اللقاح والثمرة

اللقاح والثمرة( مقالات )

 إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا اله الا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته،ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } سورة آل عمران  / 120وبعد:

 فهذه الحلقة الأولى في موضوع اللقاح والثمرة وستكون بعنوان :

التعريفات :اللقاح : اسم لما يقوم مقام المصدركقولك:أصلح،صلاح وإصلاحاً                             ،واللقاح:اسم لماء الفحل ،وناقة لقوح : إذا كانت غزيرة اللبن ، وناقة لاقح : إذا كانت حاملاً  وأصل اللقاح للإبل ثم استعير في النساء،واللواقح من الرياح :التي تحمل الندى ثم تمجه في السحاب ، فإذا اجتمع في السحاب

 صار مطراً  قال تعالى :{ وأرسلنا الرياح لواقح }[ الحجر / 22 ]

ومنه حديث العين :( أعوذ بك من شر كل مُلقِح ومخبل ) تفسيره في الحديث أن الملقح : الذي يولد له ،والمخبل : الذي لا يولد له

وقال ابن كثير :وقوله:{ وأرسلنا الرياح لواقح } أي : تلقح السحاب فتدر ماء ، وتلقح الشجر فتتفتح عن أوراقها وأكمامها ، هذه { الرياح } ذكرها بصيغة الجمع ، ليكون منها الإنتاج …

 وأستعير معنى لواقح من تلقيح الفحل للناقة لتحمل ، ومن تلقيح الرياح للسحاب ليمطر 

 ومن تلقيح الرياح أيضاً للشجر بحمل التراب ،أو حبوب اللقاح لتثمر الأشجار ، وبالتأبيرللنخل ، وأستعير ذلك المعنى 

في تلقيح الأفكار،والعقائد،والأخلاق

 ، والأعمال …

وكما أن التلقيح في الأمور المحسوسة من أجل أن توجد الثمرة و تكون في أحسن أحوالها فإنها في الأمور الشرعية ليكون العمل معتبراً شرعاً،ويكون مستوفى الشروط والأركان،والواجبات والمستحبات ، ويكون مقبولاً  عند الله ، للحصول على سعادة الدنيا والآخرة وللحصول على رضى الله …

 وهذا المعنى استعاره ابن القيم رحمه الله في قاعدته المشهورة التي ستكون مجال بحثنا هذا والله المستعان ومما قال :" الطلب لقاح الإيمان ، فإذا اجتمع الإيمان والطلب أثمر العمل الصالح وهكذا …

 إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الثانية في موضوع اللقاح والثمرة وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:

 التعريفات

أما معنى الثمرة : الثمر : حمل الشجر، و هو الرطب ، ما دام في راس النخلة ، ويقع على كل الثمار ، ويغلب على ثمر النخيل ؛يقال : شجر ثامر إذا أدرك ثمره ، ويقال للولد : ثمرة لأن الأب ينتجه

  والثمر:أنواع المال،وجمع الثم:ثمار ،وثمر جمع الجمع ،وقد يجوز أن يكون الثمر

  جمع ثمرة ، وأرض ثميرة : كثيرة الثمر

 ،وشجرة ثميرة ، ونخلة ثميرة مثمرة

  [النهاية لابن الأثير ج 1 ص  221  ، لسان العرب ج 4 ص 106 ،107 ، الفائق للزمخشري ج 1 ص 174]

قال تعالى:{ألم تر أن الله أنزل من السماء مآءً فأخرج به ثمرات مختلفاً ألوانها }          [ فاطر / 27]    

قال ابن كثير :" يقول تعالى منبهاً على كمال قدرته في خلقه الأشياء المتنوعة المختلفة من الشيء الواحد ، وهو الماء الذي ينزله من السماء يخرج به ثمرات مختلفاً ألوانها،من أصفر،وأحمر،وأخضر ، وأبيض ، إلى غير ذلك من ألوان الثمار

 ، كما هو المشاهد من تنوع ألوانها ،

وطعومها ، وروائحها  [تفسير ابن كثير ج 6 ص 529]                                                                         قال الراغب : الثمر اسم لكل ما يتطعم من أثمار الشجر ، الواحدة ثمرة ، والجمع ثمار؛وثمرات ، كقوله تعالى :{ وأنزل من السماء ماءً فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم } ، وقوله تعالى:{ ومن ثمرات النخيل والأعناب } ، وقوله تعالى :{ أنظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه } ، وكقوله تعالى : {ومن كل الثمرات } ، والثمر قيل: هو الثّمارُ ، وقيل هو جمعه ،ويكنى به عن المال المستفاد ، وعلى ذلك حمل ابن عباس { وكان له ثمر } ،ويقال : ثمَّر الله ماله ، ويقال لكل نفع يصدر عن شيء :  ثمرته كقولك : ثمرة العلم الصالح الجنة [ المفردات للراغب الأصفهاني ص 81 ]    

 وهذا الشجر لم يكن ليثمر إلا بعد أن أنزل الله الماء على الأرض الطيبة؛ وذلك بتلقيح الرياح للسحاب أولاً حتى يحصل المطر ، ثم أرسل الله الرياح لتلقح الشجر ثانياً ، ولولم يحصل هذا اللقاح بإذن الله وتدبيره لما حصلت الثمرة .

والثمرة هي النتيجة والغاية من عملية التلقيح  ، فالمتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم لقاح الإخلاص لله تعالى ؛ يثمر القبول عند الله ، ومثله طلب العلم عندما يلقح الإيمان  يكون ثمرته  العمل الصالح ، وهكذا ..

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الثالثة في موضوع اللقاح والثمرة وستكون بعنوان:

الفصل الأول : اللقاح : العلم للإيمان

                 الثمرة :  العمل الصالح

قال ابن القيم:الطلب لقاح الإيمان، فإذا اجتمع الإيمان والطلب أثمرا العمل الصالح [ الفوائد ص 346 ] أولاً : طلب العلم : العلم : نقيض الجهل،ورجل عالم وعليم ، من قوم علماء،وعلاّم وعلاّمة إذا بالغت في وصفه بالعلم أي: عالم جداً ، والهاء للمبالغة .وعلم وفقه أي: تعلم وتفقه ، قال تعالى:{الرحمن علم القرآن،علمه البيان }[ الرحمن / 1، 2  ، لسان العرب ج12 ص 416 ، 421]   

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( طلب العلم فريضة على كل مسلم )            [ أخرجه ابم ماجة في السنن بسنده من حديث أنس بن مالك ، وذكره الألباني في صحيح الترغيب ج1 ص 34 ثم صححه]

 وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من يرد الله به خيراً يفقه في الدين )    [ أخرجه البخاري في الصحيح ، كتاب العلم ، باب من يرد الله به خيراً يفقه في الدين (فتح الباري ج1 ص 164 رقم 71 )]   

وقال البخاري : باب العلم قبل القول والعمل لقوله تعالى :{ فاعلم أنه لا اله الا الله } فبدأ بالعلم ، وأن العلماء هم ورثة الأنبياء،ورثوا العلم ، من أخذه أخذ بحظ وافر ، ومن سلك طريقاً يطلب به علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة … "  [ صحيح البخاري ، كتاب العلم ، باب 10 (فتح الباري ج 1 ص 159]

 قال ابن قدامة:العلوم الشرعية تنقسم

إلى:أصول،وفروع،ومقدمات،ومتممات

فالأصول : كتاب الله ،وسنة رسوله صلى

الله عليه وسلم ، وإجماع الأمة ، وأثار الصحابة

والفروع:مافهم من هذه الأصول من معان تنبهت لها العقول حتى فهم من اللفظ الملفوظ وغيره ، كما فهم منقوله (( لايقضي القاضي وهو غضبان )) أنه لا يقضي وهو جائع . 

والمقدمات:هي التي تجري مجرى الآلات كعلم النحوواللغة،فإنهما آلة لعلم كتاب

الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام 

 والمتممات : كعلم القراءات ، ومخارج الحروف،وكالعلم باسماء رجال الحديث وعدالتهم ، وأحوالهم ، فهذه هي العلوم الشرعية وكلها محدودة [مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة ص 20، 21 ط 1416هـ]  

الله أمر بطلب العلم وأثنى على العلماء  :قال تعالى:{اقرأ باسم ربك الذي                                                   خلق،خلق الإنسان من علق ، اقرأ وربك الأكرم ، الذي علم بالقلم ،

علم الإنسان مالم يعلم }[ العلق / 1 –5]

 قال القرطبي : يعني الخط والكتابة ، أي : علم الإنسان الخط بالقلم …قال قتادة : القلم نعمة من الله عظيمة لولا ذلك لم يقم دين ، ولم يصلح عيش . فدل على كمال كرمه سبحانه بأنه علّم عباده مالم يعلموا ، ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم ونبه على فضل علم الكتابة لمافيه من المنافع العظيمة التي لا يحيط بها إلا هو [ تفسير القرطبي ج20 ص120]

 وقال تعالى :{ أفمن يعلم أنما أنزل

 إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولوا الألباب } [ الرعد / 19]  

 وقال تعالى :{ قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون }[ الزمر  / 9]

 إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الرابعة في موضوع اللقاح والثمرة وستكون بعنوان:

العلوم المحمودة :

قال ابن قدامة:واعلم أن العلوم المحمودة تنقسم إلى قسمين:القسم الأول : محمود إلى أقصى غاياته ، وكلما كان أكثر كان أفضل وأحسن  

وهو العلم بالله تعالى،وبصفاته،وأفعاله ، وحكمته في ترتيب الآخرة على الدنيا ، فإن هذا علم مطلوب لذاته،والتوصل به إلى سعادة الآخرة،وهو البحر الذي لا يدرك غوره ، وإنما يحوم المحومون على

سواحله واطرافه بقدر ما يتيسر لهم .

القسم الثاني:العلوم التي لا يحمد منها إلا مقدار مخصوص ، وهي فروض الكفيات

كالطب والحساب ، والفلاحة ، والحياكة ، والحجامة[ مختصر منهاج القاصدين ص 23 ]                                                                

وعلى الطالب أن يتحلى بآداب طلب العلم وقدذكرها الشيخ بكرأبو زيد وهي كما يلي:1-العلم عبادة ؛ وشرطا قبول أي عبادة : أ- الإخلاص لله           ب – والمتابعة لرسول الله

2-كن على جادة السلف الصالح  3-ملازمة خشية الله تعالى 4-دوام

المراقبة لله 5- خفض الجناح ونبذ الخيلاء والكبرياء  6- القناعة والزهادة 7-التحلي برونق العلم

 8- التحلي بالمروءة 9- التمتع بخصال الرجولة 10-هجر الترفه  11- الإعراض عن مجالس اللهو   12- الإعراض عن الهيشات      13- التحلي بالرفق  14-  التأمل

  15-الثبات والتثبت … إلى آخر ما جاء في رسالة الشيخ رحمه الله [  رسالة حلية طالب العلم للشيخ أبو بكر عبد الله أبو زيد] 

ومن آفات العلم : 1- تعلم العلم لغير وجه الله تعالى  ، 2- كتم العلم 3- القول على الله بغير علم 4 – الدعوى بأنه يحسن العلم والقرآن وهو لايحسن 5-إذلال العلم لغير أهله

 6 – عدم الخشية 7 – الكبر والعجب

 8 – المراء والمخاصمة والجدال  

 9 –النسيان10-الغرور11- التعصب بالهوى والتقليد الأعمى وتحكيم آراء الرجال 12-التسرع في الفتوى 13- التحاسد والحقد [فضل العلم لمحمد رسلان]

قال ابن القيم:العلم:نقل صورة المعلوم من الخارج وإثباتهافي النفس .

والعمل:نقل صورة علمية من النفس وإثباتها في الخارج .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الخامسة في موضوع اللقاح والثمرة وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:

العلوم المحمودة التي تلقح الإيمان:

 فإن كان الثابت في النفس مطابقاً

للحقيقة في نفسها فهو علم صحيح ،

 وكثيراً ما يثبت،ويتراءى في النفس صور ليس لها وجود حقيقي ، فيظنها الذي قد أثبتها في نفسه علماً ، وإنما هي مقدرة لا حقيقة لها ، وأكثر علوم الناس من هذا الباب .

 وما كان منها مطابقاً للحقيقة في الخارج فهو نوعان :

  نوع تكمل النفس بإدراكه والعلم به ، وهو العلم بالله وأسمائه وصفاته ، وأفعاله وكتبه وأمره ونهيه .

 ونوع لايحصل للنفس به كمال ، وهو كل علم لا يضر الجهل به فإنه لا ينفع العلم به

 و(كان النبي صلى الله عليه وسلم  يستعيذ بالله من علم لاينفع ) [ أخرج النسائي ، والترمذي ،وأحمد من حديث عبد الله بن عمرو بسن صحيح ( انظر هامش الفوائد لابن القيم ص 160 ،  الفوائد ص 160]                                                              ثانياً:الإيمان:وهوإعتقاد بالجنان ، ونطق باللسان ، وفعل بالأركان ،وهو ( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ،وتؤمن بالقدر خيره وشره )             [هو حزء من الحديث الذي رواه عمر بن الخطاب عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم – عندما جاءه جبريل في صورة رجل وسأله عن الإسلام ، والإيمان ، والإحسان … صحيح مسلم ، كتاب الإيمان ، باب بيان الإيمان ، ج 1 ص 36 رقم 1] 

وهى أركان الإيمان الستة :

 ومعنى أن تؤمن بالله : أي: بوحدانيته

 في الأسماء والصفات والعباده والدعاء والحكم …

 وملائكته : مخلوقات من النور لتنفيذ أوامرالله وتسجيل الأعمال …

وكتبه : التوراة والأنجيل والزبور والقرآن وهو أفضلها …

ورسله : أولهم نوح وآخرهم محمد –عليه السلام – وهوخاتمهم وأفضلهم

واليوم الآخر : يوم الحساب لمجازات الناس على أعمالهم

 وتؤمن بالقدر خيره وشره : مع الأخذ بالأسباب ، والرضاء بالقدر خيره وشره ، حلوه ومره ، لأنه بتقدير الله [شرح أركان الإسلام لمحمد جميل زينو]  

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة السادسة في موضوع اللقاح والثمرة وستكون

 إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:

العلوم المحمودة التي تلقح الإيمان : 

وقال ابن تيمية : اسم الإيمان يستعمل مطلقاً ، ويستعمل مقيداً ، وإذا استعمل مطلقاً ،فجميع ما يحبه الله ورسوله من أقوال العبد وأعماله الباطنة والظاهرة يدخل في مسمى الإيمان عند عامة السلف والأئمة ، من الصحابة والتابعين وتابعيهم ، الذين يجعلون الإيمان قولاً وعملاً ، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ويدخلون جميع الطاعات فرضها ونفلها في مسماه ، وهذا مذهب الجماهير من أهل الحديث والتصوف والكلام والفقه ، من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم .

 ويدخل في ذلك ما قد يسمى مقاماً وحالاً ، مثل الصبر والشكر والخوف والرجاء والتوكل والرضا والخشية والإنابة والإخلاص والتوحيد وغير ذلك .

 ومن هذا ما خُرج في الصحيحين عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال :(الإيمان بضع وستون –أو بضع وسبعون – شعبة ، أعلاها قول لااله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق                                    ، والحياء شعبة من الإيمان ) فذكر اعلا شعب الإيمان،وهو قول:لا اله الا الله ،

 فإنه لاشيء أفضل منها كما في الموطأ

 وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة ، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي

:لا اله الا الله ، وحده لاشريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء

 قدير )، وفي الترمذي وغيره أنه قال : ( من مات وهو يعلم أن لا اله الا الله  دخل الجنة ) وفي الصحيح عنه أنه قال لعمه عند الموت (ياعم قل لا اله الا الله

، كلمة أحاج لك بها عند الله ) …

 وفي حديث في المسند قال:(الإسلام علنية ، والإيمان في القلب ) فاصل الإيمان في القلب وهو قول القلب وعمله ، وهو إقرار بالتصديق والحب والإنقياد ، وما كان في القلب فلا بد أن يظهر موجبه ومقتضاه على الجوارح ، وإذا لم يعمل بموجبه ومقتضاه دل على عدمه أو ضعفه ؛ ولهذا كانت الأعمال الظاهرة من موجب إيمان القلب ومقتضاه  وهى تصديق لما في القلب ودليل عليه وشاهد له ، وهي شعبة من مجموع الإيمان المطلق وبعض له ؛ لكن مافي القلب هو الأصل لما على الجوارح

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة السابعة في موضوع اللقاح والثمرة وستكون

 إستكمالا للماضيتين والتي هي بعنوان:

العلوم المحمودة التي تلقح الأيمان : 

 قال أبو هريرة – رضي الله عنه – : أن القلب ملك ، والأعضاء جنوده فإن طاب الملك طابت جنوده ، وإذا خبث الملك خبثت جنوده ، وفي الصحيحين عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : ( إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد ، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ، ألا وهي القلب ) …        [ مجموع فتاوى ابن تيمية ج 7 ص 642 ،  644 ]  

 واما إذا استعمل اسم الإيمان مقيداً : كما في قوله تعالى :{ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات } وقوله{الذين آمنوا وكانوا يتقون }وقول النبي صلى الله عليه وسلم : (الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته

 وكتبه ورسله والبعث بعد الموت )

ونحو ذلك فهنا قد يقال:إنه عطف ذلك عليه

 من باب عطف الخاص على العام …  [ مجموع الفتاوى ج 7 ص 647 ]                                                                وما دام أن أعلا شعب الإيمان قول ( لا اله الا الله ) فإن لها معنى ولها شروط لايمكن أن تنفع صاحبها إلا بمعرفة معناها وبتحقيق شروطها ، قال الحكمي :       وقد  حوته  لفظة  الشهادة***           فهى سبيل الفوز والسعادة

من  قالها  معتقداً  معنا ها***           وكان   عاملاً   بمقتضاها

في القول والفعل ومات مؤمناً***       يبعث يوم الحشر ناج آمناً

فإن  معناها الذي عليه ***         دلت يقيناً وهدت إليه

أن ليس بالحق إله يعبد***                 إلا الاله الواحد المنفرد

بالخلق والـرزق وبالتدبير***           جل عن الشريك والنظير

وبشروط سبعة قد قيدت وفي ***         نصوص الوحي حقاً وردت

   فإنه  لم  ينتفع  قائلـها***        بالنطق إلاحيث يستكملها

العلم  واليقين  والقبول***        والإنقياد  فادر  ما  أقول

والصدق والإخلاص والمحبة***      وفقك الله لما أحبـه[ معارج القبول للحكمي ج 1 ص 369- 378]   

إن هذا العلم لقاح هذا الإيمان ، ثم تكون الثمرة هى :( العمل الصالح )

إن العلم النافع إذا لقح الإيمان الصحيح الصادق ؛ يثمر العمل الصالح المقبول الذي تحقق  فيه شرطا القبول : الإخلاص ، والمتابعة ، وهذه الثمرات هي : بهجة النفوس ، وغذاء الأرواح ، وطمأنينة القلوب ، بفعل جميع الواجبات وترك جميع المحرمات،والحكم والتحاكم

إلى شريعة الله ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والوفاء بالعهود والمواثيق

 ، وأداء الأمانات ، والتحلي بالصبر والصدق ، والبر والإحسان ، وصلة الأرحام ، وبر الوالدين ، ومحبة المؤمنين ، وبغض الكافرين،والتقوى واليقين وخشية رب العالمين،وإيفاء المكاييل والموازين ،والنصح لله ولرسوله،ولعباده،ولأ ئمة المسلمين،والشفقة والعطف والرحمة

 بالفقراء والأيتام والمساكين ، والزهد ، والورع ، وصدق المعاملة مع الله،وبذل الندى،وكف الأذى،وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة،وصوم رمضان،وحج بيت الله الحرام [ انظر عقيدة المؤمن للبليهي ج 1 ص 50 – 54 ط الأولى ]  

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الثامنة في موضوع اللقاح والثمرة وستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان:

العلوم المحمودة التي تلقح الإيمان : 

إن العلم النافع إذا لقح الإيمان الصحيح الصادق؛يثمرا العمل الصالح الذي يُدخل صاحبه الجنة:قال تعالى:{وأما من آمن وعمل صالحاً فله جزاء الحسنى} [ الكهف / 82]  

 وقال سبحانه:{إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً فأولئك يدخلون الجنة}[ مريم /60]  

 وقال عز وجل :{ومن عمل صالحاً من ذكر أوأنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب } [غافر / 40]  

 وقال جل شأنه :{ ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً يدخله جنات } [ الطلاق / 11 ]

 وقال تعالى :{ وبشر الذين آمنوا

وعملوا الصالحات  أن  لهم  جنات

  تجري  من تحتهم الأنهار }[ البقرة / 25]   

وقال سبحانه:{والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة}[ البقرة / 82]

وقال عز وجل :{ والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيهآ أبداً} [النساء  / 57 ، 122]  

وقال جل شأنه :{ ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً } [ النساء / 124 ]

وقال تعالى :{ إن الذين آمنوا وعملوا

الصالحات وأخبتوا إلى ربهم أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون}[هود / 23 ]

وقال سبحانه:{الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب}[ الرعد / 29 ]

وقال تعالى :{ وأُدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهارخالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلام }[ إبراهيم / 23 ]

وقال سبحانه:{إن الذين آمنوا وعملوا

الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلاً }[ الكهف / 107]                                                       

 ويلاحظ أن الآيات السابقات كلها إشتملت على الإيمان أولاً

ثم العمل الصالح ثانياً

ثم الجزاء الأوفى جنات النعيم ثالثاً  وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء نسأل الله من فضله العظيم.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة التاسعة في موضوع اللقاح والثمرة وستكون بعنوان:

إذا لقح العلمُ الإيمان أثمرالعمل الحسن ، الذي يثمر  الأجر الكبير:

1-إن العلم النافع يلقح الإيمان الصحيح الصادق فيثمرالعمل الحسن ، الذي يثمر  الأجر الكبير

قال تعالى :{ إن الذين آمنوا والذين

 هادوا والنصارى والصابئين ؛من آمن

 بالله واليوم الآخر ، وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ، ولا خوف عليهم ، ولا هم يحزنون } [ البقرة / 62]  

وقال اللطيف الخبير:{ومن يقنت منكن لله ورسوله،وتعمل صالحاً نؤتها أجرها مرتين}[ الأحزاب / 31 ]

 وقال سبحانه : { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ،وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة  لهم أجرهم عند ربهم }[ البقرة / 277]  

 وقال عز وجل :{ وأما الذين آمنوا

وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم } [  آل عمران / 57 ]

 وقال جل شأنه :{إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً } [ الإسراء  / 9 ] وقال تعالى :{ وبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجر أً حسناً }[ الكهف / 2] وقال سبحانه:{إن الذين آمنوا وعملواالصالحات إنا لانضيع أجر من أحسن عملاً }[ الكهف / 30 ]

 وقال عز وجل :{ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون } [ الإنشقاق / 25] وقال تعالى :{ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجرغير ممنون } [ التين / 6 ] ونلاحظ هنا أن الأجر العظيم ، والأجر الحسن ،والأجر الكبير ، والأجر غير الممنون كل هذا ثمرة العمل الصالح ، والعمل الصالح ثمرة إجتماع العلم النافع مع الإيمان الصحيح الصادق؛وتلقيح أحدهما للآخر،إنها ثمرة طيبة مباركة ، من شجرة طيبة مباركة،أصلها ثابت ؛ غذاؤها طيب مبارك ، في تربة طيبة مباركة ،  وفرعها في السماء ، تؤتي أكلهاكل حين بإذن ربها …

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة العاشرة في موضوع اللقاح والثمرة وستكون بعنوان:

المغفرة ثمرة العمل الصالح ، والعمل

 الصالح ثمرة الإيمان،والإيمان ثمرة العلم النافع :قال تعالى:{ وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى}[ طه / 82  ]

وقال عزمن قائل:{وعد الله الذين آمنوا وعملواالصالحات لهم مغفرة وأجرعظيم } [ المائدة / 9]  

 وقال عز وجل:{إلا الذين صبروا

وعملوا الصالحات،أولئك لهم مغفرة وأجر كبير} [ هود / 11 ]وقال سبحانه:{ليجزى الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرةٌ ورزقٌ كريم}[ سبأ / 4 ]وقال جل شأنه :{ والذين آمنوا وعملوا صالحاً لهم مغفرة وأجر كبير }[ فاطر / 7  ] وقال تعالى :   {وعد الله الذين آمنوا وعملوا صالحاً منهم مغفرة وأجراً عظيماً }[ الفتح / 29 ]

 إن مغفرة الله غاية ما يسعى إليه العباد

 ، فإذا غفر الله فإنه الرضى والنعيم ،بل السعادةالأبدية في الدنيا والآخرة ، وهذه المغفرة ؛ نتيجة وثمرة للعمل الصالح ؛ الذي كان ثمرةالإيمان الكامل الملقح بالعلم النافع .

إن الحياة الطيبة ، والفلاح ، وتكفير السيئات ، والجزاء بالقسط ، والهدى ، والود ، وعدم الخوف ، والإ ستخلاف ، والبشرى، والرحمة ، والخيرية ؛ كل أولئك وغيره ثمرة العمل الصالح،الذي هو

ثمرة الإيمان ، الملقح بالعلم  النافع

قال تعالى : { من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم }[ المائدة / 69 ]

 وقال سبحانه :{ من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة [ النحل /97]وقال جل وعلا:{فأما من تاب وآمن وعمل صالحاً فعسى أن يكون من المفلحين }[ القصص / 67 ]وقال عز وجل :{ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً يكفر عنه سيئاته }[ التغابن / 9 ]  وقال جل شأنه :{ ليجزى الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط}[ يونس / 4 ]                                                              

وقال تعالى :{ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم }[ يونس / 9 ]

وقال سبحانه :{ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً}[ مريم / 96 ] وقال عز وجل :{ ومن يأته مؤمناً قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى}[ طه / 75 ]  وقال جل وعلا:{ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلماً ولا هضماً }[ طه / 112]

إن هذا الفضل ، وهذا النعيم ، وهذه النعم ؛ كلها بفضل الله جل وعلا ثم بفضل العمل الصالح ، الذي هو ثمرة الإيمان الملقح بالعلم النافع ، نسأله سبحانه وتعالى أن يعلمنا من لدنه علما ، وأن يرزقنا إيماناً كاملاً ، وعملاً صالحاً متقبلا ، وأن يتفضل علينا والله أعلم. 

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الحاديةعشرة في موضوع اللقاح والثمرة وستكون بعنوان:

الفصل الثاني :اللقاح حسن الظن بالله؛

               للإفتقار والإضطرار إليه

    الثمرة:إجابة الدعاء

أولاً:حسن الظن بالله:وهوالثقة في تحقق وعدالله وجوده وفضله وكرمه ورحمته ،لأنه بذل السبب ، وتوكل على الله حق التوكل ؛ فهو طامع فيما عند الله

  قال النووي : قوله عز وجل:( أنا عند ظن عبدي بي ) قال القاضي: قيل معناه بالغفران له  إذا استغفر ، والقبول إذا تاب ، والإجابة إذا دعا، والكفاية إذا طلب الكفاية

 وقيل : المراد به الرجاء وتأميل العفو . وهذا أصح [ صحيح مسلم بشرح النووي ج 17 ص 2 ط الثانية] 

فإذا كان بمعنى الرجاء فهومن الأمل : نقيض اليأس  ، وحسن الظن ؛ ضد سوء الظن .

 قال ابن حجر:قوله:( يقول الله تعالى :أنا عند ظن عبدي بي ) أي : قادر على أن أعمل به ما ظن أني عامل به … وهو مقيد بالمحتضر ، ويؤيد ذلك حديث ( لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله )وهو عند مسلم من حديث جابر

وقال ابن أبي جمرة : المراد بالظن هنا العلم … وقال القرطبي : معنى (ظن عبدي بي )ظن الإجابة عند الدعاء ، وظن القبول عند التوبة،وظن المغفرة عند

 الإستغفار،وظن المجازاة عند فعل العبادة بشروطها تمسكاً بصادق وعده ، قال : ويؤيده قوله في الحديث الآخر:( ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة )قال: ولذلك ينبغي للمرء أن يجتهد في القيام بما عليه موقناً بأن الله يقبله ويغفر له لأنه وعد بذلك وهو لايخلف الميعاد ، فإن اعتقد أو ظن أن الله لايقبلها،وأنهالا تنفعه فهذا هو اليأس من رحمة الله،وهو من الكبائر ، ومن مات على ذلك وكل إلى ما ظن

 كما في بعض طرق الحديث المذكور

 ( فليظن بي عبدي ماشاء)قال:وأما ظن المغفرة مع الإصرار فذلك محض الجهل والغرة وهو يجر إلى مذهب المرجئة "

 [فتح الباري ج 13 ص 385 ،386 ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الثانيةعشرة في موضوع اللقاح والثمرة وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:

الفصل الثاني :اللقاح حسن الظن بالله؛

               للإفتقار والإضطرار إليه

    الثمرة:إجابة الدعاء

وقال المبارك فوري:قوله (أنا عند ظن عبدي بي ) أي أنا أعامله على حسب ظنه بي وأفعل به ما يتوقعه مني من خير أو شر ،والمراد الحث على تغليب الرجاء على الخوف ، وحسن الظن بالله كقوله

 عليه الصلاة والسلام:(لايموتن أحدكم

 إلا وهو يحسن الظن بالله )،ويجوز أن يراد بالظن اليقين . والمعنى : أنا عند يقينه بي وعلمه بأن مصيره إلىّ وحسابه علىّ ، وأن ما قضيت به له أو عليه من خير أو شر لامرد له، ولا معطي لما منعت ولا مانع لما أعطيت … [ تحفة الأحوذي  للمبارك فوري ج 7 ص 63 ط الثالثة]

 وأخرج البخاري بسنده من حديث أبي هريرة قال : قال النبي – صلى الله عليه وسلم – : ( يقول الله تعالى : أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ، وإن تقرب إلىّ شبراً تقربت إليه ذراعاً،وإن تقرب إلىّ ذراعاً تقربت إليه باعاً ،وإن أتاني يمشي أتيته هروله ) [صحيح البخاري كتاب التوحيد ،باب قوله تعالى{ ويحذركم الله نفسه } رقم 7405 ( فتح الباري ج 13 ص 384 ) ، وأخرجه مسلم بمثله في الصحيح ، التوبة ، رقم 2675 ج 4 ص 2102 ] 

 وقال ابن كثير على الآية {الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون }        [ البقرة / 46]قال ابن جرير : العرب قد تسمي اليقين ظناً ، والشك ظناً ، وهي من

 الاسماء التي يسمى بها الشيء وضده … والشواهد من أشعار العرب وكلامها على أن الظن في معنى اليقين ، أكثر من أن تحصر .. ومنه قول الله تعالى:{وراى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها } … قال مجاهد : كل ظن في القرآن يقين

 : أي ظننت وظنوا …وكل ظن في القرآن فهو علم ، وسنده صحيح،وقال أبو العالية على الآية : الظن ههنا يقين …،وقال ابن جريج:{الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم } علموا أنهم ملاقواربهم ،كقوله{إني ظننت أني ملاق حسابيه} يقول:علمت [ تفسير ابن كثير ج 1ص 125 ،126]   ونخلص إلى أن حسن الظن بالله هو: الوثوق بعفو الله،ومغفرته،وقبول

 دعاءه ، وعبادته وخاصة عند الإحتضار

 ؛ فهو أشد مايكون في رجاء الله …

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الثالثةعشرة في موضوع اللقاح والثمرة وستكون إستكمالا للماضيتين والتي هي بعنوان:

الفصل الثاني :اللقاح حسن الظن بالله؛

               للإفتقار والإضطرار إليه

    الثمرة:إجابة الدعاء                                            

 وأخرج ابن أبي الدنيا بسنده من حديث أبي هريرة عن النبي – صلى الله عليه وسلم قال:( إن حسن الظن بالله عز وجل من حسن العبادة )[ حسن الظن بالله لابن أبي الدنيا ص15 رقم 6 تحقيق عبد الحميد شانوحة ط الأولى ثم قال : إسناده صحيح ]   

وقال خلف بن تميم لعلي بن بكار:ما حسن الظن بالله؟قال:لا يجمعك والفجار له في دار واحدة [ ابن أبي الدنيا ص 19 رقم 11]

 واخرج ابن أبي الدنيا بسنده من حديث

 سفيان الثوري يقول:{ وأحسنوا إن الله يحب المحسنين}[ البقرة / 195 ] قال : أحسنوا بالله الظن [ حسن الظن بالله ص 85 رقم 140 ، وسنده حسن]

 وأخرج ايضاً من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( لله مائة

 رحمة،وإنما أنزل منها رحمة واحدة بين الأنس والجن والبهائم والهوام ، فيها يتعاطفون ، وبها يتراحمون ، وبها تتعاطف الوحش على أولادها ، وادخر تسعة

 وتسعين رحمة ليرحم بها عباده يوم القيامة[ حسن الظن بالله ص 88 رقم 146،وعزاه المحقق إلى أحمد في المسند،وإلى الهيثمي في مجمع الزوائد ثم قال:ورجاله رجال الصحيح]

وقال ابن القيم :" الرجاء ثلاثة أنواع : نوعان محمودان ، ونوع غرور مذموم فالأولان:رجاء رجل عمل بطاعة الله على نور من الله . فهو راج لثوابه.

ورجل أذنب ذنوباً ثم تاب منها ، فهو راج لمغفرة الله تعالى وعفوه وإحسانه

وجوده وحلمه وكرمه .

