اللطيف

بسم الله الرحمن الرحيم

اللطيف المختصر

إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا اله الا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ،قال تعالى :{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} آل عمران/ 120 وبعـــــد :

فهذه الحلقة الأولى في موضوع (اللطيف) وستكون بعنوان :

المقدمة والتعريفات :   

فهذا مبحث لطيف في لطف الله بعباده ؛ حاولت فيه أن أبين اسم وصفة الله (اللطيف) وهذا من رحمة الله ، وكيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لطيفاً في دعوته ومع غيره ، وكيف تعلمت الأمة اللطف وطبقته ؟.....
اللطف هو الرفق وهو ضد العنف والشدّة ، ويُراد به اليسر في الاَمور والسهولة في التوصل إليها ، وأصل الرفق في اللغة هو النفع ، ومنه قولهم : أرفق فلان فلاناً إذا مكّنه مما يرتفق به ، ورفيق الرجل : من ينتفع بصحبته ، ومرافق البيت : المواضع التي ينتفع بها ، ونحو ذلك[مختار الصحاح ، معجم الفروق اللغوية : 259 ] ويقال : رَفَقَ ـ به ، وله ، وعليه ـ رِفقاً ، ومَرْفِقاً : ألانَ له جانبه

 وحَسُنَ صنيعه [المعجم الوسيط (1+2)] وفي الحَدِيث : ( ما كان الرِّفْقُ في شيءٍ إِلا زانَه )[ صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان ،ج 2   ص 311رقم 551] وقال المقدسي : إسناده صحيح [الأحاديث المختارة ،  ج 5   ص 154]

  وورد في الحَدِيث عن عائشة ( اللّهُمّ مَنْ رَفَقَ بأمتِي فارْفُقْ بهِ ....) [مسند الإمام أحمد بن حنبل ،ج 6   ص 24372]

 وقالَ اللّيْث : الرِّفْقُ : ليِنُ الجانِب ، ولَطافَةُ الفِعْل ، وصاحِبُه رَفِيقٌ ، وقد رَفقَ يَرْفُق رِفقاً بالكسر

والذي يعنينا من الرفق هنا، هو ما يحمل لنا معاني اللين واللطف والسهولة واليسر ؛ لما لها من دور مهم في حياة المؤمن الرسالي ، وما يضطلع به من مهام وأدوار في حركته الواعية بين شرائح وعينات المجتمع بكل أشكالها ، وما لها من لبوس حسن جميل يدل على حسن وجمال سريرة المتلبس به ،  

واستقامة ذاته واعتدال تصرفاته ، إذ إن الرفق ليس مستهدفاً للغير في مهمته وتأثيراته فحسب ، بل هو يبدأ من الذات ليشمل غيرها من الاَفراد والمجتمعات ، ويوصل إليها رسالة التكافل الاجتماعي بأبهى صُوَرِه .

  وقد أكد الاِسلام على هذه السجية الفاضلة والخصلة النبيلة ببيانات كثيرة ومتعددة الاَلفاظ ، داعياً أتباعه وحملة همومه وأهدافه إلى التحلي بها وتجسيدها في أرض الواقع العملي لتؤدي إلى الاَهداف المطلوبة والغايات المرغوبة ، وجدير ذكره أن الذي صنعه الاِسلام على صعيد العنصر الاَخلاقي بجميع أركانه ومظاهره ؛ كالصدق والاَمانة والبرّ والاِحسان والرفق والعفو

والرحمة والسلام والحب وغير ذلك ،

 إنّما هو على نحو التقرير والتنظيم والاِحياء والاِنماء ، لا على نحو الفرض العلوي المتعالي على الطبيعة البشرية ، ذلك لاَن العنصر الاَخلاقي عنصر فطري ثابت في الفطرة التي فطر الله عليها عباده ، ولا تبديل لخلق الله [ تاج العروس من جواهر القاموس ]

تعريف اللطف

   التلطف معناه : الترفق حتى لا يفطن له ، لقوله تعالى : {Nà6Ï?ù'uŠù=sù 5-ø—̍Î/ çm÷YÏiB ô#©Ün=tGuŠø9ur } الكهف/19[ تفسير مقاتل بن سليمان] واللطف : البر والتكرمة ، وأم لطيفة بولدها تلطف إلطافا ،واللطف من طرف التحف ما ألطفت به أخاك ليعرف به برك ،وأنا لطيف بهذا الأمر أي : رفيق بمداراته

واللطيف : الشيء الذي لا يتجافى من الكلام وغيره والعود ونحوه كلام لطيف وعود لطيف [ كتاب العين ؛ للخليل بن أحمد الفراهيدي] وقوله تعالى {uqèdur ß#‹Ïܯ=9$# 玍Î6sƒø:$# } الأنعام / 103 ، الملك/14 في معناه وجوه :

 الوجه الأول : المراد لطف صنعه في تركيب أبدان الحيوانات من الأجزاء الدقيقة ، والأغشية الرقيقة والمنافذ الضيقة التي لا يعلمها أحد إلا الله تعالى .

 الوجه الثاني : أنه سبحانه لطيف في الإنعام والرأفة والرحمة .

    والوجه الثالث : أنه لطيف بعباده ، حيث يثني عليهم عند الطاعة ، ويأمرهم بالتوبة عند المعصية ، ولا يقطع عنهم سواد رحمته سواء كانوا مطيعين أو كانوا عصاة .

الوجه الرابع : أنه لطيف بهم حيث لا يأمرهم فوق طاقتهم ، وينعم عليهم بما هو فوق استحقاقهم .

  وأما الخبير : فهو من الخبر وهو العلم ، والمعنى أنه لطيف بعباده مع كونه عالماً بما هم عليه من ارتكاب المعاصي والإقدام على القبائح  [ التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب للفخر الرازي ،وانظر : النكت والعيون (تفسير الماوردي)]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثانية في موضوع (اللطيف) وستكون بعنوان :

اقوال العلماء في معنى اللطيف :

 قال الجنيد : اللطيف : من نوّر قلبك بالهدى وربى جسمك بالغذا ، وجعل لك الولاية في البلوى ويحرسك من لظى ويدخلك جنة المأوى .

وقيل : اللطيف الذي أنسى العباد ذنوبهم لئلاّ يخجلوا .

وقيل : الذي ركّب من النطفة من ماء مهين

وقال قتادة : هو الذي يستقل الكثير من نعمه ويستكثر القليل من طاعة عباده  

وقيل : اللطيف الذي إن رجوته لبّاك وأن قصدته آواك ، وإن أحببته أدناك

 وإن أطعته كافاك ، وإن عصيته عافاك وإن أعرضت عنه دعاك ، وإن أقبلت إليه هداك . وقيل : اللطيف الذي لا يطلب من الأحباب الأحساب والأنساب . وقيل : اللطيف الذي يغني المفتقر إليه ويعز المفتخر به .

وقيل : اللطيف من يكافي الوافي ويعفو عن الباقي . و قيل : اللطيف الذي يُغِير ولا يُغَير [ الكشف والبيان (تفسير الثعلبي ومن معاني حفياً : لطيفاً ؛ لقوله تعالى : {  tA$s% íN»n=y™ y7ø‹n=tã ( ãÏÿøótGó™r'y™ y7s9 þ’În1u‘ ( ¼çm¯RÎ) šc%x. ’Î1 $|‹Ïÿym } مريم/47  أي لطيفاً بي ، كثير الإحسان إليّ [ أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن ،لمحمد الأمين الشنقيطي] 

  وقال تعالى { yìsùu‘ur Ïm÷ƒuqt/r& ’n?tã ĸöyèø9$# (#r”yzur ¼çms9 #Y‰£Úߙ ( tA$s%ur ÏMt/r'¯»tƒ #x‹»yd ã@ƒÍrù's? }‘»tƒöä①`ÏB ã@ö6s% ô‰s% $ygn=yèy_ ’În1u‘ $y)ym ( ô‰s%ur z`|¡ômr& þ’Î1 øŒÎ) ÓÍ_y_t÷zr& z`ÏB Ç`ôfÅb¡9$# uä!%y`ur Nä3Î/ z`ÏiB Írô‰t7ø9$# .`ÏB ω÷èt/ br& søt“¯R ß`»sÜø‹¤±9$# ÓÍ_ø‹t/

tû÷üt/ur þ†ÎAuq÷zÎ) 4 ¨bÎ) ’În1u‘ ×#‹ÏÜs9 $yJÏj9 âä!$t±o„ 4 ¼çm¯RÎ) uqèd ÞOŠÎ=yèø9$# ãLìÅ3ptø:$# } يوسف/100  أي رفيق بعباده

    قال الخطابي : اللطيف هو البر بعباده الذي يلطف بهم من حيث لا يعلمون ويسبب لهم مصالحهم من حيث لا يحتسبون كقوله تعالى : {  ª!$# 7#‹ÏÜs9 ¾Ínϊ$t7ÏèÎ/ ä-ã—ötƒ `tB âä!$t±o„ ( uqèdur Ž”Èqs)ø9$# Ⓝ͓yèø9$# } الشورى /19

  وقيل : اللطيف العالم بدقائق الأمور والمراد هنا الإكرام والرفق

   قال قتادة : لطف بيوسف بإخراجه من السجن وجاءه بأهله من البدو ونزع عن قلبه نزغ الشيطان [الجامع لأحكام القرآن ، القرطبي]

  والبر : البذل واللطف  ؛ روى ابو بكر الشيباني بسنده من حديث عمار قال : قلت للحسن : يا أبا سعيد ما البر ؟ قال :البذل واللطف ، قلت : فما العقوق ؟ قال :ان تحرمهما وتهجرهما ، قال : اما علمت ان نظرك في وجه والديك أو والدتك عبادة ؟ [ الزهد ، الشيباني أبو بكر]

*إقتران اسم الله اللطيف بالخبير

تكرر اسم الله اللطيف مقترنا بإسمه الخبير في آيات منها قوله تعالى:

{žw çmà2͑ô‰è? ㍻|Áö/F{$# uqèdur à8͑ô‰ãƒ t»|Áö/F{$# ( uqèdur ß#‹Ïܯ=9$# 玍Î6sƒø:$# }  الأنعام /103، وقوله عزوجل:{ óOs9r& ts? žcr& ©!$# tAt“Rr& šÆÏB Ïä!$yJ¡¡9$# [ä!$tB ßxÎ6óÁçFsù ÞÚö‘F{$# ¸o§ŸÒøƒèC 3 žcÎ) ©!$# ì#‹ÏÜs9 ׎Î7yz} الحج /63
ومعنى الخبير: أي الذي أدرك بعلمه السرائر ، واطلع على مكنون الضمائر ، وعلم بطائن الأمور، فهو اسم يرجع في مدلوله إلى العلم بالأمور التي هي في غاية اللطف والصّغر وفي غاية الخفاء . ومن باب أولى وأحرى علمه بالظواهر والجليات ؛ فقد أحاط بكل شيء علما ، وأحصى كل شيء عددا.
وأما اللطيف فله معنيان : أحدهما : بمعنى الخبير وهو أن علمه دقّ ولطُف حتى أدرك السرائر والضمائر والخفيات.
المعنى الثاني: الذي يوصل إلى عباده مصالحهم بلطفه وإحسانه من طرق لايشعرون بها.

