الفرح

بسم الله الرحمن الرحيم

الفرح المختصر

إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنغسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا اله الا الله ، وحده لاشريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .

 (( ياايها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ، ولا تموتن ألا وأنتم مسلمون )) (1) (1) سـورة آل عمران الآية / 120 

 (( ياايها الناس اتقوا ربكم ال1ي خلقكم من نفس واحدة ، وخلق منها زوجها ، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً ، واتقوا الله الذي تساء لون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيـيباً)) (2) (2) سـورة النسـاء الآية / 1 (( يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً ، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً )) [  سـورة الأحزاب الآيتان / 70 ، 71 ] أ مــا بـعـــــــد :

فهذه الحلقة الأولى في موضوع الفرح وستكون بعنوان:

المقدمة والتعريفات

*المقدمة :

   إن الفرح من طبع الإنسان ؛ كما أن الحزن أيضاً من لوازمه ، لأن الحياة الدنيا ؛ فيها ما يفرح ، وفيها ما يحزن ، وهي دار الإبتلاء ؛ فيها الخير وفيها الشر ، ولذلك شرع الله لعباده في الفرح شروط وضوابط ؛ حتي لايتحول هذا الفرح الى أشر وبطر ، وظلم وتعدي ، ثم جعل مئال هذا الفرح الى الشكر الذي يؤجر عليه ؛ شكر على كل سراء

 شكر على نعم الله التي لاتعد ولا تحصى ، شكر على النعم المتجددة في كل لحظة ، وفي كل زمان وفي كل مكان ، وعلى كل حال …. 

  ولذلك إذا اطلق الفرح فهو مذموم ، وإذا قيد فهو الممدوح والله أباح المدوح،وحرم المذم لما يترتب عليه من مفاسد،وامتدح من يفرح

  الفرح الممدوح ، وعاب على من يفرح الفرح المذموم  ، وإسهاماً مني في بيان هذه المسألة كان هذا البحث المتواضع ؛ إن أصبت فمن الله ، وإن أخطأت فمني ومن الشيطان .

*تعريف الفرح :

في اللغة  : فرح ،فهو، فرح، وفروح، ومفروح، وفارح ، وفرحان ،وهم فراحى ،وفرحى، وأمرأة فرحة ، وفرحى ، وفرحانة، وأفرحه وفرحه

           الفرح محركة : السرور ، والبطر

           والمفراح : الكثير الفرح .

           والفرحة  بالضم : المسرة .

           وأفرحه  : أثقله ، وغمه .

           والمفرح بفتح الراء : المحتاج المغلوب الفقير ، والذي لايعرف  له  نسب ،ولا ولاء  ، والقتيل يوجد بين القريتين .

والفرحانة : الكمأة البيضاء  . والمفرح  : دواء .    

*والفرح في الإصطلاح :   الفرح صفة من صفات المولى عز وجل ، صحت بذلك السنة الصحيحة كما ورد في الصحيحين " لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأر ض فلاة  فانفلتت منه ، وعليها طعامه …." الحديث [ صحيح البخاري ج11 ص102 ، صحيح مسلم ج4 ص 2104 ]     

             وهو نوعان : 1ـ فرح مذموم إذا أطلق

                            2ـ فرح ممدوح إذا قيد

فالأول : هو الأشر، والبطر كما قال تعالى : (( لاتفرح إن الله لايحب

 الفرحين ))  ، وقوله : (( إنه لفرح فخور )) .

 والثاني  : نقيض الحزن ، وهو السرور  ، وهو : لذة في القلب بإدراك المحبوب كما قال تعالى :( فرحين بما آتاهم الله من فضله )      [ النهاية لابن الأثير  ج 3 ص 424  ، القاموس المحيط للفيروز آبادي  ج1 ص 239  ، لسان العرب  ج 2 ص 541   ، تفسير القرطبي ج8 ص 354 ]

  الى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثانية في موضوع الفرح وستكون بعنوان :     

*أفراح الأعياد

التجمل للعيد والوفود :

إن التجمل مظهر من مظاهر الفرح ولذلك قال تعالى : (( قل من حرم زينة الله لعباده  والطيبات من الرزق )[ سورة الأعراف الآية / 32 ]             

 قال البخاري : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - :" كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة " 

قال ابن حجر : وهذا الحديث من الأحاديث التي لاتوجد في البخاري إلا معلقة ، وقد وصله أبو داود الطيالسي ،والحارث بن أبي أسامة في مسنديهما …، والإسراف مجاوزة الحد في كل فعل أو قول ..   والمخيلة هي بمعنى الخيلاء ، وهو التكبر.. ووجه الحصر في الإسراف والمخيلة أن الممنوع من تناوله أكلاً ولبسـاً وغيرهما : إما لمعنى فيه وهو مجاوزة الحد وهو الإسراف ، وإما للتعبد كالحرير إن لم تثبت علة النهي عنه وهو الراجح …  ، وروى ابن أبي الدنيا ، والبيهقي بإسناد صحيح إلى ابن عمر أنه كان يلبس أحسن ثيابه في العيدين [صحيح البخاري ، كتاب اللباس (فتح الباري ج10ص252)]