والثالث : رجل متماد في التفريط

 والخطايا ، يرجو رحمة الله بلا عمل ، فهذا هو الغرور والتمني والرجاءالكاذب

   وبالجملة : فالرجاء ضروري للمريد السالك ، والعارف لو فارقه لحظة لتلف أو كاد ؛فإنه دائر بين ذنب يرجو غفرانه ، وعيب يرجو إصلاحه ، وعمل صالح يرجو قبوله ، وإستقامة يرجو حصولها ودوامها ، وقرب من الله ومنزلة عنده يرجو وصوله إليها ،ولاينفك أحد من السالكين عن هذه الأمور أو بعضها … ، والرجاء من الأسباب التي ينال

 بها العبد ما يرجوه من ربه … ، فإنه إنما يرجو تصرفه في ملكه أيضاً بما هو أولى وأحب الأمرين إليه . فإن الفضل أحب إليه من العدل ، والعفو أحب إليه من الإنتقام ، والمسامحة أحب إليه من الإستقصاء ، والترك أحب إليه من الإستيفاء ، ورحمته غلبت غضبه …

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الرابعة عشرة في موضوع اللقاح والثمرة وستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان:

الفصل الثاني :اللقاح حسن الظن بالله؛

               للإفتقار والإضطرار إليه

    الثمرة:إجابة الدعاء                                             

 ثم ذكر ابن القيم فوائد كثيرة للرجاء وهوحسن الظن بالله نلخصها فيما يلي :

1-         يبرد حرارة الخوف  2- يظهر

 العبودية والفاقة  3- أنه سبحانه يحب من عباده أن يؤملوه ويرجوه،ويسألوه من فضله4-من لم يرج الله يغضب عليه 5- أن الرجاء حادٍ يحدو به في سيره إلى الله ؛ لأن العبد يحركه الحب ، ويزعجه الخوف ، ويحدوه الرجاء

 6 – الرجاء يطرحه على عتبة المحبة 7- يبعثه على أعلى المقامات ؛ وهو مقام الشكر .

 8-أنه يوجب له المزيد من معرفة الله

 وأسمائه ومعانيها ، والتعلق بها  9- أن المحبة لا تنفك عن الرجاء ؛ فكل واحد منهما يمد الآخر ويقويه10- أن الخوف مستلزم للرجاء؛والرجاء مستلزم للخوف فكل راج خائف ، وكل خائف راج 11- على قدر رجائهم وخوفهم يكون فرحهم في القيامة بحصول مرجوهم واندفاع مخوفهم12- الرجاء والخوف

 تكميل لمراتب العبودية : من الذل

 والإنكسار،والتوكل والإستعانه، والصب

 والشكر ،والرضى والإنابة وغيرها  13- أن في الرجاء من الإنتظار والترقب والتوقع لفضل الله ؛ما يوجب تعلق القلب بذكره ، ودوام الإلتفات إليه بملاحظة أسمائه وصفاته [ مدارج السالكين ج2 ص 35 –55 ط الثانية]

واخرج ابن أبي الدنيا بسنده من حديث محمد بن سيرين قال : قال على بن أبي طالب رضى الله عنه:أي آية في القرآن أوسع ؟ قال :فجعلوايذكرون آياً من

القرآن :{ ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفرالله يجدالله غفوراًرحيماً } [النساء / 110]،أو نحوهافقال على:ما في القرآن

آية أوسع من {قل لعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعاً ، إنه هو الغفور الرحيم } [ الزمر / 53  ،  حسن الظن ص50 رقم 68 ]

 وأخرج ابن أبي الدنيا أيضاً بسنده من حديث عبد الله بن مسعود قال : إن أكبر آية في القرآن فرحاً آية في سورة الزمر { قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله } فقال مسروق : صدقت [ حسن الظن ص 51 رقم 69 ثم قال المحقق : فالأثر صحيح ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الخامسة عشرة في موضوع اللقاح والثمرة وستكون بعنوان:                                                              

ثانياً : الإفتقار والإضطرار إليه :                                          قال تعالى : { ووجدك عائلاً فأغنى } [ الضحى / 8 ] قال ابن كثير : أي : كنت فقيرأ ذا عيال،فأغناك الله عمن سواه،فجمع له بين مقامي الفقير الصابر ، والغني الشاكر،صلوات الله وسلامه عليه[ تفسير ابن كثير ج 8 ص 448] قال ابن القيم:فالفقر الحقيقي :دوام الإفتقار إلى الله في كل حال ، وأن يشهدالعبد في كل ذرة من ذراته الظاهرة

-والباطنة – فاقة تامة إلى الله تعالى من

كل وجه .

فالفقر ذاتي للعبد،وإنمايتجدد له لشهوده ووجوده حالاً ، وإلا فهو حقيقة .    كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

 والفقر لي وصف ذات لازم أبداً ، كما الغنى أبداً وصف له ذاتي

 قال أبو حفص : أحسن ما يتوسل به العبد إلى الله : دوام الإفتقار إليه على جميع الأحوال وملازمة السنة في جميع الأفعال،وطلب القوت من وجه حلال

 ومن افتقر إلى الله تعالى : اغتنى . .. [مدارج السالكين لابن القيم ( تهذيب مدارج السالكين للعزي ص 469 _ 475 )ط دار المطبوعات الحديثه] 

 وقال ابن قدامة المقدسي : وأعلم أن الفقر محمود ، ولكن ينبغي للفقير أن يكون قانعاً ، منقطع عن الخلق ، غير ملتفت إلى ما في أيديهم ، ولا حريص على اكتساب المال كيف كان ، ولا يمكنه ذلك إلا بأن يقنع بقدر الضرورة من المطعم والملبس .

وقد روي في (صحيح مسلم ) عن عمرو

 بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:( قد أفلح من أسلم ، وكان رزقه كفافاً ، وقنعه الله بما آتاه )) [ صحيح مسلم ، كتاب الزكاة :باب في الكفاف والقناعة ج 2 ص 730،وذكره الألباني في مختصر مسلم رقم 556،مختصر منهاج القاصدين ص 235 ، 236 ط الأولى]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة السادسة عشرة في موضوع اللقاح والثمرة وستكون بعنوان: الأضطرار إلى الله :                               

قال تعالى:{أمن يجيب المضطر إذا دعاه ،ويكشف السوء }[النمل  / 62  ن ]،قال ابن كثير:ينبه تعالى أنه هوالمدعوعند الشدائد ،المرجو عند النوازل ،كما قال تعالى  : { وإذا مسكم الضر في البحر ، ضل من تدعون إلا أياه }[ الإسراء / 67 ] ، وقال تعالى :{ ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون } [ النحل / 53 ]   ، وهكذا قال هاهنا :{ أمن يجيب المضطر إذا دعاه } أي: من هو الذي لا يلجأ المضطر إليه ، والذي لا يكشف ضر المضرورين سواه .

وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة رجل –حكى عنه أبو بكر محمد بن داود الدينوري ، المعروف بالدقي الصوفي – قال هذا الرجل : كنت أكاري على بغل لي من دمشق إلى بلد الزبداني ، فركب معي ذات مرة رجل ، فمررنا على بعض الطريق ، على طريق غير مسلوكة ،فقال لي : خذ في هذه ، فإنها أقرب ، فقلت : لاخبرة لي فيها ،فقال : بل هي أقرب . فسلكناها فانتهينا إلى مكان وعر ووادي عميق ، فيه قتلى كثير ، فقال لي : أمسك رأس البغل حتى أنزل . فنزل وتشمر ، وجمع عليه ثيابه ، وسل سكيناً معه وقصدني ،ففرت من بين يديه وتبعني ،فناشدته الله وقلت:خذ البغل بما عليه . فقال:هو لي،وإنما أريد قتلك ،فخوفته الله والعقوبة فلم يقبل،فاستسلمت بين يديه وقلت : إن رأيت أن تتركني حتى أصلي ركعتين ؟ فقال : عجل ،فقمت أصلي فارتج علىّ القرآن فلم يحضرني منه حرف واحد ، فبقيت واقفاً متحيراً وهو يقول : هيه ، افرغ . فأجرى الله على لساني قوله تعالى : { أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء } ، فإذا أنا بفارس قد أقبل من فم الوادي ، وبيده حربة،فرمى بها الرجل فما أخطأت فؤاده ، فخر صريعاً ، فتعلقت بالفارس وقلت :بالله من أنت ؟ فقال : أنا رسول الذي يجيب المضطر إذا دعاه ، ويكشف السوء . قال : فأخذت البغل والحمل ورجعت سالماً "[ تفسير ابن كثير ج 6 ص 212-214 ] 

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة السابعة عشرة في موضوع اللقاح والثمرة وستكون إستكمالا للماضية والتي هي  بعنوان: الأضطرار إلى الله :                                                                         

وقال تعالى :{ وإذا مسكم الضر في البحر ضلّ من تدعون إلآ إياه ، فلما نجاكم إلى البر أعرضتم ، وكان الإنسان كفوراً } [الإسراء  / 67 ] ،قال ابن كثير: يخبر تعالى أنه إذا مس الناس ضر ، دعوه منيبين إليه،مخلصين له الدين . ولهذا قال :{وإذا مسكم الضر في البحر، ضل من تدعون إلا إياه } أي:ذهب عن قلوبكم كل ما تعبدون غير الله ، كما اتفق لعكرمة بن أبي جهل لما ذهب فاراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فتح مكة ، فذهب هارباً ،فركب في البحر ليدخل الحبشة ، فجاءتهم ريح عاصف ، فقال القوم بعضهم لبعض : إنه لا يغني عنكم إلا أن تدعوا الله وحده . فقال عكرمة في نفسه : والله لئن كان لا ينفع في البحر غيره ، فإنه لا ينفع في البر غيره . اللهم لك علىّ عهد ،لئن أخرجتني منه لأذهبن فأضعن يدي في يديه ، فلأجدنه رءوفاً رحيماً .فخرجوا من البحر ، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأسلم وحسن إسلامه ، رضي الله عنه وأرضاه [ تفسير ابن كثير ج 5 ص 93 ، ثم عزاه المحقق إلى أبي يعلى الموصلي ، وأسد الغابة رقم 3735]  وقال تعالى:{وما بكم من نعمة فمن الله ، وإذا مسكم الضر فإليه

 تجئرون}[ النحل  / 53]قال ابن كثير:" ثم أخبر أنه مالك النفع والضر ، وأن ما بالعبد من رزق ونعمة وعافية ونصر فمن فضله عليه ، وإحسانه إليه ، { ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون}أي:لعلمكم أنه لا يقدر على إزالته إلا هو ، فإنكم عند الضرورات تلجأون إليه ، وتسألونه ، وتلحون في الرغبة مستغيثين به [ تفسير ابن كثير ج 4 ص 495]                              ويتضح مما سبق أنه سبحانه لايلجأ في وقت الشدة إلا إليه ، ولا يدعا إلا هو ، ولا يستغاث في حين الكربة إلا به ، فإذا افتقر العبد إلا إليه ولقح ذلك بالإضطرار إليه فإنه يثمر إستجابة الدعاء ،وكشف مانزل به،لأنه إنما يقول للشيء كن فيكون ، ولأنه يسمع الدعاء ويعلم حاجة عباده وما يصلحهم ، ولأنه قريب سبحانه مجيب .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الثامنة عشرة في موضوع اللقاح والثمرة وستكون بعنوان:   

ثالثاً : إستجابة الدعاء :                                                                          

إن الإفتقار إلى الله ، والإضطرار إليه

سبحانه يجعل العبدمنكسراً بين يديه ،  حوله وقوته إلا بالله،هذه الحال ؛ تورث اللجوء إلى الله،بإنكسار القلب ، وتحرك الجوارح ،ومن أعظمها اللسان ؛ بالدعاء والتضرع إلى من هو قريب مجيب ، إلى من هو يسمع دبيب النملة السوداء على الصخرة السوداء في الظلمة السوداء  ، فيستجيب سبحانه  الدعاء ، وهذه ثمرة ذلك اللقاح المبارك .

والدعاء على ثلاثة أوجه : فضرب منه توحيده والثناء عليه ؛ كقولك : يا الله لا إله إلا أنت،وكقولك:ربنا لك الحمد ، ومثله قوله تعالى :{ وقال ربكم ادعوني استجب  لكم ،إن الذين يستكبرون عن عبادتي … } …

والضرب الثاني :مسألة الله العفو والرحمة وما يقرب منه كقولك:اللهم اغفر لنا ..

والضرب الثالث: مسألة الحظ من الدنيا كقولك : اللهم ارزقني مالاً وولداً …

وإنما سمى هذا جميعه دعاء لأن الإنسان يُصدر في هذه الأشياء بقوله:يارب، يارحمن،فلذلك سمي دعاء[لسان العرب ج 14ص 257 قال الخطابي:اصل هذه الكلمة(الدعاء ) مصدر من قولك : دعوت الشيء ،أدعوه،دعاءً .

أقاموا المصدر مقام الاسم …

ومعنى الدعاء:استدعاء العبد ربه – عز وجل – العناية واستمداده إيّاه المعونة

وحقيقته : إظهار الإفتقار إليه ، والتبرؤ من الحول والقوة ، وهو سمة العبودية ،

واستشعار الذلة البشرية ، وفيه معنى الثناء على الله عز وجل ، وإضافة

الجود ، والكرم إليه،ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( الدعاء هو العبادة ) [ شأن الدعاء للخطابي ص 3،4 ، والحديث أخرجه الترمذي ، وأبو داود ،والنسائي وابن ماجة،وأحمد ، وصححه الحاكم في المستدرك ، ووافقه الذهبي ، والدارمي ، وابن حبان في صحيحه ، وفي جامع الأصول بإسناد صحيح ، كلهم من حديث عبد الرحمن الديلمي ، ( ذكر ذلك المحقق أحمد الدقاق )]                                      ومعناه : أنه معظم العبادة ، أو أفضل العبادة،كقول النبي صلى الله عليه وسلم ( الحج عرفة ) يريد : أن معظم الحج الوقوف بعرفة 

 فإن قيل : فما تأويل قوله سبحانه : { ادعوني استجب لكم } [ غافر / 60 ] وهو وعد من الله جل وعز يلزم الوفاء به ، ولا يجوز وقوع الخلف فيه ؟ قيل : هذا مضمر فيه المشيئة كقوله { بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه ، إن شاء }[ الأنعام / 41 ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة التاسعة عشرة في موضوع اللقاح والثمرة وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:  

ثالثاً : إستجابة الدعاء :                                                                          

وقد يرد الكلام بلفظ عام ، مراده خاص ، وإنما يستجاب من الدعاء ما وافق القضاء ، ومعلوم أنه لا تظهر لكل داع استجابة دعائه ؛ فعلمت أنه إنما جاء في نوع خاص منه بصفة معلومة . وقد قيل : معنى الإستجابة : أن الداعي يعوض من دعائه عوضاً ما ، فربما كان ذلك إسعافاً بطلبته التي دعا لها ، وذلك إذا وافق القضاء . فإن لم يساعده القضاء ، فإنه يُعطى سكينة في نفسه،وإنشراحاً في صدره ، وصبراً يسهل معه إحتمال ثقل الواردات عليه،وعلى كل حال فلا يعدم فائدة دعائه،وهو نوع من الإستجابة..

وإذا ثبت معنى الدعاء،ووجوب العمل به ؛ فإن من شرائط صحته :

أن يكون ذلك من العبد بإخلاص نيته ، وإظهار فقر،ومسكنة،وعلى حال ضرع ، وخشوع ، وأن يكون على طهارة من الداعي ، واستقبال للقبلة ، وان يقدم الثناء على الله عز وجل والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام دعائه ، ومن سنته أن يرفع إلى الله – عز وجل – يديه باسطاً كفيه، غير ساتر لهما بثوب،أو غطاء،ويكره فيه الجهر الشديد بالصوت ، وتكره الإشارة فيه بأصبعين ، وإنما يشير بالسبابة من يده اليمنى فقط  [ شأن الدعاء للخطابي ص 4 – 14 ط الأولى]،وأخرج البخاري بسنده من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:( يستجاب لأحدكم مالم يعجل ، يقول : دعوت فلم يستجب لي ) وعند أحمد( مامن مؤمن ينصب وجهه لله، يسأله مسألة إلا أعطاه إياه ؛إما عجلها له في الدنيا،وإما ادّخرها له في الآخرة ، ما لم يعجل ، قالوا : وما عجلته ؟ قال : يقول : دعوت ، دعوت ، فلا أراه يستجاب لي )[       أخرجه البخاري في الصحيح ، كتاب الدعوات ، باب يستجاب للعبد مالم يعجل ، وصحيح مسلم ، كتاب الذكر ، باب بيان أنه يستجاب للداعي وأخرجه أحمد في المسند ، والترمذي ، وأبو داود ، وابن ماجة]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة ا لعشرون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون إستكمالا للماضيتين والتي هي بعنوان:  

ثالثاً : إستجابة الدعاء :                                                                         

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  ( لايرد القضاء إلا الدعاء ، ولا يزيد في العمر إلا البر ) [أخرجه الترمذي من حديث سلمان الفارسي ج 4 ص 448 رقم 2139 ، والحاكم ج 1 ص 493 بإسناد صحيح ، وذكره الألباني قي صحيح الجامع برقم 7564 ثم قال : حسن ]

والدعاء : واجب ،إلا أنه

 لا يستجاب منه إلا ما وافق القضاء ،

 وهذا المذهب هو الصحيح،وهو قول أهل السنة والجماعة،وفيه الجمع بين الأخبارالمروية على أختلافها والتوفيق

بينهما [ شأن الدعاء ص 8 ] 

 ونخلص إلى أن الدعاء هو العبادة أي أفضلها وأعظمها ، وأنه واجب ، ويقبل بشروطه ومستحباته ، وهومستجاب مالم يعجل ، فإذا استجيب للداعي فهو موافق لما قضاه الله وقدره ،وإن لم يستجاب ؛ فهويدخره له يوم القيامة ، أو أن الله يدفع عن الداعي من الشر بقدر دعائه .

وفي الجملة فهذه الثمرة المهمة والتي هي من أعظم الثمرات لاتتحقق إلا بتلقيح الإفتقار لله سبحانه وتعالى للإضطرار إليه ،وهما يمثلان الإنكسار والذل لله ، وعدم التعلق بغير الله؛بل قطع جميع العلائق إلا إليه سبحانه،فإذا علم الله من عبده هذا الحال إستجاب الدعاء وحقق السؤال . 

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الواحدة والعشرون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون بعنوان:   الفصل الثالث :

   اللقاح: الخشية للمحبة

   الثمرة:إمتثال الأوامروإجتناب المناهي

أولاً:الخشية:وهى الخوف،خشي الرجل

 يخشى خشية أي : خاف  … {وخشي ربه}أي:اتقاه حق تقواه،وعبده كأنه  يراه،وعلم أنه إن لم يره فإنه يراه[لسان العرب ج 14 ص 228 ]{وأهديك إلى ربك فتخشى }[تفسير ابن كثير ج 8ص 478] أي: فيصير

قلبك خاضعاً له مطيعاً ، خاشياً بعد ما كان قاسياً خبيثاً بعيداً عن الخير[ تفسير ابن كثير ج8 ص338 ]  

وقال ابن القيم : ومن منازل " إياك نعبد وإياك نستعين " منزلة ( الخوف )

 وهي من أجل منازل الطريق ، وأنفعها للقلب ،وهي فرض على كل أحد

 قال تعالى :{ فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين } [       آل عمران / 175] ، ، وقال تعالى :{فإياى فارهبون }[ البقرة / 40 ]،وقال:{ فلا تخشوهم واخشون }[ المائدة / 44] ،ومدح أهله في كتابه وأثنى عليهم فقال :{ إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون – إلى قوله – أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون}[ المؤمنون 57- 61 ]قال الحسن : عملوا والله بالطاعات،واجتهدوا فيها ، وخافوا أن ترد عليهم .

إن المؤمن جمع إحساناً وخشية، والمنافق جمع إساءة وأمناً .

و(الوجل ) و(الخوف ) و ( الخشية ) و ( الرهبة ) ألفاظ متقاربه غير مترادفة

و(الخشية ) أخص من الخوف .      فإن الخشية للعلماء بالله ، قال تعالى : {إنما يخشى الله من عباده العلماءُ} [ فاطر / 28 ]  فهي خوف مقرون بمعرفة . وقال النبي صلى الله عليه وسلم:(إني لأتقاكم لله ، وأشدكم خشية )[ أخرجه البخاري في صحيحه ، كتاب الأدب ، باب من لم يواجه الناس بالعتاب ( فتح الباري ج 10 ص 513 رقم 6101)

 لكنه بلفظ (( فوالله إني لأعلمهم بالله ، واشدهم له خشية ))،ومسلم في الصحيح،فضائل رقم 127، 128، ثم قال ابن حجر : جمع بين القوة العلمية والقوة ا              فالخوف حركة ، والخشية إنجماع ، وانقباض وسكون . فإن الذي يرى العدو والسيل ونحو ذلك له حالتان :

 إحداهما : حركة للهروب منه ، وهي حالة الخوف .

والثانية:سكونه وقراره في مكان لا

يصل إليه فيه ، وهى الخشية،فالخوف لعامة المؤمنين،والخشية للعلماء العارفين

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الثانية والعشرون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون إستكمالاللماضية والتي هي بعنوان:   الفصل الثالث :اللقاح: الخشية للمحبة

 الثمرة:إمتثال الأوامروإجتناب المناهي

  وعلى قدرالعلم والمعرفة يكون الخوف والخشية ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إني لأعلمكم بالله ، وأشدكم له خشية ) فصاحب الخوف : يلتجيء إلى الهروب ، والإمساك ، وصاحب الخشية : يلتجيء إلى الإعتصام بالعلم … والخوف المحمود : ماحجزك عن محارم الله …وهو الخروج عن سكون الأمن باستحضار ما أخبر الله به

من الوعد والوعيد …

والخوف علامة صحة الإيمان ، وترحله من القلب علامة ترحل الإيمان منه ..    [ مدارج السالكين ج 1 ص 511- 515 ]

   وقال تعالى في الثناء على الرسل وأتباعهم الذين بلغوا رسالات ربهم :   { الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله ، وكفى بالله حسيباً }[ الأحزاب / 39 ]  قال ابن كثير : أي: يخافونه ولا يخافون أحداً سواه فلا تمنعهم

 سطوة أحد عن إبلاغ رسالات الله … [ تفسير ابن كثير ج 6 ص 422] 

ومما سبق يتضح معنى الخشية ، وأنها أخص من الخوف ؛ فالخوف لجميع الناس والخشية : للعلماء العارفين بالله ، وصاحب الخشية يلتجيء إلى الإعتصام بالعلم ،وهى:إنجماع،وانقباض ، وسكون ، على عكس الخوف فهو حركة .وهذه الخشية بهذا الوصف لقاح للمحبة اللتان تثمران إمتثال الأوامر،واجتناب النواهي

 إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الثالثة والعشرون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون إستكمالاللماضية والتي هي بعنوان:   الفصل الثالث :اللقاح: الخشية للمحبة

 الثمرة:إمتثال الأوامروإجتناب المناهي                                              

 ثانياً : المحبة :الحب : نقيض البغض .

 والحب : الوداد والمحبة ، وأحبه فهو

 مُحب،وهو محبوب على غير قياس [لسان العرب ج1ص289]

 قال ابن القيم : لاتحد المحبة بحد أوضح منها،فالحدود لا تزيدها إلا خفاء وجفاء فحدها وجودها،ولا توصف المحبة بوصف أظهر من ( المحبة )وهذه المادة تدور في اللغة على خمسة أشياء:أحدها :الصفاء والبياض،الثاني:العلو والظهور ،الثالث:اللزوم والثبات،الرابع:اللب، الخامس:الحفظ والإمساك

 ولا ريب أن هذه الخمسة من لوازم المحبة .فإنها صفاء المودة ، وهيجان إرادات القلب للمحبوب.وعلوها وظهورها منه لتعلقها بالمحبوب المراد.

وثبوت إرادة القلب للمحبوب

 ولزومها لزوماً لا يفارقه ، ولإعطاء المحب محبوبه لُبَّه ، وأشرف ما عنده . وهو قلبه ،ولاجتماع عزماته وهمومه على محبوبه .  وقيل : المحبة الميل الدائم بالقلب الهائم ، وقيل : إيثار المحبوب

،على جميع المصحوب وقيل:موافقة الحبيب،في المشهد والمغيب … ، وقيل:معانقة الطاعة ، ومباينة المخالفة

 وقيل : أن تهب كلك لمن أحببت … والمراد : أن تهب إرادتك وعزمك وأفعالك ونفسك ومالك ووقتك لمن تحبه ، وتجعلها حبساً في مرضاته ومحابه . فلا تأخذ لنفسك منها إلا ما أعطاك فتأخذه منه له .

وأجمع ما قيل فيها : قول الجنيد :

 عبد ذاهب عن نفسه ، متصل بذكر ربه ، قائم بأداء حقوقه ، ناظر إليه بقلبه ، فإن تكلم فبالله . وإن نطق فعن الله . وإن تحرك فبأمر الله .وإن سكن فمع الله . فهو بالله ولله ومع الله . – وهي ماعرفت بالمحبة العراقية _ [ مدارج السالكين لابن القيم (التهذيب ص 511- 513]

 وقال ابن قدامة المقدسي:اعلم أن المحبة لله هي الغاية القصوى من المقامات ، فما بعد إدراك المحبة مقام إلا وهو ثمرة من ثمارها ، وتابع من توابعهاكالشوق والأنس والرضى،ولا قبل المحبة مقام إلاوهو من مقدمتها،كالتوبة والصبر والزهد وغيرها [مختصر منهاج القاصدين ص 398 ] 

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الرابعة والعشرون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون إستكمالاللماضيتين والتي هي بعنوان:   الفصل الثالث :اللقاح: الخشية للمحبة

 الثمرة:إمتثال الأوامروإجتناب المناهي                                             

 ثانياً : المحبة :الحب : نقيض البغض .                                     

 واعلم أن الأمة مجمعة على أن الحب لله ولرسوله فرض،ومن شواهد المحبة قوله تعالى:{ يحبهم ويحبونه } [المائدة / 54 ،]، وقوله تعالى :{ والذين آمنوآ أشدُّ حباً لله } [البقرة  / 165 ] وهذا دليل على إثبات الحب لله ، وإثبات التفاوت فيه .

وفي الحديث الصحيح : أن رجلاً سال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة فقال:(ما أعددت لها ؟ قال : يارسول الله:ما أعددت لها من كثرة صلاة ولاصيام،إلاأنني أحب الله ورسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  ( المر مع من أحب ) [ صحيح البخاري ، كتاب الأدب ،  باب علامة الحب في الله  رقم 6171 ( فتح الباري ج 10 ص 557 ) ، ومسلم في المرء مع من أحب ج 4 ص 2033 فما فرح المسلمون بعد الإسلام فرحهم بها[ مختصر منهاج القاصدين ص 398 ]

 وقال ابن القيم:واصل ( التأله ) التعبد ،و(التعبد)آخر مراتب الحب،يقال :

عبّده الحب وتيّمه:إذا ملكه وذلّله لمحبوبه

 فالمحبة : حقيقة العبودية ، وهل تمكن الإنابة بدون المحبة والرضى ، والحمد والشكر ،والخوف والرجاء؟،وهل الصبر في الحقيقة إلا صبر المحبين؟فإنه إنما يتوكل على المحبوب في حصول محابه ومراضيه .

 وكذلك(الزهد)في الحقيقة:هو زهد المحبين ، فإنهم يزهدون في محبة ما سوى محبوبهم

  وكذلك(الحياء ،والفقر،والغنى …. )

  وللمحبة مراتب : 1- العلاقة : لتعلق القلب بالمحبوب 2- الإرادة : وهى ميل القلب إلى محبوبه وطلبه له 3- الصبابة : وهى انصباب القلب إليه 4- الغرام :

  وهو الحب اللازم للقلب ؛ كملازمة الغريم لغريمه 5- الوداد : وهو صفو المحبة وخالصها 6-الشغف: أي : وصل حبه إلى شغاف قلبه 7-العشق : وهو الحب المفرط 8 – التتُّيم : وهو المنفرد بحبه وشجوه  9- التعبد : وهو الذي صار كله عبد لمحبوبه ظاهراً وباطناً ، وهذا هو حقيقة العبودية ، ولما كمل سيد ولد آدم هذه المرتبة ؛ وصفه الله بها في أشرف مقاماته؛ مقام الإسراء،كقوله :{67: 1سبحان الذي أسرى بعبده  }

 ومقام الدعوة كقوله :{72: 19 وأنه لما قام عبد الله يدعوه }   

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الخامسة والعشرون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون إستكمالاللماضيات والتي هي بعنوان:   الفصل الثالث :اللقاح: الخشية للمحبة

 الثمرة:إمتثال الأوامروإجتناب المناهي                                             

 ثانياً : المحبة :الحب : نقيض البغض .                                     

،ومقام التحدي كقوله :{ 2: 23 وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا } وبذلك استحق التقديم على الخلائق في الدنيا والآخرة ، وحقيقة العبودية : الحب التام، مع الذل التام ، والخضوع للمحبوب …

 10 – مرتبة الخلة : التي انفرد بها الخليلان – إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام ،

كما صح عنه أنه قال:(إن الله اتخذني خليلاً ، كما اتخذ إبراهيم خليلا} والخلة : هى المحبة التي تخللت روح المحب وقلبه ، حتى لم يبق فيه موضع لغير المحب .

ودليل المحبة لله إتباع رسول الله قال تعالى :{ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله }[ آل عمران / 31، ] ، وهي تسمى آية المحبة ، قال أبو سليمان الداراني : لما ادَّعت القلوب محبة الله : أنزل الله لها محنة هذه الآية .

 قال بعض السلف:ادعى قوم محبة الله ، فأنزل الله آية المحبة،وقال :{ يحببكم الله }إشارة إلى دليل المحبة وثمرتها ، وفائدتها . فدليلها وعلامتها : اتباع الرسول . وفائدتها وثمرتها : محبة المرسِل لكم . فمالم تحصل المتابعة ؛ فليست محبتكم له حاصلة .ومحبته لكم منتفية …إذا غرست شجرة المحبة في القلب ، وسُقيت بماء الإخلاص ومتابعة الحبيب ؛ أثمرت أنواع من الثمار ، وآتت أكلها كل حين بإذن ربها ، أصلها ثابت في قرارالقلب،وفرعها متصل بسدرة

المنتهى [  تهذيب مدارج السالكين للعزي  ص 509 – 524]

 ومما سبق يتضح أن محبة الله ومحبة

رسول الله فرض وواجب لايصح من دونها إيمان ولا يقبل بدونها عمل ، ولا تصح عقيدة إلا بها،ولاتستقيم أخلاق من دونها،لكنهاوحدهالاتتم،ولا تستقيم ؛ إلا بتلقيح الخشية لها ، فإذا إجتمعت الخشية والمحبة أثمرت الثمرة العظيمة ، الثمرة المباركة ، الثمرة التي ينبني عليها سعادة الدارين ، الثمرة التي يمتثل العبد بها الأوامر ، وينتهي بها عن النواهي ، وكيف تُمتثل الأوامر ، ويُنتهى عن النواهي إذا لم يكن عند الإنسان خشية من الله ممزوجة بحب لله ولرسول الله ولشرع الله ؟ لايمكن،ولذلك قال ابن القيم :( الخشية لقاح المحبة ،فإذا اجتمعا أثمرا إمتثال الأوامر واجتباب المناهي [ الفوائد ص 346 ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة السادسة والعشرون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون إستكمالاللماضيات والتي هي بعنوان:   الفصل الثالث :

اللقاح: الخشية للمحبة

الثمرة:إمتثال الأوامروإجتناب المناهي                                                                                    

أولاً:الأوامر:الأمرهو:كل ما أمر الله باعتقاده،أو عمله،أو قوله وهو نقيض النهي ،وهو دين الله جل جلاله .

 وكل ما أمر الله به فهو خير للإنسان في الدنيا والآخرة ، وهي العبادات التي أمر الله بها عباده : من إعتقاد صحيح في ذات الله،وأسمائه،وصفاته،وتحقيق أركان الإيمان تحقيقاً صحيحاً خالصاً ؛ علماً وعملا ، وتحقيق أركان الإسلام ، تحقيقاً صحيحاً خالصاً؛علماً وعملاً ،ثم أمر بالأخلاق الكريمة وحث عليها ، وأمر بالمعاملات الإسلامية ؛ سواء

 كانت مالية،أو إجتماعية،أو سياسية...

  قال تعالى :{ إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا أياه … } [ يوسف / 69]                           وقال سبحانه :{ والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم } [ الرعد / 21]  

 وقال جل وعلا :{ ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم }[ المائدة / 117] وقال عز وجل : { إن الله يأمر بالعدل والإحسان ، وإيتاء ذي القربى .. }[ النحل / 90] وقال جل شأنه:{ إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها }      [ النساء / 58] وقال تعالى :{ قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم } [ الأنعام / 14] وقال سبحانه :{ وأمرت أن أكون من المؤمنين } [ يونس / 104 ] وقال جل جلاله :{ قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصاً له الدين } [ الزمر / 11 ] وقال عز وجل : { واستقم كما أمرت ولا تتبع أهوائهم }[الشورى / 15]

 وقال جل شأنه :{ وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين }[البينة / 5] وقال تعالى :{ وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا }

[ الشورى / 52] وقال سبحانه:{ ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره }[ الطلاق / 3 ] 

 أوامر الله مقصودة لذاتها ، وهي من باب حفظ الإيمان ، وفعل المأمورات حياة القلب ،وغذاؤه وزينته وسروره وقرّة عينه ولذته ونعيمه إن إمتثال الأمر عبودية  وتقرب وخدمة

 إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة السابعة والعشرون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون إستكمالاللماضية والتي هي بعنوان:   الفصل الثالث :اللقاح:الخشية للمحبة

الثمرة:إمتثال الأوامروإجتناب المناهي                                                                                    

أولاً:الأوامر: وتلك العبادة التي خُلق لأجلها الخلق كما قال تعالى:{ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}[الذاريات / 56 ] فاخبر سبحانه أنه إنما خلقهم للعبادة ، وكذلك إنما أرسل رسله وأنزل عليهم كتبه ليعبدوه .

