاهدة ثمَّ مَا وَقع من تكَرر نصر الله تَعَالَى للحق والمحقين وَإِنَّهُم وان ابتلوا

فالعاقبة لَهُم)) .

8- الهداية التوفيقية من الله تعالى ، وهي توفيق العبد على الإيمان وتقديره له ، قال تعالى { قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } ، وقال تعالى { ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ، وقال تعالى { وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا}

قال ابن الوزير رحمه الله : (( ثمَّ الْيَقِين بعد هَذَا كُله من مواهب الله تَعَالَى فَإِن أنعم الله بِهِ عَلَيْك فَكُن من الشَّاكِرِينَ ، وَإِن عرض لَك الشَّك بعد هَذَا كُله فاحذر أَن يكون ذَلِك عُقُوبَة بذنب كَمَا نبه الله على ذَلِك بقوله {فَمَا كَانُوا ليؤمنوا بِمَا كذبُوا من قبل كَذَلِك يطبع الله على قُلُوب الْكَافرين } وَقَوله {سل بني إِسْرَائِيل كم آتَيْنَاهُم من آيَة بَيِّنَة وَمن يُبدل نعْمَة الله من بعد مَا جَاءَتْهُ فَإِن الله شَدِيد الْعقَاب} ) .

رابعا : آثار المعرفة بالله تعالى .

وللمعرفة بالله تعالى آثار في الحياة الدنيا والآخرة ، وعلى مستوى الفرد والمجتمع ، قال البنا : " وللإيمان الصادق والعبادة الصحيحة والمجاهدة نور وحلاوة يقذفهما الله في قلب من يشاء من عباده" ، ويقول الشيخ عبد الكريم الزيدان معلقا : " والإيمان الصادق هو الذي توفرت فيه معانيه ومنها خلوه من الشرك الخفي والرياء والضعف ، فهو يتخلل القلب ويرسخ في النفس ويحرك الجوارح في طاعة الله ، ويجعل الغائب كالحاضر المشاهد ويملأ النفس طمأنية وثباتا واستقرارا

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثالثة والأربعون بعد المئتين في موضوع 

( الله ) والتي ستكون بعنوان

 بعض الآثار الناتجة عن المعرفة بالله تعالى :

1- توحيد الله تعالى ، فأول ما يجنيه المرء من معرفة الله تعالى هو توحيده وإفراده بالعبادة ، فلن يتخذ لله ندا ولا شريكا ، ولا يخاف ضرا أو يرجو نفعا من غيره سبحانه ، قال تعالى حكاية عن نبيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام وهو يناظر قومه { وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} .

2-الانقياد والطاعة لله تعالى ، وهو من مقتضيات شهادة أن لا إله إلا الله وشروطه ، فمن عرف الله حقيقة المعرفة وآمن به إيمانا صحيحا انقاد وأسلم له ، وللسلف الصالح رحمهم الله آثار كثيرة في هذا المعنى الجليل ، قال ابن مسعود وغيره (( كفى بخشية الله علمًا ، وكفى بالاغترار بالله جهلاً )) ، وقيل للشعبي : أيها العالم! فقال: " إنما العالم من يخشى الله ط ، و قال أبو بكر أحمد بن مروان الدينوري المالكي رحمه الله : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، نَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْأُشْنَانِيُّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْغَفَّارِ الْكَرْمَانِيُّ: حَدَّثَنِي جَعْفَرٌ الرَّقِّيُّ رَسُولُ يُوسُفَ بْنِ أَسْبَاطٍ فِي مَسَائِلَ كَتَبَ بِهَا إِلَى حُذَيْفَةَ الْمَرْعَشِيِّ؛ فَكَتَبَ إِلَيْهِ جَوَابَهَا: أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ عَارِفًا بِاللهِ عَارِفًا بِنَفْسِهِ؛ الْعَارِفُ بِاللهِ الْمُطِيعُ لِلَّهِ فِي جَمِيعِ أَمْرِهِ، وَالْعَارِفُ بِنَفْسِهِ الَّذِي يَخَافُ مِنْ حَسَنَاتِهِ أَنْ لا تُقْبَلَ مِنْهُ  .

ويدخل في الانقياد والطاعة الذي تـثـمره المعرفة بالله

 الحكم بما أنزل الله والكفر بالطاغوت ، فمن عرف الله تعالى ، وانقاد لطاعته ، آمن بأنه أحكم الحاكمين ، وأيقن بأنه لا أحسن منه حكما ، فإنه يحكم بما أنزل الله تعالى ويكفر بالجبت والطاغوت ، وينبذ القوانين والأنظمة المخالفة لحكم الله ، قال { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } ، قال الإمام الطبري رحمه الله (( ومَنْ هذا الذي هو أحسن حكمًا، أيها اليهود، من الله تعالى ذكره عند من كان يوقن بوحدانية الله، ويقرُّ بربوبيته؟ يقول تعالى ذكره: أيّ حكم أحسن من حكم الله، إن كنتم موقنين أن لكم ربًّا، وكنتم أهل توحيدٍ وإقرار به؟ )) .

ولذلك كانت الدعوة إلى معرفة الله والإيمان به وتوحيده مقدمة على الدعوة إلى الصلاة والزكاة وإلى مكارم الأخلاق ، وفي حديث معاذ رضي الله عنه : فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ … " الحديث

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الرابعة والأربعون بعد المئتين في موضوع 

( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : بعض الآثار الناتجة عن المعرفة بالله تعالى :

3-هداية القلب : قال تعالى { وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}     ((عن ابن عباس قوله: (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) يعني: يهد قلبه لليقين، فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه ) ، وقال أبو بكر الورّاق: (( وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ عند النعمة والرخاء، فيعلم أنّها من فضل الله يَهْدِ قَلْبَهُ للشكر، وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ عند الشدّة والبلاء فيعلم أنّها من عند الله يَهْدِ قَلْبَهُ للرضا والصبر)) وقال أبو عثمان الجيري كلاما جامعا مانعا ينتظم كل ما سبق من معان رائقة وزيادة: (( ومن صحّ إيمانه يَهْدِ قَلْبَهُ لاتباع السنّة)) ، وذلك بأن يرشده الله تعالى إلى ما يجب علمه والعمل به في كل حالة من الأحوال .

هذا ، ولا شك أن من هداية القلب ، محبة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ } وقال تعالى   { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا } و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (( َوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ))، ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (( ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ))

ومن هداية القلب : حسن الظن بالله تعالى ، قال تعالى{ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } ، وقال تعالى { ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } .

ومن هداية القلب : مراقبة الله تعالى في السر والعلن ، قال تعالى { وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} .

ومن هداية القلب : طمأنيته بذكر الله ، قال تعالى { الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } .

ومن هداية القلب : سلامته من الفتن الظاهرة

والباطنة ، عَنْ حُذَيْفَةَ، أَنَّهُ قَدِمَ مِنْ عِنْدِ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا جَلَسْنَا إِلَيْهِ أَمْسِ سَأَلَ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّكُمْ سَمِعَ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْفِتَنِ؟ فَقَالُوا: نَحْنُ سَمِعْنَاهُ، قَالَ: لَعَلَّكُمْ تَعْنُونَ فِتْنَةَ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ؟ قَالُوا: أَجَلْ، قَالَ: لَسْتُ عَنْ تِلْكَ أَسْأَلُ، تِلْكَ يُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ، وَالصِّيَامُ، وَالصَّدَقَةُ، وَلَكِنْ أَيُّكُمْ سَمِعَ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْفِتَنِ الَّتِي تَمُوجُ مَوْجَ الْبَحْرِ؟ قَالَ: فَأَسْكَتَ الْقَوْمُ، وَظَنَنْتُ أَنَّهُ إِيَّايَ يُرِيدُ، قُلْتُ: أَنَا، قَالَ لِي: أَنْتَ لِلَّهِ أَبُوكَ قَالَ: قُلْتُ: ( تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ عَرْضَ الْحَصِيرِ، فَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَتْ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَتْ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، حَتَّى يَصِيرَ الْقَلْبُ عَلَى قَلْبَيْنِ أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا، لَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرِ أَسْوَدَ مُرْبَدٍّ كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا ـ وَأَمَالَ كَفَّهُ ـ لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ) .

 إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الخامسة والأربعون بعد المئتين في موضوع 

( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان : بعض الآثار الناتجة عن المعرفة بالله تعالى :

4- دخول الجنة ونيل رضوان الله تعالى .

قال تعالى { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا } ، قال ابن كثير رحمه الله تعالى ((يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ عِبَادِهِ السُّعَدَاءِ وهم الذين آمنوا بالله ورسوله، وصدقوا المرسلين فيما جاءوا به، أن لَهُمْ جَنَّاتِ الْفِرْدَوْسِ)) .

وأخيرا : هذا ما تيسر جمعه وتقييده في هذه المسألة المهمة والخطيرة التي ضلت فيها أفهام ، وزلت فيها أقدام ، وتفرقت بالناس فيها السبل ، والمعصوم من ذلك كله من اهتدى بهدي الكتاب والسنة ، واقتدى بآثار السلف الصالح ، ونبذ كل ما خالفه من البدع المحدثة والأهواء المضلة ، جعلنا الله منهم  أمين [الأنترنت – موقع وسطيون –بقلم / انجوغو صمب]

* أجل اللذات وأعلاها معرفة الله تعالى والنظر إلى وجهه الكريم

قال الغزالي : "اعلم أن اللذات تابعة للإدراكات والإنسان جامع لجملة من القوى والغرائز ولكل قوة وغريزة لذة ولذتها في نيلها المقتضي طبعها الذي خلقت له فإن هذه الغرائز ما ركبت في الإنسان عبثاً بل ركبت كل قوة وغريزة لأمر من الأمور هو مقتضاها بالطبع‏.‏

فغريزة الغضب خلقت للتشفي والانتقام فلا جرم لذتها في الغلبة والانتقام الذي هو مقتضى طبعها‏.‏

وغريزة شهوة الطعام مثلاً خلقت لتحصيل الغذاء الذي به القوام فلا جرم لذتها في نيل هذا الغذاء الذي هو مقتضى طبعها وكذلك لذة السمع والبصر والشم في الإبصار والاستماع والشم فلا تخلو غريزة من هذه الغرائز عن ألم ولذة بالإضافة إلى مدركاتها‏.‏

فكذلك في القلب غريزة تسمى النور الإلهي لقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه ‏"‏ وقد تسمى العقل وقد تسمى البصيرة الباطنة وقد تسمى نور الإيمان واليقين ولا معنى للاشتغال بالأسامي فإن الاصطلاحات مختلفة والضعيف يظن أن الاختلاف واقع في المعاني لأن الضعيف يطلب المعاني من الألفاظ وهو عكس الواجب ؛فالقلب مفارق لسائر أجزاء البدن بصفتة يدرك المعاني التي ليست متخيلة ولا محسوسة كإدراك خلق العالم أو افتقاره إلى خالق قديم مدبر حكيم موصوف بصفات إلهية وتسمى تلك الغريزة عقلاً بشرط أن لا يفهم من لفظ العقل ما يدرك به طرق المجادلة والمناظرة فقد اشتهر اسم العقل بهذا ولهذا ذمه بعض الصوفية وإلا فالصفة التي فارق الإنسان بها البهائم وبها يدرك معرفة الله تعالى أعز الصفات فلا ينبغي أن تذم وهذه الغريزة خلقت ليعلم بها حقائق الأمور كلها فمقتضى طبعها المعرفة والعلم وهي لذتها كما أن مقتضى سائر الغرائز هو لذتها‏.‏

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السادسة والأربعون بعد المئتين في موضوع 

( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان : بعض الآثار الناتجة عن المعرفة بالله تعالى :

  ليس يخفى أن في العلم والمعرفة لذة حتى إن الذي ينسب إلى العلم والمعرفة ولو في شيء خسيس يفرح به والذي ينسب إلى الجهل ولو في شيء حقير يغتم به وحتى أن الإنسان لا يكاد يصبر عن التحدي بالعلم والتمدح به في الأشياء الحقيرة‏.‏

فالعالم باللعب بالشطرنج على خسته لا يطيق السكوت فيه عن التعليم وينطلق لسانه بذكر ما يعلمه وكل ذلك لفرط لذة العلم وما يستشعره من كمال ذاته به فإن العلم من أخص صفات الربوبية وهي منتهى الكمال ولذلك يرتاح الطبع إذا أثني عليه بالذكاء وغزارة العلم لأنه يستشعر عند سماع الثناء كمال ذاته وكمال علمه فيعجب بنفسه ويلتذ به ثم ليست لذة العلم بالحراثة والخياطة كلذة العلم بسياسة الملك وتدبير أمر الخلق ولا لذة العلم بالنحو والشعر كلذة العلم بالله تعالى وصفاته وملائكته وملكوت السموات والأرض ؛ بل لذة العلم بقدر شرف العلم وشرف العلم بقدر شرف المعلوم حتى إن الذي يعلم بواطن أحوال الناس ويخبر بذلك يجد له لذة وإن جهله تقاضاه طبعه أن يفحص عنه فإن علم بواطن أحوال رئيس البلد وأسرار تدبيره في رياسته كان ذلك ألذ عنده وأطيب من علمه بباطن حال الفلاح أو الحائك فإن اطلع على أسرار الوزير وتدبيره وما هو عازم عليه في أمور الوزارة فهو أشهى عنده وألذ من علمه بأسرار الرئيس فإن كان خبيراً بباطن أحوال الملك والسلطان الذي هو المستولي كان ذلك أطيب عنده وألذ من علمه بباطن أسرار الوزير وكان تمدحه بذلك وحرصه عليه وعلى البحث عنه أشد وحبه له أكثر لأن لذته فيه أعظم‏.‏

فبهذا استبان أن ألذ المعارف أشرفها وشرفها بحسب شرف المعلوم فإن كان في المعلومات ما هو الأجل والأكمل والأشرف والأعظم فالعلم به ألذ العلوم لا محالة وأشرفها وأطيبها‏.‏

وليت شعري هل في الوجود شيء أجل وأعلى وأشرف وأكمل وأعظم من خالق الأشياء كلها ومكملها ومزينها ومبدئها ومعيدها ومدبرها ومرتبها وهل يتصور أن تكون حضرة في الملك والكمال والجمال والبهاء والجلال أعظم من الحضرة الربانية التي لا يحيط بمبادي جلالها وعجائب أحوالها وصف الواصفين فإن كنت لا تشك في ذلك فلا ينبغي أن تشك في أن الإطلاع على أسرار الربوبية والعلم بترتب الأمور الإلهية المحيطة بكل الموجودات هو أعلى أنواع المعارف والاطلاعات وألذها وأطيبها وأشهاها وأحرى ما تستشعر به النفوس عند الاتصاف به كمالها وجمالها وأجدر ما يعظم به الفرح والارتياح والاستبشار وبهذا تبين أن العلم لذيذ وأن ألذ العلوم العلم بالله تعالى وبصفاته وأفعاله وتدبيره

في مملكته - من منتهى عرشه إلى تخوم الأرضين –

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السابعة والأربعون بعد المئتين في موضوع 

( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان : بعض الآثار الناتجة عن المعرفة بالله تعالى :

ينبغي أن يعلم أن لذة المعرفة أقوى من سائر اللذات أعني لذة الشهوات والغضب ولذة سائر الحواس الخمس فإن اللذات مختلفة بالنوع أولاً كمخالفة لذة الوقاع للذة السماع ولذة المعرفة للذة الرياسة وهي مختلفة بالضعف والقوة كمخالفة لذة الشبق المغتلم من الجماع للذة الفاتر للشهوة وكمخالفة لذة النظر إلى الوجه

 الجميل الفائق الجمال للذة النظر إلى ما دونه في الجمال‏.‏

وإنما تعرف أقوى اللذات بأن تكون مؤثرة على غيرها فإن المخير بين النظر إلى صورة جميلة والتمتع بمشاهدتها  وبين استنشاق روائح طيبة إذا اختار النظر إلى الصورة الجميلة علم أنها ألذ عنده من الروائح الطيبة وكذلك إذا حضر الطعام وقت الأكل واستمر اللاعب بالشطرنج على اللعب وترك الأكل فيعلم به أن لذة الغلبة في الشطرنج أقوى عنده من لذة الأكل فهذا معيار صادق في الكشف عن ترجيح اللذات فنعود ونقول‏:‏ اللذات تنقسم إلى ظاهرة كلذة الحواس الخمس وإلى باطنة كلذة الرياسة والغلبة والكرامة والعلم وغيرها إذ ليست هذه اللذة للعين ولا للأنف ولا للأذن ولا للمس ولا للذوق والمعاني الباطنة أغلب على ذوي الكمال من اللذات الظاهرة فلو خير الرجل بين لذة الدجاج السمين واللوزينج وبين لذة الرياسة وقهر الأعداء ونيل درجة الاستيلاء فإن كان المخير خسيس الهمة ميت القلب شديد النهمة اختار اللحم والحلاوة وإن كان عالي الهمة كامل العقل اختار الرياسة وهان عليه الجوع والصبر عن ضرورة القوت أياماً كثيرة فاختياره للرياسة يدل على أنها ألذ عنده من المطعومات الطيبة نعم الناقص الذي لم تكمل معانيه الباطنة بعد كالصبي أو كالذي ماتت قواه الباطنة كالمعتوه لا يبعد أن يؤثر لذة المطعومات على لذة الرياسة وكما أن لذة الرياسة والكرامة أغلب اللذات على من جاوز نقصان الصبا والعته فلذة معرفة الله تعالى ومطالعة جمال حضرة الربوبية والنظر إلى أسرار الأمور الإلهية ألذ من الرياسة التي هي أعلى اللذات الغالبة على الخلق وغاية العبارة عنه أن يقال ‏"‏ فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ‏"‏ وأنه أعد لهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وهذا الآن لا يعرفه إلا من ذاق اللذتين جميعاً فإنه لا محالة يؤثر التبتل والتفرد والفكر والذكر وينغمس في بحار المعرفة ويترك الرياسة ويستحقر الخلق الذين يرأسهم لعلمه بفناء رياسته وفناء من عليه رياسته وكونه مشوباً بالكدورات التي لا يتصور الخلو عنها وكونه مقطوعاً بالموت الذي لا بد من إتيانه مهما أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها فيستعظم بالإضافة إليها لذة معرفة الله ومطالعة صفاته وأفعاله ونظام مملكته من أعلى عليين إلى أسفل السافلين فإنها خالية من المزاحمات والمكدرات متسعة للمتواردين عليها لا تضيق عنهم بكبرها وإنما عرضها من حيث التقدير السموات والأرض وإذا خرج النظر عن المقدرات فلا نهاية لعرضها فلا يزال العارف بمطالعتها في جنة عرضها السموات والأرض يرتع في رياضها ويقطف من ثمارها ويكرع من حياضها وهو آمن من انقطاعها إذ ثمار هذه الجنة غير مقطوعة ولا ممنوعة ثم هي أبدية سرمدية لا يقطعها الموت إذ الموت لا يهدم محل معرفة الله تعالى ومحلها الروح الذي هو أمر رباني سماوي ثم هي أبدية سرمدية لا يقطعها الموت إذ الموت لا يهدم محل معرفة الله تعالى ومحلها الروح الذي هو أمر رباني سماوي وإنما الموت يغير أحوالها ويقطع شواغلها وعوائقها ويخليها من حبسها فأما أن يعدمها فلا ‏ { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ‏ } الآية‏.‏

ولا تظنن أن هذا مخصوص بالمقتول في المعركة فإن للعارف بكل نفس درجة ألف شهيد وفي الخبر ‏(‏ إن الشهيد يـتـمـنى في الآخرة أن يرد إلى الدنيا فيقتل مرة أخرى لعظم ما يراه من ثواب الشهادة وإن الشهداء يـتـمنون لو كانواعلماء لما يرونه من علودرجة العلماء ‏ ) .‏

   إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثامنة والأربعون بعد المئتين في موضوع 

( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي

 بعنوان : بعض الآثار الناتجة عن المعرفة بالله تعالى :

  إذن جميع أقطار ملكوت السماوات والأرض ميدان العارف يتبوأ منه حيث يشاء من غير حاجة إلى أن يتحرك إليها بجسمه وشخصه فهو من مطالع جمال الملكوت في جنة عرضها السماوات والأرض وكل عارف فله مثلها من غير أن يضيق بعضهم على بعض أصلاً إلا أنهم يتفاوتون في سعة منتزهاتهم بقدر تفاوتهم في اتساع نظرهم وسعة معارفهم وهم درجات عند الله ولا يدخل في الحصر تفاوت درجاتهم فقد ظهر أن لذة الرياسة وهي باطنة أقوى في ذوي الكمال من لذات الحواس كلها وأن هذه اللذة لا تكون لبهيمة ولا لصبي ولا لمعتوه وأن لذة المحسوسات والشهوات تكون لذوي الكمال مع لذة الرياسة ولكن يؤثرون الرياسة فأما معنى كون معرفة الله وصفاته وأفعاله وملكوت سماواته وأسرار ملكه أعظم لذة من الرياسة فهذا يختص بمعرفته مَن نال رتبة المعرفة وذاقها ولا يمكن إثبات ذلك عند من لا قلب له لأن القلب معدن هذه القوة كما أنه لا يمكن إثبات رجحان لذة الوقاع على لذة اللعب بالصولجان عند الصبيان ولا رجحانه على لذة شم البنفسج عند العنين لأنه فقد الصفة التي بها تدرك هذه اللذة ولكن من سلم من آفة العنة وسلم حاسة شمه أدرك التفاوت بين اللذتين وعند هذا لا يبقى إلا أن يقال من ذاق عرف ولعمري طلاب العلوم وإن لم يشتغلوا بطلب معرفة الأمور الإلهية فقد استنشقوا رائحة هذه اللذة عند انكشاف المشكلات وانحلال الشبهات التي قوي حرصهم على طلبهم فإنها أيضاً معارف وعلوم وإن كانت معلوماتها غير شريفة شرف المعلومات الإلهية فأما من طال فكره في معرفة الله سبحانه وقد انكشف له من أسرار ملك الله ولو الشيء اليسير فإنه يصادف قلبه عند حصول الكشف من الفرح ما يكاد يطير به ويتعجب من نفسه في ثباته واحتماله لقوة فرحه وسروره وهذا مما لا يدرك إلا بالإخلاص وكثرة العلم وبالتامل والتفكر وبالذوق وسبر سير من سبق في هذا المضمار‏.‏

  فهذا القدر ينبهك على أن معرفة الله سبحانه  ألذ الأشياء وأنه لا لذة فوقها‏.‏

ولهذا قال أبو سليمان الداراني‏:‏ إن لله عباداً ليس يشغلهم عن الله خوف النار ولا رجاء الجنة فكيف تشغلهم الدنيا عن الله ، وكذلك قال بعض أخوان معروف الكرخي له‏:‏ أخبرني يا أبا محفوظ أي شيء هاجك إلى العبادة والانقطاع عن الخلق‏. ؟

فسكت فقال‏:‏ ذكر الموت فقال ‏:‏ وأي شيء الموت فقال‏:‏ ذكر القبر والبرزخ فقال‏:‏ وأي شيء القبر فقال‏:‏ خوفى النار ورجاء الجنة فقال‏:‏ وأي شيء هذا إن مَلِكاً هذا كله بيده إن أحببته أنساك جميع ذلك وإن كان بينك وبينه معرفة كفاك جميع هذا‏.‏

وفي أخبار عيسى عليه السلام‏:‏ إذا رأيت الفتى مشغوفاً بطلب الرب تعالى فقد ألهاه ذلك عما سواه‏[الأنترنت – موقع نداء الإيمان - كتاب المحبة والشوق والأنس والرضا  - إحياء علوم الدين ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة التاسعة والأربعون بعد المئتين في موضوع 

( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي

 بعنوان : *بيان السبب في قصور أفهام الخلق عن معرفة الله سبحانه

 اعلم أن أظهر الموجودات وأجلاها هو الله تعالى وكان هذا يقتضي أن تكون معرفته أول المعارف وأسبقها إلى الأفهام وأسهلها على العقول وترى الأمر بالضد من ذلك فلا بد من بيان السبب فيه‏.‏

وإنما قلنا إنه أظهر الموجودات وأجلاها لمعنى لا تفهمه إلا بمثال‏:‏ وهو أنا إذا رأينا إنساناً يكتب أو يخيط مثلاً كان كونه حياً عندنا من أظهر الموجودات فحياته وعلمه وقدرته وإرادته للخياطة أجلى عندنا من سائر صفاته الظاهرة والباطنة إذ صفاته الباطنة كشهوته وغضبه وخلقه وصحته ومرضه وكل ذلك لا نعرفه وصفاته الظاهرة لا نعرف بعضها وبعضها نشك فيه كمقدار طوله واختلاف لون بشرته وغير ذلك من صفاته‏.‏

 أما حياته وقدرته وإرادته وعلمه وكونه حيواناً فإنه جلي عندنا من غير أن يتعلق حس البصر بحياته وقدرته وإرادته فإن هذه الصفات لا نحس بشيء من الحواس الخمس ثم لا يمكن أن نعرف حياته وقدرته وإرادته إلا بخياطته وحركته فلو نظرنا إلى كل ما في العالم سواه لم نعرف به صفته فما عليه إلا دليل واحد وهو مع ذلك جلي واضح ووجود الله تعالى وقدرته وعلمه وسائر صفاته يشهد له بالضرورة كل ما نشاهده وندركه بالحواس الظاهرة والباطنة ؛من حَجَر ومدر ونبات وشجر وحيوان وسماء وأرض وكوكب وبحر ونار وهواء وجوهر وعرض بل أول شاهد عليه أنفسنا وأجسامنا وأوصافنا وتقلب أحوالنا وتغير قلوبنا وجميع أطوارنا في حركاتنا وسكناتنا وأظهر الأشياء في علمنا أنفسنا ثم محسوساتنا بالحواس الخمس ثم مدركاتنا بالعقل والبصيرة - وكل واحد من هذه المدركات له مدرك واحد وشاهد واحد ودليل واحد وجميع ما في العالم شواهد ناطقة وأدلة شاهدة بوجود خالقها ومدبرها ومصرفها ومحركها ودالة علمه وقدرته ولطفه وحكمته ، والموجودات المدركة لا حصر لها فإن كانت حياة الكاتب ظاهرة عندنا وليس لها يشهد إلا شاهد واحد وهو ما أحسسنا به من حركة يده فكيف لا يظهر ما لا يتصور في الوجود شيء داخل نفوسنا وخارجها وهو شاهد عليه وعلى عظمته وجلاله إذ كل ذرة فإنها تنادي بلسان حالها أنه ليس وجودها بنفسها ولا حركتها بذاتها وأنها تحتاج إلى موجد ومحرك لها يشهد بذلك أولاً تركيب أعضائنا وائتلاف عظامنا ولحومنا وأعصابنا ومنابت شعورنا وتشكل أطرافنا وسائر أجزائنا الظاهرة والباطنة فإنا نعلم أنها لم تأتلف بأنفسها كما نعلم أن يد الكاتب لم تتحرك بنفسها ولكن لما لم يبق في الوجود شيء مدرك ومحسوس ومعقول وحاضر وغائب إلا وهو شاهد ومعرف عظم ظهوره فانبهرت العقول ودهشت عن إدراكه‏.‏

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الخمسون بعد المئتين في موضوع 

( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي

 بعنوان : *بيان السبب في قصور أفهام الخلق عن معرفة الله سبحانه

فإن ما تقصر عن فهمه عقولنا فله سببان‏:‏

 أحدهما خفاؤه نفسه وغموضه وذلك لا يخفى مثاله  ، والآخر ما يتناهى وضوحه وهذا كما أن الخفاش يبصر بالليل ولا يبصر بالنهار لا لخفاء النهار واستتاره ولكن لشدة ظهوره فإن بصر الخفاش ضعيف يبهره نور الشمس إذا أشرقت فتكون قوة ظهوره مع ضعف بصره سبباً لامتناع إبصاره فلا يرى شيئاً إلا إذا امتزج الضوء بالظلام وضعف ظهوره‏.‏

 فكذلك عقولنا ضعيفة وجمال الحضرة الإلهية في نهاية الإشراق والاستنارة وفي غاية الاستغراق والشمول حتى لم يشذ عن ظهوره ذرة من  ملكوت  السماوات  والأرض  فصار ظهوره  سبب  خفائه  فسبحان من احتجب بإشراق نوره واختفى عن البصائر بظهوره ولا يتعجب من اختفاء ذلك بسبب الظهور فإن الأشياء تستبان بأضدادها وما عم وجوده حتى أنه لا ضد له عسر إدراكه ، فلو اختلفت الأشياء فدل بعضها دون بعض أدركت التفرقة على قرب ولما اشتركت في الدلالة على نسق واحد أشكل الأمر ومثاله‏:‏

نور الشمس المشرق على الأرض فإنا نعلم أنه عرض من الأعراض يحدث في الأرض ويزول عند غيبة الشمس فلو كانت الشمس دائمة الإشراق لا غروب لها لكنا نظن أنه لا هيئة في الأجسام إلا ألوانها وهي السواد والبياض وغيرهما فإنا لا نشاهد في الأسود إلا السواد وفي الأبيض إلا البياض فأما الضوء فلا ندركه وحده ولكن لما غابت الشمس وأظلمت المواضع أدركنا تفرقة بين الحالين  فعلمنا  أن  الأجسام  كانت  قد استضاءت بضوء واتصفت بصفة فارقتها عند الغروب فعرفنا وجود النور بعدمه وما كنا نطلع عليه لولا عدمه إلا بعسر شديد وذلك لمشاهدتنا الأجسام متشابهة غير مختلفة في الظلام والنور هذا مع أن النور أظهر المحسوسات إذ به تدرك سائر المحسوسات  ، فما هو ظاهر في نفسه وهو مظهر لغيره انظر كيف تصور استبهام أمره بسبب ظهوره لولا طريان ضده فالله تعالى هو أظهر الأمور وبه ظهرت الأشياء كلها ولو كان له عدم أو غيبة أو تغيرلانهدت السموات والأرض وبطل الملك والملكوت ولأدرك بذلك التفرقة بين الحالين ولو كان بعض الأشياء موجوداً به وبعضها موجوداً بغيره لأدركت التفرقة بين الشيئين بالدلالة ولكن دلالته عامة في الأشياء على نسق واحد ووجوده  دائم في الأحوال يستحيل خلافه فلا جرم أورثت شدة الظهور خفاء فهذا هو السبب في قصور الأفهام‏.‏

  وأما من قويت بصيرته ولم تضعف منته فإنه في حال اعتدال أمره لا يرى إلا الله تعالى ولا يعرف غيره يعلم أنه ليس في الوجود إلا الله‏.‏ وأفعاله أثر من آثار قدرته فهي تابعة له فلا وجود لها بالحقيقة ودونه وإنما الوجود للواحد  الذي به وجود الأفعال كلها‏.‏

ومن هذه حاله فلاينظر في شيء من الأفعال إلا ويرى فيه الفاعل ويذهلُ عن  الفعل  من  حيث  إنه  سماء وأرض وحيوان وشجر بل ينظر فيه من حيث أنه صنع الواحد الحق فلا يكون نظره مجاوزاً له إلى غيره كمن نظر في شِعرِ إنسانِ أو خَطهِ أو تصنيفهِ ورأى فيها الشاعر والمصنف ورأى آثاره من حيث أثره لا من حيث إنه حبر وعفص وزاج مرقوم على بياض      فلا يكون قد نظر إلى غير المصنف

وكل العالم تصنيف الله تعالى ؛ فمن نظر إليه من حيث إنه فعل الله ، وعرفه من حيث إنه فعل الله ، وأحبه من حيث إنه فعل الله ، لم يكن ناظراً إلا في الله ولا عارفاً إلا بالله ولا محباً إلا له ، وكان هو الموحد الحق الذي لا يرى إلا الله بل لا ينظر إلى نفسه من حيث

 نفسه بل من حيث إنه عبدا لله ...

 فهذه أمور معلومة عند ذوي البصائر أشكلت لضعف الأفهام عن إدراكها وقصور قدرة العلماء بها عن إيضاحها وبيانها  بعبارة  مفهمة  موصلة  للغرض  إلى الأفهام  أو باشتغالهم بأنفسهم واعتقادهم أن بيان ذلك لغيرهم مما لا يعنيهم فهذا هو السبب في قصور الأفهام عن معرفة الله تعالى

 وانضم إليه أن المدركات كلها التي هي شاهدة على الله

إنما يدركها الإنسان في الصبا عند فقد العقل ثم تبدو فيه غريزة العقل قليلاً قليلاً  وهو مستغرق اُلهم بشهواته وقد أنس بمدركاته ومحسوساته وألفها فسقط وقعها عن قلبه بطول الأنس  ، ولذلك إذا رأى على سبيل الفجأة حيواناً غريباً أو نباتاً غريباً أو فعلاً من أفعال الله تعالى خارقاً للعادة عجيباً انطلق لسانه بالمعرفة طبعاً فقال‏:‏ ‏"‏ سبحان الله ‏"‏ وهو يرى طول  النهار نفسه وأعضاؤه وسائر الحيوانات المألوفة وكلها شواهد قاطعة لا يحس بشهادتها لطول الأنس بها

 ولو فُرض : أكمه بلغ عاقلاً ثم انقشعت غشاوة عينه فامتد بصره إلى السماء والأرض والأشجار والنبات والحيوان دفعة واحدة على سبيل الفجأة لخيف على عقله أن ينبهر لعظم تعجبه من شهادة العجائب لخالقها‏.‏

فهذا وأمثاله من الأسباب ، مع الانهماك في الشهوات هو الذي سد على الخلق سبيل الاستضاءة  بأنوار المعرفة والسِباحة في بحارها الواسعة فالناس في طلبهم معرفة الله كالمدهوش الذي يضرب به المثل إذا كان راكباً لحماره وهو يطلب حماره ، والجليات إذا صارت

 مطلوبة صارت معتاصة‏.‏ فهذا سر هذا الأمر فليحقق‏.‏

ولذلك قيل‏:‏

فقد ظهرت فما تخفى على أحد ***إلا على أكمه لا يعرف القمرا

لكن بطنت بما أظهرت محتجباً ***فكيف يعرف من بالعرف قد سترا.

[الأنترنت – موقع نداء الإيمان - كتاب المحبة والشوق والأنس والرضا  - إحياء علوم الدين ]                                            إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم              

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الواحدة والخمسون بعد المئتين في موضوع  ( الله ) والتي ستكون بعنوان : *العلم الحقيقي :

العلم الحقيقي هو العلم الإلهي، والعلم الإنساني بالنسبة إليه كله جهالة؛ لأن العلم الإلهي يربط المخلوق بالخالق، والعلم الإنساني يربط المخلوق بالمخلوق. والعلم الحقيقي هوا لذي يورث العمل والخشية لله.

-ولابد في كل عمل من أمرين:

إخلاص العمل لله.. وأداؤه كما ورد في سنة رسول الله?. والاتباع يكمل بثلاثة أمور:

اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم في نيته.. واتباعه في وجهته وهي الآخرة.. واتباعه في هيئة العمل.

فالوضوء له أحكام معلومة.. والصلاة كذلك.. والدعوة كذلك. قال الله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ } [الزُّمَر: 9].

-مسؤولية طالب العلم:

على طالب العلم مسؤولية عظيمة، وهي متفاوتة

بحسب ما عنده من العلم، وبحسب حاجة الناس

 إليه.. وبحسب طاقته وقدرته.

  -أما من جهة نفسه: فعليه أن يعتني بفهم وحفظ الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة.. ومعرفة كلام أهل العلم.. وأن يخلص لله ويتقيه.. ويعمل بما علم.. وأن يكون هدفه إرضاء الله عز وجل، وأداء الواجب، وبراءة الذمة، ونفع الناس، فالعلم أمانة أودعها الله إياه، ولابد من أدائها كما أمره ربه، ولا يهدف بعلمه وعمله إلى مال،أو عَرَض من الدنيا،ولا يطلب الرياءوالسمعة ، فيكون من أول من تسجر بهم النار.

-فطالب العلم له ثلاثة مواقف:

موقف مع ربه بالصدق والإخلاص.. وموقف مع نفسه بالعلم والعمل.. وموقف مع غيره بالتعليم والدعوة وحسن الخلق. قال الله تعالى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ } [آل عمران: 79] .وقال الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ، إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } البقرة: 159- 160

-آفة العمل: آفة العمل عدم مطابقته لمراد الله الديني الذي يحبه ويرضاه ؛إما بسبب فساد العلم.. وإما بسبب فساد الإرادة؛ففساده من جهة العلم أن يعتقد أن هذا مشروع، وهو ليس كذلك، أو يعتقد أنه يقرِّبه إلى الله وإن لم يكن مشروعاً؛وأما فساده من جهة القصد، فأن لا يقصد به وجه الله والدار الآخرة، بل يقصد به الدنيا والخلق ؛ولا سبيل للسلامة من هاتين الآفتين في العلم والعمل إلا بمعرفة ما جاء به الرسول

صلى الله عليه وسلم في باب العلم، وإرادة وجه الله في باب القصد والإرادة؛فمتى خلا قلب المسلم من هذه المعرفة، وهذه الإرادة، فسد علمه وعمله، ودنياه وآخرته.

وكل من آثر الدنيا واستحبها من أهل العلم، فلابد أن يقول على الله غير الحق في فتواه وحكمه. وهؤلاء لابد أن يبتدعوا في الدين، مع الفجور في العمل؛ لأن اتباع الهوى يعمي عين القلب، فلا يميز بين السنة والبدعة، أو ينكِّسه فيرى السنة بدعة، والبدعة سنة.

وفي هؤلاء وأشباههم يقول سبحانه: { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } [الأعراف: 169]. فهذا حال العالم المؤثر الدنيا على الآخرة.

أما العابد الجاهل فآفته من إعراضه عن العلم وأحكامه، وغلبة ما تهواه نفسه، على ما شرعه ربه. وفي هؤلاء وأمثالهم يقول سبحانه: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }[القصص: 50].

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم              

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثانية والخمسون بعد المئتين في موضوع  ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

 *العلم الحقيقي  (كمال الإنسان )

كمال الإنسان مداره على أصلين: معرفة الحق من

الباطل.. وإيثار الحق على الباطل بالعمل به، والدعوة إليه ؛وتفاوت منازل الخلق عند الله في الدنيا والآخرة بحسب تفاوتهم في هذين الأمرين.

وقد انقسم الناس في هذا المقام أربعة أقسام:

 الأول : من عرف الحق وآثره على الباطل،بالعمل به

 والدعوة إليه؛فهؤلاء أشرف الخلق،وأكرمهم على الله تعالى.

   الثاني : من لا بصيرة له في الدين، ولا رغبة له فيه لنفسه ولا لغيره. وهؤلاء شر الخلق، غرهم الشيطان فصاروا من جنده وحزبه.

  الثالث: من له بصيرة في العلم والهدى، لكنه ضعيف لا قوة له. فهذا حال المؤمن الضعيف، والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله منه.

  الرابع : من له قوة وهمة، ولكنه ضعيف البصيرة في

 الدين. وليس في جميع هؤلاء من يصلح للإمامة في الدين، ولا هو موضع لها، سوى القسم الأول الذين قال الله فيهم: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ [24]} [السجدة: 24].

-     درجات الكمال :

سنة الله عز وجل أن جعل لكل مخلوق كمالاً يختص به هو غاية شرفه وحسنه، فإذا عدم كماله نزل إلى الرتبة التي دونه، واستُعمل فيها. وقد فاوت الله عز وجل بين النوع الإنساني أعظم تفاوت في الخلق.. والعلم ؛فإذا كان الإنسان صالحاً لاصطفاء الله له بالرسالة اتخذه رسولاً. فإن كان قاصراً عن هذه الدرجة، قابلاً لدرجة الولاية رُشح لها ، فإن كان ممن يصلح للعمل والعبادة، دون العلم والمعرفة، جعل من أهلها، حتى ينتهي إلى درجة عموم المؤمنين، والله أعلم حيث يجعل رسالته؛فإن نقص عن هذه الدرجة، ولم تكن نفسه قابلة لشيء من الخير أصلاً، استُعمل حطباً ووقوداً للنار.

فالإنسان يترقى في درجات الكمال بعلمه وعمله وخلقه

 درجة بعد درجة، حتى يبلغ نهاية ما يناله أمثاله.    قال الله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }المجادلة: 11

-     أصول العبودية :

العبودية الكاملة تقوم على ثلاثة أصول:

الهيبة.. والحياء.. والأنس :

  فإذا عرف المسلم عظمة الله وجلاله، وقدرته وقوته، جاءت عنده صفة الهيبة.

  وإذا عرف غزارة نعم الله الظاهرة والباطنة عليه وعلى غيره، مع قلة الشكر، ونظر إلى كثرة المعاصي، جاء عنده الحياء من ربه.

  وإذا عرف لطف الله ورحمته، وجوده وإحسانه،

 وعفوه وحلمه، جاء عنده الأنس بالله، ولذة مناجاته،

 ودوام الوقوف ببابه.

   وليس في الدنيا نعيم يشبه نعيم الآخرة إلا نعيم الإيمان بالله، ومعرفة أسمائه وصفاته، ولذة مناجاته وعبادته.

   فليهنأ بذلك من رزق ذلك: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ } [يونس: 58].

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم              

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثالثة والخمسون بعد المئتين في موضوع

  ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

 *العلم الحقيقي (ثمرات معرفة الله )

   لابد للعبد الضعيف العاجز.. الفقير المحتاج.. الظلوم الجهول.. الذي لا يستغني عن ربه طرفة عين أن يعرف ربه الذي يربيه بنعمه الظاهرة والباطنة.

وأن يعرف إلهه ومعبوده الذي تكفل بكل ما يحتاجه الخلق في الدنيا والآخرة.

فإذا عرف العبد أن ربه هو القوي وحده، استعان بالله وحده.

وإذا عرف أن ربه هو الغني وحده، طلب منه وحده

 كل ما يحتاجه.

وإذا عرف أن ربه هو العفو وحده، طلب منه وحده المسامحة.

وإذا عرف أن ربه الغفور وحده، طلب منه وحده المغفرة.

 وإذا عرف أن ربه هو الملك وحده، توجه إليه بالعبودية والطاعة وحده.

وإذا عرف أن ربه هو الكريم وحده، شكره وسأله وحده.

وإذا عرف أن ربه هو الكبير وحده، عظمه وحْدَهُ، وكبره وحْدَهُ.

وإذا عرف أن ربه هو العليم وحده، خافه وحذر من معصيته.

وإذا عرف أن ربه هو الرزاق وحده، سأله أن يرزقه.

وهكذا في بقية أسماء الله وصفاته، يتعلمها، ويحفظها، ويعبد الله بمقتضاها.

فالله عز وجل هو الصمد الذي تكفل بما يحتاجه الخلق، ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا رحمة بعباده ليجيب من دعاه، ويعطي من سأله ، ويغفر لمن استغفره.

قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [الأعراف: 180]. وقال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } [البقرة: 186]. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ الله قَالَ:{يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يَقُولُ : مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي،

 فَأَغْفِرَ لَهُ». متفق عليه.

-أحسن اللذات:

أفضل اللذات، وأحسنها، وأعظمها، هي لذة العلم الإلهي؛ وأعظم اللذات التي يجد الإنسان طعمها وحلاوتها في الحياة ؛ والتي تبقى بعد الموت ؛ وتنفع في الدار الآخرة هي لذة العلم بالله وأسمائه وصفاته.ولذة مناجاته وعبادته ؛ وهي لذة الإيمان والأعمال الصالحة

فأطيب ما في الدنيا معرفته سبحانه، وأطيب ما في الآخر النظر إليه، والقرب منه، وسماع كلامه:

{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ

 الْعَظِيمِ } [الجمعة: 4].

-     فضل العلم :

قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ

 اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ } [فاطر: 28]

وقال الله تعالى: {الرَّحْمَنُ ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ } [الرحمن: 1- 4].

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم              

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الرابعة والخمسون بعد المئتين في موضوع

  ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

 *العلم الحقيقي (فضل أهل العلم )

قال الله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [آل عمران: 18].وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}

 [المجادلة: 11].

وقال الله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ } [الزُّمَر: 9].

وَعَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ». أخرجه البخاري.

-     فضل طلب العلم :

قال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ } [محمد: 19]. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ،وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْماً، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقاً إِلَى الجَنَّةِ». أخرجه مسلم.

-     فضل من عَلِم وعَلَّم:

قال الله تعالى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ }[آل عمران: 79].

وَعَنْ أبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ مِنَ الهُدَى وَالعِلْمِ، كَمَثَلِ الغَيْثِ الكَثِيرِ أصَابَ أرْضاً، فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ، قَبِلَتِ المَاءَ، فَأنْبَتَتِ الكَلأ وَالعُشْبَ الكَثِيرَ، وَكَانَتْ مِنْهَا أجَادِبُ، أمْسَكَتِ المَاءَ، فَنَفَعَ اللهُ بِهَا النَّاسَ، فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا، وَأصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أخْرَى، إنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لا تُمْسِكُ مَاءً وَلا تُنْبِتُ كَلأً، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ الله، وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْساً، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى الله الَّذِي أرْسِلْتُ بِهِ». متفق عليه.

وَعَنْ عَبْدُالله بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لا حَسَدَ إلا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا». متفق عليه.

-     فضل من دعا إلى هدى:

قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } [فُصِّلَت: 33].

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ الله قَالَ:

«مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلاَلَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئاً». أخرجه مسلم.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم              

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الخامسة والخمسون بعد المئتين في موضوع

  ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

 *العلم الحقيقي (فضل الفقه في الدين )

قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } [التوبة: 122].

وَعَنْ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قال رَسُولُ الله: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَاللهُ المُعْطِي وَأنَا القَاسِمُ، وَلا تَزَالُ هَذِهِ الأُمَّةُ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أمْرُ الله وَهُمْ ظَاهِرُونَ». متفق عليه.

وَعَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خَيْرُكُمْ

 مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ». أخرجه البخاري.

-     فضل مجالس الذكر:

قال الله تعالى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ }[آل عمران:].  

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: «لاَ يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلاَّ حَفَّتْهُمُ المَلاَئِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ» . أخرجه مسلم.

-     وجوب تعلم العلم:

قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } [التوبة: 122]. وقال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ } [محمد: 19]. وقال الله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [المائدة: 98].

-     وجوب إبلاغ العلم:

قال الله تعالى: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [إبراهيم: 52]. وَعن عَبْدِالله بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً» أخرجه البخاري. وَعَنْ أبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي حِجَّةِ الوَدَاعِ: «لِيُبَلِّغ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَإنَّ الشَّاهِدَ عَسَى أنْ يُبَلِّغَ مَنْ هُوَ أوْعَى لَهُ مِنْهُ»متفق عليه.

-     وجوب العمل بما علم كله:

قال الله تعالى: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [المائدة: 68]. وقال الله تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } [البقرة: 85].

وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ   [ [البقرة: 208][الأنترنت – موقع نداء الإيمان ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم              

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السادسة والخمسون بعد المئتين في موضوع

  ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*معرفة الله غاية مطالب البرية

إن من مقامات دين الإسلام العظيمة ومنازله العلية الرفيعة معرفةَ الرب العظيم والخالق الجليل بمعرفة أسمائه الحسنى وصفاته العلا وما تعرَّف به إلى عباده في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، بل إنّ هذا أساسٌ من أسس الدين العظيمة ، وأصل من أصول الإيمان المتينة ، وقِوام الاعتقاد وأصلُه وأساسُه .

وما أعظمَه من مقام وما أجلَّها من منزلة وما أعلاها من رتبة حين يعرف المخلوق خالقه وربه وسيده وموجده ومولاه ، فيتعرف على عظمته وجلاله وجماله

 وكبريائه،ويتعرف على أسمائه الحسنى وصفاته العلا.

    ولا ريب أنَّ هذه المعرفة أشرف العلوم الشرعية، وأزكى المقاصد العلية وأعظم الغايات السَّنية؛ لتعلُّقه بأشرف معلوم وهو الله تعالى، فمعرفته سبحانه والعلم بأسمائه وصفاته وأفعاله أجل علوم الدين كلها، وإرادة وجهه أجل المقاصد، وعبادته أشرف الأعمال، والثناءُ عليه بأسمائه وصفاته ومدحُهُ وتمجيدُه أشرفُ الأقوال، وذلك أساس الحنيفية ملَّة إبراهيم، وهو الدين الذي اجتمع عليه جميع النبيِّين، وعليه اتفقت كلمتهم وتواطأت مقالتهم وتوارد نصحهم وبيانهم، بل إنه أحد المحاور العظيمة التي عليها ترتكز دعوتهم من أولهم إلى خاتمهم محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

وفي هذا يقول العلَّامة ابن القيِّم: «إنَّ دعوة الرسل

تدور على ثلاثة أمور: تعريف الربِّ المدعو إليه بأسمائه وصفاته وأفعاله، الأصل الثاني: معرفة الطريقة الموصلة إليه، وهي ذكره وشكره وعبادته التي تجمع كمال حبّه وكمال الذلّ له، الأصل الثالث: تعريفهم ما لهم بعد الوصول إليه في دار كرامته من النعيم الذي أفضله وأجله رضاه عنهم وتجلّيه لهم ورؤيتهم وجهه الأعلى وسلامه عليهم وتكليمه إياهم»[«الصواعق المرسلة» (4/1489].

ولنبينا محمد صلى الله عليه وسلم من ذلك النصيب الأوفى «فعرَّف الناس ربهم ومعبودهم غاية ما يمكن أن تناله قواهم من المعرفة، وأبدى وأعاد، واختصر وأطنب في ذكر أسمائه وصفاته وأفعاله، حتى تجلَّت معرفته سبحانه في قلوب عباده المؤمنين، وانجابت سحائب الشك والريب عنها كما ينجاب السحاب عن القمر ليلة إبداره، ولم يَدَع لأمَّته حاجة في هذا التعريف لا إلى من قبله ولا إلى من بعده، بل كفاهم وشفاهم وأغناهم عن كل من تكلم في هذا الباب { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت: 51]» [«جلاء الأفهام» (ص/285 ـ 286)].

وكتاب الله جل وعلا فيه آياتٌ متكاثرة ونصوصٌ متضافرة فيها الدعوة إلى معرفة الله ومعرفة أسمائه الحسنى وصفاته العلا ، وبيان ما يترتب على هذه المعرفة من الآثار الحميدة والنهايات الرشيدة والمآلات الطيبة يقول الله تعالى { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [الأعراف:180] ، ويقول الله تعالى: { قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء:110] ، ويقول الله تعالى: { اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } [طه:8] ، ويقول الله جل وعلا:    { هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ، هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ، هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [الحشر:22–24] .

بل جاء في القرآن الكريم آياتٌ صريحة ونصوصٌ واضحة فيها الدعوة إلى تعلّم الأسماء والصفات ومعرفتها ومعرفة الله تبارك وتعالى بها ،وفي القرآن الكريم قرابة الثلاثين آية فيها الدعوة إلى العلم بأسماء الله وصفاته كقوله جل وعلا: { فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }[البقرة:209] ، وقوله تبارك وتعالى: { اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }[المائدة:98] ، وقوله تبارك وتعالى: { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}[البقرة:267] ، وقوله تبارك وتعالى: { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [البقرة:244] ، وقوله تبارك وتعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ } [محمد:19] ، وقوله جل وعلا: { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا }[الطلاق:12] والآيات في هذا المعنى كثيرة .

وبهذا ندرك شَرَف هذا العلم وفضلَه وأنَّه من الأسس العظام التي قامت عليها دعوات المرسلين، وأنَّه السبيل الوحيد لعزِّ العبد ورفعته وصلاحه في الدنيا والآخرة، وعليه : فإنَّ من في قلبه أدنى حياة أو محبة لربه وإرادة لوجهه وشوق إلى لقائه فطلبه لهذا الباب وحرصه على معرفته وازدياده من التبصر فيه وسؤاله واستكشافه

عنه هو أكبر مقاصده وأعظم مطالبه وأجل غاياته، وليست القلوب الصحيحة والنفوس المطمئنَّة إلى شيء من الأشياء أشوق منها إلى معرفة هذا الأمر،ولا فرحها بشيء أعظم من فرحها بالظفر بمعرفة الحق فيه» [«الصواعق المرسلة» 1/161].

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم              

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السابعة والخمسون بعد المئتين في موضوع

  ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :*معرفة الله غاية مطالب البرية

وهذه المعرفة هي التي عليها مدار السعادة وبلوغ الكمال والترقي في درج الرفعة، ونيل نعيم الدنيا والآخرة، والظفر بأجلِّ المطالب وأنجح الرغائب وأشرف المواهب ،والناس في هذا بين مستكثر ومقل ومحروم، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.

ومتى كان العبد عارفًا بربِّه محبًّا له قائما بعُبُوديَّته ممتثلا أمره مبتعدا عن نواهيه؛ تحقّق له بهذه المعرفة والعبودية اللتين هما غاية الخلق والأمر كمالَ الإنسان المرجو وسموَّه المنشود، بل «ليست حاجة الأرواح قطّ إلى شيء أعظم منها إلى معرفة بارئها وفاطرها ومحبَّتِه وذكرِه والابتهاج به، وطلبِ الوسيلة إليه والزُّلفى عنده، ولا سبيل إلى هذا إلَّا بمعرفة أوصافه وأسمائه، فكلما كان العبد بها أعلم كان بالله أعرف وله أطلب وإليه أقرب، وكلما كان لها أنكر كان بالله أجهل وإليه أكره ومنه أبعد، والله ينزل العبد من نفسه حيث ينزله العبد من نفسه  [«الكافية الشافية» ص/3 ـ 4].

فمعرفة الله تقوِّي جانب الخوف والمراقبة وتعظم المحبة

 والرجاء في القلب، وتزيد في إيمان العبد، وتثمر أنواع العبادة، وبها يكون سير القلب إلى ربه وسعيُه في نيل رضاه أسرعَ من سير الرياح في مَهابِّها، لا يلتفت يمينا ولا شمالا، والتوفيق بيد الله، ولا حول ولا قوَّة إلَّا بالله ؛ فهي غاية مطالب البرية، وهي أفضل العلوم وأعلاها،وأشرفها وأسماها، وهي الغاية التي شمَّر إليها المشمرون، وتنافس فيها المتنافسون، وجرى إليها المتسابقون، وإلى نحوها تمتد الأعناق، وإليها تتجه القلوب الصحيحة بالأشواق، وبها يتحقق للعبد طيب الحياة ؛فإن حياة الإنسان بحياة قلبه وروحه، ولا حياة لقلبه إلَّا بمعرفة فاطره ومحبته وعبادته وحده والإنابة إليه والطّمأنينة بذكره والأُنس بقربه، ومن فقد هذه

الحياة فقد الخير كلَّه، ولو تعوَّض عنها بما تعوض من  

الدنيا، بل ليست الدنيا بأجمعها عوضا عن هذه الحياة،

 فمِنْ كلِّ شيءٍ يفوت عوضٌ، وإذا فاته الله لم يُعوِّض عنه شيءٌ البتَّة» [«الجواب الكافي» لابن القيِّم (ص/132 ـ 133)].

والعجب من حال أكثر النّاس «كيف ينقضي الزمان، وينفد العمر، والقلب محجوبٌ ما شمَّ لهذا رائحة، وخرج من الدنيا كما دخل إليها وما ذاق أطيب ما فيها، بل عاش فيها عيش البهائم،وانتقل منها انتقال المفاليس، فكانت حياتُه عجزًا، وموتُه كمَدًا، ومعادُه حسرةً وأسفًا [«طريق الهجرتين» لابن القيِّم (ص/385)] ، فيخرج من الحياة وما ذاق أطيب ما فيها، ويغادر الدّنيا وهو محروم من أحسن ملاذها؛ كما قال بعض السلف : «مساكين أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها، قيل: وما أطيب ما فيها؟ قال: معرفة الله ومحبته والأنس بقربه والشوق إلى لقائه» [ ذكره ابن القيم في «الجواب الكافي» (ص/123)]. فإن اللذة التامة والفرح والسرور وطيب العيش والنعيم إنما هو في معرفة الله وتوحيده، والأنس به والشوق إلى لقائه، وأنكدُ العيش عيشُ قلبٍ مشتَّت، وفؤاد ممزَّق ليس له قصدٌ صحيح يبغيه ولا مسار واضح يتَّجه فيه، تشعبت به الطرق، وتكاثرت أمامه السبل، وفي كل طريق كبوة، وفي كل سبيل عثرة، حيرانَ يهيم في الأرض لا يهتدي سبيلا، ولو تنقل في هذه الدروب ما تنقل لن يحصل لقلبه قرار، ولا يسكن ولا يطمئن ولا تقر عينُه حتى يطمئنَّ إلى إلهه وربِّه وسيِّده ومولاه، الذي ليس له من دونه وليٌّ ولا شفيع، ولا غنى له عنه طرفة عين.

[الأنترنت – موقع الشيخ عبد الرزاق البدر  ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم              

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثامنة والخمسون بعد المئتين في موضوع

  ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

   *التَّفَكُّرَ في آياتِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ طَريقٌ إلى معرفةِ اللهِ بأسمائِهِ وصفاتِهِ

 قال ابن القيم في المرتع الأسنى:

البابُ الثالثُ:في بَيَانِ أنَّ التَّفَكُّرَ في آياتِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ طَريقٌ إلى معرفةِ اللهِ بأسمائِهِ وصفاتِهِ الرَّبُّ تعالى يدعو عبادَهُ في القرآنِ إلى معرفتِهِ منْ طريقَيْنِ:

ـ أحدُهما: النَّظرُ في مفعُولاتِهِ.

ـ الثاني: التفكُّرُ في آياتِهِ وتدَبُّرُها.

فتلكَ آياتُهُ المشهودةُ، وهذهِ آياتُهُ المسموعةُ المعقولةُ.

فالنوعُ الأوَّلُ: كقوْلِهِ: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ

 وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [البقرة: 164] إلى آخرِها. وقولِهِ: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ } [آل عمرانَ: 190]، وهوَ كثيرٌ في القرآنِ.

والثاني: كقوْلِهِ: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ} النساء: 82. وقولِهِ: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} [المؤمنونَ: 68].

وقولِهِ: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ} [ص: 29]. وهوَ كثيرٌ أيضاً.

فأمَّا المفعولاتُ فإنَّها دَالَّةٌ على الأفعالِ، والأفعالُ دَالَّةٌ على الصِّفَاتِ؛ فإنَّ المفعولَ يدُلُّ على فاعلٍ فعَلَهُ، وذلكَ يسْتَلْزِمُ وُجودَهُ وقُدْرتَهُ ومشيئتَهُ وعلمَهُ لاستحالةِ صُدُورِ الفعلِ الاختياريِّ منْ معدومٍ، أوْ موجودٍ لا

قُدْرَةَ لهُ ولا حياةَ ولا عِلْمَ ولا إرادةَ.

ثُمَّ ما في المفعولاتِ من التخصيصاتِ المتنوِّعةِ دالٌّ على إرادةِ الفاعلِ،وأنَّ فعلَهُ ليسَ بالطبعِ بحيثُ يكونُ واحداً غيرَ مُتَكَرِّرٍ.

وما فيها من المصالحِ والحِكَمِ والغاياتِ المحمودةِ دالٌّ على حِكْمَتِهِ تعالى.

وما فيها من النَّفْعِ والإحسانِ والخيرِ دالٌّ على رحمتِهِ.

وما فيها من البطشِ والانتقامِ والعقوبةِ دالٌّ على غضَبِهِ.

وما فيها من الإكرامِ والتقريبِ والعنايَةِ دالٌّ على محَبَّتِهِ.

وما فيها من الإهانةِ والإبعادِ والخِذلانِ دَالٌّ على بُغْضِهِ ومَقْتِهِ.

وما فيها من ابتداءِ الشيءِ في غايَةِ النَّقصِ والضعفِ ثُمَّ سَوْقِهِ إلى تمامِهِ ونهايَتِهِ دالٌّ على وقوعِ المعادِ.

وما فيها منْ أحوالِ النباتِ والحيوانِ وتَصَرُّفِ المياهِ دالٌّ على إمكانِ المعادِ.

وما فيها منْ ظهورِ آثارِ الرحمةِ والنعمةِ على خلقِهِ دليلٌ على صِحَّةِ النُّبُوَّاتِ.

وما فيها من الكمالاتِ التي لوْ عَدِمَتْها كانتْ ناقصةً دليلٌ

 على أنَّ مُعْطِيَ تلكَ الكمالاتِ أحقُّ بها[الفوائِدُ40)

وقالَ -رَحِمَهُ اللهُ- في مَدارِجِ السَّالِكينَ (3/331): : هذا هو الطريقُ الثانِي مِن طُرُقِ إثباتِ الصفاتِ، وهو دَلالَةُ الصَّنْعَةِ عَلَيْهَا، فإنَّ المَخْلُوقَ يَدُلُّ على وُجودِ خَالِقِهِ، وعلى حَيَاتِهِ وعلى قُدْرَتِهِ، وعلَى عِلْمِهِ ومَشِيئَتِهِ، فَإِنَّ الفِعْلَ الاختيارِيَّ يَسْتَلْزِمُ ذلك استلزامًا ضروريًّا، وما فيهِ مِنَ الإتقانِ والإحكامِ ووُقُوعُهُ على أَكْمَلِ الوُجوهِ: يَدُلُّ على حِكمَةِ فَاعلِهِ وعِنايَتِهِ، وما فيه من الإحسانِ والنَّفْعِ، ووُصُولُ المَنافِعِ العَظيمَةِ إلى المخلوقِ: يَدُلُّ على رَحْمَةِ خَالقِهِ، وإحسانِهِ وجُودِهِ، وما فيه مِن آثارِ الكَمالِ: يَدُلُّ على أنَّ خَالِقَهُ أَكْمَلُ مِنْهُ، فمُعْطِي الكَمَالِ أَحَقُّ بالكَمالِ، وخَالِقُ الأسماعِ والأَبْصَارِ والنُّطْقِ: أَحَقُّ بأَنْ يَكُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا مُتكلِّمًا، وخالقُ الحياةِ والعلومِ، والقَدَرِ والإراداتِ: أَحَقُّ بِأَنْ يَكُونَ هو كذلك في نَفْسِهِ، فما في المخلوقاتِ مِن أنواعِ التخصيصاتِ: هو مِن أَدَلِّ شَيْءٍ على إرادةِ الربِّ سُبْحَانَهُ، وَمَشِيئَتِهِ وحِكْمَتِهِ، التي اقْتَضَتِ التخصيصَ.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

             

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة التاسعة والخمسون بعد المئتين في موضوع

  ( الله ) والتي ستكون إستكمالاللماضية والتي هي بعنوان :*التَّفَكُّرَ في آياتِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ طَريقٌ إلى معرفةِ اللهِ بأسمائِهِ وصفاتِهِ

وحصولُ الإجابةِ عَقِيبَ سُؤالِ الطالبِ، على الوجه المطلوب، دليلٌ على عِلمِ الربِّ تَعالَى بالجُزئياتِ، وعلى سَمْعِه لسؤالِ عَبيدِهِ، وعلى قُدرَتِهِ على قَضاءِ حَوائِجِهِمْ،

وعلَى رَأْفَتِهِ ورَحْمَتِهِ بِهِمْ. والإحسانُ إلى المُطِيعينَ، والتقرُّبُ إِلَيْهِمْ والإكرامُ،وإعلاءُ دَرَجاتِهِمْ:يَدُلُّ علَى مَحَبَّتِهِ ورِضاهُ. وعُقوبَتُهُ للعُصاةِ والظَّلَمَةِ، وأعداءِ رُسُلِهِ بأَنواعِ العُقوباتِ المَشْهُودَةِ: تَدُلُّ علَى صِفَةِ الغَضَبِ والسُّخْطِ  والإبعادُ والطَّردُ والإقصاءُ: يَدُلُّ علَى المَقْتِ والبُغْضِ.

فهذه الدَّلالاتُ مِن جِنسٍ وَاحِدٍ عندَ التأمُّلِ: ولهذا دَعا سُبحانَهُ في كِتابِهِ عِبادَهُ إلى الاستدلالِ بذلكَ على صِفاتِهِ. فهو يُثْبِتُ العِلْمَ برُبُوبِيَّتِهِ ووَحدانِيَّتِهِ، وصِفاتِ كَمالِهِ بآثَارِ صِفَتِهِ المَشْهودَةِ، والقُرآنُ مَمْلُوءٌ بذلكَ .

وقالَ بَعْدَ ذَلِكَ: يَعْبُرُ نَظَرُهُ مِنَ الأَثَرِ إلَى المُؤَثِّرِ، ومِنَ الصَّنْعَةِ إلى الصَّانِعِ، ومِنَ الدَّلِيلِ إلى المدلولِ. فيَنْتَقِلُ إليه بسُرْعَةِ لُطْفِ إِدْراكٍ، فيَنْتَقِلُ ذِهْنُهُ مِنَ المَلْزُومِ إلى لازِمِهِ. قالَ اللهُ تَعالَى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} و(الاعتبارُ) افتعالٌ مِنَ العُبورِ. وهو عُبورُ القَلْبِ مِنَ المَلْزُومِ إلى لازِمِهِ، ومِنَ النَّظِيرِ إلى نَظِيرِهِ[ مَدَارِجُ السَّالِكِينَ (3/333]

[وبالجملَةِ] (فيظهرُ شَاهِدُ اسمِ الخالقِ منْ نفْسِ المخلوقِ، وشاهدُ اسمِ الرازقِ منْ وجودِ الرِّزقِ والمرزوقِ، وشاهدُ اسمِ الرحيمِ منْ شهودِ الرحمةِ المبثوثةِ في العالمِ، واسمِ المُعْطِي منْ وجودِ العطاءِ الذي هوَ مِدْرَارٌ لا ينقطعُ لحظةً واحدةً، واسمِ الحليمِ منْ حِلْمِهِ عن الجُناةِ العصاةِ وعدمِ مُعاجلَتِهِم، واسمِ الغفورِ و التَّوَّابِ منْ مغفرةِ الذنوبِ وقبولِ التوبةِ، ويظهرُ شاهدُ اسمِهِ الحكيمِ من العلمِ بما في خلْقِهِ وأمرِهِ من الحكَمِ والمصالحِ ووجوهِ المنافعِ. وهكذا كلُّ اسمٍ منْ أسمائِهِ لهُ شاهدٌ في خلْقِهِ وأمْرِهِ، يَعْرِفُهُ مَنْ عَرَفَهُ، ويجهلُهُ مَنْ جهِلَهُ،فالخلقُ والأمرُ منْ أعظمِ شواهدِ أسمائِهِ وصفاتِهِ.

وكلُّ سليمِ العقلِ والفطرةِ يعرفُ قدرَ الصانعِ وحِذْقَهُ وتبريزَهُ على غيرِهِ، وتفرُّدَهُ بكمالٍ لمْ يُشَاركْهُ فيهِ غيرُهُ منْ مُشَاهدةِ صَنْعَتِهِ، فكيفَ لا تُعْرَفُ صفاتُ مَنْ هذا العالَمُ  العُلْوِيُّ  والسفليُّ  وهذهِ المخلوقاتُ منْ بعضِ صُنعِهِ؟!

وإذا اعتَبَرْتَ المخلوقاتِ والمأموراتِ وجَدْتَها بأَسْرِها كلَّها دالَّةً على النُّعوتِ والصِّفَاتِ وحقائقِ الأسماءِ الحسنى، وعَلِمْتَ أنَّ المُعَطِّلَةَ منْ أعظمِ الناسِ عَمًى بمُكَابَرَةٍ.

فلا يتأمَّلُ العاقلُ المستبصِرُ مخلوقاً حقَّ تأمُّلِهِ إلاَّ وجدَهُ دالاًّ على فاطرِهِ وبارِئِهِ، وعلى وَحدانيَّتِهِ، وعلى كمالِ صفاتِهِ وأسمَائِهِ، وعلى صِدْقِ رُسُلِهِ، وعلى أنَّ لقاءَهُ حقٌّ لا ريبَ فيهِ.

وهذهِ طريقةُ القرآنِ في إرشادِهِ الخلقَ إلى الاستدلالِ

 بأصنافِ المخلوقاتِ وأحوالِها على إثباتِ الصانعِ، وعلى التوحيدِ والمعادِ والنُّبُوَّاتِ، فمرَّةً يُخْبِرُ أنَّهُ لمْ يخْلُقْ خلْقَهُ باطلاً ولا عبثاً، ومرَّةً يُخْبِرُ أنَّهُ خلَقَهُم بالحقِّ، ومرَّةً يُخْبِرُهُم ويُنَبِّهُهم على وُجُوهِ الاعتبارِ والاستدلالِ بها على صِدْقِ ما أَخْبَرَتْ بهِ رسُلُهُ؛ حتَّى يُبَيِّنَ لهمْ أنَّ الرُّسُلَ إنَّما جاؤُوهُم بما يشاهدونَ أدِلَّةَ صدْقِهِ، وبما لوْ تأمَّلُوهُ لرأَوْهُ مَرْكُوزاً في فِطَرِهم، مُستَقِرًّا في عقولِهِم، وأنَّ ما يُشَاهِدُونَهُ منْ مخلوقاتِهِ شاهد بما أخْبَرَتْ بهِ رُسُلُهُ عنهُ منْ أسمائِهِ وصفاتِهِ وتوحيدِهِ ولقائِهِ ووجودِ ملائكتِهِ.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

    

       

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الستون بعد المئتين في موضوع

  ( الله ) والتي ستكون إستكمالاللماضيتين والتي هي بعنوان :*التَّفَكُّرَ في آياتِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ طَريقٌ إلى معرفةِ اللهِ بأسمائِهِ وصفاتِهِ

وهذا بابٌ عظيمٌ منْ أبوابِ الإيمانِ، إنَّما يفْتَحُهُ اللهُ على مَنْ سَبَقَتْ لهُ منهُ سابقةُ السعادةِ، وهذا أشرفُ عِلْمٍ ينَالُهُ العبدُ في هذهِ الدارِ، وقدْ بَيَّنْتُ في موضعٍ آخرَ أنَّ كُلَّ حركةٍ تُشَاهَدُ على اختلافِ أنواعِها فهيَ دالَّةٌ على التوحيدِ والنُّبُوَّاتِ والمعادِ بطريقٍ سهلةٍ واضحةٍ بُرْهَانِيَّةٍ [بدائِعُ الفَوَائِدِ (4/162-163).]

 ويكْفِي ظهورُ شاهدِ الصُّنعِ فيكَ خاصَّةً،كما قالَ تعالى: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ } [الذاريات: 21]، فالموجوداتُ بأسْرِها شواهدُ صفاتِ الرَّبِّ جلَّ جلالُهُ ونُعُوتِهِ وأسمائِهِ، فهيَ كلُّها تشيرُ إلى الأسماءِ الحسنى وحقائقِها ، وتُنَادي عليها، وتدُلُّ عليها، وتُخبرُ بها بلسانِ النطقِ  والحالِ، كما قيلَ:

تأمَّلْ سُطُورَ الكـائنـاتِ فإنَّـها *** وقدْ خُطَّ فيها لوْ تأمَّلْتَ خـطَّها

تشـيرُ بإثباتِ الصِّفَاتِ لـرَبِّها ***من الملإِ الأعـلى إليكَ رسائلُ

أَلا كلُّ شيءٍ ما خلا اللهَ باطلُ *** فَصَامِتُها يَهدِي ومَـنْ هُوَ قائلُ

فلَسْتَ ترى شيئاً أدلَّ على شيءٍ منْ دلالةِ المخلوقاتِ على صفاتِ خالقِها، ونعوتِ كمالِهِ، وحقائقِ أسمائِهِ، وقدْ تنوَّعَتْ أدِلَّتُها بحسَبِ تنوُّعِها، فهيَ تدُلُّ عقلاً وحسًّا، وفطرةً ونَظَراً واعتباراً [مدارجُ السَّالِكِينَ (3/331-332].   فمفعولاتُهُ منْ أدَلِّ شيءٍ على صفاتِهِ وصِدْقِ ما أخْبَرَتْ بهِ رسلُهُ عنهُ؛ فالمصنوعاتُ شاهدةٌ تُصَدِّقُ الآياتِ المسموعاتِ،مُنَبِّهَةٌ على الاستدلالِ بالآياتِ المصنوعاتِ ، قالَ تعالى: {سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فُصِّلَتْ: 53]؛ أيْ: أنَّ القرآنَ حَقٌّ، فأخبرَ أنَّهُ لا بُدَّ أنْ يُرِيَهُمْ منْ آياتِهِ المشهودةِ ما يُبَيِّنُ لهمْ أنَّ آياتِهِ المتْلُوَّةَ حقٌّ، ثُمَّ أخبرَ بكفايَةِ شهادَتِهِ يُشِيرُ إلَى قَوْلِ اللهِ تَعالَى فِي تَتِمَّةِ الآيةِ السَّابِقَةِ {أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} .

على صِحَّةِ خبَرِهِ بما أقامَ من الدلائلِ والبراهينِ على صِدْقِ رَسُولِهِ، فآيَاتُهُ شاهدةٌ بصِدْقِهِ، وهوَ شاهدٌ بصدقِ رسُولِهِ بآياتِهِ، فهوَ الشاهدُ والمشهودُ لهُ، وهوَ الدليلُ والمدلولُ عليهِ، فهوَ الدليلُ بنفْسِهِ على نفْسِهِ كما قالَ بعضُ العارفينَ: كيفَ أطْلُبُ الدليلَ على مَنْ هُوَ دليلٌ لي على كلِّ شيءٍ؟فأيُّ دليلٍ طَلَبْتَهُ عليهِ فوجودُهُ  أظهرُ منهُ، ولهذا قالَ الرُّسُلُ لِقَوْمِهِمْ: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ} إبراهيم:10؛ فهوَ أعْرَفُ منْ كلِّ معروفٍ، وأبْيَنُ منْ كلِّ دليلٍ ، فالأشياءُ عُرِفَتْ بهِ في الحقيقةِ، وإنْ كانَ عُرِفَ بها في النظرِ والاستدلالِ بأفعَالِهِ وأحكَامِهِ عليْهِ [الفوائد42]

فصلٌ: في بيانِ الطريقِ الثاني:وَالقرآنُ كلامُ اللهِ، وقدْ تجلَّى اللهُ فيهِ لعبَادِهِ بصفاتِهِ :

فتارَةً يتجلَّى في جِلْبابِ الهَيْبَةِ والعظمةِ والجلالِ، فتخضعُ الأعناقُ، وتنْكَسِرُ النفوسُ، وتخشعُ الأصواتُ، ويذُوبُ الكِبْرُ كما يذوبُ المِلحُ في الماءِ.

وتارةً يتجلَّى في صفاتِ الجمالِ والكمالِ، وهوَ كمالُ الأسماءِ وجمالُ الصِّفَاتِ وجمالُ الأفعالِ الدَّالُّ على كمالِ الذَّاتِ؛ فيستفيدُ حُبُّهُ منْ قلبِ العبدِ قُوَّةَ الحبِّ كُلَّها، بحَسَبِ ما عَرَفَهُ منْ صفاتِ جمالِهِ ونعوتِ كمالِهِ؛ فيُصْبِحُ فُؤَادُ عبْدِهِ فارغاً إلاَّ مِنْ مَحَبَّتِهِ، فإذا أرادَ منهُ الغيرُ أنْ يُعَلِّقَ تلكَ المحَبَّةَ بهِ أَبَى قلبُهُ وأحشاؤُهُ ذلكَ

 كلَّ الإباءِ،كما قيلَ:  

يُرَادُ مِن القَلْبِ نِسْيَانُكُمْ *** وتَأْبَى الطِّبَاعُ عَلَى النَّاقِلِ

فتبقى المحبَّةُ لهُ طبعاً لا تكَلُّفاً. وإذا تجلَّى بصفاتِ الرحمةِ والبرِّ واللطفِ والإحسانِ، انبَعَثَتْ قُوَّةُ الرجاءِ من العبدِ، وانْبَسَطَ أملُهُ، وقَوِيَ طَمَعُهُ، وسارَ إلى رَبِّهِ ، وحادِي الرجاءِ يحدُو رِكابَ سَيْرِهِ، وكُلَّما قَوِيَ الرجاءُ جدَّ في العملِ، كما أنَّ الباذِرَ كلَّما قَوِيَ طَمَعُهُ في المُغِلِّ غَلَّقَ أرْضَهُ بالبَذْرِ، وإذا ضَعُفَ رجاؤُهُ قصَّر في البَذْرِ.

وإذا تجلَّى بصفاتِ العَدْلِ والانتقامِ والغضبِ والسَّخَطِ والعقوبةِ انقمعت النفسُ الأمَّارةُ،وبطَلَتْ أوْ ضَعُفَتْ قُواها من الشهوةِ،والغضبِ،واللَّهْوِ،واللَّعِبِ،والحرصِ على المحرماتِ،وانْقَبَضَتْ أعِنَّةُ رُعُونَاتِهَا؛ فأحْضَرَت المطيَّةُ حَظَّها من الخوفِ والخشيَةِ والحذرِ.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم       

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الواحدة والستون بعد المئتين في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالاللماضيات والتي هي بعنوان :*التَّفَكُّرَ في آياتِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ طَريقٌ إلى معرفةِ اللهِ بأسمائِهِ وصفاتِهِ

وإذا تجلَّى بصفاتِ الأمرِ والنهيِ والعَهْدِ والوَصِيَّةِ وإرسالِ الرُّسُلِ وإنـزالِ الكُتُبِ وشرعِ الشرائعِ؛ انْبَعَثَتْ منها  قُوَّةُ  الامتثالِ والتنفيذِ  لأوَامِرِهِ ،  والتبليغِ لها،

والتوَاصِي بها، وذكرِها، وتذكُّرِها، والتصديقِ بالخبرِ، والامتثالِ للطلبِ، والاجتنابِ للنهيِ.

وإذا تجلَّى بصفاتِ السمعِ والبصرِ والعلمِ انبعَثَتْ من العبدِ قُوَّةُ الحياءِ؛ فيستحي منْ ربِّهِ أنْ يراهُ على ما يكرهُ، أوْ يسمعَ منهُ ما يكرهُ ، أوْ يُخْفِيَ  في  سريرتِهِ     ما يَمْقُتُهُ عليهِ؛ فتبقى حركاتُهُ وأقوالُهُ وخواطرُهُ موزونةً بميزانِ الشرعِ، غيرَ مُهْمَلةٍ ولا مُرْسَلةٍ تحتَ حُكمِ الطبيعةِ والهَوَى.

وإذا تجلَّى بصفاتِ الكفايَةِ والحسْبِ، والقيامِ بمصالحِ العبادِ، وسَوْقِ أرزاقِهِم إليهمْ، ودفعِ المصائبِ عنهم، ونصرِهِ لأوليائِهِ، وحمايتِهِ لهم، ومعِيَّتِهِ الخاصَّةِ لهم؛ انبعثتْ من العبدِ قُوَّةُ التوكُّلِ عليهِ، والتفويضِ إليهِ، والرضا بهِ وبكلِّ ما يُجريهِ على عبدِهِ ويُقيمُهُ فيهِ ممَّا يَرْضَى بهِ هوَ سُبحانَهُ، والتوكُّلُ معنًى يلْتَئِمُ منْ علمِ العبدِ بكفايَةِ اللهِ وحسنِ اختيارِهِ لعبدِهِ، وثقَتِهِ بهِ، ورضاهُ بما يفعلُهُ بهِ ويختارُهُ لهُ.

و التوكُّلُ منْ أعمِّ المقاماتِ تَعَلُّقاً بالأسماءِ الحسنى؛ فإنَّ لهُ تَعَلُّقاً خاصًّا بعامَّةِ أسماءِ الأفعالِ وأسماءِ الصِّفَاتِ: فلَهُ تَعَلُّقٌ باسمِ (الغَفَّارِ، والتوَّابِ، والعَفُوِّ، والرؤُوفِ، والرحيمِ)، وتَعَلُّقٌ باسمِ (الفتَّاحِ، والوهَّابِ، والرزَّاقِ، والمُعْطِي، والمُحْسِنِ)، وتَعَلُّقٌ باسمِ (المُعِزِّ، المُذِلِّ، الحافِظِ، الرافِعِ، المانِعِ) منْ جهةِ توكُّلِهِ عليهِ في إذلالِ أعداءِ دينِهِ، وخفْضِهم ومنْعِهم أسبابَ النصرِ، وتَعَلُّقٌ بأسماءِ (القدرةِ، والإرادةِ)، ولهُ تَعَلُّقٌ عامٌّ بجميعِ الأسماءِ الحسنى؛ ولهذا فسَّرَهُ مَنْ فسَّرَهُ من الأئِمَّةِ بأنَّهُ المعرفةُ باللهِ، وإنَّما أرادَ أنَّهُ بحَسَبِ معرفةِ العبدِ يَصِحُّ لهُ مقامُ التوكُّلِ، وكُلَّما كانَ باللهِ أعرفَ كانَ تَوَكُّلهُ عليهِ أقْوَى   [ مَدارِجُ السالكينَ (124-125)].

وإذا تجلَّى بصفاتِ العزِّ والكبرياءِ أعطتْ نفسُهُ المطمئنَّةُ ما وصلَتْ إليهِ من الذُّلِّ لعظمتِهِ، والانكسارِ لعزَّتِهِ، والخضوعِ لكبريائِهِ، وخشوعِ القلبِ والجوارحِ لهُ؛ فتَعْلُوهُ السكينةُ والوَقَارُ في قلْبِهِ ولسانِهِ وجوارِحِهِ وسمْعِهِ، ويذهبُ طَيْشُهُ وقُوَّتُهُ وحِدَّتُهُ.

وجِماعُ ذلكَ: أنَّهُ سُبحانَهُ يتعرَّفُ إلى العبدِ بصفاتِ

 إلهيَّتِهِ تارةً، وبصفاتِ رُبوبيَّتِهِ تارةً؛ فَيُوجِبُ لهُ شهودُ صفاتِ الإلهيَّةِ المحبَّةَ الخاصَّةَ،والشوقَ إلى لقائِهِ،والأُنْسَ  والفرحَ بهِ،والسرورَ بخِدْمَتِهِ،والمنافسةَ في قُرْبِهِ، والتودُّدَ إليهِ بطاعتِهِ، واللَّهَجَ بذِكْرِهِ، والفرارَ من الخلقِ إليهِ، ويصيرُ هوَ وحدَهُ همَّهُ دونَ ما سِوَاهُ.  ويُوجِبُ لهُ شهودُ صفاتِ الربوبِيَّةِ التوكُّلَ عليهِ، والافتقارَ إليهِ، والاستعانةَ بهِ، والذلَّ والخضوعَ والانكسارَ لهُ.

وكمالُ ذلكَ أنْ يشهدَ ربوبيَّتَهُ في إلهيَّتِهِ، وإلهيَّتَهُ في رُبوبيَّتِهِ، وحمدَهُ في مُلكِهِ، وعِزَّهُ في عَفْوِهِ، وحكمتَهُ في قضائِهِ وقَدَرِهِ، ونعمتَهُ في بلائِهِ، وعطاءَهُ في منعِهِ، وبِرَّهُ ولطفَهُ وإحسانَهُ ورحمتَهُ في قيُّوميَّتِهِ، وعدلَهُ في انتقامِهِ، وجُودَهُ وكرمَهُ في مغفرتِهِ وسترِهِ وتجاوُزِهِ، ويشهدُ حكمتَهُ ونعمتَهُ في أمرِهِ ونهيِهِ، وعِزَّهُ في رضاهُ وغضبِهِ، وحلمَهُ في إمهالِهِ، وكرمَهُ في إقبالِهِ، وغناهُ في إعراضِهِ[ وقالَ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- في الفوائدِ (257): (مِنَ الناسِ مَنْ يَعْرِفُ اللهَ بِالجُودِ والإفضالِ والإِحسانِ، ومِنْهُمْ مَنْ يَعْرِفُهُ بالعَفْوِ والحِلْمِ والتَّجَاوُزِ. ومِنهُم مَنْ يَعْرِفُه بالبَطْشِ والانتقامِ، ومِنهُم مَن يَعْرِفُه بالعِلْمِ والحِكْمَةِ، ومِنهُم مَن يَعْرِفُهُ بالعِزَّةِ والكِبْرِيَاءِ، ومِنهُم مَن يَعْرِفُه بالرَّحْمَةِ والبِرِّ واللُّطْفِ، ومِنهُم مَن يَعْرِفُه بالقَهْرِ والمُلْكِ، ومِنهُم مَن يَعْرِفُه بإِجابَةِ دَعْوَتِهِ وإِغَاثَةِ لَهْفَتِهِ وقَضاءِ حَاجَتِهِ.وأَعَمُّ هَؤلاءِ مَعرِفَةً: مَنْ عَرَفَهُ مِن كَلامِهِ، فإِنَّهُ يَعْرِفُ رَبًّا قَدِ اجتمَعَتْ له صِفاتُ الكَمالِ، ونُعوتُ الجَلالِ، مُنَزَّهٌ عنِ المِثالِ، بَرِيءٌ مِنَ النَّقَائِصِ والعُيوبِ، لهُ كُلُّ اسمٍ حَسَنٍ وكُلُّ وَصْفِ كَمالٍ، فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ، فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ، ومعَ كُلِّ شَيءٍ، وقادرٌ علَى كُلِّ شيءٍ ومُقيمٌ لكُلِّ شيءٍ، آمِرٌ نَاهٍ، مُتكلِّمٌ بكَلِمَاتِهِ الدِّينِيَّةِ والكَوْنِيَّةِ، أَكْبَرُ مِن كُلِّ شيءٍ، وأَجْمَلُ مِن كُلِّ شيءٍ، أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، وأَقْدَرُ القَادِرِينَ، وأَحْكَمُ الحَاكِمِينَ، فالقُرآنُ أُنْزِلَ لِتَعْرِيفِ عِبَادِهِ بهِ وبِصِرَاطِهِ المُوصِلِ إِلَيْهِ، وبحَالِ السَّالِكِينَ بعدَ الوُصولِ إِلَيْهِ).

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

      

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثانية والستون بعد المئتين في موضوع  ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :*التَّفَكُّرَ في آياتِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ طَريقٌ إلى معرفةِ اللهِ بأسمائِهِ وصفاتِهِ

  ولابنِ القيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ - كلامٌ نَفِيسٌ جدًّا مُتَفَرِّقٌ

 فِي كُتُبِهِ في تَدَبُّرِ القرآنِ العَظِيمِ وثَمراتِهِ ومُعَوِّقَاتِهِ وكَيْفِيَّةِ التَّدَبُّرِ الصحيحِ، يُعْطِي طالِبَ العِلْمِ دُرْبَةً عَمَلِيَّةً وطَرِيقَةً حسَنةً في التدبُّرِ تَفْتَحُ له آفاقُا مِن العِلمِ رَحْبَةً لم يَكُنْ يَعْهَدُها مِن قَبْلُ. وإذا أَرَدْتَ نَمُوذجًا لذلك فراجِعْ كَلامَهُ في الرسالةِ التَّبُوكِيَّةِ (74-83) فإنه مُهِمٌّ -ولَوْلا خَشْيَةُ الإطالةِ لَسُقْتُهُ هنا من بابِ الاستطرادِ، فإنَّهُ استطرادٌ نافِعٌ جدًّا، واللهُ الموفِّقُ والمعينُ.

 وأَجَرْت القرءان من التحريفِ، وأنْ تقضيَ عليهِ بآراءِ المتكلِّمينَ وأفكارِ المتكلِّفينَ، أشهدَ مَلِكاً قَيُّوماً فوقَ سماواتِهِ على عرْشِهِ، يُدَبِّرُ أمرَ عبادِهِ، يأمرُ وينهى، ويُرْسِلُ الرُّسلَ، ويُنْـزِلُ الكتبَ، ويَرْضى ويَغضبُ، ويُثيبُ ويُعاقبُ، ويُعطي ويَمنعُ، ويُعزُّ ويُذلُّ، ويَخْفِضُ ويرفعُ، يَرى منْ فوقِ سبعٍ ويسمعُ، ويعلمُ السرَّ والعلانيَةَ، فعَّالٌ لما يريدُ، موصوفٌ بكلِّ كمالٍ، مُنَزَّهٌ عنْ كلِّ عيبٍ

، لا تتحرَّكُ ذرةٌ فما فوقَها إلاَّ بإذنِهِ، ولا تسقطُ ورقةٌ إلاَّ بعلْمِهِ، ولا يشفعُ أحدٌ عندَهُ إلاَّ بإذنِهِ، ليسَ لعبادِهِ منْ دُونِهِ وليٌّ ولا شفيعٌ [ الفوائدُ (105-108).]  فـيشهدُ قلبُكَ الرَّبَّ تباركَ وتعالى مُسْتَوِياً على عرشِهِ، مُتكلِّماً بأمرِهِ ونهْيِهِ، بصيراً بحركاتِ العالَمِ عُلْويِّهِ وسُفْلِيِّهِ، وأشخاصِهِ وذواتِهِ، سميعاً لأصواتِهِم، رقيباً على ضمائرِهم وأسرارِهم، وأمرُ الممالكِ تحتَ تدْبيرِهِ، نازلٌ منْ عندِهِ وصاعدٌ إليهِ، وأملاكُهُ بينَ يدَيْهِ، تُنَفِذُ أوامرُهُ في أقطارِ الممالكِ، موصوفاً بصفاتِ الكمالِ، منعوتاً بنعوتِ الجلالِ، منـزَّهاً عن العيوبِ والنقائصِ والمثالِ، هوَ كما وصفَ نفسَهُ في كتابِهِ، وفوقَ ما يصِفُهُ بهِ خلقُهُ، حيٌّ لا يموتُ، قَيُّومٌ لا ينامُ، عليمٌ لا يخفى عليهِ مثقالُ ذَرَّةٍ في السماواتِ ولا في الأرضِ، بصيرٌ يرى دبيبَ النملةِ السوداءِ على الصخرةِ الصمَّاءِ في الليلةِ الظلماءِ، سميعٌ يسمعُ ضجيجَ الأصواتِ، باختلافِ اللغاتِ، على تفنُّنِ الحاجاتِ. تـمَّتْ كلماتُهُ صِدْقاً وعَدْلاً، وجلَّتْ صفاتُهُ أنْ تُقاسَ بصفاتِ خلقِهِ شبهاً ومثلاً، وتعالَتْ ذاتُهُ أنْ تُشْبِهَ شيئاً من الذواتِ أصلاً، ووَسِعَت الخليقةَ أفعالُهُ عَدْلاً وحكمةً ورحمةً وإحساناً وفضلاً، لهُ الخلقُ والأمرُ،ولهُ النعمةُ والفضلُ، ولهُ الملكُ والحمدُ،ولهُ الثناءُ والمجدُ،أوَّلٌ ليسَ قبلَهُ شيءٌ، وآخرٌ ليسَ بعدَهُ شيءٌ، ظاهرٌ ليسَ فوقَهُ شيءٌ، باطنٌ ليسَ دُونَهُ شيءٌ، أسماؤُهُ كلُّها أسماءُ مدحٍ وحمدٍ وثناءٍ وتمجيدٍ؛ ولذلكَ كانتْ حُسْنَى، وصفاتُهُ كلُّها صفاتُ كمالٍ، ونعوتُهُ كلُّها نعوتُ جلالٍ، وأفعالُهُ كلُّها حكمةٌ ورحمةٌ ومصلحةٌ وعَدْلٌ، كلُّ شيءٍ منْ مخلوقاتِهِ دالٌّ عليهِ، ومرشدٌ لمَنْ رآهُ بعينِ البصيرةِ إليهِ.

لمْ يخلُق السماواتِ والأرضَ وما بينَهما باطلاً، ولا تركَ الإنسانَ سُدًى عاطلاً، بلْ خلقَ الخلقَ لقيامِ توحيدِهِ وعبادَتِهِ، وأسبغَ عليهم نعمَهُ ليتوصَّلُوا بشُكْرِها إلى زيادةِ كرامَتِهِ، تعرَّفَ إلى عبادِهِ بأنواعِ التعريفاتِ، وصرَّفَ لهم الآياتِ، ونوَّعَ لهم الدلالاتِ، ودعَاهُم إلى محبَّتِهِ منْ جميعِ الأبوابِ، ومَدَّ بينَهُ وبينَهم منْ عهدِهِ أقوى الأسبابِ؛ فأتمَّ عليهم نعمَهُ السابغةَ، وأقامَ عليهم حُجَّتَهُ البالغةَ، أفاضَ عليهم النعمةَ، وكتبَ على نفْسِهِ الرحمةَ). [ مدارجُ السالِكينَ 1/146]  .[المرتبع الأسنى] ، [الفوائدُ 244-245] [الأنترنت – موقع جمهرة العلوم - جمهرة علوم العقيدة   - إدارة الجمهرة ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

      

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثالثة والستون بعد المئتين في موضوع    ( الله ) والتي ستكون بعنوان: *فقه عظمة الله

   قال الله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ } [البقرة: 255].

وقال الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } [الزمر: 67].

وقال الله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ

 الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ } [الحشر: 23].

الله تبارك وتعالى هو العظيم في ذاته، العظيم في أسمائه ، العظيم في صفاته، العظيم في خلقه وأمره، العظيم في دينه وشرعه، العظيم في ملكه وسلطانه.

وهو سبحانه العظيم الذي خلق المخلوقات، وأوجد الموجودات، وصور الكائنات،وخلق الأرض السموات.

وهو سبحانه القدير الذي قدر الأقدار في السموات والأرض،وكل شيء عنده بمقدار:{عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ } [الرعد: 9].