قال ابن لقيم :  وكان  أحب  ألوان  الثياب  الى  رسول  الله ؛ البياض ، والحبرة ، وهي  البرود  المحبرة [ زاد المعاد ج 4 ص 237 ] 

وأخرج مسلم بسنده من حديث قتادة  قال: قلنا لأنس بن مالك : أي اللباس كان أحب إلى رسول الله _ صلى الله عليه وسلم – أو أعجب إلى رسول الله ؟ قال : الحبرة "

ثم قال النووي :.. وهي ثياب من كتان أو قطن محبرة أي : مزينة ، والتحبير : التزيين والتحسين .. وفيه دليل على استحباب لبس الحبرة [ صحيح مسلم بشرح النووي ج 14 ص 56]

*أفراح الأعياد :                                                              أ= الغناء واللعب يوم العيد :

وهو مظهر من مظاهر الفرح المباح بضوابطه الشرعية ، أما الغناء المحرم فهوحرام في الأعياد وفي غيرها ، وأيضاً اللعب المحرم .

قال البخاري : (باب الحراب والدرق يوم العيد)

وأخرج بسنده من حديث عائشة قالت :" دخل علىّرسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث ، فاضطجع على الفراش وحول وجهه . ودخل ابو بكر فانتهرني وقال : مزمار الشيطان عند النبي _ صلى الله عليه وسلم _؟ فأقبل عليه رسول الله عليه السلام فقال :" دعهما " فلما غفل غمزتهما فخرجا "وفي رواية أخرى قالت "وليستا بمغنيتين" 

 وكان  يوم عيد يلعب فيه السودان بالدرق والحراب ، فإما سألت النبي _ صلى الله عليه وسلم – وإما قال : تشتهين تنظرين ؟ فقلت : نعم . فأقامني وراءه خدي على خده وهو يقول : دونكم يابني أرفدة . حتى إذا مللت قال : حسبك ؟ قلت : نعم . قال : فاذهبي "[صحيح  البخاري ، رقم  الحديث  949  (فتح  الباري ج2 ص 440)]

  وقال ابن حجر : وعند مسلم :" تغنين بدف " وللنسائي" بدفين " وهو الذي بدون جلاجل..وعرفه الحكم مقروناًببيان الحكمة بأنه يوم عيد ، أي يوم سرور شرعي ، فلا ينكر فيه مثل هذا كما لا ينكر في الأعراس … وقوله "ليستا بمغنيتين" أي : ليستا ممن يعرف الغناء

 ، كما يعرفه المغنيات المعروفات بذلك …

وفي هذا الحديث من الفوائد: مشروعية التوسعة على العيال في أيام الأعياد بأنواع ما يحصل لهم بسط النفس وترويح البدن من كلف العبادة ، وأن الإعراض عن ذلك أولى ، وفيه أن إظهار السرور في الأعياد من شعائر الدين …واستدل به على جواز سماع صوت الجارية بالغناء [ فتح الباري ج 2 ص 440 – 445 ]                                                                                       وقال النووي : … هذا الغناء إنما كان في الشجاعة والقتل والحذق في القتال ونحو ذلك مما لا مفسدة فيه بخلاف الغناء المشتمل على ما يهيج النفوس على الشر ويحملها على البطالة والقبيح ..

وقال القاضي :… " وليستا بمغنيتين " أي ليستا ممن يتغنى بعادة المغنيات من التشويق والهوى والتعريض بالفواحش والتشبب بأهل الجمال وما يحرك النفوس ويبعث الهوى والغزل كما قيل : الغناء فيه الزنا … والعرب تسمي الأنشاد غناء وليس هو من الغناء  …وقد استجازت الصحابة غناء العرب الذي هو مجرد الإنشاد والترنم وأجازوا الحداء وفعلوه بحضرة النبي – صلى الله  عليه وسلم -  وفي هذا كله اباحة مثل هذا وما في معناه وهذا ومثله ليس بحرام …     [ صحيح مسلم بشرح النووي ج6 ص 184]  

* أدلة تحريم الغناء المحرم من كتاب الله :

قوله تعالى : (( واستفزز من استطعت منهم بصوتك))[ سورة الأسراء الآية /64 ] وغيرها.. فقد ذهب جمهور المفسرين إلى أن صوت ابليس المذكور في هذه الآية هو الغناء واللهو واللعب[    تنزيه الشريعة عن إباحة الأغاني الخليعة  للنجمي ص5]

ومن السنة :

وأخرج البخاري بسنده من حديث أبو عامر أو ابو مالك الأشعري قال النبي  - صلى الله عليه وسلم – ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف … " الحديث ،وغيره ..