 فالعبادة هي الغاية التي خُلقوا لها فامتثال المأمور أمر وجودي مطلوب الحصول .

 إن فوات المأمور به فوات الحياة المطلوبة للعبد ، وهي التي قال الله فيها : { يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم }[ الأنفال / 24] وقال تعالى:{ أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها}[ الأنعام ] ، من كلام ابن القيم في الفوائد ص216 – 233 في باب ترك الأوامر أعظم عند الله من إرتكاب المناهي ]                                                                                  

إن أوامر الله هي : ماوردت في الكتاب والسنة ، لتعبيد الإنسان لله قال تعالى: {وماخلقت الجن والإنس إلاليعبدون } ،ومدلول العبادة شامل لا يقتصر على الفرائض ؛بل الحياة في منهج الله وحدة ، كل مافيها لله ، والإسلام لا يفصل بين طريق الدنيا وطريق الآخرة ، ولا يفرق بين الفرائض والسلوك ، ويجعل كل حركة في حياة المسلم وثيقة الصلة بعقيدته،كي يتوجه بها إلى ربه، منفذاً أمره ،ومحققاً رسالته ، قال تعالى :{ قل إن صلاتي

ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ،لاشريك له وبذلك أمرت،وأنا أول المسلمين }[ الأنعام / 162 ، 163]والذي حققه ابن تيمية " أن العبادة : اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة "[ العبودية ص 38 ]      

 والعبد عندما يمتثل الأوامر ، لايمكن أن يمتثلها من فراغ،بل لابد من علم، وإيمان ،وخشية ، وحب لله  ؛ حتى يكون للأمر وقع في النفس يعقبه فعل مطابق لما فعل رسول الله  صلى الله عليه وسلم  مع إخلاص لله سبحانه وتعالى ، فيكون هذا الإمتثال الثمرة العظمى من التكليف ، ليكون الإنسان لائق لجوار الله في الدار الآخرة

  إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الثامنة والعشرون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون إستكمالاللماضيات والتي هي بعنوان:   الفصل الثالث :اللقاح:الخشية للمحبة

الثمرة:إمتثال الأوامروإجتناب المناهي                                                                                                                        ثانياً:النواهي:النهي:خلاف الأمر،نهاه ينهاه نهياً،فانتهى وتناهى:كف[  لسان العرب ج 15 ص 343 ] وهي ما طلب الشارع الكف عنه  وتركه،وعدم فعله،لما يترتب على إرتكابه وفعله  من ضرر دنوي أو أخروي ، أو كلاهما معاً

  قال ابن القيم : فمما ينبغي أن يعلم : أن الذنوب والمعاصي تضر ، ولا بد أن ضررها في القلب كضرر السموم في الأبدان،على إختلاف درجاتها في الضرر    وهل في الدنيا والآخرة شر وداء إلا سببه الذنوب والمعاصي ؟ فما الذي أخرج الأبوين من الجنة ، دار اللذة

والنعيم والبهجة والسرور ، إلى دار

 الآلام والأحزان والمصائب ؟

 وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء وطرده ولعنه … ؟

 وما الذي أغرق أهل الأرض كلهم حتى علا الماء فوق رؤوس الجبال … ؟

 وما الذي سلط الريح على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض ..؟

وماالذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم وماتوا عن آخرهم؟

 وما الذي رفع قرى اللوطية حتى سمعت الملائكة نبيح كلابهم،ثم قلبها عليهم..؟

 وما الذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالظلل،فلما صار فوق رؤوسهم أمطر عليهم ناراً تلظى ؟

وما الذي أغرق فرعون وقومه في البحر؟

وما الذي خسف بقارون وداره  وماله وأهله ؟

 وما الذي أهلك القرون من بعد نوح بأنواع العقوبات ودمرها تدميراً…؟

 … وللمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة ، المضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة مالايعلمه إلا الله .

فمنها :حرمان العلم ،فإن العلم نور يقذفه الله في القلب،والمعصية تطفيء ذلك النور.[ الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ص 46 ،47 ، 60 ط الأولى]   

 

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة التاسعة والعشرون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون إستكمالاللماضية والتي هي بعنوان:   الفصل الثالث :اللقاح:الخشية للمحبة

الثمرة:إمتثال الأوامروإجتناب المناهي                                                                                                                        ثانياً:النواهي:أضرار المعاصي

ومنها: وحشة يجدها العاصي في قلبه بينه وبين الله لا توازنها ولاتقارنها لذة أصلاً  ، ولو اجتمعت له لذات الدنيا بأسرها لم

تف بتلك الوحشة …

   ومنها : تعسير أموره عليه ، فلا يتوجه لأمر إلا يجده مغلقاً دونه أو متعسراً عليه

  ومنها : ظلمة يجدها في قلبه حقيقة يحس بها كما يحس بظلمة الليل البهيم ادلهم …

ومنها:أن المعاصي توهن القلب والبدن ، ومنها حرمان الطاعة …

ومنها:أن المعاصي تقصر العمر ، وتمحق بركته …

 وبالجملة فالعبد إذا أعرض عن الله واشتغل بالمعاصي ضاعت عليه أيام حياته الحقيقية التي يجد غب إضاعتها يوم القيامة يوم يقول : { ياليتني قدمت لحياتي }[ النازعات / 24   ،  الجواب الكافي ص 60 – 63 ]

   ولذلك وغيره من الآثار الوخيمة للمعاصي حرمها الله ، ونهى عنها ، وحذر من ارتكبها وتوعدمن فعلها بالعذاب الأليم في الدنياوالآخرة،وباللعنة وبالغضب،وبإقامة الحدود عليها في الدنيا  

لمن ثبتت عليه ….

 ومما نهى الله عنه من الذنوب والمعاصي :قال تعالى :{ وما آتاكم الرسول فخذوه ، وما نهاكم عنه فانتهو ا }[ الحشر / 7]  ،

وقال سبحانه:{واخذهم الرباوقد نهوعنه ،وأكلهم أموال الناس بالباطل}[ النساء / 161]    

 وقال جل جلاله:{فلما عتواعمانهو عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين}[ الأعراف /166]    

 وقال عز وجل :{ الم تر إلى الذين نهوا

عن النجوى، ثم يعودون لما نهوا عنه

ويتناجون بالأثم والعدوان ومعصية الرسول}[ المجادلة /8]وقال جل شأنه :{ إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم }[ النساء / 31]وقال تعالى :{ ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيراً لكم ، إنما الله إله واحد } [النساء / 171]

 

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الثلاثون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون إستكمالاللماضيتين والتي هي بعنوان:   الفصل الثالث :اللقاح:الخشية للمحبة

الثمرة:إمتثال الأوامروإجتناب المناهي                                                                                                                        ثانياً:النواهي: ومما نهى الرسول عنه – صلى الله عليه وسلم - :

أخرج مسلم بسنده من حديث أبي

 هريرة قال:قال رسول الله صلى الله

 عليه وسلم :(ذروني ما تركتكم ؛فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم  واختلافهم على أنبيائهم ،فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه مااستطعتم،وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه )[ صحيح مسلم ، الحج ، باب فرض الحج مرة في العمر ج 2ص 975 رقم 1337]وأخرج مسلم بسنده من حديث عبد الله بن عمر ، وأبي هريرة أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره :( لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم،ثم ليكونن من الغافلين )[  صحيح مسلم ، الجمعة ، باب التغليظ في ترك الجمعة ج 2ص 591 رقم 865 ]

وأخرج البخاري بسنده من حديث أنس بن مالك قال:قال النبي صلى الله عليه وسلم:(مابال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم ؟) فاشتد قوله في ذلك حتى قال:( لينتهين عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم )[ صحيح البخاري ، الأذان ، باب رفع البصر إلى السماء في الصلاة ، رقم 750 ( فتح الباري ج 2 ص 233 ) ]

ونفى سبحانه وتعالى محبته عن من ارتكب  بعض المناهي مثل قوله :

{ والله لا يحب الفساد }[ الصف / 4] وقوله تعالى :{ والله لا يحب كل مختال فخور } [ الحديد / 23 ] ، وقوله :{ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين}[ البقرة / 190 ]، وقوله:{ لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم }[ النساء / 148]، وقوله : { إن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً } [ النساء / 36]ونظائره .

  وأخبر في موضع آخر أنه يكرهها ويسخطها كقوله :{ كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروهاً }[ الإسراء / 38 ]  ، وقوله :

{ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله } [ محمد / 28]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الواحدة والثلاثون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون بعنوان: قدّر الله ما يكرهه ويُسخطه لإفضائه إلى ما يحبه                                                                                                                                                                       قال ابن القيم : قدّر الله ما يكرهه

 ويُسخطه لإفضائه إلى ما يحبه ، كما                                    

قدّرالمعاصي والكفر والفسوق لما ترتب على تقديرها مما يحبه من لوازمها من الجهاد واتخاذ الشهداء،وحصول التوبة من العبد والتضرع إليه والاستكانه ،وإظهار عدله وعفوه وإنتقامه وعِزّه ، وحصول الموالاة والمعاداة لأجله ، وغير ذلك من الآثار التي وجودها بسبب تقديرها لما يكره أحب إليه من ارتفاعها بارتفاع أسبابها ، وهو سبحانه لا يقدر ما

 يحب لإفضائه إلى حصول ما يكرهه ويسخطه كما يقدر ما يكرهه لإفضائه إلى ما يحبه ..

  إن ترك المنهي مقصود لتكميل فعل المأمور ، فهو منهي عنه لأجل كونه يخل بفعل المأمور أو يضعفه وينقصه،كما نبه سبحانه على ذلك في النهي عن الخمر والميسر بكونهما يصدان عن ذكر الله وعن الصلاة .

 فالمنهيات قواطع وموانع صادة عن فعل

 المأمورات أوعن كمالها … وترك المنهيات من باب الحمية عما يشوش قوة الإيمان ويخرجها عن الإعتدال …

  والمنهيات شرور ، وتفضي إلى شرور ، والمأمورات خير وتفضي إلى الخيرات ، والخير بيديه سبحانه ، والشر ليس إليه ، فإن الشر لا يدخل في صفاته ولا في أفعاله ولا في أسمائه ، وإنما هو في المفعولات مع أنه شر بالإضافة والنسبة إلى العبد ، وإلا من حيث إضافتة ونسبته إلى الخالق سبحانه فليس بشرّ من هذه الجهة . فغاية ارتكاب المنهي أن يوجب شرّاً بالإضافة إلى العبد مع أنه في نفسه ليس بشر ، وكلما كان المأمور أحب إلى الله سبحانه كان الشر الحاصل بفواته أعظم كالتوحيد والإيمان  ، والمأمور به محبوبه ، والمنهي عنه مكروهه ، ووقوع محبوبه أحبُّ إليه من فوات مكروهه ، وفوات محبوبه أكره إليه من وقوع مكروهه [ الفوائد لابن القيم ص 216-233 ]   

 ونخلص إلى أن الإمتثال للأوامر والإنتهاء عن المناهي: ثمرة عظيمة من ثمرات تلقيح الخوف من الله والخشية لله  من جانب ، لمحبة الله من جانب آخر .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الثانية والثلاثون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون بعنوان: الفصل الرابع :اللقاح : الصبر لليقين

 الثمرة : الإمامة في الدين

أولاً:الصبر:للصبرمعنيان أحدهما لغوي : وهو حبس النفس عن الجزع ، وقد

صبر فلان عند المصيبة يصبر صبراً ، وصبرته أنا:حبسته قال تعالى:{واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم} [ الكهف / 28  واصل الصبر:الحبس،والمصبورة التي نهى عنها في الحديث:(نهى أن تصبرالبهائم )  [ رواه ابن ماجة ، وأبو داود ، والنسائي ، عن أنس بن مالك  ، وذكره الألباني في صحيح الجامع برقم 6688 ثم قال : صحيح  ] هي المحبوسة على الموت   [ صحاح الجوهري ج 2 ص 706 ، تاج العروس للزبيدي ج 3 ص 323 ، غريب الحديث لأبي   عبيد ج 1 ص 254 ، لسان العرب لابن منظور ج 4 ص 438 ]

والمعنى الثاني هو الشرعي : وهو حبس النفس على ما أمرت به من مكابدة الطاعات والصبر على البلاء وأنواع الضرر في غير معصية،والصبر من أعظم الأصول التي يعتمدها الزهاد وسالكوا طريق الآخرة .

قال الراغب : الصبر حبس النفس على ما يقتضيه العقل والشرع،وقال ذو النون :هوالتباعد عن المخالفات،والسكوت

 عن تجرع غصص البلية وإظهار

الغنى عند حلول الفقربساحة المعيشة . 

 ويسمى بحسب موقعه:فإن كان حبس النفس بمصيبة؛ سمى:صبراًلاغير،ويضاده :الجزع وإن كان في محاربة؛سمى: شجاعة ، ويضاده :الجبن ،وإن كان في نائبة مضجرة ؛ سمى:رحب الصدر ،ويضاده: الضجر،وإن كان في إمساك الكلام ؛ سمى:كتماناً،ويضاده:الهذر والإفشاء. وفي فضول العيش :زهد ؛ ويضاده : الحرص ،وفي اليسير من الدنيا :قناعة ؛ وضده : الشره [ مفردات الراغب ص 273 ،دليل الفالحين ج 1 ص 137 ، مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح للقاري ج 5 ص 84]                                                         إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الثالثة والثلاثون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: الفصل الرابع اللقاح:الصبرلليقين

والثمرة : الإمامة في الدين

تابع أولاً:الصبر                                         

وحكم الصبر : واجب ؛ذهب إلى ذلك : ابن حزم ، وابن القيم ، وأبو بكر
الطرطوشي ، وخاصة ما يمنعه من محرم
،وذهب بعض العلماء إلى أنه مستحب
منهم :
الشيرازى  ، قال تعالى:{ واصبروا إن الله مع الصابرين }[ الأنفال / 46 [صحيحه ، الطهارة ، باب فضل الوضوء ج 1 ص 203 عن أبي مالك الأشعري،][ المهذب من المجموع ج 5 ص 95 ، كشاف القناع عن متن الإقناع ج 2 ص 145 ، رسالة ابن أبي زيد القيروان مع الثمر الداني ص 223  ، الثمر الداني  ص 223 ، المحلى لابن حزم ج 5 ص 216 ، مدارج السالكين ج 2 152 ، كتاب البدع والحوادث للطرطوشي ص163 ]          وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  :(والصبر ضياء )[ أخرجه مسلم ]

وللصبر فضائل :[ انظر رسالة ( الصبر ) للدكتور / صالح الخزيم  ] الصبر خصلة محمودة ، وسجية مرغوبة ، وخلق فريد ، جميل العواقب ، حميد الآثار ، جم الفوائد وكريم العوائد ، يعطي المسلم فرصة يفكر فيها بما ينفعه،ويتروى في أمره فلا يقدم إلا على ما هو محقق النفع،وصالح الجنى،ومأمون

 النتيجة .

 الصبر ينير للمسلم طريقه لأنه ضياء ؛ فهو يُصبر على طاعة الله ، ويُصبر عن معاصي الله ، ويُصبر على المكاره التي تعترضه في الحياة ويمكن أن نجمل الفضائل فيما يلي :

1- الصبر عون للمسلم على تحمل تكاليف الشرع ، قال تعالى :{ واستعينوا بالصبروالصلاة ، وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين }[ البقرة / 45 ]

  وقال تعالى:{ياأيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة ،إن الله مع الصابرين } [ البقرة /153]  الصابر يعينه الله وينصره ويحفظه ويؤيده ، قال تعالى :{قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ، والله مع الصابرين }[ البقرة / 249]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الرابعة والثلاثون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون إستكمالا للماضيتين والتي هي بعنوان:

تابع:فضائل الصبر 

2-من يصبرعلى الأذى ، ويستر السيئة ؛ يشكر الله له هذه الأفعال الحميدة والتي عليها  ثواب جزيل ، وثناء جميل ، قال سبحانه :{ولمن صبر وغفر إن ذلك من عزم الأمور } [ الشورى / 43 ، تفسير ابن كثير ج 7 ص 200]                                                                  تَفد الملائكة على الصابرين في الجنة مسلمين و مهنئين لهم بما حصل لهم من الله من التقريب والإنعام ، والإقامة في دار السلام ، في جوار الصديقين والأنبياء والرسل الكرام ؛ وذلك كله بفضل الصبر ، قال تعالى :{ والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية ،ويدرؤن بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار ، جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبآئهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب ، سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار }[ الرعد / 20-24 ، تفسير ابن كثير ج 4 ص 372  ،]   

3-الصابرون يغفر الله لهم ولهم أجر كبير ، قال تعالى :{ إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات ، أولئك لهم مغفرة وأجر كبير }[ هود / 11 ]

4-الصابرون لهم عقبى الدار ،لهم الجنة ، قال تعالى :{ والذين صبروا ابتغآء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية ويدرؤن بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار ، جنات عدن يدخلونها … }[ الرعد / 22،23 ]

 وقال عز وجل :{ أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاماً}[الفرقان /75 ]

5-الصابرون لايضرهم شر الأشرار ، ولا كيد الفجار ، قال تعالى :{ وإن تصبروا وتتقوا لايضركم كيدهم شيئاً ،

 إن الله بما يعملون محيط } [ آل عمران / 120]

6-تقوى الله بالصبر على مشاق الطاعات ، وحجز النفس عن المعاصي والمنكرات ،وتحمل المكاره والإبتلاءات سبب للفلاح في الدنيا وفي الآخرة ، قال تعالى :{ياأيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون } [ آل عمران / 200 ]    

7-وبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين ، قال سبحانه:{ وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا ، وكانوا بآياتنا يوقنون }[ السجدة / 24 ]

 وفضائل الصبر كثيرة ومتعددة ؛ويكفي فيه أن الله أمر به ، والله لايأمر إلا بما فيه خير. 

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الخامسة والثلاثون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون بعنوان: أنواع الصبر                                    

 والصبر أنواع :

النوع الأول : صبر على طاعة الله ، قال تعالى :{ ياأيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون ، وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعموا فتفشلوا وتذهب ريحكم ، واصبروا إن

 الله مع الصابرين }[ الأنفال / 45 ، 46  ، ]

وقال تعالى :{ يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا ، واتقوا الله لعلك تفلحون }[ آل عمران / 200  ]

النوع الثاني : صبر عما نهى الله عنه ، قال تعالى :{ وأما من خاف مقام ربه ، ونهى النفس عن الهوى ، فإن الجنة هى المأوى }[ النازعات / 40 ، 41]

واخرج البخاري بسنده من حديث أبي هريرة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : …ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال . فقال : إني أخاف الله … )[ صحيح البخاري ، الأذان ، باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة ، وفضل المساجد ج 1  ص 160،161، وأخرجه مسلم في صحيحه ، الزكاة ، باب فضل إخفاء الصدقة ج 2 ص 715]

النوع الثالث:الصبر على المصائب والكوارث والإبتلاءات ، أخرج البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك قال : مرّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على امرأة عند قبر وهى تبكي فقال لها : ( اتقى الله واصبري ) فقالت : اليك عني ، فإنك لم تصب بمصيبتي ولم تعرفه ، قال : فقيل لها : إنه النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : فأخذها مثل الموت ، قال : فأتت باب النبي صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين فقالت : يارسول الله لم أعرفك ، فقال صلى الله عليه وسلم:(الصبرعند الصدمة الأولى ) [ صحيح البخاري ، الجنائز ، باب الصبر عند الصدمة الأولى ج 2 ص 84 ، صحيح مسلم ، الجنائز ، باب في الصبر على المصيبة عند الصدمة الأولى ج 2 ص 637 ]

 إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة السادسة والثلاثون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون بعنوان: ثانياً : اليقين :                                                 

اليقين : العلم ،وإزاحة الشك ،وتحقيق

 الأمر،وهونقيض الشك،والعلم نقيض الجهل،وربما عبروا بالظن عن اليقين ، وباليقين عن الظن،يقال:يقنت الأمر بالكسر يقيناً،واستيقنت وأيقنت وتيقنت كلها بمعنى واحد [لسان العرب ج 13 ص 457  ]  قال الجنيد:اليقين:هو استقرار العلم الذي لا ينقلب ولا يحول ،ولا يتغير في القلب ، وقال ابو بكر الوراق:اليقين ملاك القلب وبه كمال الإيمان . وباليقين عُرف الله ،وبالعقل عقل عن الله .

وقال ابن القيم :"وهو من الإيمان بمنزلة الروح من الجسد ، وبه تفاضل العارفون ، وفيه تنافس المتنافسون ، وإليه شمر العاملون،وعَمَلُ القوم إنما كان عليه ، وإشاراتهم كلها إليه.

وخَص سبحانه أهل اليقين بالإنتفاع بالآيات والبراهين فقال وهو أصدق القائلين:{وفي الأرض آيات للموقنين } [ الذاريات / 20 ] وخَص أهل اليقين بالهدى والفلاح من بين العالمين فقال :        { والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ، وبالآخرة هم يوقنون ، أولئك على هدى من ربهم ، وأولئك هم المفلحون }[ البقرة / 4،5 ] وأخبر عن أهل النار : بأنهم لم يكونوا من أهل اليقين ، فقال تعالى :{ وإذا قيل : إن وعد الله حق ، والساعة لا ريب فيها ، قلتم : ما ندري ما الساعة ؟ إن نظن إلا ظناً ،وما نحن بمستيقنين}[ الجاثية / 32 ]ف(اليقين ) روح أعمال القلوب التي هي أرواح أعمال الجوارح،وهوحقيقة الصديقية وهو قطب هذا الشأن الذي عليه مداره [ تهذيب مدارج السالكين ص  457 ] قال محمد الزبيدي في شرح أحياء علوم الدين للغزالي : … فعلم اليقين : ما كان العلم به ثابتاً عن البرهان ، فسمى علم يقين لتحقيق كونه علماً ، لأنه قد يسمى الظن علماً للسكون إلى أحد المحتملين ، فإذا قالوا : علم اليقين أرادوا العلم المتيقن الذي لا يقبل الإحتمال ولذلك كان بشرط البرهان … [ إتحاف السادة المتقين للزبيدي ج 1 ص 408 -418]                                           

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة السابعة والثلاثون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون بعنوان: عين اليقين وحق اليقين

وعين اليقين :هوحصول العلم وتوالي أمثاله من غير نظر في دليل بل صار العلم مذكوراً وقَلتْ الغفلات في تواليه على القلب فلم يحتج صاحبه إلى تأمل برهان.

وحق اليقين : هو حصول اليقين بالمعلوم الذي صار غالباً على القلب حتى لا يبقى لغيره ذكر منه وبهذا الإعتبار سموه حق اليقين لثبوت الحقيقة لمن تحقق به …وفي عبارات بعضهم : علم اليقين : ما أعطاه الدليل بتصور الأمر على ماهو عليه .

وعين اليقين:ماأعطته المشاهدة والكشف

وحق اليقين :ما حصل من العلم بما أريد له ذلك الشهود [ إتحاف السادة ج1 ص 408 – 418 ] قال       ابن القيم:وقد مثلت المراتب الثلاثة بمن أخبرك:أن عنده عسلاً ، وأنت لاتشك

في صدقه ،ثم أراك إياه ، فازددت يقيناً ، ثم ذقت منه ؛ فالأول : علم اليقين ، والثاني : عين اليقين ، والثالث : حق اليقين [ مدارج السالكين ج 2 ص 403 ]    

وأخرج ابن أبي الدنيا بسنده من حديث أبي بكر الصديق قال بعد ما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنة : قام فينا رسول الله صلى الله علي وسلم عام أوّل مقامي هذا قال:ثم بكى أبوبكر رحمه الله ثم قال:(عليكم بالصدق فإنه مع البر،وهما في الجنة ، وإياكم والكذب فإنه مع الفجور ، وهما في النار ، وسلوا الله المعافاة ، فإنه لم يؤت أحد شيئاً بعد اليقين خير من المعافاة ، ولا تقاطعوا ، ولا تدابروا ، ولا تحاسدوا ، وكونوا عباد الله إخواناً )[اليقين لابن أبي الدنيا ص46 ط الأولى تحقيق زغلول ، وفي الطبعة التي حققها مصطفى عطا ص 14 ، وأخرجه ابن ماجة،في السنن ، الدعاء ، باب 5 رقم 3849 ، وأحمد في المسند ج 1 ص 3 ، 5 ، والحميدي في المسند برقم 7 ، وابن حبان في صحيحه ج 7 ص 494 ، والخرائط في مكارم الأخلاق برقم 52 ، والبخاري في الأدب المفرد برقم 724  ، والمنذري في الترغيب والترهيب ج 3 ص 591 ، وابن عساكر ج 3 ص 156 وقال العراقي : إسناده حسن  ، الإتحاف ج 7 ص 510 وقال أحمد شاكر : إسناده صحيح ، وذكره الألباني في صحيح الجامع برقم 3951 ثم قال : صحيح ] 

 وقال عبد الله بن مسعود :" إن الروح والفرح في اليقين والرضى ، وإن الغم والحزن من الشك والسخط "[ اليقين لابن أبي الدنيا ص 28 وفي الطبعة الآخرى ص58 ]                                           

  إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الثامنة والثلاثون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: عين اليقين وحق اليقين

وقال البخاري :قال ابن مسعود :

 اليقين : الإيمان كله " وعلق عليه ابن

 حجر فقال:هذا التعليق طرف من أثر وصله الطبراني بسند صحيح ،وبقيته : والصبر نصف الإيمان ،وفي الإيمان لأحمد من طريق عبد الله بن عكيم عن ابن مسعود أنه كان يقول:اللهم زدناإيماناً

ويقيناً وفقهاً وإسناده صحيح [ صحيح البخاري ، الإيمان ، باب قول النبي (بنى الإسلام على خمس )  ( فتح الباري ج 1 ص 45، 48]    

 وأخرج مسلم بسنده من حديث أبي هريرة : … فقال :يا أبا هريرة ،وأعطاني نعليه قال : ( اذهب بنعليَّ هاتين،فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا اله إلا الله،مستيقناً بها قلبه،فبشره بالجنة) الحديث[ صحيح مسلم ، الإيمان ، باب 10 رقم 52 ج 1 ص 60 ] قال النووي :معناه:أخبرهم أن من كانت هذه صفته فهو من أهل الجنة ، وإلا فأبو هريرة لا يعلم إستيقان قلوبهم،وفي هذا دلالة ظاهرة لمذهب أهل الحق : أنه لا ينفع إعتقاد التوحيد دون النطق ، ولا النطق دون الإعتقاد ؛بل لابد من الجمع بينهما .. وذكر القلب هنا للتأكيد ، ونفي توهم المجاز ، وإلا فالإستيقان لا يكون إلا بالقلب "   [ صحيح مسلم بشرح النووي ج 1 ص 237 ، مدارج السالكين ج 2ص 403 ] 

وقال ابن القيم:فاليقين هو الوقوف على ما قام بالحق من أسمائه وصفاته ، ونعوت

كماله ، وتوحيده ،وهذه الثلاثة أشرف علوم الخلائق:علم الأمر والنهي،وعلم الأسماء والصفات والتوحيد ، وعلم المعاد واليوم الآخر .                  وقال : والصبر لقاح اليقين ، فإذا إجتمعا أورثا الإمامة في الدين ، قال تعالى :{ وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا ، وكانوا بآياتنا يوقنون } [ السجدة / 24  ][ الفوائد لابن القيم ص 346 ]   

 ونخلص إلى أن الصبر بشتى أنواعه لقاح لليقين بشتى أنواعه ليثمرا الإمامة في الدين والتوفيق من رب العالمين ، ليؤدي رسالة الأنبياء والمرسلين .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة التاسعة والثلاثون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون بعنوان: الثمرة : الإمامة في الدين

الإمام : ما أئتم به من رئيس وغيره ، والجمع أئمة وفي التنزيل :{ وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار } ، والإمام الذي يقتدى به ، وجمعه أيِمَّة ، وأصله أأمِمَة ؛ فأدغمت الميم فنقلت حركتها إلى ما قبلها ، فلما حركوها بالكسر جعلوها ياء ، وقريء { أيِمَّة الكفر } ، والقرآن إمام المسلمين ، وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إمام الأئمة ، والخليفة إمام الرعية ، وإمام الجند قائدهم ، والإمام الرئيس ؛ كقولك : إمام المسلمين …  [ لسان العرب ج 12 ص 23- 37 ]

قال تعالى :{ وجعلنا منهم أَئِمةً يهدون بأمرنا لما صبروا ، وكانوا بآياتنا يوقنون }[ السجدة / 24 ]قال ابن كثير :" أي : لما كانوا صابرين على أوامر الله ، وترك زواجره ، وتصديق رسله ، وإتباعهم فيما جاؤهم به ، كان منهم أئمة يهدون إلى الحق بأمر الله ، ويدعون إلى الخير ، ويأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ؛ ثم لما بدلوا وحرفوا وأوّلوا ، سلبوا ذلك المقام ، وصارت قلوبهم قاسية ، يحرفون الكلم عن مواضعه ، فلا عمل صالحاً ، ولا إعتقاد صحيحاً ، ولهذا قال :{ وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا } ، قال قتادة وسفيان : لما صبروا عن الدنيا ، وكذلك قال الحسن بن صالح .

 قال بعض العلماء : بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين [ تفسير ابن كثير ج 6 ص 372 ] 

 وقال القرطبي : أي: قادة وقدوة ؛ يقتدى بهم في دينهم … { يهدون بأمرنا } أي :يدعون الخلق إلى طاعتنا . { بأمرنا } أي: أمرناهم بذلك ، قال قتادة :المراد الأنبياء عليهم السلام ، وقيل:المراد الفقهاء والعلماء

{لما صبروا}أي: حين صبروا  جعلناهم أئمة ؛ وهذا الصبر : صبرٌ على الدين وعلى البلاء ، وقيل صبروا على الدنيا [ تفسير القرطبي ج 14 ص 109 ]  ونخلص إلى أن هذه الثمرة العظيمة ( الإمامة في الدين ) من أعظم الثمرات التي يمنحها رب العالمين لمن شاء من عباده الصابرين الموقنين ؛ وذلك بفضل تلقيح الصبر لليقين ، حتى أورثا الإمامة في الدين .            إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الأربعون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون بعنوان: الفصل الخامس :  اللقاح                                    :صحة الإقتداء بالرسول للإخلاص

الثمرة : قبول العمل، والإعتداد به

أولاً : صحة الإقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم : قال تعالى :{ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجواالله واليوم الآخر،وذكر الله كثيراً}

 [ الأحزاب / 21 ]   قال ابن كثير :" هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم  في أقواله وأفعاله وأحواله ، ولهذا أمر الناس بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب ، في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وإنتظاره الفرج من ربه – عز وجل – صلوات الله وسلامه عليه دائماً إلى يوم الدين ، ولهذا قال تعالى للذين تقلقلوا وتضجروا وتزلزلوا واضطربوا في أمرهم يوم الأحزاب { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } أي : هلا اقتديتم به وتأسيتم بشمائله ؟ ولهذا قال :{ لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكرلله كثيراً } [ تفسير ابن كثير ج6 ص 392  ]  

وقال تعالى :{ قل هذه سبيلي~ أدعواْ إلى الله ، على بصيرة أنا ومن اتبعني ، وسبحان الله ومآ أنا من المشركين } [ يوسف / 108 ]قال ابن كثير :" يقول تعالى لعبده ورسوله إلى الثقلين :الأنس والجن

،آمراً له أن يخبر الناس : أن هذه سبيله أي طريقه ومسلكه وسنته،وهي الدعوة إلى شهادة أن لا اله الا الله وحده لاشريك له ، يدعو إلى الله بها على بصيرة من ذلك ، ويقين وبرهان ، هو وكل من تبعه ، يدعو إلى ما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بصيرة ويقين وبرهان شرعي وعقلي [ تفسير ابن كثير ج4 ص345 ]وقال تعالى:{فمن كان يرجواْ لقآء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك

 بعبادة ربه أحداً }[ الكهف / 110 ]قال ابن كثير : أي: ثوابه وجزاءه الصالح ، { فليعمل عملا صالحاً} ، وهو ماكان موافقاً لشرع الله ، { ولا يشرك بعبادة ربه أحداً } ، وهو الذي يراد به وجه الله وحده لا شريك له ؛ وهذان ركنا العمل المتقبل ؛ لا بد أن يكون خالصاً لله ، صواباً على شريعة رسول الله . [ تفسير ابن كثير ج 5 ص 200]    

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والأربعون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: الفصل الخامس :  اللقاح                                    :صحة الإقتداء بالرسول للإخلاص

الثمرة : قبول العمل، والإعتداد به

أولاً : صحة الإقتداء بالرسول صلى

 الله عليه وسلم

وقد أوجب الله على المسلمين إتباع

 الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يأمر ، وينهى فقال تعالى :{ وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا }[ الحشر / 7 ]  قال ابن كثير :" أي: مهما أمركم به فافعلوه ، ومهما نهاكم عنه فاجتنبوه ،فإنه إنما يأمر بخير،وإنما ينهى عن شر[ تفسير ابن كثير ج 8 ص 92]  وقرن طاعة الرسول بطاعته في آيات كثيرة من القرآن فقال :{ وأطيعوا الله والرسول

 لعلكم ترحمون }[ آل عمران /132] 

وحث على الإستجابة لما يدعو فقال :

{ياأيهاالذين آمنواإستجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم }[ الأنفال / 34]واعتبر طاعته طاعة لله واتباعه حباً لله فقال : { من يطع الرسول فقد أطاع الله } [ النساء / 80 ] ، وقال أيضاً :{ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم } [ آل عمران / 31 ]وحذر من مخالفة أمره فقال :{فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم }[ النور / 64 ]، بل أشار إلى أن مخالفته كفر فقال :{ قل أطيعوا الله والرسول ، فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين } [ آل عمران / 32 ]، ولم يبح للمؤمنين مطلقاً أن يخالفوا حكمه أو أمره فقال :{ وما كان لمؤمنٍ ولا مؤمنةٍ إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبينً }[الأحزاب / 36 ]                                      واعتبر من علامات النفاق الإعراض عن تحكيم الرسول في مواطن الخلاف قال تعالى:{ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك،وما أولئك بالمؤمنين،وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون …إنما كان قول المؤمنون إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولواسمعناوأطعناوأولئك هم المفلحون}

[ النور / 47- 54 ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والأربعون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون إستكمالا للماضيتين والتي هي بعنوان: الفصل الخامس :  اللقاح                                    :صحة الإقتداء بالرسول للإخلاص

الثمرة : قبول العمل، والإعتداد به

أولاً : صحة الإقتداء بالرسول صلى

 الله عليه وسلم بل جعل من لوازم الإيمان ألا يذهبوا حين يكونون مع رسول الله دون أن يستأذنوا منه قال سبحانه :{ إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ، وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه ، إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله ، فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم }[ النور / 62 ]  

قال ابن القيم : " فإذا جعل الله من لوازم الإيمان أنهم لا يذهبون مذهباً إذا كانوا معه إلا باستئذانه ، فأولى أن يكون من لوازمه ألا يذهبوا إلى قول ولا مذهب علمي إلا بعد إستئذانه ، وإذنه يعرف بدلالة ما جاء به على أنه أذن فيه " [ أعلام الموقعين ج 1 ص 58 ، وذكره السباعي في السنة ومكانتها في

        التشريع الإسلامي ص 51-53 ط الثانية والثالثة ]  

 قال مصطفى السباعي :" وهكذا كان الصحابة مع رسول الله -  صلى الله عليه وسلم  في حياته ، يعتبرون قوله وفعله وتقريره حكماً شرعياً لا يختلف في ذلك واحد منهم ، ولا يجيز أحدهم لنفسه أن يخالف أمر القرآن ، وما كان الصحابة يراجعون رسول الله في أمر إلا إذا كان فعله أو قوله إجتهاداً منه في أمر دنوي ، كما في غزوة بدر حين راجعه الحباب بن المنذر في مكان النزول ، أو إذا كان إجتهاداً منه في بحث ديني قبل تقريرالله له أو نهيه عنه ، كما راجعه عمر في أسرى بدر وصلح الحديبية ، أو إذا كان غريباً عن عقولهم فيناقشونه لمعرفة الحكمة فقط ، أو كانوا يظنون فعله خاصاً به فلا يلزمون أنفسهم اتباعه ، أو إذا أمرهم بأمر فظنوا أنه للإباحة وأن غير المأمور به أولى . أما ماعدا ذلك فكان منهم التسليم المطلق والإتباع التام والإلتزام الكامل .[ السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ص 54 ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والأربعون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان: الفصل الخامس : اللقاح                                    :صحة الإقتداء بالرسول للإخلاص

الثمرة : قبول العمل، والإعتداد به

أولاً : صحة الإقتداء بالرسول صلى

 الله عليه وسلم                                    

 وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم

 يعيش بين أصحابه دون أن يكون بينه وبينهم حجاب ، فقد كان يخالطهم في المسجد والسوق والبيت والسفر والحضر ، وكانت أفعاله وأقواله محل عناية منهم وتقدير ، حيث كان – صلى الله عليه وسلم – محور حياتهم الدينية والدنيوية ، منذ أن هداهم الله به وأنقذهم من الضلالة والظلام إلى الهداية والنور ، ولقد بلغ من حرصهم على تتبعهم لأقواله وأعماله أن كان بعضهم يتناوبون ملازمة مجلسة يوماً بعد يوم … وكانوا ينظرون إلى رسول الله نظرة إتباع واسترشاد برأيه وعمله،لما ثبت عندهم من وجوب اتباعه والنزول عند أمره ونهيه[ السنة للسباعي ص 56، 57 ]    

ونخلص إلى أن الإقتداء برسول الله – صلى الله عليه وسلم – أمرٌ أمرَ الله به ، وحث عليه ، ووعد بالخير والبر والفضل لمن تأسى به ، وحذر من عدم متابعته ، وامتثال أمره ، بل توعد من

 كان هذا وصفه بالعذاب والغضب..