وهو سبحانه القوي الذي خضعت الأعناق لعظمته، وخشعت الأصوات لهيبته، وذل الأقوياء لقوته، وقهر الخلائق بقدرته.

وهو سبحانه الملك المتفرد بالخلق والإيجاد، والتصريف والتدبير، كل يوم هو في شأن، يخلق ويرزق، ويحيي ويميت، ويعز ويذل، ويعطي ويمنع، ويرفع ويخفض، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه.

وهو سبحانه الغني الذي يرزق الخلائق،ويهب الأولاد ،ويقسم الأرزاق، ويرسل الرياح، وينزل المياه، ويجيب المضطر،ويكشف السوء، ويطعم الخلق، ويدبر الأمر.

يفعل ذلك كله متى شاء .. وفي أي وقت شاء .. وبأي قدر شاء.

وهو سبحانه الكبير الذي له الكبرياء في السموات والأرض، الجبار الذي قهر الجبابرة بجبروته، وعلاهم بعظمته، القاهر فوق عباده، القاهر لهم على ما أراد، الفعال لما يشاء.

  وهو سبحانه القوي العزيز الذي لا يعجزه شيء، ولا يغلبه شيء،ولا يعزب عنه شيء،القادر على كل شيء، المالك لكل شيء، المحيط بكل شيء، العالم بكل شيء، الذي يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد.

حجابه النور،لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه،لا تراه العيون،ولا تخالطه الظنون

، ولا يصفه الواصفون كما ينبغي لجلال وجهه، وعظيم سلطانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [الشورى: 11]. له الخلق والأمر، وأمره بين الكاف والنون: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}يس: 82

والله تبارك وتعالى له الكمال المطلق في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، فهو بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وهو الغني الذي له خزائن السموات والأرض، يعطي من يشاء،ويمنع من يشاء، لا مانع لما أعطى،ولا معطي لما منع، وما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.

  مالك الملك، يعز من يشاء، ويذل من يشاء: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (27)} [آل عمران].

 إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

       

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الرابعة والستون بعد المئتين في موضوع    ( الله ) والتي ستكون بعنوان: *فقه عظمة الله

وهو سبحانه رب كل شيء ومليكه، لا إله غيره ولا رب سواه، مالك كل شيء، ورب كل شيء.

له وحده ربوبية الخلق والإيجاد والتدبير: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الزمر: 62].

وله وحده ربوبية التعليم والإرشاد: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)} [العلق ].

وله وحده ربوبية التمليك والإمداد: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29].

وله وحده ربوبية التسخير: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ} [لقمان: 20].

وله وحده ربوبية التكريم والاستخلاف: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (165)} [الأنعام: 165].

فما أعظم هذا الرب العظيم الكريم الرحيم الذي هذا فعله .. وهذا خلقه .. وهذا فضله .. وما أكرمه .. وما أرحمه بعباده. وهذا عطاؤه في الدنيا لمن أطاعه وعصاه، ومن آمن به ومن كفر به، فكيف يكون عطاؤه وإكرامه في الآخرة لأهل طاعته؟.{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ

 مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [السجدة: 17].

وكيف يكون عذابه وجزاؤه في الآخرة لمن عصاه: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ } [النساء: 14].

وهو سبحانه العظيم الذي لا أعظم منه، الكبير الذي لا أكبر منه، والعظمة والكبرياء من خصائص الرب عزَّ وجلَّ، والكبرياء أعلى من العظمة، ولهذا جعلها سبحانه بمنزلة الرداء، كما جعل العظَمة بمنزلة الإزار.

قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الْعِزُّ إِزَارُهُ، وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَاؤُهُ، فَمَنْ يُنَازِعُنِي عَذَّبْتُهُ» أخرجه مسلم

والله جل جلاله عظيم لا تراه العيون، ولا تدركه الأبصار: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } [الأنعام: 103].

وحين جاء موسى - صلى الله عليه وسلم - لميقات ربه، تشوفت روحه واشتاقت نفسه لرؤية ربه، فطلب من ربه أن ينظر إليه، فأعلمه الله أنه لا يطيق أن يراه، وأمره أن ينظر إلى الجبل الذي هو أمكن وأثبت وأكبر من الإنسان، فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً.

ومن رهبة الموقف خرّ موسى صعقاً، فغُشي عليه، وغاب عن وعيه كما قال سبحانه: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ } [الأعراف: 143].

سبحانك تنزهت وتعاليت أن تُرى بالأبصار وتُدرك، تبت إليك من تجاوز المدى في سؤالك، وأنا أول المؤمنين بعظمتك وجلالك، وبما أنزلته من كلمات.

والله سبحانه هو الخلاق العليم، الذي خلق السموات

 والأرض،وخلق الشمس والقمر، وخلق الليل والنهار، وخلق البر والبحر، وخلق السهول والجبال، وخلق الإنس والجن، وخلق الروح والملائكة، وخلق الجبال والرياح: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } [الزمر: 62]. والله عزَّ وجلَّ خالق كل شيء ، خلق السموات والأرض،ثم استوى على العرش، وهو مع خلقه يبصر أعمالهم من فوق عرشه، ويسمع كلامهم، ويعلم أحوالهم، ويدبر أمورهم: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ  [المجادلة: 7]. فهذه المعية العامة لعموم الخلق.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم  

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الخامسة والستون بعد المئتين في موضوع    ( الله ) والتي ستكون بعنوان: *فقه عظمة الله

أما المعية الخاصة فهي لعباده المؤمنين، وتكون بالنصرة لهم، والتأييد والمعونة كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ } [النحل:128].

وهو سبحانه العلي العظيم،الذي علوه لايناقض معيته، ومعيته لا تبطل عُلُوَّه، وكلاهما حق، فمعيته لعموم العباد بالعلم والإحاطة، ومعيته للمؤمنين معية القرب التي تتضمن الموالاة والنصر، والحفظ والإعانة.

والله جل جلاله هو مالك الملك وحده، ومالك الكون بلا شريك، يُملِّك من شاء من ملكه تمليك العارية، يستردها مالكها ممن يشاء، عندما يشاء،فليس لأحد مُلكية أصيلة يتصرف فيها على هواه، إنما هي ملكية معارة له، خاضعة لشروط المملِّك الأول وتعليماته، فإذا تصرف المستعير فيها تصرفاً حسناً موافقاً لأمر الله أسعده الله في الدنيا والآخرة.

وإن تصرف في الملك تصرفاً سيئاً مخالفاً لأمر الله وقع هذا التصرف باطلاً، يحاسب ويعاقب عليه ممن ملّكه إياه. والله وحده هو الذي يدبر أمر الكون كله، وأمر البشر كلهم، في كل مكان، وفي كل زمان: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } {تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[آل عمران: 26، 27].

والله سبحانه بيده الملك، وهو على كل شيء قدير، فالخسوف والكسوف، والبراكين والزلازل، والرياح والعواصف، وسائر القوى الكونية كلها بيد الله وحده، وليس في أيدي البشر منها شيء، وكل ما يبنيه الناس على ظهر الأرض تذهب به رجفة من رجفاتها ، أو إعصار من أعاصيرها بأمر الله الواحد القهار.

إن الإنسان قوي بالقدر الذي وهبه الله من القوة، عالم بالقدر الذي أعطاه الله من العلم، ولكن هذا الكون الهائل زمامه بيد خالقه،وقواه من إمداده، وهذه القوى تسير وفق أمره سبحانه، ويقف الإنسان أمام قوى الكون الهائلة مكتوف اليدين حسيراً، ليس له إلا أن يتذكر خالق هذه القوى، ويتطلع إلى عونه في مواجهتها.

وحين ينسى الإنسان هذا، ويغتر وينخدع بما قسم الله

 له من العلم والقدرة على تسخير بعض قوى الكون، فإنه يصبح مخلوقاً مسيخاً مقطوعاً عن العلم الحقيقي، ويخلد إلى الأرض،بينما العالم المؤمن كله راكع لربه الجليل

إن جميع قوى الكون الهائلة تلجئ الإنسان الجاءً إلى موقف العجز والتسليم للخالق العظيم.

إن الله مالك الملك، استخلف هذا الإنسان في هذه الأرض، ووهبه من القوة والقدرة والعلم ما يشاء، والله كالئه وحاميه، والله رازقه ومعطيه، ولو تخلت عنه يد الله لحظة لسحقته أقل القوى المسخرة له ، ولأكله الذباب، وما هو أصغر من الذباب، ولكنه بإذن الله مكلوء محفوظ مكرم من بارئه وفاطره.

والله تبارك وتعالى هو العظيم وحده ، والعظيم هو الموصوف بكل صفة كمال، ولا يستحق ذلك إلا الله وحده.

ومن عظمته سبحانه أن السموات السبع والأرضين السبع في يد الرحمن أصغر من الخردلة، فهو سبحانه العظيم الذي يستحق من عباده أن يعظموه بقلوبهم وألسنتهم وجوارحهم، وذلك لا يكون إلا بعد معرفته بأسمائه وصفاته.

ومن تعظيمه سبحانه أن يُتقى حق تقاته، فيُطاع ولا يُعصى، ويُذكر فلا يُنسى، ويُشكر فلا يُكفر.

ومن تعظيمه سبحانه تعظيم كل ما شرعه من زمان ومكان وأقوال وأعمال: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)} [الحج: 32].

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السادسة والستون بعد المئتين في موضوع    ( الله ) والتي ستكون بعنوان: *فقه عظمة الله

ومن تعظيمه سبحانه ألا يُعترض على شيء مما خلقه وشرعه، ولا على شيء مما قضاه وقدره، ولا على شئ مما أحله وحرمه.

ومن تعظيمه سبحانه توقير رسله، والعمل بما جاءوا به.

ومن تعظيمه سبحانه تعظيم حرماته: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الحج: 30].

ومن تعظيم الله معرفة عظمته وجلاله، وجبروته وكبريائه، وآلائه وإحسانه: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }[الزمر: 67].

ومن تعظيمه سبحانه عبادته وحده لا شريك له: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } [الأنعام: 102].

والذي يُّحمد ويُمدح ويعظّم في الدنيا لأحد وجوه أربعة:

إما لكونه كاملاً في ذاته وأسمائه وصفاته، منزهاً عن النقائص والآفات .. وإما لكونه محسناً إليك .. وإما لكونك ترجو وصول إحسانه إليك في المستقبل .. وإما لأنك خائف من قهره وقوته وكمال سطوته.

فهذه الجهات الموجبة للتعظيم بين البشر.

   والله وحده هو الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته، وهو المحسن إلى جميع خلقه، وهو الذي يرجى دوام إحسانه،وهو القاهر فوق عباده، القاهر لجميع مخلوقاته.

  فحقه سبحانه أن يُعبد وحده لا شريك له،وأن يُطاع

 أمره، وأن تُطاع رسله، وأن يُعمل بشرعه، وأن يُشكر فلا يُكفر، ويُذكر فلا يُنسى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } [الأحزاب: 71].

  وإذا أردت أن تقف على معرفة شيء من مبادئ عظمة الله وجلاله وكبريائه، فانظر في آياته ومخلوقاته في السماء والأرض، فإن عظمة المخلوق تدل على عظمة الخالق سبحانه، واستحضر في نفسك جميع مخلوقات الله تعالى من عالم الأجسام وعالم الأرواح ،وعالم الغيب،وعالم الشهادة، وما تبصره، وما لاتبصره، وما خلقه الله في الدنيا، وما خلقه الله في الآخرة.

وذلك بأن تبدأ من نفسك فتستحضر في عقلك جملة أعضائك البسيطة والمركبة، والظاهرة والباطنة، وجميع قواك الطبيعية والحيوانية والإنسانية التي وهبك الله سبحانه.

ثم استحضر في عقلك جميع ما في هذا العالم من أنواع المعادن والتراب، والنبات والحيوان، والإنس والجان.

ثم ضم إليه ما خلق الله سبحانه من البحار والجبال، والمفاوز والتلال، وجملة ما فيها من عجائب النبات والحيوان وذرات الهباء.

ثم ترقَّ منها إلى بحر الهواء وما فيه من الطيور السابحات كما تسبح الأسماك في بحر الماء، غادية ورائحة، صاعدة وهابطة.

ثم ترقَّ منها إلى السماء الدنيا، وانظر إلى عظمتها وجمالها واتساعها، وكيف زينها الله عزَّ وجلَّ بالنجوم  والكواكب المنثورة التي لا تحصى، فهل ترى فيها من فطور: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6)} [ق: 6].

ثم ترقَّ من سماء إلى سماء لترى عظمة صنع الله الذي أتقن كل شيء.

ثم ترقَّ بعقلك وفكرك حتى تصل إلى سدرة المنتهى، والبيت المعمور، وما يطوف به من الملائكة، واللوح والقلم، والجنة والنار، والعرش والكرسي ترى مَلكاً لا أعظم منه، ومُلكاً لا أعظم منه، وخلقاً لا أعظم منه.

ثم انتقل من عالم الأجسادإلى عالم الأرواح، واستحضر في عقلك جميع الأرواح العلوية والسفلية، البشرية وغير البشرية.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السابعة والستون بعد المئتين في موضوع    ( الله ) والتي ستكون بعنوان: *فقه عظمة الله

ثم استحضر جميع الأرواح المتعلقة بالوحي والنبات والجبال والبحار والمياه والأرحام والأقوال والأفعال.      ثم استحضر ملائكة سماء الدنيا ، وملائكة  جميع السموات السبع، تجد ما في السموات السبع موضع شبر إلا وفيه ملك قائم أو راكع أو ساجد لربه: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)} ... [الأنبياء].

ثم استحضر جميع الملائكة الذين يطوفون بالبيت

 المعمور فوق السماء السابعة، ولكثرتهم من طاف به

 منهم لا يعود إليه.

ثم استحضر ملائكة الجنة، وخزنة النار، وكثرتهم وعظمة خلقهم.

ثم استحضر جميع الملائكة المقربين، والحافين حول العرش، وجميع حملة العرش، وانظر إلى عظمتهم، وعظمة العرش الذي يحملون، وعظمة التسبيح والتقديس الذي به يتلذذون: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ } [غافر: 7].

   والعرش أعظم المخلوقات وأعلاها وأوسعها، وما السموات السبع والأرضون السبع وما فيهن وما بينهن بالنسبة للكرسي إلا كحلقة ملقاة في أرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة، والعرش لا يقدر قدره أحد، ولا يعرف عظمته إلا الذي خلقه، والله بعظمته وجلاله وكبريائه مستوٍ على العرش بأعظم الصفات وأوسعها وهي صفة الرحمة كما قال سبحانه: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]. وإذا عرفنا أن عظمة العرش في مقابل عظمة الله كالذرة بالنسبة للجبل، علمنا أن خالق هذا الكون، وفاطر هذا العالم، هو الله العظيم الذي لا أعظم منه، الكبير الذي لا أكبر منه، القوي الذي لا أقوى منه، الغني الذي لا أغنى منه، لا إله إلا هو رب العرش العظيم.

فأعظم الطاعات معرفة الله سبحانه، وعبادته وحده لا

 شريك له، وحسن الظن به كما قال سبحانه: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)} [محمد: 19].

وأعظم المعاصي الجهل بالله عزَّ وجلَّ، وسوء الظن به، فالمسيء به الظن قد ظن به خلاف كماله المقدس، وظن به ما يناقض أسماءه وصفاته، فأي ضلال وجهل وسوء فوق هذا؟. ولهذا توعد الله سبحانه هؤلاء بما لم يتوعد به غيرهم: {الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [الفتح: 6].وقال إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - لقومه: {مَاذَا تَعْبُدُونَ (85) أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ(87)} [الصافات].

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثامنة والستون بعد المئتين في موضوع    ( الله ) والتي ستكون بعنوان: *فقه عظمة الله

وقوله تعالى {فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ(87)} [الصافات].         أي فما ظنكم بربكم أن يجازيكم به إذا لقيتموه وقد عبدتم معه غيره؟. وما ظننتم به حتى عبدتم معه غيره؟.

وما ظننتم بأسمائه وصفاته وربوبيته من النقص حتى أحوجكم ذلك إلى عبادة غيره؟.

فلو ظننتم به ما هو أهله سبحانه من أنه بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وأنه الغني عن كل ما سواه، وكل ما سواه فقير إليه، لما عبدتم معه غيره.

ولو علمتم أن الله قائم بالقسط على خلقه وحده، وأنه المتفرد بتدبير خلقه ، لا يشركه  فيه  غيره ، والعالم بتفاصيل الأمور كلها فلا يخفى عليه خافية من خلقه، لما عبدتم معه غيره.

ولو علمتم أن الله وحده هو الكافي لعباده فلا يحتاج إلى معين، وهو الرحمن بذاته فلا يحتاج في رحمته إلى من يستعطفه، لما توكلتم إلا عليه، ولما عبدتم معه غيره.

إن الملوك والرؤساء والأمراء لعجزهم وجهلهم يحتاجون إلى من يعرفهم أحوال الرعية وحوائجهم، وإلى من يعينهم على قضاء حوائجهم، وإلى من يستعطفهم ويسترحمهم بالشفاعة، فاحتاجوا إلى الوسائط ضرورة، لحاجتهم وضعفهم وعجزهم وقصور علمهم.

   أما القادر على كل شيء، العالم بكل شيء، الغني بذاته عن كل شيء، الرحمن الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء، فإدخال الوسائط بينه وبين خلقه ينقص بحق ربوبيته وألوهيته وتوحيده وكماله، وظن به ظن السوء.

إن الله تبارك وتعالى وحده هو الرب العظيم، الذي يستحق لذاته كمال التعظيم والإجلال، وكمال التأله والخضوع، وهذا خالص حقه سبحانه.

 فمن أقبح الظلم أن يُعطى حقه لغيره، أو يُشرك معه فيه غيره، لا سيما إذا كان الذي جُعل شريكه في حقه هو عبده ومملوكه كما قال سبحانه: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28)} ... [الروم].

فما قدر الله حق قدره من جهل عظمته وقدرته

وكبرياءه ، وأشرك معه في عبادته من ليس له شيء

 من ذلك البتة، بل هو أعجز شيء وأضعفه.

  وما قدر القوي العزيز حق قدره من أشرك معه الضعيف الذليل: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)} ... [الزمر].

وما قدر الله حق قدره من عبد معه غيره ممن لا يقدر على خلق شيء، ولا خلق أضعف شيء: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74)} [الحج]

  وما قدر الله حق قدره من قال إنه لم يرسل إلى

خلقه رسولاً، ولا أنزل عليهم كتاباً، بل نسبه إلى ما لا يليق به، ولا يحسن به، من إهمال خلقه، وإضاعتهم وتركهم سدى، وخلقهم باطلاً وعبثاً: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ} [الأنعام: 91].

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة التاسعة والستون بعد المئتين في موضوع    ( الله ) والتي ستكون بعنوان: *فقه عظمة الله

  ولا قدر الله حق قدره من جعل له صاحبةً وولداً،

 أو جعله سبحانه يحل في مخلوقاته، أو نسبه إلى

الفقر، وهو الغني الذي له ما في السموات وما في الأرض.

  ولم يقدره حق قدره من زعم أنه لا يحيي الموتى، ولا يبعث من في القبور، ولا يجمع خلقه ليوم يجازي فيه المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، ويأخذ للمظلوم فيه حقه من ظالمه، ويكرم المتحملين من أجله المشاق بأفضل كرامته: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [الروم: 27].

  ولم يقدره حق قدره من هان عليه أمره فعصاه، وهان عليه نهيه فارتكبه، وهان عليه حقه فضيعه، وهان عليه ذكره فأهمله، وغفل قلبه عنه فلم يذكره، وكان هواه آثر عنده من طلب رضاه، وطاعة المخلوق عنده أهم من طاعته، يستخف بنظر الله إليه واطلاعه عليه وهو في قبضته، وناصيته بيده، ويعظم نظر المخلوق إليه واطلاعه عليه بكل جوارحه وقلبه: {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا } [نوح]

  وما قدر الله حق قدره من يستحي من الناس، ولا يستحيي من الله، فيسكن في أرضه، ويأكل من رزقه، ويبارزه بالمعاصي ليلاً ونهاراً.

ولا قدر الله حق قدره من يخشى الناس ولا يخشى الله، فيخاف من العاجز الذليل، ولا يبالي بالقوي العزيز الذي له ملك السموات والأرض.

 ولا قدر الله حق قدره من يعامل الخلق بأفضل ما يقدر عليه، ويعامل الله بأهون ما عنده، إن قام في خدمة من يحبه من البشر قام بالجد والاجتهاد والإتقان، وإن قام في حق ربه قام قياماً لا يرضاه مخلوق من مخلوق مثله، وبذل له من ماله ما يستحي أن يعطيه مخلوقاً مثله. فهل قدر الله حق قدره من هذا وصفه؟

وهل قدر الله حق قدره من شارك بينه وبين عدوه في محض حقه، من الإجلال والتعظيم، والطاعة والمحبة، والخضوع والذل، والرجاء والخوف؟.

  فلو جعل لله من أقرب الخلق إليه شريكاً في ذلك، لكان ذلك جرأةً وتوثباً على محض حقه، واستهانةً به، وتشريكاً بينه وبين غيره فيما لا ينبغي ولا يصلح إلا له سبحانه.

  فكيف إذا أشرك بينه وبين أبغض الخلق إليه،

 وأهونهم عليه، وأمقتهم عنده، وهو الشيطان الذي حذرنا الله منه بقوله: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ، وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ } [يس: 60، 61].

فسبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة، الغني عما سواه.

وسبحان الذي له ملك السموات والأرض وهو على كل شيء قدير.

وسبحان من بيده الإيجاد والإنشاء، والإماتة والإحياء، والإعادة والإبداء، وكل يوم هو في شأن.

وسبحان العظيم الذي خلق العظمة والقوة في جميع المخلوقات، فكل عظمة وقوة في المخلوقات كالعرش والكرسي والسموات والأرض، والجبال والبحار، والإنسان والحيوان، وكافة المخلوقات فمن عظمته وقوته سبحانه. وعظمة جميع الكائنات بالنسبة لعظمته كالذرة بالنسبة للجبل وخزائنة مملوءة بكل شيء لا تنقص مع كثرة الإنفاق. فهو سبحانه العلي العظيم الذي لا عظيم سواه، ولا منتهى لعظمته وجلاله وكبريائه الذي «يُمْسِكُ السموات يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالأرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْجِبَالَ وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الْخَلْقِ عَلَى إِصْبَعٍ، ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ فَيَقُولُ: أنَا الْمَلِكُ، أنَا الْمَلِكُ» متفق عليه

وهو سبحانه العظيم .. الذي خلق كل عظيم .. المالك لكل عظيم .. وخزائنه مملوءة بكل عظيم: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا

يُشْرِكُونَ } [الزمر: 67].

واذا عرف الإنسان أن ربه العظيم بيده كل شيء أحبه وعظمه .. وتوكل عليه .. وخافه ورجاه .. وأقبل على طاعته .. واجتنب معاصيه .. وتلذذ بعبادته: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [يونس: 3].[الأنترنت – موقع الكلم الطيب ] إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

 

فهذه الحلقة السبعون بعد المئتين في موضوع ( الله )

 

 والتي ستكون بعنوان:

 

*فقه العلم بالله وأسمائه وصفاته

 

قال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ

 وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} محمد.

وقال الله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (98) مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (99)} [المائدة].

العلم بالله وأسمائه وصفاته أشرف العلوم وأجلها وأعظمها على الإطلاق.

والعلم بالله تبارك وتعالى أصل الأشياء كلها، حتى إن العارف به حقيقة المعرفة يستدل بما عرف من أسمائه وصفاته على ما يفعله، وعلى ما يشرعه من الأحكام، وعلى ما يأمر به من السنن والآداب، لأنه سبحانه لا يفعل إلا ما هو مقتضى أسمائه وصفاته.

فأفعاله كلها دائرة بين العدل والفضل، والحكمة والرحمة.

والإيمان بالله أحد أركان الإيمان،بل هو أفضلها وأصلها، وأعظمها، وليس الإيمان مجرد قول باللسان منغير معرفة بالرب وأسمائه وصفاته.

بل حقيقة الإيمان: أن يعرف العبد الرب الذي يؤمن به، ويبذل جهده في معرفة أسمائه وصفاته، ومعرفة آلائه وإحسانه، حتى يبلغ درجة اليقين، وكلما ازداد معرفة بربه زاد إيمانه، وكلما نقص نقص إيمانه.

والله عزَّ وجلَّ خلق الخلق ليعبدوه ويعرفوه ويوحدوه، وهذه هي الغاية المطلوبة منهم، فالاشتغال بذلك اشتغال بما خلق له العبد، وتركه إهمال لما خلق له.

ولا يليق بالعبد الذي لم تزل نعم الله عليه متواترة، وفضله عليه عظيم من كل وجه، أن يكون جاهلاً بربه، معرضاً عن معرفة أسمائه وصفاته وأفعاله.

إن معرفة الله تبارك وتعالى تدعو إلى محبته وتعظيمه، وخوفه ورجائه، وخشيته، وإخلاص العمل له، وهذا عين سعادة العبد.

ولا سبيل إلى معرفة الله إلا بمعرفة أسمائه وصفاته، وفقه معانيها.

والاشتغال بهذا العلم، وبذل الجهد لفهمه، والبحث التام عنه، اشتغال بأعلى المطالب، وحصوله للعبد من أعظم وأشرف المواهب.

فينبغي للعبد أن يعرف أن ربه هو الواحد الأحد في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } ... [الشورى: 11]

وأنه سبحانه الرب ... وكل ما سواه مربوب

وهو الملك ... وكل ما سواه مملوك

 وهو الخالق ... وكل ما سواه مخلوق

وهو القوي ... وكل ما سواه ضعيف

وهو العزيز ... وكل ما سواه ذليل

وهو الغني ... وكل ما سواه فقير

وهو الرزاق ... وكل ما سواه مرزوق

فله سبحانه الاسماء الحسنى، والصفات العلى، وله الكمال المطلق في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعالة: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُالْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّايُشْرِكُونَ}  [الحشر: 23].وله جل جلاله صفات الكمال .. وصفات الجلال .. وصفات الجمال {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [الحشر: 24].وهذه المعرفة هي غذاء القلوب، وبها تزكو النفوس، وتطمئن القلوب، وتنشط لطاعة الله بذكره ومحبته وعبادته، وتعظيمه وتكبيره، وحمده وشكره.[ الأنترنت – موقع الكلم الطيب ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

 

فهذه الحلقة الواحدة والسبعون بعد المئتين في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان:

*العلم بأمر الله دال على العلم بالله

 علم اللسان هو العلم الذي لا يعدو كونه مجرد معلومات لا تحيي القلب، ولا تزكي النفس، ولا تؤثر في السلوك ولا يترتب عليها عمل، لا في الظاهر ولا في الباطن، وهذا كعلم اليهود الذين قال الله في حقهم: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ. } الجمعة:5

 قال ابن كثير: يقول تعالى ذاماً لليهود الذين أعطوا التوراة وحملوها للعمل بها، فلم يعملوا بها، مثلهم في ذلك كمثل الحمار يحمل أسفاراً، أي: كمثل الحمار إذا حمل كتباً لا يدري ما فيها، فهو يحملها حملاً حسياً ولا يدري ما عليه. انتهى.

بخلاف العلم النافع، والذي أعظمه العلم بالله تعالى ثم العلم بأمر الله.

قال الشيخ محمد التويجري في موسوعة فقه القلوب: أصل العلم الذي يورث العمل، ويوجب خشوع القلب وخشيته لربه ومحبته له،والقرب منه والأنس به والإقبال عليه ولزوم طاعته: هو العلم بالله، وهو معرفة أسمائه وصفاته، وآلائه ونعمه، وصفات جلاله وجماله، ثم معرفة وعده ووعيده، وماذا أعد الله من النعيم للمتقين ،وماذا أعد من العذاب للمجرمين ثم يتلوه العلم بأحكام الله، وما يحبه ويرضاه من العبد من قول أو عمل أو حال أو اعتقاد. انتهى.

وبهذا يتبين أن العلم بالله، هو العقيدة الصحيحة المبنية على معرفة الله تعالى وهي بلا شك أفضل العلوم على الإطلاق، وبها يصلح القلب الذي يصلح بصلاحه سائر الجوارح.

قال ابن رجب: أفضل العلم: العلم بالله وهو العلم بأسمائه وصفاته وأفعاله، التي توجب لصاحبها معرفة الله وخشيته ومحبته وهيبته وإجلاله وعظمته والتبتل إليه والتوكل عليه والصبر عليه والرضا عنه والانشغال به دون خلقه. انتهى.

والعلم بأمر الله، أي العلم بحدود الله وأحكام شريعته من الحلال والحرام، إنما يطلب في الحقيقة بباعث العلم بالله تعالى، فيريد العبد أن يرضيه ويطيعه ويتبع أمره فيقبل على هذا العلم ليتبع أمر الله ويجتنب مساخطه، وبهذا يكون العلم بأمر الله دالاً على العلم بالله، وأما إن طلب هذا العلم لغير وجه الله فلا شك أنه يعود وبالاً على صاحبه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة )-يعني ريحها-. رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد وصححه الألباني. [الأنترنت – موقع إسلام ويب – المنجد ] إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والسبعون بعد المئتين في موضوع

( الله ) والتي ستكون بعنوان:

 *جمال الحياة..في معرفة الله

قال ابن القيم : " أي شيء عرف من لم يعرف الله

 ورسله ، وأي حقيقة أدرك من فاتته هذه الحقيقة ، وأي علم أو عمل حصل لمن فاته العلم بالله والعمل بمرضاته ومعرفة الطريق الموصلة إليه ، وماله بعد الوصول إليه "

  إنها مقولة نورانية من طبيب القلوب العلامة الحبر شمس الدين ابن القيم رحمه الله ، تذكرتها وتأملتها في ظل عصرنا هذا الذي تنوعت فيه المعارف ، وتعددت فيه المشارب ،وأصبح العالم يقذف إلينا كل يوم معلومة جديدة ، واكتشاف حديث .

شعرت أننا بحاجة ماسة جدا لتدبر هذه الكلمة الموفقة ، خصوصا في ظل ما يلاحظ حاليا من تمرد ظاهر على حدود الله ، وانتهاك صارخ لأعظم مايمكن أن يقدسه مسلم على وجه الأرض {الله } تعالى وتقدس

   إن القلوب إذا لم يحركها حادي معرفة الله عز وجل وتعظيمه ، فإن العطب سيتمكن منها،والران سيكسوها ، فأي شيء يريده قلب لم يتعرف على الله عز وجل.

إن الحياة المادية إذا استغرقنا فيها وابتعدنا عن تذكير القلوب بهذا المعنى المهم ( معرفة الله ) فإننا ولا شك سنستجلب الهموم والغموم ، ونبتعد عن التوفيق ، بل وعن لذة الحياة ، فأي لذة في حياة من لم يتعرف على الله ، أو غفل عن سبل معرفته .

إن روح المؤمن إذا لم يحركها حادي الشوق إلى لقاء

 الله ، والتعرف عليه عز وجل ، بالقراءة في أسمائه وصفاته ، وتدبر كتابه ، فأي حادي سيوصلها إلى غياتها بعد ذلك !

وحتى نذكر أنفسنا ، ونتدارك تقصيرنا وتفريطنا دعونا

 نتأمل سويا شيء من كلام من عرف الله عز وجل – كما نحسبهم - ، لنعرف مدى تقصيرنا ، وتفريطنا في هذا الباب :

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:" والعلم بالله يراد به في الأصل نوعان :

أحدهما : العلم به نفسه ، أي بما هو متصف به من نعوت الجلال والإكرام ، ومادلت عليه أسماؤه الحسنى

وهذا العلم إذا رسخ في القلب أوجب خشية الله

لامحالة ، فإنه لابد أن يعلم أن الله يثيب على طاعته ،

 ويعاقب على معصيته ...

والنوع الثاني : يراد بالعلم بالله : العلم بالأحكام الشرعية من الأوامر والنواهي ، والحلال والحرام ..."

وقال رحمه الله،في كلام بديع عن معرفة الله عز وجل

  :  وهو بحق أفضل ما اكتسبته القلوب وحصلته النفوس وأدركته العقول ، وليست القلوب الصحيحة والنفوس المطمئنة إلى شيء من الأشياء أشوق منها إلى معرفة هذا الأمر ..."

وقال رحمه الله وكأنه يحكي عن حاله : " إن اللذة والفرحة وطيب الوقت والنعيم الذي لايمكن التعبير عنه إنما هو في معرفة الله سبحانه وتعالى وتوحيده والإيمان به ...وليس للقلوب سرور ولا لذة تامة إلا في محبة الله والتقرب إليه بما يحبه ، ولاتمكن محبته إلا

بالإعراض عن كل محبوب سواه " .

وقال رحمه الله: "والعبد كماله في أن يعرف الله فيحبه،ثم في الآخرة يراه ويلتذ بالنظر إليه"

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والسبعون بعد المئتين في موضوع

( الله ) والتي ستكون بعنوان:

 *جمال الحياة..في معرفة الله

قال الإمام ابن القيم رحمه الله :" ولا ريب أن أجل معلوم وأعظمه وأكبره هو الله الذي لا إليه إلا هو رب العالمين ، وقيوم السموات والأرضين ، الملك الحق المبين،الموصوف بالكمال كله،المنزه عن كل عيب ونقص

وقال رحمه الله في موضع آخر : " فكما أن عبادته مطلوبة مرادة لذاتها ، فكذلك العلم به ومعرفته أيضا ، فإن العلم من أفضل العبادات "

وقال أيضا في موضوع آخر : " فالعلم بالله أصل كل علم ، وهو أصل علم العبد بسعادته وكماله ومصالح دنياه وآخرته ، والجهل به مستلزم للجهل بنفسه ومصالحها وكمالها وماتزكو به وتفلح ، فالعلم به سعادة العبد ، والجهل به أصل شقاوته "

وتكلم بكلام نوراني – كعادته - فقال رحمه الله:  "لاسعادة للعباد ولاصلاح لهم ، ولانعيم إلا بأن يعرفوا ربهم ويكون وحده غاية مطلوبهم ، والتعرف إليه قرة عيونهم ، ومتى فقدوا ذلك كانوا أسوأ حالا من الأنعام ، وكانت الأنعام أطيب عيشا منهم في العاجل وأسلم عاقبة في الآجل " .

   بل لله دره عندما قال رحمه الله – وتأمل - : " والفرح والسرور ، وطيب العيش والنعيم ، إنما هو في معرفة الله وتوحيده ، والأنس به ، والشوق إلى لقائه ، واجتماع القلب والهمة عليه ، فإن أنكد العيش : عيش من قلبه مشتت ، وهمه مفرق عن ذلك ... فالعيش الطيب ، والحياة النافعة ، وقرة العين : في السكون والطمأنينة إلى الحبيب الأول ، ولو تنقل القلب في المحبوبات كلها لم يسكن ، ولم يطمئن ، ولم تقر عينه حتى يطمئن إلى إلهه وربه ووليه ، الذي ليس من دونه ولي ولا شفيع،ولاغنى له عنه طرفة عين

وقال الإمام ابن رجب رحمه الله : " أفضل العلم : العلم بالله وهو العلم بأسمائه وصفاته وأفعاله ، التي توجب

لصاحبها مغفرة الله وخشيته ومحبته وهيبته وإجلاله وعظمته والتبتل إليه التوكل عليه والصبر عليه والرضا عنه والانشغال به دون خلقه " .

قال الإمام السعدي رحمه الله : " وبحسب معرفته بربه

 يكون إيمانه ، فكلما ازداد معرفة بربه ازداد إيمانه ،

 وكلما نقص نقص ، وأقرب طريق إلى ذلك : تدبر صفاته وأسمائه من القرآن ".

[الأنترنت – موقع صيد الفوائد– محمد بن مشعل العتيبي]

 إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والسبعون بعد المئتين في موضوع

( الله ) والتي ستكون بعنوان:

*الفرق بين لفظ الجلالة "الله" وبين الأسماء الحسنى

   الفرق بين لفظ الجلالة "الله" وبين الأسماء الحسنى الباقية ،هو أن لفظ الجلالة "الله" هو علم على الذات ، فهو الدال على جميع الأسماء الحسنى والصفات العليا بالدلالات الثلاث، المطابقة والتضمن واللزوم، فإنه دال على الهيئة المتضمنة لثبوت صفات الإلهية مع نفي أضدادها عنه، وصفات الإلهية هي صفات الكمال المنزهة عن العيوب والنقائص، ولهذا يضيف الله سبحانه وتعالى سائر الأسماء الحسنى إلى هذا الاسم العظيم، كقوله: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى {الأعراف 180} ويقال الرحمن الرحيم والقدوس والسلام والعزيز كلها من أسماء الله، ولا يقال الله من أسماء الرحمن، ولا من أسماء العزيز.......

فعُلم أن عَلَمَ الذات "الله" مستلزم لجميع معاني الأسماء الحسنى دال عليها، وهي تبيين وتفصيل لصفات الإلهية التي اشتق منها اسم الله.

كما أن لفظ الجلالة يدل على كونه سبحانه مألوها معبودا تألهه الخلائق محبة وتعظيما، وقد اختص الله سبحانه وتعالى بهذا الاسم وصرف عنه عباده فلم يتسم به أحد من خلقه.

قال في الحق الواضح المبين : وصفات الجلال والجمال أخص باسم الله وأصله الإله. قال تعالى: إِنَّما اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ ولد.

وبهذا تتبين خصوصية هذا الاسم وفضله وكونه لايؤتى في شهادة الإسلام بغيره، لأن معنى النطق بالشهادة الإقرار بألوهيته والعبودية له وأنه لا معبود بحق سواه, وليس في أسمائه الحسنى اسم يتضمن ذلك المعنى غير هذا الاسم، وهذا الأمر توقيفي لا مجال فيه للاجتهاد والرأي.قال تعالى:شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ {آل عمران: 18} وقال صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله.... ) متفق عليه.

وأما هل يكون إيمانك صحيحا إذا اعقتدت أن كل ما سوى الله تعالى مخلوق له مربوب؟ فالجواب عنه أنه  لا بد للمؤمن أن يعتقد ذلك مع اعتقاد توحيد الله بالعبودية ،ويعمل بمقتضاه فلا يصرف شيئا من العبادة لغيره، فذلك من حقه الخالص له، كما في حديث معاذ لما سأله النبي صلى الله عليه وسلم: هل تدري ما حق الله على العباد؟ قلت لا، قال: (حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ) متفق عليه.

لا كما كان يفعل أهل الجاهلية، فقد كانوا يعتقدون ذلك ويؤمنون بربوبية الله، وأنه الخالق كما قال:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ }الزخرف: 87} ولكنهم لا يصرفون العبادة له وحده، وقالوا: {أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ } {ص 5} فلم يعملوا بمقتضى ما يعتقدونه لأنه إذا كان الله سبحانه وتعالى هو الخالق المربي لجميع عباده فهو المستحق للعبادة، وغيره من المخلوقين الذين لا يخلقون شيئا وهم يُخلقون، ولا يملكن لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا.

من كانت تلك صفاته لا يستحق أن تصرف له العبادة وإنما تصرف للخالق البارئ مالك النفع والضر سبحانه، إذا اعتقد المرء ذلك وعمل بمقتضاه وآمن بأركان الإيمان كلها كان إيمانه صحيحا لأن الإيمان ليس مجرد قول باللسان وإنما هو قول وفعل واعتقاد يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية. قال البخاري: باب الإيمان وهو قول وفعل ويزيد وينقص.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والسبعون بعد المئتين في موضوع

( الله ) والتي ستكون بعنوان:

*الفرق بين لفظ الجلالة "الله" وبين الأسماء الحسنى

وهو الأول الذي ليس قبله شيء، وأنه متصف بصفات

الكمال أزلا وأبدا، وأنه سبحانه فعال لما يريد، إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون. ولم يأت عليه زمن كان معطلا فيه عن الخلق أو الكلام أو غير ذلك من صفات كماله ونعوت جلاله، ومنها كونه الرب الخالق المدبر لشؤون عباده وما سواه مخلوق مربوب كائن بعد أن لم يكن.

  المسلم حسبه أن يعتقد أن الله سبحانه وتعالى

متصف بصفات الكمال والجلال منزه عن صفات

النقص ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.

يتلو كتاب الله ويقرأ سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويثبت ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، وينفي ما نفاه الله عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم كما كان السلف الصالح يفعلون، فذلك هو السبيل الأسلم والنهج الأقوم للمسلم، لأن الخوض في ذلك بالعقل لا يفضي إلا إلى الشك والحيرة والتردد إذا لا مجال للعقل في هذا الأمر، ومن ذلك الباب يدخل الشيطان فيقذف الشبه والوساوس ويردي المرء في هاوية سحيقة، ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه لما سألوه إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به. قال: وقد وجدتموه! قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان. رواه مسلم ، قال أبو حاتم رضي الله عنه إذا وجد المسلم في قلبه أو خطر بباله من الأشياء التي لا يحل له النطق بها من كيفية الباري جل وعلا أو ما يشبه هذه فرد ذلك على قلبه بالإيمان الصحيح وترك العزم على شيء منها كان رده إياها من الإيمان بل هو من صريح

 الإيمان لا أن خطرات مثلها من الإيمان.

قال ابن حبان في صحيحه: باب ذكر الإباحة للمرء أن يعرض بقلبه شيء من وساوس الشيطان بعد أن يردها من غير اعقتاد القلب على ما وسوس إليه الشيطان.

فينبغي للموسوس أن يصرف عنه ذلك ولا يتمادى مع وسوسة الشيطان ومحاجته كما في نوازل العلوي، ونظمه ابن مايأبى بقوله:

وما به يوسوس الشيطان *** والقلب يأباه هو الإيمان

فلا تحاجج عنده اللعينا ***  فإنه يزيده تمكينا

فلتدع عنك الوساوس ولتصرف النظر عن الخوض في مثل هذه الأمور، وحسبك أن تعلم أنه سبحانه {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}

{ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [ الأنترنت – موقع إسلام ويب  - المنجد]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والسبعون بعد المئتين في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*اسم الجلالة : الله هو اسم الله الرئيـس ويخـبر عنـه ببقية الأسماء

   إن اسم الجلالة هو اسم الله تعالى الرئيس، وهو سبحانه وتعالى لم يزل مسمى بجميع أسمائه من القدم، كما قال ابن ابي زيد في الرسالة: وله الأسماء الحسنى، والصفات العلى. لم يزل بجميع صفاته وأسمائه. اهـ.

وقال الشيخ عبدالمحسن العباد في شرحه مقدمة الرسالة: الله: يُطلق على هذا الاسم لفظ الجلالة، ويأتي مراداً به المسمَّى مبتدأ، ويُخبر عنه بالأسماء، مثل: {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}،{وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} وتُنسبُ له الأسماء، كما قال الله عزَّ وجلَّ: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}، وقال: {لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}. ....اهـ.

 وقال القرطبي: الله: هذا الاسم أبر أسمائه سبحانه، وأجمعها.

وقال ابن كثير: الله: علم على الرب تبارك وتعالى.

وقال في المقصد الأسنى: واسم الله أعظم أسماء الله التسعة والتسعين.

- لأنه دال على الذات الجامعة لصفات الإلهية كلها، بينما سائر الأسماء لا يدل آحادها إلا على آحاد المعاني من علم، وقدرة، أو فعل أو غيره.

- لأنه أخص الأسماء إذ لا يطلقه أحدُ على غيره لا حقيقة، ولا مجازاً، وسائر الأسماء قد يسمى بها غيره كالقادر، والعليم، والرحيم وغيره.

-ولأن معاني سائر الأسماء يتصور أن يتصف العبد بشيء منها كالرحيم،والعليم،والحليم،والصبور،والشكور وغيره، وإن كان إطلاق الاسم عليه على وجه آخر يباين إطلاقه على الله عز وجل، وأما معنى هذا الاسم فخاص خصوصاً لا تتصور فيه مشاركة لا بالمجاز ولابالحقيقة.

- ولأجل هذه الخصوصية توصف سائر الأسماء بأنها اسم الله عز وجل، فيقال الصبور، والشكور، والملك، والبار من أسماء الله، ولا يقال الله من أسماء الصبور والشكور؛ لأن ذلك من حيث هو أدل على كنه المعاني الإلهية، وأخص بها، فكان أشهر وأظهر فاستغنى عن التعريف بغيره، وعرف غيره بالإضافة إليه. انتهى. وجزم بعضهم بأنه هو اسم الله الأعظم.

فقد قال الخطيب الشربيني -رحمه الله- في شرحه لمتن الإقناع لأبي شجاع: وعند المحققين أنه اسم الله الأعظم، وقد ذكر في القرآن العزيز في ألفين وثلاثمائة وستين موضعاً. انتهى.

وقال ابن عابدين في رد المحتار: وروى هشام، عن

 محمد، عن أبي حنيفة أنه اسم الله الأعظم، وبه قال

 الطحاوي وكثير من العلماء. ان ه.

 إن هذا الاسم أنزله الله على آدم في جملة الأسماء، وهو أشهر أسمائه ؛ ولهذا تأتي بعده أوصافا له، وقد قبض الله تعالى عنه الألسن فلم يسم به سواه عز وجل، قال تعالى:هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا {مريم:65 }. أي هل تعلم أحدا تسمى الله، استفهاما بمعنى النفي، وهو أعرف المعارف وأتمها. [الأنترنت – موقع إسلام ويب – المنجد]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم      

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والسبعون بعد المئتين في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*عجائب اسم (الله)

  المفاجأة أن اسم (الله) ورد بصيغ مختلفة :

(الله – فالله – تالله – لله – بالله...) وهذه الكلمة تكررت في القرآن بالضبط (2699) مرة.. وهو عدد أولي لا يقبل القسمة إلا على نفسه وعلى واحد.. لأن الله واحد! ولكن هناك شيء مذهل وهو أن عدد صيغ اسم (الله) في القرآن هو سبعة !!

لنكتب صيغ اسم (الله) وكل صيغة كم مرة تكررت في القرآن كله كما يلي:

 1- الله  تكررت في القرآن   2395  مرة

2- لله تكررت في القرآن   143  مرة

3- تالله  تكررت في القرآن   9 مرات

4- فالله  تكررت في القرآن   6  مرات

5- بالله   تكررت في القرآن   139 مرة

6- فلله  تكررت في القرآن   6  مرات

7- ابالله تكررت في القرآن   1 مرة واحدة

المجموع 2699 مرة .. هل هذه مصادفة ؟ لا.

آيات القرآن مرتبة بطريقة رياضية عجيبة.. ومن خلال هذه السلسلة نحاول أن نعيش لحظات من المتعة مع القرآن الكريم، لنكتشف بعض الأسرار التي ربما لا تخطر ببال أحد أو لم يكتشفها أحد من المفسرين أو الفقهاء بسبب عدم توافر وسائل العد والإحصاء الإلكترونية.

ومع أن المسلمين بذلوا محاولات كثيرة لعدّ حروف القرآن وجميعها كانت خاطئة ومنها ما كان بعيداً جداً عن المنطق الرياضي.. إلا أنهم حاولوا أن يكتشفوا بعض الأسرار وبالفعل تمكنوا من ذلك بطريقة مدهشة وصحيحة مئة بالمئة. مثلاً سئل الإمام الكسائي رحمه الله وهو من أشهر قراء القرآن قبل أكثر من ألف سنة.. كم آية في القرآن تبدأ بحرف الشين؟ طبعاً هذا السؤال من الصعب الإجابة عليه في ذلك الزمن، ولكن ذاكرة هذا الإمام الحافظ لكتاب الله، كانت ربما أسرع من أجهزة الكمبيوتر في عصرنا هذا!! لقد أجاب على الفور: هناك أربع آيات فقط تبدأ بحرف الشين وهي: 1- (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) [البقرة: 185]. 2- (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [آل عمران: 18]. 3- (شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [النحل: 121].

4-                        (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى) [الشورى: 13]. ولكن لو طرحنا سؤالاً: ما هي الآيات التي انتهت بحرف الشين؟؟ ربما تكون الإجابة أصعب.. ولكن الحقيقة هناك آيتان فقط في القرآن كله انتهت كل منهما بحرف الشين وهما:

1-    (وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) [القارعة:

2-     (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ) [قريش: 1].

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم      

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والسبعون بعد المئتين في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*عجائب اسم (الله)

بعد هذه المقدمة دعنا نتساءل حول أجمل كلمة في القرآن؟ هل تعلون كم مرة تكررت كلمة (الله) في القرآن؟

 الآن ما هي أكثر آية تكررت فيها كلمة (الله) تعالى؟

هناك آيات لم يذكر فيها اسم الله، وهناك آيات ذكر فيها اسم الله مرة واحدة.. وآيات ذكر فيها اسم الله مرتين، وآيات ذكر فيها اسم الله ثلاث مرات ... وآيات ذكر فيها أربع مرات، وآيات ذكر فيها اسم الله خمس مرات، وآيات ذكر فيها اسم الله ست مرات، وأخيراً هناك آية ذكر فيها اسم الله سبع مرات.

وسبحان الله، هذا النظام يذكرني بالذرة، فجميع ذرات الكون تتألف من طبقات إلكترونية تدور حول النواة، وعدد الطبقات يمكن أن يكون 1 أو 2 أو 3 أو 4 أو 5 أو 6 أو 7 وأكثر شيء سبعة، لا يمكن أن يكون للذرة أكثر من سبع طبقات..

كأن في هذا رسالة لكل مشكك ليدرك أن الذي خلق ذرات الكون هو الذي أنزل القرآن سبحان الله!

ما هي أكثر آية ذكر فيها اسم الله ؟

   إنها آخر آية من سورة المزمل: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآَخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [المزمل: 20].

    هناك شيء غريب في هذه الآية فعدد حروف الله فيها تكررت بشكل مذهل، لو كتبنا الآية كما كتبت في القرآن بالرسم العثماني الأول.. أي كما يلي: (ان ربك يعلم انك تقوم ادني من ثلثي اليل و نصفه و ثلثه و طايفه من الذين معك و الله يقدر اليل و النهار علم ان لن تحصوه فتاب عليكم فاقروا ما تيسر من القران علم ان سيكون منكم مرضي و اخرون يضربون في الارض يبتغون من فضل الله و اخرون يقتلون في سبيل الله فاقروا ما تيسر منه و اقيموا الصلوه و اتوا الزكوه و اقرضوا الله قرضا حسنا و ما تقدموا لانفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا و اعظم اجرا و استغفروا الله ان الله غفور رحيم).. هنا قمنا بتلوين حروف اسم الله لنجد ما يلي:

حرف الألف تكرر 51 مرة وحرف اللام تكرر 36 مرة وحرف الهاء تكرر 17 مرة، لنكتب اسم الله:

ا      ل      ل     ه

51  36   36   17

مجموع تكرار حروف اسم (الله) في هذه الآية التي ذكر فيها اسم الله سبع مرات هو:

51 + 36 + 36 + 17 = 140 هل تعلمون ماذا يمثل هذا العدد، دعونا نحلله رياضياً:

140 = 7 × 20

 العدد 140 يمثل عدد حروف (الله) في الآية والعدد

 7 يمثل تكرار اسم (الله) في الآية والعدد 20 هو رقم الآية... سبحان الله، هذه مصادفات أم حقائق رقمية تستدعي التفكر؟

في هذه الآية هناك 13 حرف واو عطف كما نرى، وعدد مرات اسم (الله) هو 7 والعجيب أننا لو قمنا بضرب العدد 13 بالعدد 7 ينتج:

13 × 7 = 91 ما هذا العدد؟ إنه عدد كلمات الآية!! حيث إن عدد كلمات هذه الآية هو 91 كلمة (مع عد واوا العطف كلمة)... سبحان الله!

ربما يقول قائل: ما دلالة هذه الأعداد وماذا تعني، وهل يمكن أن نجعل من القرآن مسائل حسابية والغاز ونطبق الضرب والتقسيم والتحليل... ونقول يا أحبتي، إن القرآن معجز بكل ما فيه، ليس فقط من الناحية اللغوية أو العلمية أو التشريعية... بل من الناحية الرقمية أيضاً.. لأنه لا يوجد كتاب في العالم فيه هذه العجائب الرقمية إلا القرآن.

إن الإعجاز العددي يضيف أشياء مهمة لعلم الإعجاز لذلك ينبغي علينا ألا نهمله أو نتغاضى عنه، لأن الله تعالى سيسألنا يوم القيامة عن كتابه، ماذا أخذ من وقتنا، وكيف خدمنا هذا القرآن، وماذا قدمنا له...

تصور أخي الحبيب أنك غداً تقف بين يدي الخالق عز وجل.. تصور بعقلك وقلبك هذا الموقف ويسألك الله عن كتابه ماذا فعلت به.. ماذا ستقول، هل لديك إجابة تفرحك في هذا الموقف، أم تقول يارب كنت مهتماً بأرقام الجوال.. وأسعار السلع والمعيشة.. وكنت مهتماً بالقنوات الفضائية والمسلسلات ومقاطع اليوتيوب، وشغلتني الأحداث السياسية فلم أجد وقتاً لتدبر كتابك الكريم!! ... هل تتصور أن هذه الإجابة ستفرحك أم ستستحي من هذا الموقف؟

[الأنترنت - موسوعة الكحيل للاعجاز العلمي - بقلم عبد الدائم الكحيل]

المراجع [1- القرآن الكريم – مصحف المدينة المنورة. 2-برنامج إحصاء حروف القرآن.]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم      

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والسبعون بعد المئتين في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*عدة لفظ الجلالة في القرآن الكريم

فقد جاء في المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، وفي موقع القرآن الكريم على شبكة المعلومات الدولية الإنترنت أن اسم الجلالة (الله) ورد في القرآن الكريم اثنان وستون وسبع مائة وألف مرة (1762)  موزعة على أكثر سور القرآن الكريم المائة والأربعة عشر توزيعاً لا يتسع المقام لذكره

وإنما نجمله فيما يلي: بعض السور تكرر فيها اسم الجلالة وهذا لا نذكره وإنما نذكر السور التي لم يرد فيها أصلاً أو ورد فيها مرة واحدة، فالسور التي لم يرد فيها اسم الجلالة عددها تسع وعشرون سورة كلها في النصف الثاني من القرآن الكريم وهي: القمر، الرحمن، الواقعة، القلم ،القيامة،المرسلات،عم،عبس،المطففين، الطارق ،الفجر،البلد،الليل،الضحى،الشرح، القدر ،الزلزلة ،العاديات،القارعة، التكاثر،العصر، الفيل ،قريش ،الماعون،الكوثر،الكافرون،المسد،الفلق ، الناس

أما غير هذه السور فقد ورد فيها اسم الجلالة إما مكرراً أكثر من مرة وإما مرة واحدة، وقد جاء مفرداً في ثلاث عشرة سورة هي: السجدة، ق، الحاقة، المعارج، النازعات، التكوير، الانفطار ، الانشقاق، الأعلى، الغاشية، التين، العلق، الهمزة، وهي كذلك كلها في النصف الثاني من القرآن الكريم.

وفي بعض السور تجد كل آية ذكر فيها اسم الجلالة مرة أو أكثر جاء ذلك في سورة المجادلة. [الأنترنت – موقع إسلام ويب]

*لفظ الجلالة في الخطاب القرآني

إن للأسماء خصوصية خاصة في القرآن الكريم، فالخطاب القرآني مؤسس في إعجازه على دلالة الأسماء؛ فللاسم جماليته ونبضه، وروحانيته في هذا الخطاب الجليل؛ فكيف بلفظ الجلالة(الله) الذي يتكرر في القرآن مفخماً ومرققاً؟!! ويحمل في كل مرة يتكرر فيها نغماً خاصاً،وإيقاعاً خاصا يتجاوب مع جميع السياقات التي يرد فيها في هذا الخطاب الإلهي المعجز؛ولهذا يملك هذا اللفظ الجليل قدسيته وعظمته اللامتناهية في هذا الخطاب؛ ومن يطالع أية آية في الخطاب القرآني يلحظ هذه الجمالية تتقطر من هذا اللفظ مفرداً، ودليلنا: المد الذي يدل على استعلاء، والهاء التي تدل على احتواء ؛ وعظمة وإحاطة، وامتلاء؛ فالعظمة ماثلة في هذا اللفظ الجليل رسماً ودلالة ماثلة في تآلف الحروف بهذه الفخامة، والعظمة، والقوة؛ لدرجة لا يمكن أن نعثر عليها إلا في هذا اللفظ العظيم؛ هذا من ناحية الدلالة، فكيف من ناحية الإيقاع أو الرنين والنغم الساحر الذي يتجلى من هذا اللفظ الجليل، ففي كل مرة يتكرر فيها هذا اللفظ الجليل يحمل رنة قدسية؛ بالإضافة إلى إيحاء نوراني مشع من كل آية من آيات الذكر الحكيم؛ وهذا القول يضعنا في مواجهة حقيقية مع مفسري القرآن؛ فأغلب المفسرون نظر إلى هذا اللفظ الجليل على أنه اسم كباقي الأسماء الإلهية الواردة في السياقات القرآنية، دون أن يخصصوا هذا الاسم بإشارة، أو دلالة مخصوصة به دون سواه ؛ وبتصورنا : إن هذا اللفظ الجليل مستعلٍ بذاتهِ ؛ ومتفرد بكل ما هو جليل وعظيم ومعجز؛ وغالباً ما يكون مقترناً بالإشعاع، والنور؛ بمعنى أن أكثر السياقات التي يتكرر فيها هذا اللفظ الجليل يكون مقترناً بالنور؛والإشعاع، والضياء، وخير دليل على ذلك قوله: عز وجل(الله نور السموات والأرض) ؛وهذه الآية تعني أن الله نور في نور؛وجلالة الله وعظمته ماثلة أو متجلية في هذا النور المقدس والإشراق البهي الذي لا تملكه إلا الذات الخالقة لهذا الكون، والمتعالية وسماً ودلالة على سائر الخلائق والموجودات بطاقة الخلق والتفرد بهذه الطاقة والاستعلاء بها .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم      

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثمانون بعد المئتين في موضوع  ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*عدة لفظ الجلالة في القرآن الكريم

  وقد جاء قوله عز وجل في سورة الإخلاص :

 {قل هو الله أحد الله والصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد } دالاً بوضوح على هذا التفرد والعظمة والقدرة على الخلق؛ والتفرد في الماهية الوجودية فوق قوانين الخلق وطاقتهم المعرفية الضحلة. وقد سبق أن أشرنا إلى أن أكثر سياقات ورود هذا اللفظ الجليل مقترناً بالنور والضياء الذي لا يمكن للعين البشرية طاقة احتواء أو تأمل هذا النور الخالد الذي هو أكبر من طاقة البشر، ومداركهم، ومعارفهم؛وحيز قدراتهم الدونية؛ وليس ذلك فحسب، بل إن الهالة الجمالية والطاقة الجمالية الماثلة في موحيات هذا اللفظ وماهيته لا تدرك ولا يمكن تصورها، إلا بما هو مطلق ولا متناهي وأبدي؛وهذا ما لا تملكه القدرات البشرية في الحياة الدنيا وتكوينها الخلقي؛ هذا بالنسبة للفظ الجلالة فما بالك بالأسماء الحسنى الأخرى التي تفيض حساسية وروحانية، وقوة واستعلاءً جمالياً؟!!

وبتقديرنا : إن كل آية يتردد فيها هذا اللفظ الجليل تكتسب قدسية،ورؤية نورانية روحية تشي بقدسية هذا اللفظ وعظمته؛ وبإشارتنا لهذه القوة، والعظمة، والاستعلاء الجمالي تأتي الصفات الإلهية عبر أسمائه الحسنى؛ك( الحي- القيوم القدوس- المهيمن – الجبار- العزيز -المتكبر)؛ لتعبر عن التأثير القوي لهذه الحروف بوصفها ملفوظات تدل على قوة، وعظمة، وكبرياء وجبروت لا يمكن أن تكون إلا من ذات خالقة متعالية لايصل إليها البشر؛وهذه القوة ترافق جميع أسماء الله الحسنى؛ وللتدليل على ذلك نأخذ قوله تعالى:( لو أنزلنا هذا القرآن على جبلِ لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله،وتلك الأمثال نضربهاللناس لعلهم يتفكرون ) ؛ إن لفظ الجلالة في الآية الكريمة لا يمكن النظر إليه على أساس أنه ملفوظ لغوي؛ وإنما يمثل بؤرة تمفصل الدلالة القرآنية والتعالي والعظمة لكلمات هذا القرآن التي لا تقدر الجبال بجهامتها وصلابتها ورسوخها الثبات والصمود  أمامها ؛ وقد اختار الله عز وجل لفظة      ( الجبال) لأنها أكثر قوة ورسوخاً ، وعليها ترتكز الأرض؛ حتى الجبال الراسخات أو الراسيات تخر وتتفتت خشية وتقديساً لهذا الخطاب الإلهي العظيم

وما ينبغي التأكيد عليه:

أن لفظ الجلالة(الله) لا يأتي ملصقاً بأي ضمير عكس لفظ( إله) أو (رب) الذي يمكن إلصاقه بالضمير مثال ذلك قوله تعالى:( قل إنما أنا بشرٌ مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إلهٌ واحد ؛ فمن كان يرجو لقاء ربه ، فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحدا"؛ إن لفظة (رب) ليست بالاستعلاء، والفخامة، والقوة ،والعظمة كما هي جلية في لفظة (الله) ؛ التي تملك الفرادة، والعظمة، والخصوصية التي لا تمتلكها بقية الأسماء الأخرى ؛ مما يعني التفرد، والقدسية المطلقة اللامتناهية لهذا اللفظ مقارنة بسواه من الاسماء أو الصفات الإلهية الأخرى.

وهذا يعني أن لفظ (الله) هو الأقرب – باجتهادنا- أن يكون اسم الله الأعظم الذي إذا نودي به أجاب ؛ هذا الاسم المتعالي بذاته، بقدسيته العظيمة وجلاله ؛ وكل ما عداه من أسماء يمكن إلصاقها بالضمائر؛ وشتان بين من يتفرد بخصوصيته المثلى؛ وما هو ملصق أو تبعي باقترانه بموصوف أو ضمير؛ولهذا؛ فإن لفظ الجلالة (الله) استعلى بذاته، وتفرد في هذه الخصوصية عن سائر الأسماء في القرآن.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم      

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والثمانون بعد المئتين في موضوع  ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*عدة لفظ الجلالة في القرآن الكريم

والسؤال المطروح الآن : هل لهذا اللفظ الجليل خصوصية ما في إضافته لبعض الأسماء أو الصفات؟!! وهل هذه الإضافة تمنحه قوة وعظمة واستعلاء كما هو عليه متفرداً بعدم إضافته المباشرة للضمير؟؟!

لابد من التأكيد أن هذا اللفظ الجليل مستعل بذاته

 عن كل الأسماء مفرداّ ومضافاً، ودليلنا الموحي بذلك قوله عز وجل( إذا جاء نصرُ الله والفتح ورأيتَ الناسَ يدخلون في دينِ الله أفواجا ، فسبح  بحمد  ربك واستغفره إنه كان توابا)؛ ففي هذه السورة ورد لفظ الجليل مستعلِ بذاته كلفظ مفرد،ومستعل بقوة وعظمة بإضافة النصر إلى الذات الإلهية؛ فجاء اللفظ مصحوباً بقوتين قوة الاستعلاء الاسمي بذاته وقوة الاستعلاء الاسمي بإضافة بعض الصفات والأسماء إليه، وهذا اللفظ الجليل في كل سياقات وروده في القرآن لا يُضاف إلى غيره وهذا من سر عظمة الذات الإلهية وعظمة الخطاب القرآني؛ بل تضاف إليه الأسماء بموجب القوة والخيلاء والعظمة والتفرد لهذا الاسم الجليل المتفرد وهذا سبب عظمة هذا اللفظ وقوة استعلائه على الأسماء كلها،فكيف لا يكون كذلك ولله الأسماء كلها ؛ وقد سبق أن أشرنا إن جلالة هذا اللفظ وخصوصيته تتمثل في أنه يأبى إلصاق أي ضمير به عكس لفظ(رب) الذي ورد في هذه السورة ملصقاً بالضمير مباشرة:(فسبح بحمد ربك)فإضافة الضمير( الكاف) مباشرة إلى لفظ (رب)جاء ليؤكد استعلاء الذات الإلهية في اللفظ الجليل (الله) الذي سبق وروده في أول الآية، ويؤكد في الآن ذاته ضعف بقية الأسماء الملصقة مباشرة بهذا الضمير؛لأنها مضافة إلى الخلق،ومن طبيعة الخلق الضعف والذل والانكسار؛ في حين أن العظمة والقوة والعزة للذات الإلهية التي تتفرد بالعظمة والجلال لدرجة لا يتصورها بشر.

وما طرحي لهذا الموضوع القيم إلا للفت الأنظار إلى أهمية هذا الموضوع في الكشف عن الكثير من القيم الجمالية والإعجازية في هذا الخطاب الإلهي المقدس.

وصفوة القول: إن هذا اللفظ الجليل لا تسعه هذه الدراسة المتواضعة؛ولا تلم بجوانبه كلها؛ إنها مجرد إضاءة، أدع للباحث المجتهد شرف الاجتهاد في اكتشاف خصوصية هذا اللفظ الجليل في هذا الخطاب الإلهي المقدس(القرآن الكريم)؛ فهو الأقدر مني كشفاً، والأعمق رؤية، مع الأمل أن يكون ما وصلت إليه محض وعي واجتهاد لكشف عظمة هذا الخطاب وجوانب إعجازه جملة وتفصيلاً.[ الأنترنت – موقع ديوان العرب - - بقلم عصام شرتح]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم      

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والثمانون بعد المئتين في موضوع  ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*الأسماء الحُسنى التي ترجع إليها جميع الأسماء والصفات

قال ابن القيم رحمه الله تعالى في تفسير سورة الفاتحة: اعلم أن هذه السورة اشتملت على أمهات المطالب العالية أتم اشتمال، وتضمنتها أكمل تضمن، فاشتملت على التعريف بالمعبود - تبارك وتعالى - بثلاثة أسماء مرجع الأسماء الحسنى، والصفات العليا إليها، ومدارها عليها وهي: الله ، والرَّب ، والرَّحمنُ.

وبُنيت السورة على الإلهية، والربوبية، والرحمة، فـ ] إِيَّاكَ نَعْبُدُ [ مبني على الإلهية، و ] إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [ على الربوبية، وطلب الهداية إلى الصراط المستقيم بصفة الرحمة. والحمد يتضمن الأمور الثلاثة: فهو المحمود في إلهيته، وربوبيته، ورحمته، والثناء والمجد كمالان لجده... وتضمنت - يعني سورة الفاتحة - إثبات النبوات من جهات عديدة:

1 - كون الله (رب العالمين). فلا يليق به أن يترك عباده سُدى هَمَلاً لا يُعرِّفَهم ما ينفعهم في معاشهم، ومعادهم، وما يضرهم فيهما فهذا هَضْمٌ للربوبية، ونسبة الرب تعالى إلى ما لا يليق به، وما قدره حق قدره من نُسبت إليه.

2 - من اسم (الله) وهو المألوه المعبود ولا سبيل للعباد إلى معرفة عبادته إلامن طريق رسله عليهم الصلاة والسلام.

3 - من اسمه (الرحمن) فإن رحمته تمنع إهمال عباده، وعدم تعريفهم ما ينالون به غاية كمالهم.

فمن أعْطى اسم (الرحمن) حقه عرف أنه متضمن لإرسال الرسل، وإنزال الكتب، أعظم من تضمنه إنزال الغيث، وإنبات الكلأ، وإخراج الحب، فاقتضاء الرحمة لما تحصل به حياة القلوب والأرواح أعظم من اقتضائها لما تحصل به حياة الأبدان والأشباح، لكن المحجوبون إنما أدركوا من هذا الاسم حظّ البهائم والدواب. وأدرك منه أُولُو الألباب أمراً وراء ذلك…   [ مدارج السالكين، 1/8، ] وذكر بعد ذلك رحمه الله تعالى جهات عديدة لتضمن سورة الفاتحة لإثبات النبوات ولكني أقتصر على ما يختص بالأسماء الحُسنى.

واشتملت سورة الفاتحة على أنواع التوحيد الثلاثة التي

 اتفقت عليها الرسل صلوات الله وسلامه عليهم؛وهي:

1 - التوحيد العلمي - سُمِّي بذلك لتعلقه بالأخبار والمعرفة - ويسمى أيضاً بـ(توحيد الأسماء والصفات).

2 - التوحيد القصدي الإرادي - سُمِّيَ بذلك لتعلقه بالقصد والإرادة - وهذا الثاني نوعان: توحيد في الربوبية، وتوحيد في الإلهية فهذه ثلاثة أنواع.

فأما التوحيد العلمي [توحيد الأسماء والصفات] فمداره على إثبات صفات الكمال، وعلى نفي التشبيه، والمثال، والتنزيه عن العيوب والنقائص، وقد دل على هذا شيئان:

أ – مجمل.     ب - مفصل.

أ - أما المجمل فإثبات الحمد لله سبحانه.

ب - وأما المفصل فذكر صفة  (الإلهية، والربوبية،

 والرحمة، والملك) وعلى هذه الأربعة مدار الأسماء والصفات.

* فأما تضمن الحمد لذلك فإن الحمد يتضمن مدح المحمود بصفات كماله، ونعوت جلاله، مع محبته والرضا عنه، والخضوع له. فلا يكون حامداً من جحد صفات المحمود، ولا من أعرض عن محبته والخضوع له، وكلما كانت صفات المحمود أكثر كان حمده أكمل، وكلما نقص من صفات كماله نقص من حمده بحسبها.

ولهذا كان الحمد كله لله حمداً لا يحصيه سواه لكمال صفاته وكثرتها ؛ ولأجل هذا لا يُحصي أحدٌ من خلقه ثناءً عليه لما له من صفات الكمال ونعوت الجلال التي لا يحصيها سواه. كما قال رسول الله: (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا أُحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك)   [أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم 486..]    فهذه دلالة على توحيد الأسماء والصفات.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم      

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والثمانون بعد المئتين في موضوع  ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*الأسماء الحُسنى التي ترجع إليها جميع الأسماء والصفات

* وأما دلالة الأسماء الخمسة عليها (أي على الأسماء والصفات) وهي: (الله، والرب، والرحمن، والرحيم، والملك) فمبني على أصلين:

الأصل الأول: أسماء الرب تبارك وتعالى دالة على

 صفات كماله فهي مشتقة من الصفات. فهي أسماء وهي أوصاف، وبذلك كانت حُسنى؛ إذْ لو كانت ألفاظاً لا معاني فيها لم تكن حُسنى، ولا كانت دالةً على مدح ولا كمال، ولساغ وقوع أسماء الانتقام، والغضب في مقام الرحمة والإحسان، وبالعكس فيقال: اللهم إني ظلمت نفسي فاغفر إنك أنت المنتقم، واللهم أعطني فإنك أنت الضار المانع، ونحو ذلك، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.

ونفي معاني الأسماء الحُسنى من أعظم الإلحاد فيها قال تعالى:{ وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }سورة الأعراف، الآية: 180 .

 ولأنها لو لم تدل على معانٍ وأوصاف لم يجز أن يخبر

 عنها بمصادرها ويوصف بها. لكن الله أخبر عن نفسه

 بمصادرها وأثبتها لنفسه وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم. كقوله تعالى: { إِنَّ الله هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الـْمَتِينُ }[سورة الذاريات، الآية: 58] فعُلِم أن (القوي) من أسمائه ومعناه الموصوف بالقوة. وكذلك قوله تعالى: { فَلله الْعِزَّةُ

جَمِيعًا }[سورة فاطر، الآية: 10 ] فالعزيز من له العزة، فلولا ثبوت القوة والعزة لم يُسمَّ قوياً، ولا عزيزاً، وكذلك قوله تعالى:{ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ }[سورة النساء، الآية: 166 ]

 وأجمع المسلمون أنه لو حلف بحياة الله، أوسمعه، أو بصره، أو قوته أو عزته، أو عظمته انعقدت يمينه وكانت مكفرة؛ لأن هذه صفات كماله التي اشتقَّتْ منها أسماؤه.

وأيضاً لو لم تكن أسماؤه مشتملة على معانٍ وصفات لم

 يسُغ أن يخبر عنه بأفعالها. فلا يقال: يسمع، ويرى،

 ويعلم، ويقدر، ويريد؛ فإن ثبوت أحكام الصفات فرع

 ثبوتها، فإذا انتفى أصل الصفة استحال ثبوت حكمها... فنفي معاني أسمائه سبحانه من أعظم الإلحاد فيها، والإلحاد فيها أنواع هذا أحدها.

الأصل الثاني: الاسم من أسمائه تبارك وتعالى كما يدلّ على الذات والصفة التي اشتقّ منها بالمطابقة؛ فإنّه يدلّ عليه دلالتين أُخرَيَيْن بالتضمن واللزوم.

فيدل على الصفة بمفردها بالتضمن، وكذلك على الذات المجردة عن الصفة، ويدل على الصفة الأُخرى باللزوم.

فإن اسم(السميع)يدل على ذات الرب وسمعه بالمطابقة.

وعلى الذات وحدها وعلى السمع وحده بالتضمن، ويدل على اسم (الحي) وصفة الحياة بالالتزام.

وكذلك سائر أسمائه وصفاته، ولكن يتفاوت الناس في

 معرفة اللزوم وعدمه..

 * إذا تقرر هذان الأصلان فاسم (الله) دالٌّ على جميع الأسماء الحُسنى والصفات العُلا بالدلالات الثلاث ((المطابقة، والتضمن، واللزوم)).

فإنه دال على إلهيته المتضمنة لثبوت صفات الإلهية له، مع نفي أضدادها عنه. وصفات الإلهية - يعني أن الله الإله الحق وحده لا شريك له - هي صفات الكمال المنزهة عن التشبيه والتمثيل، وعن العيوب والنقائص، ولهذا يضيف الله تعالى سائر الأسماء الحُسنى إلى هذا الاسم العظيم، كقوله تعالى: { وَلله الأَسْمَاءُ الـْحُسْنَى } ويقال: (الرحمن، والرحيم، والقدوس، والسلام، والعزيز، والحكيم) من أسماء الله ولا يقال: الله من أسماء الرحمن، ولا من أسماء العزيز. ونحو ذلك.

فعُلِمَ أن اسمه ((الله)) مستلزم لجميع معاني الأسماء الحسنى، دالٌّ عليها بالإجمال، والأسماء الحُسنى تفصيل، وتبيين لصفات الإلهية التي اشتق منها اسم ((الله))، واسم ((الله)) دالٌّ على كونه مألوهاً معبوداً، تألَّـهَهُ الخلائق محبةً، وتعظيماً، خضوعاً وفزعاً إليه في الحوائج والنوائب، وذلك مستلزم لكمال ربوبيته ورحمته، المتضمنين لكمال الملك والحمد. وإلهيته وربوبيته، ورحمانيته، وملكه، مستلزم لجميع صفات كماله. إذ يستحيل ثبوت ذلك لمن ليس بحي، ولا سميع، ولا بصير، ولا قادر، ولا متكلم، ولا فعَّالٍ لما يريد، ولا حكيم في أفعاله.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم      

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والثمانون بعد المئتين في موضوع   ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*الأسماء الحُسنى التي ترجع إليها جميع الأسماء والصفات

 * وصفات الجلال والجمال: أخص باسم ((الله)).

 * وصفات الفعل، والقدرة، والتفرّد بالضرّ والنفع،

 والعطاء والمنع، ونفوذ المشيئة، وكمال القوة، وتدبير أمر الخليقة أخص باسم ((الربّ)).

 * وصفات الإحسان، والجود، والبّر، والحنّان، والمنّة، والرأفة، واللّطف، أخص باسم ((الرحمن)).

وكرر إيذاناً بثبوت الوصف، وحصول أثره، وتعلقه بمتعلقاته.

فالرحمن الذي الرحمة وصفه، والرحيم: الراحم لعباده؛ ولهذا يقول تعالى: {وَكَانَ بِالـْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا }[سورة الأحزاب، الآية: 43 ].، ولم يجئ رحمان بعباده ولا رحمان بالمؤمنين،مع ما في اسم (الرحمن) الذي هو على وزن فعلان من سعة هذا الوصف،وثبوت جميع معناه الموصوف به...فبناء فعلان للسعة والشمول. ولهذا يقرن استواءه على العرش بهذا الاسم كثيراً كقوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [سورة طه، الآية: 5 ] .؛لأن العرش محيط بالمخلوقات قد وسعها والرحمة محيطة بالخلق واسعة لهم كما قال تعالى : {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ }[سورة الأعراف، الآية: 156 .]، وفي الصحيح من حديث أبي هريرة قال:قال رسول الله: (لما قضى الله الـخلق كتب في كتاب فهو عنده موضوع على العرش: (إن رحمتي تغـلب غضبي)،وفي لفظ:(فهو عـنده على العرش) [ أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في قول الله تعالى: ]وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الـْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [، برقم 3194، ومسلم في كتاب التوبة، باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه، برقم 2751.]

فتأملْ اختصاص هذا الكتاب بذكر الرحمة، ووضعه عنده على العرش،وطابقْ بين ذلك وبين قوله تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}، وقوله: { ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا }     [سورة الفرقان، الآية: 59 ] ينفتح لك باب عظيم من معرفة الرب تبارك وتعالى إن لم يغلقه عنك التعطيل والتجهيم.

 * وصفات العدل، والقبض والبسط، والخفض والرفع، والعطاء والمنع، والإعزاز والإذلال، والقهر والحكم، ونحوها أخص باسم ((المَلِك)) وخصّه بيوم الدين وهو الجزاء بالعدل؛ لتفرده بالحكم فيه وحده؛ ولأنه اليوم الحق، وما قبله كساعة؛ ولأنه الغاية وأيام الدنيا مراحل إليه.

وفي ذكر هذه الأسماء بعد الحمد في قوله تعالى: { الـْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ * مَـالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } [سورة الفاتحة، الآيات: 1-3 .]، وإيقاع الحمد على مضمونها ومقتضاها ما يدل على أنه محمود في إلهيته، محمود في ربوبيته، محمود في رحمانيته، محمود في ملكه، وأنه إله محمود، ورب محمود، وملِك محمود. فله بذلك جميع أقسام الكمال:

كمال من هذا الاسم بمفرده، وكمال من الآخر بمفرده، وكمال من اقتران أحدهما بالآخر.مثال ذلك قوله تعالى:{وَالله غَنِيٌّ حَمِيدٌ }[سورة التغابن، الآية: 6]، { وَالله عَلِيمٌ حَكِيمٌ }[سورة النساء، الآية: 26 ]، {وَالله قَدِيرٌ وَالله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [سورة الممتحنة، الآية: 7 ]، فالغنى صفة كمال والحمد صفة كمال، واقتران غناه بحمده كمال أيضاً، وعلمه كمال، وحكمته

 كمال، واقتران العلم بالحكمة كمال أيضاً.

وقدرته كمال، ومغفرته كمال، واقتران القدرة بالمغفرة كمال، وكذلك العفو بعد القدرة: {إِنَّ الله كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا }[سورة النساء، الآية: 43 ]فما كل من قدر عفا، ولا كل من عفا يعفو عن قدرة، ولا كل من علم يكون حليماً، ولا كل حليم عالم في قرن شيء إلى شيءٍ أزين من حلم إلى علم، ومن عفو إلى قدرة، ومن ملك إلى حمد، ومن عزة إلى رحمة: {وَإِنَّ رَبَّكَ لـَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ }[سورة الشعراء، الآية: 191 ]

وفي هذا أظهر دلالة على أن أسماء الرب تعالى مشتقة من أوصاف ومعانٍ قامت به،وإن كل اسم يناسب ما ذكرمعه واقترن به من فعله وأمره،والله الموفق للصواب [ مدارج السالكين، لابن القيم رحمه الله تعالى، 1/24 - 37 بتصرف.]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم      

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والثمانون بعد المئتين في موضوع     ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*الأسماء الحُسنى التي ترجع إليها جميع الأسماء والصفات

إذا قال السائل: (اللهم إني أسألك) كأنه قال: أدعو الله الذي له الأسماء الحسنى والصفات العُلا بأسمائه وصفاته. فأتى بالميم المؤذنة بالجمع في آخر هذا الاسم، إيذاناً بسؤاله تعالى بأسمائه كلها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (ما أصاب عبداً همٌّ ولا حزنٌ، فقال: اللهمّ إني عبدك ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك، عدل فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علّمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك: أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حُزني، وذهاب همّي وغمّي، إلا أذهب الله همّه وغمّه، وأبدله مكانه فرحاً) قالوا:

يا رسول الله أفلا نتعلمهنّ؟ قال:(بلى،ينبغي لمن سمعهنّ أن يتعلمهنّ) [ أخرجه أحمد، 1/391، وأبو يعلى، 9/198-199، برقم 5297، والحاكم، 1/509-510، وابن السني في عمل اليوم والليلة، برقم 339، 340، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، 1/ 337]

فالداعي مندوب إلى أن يسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته كما في الاسم الأعظم:(اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت المنّان، بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حيُّ يا قيوم)[ أخرجه أبو داود في كتاب الوتر، باب الدعاء، برقم 1495، والترمذي في كتاب الدعوات، باب 99، برقم 3544، وابن ماجه في كتاب الدعاء، باب اسم الله الأعظم، برقم 3858، والنسائي في كتاب السهو، باب الدعاء بعد الذكر، برقم 1298، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، برقم 1495]

والدعاء ثلاثة أقسام:

1-  أن تسأل الله بأسمائه وصفاته.

2-  أن تسأله بحاجتك وفقرك وذُلِّك فتقول: أنا العبد الفقير المسكين الذليل المستجير، ونحو ذلك.

3-  أن تسأل حاجتك ولا تذكر واحداً من الأمرين، فالأول أكمل من الثاني، والثاني أكمل من الثالث، فإذا جمع الدعاء الأمور الثلاثة كان أكمل. وهذه عامة أدعية النبي صلى الله عليه وسلم فالدعاء الذي علّمه صدِّيق الأمة رضي الله عنه ذكر الأقسام الثلاثة:

1 - فإنه قال في أوله: (اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً) [ أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الدعاء قبل السلام، برقم 834، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب استحباب خفض الصوت بالذكر، رقم 2705 ] وهذا حال السائل.

2 - ثم قال: (ولا يغفر الذنوب إلا أنت)، وهذا حال المسؤول.

3 - ثم قال: (فاغفر لي) فذكر حاجته، وختم الدعاء باسمين من الأسماء الحُسنى تناسب المطلوب وتقتضيه ، ثم قال ابن القيم رحمه الله: وهذا القول الذي اخترناه قد جاء عن غير واحد من السلف.قال الحسن البصري:(اللهم) مجمع الدعاء،وقال أبو رجاء العطاردي : إن الميم في قوله:(اللهم) فيها تسعة وتسعون اسماً من أسماء الله تعالى. وقال النضر بن شميل: من قال: (اللهم) فقد دعا الله بجميع أسمائه[التفسير القيم لابن القيم، ص210-211 بتصرف يسير جداً ] [الأنترنت – موقع معرفة الله - سعيد بن علي بن وهف القحطاني ] إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم       بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والثمانون بعد المئتين في موضوع     ( الله ) والتي ستكون بعنوان :                 *النظر إلى وجه لله الكريم يوم القيامة

 قال البخاري : قال تعالى : { وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة } [ القيامة / 22 ، 23 ]، يعنى : مبصرة لله تعالى ، ولو لم يكن هذا القول للنبى بالرؤيا نصًا لكان لنا فى قوله تعالى ما فيه كفاية لمن أنصف ، وذلك أن النظر إذا قرن بذكر الوجه لم يكن إلا نظر البصر ، وإذا قرن بذكر القلب كان بمعنى اليقين ، فلا يجوز أن ينقل حكم الوجوه إلى حكم القلوب .فإن اعترض معترض علينا بقوله تعالى : { لا تدركه الأبصار } [الأنعام /103 ] وأن ذلك على العموم . قيل : يحتمل أن يكون على العموم لولا ما خصه من قوله عليه السلام : ( إنكم ترون ربكم كما ترون القمر والشمس وليس دونهما سحاب ) [ شرح صحيح البخاري ،  ج 2   ص 133]  

قال ابن تيمية : وهذا الحديث متفق عليه من طرق

 كثيرة وهو مستفيض بل متواتر عند أهل العلم بالحديث اتفقوا على صحته [ منهاج السنة النبوية ،ج 2   ص 325]

والكلام في إثبات رؤية الله سبحانه بالأبصار في الآخرة كمايلي :

- قال الله تعالى { وجوه يومئذ ناضرة }[القيامة / 22] يعنى مشرقة { إلى ربها ناظرة  } [القيامة / 23] ، يعنى رائية وليس يخلو النظر من وجوه نحن ذاكروها :  إما أن يكون الله سبحانه عنى نظر الإعتبار كقوله تعالى { أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت }[الغاشية / 17 أو يكون عنى نظر الأنتظار كقوله تعالى { ما ينظرون إلا صيحة واحدة } [من الآية 49من سورة يس] ،أو يكون عنى نظر التعطف كقوله تعالى{ ولا ينظر إليهم يوم القيامة } [من الآية 77 من سورة آل عمران ] ، أو يكون عنى نظر الرؤية فلا يجوز أن يكون الله عز وجل عنى نظر التفكير والإعتبار لأن الآخرة ليست بدار اعتبار ولا يجوز أن يكون عنى نظر الانتظار لأن النظر إذا ذكر مع ذكر الوجه فمعناه نظر العينين اللتين في الوجه كما إذا ذكر أهل اللسان نظر القلب فقالوا أنظر في هذا الأمر بقلبك لم يكن معناه نظر العينين وكذلك إذا ذكر النظر مع الوجه لم يكن معناه نظر الانتظار الذي يكون للقلب وأيضا فإن نظر الانتظار لا يكون في الجنة لأن الانتظار معه تنغيص وتكدير وأهل الجنة في ما لا عين رأت ولا أذن سمعت من العيش السليم والنعيم المقيم  وإذا كان هذا هكذا لم يجز أن يكونوا منتظرين لأنهم كلما خطر ببالهم شيء أتوا به مع خطوره ببالهم وإذا كان ذلك كذلك فلا يجوز أن يكون الله عز وجل أراد نظر التعطف لأن الخلق لا يجوز أن يتعطفوا على خالقهم وإذا فسدت الأقسام الثلاثة صح القسم الرابع من أقسام النظر وهو أن معنى قوله { إلى ربها ناظرة } أنها رائية ترى ربها عز وجل

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والثمانون بعد المئتين في موضوع     ( الله ) والتي ستكون بعنوان :                 *النظر إلى وجه لله الكريم يوم القيامة

 ومما يبطل قول المعتزلة : أن الله عز وجل أراد بقوله { إلى ربها ناظرة } نظر الإنتظار أنه قال { إلى ربها ناظرة } ونظر الإنتظار لا يكون مقرونا بقوله {إلى } لأنه لا يجوز عند العرب أن يقولوا في نظر الانتظار   [ إلى ] ألا ترى أن الله تعالى لما قال { ما ينظرون إلا صيحة واحدة }  لم يقل [إلى ]إذ كان معناه الانتظار وقال عز وجل مخبرا عن بلقيس { فناظرة بم يرجع المرسلون } [من الآية 35 من سورة النمل] ؛ فلما أرادت الانتظار لم تقل [إلى ] ، وقال أمرؤ القيس

فإنكما إن تنظراني ساعة من الدهر  ××× تنفعني لدى أم جندب

فلما أراد الانتظار لم يقل [إلى ] فلما قال سبحانه{ إلى ربها ناظرة } علمنا أنه لم يرد الانتظار وإنما أراد نظر الرؤية لما قرن النظر بذكر الوجه وقرن الله عز وجل النظر بذكر الوجة أراد نظر العينين اللتين في الوجه كما قال { قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها } [البقرة / 144] فذكر الوجه وإنما أراد تقلب عينيه نحو السماء ينظر نزول الملك عليه يصرف الله تعالى له عن قبلة بيت المقدس إلى القبلة

فإن قيل : لم قلتم إن قوله تعالى { إلى ربها ناظرة } إنما أراد إلى ثواب ربها ناظرة ؟

قيل له  : ثواب الله غيره والله سبحانه وتعالى قال { إلى ربها ناظرة } ولم يقل إلى غيره ناظرة والقرآن العزيز على ظاهره وليس لنا أن نزيله عن ظاهره إلا بحجة وإلا فهو على ظاهره ألا ترى أن الله عز وجل لما قال صلوا لي واعبدوني لم يجز أن يقول قائل إنه أراد غيره ويزيل الكلام عن ظاهره فلذلك لما قال { إلى ربها ناظرة } لم يجز لنا أن نزيل القرآن عن ظاهره بغير حجة.

ثم يقول للمعتزلة : إن جاز لكم أن تزعموا أن قول الله تعالى {  إلى ربها ناظرة  } إنما أراد به أنها إلى غيره ناظرة فلم لا جاز لغيركم أن يقول إن قول الله سبحانه وتعالى{ لا تدركه الأبصار } [الأنعام / 103]        أراد بها لا تدرك غيره ولم يرد أنها لا تدركه وهذا مما لا يقدرون على الفرق فيه

ودليل آخر  : ومما يدل على أن الله تعالى يُرى بالأبصار قول موسى صلى الله عليه وسلم { رب أرني أنظر إليك } [من الآية 143 من سورة الأعراف] ، ولا يجوز ان يكون موسى صلوات الله عليه وسلامه وقد ألبسه الله جلباب النبيين وعصمه بما عصم به المرسلين قد سأل ربه ما يستحيل عليه فإذا لم يجز ذلك على موسى صلى الله عليه وسلم علمنا أنه لم يسأل ربه مستحيلا وأن الرؤية جائزة على ربنا تعالى ولو كانت الرؤية مستحيلة على ربنا تعالى كما زعمت المعتزلة ولم يعلم ذلك موسى صلى الله عليه وسلم وعلموه هم لكانوا على قولهم أعلم بالله من موسى صلى الله عليه وسلم

وهذا مما لا يدعيه مسلم فإن قال قائل ألستم تعلمون حكم الله في الظهار اليوم ولم يكن نبي الله صلى الله عليه وسلم يعلم ذلك قبل أن ينزل قيل له لم يكن يعلم نبي الله صلى الله عليه وسلم ذلك قيل أن يلزم الله العباد حكم الظهار فلما ألزمهم الحكم به أعلم نبيه صلى الله عليه وسلم قبلهم ثم أعلم نبي الله صلى الله عليه وسلم عباد الله ذلك ولم يأت عليه وقت لزمه حكمه فلم يعلم صلى الله عليه وسلم وأنتم زعمتم أن موسى صلى الله عليه وسلم وقت لزمه علمه وعلمتموه أنتم الآن لزمكم بجهلكم أنكم بما لزمكم العلم به الآن أعلم من موسى صلى الله عليه وسلم بما لزمه العلم به وهذا خروج عن دين المسلمين

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والثمانون بعد المئتين في موضوع     ( الله ) والتي ستكون بعنوان :                 *النظر إلى وجه لله الكريم يوم القيامة

ودليل آخر:مما يدل على جواز رؤية الله تعالى بالأبصار قوله تعالى لموسى صلى الله عليه وسلم { فإن استقر مكانه فسوف تراني } [من الآية 143 من سورة الأعراف] فلما كان الله تعالى قادرا على أن يجعل الجبل مستقرا كان قادرا على الأمر الذي لو فعله لرآه موسى صلى الله عليه وسلم فدل ذلك على أن الله تعالى قادر أن يُرى عباده نفسه وأنه جائز رؤيته فإن قال قائل فلم لا قلتم إن قول الله تعالى { فإن استقر مكانه فسوف تراني } [من الآية 143 من سورة الأعراف]  تبعيد الرؤية

قيل له لو أراد الله عز وجل تبعيد الرؤية لقرن الكلام

 بما يستحيل وقوعه ولم يقرنه بما يجوز وقوعه فلما قرنه باستقرار الجبل وذلك أمر مقدور لله سبحانه وتعالى دل ذلك على أنه جائز أن يُرى الله تعالى ألا ترى أن الخنساء لما أرادت تبعيد صلحها لمن كان حربا لأخيها قرنت الكلام بأمر مستحيل فقالت :

ولا أصالح قوما كنت حربهم ×××حتى تعود بياضا حلكة القارى

والله تعالى إنما خاطب العرب بلغتها وما نجده مفهوما   في كلامها ومعقولا في خطابها فلما قرن الرؤية بأمر مقدور جائز علمنا أن رؤية الله بالأبصار جائزة غير مستحيلة.