قال ابن القيم في نونيته  :
وهو اللطيف بعبده ولعبده *** واللطف في أوصافه نوعانِ
إدراك أسرارالأمور بخُبره *** واللطف عند مواقع الإحسانِ
فيُريك عزته ويُبدي لطفه *** والعبد في الغفلات عن ذا الشانِ
ولطف الله بالعبد من الرحمة بل هو رحمة خاصة ؛
فالرحـمة التي تصل إلى العبد من حيث لايشعر بها أو بأسبابها  هـي اللــطف . يقال : " لطف بعبده ، ولطف له " أي تولاه ولاية خاصة بها تصلح أحواله الظاهرة والباطنة ، وبها تندفع عنه جميع المكروهات من الأمور الداخلية والأمور الخارجية.
فالأمور الداخلية لطفٌ بالعبد ، والأمور الخارجية لطف للعبد.
فإذا يسر الله لعبده وسهل له طرق الخير ، وأعانه عليها فقد لطف بــه ،وإذا قيض له أسبابا خارجية غير داخلة تحت قدرة العبد فيها صلاحه فقد لطف لـــه   [ انظر : موقع صوت القرآن الحكيم ، الأنتر نت -فقه الأسماء الحسنى .أ.د عبدالرزاق البدر]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثالثة في موضوع (اللطيف) وستكون بعنوان :

*اللِّين والرِّفق واللطف

إن التوازن في شخصية المسلم ليجمع الشدة والرحمة ، وإن من الحكمة مراعاة كل ظرف بما يناسبه، والتعامل مع كل حالة بما تقتضيه؛ من الأخذ بقوة أو الرفق واللين واللطف ، غير أنه يبقى أن الأصل في التعامل الاجتماعي اللين والرقة ، ما لم يقم ما يقتضي خلاف ذلك .
   أما حين تنضب ينابيع العاطفة ، فلابد من تطهير القلب من عوامل القسوة ؛ لتنعكس صورة اللين على المعاملة والسلوك .
إن طول الزمن قد يخفف من رقة الشعور ، وتطاول الأيام قد ينسي بعض القيم ، وتقادم العهد قد يغير المشاعر القلبية ، ما لم يتعهد المرء نفسه ويجلو قلبه ، ليبقى حاضر الفكر ، واعي القلب ، يقظ الإحساس ، ولأن اللين ظاهرة سلوكية تنبع عن قلب لين ، فقد عاتب ربنا وعز وجل الصحابة الكرام رضوان الله عليهم حين رأى منهم تغيرا في القلوب ، يقول الله تعالى  :       { öNs9r&  Èbù'tƒ tûïÏ%©#Ï9 (#þqãZtB#uä br& yìt±øƒrB öNåkæ5qè=è% ̍ò2Ï%Î! «!$# $tBur tAt“tR z`ÏB Èd,ptø:$# Ÿwur (#qçRqä3tƒ tûïÏ%©!$%x. (#qè?ré& |=»tGÅ3ø9$# `ÏB ã@ö6s% tA$sÜsù ãNÍköŽn=tã ߉tBF{$# ôM|¡s)sù öNåkæ5qè=è% ( ׎ÏWx.ur öNåk÷]ÏiB šcqà)Å¡»sù } الحديد/16. وحدّث ابن مسعود فقال :

 ( ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية ... إلا أربع سنين ) وزاد في رواية ( فجعل ينظر بعضنا إلى بعض ويقول : ما أحدثنا ؟(  فإن كان الصحابة الكرام رضوان الله عليهم قد احتاجوا إلى تلك اللفتة القلبية بعد أربع سنوات من إسلامهم ، فكم تحتاج قلوبنا إلى تعهد وتزكية   ؟ ! 
   وقسوة القلب قد تكون أحيانا نتيجة المعاصي ، ومظهراً من مظاهر غضب الله سبحانه وتعالى على العبد ، ولذلك يقول مالك بن دينار : ( ما ضُرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة قلب ، وما غضب الله على قوم إلا نزع الرحمة من قلوبهم )
    وإن العيش في أعطاف النعمة ليجعل على القلب غشاوة ، تشغل المرء بذاته ، عن همته ، ولذلك رأى محمد بن كعب في الآية السابقة توجيها آخر فقال:   كانت الصحابة بمكة مجدبين ، فلما هاجروا أصابوا الريف والنعمة ففتروا عما كانوا فيه فقست قلوبهم فوعظهم الله فأفاقوا  ألا فلنتواص حتى نفيق ... ) إن الانشغال بلغو الكلام وتتبع الهفوات يجفف منابع اللين في القلب ، وتنعكس الآثار على صورة حدة في التعامل . جاء في موطأ الإمام مالك قوله :

( بلغني أن عيسى عليه السلام قال لقومه : لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله تعالى ؛ فتقسو قلوبكم ؛ فإن القلب القاسي بعيد من الله  ولكن لا تعلمون ، ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب ، و انظروا فيها كأنكم عبيد ، فإنما الناس رجلان : معافى ومبتلى .فارحموا أهل البلاء ، واحمدوا الله على العافية)

  إن شخصية الداعية لتقتضي القدرة على التعامل مع الناس باللين .

  وقد تعجبت السيدة عائشة من موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استأذن رجل بالدخول عليه ، فنعته بقوله  :

( بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ وَبِئْسَ بن الْعَشِيرَةِ فلما جَلَسَ تَطَلَّقَ النبي صلى الله عليه وسلم في وَجْهِهِ وَانْبَسَطَ إليه )[الجامع الصحيح المختصر ،ج 5   ص 2244 ، البخاري وانظر : الجمع بين الصحيحين البخاري ومسلم ،ج 4   ص 144، الحميدي]

 وليس عجيبا أن يكون هذا شأن نبينا صلى الله عليه وسلم وهو القائل :( ما كان الرفق في شيء إلا زانه ...) الحديث

   ولما سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال، أوجزها له في صفات ذكر منها : ( لين الكلام وبذل الطعام ... ) [ أخرجه  أحمد  في المسند رقم 100( انظر:  فتح الباري في شرح صحيح البخاري ، ج 1   ص 38 ]

 

 

وإذا كان قصدنا الفوز برضا الله عز وجل ، والنجاة من النار ، فإن المسلم لينال باللين ما لا يناله بالغلظة والشدة ، كما في الحديث : ( حُرِّم على النار : كل هيّن ليّن سهل ، قريب من الناس ) [ صححه الألباني : صحيح الجامع/ 3135]

  ويمكن أن يكون تكلف السلوكيات اللينة مدخلا إلى اكتساب اللين القلبي ، فقد شكا رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه فقال له : ( إن أردت أن يلين قلبك ، فأطعم المسكين ، وامسح رأس اليتيم )[حسنه الألباني : صحيح الجامع/ 1410] 

 وكثيرا ما يحرش الشيطان في الصدور ، حتى في لحظة القيام للصلاة ، وتسوية الإمام للصفوف ، بتأخير هذا وتقديم ذاك إلى أن يستقيم الصف ، وقد كان من وصيته صلى الله عليه وسلم قبل الدخول في الصلاة :( ... ولينوا في أيدي إخوانكم ... )[ صححه الألباني  ، صحيح الجامع/ 1187ورواه أبو داود]

لأن إقامة الصفوف وسد الخلل تقتضيان الاستجابة وعدم المعاندة .وليس المقصود باللين عدم إنكار المنكر ، وإنما اللين في الأسلوب حيث يغني اللين ويحقق الغرض ،وذلك باستنفاذ جميع الوسائل الممكنة التي تضمن الاستجابة ، ولا تستعدي الآخرين ، وراجع ـ إن شئت ـ حديث البخاري في قصة الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان ، كيف عرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عدداً من الخيارات للتكفير عن ذنبه فقال له : ( هل تجد رقبة تعتقها  ؟ قال لا ، قال : فهل تستطيع   أن تصوم شهرين متتابعين  ؟ قال :لا قال : فهل تجد إطعام ستين مسكينا ؟ قال : لا ) فجاء النبي صلى الله عليه وسلم تمر ، فأعطاه للرجل ، وقال له : ) خذ هذا فتصدق به فقال الرجل : على أفقر مني يا رسول الله ، والله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر من أهل بيتي،فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه،ثم قال : أطعمه أهلك)

[الجامع الصحيح المختصر ،ج 2   ص 684 البخاري]

 إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الرابعة في موضوع (اللطيف) وستكون بعنوان :

* اللين صورة من صور الرحمة

فاللين صورة من صور الرحمة يضعها الله في قلب العبد قال تعالى {$yJÎ6sù 7pyJômu‘ z`ÏiB «!$# |MZÏ9 öNßgs9 ( öqs9ur |MYä. $ˆàsù xá‹Î=xî É=ù=s)ø9$# (#q‘ÒxÿR]w ô`ÏB y7Ï9öqym }  آل: عمران:159
 والرفيق الرحيم أحق الناس برحمة الله عز وجل كما في الحديث : ( الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى . ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) [ صحيح الجامع / 3522  الألباني ] ولذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كان أرحم الناس بالصبيان والعيال )[ صحيح الجامع / 4797  ،  رقم  3135 الألباني]

    ونفى كمال الإيمان عمن لا يرحم ، حيث قال عليه الصلاة والسلام :      ( ليس منا من لم يرحم صغيرنا ، ويعرف شرف كبيرنا )[ صحيح الجامع /5444 ]

   وحتى الرحمة بالمخلوقات من أسباب استحقاق رحمة الله في الآخرة ، كما في قوله صلى الله عليه وسلم : ( من رحم ولو ذبيحة عصفور ، رحمه الله يوم القيامة) [مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ،ج 4   ص 33 ، الهيثمي ثم قال : رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات و حسنه الألباني]

والعلاقات الأسرية مع الأهل وذوي الرحم ، ينبغي أن يسودها الرفق واللين واللطف؛ للمحافظة على تماسك بنيان الأسرة المسلمة وصفاء أجوائها ، كما في الحديث ( إذا أراد الله بأهل بيت خيراً أدخل عليهم الرفق ) [ مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ،ج 8   ص 19 ، ثم قال :  رواه أحمد ورجاله  رجال الصحيح ]

     والهين اللين ينسحب رفقه ولطفه على كل صور حياته ، التي تقتضي السماحة واللين في التعامل مع المؤمنين ، حتى يحظى بمحبة الله سبحانه وتعالى ( إن الله تعالى يحب الرفق في الأمر كله )[ صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان ،ج 2 ص 307] كما نحظى بعون الله عز وجل يقول رسول صلى الله عليه وسلم : ( إن الله رفيق يحب الرفق ، ويرضاه ، ويعين عليه ما لا يعين على العنف   (.، (اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ ويعطى على الرِّفْقِ ما لَا يعطى على الْعُنْفِ وما لَا يعطى على ما سِوَاهُ ) [ صحيح مسلم ،ج 4   ص 2003 ]  وصورة الشديد الغليظ ، الغاضب العنيف ، صورة مشينة معيبة تنفر منها الطباع البشرية ، بينما صورة السهل الرفيق ، اللين اللطيف، صورة تزين صاحبها ،وترتاح إليها النفوس ، وتأنس إليها القلوب ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما كان الرفق في

 شيء إلا زانه ، ولا نزع من شيء إلا شانه( [ صحيح الجامع / 5654.   ، انظر : موقع صوت القرآن الحكيم ، الأنترت فقه الأسماء الحسنى .أ.د عبدالرزاق البدر بتصرف]

*من الطاف الله :

يتفضل الله تعالى بما شاء منه على من يشاءمن عباده ممن يعلمه محلا لذلك وأهلا :
 فمن لطفه بعباده المؤمنين أنه جل وعلا يتولاهم بلطفه فيخرجهم من ظلمات الجهل والكفر والبدع والمعاصي إلى نور العلم والإيمان والطاعة.
ومن لطفه بهم أنه يقيهم طاعة أنفسهم الأمارة بالسوء فيوفقهم لنهي النفس عن الهوى ، ويصرف عنهم السوء والفحشاء مع توافر أسباب الفتنة وجواذب المعاصي والشهوات ؛ فيمنّ عليهم ببرهان لطفه ونور إيمانه فيدعونها مطمئنة لتركها نفوسهم ، منشرحة بالبعد عنها صدورهم.
ومن لطفه بعباده أنه يقدر لهم أرزاقهم بعلمه بمصلحتهم لا بحسب مراداتِهم؛ فقد يريدون شيئا وغيره أصلح ؛ فيقدر لهم الأصلح وأن كــرهوه لــطفاً بهم.
قال تعالى:{ª!$# 7#‹ÏÜs9 ¾Ínϊ$t7ÏèÎ/ ä-ã—ötƒ `tB âä!$t±o„ ( uqèdur Ž”Èqs)ø9$# Ⓝ͓yèø9$# }الشورى / 19
ومن لطفه جل وعلا بهم : أنه يقدر عليهم أنواعا من المصائب وضروبا من البلايا والمحن سوقاً لهم إلى كمالهم وكمال نعيمهم
ومن لطفه بعبده – سبحانه - أن يقدر له أن يتربى في ولاية أهل الصلاح والعلم والإيمان ،وبين أهل الخير ليكتسب من أدبهم وتأديبهم. وأن ينشأ

كذلك بين أبوين صالحين ، وأقارب أتقياء ، وفي مجتمع صالح.