ثم إنه سبحانه وتعالى أمر بأن يكون هذا الإقتداء صحيحاً حتى يترتب عليه قبول العمل مع الإخلاص ، ولذلك كان من فعل الصحابة ما كان من شدة التأسي به ، حتى أن بعضهم كان يتهم في عقله لما كان يفعله في تأسيه برسول الله حتى في الأمور العادية الحياتية أو الأمور الخاصة برسول الله – صلى الله عليه وسلم – مثل عبد الله بن عمر – رضى الله عنه -  ….

 فصحة الإقتداء برسول الله  ؛ شرط من شروط صحة العمل وقبوله ، ومهما كان العمل خالصاً لوجه الله ، لكنه على غير سنة رسول الله فإنه مردود ، غير مقبول …

قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:(من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)[ أخرجه مسلم في صحيحه بلفظه من حديث عائشة ، أقضية ، باب نقض الأحكام

          الباطلة ، ورد محدثات الأمور رقم 18 ج 3 ص 1344 ]

 وبهذا يتضح أهمية السنة والإقتداء برسول الله ، وهو لقاح لما يأتي وهو الإخلاص .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والأربعون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون بعنوان: الفصل الخامس : اللقاح                                    :صحة الإقتداء بالرسول للإخلاص

الثمرة : قبول العمل، والإعتداد به

ثانياً : الإخلاص :

قال ابن القيم : تنوعت عباراتهم في الإخلاص فقيل : هو إفراد الحق سبحانه بالقصد في الطاعة ،وقيل:تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين ،وقيل: استواء أعمال العبد في الظاهر والباطن .

وقيل: نسيان رؤية الخلق بدوام النظر

 إلى الخالق .

 وقال الفضيل :ترك العمل من أجل الناس :رياء . والعمل من اجل الناس : شرك ،والإخلاص : أن يعافيك الله منهما [  مدارج السالكين ج 2 ص  92  ] قال تعالى:{ وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } [ البينة / 5 ]وقال سبحانه :{ إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فأعبد الله مخلصاً له الدين ،الا لله الدين الخالص } [ الزمر / 2، 3  ]  ، وقال لنبيه – صلى الله عليه وسلم - :{ قل الله أعبد مخلصاً له ديني ، فاعبدوا ما شئتم من دونه }[ الزمر / 14،  15] ، وقال له :{ قل إن صلاتي ونسكي ومحياى ومماتي لله رب العالمين ، لاشريك له ، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين } [ الأنعام / 162، 163]   

 وقال عز وجل :{ الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ً } [  الملك / 2]

قال الفضيل بن عياض :" هو أخلصه وأصوبه . قالوا : ياأبا علي ، ما أخلصه وأصوبه ؟ فقال : إن العمل إذا كان خالصاً ، ولم يكن صواباً . لم يقبل . وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً : لم يقبل . حتى يكون خالصاً صواباً ، والخالص : أن يكون لله ، والصواب : أن يكون على السنة . ثم قرأ قوله تعالى :{ فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً }[الكهف /   110 ]، وقال جل وعلا :{ ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله وهو محسن ؟ } [ النساء / 125] 

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والأربعون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: الفصل الخامس : اللقاح                                    :صحة الإقتداء بالرسول للإخلاص

الثمرة : قبول العمل، والإعتداد به

ثانياً : الإخلاص :

 فإسلام الوجه :إخلاص القصد والعمل لله ، والإحسان فيه : متابعة رسوله – صلى الله عليه وسلم – وسنته       وقال تعالى :{ وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً }[ الفرقان / 23 ]

 وهى الأعمال التي كانت على غير السنة ، أو أريد بها غير وجه الله ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : (ثلاث لا يَغِلُّ عليهن قلب مسلم : إخلاص العمل لوجه الله ، ومناصحة ولاة الأمر ، ولزوم جماعة المسلمين ؛ فإن دعوتهم تحيط من ورائهم )[ أخرجه ابن ماجة في السنن ، المقدمة ، باب من بلغ علماً ، رقم 230 ج 1 ص 84 من حديث زيد بن ثابت  ، وذكره الألباني في صحيح الجامع برقم 6642 ثم قال : صحيح ]   

 أي: لا يبقى فيه غِلٌّ ، ولا يحمل الغل مع هذه الثلاثة ، بل تنفي عنه غله ، وتنقيه منه ، وتخرجه عنه ، فإن القلب يغل على الشرك أعظم غل ، وكذلك يغل على الغش ، وعلى خروجه عن جماعة المسلمين بالبدعة والضلالة ، فهذه الثلاثة تملؤه غلاً ودغلاً ، ودواء هذا الغل ، واستخراج أخلاطه : بتجريد الإخلاص والنصح،ومتابعة السنة[ مدارج السالكين ج 2 ص 89 ، 90 ]   

 وللإخلاص في الأعمال فضائل منها :

 1-الإخلاص في التوحيد : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:(ما قال عبد لا إله إلا الله قط مخلصاً إلا فتحت له أبواب السماء،حتى تفضي إلى العرش ،ما اجتنبت الكبائر)[ أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة ، وهو حديث حسن ، ذكر ذلك الألباني في صحيح الجامع برقم 5524 ]

2-  الإخلاص في النية :قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امريء مانوى )) [ أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما في البخاري أول حديث في الصحيح رقم 1 ج 1 ص 7 كتاب بدء الوحي ]

3-  الإخلاص في الصلاة : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (ما منكم من أحد يتوضأ، فيحسن الوضوء ثم يقوم فيركع ركعتين ، يقبل عليهما بقلبه ووجهه ، إلاوجبت له الجنة ، وغفر له )) [ ذكره الألباني في صحيح الجامع ، ثم عزاه إلى أحمد ،وأبي داود ، وابن حبان من حديث عقبة بن عامر  ثم صححه ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والأربعون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: الفصل الخامس : اللقاح

 :صحة الإقتداء بالرسول للإخلاص

الثمرة : قبول العمل، والإعتداد به

ثانياً : الإخلاص :                                                           4-الإخلاص في قيام رمضان : قال

صلى الله عليه وسلم ( من قام رمضان

إيماناً واحتساباً ، غفر له ما تقدم من ذنبه )[ أخرجه البخاري في الصحيح ، صلاة التراويح ، باب فضل من قام رمضان ، من حديث أبي هريرة حديث رقم 2009 ( فتح الباري ج 4ص250) ]

5-الإخلاص في طلب الشهادة:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من سأل القتل في سبيل الله صادقاً من قلبه،أعطاه الله أجر شهيد ، وإن مات على فراشه )[ أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة وغيرهم وهو صحيح ، ذكر ذلك الألباني في صحيح الجامع برقم 6153 ]

ومن فضائل الإخلاص إجمالاً: تحصيل الحسنات،وحط السيئات،وغفران الذنوب ، ودخول الجنة،والمعافاة من النار لمن  أخلص في جميع العبادات وخاصة:السجود، والصيام والقيام ،وحب المساجد،وفي الخروج للصلاة ،ومن إ نتظر في المسجد ،ولمن ردد القول مع المؤذن،ولمن أدى الزكاة والصدقة و الحج،ولمن رابط في سبيل الله،ولمن جهز الغزاة،ولمن جاهد في سبيل الله، وفي التوبة ، والإستغفار ،والبكاء، وفي الذكر،وفي الصدق،وفي الصبر،وفي التوكل،وفي الحب،وفي الزيارة في الله ، وفي طاعة الوالدين ، وفي ترك المنكر لله ، وفي الزهد ، وفي التواضع ،وفي بناء المساجد ، وفي اتباع جنازة المسلم ،وفي إطعام الطعام ، وفي الدعاء [ كتاب الإخلاص لحسين العوايشة ]

 ومن الثمرات الحاصلة من الإخلاص لله تعالى:

1-نصر الأمة:لقوله صلى الله عليه وسلم ( إنما ينصرالله هذه الأمةبضعيفها ، بدعوتهم ، وصلاتهم ، وإخلاصهم )   [ أخرجه النسائي في السنن من حديث سعد وهوصحيح ، ذكر ذلك الألباني في صحيح الجامع رقم 2384 ]

2 –تفريج كروب الدنيا – قصة الثلاثة الذين كانوا في الغار …. ثم ذكر المؤلف

عدداً من الثمرات نجملها فيما يلي :

المخلص ينجيه الله من عذاب الآخرة ، ويرفع منزلته في الآخرة ، الإنقاذ من الضلال في الدنيا ، الإخلاص سبب زيادة الهدى ، وضع القبول للمخلص في الأرض،الصيت الطيب عند الناس ،طمأنينة القلب والشعور بالسعادة،تزيين الإيمان في النفس،التوفيق لمصاحبة أهل الإخلاص،تحمل الصعاب في الدنيا مهما اشتدت،حسن الخاتمة،إستجابة الدعاء

  [ كتاب الإخلاص]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة السابعة والأربعون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: الفصل الخامس : اللقاح

 :صحة الإقتداء بالرسول للإخلاص

الثمرة : قبول العمل، والإعتداد به

حكم الإخلاص :

  قال الأشقر في مقاصد المكلفين : قال حسن صديق خان :" ولا خلاف في أن الإخلاص شرط لصحة العمل وقبوله " ، وممن نص على ذلك:العز بن عبد السلام  قال:إخلاص العبادة شرط " ، وقد عده القرطبي : واجباً ، وابن تيمية : فرضاً  .

 وقال ابن عابدين : الإخلاص شرط للثواب …، وممن نص على بطلان عبادة غير المخلصين الحطاب قال : " فالمخلص في عبادته هو الذي يخلصها من شوائب الشرك والرياء، وذلك لا يتأتى له إلا بأن يكون الباعث له على عملها قصد التقرب إلى الله تعالى ، وابتغاء ما عنده ، فأما إذا كان الباعث عليها غير ذلك من أغراض الدنيا فلا تكون عبادة ، بل مصيبة موبقة لصاحبها [ مقاصد المكلفين للدكتور عمر سليمان الأشقر ص 377 ، 378 ط الأولى ]

 وقال ابن القيم : قال صاحب المنازل :

 " الإخلاص : تصفية العمل من كل شائب " أي: لايمازج عمله ما يشوبه من شوائب إرادات النفس : إما طلب التزين في قلوب الخلق ، وإما طلب مدحهم ، والهروب من ذمهم ، أو طلب تعظيمهم ، أو طلب أموالهم ، أو خدمتهم ومحبتهم ، وقضائهم حوائجه ، ، أو غير ذلك من العلل والشوائب ، التي عقد متفرقاتها ، هو : إرادة ما سوى الله بعمله ، كائناً ما كان …

 فحقيقة الإخلاص : توحيد المطلوب . وحقيقة الصدق : توحيد الطلب والإرادة ،ولا يثمران إلا بالإستسلام المحض للمتابعة .

فهذه الأركان الثلاثة : هي أركان السير ، وأصول الطريق التي من لم يبن عليها سلوكه وسيره فهو مقطوع . وإن ظن أنه سائر ، فسيره إما إلى عكس جهة مقصوده ، وإما سير المقعد والمقيد ، وإما سير صاحب الدابة الجموح . كلما مشت خطوة إلى قُدَّام رجعت عشرة إلى خلف . فإن عدم الإخلاص والمتابعة : إنعكس سيره إلى خلف . وإن لم يبذل جهده ويوحد طلبه : سار سير المقيد .

 وإن إجتمعت له الثلاثة : فذلك الذي لا يجارى في مضمار سيره .وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء . والله ذو الفضل العظيم [ مدارج السالكين ج 2 ص 97]      

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الثامنة والأربعون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون بعنوان:الثمرة:قبول العمل،والإعتداد به

إن الهدف من إ يجاد الخلق هو العبادة قال تعالى :{ وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون }[  الذاريات / 56 ] وقال سبحانه :  { ياأيها الناس اعبدوا ربكم } [ البقرة / 21 ] لكن لايمكن أن تقبل العبادة إلا إذا توفر فيها شرطان الأول : الإخلاص لله تعالى ، وهو أن يقصد العامل بعمله وجه الله عز وجل . ، الثاني : أن يكون العمل موافقاً لما شرعه الله تعالى في كتابه ، أو بينه رسوله في سنته ، فإذا إختل واحد من هذين الشرطين لم يكن العمل صالحاً ولا مقبولاً قال تعالى :{ فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ، ولا يشرك بعبادة ربه أحداً } [ الكهف / 110 ] ، قال ابن كثير :" وهذان ركنا العمل المتقبل " [ تفسير ابن كثير ج 5 ص 200 ] قال تعالى :{ أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في~ أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون}[الأحقاف / 16]   وقال سبحانه : {واتل عليهم نبأ ابني آدم بالخق إذقربا قرباناً فتقبل من أحدهما

 ولم يتقبل من الآخر  قال : لأقتلنك . قال : إنما يتقبل الله من المتقين}[ المائدة / 27 ]

 وقال عز وجل:{فتقبلها ربها بقبول

 حسن وأنبتها نباتاً حسناً }[ آل عمران / 37 ]

 وقال جل وعلا:{ألم يعلموا أن الله هو

 يقبل التوبة عن عباده }[ التوبة / 104]

 وقال تعالى :{ وهوالذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات } [ الشورى / 25 ]

 وأخرج البخاري بسنده من حديث عباده بن الصامت عن النبي – صلى الله عليه وسلم قال:( من تعار من الليل فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير . الحمد لله وسبحان الله ، ولا إله إلا الله والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم قال : اللهم اغفر لي – أو دعا – أستجيب ، فإن توضأ قبلت صلاته )[ صحيح البخاري ، التهجد ، باب فضل نت تعار من الليل فصلى رقم 1154 ( فتح الباري ج 3 ص 39 ) ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة التاسعة والأربعون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون

بعنوان:الثمرة:قبول العمل،والإعتداد به

قال ابن حجر : قال ابن بطال : وعد الله على لسان نبيه أن من استيقظ من نومه لهجاً لسانه بتوحيد ربه والإذعان له بالملك والإعتراف بنعمه يحمده عليها ، وينزهه عما لا يليق به ، بتسبيحه والخضوع له بالتكبير والتسليم له بالعجزعن القدرة إلا بعونه أنه إذا دعاه أجابه ، وإذا صلى قبلت صلاته ، فينبغي لمن بلغه هذا الحديث أن يغتنم العمل به ، ويخلص نيته لربه سبحانه وتعالى"،قوله (قبلت صلاته ) قال ابن المنير في الحاشية : وجه ترجمة البخاري بفضل الصلاة ، وليس في الحديث إلاالقبول ، وهو من لوازم الصحة سواء كانت فاضلة أم مفضولة لأن القبول في هذا الموطن أرجى منه في غيره ، ولولا ذلك لم يكن في الكلام فائدة ، فلأجل قرب الرجاء فيه من اليقين تميز على غيره وثبت له الفضل انتهى "،والذي يظهر أن المراد بالقبول هنا قدر زائد على الصحة [ فتح الباري ج 3 ص 41 ]وقال تعالى :{ إن الله لا يظلم مثقال ذرة ، وإن تك حسنة يضاعفها ، ويؤت من لدنه أجراً عظيماً }[ النساء / 40]قال ابن كثير : يخبر تعالى أنه لا يظلم عبداً من عباده يوم القيامة مثقال ذرة ، بل يوفيها له ويضاعفها له إن كانت حسنة ، كما قال تعالى :{ ونضع الموازين القسط } … الآية . وقال تعالى مخبراً عن لقمان أنه قال :{ يابني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله } … الآية ، وقال تعالى :{ يومئذ يصدر الناس أشتاتاً ليروا أعمالهم ، فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شراًيره}[ تفسير ابن كثير ج 2 ص 267 ]  ومما سبق نخلص إلى أن الغاية العظمى من الخلق هو التكليف ، وهذا التكليف غايته القبول الذي يترتب عليه النعيم المقيم سواء كان معنوي أو مادي ، لكن قبول الأعمال مشروط بشرطين الإخلاص والمتابعة ، فإذا لقح أحدهما الآخر ؛ أثمرا القبول وأصبح العمل معتبراً شرعاً ، ومعتداً به – نسأل الله القبول – إنه سميع مجيب قريب .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :فهذه الحلقة الخمسون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون بعنوان:

الفصل السادس: اللقاح : العمل للعلم

الثمرة: الفلاح والسعادة             أولاً:العلم :وهو نقيض الجهل [ (1)تقدم بحث العلم في الفصل الأول من هذا البحث في أربع صفحات فليرجع إليه]

ثانياً: العمل :هو المهنة،والفعل ، والجمع : أعمال ،واستعمل فلان غيره إذا سأله أن يعمل له،واستعمله:طلب إليه العمل [لسان العرب ج 11 ص 474 ]  

وقال ابن القيم :العلم : نقل صورة المعلوم من الخارج وإثباتها في النفس . والعمل : نقل صورة علمية من النفس وإثباتها في الخارج ، فإن كان الثابت في النفس مطابقاً للحقيقة في نفسها فهو علم صحيح ، وكثيراً ما يثبت ويتراءى في النفس صُور ليس لها وجود حقيقي ، فيظنها الذي قد أثبتها في نفسه علماً ، وإنما هي مقدرة لا حقيقة لها ، وأكثر علوم الناس من هذا الباب .

وما كان منها مطابقاً للحقيقة في الخارج فهو نوعان :

نوع تكمل النفس بإدراكه والعلم به ؛ وهو العلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله وكتبه وأمره ونهيه .

ونوع لا يحصل للنفس به كمال ، وهو كل علم لا يضر الجهل به ؛ فإنه لا

ينفع العلم به،و( كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع) [ الفوائد ص 160  ، والحديث أخرجه النسائي في سننه في الإستعاذة باب الإستعاذة ، ج 8 ص 255 ، والترمذي في السنن ، الدعوات ، باب رقم 69 رقم 3478 ، وأحمد في المسند ج 2ص 167، 198 من حديث عبد الله بن عمرو وهو حديث ص

قال الخطيب البغدادي : إني موصيك يا طالب العلم بإخلاص النية في طلبه ؛ أجهد النفس على العمل بموجبه،فإن العلم شجرة،والعمل ثمرة،وليس يعد عالماً من لم يكن بعلمه عاملاً.

وقيل : العلم والد ، والعمل مولود ، والعلم مع العمل ، والرواية مع الدراية .

فلا تأنس بالعمل ما دمت مستوحشاً من

 العلم ، ولا تأنس بالعلم ما كنت مقصراً في العمل ، ولكن اجمع بينهما ، وإن قل نصيبك منها . ..

والعلم يراد للعمل ، كما العمل يراد للنجاة ، فإذا كان العمل قاصراً عن العلم كان العلم كلاًّ على العالم ، ونعوذ بالله من علم عاد كلاًّ ، وأورث ذلاًّ،وصار في رقبة صاحبه غُلاًّ .

قال بعض الحكماء : العلم خادم العمل ، والعمل غاية العلم ، فلو لا العمل لم يطلب علم ولولا العلم لم يطلب عمل،ولأن أدع الحق جهلاً به،أحب إليّ من أن أدعه زهداً فيه [ إقتضاء العلم العمل ،للخطيب البغدادي ، المقدمة ] 

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والخمسون في موضوع اللقاح والثمرة

وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: الفصل السادس:

اللقاح : العمل للعلم

الثمرة: الفلاح والسعادة            

وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ( لا تزول قدما عبد يوم القيامة ،حتى يسأل عن أربع ، عن عمره فيما أفناه ، وعن علمه ماذا عمل فيه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ، وعن جسمه فيما أبلاه )[أخرجه البغدادي بسنده من حديث أبي برزة في إقتضاء العلم العمل ،وأخرجه الترمذي من حديث أبي برزة ، وعبد الله بن مسعود  ، وهوصحيح ، ذكر ذلك الألباني في صحيح الجامع برقم 7176 ، 7177 ]    

 نعم العملُ الصالحُ  الملِقِحْ  للعلمِ  الشرعي النافع ؛ يثمر :  الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة  لأن العلم لايمكن أن يكون له حقيقة ، ولا ينفع ، ويثمر ؛  إلا إذا تبعه العمل وحينئذٍ يكون علماً نافعاً ، وعملاً صالحاً، والعمل يراد لهدف وغاية عظمى ؛ ألا وهى السعادة الأبدية، الجنةالتي فيها مالا عين رأت،ولا أذن سمعت،ولا خطر على قلب بشر،فيها المزيد ،والرضى ، فيها النعيم المقيم . [وفي الفصل الأول من هذا البحث مزيداً من البحث عن العمل الصالح المعتبر شرعاً فليرجع إليه ] 

*الثمرة : الفلاح والسعادة قال تعالى :  { قد أفلح المؤمنون } … الآية [1 المؤمنون / 1 ] 

قال ابن كثير :" أي : فازوا وسُعدوا وحصلوا على الفلاح ، وهم المؤمنون المتصفون بهذه الصفات [ تفسير ابن كثير ج 5 ص 457]

وقال تعالى:{واتقوا الله لعلكم تفلحون } [ البقرة / 189 ]قال ابن كثير:" أي:اتقوا الله فافعلواما أمركم به،واتركوا ما نهاكم عنه{ لعلكم تفلحون } غداً إذا وقفتم بين يديه فيجزيكم بأعمالكم على التمام والكمال [ تفسير ابن كثير ج 1 ص 327 ]  وقال تعالى :{وجاهدوا في سبيل الله لعلكم تفلحون }[ المائدة / 35]

 قال ابن كثير : " لما أمرهم بترك المحارم وفعل الطاعات ، أمرهم بقتال الأعداء من الكفار والمشركين الخارجين عن الطريق المستقيم ، التاركين للدين القويم ، ورغبهم في ذلك بالذي أعده للمجاهدين في سبيله يوم القيامة ، من الفلاح والسعادة العظيمة الخالدة المستمرة التي لا تبيد ولا تحول ولا تزول في الغرف العالية الرفيعة الآمنة ، الحسنة  مناظرها،  الطيبة مساكنها ، التي من سكنها ؛ ينعم لا يبأس ، ويحى لا يموت ، لاتبلى ثيابه ، ولا يفنى شبابه "[تفسير ابن كثير ج 3 ص 98]   وكلمة الفلاح تأتي بمعنيين الأول:

بمعنى السعادة قال سبحانه :

{ قد أفلح المؤمنون } يعني قد سعدوا ، وكذلك { قد أفلح من تزكى } يعني قد سعد .ثانيها : يكون لمعنى النور ، قال الله تعالى :{ إنه لايفلح الظالمون } أي : لا يفوزون [ الأشباه والنظائر ص 282 ط شباب الجامعة ] أما السعادة فقال تعالى :{ فمنهم شقي وسعيد}[ هود / 105 ]قال ابن كثير:أي:فمن أهل الجمع شقي ومنهم سعيد كما قال

: { فريق في الجنة وفريق في السعير }

 [تفسير ابن كثير ج 4 ص 280 ،  الشورى / 7 .]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والخمسون في موضوع اللقاح والثمرة

وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: الفصل السادس:

اللقاح : العمل للعلم

الثمرة: الفلاح والسعادة                                                   

 وقال تعالى :{ وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض ، إلا ماشآء ربك ، عطآء غير مجذوذ } [ هود / 108] قال ابن كثير:"يقول تعالى:وأما الذين سعدوا } ، وهم أتباع الرسل ،{ ففي الجنة }أي: فمأواهم الجنة ، { خالدين فيها }، أي : ماكثين مقيمين فيها أبداً ،{مادامت السماوات والأرض إلا ماشآء ربك}معنى الإستثناء هاهنا أن دوامهم فيما هم فيه من النعيم ، ليس أمراً واجباً بذاته ، بل هو موكول إلى مشيئة الله تعالى ، فله المنة عليهم،ولهذا يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس[ تفسير ابن كثير ج 4 ص 281 ]

 قال ابن القيم :" فأول مراتب سعادته أن تكون له أذن واعية ، وقلب يعقل ما تعيه الأذن . فإذا سمع وعقل ، واستبانت له الجادة ، ورأى عليها تلك الأعلام ، ورأى أكثر الناس منحرفين عنها يميناً وشمالاً فلزمها ، ولم ينحرف مع المنحرفين الذين كان سبب انحرافهم عدم قبول العهد ، أو قبلوه بكُرْهٍ ،ولم يأخذوه بقوة ولا عزيمة ، ولا حدثوا أنفسهم بفهمه وتدبره ، والعمل بما فيه ، وتنفيذ وصاياه ، بل عرض عليهم العهد ومعهم ضراوة الصبا ، ودين العادة ، وما ألفوا عليه الآباء والأمهات [ الفوائد ص 293، 294]  وقال:من علامات السعادة والفلاح : أن العبد كلما زيد في علمه زيد في تواضعه ورحمته . وكلما زيد في عمله زيد في خوفه وحذره ، وكلما زيد في عمره نقُصَ من حرصه ، وكلما زيد في ماله زيد في سخائه وبذله ، وكلما زيد في قدره وجاهه زيد في قربه من الناس وقضاء حوائجهم والتواضع لهم[الفوائد ص 277]

ونخلص إلى أن الفلاح والسعادة تعني النعيم الأخروي ، وتعني الجنة التي عرضها السماوات والأرض ،وتعني ماقال تبارك وتعالى في الحديث القدسي:[أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر]ثم قال الرسول

صلى الله عليه وسلم (اقرأوا إن شئتم:{فلا تعلم نفس مآ أخفى لهم من قرة أعين}[  السجدة / 17 ، أخرجه البخاري في الصحيح ، بدء الخلق ، باب ماجاء في صفة النار (فتح الباري ج6 ص 318)] 

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والخمسون في موضوع اللقاح والثمرة

وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: ثمرة تلقيح العمل للعلم : الفلاح والسعادة ( الجنة ) :

إن دخول الجنة ،والنجاة من النار ؛ هو الفلاح والسعادة ، هو الفوز الكبير

قال تعالى : { فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز }[آل عمران / 185 ]،          وقال عز وجل :{ وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوزالعظيم}[ التوبة / 72 ] ،وقال جل وعلا :{ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم }[ النساء / 13]  

 يقول ابن القيم :" ولما علم الموفقون ما خلقوا له ، وما أريد بإيجادهم رفعوا رؤسهم فإذا علم الجنة قد رفع لهم  فشمروا إليه ، وإذا صراطها قد وضح لهم فاستقاموا عليه ، ورأوا من أعظم الغبن بيع مالا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ،في أبد لا يزول ولا ينفذ ، بصبابة عيش إنما هو كأضغاث أحلام ، أوكطيف زار في المنام [ حادى الأرواح ص 4]لاشك أن سعادة المؤمنين لا تعادلها سعادة عندما يساقون معززين مكرمين زمراً زمراً إلى جنات النعيم ، حتى إذا ما وصلوا إليها فتحت أبوابها ، واستقبلتهم الملائكة الكرام يهنئونهم بسلامة الوصول ، بعدما عانوه من الكربات،وشاهدوه من الأهوال ، وذلك بفضل الله وتوفيقه ، ثم بفضل العلم النافع الذي طلبوه ، ثم عملوا بمقتضاه العمل الصالح المقبول، المستوفى للشروط والأركان والواجبات والمستحبات، الذي أثمر هذه السعادة الدائمة ، وهذا التكريم العظيم قال تعالى :{ وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً ، حتى~ إذا جآؤها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها : سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين}[ الزمر / 72 ]

أول زمرة تدخل الجنة من هذه الأمة هم القمم الشامخة في الإيمان والتقى ، والعلم والعمل الصالح والإستقامة على الدين الحق يدخلون الجنة صفاً واحداً ، لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم ، صورهم على صورة القمر ليلة البدر : أخرج البخاري بسنده من حديث سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(ليدخلن من أمتي سبعون ألفاً ، لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم ، وجوههم على صورة القمر ليلة البدر )  [ صحيح البخاري ، بدء الخلق ، صفة الجنة ، رقم 3247 ( فتح الباري ج 6 ص 319 ) ]                                         

 إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والخمسون في موضوع اللقاح والثمرة

وستكون بعنوان: السعداء يوم القيامة فقراؤهم يسبقون أغنيائهم :

 روى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفاً )[  الصحيح ، الزهد ، رقم 37 ج 4 ص 2285  ]

وآخر السعداء دخولاً للجنة هو من يعطى مثل الدنيا وعشرة أمثالها ، وكان يقال : ذلك أدنى أهل الجنة منزلة [ أخرجه البخاري في الصحيح ، الرقائق ، باب صفة الجنة رقم6571،(فتح الباري ج 11 ص418 )]

 *والسعداء يوم القيامة يدخلون الجنة التي لا مثل لها :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصفها:( لبنة من ذهب ،ولبنة من فضة،وملاطها المسك الأذفر ، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت ، وتربتها الزعفران ، من يدخلها ينعم ولا يبأس ، ويخلد ولا يموت ، ولا تبلى ثيابهم ، ولا يفنى شبابهم )[واه أحمد والترمذي والدارمي ، انظر مشكاة المصابيح للتبريزي ج3 ص 89 ، وهو صحيح بطرقه كما أشار إلى ذلك الألباني محقق الكتاب ]وصدق الله حيث يقول :{ وإذا رأيت ثم رأيت نعيماً وملكاً كبيراً }[ الإنسان / 20]

 *والسعداء يوم القيامة لهم الدرجات العلى : قال تعالى :{ ومن يأته مؤمناً قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى } [ طه / 75 ]

والسعداءيوم القيامة في الغرفات آمنون: قال جل وعلا:{ولآأولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى~ إلا من آمن وعمل صالحاً فأولئك لهم جزآء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون }[ سبأ / 37]

 هذه الغرف وما فيها من نعيم ؛ هي من أعظم النعيم في الجنة لا تنال بالأموال والأولاد ، وإنما تنال بالعلم النافع والعمل الصالح ...والسعداء في الجنة لهم أنهار تجري من تحت الأشجار والبساتين المثمرة بأنواع الفوكه المتشابهه في الشكل المختلفة في الذوق والطعم …

قال تعالى:{وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها

الأنهار}[ البقرة / 25] ،  وقال عز وجل : { مثل الجنة التي وُعد المتقون فيهآ أنهار من مآء غير آسن ، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ، وأنهار من خمر لذة للشاربين،وأنهار من عسل مصفى}[ محمد / 15]

 إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه  الحلقة  الخامسة والخمسون في موضوع اللقاح والثمرة

وستكون بعنوان:السعداء لهم في الجنة عيون كثيرة مختلفة الطعوم والمشارب :

قال تعالى:{إن المتقين في ظلال وعيون } [ الحجر / 45 ] وقال :{ فيهما عينان تجريان } [ الرحمن / 50 ]وقال جل وعلا :{ إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا } [ الإنسان /5 ]وقال سبحانه:{ويسقون فيها كأساً كان مزاجها زنجبيلا،عيناً فيها تسمى سلسبيلا }[ الإنسان / 17،18 ]

*والسعداء لهم مساكن طيبة حسنة ، وخيام من لؤلؤ مجوفة عجيبة :

 قال تعالى :{ ومساكن طيبة في جنات عدن }[  التوبة / 72 ] ،وقال عز وجل:{حور مقصورات في الخيام } [ الرحمن / 72]

ونعيم السعداء في الجنة لا حدود له ، بل هو أنواع متنوعة ، وأشكال مختلفة وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ، بل وكل مايتمناه السعداء ، وأفضل ما يعطاه السعداء في الجنة رضوان الله ، والنظر إلى وجهه الكريم :

 قال تعالى :{ للذين أحسنوا الحسنى وزيادة }[ يونس / 26 ] وقال تعالى:{ لهم ما يشاؤن فيها ولدينا مزيد }[ ق/ 35 ]  ، وقال سبحانه :{ إلى ربها ناضرة } [ القيامة / 23  ]

وآخر دعوى السعداء :{ دعواهم فيها سبحانك اللهم،وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم:أن الحمد لله رب العالمين}[ يونس/ 10

وهذاكله بفضل الله،ثم بفضل توفيقه لعباده للعلم النافع والعمل الصالح ،كانت هذه الثمرة.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه  الحلقة  السادسة والخمسون في موضوع اللقاح والثمرة

وستكون بعنوان: الفصل السابع :                                   اللقاح : الحلم للعلم

 الثمرة: سيادة الدنيا والآخرة،والإنتفاع بعلم العالم

أولاً : الحِلم :  بالكسر :الأناة والعقل والرفق والرحمة وعدم المؤاخذة ، والحليم هوالذي يحلم ويغفر ويسمح ويصفح ويصبر ، وضده الجور والظلم . والحمق والغضب والطيش ، والغطرسة والغرور ، وجمعه أحلام وحلوم ، وفي التنزيل { أم  تأمرهم أحلامهم بهذا }،وأحلام القوم : حلماؤهم ، ورجل حليم من قوم أحلام وحلماء ، والحلم من الله عز وجل : هو الرحمة والغفران وعدم المؤاخذة ، ومن فضله تعالى وكرمه وإحسانه : سمى نفسه حليماً في إحدى عشرة آية ،قال تعالى: { قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذىً والله غنيٌ حليم } [ لسان العرب ج 12 ص 146   ، عقيدة المسلم للبليهي ج 2 ص 367  ، البقرة / 263 ] 

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  للأشج ، أشج عبد القيس:(إن فيك خصلتين يحبهما الله : الحلم والأناة )           [  أخرجه مسلم في الصحيح ، الإيمان ، باب الأمر بالإيمان ج 1 ص 48 رقم 25 ]  

 وقال البخاري : قال ابن عباس : كونوا ربانيين حلماء فقهاء "[ صحيح البخاري ، العلم ، باب 10 ، ( فتح الباري ج1 ص 160 ) ]

ثم قال ابن حجر : هذا التعليق وصله ابن أبي عاصم بإسناد حسن،والخطيب بإ سناد آخرحسن [ فتح الباري ج 1ص 161]   

وقال البخاري:قال عمر بن عبد العزيز : خمس إذا أخطأ القاضي منهن خطة كانت فيه وصمة:أن يكون فهماً،حليماً ، عفيفاً،صليباً،عالماً سؤلاً عن العلم "        [ صحيح البخاري ، الأحكام ، باب 16 ( فتح الباري ج 13 ص 146 ) ] 

 قال ابن حجر:قوله(حليماً) أي يغضي على من يؤذيه ولا يبادر إلى الإنتقام [فتح الباري ج 13 ص 149]                                         وقال عطاء : ما آوى شيء إلى شيء أزين من حلم إلى علم .