دليل آخر : قال الله عز وجل { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة } [يونس / 26] ؛ قال أهل التأويل النظر إلى الله عز وجل ولم ينعم الله تعالى على أهل الجنة بأفضل من نظرهم إليه ورؤيتهم له وقال تعالى { ولدينا مزيد } [من الآية 35 من سورة ق] ؛ قيل النظر إلى الله عز وجل وقال تعالى { تحيتهم يوم يلقونه سلام } [من الآية 44 من سورة الأحزاب] ؛ وإذا لقيه المؤمنون رأوه وقال تعالى :   { كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون } [المطففين / 15] ،  فحجبهم عن رؤيته ولا يحجب عنها المؤمنين [ الإبانة عن أصول الديانة ،  ج 1   ص35ـ 46]

وقال مقاتل : { للذين أحسنوا } ، يعنى وحدوا الله ، { الحسنى }، يعنى الجنة ، { وزيادة } ، يعنى فضل على الجنة النظر إلى وجه الله الكريم [ تفسير مقاتل بن سليمان ،   ج 2   ص 90] وقال ابن تيمية : قال تعالى :                                                             البقرة / 218 ؛و{رحمته} اسم جامع لكل خير{ وعذابه } اسم جامع لكل شر ودار الرحمة الخالصة هي الجنة ودار العذاب الخالص هي النار واما الدنيا فدار امتزاج ... والجنة اسم جامع لكل نعيم واعلاه النظر إلى وجه الله كما في صحيح مسلم عن عبد الرحمن بن ابى ليلى عن صهيب عن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( اذا دخل اهل الجنة الجنة نادى مناد يا اهل الجنة ان لكم عند الله موعدا يريد ان ينجزكموه فيقولون ما هو الم يبيض وجوهنا الم يثقل موازيننا ويدخلنا الجنة وينجينا من النار قال فيكشف الحجاب فينظرون إليه فما اعطاهم شيئا احب اليهم من النظر إليه ) وهو الزيادة [كتب ورسائل وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ،   ج 10   ص 62]

وأخرج البخاري بسنده من حديث  جَرِيرِ قال كنا عِنْدَ النبي صلى الله عليه وسلم فَنَظَرَ إلى الْقَمَرِ لَيْلَةً يَعْنِي الْبَدْرَ فقال : (إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كما تَرَوْنَ هذا الْقَمَرَ لَا تُضَامُّونَ في رُؤْيَتِهِ فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا على صَلَاةٍ قبل طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا ثُمَّ قَرَأَ { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قبل طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ  }[الجامع الصحيح المختصر، ج 1 ص 113رقم 529]

 وأخرج مسلم بسنده من حديث قَيْسُ بن أبي حَازِمٍ قال سمعت جَرِيرَ بن عبد اللَّهِ وهو يقول كنا جُلُوسًا عِنْدَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ نَظَرَ إلى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ فقال أَمَا إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كما تَرَوْنَ هذا الْقَمَرَ لَا تُضَامُّونَ في رُؤْيَتِهِ فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا على صَلَاةٍ قبل طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا يَعْنِي الْعَصْرَ وَالْفَجْرَ ثُمَّ قَرَأَ جَرِيرٌ {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قبل طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا } [صحيح مسلم ،  ج 1   ص 137]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والثمانون بعد المئتين في موضوع     ( الله ) والتي ستكون بعنوان :                 *النظر إلى وجه لله الكريم يوم القيامة

وكمال النعيم في الدار الآخرة برؤيته وسماع كلامه وقربه ورضوانه لا كما يزعم من يزعم أنه لا لذة في الآخرة إلا بالمخلوق من المأكول والمشروب والملبس والمنكوح بل اللذة والنعيم التام في حظهم من الخالق تعالى أعظم مما يخطر بالبال أو يدور في الخيال وفي دعاء النبي الذي رواه الإمام أحمد في مسنده وابن حبان والحاكم في صحيحيهما ( أسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة وفتنة مضلة ) ولهذا قال تعالى في حق إعداء الله  { إنهم عن  ربهم  يومئذ لمحجوبون ثم إنهم لصالوا الجحيم }  فعذاب الحجاب  من  أعظم  أنواع  العذاب  الذي  يعذب  به  أعداءه  ولذة النظر إلى وجه الله الكريم أعظم أنواع اللذات التي ينعم بها أولياؤه ولا تقوم حظوظهم من سائر المخلوقات مقام حظهم من رؤيته وسماع كلامه والدنو منه وقربه [ طريق الهجرتين وباب السعادتين ، ج 1 ص 102، 103]

 فاعظم نعيم الآخرة ولذاتها النظر إلى وجه الله جل جلاله وسماع كلامه والقرب منه كما ثبت في الصحيح في حديث الرؤية ( فوالله ما أعطاهم شيئا أحب اليهم من النظر اليه ) وفي حديث اخر( إنه اذا تجلى لهم ورأوه نسوا ما هم فيه من النعيم )

فلله كم من مورد هلكة أورداه ، ومصدر رديء عنه أصدراه فمن أحب أن يحيا سعيدا أو يعش حميدا فليغض من عنان طرفه ولسانه ليسلم من الضرر، فإنه كامن في فضول الكلام وفضول النظر وقد صرح الصادق المصدوق بأن العينين تزنيان وهما أصل زنى الفرج ، فإنهما له رائدان ، وإليه داعيان ، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة فأمر السائل أن يصرف بصره . فأرشده إلى ما ينفعه ويدفع عنه ضرره . أو ما سمعت قول العقلاء : من سرح ناظره ، أتعب خاطره ، ومن كثرت لحظاته ، دامت حسراته ، وضاعت عليه أوقاته ، وفاضت عبراته .

 قال الناظم :

  تمتعتما  يا مقلتي بنظر  ،  وأوردتما  قلبي  أمر الموارد   ،أعيني كفا عن فؤادي فإنه    من الظلم سعي اثنين في قتل واحد 

 قالت العين : ظلمتني أولا وآخرا ، وبؤت بإثمي باطنا وظاهرا ، وما أنا إلا رسولك الداعي إليك  ،  ورائدك الدال عليك ، فأنـت الملـك المطـاع   ، ونحن الجنود والأتباع ،  أركبتني في حاجتك خيل البريد ، ثم أقبلت علي بالتهديد والوعيد ،  فلو أمرتني أن أغلق علي بابي  ، وأرخي علي حجابي لسمعت وأطعت ولما  ،  رعيت في الحمى ورتعت ، أرسلتني في صيد قد نصبت ، لك حبائله وشراكه ، واستدارت  حولك فخاخه وشباكه  ،  فغدوت أسيرا  بعد أن كنت أميرا  ، وأصبحت مملوكا بعد أن كنت ملكا

هذا وقد حكم لي عليك سيد الأنام  وأعدل الحكام عليه الصلاة والسلام حيث يقول : ( إنّ في الجسد

مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد وإذا فسدت

 فسد لها سائر الجسد ألاوهو القلب) وقال أبو هريرة

رضي الله عنه : القلب ملك والأعضاء جنوده فإذا طاب الملك طابت جنوده وإذا خبث خبثت جنوده .

 ولو أنعمت النظر لعلمت أنّ فساد رعيتك بفسادك وصلاحها ورشدها برشادك،ولكنك هلكت و أهلكت رعيتك ،وحملت على العين الضعيفة خطيئتك، وأصل بليتك أنه خلا منك حب الله وحب ذكره وكلامه وأسمائه وصفاته و أقبلت على غيره وأعرضت عنه ، وتعوضت بحب من سواه والرغبة فيه عنه .

هذا وقد سمعت ما قص عليك من إنكاره سبحانه على بني إسرائيل استبدالهم طعاما بطعام أدنى منه ، فذمهم على ذلك ونعاه عليهم ، وقال : { أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير } فكيف بمن استبدل بمحبة خالقه وفاطره ووليه ومالك أمره ، الذي لا صلاح له ولا فلاح ، ولا نعيم ولا سرور ، وفرحة ونجاة إلا بأن يوحده في الحب ويكون أحب إليه ممن سواه فانظر ـ بالله ـ بمن استبدلت ، وبمحبة من تعوضت .

 رضيت لنفسك بالحبس في الحش وقلوب محبيه تجول حول العرش . فلو أقبلت عليه وأعرضت عمن سواه لرأيت العجائب ولأمنت من المتالف والمعاطب ، أو ما علمت أنه خص بالفوز والنعيم من أتاه بقلب سليم . أي سليم ممن سواه ، ليس فيه غير حبه واتباع رضاه) [الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي الداء والدواء ،ج 1 ص 167]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التسعون بعد المئتين في موضوع     ( الله ) والتي ستكون بعنوان : *المحرومون من النظر إلى وجه الله الكريم أو نظر الله إليهم

إن أعظم ما يتنعم به أهل الجنة يوم القيامة النظر الى وجه الله الكريم قال تعالى :{ وجوه يومئذ ناضرة . إلى ربها ناظرة } ومن أعظم العذاب يوم القيامة الحرمان من النظر إلى وجه الله تعالى وهم فئات منهم : 

 1-  الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً        ( صاحب اليمين الكاذبة  ) قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَـئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ  } [آل عران / 77]

2- الحاكم الذي يحتجب عن رعيته ولا ينظر في حاجتهم وفقرهم .

عن أبي مريم الأزدي رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من ولي من أمور المسلمين شيئاً ،فاحتجب دون خلّتهم ،وحاجتهم ،وفقرهم، وفاقتهم، احتجب الله عنه يوم القيامة، دون خلّته ، وحاجته ، وفاقته، وفقره) [صحيح رواه أبو داود وصححه الألباني]

3-شيخ زان    4- ملك كذَاب   5- عائل مستكبر

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ثلاثة لايكلمهم الله يوم القيامة ، ولا ينظر إليهم ، ولا يزكيهم ، ولهم عذاب أليم: شيخ زانٍ ، وملك كذّاب ، وعائل مستكبر ) أخرجه مسلم

5-                        مانع فضل الماء

جاء في حديث ابي هريرة ( وَرَجُلٌ مَنَعَ فَضْلَ مَاءٍ فيقول الله الْيَوْمَ أَمْنَعُكَ فَضْلِي كما مَنَعْتَ فَضْلَ ما لم تَعْمَلْ يَدَاكَ )[ الجامع الصحيح المختصر،ج 2 ص 834  ج 2 ص 834]

7- صاحب بيعة من أجل الدنيا : عن أبي هُرَيْرَةَ قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :( ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ الله وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ رَجُلٌ على مَاءٍ بِالْفَلاَةِ يَمْنَعُهُ مِنِ بن السَّبِيلِ وَرَجُلٌ بَايَعَ الإِمَامَ لاَ يُبَايِعُهُ إِلاَّ لِدُنْيَا فَإِنْ أَعْطَاهُ منها وَفَى له وَإِنْ لم يُعْطِهِ لم يَفِ له ...) [ مسند الإمام أحمد بن حنبل ،ج2ص253   ]

 8- العاقَ لوالديه 9- المترجلة  10- الديوث

عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ثلاثة لاينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة :العاق لوالديه ، والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال والديوث) [صحيح أخرجه أحمد والنسائي]

11-  من عمل عمل قوم لوط

عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : ( لاينظر الله تعالى إلى رجل أتى رجلاً ، أو امرأة في الدّبر) [ صحيح اخرجه الترمذي]

12-  المسبل إزاره المختال في مشيته :عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(لاينظر الله تعالى إلى من جرَ ثوبه خيلاء)   [أخرجه البخاري]

13- امرأة لاتشكر لزوجها : عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : ( لاينظر الله إلى امرأة لاتشكر لزوجها وهي لاتستغني عنه) [صحيح أخرجه النسائي وصححه الالبان] اسأل الله سبحانه وتعالى لي ولكم ولكافة المسلمين أن ينعموابرؤية الله سبحانه وتعالى وان لايحرموا من رؤيته[ موقع ابن مصر – الأنترنت (بتصرف )] كتاب ( البصر) للدكتور / مسفر دماس الغامدي ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والتسعون بعد المئتين في موضوع     ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*تفسير ( فأينما تولوا فثم وجه الله )

أولاً : يجب علينا الإيمان بأن الله تعالى فوق العرش مستوٍ على عرشه استواءً يليق بجلاله لا كاستواء البشر، وأن نؤمن بأن لله وجها لا كوجه المخلوق . وبهذا يجب ألا نضل عند تفسير الآيات وتأويلها وأن نتَّبع بذلك قول السلف الصالح .

أما تفسير الآية ، فقد قال الشيخ ابن عثيمين :

فإن قلت : هل كل ما جاء من كلمة الوجه مضافاً

إلى الله يراد به وجه الله الذي هو صفته

الجواب : هذا هو الأصل كما في قوله تعالى : { ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه }

الأنعام / 52 ، { وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى } الليل / 19- 21 ،         وما أشبهها من الآيات .

فالأصل : أن المراد بالوجه وجه الله عز وجل الذي هو صفة من صفاته ، لكن هناك آيةاختلف المفسرون فيها وهي قوله تعالى : { ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله } البقرة / 115 ..... فمنهم من قال : إن الوجه بمعنى الجهة لقوله تعالى : { ولكل وجهة هو موليها } البقرة / 148 .

فالمراد بالوجه : الجهة ، أي : فثمَّ جهة الله أي فثم الجهة التي يقبل الله صلاتكم إليها .

قالوا : لأنها في حال السفر إذا صلى الإنسان النافلة فإنه يصلي حيث كان وجهه .

ولكن الصحيح أن المراد بالوجه هنا : وجه الله الحقيقي ، إلى أي جهة تتجهون فثم وجه الله سبحانه وتعالى ؛ لأن الله محيط بكل شيء ، ولأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المصلي إذا قام يصلي فإن الله قبل وجهه ، ولهذا نهى أن يبصق أمام وجهه ؛ لأن الله قِبَل وجهه فإذاصليت في مكان لاتدري أين القبلة واجتهدت وتحريت وصليت وصارت القبلة في الواقع خلفك فالله يكون قبل وجهه حتى في هذه الحالة .

وهذا معنى صحيح موافق لظاهر الآية والمعنى الأول لا يخالفه في الواقع . وحينئذ يكون المعنيان لا يتنافيان .

واعلم أن هذا الوجه العظيم الموصوف بالجلال والإكرام

 وجه لا يمكن الإحاطة به وصفاً ، ولا يمكن الإحاطة به تصوراً ، بل كل شيء تُقَدره فإن الله تعالى فوق ذلك وأعظم . { ولا يحيطون به علماً } طه /110 .

وأما قوله تعالى : { كل شيءٍ هالكٌ إلا وجهه } القصص / 88 ، فالمعنى : " كل شيء هالك إلا ذاته المتصفة بالوجه [ شرح العقيدة الواسطية لابن عثيمين ( 1 / 243 – 245 )]

ونحن يجب علينا ألا نقيس الخالق بالمخلوق فنصفه بصفة المخلوق ، فإن الله تعالى كما قال عن نفسه :     ( ليس كمثله شيء ) الشورى / 11 . فالله تعالى مستوٍ على عرشه ، وهو قِبل وجه المصلي ولا منافاة بينهما في حق الله تعالى . وقد أشكل مثل هذا على بعض الناس في مسألة نزول الله تعالى في النصف الآخر من الليل إلى السماء الدنيا ، فقالوا : إن الليل غير متحد

 على الأرض فكيف ينزل الله في ليل ونهار معا.

قال الشيخ ابن عثيمين :جاء المتأخرون الذين عرفوا أن الأرض كروية وأن الشمس تدور على الأرض .

قالوا : كيف ينزل في ثلث الليل ، وثلث الليل إذا انتقل عن المملكة العربية السعودية ذهب إلى أوروبا وما قاربها ؟ فنقول : أنتم الآن قستم صفات الله بصفات المخلوقين ، أنت أو من أول بأن الله ينزل في وقت معين وإذا آمنت ليس عليك شيء وراء ذلك ، لا تقل كيف وكيف ؟ .

فقل : إذا كان ثلث الليل في السعودية فإن الله نازل وإذا كان في أمريكا ثلث الليل يكون نزول الله أيضاً .

إذاً موقفنا أن نقول أنا نؤمن بما وصل إلينا عن طريق محمد صلى الله عليه وسلم . بأن الله ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى الثلث الآخر من الليل ويقول من يدعوني، فأستجيب له ومن يسألني ؟ فأعطيه من يستغفرني فأغفر له .      [ شرح الواسطية " ( 2 / 437 ) .] [ الأنترنت – موقع – الإسلام سؤال وجواب – المنجد]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والتسعون بعد المئتين في موضوع     ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*تاء القسم مختصة بلفظ الجلالة ( الله) :

جاءت تاء القسم جارة للفظ الجلالة في القرآن، وهي مختصة به وبلفظ الرب:

1-      {قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض} [12: 73] أقسموا بالتاء لأنها تكون في التعجب

غالبًا. قال ابن عطية: التاء بدل من الواو، كما في

تراث والتوراة. ولا تدخل التاء في غير لفظ

الجلالة من بين أسمائه تعالى، لا تقول: تالرحمن،

وتالرحيم.

وزعم السهيلي أن التاء أصل وليست بدلاً، وهو الصحيح. وحكى عن العرب دخولها على الرب، وعلى الرحمن، وعلى (حياتك). [البحر:5/330].

في [المقتضب:2/320]: «وتقول: والله لأفعلنه، وتالله لأفعلن، وتبدل التاء من الواو ولا تدخل من المقسم به إلا في (الله) وحده، وذلك قوله: {وتالله لأكيدن أصنامكم}. وإنما امتنعت من الدخول في جميع ما دخلت فيه الباء، والواو، لأنها لم تدخل على الباء التي هي الأصل، وإنما دخلت على الواو الداخلة على

 الباء، فلذلك لم تتصرف».

2- {تالله لقد آثرك الله علينا} [12: 91].

حق الماضي المثبت الواقع جوابا للقسم أن يقترن باللام و(قد). [المغني:2/164].

3- {تالله تفتا تذكر يوسف} [12: 85]حذفت (لا) النافية من جواب القسم. [المغني:2/164].

4- {وتالله لأكيدن أصنامكم} [21: 57]في [البحر:6/321-322]: «قرأ معاذ بن جبل، وأحمد بن حنبل {بالله} بالباء بواحدة من أسفل. قال الزمخشري: فإن قلت: ما الفرق بين التاء والباء؟

قلت: إن الباء هي الأصل, والتاء بدل من الواو المبدل منها، وأن التاء فيها زيادة معنى، وهو التعجب، كأنه تعجب من تسهيل الكيد على يده وتأتيه، لأن ذلك

 كان أمرًا مقنوطًا منه لصعوبته وتعذره...

أما قوله: (إن الباء هي الأصل) إنما كانت أصلاً لأنها أوسع حروف القسم؛ إذ تدخل على الظاهر والمضمر، ويصرح بفعل القسم معها، ويحذف.

وأما أن التاء بدل من واو القسم الذي أبدل من باء القسم فشيء قاله كثير من النحويين، ولا يقوم على ذلك دليل،وقد رد هذا القول السهيلي. والذي يقتضيه النظر أنه ليس شيء منها أصلاً لآخر.

وأما قوله (إن التاء فيها زيادة معنى وهو التعجب) فنصوص النحاة أن التاء يجوز أن يكون معها تعجب ويجوز أن لا يكون، واللام هي التي يلزمها التعجب في القسم» [الكشاف:3/14].

5- {قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم} [12: 95].

6- {تالله لتسألن عما كنتم تفترون} [16: 56].

7- {تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك} [16: 63].

أخبر تعالى بإرسال الرسل إلى أمم من قبل أممك مقسمًا على ذلك ومؤكدًا بالقسم وبقد التي تقتضي تحقيق الأمر على سبيل التسلية للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم. [البحر:5/507].

8- {تالله إن كنا لفي ضلال مبين} [26: 97].

9- {قال تالله إن كدت لتردين} [37: 56].

(إن) مخففة من الثقلية، والجملة جواب القسم. [الجمل:3/532].(تالله) قسم فيه التعجب من سلامته منه، [النهر:7/359]، [البحر:ص362].[ الأنترنت – موقع - جمهرة العلوم ]

جاءت تاء القسم جارة للفظ الجلالة في القرآن، وهي مختصة به وبلفظ الرب:

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والتسعون بعد المئتين في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان : * آيات ورد فيها "تَاللهِ"

 قال تعالى : {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ }﴿٧٣ يوسف﴾

وقال : {قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضًا ﴿٨٥ يوسف﴾

وقال : {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ ﴿٩١ يوسف﴾

وقال : {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ ﴿٩١ يوسف﴾

وقال : {تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ ﴿٥٦ النحل﴾

وقال : {تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ ﴿٦٣ النحل﴾

 وقال : {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴿٩٧ الشعراء﴾

قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ ﴿٥٦ الصافات﴾

[ الأنترنت – موقع : آيات ورد فيها "تَاللهِ"]

وقال تعالى : {قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم }

   قال السعدى على الآية :

فوقع ما ظنه بهم فقالوا: { تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ } أي: لا تزال تائها في بحر الحبّ لا تدري ما تقول.

وقال طنطاوي في الوسيط :

ولكن المحيطين بيعقوب الذين قال لهم هذا القول ، لم

 يشموا ما شمه ، ولم يجدوا ما وجده ، فردوا عليه بقولهم : ( قَالُواْ تالله إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ القديم ) .

قالوا له على سبيل التسلية : إنك يا يعقوب مازلت غارقاً فى خطئك القديم الذى لا تريد أن يفارقك . وهو حبك ليوسف وأملك فى لقائه والإِكثار من ذكره .

وقال البغوى : ( قالوا ) يعني : أولاد أولاده ( تالله إنك لفي ضلالك القديم ) أي : خطئك القديم من ذكر يوسف لا تنساه ، والضلال هو الذهاب عن طريق الصواب ، فإن عندهم أن يوسف قد مات ويرون يعقوب قد لهج بذكره .

وقال ابن كثير :وقولهم : ( إنك لفي ضلالك القديم ) قال ابن عباس : لفي خطئك القديم .

وقال قتادة : أي من حب يوسف لا تنساه ولا تسلاه

 ، قالوا لوالدهم كلمة غليظة ، لم يكن ينبغي لهم أن

 يقولوها لوالدهم ، ولا لنبي الله - صلى الله عليه وسلم - وكذا قال السدي ، وغيره .

وقال القرطبى : قوله تعالى : قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم أي لفي ذهاب عن طريق الصواب . وقال ابن عباس وابن زيد : لفي خطئك الماضي من حب يوسف لا تنساه . وقال سعيد بن جبير : لفي جنونك القديم . قال الحسن : وهذا عقوق . وقال قتادة وسفيان : لفي محبتك القديمة . وقيل : إنما قالوا هذا ; لأن يوسف عندهم كان قد مات . وقيل : إن الذي قال له ذلك من بقي معه من ولده ولم يكن عندهم الخبر . وقيل : قال له ذلك من كان معه من أهله وقرابته . وقيل : بنو بنيه وكانوا صغارا .

وقال الطبرى :  القول في تأويل قوله تعالى : قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ (95)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال الذين قال لهم يعقوب من ولده إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ : تالله، أيها الرجل ، إنك من حبّ يوسف وذكره لفي خطئك وزللك القديم ، لا تنساه ، ولا تتسلى عنه

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

وقال ابن عاشور : والذين قالوا : { تالله إنك لفي ضلالك القديم } هم الحاضرون من أهله ولم يسبق ذكرهم لظهور المراد منهم وليسوا أبناءه لأنهم كانوا سائرين في طريقهم إليه .

والضلال : البُعْد عن الطريق الموصّلة . والظرفية مجاز في قوة الاتّصاف والتلبّس وأنه كتلبس المظروف بالظرف . والمعنى : أنك مستمر على التلبس بتطلب شيء من غير طريقه . أرادوا طمعه في لقاء يوسف عليه السلام . ووصفوا ذلك بالقديم لطول مدّته ، وكانت مدة غيبة يوسف عن أبيه عليهما السلام اثنتين وعشرين سنة . وكان خطابهم إياه بهذا مشتملاً على شيء من الخشونة إذ لم يكن أدب عشيرته منافياً لذلك في عرفهم .

 [ الأنترنت – موقع شبكة الفصيح- د حجي ابراهيم الزويد]إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والتسعون بعد المئتين في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*هل يجوز الحلف ب (تالله)?

الإجابــة: فلا خلاف بين الأئمة في جواز الحلف بـ (تالله) وقد ورد الحلف به في القرآن في تسعة مواضع. قال ابن قدامة في المغني: حُرُوفُ الْقَسَمِ ثَلَاثَةٌ ; الْبَاءُ، وَهِيَ الْأَصْلُ... وَالْوَاوُ، وَهِيَ بَدَلٌ مِنْ الْبَاءِ... وَالتَّاءُ بَدَلٌ مِنْ الْوَاوِ، وَتَخْتَصُّ بَاسِمٍ وَاحِدٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ - تَعَالَى، وَهُوَ (اللَّهُ)، وَلَا تَدْخُلُ عَلَى غَيْرِهِ فَيُقَالُ: تَاللَّهِ. وَلَوْ قَالَ: تَالرَّحْمَنِ، أَوْ تَالرَّحِيمِ. لَمْ يَكُنْ قَسَمًا. فَإِذَا أَقْسَمَ بِأَحَدِ هَذِهِ الْحُرُوفِ الثَّلَاثَةِ فِي مَوْضِعِهِ، كَانَ قَسَمًا صَحِيحًا ; لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لَهُ.

وفي حاشيتي قليوبي وعميرة : حُرُوفُ الْقَسَمِ عِنْدَ أَهْلِ اللِّسَانِ ثَلَاثَةٌ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ وَوَاوٌ وَتَاءٌ فَوْقَانِيَّةٌ كَبِاللَّهِ وَوَاللَّهِ وَتَاللَّهِ.

وقال ابن نجيم في البحر الرائق : حُرُوفُهُ الْبَاءُ وَالْوَاوُ وَالتَّاءُ... كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ وَبِاَللَّهِ وَتَاللَّهِ ; لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَعْهُودٌ فِي الْأَيْمَانِ وَمَذْكُورٌ فِي الْقُرْآنِ، قَالَ تَعَالَى: "فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إنَّهُ لَحَقٌّ"، وَقَالَ تَعَالَى: "تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا"... [انظر للاستزادة أسنى المطالب لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري ومنح الجليل شرح مختصر خليل لعليش. [الأنترنت – موقع إسلام ويب – المنجد ]

*الإستهزاء بالله كفر

  قال تعالى : {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ } التوبة (65) قال أبو معشر المديني عن محمد بن كعب القرظي وغيره قالوا : قال رجل من المنافقين : ما أرى قراءنا هؤلاء إلا أرغبنا بطونا ، وأكذبنا ألسنة ، وأجبننا عند اللقاء . فرفع ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاء إلى رسول الله وقد ارتحل وركب ناقته ، فقال : يا رسول الله ، إنما كنا نخوض ونلعب . فقال : ( أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ) إلى قوله : ( مجرمين ) وإن رجليه لتنسفان الحجارة وما يلتفت إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو متعلق بنسعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

وقال عبد الله بن وهب : أخبرني هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن عبد الله بن عمر قال : قال رجل في غزوة تبوك في مجلسك ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء ،أرغب بطونا،ولا أكذب ألسنا،ولا أجبن عند اللقاء،فقال رجل في المسجد: كذبت،ولكنك منافق . لأخبرن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونزل القرآن . قال عبد الله بن عمر : وأنا رأيته متعلقا بحقب ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تنكبه الحجارة وهو يقول : يا رسول الله ، إنما كنا نخوض ونلعب . ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ) .

  وقال ابن إسحاق : وقد كان جماعة من المنافقين منهم وديعة بن ثابت ، أخو بني أمية بن زيد ، من بني عمرو بن عوف ، ورجل من أشجع حليف لبني سلمة يقال له : مخشن بن حمير يشيرون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو منطلق إلى تبوك ، فقال بعضهم لبعض : أتحسبون  جلاد بني الأصفر كقتال  العرب بعضهم بعضا ؟ والله لكأنا بكم غدا مقرنين في الحبال ، إرجافا وترهيبا للمؤمنين ، فقال مخشن بن حمير : والله لوددت أني أقاضي على أن يضرب كل رجل منا مائة جلدة ، وأنا ننفلت أن ينزل فينا قرآن لمقالتكم هذه . وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - لعمار بن ياسر : أدرك القوم ، فإنهم قد احترقوا ، فسلهم عما قالوا ، فإن أنكروا فقل : بلى ، قلتم كذا وكذا . فانطلق إليهم عمار ، فقال ذلك لهم ، فأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعتذرون إليه ، فقال وديعة بن ثابت ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - واقف على راحلته ، فجعل يقول وهو آخذ بحقبها : يا رسول الله ، إنما كنا نخوض ونلعب ،  فأنزل الله - عز وجل - : { ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب }  فقال مخشن بن حمير : يا رسول الله ، قعد بي اسمي واسم أبي . فكان الذي عفي عنه في هذه الآية مخشن بن حمير ، فتسمى عبد الرحمن ، وسأل الله أن يقتل شهيدا لا يعلم بمكانه ، فقتل يوم اليمامة ، فلم يوجد له أثر.

هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والتسعون بعد المئتين في موضوع   ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *الإستهزاء بالله كفر

وقال قتادة : ( ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب ) قال : فبينما النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك ، وركب من المنافقين يسيرون بين يديه ، فقالوا : يظن هذا أن يفتح قصور الروم وحصونها . هيهات هيهات . فأطلع الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - على ما قالوا ، فقال : عليّ بهؤلاء النفر . فدعاهم ، فقال : قلتم كذا وكذا . فحلفوا ما كنا إلا نخوض ونلعب .

  وقال عكرمة في تفسير هذه الآية : كان رجل - ممن إن شاء الله عفا عنه - يقول : اللهم إني أسمع آية أنا أُعنى بها ، تقشعر منها الجلود ، وتجب منها القلوب ، اللهم فاجعل وفاتي قتيلا في سبيلك ، لا يقول أحد : أنا غُسلت ، أنا كُفنت ، أنا دُفنت ، قال : فأصيب يوم اليمامة ، فما أحد من المسلمين إلا وقد وجد غيره .

 {لاتَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ۚ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ } التوبة(66)

وقوله : ( لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ) أي : بهذا المقال الذي استهزأتم به ( إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة ) أي : لا يعفى عن جميعكم ، ولا بد من عذاب بعضكم ، ( بأنهم كانوا مجرمين ) أي : مجرمين بهذه المقالة الفاجرة الخاطئة . [الأنترنت – موقع تفسير ابن كثير ]

   وقال ابن تيمية : فى الكلام على قوله‏:‏ ‏{‏‏قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ‏} ‏[‏التوبة‏:‏65‏]‏، تدل على أن الاستهزاء بالله كفر، وبالرسول كفر، من جهة الاستهزاء بالله وحده كفر بالضرورة، فلم يكن ذكر الآيات والرسول شرطًا، فعلم أن الاستهزاء بالرسول كفر، و إلا لم يكن لذكره فائدة، وكذلك الآيات‏. ‏‏ وأيضًا، فالاستهزاء بهذه الأمور متلازم، والضالون مستخفون بتوحيد الله تعالى يعظمون دعاء غيره من الأموات، وإذا أمروا بالتوحيد ونهوا عن الشرك استخفوا به، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏‏وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا}‏‏ الآية ‏[‏الفرقان‏:‏41‏]‏، فاستهزؤوا بالرسول صلى الله عليه وسلم لما نهاهم عن الشرك، وما زال المشركون يسبون الأنبياء، ويصفونهم بالسفاهة والضلال والجنون إذا دعوهم إلى التوحيد، لما فى أنفسهم من عظيم الشرك‏.‏ وهكذا، تجد من فيه شبه منهم إذا رأى من يدعو إلى التوحيد استهزأ بذلك، لما عنده من الشرك، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏‏وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ‏} ‏[‏البقرة‏:‏ 165‏]‏، فمن أحب مخلوقًا مثل ما يحب الله فهو مشرك، ويجب الفرق بين الحب فى الله والحب مع الله‏. ‏‏ فهؤلاء الذين اتخذوا القبور أوثانًا تجدهم يستهزئون بما هو من توحيد الله وعبادته، ويعظمون ما اتخذوه من دون الله شفعاء، ويحلف أحدهم اليمين الغموس كاذبًا، ولا يجترئ أن يحلف بشيخه كاذبًا‏.‏ وكثير من طوائف متعددة ترى أحدهم يرى أن استغاثته بالشيخ إما عند قبره، أو غير قبره، أنفع له من أن يدعو الله فى المسجد عند السحر، ويستهزئ بمن يعدل عن طريقته إلى التوحيد، وكثير منهم يخربون المساجد ويعمرون المشاهد، فهل هذا إلا من استخفافهم بالله وبآياته ورسوله وتعظيمهم للشرك‏؟‏ وإذا كان لهذا وقف،ولهذا وقف ، كان وقف الشرك أعظم عندهم ، مضاهاة لمشركى العرب،الذين ذكرهم الله فى قوله‏:‏‏{‏‏وَجَعَلُواْ لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا}‏‏ الآية ‏[‏الأنعام‏:‏136‏]‏ ، فيفضلون مـا يجعل لغير الله على ما يجعل لله،ويقولون ‏:‏ الله غنى وآلهتنا فقيرة‏.‏ وهؤلاء، إذا قصد أحدهم القبر الذي يعظمه يبكى عنده، ويخشع ويتضرع ما لا يحصل له مثله فى الجمعة، والصلوات الخمس، وقيام الليل، فهل هذا إلا من حال المشركين لا الموحدين، ومثل هذا أنه إذا سمع أحدهم سماع الأبيات، حصل له من الخشوع والحضور ما لا يحصل له عند الآيات، بل يستثقلونها ويستهزئون بها، وبمن يقرؤها مما يحصل لهم به أعظم نصيب من قوله‏:‏ ‏{‏‏قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُون‏} ‏[‏التوبة‏:‏65‏]‏‏. ‏‏ والذين يجعلون دعاء الموتى أفضل من دعاء الله‏:‏ منهم من يحكي أن بعض المريدين استغاث بالله فلم يغثه، واستغاث بشيخه فأغاثه، وأن بعض المأسورين دعا الله فلم يخرجه، فدعا بعض الموتى، فجاءه فأخرجه إلى بلاد الإسلام‏.‏ وآخر قال‏:‏ قبر فلان التِرْيَاق المُجَرِّب‏. ‏ ‏ ومنهم من إذا نزل به شدة لا يدعو إلا شيخه قد لهج به كما يلهج الصبي بذكر أمه‏.‏ وقد قال تعالى للموحدين‏:‏ ‏{‏‏فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا}‏‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 200‏]‏، وقد قال شعيب‏:‏ ‏{‏‏يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللّهِ‏} ‏[‏هود‏:‏92‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏‏لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ‏} ‏[‏الحشر‏:‏ 13‏]‏‏ [ الأنترنت – موقع تفسير قوله تعالى {قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون }]

[مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء الخامس عشر]

هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والتسعون بعد المئتين في موضوع   ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*معنى كلمة اللهمّ

 (قل اللهمّ مالك الملك ، تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء وتذل من تشاء، بيدك الخير إنك على كل شئ قدير تولج الليل فى النهار وتولج النهار فى الليل وتخرج الحيّ من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب)- سورة آل عمران- الآية26-27

قال عيسي (اللهمّ ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وأرزقنا وأنت خير الرازقين)- سورة المائدة- الآية 114

(وإذ قالوا اللهمّ إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم)-سورة الأنفال-الآية  32

(دعواهم فيها سبحانك اللهمّ وتحيّتهم فيها سلام وءاخر دعواهم أن الحمدلله رب العالمين)-سورة يونس-الآية 10

(قل اللهمّ فاطر السماوات والأرض عالم الغيب

 والشهادة أنت تحكم بين عبادك فى ما كانوا فيه

 يختلفون)-سورة الزمر-الآية 46

لقد وردت كلمة (اللهمّ) فى خمس آيات فى القرآن الكريم، وقد جاءت فى أربع آيات منها بمعني التقديس لله سبحانه وتعالى، وقد إختلف العلماء فى أصلها ،

وبمراجعة الكتب السماوية السابقة نجد فى التوراة كلمة (ألوهيم) التى تعني الله، وجاء فى التفسير أنها تعبّر عن الكمال والتعدد في الطبيعة الإلهية، أو أنها جمع جلالة أو عظمة كما يخاطب الملوك، وأكثر الأشكال المستخدمة عند كتّاب العهد القديم هو الاسم الجمع “ألوهيم”.

وهى مثل كلمة (آمين) الموجودة فى اليهودية والمسيحية والإسلام، والتى تعني (ربنا أجب دعائنا).

ومن الملاحظ أيضا أن كلمة (اللهم ) ليست للدعاء،

 فكلمة (ربنا) أو (ربي)  هى التى أستخدمت فى القرآن للدعاء مثل:(ربنا لا تؤاخذناإن نسينا أو أخطأنا، ربنا ولاتحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ) ، ( ربى أغفر لى ولوالدى ولمن دخل بيتى مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا ) ، (رب اجعلنى مقيم الصلاة ومن ذريتى ربنا وتقبل دعاء.) ( ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ) (ربنا أفتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين) (رب اشرح لى صدرى ويسّر لى أمرى وأحلل عقدة من لسانى يفقهوا قولى ) ...

حتى عيسي عليه السلام عندما طلب المائدة من السماء دعا الله بـ(ربنا) بعد (اللهمّ) (اللهمّ ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون عيدا لنا لأولنا وآخرنا)

ولذا يمكن للمسلم عند الدعاء القول (اللهمّ ربنا …) ولكن الكفّار المستهزئين إستخدموا كلمة (اللهمّ) عند الدعاء (وإذ قالوا اللهمّ إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم)،

ولم يقولوا (ربنا إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء) ، لماذا؟ لأن كلمة (ربنا) إقرار للعبودية من الفرد أو الجماعة لله تعالى،وهم غير مؤمنين ، لذا كانت سخريتهم أن قالوا (اللهمّ) أى كما يدعي المؤمنون أنك كامل الصفات عديد القدرات فأفعل لنا كذا وكذا !!..

ولكن يوم القيامة فإن دعاء أهل الجنة (سبحانك اللهم) وأيضا ب(سبحانك ربنا).

ودعاء أهل النار ب(ربنا) لأنهم صاروا على يقين بحقيقة

 الرسالات وإنذار الرسل والكتب. {وَقَالُوا (رَبَّنَا) إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا، (رَبَّنَا) آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68)}

  [الأنترنت – موقع معنى كلمة اللهمّ ]

وقال الحسن البصري «اللهم» مجمع الدعاء.

وقال أبو رجاء العطاردي: إن الميم في قوله «اللهم» فيها تسعة وتسعون اسما من أسماء الله تعالى.

وقال النضر بن شميل: من قال «اللهم» فقد دعا الله بجميع أسمائه. وقد وجه طائفة هذا القول بأن الميم هنا بمنزلة الواو الدالة على الجمع، فإنها من مخرجها. فكأن الداعي بها يقول: يا الله الذي اجتمعت له الأسماء الحسنى، والصفات العليا، ولذلك شددت لتكون عوضا عن علامة الجمع.

وهي الواو والنون في «مسلمون» ونحوه.

وعلى الطريقة التي ذكرناها وهي أن نفس الميم دالة على الجمع لا يحتاج إلى هذا.

[التفسير القيم لابن القيم (سورة آل عمران الآية 26) الأنترنت – موقع التصفية والتربية السلفية – صبري عادل الجزائري]

*وهل اللهم  إسم من أسماء الله عز وجل ؟

بل هو ذاته لفظ الجلالة (الله) ولكن باختلاف صيغة النداء، فبدل أن تقول : (يا الله) حذفت (يا) النداء واستعيض عنها بميم مشددة، لتصبح (اللهم). ولهذا فلا يصح أن تقول : (يا اللهم اغفر لي) ولكن قل (يا الله اغفر لي) أو قل (اللهم اغفر لي).[أنظر : لسان العرب لابن منظور، حرف الألف، مادة أله. الأنترنت – موقع كل السلفيين - أبو يزن أشرف بن تيسير الحديدي  ]

هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والتسعون بعد المئتين في موضوع   ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*تفسير قول الله تعالى: {الحمد لله رب العالمين . الرحمن الرحيم }

هذه الآيات الثلاث حمدٌ لله تعالى وثناء عليه وتمجيد له، كما في صحيح مسلم وغيره من حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: {الحمد لله رب العالمين}، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: {الرحمن الرحيم} ، قال الله تعالى: أثنى علي عبدي، وإذا قال: {مالك يوم

 الدين}، قال: مجدني عبدي...). الحديث.

فهذه الآيات الثلاث من القسم الذي جعله الله تعالى له من صلاة العبد لربّه بفاتحة الكتاب.

فهو حمدٌ لله تعالى بما حمد به نفسه، وثناء عليه بتكرير ذكر أسمائه وصفاته، وتمجيد له بتكرير الثناء عليه بما صف به نفسه من الصفات الجامعة لمعاني المجد والعظمة.

تفسير قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)}

معنى {الحمد لله}

الحمد هو ذكر محاسن المحمود عن رضا ومحبة.

والتعريف في الحمد له معنيان:

المعنى الأول: استغراق الجنس، أي كلّ حمد فالله هو

 المستحقّ له، فكلّ ما في الكون مما يستحقّ الحمد؛

 فإنما الحمد فيه لله تعالى حقيقة لأنه إنما كان منه وبه.

والمعنى الثاني: التمام والكمال، أي الحمد التامّ الكامل من كلّ وجه وبكلّ اعتبار لله تعالى وحده؛ فهو المختصّ به؛ فالله تعالى لا يكون إلا محموداً على كلّ حال، وفي كلّ وقت، ومن كلّ وجه، وبكلّ اعتبار.

- فهو تعالى محمود على كلّ ما اتّصف به من صفات الكمال والجلال والجمال.

- وهو محمود في جميع أمره.

- وهو محمود على كلّ ما خلق وقضى وقدّر.

فملأ حمدُه تعالى كلَّ شيء؛ {وإن من شيء إلا يُسبّح بحمده}.

والله تعالى له الحمد بالمعنيين كليهما.

والفرق بين معنَيَيِ التعريف في الحمد: أن المعنى الأول

 يشتمل على أنواع كثيرة؛ فمنها ما يختص بالله تعالى، ومنها ما يقع اسم الحمد فيه على بعض ما يُحمد به بعض خلقه، ومن ذلك ما يُحمد به بعضهم على ما جبَلَهم الله عليه من صفات حسنة، وعلى ما وفَّقهم إليه من أعمال خير وإحسان، فحَمْدُهم إنما هو بسبب حمده تعالى، وهو أثر من آثاره، وهذا نظير ما يتّصف به بعض المخلوقين من العلم والرحمة والحكمة وغير ذلك؛ فكلّ ما اتصفوا به من هذه الصفات فهو من آثار علم الله ورحمته وحكمته، ويقال في سائر المعاني التي تطلق ألفاظها على الربّ تعالى وعلى بعض خلقه مثل ذلك.

وقد سمَّى الله تعالى نبيّه محمَّداً صلى الله عليه وسلم بهذا الاسم، لكثرة الصفات التي يُحمد عليها، فاتّصاف بعض المخلوقين بكونهم محمودين على بعض صفاتهم وأفعالهم هو كمثل اتّصافهم بالرحمة والعلم ونحوهما؛ يكون للمخلوقين من ذلك ما يُناسبهم، لكن نسبة حمدهم إلى حمده جلَّ وعلا كنسبة علمهم إلى علمه، ورحمتهم إلى رحمته.

فعلى المعنى الأول كلّ حمدٍ حقيقته أنه لله تعالى لأنه هو المانّ به، وهو من آثار حمده، فما أَعْطَى أحدٌ من خلقهِ شيئاً يُحمدُ عليه إلا مما أعطاه الله، ولا اتّصف أحدٌ من خلق الله بصفة يُحمد عليها إلا لأنَّ الله تعالى هو الذي جبله عليها وخلقه على تلك الصفة، ووفّقه لما اتصف به من السجايا والأخلاق الحميدة.

هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والتسعون بعد المئتين في موضوع   ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي

 بعنوان : *تفسير قول الله تعالى: {الحمد لله رب العالمين . الرحمن الرحيم }

وأمّا الحمد على المعنى الثاني فهو مختصٌّ بالله تعالى لا يُطلق على غيره؛ لأنَّ معناه الحمد التامّ المطلق الذي لا يشوبه نقص ولا انقطاع، ولا تخلو منه ذرَّة من ذرَّات الكون؛ وقد قال الله تعالى: {وإن من شيء إلا يسبّح بحمده}، واقتران التسبيح بالحمد؛ لإفادة معنى التعظيم

والتنزيه مع الحمد المشتمل على الحبّ والرضا.

فائدة: في أنواع التعريف بـ(ال).

ومما ينبغي لطالب علم التفسير معرفته أن التعريف

 بـ(ال) يرد لمعانٍ متعددة:

1. منها استغراق الجنس كما في قول الله تعالى: {إن الإنسان لفي خسر} أي: كلّ إنسان.

2. ومنها: الكمال والتمام كما في قول الله تعالى: {أولئك هم المؤمنون حقاً} وقوله: {لن تنالوا البرّ حتى تنفقوا مما تحبون}.

3. ومنها: الأولوية، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الحمو الموت» ، وقوله: «ليس المسكين الذي يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن به، فيتصدق عليه ولا يقوم فيسأل الناس».

4. ومنها: العهد، والمراد به ما يعهده المخاطَب ويعرفه، وهو على ثلاثة أنواع:

أ: عهد حضوري، نحو: {ولا تقربا هذه الشجرة} فهي شجرة يعهدها آدم ويعرفها بمقتضى الإشارة إليها.

ب: وعهد ذِكْري: نحو: {كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً . فعصى فرعون الرسول} أي الرسول الذي ذُكر في الآية التي قبلها.

ج: وعهد ذهني: وهو ما يعهده المخاطب في ذهنه لظهور العلم به نحو: {إن الذين جاؤوا بالإفك} المراد به القصة التي عرفوها فهي معهودة لهم في أذهانهم.

ومعرفة هذه الأنواع من مهمّات ما يحتاجه طالب علم التفسير، وكثيرا ما يكون مرجع الاختلاف بين أقوال المفسرين لاختلافهم في معنى التعريف.

ويقع بين هذه المعاني شيء من التداخل في بعض

 الأمثلة، ولها تفاصيل وأحكام تُبحث في علم أصول

 التفسير، وعلم معاني الحروف.

معنى اللام في قوله تعالى: {لله}

اللام هنا للاختصاص على الراجح من أقوال أهل العلم؛ لأنَّ الحمدَ معنىً أُسند إلى ذاتٍ؛ لكن مما تحسن معرفته أن الاختصاص يقع على معنيين:

أحدهما: ما يقتضي الحصر، كما تقول: "الجنة للمؤمنين" أي لا يدخلها غيرهم. والآخر: ما يقع على معنى الأولوية والأحقية، كما يقال: الفضل للمتقدّم، أي هو أولى به وأحقّ.

إذا تبيّن لك الفرق بين هذين المعنيين؛ فاعلم أنهما يتواردان على المعنيين المذكورين للحمد

آنفاً؛ فإذا أريد المعنى الأول للحمد؛ فالاختصاص يفيد معنى الأولوية والأحقية.

وإذا أريد المعنى الثاني للحمد فالاختصاص يفيد معنى الحصر.

هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والتسعون بعد المئتين في موضوع   ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي

 بعنوان : *تفسير قول الله تعالى: {الحمد لله رب العالمين . الرحمن الرحيم } (الفرق بين الحمد والشكر)

فالفرق بين الحمد والشكر أنّ الحمد أعمّ من وجه، والشكر أعمّ من وجه آخر.

- فالحمد أعمّ؛ باعتبار أنه يكون على ما أحسن به المحمود، وعلى ما اتّصف به من صفات حسنة يُحمد عليها، والشكر أخصّ لأنه في مجازاة مقابل النعمة والإحسان.

- والشكر أعمّ من الحمد باعتبار أنّ الحمد يكون بالقلب واللسان، والشكر يكون بالقلب واللسان والعمل؛ كما قال الله تعالى: {اعملوا آل داوود شكرا}.

وقد قال بهذا التفريق شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم في مواضع من كتبهما، ومن أجمع العبارات في ذلك قول ابن القيّم رحمه الله في مدارج السالكين: (والفرق بينهما: أن الشكر أعم من جهة أنواعه وأسبابه، وأخص من جهة متعلقاته. والحمد أعم من جهة المتعلقات، وأخص من جهة الأسباب.

ومعنى هذا: أن الشكر يكون بالقلب خضوعا واستكانة، وباللسان ثناء واعترافا، وبالجوارح طاعة وانقيادا. ومتعلقه: النعم، دون الأوصاف الذاتية، فلا يقال: شكرنا الله على حياته وسمعه وبصره وعلمه. وهو المحمود عليها.كما هو محمود على إحسانه وعدله، والشكر يكون على الإحسان والنعم.

فكل ما يتعلق به الشكر يتعلق به الحمد من غير عكس وكل ما يقع به الحمد يقع به الشكر من غير عكس. فإن الشكر يقع بالجوارح. والحمد يقع بالقلب واللسان) ا.هـ.

وقد ذهب ابن جرير الطبري والمبرّد وجماعة من أهل العلم إلى أن الحمد يطلق في موضع الشكر، والشكر يطلق في موضع الحمد، وأنه لا فرق بينهما في ذلك.

وهذا القول إنما يصحّ فيما يشترك فيه الحمد والشكر؛

 وهو ما يكون بالقلب واللسان في مقابل الإحسان؛

 فليُتنبَّه إلى ذلك.

الفرق بين الحمد والمدح

وبين الحمد والمدح عموم وخصوص أيضاً:

- فالمدح أعمّ من الحمد؛ باعتبار أن الحمد إنما يكون عن رضا ومحبة، والمدح لا يقتضي أن يكون كذلك؛ بل قد يمدح المرء من لا يحبّه طمعاً في نوال خيره أو كفّ شرّه.

وباعتبار آخر: وهو أن الحمد لا يكون إلا على اعتقاد حسن صفات المحمود أو إحسانه، والمدح قد يكون مدحاً على ما ليس بحسن؛ كما يمدح أهل الباطل بعض المفسدين بإفسادهم مع أن أمرهم غير محمود.

- والحمد أعمّ من المدح باعتبار أن المدح إنما يكون باللسان، والحمد يكون بالقلب واللسان.

فهذه خلاصة ما قيل في التفريق بين المدح والحمد، وقد قيل في هذه المسألة أقوال أخرى فيها نظر، بل بعضها خطأ محض فأعرضت عنها.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثلاثمئة في موضوع   ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي

 بعنوان : *تفسير قول الله تعالى: {الحمد لله رب العالمين . الرحمن الرحيم } الفرق بين الحمد والثناء

والفرق بين الحمد والثناء من وجهين:

الأول: أن الثناء هو تكرير الحمد وتثنيته، ولذلك جاء

 في الحديث المتقدّم: (فإذا قال العبد: {الحمد لله رب

 العالمين}، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال:

 {الرحمن الرحيم} ، قال الله تعالى: أثنى علي عبدي..).

والتمجيد هو كثرة ذكر صفات المحمود على جهة التعظيم.

ولذلك قال في الحديث: (وإذا قال: {مالك يوم الدين}، قال: مجدني عبدي).

والوجه الثاني: أن الحمد لا يكون إلا على الحُسْن والإحسان، والثناء يكون على الخير وعلى الشر، كما في الصحيحين من حديث عبد العزيز بن صهيب، قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه، يقول: مروا بجنازة، فأثنوا عليها خيرا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «وجبت» ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرا، فقال: «وجبت».

فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما وجبت؟

قال: «هذا أثنيتم عليه خيرا، فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرا، فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض».

معنى (الرَّبّ) هو الجامع لجميع معاني الربوبية من الخلق والرزق والملك والتدبير والإصلاح والرعاية...، فلفظ الربّ يطلق على هذه المعاني في لسان العرب إطلاقاً صحيحاً، وشواهد هذه المعاني مبثوثة في معاجم اللغة، ودلائل النصوص عليها ظاهرة بيّنة.

أنواع الربوبية: ربوبية الله تعالى لخلقه على نوعين:

النوع الأول: ربوبية عامة بالخلق والملك والإنعام والتدبير، وهذه عامة لكل المخلوقات.

والنوع الثاني: ربوبية خاصة لأوليائه جل وعلا بالتربية

 الخاصة والهدايةوالإصلاح والنصرةوالتوفيق والتسديد  والحفظ. والله تعالى هو الرب بهذه الاعتبارات كلها.

معنى (العالمين) : العالمون جمع عالَم، وهو اسم جمعٍ لا واحد له من لفظه، يشمل أفراداً كثيرة يجمعها صِنْفٌ واحد.

فالإنس عالَم، والجنّ عالَم، وكلّ صنف من الحيوانات عالَم، وكلّ صنف من النباتات عالم، إلى غير ذلك مما لا يحصيه إلا الله تعالى من عوالم الأفلاك والملائكة والجبال والرياح والسحاب والمياه، وغيرها من العوالم الكثيرة والعجيبة.

قال تعالى: { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ}.فكلُّ أمَّة من هذه الأمم عالَم.

قال ابن جرير: "والعالمون جمع عالمٍ، والعالم جمعٌ لا واحد له من لفظه، كالأنام والرّهط والجيش ونحو ذلك من الأسماء الّتي هي موضوعاتٌ على جماعٍ لا واحد له من لفظه) ا.هـ.

ثمَّ كلُّ صنفٍ من هذه العوالم ينقسم إلى عوالَم في كلّ قرن؛ فأهل كلّ قرن من ذلك الصنف عالَم كما قال الله تعالى: {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ}

قال ابن كثير: (والعالم جمعٌ لا واحد له من لفظه، والعوالم أصناف المخلوقات في السّماوات والأرض في البرّ والبحر، وكلّ قرنٍ منها وجيلٍ يسمّى عالمًا أيضًا)

معنى {ربّ العالمين}  وربوبيّة الله تعالى للعالمين ربوبيّة عامّة على ما تقدّم بيانه من معاني الربوبية. - فهو تعالى {ربّ العالمين} الذي خلق العوالم كلَّها كبيرها وصغيرها على كثرتها وتنوعها وتعاقب أجيالها.

وفي هذه العوالم أممٌ لا يحصيها إلا من خلقها، وفي كل مخلوق من هذه المخلوقات دقائق وعجائب في تفاصيل خلقه تبهر العقول، أنشأها {ربّ العالمين} من العدم على غير مثال سابق؛ فيستدل المتفكّر في شأنها بما تبيَّن له من تلك العجائب على حكمة خالقها جل وعلا وسعة علمه، وعظيم قدرته، فتبارك الله رب العالمين.

- وهو ربُّ العالمين المالك لكلِّ تلك العوالم فلا يخرج شيء منها عن ملكه، وهو الذي يملك بقاءها وفناءها، وحركاتها وسكناتها، فيبقيها متى شاء، ويفنيها إذا شاء، ويعيدها إذا شاء.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة بعد الثلاثمئة  في موضوع   ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي

 بعنوان : *تفسير قول الله تعالى: {الحمد لله رب العالمين . الرحمن الرحيم }

- وهو ربّ العالمين الذي دبَّر أمرها، وسيّر نظامها، وقدّر أقدارها، وساق أرزاقها، وأعطى كلّ شيء خلقه ثمّ هدى.

- وهو ربّ العالمين الذي له الملك المطلق والتصرّف التامّ، فما يقضيه فيها نافذ لا مردّ له، وما يريده بإحدٍ من خلقه من نفع أو ضرّفلاحائل بينه وبينه،بل لا تملك جميع المخلوقات لنفسها نفعاً ولا ضراً إلا بإذنه جل وعلا

- وهو ربّ العالمين الذي لا غنى للعالمين عنه، ولا

 صلاح لشؤونهم إلا به، كلّ نعمة ينعمون بها فإنما هي من فضله وعطائه، وكلّ سلامة من شرّ وضرٍّ فإنما هي بحفظه ورعايته وإذنه، فهم الفقراء إليه فقراً دائماً متّصلاً، وهو الغنّي الحميد.

- وهو ربّ العالمين الذي دلّت ربوبيّته للعالمين على كثير من أسمائه الحسنى وصفاته العليا، فلا يرتاب الموفَّق في بديع خلقه، وعجائب حكمته، وسَعَة مُلْكه، وشدّة قوّته، وتمام غناه، وعظمة مجده، وإحاطته بكل شيء، وقدرته على كلّ شيء، إلى غير ذلك من الصفات التي يدلّ عليها التفكّر في خلق الله تعالى وربوبيّته للعالمين.

- وهو تعالى {ربّ العالمين} المستحقّ لأن يعبدوه وحده لا شريك له، وأن لا يجعلوا معه إلهاً آخر، كما أنهم لم يكن لهم ربٌّ سواه، ولهذا قال تعالى: {اعْبُدُوا رَبَّكُمُ } ؛ فاحتجّ على توحيد العبادة باسم الربوبية.

والمقصود أنّ تأمُّلَ معاني الربوبية والتفكر في آثارها في الخلق والأمر يورث اليقين بوجوب التوحيد، وأنَّ العالم لا صلاح له إلا بأن يكون ربه واحدا، كما قال تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} وقال: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ}.

أقوال العلماء في المراد بالعالمين:

كان ما تقدّم من التفسير مبناه على اعتماد القول

الراجح، إلا أنه ينبغي لطالب علم التفسير أن يكون على

 معرفة بأقوال العلماء في هذه المسألة، وأن يعرف

سبب الاختلاف، ومآخذ الأقوال وحججها وأحكامها.

ومن ذلك أن المفسّرين اختلفوا في المراد بالعالمين في هذه الآية على أقوال كثيرة أشهرها قولان صحيحان:

القول الأول: المراد جميع العالَمين، على ما تقدّم شرحه، وهو قول أبي العالية الرياحي، وقتادة، وتبيع الحميري، وقال به جمهور المفسّرين.

والقول الثاني: المراد بالعالمين في هذه الآية: الإنس والجنّ، وهذا القول مشتهر عن ابن عباس رضي الله عنهما وأصحابه سعيد بن جبير، ومجاهد بن جبر، وعكرمة، وروي أيضاً عن ابن جريج.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية بعد الثلاثمئة في موضوع   ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي

 بعنوان : *تفسير قول الله تعالى: {الحمد لله رب العالمين . الرحمن الرحيم }

*الفرق بين الرب والإله في المعنى

 - فالاسم الأول - الإله - يتضمن غاية العبد ومصيره ومنتهاه وما خلق له وما فيه صلاحه وكماله وهو عبادة الله والاسم الثاني – الرب - يتضمن خلق العبد ومبتداه وهو أنه يربه ويتولاه مع أن الثاني يدخل في الأول دخول الربوبية في الإلهية والربوبية تستلزم الألوهية أيضا والاسم الرحمن يتضمن كمال التعليقين وبوصف الحالين فيه تتم سعادته في دنياه وأخراه ولهذا قال تعالى: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ }[الرعد:30] فذكر هنا الأسماء الثلاثة وربي والإله وقال: عليه توكلت وإليه متاب كما ذكر الأسماء الثلاثة في أم القرآن لكن بدأ هناك باسم الله ولهذا بدأ في السورة بإياك نعبد فقدم الاسم وما يتعلق به من العبادة لأن (الرب) هو : القادر، الخالق، البارئ، المصور، الحي، القيوم، العليم، السميع، البصير، المحسن، المنعم، الجواد، المعطي، المانع، الضار، النافع، المقدم، المؤخر، الذي يضل من يشاء، ويهدي من يشاء، ويسعد من يشاء، ويشقي ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، إلى غير ذلك من معاني ربوبيته التي له منها ما يستحقه من الأسماء الحسنى .  

- اسم الله أدل على مقصود العبادة التي لها خُلق الخلق

ففاتحة دعوة الرسل الأمر بالعبادة قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }[البقرة: 21] وقال صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله) وذلك يتضمن الإقرار به وعبادته وحده فإن الإله هو المعبود ولم يقل حتى يشهدوا أن لا رب إلا الله فإن اسم الله أدل على مقصود العبادة له التي لها خلق الخلق وبها أمروا 

- اسم الرب أحق بحال الاستعانة والمسألة

والرب هو المربي الخالق الرازق الناصر الهادي وهذا الاسم أحق باسم الاستعانة والمسألة ولهذا يقال: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ [نوح:28]، {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ }[الأعراف:23]، {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي }[القصص:16]، {ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا} [آل عمران:147]، {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا }[البقرة:286] فعامة المسألة والاستعانة المشروعة باسم الرب 

- إقرار الخلق بالله من جهة ربوبيته أسبق من إقرارهم به من جهة ألوهيته:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ولما كان علم النفوس بحاجتهم وفقرهم إلى الرب قبل علمهم بحاجتهم وفقرهم إلى الإله المعبود وقصدهم لدفع حاجاتهم العاجلة قبل الآجلة كان إقرارهم بالله من جهة ربوبيته أسبق من إقرارهم به من جهة ألوهيته وكان الدعاء له والاستعانة به والتوكل عليه فيهم أكثر من العبادة له والإنابة إليه ولهذا إنما بعث الرسل يدعونهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له الذي هو المقصود المستلزم للإقرار بالربوبية وقد أخبر عنهم أنهم لئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله وأنهم إذا مسهم الضر ضل من يدعون إلا إياه وقال وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فأخبر أنهم مُقرون بربوبيته وأنهم مخلصون له الدين إذا مسهم الضرفي دعائهم واستعانتهم ثم يعرضون عن عبادته في حال حصول أغراضهم وكثير من المتكلمين إنما يقررون الوحدانية من جهة الربوبية وأما الرسل فهم دعوا إليها من جهة الألوهية وكذلك كثير من المتصوفة المتعبدة وأرباب الأحوال إنما توجههم إلى الله من جهة ربوبيته لما يمدهم به في الباطن من الأحوال التي بها يتصرفون وهؤلاء من جنس الملوك وقد ذم الله عز وجل في القرآن هذا الصنف كثيرا فتدبر هذا فإنه تنكشف به أحوال قوم يتكلمون في الحقائق ويعملون عليها وهم لعمري في نوع من الحقائق الكونية القدرية الربوبية لا في الحقائق الدينية الشرعية الإلهية وقد تكلمت على هذا المعنى في مواضع متعددة وهو أصل عظيم يجب الاعتناء به والله سبحانه أعلم   [الأنترنت – موقع الدرر السنية ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة بعد الثلاثمئة في موضوع   ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي

 بعنوان :*الفرق بين كلمة (الله)،وكلمة (ربالعالمين)  في قوله تعالى: {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَم }

   لماذا أكثر أدعية السنة مصدرة بكلمة اللهم ونحو ذلك، وأكثر أدعية القرآن مصدرة بكلمة ربي ونحو ذلك؟

الفرق بين كلمة (الله)، وكلمة (رب العالمين) في قوله تعالى: {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }

وملخص ذلك أن أدعية الأنبياء في القرآن الكريم أكثرها توسل بالربوبية وحدها،  ويندر خلاف ذلك.

وإذا راجعنا أدعية السنة من كتاب الدعوات في صحيح البخاري،أو كتاب صفة صلاة النبي  للألباني ،

أو غير ذلك من كتب السنة الصحيحة، سنجدها

 على العكس من أدعية القرآن،  وهي كالآتي:

1- أغلب هذه الأدعية مصدرة بكلمة (اللهم)، أو نحو ذلك مما هو توسل بالألوهية وحدها.

2- وبعضها توسل بالألوهية والربوبية معا، في نحو: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي) في صحيح البخاري قال: كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقول في ركوعهِ وسجودهِ: ( سبحانك اللهم ربَّنا وبحمدِك، اللهم اغفرْ لي)

أو في سيد الاستغفار: (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت ...) في صحيح البخاري قال: قال رسول الله : (سيِّدُ الاستغفارِ: اللَّهمَّ أنتَ ربِّي ، لا إلَهَ إلَّا أنتَ ، خَلقتَني وأَنا عبدُكَ...)، وغير ذلك، ولكن هذا القسم أقل من القسم الأول.

3-ويندر أن يكون الدعاء في السنة توسل بالربوبية

 وحدها، في نحو: (باسمك ربي وضعت جنبي)) ،

  في صحيح البخاري قال: قال رسول الله : (إذا أوى

 أحدُكُم إلى فِراشِهِ ... ثمَّ يقولُ : باسمِكَ ربِّي وَضعتُ جَنبي وبِكَ أرفعُهُ ...) وذلك كله على العكس من أدعية القرآن.

وكذلك، فأدعية التنزيه والتعظيم التي تخلو من سؤال أكثرها توسل بالألوهية وحدها، مثل: (الحمدُ للهِ)، و(سبحانَ اللهِ)، و(لا إلهَ إلَّا اللهُ)، و(الله أكبر) في صحيح الجامع للألباني قال: قال رسول الله : (أحَبُّ الكلامِ إلى اللهِ تعالَى أربعٌ : سُبحانَ اللهِ، و الحمدُ للهِ، ولا إلهَ إلَّا اللهُ، واللهُ أكبَرُ، و لا يَضرُّكَ بِأيِّهِنَّ بدأْتَ)

والسبب في ذلك:أن الألوهية أعم من الربوبية، فتوحيد الألوهية متضمن لتوحيد الربوبية وليس العكس .

أجاب الشيخ العثيمين عن سؤال يقول: (كيف كانت "لا إله إلا الله" مشتملة على جميع أنواع التوحيد؟)، وكان في جوابه:  توحيد الألوهية متضمن لتوحيد الربوبية، أما الربوبية تستوجب وتستلزم الألوهية ولكن لا تتضمنها.

وبيان ذلك أنك إذا قلت سبحان الله أكمل من أن تقول سبحان ربي، لأن لفظ الجلالة الله يتضمن استحقاقه للعبادة وحده، ويتضمن كذلك الاعتراف بتفرده بالملك والأمر والخلق. فإن قال قائل نحن نقول في أدعية السجود والركوع والرفع من الركوع: (سبحان ربي العظيم)، و(ربنا لك الحمد)،  و(سبحان ربي الأعلى)  في صحيح مسلم قال: عن حذيفة بن اليمان قال: صلَّيتُ مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذاتَ ليلةٍ ... ثم ركع فجعل يقول " سبحانَ ربيَ العظيمِ " فكان ركوعُه نحوًا من قيامِه ... ثم سجد فقال " سبحان ربيَ الأعلى ... وفي حديثِ جريرٍ من الزيادةِ : فقال " سمع اللهُ لمن حمده . ربَّنا لك الحمدُ " . ونحو ذلك.

نقول والله أعلم، أن (ربنا لك الحمد) مقام شكر، وقولنا: (اللهم ربنا لك الحمد)، مقام شكر ومدح، وكلاهما ثابت وصحيح، فالأول شكر على النعم التي أنعم الله علينا،  أما الثاني مدح وشكر للنعم وللصفات الأزلية والفعلية جميعا، كما مر معنا

أما قولنا سبحان ربي العظيم، وسبحان ربي الأعلى، فهذا من باب الجمع بين الألوهية والربوبية، فاسم الله العظيم والأعلى متضمنان مقام الألوهية، لأن العظيم والأعلى ليس في أفعاله فقط، بل في ذاته وصفاته وأفعاله جميعا. فإن قال قائل كيف يكون الأكمل مقام الألوهية،والأنبياء أكثر دعوتهم كانت بألفاظ: (ربي)، و(ربنا)، ونحو ذلك. نقول: إن الأفضل لمن كانت حاله تطابق الأحوال التي حكاها القرآن عن الأنبياء، الأفضل له أن يهتدي بهديهم، فالتائب من المعصية يقول كما قال آدم ، والذي يريد الولد يقول كما قال زكريا ، وعلى هذا فقس.وكل طلب له أسباب معلومة لتحصيله، فالأفضل فيه أن نتوسل فيه بالربوبية فقط، لأن أكثر الحاجات التي يطلبها السائلون لها أسباب يربي بها ربنا عباده، فناسب أن نسأله

أن ييسر لنا الأسباب لصلاح أحوالنا.

أما أدعية السنة فأكثرها بألفاظ الألوهية؛

لأن الرسول الكريم معلم لأمة كاملة ولأحوال كثيرة،

 فناسب أن يدعو بالأعم، فيشمل مقامات الألوهية والربوبية معا.

أما هنا في قوله تعالى: (الحمد لله رب العالمين) فنحن نعظم العظيم،ثم نسأل فنقول: اهدنا الصراط المستقيم نطلب الهداية فنتوسل بالألوهية والربوبية معا، فالهداية إذا كانت هداية توفيق فهي من الله وحده، يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، فناسب أن يدعو بالألوهية، وإذا كانت هداية إرشاد فمن أسبابها اتباع الكتاب والسنة وأقوال العلماء الربانين وغير ذلك، فناسب أن يدعو بالربوبية.وعلى هذا فنحن في الفاتحة نسأل الهداية بنوعيها : هداية التوفيق وهداية الإرشاد [الأنترنت – موقع ملتقى أهل التفسير- المعتزبالله محمد ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة بعد الثلاثمئة في موضوع   ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

* ذكر الله بالاسم المفرد (الله) أو بالضمير(هو)      من بدع الصوفية

لا شك في بدعية ذكر الله تعالى باسمه المفرد - الله - وأشد منه ذكره باسمه المضمر - هو - ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

وأما الاسم المفرد مظهراً أو مضمراً : فليس بكلام تام ، ولا جملة مفيدة ، ولا يتعلق به إيمان ولا كفر ولا أمر ولا نهي ولم يذكر ذلك أحدٌ مِن سلف الأمة ، ولا شَرعَ ذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يعطي القلب بنفسه معرفة مفيدة ، ولا حالاً نافعاً ، وإنما يعطيه تصوراً مطلقاً لا يُحكم عليه بنفي ولا إثبات فإن لم يقترن به من معرفة القلب وحاله ما يفيد بنفسه وإلا لم يكن فيه فائدة ، والشريعة إنما تُشرع من الأذكار ما يفيد بنفسه لا ما تكون الفائدة حاصلة بغيره . وقد وقع بعض من واظب على هذا الذكر في فنونٍ مِن الإلحاد ، وأنواع مِن الاتحاد كما قد بسط في غير هذا الموضع .

وما يُذكر عن بعض الشيوخ مِن أنه قال : أخاف أن أموت بين النفي والإثبات ! : حالٌ لا يُقتدى فيها بصاحبها فإن في ذلك من الغلط ما لا خفاء به ، إذ لو مات العبد في هذه الحال لم يمت إلا على ما قصده ونواه إذ الأعمال بالنيات ، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتلقين الميت لا إله إلا اله الله ، وقال :"مَن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة " ، ولو كان ما ذكره محذوراً لم يلقَّن الميت كلمة يخاف أن يموت في أثنائها موتاً غير محمودٍ بل كان يلقَّن ما اختاره من ذكر الاسم المفرد .

والذكر بالاسم المضمر المفرد أبعد عن السنَّة ، وأدخل في البدعة ، وأقرب إلى إضلال الشيطان ، فإن من

 قال " يا هو يا هو " أو " هو هو " ونحو ذلك : لم يكن الضمير عائداً إلا إلى ما يصوِّره قلبُه ، والقلب قد يهتدي وقد يضل ….

 ثم كثيراً ما يَذكر بعض الشيوخ أنه يحتج على قول القائل " الله " بقوله { قل الله ثم ذرهم } ويظن أن الله أمر نبيَّه بأن يقول الاسم المفرد ، وهذا غلط باتفاق أهل العلم فإن قوله { قل الله } معناه : الله الذي أنزل الكتاب الذي جاء به موسى وهو جواب لقوله { قل مَن أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نوراً وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيراً وعُلِّمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله } أي : الله الذي أنزل الكتاب الذي جاء به موسى ، ردَّ بذلك قول من قال " ما أنزل الله على بشر من شيء " فقال : من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى ؟ ثم قال : قل الله أنزله ثم ذر هؤلاء المكذبين في خوضهم يلعبون .

ومما يبين ما تقدم ما ذكره سيبويه وغيره من أئمة النحو أن العرب يحكون بالقول ما كان كلاما لا يحكون به ما كان قولاً فالقول لا يحكى به إلا كلام تام أو جملة اسمية أو فعلية ولهذا يكسرون " أن " إذا جاءت بعد القول فالقول لا يحكى به اسم والله تعالى لا يأمر أحداً بذكر اسم مفرد ولا شرع للمسلمين اسماً مفرداً مجرداً ، والاسم المجرد لا يفيد الإيمان باتفاق أهل الإسلام ولا يؤمر به في شيء من العبادات ولا في شيء من المخاطبات . [ مجموع الفتاوى " ( 10 / 226 - 229 ) .]

وقال - رحمه الله - أيضاً : فأما الاسم المفرد مظهرا مثل " الله ، الله " أو مضمراً مثل " هو ، هو " : فهذا ليس بمشروع في كتاب ولا سنَّة ولا هو مأثور أيضاً عن أحد مِن سلف الأمة ولا عن أعيان الأمة المقتدى بهم وإنما لهج به قوم من ضلال المتأخرين .

وربما اتبعوا فيه حالَ شيخ مغلوب فيه مثلما يروى عن الشبلي أنه كان يقول " الله ، الله " فقيل له : لم لا تقول لا إله إلا الله ؟ فقال : أخاف أن أموت بين النفي والإثبات ! . وهذه مِن زلات الشبلي التي تُغفر له لصدق إيمانه وقوة وجْده وغلبة الحال عليه ؛ فإنه كان ربما يجنُّ ، ويُذهب به إلى المارستان ، ويَحلق لحيته ، وله أشياء من هذا النمط التي لا يجوز الاقتداء به فيها وإن كان معذوراً أو مأجوراً فإن العبد لو أراد أن يقول لا إله إلا الله ومات قبل كمالها لم يضره ذلك شيئاً إذ الأعمال بالنيات بل يكتب له ما نواه .

وربما غلا بعضهم في ذلك حتى يجعلوا ذكر الاسم المفرد للخاصة ، وذكر الكلمة التامة للعامة ، وربما قال بعضهم " لا إله إلا الله " للمؤمنين ، و " الله " للعارفين ، و " هو " للمحققين ، وربما اقتصر أحدهم في خلوته أو في جماعته على " الله الله الله " ، أو على " هو " ، أو " يا هو " ، أو " لا هو إلا هو " ! .

وربما ذكر بعض المصنفين في الطريق تعظيم ذلك واستدل عليه تارة بوجد ، وتارة برأي ، وتارة بنقل مكذوب كما يروي بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لقَّن عليَّ بن أبى طالب أن يقول " الله الله الله " فقالها النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا ، ثم أمَر عليّاً فقالها ثلاثا ، وهذا حديث موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث .

وإنما كان تلقين النبي صلى الله عليه وسلم للذكر المأثور عنه ، ورأس الذكر لا إله إلا الله ، وهي الكلمة التي عرضها على عمِّه أبي طالب حين الموت ، وقال : " يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله " وقال : " إني لأعلم كلمة لا يقولها عبدٌ عند الموت إلاوجدروحه لها روحاً " ، وقال : " مَن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة " ، وقال : " مَن مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة " ، وقال " أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمَّداً رسول الله فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله " ، والأحاديث كثيرة في هذا المعنى . [ مجموع الفتاوى " ( 10 / 556 - 558 ) .]

ومن جعل مرجعه الكتاب والسنة في عبادته لم يعجز في معرفة الصواب والخطأ ، نسأل الله أن يردنا إلى دينه ردّاً جميلاً . [الأنترنت -  موقع شبكة الدفاع عن السنة - الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة بعد الثلاثمئة في موضوع   ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*دخول حرف النداء على لفظ الجلالة (الله)

السؤال : لماذا نقرأ الألف الواقعة في أول لفظ الجلالة (الله) عندما يسبقها حرف النداء على أنها ألف أو همزة القطع علماً أنها ألف أو همزة الوصل؟ أي و كأنها تكتب على الشكل التالي: يا ألله.  ولكم مني الشكر سلفًا ؟

الجواب : ينبغي أن نعلم ابتداء أن الأصل في كلام العرب أن لا يجتمع النداء بـ (يا) مع الأسماء المبتدأة بالألف واللام، هذا هو المعروف عند أكثر النحويين، خلافا لبعض الكوفيين.

فإن أردنا نداء ما فيه الألف واللام توصلنا لذلك بـ (أيها) كما تقول: (يا أيها الرجل)، ولا يصح أن تقول: (يا الرجل)، إلا شذوذًا في ضرورة الشعر، كما في قول الشاعر:

فيا الغلامان اللذان فرا ***** إياكما أن تعقباني شرا

هذه هي القاعدة العامة، إلا أنه يستثنى من ذلك نداء لفظ الجلالة (الله) ، فيقال: (يا ألله) بقطع الهمزة، ويجوز وصلها أيضًا.

والعلة في ذلك أن هذا الاسم لما كثر في كلام العرب خرجوا به عن بابه كما هي عادتهم فيما كثر في كلامهم؛ قال سيبويه:

 "واعلم أنه لا يجوز لك أن تنادي اسمًا فيه الألفُ واللام البتة؛ إلا أنهم قد قالوا: يا ألله اغفِر لنا، وذلك من قبل أنه اسمٌ يلزمه الألفُ واللام لا يفارقانِه، وكثُر في كلامهم فصار كأن الألف واللام فيه بمنزلة الألف واللام التي من نفس الحروف ... وكأن الاسم -والله أعلمُ- (إله)، فلما أُدخل فيه الألف واللام حذفوا الألف

 وصارت الألف واللام خلَفًا منها).

وهناك علة أخرى ذكرها الجوهري، وهي أنه ينوي به الوقف على حرف النداء تفخيما للاسم الأعظم.

فالمقصود أن نداء لفظ الجلالة في كلام العرب يختلف عن نداء غيره، كما قال ابن مالك:

وباضطرار خص جمع (يا) و(أل) *** إلامع الله ومحكي الجمل

والأكثر اللهم بالتعويض *** وشذ (يااللهم) في قريض

ولهذا السبب قطعت همزته في النداء؛ لأنه لما خرج عن بابه في نداء ما فيه (أل) خرجوا به أيضا عن بابه في قطع همزة الوصل ليكون ذلك كالتعويض. دخول حرف النداء على لفظ الجلالة [الأنترنت – موقع الألوكة - أبو مالك العوضي ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة بعد الثلاثمئة في موضوع   ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*حكم استعمال أداة النداء (يا) في دعاء الله جل وعلا

   أولاً : جاء القرآن بتعليم العباد آداب مناجاة ودعاء رب الأرباب جل جلاله , لتقع هذه المناجاة على أحسن حال ، وليكون ذلك وسيلة لاستجابة الدعاء , ومن هذه الآداب إسقاط حرف النداء "يا" في الدعاء بما يشعر بقرب المنادَى سبحانه , بخلاف دعاء الله سبحانه لعباده فإنه غالبا ما يأتي بحرف النداء "يا" المشيرة إلى أنه سبحانه موصوف بالتعالي والاستغناء عن خلقه , جاء في " الموافقات " للشاطبي (4 / 202) : " فَأَنْتَ تَرَى أَنَّ نِدَاءَ اللَّهِ لِلْعِبَادِ لَمْ يَأْتِ فِي الْقُرْآنِ فِي الْغَالِبِ إِلَّا بِـ"يَا" الْمُشِيرَةِ إِلَى بُعْدِ الْمُنَادِي لِأَنَّ صَاحِبَ النِّدَاءِ مُنَزَّهٌ عَنْ مُدَانَاةِ الْعِبَادِ ، مَوْصُوفٌ بِالتَّعَالِي عَنْهُمْ وَالِاسْتِغْنَاءِ ، فَإِذَا قَرَّرَ نِدَاءَ الْعِبَادِ لِلرَّبِّ أَتَى بِأُمُورٍ تَسْتَدْعِي قُرْبَ الْإِجَابَةِ : مِنْهَا: إِسْقَاطُ حَرْفِ النِّدَاءِ الْمُشِيرِ إِلَى قُرْبِ الْمُنَادَى ، وَأَنَّهُ حَاضِرٌ مَعَ الْمُنَادِيِ غَيْرُ غَافِلٍ عَنْهُ ؛ فَدَلَّ عَلَى اسْتِشْعَارِ الرَّاغِبِ هَذَا الْمَعْنَى ؛ إِذْ لَمْ يَأْتِ فِي الْغَالِبِ إِلَّا "رَبَّنَا" "رَبَّنَا" كَقَوْلِهِ: ( رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا ) [الْبَقَرَةِ: 286] , ( رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ) [البقرة: 127] .  ( رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي) [آل عمران: 35] . (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى) [الْبَقَرَةِ: 260]" انتهى.

  وكون إسقاط حرف النداء من آداب الدعاء لا يعني أن استعمال حرف النداء خطأ , أو مكروه ؛ بل هي مُقدرة في هذه السياقات السابقة ، والمُقدر كالمذكور ، وإنما قصارى ما في الأمر : التنبيه إلى نكتة بلاغية ، في أمر أغلبي ، كما سبق من كلام الشاطبي ، وليس قاعدة مطردة في كل حال .

ثانيا : جاءت السنن والآثار ، متظاهرة ، باستعمال حرف النداء في الدعاء , فمن ذلك ما أخرجه البخاري (3350) من دعاء إبراهيم ربه يوم القيامة " يَا رَبِّ إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَنْ لاَ تُخْزِيَنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ، فَأَيُّ خِزْيٍ أَخْزَى مِنْ أَبِي الأَبْعَدِ ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : ( إِنِّي حَرَّمْتُ الجَنَّةَ عَلَى الكَافِرِينَ ) ، وفي حديث الشفاعة الذي أخرجه البخاري (4712) ( ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَرْفَعُ رَأْسِي ، فَأَقُولُ : أُمَّتِي يَا رَبِّ ، أُمَّتِي يَا رَبِّ، أُمَّتِي يَا رَبِّ ) ، وفي " صحيح مسلم " (920) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( اللهُمَّ اغْفِرْ لِأَبِي سَلَمَةَ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيِّينَ، وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الْغَابِرِينَ ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ ، وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ، وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ ) , وأخرج مسلم (2380) أيضا من دعاء موسى عليه السلام لربه أن يدله على الخضر فقال :   ( يَا رَبِّ فَدُلَّنِي عَلَيْهِ ) ، وفيه أيضا (2445) من دعاء عائشة : " يَا رَبِّ سَلِّطْ عَلَيَّ عَقْرَبًا أَوْ حَيَّةً تَلْدَغُنِي " ، وفي سنن أبي داود (1495): عَنْ أَنَسٍ : " أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم جَالِسًا وَرَجُلٌ يُصَلِّي ، ثُمَّ دَعَا: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْمَنَّانُ ، بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَقَدْ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الْعَظِيمِ، الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى ) , وفي " سنن الترمذي " (3524) عن أنس بن مالك، قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كربه أمر قال: ( يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث ) ، وفي " مسند " أحمد (17143) وغيره عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( أَلِظُّوا بِـ" يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ" ) .

ثالثا: ما جاء في السؤال من أن الكبير ينادي على الصغير باستخدام أداة التنبيه (يا) ولا يصح العكس: كلام غير دقيق ، بدليل ما سبق من الأحاديث , وزيادة على ذلك فقد جاء صدور الخطاب من البشر لرب العالمين باستخدام أداة النداء (يا) فمن ذلك ما أخرجه البخاري في صحيحه (4487) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( يُدْعَى نُوحٌ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا رَبِّ ) ، وفيه أيضا (4625) : ( أَلاَ وَإِنَّ أَوَّلَ الخَلاَئِقِ يُكْسَى يَوْمَ القِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ ، أَلاَ وَإِنَّهُ يُجَاءُ بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِي فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أُصَيْحَابِي ) .

وجاء صدور الخطاب من الصغير للكبير من البشر باستخدام أداة النداء (يا) فمن ذلك نداء يوسف لأبيه يعقوب ( إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ) يوسف/ 4 ,ومن ذلك خطاب إخوة يوسف لأخيهم يوسف وهو عزيز مصر,( فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِين ) يوسف/ 88 .

والحاصل : أنه لا حرج في الدعاء بلفظ النداء ، مع أسماء الله الحسنى كلها ، وأما لفظ الجلالة "الله" ، فله خصوصية نحوية ، كما سبق بيانه . [الأنترنت – موقع الإسلام سؤال وجواب – المنجد]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة بعد الثلاثمئة في موضوع   ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*الله جل جلاله هو الجامع لجميع معاني أسماء الله الحسنى

    والمتضمن لسائر صفات الله تعالى

وفي ذلك يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى:

«ولهذا يضيف الله تعالى سائر الأسماء الحسـنى إلى

 هذا الاسـم العظـيم كقـوله تعالى:{ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى} ، ويقال: «الرحمن، والرحيم، والقدوس، والسلام، والعزيز، والحكيم» من أسماء الله، ولا يقال: «الله» من أسماء «الرحمن»، ولا من أسماء «العزيز» ونحو ذلك فعلم أن اسمه «الله» مستلزم لجميع معاني الأسماء الحسنى دالٌ عليها بالإجمال، والأسماء الحسنى تفصيل وتبيين لصفات الإلهية التي اشتق منها اسم «الله»، واسم «الله» دالٌ على كونه مألوهًا معبودًا، تألهه الخلائق محبة، وتعظيمًا، وخضوعًا، وفزعًا إليه في الحوائج والنوائب، وذلك مستلزم لكمال ربوبيته ورحمته، المتضمن لكمال الملك والحمد. وإلهيته، وربوبيته، ورحمانيته، وملكه مستلزم لجميع صفات كماله إذ يستحيل ثبوت ذلك لمن ليس بحي، ولا سميع، ولا بصير، ولا قادر، ولا متكلم، ولا فعال لما يريد،ولا حكيم في أفعاله.

وصفات الجلال والجمال أخص باسم «الله». وصفات الفعل والقدرة، والتفرد بالضر والنفع، والعطاء والمنع، ونفوذ المشيئة وكمال القوة وتدبير أمر الخليقة: أخص باسم «الرب».

وصفات الإحسان، والجود، والبر، والحنان والمنة، والرأفة واللطف أخص باسم «الرحمن» وكرر إيذانًا بثبوت الوصف وحصَول أثره، وتعلقه بمتعلقاته».

وقد ذكر اسم «الله» في القرآن في (2724) مرة، واسم «الله» – تبارك وتعالى – خاص به سبحانه وقد ذهب كثير من أهل العلم إلى أنه اسم مشتق واختلفوا في أصل اشتقاقه فقيل:

إنه من «إله» مثل: «فعال» فأدخلت الألف واللام بدلاً من الهمزة مثل: «الناس» أصله «أناس» فقيل: «الله» فإله «فعال» بمعنى: مفعول كأنه مألوه أي: معبود مستحق للعبادة، يعبده الخلق ويؤلهونه، والتأله: التعبد. وهذا معروف في كلام العرب فهو دال على صفات الألوهية.

وذهب بعض أهل العلم إلى أنه اسم جامد غير مشتق علم على الذات المقدسة وقالوا: أن الألف واللام من بنية هذا الاسم ولم يدخلا للتعريف. والدليل على ذلك: دخول حرف النداء عليه. وحروف النداء لا تجتمع مع الألف واللام اللتين للتعريف فأنت تقول: «يا ألله» ولا تقول: «يالرحمن»، ولا «يالبصير» فدل على أن الألف واللام من بنية الاسم. والصواب أنه مشتق، لأن أصله (إله) بمعنى مألوه، أي معبود، فهو دال على صفات الإلهية.

يقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: «الله: هو المألوه المعبود، ذو الألوهية، والعبودية على خلقه أجمعين، لما اتصف به من صفات الألوهية التي هي صفات الكمال، وأخبر أنه الله الذي له جميع معاني الألوهية وأنه هو المألوه المستحق لمعاني الألوهية كلها، التي توجب أن يكون المعبود وحده، المحمود وحده، المشكور وحده، المعظم المقدس ذو الجلال والإكرام، واسم الله هو الجامع لجميع الأسماء الحسنى والصفات العلى، والله أعلم».

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة بعد الثلاثمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

*الله جل جلاله هو الجامع لجميع معاني أسماء الله الحسنى

    والمتضمن لسائر صفات الله تعالى

 فهو الله الذي لا يسكن العبد إلا إليه، فلا تسكن القلوب إلا بذكره، ولا تفرح العقول إلا بمعرفته، لأنه سبحانه الكامل على الإطلاق دون غيره.

وهو الذي لا يفزع العبد ولا يلجأ إلا إليه، لأنه لا مجير حقيقة إلا هو، ولا ناصر حقيقة إلا هو.

وهو الذي يلجأ إليه العبد بكل ذرة في كيانه، التجاء شوق ومحبة، فهو سبحانه الكامل في ذاته وصفاته، فلا يأنس إلا به، ولا يفتر عن خدمته، ولايسأم من ذكره أبدًا. تكاد القلوب المؤمنة أن تتفتت من فرط محبتها له، وتعلقها به. وهو الذي يخضع له العبد ويذل وينقاد تمام الخضوع والذل والانقياد، فيقدم رضاه على رضا نفسه، في كل حال، ويبعد وينأى عن سخطه بكل طريق، هذا مع تمام الرضا والمحبة له سبحانه، فهو يذل وينقاد له سبحانه مع تمام الرضا بذلك، والمحبة له – جل وعلا – حيث إنه الإله الحق، الكامل في ذاته وصـفاته، المسـتحق لذلك كله.

ومعنى أن الإله هو المألوه وحده، أي: هو المستحق أن يُفرد بالعبادة وحـده، وهذا هو أهم معاني هذا الاسم للعبد، وذلك حيث إن الله عز وجل ما خـلق الـجن والإنس إلا لتحـقيق هذه الغـاية، كما قال سـبحانه: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } [الذاريات: 56]

ويوضح شيخ الإسلام – رحمه الله تعالى – معنى (الإله) فيقول: «والإله: هو المألوه أي: المستحق لأن يؤله؛ أي يعبد. ولا يستحق أن يؤله ويعبد إلا الله وحده. وكل معبود سواه من لدن عرشه إلى قرار أرضه باطل، وفعال بمعنى مفعول مثل: لفظ الركاب والحمال؛ بمعنى: المركوب والمحمول… فهو الإله الحق لا إله غيره، فإذا عبده الإنسان فقد وحّده ولم يجعل معه إلهًا آخر ولا اتخذ إلهًا غيره: { فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا ءَاخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ }[الشعراء: 213 ], وقال تعالى: {لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا} الإسراء:22

وقال إبراهيم لأبيه آزر: { أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً ۖ إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ }[الأنعام: 74]

فالمخلوق ليس بإله في نفسه، لكن عابده اتخذه إلهًا

 وجعله إلهًا وسماه إلهًا، وذلك كله باطل لا ينفع صاحبه بل يضره.. فغير الله لا يصلح أن يتخذ إلهًا يعبد ويدعى، فإنه لا يخلق ولا يرزق، وهو سبحانه لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، ولا ينفع ذا الجد منه الجد… فغير الله لا مالك لشيء، ولا شريك في شيء، ولا معاون للرب في شيء؛ بل قد يكون له شفاعة إن كان من الملائكة، والأنبياء، والصالحين؛ ولكن لا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له، فلا بد أن يأذن للشافع أن يشفع، وأن يأذن للمشفوع له أن يشفع له، ومن دونه لا يملكون الشفاعة البتة، فلا يصلح من سواه لأن يكون إلهًا معبودًا كما لا يصلح أن يكون خالقًا رازقًا، لا إله إلا هو وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير».

(ولا إله إلا الله) هي كلمة التوحيد وقد تضمنت الدين الذي جاء به الرسل كلهم من عند الله ، وهي أعظم كلمة أنزلت من عند الله، وقد تضمنت الحقيقة الكبرى، وبها أصبح الناس مؤمنين وكفارًا، وأخيارًا وأشرارًا، وهي الدالة على تفرد الله بالوحدانية، قال تعالى: { قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ }[الأنعام: 19]

ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: « (الإله): هو الذي يؤله فيعبد محبة، وإنابة، وإجلالاً، وإكرامًا».

ويقول أيضًا: «أما (الإله) فهو الجامع لجميع صفات الكمال ونعوت الجلال فيدخل في هذا الاسم جميع الأسماء الحسنى» . ويقول أيضًا: «إن (الإله) هو المستحق لصفات الكمال، المنعوت بنعوت الجلال، وهو الذي تألههه القلوب وتعمد إليه بالحب والخوف والرجاء» .ويقول أيضًا: «إن (الإله) الحق: هو الذي يحب لذاته، ويحمد لذاته فكيف إذا انضاف إلى ذلك إحسانه،وإنعامه،وحلمه،وعفوه،وبره،ورحمته فعلى العبد أن يعلم أنه لا إله إلا الله فيحبه ويحمده لذاته وكماله» .

ويقول الشيخ السعدي رحمه الله: «وأوصاف الألوهية هي جميع أوصاف الكمال، وأوصاف الجلال والعظمة والجمال، وأوصاف الرحمة والبرِّ والكرم والامتنان.

فإنَّ هذه الصفات هي التي يستحق أن يُؤلهَ ويُعبد لأجلها، فيؤله لأنَّ له أوصافَ العظمة والكبرياء، ويؤله لأنَّه المتفرِّد بالقيُّومية، والربوبية، والمُلك والسلطان، ويؤله لأنَّه المتفردِّ بالرحمة، وإيصال النِعم الظاهرة والباطنة إلى جميع خلقه، ويؤله لأنَّه المحيط بكلِّ شيء علمًا وحُكْمًا وحكمةً وإحسانًا ورحمة وقدرة وعزة وقهرًا، ويؤله لأنَّه المتفردِّ بالغنى المطلق التام من جميع الوجوه، كما أنَّ ما سواه مفتقر إليه على الدوام من جميع الوجوه، مفتقر إليه في إيجاده وتدبيره، مفتقر إليه في إمداده ورزقه، مفتقر إليه في حاجاته كلِّها، مفتقر إليه في أعظم الحاجات وأشد الضرورات، وهي افتقاره إلى عبادته وحده والتأله له وحده» .[ الأنترنت – موقع مدونة العلم نور( مدونة تهتم بنشر العلم النافع )]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة بعد الثلاثمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*(الله) هو الاسم الأعظم على الأرجح:

يقول القرطبي رحمه الله: « وهذا الاسم هو أكبر أسمائه وأجمعها حتى قال بعض العلماء: إنه اسم الله الأعظم، ولم يتسم به غيره، ولذلك لم يثن، ولم يجمع وهو أحد تأويلي قوله تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا } [مريم:65], أي: هل تعلم من تسمى باسمه الذي هو (الله)، (فالله) اسم للموجود الحق الجامع لصفات الألوهية المنعوت بنعوت الربوبية المنفرد الحقيقي لا إله إلا هو سبحانه».