•ومن لطفه بعبده أن يجعل رزقه حلالاً في راحة وقناعة يحصل به المقصود ولايشغله عما خلق له من العبادة والعلم والعمل به ، بل يعينه على ذلك.
ومن لطفه بعبده أن يقيض له إخوانا صالحين ورفقاء متقين يعينونه على الخير ويشدون من أزره في سلوكه سبيل الاستقامة والبعد عن سبل الهلاك والانحراف.
ومن لطفه-جل وعلا- بعبده أن يبتـليه ببعض المصائب فيوفـقه للقيام بوظيفة الصبر فيها ، فيُـنيله رفيع الدرجات وعالي الرتب .
ومن لطفه سبحانه بعبده أن يكرمه بأن يوجد في قلبه حلاوة روح الرجاء وانتــظار الفرج وكشف الضر؛ فيخف ألمه وتنشط نفسه.
قال ابن القيم رحمه الله:
 )  فإن انتـــظاره ومطالعته وترقبه يخفـف حمل المشقة ولاسيما عند قوة الرجاء أوالقطع بالفرج ؛ فإنه يجد في حشو البلاء من رَوح الفرج ونسيمه وراحته ما هو من خفي الألطاف، وما هو فرج مُعـجل ، وبه وبغيره يُعرف معنى اسمه اللطيف ) أ.هـ   كم هو نافع بالعبد أن يعرف معنى هذا الاسم العظيم ودلالته ، ليحقـق الإيمان به ،ويقوم بما يقتضيه من عبودية لله فيملأ قلبه رجاءً وطمعاً في نيل فضل الله ، متحرياً في كل أحواله الفوز بالعواقب الحميدة ، واثقاً بربه اللطيف ومولاه الكريم بالنعم السوابغ والعطايا.
ومن يتحرّ الخير يُعطه ، ومن يتوقّ الشر يوقه.
والفضل بيد الله وحــده يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم[ انظر : صوت القرآن الحكيم ، الأنتر نت - فقه الأسماء الحسنى .أ.د عبدالرزاق البدر ، بتصرف]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الخامسة في موضوع (اللطيف) وستكون بعنوان :

*الله هو اللطيف الخبير

الله جل جلاله متصف بصفات الكمال والجمال والجلال ، وأسمائه حسنى ، واللطيف اسم من أسمائه وصفة من صفاته

والرفق في صفات الله تعالى وأسمائه بمعنى اللطيف  قال تعالى : {  ¨bÎ) tûïÏ%©!$# tböqt±øƒs† Nßg­/u‘ Í=ø‹tóø9$$Î/ Oßgs9 ×otÏÿøó¨B ֍ô_r&ur ׎Î7x.  ، (#r•ŽÅ r&ur öNä3s9öqs% Írr& (#rãygô_$# ÿ¾ÏmÎ/ ( ¼çm¯RÎ) 7OŠÎ=tæ ÏN#x‹Î/ ͑r߉Á9$#  ، Ÿwr& ãNn=÷ètƒ ô`tB t,n=y{ uqèdur ß#‹Ïܯ=9$# 玍Î7sƒø:$#  } الملك / 12، 14

 قال ابن عباس : نزلت في المشركين ، كانوا ينالون من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخبره جبرائيل ما قالوا فيه ونالوا منه ، فيقول بعضهم لبعض : أسرّوا قولكم كي لا يسمع إله محمد .

وقال أهل المعاني : إن شئت جعلت { من } في قوله : { من خلق } اسماً للخالق ؟ فقلت : ألا يعلم الخالق ما في الصدور وهو اللطيف الخبير ، وإن شئت جعلته اسماً ، فقلت : ألا يعلم الله مخلوقه .

روى الثعلبي بسنده من حديث عيسى بن إسماعيل بن عيسى بن المسيّب ، قال : بينا رجل واقف بالليل في شجر كثير وقصفت الريح فوقع في نفس الرجل فقال : أترى الله يعلم ما يسقط من هذه الورق ؟ فنودي من خلفه : { Ÿwr& ãNn=÷ètƒ ô`tB t,n=y{ uqèdur ß#‹Ïܯ=9$# 玍Î7sƒø:$#  } الملك / 14  

وروى محمد بن فضيل عن زرين عن ابن أبي أسماء أنّ رجلا دخل غيضة فقال : لو خلوت هاهنا للمعصية مَنْ كان يراني ؟ قال : فسمع صوتاً ملأ ما بين لا بتي الغيضة :{ Ÿwr& ãNn=÷ètƒ ô`tB t,n=y{ uqèdur ß#‹Ïܯ=9$# 玍Î7sƒø:$#  }الملك / 14 [ الكشف والبيان (تفسير الثعلبي]

   وروى أبو نعيم الأصبهاني بسنده من حديث محمد بن قيس بن مخرمة يقول سمعت عائشة تحدث قالت : ألا أخبركم عني وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلنا : بلى قالت : لما كانت ليلتي التي هو عندي انقلب يعني النبي صلى الله عليه وسلم فوضع نعليه عند رجليه ووضع رداءه وبسط طرف إزاره على فراشه فلم يلبث إلا ريث ما ظن أني قد رقدت ثم انتعل رويدا ثم أخذ رداءه رويدا ثم فتح الباب رويدا وخرج وأجافه رويدا فجعلت درعي في رأسي واختمرت وتقنعت إزاري وانطلقت في إثره حتى جاء البقيع فرفع يديه ثلاث مرات فأطال القيام ثم انحرف والنحرفت فأسرع فأسرعت فهرول فهرولت فأحضر فأحضرت وسبقته فدخلت فليس إلا أن اضطجعت فدخل فقال : ( مالكِ يا عائشة جشياً رابية ؟ ) قلت : لا ، قال : (لتخبريني أو ليخبرني اللطيف الخبير ) قلت : بلى يا رسول الله بأبي أنت وأمي فأخبرته الخبر قال : ( فأنت السواد الذي رأيت أمامي)؟ قالت : نعم قالت فلهزني في صدري لهزة أوجعتني ثم قال : ( أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله ) قالت : مهما تكتم الناس فقد علمه الله قال:( نعم فإن جبريل عليه السلام أتاني حين رأيت ولم يكن ليدخل عليك وقد وضعت ثيابك فنادى فأخفي منك فأجبته فأخفيت منك وظننت أن قد رقدت وكرهت أن أوقظك وخشيت أن تستوحشي فأمرني أن آتي أهل البقيع فأستغفر لهم) قالت : كيف أقول يا رسول الله ؟ قال : (قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين والمستأخرين وإنا إن شاء الله للاحقون )[ المسند المستخرج على صحيح الإمام مسلم أبو نعيم الأصبهاني] 

    وفي التنزيل العزيز : { $¯RÎ) $¨Zà2 ÆÏB ã@ö6s% çnqããô‰tR ( ¼çm¯RÎ) uqèd •Žy9ø9$# ÞOŠÏm§9$# } الطور / 28. والبر ، من صفات الله تعالى وتقدس : العطوف الرحيم اللطيف الكريم .

 قال ابن الأثير : في أسماء الله تعالى البر دون البار ، وهو العطوف على عباده ببره ولطفه[ لسان العرب ، ج 4   ص 52 ، لابن منظور]

 وقوله صلى الله عليه وسلم :(إن الله رفيق يحب الرفق)[الجامع الصحيح المختصر ،ج 6 ص 2539  البخاري

    والرفق في صفات الله تعالى وأسمائه بمعنى اللطيف الذي في القرآن والرفق واللطف المبالغة في البر على أحسن وجوهه   وأقربها وهو ضد العنف [مشارق الأنوار على صحاح الآثار عياض بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي]

    وقوله ( ولا اعرف منه اللطف الذي كنت أعرف ) وهو البر والتحفي ، وقال بعضهم : إذا كان ذلك برفق .

    ومنه في أسماء الله تعالى : اللطيف قيل البر بعباده من حيث لا يعلمون ، وقيل : العليم بخفيات الأمور ، وقيل : الذي لطف عن أن يدرك بالكيفية أي غمض وخفى ذلك [ مشارق الأنوار على صحاح الآثار عياض اليحصبي السبتي   ج 1   ص 357] وانظر : المخصص  لأبي الحسن علي بن إسماعيل النحوي اللغوي الأندلسي  ج 5   ص 123]

واللطيف هو البر بعباده وهو من صفات فعله وقد يكون بمعنى

العالم بخفايا الأمور فيكون من صفات ذاته[ الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد على مذهب السلف وأصحاب الحديث ، للبيهقي  ج 1   ص 58]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السادسة في موضوع (اللطيف) وستكون بعنوان :

*الله هو اللطيف الخبير

 قال تعالى :{وَهُوَ اللَّطِيفُ} الذي لا يخفى عليه شيء و{لَطِيفُ} أي عالم

بدقائق الأمور وغوامضها .

واللطيف هو المُلْطِف المحسن . . وكلاهما في وصفه صحيح . واللطف في الحقيقة قدرة الطاعة ، وما يكون سبب إحسانه للعبد اليومَ هو لُطْفٌ منه به

وأكثرُ ما يستعمل اللطف - في وصفه - في الإحيان بالأمور الدينية . ويقال : خَاطَبَ العابدين بقوله : { لَطيفٌ بِعِبَادِهِ } : أي يعلم غوامضَ أحوالهم . من دقيق الرياء والتصنُّع لئلا يُعْجَبُوا بأحوالهم وأعمالهم . وخاطَبَ العُصاةَ بقوله : {لطيف} : لئلا ييأسوا من إحسانه .ويقال :خاطَبَ الأغنياءَ بقوله :{ لطيف} ليعلموا أنه يعلم دقائقَ معاملاتهم في جمع المال من غير وجهه بنوع تأويل.  وخاطَبَ الفقراءَ . بقوله : { لطيف } أي أنه مُحْسِنٌ يرزق من يشاء .

ويقال : سماعُ قوله : { اللَّهُ } يوجِبَ الهيبةَ والفزع ، وسماعُ { لطيفٌ } يوجِبُ السكونَ والطمأنينة . فسماعُ قوله : { اللَّهُ } أوجب لهم تهويلاً ، وسماع قوله : { لطيفٌ } أوجب لهم تأميلاً . ويقال : اللطيفُ مَنْ يعطي قَدْرَ الكفاية وفوق ما يحتاج العبدُ إليه . ويقال : مَنْ لُطفِه بالعبد عِلْمُه بأنه لطيف ، ولولا لُطفُه لَمَا عَرَفَ أنه لطيف . ويقال : مِنْ لُطْفِه أنه أعطاه فوق الكفاية ، وكَلَّفَه دون الطاقة . ويقال : مِنْ لُطفِه بالعبد إبهام عاقبته عليه ؛ لأنه لو علم سعادتَه لاتَّكَلَ عليه ، وأَقَلَّ عملَه ولو عَلِمَ شقاوتَه لأيِسَ ولَتَرَكَ عَمَله . . فأراده أن يستكثرَ في الوقت من الطاعة .