وقال عامر الشعبي:زَين العلم حلم أهله.

وقال طاوس : ما حمل العلم في مثل جراب حلم.[  أخرج هذه الآثار الدارمي في سننه ج 1 ص 116 برقم 582 ، 583 ، 584  ]  

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه  الحلقة  السابعة والخمسون في موضوع اللقاح والثمرة

وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: الفصل السابع :                                   اللقاح : الحلم للعلم

 الثمرة: سيادة الدنيا والآخرة،والإنتفاع بعلم العالم                               وقال ابن كثير على الآية { والله يعلم مافي قلوبكم ، وكان الله عليماً حليماً } ،أي :الميل إلى بعضهن دون بعض ، مما لا يمكن دفعه كما روى الإمام أحمد بسنده من حديث عائشة قالت : كان يقسم بين نسائه فيعدل ، ثم يقول :     ( اللهم هذا فعلي فيما أملك ، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك ) ، وهو عند أهل السنن وإسناده صحيح وزاد أبو داود :( فلا تلمني فيما تملك ولا أملك – يعني القلب – ولهذا عقب ذلك بقوله :{وكان الله عليماً} أي:بضمائر السرائر

، { حليماً } أي : يحلم ويغفر [  الأحزاب / 51 ، تفسير ابن كثير ج 6 ص 438 ]

ونخلص إلى أن الحلم من العالم ضروري جداً ، لأن توصيل العلم إلى مستحقيه يحتاج إلى رفق ، وأناة ، ورحمة ، وعدم مؤاخذة ، ومسامحة وصفح ، بسبب إختلاف الناس في قدراتهم فطلبة العلم منهم المستعجل،ومنهم الجاهل،ومنهم ضيق الصدر ، ومنهم الأحمق ، ومنهم سريع الغضب ، ومنهم المغرور …. ،

 وهذاكله يحتاج من العالم الحلم،والعلم  ولايتزين بأحلى من الحلم ، فإذا لم يتزين العالم بالحلم؛فإنه لاينتفع بعلمه،لأنه ليس لديه رفق ولا أناة،وبالتالي سينفظ عنه طلاب العلم لعدم تحملهم له ولغضبه

فالحلم زين العلم ، وإذا لقح الحلم العلم أثمر السيادة والإنتفاع من العالم .                                            ثانياً : العلم : وهونقل صورة المعلوم من الخارج ، وإثباتها في النفس [تقدم بحث العلم في الفصل السادس ، وفي الفصل الأول من هذا البحث فليرجع إليه]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه  الحلقة  التاسعة والخمسون في موضوع اللقاح والثمرة

وستكون بعنوان: الثمرة سيادة الدنيا

والآخرة ، والإنتفاع بعلم العالم :

قال ابن القيم:والحلم لقاح العلم،فإذا اجتمعا حصلت سيادة الدنيا والآخرة ، وحصل الإنتفاع بعلم العالم ، وإن انفرد أحدهما عن صاحبه فات النفع والإنتفاع " [الفوائد ص 346 ] :

أولاً:سيادة الآخرة بالزحزحة عن النار ودخول الجنة 

  قال ابن القيم : إن القوم قد توسطوا ملكاً كبيراً ، لا تعتريه الآفات ، ولا يلحقه الزوال ، وفازوا بالنعيم المقيم في جوار الكبير المتعال ، فهم في روضات الجنة يتقلبون ، وعلى أسرتها تحت الحجال يجلسون ، وعلى الفرش التي بطائنها من استبرق يتكئون ، وبالحور العين يتنعمون ،وبأنواع الثمار يتفكهون ، ويطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب واباريق وكأس من معين ، لا يصدعون عنها ولا ينزفون ، وفاكهة مما يتخيرون ، ولحم طير مما يشتهون ، وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون ، جزاءً بما كانوا يعملون ، يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون ، تالله لقد نودى عليها في سوق الكساد ، فما قلب ولا أستفهام ، إلا أفراد من العباد ، فواعجباً لها كيف نام طالبها ، وكيف لم يسمح بمهرها خاطبها ، وكيف طاب العيش في هذه الدار ، بعد سماع أخبارها ، وكيف قر للمشتاق القرار ، دون معانقة أبكارها ، وكيف قرت دونها أعين المشتاقين ، وكيف صبرت عنها أنفس الموقنين ، وكيف صدفت عنها قلوب أكثر العالمين ، وبأي شيء تعوضت عنها نفوس المعرضين [ حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح لابن القيم ص5ط دار الكتب العلمية بيروت ]

 قال تعالى : { وإذا رأيت َثمّ رأيت نعيماً وملكاً كبيراً }[ الإنسان / 20 ]  

 قال ابن كثير :" أي: وإذا رأيت يامحمد { ثَمّ } أي : هناك ، يعني في الجنة ونعيمها وسعتها وارتفاعها ، وما فيها من الحبرة والسرور ، { رأيت نعيماً وملكاً كبيراً } أي : مملكةً لله هناك عظيمةً وسلطاناً باهراً "

[تفسير ابن كثير ج 8 ص 316، ،وتقدم مبحث دار السعداء ( الجنة ) في الفصل السادس ] 

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه  الحلقة  الستون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون بعنوان: الثمرة : ثانياً : إذا لقح الحلم العلم  أثمرا سيادة الدنيا :

سادة الدنيا هم الأنبياء من ولد آدم عليه وعليهم الصلاة والسلام ، وهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً ،أختار الله منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رسولاً ، وأختار الله منهم أولي العزم وهم خمسة ، المذكورين في قوله تعالى {وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم } [الأحزاب / 7 ] ثم اختار منهم الخليلين : إبراهيم ، ومحمد –صلى الله عليهما وسلم - ، ثم اختار ولد إسماعيل من أجناس بني آدم ، ثم اختار منهم بني كنانة من خزيمة ، ثم اختار من ولد كنانة قريشاً ، ثم اختار من قريش بني هاشم ، ثم اختار من بني هاشم سيد ولد آدم محمداً – صلى الله عليه وسلم - …

ومن اختياره أنه اختار أمة النبي – صلى الله عليه وسلم – ووهبها من العلم والحلم ما لم يهبه لأمة سواها وفي "مسند البزار " وغيره من حديث أبي الدرداء قال : سمعت أبا القاسم –صلى الله عليه وسلم –يقول:( إن الله تعالى قال لعيسى ابن مريم : إني باعث من بعدك أمةً إن أصابهم ما يحبون،حمدوا وشكروا،وإن أصابهم ما يكرهون،احتسبوا وصبروا،ولا حلم ولا علم ، قال : يارب ،كيف هذا ولا حلم ولا علم ؟ قال:أعطيهم من حلمي وعلمي )[ رواه أحمد في المسند ج 6 ص450 وإسناده حسن،وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ج10 ص67 ثم قال   رجال أحمد رجال الصحيح ، غير الحسن بن سوار ، وابي الحلبس يزيد بن ميسرة ، وهما ثقتان  ، زاد المعاد ج1ص 46 ]  

  *من ذكروا هم سادة الدنيا لأنهم مختارين من خالق الدنيا والآخرة لحمل أعظم مهمة ألا وهي الرسالة والحكم بها وتطبيقها ودعوة الناس إليها ،وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء،وقد رباهم على عينه وأدبهم فأحسن تأديبهم ، فكانوا علماء حلماء ، وسيرهم فيها من اخبارهم ما يدل على ذلك ، ولا يسود الدنيا إلا من كان على شريعة مِن مَن يملك الدنيا

 والصحابة سادوا الدنيا بفضل هذا الدين العظيم ، ومن سار على طريقهم إلى يومنا هذا

 والذين ملكوا الدنيا بالباطل سرعان ما ذهبوا ، ودرست معالمهم .

 قال تعالى:{قالوا أإنك لأنت يوسف ؟ قال:أنا يوسف وهذآ أخي قد منّ الله علينآ،إنه من يتق ويصبر،فإن الله لايضيع أجرالمحسنين،قالوا:تالله لقدآثرك الله علينا،وإن كنالخاطئين}[يوسف / 90 ، 91 ]  

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه  الحلقة  الواحدة والستون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: ثانياً : إذا لقح الحلم العلم  أثمرا سيادة الدنيا :

قال ابن كثير :" يقولون معترفين له بالفضل والأثرة عليهم في الخَلْق والخُلُق ، والسعة والملك ، والتصرف والنبوة ..      [   تفسير ابن كثير ج 4 ص332 ]                  

 ويوسف – عليه السلام – ساد في هذه الدنيا بسبب التقوى والصبر ، بسبب الحلم  والعلم ، بسبب الأخلاق الفاضلة التي كان يتخلق بها …

  وأعظم سيادة للدنيا هي سيادة نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – فهو خاتم الأنبياء ،ودينه خاتم الأديان ، وشريعته أفضل الشرائع ، وأمته أفضل الأمم ،وأول الأمم دخولاً للجنة ، وأكثر الأمم في الجنة ، وأكثر الأنبياء تبعاً ، وشريعته محفوظة وللثقلين إلى يوم القيامة … ، وهذا السيد  العظيم الذي ساد سيادة لم يسدها أحد مثله ، وهو أفضل البشر على الإطلاق .

 قال سبحانه وتعالى في حقه : { وإنك لعلى خلق عظيم }[ ن / 4]

 وقال :{ وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم }[ الشورى / 52 ]  

 وقالت عائشة عنه (( كان خلقه القرآن )) قال ابن كثير :" ومعنى هذا أنه – عليه السلام – صار إمتثالُ القرآن ، أمراً ونهياً ، سجيةً له ، وخلقاً تطبَّعه ، وترك طبعه الجبلي ، فمهما أمره القرآن فعله ، ومهما نهاه عنه تركه ، هذا مع ما جبله الله عليه من الخلق العظيم ، من الحياء والكرم ، والشجاعة ، والصفح والحلم ، وكل خلق جميل [ تفسير ابن كثير ج 8 ص 215]    

 وسيادته للدنيا كانت بسبب العلم والحلم والأخلاق العظيمة التي قد تمثلها، وكان يتخلق بإخلاق القرآن في كل صغيرة وكبيرة ، وهكذا كل من علم وحلم ساد في هذه الدنيا قبل الآخرة ، ورضي الله عنه ، وأنزل له القبول على وجه الأرض … 

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه  الحلقة  الثانية والستون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون بعنوان:

ثالث الثمرات : الإنتفاع بعلم العالم :

قال أبو بكر الآجري :

 إن الله عز وجل ، وتقدست أسماؤه ، اختص من خلقه من أحب ، فهداهم للإيمان ، ثم اختص من سائر المؤمنين من أحب ، فتفضل عليهم فعلمهم الكتاب والحكمة ،وفقههم في الدين ، وعلمهم التأويل ، وفضلهم على سائر المؤمنين ، وذلك في كل زمان وأوان ، رفعهم بالعلم ، وزينهم بالحلم ، بهم يعرف الحلال من الحرام ، والحق من الباطل ، والضار من النافع ، والحسن من القبيح ، فضلهم عظيم ، وخطرهم جزيل ، ورثة الأنبياء ، وقرة عين الأولياء ، الحيتان في البحارلهم تستغفر ، والملائكة باجنحتها لهم تخضع ، والعلماء في القيامة بعد الأنبياء تشفع ، مجالسهم تفيد الحكمة ، وبأعمالهم ينزجر أهل الغفلة ، هم أفضل من العباد ، وأعلا درجة من الزهاد،حياتهم غنيمة ، وموتهم مصيبة)

[  كتاب أخلاق العلماء للآجري ص5،6]

 والدليل على ذلك قوله تعالى :{ يرفع اللهُ الذين آمنوا منكم ، والذين أُوتوا العلم درجات ، والله بما تعملون خبير } (2) (2) المجادلة / 11   ،   ، وقال عز وجل :{ إنما يخشى الله من عباده العلماءُ ، إن الله عزيز غفور } (3) (3) فاطر / 28 ،   ، وقال سبحانه :{وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا ، وكانوا بآياتنا يوقنون } [ السجدة / 24] ، وقال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم - : (( فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم ، إن الله عز وجل وملائكته ، وأهل السماوات والأرض ، حتى النملة في جحرها ، وحتى الحوت ، ليصلون على معلم الناس الخير )[  أخرجه الترمذي في السنن ،عن أبي أمامة ، وصححه الألباني ، في صحيح الجامع برقم 4089]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه  الحلقة  الثالثة والستون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:

ثالث الثمرات : الإنتفاع بعلم العالم :

وقال الآجري :" فإذا نشر الله له الذكر عند المؤمنين أنه من أهل العلم ،واحتاج الناس إلى ما عنده من العلم ، ألزم نفسه التواضع للعالم وغير العالم ، فأما تواضعه لمن هو مثله في العلم ؛ فإنها محبة تنبت له في قلوبهم ، واحبوا قربه ،وإذا غاب عنهم حنّت إليه قلوبهم ، وأما تواضعه للعلماء ؛ فواجب عليه إذ أراه العلم ذلك ، وأما تواضعه لمن هو دونه في العلم ؛ فشرف العلم له عند الله وعند أولى الألباب ، وكان من صفته في علمه وصدقه وحسن إرادته ، يريدالله بعلمه … ويتواضع للفقراء والصالحين ليفيدهم العلم ، وإن كان له مجلس قد عرف بالعلم ألزم نفسه حسن المداراة لمن جالسه ، والرفق بمن سائله ، واستعمال الأخلاق الجميلة ، ويتجافى عن الأخلاق الدنية .

فأما أخلاقه مع مجالسيه فصبور على من كان ذهنه بطيئاً عن الفهم حتى يفهم عنه ، صبور على جفاء من جهل عليه حتى يرده بحلم ، يؤدب جلساءه بأحسن ما يكون من الأدب ، لا يدعهم يخوضون فيما لا يعنيهم ، ويأمرهم بالإنصات مع الإستماع إلى ما ينطق به من العلم … ، يسكت عن الجاهل حلماً ، وينشر الحكمة نصحاً   [ أخلاق العلماء للآجري]

 ونخلص إلى أن العالم يجب أن يتحلى بالحلم والذي هو الأناة ، ويحكم العقل ، ويكون رفيقاً ، ولا يؤاخذ الجهال بجهلهم ، بل يغفر لهم زلاتهم ، ويسامحهم ويصفح عنهم ، ويصبر على أذاهم ، حتى ينفع الله بعلمه ، ويتأدبوا بأدبه ، ويعترفوا ولو بعد حين بخطأهم ، وسفههم وجهلهم ، وإذا لم يكن العالم حليماً ، فإنه سيصد بإخلاقه المضادة للحلم ، فإن جار أو ظلم أو حمق أو غضب أو طاش أو تغطرس أو أصابه الغرور …

فإنه لن يُنتفع بعلمه مهما كان عالماً ، وهذه الثمرة من أهم الثمرات التي يجب على طالب العلم أن يراعيها ويوليها أكبر الإهتمام ، وإلا فإن جهوده الكبيرة التي بذلها في طلب العلم ستذهب أدراج الرياح ولن يستفيد أحد من علمه والله المستعان وعليه التكلان ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه  الحلقة  الرابعة والستون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون بعنوان: الفصل الثامن :

  اللقاح : العزيمة للبصيرة

   الثمرة : بلوغ الكمال

 قال ابن القيم : والعزيمة لقاح البصيرة ، فإذا اجتمعتا نال صاحبهما خير الدنيا والآخرة ، وبلغت به همته من العلياء كل مكان ، فتخلُّف الكمالات إما من عدم البصيرة ، وإما من عدم العزيمة [ مفتاح دار السعادة لابن القيم ج 1 ص 61 ط 1402هـ ] ثم قال : وكمال كل إنسان إنما يتم بهذين النوعين : " همة تُرَقِّيه " و " علم يُبصِّرُه ، ويهديه " ، فإن مراتب السعادة والفلاح إنما تفوت العبد من هاتين الجهتين ، أو من أحدهما : إما أن لا يكون له علم بها ، فلا يتحرك في طلبها ، أو يكون عالماً بها ، ولا تنهض همته إليها فلا يزال في حضيض طبعه محبوساً ، وقلبه عن كماله الذي خُلق له مصدوداً منكوساً … [  الفوائد لابن القيم ص 346 ]

أولاً : العزيمة : العزم : الجد ، عزم على الأمر يعزم عزماً ، وعزيمةً .

والعزم : ما عقد عليه قلبك من أمر أنك فاعله  ، وفي التنزيل { فإذا عزم الأمر } قال الأزهري : هو فاعل معناه المفعول ، وإنما يُعزم الأمرُ ولا يَعزم،والعزم للإنسان لا للأمر ، وهذا كقولهم " هلك الرجل " وإنما أُهلك [ لسان العرب ج 12 ص 399، 400] قال ابن القيم :"والعزم :هو القصد الجازم المتصل بالفعل ، والشروع في الحركة ناشيء عن العزم ، وحقيقته : هو استجماع قوى الإرادة على الفعل [ تهذيب مدارج السالكين للعزي ص 111]            

والعزيمة هي الهمة ، والهمة هي : الباعث على الفعل ، وهي أول العزم ، وقد تطلق على العزم القوي ، فيقال له همة عالية ، وقيل :علو الهمة : هو استصغار ما دون النهاية من معالي الأمور ، وقيل : خروج النفس إلى غاية كمالها الممكن لها في العلم والعمل [  رسائل الإصلاح لمحمد الخضر حسين ، صيد الخاطر لابن الجوزي ص 189 ، وانظر علو الهمة لمحمد المقدم ص 7 ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

            بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه  الحلقة  الخامسة والستون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون بعنوان: العزيمة وضدها

            إن ضعف الإرادة والطلب من ضعف حياة القلب ، وكلما كان القلب أتمَّ حياةً ، كانت همته أعلى ، وإرادته ومحبته أقوى ، فإن الإرادة والمحبة تتبع الشعور بالمراد المحبوب،وسلامة القلب من الآفة التي تحول بينه وبين طلبه وإرادته،فضعف الطلب وفتور الهمة إما من نقصان الشعوروالإحساس ،وإما من وجودالآفة المضعفة للحياة،فقوةالشعور وقوة الإرادة دليل على قوة الحياة ، وضعفها دليل على ضعفها ، وكما أن علو الهمة ، وصدق الإرادة ،والطلب من كمال الحياة،فهو سبب إلى حصول أكمل الحياة وأطيبها[ علو الهمة لمحمد المقدم ص 18، 19 ]

              وكما أن العزيمة والهمة مطلوبة من

المسلم ، فإن العجز منهي عنه قال

 رسول الله صلى الله عليه وسلم:( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، وفي كل خير ، احرص على ما ينفعك ، واستعن بالله ، ولا تعجز،وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا،ولكن قل:قَدَرُ الله ،وماشاءفعل،فإن لوتفتح عمل الشيطان [أخرجه مسلم في الصحيح ، القدر ، باب في الأمر بالقوة .. رقم 34 ج4ص 2052]

 والهمم والعزائم تتفاضل : قال تعالى : { إن سعيكم لشتى } [ الليل / 4] 

 والهمة رزق من الله عز وجل ، والله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ، ومن حكمته سبحانه أن فاضل بين خلقه في قواهم العلمية ، كما فاضل بينهم في قواهم العلمية .

  على قدر أهل العزم تأتي العزائم  

وتأتي على قدر الكرام المكارمُ

 وتعظم في عين الصغير صغارُها   

وتصغر في عين العظيم العظائم

اجتمع عبد الله بن عمر،وعروة بن

 الزبير،ومصعب بن الزبير،وعبد الملك بن مروان بفناء الكعبة ، فقال لهم مصعب : تمنوا ، فقالوا : ابدأ أنت .

 فقال:ولاية العراق ، وتزوج سكينة أبنة الحسين ، وعائشة بنت طلحة بن عبيد الله "،فنال ذلك ، وأصدق كل واحدة خمسمائة ألف درهم ، وجهزها بمثلها .

 وتمنى عروة بن الزبير "الفقه ، وأن يحمل عنه الحديث " ، فنال ذلك .

 وتنمى عبد الملك الخلافة ، فنالها ،

 وتمنى عبد الله بن عمر الجنة [ علو الهمة ص 24 ]                                                            

قال ابن القيم : علو الهمة : أن لا تقف دون الله ، ولا تتعوض عنه بشيء سواه ،ولا ترضى بغيره بدلاً منه ، ولا تبيع حظها من الله ، وقربه والأنس به ، والفرح والسرور والإبتهاج به ، بشيء من الحظوظ الخسيسة الفانية .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

   بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة السادسة والستون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون بعنوان: الهمة العالية والهمة السافلة

فالهمة العالية على الهمم : كالطائر العالي على الطيور ، لا يرضى بمساقطهم ، ولا تصل إليه الآفات التي تصل إليهم ، فإن" الهمة " كلما علت ، بعدت عن وصول الآفات إليها ، وكلما نزلت قصدتها الآفات من كل مكان ، فإن الآفات قواطع وجواذب ، وهي لا تعلو إلى المكان العالي فتجتذب منه ، وإنما تجتذب من المكان السافل .

فعلو همة المرء : عنوان فلاحه ، وسفول همته : عنوان حرمانه [علو الهمة ص 9 ، وعزاه إلى مدارج السالكين لابن القيم  ج 3 ص 171، 172] 

وهمة وعزيمة المؤمن أبلغ من عمله قال  صلى الله عليه وسلم :(من هم بحسنة فلم يعملها ، كتبها الله له عنده حسنة كاملة ، فإن هو هم بها فعملها كتبها الله له عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ) [أخرجه البخاري في الصحيح ، الرقاق ، باب من هم بحسنة،(فتح الباري ج 11 ص 323 رقم 6491)من حديث ابن عباس]

وعزيمة المؤمن في قلبه،وهو مكان التقوى ،وقوة القلب أقوى من الجوارح،قال تعالى :{ ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب}[الحج / 32 ]

فالكَيِّس يقطع من المسافة بصحة العزيمة،وعلو الهمة،وتجريدالقصد، وصحة

النية،مع العمل القليل أضعاف أضعاف

  ما يقطعه الفارغ من ذلك مع التعب الكثير ، والسفر الشاق ، فإن العزيمة والمحبة تُذهب المشقة وتطيِّب السير … [ علو الهمة للمقدم ص 18 وعزاه إلى ابن القيم ]

ونخلص إلى أن عزيمة المؤمن وهمته من أعظم مايجب أن يربي نفسه عليها حتى يبقى عزيزاً ،كريماً ، عفيفاً ، فإذا أنضاف إلى ذلك بصيرة العلم أثمرتا الكمال البشري ؛الذي اقتضت حكمة الله أن يخلق الخلق من أجله ليعيشوا حياة طيبة

مباركة في الدنيا ، ويحيوا في الآخرة حياة السعداء ، نسأل الله من فضله .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة السابعة والستون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون بعنوان: ثانياً : البصيرة :

البصر:العين،وقيل:حاسة الرؤية، وأبصرت الشيء : رأيته ، ورجل بصير مبصر : خلاف الضرير ، وقوله تعالى :{ قد جاءكم بصائر من ربكم } أي : قد جاءكم القرآن الذي فيه البيان والبصائر ، فمن أبصر فلنفسه نفع ذلك ، ومن عمي فعليها ضرر ذلك ، لأن الله غني عن خلقه ، والبصر : العلم ، وبصرت بالشيء : علمته ، والبصير: العالم ، والبصيرة : عقيدة القلب ، وقيل : الفطنة ، وقيل : المعرفة ، وقيل : العبرة  ، والتبصر : التأمل والتعرف ، والتبصير : التعريف والإيضاح ، وتبصر في رأيه ، واستبصر : تبين ما يأتيه من خير وشر ، والبصيرة : الثبات في الدين [ لسان العرب ج 4 ص 64-68  ] ،                                        قال ابن القيم :البصيرة:نور في القلب يبصربه الوعد والوعيد، والجنة والنور ، نور يقذفه الله في القلب،يرى به حقيقة ما أخبرت به الرسل ، كأنه يشاهده رأى عين ،وقيل:ما خَلَّصك من الحيرة ، إما بإيمان،وإما بعيان …

فالبصيرة تنبت في أرض القلب الفراسة الصادقة ، وهي نور يقذفه الله في القلب ، يفرق به بين الحق والباطل ، والصادق والكاذب ، قال تعالى :{ إن في ذلك لآيات للمتوسمين }[ الحجر / 75 ] قال مجاهد : للمتفرسين ،والتوسم:تفعل من السيما وهي علامة،فسمى المتفرس متوسماً،لأنه يستدل بما يشهد على ماغاب …، وعلى حسب قوة البصيرة وضعفها تكون الفراسة،فراسة الصادقين،العارفين بالله وأمره [ تهذيب مدارج السالكين ص 106 – 110]   

 قال تعالى:{قل هذه سبيلي~ أدعوآ إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ، وسبحان الله ومآ انا من المشركين } [يوسف / 108 ]  ، قال ابن كثير:"يقول تعالى لعبده ورسوله إلى الثقلين:الإنس والجن،آمراً له أن يخبر الناس : أن هذه سبيله أي طريقه ومسلكه وسنته ، وهي الدعوة إلى شهادة أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ، يدعو إلى الله بها على بصيرة من ذلك ، ويقين ، وبرهان ،  هو وكل من اتبعه ، يدعو إلى ما دعا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على بصيرة ويقين ، وبرهان شرعي وعقلي [ تفسير ابن كثير ج  4ص 345 ]    

  إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الثامنة والستون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون بعنوان:ثانياً:البصيرة على ثلاث درجات:

من استكملها فقد استكمل البصيرة :

1- بصيرة في الأسماء والصفات .

2-بصيرة في الأمر والنهي .

3- بصيرة في الوعد والوعيد

             المرتبة الأولى من البصيرة :     فالبصيرة في الأسماء والصفات : أن لا يتأثر إيمانك بشبهة تعارض ما وصف الله به نفسه ، ووصفه به رسوله … موصوفاً بصفات الكمال ، منعوت بنعوت الجلال ، منزهاً عن العيوب والنقائص والمثال ، فهو كما وصف نفسه في كتابه ، وفوق ما يصفه به خلقه ..وسعت الخليقة أفعاله عدلاً وحكمة ورحمة وإحساناً وفضلاً ، له الخلق والأمر ، وله النعمة والفضل ، وله الملك والحمد ، وله الثناء والمجد …، وتفاوت الناس في هذه البصيرة بحسب تفاوتهم في معرفة النصوص النبوية وفهمها ، والعلم بفساد الشبه المخالفة لحقائقها ….

 المرتبة الثانية من البصيرة :

البصيرة في الأمر والنهي ، وهي تجريده عن المعارضة بتأويل ، أو تقليد ،أو هوى ، فلا يقوم بقلبه شبهة تعارض العلم بأمر الله ونهيه ، ولا شهوة تمنع من تنفيذه وامتثاله ، والأخذ به ، ولا تقليد يريحه عن بذل الجهد في تلقي الأحكام من مشكاة النصوص ، وقد علمت بهذا أهل البصائر من العلماء من غيرهم .

المرتبة الثالثة:البصيرة في الوعد والوعيد :                                                  وهي أن تشهد قيام الله على كل  نفس بما كسبت في الخير والشر ، عاجلاً وآجلاً ، في دار العمل ودار الجزاء… إن إنكار المعاد عجب من الإنسان ، وهو محض إنكار الرب والكفر به ، والجحد لإلهيته ، وقدرته ، وحكمته ،

 وعدله ، وسلطانه [ من كلام ابن القيم القيم ، انظر تهذيب مدارج السالكين ص  601-801]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

             

            بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة التاسعة والستون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون بعنوان:ثانياً:أقسام البصائر                                          بصائر الناس في هذا النور الباهر

             تنقسم إلى ثلاثة أقسام :

أحدها:من عدم بصيرة الإيمان جملة، فهو لايرى من هذا الصنف إلا الظلمات  والبرق والرعد ، فهو يجعل أصبعه في أذنه من الصواعق ، ويده على عينه من البرق خشية أن يخطف بصره ، ولا يجاوز نظره ما وراء ذلك من الرحمة وأسباب الحياة الأبدية ، فهذا القسم هو الذي لم يرفع بهذا الدين رأساً ، ولم يقبل هدى الله الذي هدى به عباده ، ولو جاءته كل آية ، لأنه ممن سبقت له الشقاوة ، وحقت عليه الكلمة ، ففائدة إنذاره هذا إقامة الحجة عليه ليعذب بذنبه لا بمجرد علم الله فيه .