ومما يرجح قول من قال: إن (الله) هو الاسم الأعظم مايلي:

1- أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- عندما سـمع أحد الصحابة يدعو بهذا الدعـاء: «اللَّهم إني أسألك أني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصـمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكـن له كفـوًا أحد»؛ قال: (والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى).

2- كثرة وروده في كتاب الله تعالى، فقد ورد في كتاب الله (2724) مرة.

3- أن بقية أسمائه تبارك وتعالى تجري مع هذا الاسم مجرى الصفات مع الأسماء، فتقول: من صفات الله العليم الحكيم الكريم، ولا تقول: من صفات العليم الله.

6-                        اسم الله مستلزم لجميع معاني أسمائه الحسنى، دال عليها بالإجمال، وكل أسمائه وصفاته

7-                        تفصيل وتبيين لصفات الألوهية التي اشتق منها اسم الله، واسم الله يدل على كونه سبحانه معبودًا، تألهه الخلائق محبة، وتعظيمًا، وخضوعًا، وفزعًا إليه في النوائب والحاجات.

وقال ابن القيم: «الإله هو الجامع لجميع صفات الكمال ونعوت الجلال، فيدخل في هذا الاسم جميع الأسماء الحسنى، ولهذا كان القول الصحيح أن الله أصله الإله كما هو قول سيبويه وجمهور أصحابه إلا من شذ منهم، وأن اسم الله تعالى هو الجامع لجميع معاني الأسماء الحسنى والصفات العلى».

5- تعرف الرب تبارك وتعالى إلى موسى باسمه الله: تعرف الله تبارك وتعالى إلى عباده باسمه (الله) كثيرًا، ومن هؤلاء نبي الله موسى عليه السلام عندما أرسله إلى قومه، فعندما كان موسى عليه السلام، عائدًا بأهله من مدين في طـريقه إلى مصـر في ليلة ظلمـاء باردة، رأى على البعد بجانب الطور نارًا، فقال لأهله:{امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }[القصص:30], وقال له:{ وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىٰ(13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي }[طه:13,14].

فتعرف الله عز وجل إلى نبيه موسى عليه السلام بأنه اللهُ ربُّ العالمين، وأنه اللهُ الحق الذي لا يستحق العبادة إلا هو.

وقد تعرف الله إلى عباده في كتابه المنزل على عبده

ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- بمثل ذلك ومن هذا ما جاء في فاتحة أعظم آيات هذا الكتاب، وهي آية الكرسي، فقد جاء في أولها {اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ}[البقرة:255].

6- دعاؤه – تبارك وتعالى – بهذا الاسم:

أكثر ما يدعى الله تبارك وتعالى بلفظ: (اللَّهم)، ومعنى: اللَّهم، ياالله، ولـهذا لا تسـتعمل إلا في الطلب، فلا يقال: اللَّهم غفـور رحيم، بل يقال: اللَّهم اغفـر لي وارحـمني وقد كان الرسـول -صلى الله عليه وسلم- يدعـو ربه كثيرًا بقوله (اللَّهم).

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة العاشرة بعد الثلاثمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*(الله) هو الاسم الأعظم على الأرجح:

وللشيخ السعدي رحمه الله تعالى رأي في حقيقة الاسم الأعظم المشار إليه في الحديث حيث يقول: «بعض الناس يظن أن الاسم الأعظم من أسماء الله الحسنى لا يعرفه إلا من خصه الله بكرامة خارقة للعادة، وهذا ظن خطأ فإن الله – تبارك وتعالى – حثنا على معرفة أسمائه وصفاته، وأثنى على من عرفها، وتفقه فيها، ودعا الله بها دعاء عبادة وتعبد، ودعاء مسألة، ولا ريب أنّ الاسم الأعظم منها أولاها بهذا الأمر، فإنه تعالى هو الجواد المطلق الذي لا منتهى لجوده وكرمه، وهو يحب الجود على عباده، ومن أعظم ماجاد به عليهم تعرفه لهم بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، فالصواب أنّ الأسماء الحسنى كلها حسنى، وكل واحد منها عظيم، ولكن الاسم الأعظم منها كل اسم مفرد أو مقرون مع غيره إذا دل على جميع صفاته الذاتية والفعلية، أو دل على معاني جميع الصفات مثل:

(الله) فإنه الاسم الجامع لمعاني الألوهية كلها، وهي جميع أوصاف الكمال، ومثل: (الحميد المجيد) فإن (الحميد) الاسم الذي دل على جميع المحامد والكمالات لله تعالى، و(المجيد) الذي دل على أوصاف العظمة والجلال ويقرب من ذلك (الجليل الجميل الغني الكريم). ومثل: (الحي القيوم)، فإن (الحي) من له الـحياة الكاملة العظيمة الـجامعة لجميع معاني الذات، و(القيوم) الذي قام بنفسه، واستغنى عن جـميع خلقه، وقام بـجميع الموجودات، فهـو الاسم الذي تدخل فيه صفات الأفعال كلها.

ومثل: اسمه (العظيم الكبير) الذي له جميع معاني العظمة والكبرياء في ذاته وأسمائه وصفاته، وله جميع معاني التعظيم من خواص خلقه.

ومثل قولك: (يا ذا الجلال والإكرام) فإن الجلال صفات العظمة والكبرياء، والكمالات المتنوعة، والإكرام استحقاقه على عباده غاية الحب، وغاية الذل وما أشبه ذلك.

فعلم بذلك أن الاسم الأعظم اسـم جنس، وهذا هـو الذي تدل عليه الأدلة الشـرعية والاشتقاق، كما في السنة أنه سمع رجلاً يقول: «اللَّهم إني أسألك بأني أشـهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد»، فقال: (والذي نفسي بيده، لقد سألت الله باسمه الأعظم

 الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى).

وكذلك الحديث الآخر حين دعا الرجل، فقال: «اللَّهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت، المنان، بديع السماوات والأرض ذو الجلال والإكرام، يا حي! يا قيوم! فقال صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده، لقد دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى)، وكذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: (اسم الله الأعظم في هاتين السورتين:{وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ },{اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} فمتى دعا الله العبد باسم من هذه الأسـماء العظيمة بـحضور قلب ورقة وانكسـار لم تكـد ترد له دعـوة والله الموفق».

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الحادية عشرة بعد الثلاثمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*من آثار هذا الاسم العظيم وموجباته:

 إذا عرف المؤمن معنى هذا الاسم العظيم وما يستلزم من الأسماء الحسنى والصفات العلا لله تعالى فإنه يطبع في القلب معاني عظيمة وآثارًا جليلة من أهمها:

1- محبة الله – عز وجل – محبة عظيمة تتقدم على محبة النفس، والأهل، والولد، والدنيا جميعًا؛ لأنه المألوه المعبود وحده وهو المنعم المتفضل وحده وهو الذي له الأسماء الحسنى، وهو الذي له الخلق والأمر والحمد كله وهذا يستلزم محبة من يحبه الله تعالى وما يحبه، وبغض ما يبغضه سبحانه، ومن يبغضه، والموالاة والمعاداة فيه. ولا يذوق طعم الإيمان إلا من أحب الله – عز وجل – الحب كله وأحب فيه وأبغض فيه وهذا معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار).

ولله المثل الأعلى. لو أن مخلوقًا تحلى بصفات الكمال الإنسانية التي يحبها الناس ومع ذلك كان له نعمة ويد على أحد من الناس فماذا سيكون شأن هذا المخلوق في قلوب هؤلاء الناس؟ لا شك أن المحبة العظيمة، والأنس به، والتلذذ بمصاحبته ستكون هي المتمكنة من القلوب نحـوه. وهذا بالنسـبة لمخلوق ضعيف محدود الزمان والمكان قاصر الأخلاق والصفات.

وما صدر منه من نعمة فهي من الله – عز وجل – وهي محدودة قاصرة. فكيف بمن له الأسماء الحسنى والصفات العلا وكيف بمن نعمه مدرارة على خلقه في كل نفس وزمان ومكان. أليس هو المستحق للحمد كله، والحب كله، والخوف كله، والرجاء كله، وكل أنواع العبوديات المختلفة؟ بلى والله.

ولذا يجد العبد راحة وطمأنينة عندما يدعو ربه – عز وجل – ويقول: (ياألله أو : اللَّهم) حيث يسكب في نفسه الأمان والرجاء.

يقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: «وعباد الرحمن يألهونه ويعبدونه، ويبذلون له مقدورهم بالتأله القلبي، والروحي، والقولي والفعلي، بحسب مقاماتهم ومراتبهم،

فيعرفون من نعوته وأوصافه ما تتسع قواهم لمعرفته،

 ويحبونه من كل قلوبهم محبةً تتضاءل جميعُ المحابِّ لها، فلا يعارض هذه المحبة في قلوبهم محبة الأولاد والوالدين وجميع محبوبات  النفوس، بل خواصهم جعلوا  كل محبوبات النفوس الدينية والدنيوية تبعًا لهذه المحبة، فلما تمَّت محبة الله في قلوبهم أحبوا ما أحبه من أشخاص وأعمال، وأزمنة، وأمكنة، فصارت محبتهم وكراهتهم تبعًا لإلههم وسيدهم ومحبوبه.

ولما تمَّت محبة الله في قلوبهم التي هي أصل التأله والتعبد أنابوا إليه فطلبوا قُربه ورضوانه، وتوسَّلوا إلى ذلك وإلى ثوابه بالجد والاجتهاد في فعل ما أمر الله به ورسوله، وفي ترك جميع ما نهى الله عنه ورسوله، وبهذا صاروا محبِّين محبوبين له ، وبذلك  تحققت عبوديتهم وألوهيتهم لربهم، وبذلك استحقوا أن يكونوا عباده حقًا، وأن يضيفهم إليه بوصف الرحمة حيث قال: {وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ}[الفرقان:63] ثم ذكر أوصافهم الجميلة التي إنما نالوها برحمته وتبوؤوا منازلها برحمته، وجازاهم بمحبته وقُربه ورضوانه، وثوابه، وكرامته برحمته».

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانيةعشرة بعد الثلاثمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*من آثار هذا الاسم العظيم وموجباته:

2- تعظيمه سبحانه وإجلاله وإخلاص العبودية له وحده من توكل، وخوف، ورجاء ورغبة، ورهبة، وصلاة، وصيام، وذبح، ونذر، وغير ذلك من أنواع العبوديات التي لا يجوز صرفها إلا له سبحانه.

3- الشـعور بالعـزة به سـبحانه والتعلق به وحده، وسقوط الخوف والهيبة من الخلق والتعلق بهم؛ فهـو الله سـبحانه خالق كل شيء ورازق كل حي، وهو المدبر لكـل شيء، والقاهـر لكل شيء فلا يعـتز إلا به ولا يتوكل إلا عليه. وكم من بشر اعتزوا بأموالهم فما لبثت أن ضاعت تلك الأموال فضاعوا، وكم من بشر اعتزوا بسلطانهم فجاءت النهاية بزوال سلطانهم فما كان منهم إلا أن قالوا:{مَا أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ ۜ (28)هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ }[الحاقة:29].

فالمؤمن لا يحتمي ولا يعتز إلا بالله العظيم القوي المتين، الكبير المتعال ولا يتوكـل إلا عليه وحـده:{ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ }[الفرقان: 58].

4-من أعظم آثار هذا الاسم العظيم ومعرفته حق

المعرفة طمأنينة القلب وسعادته وأنسه بالله عز وجل – وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: «فإن اللذة والفرحة وطيب الوقت والنعيم الذي لا يمكن التعبير عنه إنما هو في معرفة الله – سبحانه وتعالى – وتوحيده والإيمان به، وانفتاح الحقائق الإيمانية والمعارف القرآنية،كما قال بعض الشيوخ: لقد كنت

في حال أقول فيها إن كان أهل الجنة في هذه الحال إنهم لفي عيش طيب.. .وليس للقلوب سرور ولا لذة تامة إلا في محبة الله والتقرب إليه بما يحبه ولا تمكن محبته إلا بالإعراض عن كل محبوب سواه. وهذه حقيقة لا إله إلا الله».

5- بما أن لفظ الجلالة مستلزم لجميع الأسماء والصفات فإن من آثار هذا الاسم العظيم آثار بقية أسمائه سبحانه وصفاته وكل أثر من آثار أسماء الله عز وجل وصفاته إن هوإلا أثر لهذا الاسم العظيم ومن موجباته.

6- إفراد الله– عز وجل – بالمحبة والولاء وإفـراده تعالى بالـحكم والتحاكم.

قال الله تعالى:{قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } [الأنعام: 14]، وقال سبحانه:{أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا} [الأنعام: 114]

[الأنترنت – موقع كتاب [ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها] الشيخ :عبدالعزيز بن ناصر الجليل -حفظه الله-]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة عشرة بعد الثلاثمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :*الخوف من الله تعالى

قال تعالى: فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:175] وقال تعالى: وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ [البقرة:41] وقال تعالى: وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ [البقرة:40] فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ [المائدة:44] أو فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي [البقرة:150] فهذه الآيات كلها في الخوف والرهبة والخشية.

 ومدح الله تعالى أهل الخوف وأثنى عليهم فقال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ [المؤمنون:57-61] ' هذه الآيات من سورة المؤمنون آيات عظيمة ذكرها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وسياقها يبين ما جاء في تفسيرها، وأنه تفسير حق ودلالته صحيحة.

وسياق الآيات هذه في بيان المحسنين السابقين كما ذكر في آخرها: {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ }[المؤمنون:61] فالذي يسارع في الخيرات ويسابق هو في درجة الإحسان والتقوى،وأماحال الفريق الآخر فقال تعالى: فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ} [المؤمنون:54] وبين شُعورهم ونظرتهم واعتقادهم فيما يُنعم الله تبارك وتعالى به عليهم: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ [المؤمنون:55-56] فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذكر صنفين: صنف معرض عن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وغير مؤمن به، فهو في غمرة ولهو، وعندما يرزق ويعطى يظن أنه مسارعة من الله تبارك وتعالى له بالخيرات لفضله وخيره وصلاحه. والصنف الآخر: هم المؤمنون.

وعندما يذكر الله تبارك وتعالى أحوال أهل الكفر مقابل أحوال أهل الإيمان فإنه يذكر أعلى صفاتهم، فعندما يذكر الكفار يذكر أعلى درجاتهم في الكفر، وكذلك عندما يذكر صفات أهل الإيمان يذكر أعلى درجاتهم في الإيمان، ولا يذكر ضعاف الإيمان في هذا المقام المقابل للكفر، إنما يذكر في مقابل الكفار أهل الإيمان وما هم فيه من الفضل والسابقة والمسارعة والخير، وفي هذا دليل على أن الآيات هي في هؤلاء، ولذلك ما جاء فيها من الحديث ذكر الحافظ ابن حجر في الفتح في (8/299) أنه الذي رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة وصححه الحاكم ، وسكت الحافظ رحمه الله تعالى ولم يشر إلى أن فيه انقطاعاً ما بين عبد الرحمن بن سعيد بن وهب الهمداني وعائشة ؛ ولكن التفسير صحيح قالت: {قلت يا رسول الله، وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَة ٌ[المؤمنون:60] أهو الذي يزني ويشرب الخمر ويسرق؟   }، فكان مقصودها رضي الله عنها أن هؤلاء العباد من إيمانهم وفضلهم وخيرهم إذا أتوا منكراً أو فعلوا فاحشة فإنهم يفعلونها وهم خائفون؛ لكن الأمر أجل وأعظم من ذلك، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لا يا ابنة الصديق ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف ألا يقبل منه   } فهم يؤتون ويعطون ويبذلون من القربات والطاعات وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون، فلسان حاله يقول: نعم صمت وصليت وحججت واعتمرت وأحسنت إلى الفقراء والمساكين، وحفظت لساني عن غيبة إخواني المسلمين، وحفظت يدي عن حقوقهم، لكني والله لا أدري أتقبل مني هذه العبادة أم لا، وربما كان في الحج من الرفث واللغو والفسوق والجدال أو الرياء ما أحبط الحج، فلربما كان في الصلاة والزكاة ما يحبطها، وربما انتفت بعض الشروط أو بعض الواجبات، أو فسدت النية فلم تقبل هذه الطاعة، فالمؤمن يعمل الطاعة وهو يخاف أن لا تقبل منه.

فهذه هي الدرجة التي ينبغي أن يكون عليها المؤمن،

 لكن الواقع من كثير من الناس أنهم يعملون المعاصي، ويرتكبون المحرمات ولا توجل قلوبهم، ولا يخافون من الله، والله تعالى يقول: وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ [البقرة:281] فالإنسان إذا عمل طاعةً أو معصيةً فعليه أن يتقي الله، ويشعر أنه راجع إلى الله، فإن كان ما عمله طاعةً فيخاف ألا تقبل وإن كان ما عمله معصيةً أو منكراً أو فاحشةً، فهو أحرى وأجدر أن يخاف الله، فليتب وينـزجر عن معصية الله تبارك وتعالى.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة عشرة بعد الثلاثمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*الفرق بين الخوف والخشية

 ابن القيم رحمه الله في [الجزء الأول من مدارج السالكين صفحة (502)] ذكر شرحاً لمنزلة الخوف، وكلام المصنف رحمه الله مأخوذ من كلام ابن القيم حيث ذكر آية {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } [البقرة:40] وآية: {فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْن }[المائدة:44] وذكر أن الله مدح أهل الخوف.

ثم ذكر الآيات من سورة المؤمنون، والحديث الذي ذكرناه آنفاً، ثم أتى رحمه الله بكلام نفيس في بيان الفرق بين هذه الألفاظ، مثل: الرهبة والوجل والخشية والخوف والإشفاق، والتفريق بينها من دقائق العلم التي لا يتفطن إليها إلا من وفقه الله، كما كان حال ابن القيم رحمه الله فيقول: "الوجل والخوف والخشية والرهبة ألفاظ متقاربة غير مترادفة  -ثم قال- : قيل: إن الخوف هرب القلب من حلول المكروه عند استشعاره، وقيل اضطراب القلب وحركته من تذكر المخوف' .

وحقيقة الخوف واضحة،وإيضاح الواضح من المشكلات

، فالخوف معروف، لكن نأخذ ما بعده ليتضح الفرق، ويقول رحمه الله: 'الخشية أخص من الخوف؛ فإن الخشية للعلماء بالله' وأخذ هذا من قول الله تعالى : {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } [فاطر:28] فالعلماء هم الذين يخشون الله؛ لأن الناس في هذا أنواع: فالنوع الأول: العالم بالله، والعالم بدين الله، فهم من يخشى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

النوع الثاني: عالم بالله غير عالم بدين الله، وهذا الذي وقع فيه كثير من العباد، فهو لديه حقائق الإيمان واليقين والإخلاص والرجاء والرغبة والخوف؛ ولكنه غير عالم بدين الله، فلا يعرف الحلال من الحرام، وربما وقع في البدعة فخرج عن طريق الإيمان والعلم، ولم يعد عالماً بالله.

النوع الثالث: من ليس عالماً بالله ولا عالماً بدين الله، وهذا حال أكثر الخلق، نسأل الله العفو والعافية.

يقول ابن القيم : ' فهي -أي: الخشية- خوف مقرون بمعرفة، وقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إني أتقاكم لله، وأشدكم له خشية   ' وفي رواية أخرى: إني لأعلمكم بالله، وأشدكم له خشية) فالخشية مقترنة بالعلم، ففيها زيادة العلم والمعرفة بالمعبود سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وبيَّن ابن القيم الفرق بينهما فقال: 'فالخوف حركة، والخشية انجماع وانقباض، فإن الذي يرى العدو والسيل ونحو ذلك له حالتان:

إحداهما: حركة للهرب منه وهي حالة الخوف.

والثانية: سكونه وقراره في مكان لا يصل إليه فيه وهي: الخشية... ثم قال: وأما الرهبة فهي الإمعان في الهرب من المكروه -فالرهبة خوف؛ ولكن فيها زيادة إمعان في الهرب من المخوف منه وهي ضد الرغبة التي هي سفر القلب في طلب المرغوب فيه' فالرغبة زيادة عن مجرد المحبة، فالمحبة بلا رغبة لا يقترن بها الحرص والطلب، وأما الرغبة فيقترن بها العمل والحرص وطلب هذا المحبوب المراد،ثم يقول رحمه الله:وبين الرهب والهرب تناسب في اللفظ والمعنى'.

وهذه عادة لغة القرآن واللغة العربية.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة عشرة بعد الثلاثمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

 *الفرق بين الرهبة والرغبة وبين الوجل والهيبة

   ثم قال: 'وأما الوجل فرجفان القلب، وانصداعه لذكر من يخاف سلطانه وعقوبته، أو لرؤيته' فالوجل خوف ؛ ولكنه من نوع خاص بالنسبة لشعور الإنسان عندما يرى من يجل أو من يخاف منه أو إذا ذكر عنده من يخافه، ثم قال: 'وأما الهيبة فخوف مقارن للتعظيم والإجلال' فالهيبة خوف؛ ولكنه ليس خوفاً مجرداً، إنما خوف مقترن به التعظيم والإجلال، كما قالت العرب: أهابك إجلالاً ومابك قدرة ***عليّ ولكن ملء عينٍ حبيبها

قال: 'وأكثر ما تكون مع المحبة والمعرفة، والإجلال: تعظيم مقرون بالحب، -ثم قال- فالخوف لعامة المؤمنين' فكل مؤمن لابد أن يخاف الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فهذا الذي نعتقده، وكل مؤمن مطالب أن يخاف على نفسه وعلى إخوانه المسلمين، وأن يخاف الله تبارك وتعالى، فالمقصود أن الخوف لعامة المؤمنين والخشية للعلماء، فالعلماء عندهم زيادة خوف مع علم فتصبح خشية، والهيبة للمحبين سواء كانوا من العلماء أم من غيرهم، وهذه ليست متعارضة بل يوجد بينها قدر مشترك قد تزيد صفة، أو جانب من الجوانب في فرد وجانب يزيد في فرد  آخر ، كما  كان الصحابة رضوان الله  عليهم والسلف ، فبعضهم يزيد عنده جانب الرجاء قليلاً، وبعضهم جانب الخوف، وبعضهم جانب الهيبة، وبعضهم جانب الخشية، فمثلاً أبو سليمان الداراني رحمه الله وعامر بن عبد القيس ، وعبد الله بن المبارك ، والفضيل بن عياض ، وسفيان الثوري ، رحمهم الله وغيرهم غلب عليهم جانب الخوف، وبعض العلماء يغلب عليهم جانب الهيبة والإجلال والمحبة، والله تبارك وتعالى جعل للنفوس التنوع في التعبدات ؛ ليُعْبَد سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بكل أنواع العبوديات، وهي في الأصل مشتركة ولها أصل مشترك بين جميع الناس، فيقول: 'الخوف لعامة المؤمنين، والخشية للعلماء العارفين، والهيبة للمحبين، والإجلال للمقربين، وعلى قدر العلم والمعرفة يكون الخوف والخشية، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إني لأعلمكم بالله وأشدكم له خشية)، وفي رواية (خوفاً ) وقال: (لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، ولما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى) فزيادة علم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تدل على معرفته بربه وهيبته له تبارك وتعالى، وإجلاله في قلبه، ومن معرفته لما أعده الله تبارك وتعالى للمؤمنين من الثواب، وللمجرمين من العقاب، ومعرفته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلمه بأيام الله وسنن الله في الذين خلوا من قبلنا.

وهذه القلوب في مثل هذا تتفاوت تفاوتاً عظيماً جداً، وهذا هو موضع زيادة الإيمان ونقصانه وموضع التنافس: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ }[المطففين:26] ثم يوضح ذلك بقوله: 'فصاحب الخوف يلتجئ إلى الهرب' فيهرب كلما رأى شهوةً دفعته إليها عينه أو أذنه أو قلبه ، فعلم: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } [الإسراء:36] فيهرب من هذه المعصية ويخاف، وهذا هو حال المؤمن، ثم قال: 'وصاحب الخشية يلتجئ إلى الاعتصام بالعلم' الذي في كتاب الله وفي سنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أضرار هذه المعصية، ومن فسادها، وأثرها على القلب، وعلى الحياة في الدنيا والآخرة، ولذلك صاحب هذا العلم تحصن بأقوى حصن، فلا يرقى إليه هذا الوحش، ولا يطمع فيه ولا يصل إليه ؛ لأنه ليس مجرد هارب، فالهارب قد يُدْرَك؛ لكن الذي يعتصم بحصن حصين لا يُنَال - بإذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فكذلك الإنسان يعتصم بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ويعتصم بالإيمان بالله وبكتاب الله، وبالعلم الذي يقربه من الله ويعرفه بالله عز وجل فلا يأتي شيئاً مما حرم الله؛ لأنه عرف ذلك بما أعطاه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وما وهبه من العلم بخطر الذنوب والمعاصي وآثارها وضررها على الإنسان.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة عشرة بعد الثلاثمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :*علاقة الإشفاق بالخوف

يقول ابن القيم في صفحة (514) : 'والإشفاق: رقة الخوف' الاشفاق خوف مع رقة، ثم يقول: 'وهو خوف برحمة من الخائف لمن يخاف عليه' وأرق الخوف هو الإشفاق والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذكر ذلك في القرآن، حيث ذكر أن أهل الجنة يتذكرون ما كانوا فيه من الدنيا، فقالوا: { إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} [الطور:26] ،وقال في سورة المعارج: {وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ }[المعارج:27-28] وقال في سورة فاطر: { وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ }[فاطر:34]، فكانوا في الدنيا مشفقين، وكان الحزن في قلوبهم؛ لأنهم لا يعلمون كيف يلقون الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، أما الذين كانوا في دنياهم فرحين بطرين، فإنهم يفاجئون يوم القيامة بأهوال لم يكونوا يتوقعونها.

وأما المؤمنون فقد ذكر الله تعالى حالهم في الخوف فقال عنهم : {إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيرا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً} [الإنسان:10-11] فهذا جزاء الخوف والحزن ولهذا قال تعالى: { وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ }[فاطر:34-35] فكانوا يعانون في الدنيا التعب والألم والأحزان والمصائب، ولهذا يقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) فالمسجون -دائماً- خائف ومشفق حزين؛ لأنه مسجون، ولكن من الناس من يكون مطمئناً كما كان شَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله لما وضع في السجن قال: {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد:13] فالجنود والسلاطين الذين يقفون في الخارج في العذاب، وهو في الرحمة بالمقارنة لما أعده الله في الآخرة، فالمؤمن مسجون في الدنيا مع طمأنينته وفرحه بفضل الله قال تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58] فهو مع فرحته وطمأنينته وسعادته بذكر الله مسجون؛ لأنه لم يدخل الجنة ولم ير وجه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولا الحور العين، ولم يلتقِ بإخوانه المؤمنين على سرر متقابلين.

وأما الكافر فقد يكون في الدنيا في منتهى الرفاهية والتنعم والتلذذ، ولكن هذه جنته بالمقارنة لما ينتظره هنالك من العذاب، ففي الآخرة ليس له جنة، حيث يقول تعالى للكافرين:{ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا }[الأحقاف:20] {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ }[هود:16] فجنتهم في الدنيا مع ما فيها من الشقاء والنكد والتنغيص، ولكن لأنهم ليس لهم في الآخرة إلا النار فإن جنتهم في الدنيا.

ويُضرب مثل رائع لمقدار التمتع بالدنيا، فالحاكم عبد الرحمن الناصر حكم الأندلس خمسين سنة، والأندلس تسمى جنة الدنيا، ففي يوم من الأيام اجتمع في آخر ملكه مع بعض وزرائه، فتذاكروا هذا الأمر العظيم، وهل سبق أن أحداً حكم هذه المدة وهذه الجنة، وكعادة المنافقين من جلساء السلاطين في كل زمان ومكان أخذوا يمدحونه ويثنون عليه، ولكنه قال لهم: أتدرون كم أيام السرور في هذا الملك في الأندلس ؟! قالوا: لا، قال : عددتها فإذا هي أربعة عشر يوماً! فالمقصود أنه لا بد للمؤمن من الخوف والرجاء والإشفاق والرهبة والرغبة والوجل.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة عشرة بعد الثلاثمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

 *الخوف والرجاء عند المؤمن والمنافق

وكما قال الحسن رحمه الله فيما نقله عنه ابن القيم قال :

 قال الحسن : "عملوا والله بالطاعات، واجتهدوا فيها، وخافوا أن ترد عليهم، إن المؤمن جمع إحساناً وخشية، وإن المنافق جمع إساءة وأمناً" فإذا وجدت الخائف الوجل المشفق من عذاب الله، فتجد أن أعماله فيها الكثير من الخير والإحسان والفضل، وأما المطمئن فتجد فيه النفاق والبعد والمعصية، والعكس بالعكس، فالمؤمن يحسن العمل ولذلك أحسن الرجاء، وأما المنافق فإنه أمِن من مكر الله ولم يخف الله ولم يبال بعقوبة الله؛ فلذلك اطمأن وعمل ما عمل، ولذلك إذا رأيت المؤمن شكا ذنوبه، وخاف من عدم قبول أعماله، ورأى ذنوبه ؛كما جاء في الحديث: {المؤمن يرى ذنوبه كالجبل يخشى أن يقع عليه، وأما المنافق فيرى الذنوب -جميعاً من شرور وخمور وفجور ولهو وإعراض وتهاون في طاعة الله وأكل لحقوق الناس- كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا فطار" وإذا سألته وجالسته قال: نحن أحسن حالاً من غيرنا، ثم يذكر حسناته، أما المؤمن فلا يذكر حسناته لأنه يعلم أن هذا خطر عليه.

لا بأس بذكر نعمة الله عليك ؛ لكن مع شكر هذه النعمة ،وأما في أمور الدين فينظر العبد إلى من هو فوقه في العبادة والإحسان، وأما في أمور الدنيا فينظر العبد إلى من هو دونه؛ لئلا يزدري نعمة الله عليه.

 *الخوف من الرحمن وسيلة إلى الرضوان

وهنا فائدة عظيمة ذكرها ابن القيم رحمه الله حيث يقول: 'والخوف ليس مقصوداً لذاته بل هو مقصود لغيره، فأهل الجنة لا خوف عليهم ولا هم يحزنون' والمحبة مقصوده لذاتها، ولهذا نحب الله تبارك وتعالى في الدنيا، وإذا أدخل الله تعالى المؤمنين الجنة يظلون يحبون الله بل يزدادون حباً له؛ لأنها مطلوبة لذاتها، وأما الخوف فليس لذاته بل هو وسيلة للإنزجار عما حرم الله ونهى عنه، فإذا أمِن العبّاد وبشرتهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون. زال الخوف، ولهذا قال تعالى في الجنة:{ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ }[يونس:62] فنفى الله تبارك وتعالى عنهم الخوف والحزن، فلا يخافون مما أمامهم ولا يحزنون على ما وراءهم ؛ لأن الله تعالى يتولى المؤمنين والمتقين والصالحين، فلهذا يقول:{لاخَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس:62] فالخوف ليس مقصوداً لذاته، وإنما لما يترتب عليه من معرفة الله ، ومعرفة وعد الله ووعيده، والانزجار عما نهى الله تبارك وتعالى عنه، ثم قال: والخوف يتعلق بالأفعال،والمحبة تتعلق بالذات والصفات فالخوف يتعلق بالأفعال، فتجد العبد يخاف من عذاب الله، والله تبارك وتعالى بين لنا أن العذاب فعله، وأن الرحمة والمغفرة صفته الذاتية، قال تعالى: { نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ } [الحجر:49-50] وهذا من كمال رحمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولذلك نجد في الفاتحة قوله تعالى:{ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } ورحمة الله سبقت غضبه، ولهذا جعل المحبة تتعلق بالذات والصفات، وأما الخوف فإنه متعلق بالأفعال؛ لأن عذابه هو من فعله، وأما محبته فهو يُحَبُّ لذاته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ لأنه غفور رحيم ودود كريم، فاسم الله الودود يشعر بمحبة خاصة جداً. ولو تأمل الناس في صفات الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لعرفوا الله، وإذا عرفوه حق المعرفة وعرفوا أنه ودود وغفور ورحيم، أحبوه فلم يعصوه، وإذا انزجروا عن معصيته -لأنهم يؤمنون بأنه الرحمن الرحيم الغفور الودود- لكانوا من أهل الهيبة والإجلال، وهذا أفضل من أن يكونوا من مجرد أهل الخوف كما بين ابن القيم رحمه الله.

[الأنترنت – موقع معرفة الله - الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي] إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة عشرة بعد الثلاثمئة في موضوع     ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*عندما ينقطع الرجاء إلا من الله

 تظلم الدنيا بأسرها، وتغلق الطرقات بسواد مكلوم، وتتناثر قطرات الألم في الزوايا والحنايا والربوع، والصرخة المكتومة تتسرب بين الضلوع، إنه لا ثم رجاء في الأشياء من حولنا..!!

 الأمل كلمة تحتاج إلى دعم واقعي حتى تتحقق، لقد عاشت بين فراغات سطور الروايات وحروف أبيات الشعراء الحالمين، إنهم رددوها كثيرا حتى صارت لا تعني شيئا إلا لخيال صعب التحقق!

كلهم يتحدثون عن أمل في غد غير مقدور عليه من أحد، وعن تحدٍ لا يملك أحد مقدراته، بل إنهم يتكلمون عن عمر لا يستطيع أحدهم ضمان استمراره ولو لدقائق معدودة!

 كلنا يعمه الضعف، كلنا يحتويه الوهن، كلنا يقعده الفيروس غير المرئي والبكتيريا المندسة والميكروبات الحقيرة! أي قوة إذن نمتلكها؟! وأي قدرة نعول عليها في آمالنا المزعومة؟ وأي ضمان نستطيع أن نعطيه حتى لأنفسنا حتى نحدثها عن غد مرجو؟!

إن الأشياء من حولنا أقوى منا بالفعل، أقوى بمراحل كبيرة، الجماد أقوى، الزمن أقوى، الهم أقوى، المرض أقوى، كل ما يحيط بنا يكاد أن يكون أقوى منا، ياللضعف البالغ الذي نعانيه في كل لحظة..!

 حتى نفوسنا التي بين جنباتنا تتقوى علينا بهواها ورغباتها وشهواتها، حتى نفوسنا تكسرنا فنستذل لها فنجد ذواتنا منهارة أمامها ترتكب القبائح التي ربما ترفضها، وتسكت عن الرذائل التي تعلن أنها تستنكرها، حتى نفوسنا صارت من أعدائنا، فأي حياة يعيشها المرء إذن إذا كان ضعيفا أمام نفسه؟!

    أما القلوب، فأمرها أشد وأخطر، ففراغاتها مليئة

 بمحبة الأشياء الراحلة عادة، وداخلا تعلق بالظواهر دون الحقائق، فترى كثيرا من القلوب سهلة التقلب، سريعة التأثر بالانحراف، مستعدة لتشرب الخطأ..!

حتى من نحب، ما نلبث أن نفارقهم، أو نختلف معهم، أو نقف عاجزين أمام آلامهم أو محنهم، ويلفنا الصمت المطبق أمام صرخاتهم الجريحة.. يالها من خيبة عميقة!

إنها حياة بئيسة تلك التي نعدها كامل نرتجيه، وضعف مطبق يلفنا لا يكاد يصلح أن نرتجي معه إنجاز شيء نفتخر به!

إنها الآية الربانية الإيمانية العظمى تنادينا بكل معنى من معاني الحياة، إن الرجاء كله يجب أن يكون مع الله، والأمل كله يجب أن يكون في الله ..

   إنها آية لا تبين إلا لمن وثق في الله لا غيره، وأيقن

 أنه لا حل إلا اللجوء إليه سبحانه، متجردا من أثر الأشياء، وذاهلا عن أثر الأسباب من حوله، فهو عندئذ مستعد لتلقي معاني الانتصار.

فالغد يشرق توكلا على قادر على إشراقه، فشمسه تجري بأمره، ونوره يسطع بحوله وقدرته، وما دون ذلك فظلام دامس وعمى محيط..

والمرض يتصاغر أمام قدرته العظمى سبحانه، فالطب والدواء يعجز، والقدرة الأسمى تقدر الخير للمريض، فتجد اختيار الأفضل له على كل حال.

والأشياء والجمادات والجبال والأحجار والبحار تسخر لنا من حولنا إن نحن سرنا في منظومة ما يحبه الله ويرضاه، فهو القوى المتعال، فالجبال تسبح، والبحار تخضع، والجمادات تهتز وتتهافت..

الظالمون ينكسرون في طرفة عين بقدرة القوي الأعلى، والمتجبرون يصيرون نسيا منسيا، كيف لا والصخور تصير هباء منثورا بأمره سبحانه!

  أعمارنا والزمان من حولنا يعنى معان جديدة بعبوديتنا لله سبحانه، فالعمر تحتويه البركة التي تعظم لحظاته، وتعينه على الإنجاز والعمل المتقن، والزمان يصبح له معنى آخر، فكل لحظة لها قيمة، إذ إنها تحسب في ميزان الصالحات، فكل لحظة بمنزلة عليا وعمل صالح وقرب واقتراب.

إنه أمل حقيقي إذن، ليس كذلك المتوهم في كلام الشعراء بعيدا عن الله سبحانه، ورجاء فعلي موثوق، ليس كما يسطره الضعفاء متعلقين بزخرف زائل، إنه الرجاء في القادر العظيم، والعزيز الحكيم، رب العالمين.

إن الحقيقة العظمى التي يجب أن تدور حولها حياتنا هي حقيقة أن{ لا حول ولا قوة إلا بالله}، فحولنا واهن وقوتنا راحلة، وأجسادنا فانية، وميراثنا منتقل، والأمر كله في النهاية لله سبحانه، فالفناء ينتظرنا، والموت هو المثوى المنتظر لكل متوهم للقوة أو الجبروت، والجميع زائل إلى يوم يقول فيه الجبار: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر: من الآية16].

دعني إذن أعيد صياغة العبارات، فالدنيا سوداء مظلمة إلا بنور الهداية الإيمانية، والطرق مسدودة إلا الطريق إلى الإيمان بالله سبحانه، والهموم تعتري الجميع، إلا الملتجئين إلى الرحمن الرحيم، المتوكلين عليه، الآملين في رحمته، الراجين نصرته وتوفيقه وفضله، وهو ذو الفضل العظيم.

[ الأنترنت – موقع عندما ينقطع الرجاء إلا من الله - د. خالد رُوشه]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة عشرة بعد الثلاثمئة في موضوع      ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

* منزلة الرجاء في الله

قال ابن قيم الجوزية :

ومن منازل : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) منزلة الرجاء قال الله تعالى :( أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه ) فابتغاء الوسيلة إليه : طلب القرب منه بالعبودية والمحبة . فذكر مقامات الإيمان الثلاثة التي عليها بناؤه : الحب ، والخوف ، والرجاء . قال تعالى : ( من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت ) ، وقال : ( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ) ، وقال تعالى : ( أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم ) .

وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول - قبل موته بثلاث - :    ( لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه )، وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل : أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء .

 الرجاء :حاد يحدو القلوب إلى بلاد المحبوب . وهو الله والدار الآخرة . ويطيب لها السير،وقيل : هو الاستبشاربجود وفضل الرب تبارك وتعالى،والارتياح لمطالعة كرمه سبحانه،وقيل:هوالثقة بجود الرب تعالى .

والفرق بينه وبين التمني أن التمني يكون مع الكسل . ولا يسلك بصاحبه طريق الجدوالاجتهاد ،و"الرجاء " يكون مع بذل الجهد وحسن التوكل . فالأول كحال من يـتـمنى أن يكون له أرض يبذرها ويأخذ زرعها .

والثاني كحال من يشق أرضه ويفلحها ويبذرها،ويرجو طلوع الزرع ،ولهذا أجمع العارفون على أن الرجاء لا يصح إلا مع العمل . قال شاه الكرماني : علامة صحة الرجاء حسن الطاعة .

والرجاء ثلاثة أنواع : نوعان محمودان ، ونوع غرور مذموم .

فالأولان رجاء رجل عمل بطاعة الله على نور من الله فهو راج لثوابه،ورجل أذنب ذنوباثم تاب منها،فهو راج لمغفرة الله تعالى وعفوه وإحسانه وجوده وحلمه وكرمه .

والثالث : رجل متماد في التفريط والخطايا . يرجو رحمة الله بلا عمل . فهذا هو الغرور والتمني والرجاء الكاذب وللسالك نظران : نظر إلى نفسه وعيوبه وآفات عمله ، يفتح عليه باب الخوف إلى سعة فضل ربه وكرمه وبره . ونظر يفتح عليه باب الرجاء .

ولهذا قيل في حد الرجاء : هو النظر إلى سعة رحمة الله ،وقال أبو علي الروذباري : الخوف والرجاء كجناحي الطائر إذا استويا استوى الطير وتم طيرانه . وإذا نقص أحدهما وقع فيه النقص . وإذا ذهبا صار الطائر في حد الموت .

وسئل أحمد بن عاصم : ما علامة الرجاء في العبد ؟ فقال : أن يكون إذا أحاط به الإحسان ألهم الشكر ، راجيا لتمام النعمة من الله عليه في الدنيا والآخرة ، وتمام

 عفوه عنه في الآخرة .

واختلفوا ،أي الرجائين أكمل : رجاء المحسن ثواب إحسانه . أو رجاء المسيء التائب مغفرة ربه وعفوه ؟ .

فطائفة رجحت رجاء المحسن . لقوة أسباب الرجاء معه . وطائفة رجحت رجاء المذنب ؛ لأن رجاءه مجرد عن علة رؤية العمل ، مقرون بذلة رؤية الذنب .

قال يحيى بن معاذ :

يكاد رجائي لك مع الذنوب يغلب رجائي لك مع الأعمال ؛ لأني أجدني أعتمد في الأعمال على الإخلاص ، وكيف أصفيها وأحرزها ؟ وأنا بالآفات معروف . وأجدني في الذنوب أعتمد على عفوك ، وكيف لا تغفرها وأنت بالجود موصوف ؟ .

وقال أيضا : إلهي ، أحلى العطايا في قلبي رجاؤك .

 وأعذب الكلام على لساني ثناؤك . وأحب الساعات

 إليّ ساعة يكون فيها لقاؤك .

[الأنترنت – موقع إسلام ويب  - الآداب والرقائق - مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة العشرون بعد الثلاثمئة في موضوع      ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*لا يجوز للعبد أن يغلّب جانب الخوف من الله

على الرجاء حتى يبلغ به إلى القنوط من رحمة الله

روى البخاري [(3348) ، ومسلم (222)] عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : يَا آدَمُ ، فَيَقُولُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ ، فَيَقُولُ : أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ . قَالَ : وَمَا بَعْثُ النَّارِ ؟ قَالَ : مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ ، فَعِنْدَهُ يَشِيبُ الصَّغِيرُ ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا ، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى ، وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ !! ) ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَأَيُّنَا ذَلِكَ الْوَاحِدُ ؟ ، قَالَ : ( أَبْشِرُوا ، فَإِنَّ مِنْكُمْ رَجُلا ، وَمِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفًا )، ثُمَّ قَالَ : ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إِنِّي أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ )، فَكَبَّرْنَا ، فَقَالَ : ( أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ )، فَكَبَّرْنَا ، فَقَالَ : ( أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ) ، فَكَبَّرْنَا ، فَقَالَ : ( مَا أَنْتُمْ فِي النَّاسِ إِلا كَالشَّعَرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَبْيَضَ ، أَوْ كَشَعَرَةٍ بَيْضَاءَ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَسْوَدَ) " .

وروى عبد الله بن أحمد [(27489)] عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِآدَمَ : قُمْ فَجَهِّزْ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ إِلَى النَّارِ، وَوَاحِدًا إِلَى الْجَنَّةِ ) فَبَكَى أَصْحَابُهُ ، وَبَكَوْا ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ارْفَعُوا رُءُوسَكُمْ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أُمَّتِي فِي الْأُمَمِ إِلَّا كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الْأَسْوَدِ ) فَخَفَّفَ ذَلِكَ عَنْهُمْ " . وصححه محققو المسند لغيره .

ولا شك أن العلم بهذا يوجب الخوف من الله تعالى ، ولكن يجب أن لا يبلغ هذا الخوف بالإنسان حتى يصل به إلى اليأس من رحمة الله ، قال نبي الله يعقوب عليه السلام : ( يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) يوسف/ 87.

قال ابن القيم رحمه الله :

" الْخَوْفُ الْمُوقِعُ فِي الْإِيَاسِ : إِسَاءَةُ أَدَبٍ عَلَى رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، الَّتِي سَبَقَتْ غَضَبَهُ ، وَجَهْلٌ بِهَا " [انتهى من "مدارج السالكين" (2/ 371) .] ومن اليأس من رحمة الله - ومن سوء الظن به أيضاً - : أن يجزم الإنسان بأنه من أهل النار

وقد روى أحمد (8833) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ : أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي : إِنْ ظَنَّ بِي خَيْرًا فَلَهُ ، وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ ) .صححه الألباني في "الصحيحة" (1663) .

فعلم الإنسان بعظمة الله تعالى وبذنوبه وتقصيره في حق الله يوجب له الخوف من الله ، من غير أن يصل إلى اليأس من رحمة الله . وعلمه بسعة فضل الله وعفوه وكرمه ورحمته يوجب له رجاء أن يكون من أهل تلك الرحمة الواسعة ، من غير أن يصل إلى الأمن من مكر الله

وبهذا يعتدل سير المسلم إلى الدار الآخرة ، فيجمع بين الخوف والرجاء ، ويجتنب اليأس من رحمه الله ، والأمن من مكره . فبرجاء رحمة الله يعبد المسلم ربه ويطيعه ويعمل الصالحات ، وبالخوف منه يترك معصيته . وقد رغب الله تعالى عباده في رحمته وفضله ورهبهم وخوفهم من عذابه . فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( لَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ مَا عِنْدَ اللهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ ، مَا طَمِعَ بِجَنَّتِهِ أَحَدٌ ، وَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ مَا عِنْدَ اللهِ مِنَ الرَّحْمَةِ ، مَا قَنَطَ مِنْ جَنَّتِهِ أَحَدٌ) رواه مسلم (2755) ويجمع المؤمن مع ذلك الخوف والرجاء : محبةَ لله تعالى .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " ولهذا قال بعض السلف : من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق ، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري [ الحرورية : هم الخوارج ] ، ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجىء ، ومن عبده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن .

والمقصود : أن تجريد الحب والذكر عن الخوف يوقع في هذه المعاطب ؛ فإذا اقترن الخوف جمعه على الطريق ورده إليها ، كلما كَلَّها شيء [أي : أتعبها] ، كالخائف الذى معه سوط يضرب به مطيته لئلا تخرج عن الطريق ، والرجاء حاد يحدوها ، يطلب لها السير ، والحب قائدها وزمامها الذى يشوقها ؛ فإذا لم يكن للمطية سوط ولا عصا يردها إذا حادت عن الطريق : خرجت عن الطريق ، وضلت عنها .

فما حفظت حدود الله ومحارمه ، ووصل الواصلون إليه بمثل خوفه ورجائه ومحبته ؛ فمتى خلا القلب من هذه الثلاث : فسد فسادا لا يرجى صلاحه أبدا . ومتى ضعف فيه شيء من هذه: ضعف إيمانه بحسبه " انتهى من "مجموع الفتاوى" (15/21) .وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :" الواجب على المكلف ذكرا كان أو أنثى ألا ييأس، ولا يقنط ويدع العمل ، بل يكون بين الرجاء والخوف يخاف الله ، ويحذر المعاصي ، ويسارع في التوبة ، ويسأل الله العفو، ولا يأمن من مكر الله ويقيم على المعاصي ويتساهل ؛ ولكن يحذر معاصي الله ، ويخافه ولا يأمن،بل يكون بين الخوف والرجاء انتهى من " فتاوى نور على الدرب " (4/ 38) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :" إن غلب عليه الرجاء ؛ وقع في الأمن من مكر الله ، وإن غلب عليه الخوف ؛ وقع القنوط من رحمة الله ، وكلاهما من كبائر الذنوب" لقاء الباب المفتوح" (11/ 7) بترقيم الشاملة فاحذر من الشيطان فإنه يريد أن يوقعك في اليأس من رحمة الله لتترك عبادة الله ، وبهذا تكون قد أطعت الشيطان ووقعت في شباكه .وهذا الحديث قد رغبنا الرسول صلى الله عليه وسلم وبشرنا في آخره كما خوَّفنا في أوله ، ليكون ذلك دافعا لنا إلى الاجتهاد في طاعة الله وإحسان الظن به ، والابتعاد عن معصيته ، وبهذا ينتفع الإنسان بالموعظة التي يسمعها .

قال ابن القيم رحمه الله :" الِانْتِفَاعُ بِالْعِظَةِ [الموعظة] : هُوَ أَنْ يَقْدَحَ فِي الْقَلْبِ قَادِحُ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ ، فَيَتَحَرَّكَ لِلْعَمَلِ ، طَلَبًا لِلْخَلَاصِ مِنَ الْخَوْفِ ، وَرَغْبَةً فِي حُصُولِ الْمَرْجُوِّ.

وَالْعِظَةُ هِيَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ ، الْمَقْرُونُ بِالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ " انتهى من "مدارج السالكين" (1/ 442) .نسأل الله تعالى أن ييسرنا لليسرى وأن يجنبنا العسرى .[الأنترنت – موقع الإسلام سؤال وجواب – المنجد ] إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والعشرون بعد الثلاثمئة في موضوع  ( الله ) والتي ستكون بعنوان :*مراقبة الله

حديثنا عن موضوع يحتاج إليه الكبير والصغير والرجل والمرأة لا سيما في هذا الزمان الذي تكاثرت فيه الفتن وصار الإنسان يستطيع أن يصل إلى المنكر وهو في قعر بيته دون أن يشعر به أحد، وصار الإنسان أيضاً يستطيع أن يطوف في أنواع الضلالات والشبهات وينظر في العقائد الفاسدة والمواقع أو القنوات التي تبث الشبهات فتضلل الناس وتشكك الإنسان في عقيدته ودينه وهو في بيته بعد أن كان الناس لربما لا يستطيع الواحد منهم أن يصل إلى مطلوبه من ذلك إلا بألوان الاحتيال والصعوبات، ولربما تعجزه وتقعده الحيلة فلا يستطيع أن يحقق مطلوباً للنفس تشتهيه أو تهواه. واليوم أيها الأحبة لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم، يجلس الرجل أو المرأة وهو في بيته يمكن أن يفعل ما يشاء، وأن ينظر إلى كل ما يريد، يمكن لهذا الإنسان أن يعاكس كل ما لا يرضاه الله تبارك وتعالى دون أن يشعر بذلك أحد من الناس.

أصبحنا أيها الأحبة نتقلب في فتن تجعل الحليم حيراناً، وأصبح كثير ممن جاوزوا سن ما يسمى بالمراهقة عادوا بعد ذلك إلى حال كان يجب أن ينزهوا أنفسهم عنها بعد اكتمال العقل والنضج وصار له من العيال ما يكون حاجزاً من أن ينظر إلى ما لا يليق أو أن يفعل ما لا يليق خوف العواقب السيئة التي لربما نزلت بأهل بيته، وكثرت الشكاية أيها الأحبة من الزوجات على الأزواج ،انتكس كثير ممن كان يرتاد المساجد ويظهر عليه سيما الصالحين، انتكس على عقبه، والسبب أنه عرض نفسه للفتنة أولاً فلم ينجو منها آخراً.

ولذلك في مثل هذه الأوقات أيها الأحبة لا بد من

 الحديث عن مراقبة الله عز وجل وأن نكرر هذا

الحديث يعظ به الإنسان نفسه حينما يتحدث ويعظ به

 إخوانه ويتردد ذلك في مجالسنا حيناً بعد حين؛ فإن

 هذه القلوب يحصل لها ما يحصل من أنواع الغفلة، والنفس شرود وقد ركبت في النفوس محبة الشهوات، كما أن الفتن خطافة ، وقد يحمل الإنسان حب الاستطلاع على أن يَرِدْ موارد الهلكة فتعلق الشبه في قلبه ثم لا يستطيع بعد ذلك الخلاص منها، وأعرف من هذا أمثلة كثيرة فنسأل الله عز وجل أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا وأن يحفظنا وإياكم وجميع المسلمين من كل بلاء ومكروه.

الحديث عن المراقبة يتضمن قضايا متعددة:

أولها: في بيان حقيقة المراقبة. والثاني: في منزلتها.

 والثالث: في ذكر بعض ما ورد في هذا الباب في الكتاب والسنة. والرابع: في أنواعها. والخامس: في الطريق إليها. والسادس: في ثمراتها. والسابع: نماذج من أحوال أهل المراقبة :

أما حقيقتها : فهي من رقب، وهذه المادة تدل على انتصاب لمراعاة شيء، ومن ذلك الرقيب وهو الحافظ، ويقال المرقب للمكان العالي الذي يقف عليه الناظر فينظر من خلاله إلى ما يريد وقيل للرقبة التي في الإنسان رقبة لأنها منتصبة، ومن يريد أن ينظر أو يشاهد لا بد أن ينتصب عند نظره فيرفع رأسه وينظر إلى مطلوبه،والمرأة الرقوب هي التي لا يعيش لها ولد فكأنها ترقبه لعله يبقى،وفي أسماء الله عز وجل الرقيب وهو الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء كما سيأتي.

وأما حقيقة المراقبة في معناها الاصطلاحي فمما ذكر في ذلك ما ذكره الحافظ ابن القيم رحمه الله بأنها: "دوام علم العبد وتيقنهُ باطلاع الحق سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه، فاستدامتنا لهذا العلم هو المراقبة؛ إذا تيقن الإنسان أن الله ينظر إليه وأنه لا يخفى عليه شيء من أحواله هذا هو حال المراقبة؛ فهي: التعبد لله عز وجل باسمه الرقيب الحفيظ العليم السميع البصير الخبير الشهيد وما إلى ذلك من الأسماء.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والعشرون بعد الثلاثمئة في موضوع      ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :*مراقبة الله

يقول الحافظ ابن القيم رحمه الله في نونيته:

وهو الرقيب على الخواطر ***واللواحظ كيف بالأفعال والأركان

يعلم خطرات النفوس ولحظ العيون كيف بالحركات والأفعال الظاهرة. وفي حديث جبريل عليه السلام أنه سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الإحسان فقال: «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك» [رواه البخاري].

ومقام المراقبة جامع للمعرفة مع الخشية، فبحسبها يحصل مقام المراقبة إذا علم العبد أن الله تعالى يطلع عليه وخافه، فإن هذا الخوف مع علمه باطلاع الرب يقال له الخشية، فإذا اجتمع هذا وهذا كان ذلك تحصيناً لهذا المقام وارتقاء إلى هذه المرتبة، وبذلك ينكف العبد عن فعل ما لا يليق.

ثانياً: في الكلام على منزلتها. المراقبة ؛ أساس الأعمال القلبية كلها، وهي عمودها الذي قيامها به، وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم أعمال القلب وفروعها كلها في كلمة واحدة في الحديث السابق في الإحسان: «أن تعبد الله كأنك تراه» فهذا جامع لمقام الإسلام والإيمان والإحسان، «فإن لم تكن تراه فإنه يراك» ومن أهل العلم من يقول: "إنها مرتبة واحدة، أن تستشعر هذا المعنى أن تعبد الله كأنك تراه، وعليك أن تعلم أنك إن لم تكن تراه فإن الله يراك فهي مرتبة واحدة". ومن أهل العلم من يقول هما مرتبتان: الأولى: أن تعبده كأنك تراه، وهي الأعلى، فإذا لم يستطع العبد أن يحصل ذلك فإنه ينحط إلى المرتبة التي بعدها من مرتبتي الإحسان، وهو أن يستشعر أن الله يراه، وهذا هو اختيار الحافظ ابن القيم رحمه الله، فيعلم أن الله عز وجل مشاهد له مطلع عليه في ظاهره وباطنه وإذا تحقق العبد من هذا لم يكن التفاته إلى المخلوقين فيتزين لهم ويتصنع، ويكون محافظاً على حدود الله عز وجل في الجلوة، ويكون منتهكاً لحرماته في الخلوة، فإن هذا لم يراقبه.وكثيراً لا يكاد يخلو يوم من سؤال يكتبه صاحبه برسالة يبعث بها يسأل عن عمل يستحي أن يسأل عنه مباشرة، وهذا من العجب يستحي أن يسأل مخلوقاً ضعيفاً لا يعرفه ومع ذلك يفعل ذلك والله تبارك وتعالى يراه ويطلع عليه والملك يشاهده ويكتب عمله، وقد قال أبو حفص لأبي عثمان النيسابوري رحمه الله: "إذا جلست للناس فكن واعظاً لقلبك ولنفسك ولا يغرنك اجتماعهم عليك فإنهم يراقبون ظاهرك والله يراقب باطنك".

ثالثاً: مما ورد من النصوص في هذا الباب. الآيات والأحاديث في هذا كثيرة؛ فالله جل جلاله يقول: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ} [سورة آل عمران: 5]. {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [سورة الحديد: 4]. {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [سورة غافر: 19]. {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [سورة البقرة: 235]. {وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا} [سورة الأحزاب: 52]. {أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَىٰ} [سورة العلق: 14]. وجاء في حديث معاذ رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "يا رسول الله؛ أوصني"، قال: «اعبد الله كأنك تراه».

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والعشرون بعد الثلاثمئة في موضوع      ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :*مراقبة الله

وجاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله...» [رواه البخاري]، وإذا نظرت إلى هؤلاء السبعة تجد أن الشيء المشترك والوصف الذي تحقق فيهم جميعاً هو المراقبة لله تبارك وتعالى. الرجل الذي ذكر الله خالياً ففاضت عيناه ما الذي جعله يكون بهذه المثابة؟ هو مراقبة الله، الناس لا يرونه، الرجل الذي دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، حصلت له المنعة مع وجود الدافع القوي فهي ذات منصب وذات جمال ونفسه تطلب هذه الشهوات ومع ذلك قال إني أخاف الله، والرجل الذي تصدق بيمينه حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه؛ هذا رجل قد راقب الله عز وجل وإلا فإن المال شيء محبب إلى النفوس ولا يسهل عليها أن تجود به إلا بطلب عوض أعظم واليقين عند عامة الناس عند كثير من الناس ضعيف، ولذلك فإن الكثيرين قد يصعب عليهم إخراج المال لله تبارك وتعالى، فكيف بهذا الذي أخفاه إلى هذا الحد حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه. الشاب الذي نشأ في طاعة الله عز وجل مع قوة النوازع وتوقد الغرائز الذي منعه من ذلك هو مراقبة الله تبارك وتعالى، وهكذا... وجاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار فيجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم الله وهو أعلم بهم؛ كيف تركتم عبادي؟، فيقولون: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون» [رواه البخاري]، فهل استحضرنا هذا المعنى، هل استحضره من يضيع صلاة الصبح ينام عنها ويضيع صلاة العصر حينما يأتي من عمله ثم بعد ذلك ينام.

رابعاً: في ذكر أنواع المراقبة. يمكن أن تتنوع المراقبة أيها الأحبة إلى أنواع مختلفة باعتبارات متعددة، ولكن يمكن أن أقتصر على وجه من تنويعها، فأقول أيها الأحبة: المراقبة تكون قبل العمل، قبل أن تقدم على العمل ينبغي أن تسأل نفسك؛ هل لك فيه نية؟، ما ذا تريد بهذا العمل الذي تقوم به؟، حينما تريد أن تتصدق بصدقة هل هذه الصدقة تريد بها وجه الله أو أنك تجمع خسارة في الدنيا وعذاباً في الآخرة؟، إذا كان الإنسان ينفق من أجل أن يقال منفق، فيكون من أول من تسعر بهم النار يوم القيامة، هذا الإنسان الذي يريد أن يطلب العلم هل يريد أن يطلب هذا العلم من أجل أن يقال عالم، حينما يقوم الإنسان بمشروع من الأعمال الطيبة من إغاثة المنكوبين أو القيام على الفقراء والأرامل والأيتام، هذه أعمال جليلة، وتتطلب من الإنسان ألوان التضحيات، فينفق فيها وقته وجهده، ولربما لا يراه أهله إلا في قليل من الوقت، هل لك فيه نية، يسأل الإنسان حينما يريد أن يقدم على هذه الأعمال هل هو لله؟، هل للنفس فيه هوى؟، هل للشيطان فيه نزغة فيتثبت؟، فإن كان لله أمضاه، وإن كان لغيره صحح نيته وأخلص قصده وعمله، وفي هذا يقول الحسن البصري رحمه الله: "كان أحدهم إذا أراد أن يتصدق بصدقة نظر وتثبت، فإن كان لله أمضاه، ويقول: رحم الله عبداً وقف عند همه فإن كان لله مضى وإن كان لغيره تأخر". وجاء عن محمد بن علي رحمه الله: "إن المؤمن وقاف ومتأنٍ يقف عند همه ليس كحاطب ليل. فلا يتسارع الإنسان في الأعمال في هذه الحياة الدنيا ولو كان ظاهر ذلك من الأعمال الصالحة حتى ينظر قبل أن يقدم عليه هل له فيه نية صحيحة أو لا".

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والعشرون بعد الثلاثمئة في موضوع      ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :*مراقبة الله

 تعرفون حديث الثلاثة الذين تسعر فيهم النار يوم القيامة أول الناس: هذا رجل عالم، وهذا رجل جواد، وهذا رجل قارئ للقرآن أو مجاهد في سبيل الله، فهذا جاهد ليقال شجاع، وهذا قرأ ليقال قارئ، أو تعلم العلم ليقال عالم، وهذا أنفق من أجل أن يقال جواد، فيدخل النار قبل السراق، والزناة، وأصحاب الجرائم، فالمسألة ليست بالشيء السهل، قد يتصور كثير من الناس أن الذين يُتوعدون بالعقوبة أنهم على خطر وخوف هم أولئك الذين يقارفون ما يقارفون من ألوان الشهوات الظاهرة؛ وما علم أن الشهوات الباطنة قد تكون أعظم وأشد من الشهوات الظاهرة، الإنسان أليس ينفق المال من أجل تحصيل المحامد، أليس الرجل قد يقدم في نحر العدو في شجاعة متناهية من أجل أن يقال شجاع، فيبذل نفسه من أجل قيلهم هذا، هذه أغلى ما يملكه الإنسان، النفس والمال.

لولا المشقة ساد الناس كلهم *** الجود يفقر والإقدام قتال

فيبذل الإنسان هذه الأمور التي هي أغلى ما يملك من أجل تحصيل شيء من حظوظ النفس الخفية، طلب المحمدة والسمعة، والرياء ، فليس الهالك هو ذلك الإنسان الذي يتبع ما يمليه عليه هواه من ألوان الشهوات من الفجور والمعاصي ومعاقرة الفواحش وما أشبه ذلك فحسب بل إن الهلكة تقع أيضاً في تلك النية المختلة الفاسدة التي لربما كان صاحبها يفطم نفسه عن ألوان المتع من النزه وأكل الطيبات والراحة والنوم والتمتع بألوان المتاع وهو يعمل ويكدح ويواصل الليل والنهار لكن ليس له في هذا نية، وقد ينتفع كثير من الناس ولكنه كالشمعة أو السراج الذي يضيء للآخرين ويحرق نفسه.

النظر الثاني هو أثناء العمل: يحتاج الإنسان إلى مراقبة لله عز وجل وهو يعمل، ونحن نصلي نراقب الله عز وجل في صلاتنا في ركوعنا وسجودنا وما نقوله فينا في صيامنا نراقب الله عز وجل لا نتكلم بكلام ينافي الصوم ولا نفعل فعلاً يخدشه، ونحن حينما نقوم بعمل من الأعمال الدعوية أو غير الأعمال الدعوية مما يحبه الله عز وجل ويرضاه أثناء العمل نصحح النية ونتابع فإن القلب كثير التقلب ولذلك قيل له الفؤاد والله أعلم لكثرة تفؤده وتوقده بالخواطر والأفكار والإرادات، يبدأ الإنسان بنية صحيحة ثم تجد قلبه يتقلب عليه، فيحتاج إلى ملاحظة دائمة أثناء العمل. الذي يتكلم يلاحظ نفسه عند الكلام، والذي يعمل يلاحظ نفسه عند العمل، والذي يكون حتى في أعماله المباحة يلاحظ ويراقب نفسه عند القيام بهذا العمل المباح.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والعشرون بعد الثلاثمئة في موضوع      ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :*مراقبة الله

فالعبد إذا كان في طاعة يتفقد عمله هل جاء بأركانه وشروطه وواجباته وما أشبه ذلك. إذا كان في معصية ينزجر وينكف ويتذكر نظر الله عز وجل إليه. وإذا كان الإنسان في أمر مباح فإنه يشكر الله عز وجل على هذه النعم التي أولاه إياها، إذا كان يأكل يتفكر في هذا الطعام الذي يأكله كيف وصل إليه وكيف حرمه كثير من الناس وما يشتمل عليه هذا الطعام من ألوان العبر التي إذا نظر إليها الإنسان أحيت قلبه، هذا نظر أثناء العمل. وهكذا أيضاً يتفقد الإنسان أوقاته؛

لأن الإنسان في هذه الحياة مبحر مسافر، كيف يقضيها،

هذا اليوم منذ أن أشرقت شمسه ما هي المغانم والمكاسب التي حصلها فيه، في أربع وعشرين ساعة كان يمكن أن يقرأ ثمانية وأربعين جزءاً؛ فماذا قرأ، في هذه الأوقات كم يمكنه أن يصلي فيها من ركعة لله عز وجل، كم يمكنه أن يقرأ من صفحة في علم نافع، كم يمكنه أن يسبح من تسبيحة وأن يستغفر، فيفكر في هذه الأوقات التي تصرمت، منذ الليلة الماضية مثل هذا الوقت إلى الآن ما هي مكاسبنا؟، ماذا عملنا؟، هذه الإجازة قد انتصفت، ما الذي خرجنا به؟، ما هي الأعمال التي قمنا بها؟، الإنجازات التي حققناها كم تكافئ من أيام هذه الإجازة التي قد تصرمت؟، وهكذا يتفقد الإنسان دائماً نفسه وينظر في حاله وفي تقصيره وفي عمله حتى يلقى الله عز وجل وهو على يقظة دون أن يكون غافلاً فيخترمه الموت ثم بعد ذلك يندم ولا ينفعه الندم.

 الأعمال التي يزاولها هل هذا هو الأفضل والعمر قصير أو أن هناك أعمالاً أفضل من هذه يمكن أن يتجر بها ويربح في تجارته مع الله جل جلاله. وهكذا في كل شأن من شؤوننا، في الكلام؛ المجالس لربما كان الإنسان واعظاً، أو داعية، أو خطيباً، ويعلم الناس، ويبين لهم الأشياء التي يحتاجون إليها، يبين لهم حكم الغيبة، وإذا جلس في المجالس ينطلق لسانه في أعراض المسلمين، من غير أن يرعوي، ينبغي للإنسان أن ينظر في عمله فعلاً ولا يغتر ولا يظن أنه يمكن أن يجتاز الصراط بظاهر من التدين والله عز وجل يعلم حاله وما ينطوي عليه سره وقلبه وخبيئته. هذه الأشياء الجميع يحتاج أن يراجع فيها نفسه، ولا يخلو أحد فمقل أو مستكثر، وقد قال بعضهم: "عالجت الصمت عما لا يعنيني عشرين سنة قبل أن أقدر منه على ما أريد"، وكان هذا الرجل لا يدع أحداً يغتاب أحداً في مجلسه، ويقول لجلسائه: "إن ذكرتم الله أعناكم وإن ذكرتم الناس تركناكم"، من منا يفعل هذا، إذا أراد أحداً أن يغتاب الناس قال له سبح، اذكر الله عز وجل، ولو كان هذا المغتاب من الصالحين من الخيرين، فإن حدود الله عز وجل لا يحابى بها أحد، فينبغي على الجميع أن يلتزم أمر الله تبارك وتعالى ويجتنب نهيه، وليس صلاح الإنسان في الظاهر، أو جهوده التي يبذلها في سبيل الله تبارك وتعالى تكون مسوغاً وسبباً لأن يفعل ما يريد.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والعشرون بعد الثلاثمئة في موضوع      ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :*مراقبة الله

 خامساً: كيف نصل إلى المراقبة. ما الطريق إليها؟ أقول: أول ذلك وهو من أعظمه أن نستحضر معاني الأسماء الحسنى التي تؤثرفي هذا المقام والله تبارك

وتعالى علمنا في هذا القرآن جملة طيبة كثيرة من أسمائه جل جلاله، وإنما ذلك من أجل أن نتعبده بهذه الأسماء. فمن أسمائه التي تتعلق بهذا المعنى: الرقيب، وكذلك الحفيظ، والعليم، والخبير، والشهيد، والمحيط، واللطيف، إلى غير ذلك من الأسماء التي إذا أدرك العبد معناها وتعبد ربه بمقتضاها فإن ذلك يؤدي به إلى تحصيل مقام المراقبة. فالرقيب هو الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء، الحفيظ الذي لا يغفل، العليم الذي لا يعزب عنه مثقال شيء من أحوال خلقه، يرى أحوال العباد ويحصي أعمالهم، ويحيط بمكنونات سرائرهم فهو مطلع على الضمائر، شاهد على السرائر، يعلم ويرى ولا يخفى عليه السر والنجوى {وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [سورة المائدة: 117]، {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [ النساء: 1]،{وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ

 رَّقِيبًا} [سورة الأحزاب: 52].

رقيب على كل الوجود مهيمن *** على الفلك الدوار نجماً وكوكبا

رقيب على كل النفوس وإن تلذ *** بصمت ولم تجهر بسر تغيبا

رقيب تعالى مالك الملك مبصر *** به كل شيء ظاهر أو محجبا

  والمراقبة هي ثمرة علمه بأن الله سبحانه وتعالى رقيب عليه ناظر إليه سامع لقوله مطلع على عمله في كل وقت وحين، وفي كل نفس وفي كل طرفة عين، فإذا أرادت عينه أن تمتد إلى النظر إلى ما حرم الله عز وجل لامرأة يشاهدها ويراها في الطريق أو في الأسواق أو كان ذلك في شاشة فإنه يدرك ويعلم أن نظر الله إليه أسبق من نظره إليها فيخاف وينزجر وينكف، عن هذا النظر، وكان الإمام أحمد رحمه الله

 كثيراً ما يردد:

إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل *** خلوت ولكن قل علي رقيب

ولا أن الله يغفل ساعة *** ولا أن ما تخفي عليه يغيب  لهونا عن الأيام حتى تتابعت *** ذنوب على آثارهن ذنوب

فياليت أن الله يغفر ما مضى *** ويأذن في توباتنا فنتوب

 قال رجل لوهيب بن الورد رحمه الله: "عظني؟"، قال: "اتق أن يكون الله أهون الناظرين إليك". وهذا للأسف قد نقع فيه، وإذا تتابعت الغفلة على قلب الإنسان فإنه قد يستحي من مخلوق ضعيف ولربما كان صبياً صغيراً أن يفعل ما لا يليق بحضرته ولكنه يفعل العظائم والله تبارك وتعالى يراه ويطلع عليه وينظر إليه. ومن أسمائه تبارك وتعالى: الشهيد، وهو مشتق من الشهود بمعنى الحضور، وذلك يستلزم العلم. فالله مطلع على كل الأشياء يسمع جميع الأصوات، خفيها وجليها، ويبصر جميع المبصرات دقيقها وجليلها صغيرها وكبيرها، وأحاط علمه بكل شيء، فهو شهيد أيضاً، يشهد على الخلق يوم القيامة بما علم وشاهد من أفعالهم {وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا تَعْمَلُونَ} [سورة آل عمران: 98]، {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا} [سورة النساء: 33]، {وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا} [سورة النساء: 79].

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والعشرون بعد الثلاثمئة في موضوع( الله ) والتي ستكون بعنوان :

الفرق بين الرقيب والشهيد:

أن الرقيب فيه زيادة حفظ، فالشهيد مطلع شاهد ينظر إليه، وأما الرقيب فهو مطلع عليه يحفظ عمله الذي يزاوله ويعمله؛ فالله تبارك وتعالى رقيب شهيد،

 وهو كذلك أيضاً حفيظ.

والحفيظ له معنيان:

الأول: أنه حفظ أعمال العباد فلم يذهب شيء منها، كل ما يقوله الإنسان وكل ما يعمله محفوظ، سواء كان ذلك من قبيل الخير أو الشر، وهذا المعنى من حفظه تبارك وتعالى يقتضي إحاطة علمه بكل المخلوقات، وأنه كتب ذلك تبارك وتعالى في اللوح المحفوظ وفي الصحف التي بأيدي الملائكة، وعلم بمقادير هذه الأعمال والأشياء، فلم يفت عليه شيء من ذلك.  المعنى الثاني من معاني الحفيظ: أنه يحفظ عباده مما يكرهون، {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا} [سورة يوسف: 64].

يقول ابن القيم رحمه الله في الجمع بين هذين المعنيين: وهو الحفيظ عليهم وهو الكفيل *** بحفظهم من كل أمر عاني

حفيظ عليهم: يحفظ أعمالهم، وهو الكفيل بحفظهم:

يحفظهم من المكاره.

جل الحفيظ فلولا لطف قدرته *** ضاع الوجود وضل النجم والفلك

حتى القطيرةَ من ماء إذا نزلت *** من السحب لها في حفظها ملك

{إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ} [سورة هود: 57]، فمن علم أن ربه حفيظ؛ حفظ جوارحه وقلبه من كل ما لا يليق. والعلم الحديث أثبت أنه يمكن استرجاع ما يصدر من الإنسان من الأصوات، يقولون إن كلام الإنسان يتحول إلى موجات هوائية وأن هذه الموجات تبقى كما هي في الأثير بعد حدوثه ومن الممكن أن تسترجع وأن تسمع مرة أخرى، يقول لكنا علومنا قاصرة لم تصل إلى هذا بعد، يقولون لو استطاع العلم أن يكتشف جهازاً يستطيع أن يلتقط هذه الأصوات التي قالها القائلون منذ أن خلق الله عز وجل آدم -صلى الله عليه وسلم- فإن ذلك من الناحية العلمية ممكن لكن يقولون لم نصل إليه بعد، ونحن نعلم يقيناً أن الله تبارك وتعالى قد أحاط بذلك كله وأن الله قادر على أن يسمع الناس كلامهم، وهو قادر تبارك وتعالى على أن يعيد لهم الصورة من جديد في العمل الذي يزاولونه، الله على كل شيء قدير، ولهذا فإن الله ينطق الجوارح وينطق الأرض، الأرض تحدث أخبارها، والجوارح تتكلم بما عمله الإنسان فيها.

ومن أسمائه تبارك وتعالى: المحيط. فالله رقيب، شهيد، حفيظ، محيط، وهذه الأسماء: الرقيب والشهيد والمحيط والحفيظ تشترك في صفة العلم، لكن الرقيب يفيد مع العلم الحفظ، والشهيد يفيد مع العلم الحضور، والمحيط يفيد مع العلم الشمول والإحاطة والقدرة. ومن أسمائه تبارك وتعالى أيضاً: العليم. {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ} [سورة الحديد: 4]، {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} [سورة البقرة: 235].

والرب فوق العرش والكرسي *** لا يخفى عليه خواطر الإنسان

فمن علم أن الله تبارك وتعالى عالم بكل شيء، حتى بخطرات الضمائر ووساوس الخاطر فعليه أن يراقبه وأن يستحي منه وأن يكف عما لا يليق ولا يغتر بجميل ستره تبارك وتعالى وإنما يخشى بغتات قهره ومفاجآت مكره، قال الله تعالى: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ الْقَوْلِ} [سورة النساء: 108]، {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ ۖ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [سورة الملك: 13]، {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [سورة الملك: 14].

كل معلوم ففي علمك كان *** أنت محصيه زماناً ومكاناً

أنت سبحانك أدرى بالذي *** فيه ذرات نقاط وكياناً

 أنت محصيها وهاديها إلى *** نشوة تسبيح قلباً ولساناً

إحاطة بجميع الغيب عن قدر *** أحصى بها كل موجود ومفتقد

وكلهم باضطرار الفقر معترف *** إلى فضائله في كل معتمد

 العالم الشيءَ في تصريف حالته *** ما عاد منه وما يمض فلم يعد

ويعلم السر من نجوى القلوب وما *** يخفى عليه خفي جال في خلد

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والعشرون بعد الثلاثمئة في موضوع( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : الفرق بين الرقيب والشهيد:

يقول سفيان الثوري رحمه الله: "عليك بالمراقبة مما لا تخفى عليه خافية، وعليك بالرجاء ممن يملك الوفاء". ومن أسمائه تبارك وتعالى: الخبير. وهو الذي يعلم بواطن وخفايا الأشياء، والارتباط بين العليم والخبير والشهيد لا يخفى؛ فإذا اعتبرنا العلم مطلقاً فهو العليم، وإذا أضيف إلى الغيب والأمور الباطنة فهو الخبير،

 وإذا أضيف إلى الأمور الظاهرة فهو الشهيد.

ومن أسمائه تبارك وتعالى: السميع والبصير. يسمع الأصوات ويرى المبصرات، يسمع السر والنجوى، ويبصر ما تحت الثرى.

ومن أسمائه: المهيمن. وهو الرقيب الحافظ لكل شيء، الخاضع لسلطانه كل شيء، فهو القائم على خلقه، الشهيد عليهم، {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [سورة الرعد: 33]، {إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ} [سورة آل عمران: 5].

 ما شاء كان وما في الكون خافية *** تخفى على علمه بدأً ومنقلباً

إنا إليه أنبنا خاشعين له *** وجاعلين له من ذكره سبباً

فلا شيء في ملكه طوع إرادته *** بمستطيع خروجاً أينما ذهباً

جل الميهمن رباً لا شريك له *** وجل إن لم يهب شيئاً وإن وهباً

  ومن أسمائه تبارك وتعالى: القريب. {إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ

 مُّجِيبٌ} [سورة هود: 61]، وقربه سبحانه وتعالى نوعان: قرب عام، وهو إحاطة علمه بجميع الأشياء، وهو أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد. والقرب الآخر قرب خاص بالداعين والعابدين {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [سورة البقرة: 186]. يقول عامر بن عبد القيس رحمه الله: "ما نظرت إلى شيء إلا رأيت الله تعالى أقرب إليه مني".   وسئل بعضهم عن المراقبة، فقال: "أولها علم القلب بقرب الله تعالى من العبد". هذا السبب الأول الموصل إلى مقام المراقبة؛ أن نعرف معاني هذه الأسماء، وأن نتعبد الله تبارك وتعالى بمقتضاها.

السبب الثاني الذي يوصل إليها : هو أن نحقق مرتبة الإحسان. أن نعبد الله عز وجل كأننا نراه، وإنما ينشأ ذلك من كمال الإيمان بالله وأسمائه وصفاته حتى يصير العبدُ بمنزلة كأنه يرى ربه تبارك وتعالى فوق سماواته مستوياً على عرشه، يتكلم بأمره ونهيه ويدبر أمر الخليقة ، فينزل الأمر من عنده ويصعد إليه وتعرض أعمال العباد وأرواحهم عند الموافاة عليه كما يقول الحافظ ابن القيم رحمه الله.

الثالث من هذه الأسباب: هو كثرة ذكر الله عز وجل بالقلب واللسان. وقد ذكر الحافظ ابن القيم في الوابل الصيب للذكر أكثر من مائة فائدة، وذكر العاشرة منها وهو أنه يورثه المراقبة حتى يدخله في باب الإحسان فيعبد الله كأنه يراه، ولا سبيل للغافل عن الذكر إلى سبيل الإحسان، كما لا سبيل للقاعد إلى الوصول إلى البيت الحرام، وأفضل الذكر كما هو معلوم ما تواطأ عليه القلب واللسان، ولو أردنا أن نوازن بين ذكر القلب وذكر اللسان، فلا شك أن ذكر القلب أفضل من ذكر اللسان بمجرده،لأن الإنسان قد يلهج بلسانه وقلبه في غاية الغفلة،فذكر القلب يثمرالمعرفة،ويُهيج المحبة،ويثيرالحياء،ويبعث على المخافة،ويدعو إلى المراقبة

الأمر الرابع من الأمور التي توصل إلى مقام المراقبة:

أن يحاسب الإنسان نفسه دائماً. أن يلاحظ الأنفاس والخطرات، فلا يكون العبد من الغافلين. جاء عن بلال بن سعد رحمه الله أنه قال: "لا تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن انظر إلى من عصيت".

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والعشرون بعد الثلاثمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان : المراقبة

قال ابن المبارك لرجل: "راقب الله تعالى"، فسأله الرجل عن تفسير ذلك فقال: "كن أبداً كأنك ترى الله". وقال بعضهم: "إنما هي أرباح عيناك ولسانك وهواك وقلبك، فانظر عينيك لا تنظر بهما إلى ما لا يحل لك، وانظر لسانك، لا تقل به شيئاً يعلم الله خلافه من قلبك، وانظر قلبك لا يكن فيه غل ولا دغل على أحد من المسلمين، وانظر هواك لا تهوى شيئاً يكرهه الله عز وجل، فما لا تكن فيك هذه الأربع فالرماد على رأسك". وقال آخر: "تعاهد نفسك في ثلاث مواضع، إذا عملت فاذكر نظر الله عليك، وإذا تكلمت فانظر سمع الله منك، وإذا سكت فانظر علم الله فيك".

وفؤادي كلما عاتبته *** في مدى الإجرام يبغي تعبي

لا أراه الدهر إلا *** لاهياً في تماديه فقد برح بي

يا قرين السوء ما هذا الصبا *** فني العمر كذا في اللعب

نفسي ما كنت ولا كان الهوى *** راقبي الله وخافي وارهبي

  كان لبعض الأمراء وزير وكان هذا الوزير جالساً بين يديه وعند هذا الأمير بعض الغلمان وقوف بجانبه في ناحية من المجلس فلاحت من هذا الوزير نظرة إلى هؤلاء الغلمان لشيء عرض، ثم التفت إلى الأمير وإذا الأمير ينظر إليه، فخشي أن يظن الأمير أن الوزير ينظر إلى هؤلاء الغلمان الحسان لريبة، فما الذي حصل من هذا الوزير ، جعل كلما حضر إلى مجلس هذا الأمير ينظر إلى تلك الناحية، ليوهم هذا الأمير، أنه إنما ينظر إليها لحول أو علة في خلقته، هذه في مراقبة مخلوق لمخلوق، أراد أن يمحو الصورة التي لربما وقعت في نظر أو في نفس هذا الأمير اتجاه هذا الوزير ليقول له لم أكن في ذلك اليوم أو في ذلك العام أنظر إليهم لريبة وإنما أنا هكذا أنظر إلى هذه الناحية خلقة، نظر مخلوق إلى مخلوق، فأين النظر إلى الله، أين مراقبة المعبود جل جلاله.

كأن رقيباً منك يرعى خواطري *** وآخر يرعى مهجتي ولسانيا

وقد كان لأحد الشيوخ تلامذة وكان يقدم ويفضل أحدهم وهم لا يدرون ما سبب ذلك، فتساءلوا عن سبب إيثاره وتفضيله لهذا التلميذ، فخرج معهم يوماً، ثم أعطى كل واحد منهم طائراً، وقال: ليعمد كل واحد منك بهذا الطائر إلى حيث لا يراه أحد، ثم يذبح هذا الطائر ويأتي، فذهبوا جميعاً وكل واحد ذهب إلى ناحية وذبح الطائر الذي معه وجاء، فجاء هذا التلميذ الذي كان يؤثره هذا الشيخ ومعه هذا الطائر لم يذبح، فقال له: "لِمَ لمْ تذبحه؟"، فقال: "قلت: حيث لا يراك أحد، فلم أجد مكاناً لا يراني الله عز وجل فيه"، فقال لهم: "لأجل هذا كنت أؤثره عليكم".

وكان لبعض الملوك مملوك عبد يؤثره على غيره من خدمه ومماليكه، فكأن نفوسهم قد تحركت نحوه، وتساءلوا عن سبب هذا التفضيل، فبينما هو في سفر ومعه هؤلاء المماليك والخدم إذ لاحت من هذا الملك نظرة إلى جبل في قمته ثلج، فركب ذلك المملوك على فرسه وركضه حتى انطلق دون أن يشعر به أحد إلى ذلك الجبل وأحضر من ذلك الثلج وجاء به إلى هذا الملك ووضعه بين يده، فسأهله هذا الملك: "كيف عرفت أني أرغب هذا الثلج؟"، فقال: "رأيتك نظرت إليه"، فهو يلاحظ نظرات هذا الملك، فقال الملك لجلسائه وخدمه ومماليكه: "من أجل هذا كنت أؤثره، إنكم تلاحظون مطلوبات نفوسكم وهو يلاحظ نظراتي وخطراتي". مخلوق ينظر إلى مخلوق آخر ينظر إليه، إذا حرك عينه اتجاه شيء قفز، وجاء به إليه، فأين نحن في معاملتنا مع الله تبارك تعالى، نعصي، ونقصر، وأحياناً ننقر الصلاة نقراً، ويصلي الإنسان بتثاقل، أين المحبة؟، وأين المراقبة؟، وأين التعبد لله عز وجل بمقتضى هذه الأسماء التي ذكرناها؟

يقول سفيان الثوري رحمه الله: "لو كان معكم من يرفع

 حديثكم إلى السلطان، أكنتم تتكلمون بشيء؟"، قالوا: "لا"، قال: "فإن معكم من يرفع الحديث".

 فالنفس تحتاج إلى محاسبة،وملاحظة، أن نحاسبها أعظم من محاسبة الشريك الشحيح لشريكه، فإذا أصبح الإنسان قال لنفسه : يا نفس؛ هذا يوم جديد قد أمهلك الله عز وجل، فلو أن نفس الإنسان خرجت، لتمنى ساعة أو لحظة، يسبح فيها تسبيحة، هذا يوم جديد، وإمهال جديد، فينبغي أن يُشْغَلَ بما يرضي الله تبارك وتعالى، لا أن يستزيد الإنسان من الغفلة، والإعراض، والتمادي في مساخط الله عز وجل حتى يفاجئه الموت.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثلاثون بعد الثلاثمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :ثمرات المراقبه

سادساً: ما هي الثمرات والنتائج الطيبة التي تحصل لمن ربى نفسه على المراقبة واتصف  بهذه الصفة ، وبلغ

هذه المراتب العظيمة.

أقول أول ذلك التأدب مع الله عز وجل، فهو يدرك

 أن الله يسمعه وأن الله يبصره، صفة الإنسان إذا جلس أمام الناس أيها الأحبة لربما راقبهم في كل حركة وفي كل سكناتهم، لو كان الإنسان يتصرف بتصرفات أيها الأحبة لا تليق، ثم اكتشف أن في هذا المكان كمرة، ما الذي يحصل؟، ولو كان هذا الإنسان يفعل بعض الأمور المباحة، لكنه لا يفعلها أمام الناس، ما الذي يحصل؟، لو كان هذا الإنسان يتكلم بكلام محرم لا يليق، مع امرأة لا تحل له، بفحش، ثم اكتشف أن هذا الكلام جميعاً يسجل ويسمع، ما الذي يحصل له؟، لو كان هذا الإنسان يجلس في غرفة، ويوجد فيها ما ينقل الصوت إلى مكان آخر وفي المكان الآخر أهله وقراباته ونحو ذلك وهو يتكلم مع زوجته، بكلام مباح، لا يقوله أمام الناس، كيف تكون حاله؟، فكيف بمن يتكلم بما لا يليق مما حرمه الله عز وجل والله يسمعه فلا يتأدب مع الله جل جلاله؟ الأدب مع الله عز وجل بأن نصون المعاملة معه فلا نشوبها بنقيصة، إذا صلى الإنسان يصلي صلاة لائقة أن يصون قلبه فلا يكون فيه التفات ولا تعلق بغير الله عز وجل، أولئك الذين يتعلقون بنظر المخلوقين وبثناء المخلوقين وإبراء المخلوقين؛ ماذا قالوا عن الحقل الفلاني وماذا قالوا عن المناسبة الفلانية وماذا قالوا عن الكلمة الفلانية وماذا قالوا، قلبه يعذب ويتشتت، وهكذا أيها الأحبة، أولئك الذي يتعلقون بالصور وأصحاب الصور، امرأة تتعلق بفتاة أو شاب يتعلق بمثله أو يتعلق بامرأة أو نحو ذلك، ولربما قال أحدهم لصاحبه كما ذكر بعضهم يسأل عن هذا: "أتمنى لو أني أحب الرسول صلى الله عليه وسلم كما أحبك"!!!، إلى هذا الحد، فهذه محبة مرضية قد يظن صاحبها أنها محبة لله وفي الله، هكذا أيضاً أن يلاحظ الإنسان إرادته فلا تتعلق إرادته بشيء لا يريده الله ولا يحبه ولا يرضاه منه فإذا وُجِدَت المراقبة أيها الأحبة فإن العبد تصلح أحواله في ظاهره وباطنه. وقد قيل: أسرع الأشياء عظة للقلب وانكساراً له ذكر اطلاع الله بالتعظيم له، والمقصود أيها الأحبة أن المراقبة توجب صيانة الظاهر والباطن، فصيانة الظاهر بحفظ الحركات الظاهرة، وصيانة الباطن تكون بحفظ الخواطر والإرادات والحركات الباطنة، ومن الحركات الباطنة أيها الأحبة ضبط معرضة أمره وخبره، فيجرد الإنسان باطنه من كل شهوة وإرادة تعارض أمره، هذه مراتب عالية، أحياناً الإنسان في داخل نفسه قد يكره حكم الله عز وجل وتنفر نفسه منه وقد يتمنى في نفسه لو أن الله أباح له ذلك الأمر المحرم، أو أن الله يسر له ذلك ولربما كان في قلبه اعتراض على أقدار الله عز وجل، لماذا أنا فقير؟، لماذا أعمل دائماً وأكدح ولا أخرج بكبير طائل وفلان وفلان بعمل يسير يصلون إلى الأموال الطائلة والتجارات الكبيرة؟، هذا اعتراض على قدر الله عز وجل، فالله أعطى، أغنى وأقنى عن علم وبصر بالعباد لا يخفى عليه من شأنهم خافية. وقد يصاب الإنسان ببلية بمكروه بمرض، فيعترض على الله تبارك وتعالى في نفسه، فيقول: أنا دائماً مبتلى، لماذا يحصل لي هذا الحادث الشنيع؟، وبهذه الطريقة؟، وتحصل لي هذه الكارثة، يحصل لي هذا البلاء وأناس فجرة لا يرعوون من معصية الله عز وجل يتقلبون بألوان العافية ونحن نتقلب في ألوان البلاء؟... هذا ما عرف الله عز وجل، ما عرف الله، لو عرف الله لعرف أن أهل البلاء هم أهل القرب من الله تبارك وتعالى، وأن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، وقد يعترض الإنسان على الله تبارك وتعالى فيما شرعه فيقول له اختيار مع الله وتقدم بين يدي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فيعارض النصوص برأيه وبعقله وهواه، ويرد الآيات والأحاديث بهذا العقل الفاسد، ولربما حمل النصوص على المحامل الصعبة والتأويلات البعيدة من أجل أن يوافق هواه أو من أجل أن يوافق هوى الآخرين.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والثلاثون بعد الثلاثمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :ثمرات المراقبه

فالإنسان إذا راقب الله عز وجل تأدب معه الأدب اللائق فاستقام ظاهره واستقام باطنه ولم توجد في قلبه محبة تزاحم محبةَ الله عز وجل ولا في قلبه شبهة تعارض خبره، وقد قيل: "من راقب الله في خواطره عصمه الله في حركات جوارحه". ولما سئل بعضهم: "بما يستعين الرجل على غض بصره عن المحظورات؟"، قال: "بعلمه أن رؤية الله تعالى سابقة على نظره إلى ذلك المحظور". كتب أحد الأشخاص رسالة طويلة يقول فيها: بأنه من المربين، وأنه قد ألقى درساً متكاملاً عن غض البصر، وذكر لي في هذه الرسالة جملة كثيرة من الكتب التي تحدثت عن غض البصر، المراجع، وقال: أعرف ذلك جميعاً، ومع ذلك أنظر يقول: باستمرار إلى الحرام ولا أستطيع أن أسيطر على نفسي، هذا الإنسان لو وصل إلى مقام المراقبة فعلاً لتغيرت الحال، لكن المشكلة التي نحتاج أولاً أن نعرفها ؛ أننا نعرف كثيراً من المعلومات نسمع وقد نتكلم ولكن دون أن يكون ذلك متغلغلاً في قلوبنا وأعماقنا، وكأننا نتحدث أيها الأحبة أو نسمع أشياء ونحن لا نقتنع بها، ولذلك الناس كم يسمعون من خطبة في العام، ما يقرب من خمسين خطبة، أين أثر هذه الخطب عليهم، يسمعون عن أكل الحرام، يسمعون عن آفات اللسان، يسمعون عن النظر إلى الحرام، يسمعون عن كل هذه القضايا فينظر الإنسان في حاله وفي نفسه، الخطيب والمستمع حينما يخرج من المسجد هل خرج بحال جديدة؟، هل تغيرت حاله؟، هل خرج بعمل جديد؟، فنحن لا نعرف في كثير من الأحيان حقيقة ما يخالج نفوسنا من العلل، نحن نستطيع أن نوصف علل الآخرين، ولربما لو قلت لهذا الإنسان ونصحته وذكرته بالله بأنه يعاني من كذا وكذا وكذا لربما انقبض منك ونفر ويرى أنك قد جرحته وآذيته، هل هذا الإنسان عنده إرادة صادقة فعلاً بإصلاح النفس. مراقبة الله تعالى في الخواطر أيها الأحبة سبب لحفظها في حركات الظواهر، فمن راقب الله في سره حفظه الله في حركاته في سره وعلانيته، إذا تحققت المراقبة في الناس أيها الأحبة فإن ذلك يكون زاجراً ورادعاً يحمل النفوس على ما يجمل ويحسن ويليق، وذلك لا يمكن أن يقارن بحال من الأحوال بحال المخلوقين حينما يلاحظون الرقيب من الخلق، الناس الذين يحترمون النظام، الناس الذي يتركون الجريمة خوفاً من العقوبة ولكنهم إذا تمكنوا تحولت حالهم إلى شيء آخر، هؤلاء أين هم ممن يراقب الله عز وجل وهو يعلم أنه إذا أخذ هذا الطمع اليوم سيدفع الثمن غالياً من حسناته، ولذلك فإنك تجد هذا الإنسان لو كان بيديه كنوز الدنيا ما مد يده عليها، وآخر كلما لاح إليه شيء واستطاع أن يأخذه أخذه ولو من المسجد، لماذا ؟، هذا راقب الله؛ وهذا لم يراقبه ، هذا يعلم أنه سيحاسب وأن الله يرى ذلك وأن هذه المكاسب المحرمة أحياناً بالملايين. وقد يعرض على هذا الإنسان إغراءات لرشى لربما تصل إلى الملايين وهو لربما لا يجاوز راتبه عشرة آلاف، ملايين في صفقة واحدة، برشوة، ومع ذلك يترك هذا لله عز وجل، لكن إذا كان لا يعرف ربه والحلال ما حل باليد، مثل هذا الإنسان سيقول هذه فرصة لا تعوض، ويتهم من ترك ذلك لله تبارك وتعالى بالغفلة والضعف والعجز وقلة العقل والقصور في النظر، حينما انطفأ الكهرباء في ليلة واحدة في نيويورك ماذا حصل؟، قبل سنين وكتبت عن ذلك الصحف، ألوان الجرائم من السرقات والاغتصاب، أشياء هائلة، أرقام فلكية، فقط ليلة واحدة ساعات انطفأ فيها الكهرباء تهافت الناس على المتاجر وعلى البيوت ينهبون ويسرقون، لأنهم علموا أن النظام لا يراقبهم، ولا يطلع على أفعالهم هذه،    فحارس القانون قد يغيب وقوة الخلق قد تزول أو تضعف والحارس قد يغفل والقانون قد يؤول وقد يتحايل الناس عليه فيفعلون ما يريدون، لكن إذا ربينا الناس على مراقبة الله عز وجل فإنهم يكونون في مأمن بإذن الله تبارك وتعالى، مهما لاحت لهم الإغراءات والمطامع.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والثلاثون بعد الثلاثمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :ثمرات المراقبه

   أولادنا ؛ بل نحن قبلهم، أمام هذه الشهوات العارمة والفتن العظيمة إذا غاب الإنسان، هذا الولد إذا ربّي على مراقبة الله عز وجل حينما يجلس منفرداً وأمامه الجهاز الذي لربما يعرض أكثر من ثلاثمائة قناة، وفي بعض تلك القنوات قد يشاهد كل شيء، إذا ربّي على المراقبة فإنه يكون في مأمن، لا ينظر إلى شيء لا يحبه الله عز وجل ولا يرضاه، لكن إذا كان هذا الولد إنما يترك هذه الأشياء خوفاً من نظر أبيه فإذا خلا بمحارم الله عز وجل فلا تسأل، يثري ثرياً. ولذلك أقول ، الأب قد يموت، قد يغيب، قد يعجز، قد يضعف، قد يشيب، ثم بعد ذلك قد يسرح هؤلاء الأولاد في أودية الهلكة ويرتعون من هذه الشهوات، في هذه الشهوات ، فنحتاج دائماً إلى أن نربي هذه المراقبة في نفوسهم من أجل أن نحافظ على إيمانهم وعلى حالهم مع الله عز وجل أن تكون على استقامة، ولا يخفى أيضاً ما بين الظاهر والباطن من الملازمة، استقامة الباطن إذا وجد الخوف من الله عز وجل واليقين بأن الله يرانا يستقيم الظاهر، فالظاهر أثر من آثار استقامة الباطن، كما أن استقامة الظاهر لا شك أنها تؤثر في استقامة الباطن. وقد جاء عن المعتمد بن سليمان رحمه الله أنه قال: "إن الرجل يصيب الذنب في السر فيصبح وعليه مذلته"، مهما حاول الإنسان أن يتصنع أمام الآخرين، لا تحاول أن تذكر أعمالك عند الناس، لا تحاول أن تفهم هؤلاء الناس أنك تتصدق، أو أنك تقوم على مشاريع خيرية، لا تحاول أن تفهم هؤلاء الآخرين أن لك مساهمات دعوية أو أنك تكفل الأيتام، والأرامل، وما أشبه هذا، لا تحاول هذا، الذي تعمل من أجله يعلم بذلك وكفى، الناس مهما حاولت أن تتزين أمامهم فإن قلوبهم ترفض هذا الإنسان، إذا لم يكن له خبيئة من صدق وإخلاص مع الله تبارك وتعالى.