قال ابن حجر : قال القرطبي : المعازف : الغناء وفي صحاح الجوهري : أنها آلات اللهو ، وقيل : أصوات الملاهي .. ويطلق علىالغناء عزف، وعلى كل لعب عزف ووقع في رواية مالك بن ابي مريم : تغدو عليهم

القيان وتروح عليهم المعازف[صحيح البخاري ( فتح الباري ج 10 ص51-55]   

  الى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثالثة في موضوع الفرح وستكون بعنوان :     

*أفراح الزواج : الضرب بالدف :

قال البخاري :  باب ضرب الدف في النكاح والوليمة "

وأخرج بسنده من حديث الر بيّع بنت معوّذ بن عفراء  قالت :" جاء النبي _  صلى الله عليه وسلم – يدخل حين بُنى علىّ ، فجلس على فراش كمجلسك منّي،فجعلت جويريات لنا يضربن بالدف ويندبن من قُتل من آبئي يوم بدر ، إذ قالت إحداهن : وفينا نبيّ يعلم مافي غدِ، فقال : دعي هذا وقولي بالذي كنت تقولين "[صحيح البخاري ، كتاب النكاح ( فتح الباري ج 9 ص 202 رقم 5147)]   

قال ابن حجر : وقوله : "الوليمة " معطوف على النكاح أي : ضرب الدف في الوليمة وهو من العام بعد الخاص  ، ويحتمل أن يريد وليمة النكاح خاصة وأن ضرب الدف  يشرع في النكاح عند العقد وعند الدخول مثلاً وعند الوليمة كذلك ، والأول اشبه …

والندب :  ذكر أوصاف الميت بالثناء عليه وتعديد محاسنه بالكرم والشجاعة ونحوها[       فتح الباري ج9 ص 202]   

وأخرج البخاري بسنده من حديث عائشة "أنها رفّت امرأة إلى رجل من الأنصار ، فقال نبي الله _ صلى الله عليه وسلم - : " يا عائشة ، ما كان معكم لهو ، فإن الأنصار يعجنهم اللهو[ صحيح البخاري ، كتاب النكاح رقم 5162 ]

قال ابن حجر : قوله " ما كان معكم لهو"  في رواية شريك فقال : فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني ؟ قلت : تقول ماذا ؟ قال تقول :أتيناكم   أتيناكم    ==== فحيانا  وحياكم

       ولولا الذهب الأحمر  ===  ماحلت بواديكم

       ولولا الحنطة السمراء  ===  ما سمنت عذاريكم

 والأحاديث القوية فيها الأذن في ذلك للنساء فلا يلتحق بهن الرجال لعموم النهي عن التشبه بهن[ فتح الباري ج9 ص 226 ]

لكن اللهو الذي يتجاوز المشروع محرم سواء في الزواج أو في غير ه

 قال أعضاء مجلس هيئة كبار  العلماء : يرى المجلس منع الغناء الذي أحدث في حفلات الزواج بمايصحبه من الآ ت اللهو ، وما يستأجر له من مغنين   ومغنيات ، وبآلات تكبير الصوت لأن ذلك منكر محرم يجب منعه ومعاقبة فاعله [التحذير من المغالاة في المهور  للشيخ عبد العزيزبن باز ]

أفراح الزواج : الوليمة

 أخرج البخاري بسنده من حديث  أنس بن مالك قال : " ما أولم النبي – صلى الله عليه وسلم –على شيء من نسائه ما أولم على زينب ، أولم بشاة "

 وأخرج بسنده من حديث أنس قال: " بنى النبي – صلى الله عليه وسلم – بإمرأة ، فأرسلني فدعوت رجالاً الى الطعام "

وأخرج بسنده من حديث عبد الرحمن بن عوف أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال له   : أولم ولو بشاة "[صحيح البخاري ، كتاب النكاح ، باب الوليمة ولو بشاة ، رقم 5167، 5168 ، 5170( فتح الباري ج 9 ص 231 ، 232  )]

 قال الألباني : السنة في الوليمة :  وينبغي أن يلاحظ فيها أموراً :

 الأول : أن تكون ثلاثة أيام عقب الدخول لأنه هو المنقول عن النبي – صلى الله عليه وسلم -  ، فعن أنس قال : " بنى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بإمرأة فأرسلني، فدعوت رجالاًعلى الطعام "