القسم الثاني:أصحاب البصيرة الضعيفة الخفاشية ، الذين نسبة أبصارهم إلى هذا  النور كنسبة أبصار الخفاش إلى جرم الشمس،فهم تبع لآبآئهم وأسلافهم، دينهم دين العادة والنشأة،وهم الذين قال فيهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب : أومنقاداً للحق لابصيرة له في إصابة ، فهؤلاء إذا كانوا منقادين لأهل البصائر لا يتخالجهم شك ، ولا ريب فهم على سبيل نجاة

القسم الثالث: وهو خلاصة الوجود ، ولباب بني آدم ، وهم أولو البصائر النافذة الذين شهدت بصائرهم هذا النور المبين ، فكانوا منه على بصيرة ويقين ، ومشاهدة لحسنه وكماله بحيث لو عرض على عقولهم ضده لرأوه كالليل البهيم الأسود، وهذا هو المحك والفرقان بينهم وبين الذين قبلهم ، فإن أولئك بحسب داعيهم ومن يقرن بهم كما قال فيهم علي بن أبي طالب :أتباع كل ناعق ،يميلون مع كل صائح،لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق" هذا علامة من عدم البصيرة ، فإنك تراه يستحسن الشيء وضده ، ويمدح الشيء ويذمه بعينه إذا جاء في قالب لا يعرفه ، فيعظم طاعة الرسول ويرى عظيماً مخالفته ثم هو من اشد الناس مخالفة له ونفياً لما أثبته ومعاداة للقائمين بسنته ، وهذا من عدم البصيرة [مفتاح دار السعادة لابن القيم ج1 ص 376،377 ط 1402 هـ]     

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

     

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة السبعون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون

إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:

ثانياً:أقسام البصائر                                                                                                                                 

  فهذاالقسم الثالث إنما عملهم على البصائر ، وبها تفاوت مراتبهم في درجات الفضل ، كما قال بعض السلف وقد ذكر السابقين فقال : "إنما كانوا يعملون على البصائر وما أوتى أحد أفضل من بصيرة في دين الله ولو قصر في العمل " قال تعالى :{ واذكر عبادنا إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار}[ ص / 45  ]،قال ابن عباس :" أولي القوة في طاعة الله والأبصار في المعرفة في أمر الله " ، وقال قتادة ومجاهد :" أعطوا قوة في العبادةوبصراً في الدين واعلم الناس أبصرهم بالحق إذا اختلف الناس ، وإن كان مقصراً في العمل وتحت كل من هذه الأقسام أنواع لا يحصي مقادير تفاوتها إلا الله إذا عرف هذا ؛ فالقسم الأول : لا ينتفع بهذا الباب ، ولا يزداد به إلا ضلالة ، والقسم الثاني : ينتفع منه بقدر فهمه واستعداده ، والقسم الثالث : وإليهم هذا الحديث يساق وهم أولو الألباب الذين يخصهم الله في كتابه بخطاب التنبيه والإرشاد وهم المرادون على الحقيقة بالتذكرة قال تعالى :{ وما يذَّكَّر إلا أولوا الألباب }[  البقرة / 269 ]  ،[ مفتاح دار السعادة ج 1 ص 377 ]   

 ونخلص إلى أن من أعطاه الله علماً نافعاً أبصر به سر وجوده ، وأبصر به ربه ، وأبصر به طريقه إلى ربه ، وأبصر به ما يؤول إليه أمره في دنياه وآخرته ، ثم لقح هذه البصيرة ، عزم وعزيمة وهمة عالية وكريمة . فإن هذا يثمر الكمال البشري الذي إرتضاه الله بحكمته لعباده ، ليسعدوا في الدنيا والآخرة .

 إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

     

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الواحدة والسبعون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون

بعنوان: الثمرة : الكمال البشري                                         

تمثل الكمال البشري في النخبة الذين أختارهم الله لحمل رسالته ، ثم في من تبعهم من أقوامهم ممن أطاع الله ورسوله ،وهم من أنعم الله عليهم،قال تعالى :{ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهدآء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً ، ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليماً }[ النساء / 69 ، 70 ] قال ابن كثير :" أي : من عمل بما أمره الله ورسوله ، وترك ما نهاه الله عنه ورسوله ، فإن الله عز وجل يسكنه دار كرامته ، ويجعله مرافقاً للأنبياء ثم لمن بعدهم في الرتبة ، ثم الشهداء ، ثم عموم المؤمنين وهم الصالحون الذين صلحت سرائرهم وعلانيتهم ثم أثنى عليهم تعالى فقال :  { وحسن أولئك رفيقاً }[ تفسير ابن كثير ج 2 ص 309 ] 

 وذكر الله تبارك وتعالى عدداً من هؤلاء المنعم عليهم الذين تمثلوا الكمال البشري في سورة مريم وفي غيرها فقال :{ واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً …، فاشارت إليه قالوا : كيف نكلم من كان في المهد صبياً ، قال : إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً ، وجعلني مباركاً أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً … ، ذلك عيسى بن مريم قول الحق الذي فيه يمترون ، … واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقاً نبياً ، … واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصاً وكان رسولاً نبياً ،…واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً ، …واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقاً نبياً ، … أولئك الذين أنعم الله من النبييين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينآ،إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خرواسجداًوبكياً }[ مريم / 16_ 58] قال ابن كثير:يقول تعالى هؤلاء النبيون وليس المراد المذكورين في هذه السورة فقط،بل جنس الأنبياء عليهم السلام استطرد من ذكر الأشخاص إلى الجنس{الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم } … الآية [تفسير ابن كثير ج5 ص 237]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم   

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الثانية والسبعون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون

إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: الثمرة : الكمال البشري                                        

ومن تمام الكمال البشري حصول اللذة والفرح والنعيم والسرور وطيب النفس وقرة العين ونحوها ، وإذا كانت اللذة مطلوبة لنفسها فهي إنما تذم إذا أعقبت ألماً أعظم منها أو منعت لذة خيراً منها ، وتحمد إذا أعانت على اللذة الدائمة المستقرة وهي لذة الدار الآخرة ونعيمها الذي هو أفضل نعيم وأجله كما قال تعالى :{ولا نضيع أجر المحسنين ، ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون }  [ يوسف / 56، 57 ]وقال تعالى :{ للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين }[ النحل / 30 ] وقال تعالى :{وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون}[ العنكبوت / 64 ]   وقال تعالى : { بل تؤثرون الحياة الدنيا،والآخرة خير وأبقى }[ الأعلى / 16، 17 ] ،وقال العارفون بتفاوت مابين الأمرين لفرعون :{ فاقض ما أنت قاض ، إنما تقضي هذه الحياة الدنيا ، إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر ، والله خير وأبقى } [ طه / 72، 73 ]، والله سبحانه وتعالى إنماخلق الخلق لدار القرار ، وجعل اللذة كلها بأسرها فيها كما قال الله تعالى :{ وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين}[الزخرف / 71 ] ، وقال تعالى:{ فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين }[ السجدة /17 ]  وقال صلى الله عليه وسلم :(يقول الله تعالى : (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ) وهذا هو الذي قصده الناصح لقومه الشفق عليهم حيث قال :{ ياقوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد ، ياقوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع ، وإن الآخرة هي دار القرار } [ غافر/39] ، فأخبرهم أن الدنيا متاع يتمتع بها إلى غيرها ، والآخرة هي المستقر والغاية ….

واعلم أن هذه اللذة تتضاعف وتتزايد بحسب ما عند العبد من الإقبال على الله وإخلاص العمل له والرغبة في الدار الآخرة …وكل لذة أعقبت ألماً أو منعت لذة أكمل منها فليست بلذة في الحقيقة ، وإن غالطت النفس في الإلتذاذ بها[(9) روضة المحبين لابن القيم ص 171- 176 ]    

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم     

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الثالثة والسبعون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون

إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: الثمرة : الكمال البشري (اللذات)                                        

ثم قال ابن القيم : ولما كانت النفوس الضعيفة كنفوس النساء والصبيان لا تنقاد إلى أسباب اللذة العظمى إلا بإعطائها شيئاً من لذة اللهو واللعب بحيث لو فطمت عنه كل الفطام طلبت ماهو شرٌّ لها منه رخَّص لها من ذلك فيما لم يرخص فيه لغيرها ….

إذا عرف هذا فأقسام اللذات ثلاث :  1- لذة جثمانية .                                               2- ولذة خيالية وهمية .                                                    3-ولذة عقلية روحانية .

  فاللذة الجثمانية : لذة الأكل والشرب والجماع ، وهذه اللذة يشترك فيها مع الإنسان الحيوان البهيم ، فليس كمال الإنسان  بهذه  اللذة  لمشاركة  أنقص

 الحيوانات له فيها …

 وأما اللذة الوهمية الخيالية فلذة الرئاسة والتعاظم على الخلق والفخر والإستطالة عليهم .

وهذه اللذة وإن كان طلابها أشرف نفوساً من طلاب اللذة الأولى فإن آلامها وما توجبه من المفاسد والمضار أعظم من التذاذ النفس بها ..

 وأما اللذة العقلية الروحانية فهي كلذة المعرفة والعلم والإتصاف بصفات الكمال من الكرم والعفة والشجاعة والصبر والحلم والمرؤة وغيرها فإن الإلتذاذ بذلك من أعظم اللذات ، وهو لذة النفس الفاضلة العلوية الشريفة ، فإذا انضمت اللذة بذلك إلى لذة معرفة الله تعالى ومحبته وعبادته وحده لا شريك له والرضا به عوضاً عن كل شيء ولا يتعوض بغيره عنه فصاحب هذه اللذة في جنة عاجلة نسبتها إلى لذات الدنيا ، كنسبة لذة الجنة إلى لذة الدنيا ، فإنه ليس للقلب والروح ألذ ولا أطيب ولا أحلى ولا أنعم من محبة الله والإقبال عليه وعبادته وحده ، وقرة العين به والأنس بقربه ، والشوق إلى لقائه ورؤيته ، وإن مثقال ذرة من هذه اللذة لا يعدل بأمثال الجبال من لذات الدنيا ولذلك كان مثقال ذرة من إيمان بالله ورسوله يخلص من الخلود في دار الألام فكيف بالإيمان الذي يمنع دخولها ؟  ، وكان بعض العارفين يقول : مساكين أهل الدنيا خرجوا من الدنيا ولم يذوقوا طيب نعيمها ، فيقال له : وماهو ؟ فيقول : محبة الله والأنس به والشوق إلى لقائه ومعرفة أسمائه وصفاته …..

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم    

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الرابعة والسبعون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون

بعنوان: الثمرة : ليس للقلب والروح ألذ ولا أطيب ولا أحلى ولا أنعم من محبة الله والإقبال عليه وعبادته وحده                                                                                   وقال آخر:والله إنه ليمر بالقلب أوقات أقول فيها:إن كان أهل الجنة في مثل 

 هذه الحال إنهم لفي عيش طيب … ، وقال بعض المحبين : إن حبه عز وجل شغل قلوب محبيه عن التلذذ بمحبة غيره ، فليس لهم في الدنيا مع حبه عز وجل لذة تُداني محبته ، ولا يؤملون في الآخرة من كرامة الثواب أكبر عندهم من النظر إلى وجه محبوبهم [  روضة المحبين ص 177- 181 ط الأولى ]، وأعظم كمال للإنسان أن  يحبه  الله ، ولايمكن أن يحب الله أحداً إلا بعد أن يكون عبداً لله ،ممتثلاً لأوامر الله ، منتهياً عن مانهي الله عنه قال تعالى :{ إن الله يحب المتطهرين }[ البقرة / 222]ويقول :{إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً}[الصف/ 4 ] وفي الحديث الصحيح من رواية أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى قال:{وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه }الحديث  [ صحيح البخاري (قتح الباري ج11 ص340 ) ] 

قال ابن قدامة : وليت شعري ، هل في الوجود شيء أجلّ وأعلى وأشرف وأكمل وأعظم من خالق الأشياء كلها ومكملها ، ومزينها ومبديها ومدبرها ومرتبها ؟ وهل يتصور أن يكون حضرة في الملك والكمال والجمال والبهاء والجلال أعظم من الحضرة الربانية التي لا يحيط بجلالها وكمالها وعجائب أمورها وصف الواصفين ؟ ….

 وأعلم أن لذة النظر في الآخرة تزيد على المعرفة في الدنيا ، وقد اقتضت سنة الله تعالى أن النفس ما دامت محجوبة بعوارض البدن ، ومقتضى الشهوات ، وما يغلب عليها من الصفات البشرية ، لاتنتهي إلى المشاهدة ، بل هذه الحياة حجاب عنها بالضرورة ، كحجاب الأجفان عن رؤية الأبصار [ مختصر منهاج القاصدين ص 402، 404]ونخلص إلى أن العزيمة والهمة إذا لقحت البصيرة المتمثلة في العلم النافع والعمل الصالح ؛ أثمرت الكمال البشري المتمثل في طاعة الله ، وحب الله ، وحب الله لعبده ، وولايته له ، والشوق إلى لقاءه ، ومرافقة أولياءه في الآخرة . إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم    

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الخامسة والسبعون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون

بعنوان:الفصل التاسع :

اللقاح: حسن القصد لصحة الذهن

 الثمرة: أنواع الخيرات

 قال ابن القيم : وحسن القصد لقاح لصحة الذهن ، فإذا فُقدا فقد الخير كله ، وإذا اجتمعا أثمرا أنواع الخيرات [الفوائد لابن القيم ص 347 ]

 أولاً : حسن القصد :حسن القصد : القصد في اللغة:إستقامة الطريق ، وقيل : العدل،وقيل التوسط والإعتدال، وقيل أتيان الشيء ، والقصدفي الشيء : خلاف الإفراط ، وهو مابين الإسراف والتقتير [ لسان العرب ج3 ص 353 – 356]

أما في الإصطلاح : فالقصد هو النية يقول ابن القيم : فالنية هي القصد بعينه ، ولكن بينها وبين القصد فرقان :أحدهما : أن القصد معلق بفعل الفاعل نفسه ، وبفعل غيره ، والنية لا تتعلق إلا بفعله نفسه فلا يتصور أن ينوي الرجل فعل غيره ، ويتصور أن يقصده ويريده الفرق الثاني : أن القصد لا يكون إلا بفعل مقدور يقصده الفاعل ، وأما النية فينوي الإنسان ما يقدر عليه وما يعجز عنه …فالنية تتعلق بالمقدور عليه والمعجوز عنه بخلاف القصد والإراده فإنهما لا يتعلقان بالمعجوزعنه لامن فعله ولا من فعل غيره [ بدائع الفوائد لابن القيم ج 3 ص 189، 190]   وفي مقاصد المكلفين للأشقر مبحث مفصل عن تعريف النية بالعزم والقصد ، وخلص إلى أن " تعريف النية بالقصد والعزم مذهب قوي يدل عليه أنه مدلول الكلمة في لغة العرب ، فالقصد والعزم على ذلك قسمان للنية ، وقد خصَّ إمام الحرمين العزم بالفعل المستقبل ، والقصد بالفعل الحاضر المتحقق …   ثم قال : فالنية على هذا أعم من القصد …ثم عرف النية بقوله (قصد الشيء مقترناً بفعله ) [ مقاصد المكلفين للدكتور / عمر سليمان الأشقر ص 23- 32 ط الأولى]

  هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم    

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة السادسة والسبعون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:الفصل التاسع :

اللقاح: حسن القصد لصحة الذهن

 الثمرة: أنواع الخيرات                                            

نقل الأشقر قول أحمد الحسيني:قول الفقهاء في تعريف النية : هي القصد ، وشرعاً : قصد الشيء مقترناً بفعله ، وليس المراد منه أن هذا المعنى (القصد ) خاص باللغة ،وليس مستعملاً في الشرع ، بل هو مستعمل فيه،فكثير ما يستعمل لفظ النية في لسان الشرع مراد منه القصد ، كقولهم :" تجب نية الصوم " فالنية فيه بمعنى قصد الصيام قبل دخول وقته الذي أوله طلوع الفجر ، وهو العزم الذي هو أحد نوعي القصد الذي هو بمعنى النية ، فهذا المعنى شرعيّ أيضاً  " ثم بين أن المعنى الشرعي هوالمعنى اللغوي وليس  مختصاً بالشرع قال : " قولهم : وشرعاً قصد الشيء مقترناً بفعله ؛ ليس المراد منه أنَّ هذا المعنى غير لغوي [ مقاصد المكلفين للدكتور / عمر سليمان الأشقر ص 23 –35 ] ،أما حسن القصد فيمكن أن يتفق مع ما ذهب إليه بعض العلماء في أعتبار( الإخلاص ) أمراً زائداً على النية ، وهؤلاء يجعلون الإخلاص صفة في النية ، فالإخلاص هو تلك النية المتجهه لله وحده دون سواه ، والنيّة قد تكون كذلك وقدلا تكون …

 ويرى آخرون أن النية هي تلك الإرادة التي تقصد الفعل ، أمّا الإخلاص فهو تلك التي تقصد التوجيه بالفعل إلى الله ، يقول الشيخ عماد الدين الإسنوي – رحمه الله :الفرق بين النية والإخلاص هو أن النية تتعلق بفعل العبادة،وأمّا إخلاص النية في العبادة فيتعلق بإضافة العبادة إلى الله تعالى " [ مقاصد المكلفين ص29]             قال ابن قدامة : إعلم أنه قد انكشف لأرباب القلوب ببصيرة الإيمان وأنوار القرآن أنه لا وصول إلى السعادة إلا بالعلم والعبادة .

فالناس كلهم هلكى،إلاالعالمون والعالمون كلهم هلكى إلا العاملون ، والعاملون كلهم هلكى إلا المخلصون ،والمخلصون على خطر عظيم .

فالعمل بغير نية عناء،والنية بغير إخلاص رياء ، والإخلاص من غير تحقيق هباء ..

فالوظيفة الأولى على كل عبد أراد طاعة الله تعالى ، أن يعلم النية أولاً ، لتحصل له المعرفة ،ثم يصححها بالعمل بعد فهم حقيقة الصدق والإخلاص اللذين هما وسيلتان للعبد إلى النجاة [ مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة المقدسي ص 422 ط الأولى،وتقدم مبحث الإخلاص في الفصل الخامس ]                                      ونخلص إلى أن حسن القصد ؛ وهو الإخلاص ،أي: تخليص وتصفية العمل من كل الشوائب  لله ؛ من شرك أو رياء أو أي غرض دنيوي ، هو الركن الأول من ركنيّ قبول العمل ،وقد خصه الشرع بالإرادة والتوجه نحو الفعل ابتغاءً لوجه الله – تعالى –وامتثالاً لحكمه ، رجاء ما عنده من الفضل والبر والخير والرضى في الدنيا والآخرة ، وخوفاً من غضبه ولعنته ، وعذابه في الدنيا والآخرة ، فإذا تحقق هذا الركن الركين ولقح صحة الذهن أثمرا أنواع الخيرات في الدنيا والآخرة .

هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم     

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة السابعة والسبعون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون بعنوان: ثانياً :صحة الذهن

الذهن : الفهم ، والعقل ،والفطنة ، والحفظ،وحفظ القلب.

وجمعه:أذهان ،وذهنت كذا،أي:فهمته

[ لسان العرب ج13 ص 174] وحَد الذهن :قوة النفس المهيأة المستعدة لاكتساب الآراء.

وحَد الفهم  : جودة التهيء لهذه القوة .وحَدالذكاء:جودة حدس من هذه القوة تقع في زمان قصير غير ممهل ، فيعلم الذكي معنى القول عند سماعه .      وقال أبو بكر الأنباري:قولهم:فلان ذكي

 .معناه: كامل الفطنة تامها …

وإذا اعتبرنا الذهن هو العقل ؛ فيستدل على عقل العاقل بسكونه ، وخفض بصره وحركاته في أماكنها اللائقة بها ، ومراقبته للعواقب فلا تستفزه شهوة عاجلة عقباها ضرر ، وتراه ينظر في الفضاء فيتخير الأعلى والأحمد عاقبة من مطعم ومشرب وملبس وقول وفعل ، ويترك ما يخاف ضرره ، ويستعد لما يجوز وقوعه [ الأذكياء لابن الجوزي ص 11 ، 14ط الرابعة 1400هـ]                        

قال ابوالدرداء:ألا انبئكم بعلامة العاقل :يتواضع لمن فوقه،ولا يزدري من دونه ،يمسك الفضل من منطقه،يخالق الناس بأخلاقهم،ويحتجر الإيمان فيما بينه وبين ربه – عز وجل -

وقال لقمان لابنه:يابني ما يتم عقل امريء حتى يكون فيه عشر خصال : الكبر منه مأمون ، والرشد فيه مأمول ، يصيب من الدنيا القوت ، وفضل ماله مبذول ، التواضع أحب إليه من الشرف ، والذل أحب إليه من العز ، لا يسأم من طلب الفقه طول دهره ، ولا يتبرم من طلب الحوائج من قبله، يستكثر قليل المعروف من غيره ، ويستقل كثير المعروف من نفسه ، والخصلة العاشرة التي بها مجده وأعلى ذكره : أن يرى جميع أهل الدنيا خيراً منه ، وأنه شرهم ، وإن رأى خيراً منه سره ذلك ، وتمنى أن يلحق به ، وإن رأى شراً منه قال : لعل هذا ينجو ، وأهلك أنا ، فهنالك حين

 استكمل العقل [ الأذكياء لابن الجوزي ص 15 ]

 وقال ابن كثير على الآية{وتلك الأمثال نضربها للناس،وما يعقلها إلا العالمون }   [ العنكبوت / 43 ]أي:وما يفهمها ويتدبرها إلا الراسخون في العلم المتضلعون فيه [ تفسير ابن كثيرج 6ص 289،والأثر أخرجه أحمدفي المسندج  4ص203]   

وقال ابن القيم:العقل آلة العلم وميزانه الذي به يعرف صحيحه من سقيمه وراجحه من مرجوحه ،والمرآة التي يعرف بها الحسن من القبيح "[ مفتاح دار السعادة ج 1 ص 117،194 ط دار الكتب العلمية ]

ويرى ابن القيم أن المخ مبدأ للذهن ومكان للتعقل والفكر فقال :" فإنه مبدأ للذهن ولهذا كان الذهن يحتاج موضع ساكن قار صاف عن الأقذار والكدر ، خال من الجلبة والزجل ، ولذلك تكون جودة الفكر والتذكرواستخراج الصواب عند سكون البدن وفتور حركاته ، وقلة شواغله ومزعجاته" …  

   هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم   

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الثامنة والسبعون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون بعنوان: ثانياً :صحة الذهن                                                                                

 أما صفاء الذهن وصحته ، فقال ذا النون :" من وجدت فيه خمس خصال رجيت له السعادة ولو قبل موته بساعتين ، قيل : ماهي ؟ قال :استواء الخلق ، وخفة الروح ، وغزارة العقل ، وصفاء التوحيد ، وطيب المولد " [الأذكياء لابن الجوزي ص 14 ]

وقال ابن القيم : " وروى أنه لما هبط آدم من الجنة أتاه جبريل فقال : إن الله أحضرك العقل ، والدين ، والحياء ، لتختار واحداً منها ، فقال : أخذت العقل ، فقال الدين والعقل : أمرنا أن لا نفارق العقل حيث كان فانحازا إليه [ مفتاح دار السعادة ج 1 ص 117 ]

وصحة الذهن تؤدي إلى كمال العقل ؛

 فإذا كمل العقل ، قوى الذكاء والفطنة

 ، والذكي يتخلص إذا وقع في آفةٍ … [ صيد الخاطر لابن الجوزي ص 715]  .

وقال الدكتور الحجاجي:والعقل عند ابن القيم هو المحرك لجميع البدن ، فصلاح البدن في صلاحه وضياعه في ذهابه ، يقول ابن القيم " وقد قيل العقل ملك والبدن روحه وحواسه وحركاته كلها رعية له،فإذا ضعف عن القيام عليها وتعهدها وصل الخلل إليها كلها [الفكر التربوي عند ابن القيم للدكتور حسن الحجاجي ص 256 ط الأولى ]  وأخرج ابن أبي الدنيا بسنده من قول صالح بن عبد الكريم قال:جعل الله عز وجل  رأس أمور العباد العقل ، ودليلهم العلم ، وسائقهم العمل ، ومقويهم على ذلك الصبر [العقل وفضله ص 23 رقم 35 ] 

وقال سفيان بن عيينة:ليس العاقل الذي يعرف الخير والشر ، ولكن العاقل الذي يعرف الخير فيتبعه،ويعرف الشر فيجتنبه [ العقل وفضله لابن أبي الدنيا ص 28 رقم 52 ]

وقال ابن الجوزي:قال الحكماء:الخلق المعتدل ، والبنية المتناسبة دليل على قوة العقل ، وجودة الفطنة ، وإذا غلظت الرقبة دلت على قوة الدماغ ووفوره [ الأذكياء لابن الجوزي ص 13]   

ونخلص إلى أن صحة الذهن مطلب ضروري لحسن القصد فإذا تلاقحا أثمرا الخير .

 هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم     

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة التاسعة والسبعون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون بعنوان: الثمرة : أنواع الخيرات                                      

 الخير:ضد الشر،وجمعه خيور،قال تعالى :{أولئك لهم الخيرات}جمع خيرة،وهي:

الفاضلة من كل شيء ، وقال تعالى :   { فيهن خيرات حسان}قال أبو إسحاق : المعنى أنهن خيرات الأخلاق ، حسان الخَلْق ، قال الليث : رجل خير ، وامرأة خيرةُ فاضلة في صلاحها ، وامرأة خيرةُ في جمالها وميسمها [ لسان العرب ج 4 ص 264؛ 265  ]   قال ابن القيم في خيرات الدنيا : من علامات السعادة والفلاح : أن العبد كلما زيد في علمه  زيد في تواضعه ورحمته ، وكلما زيد في عمله زيد في خوفه وحذره ، وكلما زيد في عمره نقُص من حرصه ، وكلما زيد في ماله زيد في سخائه وبذله ، وكلما زيد في قدره وجاهه زيد في قربه من الناس وقضاء حوائجهم والتواضع لهم [ الفوائد لابن القيم ص 277 ]  ومن أعظم الخيرات : معرفة الله وهي المعرفة التي توجب الحياء منه ، والمحبة له ، وتعلق القلب به ، والشوق إلى لقائه ، وخشيته ، والإنابة إليه ، والأنس به ، والفرار من الخلق إليه [ الفوائد ص 301 ]            

ومن الخيرات : النعم التي أنعم الله بها على العبد ، وهي ثلاثة : نعمة حاصلة يعلم بها العبد ، ونعمة منتظرة يرجوها ، ونعمة هو فيها لا يشعر بها ، فإذا أراد الله إتمام نعمته على عبده ؛ عرفه نعمته الحاضرة وأعطاه من شكره قيداً يقيدها به حتى لا تشرد ، فإنها تشرد بالمعصية ، وتقيد بالشكر ، ووفقه لعمل يستجلب به النعمة المنتظرة ، وبصره بالطرق التي تسدها وتقطعه طريقها ، ووفقه لا جتنابها ، وإذا بها قد وافت إليه على أتم الوجوه ، وعرَّفه النعم التي هو فيها ولا يشعر بها [ الفوائد ص 305 ]ومن الخيرات:كثرة نعم الله،قال ابن قدامة :اعلم أن النعم تنقسم إلى ماهو غاية مطلوبة لذاتها، وإلى ماهو مطلوب لأجل الغاية :

 فأما الغاية : فهي سعادة الآخرة ، ويرجع حاصلها إلى أربعة أمور : بقاء لافناء له ، وسرور لا غم فيه ، وعلم لا جهل معه ، وغنى لا فقر بعده ، وهي السعادة الحقيقية . 

الثمرة:أنواع الخيرات:وأما القسم الثاني

:فهو الوسائل إلى السعادة المذكورة ، وهي أربعة أقسام :

 أعلاها : فضائل النفس ، كالإيمان ، وحسن الخلق ،الثاني:فضائل البدن،من القوة والصحةوغيرها، الثالث:النعم المطيفة بالبدن ، من المال والجاه والأهل

 الرابع  : الأسباب التي جمع بينها وبين ما يناسب الفضائل،من الهداية، والإرشاد ،والتسديد،والتأييد،وكل هذه نعم عظيمة

 وجملة ما عرفنا،وعرفه الخلق كلهم من نعم الله تعالى بالإضافة إلى ما لم يعرفوه ، أقل من قطرة في بحر قال الله تعالى :

    { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها }

 [مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة المقدسي ص 334- 338،والآية من سورة إبراهيم / 34]،تقدم مبحث ، الفلاح والسعادة  ( الجنة ) في الفصل السادس ،الثمرة وفي  الفصل  السابع ، الثمرة  ] وهكذا نقف على حقيقة هذه الثمرات العظيمة التي كانت نتاج لأعمال أمر الله بها،أو مناهي نهى الله عنها أو نهى عنها رسول الله – صلى الله عليه وسلم  - ،وهنا لو لم  يحصل حسن القصد ولقح صحة الذهن لما حصلت هذة الثمرة المباركة في هذه الشجرة المباركة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بأذن ربها.

هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم     

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقةالثمانون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون بعنوان:

الفصل العاشر : اللقاح : صحة الرأي للشجاعة ،الثمرة : النصر والظفر

قال ابن القيم:وصحة الرأي لقاح

 الشجاعة ، فإذا اجتمعا كان النصر والظفر ، وإن فقدا فالخذلان والخيبة ، وإن وجد الرأيُ بلا شجاعة فالجبن والعجز ، وإن حصلت الشجاعة بلا رأي فالتهور والعطب [ الفوائد لابن القيم / 347 ]  

أولاً : صحة الرأي :

الرأي :معروف،وجمعه أرآء ،والمحدثون يسمون أصحاب القياس ( أصحاب الرأي ) يعنون أنهم يأخذون بآرآئهم فيما يشكل من الحديث أو مالم يأت فيه

 حديث ولا أثر ..

والرأي : الإعتقاد ، اسم لا مصدر ، والجمع آراءٌ .. يقال فلان يتراءَى برأي فلان إذا كان يرى رأيه ويميل إليه ويقتدى به، قال الليث:رأي القلب

،والجمع الآراء . ويقال:ما أضلَّ آرا ءَ هم،وما أضلَّ رأيهم،وارتآه هو:افتعل من الرأي والتدبير،واسترأيت الرجل في الرأي أي :استشرته وراءَيته،وهو يُرائيه أي: يشاوره [ لسان العرب ج 14 ص 300- 302 ] ودبَّر الأمر وتدبره : نظر في عاقبته ، واستدبره : رأى في عاقبته مالم ير في صدره ، وعرف الأمر تدبُّراً ، أي: بأخرةٍ

والتدبير في الأمر : أن تنظر إلى ما تؤول إليه عاقبتة  ، والتدبر : التفكر فيه …

ويقال : إن فلاناً لو استقبل من أمره ما استدبره لهُديَ لوجهة أمره ، أي: لوعلم في بدء أمره ما علمه في آخره لاسترشد

 لأمره [ لسان العرب ج4 ص 273 ]

 هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم      

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الواحدة والثمانون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:

الفصل العاشر :

اللقاح : صحة الرأي للشجاعة .

الثمرة : النصر والظفر                                                    أخرج أبو داود بسنده من حديث أبي رزين قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم :(الرؤيا على رجل طائر مالم تعبَّر، فإذا عُبِّرت وقعت) قال : وأحسبه قال:(ولا يقصها إلا على وادٍّ أو ذي رأيٍ ) [ السنن ، الأدب ، باب ما جاء في الرؤيا ، حديث رقم 5020 ج4 ص 305 ] قال العظيم آبادي : … ((أو ذي رأي )) أي: عاقل أو عالم … قال المنذري : وأخرجه الترمذي وابن ماجة وقال الترمذي : حسن صحيح[ عون العبود ج13 ص364 ط الثالثة] والرأي السديد هو الفكرة السديدة ؛ التي تتعلق بالعلم والمعرفة وهذه الفكرة هي : فكرة التمييز بين

 الحق والباطل ، والثابت والمنفي . والتي تتعلق بالطلب والإرادة : هي الفكرة التي تميز بين النافع والضار . ثم يترتب عليها فكرة أخرى في الطريق إلى حصول ما ينفع : فيسلكها . والطريق إلى ما يضر :  فيتركها . وقال ابن القيم : فإذا صحت فكرته أوجبت له ( البصيرة ) وهي : تحقق الإنتفاع بالشيء والتضرر به ، أو ما خلَّصك من الحيرة ، إما بإيمان ، وإما بعيان … وهذه البصيرة تتفجر من قلب صاحبها ينابيع من المعارف ، التي لاتنال بكسب ولا دراسة ، إن هو إلا فهم يُؤتيه الله عبده … والبصيرة تنبت في أرض القلب الفراسة الصادقة ، وهي : نور يقذفه الله في القلب ، يفرق به بين الحق والباطل ، والصادق والكاذب..

وفي الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : (( اتقوا فراسة المؤمن ، فإنه ينظر بنور الله - عز وجل –ثم قرأ { إن في ذلك لآيات للمتوسمين } [ من كلام ابن القيم القيم ، انظر تهذيب مدارج السالكين لابن العزي ص 105 –110 ]  تقدم مبحث ( البصيرة ) في الفصل الثامن ]

ويتضح أن الرأي الصحيح ، والفكر السديد ،والنظر الصائب، والبصيرة ، ألفاظ معانيها متقاربة ، وهي ثمرة للعلم النافع ، والعمل الصالح ، والعقل الراجح ، والقلب الفالح ،فإذا لقح الرأي الصحيح الشجاعة ؛ كانت الثمرة النصر والظفر .

هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم   

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الثانية والثمانون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون بعنوان: ثانياً : الشجاعة :

الشجاعة : شدة القلب في البأس ، ورجلٌ شجاع ، من قوم شجعان ، وأمرأة شجيعة ، ونسوة شجاعات[ لسان العرب لابن منظور ج 8 ص 173، 174  ]

قال ابن القيم :" ولما كانت الشجاعة خلقاً كريماً من أخلاق النفس ترتب مظهرها وثمرتها ، الإقدام في موضع الإقدام ، والإحجام في موضع الإحجام ، والثبات في موضع الثبات ، والزوال في موضع الزوال [ الفروسية لابن القيم ص177 ط دار التراث العربي ]

ثم قال:فالشجاعة حرارة القلب وغضبه وقيامه وانتصابه وثباته،فإذا رأته الأعضاء كذلك أعانته ، فإنها خدم له وجنود .. [       الروح لابن القيم ص 316 ]

ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشجع الناس،وأقواهم قلباً ، وأثبتهم جناناً،وقد حضر المواقف الصعبة المشهورة ،وفر الكماة والأبطال عنه غير مرة ،وهو ثابت لا يبرح ، ومقبل لا يدبر ولا يتزحزح،وما شجاع إلا وقد أحصيت له فرَّة أو فترة سواه ، فإنه لم يفر قط ، وحاشاه قال تعالى :{ وإنك لعلى خلق عظيم }[علو الهمة للمقدم ص 299 ]   

وقال البخاري:باب الشجاعة في الحرب والجبن ، ثم ساق بسنده من حديث أنس قال :(كان النبي صلى الله عليه وسلم  أحسن الناس،وأشجع الناس وأجود الناس ،ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة ، فانطلق الناس قِبَلَ الصوت، فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعاً ، وقد سبقهم إلى الصوت ، وهو على فرس لأبي طلحة عري وفي عنقه السيف ، وهو يقول : لم تراعوا  لم تراعوا )..  الحديث[ صحيح البخاري ،الجهاد ، رقم 2820 ( فتح الباري ج 6 ص35 )] 

، ثم قال ابن حجر:أي:مدح الشجاعة وذم الجبن،والجبن ضد الشجاعة "

وقال علي:كنا إذا اشتد البأس، واحمرت الحدق ، اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه ، ولقد رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو أقربنا للعدو، وكان من أشد الناس يومئذ بأساً )[ بعضه في مسلم ، في الجهاد ، رقم 79 ج3 ص 1401 ]

وقال عمران بن حصين:مالقي صلى الله عليه وسلم كتيبة إلا كان أول من يضرب [ ذكره المقدم في علو الهمة ص 299]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم   

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الثالثة والثمانون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون بعنوان:شجاعة الصحابة                                                             

وأشجع الصحابة بعد النبي أبو بكر رضي الله عنه ؛ وحسبنا من ذلك ثبات قلبه يوم بدر ،ويوم أحد ، ويوم الخندق ، ويوم الحديبية ، ويوم حنين ، بل ويوم مات النبي صلى الله عليه وسلم ، وعزمه وشجاعته في قتال المرتدين،ومنهم الفاروق عمر رضي الله عنه،وعلي بن أبي طالب،والمقداد،وموقف عمير بن الحمام في بدرمشهور ، وغيرهم من الصحابة  كثير..

قال تعالى في مدح الرسول الشجاع ومن تبعه من الشجعان  :{ محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم }[الفتح / 29  ] ومثال ذلك:قال البخاري :" باب قول الله عز وجل :{من المؤمنين رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ومابدلوا  تبديلاً }[ الأحزاب / 23 ]ثم أخرج بسنده من حديث أنس قال:( غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر فقال:يارسول الله، غبت عن أول قتال قاتلت المشركين، لئنِ الله أشهدني قتال المشركين ليرينَّ الله ما أصنع ، فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون قال : اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء ، يعني أصحابه ، وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء ، يعني المشركين ، ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ فقال : يا سعد بن معاذ ، الجنة ورب النضر ، إني أجد ريحها من دون أحد .

قال سعد : فما استطعت يارسول الله ما صنع قال أنس : فوجدنا به بضعاً وثمانين ضربةً بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم ، ووجدناه قد قُتل وقد مثل به المشركون ، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه .قال أنس:نرى – أو نظن – أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه } إلى آخر الآية )[ صحيح البخاري ، الجهاد ، باب 12رقم 2805 ( فتح الباري ج6 ص21)] وأخرجه مسلم في الصحيح ، الإمارة ، رقم 1903 ج 3 ص 1512]  

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم    

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الرابعة والثمانون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون بعنوان:الشجاعة                                                    وقال ابن القيم:وللشجاعة حد ، متى جاوزته صار تهوراً ، ومتى نقصت عنه صار جبناً وخوراً ، وحدها الإقدام في مواضع الإقدام ، والإحجام في مواضع الإحجام ، كما قال معاوية لعمرو بن العاص : أعياني أن أعرف أشُجاعاً أنت أم جباناً ؟ تَقَدم حتى أقول من أشجع الناس ، وتُجبن حتى أقول من أجبن الناس .

فقال : شُجاعٌ إذا أمكنتني فُرصةٌ         فإن لم  تكن لي  فرُصـةٌ فجبـانُ

[ الفوائد لابن القيم ص 252 ]قال ابن الجوزي :وكذلك الشجاعة ؛فإنها لا تحصل إلا بالمخاطرة بالنفس .

قال الشاعر:

لولاالمشقةُ ساد الناس كُلُّهُمُ 

الجود يفقر والإقدام قَتَّالُ .

[صيد الخاطر لابن الجوزي ص 446ط الثانية ]

قال صاحب كتاب (علو الهمة ) : قال أحمد بن إسحاق السُّرماري:" ينبغي لقائد الغزاة أن يكون فيه عشر خصال : أن يكون في قلب الأسد : لايجبن ، وفي كبر النمر : لا يتواضع ، وفي شجاعة الدب : يقتل بجوارحه كلها ، وفي حملة الخنزير : لا يُولي دُبُره ،وفي غارة الذئب : إذا أيس من وجه أغار من وجه ، وفي حمل السلاح كالنملة :تحمل أكثر من وزنها ، وفي الثبات كالصخر ، وفي الصبر كالحمار ، وفي الوقاحة كالكلب:لو دخل صيده النار لدخل خلفه،وفي التماس الفرصة كالديك[ علو الهمة للمقدم ص 318 ]

قال ابن القيم : والفرق بين الشجاعة والجرأة : أن الشجاعة من القلب وهي ثباته واستقراره عند المخاوف ، وهو خلق يتولد من الصبر وحسن الظن ، فإنه متى ظن الظفر ، وساعده الصبر ، ثبت كما أن الجبن يتولد من سوء الظن وعدم الصبر ، فلا يظن الظفر ، ولا يساعده الصبر ، وأصل الجبن من سوء الظن ووسوست النفس بالسوء ، وهو ينشأ من الرية . فإذا ساء الظن ووسوست النفس بالسوء انتفخت الرية ، فزاحمت القلب في مكانه وضيقت عليه حتى أزعجته عن مستقره فأصابه الزلازل والإضطراب لإزعاجه الرية له ، وتضييقها عليه . ولهذا جاء في حديث عمرو بن العاص الذي رواه أحمد وغيره عن النبي – صلى الله عليه وسلم - : (( شر ما في المرء جبن خالع ، وشح هالع )) فسمى الجبن خالعاً لأنه يخلع القلب عن مكانه لإنتفاخ السحر وهو الرية [ الروح لابن القيم ص 316 ط المدني ] ونخلص إلى أن الشجاعة خلق كريم يتولد من الصبر وحسن الظن بالله ، وهو إقدام في موضع الإقدام ، وإحجام في موضع الإحجام ، لكنه محتاج إلى صحة الرأي ؛ حتى يكون في مكانه اللائق به ، فلا يكون جبناً ، ولا يكون تهوراً  ، فإذا لقح صحة الرأي الشجاعة ؛ أثمرا النصر والظفر .

 إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم    

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الخامسة والثمانون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون بعنوان: الثمرة :  النصر والظفر                                                                                             النصر:إعانة المظلوم ،نصره على عدوه ينصره ،ونصره ينصره نصراً،وفي الحديث

(انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً )وتفسيره : أن يمنعه من الظلم إن وجده ظالماً ، وإن كان مظلوماً أعانه على ظالمه .    والاسم : النصرة . وقد نصره ينصره نصراً ؛ إذا أعانه على عدوه وشد منه    [ لسان العرب ج 5  ص  210،211 ، النهاية لابن الأثير ج 5 ص 64 ]

قال الراغب : النصر والنصرة :العون ، ونصرة الله للعبد ظاهرة قال تعالى{نصر من الله}،ونصرة العبد لله هو: نصرته لعباده ، والقيام بحفظ حدوده ، ورعاية عهوده ، واعتناق أحكامه ، واجتناب نهيه ،قال تعالى{ إن تنصروا الله ينصركم} ،{ وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر}[ المفردات للراغب الأصفهاني ص 495 ط دار المعرفة ]

والظفر : الفوز بالمطلوب ، وقد ظفر به وعليه وظفره ظفراً ، ورجل مُظَفَّرٌ وظَفِرٌ وظِفِّيرٌ :لا يحاول أمراً إلا ظفر به ، ورجل مُظَفَّرٌ : صاحب دولة في الحرب ، وفلان مُظَفَّرٌ: لا يؤوب إلا بالظفر فثُقِّلَ نعته للكثرة والمبالغة  ، وإن قيل : ظَفَّرَ الله فلاناً أي: جعله مظفراً ، وتقول : ظَفَّره الله عليه ، أي: غَلّبه عليه [ لسان العرب ج 7 ص 519]

وقال تعالى :{لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين،ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين،وأنزل جنوداً لم تروها وعذب الذين كفرواوذلك جزآءالكافرين}[ التوبة / 25

قال ابن كثير :" يذكر تعالى للمؤمنين فضله عليهم وإحسانه لديهم في نصره إياهم في مواطن كثيرة من غزواتهم مع رسوله ، وأن ذلك من عنده تعالى ، وبتأييده وتقديره ، لا بعددهم .   ونبههم على أن النصرمن عنده،سواء قل الجمع أو كثر،فإن يوم حنين أعجبهتم كثرتهم،ومع هذا ماأجدى ذلك عنهم شيئاً فولوا مدبرين إلا القليل منهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أنزل نصره وتأييده على رسوله وعلى المؤمنين الذين معه ،ليعلم أن النصر من عنده تعالى وحده وبامداده وإن قل الجمع ، فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ، والله مع الصابرين [ تفسير ابن كثير ج 4 ص 67 ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم    

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة السادسة والثمانون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: الثمرة :  النصر والظفر                                                                                             

وفي بدر يوم الفرقان يوم ألتقى الجمعان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في جزم وصراحة:{سيهزم الجمع ويولون الدبر} وفعلاً هزمهم الله ونصر عباده وأوليائه نصراً مؤزراً،ولما وصل رسول الله وأصحابه إلى الروحاء لقيه رؤوس المسلمين يهنئونه بالفتح والنصر فقال أسيد بن حضير : يارسول الله ، الحمد لله الذي أظفرك ،وأقر عينك ،ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة مظفراً منصوراً ،قد خافه كل عدو له بالمدينة وحولها .. ، وماكان هذا النصر وهذا الظفر إلا بتوفيق من الله ، ونصر منه سبحانه لما حقق الرسول واصحابه التوحيد،والتوكل عليه سبحانه،ثم دعاءه والتضرع بين يديه ، وصحة الرأي الملقح للشجاعة والبطولة التي أمدهم بها القوي العزيز

  وهكذا من يسير على هذا المنهج يصل إلى هذه الغاية ، وإلا فلا .

وعندما تخلف الرأي الصحيح عن الشجاعة حصلت الهزيمة ومثال ذلك ؛غزوة أحد وما حصل فيها من هزيمة بسبب ، الحماس الزائد من الشباب ، و بسبب ، مخالفة أمر الرسول – صلى الله عليه وسلم – بالنسبة لمن كانوا على الجبل  ولذلك قال تعالى :{ ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ، إن يمسسكم قرحٌ فقد مس القوم قرحٌ مثله ، وتلك الأيام نداولها بين الناس ، وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهدآء ، والله لا يحب الظالمين ، وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين }[ آل عمران / 137- 141 ]  

وعندما يتخلف سبب من أسباب  النصر تحصل الهزيمة والمصيبة قال تعالى :{ وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير }[ الشورى / 30 ]    

 ونختم بأن الله تبارك وتعالى شرع للنصر أسباباً ، إذا أُخذ بهذه الأسباب حصل النصر ، وإذا لم يؤخذ بها تخلف النصر؛ ومن أعظمها تقوى الله وطاعته ، وامتثال أمره والإنتها عن نهيه ، والتفكير السديد ، والرأي الصحيح ، والبصيرة النافذة ، والشجاعة النادرة وغير ذلك ، فإذا تلاقح الرأي الصحيح مع الشجاعة أثمرتا النصر والظفر . نسأل الله من فضله العظيم ، ونسأله سبحانه نصراً مؤزراً على الأعداء .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم    

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة السابعة والثمانون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون بعنوان: الفصل الحادى عشر :

اللقاح : الصبر للبصيرة

الثمرة :  الخير كله

قال ابن القيم : والصبر لقاح البصيرة ، فإذا اجتمعا فالخير في إجتماعهما ،قال الحسن : إذا شئتَ أن ترى بصيراً لا صبر له رأيته ، وإذا شئت أن ترى صابراً لا بصيرة له رأيته ، فإذا رأيت صابراً بصيراً فذلك [الفوائد لابن القيم ص347

أولاً : الصبر : خلق كسبي يتخلق به العبد ، وهو حبس النفس عن الجزع والهلع ، فيحبس النفس عن التسخط ، واللسان عن الشكوى ، والجوارح عما لا ينبغي فعله ، وهو ثبات القلب على الأحكام القدرية والشرعية [الروح لابن القيم ص 323  ] ، وتقدم مبحث عن الصبر في الفصل الرابع فليرجع إليه] 

فإذا صبر العبد وصابر ورابط تلقحت

 أفكاره ، وتنورت بصيرته ، عَقِلَ عقله ،  ترتب على ذلك ؛ حصول الخيرات ، وزيادة البركات ، وتنزلت الرحمات …

ثانياً : البصيرة  :  ماخلصك من الحيرة ،إما بإيمان ، وإما بعيان ، وهي تُنبت في أرض القلب الفراسة الصادقة ، وهي نور يقذفه الله في القلب ، يفرق به بين الحق والباطل،والصادق والكاذب،وعلى حسب قوة البصيرة وضعفها تكون الفراسة ففراسة الصادقين العارفين بالله وأمره متصلة بالله [من كلام ابن القيم القيم ، انظر تهذيب مدارج السالكين  للعزي ص 106- 110 ، وتقدم مبحث عن البصيرة في الفصل الثامن فليرجع إليه ]

الثمرة : الخير كله: الخير هو : الفاضل من كل شيء  ، وهو الزيادة في العلم ، وفي التواضع ، والرحمة ، والزيادة في العمل الصالح ،وفي الخوف ، والحذر ،والحرص على الآخرة ، وعدم الحرص على الدنيا ، والزيادة في المال الصالح ، وفي السخاء ، والبذل ، والزيادة في المكانة عند الناس من دون أن يطلبها ، وفي القرب منهم ، وقضاء حوائجهم ، والتواضع لهم …ومن الخيرات سعادة الدنيا والآخرة [ تقدم مبحث عن الخيرات في الفصل التاسع ]

والخيركله ثمرة من الثمرات العظيمة التي كانت من لقاح الصبر للبصيرة .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم    

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الثامنة والثمانون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون بعنوان: الفصل الثاني عشر :

اللقاح : النصيحة للعقل

الثمرة: إستنارة العقل

أولاً : النصيحة : نصح الشيء : خَلَصَ ، والناصح : الخالص من العسل وغيره ، والنصح : نقيض الغش ، مشتق منه نصحه وله نُصْحاً ونصيحة ، قال تعالى :{ وأنصح لكم } ، ونصحت له أي: أخلصت وصدقت ، والاسم : النصيحة  ، وانتصح فلان ، أي: قبل النصيحة ، والنصح : مصدر نصحته ، والإنتصاح : مصدر انتصحته ، أي : اتخذته نصيحاً قال ابن الأثير : النصيحة :كلمة يعبربها عن جملة هي إرادة الخير للمنصوح له  ، وأصل النصح : الخلوص ، ومعنى النصيحة لله في الحديث : صحةالإعتقاد في وحدانيته ، وإخلاص النية في عبادته والتوبة النصوح : الخالصة ، الصادقة [لسان العرب ج 2ص 615  -617  ، النهاية لابن الأثير ج 5 ص 62 ، 63 ]

وقال ابن القيم : النصيحة : إحسان إلى من تنصحه بصورة الرحمة له والشفقة عليه والغيرة له،وعليه،فهو إحسان محض يصدر عن رحمة ورقة ، ومراد الناصح بها وجه الله ورضاه ، والإحسان إلى خلقه ، فيتلطف في بذلها غاية التلطف ، ويحتمل أذى المنصوح ولائمته ، ويعامله معاملة الطبيب العالم المشفق والمريض المشبع مرضاً ، وهو يحتمل سوء  خلقه وشراسته ونفرته ، وتتلطف في وصول الدواء إليه بكل ممكن،فهذا شأن الناصح، والناصح لا يعادي المنصوح إذا لم يقبل نصيحته ، يقول قد وقع أجري على الله قَبِلَ أم لم يَقْبَلُ،ويدعو الله له بظهر الغيب ، ولا يذكر الناصح عيوب المنصوح ولا يبينها للناس [ الروح لابن القيم ص 346 ، 347 ]

قال الراغب : النصح :تحري فعل أو قول فيه صلاح صاحبه قال تعالى :     { لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين }[ الأعراف /79 ، (4) المفردات ص 494 ]

 

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم    

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الثامنة والثمانون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: الفصل الثاني عشر :

اللقاح : النصيحة للعقل

الثمرة: إستنارة العقل

وقال تعالى :{ وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين }[ الأعراف /21 ]                                                                                  … وهو من قولهم نصحت له الود، أي: أخلصته ،وناصح العسل : خالصه ، أو من قولهم :نصحت الجلد:خطته ،والناصح:الخياط،والنصاح : الخيط ، وقوله تعالى :{يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً}[ التحريم /8]،فمن أحد هذين: إما الإخلاص ، وإما الإحكام [ المفرد ات للراغب الأصفهاني ص 494]قال البخاري :باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : (الدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم )،وقوله تعالى :{إذا نصحوا لله ورسوله }،ثم ساق بسنده من حديث جرير بن عبد الله قال : (بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة ، وإتاء الزكاة ، والنصح لكل مسلم )[  صحيح البخاري ، الإيمان ، باب 42 رقم 57 (فتح الباري ج1 ص 137) ،وأخرجه مسلم في الصحيح ، الإيمان ،باب بيان أن الدين النصيحة رقم 97ج1ص75 ] وأخرج مسلم بسنده من حديث تميم الداري أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ( الدين النصيحة ) قلنا لمن ؟ قال : ( لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ) [صحيح مسلم ، الإيمان ، باب بيان أن الدين النصيحة ، رقم 95 ، ج 1 ص 74 ] ،وقال تعالى:{أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين}[ الأعراف / 68] 

 قال ابن كثير :" وهذه الصفات التي يتصف بها الرسل البلاغة والنصح والأمانة [ تفسير ابن كثير ج3 ص 430]

 ويتضح مما سبق أن النصيحة أمرها عظيم ، كيف لا وهي التي جعلت الدين كله ، ثم إن أنصح الناس للناس هم أنبياء الله –عليهم السلام – وهي الإخلاص والصدق للمنصوح ،مع الشفقة والرحمة به، والدعاء له … فإذا لقحت هذة النصيحة العقل ، فإن هذا سيثمر : الإستنارة للعقل الذي هو مناط التكليف ، والذي هو أعظم ما خلق الله للإنسان .       

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم    

 

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة التسعون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون بعنوان:

ثانياً : العقل : وهو : الحجر ، والنهى ضد الحُمق ، والجمع عقول ، وعقل ،فهو عاقل ، وعقول من قوم عُقلاء ، ورجل عاقل : هو الجامع لأمره ورأيه ، مأخوذ من عقلت البعير إذا جمعت قوائمه ، وقيل العاقل : الذي يحبس نفسه ويردها عن هواها ، والمعقول : ما تعقله بقلبك ، والعقل : التثبت في الأمور ، والعقل : القلب ، وسمى العقل عقلاً : لأنه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك ، أي : يحبسه  ، وقيل : العقل :هو التمييز الذي به يتميز الإنسان من سائر الحيوان ، وقلب عقول : فَهِمٌ  ، واعتقل :حُبس وفي الحديث : ( القرآن كالإبل المعقلة ) … أي : المشدودة بالعقال[     لسان العرب لابن منظور ج 11ص 458 ،459] 

 قال ابن القيم : العقل آلة العلم

 وميزانه الذي به يعرف صحيحه من سقيمه وراجحه من مرجوحه ، والمرآة التي يعرف بها الحسن من القبيح [مفتاح دار السعادة ج 1 ص 117 – 194، تقدم مبحث عن صحة الذهن ( العقل ) في الفصل التاسع فليرجع إليه ]

 إذن العقل رأس أمور العباد ، وهو ملك و البدن روحه وحواسه ، إذا كمل العقل ، قوى الذكاء والفطنة ، والعاقل هو الذي يعرف الخير فيتبعه ، ويعرف الشر فيجتنبه ، فهذه الآلة العظيمة التي تفضل بها الله سبحانه وتعالى على الإنسان ، من أعظم النعم ،فإذا أنضاف إليه رأي الآخرين ، وعلم الآخرين ، وعقول الآخرين ، وتجربة الآخرين المتمثلة في النصيحة ، فستكون الثمرة بإذن الله ثمرة ناضجة مستوية ، كاملة …

إنها ثمرة  ( إستنارة العقل ).

    

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم    

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الواحدة والتسعون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون بعنوان: الثمرة: إستنارة العقل :                                       

إستنار:أي اضاء،واستنار به:استمد شعاعه،واستنار الأفق:أي:نوَّر بالفجر ،واستنارأي:استبان،وهوالوضوح،والظهور ،والبيان،والإهتداء [ لسان العرب لابن منظور ج 5 ص 240]  

 والعقل وحده من دون العلم ، لايقوم بمهمة التفكير على أكمل وجه ، بل لابد من العلم ، وخاصة العلم النافع ؛ علم الكتاب والسنة ، ولذلك لم يترك الله سبحانه وتعالى  الناس هكذا هملاً ، بل أرسل لهم الرسل ، وأنزل إليهم الكتب ، ورغبهم ورهبهم ، حتى تعمل العقول على أكمل وجه ، وحتى لا تطغى العواطف ، والرغبات ، على العقل …

 والإنسان بمفرده قد يضعف ، وتتغلب عليه أعداؤه ؛ من هوى ، وشياطين ، ونفس أمارة بالسوء ، ولذلك شرع الله التآمر بالمعروف ، والتناهي عن المنكر ، والتواصي ،والتناصح ، حتى يتقوى العبد بإخوانه،ويستنير بآرائهم ونصائحهم ، ويتشجع بتوجيهاتهم ، لأن التواصي والتناصح ؛ يشد من العزائم ، ويضعف أمامه كيد الشيطان ، ودواعي الهوى  ، ثم إن النصيحة إذا كانت خالصة لله ، ووفق شروطها وضوابطها ، ينفع الله بها المنصوح ، فتنكشف بها الحجب ، ويستنير بها العقل ، ويزداد بها العلم ، وبالنصيحة تتضح الرؤية ، وتنكشف الغمة ، ويخنس الشيطان ، وهذا كله وغيره بفضل الله أولاً وآخراً ثم بفضل إنضمام النصيحة للعقل ، فإذا لقحت النصيحة الخالصة الصادقة العقل السليم الصحيح ؛ فإن الثمرة ستكون بإذن الله بهذا الوضوح ، وبهذا النور ، وبهذا البيان ، وبهذا الظهور في التفكير ، وبهذا الذكاء ، وبهذه الفطنة ، حتى تكون آراؤه صحيحة ، وقراراته صائبة ، وخطواته ثابتة ، وهذا مانسميه ب (( إستنارة العقل )) حتى يكون دورانه مع الله وبالله ولله ، وفق شريعة الله ، يرجو رضا الله ، ويخشى عقابه …

وإذا إستنار العقل ، ترفع صاحبه عن سفاسف الأمور ، وربأ بنفسه أن يكون مع البطالين ،واجتهد في أن تكون همته عالية ، وصحبته طاهرة ، وأفكاره نظيفة ، يرى بنور الله ، ويسمع بنور الله ، ويتكلم بنور الله ، ويفكر بنور الله ، ويعمل على نور من الله …   

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم    

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الثانية والتسعون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون بعنوان: الفصل الثالث عشر :

اللقاح:التذكُّروالتفكُّركلٌ منهمالقاح الآخر

الثمرة:الزهد في الدنيا،والرغبة في الآخرة

قال ابن القيم :" والتذكر والتفكر كل منهما لقاح الآخر ، إذا اجتمعا أنتجا الزهد في الدنيا ، والرغبة في الآخرة [ الفوائد ص 347 ]                                                                                                                       

أولاً : التذكر : تفعل من الذكر ، وهو ضد النسيان ، وهو حضور صورة المذكور العلمية في القلب ، واختير له بناء التفعل ، لحصوله بعد مهلة وتدرج ، كالتبصر ، والتفهم ، والتعلم … ، والتذكر آلة الذكر ، فزال عنه الغفلة بالتذكر [ مدارج السالكين ج 1 ص 440 ، 441 ]  

 وقال :" التذكر يفيد تكرار القلب على ما علمه وعرفه ليرسخ فيه ويثبت ولا ينمحي فيذهب أثره من القلب جملة … فالتفكر والتذكر بذار العلم وسقيه مطارحته ، ومذاكرته تلقيحه ، كما قال بعض السلف : ملاقاة الرجال تلقيح الألباب ، فالمذاكرة بها لقاح العقل .. " [ مفتاح دار السعادة ج 1 ص 183 ]  

ثم قال رحمه الله :إن في منزلة ( التذكر ) تجتنى ثمرة ( الفكرة ) لأنه أعلى منها ، وكل مقام تجتنى ثمرته في الذي أعلى منه   [ مدارج السالكين ج1 ص 449 ]

 قال تعالى:{ وما يتذكر إلا من ينيب }  [ غافر /13] وقال سبحانه :{ إنما يتذكر أولو الألباب } [ الرعد / 19 ]، وقال عز وجل :{ إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون } [ الأعراف  / 201 ]،  ، وقال تعالى :{ والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب }[ البقرة / 269 ] ، وقال جل وعلا :{ كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدّبروا آياته وليتذكر أولو الألباب } [ ص / 29 ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم    

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الثالثة والتسعون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون بعنوان: ثانياً : التفكر :

الفكر : إعمال الخاطر في الشيء  ، والتفكر : التأمل ، والاسم : الفكر ، والمصدر : الفكر بالفتح ، والفكر : إعمال العقل في المعلوم للوصول إلى معرفة مجهول [ لسان العرب ج 5 ص 65   ، المعجم الوسيط ج 2 ص 698  ] قال ابن القيم:فالفكر هو : إحضار معرفتين في القلب ليستثمر منها معرفة ثالثة … ومثال ذلك إذا أحضر في قلبه العاجلة وعيشها ونعيمها ، وما يقترن به من الآفات،وانقطاعه وزواله ، ثم أحضر في قلبه الآخرة ونعيمها ولذته ودوامه وفضله على نعيم الدنيا وجزم بهذين العلمين،أثمر له ذلك علماً ثالثاً،وهو أن الآخرة ونعيمها الفاضل الدائم أولى عند كل عاقل بإيثاره من العاجلة المنقطعة المنغصة "

  وقال :" فالتفكر يوقع صاحبه من الإيمان على ما لا يوقعه عليه العمل المجرد "[ مفتاح دار السعادة لابن القيم ج 1 ص 180 ، 181]

وقال :" ومفتاح الإيمان التفكر فيما دعا الله عباده إلى التفكر فيه "[ مفتاح دار السعادة لابن القيم ج 1 ص 194 ]  

 وقال :" وإذا تأملت ما دعا الله سبحانه في كتابه عباده إلى الفكر فيه أوقفك على العلم به سبحانه وتعالى وبوحدانيته وصفات كماله ونعوت جلاله من عموم قدرته وعلمه وكمال حكمته ورحمته وإحسانه وبره ولطفه وعدله ورضاه وغضبه وثوابه وعقابه ، فبهذا تعرف إلى عباده وندبهم إلى التفكر في آياته … فقراءة القرآن بالتفكر هي أصل صلاح القلب "[  مفتاح دار السعادة ج 1 ص 187]   

قد أمر الله سبحانه بالتفكر والتدبر في كتابه العزيز،وأثنى على المتفكرين بقوله :{ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً}[ آل عمران / 191]                                                                                                              وقال:{إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون } [ الرعد / 3 ] وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : (( تفكروا في آلاء الله ، ولا تفكروا في الله )،وفي رواية ( تفكروا في خلق الله،ولا تفكروا في الله )[ الأول عند الطبراني في الأوسط من حديث ابن عمر ،وقال عنه الألباني حسن برقم 2972 في صحيح الجامع ، والثاني في الحلية من حديث ابن عباس ، وقال عنه الألباني :حسن برقم 2973 في صحيح الجامع .]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم    

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الرابعة والتسعون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: ثانياً : التفكر :

قال ابن قدامة المقدسي قال أبو الدرداء : تفكر ساعة خير من قيام ليلة .

 وقال وهب بن منبه : ما طالت فكرة امريء قط إلا فهم ، وما فهم إلا علم ، وما علم إلا عمل .

وقال بشر الحافي : لو تفكر الناس في عظمة الله تعالى لما عصوه . وقال يوسف ابن أسباط : إن الدنيا لم تخلق لينظر إليها ، بل لينظر بها إلى الآخرة . وقال أبو بكر الكتاني :روعة عند انتباهة من غفلة ، وانقطاع في حظ نفساني ، وارتعاد من خوف قطيعة ، أفضل من عبادة الثقلين[مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة ص 443 ] 

*العلاقة بين التذكر والتفكر :        قال ابن القيم : وكل من التفكر والتذكر له فائدة غير فائدة الآخر ، فالتذكر : يفيد تكرار القلب على ما علمه وعرفه ليرسخ فيه ويثبت ولا ينمحي فيذهب أثره من القلب جملة . والتفكر : يفيد تكثير العلم ، واستجلاب ما ليس حاصلاً عند القلب ، فالتفكر يحصله ، والتذكر يحفظه " 

 وقال : ما زال أهل العلم يعودون بالتذكر على التفكر ، وبالتفكر على التذكر ، ويناطقون القلوب حتى نطقت بالحكمة [ مفتاح دار السعادة ج 1 ص 183]وقال :" فمنزلة (التذكر ) من ( التفكر ) منزلة حصول الشيء المطلوب بعد التفتيش عليه … ، وأما استبصار العبرة : فهو زيادة البصيرة عما كانت عليه في منزل التفكر بقوة الإستحضار . لأن التذكر يعتقل المعاني التي حصلت بالتفكر في مواقع الآيات والعبر ، فهو يظفر بها بالتفكر ، وتنصقل له وتنجلي بالتذكر ، فيقوى العزم على السير بحسب قوة الإستبصار ، لأنه يوجب تحديد النظر فيما يحرك المطلب إذ الطلب فرع الشعور ، فكلما قوى الشعور بالمحبوب اشتد سفر القلب إليه ، وكلما اشتغل الفكر به ازداد الشعور به والبصيرة فيه ، والتذكر له[ مدارج السالكين ج1ص 444 ] ثم قال :" إن في منزل ( التذكر ) تجتنى ثمرة ( الفكرة ) لأنه أعلى منها ، وكل مقام تجتنى ثمرته في الذي هو أعلى منه [ مدارج السالكين ج 1 ص 449]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم    

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الخامسة والتسعون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون بعنوان:التفكروالتدبرللقرآن:                                       

وأما التأمل في القرآن : فهو تحديق ناظر القلب إلى معانيه،وجمع الفكر على تدبره وتعقله،وهو المقصود بإنزاله،لا مجرد تلاوته بلا فهم ولاتدبر … فليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده ، وأقرب إلى نجاته : من تدبر القرآن ، وإطالة التأمل ، وجمع فيه الفكر على معاني آياته ، فإنها تُطلع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرها ، …فلا تزال معانيه تنهض العبد إلى ربه بالوعد الجميل ، وتحذره وتخوفه بوعيده من العذاب الوبيل ، وتحثه على التضمر والتخفف للقاء اليوم الثقيل ، وتهديه في ظلم الآراء والمذاهب إلى سواء السبيل ، وتصده عن اقتحام طرق البدع والأضاليل ، وتبعثه على الإزدياد من النعم بشكر ربه الجليل ، وتبصره بحدود الحلال والحرام ، وتوقفه عليها لئلا يتعداها فيقع في العناء الطويل ، وتثبت قلبه عن الزيغ والميل عن الحق والتحويل ، وتسهل عليه الأمور الصعاب والعقبات الشاقة غاية التسهيل ، وتناديه كلما فترت عزماته ، وونَى في سيره ، وفى تأمل القرآن وتدبره ، وتفهمه ، أضعاف أضعاف ماذكرنا من الحكم والفوائد [ مدارج السالكين ج 1 ص 451، 452 ]

  وقال :" والتذكر والتفكر منزلان يثمران أنواع المعارف ، وحقائق الإيمان والإحسان ، والعارف لا يزال يعود بتفكره على تذكره ، وبتذكره على تفكره ، حتى يفتح قفل قلبه بإذن الفتاح العليم .