ويقال : من لطفه بالعبد إخفاءُ أَجِلِه عنه ؛ لئلا يستوحش إن كان قد دنا أَجَلُه . ويقال : من لطفه بالعبد انه يُنْسِيَه ما عمله في الدنيا من الزلّة ؛ لئلا يتنغَّص عليه العَيْشُ في الجنة . ويقال : اللطيفُ مَنْ نَوَّر الأسرارَ ، وحفظ على عبده ما أَوْدَعَ قلبَه من الأسرار ، وغفر له ما عمل من ذنوبٍ في الإعلان والإسرار [ تفسير القشيري المسمى لطائف الإشارات]

والحفي : البر اللطيف [ المفردات في غريب القرآن لأبو القاسم الحسين بن محمد  ،  ج 1   ص 125]

قال تعالى : { ª!$# 7#‹ÏÜs9 ¾Ínϊ$t7ÏèÎ/  } أي : بار حفي رحيم بهم ، ويقال : معنى اللطيف هاهنا الرزاق أي : لا يهلكهم جوعا بل يرزقهم . وقد قال بعض أهل العلم : إن المعني بعباده في كل موضع ذكره هو المؤمنون خاصة ، والهاء للإضافة ، وباء التخصيص توجب هذا وتقتضيه [ تفسير القرآن السمعاني ج 5   ص 71]

واللطيف : إنما يستحق هذا الاسم من يعلم دقائق المصالح وغوامضها وما دق منها وما لطف ثم يسلك في إيصالها إلى المستصلح سبيل الرفق دون العنف فإذا اجتمع الرفق في الفعل واللطف في الإدراك تم معنى اللطف ولا يتصور كمال ذلك في العلم والفعل إلا لله سبحانه وتعالى فأما إحاطته بالدقائق والخفايا فلا يمكن تفصيل ذلك بل الخفي مكشوف في علمه كالجلي من غير فرق وأما رفقه في الأفعال ولطفه فيها فلا يدخل أيضا تحت الحصر إذ لا يعرف اللطف في الفعل إلا من عرف تفاصيل أفعاله وعرف دقائق الرفق فيها وبقدر اتساع المعرفة فيها تتسع المعرفة لمعنى اسم اللطيف وشرح ذلك يستدعي تطويلا ثم لا يتصور أن يفي بعشر عشيره مجلدات كثيرة وإنما

 يمكن التنبيه على بعض جمله

فمن لطفه : خلقه الجنين في بطن أمه في ظلمات ثلاث وحفظه فيها وتغذيته بواسطة السرة إلى أن ينفصل فيستقل بالتناول بالفم ثم إلهامه إياه عند الانفصال التقام الثدي وامتصاصه ولو في ظلام الليل من غير تعليم ومشاهدة بل يتفقأ البيضة عن الفرخ وقد ألهمه التقاط الحب في الحال ثم تأخير خلق السن عن أول الخلقة إلى وقت الحاجة للاستغناء في الاغتذاء باللبن عن السن ثم إنباته السن بعد ذلك عند الحاجة إلى طحن الطعام ثم تقسيم الأسنان إلى عريضة للطحن وإلى أنياب للكسر وإلى ثنايا حادة الأطراف للقطع ثم استعمال اللسان الذي الغرض الأظهر منه النطق في رد الطعام إلى المطحن كالمجرفة ولو ذكر لطفه في تيسير لقمة يتناولها العبد من غير كلفة يتجشمها وقد تعاون على إصلاحها خلق لا يحصى عددهم من مصلح الأرض وزارعها وساقيها وحاصدها ومنقيها وطاحنها وعاجنها وخابزها إلى غير ذلك لكان لا يستوفي شرحه

وعلى الجملة فهو من حيث دبر الأمور حكم ومن حيث أوجدها جواد ومن حيث رتبها مصور ومن حيث وضع كل شيء موضعه عدل ومن حيث لم يترك فيها دقائق وجوه الرفق لطيف ولن يعرف حقيقة هذه الأسماء من لم يعرف حقيقة هذه الأفعال

ومن لطفه بعباده أنه أعطاهم فوق الكفاية وكلفهم دون الطاقة ومن لطفه أنه يسر لهم الوصول إلى سعادة الأبد بسعي خفيف في مدة قصيرة وهي العمر فإنه لا نسبة لها بالإضافة إلى الأبد ومن لطفه إخراج اللبن الصافي من بين الفرث والدم وإخراج الجواهر النفيسة من الأحجار الصلبة وإخراج العسل من النحل والإبريسم من الدود والدر من الصدف وأعجب من ذلك خلقه من النطفة القذرة مستودعا لمعرفته وحاملا لأمانته ومشاهدا لملكوت سمواته وهذا أيضا لا يمكن إحصاؤه تنبيه حظ العبد من هذا الوصف الرفق بعباد الله عز وجل والتلطف بهم في الدعوة إلى الله تعالى والهداية إلى سعادة الآخرة من غير إزراء وعنف ومن غير تعصب وخصام وأحسن وجوه اللطف فيه الجذب إلى قبول الحق بالشمائل والسيرة المرضية والأعمال الصالحة فإنها أوقع وألطف من الألفاظ المزينة[ المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى ، للغزالي أبو حامد ج 1 ص101- 102] واللطيف : البر بعباده الذي يلطف بهم من حيث لا يعلمون ، ويسبب لهم مصالحهم [كشف المشكل من حديث الصحيحين ، لابن الجوزي ج 3 ص 422 ]

 إن لطف الله بعباده عجيب ويراد به دقائق تدبيره لهم وفيهم ، وهذا الوجه أقرب وإلا لكان ذكر الخبير بعده تكراراً [ التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب ، للرازي ج 13   ص 183]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السابعة في موضوع (اللطيف) وستكون بعنوان :

*لطف النبي صلى الله عليه وسلم

 النبي صلى الله عليه وسلم كان الطف البشر ؛لأن الله رباه على عينه ، وقد اتصف بما يمكن أن يتصف به من صفات الله ، وقد تمثل ذلك اللطف في معاشرته لأزواجه وأصحابه ، وجميع الخلق

روى البخاري بسنده من حديث عائشة ( ... وكان الذي تَوَلَّى الْإِفْكَ عبد اللَّهِ بن أُبَيٍّ بن سَلُولَ فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَاشْتَكَيْتُ بها شَهْرًا يُفِيضُونَ من قَوْلِ أَصْحَابِ الْإِفْكِ وَيَرِيبُنِي في وَجَعِي أَنِّي لَا أَرَى من النبي صلى الله عليه وسلم اللُّطْفَ الذي كنت أَرَى منه حين أَمْرَضُ إنما يَدْخُلُ فَيُسَلِّمُ ثُمَّ يقول كَيْفَ تِيكُمْ لَا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ من ذلك حتى نَقَهْتُ ... ) [ الجامع الصحيح المختصر للبخاري ج 2   ص 943 , ج 4 ص 1518]

 وروى الإمام أحمد ـ وغيره ـ بسنده من حديث  عبد الله بن بريدة قال: سمعت أبى يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بنا فجاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه ثم قال : ( صدق الله {!$yJ¯RÎ) öNä3ä9ºuqøBr& ö/ä.߉»s9÷rr&ur ×puZ÷GÏù 4 ª!$#ur ÿ¼çny‰YÏã íô_r& ÒOŠÏàtã }  التغابن / 15 ، نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثى ورفعتهما ) [صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان ،ج 13   ص 403]

    وهذا من كمال رحمته صلى الله عليه وسلم ولطفه بالصغار وشفقتة عليهم وهو تعليم منه للأمة الرحمة والشفقة واللطف بالصغار[ عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين ، اسم المؤلف:  محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي ج 1   ص 51]

*الرفق في القرآن الكريم وهو اللطف

حثَّ القرآن الكريم على اعتماد الرفق خياراً مبدئياً في نهج الدعوة إلى الاِسلام ، واعتبره ركناً وأساساً مهماً يقوم عليه صرح الهدى الرسالي للفكر والعقيدة الحقّة التي دعى إليها جميع الاَنبياء والمرسلين (عليهم السلام) ، ولقد تعددت لغة الخطاب القرآني لتمتلىء بها كلّ الآفاق التي يمتد إليها الرفق في معانيه الواسعة وغاياته البعيدة.. وسوف نصنف هنا الآيات الواردة في الرفق بحسب مواردها ، على النحو الآتي .
الآية الاُولى : (اللين والعفو) خاطب الله سبحانه نبيه الاَكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قائلاً : {$yJÎ6sù 7pyJômu‘ z`ÏiB «!$# |MZÏ9 öNßgs9 ( öqs9ur |MYä. $ˆàsù xá‹Î=xî É=ù=s)ø9$# (#q‘ÒxÿR]w ô`ÏB y7Ï9öqym } آل عمران / 159 .اللين في المعاملة : الرفق واللطف ؛ أي أنّ لينك لهم مما يوجب دخولهم في الدين ، لاَنك تأتيهم مع سماحة أخلاقك وكرم سجيتك بالحجج والبراهين ، فلولا هذا الرفق الذي اعتمده الرسول مع من أُرسل اليهم لما تمكن من استقطاب الناس حول رسالته ، إذ إن الفضاضة والغلظة المناقضة للرفق واللين إذا ما اعتُمدت خياراً منهجياً في التبليغ والدعوة إلى الحق فإنَّ مردودها سيكون عكسياً ، لا يثمر استقطاب الناس حول ذلك الحق وإن كان أبلجاً . بل على العكس من ذلك ، سيعمل على التنفير وانفضاض الناس من ساحة ذلك القطب الهادي والمنار الواضح . فالناس في حاجة إلى كنف رحيم ، وإلى رعاية فائقة ، وإلى بشاشة سمحة ، وإلى ودٍّ يسعهم، وحلم لا يضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم.. في حاجة إلى قلبٍ كبير يعطيهم ولا يحتاج منهم إلى عطاء ، ويحمل همومهم ولا يعنّيهم بهمّه ، ويجدون عنده دائماً الاهتمام والرعاية والعطف والسماحة والودّ والرضا .
وتعميقاً لروح الرفق واللين التي يريدها الله جل شأنه في الدعوة إلى الحق ، جاء التأكيد في نفس تلك الآية المباركة على ما يجسد حالة الرفق واللين العملي بين يدي المؤمنين ، في جملة مكارم الاَخلاق التي اهتم الاِسلام بتحقيقها على النحو الاَكمل وإشاعتها بين الناس ، فهي تأمر بالعفو لمن يُسيء والغفران لمن يخطىء ، ليتجلى الرفق ويتمظهر اللين في حركة التغيير والاصلاح على منهجية المبلغ الرسالي ( فَاعفُ عَنهم وَاستَغفِر لَهم). ولمزيد من الرفق أمرت هذه الآية الرسول الاَعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ ومن يقتدي به من باب أولى ـ أن يشاور أُولئك الذين صدر عنهم الفرار من الزحف وتركوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الميدان مع نفرٍ قلائل من أصحابه ، فقال عزَّوجل ( وَشَاوِرهُم في الاَمرِ ) وبعد ذلك يُمضي ما يراه الاَصوب في ذلك ( فَإذا عَزمتَ فَتَوكَّل على اللهِ ) والآية اذن تضرب على وتر الرفق بكلِّ أبعاده ليُنشد أنغامه القدسية في هذه الحياة ، وليصنع الاَثر الذي يريده الله تعالى في درب التكامل البشري من خلال رسالته السامية .
ويحضى الاَمر باللين والرفق والرحمة في هذا الموضع بالذات بوقع خاص يجلّي أهميّة هذه القيم على نحو قد يُظهره موضع آخر.. إذ جاء ذلك على أثر مخالفة المسلمين أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم أُحد ، تلك المخالفة التي أدّت إلى أسوء النتائج إذ دهمهم العدو ، فلم يجدوا في أنفسهم ثباتاً ، فانقلبوا منهزمين يلوذون بالجبل ، وتركوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مع نفرٍ يسير من أصحابه ، حتى أثخنته الجراح وكُسرت رباعيته وشُجّ وجهه ، وهو صامد يدعوهم فلم يفيئوا إليه حتى انكشف العدو ، فلمّا رجعوا لم يعنّفهم ولم يُسمعهم كلمة ملامة ولا ذكّرهم بأمره الذي خالفوه فتحمّلوا بخلافهم مسؤولية كلّ ما وقع.. «بل رحّب بهم وكأن شيئاً لم يكن ، وكلّمهم برفق ولين ، وما هذا الرفق واللين إلاّ رحمة من الله بنبيّه وعون له على رباطة الجأش.. وإذا مدح الله نبيّه بكظم الغيض والرفق بأصحابه على اساءتهم له، فبالاَولى أن يعفو الله ويصفح عن عباده المسيئين.. ثمّ بيّن سبحانه الحكمة من لين جانب نبيّه الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) بخطابه له : ( وَلو كُنتَ فَظَّاً غَليظَ القَلبِ لانفضُّوا مِن حَولِك ) وشمت العدوّ بك وطمع فيك ولم يتمّ أمرك وتنتشر رسالتك..

    إنّ المقصود من بعثة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هداية الخلق إلى الحق ، وهم لا

يستمعون إلاّ إلى قلب رحيم كبير كقلب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي وسع الناس ، كلّ الناس ، وما ضاق بجهل جاهل أو ضعف ضعيف»

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثامنة في موضوع (اللطيف) وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :*الرفق في القرآن الكريم وهو اللطف

الآية الثانية : (خفض الجناح وهو اللطف)
( واخفِضْ جَنَاحَكَ للمُؤمنِينَ )  الحجر 15 : 88 .وخفض الجناح كناية عن اللين والرفق والتواضع [ التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب ، للرازي]

أي ألِن لهم جانبك وارفق بهم ، والعرب تقول : فلان خافض الجناح إذا كان وقوراً حليماً.. والمعنى : تواضع للمؤمنين لكي يتبعك الناس في دينك والتعبير عن تلك المعاني بخفض الجناح تعبير تصويري يمثّل لطف الرعاية وحسن المعاملة ورقّة الجانب في صورة محسوسة على طريقة القرآن الفنية في التعبير .