وقد قال أبو حازم رحمه الله: "لا يحسن عبد فيما بينه وبين الله عز وجل إلا أحسن الله فيما بينه وبين الناس، ولا يعور - أي يفسد - فيما بينه وبين الله عز وجل إلا عور فيما بينه وبين العباد، ولمصانعة وجه واحد أيسر من مصانعة الوجوه كلها، إنك إذا صانعت الله مالت الوجوه كلها إليك، وإذا أفسدت ما بينك وبين الله شنأتك الوجوه كلها".

يقول ابن الجوزي رحمه الله في هذا المعنى يقول: "نظرت في الأدلة على الحق فوجدتها أكثر من الرمل، ورأيت من أعجبها أن الإنسان قد يخفي ما لا يرضاه الله عز وجل فيظهره الله تعالى عليه ولو بعد حين وينطق الألسنة به وإن لم يشاهده الناس، وربما أوقع صاحبه في آفة يفضحه بها بين الخلق فيكون جواباً لكل ما أخفى من الذنوب، وذلك ليعلم الناس أن هنالك من يجازي على الزلل ولا ينفع من قدره وقدرته احتجاب ولا استتار ولا يباع لديه عمل"، يقول: "وكذلك يخفي الإنسان الطاعة فتظهر عليه ويتحدث الناس بها وبأكثر منها حتى أنهم لا يعرفون له ذنباً ولا يذكرونه إلا بالمحاسن ليعلم أن هنالك رباً لا يضيع عمل عامل"، يقول: "وإن قلوب الناس لتعرف حال الشخص وتحبه أو تأباه وتذمه أو تمدحه وفق ما تحقق بينه وبين الله تعالى فإنه يكفيه كل هم ويدفع عنه كل شر وما أصلح عبد ما بينه وبين الخلق دون أن ينظر إلى الحق إلا انعكس مقصوده وعاد حامده ذاماً"، ولهذا كان يقول في كتاب (اللطف في الوعظ): "إذا لم تخلص فلا تتعب لو قطعت سائر المنازل - يعني منازل الحج - لم تكن حاجاً إلا ببلوغ الموقف - يعني عرفة". فأقول: كثير من الناس يحاول أن يظهر أمام المجتمع أمام الآخرين يطلب الشرف والمحمدة وأن يصدق في المجالس ولا يزيده ذلك من الله إلا بعداً وقلوب الخلق ترفضه، والخلوة لها تأثيرات تظهر في الجلوة، كم من مؤمن يحترم الله عز وجل في خلواته فيترك ما يشتهي حذراً من عقابه أو رجاءً لثوابه أو إجلالاً له فيكون بذلك الفعل طرح عوداً هندياً على مجمر فيفوح طيبه فتستنشقه الخلائق ولا يدرون أين هو، يقول أبو الدرداء -رضي الله عنه-: "إن العبد ليخلو بمعصية الله تعالى فيلقي الله بغضه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر".

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والثلاثون بعد الثلاثمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

الثاني من أثارالمراقبة وثمراتها: دخول الجنة.

وقد سئل بعضهم: "بما ينال العبد الجنة؟"، فقال:

 "بخمس: استقامة ليس فيها روغان، واجتهاد ليس معه سهو، ومراقبة لله تعالى في السر والعلانية، وانتظار الموت بالتأهب له، ومحاسبة نفسك قبل أن تحاسب".

الثمرة الثالثة: السعادة والانشراح. هذا الإنسان الذي يراقب ربه تبارك وتعالى يكون قريباً منه، وإذا كان العبد قريباً من ربه فلا تسأل عن أنسه ولذته وسروره بمناجاة ربه تبارك وتعالى وبمعرفته، كما يقول الحافظ ابن القيم رحمه الله:"إن في القلب وحشة لا يزيلها إلا الأنس بالله،وفيه حزن لايذهبه إلا السرور بمعرفته وصدق معاملته،وفيه فاقة لايذهبها إلا صدق اللجأ إليه ولو أعطي الدنيا وما فيها لم تذهب تلك الفاقة أبداً".

الثمرة الرابعة: السكينة والحياء والمحبة والخشوع والخوف

 والرجاء والتوكل، كلما اشتدت المراقبة أيها الأحبة المراقبة في قلب العبد أوجبت له من هذه المعاني الشيء الكثير، وذلك أن المراقبة هي أساس الأعمال القلبية وعمودها الذي قيامها به. سئل بعضهم عن حاله في التوكل كيف حصلت هذه المرتبة؟، فقال: "على خصال أربع: علمت أن رزقي لا يأكله غيري فاطمأنت به نفسي، وعلمت أن عملي لا يعمله غيري فأنا مشغول به، وعلمت أن الموت يأتي بغتة فأنا أبادره، وعلمت أنّي لا أخلو من عين الله فأنا أستحي منه".

الخامس من ثمراتها: صحة الفراسة. وقد قال بعضهم: "من عَمَرَ ظاهره باتباع السنة وباطنه بدوام المراقبة وكف نفسه عن الشهوات وغض بصره عن المحارم واعتاد أكل الحلال لم تخطئ له فراسة".

السادس من ثمراتها: إثار ما أنزل الله وتعظيم ما حرم الله وتصغير ما صغر الله.

السابع: حفظ الأوقات فلا تضيع سدى. فمن تحقق في المراقبة خاف على فوات لحظة من ربه تبارك وتعالى.

سابعاً: السلف والمراقبة. أذكر بعض النماذج، هذا عروة ابن الزبير -رضي الله عنه- خطب ابنة عبد الله بن عمر سودة وعبد الله بن عمر يطوف بالكعبة في الحج فلم يرد عليه، فقال عروة: "لو كان يريد لأجابني"، والله لا أعود إليه - يعني في هذا الشأن - يقول: "فسبقني إلى المدينة، فلما أتيتها قدمت المسجد فإذا هو جالس فيه، فسلمت عليه"، فقال: "قد ذكرت سودة"، فقلت: "نعم"، فسأله عن رغبته، هل لا يزال يرغب فيها في الزواج منها، فقلت: "نعم"، فقال: "إنك قد ذكرتها لي وأنا أطوف بالبيت أتخايل الله عز وجل بين عيني، وكنتَ قادراً على أن تلقاني في غير ذلك الموطن"، لاحظ ما رد عليه، نحن نطوف ماذا نصنع ، الجوال والنظر والالتفات ولربما صدر من بعض أيضاً الناس ما لايليق مما حرمه الله عز وجل ويستحي الإنسان من ذكره في هذا المسجد.

 

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والثلاثون بعد الثلاثمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :ثمرات المراقبة

مرَّ ابن عمر رضي الله عنه براع في القصة المعروفة

 فقال: "هل من جزرة؟"، فقال: "ليس ها هنا ربها"، فقال ابن عمر: "تقول له أكلها الذئب؟"، فرفع رأسه إلى السماء وقال: "فأين الله؟"، فقال ابن عمر: "أنا والله أحق أن أقول أين الله"، فاشترى الراعي والغنم وأعتقه ووهبه هذه الغنم.

هذا عبادة بن الصامت كان جالساً مع أصحابه –رضي

 الله عنه- فأقبل الصنابحي، فقال عبادة: "من سره أن ينظر إلى رجل كأنما رقي به فوق سبع سماوات فعلم على ما رأى فلينظر إلى هذا من شدة مراقبته وتأدبه وخوفه وتحرزه". كان الإمام أحمد رحمه الله يئنُّ في مرض موته، ذكر له أن طاووس بن كيسان قال: يكتب الملك كل شيء حتى الأنين فلم يئن أحمد رحمه الله حتى مات، إلى هذا الحد مع أن الأنين ليس بمحرم. وهذا ابن دقيق العيد ، يقول: "ما تكلمت بكلمة ولا فعلت فعلاً، إلا أعددت له جواباً بين يدي الله عز وجل"، ما تكلمت بكلمة ولا فعلت فعلاً؛ نعم كم مضى من أعمارنا؟، هل نحن كذلك؟، ولذلك أقول: نحن نحتاج إلى توبة، الداعية يحتاج إلى توبة، والعالم يحتاج إلى توبة، وطالب العلم يحتاج إلى توبة، والإنسان الذي يقول عن نفسه أو يقول عنه الآخرون بأنه ملتزم ومتدين يحتاج إلى توبة، من منا ما قال كلمة ولا فعل فعلاً إلا أعد له جواباً بين يدي الله تبارك وتعالى.

فنسأل الله أن ينفعنا بما نسمع وأن لا يجعل ذلك حجة علينا، كما نسأله تبارك وتعالى أن لا يمقتنا، نسأله تبارك وتعالى أن يتجاوز عنا وأن يعفو عنا وأن يجعل ما نقول عظة لنا وسبيلاً إلى صلاح قلوبنا وأحوالنا وأعمالنا، فنحن نستغفر الله عز وجل من كثرت ما نتكلم ومن كثرت ما نسمع على قلة العمل، فينبغي أن يكون لنا طريقة أخرى في حالنا مع الله تبارك وتعالى وفي النظر إلى أعمالنا، دعك مما يقوله الناس فإنهم ينظرون إلى ظاهرك والله عز وجل ناظر وعالم لباطنك. هذا ختام ما أردت أن أذكره في هذا المجلس، وأسأل تبارك وتعالى أن يعينني وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته. أسأل الله الإخلاص في الظاهر والباطن. قام بتفريغها: أحد طلبة العلم يرجو الدعاء له ولوالديه [الأنترنت – موقع طريق الإسلام – د خالد السبت]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسةوالثلاثون بعد الثلاثمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*تقوى الله فضلها وثمراتها

    قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : ( التقوى هي الخوف من الجليل ، والعمل بالتنزيل ، والقناعة بالقليل ، والإستعداد ليوم الرحيل ).

    قال ابن مسعود رضي الله عنه في قوله تعالى : ( اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ .....) (آل عمران :102)

 قال : أن يطاع فلايعصي ويذكر فلا ينسى وأن يشكر فلا يكفر،وشكره يدخل فيه جميع فعل الطاعات

ومعنى ذكره فلاينسي ذكرالعبدبقلبه لأوامرالله في حركاته وسكناته وكلماته فيمتثلها ولنواهيه في ذلك كله فيجتنبها .

  وقال طلق بن حبيب رحمه الله : التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله.

 وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : تمام التقوى أن يتقي الله العبد حتى يتقيه من مثقال ذرة وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراما يكون حجابا بينه وبين الحرام فإن الله قد بين للعباد الذي يصيرهم إليه فقال:(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) فلا! تحقرن شيئا من الخير أن تفعله ولا شيئا من الشر أن تتقيه .

وقال الثوري رحمه الله:إنماسموامتقين لأنهم اتقوا ما لا يتقي . وقال ابن عباس رضي الله عنه : المتقون الذين يحذرون من الله عقوبته في ترك ما يعرفون من الهدي

 ويرجون رحمته في التصديق بما جاء به .

    وقال الحسن رحمه الله: المتقون اتقوا ما حرم الله عليهم وأدوا ما اقترض الله عليهم .

    وقال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله : ليس تقوى الله بصيام النهار ولا بقيام الليل والتخليط فيما بين ذلك ولكن تقوى الله ترك ما حرم الله وأداء ما افترض الله فمن رزق بعد ذلك خيرا فهو خير إلى خير.

    وقال موسى بن أعين رحمه الله : المتقون تنزهوا عن أشياء من الحلال مخافة أن يقعوا في الحرام فسماهم الله متقين .

 وقال ميمون بن مهران رحمه الله : المتقي أشد محاسبة لنفسه من الشريك الشحيح لشريكه .

 وقد يغلب استعمال التقوى على اجتناب المحرمات كما قال أبو هريرة رضي الله عنه وسئل عن التقوى فقال : هل أخذت طريقا ذا شوك ؟قال : نعم ، قال : فكيف صنعت؟ قال : إذا رأيت الشوك عزلت عنه أو جاوزته أو قصرت عنه ، قال : ذاك التقوى .

وأخذ أحدهم هذا المعنى فقال : 

خل الذنوب صغيرها وكبيرها فهو التقي

واصنع كماش فوق أر ض الشوك يحذر ما يرى

 لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى

 وأصل التقوى أن يعلم العبد ما يتق ثم يتقي . قال عون بن عبدالله رحمه الله : تمام التقوى أن تبتغي علم ما لم تعلم منها إلى ما علمت منها .

 وذكر معروف الكرخي عن بكر بن خنيس رحمهما الله قال : كيف يكون متقيا من لا يدري ما يتقي .ثم قال معروف الكرخي:إذا كنت لا تحسن تتقي أكلت الربا وإذا كنت لا تحسن تتقي لقيتك امرأة ولم تغض بصرك وإذا كنت لا تحسن تتقي وضعت سيفك على عاتقك.

    قال بن رجب رحمه الله : وأصل التقوى أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه ويحذره وقاية تقيه منه فتقوى العبد لربه أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من ربه من غضبه وسخطه وعقابه وقاية تقيه من ذلك وهو فعل طاعته واجتناب معاصيه .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسةوالثلاثون بعد الثلاثمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*أهمية التقوى وميزاتها :

 1ـ إن كلمة الإخلاص ( لا إله إلا الله ) تسمى كلمة التقوى :(إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (الفتح:26)

2ـ أمر الله بها عباده عامة وأمر بها المؤمنين خاصة :

 (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ) (النحل:2) (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) (المؤمنون:52)

(لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ) (الزمر:16)    (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (آل عمران:102)

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (النساء:1) (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ) (النساء: من الآية131)

3ـ وصية الأنبياء لقومهم : (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ) (الشعراء:106)(إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ) (الشعراء:124)(إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ) (الشعراء:142)(إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ) (الشعراء:161)(إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ) (الشعراء:177)(وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (العنكبوت:16)   4ـ طلب الله من الخلق عبادته لتحقيقها :

 (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:21)(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:183)  (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (الأنعام:153)

5ـ مكانها القلب أهم عضو في جسم الإنسان والذي به الصلاح والفساد:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: ( لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ ) رواه البخاري .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعةوالثلاثون بعد الثلاثمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :*ثمرات التقوى:

1ـ محبة الله تعالى :( إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (التوبة:4)

 (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (التوبة:7) (بَلَى

 مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)(آل عمران:76)

2ـ رحمة الله تعالى في الدنيا والآخرة :

( وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ) (لأعراف:156)(وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)(الأنعام:155)

3ـ سبب لعون الله ونصره وتأييده :(إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (النحل:128)(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِن أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (التوبة:36)

4ـ حصن الخائف وأمانه من كل ما يخاف ويحذر ، من سوء ومكروه في الدنيا والآخرة :(يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (لأعراف:35)     (وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (الزمر:61)

5ـ تبعث في القلب النور وتقوي بصيرته فيميز بين ما ينفعه وما يضره :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (لأنفال:29)(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (الحديد:28)

6ـ تعطي العبد قوة لغلبة الشيطان :( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا

إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) (لأعراف:201)

7ـ وسيلة لنيل الأجر العظيم :( ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ

 إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً)

 (الطلاق:5)

( وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ)(آل عمران: من الآية179)

8ـ توسيع الرزق وفتح مزيد من الخيرات :(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (لأعراف:96)(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً(2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) (الطلاق: من الآية3)

9ـ تفريج الكرب وتيسير الأمور :(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً)(الطلاق: من الآية2)(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً)(الطلاق: من الآية4)(فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى(5)وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى(6)فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) (الليل:7)

10ـ النصر على الأعداء ورد كيدهم والنجاة من شرهم (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) (آل عمران:120)(بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةُ مُسَوِّمِينَ) (آل عمران:125) (وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) (فصلت:18)

11ـ أن العاقبة للمتقين في الدنيا والآخرة :(قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (لأعراف:128)

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والثلاثون بعد الثلاثمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :*ثمرات التقوى:

(تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) (هود:49)(تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (القصص:83) (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ) (الرعد:35) (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (البقرة:212)

12ـ المتقون ينتفعون بالموعظة ويؤثر فيهم الذكر

وبتفكرون في الآيات ويهتدون بذلك :( وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) (المائدة:46) (فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) (البقرة:66) (هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران:138)  (وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) (النور:34) (ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) (البقرة:2) (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى

 وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ) (الانبياء:48)

 (وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ)(الحاقة:48)

 13ـ أنها صفة لأولياء الله وطريق لولاية الله :

 (وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (لأنفال:34) (إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) (الجاثـية:19) (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ(63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (يونس:64)

14ـ أنها الميزان الذي يقرب العبد من ربه ويدنيه :   (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات:13)

15ـ أنها أفضل ما يتزود به العبد في طريقه إلى الله :

 (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) (البقرة:197)

عَنْ أَنَسٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ،فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ سَفَرًا فَزَوِّدْنِي ، قَالَ : ( زَوَّدَكَ اللَّهُ التَّقْوَى ،قَالَ :زِدْنِي ، قَالَ : وَغَفَرَ ذَنْبَكَ ، قَالَ : زِ! دْنِي بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ، قَالَ : وَيَسَّرَ لَكَ الْخَيْرَ حَيْثُمَا كُنْتَ)) رواه الترمذي . وحسنه الألباني .

16ـ من أسباب قبول العمل:

(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (المائدة:27)(لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ )(الحج: من الآية37)

17ـ أن القرآن بشرى للمتقين :

(فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدّاً) (مريم:97)

18ـ كل علاقات الأخلاء تنتهي يوم القيامة إلا علاقات المتقين :( الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) (الزخرف:67)

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والثلاثون بعد الثلاثمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :*ثمرات التقوى:

 19ـ المتقون هم الفائزون :(وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) (النور:52)

20ـ المتقون تنالهم رحمة الله :(وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ)(لأعراف: من الآية156)

21ـ أنها صفة للأنبياء ومن صدقهم :(وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (الزمر:33)

22ـ سبب لنجاة العبد يوم القيامة :(ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً) (مريم:72)(وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (الزمر:61)

23ـ سبب لمغفرة الذنوب :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (الحديد:28) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً(70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) (الأحزاب:71)

24ـ الكرم إنما يكون بالتقوى :عَنْ سَمُرَةَ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ : (الْحَسَبُ الْمَالُ وَالْكَرَمُ التَّقْوَى ) رواه الترمذي وصححه الألباني 25ـ المتقين يسهل لهم الله العلم :( وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(البقرة: من الآية282)

26ـ التقوى ثوابها الجنة :(وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران:133)(وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ(30) )جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ) (النحل:31) (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ)(الشعراء:90) (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (القلم:34) (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ) (قّ:31) (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ) (محمد:15)

(وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) (الزمر:73)

    المراجع : 1ـ جامع العلوم والحكم / للحافظ بن رجب الحنبلي . 2ـ إرشاد العباد /للشيخ عبدالعزيز السلمان 3 ـ الرائد / للشيخ مازن الفريح

.[ الأنترنت – موقع تقوى الله فضلها وثمراتها - النذير- أبو سالم  - نقلها عاشق الحور]

 

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الأربعون بعد الثلاثمئة في موضوع  ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*كيف ننمي تقوى الله في قلوبنا ؟

أولا :أمرالله عز وجل بتقواه،وأخبرأن التقوى هي عنوان الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة ، فقال عز وجل : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) آل عمران/ 102، وقال عز وجل : (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) النور/ 52

وأخبر أنه سبحانه مع المتقين، فقال : (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) النحل/ 128 ، وأنه وليهم ،فقال:(وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) الجاثية/ 19 ، وأن العاقبة للمتقين، فقال : (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) الأعراف/ 128، وأنهم أهل النجاة والفوز في الدنيا والآخرة، فقال : (وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) فصلت/ 18، وقال : (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا) مريم/ 72،وقال : (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا) النبأ/ 31. والمتقون من المؤمنين هم أولياء الله ، (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ) يونس/62، 63. والآيات في ذلك كثيرة

ثانيا :التقوى هي فعل ما أمر الله به ، وترك ما نهى عنه . ومما يعين العبد على ذلك : التفكر في أمر الدنيا والآخرة ، ومعرفة قدر كل منهما ، فإن هذه المعرفة لا بد أن تقود الإنسان إلى السعي إلى الفوز في الأخرة بنعيم الجنان ، والنجاة من النار ، ولذلك أخبرنا الله عز وجل عن الجنة أنها (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) آل عمران/133.

ومما يزيد التقوى في القلوب : اجتهاد الإنسان في طاعة الله تعالى ، فإن الله يكافئه على ذلك بزيادة الهداية والتقوى ، فيعينه على القيام بما أمر الله به ، ويفتح له من أبوب الخير والطاعات وييسرها له ما لم يكن يسيرا عليه من قبل . قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ) محمد/17.

ومما يصل بالإنسان إلى التقوى : الحرص على الصيام ، والإكثار منه ؛ فإن الله تعالى جعل فيه خاصية تعين العبد على الطاعات وتحببها إليه ،ولذلك قال الله تعالى عن فرض الصيام : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) البقرة/183 . ولذلك أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم ، وأكد وصيته ، وأخبر بأنه لا مثل له في ذلك:

فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مُرْنِي بِعَمَلٍ، قَالَ: ( عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا عَدْلَ لَهُ )، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي بِعَمَلٍ، قَالَ: ( عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا عِدْلَ لَهُ ) "رواه أحمد (22149) ، والنسائي (4/165) وغيرهما ، وصححه الألباني .

ومن ذلك أيضا : التخلق بأخلاق وصفات المتقين التي ذكرها الله تعالى في كتابه ، قال الله تعالى : ( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ) البقرة/177.

وقال تعالى : (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) آل عمران/133-136.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والأربعون بعد الثلاثمئة في موضوع  ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*كيف ننمي تقوى الله في قلوبنا ؟

ومن ذلك أيضا : التمسك بهدي النبي صلى الله عليه وسلم ، والابتعاد عن البدع المحدثة في الدين ، قال الله تعالى : (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) الأنعام/ 153 .

ومن ذلك أيضا : الابتعاد عن حرمات الله ، قال الله تعالى : ( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) البقرة/ 187. ومن ذلك أيضا : التفكر في آيات الله الشرعية والكونية

، قال تعالى : (إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا

خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) يونس/ 6 . وقال سبحانه : (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا

وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا) طه/ 113ومن ذلك أيضا :

- الإكثار من ذكر الله وتلاوة القرآن .

- مصاحبة أهل الخير الذين ينصحون ويذكّرون ، ومجانبة أهل الشر والبدعة .

- قراءة سير المتقين ، من المؤمنين الصالحين ، من أهل العلم والزهد والعبادة .

ثالثا : ينبغي للعاقل أن يستعد للقاء الله تعالى في كل لحظة ، فإنه لا يدري متى يحل به الموت ، فلا يمكنه استدراك ما قصر فيه ، وحينئذ يندم وقت لا ينفع

 الندم .

وكل إنسان مسئول يوم القيامة : (عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ) رواه الترمذي (2416) ، وصححه الألباني.

والصحة وتوفر الوقت من نعم الله تعالى التي لا يعرف قدرها كثير من الناس إلا بعد فواتها وضياعها منه ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ ) رواه البخاري (6412) .

والغبن هو الخسارة في البيع ، فمعنى الغبن هنا : أنه لا يستفيد منها ، بل يخسر صحته وفراغه ووقته فيما لا ينفعه في الدنيا ولا في الآخرة . وهذا أعظم من خسارة التاجر في تجارته . فالعاقل يعلم أنه مقبل على أمر عظيم ، فلا بد أن يستعد له . وكل تعب في طاعة الله في الدنيا سيكون راحة في الآخرة ، ولذلك كان بعض السلف يجهد نفسه في طاعة الله ، فكلمه الناس أن يريح نفسه ولو قليلا ، فقال : "راحتَها أريد" انتهى من " الفوائد " (ص 42) . وكل راحة وتلذذ بمعصية الله في الدنيا سيعقبها الندم والعذاب إن لم يعف الله عن صاحبها يوم القيامة . [الأنترنت – موقع الإسلام سؤال وجواب – المنجد ]   

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والأربعون بعد الثلاثمئة في موضوع  ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*هل ترى المؤمنات الله في الآخرة ‏؟‏

سئل ابن تيمية : هل ترى المؤمنات الله في الآخرة ‏؟‏

فأجاب :  الظاهر أنهن يرينه، روى أبو بكر عن ابن عباس أنهن يرينه في الأعياد، وأن أحاديث الرؤية تشمل المؤمنين جميعًا من الرجال والنساء، وكذلك كلام العلماء، وأن المعنى يقتضى ذلك حسب التتبع، وما لم يحضرني الساعة‏.‏ وكان قد سنح لي فيما روى عن ابن عباس‏:‏ أن سبب ذلك أن الرؤية المعتادة العامة في الآخرة تكون بحسب الصلوات العامة المعتادة، فلما كان الرجال قد شرع لهم في الدنيا الاجتماع لذكر الله ومناجاته، وترائيه بالقلوب والتنعم بلقائه في الصلاة كل جمعة، جعل لهم في الآخرة اجتماعًا في كل جمعة لمناجاته ومعاينته والتمتع بلقائه‏.‏ ولما كانت السنة قد مضت بأن النساء يؤمرن بالخروج في العيد حتى العواتق والحيض، وكان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج عامة نساء المؤمنين في العيد، جعل عيدهن في الآخرة بالرؤية على مقدار عيدهن في الدنيا‏.‏ وأيد ذلك عندي ما خرجاه في الصحيحين عن جرير بن عبد الله البجلي قال‏:‏ كنا جلوسًا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ نظر إلى القمر ليلة البدر فقال "إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تُضَامُّون في رؤيته، فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا"‏‏ ثم قرأ ‏:‏‏{‏‏وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا}‏‏ ‏[‏طه 130‏]‏، وهذا الحديث من أصح الأحاديث على وجه الأرض المتلقاة بالقبول، المجمع عليها عند العلماء بالحديث وسائر أهل السنة‏.‏ ورأيت أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر المؤمنين بأنهم يرون ربهم، وعقبه بقوله "فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس، وصلاة قبل غروبها فافعلوا‏"‏‏، ومعلوم أن تعقيب الحكم للوصف، أو الوصف للحكم بحرف الفاء يدل على أن الوصف علة للحكم، لاسيما ومجرد التعقيب هنا محال؛ فإن الرؤية في الحديث قبل التحضيض على الصلاتين وهي موجودة في الآخرة، والتحضيض موجود قبلها في الدنيا‏.‏ والتعقيب الذي يقوله النحويون لا يعنون به ‏:‏ أن اللفظ بالثاني يكون بعد الأول، فإن هذا موجود بالفاء وبدونها وبسائر حروف العطف‏.‏ وإنما يعنون به معنى ‏:‏ أن التلفظ الثاني يكون عقب الأول، فإذا قلت‏:‏ قام زيد، فعمرو أفاد أن قيام عمرو موجود في نفسه عقب قيام زيد، لا أن مجرد تكلم المتكلم بالثاني عقب الأول، وهذا مما هو مستقر عند الفقهاء في أصول الفقه، وهو مفهوم من اللغة العربية إذا قيل‏:‏ هذا رجل صالح فأكرمه، فهم من ذلك أن الصلاح سبب للأمر بإكرامه، حتى لو رأينا بعد ذلك رجلاً صالحًا لقيل كذلك الأمر، وهذا أيضًا رجل صالح أفلا تكرمه‏؟‏ فإن لم يفعل فلابد أن يخلف الحكم لمعارض وإلا عد تناقضًا‏.‏ وكذلك لما قال النبي صلى الله عليه وسلم "ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه، ليس بينه وبينه حاجب ولا ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا شيئًا قَدَّمَه، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا شيئًا قَدَّمه، وينظر أمامه فتستقبله النار، فمن استطاع منكم أن يتقى النار ولو بشق تمرة فليفعل، فإن لم يستطع فبكلمة طيبة‏"، فهم منه أن تحضيضه على اتقاء النار هنا لأجل كونهم يستقبلونها وقت ملاقاة الرب، وإن كان لها سبب آخر‏.‏ وكذلك لما قال ابن مسعود‏:‏ سارعوا إلى الجمعة، فإن الله يبرز لأهل الجنة في كل جمعة في كَثِيبٍ من كثب الكافور، فيكونون في القرب منه على قدر تسارعهم في الدنيا إلى الجمعة، فهم الناس من هذا أن طلب هذا الثواب سبب للأمر بالمسارعة إلى الجنة‏.‏

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والأربعون بعد الثلاثمئة في موضوع  ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*هل ترى المؤمنات الله في الآخرة ‏؟‏

وقد جاء في حديث ابن عمر الذي رواه الترمذي عن إسرائيل، عن ثُوَيْر بن أبي فاختة، سمعت ابن عمر يقول‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جنانه وأزواجه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة، وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشيًا‏"‏‏، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏‏وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ‏}‏‏ ‏[‏القيامة ‏:‏22- 23‏]‏‏. ‏‏ قال الترمذي ‏:‏ وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن إسرائيل، عن ثوير، عن ابن عمر مرفوعًا، ورواه عبد الملك بن أبْحَر، عن ثوير، عن مجاهد، عن ابن عمر موقوفًا، ورواه عبيد الله الأشجعي، عن سفيان، عن ثوير، عن مجاهد، عن ابن عمر قوله‏:‏ ولم يرفعه‏. ‏ وقال الترمذي‏:‏ لا نعلم أحدًا ذكر فيه مجاهدًا غير ثوير، وأظنه قد قيل في قوله‏:‏‏{‏‏وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا‏}‏‏‏[‏مريم 62‏]‏ ‏:‏ إن منه النظر إلى الله‏.‏ وروى في ذلك حديث مرفوع رواه الدارقطني في ‏[‏الرؤية‏]‏‏:‏ حدثنا أبو عبيد قاسم ابن إسماعيل الضَّبِّيّ، حدثنا محمد بن محمد بن مرزوق البصري،حدثنا هانئ بن يحيى، حدثنا صالح المصري، عن عباد المِنْقَرِيِّ، عن ميمون بن سِيَاه، عن أنس بن مالك؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه هذه الآية‏:‏ ‏{‏‏وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}‏‏ قال‏:‏ والله ما نسخها منذ أنزلها يزورون ربهم تبارك وتعالى فيطعمون ويسقون، ويطيبون ويحملون، ويرفع الحجاب بينه وبينهم، فينظرون إليه وينظر إليهم عز وجل وذلك قوله‏:‏ ‏{‏‏وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا}‏‏‏.‏ وقد ذكر أبو الفرج بن الجوزي هذا الحديث في ‏[‏الموضوعات‏]‏ وقال‏:‏ هذا لا يصح، فيه ميمون بن سِيَاه، قال ابن حبان‏:‏ ينفرد بالمناكير عن المشاهير لا يحتج به إذا انفرد، وفيه صالح المصري، قال النسائي ‏:‏ متروك الحديث‏.‏

قلت‏:‏ أما ميمون بن سياه، فقد أخرج له البخاري والنسائي، وقال فيه أبو حاتم الرازي‏: ‏ثقة،وحسبك بهذه الأمور الثلاثة، وعن ابن معين قال فيه‏:‏ضعيف، لكن هذا الكلام يقوله ابن معين في غير واحد من الثقات‏. ‏‏وأما كلام ابن حبان ففيه ابتداع في الجرح‏.‏ فلما كان في حديث ابن عمر المتقدم، وعد أعلاهم ‏‏‏"غدوة وعشيًا"والرسول صلى الله عليه وسلم قد جعل صلاتي الغداة والعشي سببًا للرؤية، وصلاة الجمعة سببًا للرؤية في وقتها، مع ما في الصلاة من مناسبة الرؤية، كان العلم بمجموع هذه الأمور يفيد ظنًا قويًا ‏:‏أن هاتين الصلاتين سبب للرؤية في وقتهما في الآخرة، والله أعلم بحقيقة الحال‏.‏ فلما كان هذا قد سنح لي، والنساء يشاركن الرجال في سبب العمل فيشاركونهم في ثوابه، ولما انتفت المشاركة في الجمعة انتفت المشاركة في النظر في الآخرة، ولما حصلت المشاركة في العيد حصلت المشاركة في ثوابه‏.‏ ثم بعد مدة طويلة جرى كلام في هذه المسألة، وكنت قد نسيت ما ذكرته أولا، لا بعضه، فاقتضى ذكر ما ذكرته أولاً، فقيل لي ‏:‏الحديث يقتضي أن هاتين الصلاتين من جملة سبب الرؤية، لا أنه جميع السبب، بدليل أن من صلاهما ولم يصل الظهر والعصر لا يستحق الرؤية‏.‏ وقيل لي ‏:‏ الحديث يدل على أن الصلاتين سبب في الجملة، فيجوز أن تكون هاتان الصلاتان سببًا للرؤية في الجمعة، كيف وقد قيل‏:‏ إن أعلي أهل الجنة من يراه مرتين‏؟‏ فكيف يكون المحافظون على هاتين الصلاتين أعلاهم‏؟‏‏!‏ فقلت‏:‏ ظاهر الحديث يقتضي أن هاتين الصلاتين هو السبب في هذه الرؤية لما ذكرته من القاعدة في النساء آنفًا، ثم قد يتخلف المقتضى عن المقتضى لمانع لا يقدح في اقتضائه، كسائر أحاديث الوعد، فإنه لما قال ‏"‏من صلى البَرْدَيْن دخل الجنة‏"‏‏ ‏[‏البردان ‏:‏ الغداة والعشي صلاة الفجر وصلاة العشاء‏]‏، من فعل كذا دخل الجنة، دل على أن ذلك العمل سبب لدخول الجنة وإن تخلف عنه مقتضاه لكفر أو فسق‏.‏ فمن ترك صلاة الظهر أو زنا أو سرق ونحو ذلك كان فاسقًا، والفاسق غير مستحق للوعد بدخول الجنة كالكافر، وكذلك أحاديث الوعيد إذا قيل‏:‏ من فعل كذا دخل النار، فإن المقتضى يتخلف عن التائب وعمن أتى بحسنات تمحو السيئات وعن غيرهم، ويجوز أن يكون للرؤية سبب آخر، فكونه سببًا لا يمنع تخلف الحكم عنه لمانع ولا يمنع أن ينتصب سبب آخر للرؤية‏.‏ ثم أقول‏:‏ فعل بقية الفرائض سواء كانت من جملة السبب، أو كانت شرطًا في هذا السبب، فالأمر في ذلك قريب، وهو نزاع لفظي، فإن الكلام إنما هو في حق من أتى ببقية شروط الوعد، و انتفت عنه موانعه‏.‏ ولا يجوز أن يقال‏:‏ فالأنوثة مانع من لحوق الوعد، أو الذكورة شرط؛ لأن هذا إن دل عليه دليل شرعي، كما دل على أن فعل بقية الفرائض شرط قلنا به،فأما بمجرد الإمكان فلا يجوز ترك مقتضى اللفظ وموجبه بالإمكان، بل متى ثبت عموم اللفظ وعموم العلة وجب ترتيب مقتضى ذلك عليه ما لم يدل دليل بخلافه، ولم يثبت أن الذكورة شرط، ولا أن الأنوثة مانع، كما لم يقتض أن العربية والعجمية والسواد والبياض لها تأثير في ذلك‏.‏ وكذلك الحديث يدل على أن‏(‏المقتصدين‏)‏ يشاركون ‏(‏السابقين‏)‏ في أصل الرؤية، وإن امتاز السابقون عنهم بدرجات، ومثوبات، أو شمول المعنى لهؤلاء على السواء، فهذا من هذا الوجه دليل على أن هاتين الصلاتين سبب للرؤية، ووجود السبب يقتضى وجود المسبب، إلا إذا تخلف شرطه أو حصلت موانعه، والشروط والموانع تتوقف على دليل‏.‏

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والاربعون بعد الثلاثمئة في موضوع  ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*هل ترى المؤمنات الله في الآخرة ‏؟‏

ثم قال ابن تيمية : في رؤية النساء ربهن في الآخرة، استدللت بأشياء ‏:‏الدليل على أنهن يرينه أن النصوص المخبرة بالرؤية في الآخرة للمؤمنين تشمل النساء لفظًا ومعنى، ولم يعارض هذا العموم ما يقتضي إخراجهن من ذلك، فيجب القول بالدليل السالم عن المعارض المقاوم‏.‏ أما النصوص العامة، فمثل ما في الصحيحين عن أبي هريرة‏‏‏" أن الناس قالوا، يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة‏؟‏ قال هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب‏؟‏‏‏ قالوا‏:‏ لا، يا رسول الله، قال‏:‏ ‏‏فهل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب‏؟‏‏‏، قالوا‏:‏ لا، قال‏:‏ ‏فإنكم ترونه كذلك، يحشر الناس يوم القيامة ... ويضرب الصراط بين ظهراني جهنم، فأكون أنا وأمتي أول من يجيز...وساق الحديث‏.‏

وفي الصحيحين أيضاً عن أبي سعيد قال " قلنا ‏:‏ يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة‏؟‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏نعم، فهل تُضَارُّون في رؤية الشمس بالظهيرة صحوًا ليس معها سحاب‏؟‏‏!‏هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيها سحاب‏؟‏‏‏ قالوا‏:‏ لا يا رسول الله، قال‏:‏‏‏ما تضارون في رؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما....

هذان الحديثان من أصح الأحاديث، فلما قال النبي صلى الله عليه وسلم "فإنكم ترونه كذلك، يحشر الناس فيقول‏:‏ من كان يعبد شيئًا فليتبعه‏"‏‏، أليس قد علم بالضرورة أن هذا خطاب لأهل الموقف من الرجال والنساء‏؟‏ لأن لفظ ‏(‏الناس‏)‏ يعم الصنفين، ولأن الحشر مشترك بين الصنفين‏.‏ وهذا العموم لا يجوز تخصيصه، لأن النساء أكثر من الرجال، إذ قد صح أنهن أكثر أهل النار، وقد صح‏:‏ لكل رجل من أهل الجنة زوجتان من الإنسيات سوى الحور العين؛ وذلك لأن من في الجنة من النساء أكثر من الرجال وكذلك في النار، فيكون الخلق منهم أكثر، واللفظ العام لا يجوز أن يحمل على القليل من الصور دون الكثير بلا قرينة متصلة؛ لأن ذلك تلبيس وعَيٌّ ... وقولهم‏ الرجال والنساء، ثم فيها العموم المعنوي وهو ‏:‏ أن إتباعه إياه معلل بكونه عبده في الدنيا، وهذه العلة شاملة للصنفين، ثم قوله "وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها‏"‏‏‏.‏والنساء من هذه الأمة مؤمناتهن ومنافقاتهن، ... فيقولون‏:‏ أنت ربنا‏ ‏‏ قد ثبت أنه عائد إلى الأمة التي فيها الرجال والنساء، وإلى من كان يعبده الذي يشمل الرجال والنساء،وإلى الناس غير المشركين ، وذلك يعم الرجال والنساء، وهذا أوضح من أن يزاد بيانًا‏....‏         ثم بالشفاعة في أهل التوحيد حتى يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، ويدخلون الجنة ويسمون الجُهنمِيِّين، أفليس هذا كله عامًا للرجال والنساء‏؟‏‏!‏ أم الذين يجتازون على الصراط ويسقط بعضهم في النار ثم يشفع في بعضهم هم الرجال، ولو طلب الرجل نصًا في النساء في مثل هذا أما كان متكلفًا ظاهر التكلف‏؟‏‏!

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والأربعون بعد الثلاثمئة في موضوع  ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*هل ترى المؤمنات الله في الآخرة ‏؟‏‏‏

ثم قال ابن تيمية : وذكر الحديث في دخول الجنة

 والشفاعة‏.‏ أفليس هذابينًا في أنه يتجلى لجميع الأمة‏؟‏ كما أن الأمة تعطى نورها، ثم جميع المؤمنين ذكرانهم وإناثهم يبقى نورهم، وكذلك جميع ما في الحديث من المعاني تعم الطائفتين عمومًا يقينيًا‏.‏..

وفي حديث أبي رَزِين العقيلي المشهور من غير وجه قال‏ " قلنا‏:‏ يا رسول الله، أكلنا يرى ربه يوم القيامة ‏؟‏ قال‏ أكلكم يرى القمر مخليًا به‏؟‏‏‏ قالوا‏:‏ بلى ‏‏ قال ‏:‏ فالله أعظم"‏‏‏، وقوله‏‏"‏ ‏‏كلكم يرى ربه‏ كقوله‏:‏ ‏كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في مال زوجها وهي مسئولة عن رعيتها‏"‏‏ من أشمل اللفظ‏. ‏‏ ومن هذا قوله‏ ‏"‏كلكم يرى ربه مخليًا به‏"‏‏، و ‏ ‏"‏ما منكم من أحد إلا سيخلو به ربه كما يخلو أحدكم بالقمر‏"‏‏، ‏ ‏"‏وما منكم إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه حاجب ولا ترجمان‏"‏‏ إلى غير ذلك من الأحاديث الصحاح والحسان التي تصرح بأن جميع الناس ذكورهم وإناثهم مشتركون في هذه الأمور من المحاسبة والرؤية، والخلوة والكلام‏.‏

وكذلك الأحاديث في رؤيته سبحانه في الجنة مثل ما

 رواه مسلم في صحيحه عن صهيب قال‏:‏ قال رسول

 الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى مناد‏:‏ يا أهل الجنة، إن لكم عند الله موعدًا يريد أن ينجزكموه، فيقولون‏:‏ ما هو ‏؟‏ ألم يثقل موازيننا، ويبيض وجوهنا، ويدخلنا الجنة،ويجرنا من النار‏؟‏ فيكشف الحجاب فينظرون إلى الله فما شيء أعطوه أحب إليهم من النظر إليه‏"‏‏، وهي ‏(‏الزيادة‏)‏‏.‏ قوله "إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار‏"‏‏يعم الرجال والنساء، فإن لفظ الأهل يشمل الصنفين، وأيضًا فقد علم أن النساء من أهل الجنة، وقوله "يا أهل الجنة، إن لكم عند الله موعدًا يريد أن ينجزكموه‏"‏‏ خطاب لجميع أهل الجنة الذين دخلوها ووعدوا بالجزاء، وهذا قد دخل فيه جميع النساء المكلفات‏.‏ وكذلك قولهم‏:‏‏(‏ألم يثقل‏.‏‏.‏‏.‏ ويبيض‏.‏‏.‏‏.‏ ويدخل‏.‏‏.‏‏.‏ وينجز‏)‏ يعم الصنفين وقوله " ‏‏فيكشف الحجاب فينظرون إليه‏"‏‏ الضمير يعود إلى ما تقدم وهو يعم الصنفين‏. ‏‏ ثم الاستدلال بالآية دليل آخر؛ لأن الله سبحانه قال‏:‏‏{‏‏لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ‏}‏‏، ومعلوم أن النساء من الذين أحسنوا، ثم قوله فيما بعد‏:‏‏{‏‏أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ‏}‏‏‏[‏يونس‏:‏26‏]‏ يقتضي حصر أصحاب الجنة في أولئك، والنساء من أصحاب الجنة، فيجب أن يكُنَّ من أولئك، وأولئك إشارة إلى الذين لهم الحسنى وزيادة، فوجب دخول النساء في الذين لهم الحسنى وزيادة، واقتضى أن كل من كان من أصحاب الجنة، فإنه موعود بالزيادة على الحسنى التي هي النظر إلى الله سبحانه ولا يستثنى من ذلك أحد إلا بدليل، وهذه الرؤية العامة لم توقت بوقت، بل قد تكون عقب الدخول قبل استقرارهم في المنازل، والله أعلم أي وقت يكون ذلك‏. ‏‏

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والأربعون بعد الثلاثمئة في موضوع  ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*هل ترى المؤمنات الله في الآخرة ‏؟‏‏‏

ثم قال ابن تيمية : وكذلك ما دل من الكتاب على الرؤية كقوله ‏:‏ ‏{‏‏وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ‏} ‏‏‏[‏القيامة‏:‏22ـ25‏]‏ هو تقسيم لجنس الإنسان المذكور في قوله‏:‏‏{‏‏يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ‏}‏‏ ‏[‏القيامة‏:‏ 13، 14‏]‏، وظاهر انقسام الوجوه إلى هذين النوعين‏.كما أن قوله‏:‏‏{‏‏وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ ‏} ‏‏‏[‏عبس ‏:‏38ـ41‏]‏ أيضًا إلى هذين النوعين، فمن لم يكن من الوجوه الباسرة كان من الوجوه الناضرة الناظرة، كيف وقد ثبت في الحديث أن النساء يزددن حسنا وجمالاً ،كما يزداد الرجال في مواقيت النظر‏؟‏‏!‏ وكذلك قوله ‏:‏‏{‏‏فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}‏‏‏[‏السجدة‏:‏17‏]‏ قد فسر بالرؤية، وقوله‏:‏ ‏{‏‏إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ}‏‏‏ [‏المطففين‏:‏22، 23‏]‏، فإن هذا كله يعم الرجال والنساء‏. ‏‏

وقوله ‏:‏‏{‏‏فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}‏‏‏[‏السجدة‏:‏17‏]‏، وقد فسرت ‏[‏القرة‏]‏ بالنظر وغيره، فيقتضي أن النظر جزاء على عملهم، والرجال والنساء مشتركون في العمل الذي استحق به جنس الرجال الجنة، فإن العمل الذي يمتاز به الرجال كالإمارة والنبوة عند الجمهور

وإن جاز تخصيص ذلك بنقص عقل النساء، فينبغي أن يقال‏:‏ ‏[‏البله‏]‏ و‏[‏أهل الجفاء‏]‏ من الأعراب ونحوهم ممن يدخل الجنة لا يرى الله، فإنه لا ريب أن في النساء من هو أعقل من كثير من الرجال، حتى إن المرأة تكون شهادتها نصف شهادة الرجل، والمغفل ونحوه ترد شهادتهما بالكلية،وإن لم يكن مجنونًا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "كَمُل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا أربع‏"‏‏، أكمل ممن لم يكمل من الرجال، ففي أي معقول تكون الرؤية للناقص دون الكامل‏؟‏‏!‏

وقد جاءت الأحاديث برؤية الله في غير هذين الموطنين، منها‏:‏ ما رواه ابن ماجه في سننه والدارقطني في الرؤية عن الفضل بن عيسى الرَّقَاشِيّ، عن محمد بن المُنْكَدِر، عن جابر بن عبد الله قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور، فرفعوا رؤوسهم، فإذا الرب تبارك وتعالى أشرف عليهم، فقال‏:‏ السلام عليكم يا أهل الجنة، وهو قول الله ‏:‏‏{‏‏سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ‏}‏‏‏[‏يس‏:‏58‏]‏، فلا يلتفتون إلى شيء مما هم فيه من النعيم ما دام الله بين أظهرهم حتى يحتجب عنهم، وتبقى فيهم بركته ونوره‏"‏‏‏.‏

 [مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية - المجلد السادس (العقيدة ][الأنترنت – موقع طريق الإسلام ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والأربعون بعد الثلاثمئة في موضوع  ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

مذهب السلف في إثبات الرؤية :-

ذهب السلف الصالح وهم الصحابة والتابعون لهم بإحسان ومن تبعهم من الأئمة أن الله يُرى في الآخرة بالأبصار عيانًا مواجهة لهم، بغير إحاطة ولا كيفية .

وهذا مذهب الصحابة والتابعين والأئمة وتابعوهم وأئمة الدين كالأئمة الأربعة -أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد- وسفيان الثوري وأبي عمرو والأوزاعي والليث بن سعد وأبي يوسف وغيرهم من الأئمة والعلماء وكذلك أيضًا سائر الفقهاء وأهل الحديث كلهم على هذا الاعتقاد، يثبتون أن الله يرى في الآخرة بالأبصار عيانًا مواجهة، فهم يثبتون رؤية الله بالإبصار ويثبتون أيضًا الفوقية، وأنهم يرون ربهم من فوقهم فهم يثبتون الأمرين يثبتون الفوقية والعلو ويثبتون الرؤية.

وقد واستدلوا بالنصوص الكثيرة من كتاب الله وسنة رسوله ، واستدلوا أيضاً بالإجماع والعقل الصريح .

1- الأدلة من كتاب الله تعالى :-

- قول الله تعالى {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}

[ سورة القيامة : الآية  22 -23 ]

ووجه الدلالة من الآية على أن الله يرى في الآخرة أنه سبحانه وتعالى قد أضاف النظر إلى الوجه الذي هو محله وعداه بأداة إلى الصريحة في نظر العين وأخلى الكلام من قرينة تدل على خلاف موضوعه وحقيقته، فدل على أن المراد النظر بالعين التي في الوجه إلى الرب -جل جلاله .

وليس يخلو النظر من وجوه نحن ذاكروها : إما أن يكون الله سبحانه عنى نظر الاعتبار، كقوله تعالى : } أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت { ، أو يكون عنى نظر الانتظار، كقوله تعالى : }ما ينظرون إلا صيحة واحدة { ، أو يكون عنى نظر التعطف، كقوله تعالى :{ولا ينظر إليهم يوم القيامة }أو يكون عنى نظر الرؤية.

فلا يجوز أن يكون الله عز وجل عنى نظر التفكير والاعتبار؛ لأن الآخرة ليست بدار اعتبار.

ولا يجوز أن يكون عنى نظر الانتظار؛ لأن النظر إذا ذكر مع ذكر الوجه فمعناه نظر العينين اللتين في الوجه ، كما إذا ذكر أهل اللسان نظر القلب فقالوا: « انظر في هذا الأمر بقلبك »، لم يكن معناه نظر العينين، وكذلك إذا ذكر النظر مع الوجه لم يكن معناه نظر الانتظار؛ الذي يكون للقلب، وأيضا فإن نظر الانتظار لا يكون في الجنة؛ لأن الانتظار معه تنغيص وتكدير، وأهل الجنة في ما لا عين رأت ولا أذن سمعت من العيش السليم والنعيم المقيم .

وإذا كان هذا هكذا لم يجز أن يكونوا منتظرين؛ لأنهم كلما خطر ببالهم شيء أتوا به مع خطوره ببالهم، وإذا كان ذلك كذلك فلا يجوز أن يكون الله عز وجل أراد نظر التعطف؛ لأن الخلق لا يجوز أن يتعطفوا على خالقهم  وإذا فسدت الأقسام الثلاثة صح القسم الرابع من أقسام النظر، وهو أن معنى قوله: { إلى ربها ناظرة } أنها رائية ترى ربها عز وجل . [ الإبانة 1/35 وما بعدها .]

- قول الله تعالى لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [ سورة يونس : الآية ( 26 ) .]

 والحسنى المراد بها الجنة، والزيادة النظر وإلى وجه الله الكريم كما جاء تفسير ذلك في الحديث الصحيح عَنْ صُهَيْبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ قَالَ: « إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، نَادَى مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، إِنَّ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ مَوْعِدًا يُرِيدُ أَنْ يُنْجِزَكُمُوهُ، فَيَقُولُونَ: وَمَا هُوَ؟ أَلَمْ يُثَقِّلْ مَوَازِينَنَا، وَيُبَيِّضْ وُجُوهَنَا، وَيُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، وَيُجِرْنَا مِنَ النَّارِ » قَالَ: « فَيُكْشَفُ لَهُمُ الْحِجَابُ فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ» قَالَ: «فَوَاللَّهِ مَا أَعْطَاهُمْ شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهِ، وَلَا أَقَرَّ لِأَعْيُنِهِمْ ».[ صحيح : رواه مسلم برقم 181 ، والترمذي برقم 2552 ،وابن ماجه برقم 187 ، وأحمد برقم 18941 وغيرهم .]

- قول الله تعالى لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ [ سورة ق : الآية ( 35 ) .]، المؤمنون لهم ما يشاءون فيها أي: الجنة ولدينا مزيد هي رؤية الله في الآخرة .

فسرها العلماء بأن المزيد هو رؤية الله في الآخرة .

فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} قَالَ: «يَظْهَرُ لَهُمُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».[أخرجه اللالكائى فى شرح اعتقاد أهل السنة برقم 813 ، والبزار فى مسنده برقم 7528 ، والدارمى فى الرد على الجهمية برقم 198 .]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والأربعون بعد الثلاثمئة في موضوع  ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : مذهب السلف في إثبات الرؤية :-

قال العلامة الشنقيطى : قال بعض العلماء: المزيد النظر إلى وجه الله الكريم، ويستأنس لذلك بقوله تعالى: للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ، لأن الحسنى الجنة، والزيادة النظر .    [ أضواء البيان 7/431 ، طبعة دار الفكر – بيروت لبنان .]

- قوله تعالى وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ .[ الأعراف : الآية  143 ] وقد تقدم الكلام على وجه الدلالة فى هذه الآية فى الرد على المعتزلة من كلام الإمام ابن أبى العز الحنفى .

- قوله تعالى كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ .[ سورة المطففين : الآية ( 15 ) ].، فلو كان المؤمنون كلهم والكافرون كلهم لا يرونه،كانوا جميعاً عنه محجوبين

قال الإمام أحمد رحمه الله : فإذا كان الكافر يحجب عن الله، والمؤمن يحجب عن الله، فما فضل المؤمن على الكافر؟[ الرد على الجهمية والزنادقة ص133 ت/صبري بن سلامة شاهين .]

وقيل لسفيان بن عيينة : إن بشرا يقول: إن الله لا يرى يوم القيمة، فقال: قاتله الله، دويبة، ألم يسمع الله يقول: {كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون} ، فجعل احتجابه عنهم عقوبة لهم فإذا احتجب عن الأولياء والأعداء، فأي فضل للأولياء على الأعداء ؟[ نقض الإمام أبي سعيد عثمان بن سعيد على المريسي الجهمي العنيد 1/66 .]

- قوله تعالى: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ[ سورة الأنعام : الآية ( 103 ) .]

قال شيخ الإسلام : نفى الإدراك الذي هو الإحاطة وذلك يقتضي كمال عظمته وأنه بحيث لا

تدركه الأبصار فهو يدل على أنه إذا رئي لا تدركه الأبصار وهو يقتضي إمكان رؤيته ونفى إدراك الأبصار إياه لا نفي رؤيته فهو دليل على إثبات الرؤية ونفي إحاطة الأبصار به وهذا يناقض قول النفاة وأما مجرد الرؤية فليست صفة مدح فإن المعدوم لا يرى ولهذا نظائر في القرآن .[الصدفية 2/65 .]

قال ابن القيم : والاستدلال بهذا أعجب فإنه من أدلة

 النفاة وقد قرر شيخنا وجه الاستدلال به أحسن تقرير وألطفه وقال لي أنا ألتزم أنه لا يحتج مبطل بآية أو حديث صحيح على باطله إلا وفي ذلك الدليل ما يدل على نقيض قوله فمنها هذه الآية ....

إلى أن قال : فلو كان المراد بقوله لا تدركه الأبصار أنه لا يرى بحال لم يكن في ذلك مدح ولا كمال لمشاركة المعدوم له في ذلك فان العدم الصرف لا يرى ولا تدركه الأبصار والرب جل جلاله يتعالى إن يمدح بما يشاركه فيه العدم المحض فإذا المعنى أنه يرى ولا يدرك ولا يحاط به ... [ حادى الأرواح لابن القيم ص294 ، الناشر: مطبعة المدني، القاهرة .]

- قوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام في محاجة قومه في النجوم فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي

 بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ [ الأنعام : الآيات 76 - 78 ]

وجه الدلالة أن الخليل عليه السلام حاج قومه في النجوم وبين أنها تأفل وتغيب، في حين أن الرب لا يغيب ولا يأفل ثم قال في ذلك لا أحب الآفلين ولم يحاجهم بأنه لا يحب ربا يرى، ولكن حاجهم بأن لا يحب ربا يأفل وهذا هو دليل عدم الدوام وهو الذي يمتنع على الله تبارك وتعالى أما الرؤية فلا، حيث لم يجعلها الخليل من موانع الربوبية كالأفول والغيبة .[ انظر : التوحيد للماتدريدى ص78 ، طبعة دار الجامعات المصرية – الإسكندرية .]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والأربعون بعد الثلاثمئة في موضوع  ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : مذهب السلف في إثبات الرؤية :-

2- الأدلة من السنة :-

عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ إِذْ نَظَرَ إِلَى القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ قَالَ: « إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا القَمَرَ، لاَ تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ ... ».[ صحيح : رواه البخاري برقم 7434 ، ومسلم برقم 633 ، وأبو داود برقم 4729 ، والترمذي برقم 2551 وغيرهم .]

وعنه رضى الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ : «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ عِيَانًا».[ صحيح : رواه البخاري برقم 7435 ، والدارمى في الرد على الجهمية برقم 171 ، والسنة لابن أبى عاصم برقم 461 ، والتوحيد لابن خزيمة 2/413 وغيرهم ]

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّاسَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «هَلْ تُضَارُّونَ فِي القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ؟»، قَالُوا: لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ، لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟»، قَالُوا: لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ»، يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتْبَعْهُ الحديث [ صحيح : تقدم تخريجه .]ليس تشبيه رؤية الله تعالى برؤية الشمس والقمر تشبيها لله بل هو تشبيه الرؤية بالرؤية لا تشبيه المرئي بالمرئي ولكن فيه دليل على علو الله على خلقه وإلافهل تعقل رؤية بلا مقابلة؟ ومن قال : يرى لا في جهة. فليراجع عقله .

وإلا فإذا قال يرى لا أمام الرائي ولا خلفه ولا عن يمينه ولا عن يساره ولا فوقه ولا تحته ، رد عليه كل من سمعه من أصحاب الفطرة السليمة .

وعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ

 النَّبِيِّ قَالَ: «جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا، وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا، وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ».[ صحيح : رواه البخاري برقم 7444 ، ومسلم برقم 180 ، والترمذي برقم 2528 ، وابن ماجه برقم 186وغيرهم.]

وعَنْ صُهَيْبٍ عَنِ النَّبِيِّ قَالَ : « إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، قَالَ: يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ : أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا ؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ ؟ قَالَ : فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ»[ صحيح : رواه مسلم برقم 181 ، والترمذي برقم 2552 ، وابن ماجه برقم 187وأحمد برقم 18936 وغيرهم .]

عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : « ... ثُمَّ لَيَقِفَنَّ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حِجَابٌ وَلاَ تَرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ لَهُ، ثُمَّ لَيَقُولَنَّ لَهُ: أَلَمْ أُوتِكَ مَالًا؟ فَلَيَقُولَنَّ: بَلَى، ثُمَّ لَيَقُولَنَّ أَلَمْ أُرْسِلْ إِلَيْكَ رَسُولًا؟ فَلَيَقُولَنَّ: بَلَى، ... الحديث ».[ صحيح : رواه البخاري برقم 1413 وغيره . والشاهد في الحديث قوله: (وليس بينه وبينه حجاب) هذا صريح في الرؤية .]

هذه أمثلة من النصوص المتواترة، وهي كثيرة كما سبق رواها نحو ثلاثين صحابيًا في الصحاح والسنن والمسانيد، وهي صريحة في رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخمسون بعد الثلاثمئة في موضوع  ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : مذهب السلف في إثبات الرؤية :-

3- أما الإجماع :-

قد نقل الإجماع غير واحد من أهل العلم يقول الإمام عبد الغنى المقدسى : وأجمع أهل الحق واتفق أهل التوحيد والصدق أن الله تعالى يرى في الآخرة كما جاء في كتابه وصح عن رسوله .[ عقيدة الحافظ عبد الغنى المقدسي ص58 .]

وقال الإمام ابن أبى العز الحنفي: وقد قال بثبوت الرؤية الصحابة والتابعون، وأئمة الإسلام المعروفون بالإمامة في الدين، وأهل الحديث، وسائر طوائف أهل الكلام المنسوبون إلى السنة والجماعة . [شرح الطحاوى ص153 ط الأوقاف السعودية ]

وقال الإمام النووي : قد تظاهرت أدلة الكتاب والسنة وإجماع الصحابة فمن بعدهم من سلف الأمة على إثبات رؤية الله تعالى في الآخرة للمؤمنين .       [ شرح النووي على مسلم 3/15 .]

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وأما الجهمية من المعتزلة

 وغيرهم فيمتنع على أصلهم لقاء الله ؛ لأنه يمتنع عندهم رؤية الله في الدنيا والآخرة وخالفوا بذلك ما تواترت به السنن عن النبي ﷺ وما اتفق عليه الصحابة وأئمة الإسلام من أن المؤمنين يرون ربهم في الآخرة .         [ مجموع الفتاوى 6/469 ]

4- أقوال الأئمة في إثبات الرؤية :-

قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله : والله تعالى يرى في الآخرة ويراه المؤمنون وهم في الجنة بأعين رؤوسهم بلا تشبيه ولا كيفية ولا يكون بينه وبين خلقه مسافة .[الفقه الأكبر ص 55 ]

وعن عبد الله بن وهب قال: قال مالك رحمه الله : «الناس ينظرون إلى الله تعالى يوم القيامة بأعينهم».   [ أخرجه الآجرى في الشريعة برقم 574 ، واللالكائى فى شرح اعتقاد أهل السنة برقم 870 ، وابن بطة في الإبانة 7/52 ، والبغوى في شرح السنة – باب رؤية الله 15/229 .]

قال الإمام الحسن : ينظرون إلى الله عز وجل كما

 شاء بلا إحاطة . [ الإبانة الكبرى لابن بطة 7/51 ].

قال الإمام أبو بكر الخلال فى عقيدة الإمام أحمد رحمه

 الله : وكان يذهب إلى أن الله تعالى يرى في الآخرة بالأبصار وقرأ {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} ولو لم يرد النظر بالعين ما قرنه بالوجه وأنكر نظر التعطف والرحمة لأن الخلق لا يتعطفون على الله تعالى ولا يرحمونه وأنكر الانتظار من أجل ذكر الوجه ومن أجل أنه تبعيض وتكرير ولأنه أدخل فيه إلى وإذا

دخلت إلى فسد الانتظار ...[ العقيدة للإمام أحمد رواية أبى بكر الخلال ص111 .]

عن الوليد بن مسلم، يقول: سألت الأوزاعي وسفيان الثوري، ومالك بن أنس، والليث بن سعد عن هذه الأحاديث التي فيها الرؤية , فقالوا: «أمروها بلا كيف».[ أخرجه اللالكائى فى شرح السنة برقم 875 .]

وقال الإمام الطحاوى رحمه الله : والرؤية حق لأهل الجنة بغير إحاطة ولا كيفية كما نطق به كتاب ربنا (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) وتفسيره على ما أراده الله تعالى وعلمه وكل ما جاء في ذلك من الحديث الصحيح عن الرسول فهو كما قال ومعناه على ما أراد لا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا ولا متوهمين بأهوائنا فإنه ما سلم في دينه إلا من سلم لله عز وجل ولرسوله ورد علم ما اشتبه عليه إلى عالمه .[ متن الطحاوىة بتعليق الألباني ص43 .]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والخمسون بعد الثلاثمئة في موضوع  ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي

 بعنوان : مذهب السلف في إثبات الرؤية :-

وقال الإمام الأصبهانى الملقب «بقوام السنة» : مذهب أهل السنة أن الله عز وجل يكرم أولياءه بالرؤية، يرونه بأعينهم كما شاء فضلاً منه ومنة . [ الحجة فى بيان المحجة 2/524 .]

قال الإمام الأشعري: وأجمعوا على أن المؤمنين يرون الله عز وجل يوم القيامة بأعين وجوههم على ما أخبر به تعالى في قوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ.[ رسالة إلى أهل الثغر ص134 .]

قال الإمام أبو بكر الإسماعيلى : ويعتقدون جواز الرؤية من العباد المتقين لله عز وجل في القيامة، دون الدنيا [ اعتقاد أئمة الحديث للجرجانى ص63 .]

قال الإمام ابن القيم : وأما الأحاديث عن النبي وأصحابه الدالة على الرؤية، فمتواترة رواها عنه أبو بكر الصدّيق، وأبو هريرة الدوسي، وأبو سعيدٍ الخدريُّ، .... ثم ساق نحواً من ثلاثين اسماً للصحابة رضوان الله تعالى عليهم .

إلى أن قال رحمه الله : فصل : وأما التابعون ، ونزل الإسلام ، وعصابة الإيمان منهم أئمة الحديث والفقه والتفسير وأئمة التَّصوُّف، فأقوالهم أكثرُ من أن يُحيط بها إلاَّ الله عزَّ وجلَّ ....

   ثم ساق الآثار والأقوال عن سعيد بن المسيب  ، والحسن البصرى ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعكرمة ومجاهد وقتادة والسدي والضحاك وطاووس، وعمر بن عبد العزيز، والأعمش وسعيد بن جبير ، وكعب الأحبار، وأبي إسحاق السبيعي، وعلي بن المديني، وعبد الله بن المبارك ،وشريك بن عبد الله، والأئمة الأربعة – أبى حنيفة ومالك والشافعى وأحمد -، والأوزاعي وسفيان الثوري والليث بن سعد وسفيان بن عيينة ، ووكيع بن الجَّراح وقتيبة بن سعيدٍ ، وأبي عبيدٍ القاسم بن سلام ، وغيرهم .، ثم ساق قول جميع أهل اللغة .  [ انظر : حادي الأرواح 296 وما بعدها – 333 وما بعدها .]

وقد اتفق أهل السنة والجماعة على أنه لا يرى أحد ربه فى الدنيا إلا ما كان من الخلاف فى رؤية النبي ربه فى المعراج ، وبالله التوفيق .[ الأنترنت – موقع ملتقى أهل الحديث - أبو عمار الفيديمينى ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والخمسون بعد الثلاثمئة في موضوع  ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *حديث رؤية الله في الجنة

عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا،وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا.وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلاَّ رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ، فِي جَنَّةِ عَدْنٍ".

• وعَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، قَالَ يَقُولُ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئاً أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبِيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ. فَمَا أُعْطُوا شَيْئاً أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ". وفي رواية: ثُمَّ تَلاَ هذِهِ الآيَةَ: ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ ﴾ رواه مسلم.

تخريج الحديثين:

حديث أبي موسى رضي الله عنه أخرجه مسلم

حديث (180)، وأخرجه البخاري في " كتاب التفسير " " باب (ومن دونهما جنتان )" حديث (4878)، وأخرجه الترمذي في " كتاب صفة الجنة " " باب ما جاء في صفة غرف الجنة" حديث (2528)، وأخرجه ابن ماجه في المقدمة " باب ما أنكرت الجهمية " حديث (186).

شرح ألفاظ الحديثين:

• " جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا": " جَنَّتَانِ " خبر لمبتدأ مخذوف، أي هما جنتان، "آنِيَتُهُمَا" مبتدأ، "مِنْ فِضَّةٍ" خبره مقدم، والجملتان في جواب للسائلين عن حقيقة الجنتين في قوله تعالى ﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾ [الرحمن:46].

• " وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ ": أي ما

بين أهل الجنة ورؤية الله تعالى.

• " تُرِيدُونَ شَيْئاً أَزِيدُكُمْ؟": أي من أنواع النعيم.

• " فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ": أي يزيله.

من فوائد الحديثين:

• الفائدة الأولى: الحديثان دليلان على الإيمان بالجنة وأنها دار النعيم للمؤمنين، وأنهما جنتان من فضة وجنتان من ذهب، وفي حديث صهيب رضي الله عنه بيان اسم من أسماء الجنة وهو جنة عدن وكما قال تعالى: ﴿ جَنَّاتِ عَدْنٍ اَلَّتِيْ وَعَدَ اَلْرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ ﴾ [مريم:61]، ﴿ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِيْ جَنَّاتِ عَدْنً ﴾ [الصف:12]

• الفائدة الثانية: الحديثان دليلان على إثبات صفة

الوجه لله تعالى .

• الفائدة الثالثة: في الحديثين دليل على إثبات رؤية المؤمنين لربهم في الجنة، والكلام على رؤية الله تعالى ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

أولاً: رؤية الله تعالى في الدنيا مستحيلة، دل َّ على ذلك الكتاب والسنة والإجماع:-

فمن الكتاب: قول الله تعالى لموسى: ﴿ لَنْ تَرَانِيْ ﴾ الأعراف: ١٤٣وكان قد طلب رؤية الله تعالى.

ومن السنة: حديث النواس بن سمعان في ذكر الدجال وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم:" اعلموا أن أحداً منكم لن يرى ربه حتى يموت" رواه مسلم.

وأجمع العلماء على أن الله عز وجل لا يراه أحد في الدنيا بعينه، ونقل الإجماع غير واحد من أهل العلم، ولو كان الله جل وعلا يُرى في الدنيا أي لو كان ذلك حاصلاً لأحد من العباد لحصل لكليم الله تعالى موسى عز وجل حين سأل ربه ذلك، وإن تعجب فعجب من أولئك السفهاء من المبتدعة الذين يعتقدون أنها قد تحصل رؤية الله تعالى في الدنيا لبعض أوليائهم كما هو موجود في كتب الزنادقة والصوفية، وأفتى بعض علماء الإسلام ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية أن من قال أن أحداً من الأولياء يرى الله سبحانه وتعالى بعينه في الدنيا فإنه يبيَّن له الدليل فإن تاب وإلا قُتل، وإن اعتقد بهذا الاعتقاد مع اعتقاده التفضيل أي يعتقد بأن أولياءه الذين يزعم أنهم يرون الله في الدنيا أفضل من الأنبياء الذين لم تحصل لهم الرؤيا في الدنيا كموسى عز وجل وغيره من الأنبياء فإنه يكفر بهذا الاعتقاد ويقتل مرتداً إن كان مصراً على هذا القول.

فالحاصل أن رؤية الله في الدنيا ممتنعة بإجماع العلماء.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية (في مجموع الفتاوى 3 / 389):" وكذلك كل من ادعى أنه رأى ربه بعينيه قبل الموت فدعواه باطلة باتفاق أهل السنة والجماعة، لأنهم اتفقوا جميعهم على أن أحداً من المؤمنين لا يرى ربه بعيني رأسه حتى يموت،وثبت ذلك في صحيح مسلم عن النواس بن سمعان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما ذكر الدجال قال:" واعلموا أن أحداً منكم لن يرى ربه حتى يموت ".

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والخمسون بعد الثلاثمئة في موضوع     ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *حديث رؤية الله في الجنة

ثانياً: رؤية الله في الآخرة قبل دخول الجنة

اختلف أهل العلم في رؤية الله تعالى في المحشر وقبل الحساب هل هي خاصة للمؤمنين، أو أنها عامة لأهل المحشر كلهم مؤمنهم ومنافقهم وكافرهم، وقبل ذكر الخلاف لابد من معرفة عدة أمور:

الأول: أهل السنة والجماعة متفقون على أن المؤمنين يرون ربهم في المحشر فلم يخالف في ذلك أحد.

الثاني: أهل السنة والجماعة متفقون على أن رؤية الله في عرصات يوم القيامة لا تكون رؤية نعيم وتكريم وتلذذ إلا للمؤمنين، بخلاف غيرهم من الكفار والمنافقين فعلى قول من يقول أنهم يرونه فإنها ليست رؤية نعيم وتكريم.

الثالث: أن الخلاف في هذه المسألة نشأ بعد المائة الثالثة أي في بداية القرن الرابع، وأما قبل ذلك فلم يكن الخلاف موجوداً عند السلف رحمهم الله، و إنما كانت المسألة السائغة عندهم هل يُرى الله جل وعلا أو لا يُرى؟

الرابع: أن الخلاف في هذه المسألة ليس من الخلاف

 الذي يؤثر في الاعتقاد فسواء قيل بأن الكفار والمنافقين يرونه أو لا يرونه فالقضية قضية نظر واجتهاد ولا تؤثر في الاعتقاد، ولشيخ الإسلام ابن تيمية قصة في هذه المسألة حينما حصل النزاع والفرقة والعداوة بين أهل البحرين بسبب هذه المسألة فكتبوا لشيخ الإسلام يسألونه وبيَّن لهم أن هذه المسألة من المسائل التي لا يحصل بها هجران وتبديع وافتراق فليست من مسائل الأصول التي يكون فيها موالاة أو معاداة، وإنما هي من المسائل الاجتهادية.

وخلاف أهل العلم في هذه المسألة على أقوال ثلاثة:

القول الأول: أن رؤية الله في المحشر تكون لأهل الموقف جميعاً للمؤمنين والكافرين ومنهم المنافقين.

وقالوا بأن الكفار يرونه ابتداءً ثم يحجبون عن رؤيته لقوله تعالى: ﴿ كّلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوْبُونَ ﴾ ولكنهم قالوا إن رؤية الكفار لله تعالى رؤية عذاب، واستدلوا بالأحاديث التي فيها تكليم الله تعالى لأهل المحشر وقت الحساب كحديث أبي سعيد وحديث أبي هريرة رضي الله عنه وكلاهما في الصحيحين وسيأتيان قريبا، وفيه أن الله عز وجل يقول لأهل المحشر: من كان يعبد شيئاً فليتبعه فيذهب الذين يعبدون الطواغيت،ويأتي اليهود والنصارى فيمثل لهم شيطان عزير وشيطان المسيح..." والحديث فيه دلالة على تكليم الله لهم حيث قال:" من كان يعبد شيئاً فليتبعه " فقالوا ما دام أنه يكلمهم فهم يرونه، فجعلوا من التكليم دليلاً على الرؤية،والصواب أنه لا يلزم من التكليم الرؤية فهذا قول مرجوح والله أعلم.

والقول الثاني: أنه يراه المؤمنون والمنافقون دون

الكافرين الأصليين، واختار هذا القول ابن خزيمة في

التوحيد.

واستدلوا: بحديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين بعد ما ذكر ذهاب كل طائفة من الكفار مع معبودهم فيلقون في النار – كما تقدم – قال النبي صلى الله عليه وسلم:"... وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم الله تبارك وتعالى، في صورة غير صورته التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاء ربنا عرفناه فيأتيهم الله تبارك

تعالى في صورته التي يعرفون، فيقول أنا ربكم فيقولون: أنت ربنا فيتبعونه... " الحديث.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والخمسون بعد الثلاثمئة في موضوع     ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *حديث رؤية الله في الجنة

القول الثالث: أن الرؤية في المحشر خاصة بالمؤمنين فقط، واختار هذا القول النووي وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله [انظر شرح مسلم للنووي (1/ 35) وانظر مجموع الفتاوى (6/ 465)].

واستدلوا: بحديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين الذي تقدم ففي أوله:" أن ناساً قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر؟ قالوا: لا يا رسول الله. قال:" هل تضارون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا، قال:" فإنكم ترونه كذلك " وأما غير المؤمنين فلا يرون ربهم لقوله تعالى: ﴿ كّلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوْبُونَ ﴾.

وردَّ أصحاب هذا القول على أصحاب القول الثاني بأن استدلالهم ليس فيه دلالة على أن المنافقين يرون ربهم.

قال النووي:" ثم اعلم أن هذا الحديث قد يتوهم منه أن المنافقين يرون الله تعالى مع المؤمنين، وقد ذهب إلى ذلك طائفة حكاه ابن فورك لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم الله تعالى " وهذا الذي قالوه باطل بل لا يراه المنافقون بإجماع من يعتد به من علماء المسلمين وليس في هذا الحديث تصريح برؤيتهم الله تعالى، وإنما فيه أن الجمع الذي فيه المؤمنون والمنافقون يرون الصورة ثم بعد ذلك يرون الله تعالى وهذا لا يقتضي أن يراه جميعهم وقد قامت دلائل الكتاب والسنة على أن المنافق لا يراه سبحانه وتعالى والله أعلم

ثالثاً: رؤية الله تعالى في الجنة باتفاق أهل السنة والجماعة أن المؤمنين يرون ربهم في الجنة، والجنة لا يدخلها إلا نفس مؤمنة ورؤية الله في الجنة أعظم نعيم.

ورؤية المؤمنين لربهم في الجنة دلَّ عليها الكتاب والسنة والإجماع[الأنترنت – موقع الألوكة - الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح ]

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله في رؤية الله تعالى يوم القيامة:

قول أهل السنة والجماعة، وهو إجماع الصحابة - رضي الله عنهم- وإجماع أهل السنة بعدهم أن الله – سبحانه- يُرى يوم القيامة ، يراه المؤمنون ويرونه في الجنة أيضاً، أجمع أهل العلم على هذا ، أجمع علماء الصحابة والمسلمون الذين هم أهل السنة والجماعة على هذا، وقد دل عليه القرآن العظيم ، والسنة المطهرة الصحيحة، يقول الله - عز وجل- : وجوه يومئذٍ ناضرة إلى ربها ناظرة. ناضرة يعني بهية جميلة، إلى ربها ناظرة تنظر إلى وجهه الكريم - سبحانه وتعالى-. وقال - عز وجل- : للذين أحسنوا الحسنى وزيادة صح عن رسول الله - عليه الصلاة والسلام- أنه قال : الحسنى الجنة، والزيادة النظر إلى وجه الله. وقال الله: كلا إنهم عن ربهم يومئذٍ لمحجوبون. فإذا حجب الكفار علم أن المؤمنين غير محجوبين بل يرون ربهم في القيامة وفي الجنة، وقد توارت الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن المؤمنين يرون ربهم في القيامة وفي الجنة، يقول - صلى الله عليه وسلم- : (إنكم ترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تمارون في رؤيته). وفي لفظ: (لا تضارون في رؤيته) . وفي اللفظ الآخر: (كما تطلع الشمس صحوا ليس دونها سحاب). فالكلام بين واضح ، بين عليه الصلاة والسلام أن المؤمنين يُرون ربهم رؤيةً ظاهرة جلية كما ترى الشمس صحوا ليس دونها سحاب ، وكما يُرى القمر ليلة البدر ليس هناك سحاب ، وهل بعد هذا البيان بيان؟ ما أوضح هذا البيان وما أبينه وما أكمله؟ وأخبر - صلى الله عليه وسلم- أنهم يرونه في الجنة أيضاً. فمن أنكر الرؤية فهو مرتد ضال. من أنكر رؤية الله للمؤمنين كلهم له يوم القيامة وفي الجنة فهو ضال مرتد - نسأل الله العافية  .[الأنترنت – موقع ابن باز]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والخمسون بعد الثلاثمئة في موضوع     ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

* شبهات لملحد ، حول الله جل جلاله

السؤال: الملحد ، إذا طلب دليلا على : أن الله يعلم ما في السرائر ، وأن الله لا يكذب ، وأن الله لم يلد ولم يولد ؛ كيف أجيبه ؟

الجواب :

أولا : لاشك أن الدليل العقلي الصحيح ، يوافق الدليل النقلي ، ويدل عليه ، ومن لم تنتكس

فطرته ، ولم يرتد على عقبيه : يجد أن الكون كله يشهد بربوبية الرب تعالى ، وألوهيته ، وصدق رسوله ، وتمام رسالته ، وصحة كتابه ، وجلاله وعظمته ،  قال ابن القيم رحمه الله :" وَللَّه سُبْحَانَهُ فِي كل صنع من صنائعه ، وَأمر من شرائعه : حِكْمَة باهرة ، وَآيَة ظَاهِرَة ، تدل على وحدانيته ،وحكمته ،وغناه وقيوميته وَملكه ، لَا تنكرهَا إِلَّا الْعُقُول السخيفة ، وَلَا تنبو عَنْهَا إِلَّا الْفطر المنكوسة:

وَللَّه فِي كل تسكينة ** وتحريكة أبدا شَاهد

وَفِي كل شَيْء لَهُ آيَة ** تدل على أَنه وَاحِد " .

[انتهى من "مفتاح دار السعادة" 2/ 66 ]

" فَلَا ريب أَن خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض من أعظم الْأَدِلَّة على وجود فاطرهما وَكَمَال قدرته وَعلمه وحكمته وانفراده بالربوبية والوحدانية ، وَالله سُبْحَانَهُ إِنَّمَا يَدْعُو عباده إلى النّظر والفكر فِي مخلوقاته الْعِظَام ، لظُهُور أثر الدّلَالَة فِيهَا وبديع عجائب الصَّنْعَة وَالْحكمَة فِيهَا ، واتساع مجَال الْفِكر وَالنَّظَر فِي أرجائها " .

انتهى من "مفتاح دار السعادة" (2/ 198) .

فالأدلة على إثبات الخالق ظاهرة متكاثرة ، ويكفي أن يقال : هذه المخلوقات المتقنة الصنع : إما أن تكون خلقت نفسها ، أو وجدت من غير خالق ، أو خلقها خالق عليم قدير .

أما الاحتمال الأول والثاني فباطلان ، معلوم بطلانهما ببدائه العقول ؛ فلا يقول عاقل إن شيئا صنع نفسه ، وأوجدها من العدم ، أو أن شيئا صُنع من غير صانع ، ولأجل تقرر ذلك في الفطر ، قال الله تعالى : تعالى : ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ) الطور/ 35

ثانيا : إذا ثبت بالاضطرار وجود الخالق المدبر الحكيم العليم ، ثبت باللزوم أنه يعلم السرائر ويطلع على الخفايا ، فلا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، قال تعالى : {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} الملك/14

، قال السعدي رحمه الله : مستدلا بدليل عقلي على علمه -: ( أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ ) فمن خلق الخلق وأتقنه وأحسنه ، كيف لا يعلمه؟! " [انتهى من "تفسير السعدي" (ص 876) .]

وهذا دليل عقلي يجب التسليم به ؛ لأن العبد إذا أتقن شيئا ، أو صنع صناعة ، أو اخترع اختراعا : فبالضرورة أن يكون عالما بكل تفاصيله وخباياه ، لا يخفى عليه من أمره شيء ، لأنه صانعه ومبتكره ومكونه ، فما بالك بالله تعالى خالق الخلق من العدم ، وموجدهم على غير مثال سبق ؛ أليس أولى وأحرى أن يكون عالما بخلقه ، محيطا بهم . ومما يدل على ذلك أيضا : أن الله تعالى أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم بكثير من أمور الغيب التي لا يعلمها أحد من العالمين ، فظهر مصداق ما أخبر ، سواء في حياته أو بعد مماته ، بل أخبر نبيه ببعض ما يستسر به المشركون ، أو يكنونه في صدورهم .

روى البخاري (4817) ، ومسلم (2775) : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: " اجْتَمَعَ عِنْدَ البَيْتِ قُرَشِيَّانِ وَثَقَفِيٌّ - أَوْ ثَقَفِيَّانِ وَقُرَشِيٌّ - كَثِيرَةٌ شَحْمُ بُطُونِهِمْ ، قَلِيلَةٌ فِقْهُ قُلُوبِهِمْ ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَتُرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ يَسْمَعُ مَا نَقُولُ ؟ قَالَ الآخَرُ: يَسْمَعُ إِنْ جَهَرْنَا وَلاَ يَسْمَعُ إِنْ أَخْفَيْنَا، وَقَالَ الآخَرُ: إِنْ كَانَ يَسْمَعُ إِذَا جَهَرْنَا فَإِنَّهُ يَسْمَعُ إِذَا أَخْفَيْنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ( وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ )[فصلت/ 22 الآيَةَ .[وينظر قصة أخرى في : "سيرة ابن هشام" (2/ 220) ، "سير أعلام النبلاء" (1/ 348) ، "البداية والنهاية" (5/210) .]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والخمسون بعد الثلاثمئة في موضوع     ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : * شبهات لملحد ، حول الله جل جلاله

ثالثا :كيف يكذب الخلاق العليم العزيز الحكيم ؟! وما الذي يحمله على الكذب ويحوجه إليه ؟! ومن أبر من الله ، وأولى بالصدق منه جل جلاله ؟! (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا) ؛ (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا) ؟! لقد كان أولى ما يظهر فيه نقص القول ، وتفاوته واضطرابه : هو كتابه الذي تحدى به الكفار : أن يأتوا بمثله ، أو بشيء منه ، أو أن يجدوا فيه تفاوتا ، أو تناقضا ؛ قال تعالى : ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ) النساء/ 82 ،      قال الطبري رحمه الله :

" يعني : أفلا يتدبر المبيتون غير الذي تقول لهم يا محمد

 كتاب الله، فيعلموا حجّة الله عليهم في طاعتك واتباع أمرك، وأن الذي أتيتهم به من التنزيل من عند ربهم، لاتِّساق معانيه، وائتلاف أحكامه، وتأييد بعضه بعضًا بالتصديق، وشهادة بعضه لبعض بالتحقيق، فإن ذلك لو كان من عند غير الله لاختلفت أحكامه، وتناقضت معانيه، وأبان بعضه عن فساد بعض " انتهى من "تفسير الطبري" (8/ 567) .

فكل ما أخبر به من الصدق ، وكل ما جاء به من الحق ، ولم يستطع المعارضون له المخالفون لأمره أن يعثروا على قول يناقض قول ، أو خبر يخالف الحس والواقع ، بل كل ما جاء به جاء ما يدل على صدقه بالبرهان المبين والحجة البالغة .

ثم تأمل يا عبد الله ؛ هذا الحديث ، لتعلم أن القادر ، المالك : أبعد ما يكون عن الكذب :

روى مسلم (107) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ : شَيْخٌ زَانٍ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ ) .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" وذلك لأن الملك لا يحتاج أن يكذب ، كلمته هي العليا بين الناس ، فلا حاجة إلى أن يكذب ، فإذا كذب صار يعدُ الناس ولكن لا يوفي ، يقول سأفعل كذا ولكن لا يفعل ، سأترك كذا ولكن لا يترك ، ويحدث الناس يلعب بعقولهم ويكذب عليهم ، فهذا والعياذ بالله داخل في هذا الوعيد ، لا يكلمه الله يوم القيامة ولا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم .

والكذب حرامٌ من الملك وغير الملك ، لكنه من الملك

 أعظم وأشد ؛ لأنه لا حاجة إلى أن يكذب ، كلمته بين الناس هي العليا فيجب عليه أن يكون صريحاً، إذا كان يريد الشيء ، يقول نعم ، يوافق عليه ويفعل ، وإذا كان لا يريده ، يقول لا ، يرفضه ولا يفعل ، الواحد من الرعية قد يحتاج إلى الكذب فيكذب، ولكن الملك لا يحتاج " انتهى من "شرح رياض الصالحين" (3/ 551) .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والخمسون بعد الثلاثمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيتين والتي هي بعنوان : * شبهات لملحد ، حول الله جل جلاله

رابعاً :

من الأدلة العقلية على أن الله تعالى لم يلد : أنه لا صاحبة له ، ومعلوم لدى كل ذي عقل أن الإنسان يلد إنسانا ، وأن البهيمة تلد بهيمة ، وأن الطائر يلد طائرا ، فالمولود يتولد من شيئين متناسبين ، فلا بد للمولود من أب وأم متناسبين . قال تعالى : ( بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) الأنعام/ 101 .

قال الطبري رحمه الله :" الولد إنما يكون من الذكر والأنثى،ولا ينبغي أن يكون لله سبحانه صاحبة ، فيكون له ولد ، وذلك أنه هو الذي خلق كل شيء ، يقول:فإذا كان لا شيء إلا اللهُ خلقه،فأنّى يكون لله ولد، ولم تكن له صاحبة فيكون له منها ولد؟[تفسير الطبري11/ 11)]

وقال ابن كثير رحمه الله :

" أَيْ: كَيْفَ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ ، وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ؟ أَيْ: وَالْوَلَدُ إِنَّمَا يَكُونُ مُتَوَلِّدًا عَنْ شَيْئَيْنِ مُتَنَاسِبَيْنِ ، وَاللَّهُ لَا يُنَاسِبُهُ وَلَا يُشَابِهُهُ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ ؛ لِأَنَّهُ خَالِقُ كُلِّ

 شَيْءٍ، فَلَا صَاحِبَةَ لَهُ وَلَا وَلَدَ " تفسير ابن كثير (3/ 308)

وقال ابن عاشور رحمه الله :

" مَنْ يُصْمَدُ إِلَيْهِ : لَا يَكُونُ مِنْ حَالِهِ أَنْ يَلِدَ لِأَنَّ طَلَبَ الْوَلَدِ لِقَصْدِ الِاسْتِعَانَةِ بِهِ فِي إِقَامَة شؤون الْوَالِدِ وَتَدَارُكِ عَجْزِهِ ، وَلِذَلِكَ اسْتُدِلَّ عَلَى إِبْطَالِ قَوْلِهِمْ : اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً ، بِإِثْبَاتِ أَنَّهُ الْغَنِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ( قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ) يُونُس/ 68 ، فَبَعْدَ أَنْ أَبْطَلَتِ الْآيَةُ الْأَوْلَى مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ تَعَدُّدَ الْإِلَهِ بِالْأَصَالَةِ وَالِاسْتِقْلَالِ، أَبْطَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ تَعَدُّدَ الْإِلَهِ بِطَرِيقِ تَوَلُّدِ إِلَهٍ عَنْ إِلَهٍ ، لِأَنَّ الْمُتَوَلِّدَ مُسَاوٍ لِمَا تَوَلَّدَ عَنْهُ.