 قال الحسن البصري : مازال أهل العلم يعودون بالتذكر على التفكر ، وبالتفكر على التذكر ، ويناطقون القلوب حتى نطقت [ مدارج السالكين ج 1 ص 441 ]     

 إذن العلاقة بين التذكر والتفكر علاقة قوية فالتذكر يلقح التفكر ، والتفكر يلقح التذكر ، وكل منهما محتاج للآخر ، بل لا يتم أحدهما إلا بالآخر فاللهم اجعلنا من المتذكرين ومن المتفكرين ياسميع الدعاء .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم    

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة السادسة والتسعون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون بعنوان :                                  

الثمرة : الزهد في الدنيا ، والرغبة في الآخرة :

الزهد : ضد الرغبة والحرص على الدنيا ، والتزهيد في الشيء ، وعن الشيء: خلاف الترغيب فيه ، وزهده في الأمر : رغبة عنه ، والمُزهد : القليل المال ، وفي الحديث : أفضل الناس مؤمن مُزهد ؛ والمُزهد : القليل الشيء ، وإنما سمى مُزهداً لأن ما عنده من قلته يُزهد فيه ، وشيء زهيد : قليل [ لسان العرب لابن منظور ج 3 ص 196، 197  ]قال ابن تيمية : الزهد : ترك مالا ينفع في الآخرة . والورع : ترك ما تخاف ضرره في الآخرة . وقال سفيان الثوري : الزهد في الدنيا : قصر الأمل ، ليس بأكل الغليظ، ولا لبس العباء . وقال الجنيد : سمعت سرياً يقول : إن الله عز وجل سلب الدنيا عن أوليائه ، وحماها عن أصفيائه ، وأخرجها من قلوب أهل وداده ، لأنه لم يرضها لهم . وقال : الزهد في قوله تعالى:{ لكيلا تأسوا على ما فاتكم ، ولا تفرحوا بما آتاكم ، والله لا يحب كل مختال فخور }[ الحديد / 23 ] فالزاهد لا يفرح من الدنيا بموجود ، ولا يأسف منها على مفقود . وقال الإمام أحمد : الزهد في الدنيا : قصر الأمل  ،وعنه رواية أخرى : أنه عدم فرحه بإقبالها ، ولا حزنه على إدبارها ، فإنه سئل عن الرجل يكون معه ألف دينار ، هل يكون زاهداً ؟ فقال : نعم ، على شريطة أن لايفرح إذا زادت ، ولا يحزن إذا نقصت . وقال أحمد أيضاً : الزهد على ثلاثة أوجه :

 الأول : ترك الحرام ؛ وهو زهد العوام ، والثاني : ترك الفضول من الحلال ؛ وهو زهد الخواص ، والثالث : ترك ما يشغل عن الله ؛ وهو زهد العارفين "  ثم قال ابن القيم : وهذا الكلام من الإمام أحمد يأتي على جميع ماتقدم من كلام المشايخ ، مع زيادة تفصيله وتبيين درجاته ، وهو من أجمع الكلام

ومن أحسن ماقيل في الزهد ، كلام الحسن أوغيره : ليس الزهد في الدنيا بتحريم الحلال ، ولا إضاعة المال ، ولكن أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يدك،وأن تكون في ثواب المصيبة –إذا أصبت بها-  أرغب منك فيها لولم

 تصبك [ مدارج السالكين ج2ص 8-20 ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم    

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة السابعة والتسعون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :                                  الثمرة:الزهد في الدنيا،والرغبة في الآخرة

 وقال ابن قدامة :" واعلم أنه ليس من

 الزهد ترك المال ، وبذله على سبيل السخاء والقوة،واستمالة القلوب،وإنما الزهد أن يترك الدنيا للعلم بحقارتها بالنسبة إلى نفاسة الآخرة

ومن عرف أن الدنيا كالثلج يذوب ، والآخرة كالدر يبقى ، قويت رغبته في بيع هذه بهذه ، وقد دل على ذلك قوله تعالى:{قل متاع الدنيا قليلٌ،والآخرةُ خيرٌ لمن اتقى }[  النساء / 77 ] وقوله :{ ماعندكم ينفد وما عند الله باقٍ }[ النحل / 96]

وأما الزهد بالإضافة إلى المرغوب فيه فعلى ثلاث درجات : أحدها : الزهد للنجاة من العذاب ، والحساب ، والأهوال التي بين يدي الآدمي وهذا زهد الخائفين .

 الدرجة الثانية : الزهد للرغبة في الثواب ، والنعيم الموعود به ، وهذا زهد الراجين ، فإن هؤلاء تركوا نعيماً لنعيم .

 الدرجة الثالثة : وهي العليا . وهو أن لا يزيد في الدنيا للتخلص من الآلام ، ولا للرغبة في نيل اللذات ، بل لطلب لقاء الله تعالى ، وهذا زهد المحسنين العارفين ، فإن لذة النظر إلى الله سبحانه وتعالى بالإضافة إلى لذات الجنة ، كلذة ملك الدنيا ، والإستيلاء عليها ، بالإضافة إلى لذة الإستيلاء على عصفور واللعب به [ مختصر منهاج القاصدين ص 382 – 384]وهذا بالنسبة للزهد في الدنيا ، أما الرغبة في الآخرة فقد تقدم مبحث (دار الفلاح والسعادة ) في الفصل السادس (4) وتقدم مبحث (أنواع الخيرات ) في الفصل التاسع  فليرجع إليه ، وتقدم مبحث (الخير كله ) في الفصل الحادى عشر ] 

وفي المباحث المذكورة بيان الرغبة في

 الدار الآخرة ، والعمل لها ، والتجافي عن الدنيا  دار الغرور ، الدار الفانية ، دار الإختبار والإمتحان ، والفوز بالجنة دار النعيم ، دار البقاء ، فيها مالا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولاخطر على قلب بشر ، فيها أعظم نعيم وهو رؤية الله و التحدث معه ، وإحلال رضاه على عباده …وهذه الثمرة العظيمة كانت بفضل الله أولاً وآخراً،ثم بفضل التذكر والتفكرعندما لقح أحدهما الآخر،كانت هذه النتيجة وهذه الثمرة ( الزهد في الدنيا ، والرغبة في الآخرة ) .       

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم    

 

 

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الثامنة والتسعون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون بعنوان : الفصل الرابع عشر :                                                                     

اللقاح : التقوى للتوكل

الثمرة : إستقامة القلب

قال ابن القيم :" والتقوى لقاح التوكل ، فإذا اجتمعا استقام القلب[ الفوائد لابن القيم ص 347 ]

أولاً : التقوى : الاسم : التقوى ،

وفي القرآن:{وآتاهم تقواهم}[ محمد / 17 ]

أي: جزاء تقواهم ، وقيل معناه : الهمهم تقواهم ، ورجل تقي ، ويجمع : أتقياء[ لسان العرب ج15 ص 402 – 405 ]

 قال ابن العماد :" التقوى : يكون بمعنى الخشية قال الله تعالى :{ يا أيها الناس اتقوا ربكم }[النساء / 1]  يعني : اخشوا ربكم … ، ويكون لمعنى لاتعصون ، قال الله تعالى :{ وآتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله }[ البقرة / 189] يعني :لا تعصوا الله فيما أمركم [الأشباه والنظائر ص 222 ]

  وقال الراغب :"والتقوى :جعل النفس في وقاية مما يخاف ،ويسمى الخوف تقوى ، وتسمى التقوى خوفاً ، وهي بحسب مقتضاها،وهي في الشرع : حفظ النفس عما يُؤثم ، وذلك بترك المحظور ، ويتم ذلك بترك بعض المباحات [ المفردات ص 530 ]   

قال ابن القيم :" تقوى الله تُصلح ما بين العبد وبين ربه ، وتوجب له محبة الله [الفوائد ص 100] وقال ابن الجوزي : اعلم أن الزمان لا يثبت على حال ؛ كما قال عز وجل :{وتلك الأيام نداولها بين الناس }  [ آل عمران / 140]                                                   فتارةً فقرٌ،وتارةً غنىً،وتارةً عزٌّ،وتارةً ذلٌّ وتارةً يفرحُ المولى،وتارةً يشمتُ الأعادي

فالسعيدُ من لازم أصلاً واحداً على كلِّ حالٍ ،وهو " تقوى الله عز وجل"

فإنه إن استغنى ؛ زانته ، وإن افتقر ؛ فتحت له أبواب الصبر ، وإن عوفي ؛ تمت النعمة عليه ، وإن ابْتُلِيَ ؛ حملتْه ، ولا يضره إن نزل به الزمان أو صَعِدَ أو أعراه أو أشبعهُ أو أجاعه ؛ لأن جميع تلك الأشياء تزولُ وتتغيرُ ، والتقوى أصل السلامة،حارس لاينام ، يأخذ باليد عند العثرة ، ويواقف على الحدود .

 إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم    

 

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة التاسعة والتسعون في موضوع اللقاح والثمرة وستكون إستكمالا للماضية والتي هي  بعنوان : الفصل الرابع عشر :  

اللقاح : التقوى للتوكل                                                                    

الثمرة : إستقامة القلب             

 قال الهيثمي :" قال ابن عمر : لا يبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يدع ما حاك في الصدر .وسئل على بن أبي طالب عن التقوى فقال : "هي الخوف من الجليل ، والعمل بالتنزيل ،والقناعة بالقليل ، والإستعداد ليوم الرحيل " .

وقال النووي : قال ابن مسعود :" اتقوا الله حق تقاته ، أي: أن يطاع فلا يعصى ، ويذكر فلا ينسى ، وأن يشكر فلا يكفر " ،وقال عمر بن عبد العزيز :"هي ترك ما حرم الله وأداء ما افترض الله فما رزق الله بعد ذلك فهو خير إلى خير "وقال طلق بن حبيب :" التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله ، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخشى عقاب الله "       

وقال الحسن البصري :" ما زالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيراً من الحلال مخافة الحرام "[ وانظر التربية الذاتية لهاشم على ص 104-109 ط الأولى

 ،صحيح البخاري ، الأيمان باب19 (فتح الباري ج 11ص 566 )]  

قال تعالى :{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً ، يُصلح لكم أعمالكم ، ويغفر لكم ذنوبكم ، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً }  [ الأحزاب / 70، 71 ]وقال تعالى :{ يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ، ويكفر عنكم سيئاتكم ، ويغفر لكم ، والله ذو الفضل العظيم } [ الأنفال / 29]

 وقال تعالى : { يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوماً لا يجزي والدٌعن ولده ، ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً ، إن وعد الله حقٌ فلا تغرنكم الحياة الدنيا ، ولا يغرنكم بالله الغرور }[ لقمان / 33 ]

وأخرج الترمذي بسنده من حديث أبي هريرة قال : سئل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن أكثر ما يدخل الناس الجنة ؟ فقال : (( تقوى الله ، وحسن الخلق ) الحديث ، قال أبو عيسى : هذا حديث صحيح غريب [ السنن، البر ، باب ماجاء في حسن الخلق ، ج 4 ص 363 رقم 2004 ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم    

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة المائة في موضوع اللقاح والثمرة وستكون بعنوان :

ثانياً :التوكل:يأتي بمعنى التكفل؛ يقال : توكل بالأمر إذا ضمن القيام به ، وجاء في الحديث ( من توكل بما بين لحييه ورجليه ، توكلت له بالجنة)أي: من تكفل بما بين لحييه ورجليه تكفلت له بالجنة [النهاية لابن الأثير  ج 5 ص 221] ويأتي بمعنى الإعتماد على الغير ، تقول : وكلت أمري إلى فلان ، أي : اعتمدت فيه عليه،ويقال:وكل فلان فلاناً،أي أعتمد عليه في أمور نفسه ثقة بكفايته[لسان العرب لابن منظور ج 11 ص 734- 736 ]   

أما معنى التوكل في الإصطلاح : فهو حركة ذات الإنسان في الأسباب بالظاهر والباطن ، وسكون إلى المسبب ، وركون إليه بحيث لا يضطرب قلبه معه ، ولا تسكن حركته عن الأسباب الموصلة إلى رضاه [ مدارج السالكين ج 2 ص 114 – 117 ] ومن صدق توكله على الله في الحصول على شيء ناله ، فإن كان محبوباً له مرضياً كانت له فيه العاقبة المحموده ، وإن كان مسخوطاً مبغوضاً كان ما حصل له بتوكله مضرة عليه ، وإن كان مباحاً حصلت له مصلحة التوكل دون مصلحة ما توكل فيه ، وإن لم يستعن به على طاعاته [ مدارج السالكين ج 2 ص 113]ثم الناس في التوكل على حسب هممهم ومقاصدهم ، فمن متوكل على الله في حصول أعلا المراتب والمنازل ، ومن متوكل في حصول رغيف .

والتوكل ثلاث درجات : الأولى : التوكل وهو البداية . الثانية  : التسليم وهو واسطة .الثالثة  : التفويض وهو النهاية

ومن وسائل تعميق التوكل في نفوس المؤمنين : معرفة الرب سبحانه باسمائه وصفاته وخاصة:الرزاق،القابض الباسط ،الخافض الرافع،القيوم،الهادي،القريب  ،ومن صفاته:صفة الحياة،والعلم،والقدرة ،والإرادة،والسمع،والبصر .       وإثبات الأسباب محل حكمة الله وأمره ودينه ، والتوكل عليه متعلق بربوبيته وقضائه وقدره ، فلا تقوم عبودية الأسباب إلا على ساق التوكل ، ولا يقوم ساق التوكل إلا على قدم العبودية [ المدارج ج 2ص 118- 120] 

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم    

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الواحدة بعد المائة في موضوع اللقاح والثمرة وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

ثانياً :التوكل:والتوكل لايصح إلا عليه سبحانه ، ولا الألتجاء إلا إليه ، ولا الخوف إلا منه ، ولا الرجاء إلا فيه ، ولا الطمع إلا في رحمته ، كما قال أعرف الخلق به – صلى الله عليه وسلم :( أعوذ برضاك من سخطك،وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك،وأعوذ بك منك ) ، وقال:(لا منجا ولا ملجأ إلا إليك )   [ مدارج السالكين ج2 ص 499 ]  والمتوكل على الله ؛ يحسن الظن بالله ؛ وهو الرجاء ، قال تعالى :{ من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت }[ العنكبوت / 5 ] ، وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم :( لايموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه)[صحيح مسلم ج4 ص 2205 رقم 2877من حديث جابر بن عبد الله ] فعلى حسن ظن العبد بربه يكون رجاؤه له ، ويكون توكله عليه ، ولذلك فسر بعضهم التوكل بحسن الظن بالله [ مدارج السالكين ج 2 ص 121]     

والتفويض هو روح التوكل ولبه وحقيقته ، وهو إلقاء أموره كلها إلى الله وإنزالها به طلباً وأختياراً لا كرهاً واضطراراً [ تهذيب مدارج السالكين ص 341 ]

والتوكل له فضيلة دل على ذلك قوله تعالى:{إن الله يحب المتوكلين}[ آل عمران / 159]  

فالمتوكل يحبه الله ، ويهديه، ويكفيه ، ويقيه ، ويدخله الجنة بغير حساب ، وييسرللمتوكل أرزاقه ، ولذلك سمى نبيه صلى الله عليه وسلم (المتوكل) كل ذلك جائت به نصوص الكتاب ، والسنة الصحيحة .

ولا توكل بلا إيمان ، ولا أيمان بدون توكل ، قال تعالى :{ وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين }[ المائدة / 23 ]

قال ابن القيم : التوكل من لوازم الإيمان ومقتضياته ..وإن قوة التوكل وضعفه بحسب قوة الإيمان وضعفه ، وكلما قوى إيمان العبد ، كان توكله أقوى ، وإذا ضعف الإيمان ضعف التوكل ، وإذا كان التوكل ضعيفاً فهو دليل على ضعف الإيمان "[ طريق الهجرتين ص 326 ط دار الكتاب العربي ]  

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم    

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الثانية بعد المائة في موضوع اللقاح والثمرة وستكون بعنوان  للتوكل آثار وثمرات منها :

= حصول المقصود قال تعالى :{ ومن يتوكل على الله فهو حسبه }[ الطلاق / 2 ]    

=عدم الفشل ، والحفظ من الزلل قال تعالى:{إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما،وعلى الله فليتوكل المؤمنون } [ آل عمران / 122 ] ، وقال تعالى :{إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ، وكفى بربك وكيلا }[ الإسراء / 65 ]  

= العصمة من السوء والحفظ من الشرور قال تعالى :{ يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم ، فكف أيديهم عنكم ، واتقوا الله ، وعلى الله فليتوكل المؤمنون }[ المائدة / 11]

= المتوكل لا تضره فتنة الدجال، المتوكل يكتب له البراءة من الشرك ،يتولى الله كل متوكل عليه ،المتوكل على الله ينصره الله ،ويؤيده ،ويكفيه ، ويعينه  ، المتوكل على الله يزيد إيمانه ، ويرجع بفضل من الله ونعمة ، المتوكل على الله يفتح الله بينه وبين قومه بالحق ، المتوكل على الله أكثر التاس توحيداً وإخلاصاً ، المتوكل على الله يهديه الله إلى أقوم الطرق ، ويصبره الله ، ويحفظه الله من أن يطيع الكافرين والمنافقين …

 كل ذلك جاءت به النصوص من الكتاب والسنة الصحيحة .

 ويتضح مما سبق أن التوكل له مكانة في الإسلام رفيعة ، بل هو قرين الإيمان ولا يتم الإيمان إلا به ، وأن التقوى لها مكانتها الرفيعة أيضاً  ؛ فإذا لقحت التقوى التوكل ، ولقح التوكل التقوى ؛ فستكون الثمرة بإذن الله ثمرة ناضجة ، طيبة ، مباركة ، طعمها لذيذ ، وشكلها جميل ، ولونها نضير ، ورائحتها زكية ، ألا وهي ( إستقامة القلب )  ، فالقلب معلوم مكانته بين الأعضاء ، ومعلوم دوره من بين الأدوار ، ولذلك إهتم الإسلام به أيما إهتمام ، وأناط به أهم المهام …

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم    

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الثالثة بعد المائة في موضوع اللقاح والثمرة وستكون بعنوان 

الثمرة : إستقامة القلب :

القَلْبُ : تحويل الشيء عن وجهه ، وتَقَلَّبَ : تحول .وقَلَبَ الخبز : إذا نضج ظاهره ، حوله لينضج باطنه ، والإنقلاب إلى الله : المصير إليه .

والإنقلاب : الرجوع مطلقاً …

والقلب : مضغة من الفؤاد ، مذكر ،

 والجمع : أقلب وقلوب ، وقد يعبر  بالقلب عن العقل ، قال الفراء في قوله تعالى :{ إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب } أي: عقل " ، وقال غيره : { لمن كان له قلب } أي : يفهم ويتدبر  ، وقيل : القلوب ، والأفئدة : قريبان من السواء ، وقال بعضهم : سمي القلب : قلباً ؛ لتقلبه ، وروى عن النبي – صلى الله عليه وسلم - ، أنه قال : (( سبحان مقلب القلوب )،وقال تعالى :{ ونقلب

 أفئدتهم وأبصارهم }[لسان العرب ج 1 ص 685- 688 ]     

 القلوب : جمع القلب ، وهو أخص من الفؤاد في الإستعمال ، وقيل هما قريبان من السواء  ، وقلب كل شيء : لبه وخالصه [ النهاية لابن الأثير ج   4 ص  96، 97]

قال ابن القيم : تعود القلوب على قلبين : قلب هو عرش الرحمن ففيه النور ، والحياة والفرح والسرور والبهجة وذخائر الخير  ، وقلب هو عرش الشيطان ، فهناك الضيق والظلمة والموت والحزن والغم والهم ، فهو حزين على ما مضى ، مهموم بما يستقبل ، مغموم في الحال … والنور الذي يدخل القلب إنما هو من آثار المثل الأعلى فلذلك ينفسح وينشرح ، وإذا لم يكن فيه معرفة الله ومحبته ، فحظه الظلمة والضيق [ الفوائد ص 57 ، 58 ]   

قال ابن الجوزي :" لا ريب أن القلب المؤمن بالإله سبحانه وبأوامره يحتاج إلى الإنعكاف على ذكره وطاعته وامتثال أوامره ، وهذا يفتقر إلى جمع الهم ، وكفى بما وضُع في الطبع من المنازعة إلى الشهوات مشتتاً للهم المجتمع .

فينبغي للإنسان أن يجتهد في جمع همه ؛ لينفرد قلبه بذكر الله سبحانه وتعالى

وإنفاذ أوامره،والتهيؤ للقائه ، وذلك إنما يحصل بقطع القواطع والإمتناع عن الشواغل[صيد  الخاطر  ص 636 ]

 إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم    

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الرابعة بعد المائة في موضوع اللقاح والثمرة وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان  الثمرة : إستقامة القلب :         

وقال ابن القيم : اعلم أن العبد إنما يقطع منازل السير إلى الله بقلبه وهمته لا ببدنه ،والتقوى في الحقيقة تقوى القلوب ،لا تقوى الجوارح … إن ضعف الإرادة والطلب من ضعف حياة القلب ، وكلما كان القلب أتم حياةً ، كانت همته أعلى ، وإرادته ومحبته أقوى،فإن الإرادة والمحبة تتبع الشعور بالمراد المحبوب ، وسلامة القلب من الآفة التي تحول بينه وبين طلبه وإرادته [      انظر علو الهمة ص 18،19 وعزاه إلى تهذيب مدارج السالكين ج2 ص 945] قال الأشقر : إن كثيراً من العلماء يرى أنَّ القلب المعنيّ في الآيات القرآنية هو:لطيفة ربانية، لها بهذا القلب الجسماني الصنوبري الشكل المودع في الجانب الأيسر من الصدر تعلّق ، وتلك اللطيفة هي حقيقة الإنسان ، ويسميها الحكيم النفس الناطقة،والروح الباطنة[مقاصد المكلفين للدكتور / عمر الأشقر ص 116 ، ثم عزاه إلى الجرجاني في التعريفات ص(3)] قال ابن القيم : فأما القلب فهو الملك المستعمل لجميع آلات البدن والمستخدم لها فهو محفوف بها محشود مخدوم مستقر في الوسط … وهو أشرف أعضاء البدن وبه قوام الحياة وهو منبع الروح الحيواني والحرارة الغريزية ، وهو معدن العقل والعلم والحلم والشجاعة والكرم والصبر والإحتمال والحب والإرادة والرضا والغضب ، وسائر صفات الكمال ، فجميع الأعضاء الظاهرة والباطنة وقواها هي جنود من أجناد القلب [ مفتاح دار 156 (السعادة ج 1 ص 193]    

 قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : (( … ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسدكله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ) [أخرجه البخاري في الصحيح ، الإيمان ، باب فضل من استبرأ لدينه من حديث النعمان بن بشير  ( فتح الباري ج1 ص 126 رقم 52) ، وأخرجه مسلم في الصحيح ]  

وإستقامة القلب بالعقل،قال تعالى:{أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها}[ الحج / 46 ]  ،وقال :{ إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب }[ ق / 37 ]  

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم    

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الخامسة بعد المائة في موضوع اللقاح والثمرة وستكون إستكمالا للماضيتين والتي هي بعنوان  الثمرة : إستقامة القلب :         

وصلاح القلب وإستقامته يكون بفعل ما يصلحه ويقيمه ، وبترك كل ما يفسده ويعيقه ،وترك مفسداته يحقق صلاحه وإستقامته ، ومن مفسداته :

كثرة الخلطة * التمني * التعلق بغير الله * والشبع * والمنام *فهذه الخمسة من أكبر مفسدات القلب  ، فهي تطفيء نوره ، وتعور عين بصيرته ، وتثقل سمعه ، إن لم تصمه وتبكمه ، وتضعف قواه كلها ، وتوهن صحته ، وتُفَتِّر عزيمته ، وتوقف همته ، وتنكسه إلى ورائه ، ومن لا شعور له بهذا فميت القلب ، وما لجرح بميت إيلام ، فهي عائقة له عن نبل كماله ، قاطعة له عن الوصول إلى ما خلق له ، وجعل نعيمه وسعادته وابتهاجه ولذته في الوصول إليه .

فإنه لا نعيم له ولا لذة،ولا ابتهاج،ولا كمال،إلا بمعرفة الله ومحبته ، والطمأنينة بذكره،والفرح والإبتهاج بقربه ، والشوق إلى لقائه . فهذه جنته العاجلة . كما أنه لا نعيم له في الآخرة ، ولا فوز إلا بجواره في دار النعيم في الجنة الآجلة . فله جنتان ؛ لا يدخل الثانية منهما إن لم يدخل الأولى .

قال ابن تيمية : إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل الآخرة .

وقال بعض العارفين : إنه ليمر بالقلب أوقات . أقول : إن كان أهل الجنة في مثل هذا . إنهم لفي عيش طيب [مدارج السالكين ج 1ص 453، 454 ]

ويتضح مما سبق أن القلب الذي اتقى الله ، وتوكل على الله ، وامتثل أوامر الله ، وانتهى عن مناهي الله ، وراقب الله ، ورجاه ، وخافه ؛ فإنه ولا شك سيستقيم بإذن الله ،وسيصلح بإرادة الله ، حتى يكون أبيض لا تضرة فتنة ما دامت السماوات والأرض ، يعرف المعروف ، وينكر المنكر ، فإذا إنضاف إلى ذلك تلقيح التقوى للتوكل ، وتلقيح التوكل للتقوى ؛ فأنعم بها من ثمرة صالحة مستقيمة ( إستقامة القلب )

 إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم    

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة السادسة بعد المائة في موضوع اللقاح والثمرة وستكون بعنوان :المبحث الخامس عشر :   اللقاح :أخذ أهبة الإستعداد للقاء قصر

 الأمل ،الثمرة: الخير كله .

 قال ابن القيم :" ولقاح أخذ أُهبة الإستعداد للقاء قصر الأمل ، فإذا اجتمعا فالخير كله في إجتماعهما ، والشرُّ في فُرقتهما .[ الفوائد لابن القيم ص  347 ]         

أولاً : أخذ أهبة الإستعداد : الأهبة بالضم : العدة ، كالهبة وقد أهب للأمر تأهيباً ، وتأهب[ القاموس المحيط ج / 1  ص/ 77  ]

قال ابن تيمية رحمه الله تعالى : فصل في تزكية النفس وكيف تزكو بترك المحرمات مع فعل المأمورات قال تعالى :{ قد افلح من زكاها } وقد أفلح من تزكى ، معنى التزكية قال قتادة ، وابن عيينه وغيرهما : قد أفلح من زكى نفسه بطاعة الله وصالح الأعمال،وقال الفراء والزجاج : قد أفلحت نفس زكاها الله وقد خابت نفس دساها الله [ الزهد والورع والعبادة لابن تيمية  ، الفصل الثاني ، تزكية النفس وكيف تزكو ج 1 ص 59 ]وأهبة الإستعداد تكون بفعل الطاعات ،وترك المنهيات ، والتوبة من الذنوب المهلكات ؛ وفعل الطاعات هو العمل الصالح ، [وقد تقدم مبحث العمل الصالح في المبحث  الأول فليرجع إليه ]، وإجتناب المناهي [تقدم أيضاً في مبحث إمتثال الأوامر،وإجتناب المناهي في المبحث  الثالث فليرجع إليه ]

ويبقى التوبة وهي :  

  هي الرجوع من الذنب ،وتاب إلى الله يتوب توباً وتوبةً ومتاباً : أناب ورجع

 عن المعصية إلى الطاعة                                             ورجل تواب : تائب إلى الله . والله تواب : يتوب على عبده ، وقال أبو منصور : أصل تاب عاد إلى الله ، ورجع وأناب . وتاب الله عليه  أي : عاد عليه بالمغفرة [ لسان العرب لابن منظور ج 1 ص 233 ]  

قال ابن القيم : " فحقيقة التوبة : هي الندم على ما سلف منه في الماضي ، والإقلاع عنه في الحال ، والعزم على أن لا يعاوده في المستقبل ، والثلاثة تجتمع في الوقت الذي تقع فيه التوبة فإنه في ذلك الوقت يندم،ويقلع ، ويعزم …

       والمقصود من التوبة تقوى الله . وهو خوفه وخشيته ، والقيام بأمره ، واجتناب نهية . فيعمل بطاعة الله على نور من الله ، يرجو ثواب الله ، ويترك معصية الله على نور من الله . يخاف عقاب الله ..

والمبادرة إلى التوبة من الذنب فرض على الفور . ولا يجوز تأخيرها ، فمتى أخرها عصى بالتأخير . فإذا تاب من الذنـب بقي عليه توبة أخرى . وهي توبته  مـن تأخـير التوبة[ كتاب التوبة  لابن القيم ص 9 ، 31  ، 101 ط  الأولى]

 إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم    

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة السابعة بعد المائة في موضوع اللقاح والثمرة وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

أخذ أهبة الإستعداد بالتوبة

 يشرع للعبد أن يدعو لنفسه بالمغفرة العامة؛أخرج البخاري بسنده من حديث ابن أبي موسى عن أبيه عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه كان يدعو بهذا الدعاء ( رب اغفر لي خطيئتي وجهلي ، وإسرافي في أمري كله ، وما أنت أعلم به مني ، اللهم اغفر لي خطاياى وعمدي ، وجهلي وجدي ، وكل ذلك عندي ، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت ، وما أسررت وما اعلنت ، أنت المقدم ، وأنت المؤخر ، وأنت على كل شيء قدير )[صحيح البخاري ، كتاب الدعوات ، باب 60 ، رقم 6398 ( فتح البار ي ج 11 ص 196 )]

وقال ابن الجوزي :"الواجب على العاقل أخذ العدة لرحيله؛فإنه لا يعلم متى يفجؤه أمر ربه ؟ ولا يدري متى يُستدعى ؟ وإني رأيت خلقاً كثيراً غرَّهم الشباب ، ونسوا فقد الأقران ، وألهاهم طول الأمل وربما قال العالم المحض لنفسه : أشتغل بالعلم اليوم ثم أعمل به غداً ! فيتساهل في الزلل بحجة الراحة ، ويؤخر الأهبة لتحقيق التوبة ، ولا يتحاشى من غيبة أو سماعها ، ومن كسب شبهة يأمل أن يمحوها بالورع ، وينسى أن الموت قد يبغت .

فالعاقل من أعطى كل لحظةٍ حقها من الواجب عليه ؛ فإن بغته الموت ؛ رئي مستعداً ، وإن نال الأمل ؛ ازداد خيراً    [   صيد الخاطر ص44 ط الثانية تحقيق عامر علي ياسين ]      

وقال تعالى:{ياأيها الذين آمنوا توبوا

إلى الله توبةً نصوحاً ، عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار } [ هود / 3 ] 

قال ابن القيم :" فجعل وقاية السيئات وهو تكفيرها بزوال ما يكره العبد، ودخول الجنات وهوحصول ما يحب العبد منوطاً بحصول التوبة النصوح .

 ( والنصوح ) على وزن فعول المعدول به عن فاعل قصداً للمبالغة . كالشكور ، والصبور ، وأصل مادة ( ن ص ح ) لخلاص الشيء من الغش والشوائب الغريبة . وهو ملاق في الإشتقاق الأكبر لنصح إذا خلص .

فالنصح في التوبة والعبادة والمشورة : تخليصها من كل غش ونقص وفساد . وإيقاعها على أكمل الوجوه . والنصح ضد الغش[     التوبة لابن القيم ص 137 .]      والنصوص الحاثة على الإستغفار من الكتاب والسنة كثيرة جداً ، وما ذاك إلا لما للإستغفار من أهمية كبرى ،بل هو من أعظم ما يتأهب به العبد لقصر الأجل ، بل هو أعظم العبادات الصالحة لحصول الخيرات في الدنيا والآخرة ، بدخول الجنات ، والنجاة من النار .

الثمرة :الخير كله في إجتماعهما،والشر في فرقتهما ؛الخير : ضد الشر وجمعه : خيور قال تعالى :{ أولئك لهم الخيرات } جمع خيرة ، وهي : الفاضلة من كل شيء …وقد تقدم في المبحث  التاسع  بعنوان ( أنواع الخيرات)   

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم    

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الثامنة بعد المائة والأخيرة في موضوع اللقاح والثمرة وستكون بعنوان:

المبحث السادس عشر :

   اللقاح : الهمة العالية للنية الصحيحة

   الثمرة : بلوغ العبد غاية المراد

 قال ابن القيم :" ولقاح الهمة العالية النية الصحيحة ، فإذا إجتمعا بلغ العبد غاية المراد "[ الفوائد لابن القيم ص 347 .]    

 أولا : الهمة العالية :هي العزيمة … [وقد تقدم     مبحث العزيمة في المبحث الثامن فليرجع إليه ]

  ثانياً : النية الصحيحة :هي الإخلاص … [وقد تقدم مبحث الإخلاص في المبحث الخامس فليرجع إليه ]

 الثمرة : بلوغ العبد غاية المراد

إن هذه الثمرة هي مجموع الثمرات الناتجة عن أنواع اللقاحات المتقدمة ؛ وتتمثل في :

 1- العمل الصالح                      2- إجابة الدعاء

3- إمتثال الأوامر وإجتناب المناهي    4 – الإمامة في الدين

5 –قبول العمل والإعتداد به           6-الفلاح والسعادة

7 –سيادة الدنيا والآخرة ، والإنتفاع بعلم العالم .

8- بلوغ الكمال 9- أنواع الخيرات 10 – النصر والظفر  11- الخير كله  12- إستنارة العقل   13- الزهد  في  الدنيا    14- والرغبة  في  الآخـرة       15- إستقامة القلب

   16  - بلوغ غاية المراد

 وهذه الثمرات الطيبات المباركات هي ما اقتضته حكمة الحكيم من خلق الخلق أجمعين ،لينعموا في الدنيا والآخرة بالدين ،والسير على منهج رب العالمين ، كما تصورها العالم الرباني شمس الدين أبي عبد الله محمد بن قيم الجوزية،وسطرها مختصرة في كتابه القيم(الفوائد ) وأضفت عليها بعضاً من فوائده،وفوائد غيره من العلماء العاملين ، وبعضاً من نصوص الكتاب والسنة ، وأقوال الأئمة ، أسأله سبحانه أن يجعله علماً نافعاً ، وعملاً صالحاً ، وثمرة نقطف قطفها في ذلك اليوم العظيم الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم وصلى الله وسلم على النبي الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين . 

 

 

اللقاح والثمرة

 

تأليف

د/ مسفر بن سعيد دماس الغامدي