وفي هذه الآية الكريمة تعبير آخر عن الرفق واللين واللطف واليسر ، التي

 يحرص القرآن المجيد على أن يتخلق بها حملته ومبلّغوا تعاليمه ، وقد خوطب بها الرسول الاَكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ وهو الذي يشهد له القرآن بقوله تعالى : ( وإنّك لعلى خُلُقٍ عظيم ) القلم / 4 .

 وقوله سبحانه : ( لَقَد جَآءكُم رَسُولٌ مِّن أنفُسِكُم عَزِيزٌ عَلَيه مَا عَنِتُّم حَريصٌ عَلَيكُم بالمؤمنينَ رؤُوفٌ رَّحيمٌ )  التوبة / 128 .وهو الذي يقول لاَصحابه (إنّ أحبكم إليّ يوم القيامة وأقربكم مجلساً أحسنكم أخلاقاً ، الموطّئون أكنافاً الذين يألفون ويؤلفون )  فإذا كان الرسول الاَعظم صلى الله عليه وآله وسلم قد خوطب بمثل هذا الخطاب ( واخفِضْ جَنَاحَكَ لِلمُؤمنِين) فمن باب أولى ان يقتدي المؤمن الرسالي بتلك الاخلاق العالية والتحلي بها ، تجسيداً لقوله تعالى:{ ô‰s)©9 tb%x. öNä3s9 ’Îû ÉAqߙu‘ «!$# îouqó™é& ×puZ|¡ym `yJÏj9 tb%x. (#qã_ötƒ ©!$# tPöqu‹ø9$#ur tÅzFy$# tx.sŒur ©!$# #ZŽÏVx. } الاحزاب /21
وخفض الجناح في الآية المباركة وأن كان كناية عن التواضع والرفق واللين ، إلاّ أنه ينطوي على معاني أُخرى رفيعة تتدفق بالمودة والرأفة والتسامح ونظائر ذلك من مكارم الاَخلاق التي لو وجدت طريقها في نفوس المؤمنين ، وغرست في قلوبهم لما مارسوا عملية الانفتاح على الآخرين بأتم وجه ، واقتطفوا ثمار سعيهم في إعلاء كلمة الحق ، برد الفعل المناسب من الانفتاح عليهم وقبول طرحهم وفي السياق ذاته يتقدّم هذا الخطاب الجميل خطابٌ آخر ، له جَرسٌ آخر ووقع آخر ، ذلك قوله تعالى :{ Ëxxÿô¹$$sù yxøÿ¢Á9$# Ÿ@ŠÏJpgø:$#}  الحجر / 85 وهو العفو من غير عتاب
وبعد.. فالقرآن الكريم أراد لنا عبور كل ذلك مع المؤمنين إلى بلوغ صفة التذلل لهم {A'©!όr& ’n?tã tûüÏZÏB÷sßJø9$# >o¨“Ïãr& ’n?tã tûï͍Ïÿ»s3ø9$# } المائدة / 54 ومن هنا يعلم أن خفض الجناح يستلزم تلك الصفة الراقية التي يستشعر المؤمن من خلالها كرامته ، وتقوى بذلك شخصيته ، ولا ريب أنّه لا يغفل المؤمن سر التذلل له ، ويدرك جيداً أنّه وليد التزام الطرف الآخر برسالته لا خوفاً ولا طمعاً ، وعندها سيندفع الطرف الآخر إلى نفس المبادرة ، فتتم المعادلة ، ويتحقق التوازن في بناء شخصية المؤمن الرسالي على أتم وجه .
لكنّ ذلك إنّما هو وقف على المؤمنين المخلصين والطيبين المتواضعين ، فالتواضع لهؤلاء إنّما هو تواضع لله ، وعلى العكس من ذلك يكون الموقف إزاء الخونة والمفسدين والمنافقين والمتكبّرين ، فالتكبّر عليهم عبادة ، بل جهاد في سبيل الله .

الآية الثالثة : (عباد الرحمن ، واللطف )
{ߊ$t7Ïãur Ç`»uH÷q§9$# šúïÏ%©!$# tbqà±ôJtƒ ’n?tã ÇÚö‘F{$# $ZRöqyd #sŒÎ)ur ãNßgt6sÛ%s{ šcqè=Îg»yfø9$# (#qä9$s% $VJ»n=y™ }  الفرقان / 63 الرحمن ربنا سبحانه يعرّف عباده بجملة من الآيات المباركات في نهاية سورة الفرقان ، ويبتدىء ذلك بهاتين الصفتين المذكورتين في الآية المتقدمة .
الصفة الاَولى : هي السير على الاَرض هوناً أي بسكينة ووقار ، بلا استعلاء وخيلاء .
الهون ، مصدر هان عليه الشيء يهون ، أي : خفَّ ، وهذا يعني أنّ مشيهم على الاَرض مشية مُرفِقٍ بها لا يثير غبارها ، لسهولة التعامل معها واللين في تماسها ، وخفّة الروح عليها . ومن كانت هذه صفته مع الاَرض التي يطأها فهو مع ساكنيها ـ من بني جنسه ـ أهون في تعامله وأرقّ في معاشرته وأخفّ في روحه .
وبهذه الكلمات يرسم القرآن صورة المؤمن الحقّ ظاهرةً وباطنةً فالمشية ككل حركة تعبير عن الشخصية وعمّا يستكن فيها من مشاعر ، والنفس السوية المطمئنة الجادّة القاصدة تخلع صفاتها هذه على مشية صاحبها .
وليس معنى
{tbqà±ôJtƒ ’n?tã ÇÚö‘F{$# $ZRöqyd } أنّهم يمشون متماوتين منكّسي الرؤوس متداعي الاَركان متهاوي البنيان ، كما يفهم بعض الناس ممن يريدون إظهار التقوى والصلاح ! فهذا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان إذا مشى تكفّأ تكفّئاً وكان أسرع الناس مشية وأحسنها وأسكنها.. قال الاِمام عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنه) : « كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا مشى تكفّأ تكفُّؤاً كأنّما ينحطُّ من صبب  وهي مشية أُولي العزم والهمّة والشجاعة .
وأما الصفة الثانية : فهي
{#sŒÎ)ur ãNßgt6sÛ%s{ šcqè=Îg»yfø9$# (#qä9$s% $VJ»n=y™ } فهم لايمارون الجاهل ولا يقارعونه بالحجة تلو الحجة التي لا يستطيع هضمها وفهمها ، بل يرفقون به ويقدّرون مبلغ علمه ومستوى جهله ويرأفون بحاله
ولا يسمعونه ما يثقل عليه من كلمات تجرح شعوره مما هي فيه وهو أهلها ويستحقها لغروره وتبلّد ذهنه إذ وضع نفسه الوضيعة في غير موضعها ، بل راح يتعالى عليهم بمخاطبتهم . وهذا يعني : أن الجاهل يبلغ به عجبه بنفسه وعلمه بأن يرى الآخرين ـ وإن كانوا علماء ـ هم دونه في المستوى، وعند ذلك تسمح له تصوراته المغرورة هذه في تنصيب نفسه خطيباً عليهم ، له أن يتكلّم وعليهم أن يسمعوا .
نعم ، فاذا كانت هذه حقيقة ماثلة في أغلب النفوس ، وهي كذلك ، فلماذا لا يرفق العالم بالجاهل ، والاَعلم بالمتعلم ، ويقول له : سلاماً ، في المواضع التي يتطاول فيها الجاهل ، ويترك للزمن إقناعه ، وللمراحل التي يلزم طيها حتى يبلغ الفهم ويبلغ التواضع للحقيقة التي يُراد له الوصول إلى فهمها وبلوغها ؟الرحمانيون : فمن لم يتلطف ويرأف بهذه النفوس المريضة بداء الجهل والغرور ، ولم يداوها بدواء الرفق والسماحة فليس هو بالحكيم الذي يضع الاُمور في محلها ، كما هو ليس أهلاً بأن ينسب إلى الرحمن بالعبودية
{ߊ$t7Ïãur Ç`»uH÷q§9$# šúïÏ%©!$# tbqà±ôJtƒ ’n?tã ÇÚö‘F{$# $ZRöqyd #sŒÎ)ur ãNßgt6sÛ%s{ šcqè=Îg»yfø9$# (#qä9$s% $VJ»n=y™ }  الفرقان / 63 .والملاحظ في هذه الآية الكريمة أنها أتت باسم وصفة الرحمن في هذا المجال ، هذا يعني أن المنسوبين إلى الله (الرحمن) بالعبودية يجب أن يتخلّقوا بأخلاقه ، فيكونون رحمانيين ورحماء ، وإلاّ فليس حرياً أن ينسبوا إليه مع تجافيهم وتباعدهم عن الرفق والرحمة

والرحمانيون من النمط الاَول تجلت وتجسدت بهم الرحمة المطلوبة في حياتهم الرسالية بكلِّ وضوح ، وهم الاَنبياء والاَوصياء والصلحاء ، والآيات في ذلك كثيرة ، إذ إنهم مأمورون بمكارم الاَخلاق .

 إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة التاسعة في موضوع (اللطيف) وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :*الرفق في القرآن الكريم وهو اللطف

الآية الرابعة : (الهجر الجميل واللطف )
{÷ŽÉ9ô¹$#ur 4’n?tã $tB tbqä9qà)tƒ öNèdöàf÷d$#ur #\ôfyd WxŠÏHsd }(1).(1) المزمل / 10  الهجر الجميل : أن لا تتعرّض لخصمك بشيء ، وإن تعرّض لك تجاهلت .

    أُمِر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذه الآية المباركة بالصبر ـ الذي منه كظم الغيض ـ على ما يسمعه من الاَقوال البذيئة التي لا تليق ومقام النبوة الشامخ ، صبراً لا عتاب فيه على أحد ، ولا اعتزاز بالشخصية ، أو دفاع عن الذات ، بل تركهم إلى الله سبحانه ، مع الهجر الجميل الذي لا يترك في نفوسهم شيئاً من وخز الضمير ما داموا لم يقابلوا بالمثل ، بل بالهجر الجميل الذي لم يترك في نفوسهم اشمئزازاً من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يزرع فيهم ما يحول بينهم وبينه (صلى الله عليه وآله وسلم) مستقبلاً فلا يُقبلوا عليه ولا يسمعوا هديه ، بل كان هجراً جميلاً لم يقطع خيوط المودة ولم يهدم جسور التواصل التي تمر من خلالها رسالة السماء التي تنشد لاُولئك التكامل وسعادة الدارين .
والملاحظ في هذه الآية المباركة أن الله سبحانه استخدم لفظة الهجر ولم يستخدم مكانها لفظة الترك ، ولعل الاَمر يعود إلى أن الترك يعني التخلي تماماً عنهم ، بينما الهجر يحمل معه معنى امكانية الرجوع إليهم والتبليغ فيهم مرة ثانية ، ولاَجل هذه الاحتمالية يلزم أن يكون الهجر جميلاً؛ لاَنهم في حاجة إلى المعاودة والنصح والارشاد الذي لا يتحقق مع تواصل الهجر المستمر بلا انقطاع . ومن هنا يعلم أنّ رحمة الله عزَّوجل لا يمكن تصور حدودها ، فهي شملت حتى من يسيء إلى مقام الرسل والانبياء ، أملاً أن يصلُحوا في مستقبل أيامهم ويعودوا إلى حضيرة الاِسلام لينهلوا من آدابه ويتخلقوا بمكارم أخلاقه .
ولا يخفى ما في ذلك من عبرة عظيمة ، وموعظة جليلة ، إذ يمكن للمسلم الرسالي أن يستثمر الصبر على الاذى والهجر الجميل ؛ ليحصد مايحمد عقباه

    الآية الخامسة : (الدفع بالَّتي هي أحسن من اللطف )
{Ÿwur “ÈqtGó¡n@ èpoY|¡ptø:$# Ÿwur èpy¥ÍhŠ¡¡9$# 4 ôìsù÷Š$# ÓÉL©9$$Î/ }‘Ïd ß`|¡ômr& #sŒÎ*sù “Ï%©!$# y7uZ÷t/ ¼çmuZ÷t/ur ×ourºy‰tã ¼çm¯Rr(x. ;’Í<ur ÒOŠÏJym }  فصلت / 34 .