وعنه قال : " تزوج النبي – صلى الله عليه وسلم – صفية ، وجعل عتقها

 صداقها ، وجعل الوليمة ثلاثة أيام " [   أخرجه أبو يعلى بسند حسن كما في الفتح ( 9/199) أنظر آداب الزواف للألباني ص64 ]

 الثاني : أن يدعو الصالحين إليها ، فقراء كانوا أو أغنياء لقوله – صلى الله عليه وسلم – :"لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي " [أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم ( 4/128) ، وأحمد (  3/ 38) من حديث أبي سعيد الخدري ، وقال الحاكم : صحيح الإسناد ، ووافقه الذهبي ]

 الثالث : أن يولم بشاة أو أكثر إن وجد سعة لحديث أنس – أعلاه -  [  آداب الزفاف في السنة المطهرة للشيخ الألباني رحمه الله ]

  ويجوز أن تؤدى الوليمة بأي طعام تيسر ولولم يكن فيه لحم ؛ سواء كان لحماً أو خبزاً أوتمراً أو اقطاً أو سمناً أو حيساً أو غير ذلك كما صحت به الآثار   

الى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الرابعة في موضوع الفرح وستكون بعنوان :     

*الفرح بمجيء المولود :

   البشارة والتهنئة

  قال تعالى : (( فبشرناه بغلام حليم )) [ سورة الصافات الآية / 101 ] 

وقال  تعالى  :  ((  يا زكريا  إنا  نبشرك  بغلام  اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سمياً)) [ سورة مريم الآية /7]

 قال ابن القيم :" ولما كانت البشارة تسر العبد  وتفرحه ،استحب للمسلم أن يبادر إلى مسرة أخيه وإعلامه بما يفرحه …

فإن فاتته البشارة استحب له تهنئته ، والفرق بينهما أن البشارة

إعلام له بما يسره ،والتهنئة دعاء له بالخير فيه بعد أن علم به

ولهذ ا لما أنزل الله توبة كعب بن مالك وصاحبيه ذهب أليه البشير ، فبشره ، فلما دخل المسجد  جاء الناس فهنئوه [  تحفة المودود بأحكام المولود لابن القيم ص 23 ، 24 ]

2- العقيقة  :  العقيقة مشروعة لقول عائشة أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – أمرهم عن الغلام شاتان مكافئتان ، وعن الجارية شاة " قال ابو عيسى : حديث عائشة حديث حسن صحيح[       أخرجه  الترمذي في سننه ، كتاب الأضاحي، باب ما جاء في العقيقة ج4 ص 96 رقم 1513 ]

 وأخرج الترمذي بسنده من حديث سمرة قال : قال رسول الله  -صلى الله عليه وسلم – : " الغلام مرتهن بعقيقته ، يذبح عنه يوم السابع ، ويسمى ، ويحلق رأسه " [سنن الترمذي ، كتاب الأضاحي ، باب من العقيقة رقم 1522 ج4 ص 101]  

 قال ابن القيم : أنها إظهار للفرح والسرور بإقامة شرائع الإسلام وخروج نسمة مسلمة يكاثر بها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الأمم يوم القيامة تعبداً لله ويراغم عدوه  …فلما  أمرنا بإزالة الأذى الظاهر عنه ، وإراقة الدم الذي يزيل الأذى الباطن بارتهانه ،علم أن ذلك تخليص

للمولود من الأذى الباطن والظاهر ، والله أعلم بمراده ورسوله .

[ تحفة المودود ص 55، 59 ]   

الى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الخامسة في موضوع الفرح وستكون بعنوان :     

الفرح المذموم :   الفرح بالتخلف عن الخير

قال تعالى  (( فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله ، وكرهوآ أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ، وقالوا :لاتنفروا في الحر، قل نار جهنم أشد حراً ، لو كانوا يفقهون ، فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيراً جزآءً  بما كانوا يكسبون ))[ سورة التوبة الآيتان / 81-82 ]     

قال ابن كثير : يقول تعالى ذاماً للمنافقين المتخلفين عن صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في غزوة تبوك،وفرحوا بمقعدهم بعدخروجه،( وكرهوا أن يجاهدوا ) معه ( بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ، وقالوا ) أي : بعضهم لبعض ،( لاتنفروا في الحر) وذلك أن الخروج في غزوة تبوك كان في شدة الحر،عند طيب الظلال والثمار،فلهذا قالوا:( لاتنفروا في الحر ) قال الله تعالى لرسوله : ( قل ) لهم : ( نار جهنم)  التي

تصيرون إليها بسبب مخالفتكم (( أشد حراً )) مما فررتم منه من الحر ، بل أشد حراً من النار التي توقدون … كما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم _:" نار بني آدم التي يوقدون بها جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم  " فقالوا : يارسول الله ، إن كانت لكافيه ، قال :" إنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً "   أخرجاه في الصحيحين من حديث مالك به "[ تفسير ابن كثير ج 4 ص 129 ]   