وَالتَّعَدُّدُ بِالتَّوَلُّدِ : مُسَاوٍ فِي الِاسْتِحَالَةِ لِتَعَدُّدِ الْإِلَهِ

بِالْأَصَالَةِ،لِتَسَاوِي مَا يَلْزَمُ عَلَى التَّعَدُّدِ فِي كِلَيْهِمَا 

مِنْ فَسَادِ الْأَكْوَانِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ( لَوْ كانَ

فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا ) الْأَنْبِيَاء/ 22 وَهُوَ بُرْهَانُ التَّمَانُعِ ، وَلِأَنَّهُ لَوْ تَوَلَّدَ عَنِ اللَّهِ مَوْجُودٌ آخَرُ لَلَزِمَ انْفِصَالُ جُزْءٍ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ مُنَافٍ لِلْأَحَدِيَّةِ ، لِأَن البنوّة لِلْإِلَهِ تَقْتَضِي إِلَهِيَّةَ الِابْنِ " التحرير والتنوير (30/ 618) .

أما كونه سبحانه لم يولد ، فمعلوم بالاضطرار أيضا ؛ لأنه لو كان له والد : لكان هذا الوالد إلها عظيما ، ولكان أولى من ولده بتدبير الملكوت ، وتسيير الأمور ، وهذا شأن الملك في الناس كلهم : أن الولد يرث الملك عن أبيه .

قال أبو سعيد الصنعاني رحمه الله :" ليس شيء يولد

 إلا سيموت ، وليس شيء يموت إلا سيورث ، وإن الله جلّ ثناؤه لا يموت ولا يورث  [ انتهى من تفسير الطبري24/ 691]

 ولأننا لو أثبتنا له الوالد لنسبناه ، إلى العدم قبل أن

 يولد ، وهذا محال ؛ فإن من خلق من العدم : لا يكون إلها ، بل يكون الذي خلقه هو الإله ، وهنا يرد عليه نفس السؤال ، حتى ينتهي الأمر إلى السفسطة المحضة ، أو إبطال وجود الإله الخالق من أصله .

وقال ابن عاشور رحمه الله :

" مَنْ يَكُونُ مَوْلُودًا مِثْلَ عِيسَى لَا يَكُونُ إِلَهًا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْإِلَهُ مَوْلُودًا لَكَانَ وُجُودُهُ مَسْبُوقًا بِعَدَمٍ لَا مَحَالَةَ ، وَذَلِكَ مُحَالٌ ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَسْبُوقًا بِعَدَمٍ لَكَانَ مُفْتَقِرًا إِلَى مَنْ يُخَصِّصُهُ بِالْوُجُودِ بَعْدَ الْعَدَمِ ، فَحَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ جُمْلَةِ: (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) إِبْطَالُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَالِدًا لِمَوْلُودٍ ، أَوْ مَوْلُودًا مِنْ وَالِدٍ بِالصَّرَاحَةِ. وَبَطَلَتْ إِلَهِيَّةُ كُلِّ مَوْلُودٍ بِطَرِيقِ الْكِنَايَةِ، فَبَطَلَتِ الْعَقَائِدُ الْمَبْنِيَّةُ عَلَى تَوَلُّدِ الْإِلَهِ " .[انتهى من"التحرير والتنوير" (30/ 619) . ]

خامسا :الذي ننصحك به ألا تشغل نفسك بشبهات الملاحدة وأباطيلهم ، فليس عليك من شأنهم شيء ، وإنما حوارهم والرد على شبهاتهم : للمتخصصين ، العارفين بمآخذ القول ، وكيفية الرد والنقاش والجدال .

وعليك بتلاوة القرآن وتدبره ، وصحبة أهل الخير ، الذين يحرصون عليه ، ويدعون إليه ، وهذه الصحبة من أعظم ما يثبت به الله عبده على دينه ، ويصرف عنه به السوء .والله تعالى أعلم .[الأنترنت – موقع سؤال وجواب – المنجد ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والخمسون بعد الثلاثمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*الله جل جلاله في الشعر الإسلامي المعاصر

الله جل جلاله خالق كل شيء ، تسبح له السماوات السبع ومن فيهن، وإن من شيء إلا يسبح بحمده ، هو فالق الحب والنوى، يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ،قد جعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا، لاتدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ، الرؤوف الودود الرحمن الرحيم ، الذي يتقبل التوبة عن عباده ولو بلغت ذنوبهم عنان السماء ، الشديد العقاب لمن طغى وتجبر ، وهتك وفجر، وقد شرَّع شريعة فيها الخير لمن التزمها، وفيها حدود عقابا لمن صدَّ عنها .

والشعراء الإسلاميون هم ناس رقت مشاعرهم، وانفعلت نفوسهم لعظيم خلق الله، وأحسوا بجلاله وكبريائه، فراحوا يناجونه مقرِّين بضعفهم أمام عظمته، وبحاجتهم لعَوْنه ، ومعترفين بسعة علمه، وبدت هذه المعاني السامية في قصائدهم، من ذلك قول الشاعرة أمينة المريني

هو ذا الله معك     أينما كنت معك

يعلم الجهر وما     قد يناجي أضلعك

وخفاياك التي      لم تبارح مخدعك

إن تكن ذا قوة      هل تسوِّي أصبعك

وقد بدات تمجيد صفات المولى تعالى في هذا الشعر حبا له وإخلاصا وإحساسا بالقرب منه، وبموالاته،  والشعور بالعزة في الانتماء إليه، والسعادة في ظل مرضاته، كما بدا في التوبة والاستغفار، والإيمان بقدرة الله وبقدره ، وبالابتلاءات التي تحل بالفرد والأمة،

 وبعبوديته بأداء ما افترضه عليهم .

أولا : تمجيد الله سبحانه بصفاته العُلى :

يقول الشاعر عبد الرحمن العبادي:

لك الجلال والكبرياء    والسنا والعلو والأسماء

ولك المجد إذ تعاليت عما      نسج المبطلون والأهواء

إنه أدب إسلامي رقيق ترجم عن نفس مؤمنة أحبت الله وعظمته ، وترنمت بصفاته ، فهو سبحانه كما عبر الشاعر عادل حسن مكي إله منزه عن الشريك ، خالق ماجد مصوِّر، غني باق لايفنى :

سبحانه مِن إله لاشريك له ***نعماؤه في البرايا جمة كثرُ

الخالق البارئ الحي المصورمن ***باتت تسبحه الأطيار والشجر

الماجد الواحد القهار ذو المنن ال ***عظمى ومن لطفه في الناس منتشر

وهو تعالى يسمع ويرى زحف الظل وحديث النمل ،

 ويقلب القلوب حيث يشاء، يقول يوسف العظم وهو

 يناجيه و يذرف دموعه في دجى الليل راجيا رحمته :

أناجيك في ليلي وفي العين أدمع ***ومالي إلا رحمة منك تشفع

أادعوك جهرا أم أناجيك خفية***وأنت لزحف الظل والنمل تسمع

فؤادي في كفَّيك ليس يناله ***سواك فمن للقلب إلاك مرجع

ويعترف عمر بهاء الدين الأميري برعاية المولى له طفلا وكهلا وشيخا هرما ، وهو يرجوه أن يسدد خطاه وخطا ذريته، وأن ييسر لهم تيسيرا :

إلهي أنت عافيتي وعَوْني *** وصَوْني أنت تمكيني وأزري

فأنت برأتني وبدعت خلقي ***وأنت حبَوْتني حسي وفكري

وأنت حفَفْتني طفلا وكهلا ***وشيخا بالندى تابعت بري

فسدِّدني إلهي واصطنعني ***لما يرضيك في سر وجهر

وأبنائي وأحفادي وزدنا ***جَدا وندى ويسرا إثر يسر

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والخمسون بعد الثلاثمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *الله جل جلاله في الشعر الإسلامي المعاصر

وتدعو الشاعرة ثريا العسيلي بارئها وهي تستشعر لطفه ورحمته ، راجية هداه :

إلهي إليك مددت اليدا***فكن لي بهذا الدجى مرشدا

فأنت الرؤوف وأنت المجير***وأنت اللطيف وأنت الهدى

وهو الهادي إلى سواء السبيل بدينه القويم ،        يقول د. عارف الشيخ

نحمد الله أن سدد للحق خطانا

وإلى الإيمان والتوحيد والنور هدانا

وحبانا الدين لولاه لما كنا وكانا

ويُحْسِن محمد علي حمودة ظنه ببارئه فهو المنعم المجير، ولئن ابتلاه المولى تعالى صبر، وإن أنعم عليه شكر ، يقول :

راش الزمانُ سهامه ورماني ***وهوى علي بصارم وسنان

أحسنت ظني بالإله وعدله ***فأقالني من فاقة وهوان   

وأجارني من ظلم من فقدوا الهدى ***وتشدقوا بالبر والإحسان

وإذا ابتلاني في الحياة بشدة ***عالجتها بالصبر والإيمان

ويحمد أحمد الشرقاوي إقبال ربه أيضا على نعمائه سرا وعلانية ويقول :

إلى من له الحمد أجزي الثنا ***مسرّا به القولَ أو معلِنا

سبقتَ بآلائك الضافيات  *** فمنها الفُرادى ومنها الثُّنا

ويحكي لنا محمد عبد الرحمن صان الدي قصة ملحد رآه في مقبرة نثرت فيها الرياح أعظم الموتى، وكان بعضهم من ذوي المناصب، فذرفت عينا الشاعر لهذا المشهد، وذكر الموت والبعث والحساب وما بعدهما من جنة أو نار، فسخر الملحد منه وقال إن كل شيء سيتلاشى ولن يعود، فنصحه الشاعر المؤمن، وذكره بمخلوقات الله وأنه يحيي الغصن اليابس وكذلك العظام الرميمة، فهداه الله سواء السبيل ، يقول في البدء على لسان الملحد :

في دياجي الموت يخفى ال *** ناس في ليل طويل

        ما رأينا  أنَّ  ميتا *** عاد من بعد الرحيل

فرد عليه الشاعر قائلا :

قلتُ ياهذا تأمل  ***  ذلك الغصن الرطيب

كان من عهد قريب  *** يابسا يؤسي القلوبا

ليس فيه من حياة  *** لاترى إلا شحوبا

ماله قد عاد غضا  *** يرتدي ثوبا قشيبا

إن عَظْم المرء يحيا *** قائما يوم الشهادة

فالذي سواه بَدءا  *** باختيار وإرادة  

في جمال واكتمال  *** ليس تُعييه الإعادة

فاهتدى الرجل كما ذكر الشاعر في قوله :

ثم حيا في خشوع *** قائلا أين المصلى

ثانيا : حب الله سبحانه ومظاهر هذا الحب :

هام الشعراء الإسلاميون حبا لله سبحانه ، وتعلقت قلوبهم به وراحوا يتقربون إليه بهذا الحب النقي، يقول مخلص الحديثي في محبة ووجد للمولى تعالى :

وما لي سوى حب الإله وسيلة *** إذا ضمني قفر وأوحشني قبر

وإن يقيني للنجاة وسيلتي ***على أن جهدي لايقوم به عذر

عشقت به الرحمن جل جلاله ***حبيبا قريبا دونه السر والجهر

نحب به حتى كأن نفوسَنا ***يقربها قربٌ ويهجُرها هجر

أحبك ياربي وحقك صادقا ***وإنك ذو علم بما يكتم الصدر

أقصر في سعيي وأعثر تارة ***وما مسني شرك وما نالني كفر

ويعبر أحمد محمد الصديق عن حبه لمولاه تعالى ذي الجمال المطلق الذي لايحدُّ، ويرى أن حبه تعالى هو الباقي وغيره لايوثق به، يقول :

أنا من معينك ياإلهي استقي ***وأهيم حبا بالجمال المطلق

وأذيب فيك حشاشتي وصبابتي ***شعرا يؤجج لوعتي وتحرقي

مولاي ذكرك في فؤادي نشوة ***علوية فاضت كنهر مغدق

يصفو به عقلي وتصفو مهجتي ***يانعم ذاك الطهر والورد النقي

 مِنَن تجود بها عليَّ كثيرة ***وجزيل فضلك ياعظيم مطوقي

وحبل المودة فيك موثوق العُرى ***لكن حبل سواك غير موثق

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الستون بعد الثلاثمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان : *الله جل جلاله في الشعر الإسلامي المعاصر

ويحس الأميري بحب جارف لله سبحانه فيناديه بلهفة :

ياحبيبي  أنا  عبد       ياحبيبي أنت ربي

أنت في خفق جناني    وكياني ملءَ قلبي

فإذا جاوزت حدي     أفلا يشفع حبي

ومن مظاهر هذا الحب الإيمانية إخلاص القلب لله تعالى، يقول الأميري مبينا أن على المرء أن ينفق عمره مخلصا لوجه الله سبحانه في عمله، وهويوفقه بذلك :

علمتني الحياة أن ابتغاء الله ***فذا  في كل شأن وقصد

يبلِغُ  المرءَ  سؤله  ومُناه ***وسواه مهما ادعى ليس يجدي

كم طلبت العلا وأنفقت فيها ***عنفوان الصبا وغاية جهدي

فاستحالت عليّ حتى طلبت الله ***عبدا حرا وإذ هي عندي

 وتعجب الشاعرة صفاء حسني ناعسة ممن لايتوجه بقلبه إلى مولاه وهو البارئ له، والهادي والرازق:

أنقصد غير خالقنا       ورازقنا وهادينا

فلا عشنا إذا أبدا      ولا كانت أمانينا

فإن الدين نفديه        ولا نبغي سوى الدينا

ومن المظاهر الإيمانية أيضا أن يجعل الشاعر شهادة الحق " لاإله إلا الله " محررة للإنسان من العبودية لغير الله، وقد نادى بها ربعي بن عامر حين قال لكسرى الفرس " جئنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله الواحد القهار "               ويقول د. عثمان مكانسي في ذلك :

وشهادة الحق المبين شعارنا     والمسلمون بدونها أيتام

فيها التحرر من عبادة ظالم     يعتز فيها المؤمن المقدام

ويوضح الشاعر إبراهيم عزت معنى( الله أكبر) فيقول :

الله اكبر باسم الله مجريها***الله أكبر بالتقوى سنرسيها

الله اكبر قولوها بلا وجل ***وحققوا القلب من مغزى معانيها

بها ستعلو على أفق الزمان لنا ***رايات عز نسينا كيف نفديها

الله أكبر ماأحلى النداء بها ***كأنه الري في الأرواح يحييها

ومن المظاهر الإيمانية أيضا أن يحب المرء في الله ويكره في الله ، ويحس الشاعر د. محمد علي الرباوي أنه مقصر في حبه له سبحانه وتعالى لأنه لم يحب فيه ويكره فيه،فيقول معاتبا نفسه :

    كيف تناديه حبيبي     كيف تناديه؟

    لو أنك حقا تهواه      كنت تعادي فيه

    وتوالي فيه            كيف تناديه حبيبي ؟

              كيف تناديه ؟

ومن هذه المظاهر الإحساس بالعزة في الانتماء إليه ، يقول الأميري :

باهى عبيد حطام بانتمائهم ***إلى العظيم فلان وابتغوا جاها

والحر عبدك يارب العوالم لا ***لاينتمي ، وبغير الله ماباهى

ويكرر د.حسام النعيمي  هذا المعنى فيقول :

ذلُّ النفوس لمن براها عزها***والذل في ذات الإله مليح

ياربِّ ذلتُنا لنورك رفعةٌ ***فاصفح فإنك ياكريم صفوح

ومن علائم هذا الحب اتباع شرعه فإن المحب لمن يحب مطيع، يقول خالد البيطار :

النور في قلبي وفي عقلي فكيف أضيع دربي ؟

أم كيف أركن للضلال  وكيف أهتف أو ألبي

من أجل دنيا ؟ بئست الدنيا إذا أغضبت ربي

سأظل  معتصما  ومعتزا  بربي  وهو  حسبي

ويحس أحمد محمد صديق بالسعادة في اتباع شرعه فيقول :

إن السبيل إلى السعادة بيّن*** قد أوضحته شريعة غرّاء

هي للحياة نظامها،هي للنفوس*** سلامها ، هي رفعة وضياء

في ظلها القدسي قامت دولة ***مرهوبة دانت لها الأعداء

فلْيعلُ دستور السماء فإنما ***هو منتهى مايبتغي العقلاء

ومن المظاهر الإيمانية أيضا رجاء مغفرته والإحساس بالعجز أمام عظمته ، يقول الشاعر نبيل الزبير :

رباه جئتك تائبا ومنيبا ***أرجو رضاك فقد هجرت ذنوبا

وإليك ياربي أفرُّ فما لنا ***يارب غيرك إن أردت هروبا

أدعوك ياربي فأجب لي دعوتي ***إن لم تجبني من يكون مجيبا

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والستون بعد الثلاثمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان : *الله جل جلاله في الشعر الإسلامي المعاصر

وقد أحرق الشاعر محمود النجار شعره القديم الذي نظمه أيام جهله لئلا يبقى من ماضيه السيئ بقية تذكره بالضلال، وراح يقول :

يارب جئتك من همومي قد هربت

وتركت أوساخ الحياة بها كفرت

ورميت ماقد كنت قبلُ به شغلت

وحرقت أوراقي التي جهلا كتبت

مسترحما أرجو رضاك فقد ندمت

ويخاف د. محمد بن ظافر الشهري مما اقترفته يداه مما

 نسيه والله لاينساه ، وهو يرجو أن يصفح عنه:

 جاء بي حر ذنوبي00ساقني يارب تأنيب ضميري00

ياإلهي أنا لاأعرف ماتعرف عني أنت أدرى

غير أني بؤت يارب بما قد كان مني

فاعف عني ولنفسي لاتكلني

ويستعيذ الأميري بالله من شر شيطانه الذي لايفتأ يكيد له فيقول :

ويل إبليس إذ  كاد يودي ***بي لكن أخزاه ربي فأفلس

وإذا العبد لاذ بالله نجاه*** فولى الشيطان عنه وأبلس

وهذه امرأة سقطت ثم أحست بالوزر وعرفت أن السعادة في السير على الطريق المستقيم، فذرفت الدمع غزيرا علَّ الله سبحانه يتوب عليها وينقذها من الشقاء الذي هي فيه، تقول لولوة الجاسم فيها :

أنا ياإلهي حائرة         في درب همي سائرة

أنا زهرة لعبت بها       ياصاح أيد فاجرة

لاتحسبَنْ أني بأج       نحة السعادة طائرة

سل كل من عرفتْ هوى     حتما تجدها خاسرة

إلا التي تابت إلى     رب الورى متحسرة

ترجو النجاة من اللظى   والعين تدمع ساهرة

ومن علائم حب المولى الإحساس بأن ماقدره سيكون مع الرضا به،وأن على المرء أن يسعى (وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى)، يقول الأميري :

أنت رب الخير رب الشر رب العالمين

أنت سويت نفوس الخلق .. خلقت الجنين

ووهبت العقل للناس ليهدي ويزين

ونداء الله يدعو بلسان المرسلين

لصراط مستقيم نير البون أمين

ولقد يصرف عنه شيطان لعين

فالذي يتبعه يرديه  في  زيغ  أفين

ويحب الله أن نختار درب الراشدين

قدَر الله .. قضاء الله في الحق اليقين

فيحيق الشر عدلا بالعصاة القاسطين

وثواب الخير فضلا بالعباد المحسنين

ولقد يصاب العبد بابتلاءات ما فيلجأ إلى المولى عله يفرج الكرب عنه ،يقول د. العشماوي :

أعوذ بنور وجهك ياإلهي ***من البلوى ومن سوء المصير

إلهي ماسألت سواك عونا ***فحسبي العون من رب قدير

إذا لم أستعن بك ياإلهي ***فمن عوني سواك ومن مجيري

وقد يكون الابتلاء بالرزق وهاهي لولوة الجاسم تدعو

 نفسها إلى الرضا بما قسم الله لها من رزق فهي نعمة منه تعالى :

ياقلب مالك تشتكي هما وغما ***وتزيدك الأيام تخويفا وعتما

أوَلست تؤمن بالذي خلق الورى ***ومقسما ارزاقهم كيفا وكما

واقنع بما يعطي الإله فإنه ***رغم الذنوب يزيدنا فضلا ونعمى

والغربة قدر وابتلاء ابتلاه الله عباده، يقول د. بهجت الحديثي :

لاتجزعي يانفس إن حياتنا *** قدَر على قدر بنا يتكفل

إن الفراق على العباد مقدر***والرزق من فوق السما يتنزل

فلترض بالمقسوم والأمر الذي ***من ربنا فهو الكفيل الأكفل

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والستون بعد الثلاثمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان : *الله جل جلاله في الشعر الإسلامي المعاصر

ثالثا :إكرام كلام المولى تعالى القرآن الكريم :

القرآن الكريم حبيب القلوب وروحها ، به تتنسم نفحات الإيمان ،وتترنم بأعذب الألحان، وتستضيء بأنواره الساطعات ، وهو الكتاب المبشر والمنذر ، والدستور المبين، هدى ورحمة وموعظة للمتقين ، نتعبد بتلاوته وحفظ آياته الكريمات آناء الليل وأطراف النهار ، من حكَم به أفلح ، ومن أعرض عنه هوى في

 الجحيم وبئس المصير ، يقول أحمد بشار بركات فيه :

نورَ الإله نزلت حقا خالصا*** تنجي وتنقذ من عذاب حريق

لله كم أحييت ! كم أنقذت مَن ***قد كان قبل كميت وغريق

وقد أنزله المولى تعالى على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم لينذر به الثقلين ، يقول د. أكرم قنبس :

أوحى به الله للأمي معجزة ***جاءت لتنذر فيه الإنس والجانا

لاريب في أمره إلا لمن كفروا ***فيه وكانوا مع الشيطان إخوانا

وتحدى المولى تعالى العرب الفصحاء بل البشرية جمعاء أن يأتوا بمثله حينما ادعوا أنه كلام البشر، فعجزوا ولا يزالون عن أن يأتوا بمثل آياته فصاحة وتشريعا ،

يقول د.صابر عبد الدايم :

في كل عصر أعجز الخلق سرُّه ***له تخضع الألباب عن كل إذعان

فما قدرت يوما على سبر غوره ***وما أدركت يوما له أي عنوان

قديما رأى الأعراب فيه فصاحة ***وما أدرك الفصحى به نظم سحبان

له لم تزل في كل قلب مهابة ***له نبضات القلب أنغام تبيان

ويطرب أحمد محمد الصديق عند سماع آياته الكريمات المعجزات بلاغة وإحكاما،يقول في إعجاب وانتشاء:

أي نجوى معسولة الألحان ***ألهبت خاطري وهزت كياني

تلك آي الكتاب تنساب نورا ***في حنايا الضلوع والوجدان

قمة فوق ما يبلغ  الفكر *** وفوق التصور الإنساني

معجزأذهل العباقرة الأفذاذ ***من كل ملة أو لسان

أحكم الله نسجه فتسامى ***شامخا في كماله الرباني

وتشتاق الشاعرة بشرى عبد الله لتلاوته وتعجب ممن يغفل عنه، تقول :

عجبا للُب تاه عن تعظيمه       الله أكبر لاإله سواه

قرآننا تهفوالنفوس لأجله    شوقاويسري في الفؤاد شذاه

سبحان ربي كيف يغفل راغب  عن فيض قرآن به تقواه

وما جاء فيه من غيبيات عن الأنبياء والأمم البائدة وعما بعد الموت يثبت إعجازه أيضا ، وقد حفظه المولى فلا تناله أيدي الملحدين ،وهو يهدي العالمين إلى سواء السبيل ؛ يقول خالد محمد سليم في ذلك :

ضياء قد أهل من السماء ***يغيث الأرض من ليل الشقاء

أتى بالغيب يبسطه كأنا     شهدنا الغيب فيه بعين راء

ويحكي قصة للخلق كانت    وقبل وجودنا طي الخفاء

وعن أمم الأحقاب عاشت     ومن قد أرسلوا من أنبياء

وما سيكون بعد الموت فينا     ورحلة بعثنا بعد الفناء

كلام الله ... من يرقى لربي     يكلمه ويسمع في جلاء

أحاط به إله العرش حفظا  ومن ذا مثل ربي في الوفاء

ينادينا غنيا عن هدانا     وعن طاعاتنا كل الغناء

ترى ماذا نجيب إذا رددنا     إلى الديان في يوم الجزاء

وهو يضرب الأمثال للاتعاظ يقول محمد جميل العقاد في ذلك :

تضرب الأمثال  ضربا معجزا ***يكشف الريبة عن وجه اليقين

فترى الدنيا متاعا هينا ***ينقضي في مثل عمر الياسمين

لك في القصة منه عجب ***يبرز الغائب في شكل الرهين

فنرى  آدم  في  جنته  *** خارجا يلعن إبليس اللعين

ونرى فرعون في طغيانه ***ونرى موسى وسخر الساخرين

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والستون بعد الثلاثمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان : *الله جل جلاله في الشعر الإسلامي المعاصر

وأحكام القرآن الكريم جاءت للدين والدنيا فلا فصل بينهما،وهي صالحة لكل زمان ومكان مهما تقادمت العصور يقول أحمد محمد صديق :

هو للدين مثلما هو للدن ***يا منار الهدى وظل الأماني

هو في جِدة على الدهر لاتب  ***لى شفاء القلوب والأذهان

فيه حل لكل مايشغل الدنيا     سواء وفيه فصل بيان

وهو في ذروة الحياة ينادي    فأصيخي قوافل الركبان

أيها الحائرون في مفرق الدرب***هلموا هذا سبيل الأمان

وصلاحه لكل زمان ومكان جعله كما أراد المولى دستور المسلمين الذي يجب أن يسيروا عليه حتى يفوزوا في حياتهم ويعيدوا حضارتهم، يقول الأميري  في ذلك :

وأعد لأمة أحمد أيامها ***ياجاعلا إسلامها دستورها

قرآنها المهجور ضع من قلبها ***أقفاله عنه ليشرح صدرها

ويكون بعد تدبر نبراسها ***ليعيد سيرتها ويعلي قدرها

فتسود ثم ترود وهي رحيمة ***إيمانها الواعي يسدد سيرها

تبني حضارتها تشع عطاءها***للناس كل الناس تمنح خيرها

وقد شقي الناس بالأنظمة الغربية، ومع ذلك أحزنهم نهضة الصحوة الإسلامية التي تتمسك بكتاب الله سبحانه ولا ترى لها بديلا عنه، يقول محمد المنتصر الريسوني بمناسبة أسبوع القرآن الكريم

شقي الورى بمناهج الغرب الحقود ***فشاقهم صبح ترنُّ مزاهره

تلك الطلائع أعلنت أن الولاء ***لربها فيعز من هو شاكره

تلك الطلائع لاتبايع حاكما ***يسلو الكتاب يخزنه ويكابره

تلك الطلائع مالها إلا الكتاب ***منارة تملي العهود أوامره

وحرر القرآن الكريم العقول، ورسم للناس طريق الإصلاح والجهاد، وطريق الرقي والعمران ، يقول أحمد محمد الصديق :

تلك آي الكتاب تنساب نورا ***في حنايا الضلوع والوجدان

حررتنا من القيود وخطت*** للبرايا دستورها الرباني

هل تأملت منهج الوحي فازددت ***يقينا وخضت بحر المعاني

وترسَّمتَها جهادا وإصلاحا ***وعدلا في السر والإعلان

وترفعت بالهداية عن رجس*** الدنايا وفزت بالرضوان  

كيف نهوي إلى الحضيض ***وشرع الله أصل الرقي والعمران

يغرف العالمون من بحره الثرى *** فيربو على مرور الزمان

كم دعانا إلى التأمل في الكون ***وجني العلوم والعرفان

والأمة أصابها الذل والهوان بعد تخليها عنه ،وحلت بها المصائب فشُتِّت أبناؤها، واستُعمِرت أراضيها بعدما كانت رائدة العالم، يقول محمد ضياء الدين الصابوني

ولما هجرناه تشتت شملنا     وعُدنا بخزي وانقسام وذلة

ومزقنا الأعداء كل ممزق   وقد أفقدونا كل عز وهيبة

وكانت ملوك الأرض ترهب بأسنا***وقد عرفت منا مضاء العزيمة

ولما تغيرنا تغير عزنا ***وصرنا إلى ذل وزَيغ وفتنة

ويعظم المسلم القرآن الكريم ويستفتح به حفلاته لأنه يدرك أنه نور وبركة وهدى للدهور، يقول الأميري :

لم لانستفتح الأحفال بالذكر الحكيم ***أيها الأحباب والقرآن خير لايحور

بركات الله والتاريخ والمجد العظيم ***والحجا والنور الحافز للسعي الغيور

نحن عصريون والقرآن تنزيل قديم !!..    أيها الأحباب كلا،إنه هدي الدهورولا ننسى دعوة القرآن الكريم إلى الخلق الرفيع ولذلك قالت الشاعرة بشرى عبد الله :

قد نزل القرآن وحيا داعيا    لمكارم الأخلاق فيه رضاه

وتراه يدعو للفضائل  إنه      دستور إسلام لنا أجراه

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والستون بعد الثلاثمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان : *الله جل جلاله في الشعر الإسلامي المعاصر

قرآننا يسمووتسمو نفوسنا    بتذوق وقراءة لهداه

وقد نزل القرآن الكريم باللغة العربية لجمالها فحفظت به كما يقول د. وليد قصاب

الله عظمها فصاغت وحيه ***بالمعجزات وبالسنا الوضاء

نزل الكتاب بها فصارت وحدها ***قدسية القسمات والأسماء

صاغته فكرا معجزا متألقا    خرت لديه أكابر الفصحاء

ويدعو محمود مفلح أبناء المسلمين إلى تعلم القرآن الكريم في نشيد له يترنمون به فيقول :

لاتهجر أبدا قرآنك        تطرد ياولدي شيطانك

واجعله دوما بستانك     واقطف من هذا البستانْ

غرد ياولدي حسان       اتل المصحف فجرا عصرا     تعشق روحك ذاك السحرا   تلق الخير وتلق الأجرا    وتحرِّر فيه الإنسانْ          غرد ياولدي حسان

رابعا : مظاهر تعبدية :

تحدث الشعراء الإسلاميون عن  مظاهر تنم على حب المولى تعالى كعبادته بأداء فرائضه وغيرها، ولعل أهمها

- الصلاة فهي الركن الثاني في الإسلام بعد شهادة أن لاإله إلا الله ، وهي عماد الدين، ولا يكاد يمر وقت في العالم الإسلامي لايرتفع فيه نداء الله أكبرطالبا من المسلمين أداء هذه الشعيرة، أو يرى فيه مسلم يتبتل إلى الله تبتيلا، يقول أحمد راتب حموش :

في موسم الطاعات يصفو المنهل ***ويغص بالناس الظماء ويجمل

يتطهرون بصالح من سعيهم  ***برياض خير يزدهي لايذبل

ويعانقون الفجر في أسحارهم ***فتظل أنفسهم به تتغزل

وإذا الأذان علا سبا أرواحهم*** نغمٌ حبيب يشتهى فيُقَبَّل

وهذه العبادة دائمة لاتنقطع والأذان قبلها دائم كذلك، يقول عبد الوهاب عزام :

يدوي على الدهر صوت الأذان ***فلا ينقضي ساعة واحدة  

إذا بلدة أمسكت صوتها*** تنادي التي بعدها جاهدة

تهز السماوات أنغامه *******وتلفى الجبال له راعدة

وهذا الأذان ليس دعوة للصلاة فحسب وإنما هو دعوة للتحرر من الدنيا والإقبال على الله ، يقول محمد عياش الكبيسي :

قم يابلال وأعلنها مدويّة     الله أكبر في أرجاء دنيانا

الله أكبر فلتُحنَ الجباهُ له   ولتستكين له ذلا وإذعانا

الله أكبر لاعزّى ولا هبل ***الكل هانوا وصوت الحق ماهانا

فنحن لانبتغي جاها ومنزلة ***قد خاب من يبتغي بالدين أثمانا

ويحس الأميري بنشوة الصلاة في المسجد الحرام حتى كأنه غدا من نور فيقول في إحساس بأثرها عليه :

وقفت أصلي أمام المقام ***وفي مقلتيَّ السنا والسناء

وللبيت ملء جناني جلال ***ونشوة وَجْد ووجد انتشاء

وأنسيت نفسي وغاب زماني ***وغاب مكاني وغاب الثِّواء

أراني كأني من النور خلق ***جديد ولست بطين وماء

وراجعْت ماكان من غابري ***ومن حاضري فاعتراني حياء

وينصح كاظم حبيب بأن يصلي المرء قيام الليل ليناجي به ربه، يقول :

وركضا إلى الله قبل الفوات ***سراعا فقد آن أن ترجعي

وقومي وصلّي صلاة القيام    لرب الخلائق واستشفعي

وناجي كريما كثير العطاء      غفورا رحيما ولا تفزعي

ونوحي نُواح الفقير إليه     وما لي سوى الله من مفزع

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والستون بعد الثلاثمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان : *الله جل جلاله في الشعر الإسلامي المعاصر

ويندد الشاعر الإسلامي بمن يؤدي حركات الصلاة دون أن يفقه مغزاها ، يقول ذو النون الأطرقجي:

نقرتُهُنَّ ، هل أنا نقّارُ     لاهُمَّ غفرانك ياغفار

نقرتهن حلكا وصبحاأطلب ***منك في السجود فتحا

ولا تدعني في الصلاة صخرة ***تهوي بلا معنى بقعر حفرة

وينظر د. عثمان مكانسي إلى الصلاة من منظار اجتماعي فإذا هي شعار المتقين، كما أنها تساوي بين المسلمين فيقول :

جعل الصلاة علامة للمهتدي ***قد أفلح المتبتِّل القوام

وبها المساواة الحقيقة يلتقي*** في ظلها المحكوم والحكام

وفي المساجد تزكية للنفوس ، يقول مخلص الحديثي :

وكَفٌّ تُشِيْدُ البر لله خالصا ***مساجد يزكو بين أركانها الأجر

إذا افترشت غر الجباه أديمها ***سرت في رحاب الكون أنفاسها الغر

وإن أمَّن الداعون خلف إمامهم ***تراءت برغم الجدب أحلامنا الخضر

وفي هذا المقام يذكر المسلم المسجد الأقصى أولى القبلتين ومعراج الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويدعو يوسف العظم في هذا السياق المسلمين إلى العودة إلى كتاب الله لينصرهم الله على الصهاينة المحتلين ، يقول :

لقد ذكرت لدى الأقصى تهجدنا ***وليلة القدر نحييها فتحيينا

وقبلة المصطفى الأولى وصخرته ***وومضة النور في دنيا أمانينا

قد أقسم الله بالزيتون تكرمة ***فاحتل منا العدا الزيتون والتينا

متى نعود إلى القرآن رائدنا ***ليُخرج الظلمُ والعدوان من سينا

- وعبادة الزكاة تزكي النفس وتعين الفقير وتؤلف بين المسلمين، يقول محمد جميل العقاد :

مدُّوا الفقير فهذه أيامه     يجتاز فيها كل أمر صعب

أدوا الزكاة فهذه حق له     فبدفعها يقوى رباط الحب

-كما أن الفقير ينعم في شهر رمضان فتكون هذه العبادة رحمة له أيضا فضلا عن أنها صحة للمسلمين ووقاية لهم من الشرور والآثام، يقول الشاعر نفسه في ذلك :

إن الصيام وقاية     للنفس من وخز السهام

بل جُنَّةٌ ياقومنا     للعبد في يوم الزحام

شعرالغني بصومه      بعذاب من فقدوا الطعام

فحنا عليه تعطُّفا      وبعطفه نشر السلام

وغدا الفقير منعما     فيما يجود به الكرام

ثق للصيام روابط     لولاه باتت بانفصام

 وهو شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، وفيه

 نزل خير كتاب العالمين، وفيه ليلة القدر خير من ألف شهر ، يقول د. عثمان مكانسي في ذلك :

رمضان هلَّ بوافر الخيرات ***يهدي لنا الآمال والبركات

برضا الإله إلى الجنان مآلنا ***ياسعد من يسعى إلى الجنات

فيك الكتاب تنزَّلت أنواره ***هديا يضيء بمحكم الآيات

ياليلة القدر الجميل بهاؤها ***فيك الرضا الموسوم بالخيرات

خير من الألف الشهور تنزَّل ال ***روح الملاك بأعذب الكلمات

في عَشْرِهِ الأولى مكارم رحمة ***يتلوه غفران مع الحسنات

ثم المتاب به انعتاق رقابنا ***من لفح نار لاهب الجمرات

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والستون بعد الثلاثمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان : *الله جل جلاله في الشعر الإسلامي المعاصر

وهو في نظر د. أحمد حسبو خضر عرس في المساجد بالتراويح والقيام ، وعرس للفقير ، وكذلك للصغار والكبار، يقول :

أقام على الأرض أعراسه ***وألبسها حُلَّة من ضياء

فعرس المساجد تلك الجموع ***أهلَّت تواصل بعد الجفاء

وعرس الفقير ففيه يؤمل ***ماليس يعهده من عطاء

ذكرت الصغار إذا أسرعوا ***قبيل الغروب بساح النداء

وجاء مؤذننا خاشعا      وأرسل صوتا يجوب الفضاء

هنالك تغمرنا نشوة      كأنَّا بحق لمسنا السماء

ويحذر الشاعر أحمد مظهر العظمة من أن يكون الصيام جوعا لاأثر فيه على الفرد والمجتمع، فيقول :

لا الصوم صوم ولا الإيمان إيمان     أتت على الصوم والإيمان أزمان

كانوا يصومون فالأخلاق سامية ***ويفطُرون فأجر الله غفران

والصوم طِبٌّ وأخلاق ورابطة ***وتقى ودين وترويضٌ وإحسان

لكنه اليوم أضحى وهو مخمصة ***على الفساد فما للحزم سلطان

وربط بعض الشعراء الإسلاميين بين رمضان وواقع الأمة المعاصر،يقول رافع سليم الحديثي :

رمضان هل أشجاك ماأشجاني ؟ ***رمضان هل أضناك ما أضناني ؟

ظلم وسحت وامتهان كرامة ***وتفاخر بالكفر والعصيان

رمضان ياشهر الجهاد ألم تعد ***بدر وحطين بوصف ثان

فتدك فيها للطغاة معاقل *** وتحطم الأوثان بالأوثان

وتموت صهيون ولا مبكى لها ***ويلفُّ ثوب الخزي كل جبان

ويقارن أحمد حسبو بهذه المناسبة بين الماضي المجيد والحاضر المؤلم فيقول :

أتى رمضان فياأمتي     سليه عن الأمس دون استياء

فأبصرت في وجهه مسحة     من الحزن ممزوجة بالحياء

وقال سلاما على أمة     على أرضها درج الأنبياء

وعهدي إذا جاءها معتَدٍ      رأيت بنيها له الأكفياء

لها المجد يشرع أبوابه     ويرفع فوق رباها اللواء

ويحزن المسلمون لفراق هذا الشهر الكريم، فيقول علي أحمد باكثير :

لهفي على شهر الصيام       ولى ولم نوف الذمام

ياليت شعري هل حططنا     فيه أثقال الذنوب

أم هل جلونا بالتقى        صدأ الفساد من القلوب

ماكان أقصرها وأطيبها       من ليال كالشباب

طوبى لعبد فاز فيها         بالدعاء المستجاب

وأحب أن أنوه أخيرا إلى أن الشعراء الإسلاميين نأوا عن وصف الشهر وأطعمته وهلاله مما فعله الشعراء القدامى لأن همُّ الذات وتقواها وهمُّ الأمة كانا يشغلان تفكيرهم وعواطفهم .

    - أما الحج وهو الركن الخامس في الإسلام فقد كان له نصيب وافر في الشعر الإسلامي المعاصر على المستوى الفردي والجماعي،فالشاعر د. حسن الأمراني يشتاق إلى زيارة الكعبة الشريفة ويذرف الدمع غزيرا

 حينما يحل موسم الحج، ويرسل سلامه إلى الحبيب

 المصطفى بالصلاة والسلام عليه ويقول :

هل يسعف الروح ما يوحي به الأمل

أم يدرك النفس دون المبتغى الأجل

ياصاحبي  ودموع  العين  تسبقني    

وليس عن زورة المحبوب لي شغل

إذا نسيم من البيت العتيق سرى    

أرسلت دمعا فلا كبر ولا خجل

ياحادي الروح خذني نحو خيمتهم    

فالقلب في حضرة المحبوب معتقل

خذني  إليهم  فما أبغي  بهم  بدلا    

 وكيف ينهض عمن شاقني بدل

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والستون بعد الثلاثمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان : *الله جل جلاله في الشعر الإسلامي المعاصر

 والشاعر د. فاضل السامرائي يرجو المثوبة من ذهابه إليه ( الحج ) فيقول :

أتيت إلى الرحمن أطلب عفوه     

وقائمة الأوزار ملأى كما هيا

فيارب لاتطرد  ذليلا مضيفا      

هوى مستجيرا عند بيتك جاثيا

يلوذ  برب البيت والركن خائفا      

ويمسح مسكوبا على الخد جاريا

يمد  يديه  نحو  بابك  سيدي   

 أيرجع صفرا من جميلك خاليا

     وكان الشاعر المغربي محمد علي الرباوي قد مرض مرضا أقعده عن السير كما يبدو من قصيدته، فلما عافاه الله احتاج إلى عكاز ، فنوى الحج وسار في طريقه مستهلا بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم :

 اللهم اجعل في قلبي نورا،وفي سمعي نورا،في بصري

نورا واجعل في نفسي نورا  لبيك أنت حبيبي لك الحمد  قولك حق  ولقاؤك حق  والجنة حق... فاغفر لي ماقدمت  وما أخرت  وما أسررت وما أعلنت  واعف حبيبي وتكرم إنك أنت الأعظم  والأرحم ... والأكرم ويسمي مئزر الإحرام إكليل العشق، ويشبه نفسه أمام الكعبة المشرفة بفراشة تطير في الصحراء ، ثم يذهب إلى عرفات، ويعود إلى زمزم ليغسل حوبته

 ويقول :

واغسل يامولاي خطاياي،بزمزم قبل غروب الشمس،ثم يخاطب الكعبة المشرفة فيقول:،أنا جئتكِ أشعث من كل فجاج حياتي،أرجو تقبيل محياكِ الفاتن،إذ يقطر مسكا

ويصف بعض الشعراء مناسك الحج في حب ولهفة،

 يقول عبد الهادي الغواص في هذا :

ضج الحجيج مهلِّلا ومكبِّرا     لشعائر الله الكريم معظِّما

كم كان مشتاقا منازل مكة     لينال بالحج المنى والمغنما

وهي التي شد الرحال لحجها ***فرض تفدى بالنفوس وبالدما

ويقبِّل الشاعر الأميري الحجر الأسود وهو سعيد أيما سعادة لأنه يقتدي بما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم :

الحجر الأسود قبَّلته     بشفتَي قلبي وكُلِّي وَلَه

لا لاعتقادي أنه نافع     بل لهيامي بالذي قبَّله

محمد  أطهر  أنفاسه       كانت على صفحته مرسلة

ويذكر أحمد البيانوني عرفات والعيد ومِنى ورمي الجمرات في سعادة غامرة فيقول :

ياحبذا يوم أغرُّ قضيته     متجردا لله في عرفات

والعيد في وادي مِنى لاتنقضي ***ذكراه بين الخِيف والجمرات

أيام أنس في الحجاز تمر بي ***مرّا كريما والزمان مُوات

 مابين مكة والمدينة رحله ***من جنة أسعى إلى جنات

وفي عرفات يتجرد الناس لله فلا فرق بين غنيهم وفقيرهم ، وهتاف الجميع واحد ( لبيك اللهم لبيك ) ، يقول مصطفى عكرمة:

يامن لك الروح قبل الجسم ترتحل ***يامنبع النور إلا أنه جبل

تهفو إليك قلوب أنت رحمتها ***وأنت فيها الهوى القدسي والأمل

من كل فج إليك الناس ترتحل ***وتسأل الله ماترجو وتبتهل

مافرق اللون فيما بينهم أبدا ***ولا الزمان ولا من أين قد رحلوا

هتافهم واحد لبيك خالقنا***يامن عليك جميع الخلق تتكل

لبيك وحدك ياذا العرش لاولد ***ولاشريك ولازوج ولا مثَل

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والستون بعد الثلاثمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان : *الله جل جلاله في الشعر الإسلامي المعاصر

وموسم الحج يتداول فيه المسلمون الآراء حول ماينفعهم فكأنه مؤتمر عام للمسلمين ،

يقول العقاد :

واذكر حجيجا ببيت الله قد وقفوا*** يرجون رحمته بالسر والعلن

ترى أميرهم يسوس أمرهم ***منزها عن صفات العجب والكبر

هذا هو الحج لااسم وجعجعة***بل فيه مؤتمر يهدي إلى البر

تحيا به أمم قد غللت يدها***مظالم نسجت بالعسف والجور

وقد يربط الشاعر الإسلامي بين الحج وواقع المسلمين ، فميمون الكبيسي يشكو إلى بارئه ماحل بالمسلمين من ضعف وتمزيق فيقول :

يامعين الضعفاء أنت لي كل رجائي

كيف والآفات حاقت ببلاد الأنبياء

غير ذل وهوان وانقطاع للرجاء

مزقتنا لدويلات رؤوس الأوصياء

فإذا الوحدة قد أضحت هباء في هباء

ولما رأى يوسف العظم جموع الحجيج عند رمي الجمرات تمنى لو كانت هذه لإعلاء دين الله في أرضه :

لو تداعى قومي لساح جهاد ***مثلما أقبلوا لرمي الجِمار

لهزمنا العدو في كل أرض ***ودحرنا جحافل الكفار

ولبات الأقصى عزيزا يباهي ***هامة النجم أوعروس النهار

- وهناك مواسم عبادة لله تعالى غير الأركان الرئيسة الخمسة، وهي تذكِّر المسلم بربه وتؤلف بين المسلمين، ومنها الأعياد ، فهي فرحة بانتهاج سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي صلة للرحم، ورحمة وتوسعة على الفقراء، يقول أحمد محمد الصديق في عيد الأضحى المبارك :

ضحيتُ بالشاة وسال الدم ***وطاب منها اللحم والأعظم

سنة إبراهيم قد سنها  ***  من بعده نبينا الأعظم

للجار منها قسمة والذي *** قد مسَّه الحرمان والمعدَم

فداء إسماعيل كانت ومازالت *** لأسمى غاية تلهم

ماأعظم السرَّ الذي ينطوي  ***عليه هذا الرمز والمَعلَم

ويحكي المسلمون بهذه المناسبة واقعهم الأليم ، ويدعو

 العقاد إلى أن يضحي المسلمون باليهود لتطهير البلاد من رجسهم كما يطهر المذنب بها من آثامه ، يقول :

عيدنا في الحج عيد أكبر     فانحروا الأعداء فيه كبّروا

طهرواقدسكم من رجسهم     فاليهود سرطان أكبر

وانحروا عمالهم في أرضنا     فالصهايين وباء أصفر

وحين ينظر يوسف العظم إلى الديار المسلوبة في العيد تغدو الفرحة حسرة لأن الفرحة لاتتم إلا بالعودة إلى الأرض السليبة ، يقول :

أقبل العيد ورفت ذكريات ***وتلظى في الحنايا أمنيات

أين حيفا ؟ أين يافا؟ ولَكَم ***في رُبى الكرمل تحلو السهرات

عيدنا " عَود " كريم ظافر ***وبغير " العَود " لاطابت حياة

ويصف الشاعر صالح علي العمري يتيما قتل الصهاينة أباه فغدت بهجة العيد لديه ترحا ، يقول :

بأي وجه أتيت اليوم ياعيدي ***وكسوتي فيك أحزاني وتنكيدي

ياعيد لم تدر ماأبعاد محنتنا ***حتى تزينتَ في أيامنا السود

ياعيد ماذا أثرت اليوم من شجن ***على فؤاد من الآلام مكبود

أما أبي فظلام القبر يحضنه ***قد مات من أجلنا موت الصناديد

قد كان لي منه قبلات وجائزة***ودعوة في صباح العيد ياعيدي

واليوم أبكي ، أبكي ياعيد في لهف ***فهل علمت بمفقود كمفقود

وهكذا عبر الشعراء الإسلاميون عن حبهم للمولى تعالى من خلال مناجاته واستغفاره، وكان تمسكهم بالقرآن الكريم وبالعبادات أحد هذه المظاهر الجليلة .[الانترنت - مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية و الاستراتيجية - الدكتورة زينب بيره جكلي]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والستون بعد الثلاثمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*الموعظة العاشرة" إنه الله جل جلاله "

سبحان العزيز الحكيـم سبحان الرحمن الرحيم سبحـان العلي العليـم سبحان الغفور الحليم سبحـان القوي القهَّار سبحان الملك الجبَّار والصلاة والسلام على النبي المصطفى المختار وعلى آله وأصحابه الأبرار ما تعاقب ليلٌ ونهار  أما بعد :

فعن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة وهو وترٌ يحب الوتر»."رواه البخارى ومسلم" وقال ابن القيم رحمه الله: (وهو سبحانه تعالى يدعوا عباده إلى أن يعرفوه بأسمائه وصفاته ويثنوا عليه بها ويأخذوا بحظهم من عبوديتها وهو سبحانه يحب موجب أسمائه وصفاته فهو عليم يحب كل عليم، جواد يحب كل جواد، وترٌ يحب الوتر، جميل يحب الجمال، عفوٌ يحب العفو، برٌ يحب الأبرار، شكورٌ يحب الشاكرين، صبورٌ يحب الصابرين، حليمٌ يحب أهل الحلم).

إنه الله جل جلاله إذا حلَّ الهمَّ وخيَّم الغمَّ واشتد الكرب وعظم الخطب وضاقت السُّبل وبارت الحيل نادى المنادي فقال:

يا الله يا الله يا الله...

فلا إله إلا الله العظيم الحليم...

لا إله إلا الله رب العرش العظيم

لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم...

فيزول الهمَّ ويتنفس الكرب وتُذلل المصاعب...

إنه الله جل جلاله الملاذ في الشدة والأنيس في الوحشة،

 والنصير في القلة، يتجه إليه المريض فيدعوه لشفائه، ويتجه إليه المكروب ويسأله الصبر بالمكتوب، يتجه إليه المظلوم داعياً بنصرته، خزائنه لا تنفد، كريم لا يبخل، يقبل التوبة، ويعفو عن السيئات ويبدِّلها إلى حسنات، ما ردَّ ولا خيَّب من دعاه فهو قريب مجيب الدعاء. إنه الله جل جلاله سلوة الطائعين، وملاذ الهاربين، وملجأ الخائفين، ويحب التوابين والمتطهرين، هو الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، خلق فسوى وقدَّر فهدى وأخرج المرعى فجعله غُثاءً أحوى، السماء بناها والأرض دحاها والجبال أرساها أخرج من الأرض ماءها ومرعاها.

إنه الله جل جلاله التواب الرحيم ذو الفضل العظيم الواسع العليم العزيز الحكيم ابتلى إبراهيم، وسمع نداء يونس وهو في بطن الحوت، واستجاب لزكريا فأعطاه يحيى، أزال الكرب عن أيوب، وألآن الحديد لداود، وسخر الريح لسليمان، وفلق البحر لموسى، ورفع عيسى، وشق القمر لمحمد عليهم جميعاً صلوات من ربي وسلام.

 إنه الله جل جلاله : نجَّى هوداً وأهلك قومه، نجَّى صالحاً من الظالمين فأصبحوا في ديارهم جاثمين، وجعل النار برداً وسلاماً على إبراهيم، وفدَى إسماعيل بذبح عظيم، ونصر موسى وأغرق فرعون وجنوده ونجَّاه ببدنه ليكون لمن خلفه آية، وخسف بقارون وبداره الأرض وجعل عيسى وأمه آية للعالمين. إنه الله جل جلاله : أضحك وأبكى وأمات وأحيا وأسعد وأشقى وأوجد وأبلى ورفع وخفض وأعز وأذل وأعطى ومنع بحكمته وقدرته وفضله وعدله ، إنه الله جل جلاله

قال الله تعالى: [هُوَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلَامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ(23) هُوَ اللهُ الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ] [الحشر: 22-24].

أخي في الله

إحسب حساباتك من هذه الوهلة ما دمت في زمن

 المـُهلة قبل يوم النُقلة فاليوم أنت على الأرض وبعدها تحت الأرض ثم أنت في يوم العرض يا من قصّرت في جنب الله وبارزته بالمعاصي وتركت الصلوات وتهاونت في الأوامر وفعلتَ النواهي ارجع إلى ربك الغفور الرحيم قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى الله تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ } [التحريم: 8].[الأنترنت – موقع الكلم الطيب ]

. إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السبعون بعد الثلاثمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*معنى لا إله إلا الله وشروطها

لا إله إلا الله لا تنفع قائلها إلا أن يكون عاملاً بها، آتيا بشروطها، أما من تلفظ بها مع تركه العمل بما دلت عليه، فلا ينفعه تلفظه حتى يقرن بالقول العمل، نسأل الله العلي العظيم أن يجعلنا من أهل {لا إله إلا الله} العاملين بها ولأجلها.

   معنى {لا إله إلا الله} وشروطها : هي كلمة التوحيد

 الخالص، وهي أعظم فريضة فرضها الله على عباده، وهي من الدين بمنزلة الرأس من الجسد.

وقد ورد في فضلها أحاديث منها:

-     ما رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان».

-وما رواه الترمذي وحسنه الشيخ الألباني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ».

-ومنها ما رواه البخاري في " الأدب المفرد " وصححه

الشيخ الألباني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن نبي الله نوحاً صلى الله عليه وسلم لما حضرته الوفاة قال لابنه: آمرك بلا إله إلا الله، فإن السماوات السبع والأرضين السبع لو وضعن في كفة ووضعت لا إله إلا الله في كفة لرجحت بهن. ولو أن السماوات السبع والأرضين السبع كن حلقة مبهمة لقصمتهن لا إله إلا الله» فهذه بعض فضائل هذه الكلمة العظيمة.

أما معناها فقال العلماء إنه: لا معبود يستحق العبادة إلا الله، فهي تتكون من ركنين أساسيين،

الأول: نفي الألوهية الحقيقية عن غير الله سبحانه، والثاني: إثبات الألوهية الحقيقية له سبحانه دون من سواه.

غير أنه ليس المقصود من دعوة الرسل مجرد التلفظ

 بالكلمة فحسب، بل لا بد من توفر شروطها حتى تكون نافعة عند الله سبحانه وتعالى.

وقد ذكر العلماء من شروط لا إله إلا الله ما يلي:

1-العلم بمعناها: وذلك بأن يعلم الناطق بها معنى هذه الكلمة وما تضمنته من نفي الألوهية عن غير الله وإثباتها له سبحانه، قال تعالى : {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلأ اللَّهُ} [محمد:19].

2-اليقين: بمعنى ألا يقع في قلب قائلها شك فيها أو فيما تضمنته، لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَـئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات:15] وقال صلى الله عليه وسلم: «أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة» (رواه مسلم) .

3-القبول لما اقتضته هذه الكلمة بقلبه ولسانه: والمراد بالقبول هنا هو المعنى المضاد للرد والاستكبار، ذلك أن الله أخبرنا عن أقوام رفضوا قول لا إله إلا الله، فكان ذلك سبب عذابهم، قال تعالى: {إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ.إِنَّهُمْ كَانُواْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} [الصافات:34-35]

4-الانقياد لما دلت عليه: بمعنى أن يكون العبد عاملاً بما أمره الله به، منتهياً عما نهاه الله عنه، قال تعالى: {وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأَمُورِ} [لقمان:22]، قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: " العروة الوثقى هي لا إله إلا الله "

5-الصدق: ومعناه أن يقولها صادقاً من قلبه، يوافق

 قلبه لسانه قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ.يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة:8-9].

6- الإخلاص: وهو إرادة وجه الله تعالى بهذه الكلمة، قال تعالى: {وَمَآ أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُواْ الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ} [البينة:5].

7-المحبة لهذه الكلمة ولأهلها العاملين بها الملتزمين

 بشروطها، وبُغض ما ناقضها، قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ} [البقرة:165].

فهذا هو معنى هذه الكلمة، وهذه هي شروطها التي بها تكون سبب النجاة عند الله سبحانه. وقد قيل للحسن إن أناساً يقولون: من قال لا إله إلا الله دخل الجنة. فقال: من قال: لا إله إلا الله فأدى حقها وفرضها دخل الجنة. فلا إله إلا الله لا تنفع قائلها إلا أن يكون عاملاً بها، آتيا بشروطها، أما من تلفظ بها مع تركه العمل بما دلت عليه، فلا ينفعه تلفظه حتى يقرن بالقول العمل، نسأل الله العلي العظيم أن يجعلنا من أهل لا إله إلا الله العاملين بها ولأجلها.   

[الأنترنت – موقع طريق الإسلام ]

. إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والسبعون بعد الثلاثمئة في موضوع  ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*الأسم الأعظم  لفظ الجلالة { الله }

 

قال المنجد :  الحمد لله أولاً: ورد في خصوص " اسم الله الأعظم " عدة أحاديث ، أشهرها :

1. عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( اسْمُ اللَّهِ الأَعظَمُ فِي سُوَرٍ مِنَ القُرآنِ ثَلَاثٍ : فِي البَقَرَةِ وَ آلِ عِمرَانَ وَ طَهَ )

رواه ابن ماجه ( 3856 ) وحسَّنه الألباني في " صحيح ابن ماجه " .

2. عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا وَرَجُلٌ يُصَلِّي ثُمَّ دَعَا:اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ

لَكَ الْحَمْدُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْمَنَّانُ بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ " ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَقَدْ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الْعَظِيمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى )

رواه الترمذي ( 3544 ) وأبو داود ( 1495 ) والنسائي ( 1300 ) وابن ماجه ( 3858 ) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .

3. عن بُرَيْدَةَ بنِ الحُصَيْب أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ " اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ " ، فَقَالَ : ( لَقَدْ سَأَلْتَ اللَّهَ بِالِاسْمِ الَّذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ ) .رواه الترمذي ( 3475 ) وأبو داود ( 1493 ) وابن ماجه ( 3857 ) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : وهو أرجح من حيث السند من جميع ما ورد في ذلك ." فتح الباري " ( 11 / 225 ) .

4. عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ : ( وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ) ، وَفَاتِحَةِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ( الم . اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) .

رواه الترمذي ( 3478 ) وأبو داود ( 1496 ) وابن ماجه ( 3855 ) .

والحديث ضعيف ، فيه عبيد الله بن أبي زياد وشهر بن حوشب ، وكلاهما ضعيف .

ثانياً: قد اختلف أهل العلم في " اسم الله الأعظم " من حيث وجوده على أقوال :

القول الأول :

إنكار وجوده أصلاً ! لاعتقادهم بعدم تفضيل اسم من أسماء الله تعالى على آخر ، وقد تأول هؤلاء الأحاديث الواردة السابقة فحملوها على وجوه :

الوجه الأول : من قال بأن معنى " الأعظم " هو " العظيم " وأنه لا تفاضل بين أسماء الله تعالى .

قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - : وقد أنكره قوم كأبي جعفر الطبري وأبي الحسن الأشعري وجماعة بعدهما كأبي حاتم بن حبان والقاضي أبي بكر الباقلاني فقالوا : لا يجوز تفضيل بعض الأسماء على بعض ، ونسب ذلك بعضُهم لمالك ؛ لكراهيته أن تعاد سورة أو تردد دون غيرها من السور لئلا يُظن أن بعض القرآن أفضل من بعض فيؤذن ذلك باعتقاد نقصان المفضول عن الأفضل ، وحملوا ما ورد من ذلك على أن المراد بالأعظم : العظيم ، وأن أسماء الله كلها عظيمة ، وعبارة أبي جعفر الطبري : " اختلفت الآثار في تعيين الاسم الأعظم والذي عندي : أن الأقوال كلها صحيحة إذ لم يرد في خبر منها أنه الاسم الأعظم ، ولا شيء أعظم منه " ، فكأنه يقول : كل اسم من أسمائه تعالى يجوز وصفه بكونه أعظم ، فيرجع إلى معنى عظيم كما تقدم .انتهى

. إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والسبعون بعد الثلاثمئة في موضوع  ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *الأسم الأعظم  لفظ الجلالة { الله }

الوجه الثاني : أن المراد بالأحاديث السابقة بيان مزيد ثواب من دعا بذلك الاسم .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

وقال ابن حبان : الأعظمية الواردة في الأخبار : إنما يراد بها مزيد ثواب الداعي بذلك ، كما أطلق ذلك في القرآن ، والمراد به : مزيد ثواب القارئ . انتهى

الوجه الثالث : أن المراد بالاسم الأعظم حالة يكون عليها الداعي ، وهي تشمل كل من دعا الله تعالى بأي اسم من أسمائه ، إن كان على تلك الحال .

قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :

وقيل : المراد بالاسم الأعظم : كل اسم من أسماء الله تعالى دعا العبد به مستغرقاً بحيث لا يكون في فكره حالتئذ غير الله تعالى ، فإن من تأتَّى له ذلك : استجيب له ، ونقل معنى هذا عن جعفر الصادق ، وعن الجنيد ، وعن غيرهما .انتهى

القول الثاني : قول من قال بأن الله تعالى قد استأثر

بعلم تحديد اسمه الأعظم ، وأنه لم يُطلع عليه أحداً من خلقه .قاله الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :

وقال آخرون : استأثر الله تعالى بعلم الاسم الأعظم ولم يطلع عليه أحداً من خلقه .انتهى

ينظر: " فتح الباري " ، للحافظ ابن حجر ( 11 / 224 ) .

القول الثالث : قول من أثبت وجود اسم الله الأعظم وعيَّنه : وقد اختلف هؤلاء المعينون في الاسم الأعظم على أربعة عشر قولاً! وقد ساقها الحافظ ابن حجر رحمه الله في كتابه " فتح الباري " ( 11 / 224 ، 225 ) وهي :

1. هو ! 2. الله 3. الله الرحمن الرحيم 4. الرحمن الرحيم الحي القيوم 5. الحي القيوم 6. الحنان المنان بديع السماوات والأرض ذو الجلال والاكرام الحي القيوم 7. بديع السماوات والأرض ذو الجلال والاكرام 8. ذو الجلال والإكرام 9. الله لا إله إلا هو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد 10. رب رب 11. دعوة ذي النون في بطن الحوت " لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " 12. هو الله الله الله الذي لا إله إلا هو رب العرش العظيم 13. هو مخفي في الأسماء الحسنى 14. كلمة التوحيد " لا إله إلا الله "

قال الشيخ الألباني رحمه الله :

واعلم أن العلماء اختلفوا في تعيين اسم الله الأعظم على أربعة عشر قولاً ، ساقها الحافظ في " الفتح " ، وذكر لكل قول دليله ، وأكثرها أدلتها من الأحاديث ، وبعضها مجرد رأي لا يلتفت إليه ، مثل القول الثاني عشر ؛ فإن دليله : أن فلاناً سأل الله أن يعلِّمه الاسم الأعظم ، فرأى في النوم ؛ هو الله ، الله ، الله ، الذي لا إله إلا هو رب العرش العظيم !! .

وتلك الأحاديث منها الصحيح ، ولكنه ليس صريح الدلالة ، ومنها الموقوف كهذا ، ومنها الصريح الدلالة ؛ وهو قسمان :

قسم صحيح صريح ، وهو حديث بريدة : ( الله لا إله إلا هو الأحد الصمد الذي لم يلد ... ) إلخ ، وقال الحافظ : " وهو أرجح من حيث السند من جميع ما ورد في ذلك " ، وهو كما قال رحمه الله ، وأقره الشوكاني في " تحفة الذاكرين " ( ص 52 ) ، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " ( 1341 ) .      

 والقسم الآخر : صريح غير صحيح ، بعضه مما صرح الحافظ بضعفه ؛ كحديث القول الثالث عن عائشة في ابن ماجه ( 3859 ) ، وهو في " ضعيف ابن ماجه " رقم ( 841 ) ، وبعضه مما سكت عنه فلم يحسن ! كحديث القول الثامن من حديث معاذ بن جبل في الترمذي ، وهو مخرج في " الضعيفة " برقم ( 4520 ) وهناك أحاديث أخرى صريحة لم يتعرض الحافظ لذكرها،ولكنها واهية ،وهي مخرجة هناك برقم ( 2772 و 2773 و 2775 ) سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة " ( 13 / 279 ) .

. إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والسبعون بعد الثلاثمئة في موضوع  ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *الأسم الأعظم  لفظ الجلالة { الله }

ثالثاً: لعل ألأقرب من تلك الأقوال أن الاسم الأعظم هو " الله " ؛ فهو الاسم الجامع لله تعالى الذي يدل على جميع أسمائه وصفاته تعالى ، وهو اسم لم يُطلق على أحد غير الله تعالى ، وعلى هذا أكثر أهل العلم .

1. قال ابن القيم – رحمه الله - : اسم " الله " دالٌّ على جميع الأسماء الحسنى والصفات العليا بالدلالات الثلاث (مدارج السالكين 1 / 32 )  والدلالات الثلاث هي : المطابقة والتضمن واللزوم .

2. وقال ابن أمير حاج الحنفي رحمه الله :

عن محمد بن الحسن قال : سمعتُ أبا حنيفة رحمه الله يقول : اسم الله الأعظم هو " الله " , وبه قال الطحاوي وكثير من العلماء , وأكثر العارفين . وفي " التقرير والتحبير " ( 1 / 5 )

3. وقال أبو البقاء الفتوحي الحنبلي رحمه الله :  فائدتان : الأولى : أن اسم " الله " علم للذات , ومختص به , فيعم جميع أسمائه الحسنى .

الثانية : أنه اسم الله الأعظم عند أكثر أهل العلم الذي هو متصف بجميع المحامد شرح الكوكب المنير(ص 4 )

4. وقال الشربيني الشافعي رحمه الله :

وعند المحققين أنه اسم الله الأعظم ، وقد ذكر في القرآن العزيز في ألفين وثلثمائة وستين موضعاً ." مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج " ( 1 / 88 ، 89 ) .

5. وقال الشيخ عمر الأشقر رحمه الله :

والذي يظهر من المقارنة بين النصوص التي ورد فيها اسم الله الأعظم أنّه : ( الله ) ، فهذا الاسم هو الاسم الوحيد الذي يوجد في جميع النصوص التي قال الرسول صلى الله عليه وسلم إنّ اسم الله الأعظم ورد فيها .

ومما يُرجِّح أن ( الله ) هو الاسم الأعظم أنه تكرر في القرآن الكريم ( 2697 ) سبعاً وتسعين وستمائة وألفين - حسب إحصاء المعجم المفهرس - وورد بلفظ ( اللهم ) خمس مرات ، في حين أنّ اسماً آخر مما يختص بالله تعالى وهو ( الرحمن ) لم يرد ذكره إلا سبعاً وخمسين مرة ، ويرجحه أيضاً : ما تضمنه هذا الاسم من المعاني العظيمة الكثيرة ." العقيدة في الله " ( ص 213 ) .

ويأتي في الدرجة الثانية من القوة في كونه اسم الله الأعظم " الحي القيوم " ، وهو قول طائفة من العلماء ، ومنهم النووي ، ورجحه الشيخ العثيمين رحمه الله .والله أعلم[ الأنترنت – موقع الإسلام سؤال وجواب – المنجد ]

   وقال عبد الحليم توميات : مسألة اسم الله الأعظم.

قبل البحث في ذلك، فإنّه لا بدّ أن نعلم أنّ المقصود بالاسم هنا ليس بالضّرورة أن يكون كلمة واحدة أو لفظا واحدا، فإنّ ذلك من اصطلاح النّحويّين، وإنّما المقصود شيء تسمّى به، فقد يكون صفة مركّبة من اسمين فأكثر.

وقد دلّت السنّة على أنّ لله تعالى اسما خصّه بما لو دُعِيَ به أجاب، وقد أنكره طائفة من أهل العلم، كأبي جعفر الطّبري وأبي الحسن الأشعري، وجماعة بعدهما كأبي حاتم ابن حبّان، والقاضي أبي بكر الباقلاني، فقالوا: لا يجوز تفضيل بعض الأسماء على بعض.  

وأوّلوا أحاديث الباب بأنّ المراد زيادة ثواب الدّاعي بها.

والقول الرّاجح قول من أثبته، وأحاديث الباب حجّة على المنكرين. نعم، هناك أحاديث كثيرة في هذا الباب، فمنها الموضوع، ومنها الضّعيف، ولذلك كثُرت الأقوال فيها، وما صحّ منها فهو قليل. ويلحق بذلك في الضّعف من قال: استأثر الله تعالى بعلم الاسم الأعظم، ولم يُطلِع عليه أحدا من خلقه.وأثبته آخرون معيّنا واضطربوا في ذلك.....

ثم ختم وقال :الحاصل: أن يقال: إنّ اسم الله الأعظم جنس يشمل عدّة أسماء هي: الله ،الرّحمن الرّحيم، والحيّ القيّوم، والأحد الصّمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد. .[ الأنترنت – موقع الكلم الطيب] الأنترنت – موقع نبراس الحق- الكاتب:  عبد الحليم توميات ]

. إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والسبعون بعد الثلاثمئة في موضوع  ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

* تحري الدعاء باسم الله الأعظم

  هذا موضوع في اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى يشمل أصح الأحاديث الواردة فيه والتي هي حجة في ثبوته وسرد جملة مباركة من إجتهاد بعض أئمة أهل العلم في تعين الإسم الأعظم وذكر بعض الصيغ التي من دعا الله بها فقد دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى أسأل الله الحي القيوم الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد أن ينفع به.

 والحجة في ثبوت اسم الله الأعظم أربعة أحاديث وهي:* - الحديث الأول- حديث بريدة فعن بريدة ان رسول الله سمع رجلاً يقول : اللهم إني اسالك بأني أشهد أنك انت الله لااله الا انت الاحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً احد . فقال :. لقد سالت الله تعالى بالاسم الذي اذا سئل به اعطى واذا دعي به اجاب وفي رواية :. لقد سالت الله تعالى باسمه الاعظم .

 رواه في سننه الترمذي وابوداود وابن ماجه . قال ابن حجر :. ان هذا الحديث ارجح ماورد في الاسم الاعظم من حيث السند . وصححه ابن حبان و الحاكم والذهبي وقواه المقدسي وصححه الالباني والوادعي وحسنه الترمذي والسخاوي.

 *- الحديث الثاني- حديث أنس فعن انس انه كان مع رسول الله جالساً ورجل يصلي ثم دعا: اللهم إني أسالك بان لك الحمد لااله الا انت المنان بديع السماوات و الارض ياذا الجلال و الاكرام ياحي ياقيوم فقال النبي : لقد دعا الله تعالى باسمه العظيم الذي اذا دعي به اجاب واذا سئل به اعطى . رواه أحمد و البخاري في الادب المفرد و رواه الاربعةوقد صححه ابن حبان والحاكم و الذهبي وضياء المقدسي و الالباني وحسنه ابن حجر والسخاوي والوادعي.

* ـ الحديث الثالث- حديث أبي امامة فعن أبي أمامة يرفعه قال: "اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب في ثلاث: سورة البقرة وآل عمران وطه" وقال هشام -وهو ابن عمار خطيب دمشق-: أما البقرة فـ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وفي آل عمران: الم * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وفي طه: وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ [طه:111] قال عنه المناوي [حديث سنده حسن وقيل صحيح] وقد صححه الألباني في صحيح الجامع وحسنه في السلسلة الصحيحة.

* ـ الحديث الرابع- حديث أسماء ا فعن أسماء بنت يزيد بن السكن، عن رسول الله أنه قال: "اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ و الم * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [آل عمران: 1، 2] " ]وفي رواية أخرى عند أحمد حدثنا محمد بن بكر أخبرنا عبيد الله بن أبي زياد حدثنا شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد بن السكن قالت : سمعت رسول الله يقول في هاتين الآيتين اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ و الم * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [آل عمران:1، 2] "إن فيهما اسم الله الأعظم" . رواه أبو داوود وغيره وحسنه الألباني في صحيح الجامع ح : 9801/229وصححه الترمذي والسيوطي.

. إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والسبعون بعد الثلاثمئة في موضوع  ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : * تحري الدعاء باسم الله الأعظم

 *ولعموم النفع والفائدة بإذن الله تعالى نذكر هنا تفسير الآيتين التي أخبر النبي أن فيهما اسم الله الأعظم[ من تفسير العلامة السعدي رحمه الله رحمة واسعة سائلا

 الله المولى الكريم الهدى والسداد ]

    الآية الأولى  : قال تعالى [وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ]163 .

    يخبر تعالى - وهو أصدق القائلين - أنه إِلَهٌ وَاحِدٌ أي: متوحد منفرد في ذاته, وأسمائه, وصفاته, وأفعاله، فليس له شريك في ذاته, ولا سمي له ولا كفو له, ولا مثل, ولا نظير, ولا خالق, ولا مدبر غيره، فإذا كان كذلك, فهو المستحق لأن يؤله ويعبد بجميع أنواع العبادة, ولا يشرك به أحد من خلقه, لأنه الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ المتصف بالرحمة العظيمة, التي لا يماثلها رحمة أحد, فقد وسعت كل شيء وعمت كل حي، فبرحمته وجدت المخلوقات, وبرحمته حصلت لها أنواع الكمالات، وبرحمته اندفع عنها كل نقمة، وبرحمته عرّف عباده نفسه بصفاته وآلائه, وبيَّن لهم كل ما يحتاجون إليه من مصالح دينهم ودنياهم, بإرسال الرسل, وإنزال الكتب. فإذا علم أن ما بالعباد من نعمة, فمن الله, وأن أحدا من المخلوقين, لا ينفع أحدا، علم أن الله هو المستحق لجميع أنواع العبادة, وأن يفرد بالمحبة والخوف , والرجاء, والتعظيم, والتوكل, وغير ذلك من أنواع الطاعات ، وأن من أظلم الظلم, وأقبح القبيح, أن يعدل عن عبادته إلى عبادة العبيد, وأن يشرك المخلوق من تراب, برب الأرباب, أو يعبد المخلوق المدبر العاجز من جميع الوجوه, مع الخالق المدبر القادر القوي، الذي قد قهر كل شيء ودان له كل شيء.

    ففي هذه الآية, إثبات وحدانية الباري وإلهيته، وتقريرها بنفيها عن غيره من المخلوقين وبيان أصل الدليل على ذلك وهو إثبات رحمته التي من آثارها وجود جميع النعم, واندفاع [جميع] النقم، فهذا دليل إجمالي على وحدانيته تعالى. انتهى النقل

    الآية الثانية : قال تعالى [بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الم 1 اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ] 2

    افتتحها تبارك وتعالى بالإخبار بألوهيته، وأنه الإله الذي لا إله إلا هو الذي لا ينبغي التأله والتعبد إلا لوجهه، فكل معبود سواه فهو باطل، والله هو الإله الحق المتصف بصفات الألوهية التي مرجعها إلى الحياة والقيومية، فالحي من له الحياة العظيمة الكاملة المستلزمة لجميع الصفات التي لا تتم ولا تكمل الحياة إلا بها كالسمع والبصر والقدرة والقوة والعظمة والبقاء والدوام والعز الذي لا يرام القيوم الذي قام بنفسه فاستغنى عن جميع مخلوقاته، وقام بغيره فافتقرت إليه جميع مخلوقاته في الإيجاد والإعداد والإمداد، فهو الذي قام بتدبير الخلائق وتصريفهم، تدبير للأجسام وللقلوب والأرواح. انتهى النقل

. إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والسبعون بعد الثلاثمئة في موضوع  ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

 *بعض إجتهادات أهل العلم رحمهم الله في تعين اسم الله الأعظم سائلا المولى الكريم أن ينفعنا بها إن اسم الله الأعظم هو :  لفظ الجلاله  (الله )

    1-إختاره الإمام زيد بن جابر رحمه الله قال ابن أبـي حاتم في تفسيره: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح حدثنا إسماعيل ابن علية عن أبـي رجاء حدثني رجل عن جابر بن عبد الله بن زيد أنه قال:اسم الله الأعظم هو الله ألم تسمع أنه يقول:{هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم}

    2-وإختاره الإمام الشعبي رحمه الله قال ابن أبي الدنيا في كتاب الدعاء: حدثنا إسحق بن إسماعيل عن سفيان بن عيينة عن مسعر قال:قال الشعبي: اسم الله الأعظم يا الله]

    3- وإختاره الإمامين أبو حنيفة والطحاوي رحمها الله قال الإمام الطحاوي في كتابه مشكل الآثار[[بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي اسْمِ اللَّهِ الْأَعْظَمِ أَيُّ أَسْمَائِهِ هُوَ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ حَدَّثَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ وَمَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ { سَمِعَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَجُلًا يَقُولُ : اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ فَقَالَ : لَقَدْ سَأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِاسْمِهِ الَّذِي إذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى } . حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ الْهَمْدَانِيُّ قَالَ ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْر حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ : { مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ يُصَلِّي , وَهُوَ : يَقُولُ اللَّهُمَّ لَك الْحَمْدُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ يَا مَنَّانُ يَا بَدِيعَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِنَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ تَدْرُونَ مَا دَعَا الرَّجُلُ قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ دَعَا رَبَّهُ بِاسْمِهِ الْأَعْظَمِ الَّذِي إذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى } حَدَّثَنَا فَهْدٌ ثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثنا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ عَنْ { أَنَسٍ قَالَ كُنْت قَاعِدًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَلْقَةٍ فَقَامَ رَجُلٌ يُصَلِّي فَلَمَّا رَكَعَ وَسَجَدَ وَقَعَدَ فَتَشَهَّدَ دَعَا فَقَالَ : اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك بِأَنَّ لَك الْحَمْدَ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَتَدْرُونَ مَا دَعَا قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ : إنَّهُ دَعَا بِاسْمِهِ الْعَظِيمِ الَّذِي إذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى } . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَهَذِهِ الْآثَارُ قَدْ رُوِيَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّفِقَةً فِي اسْمِ اللَّهِ الْأَعْظَمِ أَنَّهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذَا شَيْءٌ نَحْنُ ذَاكِرُوهُ فِي هَذَا الْبَابِ وَهُوَ مَا أَجَازَ لَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْعَبَّاسِ الرَّازِيّ وَأَعْلَمَنَا أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ مُوسَى بْنِ نَصْرٍ الرَّازِيِّ وَأَنَّ مُوسَى بْنَ نَصْرٍ ثنا بِهِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الرَّازِيِّ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ اسْمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْأَكْبَرُ هُوَ اللَّهُ قَالَ مُحَمَّدٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّحْمَنَ اُشْتُقَّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَالرَّبَّ مِنْ الرُّبُوبِيَّةِ وَذَكَرَ أَشْيَاءَ نَحْوَ هَذَا وَاَللَّهُ غَيْرُ مُشْتَقٍّ مِنْ شَيْءٍ قَالَ هِشَامُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الرَّازِيّ فَمَا أَدْرِي أَفَسَّرَ مُحَمَّدٌ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ أَمْ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَالَ قَائِلٌ : فَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْآثَارِ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا فِي هَذِهِ الْآثَارِ فَذَكَرَ . مَا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الشَّيْرَزِيُّ ثنا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلَاءِ أَنَّهُ سَمِعَ الْقَاسِمَ أَبَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ يَرْفَعُهُ قَالَ { اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ الَّذِي إذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ فِي سُوَرٍ ثَلَاثٍ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ } حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ ثنا أَبُو حَفْصٍ عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ سَمِعْت عِيسَى بْنَ مُوسَى يَقُولُ لِابْنِ زَبْرٍ يَا أَبَا زَبْرٍ سَمِعْت غَيْلَانَ بْنَ أَنَسٍ قَالَ سَمِعْت الْقَاسِمَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ إنَّ { اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمَ لَفِي ثَلَاثِ سُوَرٍ مِنْ الْقُرْآنِ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ } قَالَ أَبُو حَفْصٍ فَنَظَرْت فِي هَذِهِ السُّوَرِ الثَّلَاثِ فَرَأَيْت فِيهَا أَشْيَاءَ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مِثْلُهَا آيَةُ الْكُرْسِيِّ { اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } وَفِي آلِ عِمْرَانَ { اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } وَفِي طَه { وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ } . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ أَنَّ مَا اسْتَخْرَجَهُ أَبُو حَفْصٍ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِيهِ اللَّهُ وَاَلَّذِي اسْتَخْرَجَهُ مِنْ آلِ عِمْرَانَ كَذَلِكَ أَيْضًا فِيهِ اللَّهُ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ خَارِجًا مِنْ الْآثَارِ الَّتِي رَوَيْنَاهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ وَلَا مُخَالِفًا لِمَا فِيهَا وَكَانَ مَا اسْتَخْرَجَهُ مِمَّا فِي طَه قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَمَا اسْتَخْرَجَهُ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمَ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ مَا فِي طَه سِوَى ذَلِكَ , وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا { وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ } الْآيَةَ فَيَرْجِعُ مَا فِي طَه إلَى مِثْلِ مَا رَجَعَ إلَيْهِ مَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَمَا فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ أَنَّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيَّةِ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي ذَلِكَ مَا يُخَالِفُ الْحَدِيثَ الَّذِي اسْتَخْرَجَ مِنْهُ أَبُو حَفْصٍ مَا اسْتَخْرَجَ كَمَا حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ { أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ إنَّ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمَ { وَإِلَهُكُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ } وَ { الم اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } } . وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ ثنا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ شَهْرٍ عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِثْلَهُ فَكَانَ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ مَوْضِعُ اسْمِ اللَّهِ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَمِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ بِمَا لَيْسَ فِي إحْدَاهُمَا ذِكْرُ الْحَيِّ الْقَيُّومِ وَفِيهِمَا جَمِيعًا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَكَانَ فِي ذَلِكَ مَا يَجِبُ بِهِ أَنْ يُعْقَلَ أَنَّ الَّذِي فِي سُورَةِ طَه هُوَ ذَلِكَ أَيْضًا لَا مَا ذَكَرَهُ أَبُو حَفْصٍ وَكَانَ فِيمَا ذَكَرْنَا مَا قَدْ وَافَقَهُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ فَكَانَ قَوْلُهُمْ اللَّهُمَّ إنَّمَا كَانَ الْأَصْلُ فِيهِ يَا اللَّهُ فَلَمَّا حَذَفُوا الْيَاءَ مِنْ أَوَّلِ الْحَرْفِ زَادُوا الْمِيمَ فِي آخِرِهِ لِيَرْجِعَ الْمَعْنَى الَّذِي فِي يَا اللَّهُ وَفِيمَا رَوَيْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَصْدِيقُ بَعْضِهِ بَعْضًا وَانْتَفَى الِاخْتِلَافُ مِنْهُ ]

. إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والسبعون بعد الثلاثمئة في موضوع  ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*التأدب مع لفظ الجلالة (الله)

    سؤال  : هل في إعراب لفظ الجلالة (الله) عندما يكون مفعولا به منصوب سوء أدب مع الله استنادا لما قاله الاثاري و غيره كما قالوا يقال: منصوبا على التعظيم تأدبا ؛ فابن هشام والأزهري والآثاري وغيرهم يرون إعرابه منصوبا على التعظيم وذلك تأدباً مع اسم الجلالة

    يقول الآثاري في خاتمة ألفيته ، تحت عنوان "خاتمة الفصول" متحدثا عن الأدب في الإعراب مع الله تعالى ، ومع القرآن الكريم :-

   خاتمةُ الفصول:

 إعــــرابُ الأدبْ  مــع الإلهِ ***وهو بعضُ مــا وجبْ

 فالربّ مسؤول بأفعال الطلـبْ ***كـ(اغفرْ لنا)، والعبدُ بالأمر انتدِب

 وفي:(سألتُ الله) في التعليـــمِ ***تقولُ:(منصوبٌ على التعظيــمِ)

 فقسْ على هذا ، ووقـعْ بلعــــــــلّْ *** منه ، وحققْ بعسَى تُعطَ الأمـــــلْ

 بالله طالبٌ ومطلـــوبٌ عُلــــــــــمْ*** "قد يعلمُ الله" بمعنــى : قد عَلِــمْ

وامنعْ من التصغير ثم التثنيـــــــهْ *** والجمعِ والترخيمِ خيرَ التسميــهْ

    وشاع في لفظ من التعجـــــــــــبِ ... (ما أكرمَ الله) ، وفي معنًى أبِــي

    وحيثما قيل:(الكتابُ)انهضْ إليهْ ... كتابُ ربي ، لا كتابُ سيبويـــــــهْ

    لأنـــــه بكــــل شــــيء شاهــــــدُ ... ولا تقلْ: (ذا الحرفُ منه زائــدُ)

    بل: هو توكيدٌ لمعنًى ، أو صِلـهْ ... للفـــــظِ في آياتِــــــه المفصلـــــــهْ

    أو لمعــانٍ حُققــتْ عمــــن رَوَى ... كهلْ، ونحوُ: بلْ لمعنى، لا سِـوى

    ومنْ يقلْ بأنَّ ما زاد سقــــــــطْ ... أخطأ في القول ، وذا عينُ الغلــــط

    كمثل "أنْ" مفيـــــدةِ الإمهــــالِ ... وكافِــــــه نافيـــــةِ الأمثــــــــــــــالِ

    ولا تكن مستشهدا بـ"الأخطــلِ"... فيه ، ولا ســـــواه كـ"السمــــوألِ"

    وغالبُ النحاةِ عن ذا البـــــــابِ ... في غفلةٍ ، فانحُ على الصــــــــوابِ

    تكنْ كمـــنْ بلغــــة العدنانــــــي... أعربَ ، وهْي لغــــــــة القــــــــــرآنِ

    والأخذُ فيه عن قريشٍ قد وجبْ... لأنهم أشــــرفُ بيـــتٍ في العـــــربْ

    فكنْ كمنْ بقولِهم قدِ اكتفــــــــى... وحسبُــــنا الله تعـالــــى ، وكفَــــــى

الجواب :

 هذا باب من العلم نفيس، يشير إلى الأدب في العبارة مع الله تعالى ومع كتابه؛ فإن مراعاة ذلك من المهمات، لما سمع الرسول صلى الله عليه وسلم عبارة : (ما شاء الله وشئت)، ولما سمع عبارة : (نستشفع بالله إليك ونستشفع بك إلى الله)، لم يرتض ذلك صلى الله عليه وسلم، وكان صلى الله عليه وسلم يغير الأسماء التي فيها معاني مخالفة للشريعة.

وكذا جملة من العبارات نبه عليها أهل العلم تجد كثيراً

منها في معجم المناهي اللفظية للشيخ بكر بن عبدالله (أبوزيد) رحمه الله.

   وهذا يدخل في خصوصية التناول فإن لكل علم خصوصيته في التناول، كذا لكل موضوع خصوصيته فباب الكلام عن الله تبارك وتعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم وعن القرآن العظيم، يختلف عن غيره!

ولنذكر بعضاً من هذه الآداب الواجبة مع ما تضمنته الأبيات المذكورة في السؤال :

- العبارة بلفظ الجلالة بدلاً من قول: لفظ (الله) عند الإعراب.

- العبارة بـ(صيغة الدعاء أو السؤال، فعل الطلب) بدلاً عن قول: (فعل أمر) إذا جاءت في الدعاء.

- وإذا وقع لفظ الجلالة، في موقع المفعول به، تقول: منصوب على التعظيم. بدلا من قول: منصوب لأنه مفعول به.

- و عسى من الله واجبة، ولعل من الله واجبة كما روي عن ابن عباس رضي الله عنه، فـ(لعل) إذا جاءت من الله فتفيد الوقوع لا التوقع، و (عسى) تفيد التحقيق لا الترجي، لأن المخلوق هو الذي يتوقع لقصور علمه ، أما الخالق فلا يتوقع و لا يترجى بل هو يعالم ما كان وما يكون وما سيكون.

- و(قد) إذا دخلت على الفعل المضارع تفيد احتمال حدوثه، ولكنه إذا جاءت في حق الله فهي تفيد تحقق الأمر: مثل ﴿قد يعلم الله﴾ فمعناه تأكيد علم الله

- وأسماء الله وصفاته لا تصغرولاتثنى ولاتر خم ولا تجمع

- و لا تقل عن الفعل :(مبني للمجهول) إذا جاء في القرآن، وقل بدلا عن ذلك:لم يُسَمَّ فاعله ؛ إذ الله يعلم.

- و لا يتعجب من سعة كرم الله و لا من عظمته، فإن التعجب يحمل معنى الاستتغراب والاستكثار، وذلك في حق الله ممتنع .

- وإذا قيل : انهض للكتاب وقم به، فالمراد كتاب الله تعالى، لا كتاب سبيبويه. فقد بالغ بعضهم في تعظيم كتاب سيبوبه.

  - ولا تقلْ عن حرف جاء في بنية الكلمة القرآنية :

(ذا الحرفُ منه زائــدُ)، فإن لكلمات القرآن خصوصية، وزيادة المبنى تزيد المعنى،وقد يكون للتوكيد، أو الصلة.

 - وإذا تقدمت (كان) صفات الله تعالى فهي بمعنى الدوام، ليست بمعنى المضي، ﴿وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً﴾ (النساء:17، ﴿وَكَانَ اللّهُ بِهِم عَلِيماً﴾ (النساء:39)، ﴿ وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً﴾ (النساء:85)، ﴿ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رَّحِيماً﴾ (النساء:96).

- وإذا جاءت صيغة السؤال من الله تعالى، فهي لغير الاستعلام، إنما لمعنى يناسب المقام، فإن الله يعلم كل شيء، ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير.

- و لا يسوغ في القرآن إطلاق القول بصيغ المبالغة، فإن ما أخبر الله به فهو على الحقيقة دون مبالغة.

 - ولا يسوغ القول بالمجاز في القرآن العظيم على الراجح

 - و لا يستدل في إثبات معاني الألفاظ بشعر الأخطل النصراني ، ولا السموأل اليهودي.

 فهذه جملة من الأساليب والعبارات التي لا يسوغ إطلاقها أدباً مع الله سبحانه وتعالى.

 وباب حفظ الألفاظ مما لا يليق استعماله في حق الله سبحانه وتعالى وفي حق رسوله من الأبواب المعروفة في الشريعة والله جل وعلا يقول: ﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (النور:63)[ الأنترنت – موقع الآجري - محمد بازمول ..]

. إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والسبعون بعد الثلاثمئة في موضوع  ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*معرفة علم الغيب من خصائص الله عز وجل

  علم الغيب إلى الله عز وجل ، وليس عند الرسول صلى الله عليه وسلم ولا غيره علم الغيب ، بل هو مختص بالله عز وجل ،كما قال الله سبحانه : قُلْ لاَ يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ الآية من سورة النمل . قال سبحانه وتعالى : قُلْ لاَ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ هكذا في سورة الأعراف . ويقول سبحانه : وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ فالغيب إلى الله عز وجل ، مختص به سبحانه وتعالى ، يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون ، ويعلم ما يكون في الآخرة ، وما في الجنة والنار ، ويعلم الناجين من الهالكين ، ويعلم أهل الجنة ويعلم أهل النار ، ويعلم كل شيء سبحانه وتعالى ، والرسل إنما يعلمون ما جاءهم به الوحي ، ما أوحى الله به إليهم ، يعلمونه كما قال سبحانه وتعالى : عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا فالله يوحي إلى الرسل ما شاء ، كما أوحى إلى نبينا صلى الله عليه وسلم أشياء كثيرة ، من أمر الآخرة وأمر القيامة وأمر الجنة والنار ، وما يكون في آخر الزمان ، من الدجال ونزول المسيح وهدم الكعبة ، ويأجوج ومأجوج وغير ذلك مما يكون في آخر الزمان ، كل هذا من علم الغيب ، أوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم فعلمنا إياه ، وصار معلوما للناس ، وهكذا ما يعلمه الناس من أمور الغيب ، عند وقوعه ، في بلادهم ، أو في غير بلادهم فيكون معلوما لهم بعد وقوعه ، وكانوا لا يعلمونه قبل ذلك ، أما ما يقع في كتب أهل العلم : الله ورسوله أعلم ، فهذا فيما يتعلق بأمور الشرع ، وأحكام الشرع ، ومرادهم يعني في حياته ، يعلم هذه الأشياء عليه الصلاة والسلام ، أما بعد وفاته فلا يعلم ما يكون في العالم ، ولا يدري عما يحدث في العالم ، لأنه بالموت انقطع علمه بأحوال الناس ، عليه الصلاة والسلام ، إلا ما يعرض عليه من الصلاة والسلام عليه ، حيث قال صلى الله عليه وسلم : صلوا علي فإن الصلاة تبلغني حيث كنتم في الحديث الصحيح : إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام . عليه الصلاة والسلام ، أما أمور الناس وحوادث الناس وما يقع منهم من أغلاط وظلم أو حسنات ، كل هذا لا يعلمه الرسول ولا غيره ، ممن مضى ، ممن مات ، ولا يعلمه من يأتي ، وقد يعلمه من حولهم من الناس ، بمطالعتهم إياه ومشاهدتهم أعمالهم ، من جلسائهم وأهل بلادهم . المقصود أن علم الغيب لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى ، وما أوحاه الله إلى الرسل فهو من علم الغيب ، الذي أطلعهم عليه سبحانه وتعالى ، وهم أطلعوا الناس عليه وعلموه الناس . وقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ، أنه قال : يذاد أناس عن حوضي يوم القيامة ، فأقول : يا ربي ، أمتي أمتي ، وفي لفظ فأقول : أصحابي أصحابي ، فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم . فبين صلى الله عليه وسلم أنه لا يعلم ، يقال له : لا تدري ما أحدثوا بعدك وفي اللفظ الآخر : يذاد أناس عن حوضي ، فأقول : يا رب أمتي أمتي ، فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا من بعدك ، فأقول كما قال العبد الصالح : وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ فهو صلى الله عليه وسلم إنما يعلم ما أوحاه الله إليه ، وما كان عند الله من الغيب لا يعلمه سواه سبحانه وتعالى ، وبعد موته لا يعلم حوادث الناس .