 في هذه الآية المباركة يتبين لنا حكم الله جلّ جلاله في المجالين : التكويني والتشريعي ، عند التفريق بين الحسن والحسنة من جهة ، والسيء والسيئة من جهة اُخرى ؛ إذ إنّ إرادته سبحانه شاءت أن تكون الطبيعة ويكون العقل شاهدين على التفاوت بين الاثنين ، وإلاّ كان الحسن والقبيح على حدٍ سواء ، والمحسن والمسيء بمنزلة واحدة ، وواقع الحال ليس كذلك ؛ إذ عدم التساوي بين الحسنة والسيئة مسلّم عند سائر العقلاء ، ومقرر في جميع الشرائع بلا خلاف .
ولا يخفى بأن الاساءة للآخرين لها آثارها السلبية في تحقيق التكافل والتعاون ، واثارة البغضاء والعداوة ؛ لذا كان الاَمر بدفعها من أقصر الطرق وأوضحها فائدة ، وأكثرها عائدة ، وذلك بان تقابل بالاحسان ؛ إذ الانسان مجبول على حب وتقدير من أحسن إليه .

 وقد حملت لنا هذه الآية التوجيه الفذّ الذي يمكن من خلاله الوصول إلى

 هذه الغاية السامية ، وذلك بعقد مبدأ الرفق واللطف في عملية التدافع بين الحسن والاَحسن فلا يُقدم الحسن على الاَحسن ، ولا الفاضل على الاَفضل ، أو المهم على الاَهم . وهذه قاعدة عقلائية تستذوقها النفوس وترضاها الطبائع وتدعو إليها الفطرة ، وأمر بها الشرع ـ كما عرفت ـ بقوله : { ادفَعْ بِالتي هِيَ أحسَنُ } .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة العاشرة في موضوع (اللطيف) وستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان :*الرفق في القرآن الكريم وهو اللطف

    والآية تقول : فرق بعيد بين عملك يا محمّد وأنت تدعو إلى الله وتتحمل الاَذى في سبيله صابراً محتسباً وبين عمل الذين أجابوا دعوتك بالاِعراض والاَذى والافتراء.. إن عملك صلوات وحسنات ، وعملهم سيئات ولعنات.. وعلى الرغم من ذلك فعليك ان ترفق بهم وتتسامح معهم وتصبر على سفاهتهم ، فإنّ منهم من لو قابلته بهذه السماحة لعاد إلى ربّه وعقله ، وانقلبت عداوته لك إلى محبّة ، وبغضه إلى مودّة { كأنه وليٌّ حميم } :
ثم أن الآية ـ من أجل إرساء هذه الدعامة المهمة في آثارها والموضوعية في واقعها ـ أسست بناءً مهذباً للنفوس يقوم على هذه الحقيقة المتينة في حكمتها ، اللطيفة في رقتها ، الرحيمة في هدفيتها فقالت : {#sŒÎ*sù “Ï%©!$# y7uZ÷t/ ¼çmuZ÷t/ur ×ourºy‰tã ¼çm¯Rr(x. ;’Í<ur ÒOŠÏJym } أي اصبر على الاَذى ، واكظم الغيظ الذي تبتلى به ، واحلم عمن أساء إليك ، وتعامل مع مصدر اتعابك وشانئيك تعامل الرؤوف الرحيم العطوف الكريم برفق ولطف يمس قلوبهم القاسية فيحولها من قسوتها وجفوتها عليك إلى تعاطفها وتجاذبها إليك ، ومن غفوتها ونومتها التي هي عليها ، إلى اليقظة والصحوة التي أنت فيها . فهي تأمرنا باعتماد منهجية الرفق مع أعداءنا إلى الحد الذي يجلي الفرد الواحد منا أمام اعداء دعوته ( كَأنهُ وَليٌّ حَميمٌ ) فيستقطب مجامع قلوبهم إليه حتى تصير اذان صاغية لهديه وارشاده فيستنقذها من ضلالها وجهالتها إلى الهدى والنور الذي هو عليه والدين والفكر الذي يدعو إليه ، ثم أن الدفع بالتي هي أحسن والتحلي بالرفق قبال الذي بينك وبينه عداوة حتى تبدو له كأنك وليٌّ حميم ، ليست قضية تخص البعد التبليغي فحسب دون المجالات الحياتية الاُخرى ، سياسية أو اجتماعية أو سلوكية عامة . فكل هذه المساحات وغيرها هي ليست في غنى عن هذا المبدأ الاخلاقي القويم الذي يبلور الشخصية الرصينة في حركتها الفردية والاجتماعية ، ويكشف عن سماحتها وعلو همتها وعظم قدرها وكم صدقت هذه القاعدة على حالات كانت في منتهى التوتّر ، وشيكة أن تقود إلى سفك دماء كثيرة بغير حقّ ، فإذا الهياج ينقلب إلى سكون ، ويعود الزمام المنفلت إلى محلّه ، ذلك حين قوبل الغضب المجنون بنبرات هادئة من نفسٍ مطمئنة ! وبالعكس تصنع الكلمة الاُخرى ، فينقلب السكون غضباً مجنوناً ، وينفلت الزمام.. 

  غير أن تلك السماحة لا تؤتي أثرها إلاّ وهي صادرة مع القدرة على الردّ، وإلاّ انقلبت في نفس المسيء ضعفاً وذلاً ، فلا يبقى عندئذ للحسنة أثر على الاِطلاق .
   كما أن هذه السماحة لا تتعدى حالات الاِساءة الشخصية ، أما العدوان على العقيدة أو على العرض والمال فلا يقابل إلاّ بمثله ، فالنبيّ الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي كان يحسن إلى من أساء إليه فوضع الاَذى في طريقه أو أسمعه غليظ الكلام ونحو ذلك ، ويعفو ويصفح ، هو نفسه القائل حين يكون العدوان على العقيدة : ( والله ، لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الاَمر ، ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه )    ولا شكّ أن الوصول لمثل هذا أمر متعسر على الجميع ولا يحلق في سماء فضيلته إلاّ الكمّل من الناس وبدرجات متفاوتة هي على قدر هِمّة الساعين إليه . ولاَجل هذه الحقيقة القائمة بين الناس نرى الآية القرآنية المباركة التي تلتها تصرّح بانه ذو حظٍ عظيم  قال تعالى  : {$tBur !$yg9¤)n=ムžwÎ) tûïÏ%©!$# (#rçŽy9|¹ $tBur !$yg8¤)n=ムžwÎ) rèŒ >eáym 5OŠÏàtã  }  فصلت / 35  ، فهي تعلن أن مبدأ اللطف والرفق والبلوغ من خلاله إلى درجة الدفع بالتي هي أحسن حتى يصير كأنه وليٌّ حميم ، أمر يليق بالعينات السائرة في درب التكامل ، وقد استحقت الدخول في زمرة الذين صبروا وطبيعي أن هذه الزمرة هي من ذوات «الحظ العظيم» أي من ذوات الرأي السديد ، والعقل الراجح ، والرعاية الخاصة ، والنصيب الاَوفر في مجال الفيوضات الربانية بما يستحقونه على صبرهم وتحملهم في سبيل الله ، وبما لهم من حظٍّ وافر في مكارم الاخلاق وفواضل السجايا .
فهنيئاً للصابرين منّا في درب الاِسلام العزيز {tûïÏ%©!$# (#rçŽy9|¹ 4’n?tãur óOÎgÎn/u‘ tbqè=ž2uqtGtƒ }  النحل / 42 ، { tûïÏ%©!$# !#sŒÎ) Nßg÷Fu;»|¹r& ×pt7ŠÅÁ•B (#þqä9$s% $¯RÎ) ¬! !$¯RÎ)ur Ïmø‹s9Î)  ،tbqãèÅ_ºu‘  y7Í´¯»s9'ré& öNÍköŽn=tæ ÔNºuqn=|¹ `ÏiB öNÎgÎn/§‘

×pyJômu‘ur ( šÍ´¯»s9'ré&ur ãNèd tbr߉tGôgßJø9$# } البقرة / 155 ـ 157[  انظر : موقع المكتبة الإسلامية على الأنترنت للأستاذ أبو زلفى الخزاعي ( بتصرف يسير )]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الحادية عشرة في موضوع (اللطيف) وستكون بعنوان :

*من أَكْمَلِ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَأَلْطَفُهُمْ بِأَهْلِهِ

   من تخلق بالأخلاق الفاضلة ومنها اللطف فهو دليل على قوة إيمانه وكماله

   روى الترمذي بسنده من حديث عَائِشَةَ قالت : قال رسول اللَّهِ صلى

 الله عليه وسلم : ( إِنَّ من أَكْمَلِ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَأَلْطَفُهُمْ بِأَهْلِهِ ) ثم قال : وفي الْبَاب عن أبي هُرَيْرَةَ وَأَنَسِ بن مَالِكٍ [ الجامع الصحيح سنن الترمذي ج 5   ص 9 رقم 2612]

ورواه ابن أبي الدنيا بسنده من حديث  أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :.... الحديث ثم قال :  في إسناده هارون بن علي لم أجد من ذكره وبقية إسناده حسن ولهذا الحديث شاهد من طريق محمد بن عمرو بنحوه وإسناده حسن [ العيال ويقع في مجلدين لابن أبي الدنيا ج 2   ص 9 ، رقم 479]

*معاشرة الأصحاب والإخوان والأخدان برأفة ولطف

    قال ابن المقفع : " وليعلم صاحبكَ أنكَ تشفقُ عليهِ وعلى أصحابهِ ، وإياكَ إن عاشركَ امرؤ أو رافقكَ أن لا يرى منكَ بأحدٍ من أصحابهِ وإخوانهِ وأخدانهِ رأفةً ، فإنّ ذلكَ يأخذُ من القلوبِ مأخذاً . وإن لطفكَ بصاحبِ صاحبكَ أحسنُ عندهُ موقعاً من لطفكَ بهِ في نفسهِ "[ الأدب الكبير لابن المقفع ج 1   ص 115]

*التلطف في الإنكار

  كان السلف يتلطفون في الإنكار ؛ لما رأى صلة بن أشيم رجلا يكلم امرأة فقال : إن الله يراكما سترنا الله وإياكما

 وكان يمر بقوم يلعبون فيقول : يا إخواني ما تقولون في رجل  أراد سفرا فنام طول الليل ولعب طول النهار متى يقطع سفره فانتبه رجل منهم فقال : يا قوم إنما يعلمنا هذا فتاب وصحبه وأولى الناس بالتلطف في الإنكار على الأمراء فيصلح أن يقال لهم إن الله قد رفعكم فاعرفوا قدر نعمته فإن النعم تدوم بالشكر فلا يحسن أن تقابل بالمعاصي [ تلبيس إبليس لعبد الرحمن أبو الفرج ج 1 ص 183]

   وقال أبو حامد : وعلى الواعظ أن يقتدي بسيد الوعاظ فيتلطف في استعمال أخبار الخوف والرجاء بحسب الحاجة بعد ملاحظة العلل الباطنة وإن لم يراع ذلك كان ما يفسد بوعظه أكثر مما يصلح [ إحياء علوم الدين]

   وقال : وحظ العبد من اسم الرحمن أن يرحم عباد الله الغافلين فيصرفهم عن طريق الغفلة إلى الله عز وجل بالوعظ والنصح بطريق اللطف دون العنف وأن ينظر إلى العصاة بعين الرحمة لا بعين الإزدراء [ المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى ، للغزالي ج 1   ص 64]

 صحيح أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يكون بالرفق واللين واللطف ، ولكن هناك البعض من الناس لا ينفع معهم اللين والرفق فكيف يكون الإنكار؟

    يكون إذا كان الآمر ذا سلطة فيعمل بسلطته حسب ما تقتضيه القواعد الشرعية، أما الذي ليس له سلطة فيعمل بالرفق واللين وبذلك يؤدي ما عليه لقوله تعالى: {  äí÷Š$# 4’n<Î) È@‹Î6y™ y7În/u‘ ÏpyJõ3Ïtø:$$Î/ ÏpsàÏãöqyJø9$#ur ÏpuZ|¡ptø:$# ( Oßgø9ω»y_ur ÓÉL©9$$Î/ }‘Ïd ß`|¡ômr& 4 } سورة النحل /125الآية ، وقوله سبحانه: { $yJÎ6sù 7pyJômu‘ z`ÏiB «!$# |MZÏ9 öNßgs9 ( öqs9ur |MYä. $ˆàsù xá‹Î=xî É=ù=s)ø9$# (#q‘ÒxÿR]w ô`ÏB y7Ï9öqym } سورة آل عمران /159، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه)، أما إذا كان الآمر والناهي صاحب سلطة كأمير أو رئيس الهيئة أو عضو الهيئة فعليهم أن ينفذوا سلطتهم في المعاند