*الفرح والإغترار بإمهال الله لهم :

قال تعالى : (( ولقد أرسلنآ إلى ~ أمم من قبلك فأخذناهم بالبأسا ء والضراء لعلهم يتضرعون ، فلولآ إذ جآءهم بأسنا تضرعوا ، ولكن قست قلوبهم ، وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون ، فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بمآ أتوآ أخذناهم بغتةً فإذاهم مبلسون ، فقطع دابر القوم الذين ظلموا ، والحمد لله رب العالمين))[ سورة الأنعام الآيات / 42- 45] 

قال ابن كثير : ((فلما نسوا ماذكروا به )) أي: إعرضوا  عنه وتناسوه وجعلوه وراء ظهورهم (( ففتحنا عليهم أبواب كل شيء ))أ ي: فتحنا عليهم أبواب الرزق من كل ما يختارون :

وهذا إستدراج منه تعالى وإملاء لهم عياذاً بالله من مكره ، ولهذا قال : (( حتى إذا فرحوا بما أوتوا )) أي: من الأموال والأولاد والأرزاق (( أخذناهم بغتة )) أي : على غفلة (( فإذا هم مبلسون )) أي:  آيسون من كل خير …

 قال الحسن : من وسع الله عليه فلم يرا أنه يمكر به ، فلا رأى له ، ومن قترعليه  فلم ير أنه ينظر له ، فلا رأى له ، ثم قرأ (( فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أتوا أخذنا هم بغتة فإذا هم مبلسو))

ثم قال الحسن : مكر بالقوم ورب الكعبة اعطوا حاجتهم ثم أخذوا [ تفسير ابن كثير ج 3 ص 251  ]

*فرح الكفار بما أوتوا في لحياة الدنيا إستدراجاً لهم وإمهالاً

قال تعالى : (( الله يبسط الرزق لمن بشاء ويقدر ، وفرحوا بالحياة الدنيا ، وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع )) [ سورة الرعد الآية / 26 ]

قال ابن كثير : يذكر تعالى أنه الذي يوسع الرزق على من يشاء ، ويقتره على من يشاء لما له في ذلك من الحكمة والعدل . وفرح هؤلاء الكفار بما أوتوا في الحياة الدنيا إستدراجاً لهم وأ مهالاً ، كما قال تعالى :( أ يحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات

بل لا يشعرون )) [ سورة المؤمنون الآيتان / 55 – 56]                                                                      

ثم حقر الحياة الدنيا بالنسبة إلى ما ادخره تعالى لعباده المؤمنين في الدار الآخرة فقال :(( وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع )) ، كما قال : (( قل متاع الدنيا قليل ، ولآخرة لمن اتقى ، ولا تظلمون فتيلا)) [ سورة النساء الآية / 77 ] وقال : (( بل تؤثرون الحياة الدنيا ، والآخرة خير وأبقى ))[ سورة الأعلى الآيتان / 16 – 17]   

وأخرج الإمام أحمد ، ومسلم من حديث المستورد أخي بني فهر قال : قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم – :" مالدنيا في الآخرة إلا كمثل ما يجعل أحدكم أصبعه هذه في اليم ، فلينظر بم ترجع .وأشار بالسبابة"[   مسند الإمام أحمد ج 4 ص 228، 229 ، صحيح مسلم ، كتاب الجنة ، باب فناء الدنيا ج 4 ص 156]

وفي الحديث الآخر : أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مر بجدي أسك ميت فقال : " والله للدنيا أهون على الله من هذا على أهله حين ألقوه " [       صحيح مسلم ، كتاب الزهد والرقائق ج 8 ص 210 ، 211 ، مسند أحمد ج 3 ص 365(7) تفسير ابن كثير ج 4 ص 314]                                                                                          وقال القرطبي : (( وفرحوا بالحياة الدنيا)) يعني مشركي مكة ؛ فرحوا بالدنيا ولم يعرفوا غيرها ، وجهلوا ما عند الله ، وهو معطوف على ((ويفسدون في الأرض ))

 وفي الآية تقديم وتأخير ؛ التقدير : والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ، ويفسدون في الأرض وفرحوا بالحياة الدنيا (( وما الحياة الدنيا في الآخرة )) أي : في جنبها (( إلا متاع )) أي: متاع من الأمتعة[    تفسير القرطبي ج9 ص 314 ] 

الى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السادسة في موضوع الفرح وستكون بعنوان :*فرح الله

  *قواعدالسلف في صفات الله :

  القاعدة الأولى : تقديم النقل : منهج السلف : الإيمان بصفات الله تعالى وأسمائه التي وصف بها نفسه أو وصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم – لايزيدون ولا ينقصون ولا يفسرونها فيما يخالف ظاهرها الذي يظهر من  وضع اللفظ العربي  ولا يشبهونها  بصفات المخلوقين بل  يمرونها كما جاءت ويردون علم حقيقتها إلى قائلها مع إعتقاد أنها على الحقيقة 

  القاعدة الثانية : عدم التأويل :

  السلف يحتكمون إلى النصوص في كل شيء كتاباً وسنة ويكتفون

بها ولا يعارضونها بالأدلة العقلية .