[الأنترنت - الرئاسة العامة للبحوث - باب ما جاء في الإيمان بالغيب ] إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة التاسعة والسبعون بعد الثلاثمئة في موضوع  ( الله) والتي ستكون بعنوان :

*من يفضحهم الله عز وجل على رؤوس الخلائق

1-  من أُذل عنده مؤمن فلم ينصره:

خرج الإمام أحمد من حديث أبي أمامة بن سهل بن حُنَيف عن أبيه عن النبي قال: (من أُذل عنده مؤمن فلم ينصره، و هو يقدر على أن ينصره أذله الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة).

قال الإمام المناوي -رحمه الله- شارحاً هذا الحديث [في فيض القدير: 6/ 46، 47]: (من أُذِلَّ) بالبناء للمجهول (عنده) أي بحضرته أو بعلمه (مؤمن فلم ينصره) على من ظلمه (هو) أي والحال أنه: "يقدر على أن ينصره أذله اللّه

على رؤوس الأشهاد يوم القيامة".

وخرج أبو داود من حديث أبي طلحة الأنصاري وجابر بن عبد الله، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما من امرئ مسلم يخُذلُ امرأً مسلماً في موطن تنتهك فيه حرمته، وينتقص فيه من عرضه، إلا خذله الله في موطن يُحبٌّ فيه نُصرته، وما من امرئ ينصر مسلماً في موضع ينتقص فيه من عِرضه، ويُنتهك فيه من حرمته، إلا نصره الله في موضع يحبُ فيه نُصرته).

فخذلان المؤمن حرام شديد التحريم دنيوياً كان -مثل أن يقدر على دفع عدوّ يريد أن يبطش به فلا يدفعه- أو دينياً. فانظر أخي المسلم، كم من المسلمين اليوم يحتاج نُصرتنا على مستوى العالم:

- فمنهم من يُفتن في دينه -أعز شيء في حياة المؤمنين-

ولم يجد من ينصره إلا من رحم الله، وبنظرة بسيطة

إلى الفضائيات تجد ذلك واضحاً وضوح الشمس، بل وتجد من نصَّبه الله -عز وجل- لرفع راية الله، ومد يد العون لهؤلاء يُتهم في دينه بالإرهاب وتمويل الإرهابيين.

- ومنهم من يُفتن في عرضه، وما يحدث في بلاد الرافدين ومسرى الرسول الكريم عنا ببعيد، وتشتكي أرحام المؤمنات من أولاد السفاح!، بل وتعرض الرجال أيضاً لهذه الأفعال الشائنة.

- ومنهم ومنهم.. اللهم لا تؤاخذنا بمن لا نستطيع نصرتهم

2-  المرائي ينادى به يوم القيامة على رؤوس الخلائق بأربعة أسماء: ففي الحديث:"إن قائلاً من المسلمين قال: يا رسول الله ما النجاة غداً؟

قال: لا تخدع الله.قال: وكيف نخادع الله؟ قال: أن

تعمل بما أمرك به تريد به غيره، فاتقوا الرياء فإنه الشرك بالله، فإن المرائي ينادى به يوم القيامة على رؤوس الخلائق بأربعة أسماء.يا كافر، يا فاجر، يا خاسر، يا غادر. ضل عملك، وبطل أجرك، فلا خلاق لك اليوم عند الله، فالتمس أجرك ممن كنت تعمل له يا مخادع، وقرأ من القرآن (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا).

قال الإمام أحمد: عن أبي بكرة صلى الله عليه وسلم-قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(من سمع سمع الله به ومن راءى راءى الله به).

وعن معاذ بن جبل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال (ما من عبد يقوم مقام سمعة ورياء إلا سمع الله به على رؤوس الخلائق يوم القيامة).

3-الكفار والمنافقون فينادى بهم على رؤوس الخلائق

هؤلاء الذين كذبوا على الله: وفي صحيح مسلم عن صفوان بن محرز قال: قال رجل لابن عمر: كيف سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في النجوى؟ قال سمعته يقول: (يدنى المؤمن من ربه يوم القيامة حتى يضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه فيقول هل تعرف فيقول أي رب أعرف قال فإني قد سترتها عليك في الدنيا وإني أغفرها لك اليوم فيعطي صحيفة حسناته وأما الكفار والمنافقون فينادى بهم على رؤوس الخلائق هؤلاء الذين كذبوا على الله

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثمانون بعد الثلاثمئة في موضوع  ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية

 والتي هي بعنوان :

*من يفضحهم الله عز وجل على رؤوس الخلائق

4- الغادر سيفضحه على رؤوس الخلائق يوم القيامة:

إن الادر مذموم في الدنيا، وهو كذلك عند الله -تعالى-، وسيفضحه على رؤوس الخلائق يوم القيامة.

عن ابن عمر: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا جمع الله الأولين و الآخرين يوم القيامة يرفع لكل غادر لواء، فقيل: هذه غدرة فلان ابن فلان). الغادر: الذي يواعد على أمر و لا يفي به. اللواء: الراية العظمى، لا يمسكها إلا صاحب جيش الحرب، أو صاحب دعوة الجيش، و يكون الناس تبعاً له.فالغادر ترفع له راية تسجل عليها غدرته، فيفضح بذلك يوم القيامة.

مكان راية الغادر: تجعل الراية عند مؤخرته: كما في صحيح مسلم عن أبي سعيد قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لكل غادر لواء عند استه يوم القيامة).

فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: (لكل غادر لواء يوم القيامة يرفع له بقدر غدره، ألا ولا غادر أعظم غدرًا من أمير عامة)(رواه مسلم).

وأمير العامة هو الحاكم أو الخليفة، وكانت غدرته كذلك لأن ضرره يتعدى إلى خلق كثير، ولأن الحاكم أو الوالي يملك القوة والسلطان فلا حاجة به إلى الغدر. وقد جعل الله العقاب بهذا اللون من العقوبة على طريقة ما يعهده البشر ويفهمونه ألا ترى قول شاعرهم:

أسمّى ويحك هل سمعت بغدرة *** رفع اللواء لنا بها في الجميع

فكانت العرب ترفع للغادر لواء في المحافل و مواسم الحج، وكذلك يطاف بالجاني.

5-  الفاجر فينادى بذنوبه على رؤوس الخلائق:

وقال -صلى الله عليه وسلم-: (ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم من عمله، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم من عمله، وينظر تلقاء وجهه فيرى النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشق تمرة). فلابد أن يصير المسلم إلى هذا الموقف وهو إما إلى إحدى حالين: إما أن يكون كما قال -عليه السلام- في حديث النجوى: (أما المؤمن فيدنيه ربه فيضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه، فيقول: أتذكر ذنب كذا وكذا؟ حتى إذا ظن أنه قد هلك قال: أنا سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم، وأما الفاجر فينادى بذنوبه على رؤوس الخلائق).

6- الظالمون: (وَمَن أَظلَمُ مِمَّنِ افتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أُولَـئِكَ يُعرَضُونَ عَلَى رَبِّهِم وَيَقُولُ الأَشهَادُ هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِم أَلاَ لَعنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ).

يبين -تعالى- حال المفترين عليه وفضيحتهم في الدار الآخرة علي رءوس الخلائق من الملائكة والرسل والأنبياء وسائر البشر والجان.

قال شيخ الإسلام: هؤلاء: "لا يحاسبون حساب من توزن حسناته، وسيئاته لأنهم لا حسنات لهم ولكن تحصى أعمالهم، وتحفظ، فيوقفون عليها، ويقررون بها، ويخزون بها يعني: وينادى عليهم على رؤوس الخلائق: (هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِم أَلاَ لَعنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِين).

7-  كاتم الشهادة يطعمه الله لحمه على رؤوس الخلائق: (وَلاَ تَكتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَن يَكتُمهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعمَلُونَ عَلِيم). أي لا تخفوها وتغلوها ولا تظهروها قال ابن عباس وغيره: شهادة الزور من أكبر الكبائر وكتمانها كذلك. ولهذا قال "ومن يكتمها فإنه آثم قلبه" قال السدي: يعني فاجر قلبه.

عن النبي -صلى الله عليه وآله- في حديث المناهي انه نهى عن كتمان الشهادة وقال: من كتمها أطعمه الله لحمه على رؤوس الخلائق، وهو قول الله -عز وجل-: (ولا تكتموا الشهادة).

8-  من أفشى سر أخيه أفشى الله سره يوم القيامة على رؤوس الخلائق:

أبو عبيدة جابر بن زيد: عن أبي هريرة عن رسول الله

 -صلى الله عليه وسلم- قال: (من روع مسلماً روعه الله يوم القيامة ومن أفشى سر أخيه، أفشى الله سره يوم القيامة على رؤوس الخلائق).

9-  والد جحده ولده وهو ينظر إليه فضحه الله على رؤوس الخلائق: وللطبراني معناه من حديث أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- ولأبي داود وابن حبان عن أبي هريرة مرفوعاً: (أيما امرأة أدخلت على قوم ما ليس منهم فليست من الله في شيء ولن يدخلها جنته، وأيما

 والد جحده ولده وهو ينظر إليه إلا احتجب الله عنه يوم القيامة وفضحه على رؤوس الخلائق من الأولين والآخرين)

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والثمانون بعد الثلاثمئة في موضوع  ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*من يفضحهم الله عز وجل على رؤوس الخلائق

10- الغلول: الغلول هو الأخذ من الغنيمة على وجه الخفية، وهو ذنب يخفى تحته شيء من الطمع والأثرة، وقد توعد الله -تبارك وتعالى- الغال بفضحه يوم القيامة على رؤوس الأشهاد، وذلك لتحميله ما غله في ذلك اليوم (وَمَن يَغلُل يَأتِ بِمَا غَلَّ يَومَ القِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلٌّ نَفسٍ, مَّا كَسَبَت وَهُم لاَ يُظلَمُونَ).

يقول القرطبي في تفسير هذه الآية: "أي يأتي به حاملاً له على ظهره وعلى رقبته، معذباً بحمله وثقله، ومرعوبا بصوته، وموبخا بإظهار خيانته على رؤوس الأشهاد".

ومن الغلول غلول الحكام والموظفين والعمال والولاة من

 الأموال العامة، وقد وضح الرسول -صلى الله عليه وسلم- كيف يحمل الغالون يوم القيامة ما غلوه في أكثر من حديث

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قام فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم، فذكر الغلول فعظمه، وعظم أمره، ثم قال: (لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء، يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا قد أبلغتك.

لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمه، فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك.لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء، يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا قد أبلغتك. لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح، فيقول يا رسول الله، أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا قد أبلغتك.لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رأسه رقاع تخفق، فيقول: يا رسول الله، أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك.لا ألفين أحدكم يوم القيامة على رقبته صامت، فيقول يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا قد أبلغتك) متفق عليه وهذا لفظ مسلم، و هو أتم.

وقال الإمام أحمد: عن عبد الرحمن بن جبير قال سمعت المستورد بن شدّاد يقول سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من ولي لنا عملاً وليس له منزل فليتخذ منزلًا أو ليست له زوجة فليتزوج أو ليس له خادم فليتخذ خادماً أو ليس له دابة فليتخذ دابة ومن أصاب

 شيئا سوى ذلك فهو غال".

عن عدي بن عميرة الكندي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس من عمل لنا منكم عملا فكتمنا منه مخيطا فما فوقه فهو غل يأتي به يوم القيامة" قال: فقام رجل من الأنصار أسود -قال مجاهد: هو سعد بن عبادة كأني أنظر إليه- فقال يا رسول الله اقبل مني عملك قال "وما ذاك؟" قال سمعتك تقول كذا وكذا قال وأنا أقول ذاك الآن من استعملناه على عمل فليجئ بقليله وكثيره فما أوتي منه أخذه وما نهى عنه )رواه مسلم ،عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ردّوا الخياط والمخيط فإن الغلولعار ونار وشنار على أهله يوم القيامة)

11- من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم

القيامة وشقه مائل:

يجب العدل بين الزوجات، قال ربنا جل في علاه: {فَإِن خِفتُم أَلاَّ تَعدِلُوا فَوَاحِدَةً أَو مَا مَلَكَت أَيمَانُكُم}[النساء آية 3] وقد روى أحمد والأربعة من طريق همام عن قتادة عن النضر بن أنس عن بِشير بن نَهيك عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من كان له امرأتان فمال إلى

 إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل". والعدل الواجب هنا في القسم والسكن والكسوة والنفقة.

وعدم العدل بين الزوجات من كبائر الذنوب، ولهذا توعد عليه في الآخرة بسقوط شقه. والجزاء من جنس العمل فلما مال في الدنيا عن العدل جاء بهذه الصفة يوم القيامة على رؤوس الأشهاد.

12- الآمر بالمعروف ولا يآتيه والناهي عن المنكر ويآتيه: في الصحيحين عن أسامة بن زيد -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار في الرحى فيجتمع إليه أهل النار فيقولون، يا فلان مالك ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فيقول بلى قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه

 وأنى عن المنكر وآتيه). هذه حال من خالف قوله فعله، -نعوذ بالله- تسعر به النار، ويفضح على رؤوس الأشهاد، يتفرج عليه أهل النار، ويتعجبون كيف يلقى في النار. هذا ويدور في النار كما يدور الحمار بالرحى، وتندلق أقتاب بطنه، يسحبها، لماذا؟!. لأنه كان يأمر بالمعروف ولا يأتيه، وينهى عن المنكر ويأتيه، فعلم بذلك أن المقصود الأمر بالمعروف مع فعله، والنهي عن المنكر مع تركه. وهذا هو الواجب على كل مسلم، وهذا الواجب العظيم أوضح الله شأنه في كتابه الكريم، ورغب فيه، وحذر من تركه، ولعن من تركه

[ الأنترنت – موقع مداد - توفيق علي زبادي ]

 إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والثمانون بعد الثلاثمئة في موضوع  ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

" اقتران أسماء الله الحسنى في القرآن يدل على الكمال المطلق "

- قال الإمام ابن القيم  :"اعلم –وفقك الله تعالى- أن اقتران أحد الإسمين والوصفين بالآخر ...قدر زائد على مفرديهما[ بدائع الفوائد 1/161]"فلهُ بذلك جميع أقسام الكمال : كمال من هذا الإسم بمفرده , وكمال من الآخر بمفرده , وكمال من إقتران أحدهما بالآخر .[ مدارج السالكين 1/58] وفي موضع آخر قال :وهكذا عامة الصفات المقترنة والأسماء المزدوجة في القرآن فتأمله فإنه من أشرف

 المعارف [بدائع الفوائد 1/161]

وقال في موضع آخر : "...قرن بين الملك والحمد على عادته تعالى في كلامه , فإن اقتران أحدهما بالآخر له كمال زائد على الكمال بكل واحد منهما , فلهُ كمال من ملكه , وكمال من حمده ,وكمال من اقتران أحدهما بالآخر , فإن الملك بلا حمد نقص , والحمد بلا ملك يستلزم عجزا , والحمد مع الملك غاية الكمال ..."[ بدائع الفوائد 1/79- ] وكما يكون الحسن في أسماء الله باعتبار كل اسم على انفراده فكذلك يكون باعتبار جمعه إلى غيره فيحصل بجمع الاسم إلى الآخر كمالٌ فوق كمال.

مثال ذلك: "العزيز الحكيم" فإن الله تعالى يجمع بينهما في القرآن كثيرا، فيكون كل منهما دال على الكمال الخاص الذي يقتضيه وهو: العزة في العزيز؛ والحُكمُ والحكمة في الحكيم.

والجمع بينهما دال على كمال آخر وهو أن عزته تعالى مقرونة بالحكمة، فعزته لا تقتضي ظُلما وجورا وسوء فعل كما قد يكون من أعزّاء المخلوقين. فإن العزيز منهم قد تأخذه العزة بالإثم فيظلم ويجور ويسيءُ التَّصرف.

وكذلك حكمه تعالى وحكمته مقرونان بالعزِّ الكامل بخلاف حكم المخلوق وحكمته، فإنهما يعتريهما الذُّلُّ.

- وقال الشيخ عبدالرزاق البدر:" إن من الأمور

المفيد ملاحظتها في فقه الأسماء الحسنى اقتران أسماء الله في مواضع عديدة من القرآن والسنّة بعضها ببعض، نحو: "السميع البصير" و "الغفور الرحيم"، و "الغني الحميد"، و" الخبير البصير"، "والرؤوف الرحيم"، و" الحكيم العليم"، "الحميد المجيد"،و "العزيز الحكيم"، و" العلي العظيم"، و" الفتّاح العليم" و" اللطيف الخبير"، و" الشكور الحليم"، و" العفوّ الغفور"، "الغني الكريم"، والأمثلة كثيرة جداً لهذه الأسماء المقترنة.

 ولا ريب أن هذا الاقتران فيه من الحكم العظيمة والفوائد الجليلة والمنافع الكبيرة ما يدلّ على كمال الربّ مع حسن الثناء وكمال التمجيد، إذ كلّ اسم من أسمائه متضمن صفة كمال لله ، فإذا اقترن باسم آخر كان له سبحانه ثناءٌ من كلّ اسم منهما باعتبار انفراده وثناءٌ من اجتماعهما، وذلك قدر زائد على مفرديهما. "[فقه الأسماء الحسنى 41 [الأنترنت – موقع ملتقى أهل التفسير ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والثمانون بعد الثلاثمئة في موضوع  ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*تأملات إيمانية في لفظ الجلالة (الله )

 (الله) هو الإسم الدال على الذات العظيمة الجامعة لصفات الإلهية والربوبية فهو اسم له وحده لا يتعلق به أحد سواه،ولا يُطلق على غيره ولايدّعيه أحد من خلقه.

(الله) اسم للرب المعبود المحمود الذي يمجَّده الخلق

 ويسبحونه ويحمدونه، وتسبح له السماوات السبع والأرضون السبع ومن فيهم والليل والنهار والإنس والجن والبر والبحر “وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا” (الإسراء  : 44)

(الله) هو الرب الذي تألهُههُ القلوب وتحن إليه النفوس وتتطلع إليه الأشواق، وتحب وتأنس بذكره وقربه وتشتاق إليه وتفتقر إليه المخلوقات كلها في كل لحظة وومضة، وخطرة وفكرة في أمورها الخاصة والعامة، والكبيرة والصغيرة، والحاضرة والمستقبلة، فهو مبديها ومعيدها، ومُنْشِئها وباريها وهي تدين له سبحانه وتُقِرُّ، وتفتقر إليه في كل شؤونها وأمورها ما من مخلوق إلا ويشعر بأن الله تعالى طوّقه مِنَناً ونِعماً وأفاض عليه من آلائه وكرمه وإفضاله وإنعامه بالشئ الكثير،فجدير بأن يتوجه قلب الإنسان إلى الله تبارك وتعالى بالحب والتعظيم والحنين.

(الله):  العظيم في ذاته وصفاته وأسمائه وجلاله ومجده، لا تحيط به العقول ولا تدركه الأفهام ولا تصل إلى عظمته الظنون، فالعقول تحار في عظمته وإن كانت تستطيع بما مُنحت من الطّوق والقدرة على أن تدرك جانباً من هذه العظمة، يمنحها محبة الله والخوف منه والرجاء فيه والتعبد له بكل ما تستطيع.

واسم الله إذا ذكر وجلت القلوب لجلاله وخشعت الأصوات لقوته وعنت الوجوه لعظمته وهو الذي إذا ذكر نزلت الطمأنينة في قلوب المؤمنين لجلاله ورحمته

قال تعالى (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ الله أَلَا

 بِذِكْرِ الله  تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (٢٨) الرعد

قال الإمام الجنيد لتلاميذه تعالوا بنا نذكر الصالحين فبذكرهم تحل البركة فقال بعض طلبته يا شيخنا إذا ذكرنا الصالحين تحل البركة فماذا إذا ذكرنا الله ؟ فاطرق الشيخ قليلا ….ثم رفع رأسه فقال إذا ذكرنا الله حلت الطمأنينة في القلوب (ألا بذكر الله تطمئن القلوب )

(الله) هو الإله  المعبود الذي يُخلص له المؤمنون قلوبهم وعبادتهم، وصلاتهم وحَجَّهم وأنساكهم وحياتهم وآخرتهم “قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ” (الأنعام ، آية : 162 ، 163).

وروح لا إله إلا الله وسرها: إفراد الرب جل ثناؤه

 وتقدست أسماؤه وتبارك اسمه وتعالى جده ولا إله غيره بالمحبة والإجلال والتعظيم والخوف والرجاء وتوابع ذلك من التوكل والإنابة والرغبة والرهبة، فلا يحب سواه، بل كان ما كان يحب غيره فإنما هو تبعاً لمحبته وكونه وسيلة إلى زيادة محبته ولا يُخاف سواه، ولا يُرجي سواه، ولا يتوكل إلا عليه ولا يُرغب إلا إليه، ولا يُرهب إلا منه،ولا يُحلف إلا باسمه،ولا يُنذر إلا له،ولا يُتاب إلا إليه،ولا يُطاع إلا بأمره، ولا يُحتسب إلا له،ولا يُستعان في الشدائد إلا به،ولا يُلتجأ إلا إليه،ولا يُسجد إلا له،

يقول الإمام ابن القيم: إذ استغنى الناس بالدنيا فاستغن أنت بالله، وإذا فرح الناس بالدنيا فافرح أنت بالله، وإذا أنس الناس بأحبائهم فأنس أنت بالله، وإذا ذهب الناس إلى ملوكهم وكبرائهم يسألونهم الرزق ويتوددون إليهم فتودد أنت إلى الله.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والثمانون بعد الثلاثمئة في موضوع  ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*الإيمان بوجود الله فطرة :

والإيمان بوجود الله سبحانه فطرة مركوزة في الأنفس لا تحتاج إلى أدلة ، ولذلك لما سئل بعض السلف عن الدليل على وجود الله قال أغنى الصباح عن المصباح متى احتاج النهار إلى دليل ؟

وقال بعض الصالحين مناجيا ربه : سبحانك ربي آمن

 بك المؤمن ولم ير ذاتك ، وجحدك الجاحد ووجوده في ملكك دليل على وجودك وعظمة ذاتك .

وقال ابن عطاء الله السكندري :إلهي كيف يُستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك.

وقد بين الله تلك الفطرة بمثال بعض الكفار الذين ركبوا في سفينة ؛ وكانت الأمواج هادئة ،وانطلقوا في البحر، وفي أول الرحلة سخَّر الله لهم ريحًا طيبة جعلتهم يسيرون في البحر بسرعة، ففرحوا بها، وفجأة هاجت الأمواج، واشتدت الرياح والعواصف فأصبحوا في مأزق عصيب، عندئذ صاح هؤلاء الكفار بأعلى أصواتهم يدعون الله -عز وجل- ويلجئون إليه، ويطلبون منه النجاة، قال تعالى: {هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرينا بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين} يونس:22وهكذا فطرة البشر تلجأ إلى الله -عز وجل-،وتظهر حقيقتها في وقت الشدة والكرب حتى وإن

وجد عليها الصدأ، وطُمِست شفافيتها في أوقات الغفلة واللهو والرخاء، ذلك لأن الله عز وجل- خلق الإنسان مفطورًا على الإسلام والإحساس بوجود الله، قال تعالى: {فأقم وجهك للدين حنيفًا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون} الروم: 30

وفي الحديث (ما من مولود إلا يولدُ على الفِطْرةِ فأبواه

يُهوِّدانه (يجعلانه يهوديًا)، أو ينصِّرانه (يجعلانه نصرانيًا)

 ، أو يمجِّسَانه (يجعلانه مجوسيًّا) البخاري.

جاء بعض الزنادقة إلى الإمام الشافعي –رحمه الله- وسألوه: ما الدليل على وجود الله؟ فقال: ورق التوت طعمه واحد،تأكله الدودة فيخرج منها الإبريسم (الحرير) ، ويأكله النحل فيخرج منه العسل،وتأكله الشاة والبقر والأنعام فتلقيه بعرًا وروثًا،وتأكله الظباء فيخرج منها مسكا فمن جعل هذه الأشياء مع أن الطعم واحد.

ومن شعره رحمه الله :

الله ربي لا أريد سواه هل*** في الوجود حقيقة إلا هو

الشمس والبدرمن انوارحكمته***والبر والبحر فيض من عطاياه

الطير سبحه والوحش قدسه***والموج كبره والحوت ناجاه

والنمل تحت الصخور الصم مجده*** والنحل يهتف حمدا فى خلاياه

والناس يعصونه جهرا فيسترهم *** والعبد ينسى وربى ليس ينساه

ويروى أن بعض الزنادقة (وهذا مصطلح قديم كان

 يطلق على الملاحدة المنكرين لوجود الله ) جاءوا إلى جعفر الصادق، فقال جعفر لأحدهم: هل ركبت البحر؟ قال: نعم. قال جعفر: حدثني عن أغرب شيء حدث لك؟ قال الرجل: هاجت يومًا رياح هائلة، فكسرت السفينة، وأغرقت الملاحين، فتعلقت أنا ببعض ألواحها، فإذا أنا مدفوع في تلاطم الأمواج، وفُقد اللوح، ودُفعتُ إلى الساحل.

فقال جعفر: قد كان اعتمادك على السفينة والملاح ثم على اللوح حتى ينجيك. فلما ذهبت عنك هذه الأشياء، هل أسلمت نفسك للهلاك أم كنت ترجو السلامة بعد؟

قال: بل رجوت السلامة. قال جعفر: ممن كنت ترجوها؟ فسكت الرجل، فقال جعفر: إن الله هو الذي كنت ترجوه في ذلك الوقت، هو الذي نجاك من الغرق. فاعترف الرجل بوجود الله وأسلم على يديه.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والثمانون بعد الثلاثمئة في موضوع  ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*دلالة العقل على وجود الله:

سأل بعض القدرية- الذين ينفون قدرة الله، ويغالون في قدرة الإنسان- أبا حنيفة عن وجود الله -عز وجل- فقال لهم: دعوني فإني مفكر في أمر أُخبرت عنه، ذكروا لي أن سفينة في البحر مملوءة بالبضائع، وليس فيها أحد يحرسها أو يسوقها، ومع ذلك فإنها تسير بنفسها، وتخترق الأمواج، وتسير حيث شاءت فماذا تقولون؟ قالوا: هذا شيء لا يقبله العقل. فقال أبو حنيفة: يا سبحان الله، إذا لم يجر في العقل سفينة تجري في البحر مستوية من غير متعهد ولا مجر، فكيف يجوز قيام هذه الدنيا على اختلاف أحوالها، وسعة أطرافها، وتباين أكنافها من غيرصانع وحافظ؟! ،

قالوا: صدقت وتابوا إلى الله، وحسن إسلامهم.

و سُئِل أعرابي عن الدليل على وجود الله؟ فقال: البعرة تدل على البعير، والروثة تدل على الحمير، وآثار الأقدام تدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، ألا يدل ذلك على وجود اللطيف الخبير؟!

رائد الفضاء الروسي يوري جاجارين ذهب في

 1961م على متن أول سفينة فضاء روسية ، وعندما عاد توجه له الصحفيين يسألونه عن مشاهداته وماذا حدث له ، فقال لهم لقد انبهرت بجمال الكون فظللت أبحث عن الله !!!

صدم الجميع من هذا التصريح ، فاجتمعوا طويلاً من أجل دراسته هل ينشر هذا التصريح أم لا في صحف اليوم التالي أخيرا، اتفقوا على أن يتم نشر التصريح ويتم إضافة عبارة فلم أجده !!

فسبحان من أنطق الكافر الملحد وأنساه كل حياته التعليمية في مدارس الإلحاد

*دلالة المشاهدة على وجود الله:

   والمسلم يؤمن بكل ما يشاهده من نصر الله للمستغيثين والمكروبين، فالمؤمنون في غزوة بدر عندما دعوا الله -عز وجل– وطلبوا منه النصر، استجاب الله دعاءهم، وأيدهم بجنود من عنده يقاتلون معهم، قال تعالى: {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين} [الأنفال: 9].

وزكريا -عليه السلام- دعا الله -عز وجل- أن يرزقه الذرية الصالحة، فاستجاب الله دعاءه ووهب له يحيي -عليه السلام-، فبعد أن كانت زوجته عاقرًا لا تلد أصبحت لديها القدرة على الحمل والولادة بإذن الله، قال تعالى: {وزكريا إذ نادي ربه رب لا تذرني فردًا وأنت خير الوارثين . فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبًا ورهبًا وكانوا لنا خاشعين} [الأنبياء: 89-90]

وفي عهد الرسول ( أصاب المدينة جفاف وقحط، فقام

 أعرابي والرسول يخطب الجمعة، فقال: يا رسول الله، هلك المال، وجاع العيال، فادع الله لنا؟

فأخذ الرسول يدعو وهو رافع يديه، فتجمع السحاب، ونزل المطر قبل أن يُنزل  يديه، حتى إن المطر كان ينزل على رسول الله ، ورأى الصحابة قطرات الماء تنزل من كفيه، وظلت السماء تمطر طوال الأسبوع، فقام رجل، فقال: يا رسول الله، تهدم البناء، وغرق المال، فادع الله لنا، فرفع الرسول  يديه يدعو الله، ويقول: (اللهم حوالينا، لا علينا) فتوقف المطر[متفق عليه].

لله في الآفاق آيات لعلّ أقلها هو ما إليه هداك

و لعل ما في النفس من آياته عجب عجاب لو ترى عيناك

و الكون مشحون بأسرار إذا حاولت تفسيرًا لها أعياك

قل للطبيب تخطفته يد الردى: يا مدعيا شفا الأمراض من أرداك ؟

قل للمريض نجا و عوفيّ بعدما عجزت فنون الطب: من عافاك ؟

قل للصحيح يموت لا من علة: من بالمنايـا يـا صحيح دهاك ؟

قل للبصير و كان يحذر حفرة، فهوى بها: من ذا الذي أهواك ؟

بل سائل الأعمى خطا بين الزحام بلا اصطدام: من يـقود خطاك ؟

قل للجنين يعيش معزولا بلا راع و مرعى: ما الذي يرعاك ؟

قل للوليد بكى و أجهش بالبكاء لدى الولادة: ما الذي أبكاك ؟

و إذا ترى الثعبان ينفث سمه فسأله: من ذا بالسموم حشاك ؟

و اسأله: كيف تعيش يا ثعبان أو تحيا و هذا السم يملأ فاك ؟

و اسأل بطون النحل كيف تقاطرت شهدا… و قل للشهد: من حلّـاك ؟

بل سائل اللبن المصفى كان بين دم و فرث: ما الذي صفّاك ؟

و إذا رأيت النخل مشقوق النوى فسأله: من يا نخل شق نواك ؟

و إذا رأيت الليل يغشى داجيا فسأله: من يا ليل حاك دجاك ؟

و إذا رأيت الصبح يسفر ضاحيا فسأله: من يا صبح شق ضحاك ؟

إنه الله في كل العجائب ماثل إن لم تكن تراه فإنه يراك

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والثمانون بعد الثلاثمئة في موضوع  ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*معجزات الأنبياء دليل على وجود الله:

اجتمع المشركون في مكة، وطلبوا من الرسول  أن يشق لهم القمر نصفين، فقال لهم: (إن فعلت تؤمنوا؟) قالوا: نعم. فأشار الرسول ( إلى القمر -وكان بدرًا- فانفلق فلقتين، ورآه الناس. ولكن المشركين المعاندين رفضوا أن يستجيبوا لنداء الحق، وأبوا أن يذعنوا لمعجزة الله، قال تعالى:{اقتربت الساعة وانشق القمر}[القمر: 1].

والمعجزة تدل على وجود الله تعالى، لأنها أمر خارج عن مقدرة البشر، يؤيد الله بها رسله وأنبياءه، ومن هذه المعجزات ما أيَّد الله به نبيه موسى –عليه السلام- من معجزة العصا، فكان يضرب بها الحجر فيخرج منه الماء، ويضرب بها الماء فيتجمد، ويتحول إلى أرض يابسة، بإذن الله تعالى، قال تعالى: {فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا} [البقرة: 60]

*أشعة كلمة لاإله إلا الله، تبدد ظلمات القلوب:

اعلم أن أشعة لا إله إلا الله تبدد من ضباب الذنوب وغيومها بقدر قوة ذلك الشعاع وضعفه، فلها نور، وتفاوت أهلها وتفاوت أهلها في ذلك النور، قوة وضعفاً، لا يحصيه إلا الله تعالى، فمن الناس، من نور هذه الكلمة كالشمس، ومنهم، من نورها في قلبه كالكوكب الدري، ومنهم من نورها في قلبه كالمشعل العظيم، وآخر كالسراج المضيء، وآخر كالسراج الضعيف ولهذا تظهر الأنوار يوم القيامة بأيمانهم، وبين أيديهم، على هذا المقدار، بحسب ما في قلوبهم من نور هذه الكلمة علماً وعملاً ومعرفة وحالاً وكلما عظم نور هذه الكلمة واشتد أحرق من الشبهات والشهوات بحسب قوته وشدته، حتى انه ربما وصل إلى حال لا يصادف معها شبهة ولا شهوة ولا ذنباً، إلا أحرقه، وهذا حال الصادق في توحيده الذي لم يشرك بالله شيئاً، فأي ذنب أو شهوة أو شبهة دنت من هذا النور أحرقها، فسماء إيمانه قد حرست بالنجوم من كل سارق لحسناته، فلا ينال منها السارق إلا على غرّة وغفلة لا بد منها للبشر، فإذا استيقظ وعلم ما سُرق منه استنقذه من سارقه أو حصّل أضعافه بكسبه، فهو هكذا أبداً مع لصوص الجن والإنس، ليس كمن فتح لهم خزانته وولى الباب ظهره. [مدارج السالكين (1 / 369). [الأنترنت – موقع الراشدون ]

*التـأهب للقـاء اللـه

  قال تعالى: (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى اللـه ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون).قال النبي صلى اللـه عليه و سلم قال : [ من أحب لقاء اللـه أحب اللـه لقاءه ومن كره لقاء اللـه كره اللـه لقاءه قالت عائشة أو بعض أزواجه إنا لنكره الموت قال ليس ذاك ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان اللـه وكرامته فليس شيء أحب إليه مما أمامه فأحب لقاء اللـه وأحب اللـه لقاءه وإن الكافر إذا حضر بشر بعذاب اللـه وعقوبته فليس شيء أكره إليه مما أمامه كره لقاء اللـه وكره اللـه لقاءه] رواه البخاري.

· قال أبو الدرداء: أحب الموت اشتياقا إلى ربي.

· قال أبو عنبسة الخولاني: كان من قبلكم لقاء اللـه أحب إليه من الشهد.

*المستأنس والمستوحش:

-المطيع للـه مستأنس بربه فهو يحب لقاء اللـه و اللـه يحب لقاءه.

-والعاصي مستوحش بينه و بين مولاه وحشة الذنوب فهو يكره لقاء ربه و لا بد له منه قال ذو النون :

كل مطيع مستأنس و كل عاص مستوحش.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والثمانون بعد الثلاثمئة في موضوع  ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

* كيف يكون الاستعداد للقاء للـه:

1-   حب لقاء اللـه تعالى فإنه لا يتصور أن يحب القلب محبوباً إلا ويحب لقاءه ومشاهدته.

2-      أن يكون صابراً على المكاره، والصبر من آكد

 المنازل في طريق المحبة وألزمها للمحبين.

3-  أن يكون أنسه بالخلوةومناجاة اللـه تعالى وتلاوة كتابه فيواظب على التهجد ويغتنم هدوء الليل وصفاء الوقت بانقطاع العوائق،فإن أقل درجات التنعم بمناجاة الحبيب فمن كان النوم والاشتغال بالحديث ألذّ عنده من مناجاة الليل فكيف تصح محبته؟،فإن المحب يتلذذ بخدمة محبوبه وتصرفه في طاعته وكلما كانت المحبة أقوى كانت لذة الطاعة والخدمة أكمل.

4-أن لا يؤثر عليه شيئاً من المحبوبات، أن يكون

 اللـه ورسوله أحب إليه مما سواهما، قال عبد اللـه بن هشام كما في الصحيح: كنا مع النبي صلى اللـه عليه و سلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال له عمر يا رسول اللـه لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي صلى اللـه عليه و سلم:( لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك)، فقال له عمر :فإنه الآن واللـه لأنت أحب إلي من نفسي فقال النبي صلى اللـه عليه و سلم: ( الآن يا عمر  )

إذاً من العلامات أن لا يقدم العبد شيئاً على اللـه لا

ولده ولا والده ولا الناس ولا أي شهوة، ومن آثر على

اللـه شيئاً من المحبوبات فقلبه مريض.

5-   أن يكون مولعاً بذكر اللـه تعالى، لا يفتر لسانه

 ولا يخلو عنه قلبه ، فإن من أحب شيئاً أكثر من ذكره بالضرورة ومن ذكر ما يتعلق به.فيحب عبادته وكلامه وذكره وطاعته وأولياءه.

6-  محبة كلام اللـه عز وجل، فإذا أردت أن تعلم ما عندك وعند غيرك من محبة اللـه فانظر محبة القرآن من قلبك فإن من المعلوم أن من أحب محبوباً كان كلامه وحديثه أحب شيء إليه.

7-أن يتأسف على ما يفوته من طاعة اللـه وذكره، فترى أشد الأشياء عليه ضياع شيء من وقته فإذا فاته ورده وجد لفواته ألماً أعظم من تألم الحريص على ماله من فوات ماله وسرقة ماله وضياع ماله، وبادر إلى قضائه في أقرب فرصة. [الأنترنت – موقع معرفة الله - فريق عمل الموقع ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والثمانون بعد الثلاثمئة في موضوع  ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*كيف نعظم اللـه في قـلوبنا ؟

·   فمن عظمته ما أخبر به عن نفسه المقدسة  بقوله:  ( وَمَا قَدَرُوا اللـه حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ).

·   قال رسول اللـه صلى اللـه عليه وسلم: (يقبض اللـه الأرض يوم القيامة ويطوي السماوات بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض) رواه البخاري.

·حكمة بليغة :قال شيخ الإسلام: فإن عظمةاللـه تعالى وجلاله في قلب العبد يقتضي تعظيم حرماته وتعظيم حرماته يحول بينه وبين الذنوب والمتجرئون على معاصيه ما قدروه حق قدره

· تفكر في هذا الكون العظيم :

-وأنّ هذا الكون بسمائه وأرضه وجبالهوشجره ومائه وثراه وجميع المخلوقات يجعلها اللـه سبحانه وتعالى يوم القيامة على أصابعه ويجمعها في كفيّه سبحانه وتعالى ، كمَا صحت بذلك الأدلة .

-فهذا يدلّ على عظمة اللـه سبحانه وتعالى، وصغر هذه المخلوقات الهائلة بالنسبة إليه سبحانه وتعالى ويدلّ على عظمته وكبريائه وجَبَروته سبحانه، ولهذا قال جل وعلا: ( وَمَا قَدَرُوا اللـه حَقَّ قَدْرِهِ ) أي: ما عظّموه حقّ تعظيمِه..

-  ما أحوجنا إلى أن نتعرف على عظمة اللـه وعلى

 جلال اللـه، وعلى قوة اللـه، و قدرته وعظيم جبروته .

-  وأنه يجب علينا أن نعرف عظمة اللـه عز وجل، وننزهه عن كل نقص، وإذا علمنا ذلك، ازدادت محبتنا واجلالنا وتعظيمنا له ولأمره  .

· قال تعالى : ( ما لكم لا ترجون للـه وقارا ). أي :لا تعاملونه معاملة من توقرونه والتوقير العظمة  .

-قال الحسن البصري:ما لكم لا تعرفون للـه حقا ولا تشكرونه  - وقال مجاهد :لا تبالون عظمة ربكم.

 - وقال ابن عباس :لا تعرفون حق عظمته .

قال ابن القيم :وهذه الأقوال ترجع إلى معنى واحد وهو أنهم لو عظموا اللـه وعرفوا حق عظمته وحدوه وأطاعوه وشكروه فطاعته سبحانه اجتناب معاصيه والحياء منه بحسب وقاره.

·   من أعظم الجهل: قال ابن القيم :  من أعظم الظلم والجهل أن تطلب التعظيم والتوقير من الناس وقلبك خال من تعظيم اللـه وتوقيره فإنك توقر المخلوق وتجله أن يراك في حال لا توقر اللـه أن يراك عليها.

 أنواع توقير اللـه في القلب :

1-    ومن وقاره أن لا تعدل به شيئا من خلقه لا في اللفظ بحيث تقول واللـه وحياتك مالي إلا اللـه وأنت وما شاء اللـه وشئت .

2-   ولا في الحب والتعظيم والإجلال .

3-   ولا في الطاعة فتطيع المخلوق في أمره ونهيه كما تطيع اللـه بل أعظم كما عليه أكثر الظلمة والفجرة .

4-   ولا في الخوف والرجاء ويجعله أهون الناظرين إليه ولا يستهين بحقه ويقول هو مبني

 على المسامحة ولا يجعله على الفضلة ويقدم حق المخلوق عليه .

5-   ولا يكون اللـه ورسوله في حد وناحية والناس في ناحية وحد فيكون في الحد والشق الذي فيه الناس دون الحد والشق الذي فيه اللـه ورسوله .

6-   ولا يعطي المخلوق في مخاطبته قلبه ولبه ويعطي اللـه في خدمته بدنه ولسانه دون قلبه وروحه .

7-  ولا يجعل مراد نفسه مقدما على مراد ربه .

8-   ومن وقار اللـه أن يستحي من إطلاعه على سره وضميره فيرى فيه ما يكره .

9-ومن وقاره أن يستحي منه في الخلوة أعظم مما يستحي من أكابر الناس

-   فهذا كله من  وقار اللـه في القلب ومن كان كذلك

 فإن اللـه يلقي له في قلوب الناس وقارا و هيبة

 ومن كان عكس ذلك يسقط وقاره وهيبته في قلوبهم وإن وقروه مخافة شره فذاك وقار بغض لا وقار حب وتعظيم . أ هـ

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والثمانون بعد الثلاثمئة في موضوع  ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

* من تعظيم الله ذكره وهو نوعان :

-  قال القاضي عياض:وذكر اللـه تعالى ضربان: ذكر بالقلب وذكر باللسان وذكر القلب نوعان:

-أحدهما : وهو أرفع الأذكار وأجلها: الفكر في عظمة اللـه

 تعالى وجلاله وجبروته وملكوته وآياته في سمواته وأرضه .

-   والثاني :ذكره بالقلب عند الأمر والنهي فيتمثل ما أمر به ويترك ما نهى عنه ويقف عما أشكل عليه

-  وأما ذكر اللسان مجردا فهو أضعف الأذكار ولكن فيه فضل عظيم كما جاءت به الأحاديث.

·   ثـمـرة ذكر اللـه تعالى:

 إن ذكر اللـه عز وجل ، يحيي في نفوسهم استشعار عظمة اللـه ، وأنه على كل شيء قدير ، وأنه الحي القيوم الذي يمسك السموات والأرض أن تزولا ولايؤوده حفظهما فحينها يشعر الذاكر بالسعادة وبالطمأنينة يغمران قلبه وجوارحه ( الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر اللـه ألا بذكر اللـه تطمئن القلوب).

قال ابن القيم :من أعجب الأشياء: - أن تعرف اللـه ثم

 لا تحبه - وأن تسمع داعي اللـه ثم تتأخر عن الإجابة .

-  وأن تعرف قدر الربح في معاملة اللـه ثم تعمل لغيره .- وان تعرف قدر غضب اللـه ثم تتعرض له .

- وأن تذوق ألم الوحشة في معصيت اللـه  ثم لا تطلب الأنس بطاعته- وأن تذوق عصرة القلب عند الخوض في غير حديثه والحديث عنه ثم لا تشتاق إلى انشراح الصدر بذكره ومناجاته .

- وأن تذوق العذاب عند تعلق القلب بغيره ولا تهرب منه إلى نعيم الإقبال عليه والإنابة إليه .- وأعجب من هذا علمك انك لابد لك منه وانك أحوج شيء إليه وأنت عنه معرض وفيما يبعدك عنه راغب . أ هـ بتصرف

قيل للفضيل بن عياض : ما أعجب الأشياء ؟ قال : أن تعرف اللـه ثم تعصيه .

·المؤمن الحقيقي : هو الَّذي تسري عظمة اللـه في فؤاده، فيسجد جسده، ويخشع قلبه، وتتواضع نفسه.ففي ركوعه يقوله واصفا حاله مع ربه اللـهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي.

-ولذلك يقول الإمام أحمد :لوصححت قلبك لم تخف أحدا.

-  وهذا العز بن عبد السلام يتقدم أمام أحد الملوك

 الطغاة، ويتكلم عليه بكلام شديد، فلما مضى قال له الناس: أما خفت يا إمام، فقال: تصورت عظمة اللـه، فأصبح عندي كالهر.

- والآن نرى من الناس من يخاف من: المسئول ، والضابط وغيرهما أكثر من خوفه من اللـه، وهذا لا شك دخن في قلب صاحبه، والعاقل خصيم نفسه .

·أهمية استشعار عظمة اللـه في حياة المسلم :من نظر إلى عظمة اللـه وجلاله؛ عظَّم حُرُماته، وَقَدَره قَدْرَه، وأجَلَّ أمره ونهيه، وعَظُم عليه ذنبه ولو كان صغيراً، لكأنه الجبل هو في أصله يخشى أن يقع عليه فيهلكه .

·   ماذا لو استشعرنا عظمة اللـه تعالى :وما يجب له من العبودية والخضوع والذل ؛ فلو استشعرنا ذلك وعرفنا للـه حقه لأكثرنا من محاسبتنا لأنفسنا ، ولقارنا بين نعم اللـه علينا وبين معاصينا ، ولقارنا بين حقه علينا وبين ما قدمناه لآخرتنا .

·  العظمة من صفات اللـه : قال الإمام الأصبهاني: العظمةصفة من صفات اللـه تعالى ، لا يقوم لها خلق .

 واللـه تعالى خلق بين الخلق عظمة يعظم بها بعضهم بعضا .- فمن الناس من يعظم المال .-ومنهم من يعظم الفضل .- ومنهم من يعظم العلم .- ومنهم من يعظم السلطان .-ومنهم من يعظم الجاه .

-   وكل واحد من الخلق إنما يعظم بمعنى دون معنى .

واللـه عز وجل يعظم في الأحوال كلها؛ فينبغي لمن عرف حق عظمة اللـه تعالى أن لا يتكلم بكلمة يكرهها اللـه عز وجل ، ولا يرتكب معصية لا يرضاها اللـه عز وجل، إذ هو القائم على كل نفس بما كسبت ).

[الأنترنت – موقع معرفة الله - فريق عمل الموقع ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التسعون بعد الثلاثمئة في موضوع  ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

 *لاخلاص إلا بتحقيق الإخلاص.

1- قال الحسن البصري: واعجباه من ألسنةٍ تصف، وقلوبٍ تعرف، وأعمالٍ تخالف.[ تنبيه المغترين.]

2- قال زبيد اليامي: يسرني أن يكون لي فِي كل شَيْء نِيَّة حَتَّى فِي الأكل وَالشرب وَالنَّوْم.[ مختصر شعب الإيمان ص97.]

3- قال سبحانه  {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} [البقرة:207]،

 من فوائد الآية: الإشارة إلى إخلاص النية؛ لقوله تعالى: {ابتغاء مرضات الله}.[ تفسير الفاتحة والبقرة للعثيمين (2/452).]

4- قال سبحانه  {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} [البقرة:245]،

وقوله: قَرْضاً حَسَناً حث للناس على إخلاص النية، وتحرى الحلال فيما ينفقون، لأن الإنسان إذا تصدق بمال حرام، أو قصد بنفقته الرياء أو المباهاة لا يكون عمله متقبلا عند الله، وإنما يتقبل الله العمل ويضاعفه لمن قصد به وجهه، وكان المتصدق به مالا حلالا خالصا من الشبهات.[ التفسير الوسيط للقرآن الكريم (1/560).]

5- قال إبراهيم النخعي: كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يُظْهِرُوا صَالِحَ مَا يُسِرُّونَ.[ حلية الأولياء (4/330).]

6- قال ابن القيم: لو نفع العلم بلا عمل لما ذم الله سبحانه أحبار أهل الكتاب، ولو نفع العمل بلا إخلاص لما ذم المنافقين.[ الفوائد ص31.]

7-فليتق الله العبد، ويقصد من ينفعُه قصدُه، ولايتشاغل بمدح مَن عَن قليلٍ يَبلى هو وهم.[ صيدالخاطر ص375].

8- قال سبحانه: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء:114]، وفي تقييد الفعل بكونه ابتغاء مرضاة الله، تحريض على إخلاص النية، لأن الأعمال بالنيات، وإذا صاحب الرياء الأعمال أبطلها ومحق بركتها.[ التفسير الوسيط للقرآن الكريم (3/310).]

9- قال ابن مفلح: فَالْعَاقِلُ مَنْ اجْتَهَدَ فِي تَفْوِيضِ أَمْرِهِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فِي سَتْرِ مَا يَجِبُ سَتْرُهُ وَكَشْفِ مَا يَجِبُ كَشْفُهُ، وَلَا يَعْتَمِدُ عَلَى نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَتْعَبُ وَلَا يَبْلُغُ مِنْ ذَلِكَ الْغَرَضَ.[ الآداب الشرعية (1/137).]

10- قال ابْنَ الْمُبَارَكِ: كَتَبَ إِلَيَّ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: بُثَّ عِلْمَكَ، وَاحْذَرِ الشُّهْرَةَ.[ حلية الأولياء (7/70).]

11- قال تعالى:  {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ

 لَهُ الدِّينَ} [البينة:5]، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ النِّيَّةِ فِي الْعِبَادَاتِ، فَإِنَّ الْإِخْلَاصَ مِنْ عَمَلِ الْقَلْبِ وَهُوَ الَّذِي يُرَادُ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى لَا غَيْرِهِ.[ تفسير القرطبي (20/144).]

12- قال أبو عبد الله الأنطاكي: من طلب الإخلاصَ في أعماله الظاهرة وهو يلاحظ الخلقَ بقلبه؛ فقد رام المُحال.[ منطلقات طالب العلم ص88.]

13- قال عبد الله بن المبارك: مَا رَأَيْتُ أَحَداً ارْتَفَعَ مِثْلَ مَالِكٍ، لَيْسَ لَهُ كَثِيْرُ صَلاَةٍ وَلاَ صِيَامٍ، إِلاَّ أَنْ تَكُوْنَ لَهُ سَرِيْرَةٌ.[ سير أعلام النبلاء(8/97).]

14- قال مصطفى السباعي: العلوم في أهدافها ثلاثة: فعلم للدار الآخرة، فإن صحِبته النية الخالصة نجَّى من النار، وعلم للدنيا، فإن صحِبته العزيمة الصادقة، نجَّى من الفقر، وعلم للهو، ففيه المهانة في الدنيا والهلاك في الآخرة.[ هكذا علمتني الحياة ص164.]

15- قال مطرف بن عبد الله: صَلَاحُ الْقَلْبِ بِصَلَاحِ الْعَمَلِ وَصَلَاحُ الْعَمَلِ بِصِحَّةِ النِّيَّةِ.[ حلية الأولياء (2/199).]

16- ويشعر بهذا الإرشاد تصديره- سبحانه- الآية بقوله:  {وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ}. كما يشعر به قوله- تعالى- {إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ}، فإن كل ذلك فيه معنى الحض على إخلاص النية لله- تعالى- والامتثال لحكمه، والمداومة على شكره، حيث منحهم- سبحانه- هذه النعم بفضله وإحسانه.[ التفسير الوسيط للقرآن الكريم (6/105).]

17- قَالَ فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: مَا مِنْ أَحَدٍ أَحَبَّ الرِّئَاسَةَ إِلَّا حَسَدَ وَبَغَى وَتَتَبَّعَ عُيُوبَ النَّاسِ وَكَرِهَ أَنْ يُذْكَرَ أَحَدٌ

بِخَيْرٍ.[ جامع بيان العلم وفضله (1/569).]

18- قال السري السقطي: مِنَ النَّذَالَةِ أَنْ يَأْكُلَ الْعَبْدُ بِدِينِهِ![ حلية الأولياء (10/116).]

19- قال أويس القرني لهرم بن حيان: وإذا قمت فادع الله أن يصلح لك قلبك ونيتك، فلن تعالج شيئاً أشد عليك منهما.[ صفة الصفوة (2/31).]

20- سأل رجل سعيد بن المسيب فقال: إن أحدنا يصطنع المعروف يحب أن يحمد ويؤجر؟ فقال له: أتحب أن تُمقت؟ قال: لا، قال: فإذا عملت لله عملاً فأخلصه.[ إحياء علوم الدين (3/296).][الأنترنت – موقع معرفة الله - - أيمن الشعبان]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والتسعون بعد الثلاثمئة في موضوع   ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*كيف تعرف أن الله يحبك؟

   مما لا شك فيه أن كل مسلم ومسلمة يقول: "لا إله إلا الله" إلا هو يحب الله ورسوله؛

 فعن عتبان بن مالك قال: غدا علي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال رجل: أين مالك بن الدخشن؟ فقال رجل منا: ذلك منافق لا يحب الله ورسوله، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ألا تقولون أنه يقول لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله)، قال: بلى، قال: (فإنه لا يوافي عبد يوم القيامة به إلا حرم الله عليه النار) [رواه البخاري.]، ولكن الناس يتفاوتون في المحبة، فمن مقل ومستكثر، وكل واحد يبذل الأسباب التي يرى أنه سينال بها محبة الله، ولكن: "ليس الشأن أن تُحِب، إنما الشأن أن تُحَب"[ تفسير القرآن العظيم (1/477) لابن كثير.]؛ كما قال بعض العلماء الحكماء، وذلك أن كل إنسان يدعي محبة الله ورسوله.

وبما أننا لا نعرف أن فلاناً بذاته يحب الله إلا بنص من كتاب أو سنة صحيحة، ولن يكون ذلك إلا بوجود رسول، وبما أن الرسل قد ختموا بمحمد -صلى الله عليه وسلم-، فلا نبي بعده، فليس من الممكن أن نعرف أن فلاناً بعينه يحب الله، ولكن يمكننا أن نعرف أن الله قد أحب فلاناً من الناس إذا وجدت علامات ودلالات في الشخص تدل على ذلك، ومن هذه العلامات والدلالات التي تعرف بها أنك تحب الله

أو يحبك الله ما يلي:

أولاً: إذا كنت عاملاً بكتاب الله وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، توفرت فيك الصفات التي يحبها الله؛ فإن الله يحب المتقين،ويحب التوابين،ويحب الصابرين، ويحب المتوكلين، ويحب الذين يقاتلون في سبيله، ويحب المقسطين، ويحب المحسنين، فإذا كنت من هؤلاء فإنك تحب الله!.

وفي المقابل فإن الله –تبارك وتعالى- لا يحب المعتدين، ولا يحب المفسدين، ولا يحب المتكبرين، ولا يحب الكافرين، ولا يحب الفاسقين، ولا يحب الخائنين، فلتحذر أن تكون فيك صفة من هذه الصفات، فإذا وجدت فيك صفة من هذه الصفات فإن الله يبغضك.

ثانياً: تعرف أنك تحب الله إذا كنت تحب الله وتحب

 أسماءه وصفاته، وتثبت ذلك له كما أثبت لنفسه، وأثبت له رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ فقد بشر النبي -صلى الله عليه وسلم- الرجل الذي كان يحب سورة الإخلاص وقال: أحبها لأنها صفة الرحمن -عز وجل-، فقال: (أخبروه أن الله يحبه) [ رواه البخاري ومسلم.]،   قال ابن القيم-رحمه الله-: "فدل على أن من أحب صفات الله أحبه الله، وأدخله الجنة"[  مفتاح دار السعادة (1/77)]

ثالثاً: تعرف أن الله يحبك إذا كنت متبعاً لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، مطبقاً لسنته، مهتدياً بهديه؛

قال الله –تبارك وتعالى-: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ} سورة آل عمران(31)، قال الحسن البصري -رحمه الله- : "ادعى قوم أنهم يحبون الله فأنزل الله هذه الآية محنة لهم".

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانيةوالتسعون بعد الثلاثمئة في موضوع   ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :*كيف تعرف أن الله يحبك؟

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وقد بين الله فيها– أي في الآية- أن من اتبع الرسول فإن الله يحبه، ومن ادعى محبة الله ولم يتبع الرسول -صلى الله عليه وسلم- فليس من أولياء الله".

رابعاً: إذا كنت دائماً لهجاً بذكر الله تعالى، قال بعض السلف: "إن الله يحب أن يذكر على جميع الأحوال إلا في حال الجماع وقضاء الحاجة"[روضة المحبين ونزهة المشتاقين309]

خامساً: إذا كنت تحب القرآن الذي هو كلام الله، قال ابن مسعود -رضي الله-: "لا يسأل أحدكم عن نفسه إلا القرآن فإن كان يحب القرآن فهو يحب الله وإن كان يبغض القرآن فهو يبغض الله ورسوله"[ أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، صـ(64).]

 وقال سهل التستري: علامة حب الله حب القرآن"، وقال أبو سعيد الخراز: "من أحب الله أحب كلام الله ولم يشبع من تلاوته"[  زهة الأسماع في مسألة السماع، صـ(86). لابن رجب.] فإذا كنت فعلاً تحب القرآن فحرمت حرامه، وأحللت حلاله، فإنك تحب الله ورسوله.

سادساً: إذا كنت تحب معالي الأمور وتكره سفاسفها، أي كنت ذا همة عالية؛ فقد قال حبيبك -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله يحب معالي الأخلاق، ويبغض سفسافها)[ أخرجه البيهقي والحاكم، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1378).]

سابعاً: إذا كنت تقياً نقياً خفياً؛ فعن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي)[ رواه مسلم. ]وعن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر -رضي الله عنه- خرج إلى المسجد فوجد معاذاً عند قبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يبكي، فقال: ما يبكيك؟ قال: حديث سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: (... ومن عادى أولياء الله فقد بارز الله بالمحاربة إن الله يحب الأبرار الأتقياء الأخفياء الذين إن غابوا لم يفتقدوا وإن حضروا لم يعرفوا، قلوبهم مصابيح الهدى يخرجون من كل غبراء مظلمة)[ رواه ابن ماجه والحاكم والبيهقي في كتاب الزهد، وقال الحاكم: "صحيح وله علة".]

ثامناً: إذا كنت ممن تحب لقاء الله فإن الله يحبك؛ فعن عائشة -رضي الله عنه- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه)، فقلت: يا نبي الله أكراهية الموت؟ فكلنا نكره الموت، فقال: (ليس كذلك ، ولكن المؤمن إذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا بشر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله وكره الله لقاءه)[ رواه مسلم. ] قال ابن رجب -رحمه الله-: "فالمطيع لله مستأنس بربه فهو يحب لقاء الله، والله يحب لقاءه، والعاصي مستوحش بينه وبين مولاه وحشة الذنوب، فهو يكره لقاء ربه ولا بد له منه"[ لطائف المعارف، صـ321]

تاسعاً: إذا كنت محققاً لعقيدة الولاء للمؤمنين والبراءة من الكافرين؛ رحيماً بالمؤمنين، عزيزاً على الكافرين، مجاهداً في سبيل الله؛ قال الله تعالى: {... فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ} سورة المائدة(54).

هذه من العلامات الدالة على حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، نسأل الله أن يجعلنا ممن يحبه، اللهم ارزقنا حبك وحب من يحبك وحب العمل الذي يقربنا إليك يا عزيز يا حكيم..[ الأنترنت – موقع إمام المسجد]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثةوالتسعون بعد الثلاثمئة في موضوع   ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*لماذا نتعرف على الله ؟

لا ينكر مسلم أن الغاية التي خلقنا الله من أجلها هي

 أن نعبده وحده لا شريك له.{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ

وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]فهذه هي الغاية التي خلقنا الله من أجلها, وترى من حولك تخلف الكثير من المسلمين عن هذه الغاية التي خلقوا من أجلها, وهذا واضح في انتشار الذنوب والمعاصي والمنكرات والفساد في واقع حياة الناس.

فما هو السبب في هذا؟

العامل الأساس في هذا الذي نراه من كثرة الذنوب وانتشار الفواحش, هوجهل الناس برب العالمين.

عدم معرفة الناس بربهم, وعدم التعرف عليه أصلا. مع أن أغلى علم يمكن أن يتعلمه الإنسان في حياته بل هو المقصود من وجودنا في الحياة أن نتعرف على الله .{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

 وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا}[الطلاق:12]

يخبر تعالى أنه “خلق الخلق من السماوات السبع ومن فيهن والأرضين السبع ومن فيهن، وما بينهن، وأنزل الأمر، وهو الشرائع والأحكام الدينية التي أوحاها إلى رسله لتذكير العباد ووعظهم، وكذلك الأوامر الكونية والقدرية التي يدبر بها الخلق، كل ذلك لأجل أن يعرفه العباد ويعلموا إحاطة قدرته بالأشياء كلها، وإحاطة علمه بجميع الأشياء فإذا عرفوه بأوصافه المقدسة وأسمائه الحسنى وعبدوه وأحبوه وقاموا بحقه، فهذه الغاية المقصودة من الخلق والأمر معرفة الله وعبادته، فقام بذلك الموفقون من عباد الله الصالحين، وأعرض عن ذلك، الظالمون المعرضون”[تفسير السعدي]

فالإنسان في أوَّل الطريق عليه أن يتعرّف إلى الله رب

 العالمين وأن يلْتَفِت إلى الكون لِيَرى عظمة الخالق ، فإذا عرف عظمة الخالق هانَ عليه طاعتهُ مهما كان ثمنها باهظًا

   إذا عرفت الآمر قبل الأمر هان عليك أمرهُ، فإذا تعرَّفْت إلى أمرهِ قبل أن تتعرَّف إليه صَعُب عليك أمره وهذه هي المشكلة، أننا نستقبل الأوامر دون تعرف على الذي أمرنا بها فتهون علينا الأوامر فنتهاون في تطبيقها.

النبي عليه الصلاة والسلام أمضى مع صحابته الكرام بضْع عشرة سنة يُعَرِّفهم بالله سبحانه وتعالى ، ويَلْفِتُ نظرهم إلى الكون، وإلى التعرف على رب العالمين. والله تعالى دعانا في كتابه للتعرف عليه في آيات عديدة

قال تعالى : { قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ

 وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} [يونس : 101]

وقال:{والشمس وضحاها * والقمر إذا تلاها * والنهار إذا جلاها * والليل إذا يغشاها * والسماء وما بناها * والأرض وما طحاها * ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها * قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها}[الشمس:1-9] وقال:{أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ * أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ

 رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}[النمل:60-63]

هذه الآيات وغيرها إذا الْتَفَتْنا إليها، وعرفنا مدلولاتها، وعرفنا الخالق العظيم الذي خلقها, والمُرَبِّي الكريم الذي أمدّها، والمُسيِّر الحكيم الذي سيَّرَها, إذا عرفناه حقّ المعرفة هان علينا أن نترك كلّ شيءٍ من أجله.

فإن العبد إذا عرف ربه معرفة حقيقية, سهل عليه تطبيق أمره طواعية. [الأنترنت – موقع الكلم الطيب]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والتسعون بعد الثلاثمئة في موضوع   ( الله ) والتي ستكون بعنوان :

*الحب في الله .. فضله وأسبابه

   قال - تعالى -: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 165 - 167].

 وقال - تعالى -: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ [المائدة: 55، 56].

  وقال - تعالى -: ﴿ وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال: 62، 63]. وقال - تعالى -: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الفتح: 29].

 وقال - تعالى -: ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ

 قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ

حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 9، 10].

   وعن أنسٍ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ثلاث مَن كنَّ فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: مَن كان الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار))[ البخاري (16)، ومسلم (43) واللفظ له، وأحمد (12021)، والترمذي (2624)، وابن ماجه (4033)، والنسائي (4987).]

وعن أنس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم :(لا يؤمن أحدكم حتى

 أكونَ أحبَّ إليه من والده وولده والناس أجمعين))

[ البخاري (15)، ومسلم (44).]

وعن عبدالله بن هشام قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو آخذٌ بيد عمر بن الخطاب، فقال له عمر: يا رسول الله، لأنت أحب إليَّ من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(لا والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك)،فقال له عمر: فإنه الآن، والله لأنت أحب إليَّ من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (الآن يا عمر)[ البخاري (6632)، وأحمد في "المسند" (18076).]

عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (مَن أحب - وقال هاشم: مَن سرَّه - أن يجد طعم الإيمان، فليحب المرء لا يحبه إلا لله - عز وجل)[ حسن: رواه أحمد في "المسند" (7954) تعليق شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن، والحاكم في "المستدرك"، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (6288)، والصحيحة (2300) من رواية ابن نصر والبزار.]

  إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والتسعون بعد الثلاثمئة في موضوع   ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :*الحب في الله .. فضله وأسبابه

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (سبعة يظلهم الله - تعالى - في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عدل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابَّا في الله اجتمعا عليه وتفرَّقا عليه، ورجل دَعَته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما

تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه))

[البخاري (660،1423)، ومسلم (1031)، وأحمد في "المسند" (9663)، والترمذي (2388)، والنسائي (5380)] ((اجتمعا عليه)): اجتمعت قلوبهما وأجسادهما على الحب في الله، ((تفرقا)): استمرا على تلك المحبة حتى فرَّق بينهما الموت.

 وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي، يوم لا ظل إلا ظلي))[ مسلم (2566)، وأحمد في "المسند" (10923)، تعليق شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين، ومالك في "الموطأ" (1500)، والدارمي (2757).]

وعن معاذ بن جبل قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((قال الله - عز وجل -: المتحابون في جلالي لهم منابر من نور، يغبطهم النبيون والشهداء))[ حسن صحيح: رواه الترمذي (2390)، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وصحَّحه الألباني.]

 وعن أبي إدريس الخولاني قال: دخلت مسجد دمشق الشام، فإذا أنا بفتًى برَّاق الثنايا، وإذا الناس حوله، إذا اختلفوا في شيء، أسندوه إليه وصدروا عن رأيه، فسألت عنه، فقيل: هذا معاذ بن جبل، فلما كان الغد هجَّرت فوجدته قد سبقني بالهجير - وقال إسحاق: بالتهجير - ووجدته يصلي، فانتظرته حتى إذا قضى صلاته، جئته من قِبَل وجهه، فسلَّمت عليه، فقلت له: والله إني لأحبك لله - عز وجل - فقال: ألله؟! فقلت: ألله، فقال: ألله؟! فقلت: ألله، فأخذ بحبوة ردائي فجبذني إليه، وقال: أبشرْ؛ فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((قال الله - عز وجل -: وجبت محبتي للمتحابين فيَّ، والمتجالسين فيَّ، والمتزاورين في، والمتباذلين في))[ صحيح: رواه أحمد في "المسند" (22083)، قال الشيخ شعيب الأرناؤوط: حديث صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير إسحاق بن عيسى، فمن رجال مسلم]

 وعن أنس بن مالك قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، متى الساعة؟ قال: ((وما

 أعددتَ للساعة؟))، قال: حبَّ اللهِ ورسوله، قال: ((فإنك مع من أحببتَ))[ البخاري (6171)، مسلم (2639)، واللفظ له.]

، قال أنس: فما فرِحْنا بعد الإسلام فرحًا أشد من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((فإنك مع من أحببت))، قال أنس: فأنا أحب الله ورسوله، وأبا بكر وعمر، فأرجو أن أكون معهم، وإن لم أعمل بأعمالهم.

   وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أن رجلاً زار أخًا له في قرية أخرى، فأرصد الله له على مدرجته ملكًا، فلما أتى عليه، قال: أين تريد؟ قال: أريد أخًا لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه من نعمةٍ تَرُبُّها؟ قال: لا، غير أني أحببته في الله - عز وجل، قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه[ مسلم (2567)، وأحمد في "المسند" (9959)..]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والتسعون بعد الثلاثمئة في موضوع   ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيتين والتي هي بعنوان :*الحب في الله .. فضله وأسبابه

وعن عمر بن الخطاب قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن من عباد الله لأناسًا ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله تعالى))، قالوا: يا رسول الله، تخبرنا مَن هم؟ قال: ((هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم، ولا أموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور، وإنهم على نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس)) وقرأ هذه الآية: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [يونس: 62][ صحيح: رواه أبو داود (3527)، وابن حبان (573) قال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح.] وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ما تحابَّا الرجلان إلا كان أفضلهما أشدهما حبًّا لصاحبه))[ رواه البخاري في "الأدب المفرد" (544)، وابن حبان (566)، وأبو يعلى في "مسنده" (3419)، والطبراني في "الأوسط" (2899)، وصححه الألباني في "الصحيحة " (450).]

  وعن عبدالله بن الصامت عن أبي ذر، قال: قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه؟ قال: ((تلك عاجل بشرى المؤمن))[ مسلم (2642)، وأحمد (21417).]، وفي رواية: أرأيت الرجل يعمل العمل يحبه الناس عليه؟ قال: ((تلك عاجل بشرى المؤمن))[ صحيح: رواه أحمد في "المسند" (21438)، تعليق شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين، غير عبدالله بن الصامت فمن رجال مسلم، وابن ماجه (4225)، وابن حبان (366).]

وعن أبي أمامة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((مَن أحبَّ لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان))[ صحيح: رواه أبو داود (4681)، وصححه الألباني.]

   وعن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه))[ البخاري (13)، واللفظ له، ومسلم (45).]

وعن البراء بن عازب قال: كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((أتدرون أي عرى الإيمان أوثق؟))، قلنا: الصلاة، قال: ((الصلاة حسنة، وليست بذلك))، قلنا: الصيام، فقال مثل ذلك، حتى ذكرنا الجهاد، فقال مثل ذلك، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أوثق عرى الإيمان الحب في الله - عز وجل - والبُغْض في الله))[ حسن: رواه أحمد في المسند، وابن أبي شيبة في مصنفه، والبيهقي في الشعب، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2009).]

وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله والمعاداة في الله، والحب في الله والبغض في الله - عز وجل))[ صحيح: رواه الطبراني في الكبير، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2539) عن ابن عباس - رضي الله عنهما.]

   وعن ابن عمر قال: "فإنك لا تنال الولاية إلا بذلك، ولا تجد طعم الإيمان حتى تكون كذلك".وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "من أحب في الله وأبغض في الله، ووالى في الله، وعادى في الله، فإنما تُنال ولاية الله بذلك، ولن يجد عبدٌ طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه، حتى يكون كذلك، وقد صارت جميع مؤاخاة الناس على أمر الدنيا، وذلك لا يجدي على أهله شيئًا"[ رواه الإمام عبدالله بن المبارك في "الزهد" (ص: 120)..]

  إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والتسعون بعد الثلاثمئة في موضوع   ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :*الحب في الله .. فضله وأسبابه

ويقول الإمام ابن تيمية - رحمه الله -:"بل قد قال - تعالى -:﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة: 24]، فانظر إلى هذا الوعيد الشديد الذي قد توعَّد الله به مَن كان أهلُه وماله أحبَّ إليه من الله ورسوله وجهاد في سبيله، فعلم أنه يجب أن يكون الله ورسوله والجهاد في سبيله أحبَّ إلى المؤمن من الأهل والمال والمساكن والمتاجر والأصحاب والإخوان، وإلا لم يكن مؤمنًا حقًّا.

  ومثل هذا ما في الصحيحين عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يجد أحد حلاوة الإيمان حتى يحب المرءَ لا يحبه إلا لله، وحتى أن يقذف في النار أحب إليه من أن يرجع في الكفر، وحتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما)، وهذا لفظ البخاري.

فأخبر أنه لا يجد أحدٌ حلاوة الإيمان إلا بهذه المحبات

الثلاث:

أحدها: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه من سواهما، وهذا من أصول الإيمان المفروضة التي لا يكون العبد مؤمنًا بدونها.

الثاني: أن يحب العبدَ لا يحبه إلا لله، وهذا من لوازم الأول.

والثالث: أن يكون إلقاؤه في النار أحب إليه من الرجوع إلى الكفر.

وكذلك التائب من الذنوب من أقوى علامات صدقِه في التوبة هذه الخصال: محبة الله ورسوله، ومحبة المؤمنين فيه، وإن كانت متعلقة بالأعيان ليست من أفعالنا كالإرادة المتعلقة بأفعالنا، فهي مستلزمة لذلك، فإن مَن كان الله ورسوله أحب إليه من نفسه وأهله وماله، لا بد أن يريد من العمل ما تقتضيه هذه المحبة، مثل إرادته نصر الله ورسوله ودينه، والتقريب إلى الله ورسوله، ومثل بغضه لمن يعادي الله ورسوله.

ومن هذا الباب ما استفاض عنه - صلى الله عليه وسلم - في الصحاح من حديث ابن مسعود وأبي موسى وأنس، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((المرء مع مَن أحب))، وفي رواية: "الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم"؛ أي: ولما يعمل بأعمالهم، فقال: ((المرء مع من أحب))، قال أنس: فما فرح المسلمون بشيء بعد الإسلام فرحهم بهذا الحديث، فأنا أحب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر، وأرجو أن يجعلني الله معهم، وإن لم أعمل عملهم.

  وهذا الحديث حق، فإن كون المحب مع المحبوب أمر فطري لا يكون غير ذلك، وكونه معه هو على محبته إياه؛ فإن كانت المحبة متوسطة أو قريبًا من ذلك، كان معه بحسب ذلك، وإن كانت المحبة كاملة، كان معه كذلك، والمحبة الكاملة تجب معها الموافقة للمحبوب في محابه، إذا كان المحب قادرًا عليها، فحيث تخلَّفت الموافقة مع القدرة يكون قد نقص من المحبة بقدر ذلك، وإن كانت موجودة.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والتسعون بعد الثلاثمئة في موضوع   ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :*الحب في الله .. فضله وأسبابه

  وحب الشيء وإرادته يستلزم بغضَ ضده وكراهته، مع العلم بالتضاد؛ ولهذا قال - تعالى -: ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ [المجادلة: 22]، فإن الإيمان بالله يستلزم مودته ومودة رسوله، وذلك يناقض مودَّة مَن حادَّ الله ورسوله، وما ناقض الإيمان فإنه يستلزم الذم والعقاب؛ لأجل عدم الإيمان، فإن ما ناقض الإيمان كالشك والإعراض وردة القلب، وبغض الله ورسوله، يستلزم الذم والعقاب؛ لكونه تضمن ترك المأمور مما أمر الله به رسوله،فاستحق تاركه الذم والعقاب،وأعظم الواجبات إيمان القلب،فما ناقَضَه استلزم الذم والعقاب؛لتركه هذا الواجب، بخلاف ما استحق الذم لكونه منهيًّا عنه كالفواحش والظلم، فإن هذا هو الذي يتكلم في الهم به وقصده، إذا كان هذا لا يناقض أصل الإيمان، وإن كان يناقض كماله، بل نفس فعل الطاعات يتضمن ترك المعاصي، ونفس ترك المعاصي يتضمن فعل الطاعات؛ ولهذا كانت الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فالصلاة تضمنت شيئين:

أحدهما: نهيها عن الذنوب.

والثاني: تضمنها ذكر الله وهو أكبر الأمرين، فما فيها من ذكر الله أكبر من كونها ناهية عن الفحشاء والمنكر، ولبسط هذا موضع آخر.

 والمقصود هنا أن المحبة التامة لله ورسوله تستلزم وجود محبوباته؛ ولهذا جاء في الحديث الذي في الترمذي : ((مَن أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان))، فإنه إذا كان حبه لله، وبغضه لله، وهما عمل قلبه، وعطاؤه لله، ومنعه لله، وهما عمل بدنه، دل على كمال محبته لله، ودل ذلك على كمال الإيمان؛ وذلك أن كمال الإيمان أن يكون الدين كله لله، وذلك عبادة الله وحده لا شريك له، والعبادة تتضمن كمال الحب وكمال الذل، والحب مبدأ جميع الحركات الإرادية، ولا بد لكل حي من حب وبغض، فإذا كانت محبته لمن يحبه الله، وبغضه لمن يبغضه الله، دل ذلك على صحة الإيمان في قلبه، لكن قد يقوَى ذلك وقد يضعف بما يعارضه من شهوات النفس وأهوائها، الذي يظهر في بذل المال الذي هو مادة النفس، فإذا كان حبه لله، وعطاؤه لله، ومنعه لله، دل على كمال الإيمان باطنًا وظاهرًا.

  وأصل الشرك في المشركين الذين فرَّقوا دينهم وكانوا شيعًا، إنما هو اتخاذ أنداد يحبونه كحب الله، كما قال - تعالى -: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ﴾[البقرة: 165]، ومَن كان حبه لله وبغضه لله، لا يحب إلا لله، ولا يبغض إلا لله، ولا يعطي إلا لله، ولا يمنع إلا لله، فهذه حال السابقين من أولياء الله، كما روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((يقول الله: مَن عادى لي وليًّا، فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بمثل أداء ما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، فبِي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله تردُّدي عن قبض نفس عبدي المؤمن؛ يكره

 الموت وأكره مساءته ولا بد له منه)).

  فهؤلاء الذين أحبوا الله محبة كاملة، تقربوا بما يحبه من النوافل، بعد تقربهم بما يحبه من الفرائض، أحبهم الله محبة كاملة حتى بلغوا ما بلغوه، وصار أحدهم يدرك بالله، ويتحرك بالله، بحيث إن الله يجيب مسألته، ويعيذه مما استعاذ منه"[ مجموع الفتاوى؛ للإمام ابن تيمية (10/750 - 755).]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والتسعون بعد الثلاثمئة في موضوع   ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :*الحب في الله .. فضله وأسبابه

ويقول ابن تيمية رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى:

"وليعلم أن المؤمن تجب موالاته وإن ظلمك واعتدى عليك، والكافر تجب معاداته وإن أعطاك وأحسن

إليك؛ فإن الله - سبحانه - بعث الرسل وأنزل الكتب ليكون الدين كله لله، فيكون الحب لأوليائه، والبغض لأعدائه، والإكرام لأوليائه، والإهانة لأعدائه، والثواب لأوليائه، والعقاب لأعدائه.

  وإذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشر، وفجور وطاعة، ومعصية وسنة وبدعة، استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير، واستحق من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشر، فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة، فيجتمع له من هذا وهذا، كاللص الفقير تقطع يده لسرقته، ويعطي من بيت المال ما يكفيه لحاجته.

   هذا هو الأصل الذي اتفق عليه أهل السنة والجماعة، وخالفهم الخوارج والمعتزلة ومَن وافقهم عليه، فلم يجعلوا الناس إلا مستحقًّا للثواب فقط، وإلا مستحقًّا للعقاب فقط، وأهل السنة يقولون: إن الله يعذب بالنار من أهل الكبائر مَن يعذبه، ثم يخرجهم منها بشفاعة مَن يأذن له في الشفاعة بفضل رحمته، كما استفاضت بذلك السنة عن النبي - صلى الله عليه وسلم –

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:

 "مَن أحب إنسانًا لكونه يعطيه، فما أحب إلا العطاء، ومَن قال: إنه يحب من يعطيه لله، فهذا كذب، ومحال ، وزور من القول، وكذلك مَن أحب إنسانًا لكونه ينصره، إنما أحب النصر لا الناصر، وهذا كله من اتباع ما تهوَى الأنفس، فإنه لم يحب في الحقيقة إلا ما يصل إليه من جلب منفعة أو دفع مضرة، فهو إنما أحب تلك المنفعة ودفع المضرة، وليس هذا حبًّا لله ولا لذات المحبوب، وعلى هذا تجري عامة محبة الخلق بعضهم مع بعض، لا يثابون عليه في الآخرة ولا ينفعهم، بل ربما أدى هذا للنفاق والمداهنة، فكانوا في الآخرة من الأخلاَّء الذين بعضهم لبعض عدو إلا المتقين، وإنما ينفعهم في الآخرة الحب في الله ولله وحده، وأما من يرجو النفع والضر من شخص، ثم يزعم أنه يحبه لله، فهذا من دسائس النفوس ونفاق الأقوال"[ "جامع الرسائل" (2/ 256).]

ويقول الشيخ عبدالرحمن السعدي في فتاواه:

"إن الله عقد الأخوة والموالاة والمحبة بين المؤمنين كلهم، ونهى عن موالاة الكافرين كلهم من يهود، ونصارى، ومجوس، ومشركين، وملحدين، ومارقين، وغيرهم ممن ثبت في الكتاب والسنة الحكم بكفرهم، وهذا الأصل متفق عليه بين المسلمين.

وكل مؤمن موحِّد تارك لجميع المكفِّرات الشرعية، فإنه تجب محبته وموالاته ونصرته، وكل مَن كان بخلاف ذلك، فإنه يجب التقرب إلى الله ببغضه ومعاداته، وجهاده باللسان واليد بحسب القدرة، فالولاء والبراء تابع للحب والبغض، والحب والبغض هو الأصل، وأصل الإيمان أن تحب في الله أنبياءه وأتباعَهم، وأن تبغض في الله أعداءه وأعداء رسله"[ الفتاوى السعدية (1/98)].

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الأربعمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات

 والتي هي بعنوان :*الحب في الله .. فضله وأسبابه

وسئل ابن باز في فتاوى نور على الدرب:

"علمنا بأن من أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله، فما معنى الحب في الله، وما معنى البغض في الله؟

الحب في الله أن تحب من أجل الله - تبارك وتعالى - لأنك رأيتَه ذا تقوى وإيمان فتحبه في الله، وتبغض في الله؛ لأنك رأيته كافرًا عاصيًا لله فتبغضه في الله، أو عاصيًا وإن كان مسلمًا فتبغضه بقدر ما عنده من المعاصي، هكذا المؤمن يتسع قلبه لهذا وهذا، يحب في الله أهل الإيمان والتقوى، ويبغض في الله أهل الكفر والشرور والمعاصي، ويكون قلبه متسِعًا لهذا وهذا، وإذا كان الرجل فيه خير وشر - كالمسلم العاصي - أحبه من أجل إسلامه، وأبغضه من أجل ما عنده من المعاصي، فيكون فيه الأمران الشعبتان: شعبة الحب والبغض، فأهل الإيمان وأهل الاستقامة يحبهم حبًّا كاملاً، وأهل الكفر يبغضهم بغضًا كاملاً، وصاحب الشائبتين - صاحب المعاصي - يحبه على قدر ما عنده من الإيمان والإسلام، ويبغضه على قدر ما عنده من المعاصي والمخالفات"[ نقلاً من موقع العلامة ابن باز - رحمه الله.]

قال الشيخ العلامة سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب - رحمة الله عليهم -:

"فهل يتم الدين أو يقام عَلَم الجهاد أو علم الأمر

بالمعروف والنهي عن المنكر، إلا بالحب في الله والبغض في الله، والمعاداة في الله والموالاة في الله، ولو كان الناس متفقين على طريقة واحدة، ومحبة من غير عداوة ولا بغضاء، لم يكن فرقان بين الحق والباطل ،ولابين المؤمنين والكفار، ولا بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان"[ "أوثق عرى الإيمان" (ص 38).]

وقال أبو الوفاء بن عقيل (513هـ) - رحمه الله -:

"إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان، فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع، ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك؛ وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة"

 *ومن أقوى أسباب حصول المحبة إفشاء السلام:

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أوَلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم))[ مسلم (54)، وأحمد في "المسند" (9707)، وأبو داود (5193)، والترمذي (2688)، وابن ماجه (68).]

وأيضاَ : الهدية:

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((تهادوا تحابوا))[ صحيح: رواه البخاري في "الأدب المفرد" (594) صحيح، و"الإرواء" (1601).]

وعن ثابت قال: كان أنس - رضي الله عنه - يقول: "يا بَنِي، تباذلوا بينكم؛ فإنه أود لما بينكم"[صحيح الإسناد موقوف: رواه البخاري في "الأدب المفرد" (595)، وقال الألباني: صحيح الإسناد.]

وأيضاً : إخبار المحب لمن يحب:

عن المقدام بن مَعْد يكرب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أحب أحدكم أخاه، فليُعلِمْه إياه))[ صحيح: رواه أحمد في "المسند" (17171)، والبخاري في "الأدب المفرد" (542)، والترمذي (2392)، قال الشيخ الألباني: صحيح.]

وفي رواية: ((إذا أحب أحدكم أخاه في الله، فليعلمه؛ فإنه أبقى في الألفة، وأثبت في المودة))[ حسن: رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان عن مجاهد مرسلاً، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (280)، والصحيحة (1199).]

وعن معاذ بن جبل قال: أخذ بيدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (إني لأحبك يا معاذ))، فقلت: وأنا أحبك يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  (فلا تَدَع أن تقول في كل صلاة: ربِّ، أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)[ صحيح: رواه أحمد في "المسند" (22172)، تعليق شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الصحيح، غير عقبة بن مسلم، وأبو داود (1522)، والنسائي (1303)، وصححه الألباني]

وعن أنس بن مالك أن رجلاً كان عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فمر به رجل، فقال: يا رسول الله، إني لأحب هذا، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أعلَمته؟))، قال: لا، قال: ((أعلِمْه))،قال: فلحقه، فقال: إني أحبك في الله، فقال: أحبك الذي أحببتني له[صحيح: رواه أحمد في "المسند" (12536)،] تعليق شعيب الأرناؤوط: حديث صحيح، وهذا إسناد حسن، وأبو داود (5125)، و"المشكاة" (5017)، قال الشيخ الألباني: حسن]

وأيضاً : الزهد فيما في أيدي الناس: عن سهل بن سعد الساعدي قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلٌ، فقال: يا رسول الله، دلَّني على عمل إذا أنا عملته أحبني الله وأحبني الناس، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ازهد في الدنيا يحبك الله،وازهد فيما في أيدي الناس يحبوك) [صحيح: رواه ابن ماجه (4102)، وصححه الألباني] [الأنترنت- موقع الألوكة - صلاح عامر قمصان ]

 إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة بعد الأربعمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان:

* تقدير الله وتعظيمه سبيل الفلاح

 

من عظم الله سبحانه وقدره حق قدره تحقق فلاحه ونجاحه وسعادته في دنياه وأخراه ، بل إنَّ تعظيمه سبحانه أساس الفلاح، وكيف يفلح ويسعد قلب لا يعظم ربه وخالقه وسيده ومولاه، ومن عظم الله عرف أحقية الله عز وجل بالذل والخضوع والخشوع والانكسار، وعظّم شرعه ، وعظّم دينه ، وعرف مكانة رسله. وهذا التعظيم لله سبحانه يعد أساسا متينا يقوم عليه دين الإسلام. بل إن روح العبادة في الإسلام هو التعظيم، وقد ثبت في الحديث الصحيح عن نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سيد ولد آدم إمام الأولين والآخرين وقدوة الخلائق أجمعين وأتقى الناس لرب العالمين - أنه صلوات الله وسلامه عليه كان يقول في ركوعه وسجوده بأبي هو وأمي صلوات الله وسلامه عليه :(( سُبْحَانَ ذِى الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ)) ، وكان يقول عليه الصلاة والسلام :((فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ)) ، وكان عليه الصلاة والسلام يقول في ركوعه :((سُبْحَانَ رَبِّىَ الْعَظِيمِ)) ، ويقول في سجوده :((سُبْحَانَ رَبِّىَ الأَعْلَى)) ، ويقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِى الْمِيزَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ)) .

ومن أسماء ربنا وخالقنا ومولانا الحسنى " العظيم " ، وهو جل وعلا عظيم في أسمائه ، وعظيم في صفاته ، وعظيم في أفعاله ، وعظيم في كلامه ، وعظيم في وحيه وشرعه وتنزيله ، بل لا يستحقّ أحدٌ التّعظيم والتكبير والإجلال والتمجيد غيره، فيستحق على العباد أن يعظّموه بقلوبهم وألسنتهم وأعمالهم، وذلك ببذل الجهد في معرفته ومحبّته والذّل له والخوف منه، ومن تعظيمه سبحانه أن يطاع فلا يُعصى، ويُذكر فلا يُنسى، ويُشكر فلا يُكفر، ومن تعظيمه وإجلاله أن يخضع لأوامره وشرعه وحكمه، وأن لا يُعترض على شيء من شرعه.

وهو جل وعلا عظيم مستحق من عباده أن يعظموه جل وعلا حق تعظيمه ، وأن يقدروه جل وعلا حق قدره ، قال الله تعالى: { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } [الزمر:67]، وفي الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال:((جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا محمد إنا نجد أن الله يجعل السموات على إصبع ، والأرضين على إصبع ، والشجر على إصبع ، والماء والثرى على إصبع ، وسائر الخلائق على إصبع فيقول: أنا الملك فضحك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى بدت نواجذه تصديقاً لقول الحبر ثم قرأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} )) .

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية بعد الأربعمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: * تقدير الله وتعظيمه سبيل الفلاح

وسبحان الله! أين ذهبتْ عقولُ هؤلاء المشركين حين صرفوا ذلّهم وخضوعهم وانكسارهم ورجاءهم وخوفهم ورغبهم ورهبهم وحبَّهم وطمعَهم إلى مخلوقات ضئيلة، وكائنات ذليلة، لا تملك لنفسها شيئاً من النّفع والضّر، فضلاً عن أن تملكه لغيرها، وتركوا الخضوع والذّل للربِّ العظيم والكبير المتعال، والخالق الجليل تعالى الله عمّا يصفون، وسبحان الله عمّا يشركون، وهو وحده المستحقّ للتعظيم والإجلال والتّألّه والخضوع والذّل، وهذا خالص حقّه، فمن أقبحِ الظُّلمِ أن يُعطى حقّه لغيره، أو يشرك بينه وبين غيره فيه، ومن اتّخذ الشركاء والأنداد له ؛ما قدر اللهَ حقَّ قدره، ولا عظّمه حقَّ تعظيمه، سبحانه وتعالى الذي عنت له الوجوه، وخشعت له الأصوات، ووجلت القلوب من خشيته، وذلّت له الرِّقاب، تبارك الله ربّ العالمين.

وإن من أعظم ما يعين العبد على تحقيق عبودية التعظيم للرب : أن يتفكّر في مخلوقات الله العظيمة وآياته - جل شأنه - الجسيمة الدالة على عظمة مبدعها وكمال خالقها وموجدها ، يقول جل شأنه{ مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا } [نوح:13] : أي لا تعظمونه حق تعظيمه !! {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا ، وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا ، أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ، وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا ، وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا ، ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا } [نوح: 13-18] .

إنها آيات عظام وشواهد جسام على عظمة المبدع

 وكمال الخالق { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ }[آل عمران:190]: أي براهين واضحات وشواهد بينات ودلائل ساطعات على عظمة المبدع وكماله جل شأنه، بادية لمن أبصرها وقد رقمت سطورها على صفحات المخلوقات يقرأها كل عاقل وغير كاتب نصبت شاهدة لله بالوحدانية والربوبية والعلم والحكمة والعظمة

تأمـل سطــور الكائنات فإنها ***من الملأ الأعلى إليك رسائـل

وقد خط فيها لو تأملت خطها ***ألا كل شيء ما خلا الله باطل.