لقول الله سبحانه: {  Ÿwur (#þqä9ω»pgéB Ÿ@÷dr& É=»tGÅ6ø9$# žwÎ) ÓÉL©9$$Î/ }‘Ïd ß`|¡ômr& žwÎ) tûïÏ%©!$# (#qßJn=sß óOßg÷YÏB  }  العنكبوت /46 فالظالم يعامل بشدة، والمعاند يعامل بالشدة أيضا حسب الطاقة مع مراعاة القواعد الشرعية من الأمير أو غيره من أصحاب السلطة ولمن له الأمر. فالرجل مع أهل بيته يعمل حسب طاقته، وهكذا المدرس مع تلاميذه، وشيخ القبيلة مع جماعته- أما غيرهم ممن ليس له سلطة فعليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بالحكمة والأسلوب الحسن والتوجيه إلى الخير والدعاء بالهداية، فإن لم يحصل المقصود رفع الأمر إلى ذوي السلطة.[ موقع ابن باز ( الأنترنت )]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثانية عشرة في موضوع (اللطيف) وستكون بعنوان :

*أوصى الفتيه رسولهم بالتلطف

 

    قال تعالى : { وَليَتَلَطّف } : وليترفق في الشراء ، وفي طريقه ، وفي

 دخول المدينة [ الكشف والبيان (تفسير الثعلبي )]

وقال البغوي : { وليتلطف } وليترفق في الطريق وفي المدينة وليكن في ستر وكتمان [ تفسير البغوي]

*الرجاء سببه معرفة لطف الله عز وجل

 كلما زاد العلم بالله زادت الخشية والهيبة  وأما الرجاء فسببه معرفة لطف الله عز وجل وكرمه وعميم إنعامه ولطائف صنعه ومعرفة صدقه في وعده الجنة بالصلاة فإذا حصل اليقين بوعده والمعرفة بلطفه انبعث من مجموعهما الرجاء لا محالة[ إحياء علوم الدين ، للغزالي]

*لطف الله بالعبد ورحمته إياه هي ثمرة محبته

   محبة الله للعبد أمارتها للمتأمل أن يرى العبد مهديا مسددا ذا قبول في الأرض فلطف الله بالعبد ورحمته إياه هي ثمرة محبته وبهذا النظر يُفسر لفظ المحبة حيث وقعت من كتاب الله عز وجل [ المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية الأندلسي ]

*اللطف في الكلام يورث محبة الناس

  قال ابن حمدون : " عشر يورثن المحبة : كثرة السلام ، واللطف بالكلام ، واتباع الجنائز ، والهدية ، وعيادة المرضى ، والصدق ، والوفاء ، وانجاز الوعد ، وحفظ المنطق ، وتعظيم الرجال [ التذكرة الحمدونية لابن حمدون]

*من لطائف التلطف :

    قال سلام أبو محمد الحماني : إن الحجاج جمع القراء والحفاظ والكتاب فقال: اخبروني عن القرآن كله كم حرف هو ؟ قال : فحسبنا فأجمعوا أنه ثلثمائة ألف وأربعون ألف وسبعمائة وأربعون حرفا ، قال : فأخبروني عن نصفه ؟ فإذا هو إلى الفاء من قوله في الكهف { وليتلطف } [ تفسير القرآن العظيم لابن كثير]

*الآيات الباهرات في مخلوقات الله تدل على اللطيف الخبير

    قال بعض الأعراب ـ وقد سئل ما الدليل على وجود الرب تعالى ـ فقال : يا سبحان الله إن البعر ليدل على البعير وإن أثر الأقدام لتدل على المسير فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج وبحار ذات أمواج ألا يدل ذلك على وجود اللطيف الخبير[ تفسير القرآن العظيم لابن كثير]

*جبي ثمرات كل شيء إلى الحرم من لطفه تعالى ورحمته

    مكة وادي ليس فيه زراعة وبالتالي ليس فيه ثمر ، لكن لطف الله جعل هذا الوادي من أغنى الأماكن على وجه الأرض ، بجبي ثمرات كل شيء لهذا الوادي المبارك ؛قال تعالى : { öNs9urr& `Åj3yJçR óOßg©9 $·Btym $YZÏB#uä #Ót<øgä† Ïmø‹s9Î) ßNºtyJrO Èe@ä. &äóÓx« $]%ø—Íh‘ `ÏiB $¯Rà$©! £`Å3»s9ur öNèduŽsYò2r& Ÿw šcqßJn=ôètƒ  }  القصص / 57

 وهذا من لطفه تعالى ورحمته وبركته أنه ليس في البلد الحرام مكة شجرة مثمرة وهي تجبى إليها ثمرات ما حولها استجابة لدعاء الخليل عليه السلام .

[ تفسير القرآن العظيم لابن كثير ]

*الإحسان من الله إلى عباده لطف منه إليهم

ومثال ذلك يوسف عليه الصلاة والسلام 

لطف الله تعالى بأصفيائه فأوصلهم إلى المنازل العالية بأسباب وطرق وهم لايشعرون ، ولطف لهم فقدر أمورا خارجة عن إرادتهم ، فيها رفعتهم وهم لايعلمون فسبحان الله اللطيف الخبير و في قصة يوسف عليه السلام قدر الله له أمورا كثيرة خارجية عادت عاقبتها الحميدة على يوسف وأبيه عليهما السلام وكانت في مبدئها مكروهة ولكن كانت عواقبها أحمدَ العواقب ، وفوائدها أجلّ الفوائد ولهذا قال عليه السلام :" إن ربي لطيف لما يشاء " أي أن هذه الأشياء التي حصلت لطفٌ لطفه الله له فاعترف عليه السلام بهذه النعمة. ولطف الله بعبده وله باب واسع [ انظر : صوت القرآن الحكيم ( الأنترنت ) للدكتور : عبد الرزاق البدر ]   قال تعالى : { yìsùu‘ur Ïm÷ƒuqt/r& ’n?tã ĸöyèø9$# (#r”yzur ¼çms9 #Y‰£Úߙ ( tA$s%ur ÏMt/r'¯»tƒ #x‹»yd ã@ƒÍrù's? }‘»tƒöä①`ÏB ã@ö6s% ô‰s% $ygn=yèy_ ’În1u‘ $y)ym ( ô‰s%ur z`|¡ômr& þ’Î1 øŒÎ) ÓÍ_y_t÷zr& z`ÏB Ç`ôfÅb¡9$# uä!%y`ur Nä3Î/ z`ÏiB Írô‰t7ø9$# .`ÏB ω÷èt/ br& søt“¯R ß`»sÜø‹¤±9$# ÓÍ_ø‹t/ tû÷üt/ur þ†ÎAuq÷zÎ) 4 ¨bÎ) ’În1u‘ ×#‹ÏÜs9 $yJÏj9 âä!$t±o„ 4 ¼çm¯RÎ) uqèd ÞOŠÎ=yèø9$# ãLìÅ3ptø:$# }   يوسف / 100  قوله تعالى : { ô‰s%ur z`|¡ômr& þ’Î1  } المشهور استعمال الإحسان بإلى وقد يستعمل بالباء أيضا كما في قوله عز اسمه :

{ Èûøït$Î!ºuqø9$$Î/ur $ZR$|¡ômÎ)  } البقرة / 83 وقيل هذا بتضمين لطف وهو الإحسان الخفي كما يؤذن به قوله تعالى :{ ¨bÎ) ’În1u‘ ×#‹ÏÜs9 $yJÏj9 âä!$t±o„ 4} وفيه فائدة لا تخفى أي لطف بي محسنا إلىَ غير هذا الإحسان { øŒÎ) ÓÍ_y_t÷zr& z`ÏB Ç`ôfÅb¡9$#  } بعدما ابتليت به ولم يصرح بقصة الجب حذارا من تثريب إخوته لأن الظاهر حضورهم لوقوع الكلام عقيب خرورهم سجدا واكتفاء بما يتضمنه قوله تعالى { uä!%y`ur Nä3Î/ z`ÏiB Írô‰t7ø9$#  } أي البادية { .`ÏB ω÷èt/ br& søt“¯R ß`»sÜø‹¤±9$# ÓÍ_ø‹t/ tû÷üt/ur þ†ÎAuq÷zÎ)  } أي أفسد بيننا بالإغواء وأصله من نخس  

الرائض الدابة وحملها على الجري يقال نزغه ونسغه إذا نخسه ولقد بالغ عليه الصلاة والسلام في الإحسان حيث أسند ذلك إلى الشيطان    {¨bÎ) ’În1u‘ ×#‹ÏÜs9 $yJÏj9 âä!$t±o„  } أي لطيف التدبير لأجله رفيق حتى يجيء على وجه الحكمة والصواب ما من صعب إلا وهو بالنسبة إلى تدبيره سهل {  ¼çm¯RÎ) uqèd ÞOŠÎ=yèø9$# ¼çm¯RÎ) uqèd ÞOŠÎ=yèø9$# }  بوجوه  المصالح { ãLìÅ3ptø:$# } الذي يفعل كل شيء على قضية الحكمة [ إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم لأبي السعود]

    ومن أفضل الإحسان الذي يتمكن به الموفق من معاملة الناس على

 اختلاف طبقاتهم : البشاشة وحسن الخلق معهم ، ومعاشرتهم باللطف والكرم ، وإبداء كل ما يقدر عليه من إدخال السرور عليهم ، وخصوصا الأقارب والأصحاب ونحوهم ممن يتأكد حقهم على العبد ، وأن العبد ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم [ فتح الرحيم الملك العلام في علم العقائد والتوحيد والأخلاق والأحكام المستنبطة من القرآن للسعدي تحقيق : عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر ، ج 1ص 118-119]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثالثة عشرة في موضوع (اللطيف) وستكون بعنوان :

*اللهُ عاتب النبي عتاباً لطيفاً

 قال تعالى : { $xÿtã ª!$# šZtã zNÏ9 |MRόr& óOßgs9 } التوبة / 43 أي لأي سبب أذنت لهؤلاء الحالفين المتخلفين في التخلف حين استأذنوا فيه معتذرين بعدم الإستطاعة وهذا عتاب لطيف من اللطيف الخبير سبحانه لحبيبه صلى الله تعالى عليه وسلم على ترك الأولى وهو التوقف عن الاذن إلى إنجلاء الأمر وانكشاف الحال المشار إليه بقوله سبحانه : {4Ó®Lym tû¨üt6tGtƒ šs9 šúïÏ%©!$# (#qè%y‰|¹ } أي فيما أخبروا به عند الاعتذار من عدم الإستطاعة { zMn=÷ès?ur šúüÎ/ɋ»s3ø9$#  } التوبة / 44[ ر وح المعاني في تفسير القرآن العظيم ،ج 10   ص 107 للألوسي]

*النبي أمر بالتلطف والرفق والإيناس

    قال صلى الله عليه وسلم : ( وخالق الناس ) أمر من المخالقة مأخوذ من الخلق مع الخلق أي خالطهم وعاملهم ( بخلق حسن ) أي تكلف معاشرتهم بالمجاملة في المعاملة وغيرها من نحو طلاقة وجه وخفض جانب وتلطف وإيناس وبذل ندى وتحمل أذى فإن فاعل ذلك يرجى له في الدنيا الفلاح وفي الاخرة الفوز بالنجاة والنجاح  ، والرفق بالكسر ضد العنف وهو المداراة مع الرفقاء ولين الجانب واللطف في أخذ الأمر بأحسن الوجوه وأيسرها

ثم قال : ( من أعطى ) بصيغة المجهول ( حظه ) بالنصب على أنه مفعول ثان أي نصيبه ( من الرفق ) أي اللطف ( ومن حرم ) على بناء المفعول ( حظه ) بالنصب على أنه مفعول ثان ( فقد حرم حظه من الخير ) إذ به تنال المطالب الدنيوية والأخروية وبفوته تفوتان ففيه فضل الرفق والحث على التخلق به وذم العنف