 القاعدة الثالثة : عدم التفريق بين الكتاب والسنة :

 القرآن هو كلام الله وهو المصدر الأول للتشريع الإسلامي وهو وحي الله الى رسوله والسنة هي وحي أيضاً وهي مفسرة لماورد في القرآن وقد ترد بأحكام جديدة لم ترد في القرآن بل ورد في السنة صفات لله سبحانه وتعالى ؛ فهي المصدر الثاني للتشريع الإسلامي

 ووصف الله يجب أن يكون وفق الأسس التالية :

1) إثبات ما أثبته الله لنفسه ، أو أثبته له رسوله _ صلى الله عليه وسلم –

2) تنزيه الله عز وجل من مشابهة الحوادث في صفاته .

3) عدم محاولة إدراك حقيقة صفاته ، كما لم تدرك حقيقة ذاته. [ الصفات الالهية لمحمد الجامي ص 61-65 ]                                                                                     ومعنى الصفة في اللغة :النعت ، وصف الشيء له وعليه إذا حلاه ، والوصف الحلية وصفك الشيء بحليته ونعته [لسان العرب ، مادة وصف  ]      

 وفي الإصطلاح : حال وراء الذات ، أو ما قام بالذات من المعاني والنعوت وهي في حق الله تعالى نعوت الجلال والجمال والعظمة والكمال ، كالقدرة ، والإرادة والعلم ، والحكمة .

 والصفة غير الذات وزائدة عليها من حيث مفهومها وتصورها ، بيد

 أنها لا تنفك عن الذات ، وهي توقيفية ، وحقيقية ، وليس في صفات الله مجاز [ الصفات الالهية ص 84 ]

وصفات الرب تنقسم الى قسمين من حيث ثبوتها :

 النوع الأول :  الصفات الشرعية العقلية ، وهي التي يشترك في إثباتها الدليل الشرعي السمعي ، والدليل العقلي ، والفطرة السليمة وهي أكثر صفات الرب

النوع الثاني : الصفات الخبرية ، وتسمى النقلية والسمعية ، وهي التي لا سبيل إلى إثباتها إلا بطريق السمع،والخبر عن الله ، أو عن رسوله مثل :الوجه ، الغضب ، الفرح ، الاستواء ، الضحك ……

وهي تنقسم الى قسمين :

(أ) صفات فعلية تتجدد حسب مشيئة الله وهي: النزول ، الاستواء على العرش ، المجيء ، الغضب ، الفرح  ، الضحك

(ب) صفات ذاتية قائمة بذاته مثل : الوجه، اليد، العين،القدم

وكل صفات الله سبحانه وتعالى لاتشبه صفات المخلوقين وإن اشترك اللفظ في ذلك[ المرجع السابق 207، 208 ]                                                                   إذن (( الفرح )) صفة من صفات الله تبارك وتعالى الفعلية التي

 تتجدد حسب مشيئة الله تبارك وتعالى ، وقد انفردت السنة  بهذه الصفة دون الكتاب ، وتلقاها أهل السنة بالقبول بل أجمعوا على إثباتها ، وهي تدل على لطف الله بعباده ورحمته لهم ، حيث يوفق من شاء من عباده ليتوبوا فإذا تابوا تقبل توبتهم وفرح بها فرحاً شديداً ولطيفاً في وقت واحد .قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - :"لله اشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه ، وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتب شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته ، فبينما هوكذلك إذ هو بها قائمة عنده ، فأخذ بخطامها ، ثم قال من شدة الفرح : ( اللهم أنت عبدي وأنا ربك ) أخطأ من شدة الفرح "[ صحيح البخاري ، كتاب الدعوات ، باب التوبة رقم 6308 ( فتح الباري ج11 ص 102 ) ، صحيح مسلم ، كتاب التوبة ، باب الحض على التوبة ج 4 ص 2104 رقم2747 واللفظ له ]

وأهل السنة يثبتون هذه الصفة في هذا الحديث من دون تأويل ، ولا يشبهون صفات الله بصفات المخلوقين ، ومعنى الفرح معلوم ، وكيفيته لدينا مجهولة ، والإيمان به واجب [ أنظر الصفات الالهية للجامي ص 297 –298]

الى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السابعة في موضوع الفرح وستكون بعنوان :