إن تفكر المؤمن وتأمّله في آيات الله العظيمة ومخلوقاته الباهرة تهدي قلبه وتسوقه إلى تعظيم خالقه ، تفكر في هذه الأرض التي تمشي عليها والجبال المحيطة بك ، إن نظرة منك متجردة إلى هذه الأرض متفكراً فيها تجد أنها مخلوقات عظيمة ؛ عظمة تبهر القلوب، فإذا ما وسّعتَ النظر ونظرت فيما هو أعظم من ذلك وتأملت في السماء المحيطة بالأرض تتضاءل عندك هذه العظمة ؛ عظمة الأرض بالنسبة إلى عظمة السماء ، ثم إذا تأملت فيما هو أعظم وهو السماوات السبع المحيطة بهذه الأرض يزداد الأمر عظمة ، ثم إذا تأملت في ذلكم المخلوق العظيم الذي قال الله عنه في أعظم آية في كتاب الله قال جل شأنه - :{ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ } [البقرة:255]:أي أحاط بها ؛ فتتضاءل عظمة السماوات وعظمة الأرض أمام عظمة هذا المخلوق ، ثم تتضاءل هذه العظمة إذا تأمل العبد في النسبة بين عظمة الكرسي وعظمة العرش المجيد أوسع المخلوقات وأعظمها . فما بال الإنسان يتغافل ويتجاهل وينسى هذه الحقائق العظيمة والبراهين الساطعة !!

ثم يكون غافلا عن تعظيم ربه وخالقه ومولاه ، فترى في الناس ملحداً زنديقاً، وترى في الناس مشركاً منَدِّداً، وترى في الناس كافراً بربه ليس موحِّدا ، وترى في الناس مستهزئاً بشرع الله مستخفاً بدين الله ، وترى في الناس متهكماً ساخراً برسل الله ، { وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } [يوسف:103]، إلا القليل من عباد الله يوفقهم جل شأنه إلى تعظيم الخالق عز وجل ، فإذا عظّمت القلوب الله عظُم في النفس شرع الله، وعظُمت حرمات الله ، وصلحت أحوال العباد { ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ }[الحج:32]. إن تعظيم الله جل شأنه فرع عن المعرفة بالله جل وعلا ؛ فكلما كان العبد أعظم معرفة بالله كان أشد لله تعظيما وأشد له إجلالا وأعظم له مخافة وتحقيقا لتقواه جل شأنه ، وإذا عظّم القلب ربه خضع له سبحانه وانقاد لحكمه وامتثل أمره وخضع له جل شأنه. وجميع صنوف الانحرافات وأنواع الأباطيل والضلالات في جميع الناس منشؤها من ضعف التعظيم لله أو انعدامه في القلوب. وسيندم جميع هؤلاء يوم لقاء الله، فهو يوم عصيب لمن كان لا يؤمن بالله العظيم { وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ ، وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ ، يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ ، مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ ، هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ، خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ، ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ، ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ }[الحاقة:25-32]، والسبب في ذلك { إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ } [الحاقة:33].[ الأنترنت- موقع عبد الرزاق البدر ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة بعد الأربعمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان:

* صفات الله حقيقية وظاهرها مراد بما يليق بجلال الله وكماله

   قال الشيخ ابن باز : اطلعت على ما نشر في صحيفة الشرق الأوسط في عددها (3383) الصادر في 3/4/1408هـ للكاتب / 000000000  بعنوان (من أجل أن نكون أقوى أمة). وقد لفت نظري ما ذكره عن اختلاف السلف والخلف في بعض صفات الله وهذا نص كلامه:

(إلا أنه وردت في القرآن الكريم آيات تصف الله تعالى ببعض صفات المخلوقين، من مثل قوله تعالى: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ[سورة الفتح الآية 10.].،كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ[سورة القصص الآية 88.]، الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى[سورة طه الآية 5.]، وللعلماء في فهم هذه الآيات طريقتان: الأولى طريقة السلف، وهي: أن نثبت لله تعالى ما أثبت لنفسه، ولكن من غير تكييف ولا تمثيل ولا تعطيل واضعين نصب أعينهم عدم تعطيل الذات الإلهية عن الصفات، مع جزمهم بأن ظاهر هذه الآيات غير مراد، وأن الأصل تنزيه الله تعالى عن كل ما يماثل المخلوقين لقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ[سورة الشورى الآية 11.].

أما طريقة الخلف، فهي: تأويل هذه الكلمات وصرفها عن ظاهرها إلى المعنى، فتكون اليد بمعنى القدرة، والوجه بمعنى الذات، والاستواء بمعنى الاستيلاء والسيطرة ونفوذ الأمر؛ لأنه قام الدليل اليقيني على أن الله ليس بجسم ولقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ[سورة الشورى الآية 11.] وكل من الطريقتين صحيحة، مذكورة في الكتب المعتمدة للعلماء الأعلام. إلخ.

    وقد أخطأ -عفا الله عنا وعنه- في نسبته للسلف جزمهم بأن ظاهر هذه الآيات غير مراد، فالسلف رحمهم الله، ومن سار على نهجهم إلى يومنا هذا، يثبتون لله ما أثبته لنفسه من صفات الكمال، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم ويعتقدون حقيقتها اللائقة بجلاله من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل ولا تأويل لها عن ظاهرها ولا تفويض.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في رسالة الفتوى

 الحموية ما نصه: روى أبو بكر البيهقي في الأسماء والصفات بإسناد صحيح عن الأوزاعي قال: كنا -والتابعون متوافرون- نقول: إن الله تعالى ذكره فوق عرشه، ونؤمن بما وردت به السنة من الصفات، فقد حكى الأوزاعي وهو أحد الأئمة الأربعة في عصر تابعي التابعين الذين هم: مالك إمام أهل الحجاز، والأوزاعي إمام أهل الشام، والليث إمام أهل مصر، والثوري إمام أهل العراق، حكى شهرة القول في زمن التابعين بالإيمان بأن الله تعالى فوق العرش، وبصفاته السمعية، وإنما قال الأوزاعي هذا بعد ظهور مذهب جهم المنكر لكون الله فوق عرشه، والنافي لصفاته ليعرف الناس أن مذهب السلف كان يخالف هذا.

وروى أبو بكر الخلال في كتاب السنة عن الأوزاعي

 قال: سئل مكحول والزهري عن تفسير الأحاديث فقالا: أمرُّوها كما جاءت.

وروي أيضا عن الوليد بن مسلم قال: سألت مالك بن أنس وسفيان الثوري والليث بن سعد والأوزاعي عن الأخبار التي جاءت في الصفات فقالوا: أمروها كما جاءت، وفي رواية قالوا: أمروها كما جاءت بلا تكييف، وقولهم رضي الله عنهم: أمروها كما جاءت رد على المعطلة، وقولهم: بلا كيف رد على الممثلة.

والزهري ومكحول هما أعلم التابعين في زمانهما، والأربعة الباقون أئمة الدنيا في عصر تابعي التابعين ومن طبقاتهم حماد بن زيد، وحماد ابن سلمة وأمثالهما" إلى أن قال رحمه الله : وروى الخلال بإسناد كلهم أئمة ثقات عن سفيان بن عيينة، قال: سئل ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كيف استوى قال: "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، ومن الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ المبين، وعلينا التصديق". وهذا الكلام مروي عن مالك بن أنس تلميذ ربيعة بن أبي عبد الرحمن من غير وجه (ومنها) ما رواه الشيخ الأصبهاني وأبو بكر البيهقي عن يحيى بن يحيى قال: كنا عند مالك بن أنس فجاء رجل فقال يا أبا عبد الله الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى كيف استوى؟ فأطرق مالك برأسه حتى علاه الرحضاء ثم قال: "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. وما أراك إلا مبتدعا" فأمر به أن يخرج.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة بعد الأربعمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: * صفات الله حقيقية وظاهرها مراد بما يليق بجلال الله وكماله

ثم قال الشيخ ابن باز : فقول ربيعة ومالك: الاستواء غير مجهول، والكيف غيرمعقول، والإيمان به واجب، موافق لقول الباقين: أمروها كما جاءت بلا كيف، فإنما نفوا علم الكيفية ولم ينفوا حقيقة الصفة، ولو كان القوم قد آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم لمعناه على ما يليق بالله لما قالوا: الاستواء غيرمجهول، والكيف غير معقول. ولما قالوا: أمروها كما جاءت بلا كيف فإن الاستواءحينئذ لا يكون معلوماً بل يكون مجهولاً بمنزلة حروف المعجم، وأيضاً فإنه لا يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذ لم يفهم عن اللفظ معنى، وإنما يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا أثبتت الصفات.

وأيضاً فإن من ينفي الصفات الخبرية أو الصفات مطلقاً لا يحتاج إلى أن يقول: بلا كيف،فمن قال: أن الله ليس على العرش لا يحتاج أن يقول: بلا كيف، فلو كان مذهب السلف نفي الصفات في نفس الأمر لما قالوا: بلا كيف، وأيضا فقولهم: أمروها كما جاءت يقتضي إبقاء دلالتها على ما هي عليه فإنها جاءت ألفاظ دالة على معاني، فلو كانت دلالتها منفية لكان الواجب أن يقال أمروا لفظها مع اعتقاد أن الله لا يوصف بما دلت عليه حقيقة وحينئذ تكون قد أمرت كما جاءت ولا يقال حينئذ بلا كيف أو نفي الكيف عما ليس بثابت

 لغو من القول) ا هـ.

فهذا هو مذهب السلف في هذه المسألة وهو واضح في أنهم يثبتون لله سبحانه ما أثبته لنفسه في كتابه من صفات الكمال، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه، وأن ما تدل عليه الآيات والأحاديث الصحيحة مراد ومفهوم، ولكنهم لا يؤولونها ولا يكيفونها بل يكلون علم الكيفية لله سبحانه، ويعتقدون تنزيه الله سبحانه عن مماثلة المخلوقين. كما قال تعالى:لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ[سورة الشورى الآية 11.]

وكما قال عز وجل: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } . {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [سورة النحل الآية 74.]

أما قوله: "أما طريقة الخلف فهي تأويل هذه الكلمات

 وصرفها عن ظاهرها" إلى قوله: "وكل من الطريقتين

صحيحة مذكورة في الكتب المعتمدة للعلماءالأعلام" ا هـ.

أقول: هذا خطأ عظيم فليست كلتا الطريقتين صحيحة، بل الصواب أن طريقة السلف هي الصحيحة وهي

 الواجبة الاتباع؛ لأنها عمل بالكتاب والسنة، وتمسك بما درج عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون لهم

بإحسان من التابعين ومن تبعهم من الأئمة الأعلام، وفيها تنزيه الله سبحانه وتعالى عن صفات النقص بإثبات صفات الكمال وتنزيه الله سبحانه عن صفات الجمادات والناقصات والمعدومات، وهذا هو الحق، أما تأويلها على ما يقول علماء الخلف من أصحاب الكلام فهو خلاف الحق، وهو تحكيم للعقل الناقص، وقول على الله بلا علم، وفيه تعطيل الله جل وعلا من صفات الكمال، فهم فروا من التشبيه المتوهم في أذهانهم ووقعوا في التعطيل الذي هو في الحقيقة تشبيه لله سبحانه بالجمادات والمعدومات والناقصات كما تقدم، وتجريد له سبحانه من صفات الكمال التي وصف بها نفسه، أو وصفه بها رسله الكرام عليهم الصلاة والسلام، ونص عليها سبحانه في كتابه الكريم، وتمدح بها إلى عباده، وأرسل بها أفضل رسله وخاتم أنبيائه وفطر عليها الخلق.

ولو أن هؤلاء المتكلمين المتأولين ساروا على مذهب السلف الصالح، وأثبتوا لله صفات الكمال على الوجه اللائق بالله سبحانه، واكتفوا بنفي التكييف والتمثيل لأصابوا الحق، وفازوا بالسلامة من مخالفة الرسل، وتحكيم العقول التي لم تحط به علما.

والخلاصة: أن مذهب السلف هو الحق الذي يجب

 إتباعه والقول به، وأما ما ذهب إليه بعض علماء الخلف من تأويل نصوص صفات الله جل وعلا فهو باطل مخالف لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما عليه سلف الأمة.

فالواجب العدول عنه، والوقوف عند نصوص الكتاب والسنة وإثبات ما أثبتته ونفي ما نفته، مع الإيمان بأن ما دلت عليه من المعاني حق ثابت لله سبحانه، لا يشابهه فيه أحد من خلقه كما تقدم.

وقوله: "قام الدليل اليقيني على أن الله ليس بجسم" هذا الكلام لا دليل عليه؛ لأنه لم يرد في الكتاب ولا في السنة وصف الله سبحانه بذلك أو نفيه عنه، فالواجب السكوت عن مثل هذا؛ لأن مأخذ صفات الله جل وعلا توقيفي لا دخل للعقل فيه، فيوقف عند

 حد ما ورد في النصوص من الكتاب والسنة.

وبهذا يتضح خطأ قول الدكتور محيي الدين الصافي ما نصه: (لذا فإن علينا أن نتفق أن من ذهب من علماء المسلمين في العالم الإسلامي الآن إلى الأخذ بإحدى الطريقتين فهو على صواب) إلى آخر ما قال؛ لأن الحق كما ذكرنا هو ما ذهب إليه السلف رحمهم الله، وما خالفه يعتبر باطلا يجب تركه وبيان بطلانه وإظهار الحق للناس، وهو من التعاون على البر والتقوى، ومن إنكار المنكر، ومن الدعوة إلى الحق.

والله المسئول أن يوفقنا وجميع المسلمين للفقه في دينه والثبات عليه، والسير على ما دل عليه كتاب الله العزيز وسنة رسوله الناصح الأمين عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم، وعلى ما درج عليه سلف الأمة في باب أسماء الله وصفاته وفي جميع أبواب الدين، وأن يوفق أخانا الكاتب/0000 للرجوع إلى الحق والتمسك به وترك ما خالفه، إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.

 [ الأنترنت – موقع الشيخ ابن باز]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة بعد الأربعمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان:

*لفظ الجلالة "الله" أعرف المعارف عند سيبويه

  يرى كثير من علماء العقيدة أن اسم الجلالة "الله": علم على الذات الواجب الوجود، المستحق لجميع المحامد، وهو أشهر أسمائه تعالى، وقيل: إنه اسم الله الأعظم، الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دُعي به أجاب، إذا وُجد شرطه وهو التقوى؛ ولذا قبض الله تعالى عنه الألسن، فلم يتسَمَّ به أحد، قال تعالى:     ﴿ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾ [مريم: 65]؛ أي: هل تعلم أحدًا من المخلوقات سُمِّيَ الله؟ والاستفهام بمعنى النفي؛ أي: لم يتسَمَّ به غيره

ومَن يطلع على آراء علماء العقيدة والفقه في جُلِّ مؤلفاتهم يجد أنهم يهتمون بمسائل شتى، تدور حول لفظ الجلالة "الله"، وفي كثير من هذه المسائل - على الرغم من اختلافهم في بعضها - نجدهم يركنون إلى رأي سيبويه اللغوي؛ ليسعفهم في سد هُوَّة الخلاف العقدي.

ولفظ الجلالة "الله" هو اسم - في لغة العرب - دال

على الذات الإلهية، الجامعة لجميع صفات الكمال، والمنزهة عن أيِّ صفة من صفات النقصان التي لا تليق بكمال الألوهية والربوبية، وهو أعظم أسماء الله الحسنى، وأجمعها، وأشهرها، وأبهرها، حتى إن الأسماء كلها تضاف إليه، وتُعرَّف به، فيقال: الرحمن الرحيم من أسماء "الله"، والقدوس والسلام من أسماء "الله"، ولا يقال: "الله" من أسماء الرحمن، قال الله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [الأعراف: 180]، و"الله" اسم لم يسمَّ به غير الخالق سبحانه وتعالى، ولم يجسر أحد من المخلوقين على أن يتسمى به، إنه علم على واجب الوجود، المعبود بحق، وهو أعرف المعارف على الإطلاق، وأجمَعَ علماء العقيدة والفقهاء وغيرهم على موافقة ما ذكره سيبويه؛ أن لفظ الجلالة "الله" أعرف المعارف ، وقيل: إن سيبويه رُئِيَ في المنام، فقيل له: ما حالك عند الله؟ فقال: قد غفر لي؛ لأني جعلت أعرف المعارف: "الله"

[ينظر : البهجة في شرح التحفة، للتسولي (1/ 15)، وينظر: حاشية الجمل على المنهج لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري، للشيخ سليمان الجمل،، ومعنى لا إله إلا الله، للزركشي، تحقيق: علي محيي الدين علي القره داغي، ، ولوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية، للسفاريني، مؤسسة الخافقين،وينظر: اللباب في علوم الكتاب، لابن عادل، (1/ 138)، وفتح رب البرية في شرح نظم الآجرومية، لابن مساعد الحازمي، (1/ 427)، ونهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، لشمس الدين الرملي الشهير بالشافعي الصغير، (1/ 21)، وتيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد، لسليمان بن عبدالله آل الشيخ، دراسة وتحقيق: زهير الشاويش، (1/ 13)، وغيرها.] [الأنترنت – موقع الألوكة -  أ. د. عبدالله أحمد جاد الكريم حسن]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة بعد الأربعمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان:

*الأدب مع الله جل جلاله

الحمد لله المحمود بكل لِسان، المعبود في كل زمان،

 الذي لا يَخلو مِن عِلمه مكان، ولا يشغله شأنٌ عن شان، جلَّ عن الأشباه والأنداد، وتنزَّه عن الصاحِبة والأولاد، ونفَذ حُكمه في جميع العباد، لا تَمثَّلُه العقول بالتفكير، ولا تتوهَّمُه القلوب بالتصوير؛ ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11]. له الأسماء الحسنى، والصفات العلا؛ ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى*لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى*وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى

 * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [طه: 5 - 8].

أحاط بكل شيء عِلمًا، وقهَر كل مَخلوق عِزَّةً وحُكمًا، ووَسِع كل شيء رحمةً وعِلمًا؛ ﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ﴾ [طه: 110]، موصوف بما وصَف به نفسه في كتابه العظيم، وعلى لسان نبيه الكريم،صلى الله عليه وعلى آله وصحبِه وسلَّم تسليمًا مزيدًا.

من الأدب مع الله - جل جلاله - الآتي:

الأدب الأول:

   الإيمان بالقلب، والنُّطق باللسان: أن الله إله واحد، لا إله غيره، ولا شبيه له، ولا نظير له، ولا ولَد له، ولا والد له، ولا صاحِبة له، ولا شريك له.

ليس لأوَّليته ابتداء، ولا لآخِريَّته انقضاء، لا يَبلغ كنه صفته الواصفون، ولا يُحيط بأمره المتفكِّرون، يعتبر المُتفكِّرون بآياته، ولا يتفكرون في ماهية ذاته[ مِن مُقدِّمة "رسالة ابن أبي زيد القيرواني".]، ﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255].

الأدب الثاني:

الإيمان بما وصَف به نفسَه في كتابه، وبما وصفه به

رسوله - صلى الله عليه وسلم - نحو قوله - صلى الله عليه وسلَّم -: ((يَضحك الله إلى رجلَين يَقتُل أحدهما الآخَر، كلاهما يَدخل الجنة))؛ [البخاري: 2826، ومسلم: 1890.] مِن غير تحريف ولا تعطيل، ومِن غير تكييف ولا تَمثيل، ولا تعطيل ولا تشبيه.

الأدب الثالث:

التصديق بكل ما أخبَر به - سبحانه - في كتابه العظيم، أو على لسان رسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم - عن أسمائه وصفاته وعن الآخِرة، وأنه - سبحانه - قد خلَق الجنَّة فأعدَّها دار خلود للمتقين، وخلق النار فأعدها دار خلود لمَن كفَر به وألحَد في آياته وكُتبِه ورسله، وجعلهم محجوبين عن رؤيته.

الأدب الرابع:

إخلاص العبادة له وحده لا شريك له في عبادته ولا نِدَّ ولا نظير، فأعظم الأدب: توحيد الله، والإخلاص له، وأعظم سوء الأدب: الشِّرك بالله وصَرْف بعض العِبادة لغيره سبحانه وتعالى يقول الله جل وعلا:     ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ﴾ [الإسراء: 23]، ويَقول - سبحانه -: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ﴾ [البينة: 5]، ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36].

الأدب الخامس:

التذلُّل والخضوع، والرهبة والرغبة والخشوع؛ قال –

 تعالى -: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا

رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾ [الأنبياء: 90].

الأدب السادس:

الخوف والرجاء والتوكُّل؛ قال - تعالى -: ﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 175]، وقال  تعالى : ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ﴾  [الطلاق: 3].

الأدب السابع:

امتثال ما أمَر به، واجتناب ما نهَى عنه، وتحكيمه في

كل شيء، والتسليم له في كل أمر، وأن يَخاف المُكلَّف مِن ذنوبه ومعاصيه، ويَعترف بتقصيره ونقصه وإسرافه على نفسه.

الأدب الثامن:

الحياء منه، وترك قبائح الذنوب، وعدم التقصير في الأوامر والحُقوق، والاعتراف له بالفضل والنِّعَم - سبحانه وتعالى - وحِفظ ذلك بالسرِّ والعلَن؛ قال

 رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الحياء كلُّه خير))[ مسلم: 37]

الأدب التاسع:

حَمدُه وشُكرُه؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله ليَرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيَحمده عليها، أو يَشرب الشربة فيَحمده عليها))[ مسلم: 2734.]

الأدب العاشر:

تعظيم شرعه ودينه؛ قال - سبحانه -: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ﴾ [الحج: 30]، وقال - سبحانه -: ﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32].

نسأل الله أن يَعصمِنا مِن البِدَع والفِتنة، ويُحييَنا على الإسلام والسنَّة، ويجعلنا ممن يلتزم بالأدب مع الله - جل جلاله - وممَّن يتَّبع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحياة، ويَحشرنا في زمرته بعد الممات برحمته وفضله... آمين.  [ الأنترنت – موقع الألوكة – ربيع شكير]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة بعدالأربعمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان: *حِـمـى الله

حِـمـى الله في القرآن

 قال تعالى :﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30)﴾ (سورة الحج) وقال﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ، وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ (سورة الأنعام151-152)

وقال ﴿لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا ، وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴾ (سورة الإسراء22-23)

وقال﴿وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ، إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ، وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا ،وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ، إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ، وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ، وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ،وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ، وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ، وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ، وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا ، كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا ﴾(سورة الإسراء26-38)

حِـمـى الله في السنة النبوية

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«ألا وإن لكل ملك ‏ ‏حمى ‏ ‏ألا إن ‏ ‏ حِـمـى الله في أرضه ‏ ‏محارمه ‏ ‏ألا وإن في الجسد ‏ ‏مضغة ‏ ‏إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب » صحيح البخاري

وقال :«الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهة فمن ترك ما شبه عليه من الإثم كان لما استبان أترك ومن ‏ ‏اجترأ ‏ ‏على ما يشك فيه من الإثم أوشك أن يواقع ما استبان والمعاصي ‏ ‏ حِـمـى الله ‏ ‏من يرتع حول

 ‏ ‏الحمى ‏ ‏يوشك أن يواقعه » صحيح البخاري

وقال :«أكبر الكبائر الإشراك بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين وقول الزور »صحيح البخاري

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة بعد الأربعمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: *حِـمـى الله

حمى الله عند المسلمين:

«‏إجتناب مَعَاصِيه وَمَحَارِمه وَيَكُون اِرْتِكَابهَا عَظِيمًا فِي نَفْسه » – ابن كثير، تفسير ابن كثير

«الْحُرْمَة مَكَّة وَالْحَجّ وَالْعُمْرَة وَمَا نَهَى اللَّه عَنْهُ مِنْ مَعَاصِيه كُلّهَا » – مجاهد بن جبر

درجات حِـمـى الله عند أهل السنة والجماعة:

تعظيم الأوامر والنواهي من الله لأنها فقط من الله تقتضي هذه الدرجة القيام بالأوامر من الله واجتناب النواهي من الله حباً وتعظيماً لله لأنه يستحق ذلك وليس حباً في النفس وخوفاً أن ينالها عذاب من الله أو ثواب منه أو خوفا من المجتمع أو الناس أو القانون فهذا يدخل في حب النفس وليس في حمى الله والله لا يرضى ذلك

«تعظيم الأمر والنهي لا خوفا من العقوبة فتكون خصومة للنفس ولا طلبا للمثوبة فيكون مستشرفا للأجرة ولا مشاهدا لأحد فيكون متزينا بالمراءاة.......

فالنفوس العلية الزكية تعبده لأنه أهل أن يعبد ويجل ويحب ويعظم فهو لذاته مستحق للعبادة ولا يكون العبد كأجير السوء إن أعطى أجره عمل وإن لم يعط لم يعمل فهذا عبد الأجرة لا عبد المحبة والإرادة » – ابن القيم، مدارج السالكين

الالتزام بما جاء عن الله في ذات الله:

الالتزام بما جاء عن الله أو ثبت عن محمد رسول الله في ذات الله على مراد الله بدون التكلف في التأويل أو تجاوز الحد في التمثيل أوالتشبيه بالمخلوقات أو التكييف بوضع هيئة معينه أو التعطيل والنفي لما أثبته الله لنفسه. حيث يتفق جميع الناس أن السبيل لمعرفة شكل أي شيء في الوجود ثلاثة طرق أن نرى هذا الشيء : و الله لم يراه أحد ولم يحدثنا عنه إلا هو في كتابه القرآن أو ما أوحى إلى محمد رسول الله لذلك يجب الالتزام بما جاء نصاً بدون أخد آراء العقلاء أو

الحكماء أو المبالغة في التأويل.

 لم يكون له شبيه أو مثيل لكي نقيس عليه ،و الله تعالى قطع الأطماع إلى ذلك فقال (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (سورة الشورى الآية 11)

«إجراء الخبر على ظاهره وهو أن تبقى أعلام توحيد

 العامة الخبرية على ظواهرها ولا يتحمل البحث عنها تعسفا ولا يتكلف لها تأويلا ولا يتجاوز ظواهرها تمثيلا ولا يدعي عليها إدراكا أو توهما » – ابن القيم، مدارج السالكين

عدم الاغترار بستر الله وحلمه وعدم أمن مكر الله وعقوبته﴿أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99)﴾ (سورة الأعراف)

«صاحب الانبساط والمشاهدة يداخله سرورلا يشبهه سرور البتة فينبغي له أن لا يأمن في هذا الحال المكر بل يصون سروره وفرحه عن خطفات المكر بخوف العاقبة المطوي عنه علم غيبها ولا يغتر » – ابن القيم، مدارج السالكين

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة بعد الأربعمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان: *جنود الله :

يؤمن المسلمون أن لله جنود ؛هم خلق من خلق الله يسخرهم الله لخدمة من يشاء من خلقه أو يرسلهم لإهلاك من يشاء من خلقه بحكمته وقدرته وإرادته ولا يعلمهم إلا الله.

ذكر جنود الله في القرآن الكريم :

  قال الله في القرآن الكريم : ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31)﴾ (سورة المدثر)

 وقال الله في القرآن الكريم : ﴿وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)﴾ (سورة الصافات) وقال الله في القرآن الكريم : ﴿وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (7)﴾ (سورة الفتح)

تسمية بعض جنود الله :

الملائكة والسكينة والرعب والصواعق

قال الله في القرآن الكريم : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9)﴾ (سورة الأحزاب)وقال الله في القرآن الكريم : ﴿أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (26)﴾ (سورة التوبة) وقال الله في القرآن الكريم : ﴿قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا (75)﴾ (سورة مريم)

وقال الله في القرآن الكريم : ﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)﴾ (سورة التوبة) وقال الله في القرآن الكريم : ﴿هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2)﴾ (سورة الحشر)

 وقال الله في القرآن الكريم : ﴿وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا ﴾ (سورة الأحزاب26)

 وقال الله في القرآن الكريم : ﴿وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ﴾( الرعد13)

الريح والصيحة والسيل :

 قال الله في القرآن الكريم : ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آَلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (34)﴾ (سورة القمر)

 وقال الله في القرآن الكريم : ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31)﴾ (سورة القمر)

 وقال الله في القرآن الكريم : ﴿فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16)﴾ (سورة سبأ)

 وقال الله في القرآن الكريم : ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ (16)﴾ (سورة فصلت)

وقال الله في القرآن الكريم : ﴿وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41)﴾ (سورة الذاريات)

وقال الله في القرآن الكريم : ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19)﴾ (سورة القمر)

الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم :

قال الله في القرآن الكريم : ﴿أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ

 وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آَيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ ﴾ (سورة الأعراف133)

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة العاشرة بعد الأربعمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان: أولياء الله

*أولياء الله في القرآن الكريم :

قال الله في القرآن الكريم : ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ، الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ، لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ (سورة يونس62-64)

 وقال الله في القرآن الكريم : ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا

يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)﴾ (سورة البقرة)

 وقال الله في القرآن الكريم : ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56)﴾ (سورة المائدة)

وقال الله في القرآن الكريم : ﴿هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا (44)﴾ (سورة الكهف)

صفات أولياء الله:

-الإيمان والتقوى:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إن الله قال ‏ ‏من عادى لي وليا فقد ‏ ‏آذنته ‏ ‏بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته » صحيح البخاري

وقال : «‏قال الله عز وجل ‏ ‏من أذل لي وليا فقد استحل محاربتي وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء الفرائض وما يزال العبد يتقرب إلي ‏ ‏بالنوافل ‏ ‏حتى أحبه إن سألني أعطيته وإن دعاني أجبته ما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن وفاته لأنه يكره الموت وأكره مساءته » مسند أحمد

وقال : «من عادى لله وليا فقد بارز الله بالمحاربة إن

 الله يحب الأبرار الأتقياء ‏ ‏الأخفياء الذين إذا غابوا لم يفتقدوا وإن حضروا لم يدعوا ولم يعرفوا قلوبهم مصابيح الهدى يخرجون من كل ‏ ‏غبراء ‏ ‏مظلمة » سنن ابن ماجه [الأنترنت – موقع المعرفة]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الحادية عشرة بعد الأربعمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان:

*مخلوقات الله تدل عليه !!

إن أكثر شيء يدل على وجود الله هو صنعته التي أحسن صنعها، ومخلوقاته التي برأها، ونعمه التي أسبغها على عباده المؤمن منهم والكافر !!

ولعل القرآن لكريم هو أبلغ شاهد على إعجاز الله وقدرته، فقد وضع الله فيه أخبار الآولين والآخرين، وكشف فيه غيبا لم يعرفه بنو الإنسان من قبل،

ونطرح هنابعض المعجزات التي وردت في القرآن الكريم وتدل بقوة على وجود الله،وعلمه السابق لكل أمر:

* تحير العلماء كثيرا في محاولة معرفة حقيقة مكونات معدن الحديد، حيث أن الطاقة التي تكفى لترابط جزيئاته تفوق الطاقة الموجودة في مجموعتنا الشمسية أربعة أضعاف ... وكان هذا غريبا جدا على العلماء ؛ إلا أنه لم يكن غريبا على علماء الإسلام الذين عاينوا قول الله عز وجل : " وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ " ( سورة الحديد : 25 ) .      فعرفوا من الفعل " أنزلنا " أن الحديد لم يكن من المكونات الأرضية وإنما نزل من السماء، وفي العصر الحديث يؤكد علماء المعادن أن مكونات الحديد بالفعل ليست من مكونات الأرض .

*ودعونا نغوص قليلا إلى أعماق البحر، حيث اكتشف علماء جيولوجيا البحار أن الصفات

 الجيولوجية للبحار هي نفسها التي ذكرها الله سبحانه ةتعالى في قوله :" أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ " ( سورة النور : 40 ) . وهذه حقيقة تم التوصل إليها بعد إقامة مئات من المحطات البحرية .. والتقاط الصور بالأقمار الصناعة .. وصاحب هذا الكلام هو البروفيسور شرايدر أحد أكبر علماء البحار بألمانيا الغربية ، والذي قال عندما سمع هذه الآيات: إن هذا لا يمكن أن يكون كلام بشر .. ويأتي بروفيسور آخر وهو دورجاروا أستاذ علم جيولوجيا البحار ليوضح لنا علميا صحة هذه الآيات فيقول : " لقد كان الإنسان في الماضي لا يستطيع أن يغوص بدون استخدام الآلات أكثر من عشرين مترا ولكننا نغوص الآن في أعماق البحار بواسطة المعدات الحديثة فنجد ظلامًا شديدًا على عمق مائتي متر ..

الآية الكريمة تقول ( بَحْرٍ لُّجِّيٍّ ) كما أعطتنا اكتشافات أعماق البحار صورة لمعنى قوله تعالى : ( ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ) فالمعروف أن ألوان الطيف سبعة ...منها الأحمر والأصفر والأزرق والأخضر والبرتقالي إلى آخره .. فإذا غصنا في أعماق البحر تختفي هذه الألوان واحدًا بعد الآخر .. واختفاء كل لون يعطي ظلمة .. فالأحمر يختفي أولا ثم البرتقالي ثم الأصفر .. وآخر الألوان اختفاء هو اللون الأزرق على عمق مائتي متر .. كل لون يختفي يعطي جزءا من الظلمة حتى تصل إلى الظلمة الكاملة .. أما قوله تعالى : ( مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ ) فقد ثبت علميا أن هناك فاصلا بين الجزء العميق من البحر والجزء العلوي .. وأن هذا الفاصل ملئ بالأمواج فكأن هناك أمواجا على حافة الجزء العميق المظلم من البحر وهذه لا نراها وهناك أمواج على سطح البحر وهذه نراها .. فكأنها موج من فوقه موج .. وهذه حقيقة علمية مؤكدة ولذلك قال البروفيسور دورجاروا عن هذه الآيات القرآنية : إن

 هذا لا يمكن أن يكون علما بشريا* .

هذا هو الله إذا كنت لم تعرفه بعد !! تدبر في آياته ومخلوقاته ! انظر إلى السماوات من يمنعها من السقوط ؟ انظر إلى ألأرض كيف جعلها مستوية تحت أقدامك ؟ انظر إلى كل شهيق وزفير تقوم به ، من يتحكم في تلك المنظومة ؟

إنه الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم

[الأنترنت – موقع معرفة الله - فريق عمل الموقع ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية عشرة بعد الأربعمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان:

*يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية

قول الله تعالى: ( يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء قل إن الأمر كله لله ) الآية. وقوله: ( الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء ) الآية.

قال ابن القيم في الآية الأولى: فسّر هذا الظن بأنه سبحانه لا ينصر رسوله، وأن أمره سيضمحل، وفسر بظنهم أن ما أصابهم لم يكن بقدر الله وحكمته، ففسر بإنكار الحكمة، وإنكار القدر،وإنكار أن يتم أمر رسوله، وأن يظهره الله على الدين كله. وهذا هو الظن السوء الذي ظنه المنافقون والمشركون في سورة الفتح، وإنما كان هذا ظن السوء؛ لأنه ظن غير ما يليق به سبحانه ، وما يليق بحكمته وحمده ووعده الصادق، فمن ظن أنه يديل الباطل على الحق إدالة مستقرة يضمحل معها الحق، أو أنكر أن يكون ما جرى بقضائه وقدره أو أنكر أن يكون قدره بحكمة بالغة يستحق عليها الحمد، بل زعم أن ذلك لمشيئة مجردة، فذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار.

وأكثر الناس يظنون بالله ظن السوء فيما يختص بهم وفيما يفعله بغيرهم، ولا يسلم من ذلك إلا من عرف الله وأسماءه وصفاته وموجب حكمته وحمده.

فليعتن اللبيب الناصح لنفسه بهذا، وليتب إلى الله ويستغفره من ظنه بربه ظن السوء، ولو فتشت من فتشت لرأيت عنده تعنتاً على القدر وملامة له، وأنه كان ينبغي أن يكون كذا وكذا، فمستقل ومستكثر، وفتش نفسك: هل أنت سالم؟

فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة  *** وإلا فإني لا إخالك ناجياً

  [الأنترنت – موقع معرفة الله- محمد بن عبد الوهاب ]

*وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة

ما جاء في قول الله تعالى: ( وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة ) الآية.

عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد! إنا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء على إصبع، والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، فيقول: أنا الملك. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، تصديقاً لقول الحبر، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة ) (124) الآية.

وفي رواية لمسلم: والجبال والشجر على إصبع، ثم يهزهن فيقول: أنا الملك، أنا الله. وفي رواية للبخاري: يجعل السماوات على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع) أخرجاه.

ولمسلم عن ابن عمر مرفوعاً: (يطوي الله السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك،أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين السبع ثم يأخذهن بشماله، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون.

وروي عن ابن عباس، قال: (ما السماوات السبع والأرضون السبع في كف الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم).

وقال ابن جرير: حدثني يونس، أنبأنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: حدثني أبي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما السماوات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس) قال: وقال أبو ذر رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاة من الأرض).

وعن ابن مسعود قال: (بين السماء الدنيا والتي تليها

خمسمائة عام، وبين كل سماء خمسمائة عام، وبين السماء السابعة والكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي والماء خمسمائة عام، والعرش فوق الماء، والله فوق العرش، لا يخفى عليه شيء من أعمالكم). [أخرجه ابن مهدي عن حماد بن سلمه عن عاصم عن زر عن عبدالله ورواه بنحوه عن المسعودي عن عاصم، عن أبي وائل، عن عبد الله. قاله الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى، قال: وله طرق]

وعن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هل تدرون كم بين السماء والأرض؟) قلنا: الله ورسوله أعلم قال: (بينهما مسيرة خمسمائة سنة، ومن كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة سنة وكثف كل سماء خمسمائة سنة، وبين السماء السابعة والعرش بحر بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض، والله سبحانه وتعالى فوق ذلك، وليس يخفى

 عليه شيء من أعمال بني آدم). أخرجه أبو داود وغيره.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة عشرة بعد الأربعمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون بعنوان:

*فصل في الإشارة إلى البراهين العقلية الفطرية على ربوبية الله وإلهيته

اعلم أن هذه المسألة أعظم المسائل على الإطلاق وأكبرها وأفضلها وأوجبها وأنفعها وأوضحها؛ وعليها اتفق جميع الكتب المنزلة وجميع الرسل، وهي أول وأهم ما دعت إليه الرسل أممهم، وأول ما يدعون قومهم يقولون

"اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ"ويذكرون لهم من

 أسمائه وأوصافه ونعمه وآلائه وألطافه ما به يعرفون ربهم ويخضعون له ويعبدونه والقرآن العظيم من أوله إلى آخره يبين هذه المسألة، ويذكر لها البراهين المتنوعة، ويصرف لها الآيات، والسنة كذلك.

  وليس القصد في هذا الفصل ذكر الأدلة النقلية عليها، فإنها واضحة جلية متقررة عند الخواص والعوام، وهي وحدها كافية وافية بالمقصود معرفة بالله جملة وتفصيلاً، ولكن نريد أن نشير إشارة يسيرة إلى أدلتها وبراهينها العقلية التي يخضع لها كل عاقل منصف، وينكرها كل مستكبر مكابر مباهت، وهذه المسألة أوضح وأظهر من أن يحتج لها وتذكر براهينها، ولكن كلما عرف المؤمن براهينها قويت في قلبه وازداد إيمانه ونمى إيقانه وحمد الله على هذه النعمة التي هي أعظم المنن وأجلها،

 ولهذا قالت الرسل عليهم السلام لأممهم:"أَفِي اللهِ شَكٌّ

. فاستفهموهم استفهام تقرير وأنه متقرر في قلوب جميع العقلاء، الاعتراف بالله وبربوبيته وتوحيده.

اعلم رحمك الله أنك إذا نظرت إلى هذا العالم العلوي والسفلي وما أودع فيه من المخلوقات المتنوعة، والحوادث المتجددة، فتأمل تأملاً صحيحاً أن الأمور الممكن تقسيمها في العقل ثلاثة:

1-إما أن توجد هذه المخلوقات بنفسها من غير محدث ولا خالق فهذا محال ممتنع يجزم العقل ببطلانه ضرورة، ويعلم يقيناً أن من ظن ذلك فهو إلى الجنون أقرب منه إلى العقل، لأن كل من له عقل يعرف أنه لا يمكن أن يوجد شيء من غير موجد ولا محدث.

2-وإما أن تكون هي المحدثة لنفسها الخالقة لها، فهذا

 أيضاً محال ممتنع بضرورة العقل، كل عاقل يجزم أن

 الشيء لا يحدث نفسه، وإذا بطل هذان القسمان عقلاً وفطرة تعين القسم الثالث.

3-وهو أن هذه المخلوقات والحوادث لها خالق خلقها ومحدث أحدثها وهو الرب العظيم الخالق لكل شيء،

 المتصرف في كل شيء، المدبر للأمور كلها، ولهذا نبه الله على هذا التقسيم العقلي الواضح لكل عقل:

"أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ"الطور آية 35 ، 36

، فالمخلوق لابد له من خالق، والأثر لابد له من مؤثر، والمحدث لابد له من محدث، والموجد لابد له من موجد، والمصنوع لابد له من صانع، والمفعول لابد له من فاعل.

هذه قضايا بديهية جلية يشترك في العلم بها جميع

العقلاء، وهي أعظم القضايا العقلية. فمن ارتاب فيها أو شك في دلالتها فقد برهن على اختلال عقله وضلاله.

تفكر في نفسك وانظر في مبدء خلقك من نطفة إلى علقة إلى مضغة حتى صرت بشراً كامل الأعضاء الظاهرة والباطنة.

  أما يضطرك هذا النظر إلى الاعتراف بالرب القادر على كل شيء، العليم الذي أحاط علمه بكل شيء، الحكيم في كل ما خلقه وصنعه، فلو اجتمع الخلق كلهم على النطفة التي جعلها الله مبدأ خلقك على أن ينقلوها في تلك الأطوار المتنوعة ويحفظوها في ذلك القرار المكين، ويجعلوا لها سمعاً وبصراً وعقلاً وقوى باطنة وظاهرة، وينموها هذه التنمية العجيبة. ويركبوها هذا التركيب المنظم، ويرتبوا الأعضاء هذا الترتيب المحكم، لو اجتمعوا على ذلك فهل في علومهم، وهل في اقتدارهم، وهل في استطاعتهم الوصول إلى ذلك؟ فهذا نظر يوصلك إلى الاعتراف بعظمة الله واقتداره والخضوع له والتصديق بكتبه ورسله، وهو دليل وبرهان عقلي وفطري اضطرت فيه الفطر إلى معرفة ربها وعبوديته.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة عشرة بعد الأربعمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:

*فصل في الإشارة إلى البراهين العقلية الفطرية على

 ربوبية الله وإلهيته

تأمل في حفظ الله للسموات والأرض وما فيهما من العوالم وفي إبقائها وإمدادها بكل ما تحتاج إليه في بقائها من الأسباب المتنوعة، أما يدلك ذلك على كمال الرب وكمال قوميته وربوبيته؟ وقد نبه تعالى على ذلك بقوله

"وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ"سورة الروم آية 25

،"إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولاَ وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا"سورة فاطر آية 41.

تدبر يا أخي في هذا الفلك الدوار، وفي تعاقب الليل والنهار، وفي تصريف الأوقات بفصولها ومنافعها، وفي كمال انتظامها لمصالح الخلق التي لا يمكن إحصاؤها، هل ذلك صدفة الطبيعة؟ وهل هذا حصل اتفاقاً؟ أم الذي خلق ذلك ودبره ذلك التدبير المتقن: هو الذي أحسن كل شيء خلقه،وصنع الله الذي أتقن كل شيء.

وانظر هداك الله إلى أنه أعطى كل شيء خلقه اللائق به، ثم هدى كل مخلوق إلى مصالحه وحوائجه وضروراته، حتى البهائم العجم صغيرها وكبيرها قد ألهمها وهداها لكل أمر فيه نفعها، ويسر لها أرزاقها وأقواتها فمن نظر في هدايته العامة، وبثه في كل مخلوق إلهاماً عجيباً يهتدي به إلى منافعه وضروراته، علم بذلك عنايته العظيمة، وعلم أنه الرب لكل مربوب الخالق لكل مخلوق،الذي علم المخلوقات وأعطاها من الأذهان ما يصلحها ويدفع عنها المضار، وذلك برهان عقلي عظيم على وحدانية الله وكماله،ولذلك لما أنكر فرعون رب العالمين وقال:"فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى ،قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى {طه 49،50

فاستدل عليه بهذا البرهان المشاهد لكل أحد؛ فهل في

 طبيعة الحيوانات كلها هذه الهداية إلى مصالحها التي لا تحصى أنواعها، وحنوها على أولادها، وقيامها بهم حتى يستقلوا بأنفسهم؟ وهل هذا الحنان والرحمة إلا من أكبر الأدلة على عظمته وسعة رحمته التي وسعت كل شيء؟.

ثم انظر رحمك الله إلى سعة رحمة الله التي ملأت أقطار العالم، وشملت كل مخلوق في كل أحواله، برحمته أوجد المخلوقات، وبرحمته حفظها وأمدها بكل ما تحتاج إليه، وأسبغ عليها النعم الظاهرة والباطنة التي لا يمكن مخلوقاً أن يخلو منها طرفة عين، وهي متنوعة عليه من كل وجه نعم العلم والتعليم لأمور الدين والدنيا، ونعم العافية للأبدان عموماً وللأعضاء كلها على وجه الخصوص، ونعم الأرزاق ونعم الأولاد والأتباع، ونعم الحروث والزروع والثمار، ونعم المواشي وأصناف الأمتعة، ونعم الدور والقصور، ونعم اللذات والحبور النعم التي فيها جلب المنافع كلها، والنعم التي فيها دفع المضار كلها، تدل أكبر دلالة على وحدانية مسديها والمنعم بها، وعلى وجوب شكره والإخلاص له"أَفَمَن يَّخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ" أفمن منه النعم كلها كمن هو فقير محتاج، مضطر؟

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة عشرة بعد الأربعمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيتين والتي هي بعنوان:

*فصل في الإشارة إلى البراهين العقلية الفطرية على

 ربوبية الله وإلهيته

  ثم انظر أحوال المضطرين الواقعين في المهالك والمشرفين على الأخطار والبائسين من فقرهم المفظع أو مرضهم الموجع، وكيف تضطرهم الضرورات وتلجئهم الحاجات إلى ربهم وإلههم داعين ومفتقرين، وسائلين له مستعطين فيجيب دعواتهم، ويكشف كرباتهم، ويرفع ضروراتهم، أليس في هذا أكبر برهان على وحدانيته وسعة علمه، وشمول رحمته، وكمال عطفه، ودقيق لطفه،"أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ حُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ" سورة النمل آية 62، "فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ "سورة العنكبوت آية 65

  وهذا قد شاهده الخليقة ورأوا بأعينهم من الوقائع ما

 لا يعد ولا يحصى وهذا يضطرهم إلى الاعتراف بالله وبوحدانيته فانظرإلى حالة المضطرين إذا كربتهم الشدائد كيف تجد قلوبهم متعلقة بالله، وألسنتهم ملحة في سؤاله وأفئدتهم مستشرفة لنواله، لا تلتفت عن الله يمنة ولا يسرة لعلمها الضروري أنه كاشف الشدائد، جالب الخير والفوائد، لا ملجأ منه إلا إليه، ولا معول للخليقة في جميع أمورها إلا عليه، فهل هذه الأمور إلا لأن الخليقة مفطورة على الاعتراف بوحدانية ربها؟ وأنه النافع الضار، وأن ملكوت كل شيء بيديه؟ إلا من فسدت فطرته بالعقائد الفاسدة والإرادات السيئة.

وانظر إلى فقر الخلائق كلهم على الله في كل شيء، فقراء إليه في الخلق والإيجاد، وفقراء إليه في البقاء

والرزق والإمداد، وفقراء إليه في جلب المنافع وفي دفع

المضار، فهم يسألون الله بلسان المقال، ولسان الحال،

"يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ" فيعطيهم مطالبهم، ويسعفهم في كل مآربهم، إن رغبوا لم يرغبوا إلا إليه، وإن مستهم الضراء لم يلجأوا إلا إليه، فكم كشف الضر والكروب، وكم جبر الكسير ويسر المطلوب، وكم أغاث ملهوفاً، وكم أنقذ هالكاً، ففقرهم إليه في كل الأحوال ظاهر مشاهد، وغناه عنهم في جميع الأمور لا ينكره إلا مكابر جاحد.

 ومن براهين وحدانية الباري وربوبيته إجابته للدعوات في جميع الأوقات، فلا يحصي الخلق ما يعطيه السائلين ، وما يجيب به أدعية الداعين من بر وفاجر، ومسلم وكافر تحصل المطالب الكثيرة، ولا يعرفون لها شيئاً من الأسباب، سوى الدعاء والطمع في فضل الله، والرجاء لرحمته وهذا برهان مشاهد محسوس، لا ينكره إلا مباهت مكابر، يدعونه في مطالب دينهم فيجيبهم، وفي مطالب دنياهم فيجيبهم"فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآَخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ * وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُوا"(سورة البقرة / 200 – 202)

  إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة عشرة بعد الأربعمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان:

*فصل في الإشارة إلى البراهين العقلية الفطرية على

 ربوبية الله وإلهيته

ومن براهين وجود الله ووحدانيته وربوبيته ما يجريه الله على أيدي أنبيائه من خوارق الآيات والمعجزات والبراهين القاطعات، وما يكرمهم به في الدنيا وينصرهم، ويجعل لهم العواقب الحميدة، ويخذل أعداءهم ويعذبهم بأصناف العذاب وهذا قد تواتر تواتراً لا يتواتر شيء مثله، وكل أحد يعرف ذلك. وآيات الأنبياء ومعجزاتهم وكرامات الله لهم نقلتها القرون والأجيال وصارت أعظم من برهان الشمس والقمر، وهي كلها براهين على ربوبية من أرسلهم وعظمة سلطانه وكمال قدرته وسعة علمه وحكمته، وما ينكرها إلا كل متكبر جبار.

   وإن أعظم براهين وحدانيته ما أنزله على أنبيائه عموماً من الكتب والشرائع العظيمة التي فيها صلاح الخلق وبها استقام دينهم وصلحت دنياهم وخصوصاً هذا القرآن الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم  خاتمهم وإمامهم، وفيه من البراهين والآيات ما لا يعبر عنه المعبرون، ولا يقدر أن يصفه الواصفون وآياته قائمة في جميع الأوقات متحدية للخلق كلهم على اختلاف أصنافهم، وقد تبين عجزهم ووضح غيهم،" سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ "سورة فصلت آية 53"وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى

وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ"سورة النحل آية 89.

  فمن نظر إلى ما احتوى عليه القرآن من الأخبار الصادقة والأحكام العادلة والشرائع المحكمة والصلاح العام وجلب المنافع الدينية والدنيوية ودفع المضار والخير العظيم، اضطر إلى الاعتراف بأنه تنزيل من حكيم حميد، ورب كريم.

   وكذلك من نظر إلى ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم  من الشرع الكامل والدين القويم والصراط المستقيم في كل شئونه، اضطره بعض ذلك، فكيف بكله؟ إلى الاعتراف بوحدانية الله وأن الذي شرعه هو الرب العظيم الحكيم في شرعه ودينه، كما هو حكيم في خلقه وتقديره.

ومن براهين وحدانية الله أن الفطر والعقول مضطرة إلى معرفتها بباريها والاعتراف بوحدانيته، فإن الخلق مفطورون على جلب المنافع ودفع المضار؛ ومن المعلوم لكل عاقل أن حاجة النفوس إلى خالقها وإلهها أعظم من جميع الحاجات، وضروراتها إليه تفوق كل الضرورات، فهي مضطرة إلى علمها بأنه خالقها وحده، مالكها وحده ومبقيها وحده، وممدها بمنافعها وحده،"فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ"

سورة الروم آية 30

   ولم يخرج عن هذه الفطرة إلا من اجتالتهم الشياطين وحولت فطرهم وغيرتها بالعقائد الفاسدة والخيالات الضالة والآراء الخبيثة والنظريات الخاطئة، فلو خلوا وفطرهم لم يميلوا لغير ربهم، منيبين إليه في جلب المنافع ودفع المضار ومنيبين إليه في التأله والانكسار، قال صلى الله عليه وسلم  : "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء؟ حتى تكونوا أنتم تجدعونها"

(رواه البخاري ومسلم وغيرهما)

    ومن براهين وحدانيته وكرمه ما هو مشهور في

 حوادث لا تعد ولا تحصى، من إكرام الله تعالى للواصلين لأرحامهم، وخلفه العاجل على المحسنين على المضطرين، والمنفقين لأجله على المحتاجين، وتعويضه لهم وفتحه لهم أبواباً وأسباباً وطرقاً بسبب ذلك الإحسان الذي له الموقع الطيب، وقد علم الخالق أن ذلك سببه تلك الأعمال الصالحة والمقدمات الحسنة، ألا يدلك ذلك على أن الله قائم على كل نفس بما كسبت، وأن هذا جزاء معجل وثواب حاضر، نموذج لثواب الآخرة؟ وأفراد ذلك ونوعه لا تدخل تحت الحصر، وهذا أمر لا يمتري فيه أحد قد رأى الناس من هذا عجائب.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة عشرة بعد الأربعمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان:

*فصل في الإشارة إلى البراهين العقلية الفطرية على

 ربوبية الله وإلهيته

 ونظير هذا البرهان العقوبات التي يعجلها الله للباغين والظالمين والمجرمين بحسب جرائمهم عقوبات يشاهدها الناس رأي العين ويعلمون ويتيقنون أن ذلك جزاء الجرائم. فمن تأمل وسمع الوقائع وأيام الله في الخلق وعلم ارتباطها بأسبابها الحسنة أو السيئة، علم بذلك وحدانية الله وربوبيته وكمال عدله وسعة فضله، فضلاً عن وجوده ووجوب وجوده، فإن كل ما دل على شيء من أوصافه أو أفعاله فإنه يتضمن إثبات ذاته ووجوب وجوده، وعلم استناد العوامل العلوية والسفلي إليه في إيجادها وإبقائها وحفظها وإمدادها وجميع أحوالها .

واعلم أن طرق معرفة الله واسعة جداً بحسب حاجة الخلق وضرورتهم إليها، وكل يعبر عنها بعبارات إما كلية وإما جزئية بحسب الحال التي تحضره وبحسب الأمور التي تغلب عليه، وإلا فكل ما خطر في القلوب وشاهدته الأبصار وأدركته المشاعر، وكل متحرك وساكن أدلة وبراهين على وحدانية الله.

وفي كـل شـيء لـه آية  *** تدل عـلى أنه واحد

 ولكن الجزيئات تسبق إلى الأذهان وتفهمها القلوب

 ويحصل بها النفع العاجل لسهولتها وبساطتها وكونها

تدرك بالبديهة، فلنذكر أمثلة وحكايات من هذا النوع

للمتقدمين ولأهل هذا العصر.

سئل بعضهم بم عرفت ربك؟ فقال: إن البعرة تدل على البعير وآثار السير تدل على المسير، فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج وبحار ذات أمواج، ألا تدل على اللطيف الخبير؟.

 واجتمع طائفة من الملاحدة ببعض أهل العلم أظنه أبي حنيفة قالوا له: ما الدلالة على وجود الصانع؟ فقال لهم دعوني فخاطري مشغول بأمر غريب قالوا له ما هو؟ قال: بلغني أن في دجلة سفينة عظيمة مملوءة من أصناف الأمتعة العجيبة، وهي ذاهبة وراجعة من غير أحد يحركها ولا يقوم عليها فقالوا له أمجنون أنت؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: إن هذا لا يصدقه عاقل. فقال لهم: صدقت عقولكم أن هذا العالم بما فيه من الأنواع والأصناف والحوادث العجيبة وهذا الفلك الدوار السيار يجري، وتحدث هذه الحوادث بغير محدث وتتحرك هذه المتحركات بغير محرك؟ فرجعوا على أنفسهم بالملام.

وقيل لبعضهم: بم عرفت ربك؟ فقال: هذه النطفة التي يلقيها الفحل برحم الأنثى فيطورها الله من نطفة إلى علقة إلى مضغة إلى آخر أطوارها فيكون بشراً سوياً كامل الأعضاء الظاهرة والباطنة، له سمع يسمع به المسموعات، وبصر يبصر به، وعقل يهتدي به إلى مصالحه، ويدان يبطش بهما؛ ورجلان يمشي بهما، وله منافذ يدخل فيها ما يغذي البدن وينفعه، ومنافذ أخر يخرج منها ما يضره، وقد ركب هذا التركيب العجيب الذي لو اجتمعت الخلق كلهم من أولهم إلى آخرهم على إيجاد شخص واحد على هذا الوصف المحكم الغريب لعجزت معارفهم وقدرهم على ذلك، أليس ذلك دليلاً وبرهاناً على وجود الخالق وعظمته وكبريائه قلت: وقد كرر الله هذه الآية في كتابه في أساليب متنوعة.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة عشرة بعد الأربعمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان:

*فصل في الإشارة إلى البراهين العقلية الفطرية على

 ربوبية الله وإلهيته

وقيل لبعضهم بم عرفت ربك؟ فقال: بنقض العزائم، ومعنى ذلك أن العبد يعزم عزماً مصمماً على أمر من الأمور وليس عنده فيه أدنى تردد، ثم بعد ذلك تنتقض همته وعزمه إلى أمر آخر قد يرى فيه مصلحته وما ذاك إلا لأن الله على كل شيء قدير، يصرف القلوب كما يدبر الأبدان وأنه لطيف بعبده فيصرفه عما يضره إلى ما ينفعه، ويدبر قلبه إلى ذلك.

   وسئل بعضهم بم عرفت ربك؟ فقال: كنت مكروباً فدعوته ففرج كربتي، وكنت فقيراً فسألته فأغناني، وكنت مريضاً فدعوته فشفاني، وكنت ضالاً عن الهدى فلطف بي وهداني، وليس هذا الأمر لي وحدي فكم له على عباده من أصناف النعم المشاهدة المحسوسة، من هذه الأنواع شيء كثير وهذا يضطر إلى معرفته والاعتراف بربوبيته وتربيته.

   وسئل آخر بم يُعرف الله؟ فقال: قد رأينا ورأى

الناس في الدنيا مصارع البغاة المجرمين وعواقبهم الوخيمة، كما رأوا حسن عواقبه في المحسنين.

 وقيل لآخر بم يُعرف الله؟ فقال: بإيصاله النعم إلى خلقه وقت الحاجة والضرورة إليها، هذا الغيث ينزله وقت الحاجة ويرفعه إذا خيف منه الضرر وهذا الفرج يأتي بعد الشدة، والمطالب بعد الاضطرار إليها، وهذه أعضاء الإنسان وقواه يعطيه الله إياها شيئاً فشيئاً بحسب حاجته إليها. فهل يمكن أن تكون هذه الأمور صدفة بغير اتفاق، أم يعلم بذلك علم اليقين أن الذي أعطاهم إياها وقت الحاجة والضرورة هو الرب المعبود

الملك المقصود؟.

 قلت ومن هذا الباب ما نحن فيه فإنه لما كانت معرفة الله يضطر إليها العباد ويحتاجونها في كل وقت فوق جميع الحاجات يسرها الله وفتح لعباده طرقها وأوضح لهم أدلتها، وليست حاجتهم إليها من الحوائج العارضة، وإنما هي من الحوائج الملازمة لهم في كل لحظة وساعة، فنسأله أن يمن علينا بعرفته وبالإيمان الكامل إنه جواد كريم.

 وقيل لبعضهم بأي شيء يعرف الله؟ فقال: يعرف بأنه علم الإنسان ما لم يعلم، خرج من بطن أمه لا يعلم شيئاً، فأعطاه آلات العلم ويسر له أسباب العلم، فلم يزل يتعلم أمور دينه حتى صار عالماً ربانياً، ولم يزل يتعلم أمور دنياه حتى صار ماهراً مخترعاً للعجائب، ويسر له كل سبب يوصله إلى ذلك، ومن عجيب الأمر أن اللوح إذا كتب فيه وشغل بشيء من الأشياء لم يسع غيرها، ولم يمكن أن يكتب فيه شيء آخر قبل محو ما كتب فيه أو لا، وقلب الإنسان لا يزال يحفظ من العلوم والمعارف المتنوعة، وكلما توسعت معارفه قويت حافظته واشتدت ذاكرته وتوسعت أفكاره، فهل هذه الأمور في طوق البشر وقدرتهم؟ أم هذا أكبر برهان على عظمة الله ووحدانيته وكماله وسعة رحمته؟.

 إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة عشرة بعد الأربعمئة في موضوع ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان:

*فصل في الإشارة إلى البراهين العقلية الفطرية على

 ربوبية الله وإلهيته

وقيل لبعضهم بم يعرف الله؟ فقال هذه النواة يغرسها

 الناس فيأتي منها النخيل والأشجار، وتخرج من الثمار العظيمة ما به ينتفع الخلق، وهذه الحبوب تلقى في الأرض فتخرج أصناف الزروع التي هي مادة أقوات العباد؛ ثم لا تزال تعاد وتغل كل عام أليس هذا أكبر برهان ودليل على وجود الله وقدرته وعنايته ورحمته.

قلت، وقد نبه الله على هذا المعنى الجليل في عدة آيات

مثل قوله: {إِنَّ اللهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى}"سورة الأنعام آية 95، {أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ }سورة الواقعة آية 63 – 64

 وقيل لمن بادر إلى الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم  لم فعلت ذلك؟ فقال: رأيته ما أمر بشيء فقال العقل ليته لم يأمر به، ولا نهى عن شيء فقال العقل ليته أمر به، فاستدل بنور عقله وقوة بصيرته على صدق الرسول بصلاح ما

 جاء به وموافقته للعقول السليمة وللحكمة.

 وقيل لآخر من العارفين: بأي شيء يعرف الله؟ فقال: بذوق حلاوة الطاعات، وهذا استدلال برهاني وجداني يضطر العبد إلى كمال الإيمان واليقين، فإن من وجد حلاوة الإيمان وذاق لذة اليقين، فقد بلغ الذروة العليا من الإيمان والله أعلم.

وقيل لآخر بأي شيء يعرف الله؟ فقال: بانتظام الأسباب ثم بتحويله الأسباب ومنع مسبباتها، وبإيجاده الأشياء بغير أسباب يعقلها الخلق، وهذا صحيح فإنه أجرى الأمور على أسبابها ومسبباتها قدراً وشرعاً حكمة بالغة، ومنع بعض الأسباب من ترتب آثارها عليها، كما في معجزات الأنبياء وكرامات الأولياء، وكذلك يوجد كثيراً من الأشياء بغير الأسباب المعهودة، كما أوجد عيسى من أم بلا أب، ويحيى بين أبوين لا يولد لمثلهما وأشياء كثيرة من هذا النوع ليعرف العباد أنه المتصرف التصرف المطلق وأنه كما يتصرف في الأشياء بأسباب مربوطة معلومة، كذلك يتصرف فيها بغير المعهودة، ولذلك كان جمهور هذا النوع من المعجزات والكرامات وهي كلها براهين على وحدانية الله وإلهيته وربوبيته.

وقيل لبعضهم بم يعرف الله؟ قال: من نظر في مواد الرزق وتأمل حالة من لهم موجودات وعقارات وغلات كثيرة ولكنهم قد اتكلوا عليها فضاقت عليهم الأمور وركبتهم الديون وجاءت الأمور على خلاف ما يؤملون، ثم انظر إلى أناس كثير ليس لهم عقارات ولا غلات؛ وإنما عندهم أسباب بسيطة قد بارك الله لهم وبسط لهم الرزق، وذلك بأن قلوبهم على الدوام متطلعة إلى ما عند الله، راجية منه تسهيل الرزق، متوكلين عليه حق التوكل؛ وبذلك يعرف الله، وبذلك يعلم أن الأمر كله لله، كما ننظر إلى القوي من الناس الذي جمع بين القوة والذكاء، وبين السعي الحثيث ورزقه مقتر، ونرى الضعيف البليد الذي ليس عنده من الذكاء والقوة عشر معشار ما عند الأول، والله قد بسط له الرزق ويسر له أمره، وهذه أمور مشاهدة محسوسة تضطر العاقل إلى الاعتراف بوحدانية الله وقيامه على كل نفس بما كسبت.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة العشرون بعد الأربعمئة في موضوع :    ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان:

*فصل في الإشارة إلى البراهين العقلية الفطرية على

 ربوبية الله وإلهيته

وقيل لآخر بأي شيء نعرف ربنا؟ فقال: بمداولته الأيام بين العباد في العز والذل، والغنى والفقر بأسباب وبغير أسباب.

 وقيل لآخر بأي شيء يعرف الله؟ فقال: بقوله تعالى : {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا} هود / 6

فننظر مصداقها بين الخليقة وأن كل أحد قد يسر الله له من أسباب الرزق ما به يعتاش، هذا بتجارته، وهذا بصناعته، وهذا بحراثته، وهذا بخدمته، وهذا بمخلفات من قبله،وهذا بتنميته للمواشي،وهذا بإحسان غيره عليه، وهذا بكد غيره. إلى آخر الأسباب التي قدرها العزيز الحكيم ونوعها العليم الرحيم، فسبحان من وصل رزقه إلى الذرات في مهامه البراري وقعور المظلمات.

قلت: وهذه الأجوبة كلها عن الكليات والجزئيات صحيحة تضطر العقول إلى الاعتراف بربها، وبوحدانيته ويمكن مضاعفتها إلى أضعاف أضعاف كثيرة، فإنك إذا نظرت نظرة عمومية إلى العالم العلوي والسفلي وعظيم هذه المخلوقات وانتظامها العجيب وترتيبها المحكم وما يترتب على ذلك وينتج عنه من مصالح العالم أو المخلوقات، علمت أن لهذا العالم رباً عظيماً وملكاً كبيراً قادراً مقتدراً قد خضعت له الأكوان ودانت له الخليقة، وأخذ بنواصي العباد وعلمت أن هذه النيرات وما يتبعها مدبرات ليس لها من الأمر شيء، وإنما هي عبيد لله مسخرات بتسخيره مدبرات بتدبيره. ثم إذا نظرت لكل مخلوق على حدته وتأملت في ابتداء خلقته وفي بقية صفاته وأحواله وتنقلاته،دلك ذلك على أن لها إلهاً مدبراً ورباً متصرفاً،وأن جميع ما هو عليه من الوجود

 والصفات ليس من نفسه، ولا من إيجاده، وإنما ذلك خلق رب عظيم وتدبير ملك حكيم.

 ثم إذا تأملت في أحوال نفسك، وفي صفات بدنك الظاهرة والباطنة وفي محسوساتك ومعقولاتك علمت

 بلا ريب أنك مخلوق، عبد فقير إلى ربك في كل أمورك، فقير إليه في الإيجاد، وفقير إليه في الإمداد بالقوى والعقل والأرزاق، وفقير إليه في حفظك وبقائك، وفقير إليه في ابتدائك وانتهائك.

 ثم إذا نظرت في خوارق العادات وفي معجزات الأنبياء وكرامات الأولياء التي لا يحصي عددها العادون، علمت بذلك عظمة الباري، وأنه مقدر الأمور ومسبب الأسباب ورب كل شيء ومليكه، وكذلك إذا نظرت كثرة إجابته للدعاين، وكشفه الضر عن المضطرين، وإغاثته للملهوفين وهي وقائع كثيرة لا حصر لها، اضطرك الأمر إلى الاعتراف بالربوبية والوحدانية.

    ثم إذا نظرت إلى أيامه في الناس، وقيامه بالعدل والفضل وتعجيله ثواب المحسنين وعقوبات المجرمين؛ علمت أنها براهين محسوسة وأدلة مشاهدة، تشهد لله بأنه قائم على كل نفس بما كسبت،مجاز كل عامل بعمله

  إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والعشرون بعد الأربعمئة في موضوع     ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان:

*فصل في الإشارة إلى البراهين العقلية الفطرية على

 ربوبية الله وإلهيته

   ثم إذا نظرت في دينه وشرعه وما فيه من الخير العظيم والمصالح الظاهرة والثمرات الجليلة، وأنه مصلح للعقائد مصلح للأخلاق، مصلح للأعمال مصلح للدنيا والدين، محكم الأصول ثابت القواعد، لا يمكن عقلاء الأمم أجمعين أن يأتوا بمثله في إصلاح أحوال البشر ودفع الشرور عنهم، وأنه لم يأت ولن يأتي علم صحيح يناقض شيئاً من أخباره، بل كلها مطابقة للعقول وفيها تفصيلات لا تهتدي إليها العقول إلا بإرشاده وهدايته، وشاهدت أحكامه في العبادات والمعاملات وغيرها، وما فيها من الخير والعدل والصلاح المتنوع؛ وشاهدت كل نفع وإصلاح وجد ويوجد موجودة أصوله وأسسه في هذا الدين، وعلمت أنه عصمة للبشر عن الشرور والمضار عرفت بذلك وحدانية الله في أسمائه وصفاته وأفعاله، وأنه شرع العزيز الحميد، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.

   وإذا علمت أخباراً كثيرة أخبر بها الله ورسوله، فشاهد الخلق وقوعها جهراً طبق خبر الله وخبر رسوله، دلك ذلك على الاعتراف بالله وعظمته وكمال

 سلطانه وكبريائه.

 فهذه كلها أدلة عقلية ضرورية، وهي براهين قاطعة على وجود الله ووجوبه ووحدانيته؛ وهي في الحقيقة أعظم الحقائق الصحيحة التي تتفق عليها العقول الصحيحة والفطر السليمة، وكلها تنبيهات وإشارات لو بسطت بعض البسط لبلغت مجلدات، والمؤمن يزداد بها إيماناً ويقيناً، وإلا فهو مكتف غاية الاكتفاء ومستغن غاية الاستغناء في هذه المسألة الكبيرة وغيرها بخبر الله ورسوله، ويعتقد بلا ريب أنه لا أصدق من الله قيلاً، ولا أصدق من الله حديثاً،"رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا" سورة آل عمران من آية 193"رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ"سورة آل عمران آية 53

   ولكن العقل مؤيد للشرع ومعترف بكمال الشرع وهدايته وأنه مضطر إلى الشرع ومكتمل بإرشاداته، ومهتد بأنواره، فالعقول لا تستنير ولا تستقيم حق الاستقامة إلا بالدين والشرع، ولهذا يكثر تعالى من قوله:"لآَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ"ويأمر بالتفكر والتدبر لآياته المسموعة وآياته المشهودة والله أعلم.

 [من كتاب الرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة في العقائد والفنون المتنوعة الفاخرة. للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى ص 246 – 268]   [الأنترنت – موقع معرفة الله - عبد الخالق بن جار الله ] إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والعشرون بعد الأربعمئة في موضوع     ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان:

*قدرة الله في خلقه(الخلايا الدماغية ، الجهاز العصبي)

   خلق الله سبحانه وتعالى هذا الكون وفق نظام دقيق ومنظم للغاية فتشكل من هذا النظام البديع أجمل صور الإبداع التي تقود المتأمل في بديع صنعه إلى قدرة الله في خلقه والأعتراف بواحدانيته وعظمته والتفكر في روعة صنعه وبديع إتقانه في خلق السموات والأرض والجبال والبحار والملائكة والجن والإنس وغيرها من المخلوقات التي تتجلى فيها قدرة الله تبارك وتعالى في الخلق، قال تعالى :" إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب، الذين يذكرون الله قياماوقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار"(آل عمران:190-191).

الأرض التي جعلها صالحة للحياة والعيش وما فيها من جبال وأنهار وأنواع متنوعة من الحيوانات والنباتات والطيور هي دليل علي قدرة الله تبارك وتعالى، فكل شئ علي وجه الأرض يدل علي وجود الله ووحدانيته وتدعو الإنسان إلى التدبر والتفكر ومعرفة الله عز وجل وهي من العبادات التى حثنا عليها وأمرنا بها الله ،فالتفكر في خلق الله وقدرته يهذب النفس ويجعنا نستشعر عظمة الله ويزيد  من إيمان المسلم وتسليمه لله عز وجل.

قدرة الله في الخلايا الدماغية:

من عجائب قدرة الله تعالي في خلقه خلق الإنسان هي الخلية  بأنواعها المتعددة، هذا البناء الصغير للغاية والذي لا يمكن أن نراه بالعين المجردة حيث تقوم كل خلية بدورها المحدد دون حدوث خلل بين تلك الخلايا التي تعمل كل منها بصورة منفصلة عن باقية الخلايا التي تختلف في عددها ووظيفتها وشكلها، فعلي سبيل المثال خلايا المخ أو الخلايا الدماغية والتي توجد في الدماغ ويبلغ عددها أكثر كم مائة وأربعون مليار خلية لا تتوقف عن العمل فهي دائما تتفاعل مع بعضها البعض ويقول العلماء أن الخلية الدماغية الواحدة يمكنها حفظ المعلومات قصيرةالأجل والتي يحتاجها الإنسان في حياته اليومية وتشبه إلى حدبعيدالذاكرة العشوائية في الكمبيوتر.

تلك الخلايا تعمل كذاكرة للإنسان وهي نعمة عظيمة من نعم الله عز وجل ودليل علي قدرته في خلقه ولولها ما استطاع القيام بأي عمل فهي تكريما للإنسان عن سائر المخلوقات قال تعالى:" (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا)(الإسراء: 70).

 قدرة الله في الجهاز العصبي :

من معجزات قدرة الله تعالي في الخلق الخلايا التي تستقبل الآلم في جسم الإنسان والتي يبلغ عددها ما يزيد عن الأربعة مليون خلية والتي توجد في كل أعضاء الجسم كاليد والأنف واللسان والأذن وتسمى بالعصبونات و يعمل الجهاز العصبي علي تنقية الأشارات القادمة من الأعضاء الحسية ثم يقوم بنقلها إلى المخ ، ايضا تعمل الخلايا العصبية عن طريق تلك المستقبلات علي تنظيم ضربات القلب وحركة الغذاء وعملية الهضم والتنفس وغيرها من العمليات الحيوية التي لا تعد ولا تحصي وكذلك يعمل علي تكييف جسم الأنسان مع البيئة المحيطة فسبحان الله الذي أحسن كل شيء : (ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم * الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين * ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين * ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون) [السجدة: 6-9].[الأنترنت – موقع معرفة الله- فريق عمل الموقع ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والعشرون بعد الأربعمئة في موضوع     ( الله ) والتي ستكون بعنوان:* الإيمان بالله تعالى

   الإيمان بالله - تعالى - هو الأصل الأول من أصول الإيمان، بل هو الأصل الأصيل الذي من أجله خلق الله السماوات والأرض، وخلق الجنة والنار، ونصب الميزان وضرب الصراط، وخلق لذلك كل الناس كما قال سبحانه: ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون).

والعلم بالله - سبحانه - والإقرار بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته أساسيات من أساسيات الإيمان بالله، وعلى المسلم أن يتعرف على هذه الأمور وكل ما يتعلق بالله عز و جل حتى يصح له إيمانه ويسلم له اعتقاده، وهذه لمحة سريعة عن هذا الأصل من أصول الإيمان:

الإيمان لغة: هو التصديق.

واصطلاحاً: قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان. وهو الاعتقاد الجازم بأن الله رب كل شيء ومليكه، وأنه الخالق الرزاق المحيي المميت، وأنه المستحق لأن يفرد بجميع أنواع العبادة والذل والخضوع، وأنه المتصف بصفات الكمال المنزه عن كل عيب ونقص.

والإيمان بالله - سبحانه - يتضمن توحيده في ثلاث:

1-      الإيمان بربوبيته.2- الإيمان بألوهيته.

3- الإيمان بأسمائه وصفاته.

توحيد الربوبية

ومعناه الإجمالي: الاعتقاد الجازم بأن الله رب كل شيء ومليكه ومدبره، لا رب غيره، ولا مالك سواه.

وبيانه: أن الرب في اللغة هو المالك المدبر، وربوبية الله على خلقه تعنى تفرده سبحانه في خلقهم وملكهم وتدبير شؤونهم.. فتوحيد الله في الربوبية هو الإقرار بأنه - سبحانه - هو الخالق والمالك لهم، ومحييهم ومميتهم ونافعهم وضارهم، ومجيب دعائهم عند الاضطرار، والقادر عليهم ومعطيهم ومانعهم، وله الخلق وله الأمر كله كما قال - سبحانه وتعالى - عن نفسه: ( ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين )( الأعراف الآية : 54 )

ومما يدخل في هذا التوحيد الإيمان بقدر الله  سبحانه : أي الإيمان بأن كل محدث صادر عن علم الله - عز وجل - وإرادته وقدرته، وأنه علم ذلك في الأزل وقدره وكتبه فهو يقع على مراده سبحانه ولا يخرج عنه أحد من خلقه.

وبعبارة أخرى فان هذا التوحيد معناه الإقرار بأن الله - عز وجل - هو الفاعل المطلق في الكون: بالخلق، والتدبير، والتفسير، والتيسير، والزيادة، والنقص، والإحياء، والإماتة، وغير ذلك من الأفعال، لا يشاركه أحد في فعله – سبحانه -.

وقد أفصح القرآن الكريم عن هذا النوع من التوحيد جد الإفصاح ولا تكاد سورة من سوره تخلو من ذكره أو الإشارة إليه، فهو كالأساس بالنسبة لأنواع التوحيد الأخرى؛ لأن الخالق المالك المدبر، هو الجدير وحده بأن يوحد بالعبادة والخشوع والخضوع، وهو المستحق وحده للحمد والشكر، والذكر، والدعاء، والرجاء، والخوف، وغير ذلك .. والعبادة كلها لا تكون ولا تصح إلا لمن له الخلق والأمر كله.

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والعشرون بعد الأربعمئة في موضوع     ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضية والتي هي

 بعنوان:* الإيمان بالله تعالى

ومن جهة أخرى فإن الخالق المالك المدبر هو جدير وحده بصفات الجلال والجمال والكمال؛لأن هذه الصفات لاتكون إلالرب العالمين،إذ يستحيل ثبوت الربوبية والملك لمن ليس بحي، ولا سميع،ولا بصير،ولا قادر،ولا متكلم،ولا فعَّال لما يريد،ولا حكيم في أقواله وأفعاله.

ولهذا فإنا نجد أن القرآن الكريم قد ذكر هذا النوع من التوحيد في مقام الحمد لله، وعبادته والانقياد له، والاستسلام، وفي مقام بيان صفاته الجليلة وأسمائه الحسنى.

- ففي مقام الحمد يتلو المسلم في كل ركعة يصـــليها: ( الحمـد لله رب العالمين ) وقوله سبحانه وتعالى:(فلله الحمد رب السموات ورب الأرض رب العالميـن ) ( الجاثية : 36 ).

- وفي مقام الاستسلام والانقياد له - عز وجل -:

( قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين ) ( الأنعام الآية : 71 ).

- وفي مقام التوجه لله - عز وجل - وإخلاص القصد إليه قال - سبحانه وتعالى -: ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ) ( الأنعام : 162 ).

- وفي مقام تولي الله - عز وجل - دون غيره قال – سبحانه -: ( قل أغير الله اتخذ ولياً فاطر السموات والأرض وهو يُطْعِمُ ولا يُطْعَم قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم ولا تكونن من المشركين )(الأنعام : 14 )

- وفي مقام الدعاء قال الله - عز وجل -: ( ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ، ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين ) ( الأعراف : 54 - 55 ).

- وفي مقام عبادة الله - تعالى - قال – سبحانه –:

 ( وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون )(يس : 22) وقال أيضاً: (يأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون. الذي جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتهم تعلمون ) ( البقرة : 21 ، 22 ) .

وتوحيد الربوبية وحده لا يكفى في دخول الإسلام وتوضيح ذلك:

مثل قوله تعالى آمراً نبيه - صلى الله عليه وسلم - بأن يسأل قومه لما أبوا النطق بلا إله إلا الله قل من المالك، الخالق، الرازق، فيجيبون بأنه الله، فهم معترفون بوجود الله وإيجاده للخلق والرزق ويقرون بقدرته على التصرف، لكنهم لما أمروا بأن يصرفوا أفعالهم له أبوا وامتنعوا وقالوا: ( أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب ) (ص: 5)، فلما أنكروا العبودية لم يدخلوا في الإسلام بإضافة أفعال الله له، لأن أفعال الله لا مدخل لهم فيها، وإنما المطلوب والغرض أن يؤدوا ما خلقهم الله من أجله، لأن الله جعل لهم في أفعالهم مشيئة واختياراً بعد مشيئة الله – تعالى -؛ فأما خلق الكائنات فلا مجال لإنكاره وحتى خَلَقَهُم مُسيرين لا مخيرين، قال – تعالى -: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبـدون) ( الذاريات : 56 ) ، فأسند الفعل الأول له وطلب الفعل الثاني منهم وهو عبادته كما أمر الله بها في عدت آيات. فعبادة الله امتثال لأمره وترك العبادة معصية لخالقهم فمن هذه العجالة يتضح معنى ( لا إله إلا الله ) بأنه لا معبود بحق إلا الله وهذا أوضح تفسير لها. فتقييد العبادة ( بحق ) ليبطل ما يصدر من العبادات الباطلة لسائر ما يتأله من دون الله.ومن الأدلة على أن توحيد الربوببية لا يدخل في الإسلام:

قِتالُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كفار قريش لاعتراضهم بقدرة الله وإيجاده للخلق قال - تعالى -: ( قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل أفلا تذكرون قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله قل أفلا تتقون قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل فأنى تسحرون ) (المؤمنون: 89 ).

وقال - سبحانه وتعالى -: ( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم ).

فما هذا التذكير الذي وبخوا بالانصراف عنه إلا إفراد الله بالعبادة، فلو كان الإقرار بقدرة الله هو الإسلام  لكانوا متقين متذكرين وما استحقوا التوبيخ لعدم التقوى والتذكر ولما وصفوا بالإفك في قوله – تعالى -:

( ولئن سألتهم من خلق المسوات والأرض ليقولن الله فأنى يؤفكون ). (من كتاب الأسئلة والأجوبة في العقيدة ).

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والعشرون بعد الأربعمئة في موضوع     ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيتين والتي هي بعنوان:* الإيمان بالله تعالى (توحيد الألوهية ):

ومعناه بعبارة إجمالية: الاعتقاد الجازم بأن الله –

سبحانه - هو الإله الحق ولا إله غيره وإفراده - سبحانه - بالعبادة.

وبيانه:  أن الإله هو المألوه، أي المعبود، والعبادة في اللغة: هي الانقياد والتذلل والخضوع، وقد عرفها بعض العلماء: بأنها كمال الحب مع كمال الخضوع.

فتوحيد الألوهية مبنى على إخلاص العبادة لله وحده في باطنها وظاهرها بحيث لا يكون شيء منها لغيره سبحانه، فالمؤمن بالله يعبد الله وحده ولا يعبد غيره فيخلص لله المحبة، والخوف، والرجاء، والدعاء، والتوكل، والطاعة، والتذلل، والخضوع، وجميع أنواع العبادة وأشكالها.

وهذا النوع يتضمن في حقيقته جميع أنواع التوحيد الأخرى. فيتضمن توحيد الله في ربوبيته وأسمائه وصفاته وليس العكس؛ فإن توحيد العبد لله في ربوبيته لا يعني أنه يوحده في ألوهيته فقد يقر بالربوبية ولا يعبد الله - عز وجل -، وكذلك توحيد الله في أسمائه وصفاته لا يتضمن أنواع التوحيد الأخرى، ولكن العبد الذي يوحد الله في ألوهيته على الخلق فيقر بأنه سبحانه هو وحده، المستحق للعبادة وأن غيره لا يستحقها ولا يستحق شيئاً منها يقر في الواقع بأن الله رب العالمين، وبأن له الأسماء الحسنى، والصفات الكاملة لأن إخلاص العبادة لا يكون لغير الرب ولا يكون لمن فيه نقص. إذ كيف يعبد من لم يخلق ولم يدبر أمر الخلق، وكيف يعبد من كان ناقصاً.

ومن هنا كانت شهادة أن ( لا اله إلا الله ) متضمنة لجميع أنواع التوحيد: فمعناها المباشر؛ توحيد الله في ألوهيته الذي يتضمن توحيد الله في ربوبيته وأسمائه وصفاته.

من أجل ذلك كان هذا التوحيد أول الدِّين وأخره، وباطنه وظاهره ومن أجله خلقت الخليقة، كما قال تعالى: ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون )( الذاريات : 56 ) .

يقول الإمام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: وهذا التوحيد هو الفارق بين الموحدين والمشركين، وعليه يقع الجزاء والثواب في الأولى والآخرة، فمن لم يأت به كان من المشركين.

ومن أجل هذا التوحيد أرسلت الرسل، وأنزلت الكتب فما من رسول أرسله الله إلى العباد إلا وكان هذا التوحيد أساسَ دعوته وجوهرها، قال الله - عز وجل -: ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ) ( النحل : 36 ) وقال – سبحانه -: ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) ( المؤمنون : 22 ) .

وأخبر الله - سبحانه - عن رسله: نوح، وهود، وصالح، وشعيب، أنهم كانوا جميعاً يقولون لأقوامهم هذه الكلمة ( اعبدوا الله مالكم من إله غيره ) ( الأنبياء : 25 ، وهود : 61 ، والأعراف : 65 ).

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والعشرون بعد الأربعمئة في موضوع     ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيتين والتي هي بعنوان:* الإيمان بالله تعالى (توحيد الألوهية ):

ويستلزم توحيد الألوهية أن نتوجه إليه - سبحانه - وحده بجميع أنواع العبادة وأشكالها، ونخلص قلوبنا فيها من آية وجهة أخرى، وهذه عبارة تدخل فيها أمور كثيرة نذكر منها:

1- وجوب إخلاص المحبة لله - عز وجل - فلا يتخذ العبد نداً لله في الحب يحبه كما يحب الله، أو يقدمه في المحبة على حب الله - عز وجل - فمن فعل ذلك كان من المشركين قال الله – تعالى -: ( ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبـــاً لله ) ( البقرة : 165 ) . فمن الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله إلا بالتوبة منه: أن يتخذ العبد من دون الله نداً يحبه كما يحب الله عز وجل .

2-وجوب إفراد الله - تعالى - في الدعاء، والتوكل،

 والرجاء فيما لا يقدر عليه إلا هو - سبحانه - قال الله - عز وجل -: ( ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين ) (يونس : 106 ) ، وقال الله - تعالى -: ( وعلى الله فتوكلوا إن كنـتم مؤمنين ) (المائدة : 24 ) ، وقال - سبحانه وتعالى -: ( إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم )(البقرة : 218 )

3- وجوب إفراد الله - عز و جل - بالخوف منه، فمن اعتقد أن بعض المخلوقات تضر بمشيئتها وقدرتها فخاف منها فقد أشرك بالله لقوله - تعالى -:( فإياي فارهبون) (النحل : 51

وهذا قيد بين الخوف في العبادة والخوف الفطري

 فالأول لا يصح إلا لله - عز و جل - والثاني كالخوف من الحيوان المفترس وغيره من المخلوقات لا حرج فيه.

وتوحيد الألوهية أي من قال ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) - صلى الله عليه وسلم - فأفرد الله بالعبادة على ما شرعه رسوله - صلى الله عليه وسلم - فهو متضمن لتوحيد الربوبية، بمعنى أن العبادة لا تصدر من عاقل لمعدوم فإذن من عبد الله فإنه لم يعبده إلا إقراراً بوجوده وقدرته.

وهكذا توحيد الأسماء والصفات فإن لله أسماء حسنى وصفات عليا؛ فنصفه بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله - صلى الله عليه وسلم - من غير تكييف ولا تمثيل كما قال الله - تعالى -: ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) ( الشورى : 11 ) وكما قال العلماء: إن شهادة ( أن لا إله إلا الله ) متضمنة لتوحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات .(أنظر كتاب : الاسئلة والأجوبة في العقيدة).

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والعشرون بعد الأربعمئة في موضوع     ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيتين والتي هي بعنوان:* الإيمان بالله تعالى (توحيد الأسماء والصفات):

المقصود بتوحيد الأسماء والصفات: هو الاعتقاد الجازم لكمال الله المطلق ونعوت جلاله، وذلك بإثبات ما أثبته الله لنفسه وما أثبته له رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، من أسمائه الحسنى وصفاته العليا، وما تدل عليه ألفاظها من المعاني من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، قال الله - سبحانه -: ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) ( الشورى : 11 ) . فيدعى ويتوسل إليه بها قال - تعالى - : ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) ( الأعراف : 180 ) . وقال : ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ) ( الإسراء : 110 ) .

ومعنى توحيد الأسماء والصفات: أن الله - سبحانه وتعالى - متصف بصفات الكمال ومنزه عن جميع صفات النقص، وأنه متفرد عن جميع الكائنات، وذلك بإثبات ما أثبته لنفسه أو ما أثبته له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأسماء والصفات الواردة في الكتاب والسنة وإمرارها كما جاءت.

والواضح من هذا الذي ذكرنا أن توحيد الأسماء والصفات يقوم على ثلاثة أسس:

1- تنزيه الله - جل وعلا - عن مشابهة الخلق وعن أي نقص.

2- الإيمان بالأسماء والصفات الثابتة في الكتاب والسنة دون تجاوزها بالنقص منها أو الزيادة عليها أو تحريفها أو تعطيلها.

3- قطع الطمع عن إدراك كيفية هذه الصفات.

فأما الأساس الأول: فهو تنزيه الله - عز و جل - عن أن يشبه شيء من صفاته شيئاً من صفات الخلق، وهذا الأصل يدل عليه قوله - تعالى -: ( ليس كمثله شيء ) ( الشورى : 11 ) وقوله: ( ولم يكن له كفؤاً أحد ) ( الإخلاص : 4 ).

- يقول الإمام القرطبي - رحمه الله تعالى - عند تفسير قوله - تعالى -: ( ليس كمثله شيء ): والذي يعتقد في هذا الباب بأن الله جل اسمه، في عظمته، وكبريائه، وملكوته، وحسنى أسمائه، وعَلِّى صفاته، لا يشبه شيئاً من مخلوقاته ولا يشبه به، وما أطلقه الشرع على الخالق والمخلوق، فلا تشابه بينهما في المعنى الحقيقي، إذ صفات القديم - جل وعز - بخلاف صفات المخلوق.

وقال الواسطي ـ عليه رحمة الله - ليس كذاته ذات، ولا كاسمه اسم، ولا كفعله فعل، ولا كصفته صفة، إلا من جهة موافقة اللفظ.

وجلت الذات القديمة أن يكون لها صفة حديثة، وكما استحال أن يكون للذات المحدثة صفة قديمة؛ وهذا كله مذهب أهل الحق والسنة والجماعة. ( القرطبي جـ 16/9 ) .

- ويقول سيد قطب عليه - رحمه الله تعالى – في

 تفسير هذه الآية التي ذكرنا: والفطرة تؤمن بهذا بداهة، فخالق الأشياء لا تماثله هذه الأشياء التي هي من خلقه. ( الظلال جـ 7/272 ) .

وأما الأساس الثاني: فيقتضى وجوب الاقتصار فيما يثبت لله - تعالى - من الأسماء والصفات على ما ورد منها في القرآن الكريم أو في السنة الثابتة، فهي تتلقى عن طريق السمع، لا بالآراء، فلا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله - صلى الله عليه وسلم - ولا يسمى إلا بما سمي به نفسه أو سماه به رسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن الله - عز و جل - أعلم بنفسه وصفاته وأسمائه ، قال - تعالى -: ( قل أأنتم أعلم أم الله ) ( البقرة : 140).

إلى هنا ونكمل في اللقاء التالي والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والعشرون بعد الأربعمئة في موضوع     ( الله ) والتي ستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان:* الإيمان بالله تعالى (توحيد الأسماء والصفات):

  قال نعيم بن حماد شيخ البخاري - رحمهما الله -: من شبه الله بخلقه كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله تشبيه ولا تمثيل( الروضة الندية : 22 ).

وأما الأساس الثالث: فيقتضى من العبد المكلف أن يؤمن بتلك الصفات والأسماء المنصوص عليها في الكتاب والسنة من غير سؤال عن كيفيتها، ولا بحث عن كنهها وذلك لأن معرفة كيفية الصفة متوقفة على معرفة كيفية الذات، لأن الصفات تختلف باختلاف موصوفاتها، وذات الله - عز و جل - لا يسأل عن كنهها وكيفيتها، فكذلك صفاته - سبحانه وتعالى - لا يصح السؤال عن كيفيتها.

ولذلك أثر عن كثير من السلف أنهم قالوا عندما سئلوا عن كيفية استواء الله - عز وجل -: (الاستواء معلوم والكيف مجهول، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة ) فاتفق السلف على أن الكيف غير معلوم لنا ، وأن السؤال عنه بدعة. ( انظر كتاب الإيمان : 11 ) .

  [الأنترنت – موقع معرفة الله- دكتور عمر سليمان الأشقر]

الخاتمة

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، والشكر له على جميع العطايا والهبات،خلقنا من العدم وربانا بالنعم وأعطانا من كل ما سألناه {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } ، خلقنا في احسن تقويم ، وأنزل علينا افضل كتاب على أفضل نبي ،وهدانا لأقوم طريق ، وعرفنا على نفسه بأبلغ عبارة بإسمائه وصفاته وبآياته ومخلوقاته وأخبرنا أنه هو الله الذي لا إله إلا هو الكامل في ذاته وأسمائه و صفاته و أمره و خلقه ...

له الأسماء الحسنى وأعظمها لفظ الجلالة { الله } الأسم الأعظم ...

انتهيت من هذا الموضوع المهم {الله } وهو أشبه ما يكون بالتفسير الموضوعي اسأل الله أن يجعله علماً نافعاً وعملاً صالحاً ، إن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان وأستغفر الله وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

 

 

جمع وتأليف الدكتور / مسفر بن سعيد دماس الغامدي – المملكة العربية السعودية – الباحة – عراء – آل دماس – هاتف جوال / 0555516289