وقال في اللمعات يعني أن نصيب الرجل من الخير على قدر نصيبه من الرفق وحرمانه منه على قدر حرمانه منه انتهى[ تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي للمباركفوري ج 6   ص 104]

*ومن معاني الجبار معنى يرجع إلى لطف الرحمة والرأفة ، وهو الذي يجبر الكسير ، ويغني الفقير ، ويجبر المريض والمبتلى ، ويجبر  جبرا  خاصا  قلوب  المنكسرين  لجلاله ، الخاضعين لكماله ، الراجين لفضله ونواله بما يفيضه على قلوبهم من المحبة وأنواع المعارف الربانية ، والفتوحات الإلهية والهداية

 والإرشاد والتوفيق والسداد [ فتح الرحيم الملك العلام في علم العقائد والتوحيد والأخلاق والأحكام المستنبطة من القرآن للسعدي تحقيق : عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر ، ج 1ص 32] 

*من لطف الله وعنايته بعباده أن تولاهم

  قال تعالى : { ª!$# ’Í<ur šúïÏ%©!$# (#qãZtB#uä Oßgã_̍÷‚ムz`ÏiB ÏM»yJè=—à9$# ’n<Î) ͑q–Y9$# ( }  البقرة /257  ، وقال : {  bÎ)ur (#öq©9uqs? (#þqßJn=÷æ$$sù ¨br& ©!$# öNä39s9öqtB 4 zN÷èÏR 4’n<öqyJø9$# zN÷èÏRur 玍ÅÁ¨Z9$#  }  الأنفال / 40  ، وقال : {y7Ï9ºsŒ ¨br'Î/ ©!$# ’n<öqtB tûïÏ%©!$# (#qãZtB#uä ¨br&ur tûï͍Ïÿ»s3ø9$# Ÿw 4’n<öqtB öNçlm; }  محمد / 11  . وهذا التولي الخاص يقتضي عنايته ولطفه بعباده المؤمنين ، وأن الله يربيهم تربيه خاصة ، يصلحون بها للقرب منه ومجاورته في جنات النعيم ، فيوفقهم للإيمان به وبرسله ، ثم يغذي هذا الإيمان في قلوبهم وينميه ، وييسرهم لليسرى ، ويجنبهم العسرى ، ويغفر لهم في الآخرة والأولى ، ويتولاهم برعايته وحفظه وكلاءته ، فيحفظهم من الوقوع في المعاصي ، فإن وقعوا فيها بما سولت لهم أنفسهم الأمارة بالسوء ، وفقهم للتوبة النصوح ، فإذا تولوا ربهم تولاهم ولاية أخص من ذلك ، وجعلهم من خواص خلقه بما يهيئ لهم من الأسباب الموصلة لهم إلى كل خير .     قال تعالى : {  Iwr& žcÎ) uä!$uŠÏ9÷rr& «!$# Ÿw ê’öqyz óOÎgøŠn=tæ Ÿwur öNèd šcqçRt“øts† ، šúïÏ%©!$# (#qãZtB#uä (#qçR%Ÿ2ur šcqà)­Gtƒ ، ÞOßgs9 3“tô±ç6ø9$# ’Îû

 Ío4qu‹ysø9$# $u‹÷R‘‰9$# †Îûur ÍotÅzFy$# 4 }  يونس / 62 - 64  .

فأخبر في هذه الآيات عن الأسباب التي نالوا بها ولاية الله ، وهي الإيمان والتقوى ، والفوائد والثمرات العظيمة التي يجنونها من هذه الولاية ، وهي الأمن التام وزوال ضده من الخوف والحزن ، والبشارة الكاملة في الدنيا بما يبين لهم ويبشرهم به من اللطف والعناية والتوفيق للخيرات[ فتح الرحيم الملك العلام في علم العقائد والتوحيد والأخلاق والأحكام المستنبطة من القرآن للسعدي]

يخبر تعالى عن أوليائه وأحبائه ، ويذكر أعمالهم وأوصافهم ، وثوابهم ، فقال : { Iwr& žcÎ) uä!$uŠÏ9÷rr& «!$# Ÿw ê’öqyz óOÎgøŠn=tæ Ÿ } فيما يستقبلونه ، مما أمامهم ، من المخاوف  والأهوال .

{ Ÿwur öNèd  يحزنون} على ما أسلفوا ، لأنهم لم يسلفوا إلا صالح الأعمال . وإذا كانوا لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، ثبت لهم الأمن والسعادة ، والخير الكثير الذي لا يعلمه إلا الله تعالى . ثم ذكر وصفهم فقال : {  šúïÏ%©!$# (#qãZtB#uä  } بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وبالقدر خيره وشره ، وصدقوا إيمانهم باستعمال التقوى ، بامتثال الأوامر واجتناب النواهي . فكل من كان مؤمنا تقيا ، كان لله تعالى وليا ، لذلك كانت { ÞOßgs9 3“tô±ç6ø9$# ’Îû Ío4qu‹ysø9$# $u‹÷R‘‰9$# †Îûur ÍotÅzFy$# 4 } .

 أما البشارة في الدنيا ، فهي : الثناء الحسن ، والمودة في قلوب المؤمنين ، والرؤيا الصالحة ، وما يراه العبد من لطف الله به وتيسيره لأحسن الأمال والأخلاق ، وصرفه عن مساوىء الأخلاق . وأما في الآخرة ، فأولها ، البشارة عند قبض أرواحهم ، كما قال تعالى : { ¨bÎ) šúïÏ%©!$# (#qä9$s% $oYš/u‘ ª!$# §NèO (#qßJ»s)tFó™$# ãA¨”t\tGs? ÞOÎgøŠn=tæ èpx6Í´¯»n=yJø9$# žwr& (#qèù$sƒrB Ÿwur (#qçRt“øtrB (#rãÏ±÷0r&ur Ïp¨Ypgø:$$Î/ ÓÉL©9$# óOçFZä. šcr߉tãqè? } فصلت / 30

 وفي القبر ، ما يبشر به من رضا الله تعالى ، والنعيم المقيم . وفي الآخرة ، تمام البشرى ، بدخول جنات النعيم ، والنجاة من العذاب الأليم . { لا تبديل لكلمات الله } بل ما وعد الله فهو حق ، لا يمكن تغييره ولا تبديله ، لأنه الصادق في قيله ، الذي لا يقدر أحد أن يخالفه فيما قدره وقضاه { ذلك هو الفوز العظيم } لأنه اشتمل على النجاة من كل محذور ، والظفر بكل مطلوب محبوب . وحصر الفوز فيه ، لأنه لا فوز لغير أهل الإيمان والتقوى . والحاصل أن البشرى شاملة لكل خير وثواب ، رتبه الله في الدنيا والآخرة ، على الإيمان والتقوى [ تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ، للسعدي تحقيق : ابن عثيمين ،   ج 1   ص 368]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الرابعة عشرة في موضوع (اللطيف) وستكون بعنوان :

*أمر الله موسى وهارون بالتلطف في دعوة فرعون

    الدعوة إلى الله أمن وأمان ولطف ورحمة ولذلك أمر الله موسى وهارون  بقوله : {Ÿwqà)sù ¼çms9 Zwöqs% $YYÍh‹©9 ¼ã&©#yè©9 ㍩.x‹tFtƒ ÷rr& 4Óy´øƒs† } طه / 44 أمر الله جل وعلا نبيه موسى وهارون عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام : أن يقولا لفرعون في حال تبليغ رسالة الله إليه { قَوْلاً ليِّناً } أي كلاماً لطيفاً سهلاً رقيقاً ، ليس فيه ما يغضب وينفر . وقد بين جل وعلا المراد بالقول اللين في هذه الآية بقوله : { !$t6ydøŒ$# 4’n<Î) tböqtãöÏù ¼çm¯RÎ) 4ÓxösÛ ، Ÿwqà)sù ¼çms9 Zwöqs% $YYÍh‹©9 ¼ã&©#yè©9

㍩.x‹tFtƒ ÷rr& 4Óy´øƒs† } طه /43 ، 44 وهذا والله غاية لين الكلام ولطافته ورقته كما ترى[ أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن ، الشنقيطي. ]

*من لطف الله بعباده رزقهم رزقاً واسعاً

  الله عليم خبير قوي عزيز لطيف فهو يرزق عباده بحسب حكمته فهو يبسط لمن لايصلحه إلا البسط ، ويقدر لمن لايصلحه إلا القدر وكل ذلك عطاء ورحمة ولطف ولهذا قال: { ª!$#  7#‹ÏÜs9 ¾Ínϊ$t7ÏèÎ/   ä-ã—ötƒ `tB  âä!$t±o„ (  uqèdur  Ž”Èqs)ø9$#  Ⓝ͓yèø9$#   } الشورى / 19 أي يعاملهم بلطفه وهو قوي على أن

 يرزق الجميع رزقاً واسعاً ، وهو العزيز في ملكه ، فهو يبسط الرزق

لمن يشاء ويقدر ، كما قال تعالى : {  ª!$# äÝÝ¡ö6tƒ s-ø—Îh9$# `yJÏ9 âä!$t±o„ â‘ωø)tƒur 4 } أي بمقتضى اللطف والعلم [ أضواء البيان ، الشنقيطي.  ،  ج 8   ص 252]

 *الله تعالى لطف بآدم عليه السلام في أكله من الشجرة

    كل مايقضيه سبحانه لعبده ففيه الخير ، حتى وإن ظهر للإنسان غير ذلك ؛ لأنه خبير عليم لطيف ؛ وهنا تجلى لطف الله بآدم عليه السلام في أكله من الشجرة بعد النهي عنها من ستة أوجه :

أحدها : أنه لما اسجد له ملائكته على جلالة قدرهم وصيره قبلة لهم ومعلما لطف بقلبه ألا تخطر به لفتة عجب فامتحنه بأكل الشجرة فلما أكل منها عوتب عليها فتواضع

الثاني : أنه كان منبسطا فلما أكل منها انقبض فسلم من وهلات البسط لأن الله تعالى لا يعامل إلا بالخوف والقبض

الثالث : أنه امتحن التكليف وكد المعيشة في الدنيا ليحصل له مقام الصبر

الرابع : أنه رزق من طيبات ثمراتها ليلتذ بها فيشكر نعم الله تعالى عليه فيجمع بين الصبر والشكر فإن قيل فقد كان يتنعم في الجنة بأكثر مما يتنعم في الدنيا قلنا كان يتنعم من غير تعب سابق ونعيمه في الدنيا ممزوج بالمشقة والتنعم بعد المشقة يؤكد خالص الشكر وأيضا فإنه لم يكلف في الجنة كما تقدم فما كان يؤجر على شكر لو وقع منه

الخامس : أنه لما خرج من دار التنعم والدعة إلى دار المشقة والتكليف صحت له المعاملة بالكسب والدرجات بالطاعة وميزان الجنة بالعمل

السادس:أن تحصل له أجور ما ينتهك بعض ذريته من حرمة عرضه في هذه القصة فإنهم يغتابونه في اقتفاء ما ليس لهم به علم وكفى بالمرء عقوقا أن ينتهك عرض أبيه فهذه ستة ألطاف به في ضمن كل لطف منها مقام كريم لآدم عليه السلام [ تنزيه الأنبياء عما نسب إليهم حثالة الأغبياء السبتي الأموي  ج 1   ص 76 ،77]

*من لطف الله بعباده إنزال المطر

إنزال المطر رحمة من الله لجميع خلقه ، وهذا غاية لطفه سبحانه بهم لتوفير أرزاقهم وأقواتهم وكل مايحتاجونه في حياتهم ولذلك وصف نفسه باللطيف وبالخبير فلطف بهم لأنه خبير بهم عالم بما يحتاجونه متكفل بكل مافيه صلاحهم ولذلك قال : { لَطِيفٌ خَبير } : أي لطيف بعباده ، ومن لطفه بهم إنزاله المطر وإنباته لهم به أقواتهم [ أضواء البيان الشنقيطي.  ج 5   ص 296 ]

 

الخاتمة

وفي الختام الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات تم هذا البحث اللطيف والذي هو بعنوان ( اللطيف ) وقد بذلت قصارى جهدي فيه إن أحسنت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان وأستغفر الله من كل ذنب وخطأ ؛ واسأل الله أن يجعله علما نافعا وعملا متقبلا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

 

 

اللطيف

 

تأليف

 

د/ مسفر بن سعيد دماس الغامدي