 *أحاط العذاب بمن فرحوا بما عندهم من العلم -في زعمهم-  عما جاءتهم به الرسل :

قال تعالى :(( فلما جآءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤن ))[ سورة  غافر الآية / 83 ] 

قال ابن كثير :يخبر تعالى عن الأمم المكذبة بالرسل في قديم الدهر ، وماذا حل بهم من العذاب الشديد ، مع شدة قواهم ،وما أثرّوه في الأرض ، وجمعوه من الأموال، فما اغنى عنهم ذلك شيئاً ، ولا ردّ عنهم ذرةّ من  بأس الله ؛ وذلك لأنهم لما جاءتهم الرسل بالبينات ، والحجج القاطعات ، والبرلهين الدامغات ، لم يلتفتوا إليهم

، ولا أقبلوا عليهم ، واستغنوا بما عندهم من العلم في زعمهم عما جاءتهم به الرسل  .

قال مجاهد: قالوا : نحن أعلم منهم ، لن نُبعث ولن نعذب .

وقال السدي : فرحوا بما عندهم من العلم بجهالتهم ، فأتاهم من بأس الله مالا قبل لهم به [ تفسير ابن كثير جـ 7 ص 148]

وقال القرطبي: (( فرحوا بما عنهم من العلم )) في معناه ثلاثة أقوال :

= قال مجاهد : لإن الكفار الذين فرحوا بما عندهم من العلم قالوا: نحن أعلم منهم لن نعذب ولن نبعث .

وقيل : فرح الكفار بما عندهم من علم الدنيا نحو (( يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا )) .

وقيل : الذين فرحوا ؛ الرسل لمّا كذبهم قومهم ، أعلمهم الله  عز وجل أنه مهلك الكافرين ومنجيهم والمؤمنين فـ (( فرحوا بما عندهم من العلم)) بنجاة المؤمنين(( وحاق بهم )) أي : بالكفار  (( ما كانوا به يستهزئون )) أي عقاب اسنهزائهم بما جاء به الرسل صلوات الله عليهم [ تفسير القرطبي جـ 15 ص 336]

*فرح قارون وبطره وأشره  المذموم :

قال تعالى:(( إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم، وآتيناه من الكنوز مآ إن مفاتحه لتنوآ بالعصبة أولى القوة ، إذ قال له قومه لا تفرح لإن الله لايحب الفرحين ، وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا ، وأحسن كمآ أحسن الله اليك ، ولا تبغ الفساد في الارض،إن الله لايحب المفسدين )[سورة القصص الآيتان/ 76،77 ]

قال ابن كثير: وقوله(( إذ قال له قومه: لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين)) أي :وعظه فيما هو فيه صالحو قومه فقالوا على سبيل النصح والإرشاد : لاتفرح بما أنت فيه، يعنون لاتبطر بما أنت فيه من الأموال ،( (إن الله لايحب الفرحين) قال ابن عباس : يعني المرحين، وقال مجاهد : يعني الأشرين البطرين ، الذين لايشكرون الله على

 ما أعطاهم[ تفسير ابن كثير جـ 6 ص 263]

قال القرطبي : (( لاتفرح)) أي لا تأشر ولا تبطر (( إن الله لا يحب الفرحين )) أي : البطرين ؛ قاله مجاهد والسدي  ، قال الشاعر : ولست بمفراحٍ إذا الدهرُ سرني *** ولا ضارع في صرفه المتقلب

 وقال الزجاج : المعنى: لا تفرح بالمال فإنّ الفرح بالمال لا يؤدي حقه ، وقال مبشر بن عبد الله : لا تفرح : لا تفسد  

وقال مجاهدأيضاً : معنى لا تفرح : لا تبغ(( إن الله لايحب الفرحين ))

 أي : الباغين ….. ) [ تفسير القرطبي جـ 13 ص 313، 314]

الى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثامنة في موضوع الفرح وستكون بعنوان :

 *يجب أن يكون الفرح شكراً ، والحزن صبراً

  قال تعالى (( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأهآ ، إن ذلك على الله يسير ، لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بمآ آتاكم ، والله لايحب كل مختال فخور ، الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ، ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد )[ سورة الحديد الآيات / 22، 24]    

 قال ابن كثير : أي : أعلمناكم بتقدم علمنا وسبق كتابتنا للأشياء قبل كونها ، وتقديرنا الكائنات قبل وجودها ، لتعلموا أن ما أصابكم لم يكن ليخطأكم ، وما أخطأكم لم يكن ليصيبكم ، فلا تأسوا على ما فاتكم ، فانه لو قدر شيئ لكان ،(ولا تفرحوا بما أتاكم )، أي : جاءكم ، ويقرأ (أتاكم) أي: أعطاكم ، وكلاهما متلازم ، أي: لا تفخر  على الناس بما أنعم الله به عليكم ، فإن ذلك ليس بسعيكم  ولا كدكم ، وإنما هو من قدر الله ورزقه لكم ، فلا تتخذوا  نعم الله أشراً وبطراً ، تفخرون بها على الناس ،ولهذا قال: ( والله لايحب كل مختال فخور ) ،

 أي : مختال في نفسه متكبر فخور ، أي : على غيره .

وقال عكرمة : ليس أحد إلا وهو يفرح ويحزن ، ولكن اجعلوا الفرح شكراً  والحزن صبراً … ) [ تفسير ابن كثير جـ 8 ص50]

وأخرج مسلم بسنده من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنةٍ قال :وعرشه على الماء ) [ صحيح مسلم ، كتاب القدر ، جـ 4ص2044 رقم الحديث 2653 ]  

  وقال القرطبي :(( ولا تفرحوا بما آتاكم )) أي : من الدنيا قاله ابن عباس ، وقال سعيد بن جبير : من العافية والخصب  ، وروى عكرمة عن ابن عباس : ليس من أحد إلا وهو يحزن ويفرح ، ولكن المؤمن يجعل مصيبته صبراً ، وغنيمته شكراً  ، والحزن والفرح المنهي عنهما هما اللذان يتعدى فيهما الى مالا يجوز ، قال تعالى ( والله لايحب كل مختال فخور) أي : متكبر بما أوتى من الدنيا ، فخور به على الناس … قال جعفر بن محمد الصادق : يابن آدم مالك تأسى على مفقود لا يرده عليك الموت ، أو تفرح بموجود لا يتركه في يديك الموت ،وقيل لبرزجمهر: أيها الحكيم  مالك لاتحزن على ما فات ؟ولا تفرح بما هو آت ؟ قال : لأن الفائت لا يتلافى بالعبرة ،والآتي لايستدام بالحبرة)                                                                                                  

[ تفسير القرطبي جـ 17 ص 258]

 المسلم لا ينقاد الى الهدايا على حساب دينه ، وغير المسلم ينقاد للهدايا والتحف قال تعالى: (( فلما جآ سليمان ، قال : أتمدوننِ بمالٍ فما آتانِ الله خير ممآ آتاكم ، بل أنتم بهديتكم تفرحون)[سورة النمل الآية / 36  ]               

قال ابن كثير : والظاهر أن سليمان ـ عليه السلام ـ لم ينظر الى ما جاءوا به بالكلية ، ولا اعتنى به ، بل اعرض عنه، وقال منكراً عليهم : (( أتمدونن بمال )) ؟ ، أي : أتصانعونني بمال لأترككم على شرككم وملككم ؟(( فما آتاني الله خير مم آتاكم ))، أي : الذي أعطاني الله من الملك والمال والجنود خيرً مما انتم فيه (( بل انتم بهديتكم تفرحون ))، أنتم الذين تنقادون للهدايا والتحف ، واما أنا فلا أقبل منكم إلا الإسلام أوالســـيف …)[ تفسير ابن كثير جـ 6 ص 201]

وقال  القرطبي : (( بل أنتم بهديتكم تفرحون )) لأنكم أهل مفاخرة  ، ومكاثرة في الدنيا  … )[ تفسير القرطبي جـ 13 ص 201 ]  

 قال ابن العربي : يروى أنها قالت : إن كان نبياً لم يقبل الهدية ، وإن كان ملكاً قبلها ، وفي صفة النبي محمد صلى الله عليه وسلم  :  إنه يقبل الهدية ، ولا يقبل الصدقة ، وكذلك كان سليمان ، وجميع الأنبياء يقبلوا الهدية .   وإنما جعلت بلقيس قبول الهدية أو ردها علامة على ما في نفسها ؛ لإنه قال لها في كتابه (( ألاّ تعلوا علىّ وأتوني مسلمين  )) وهذا لا تقبل فيه فدية ، ولا تؤخذ عنه هدية .

 وليس هذا من الباب الذي تقرر في الشريعة من قبول الهدايا بسبيل ؛ وإنما هي رشوة، وبيع الحق بالمال هو الرشوة التي لا تحل..، وأما الهدية المطلقة للتحبب ، والتواصل فإنها جائزة من كل واحد ، وعلى كل حال [ أحكام القرآن لابن العربي جـ3 ص 1461]

الى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة التاسعة في موضوع الفرح وستكون بعنوان :

*الإنسان من حيث هو إذا أصابته نعمة بطر

 وإذا أصابته شدّة قنط إلا من عصم الله :

قال تعالى : (( وإذا أذقنا الناس رحمةً فرحوا بها ، وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون ))[ سورة الروم الآية / 36]  

قال ابن كثير : هذا إنكار على الإنسان من حيث هو إلا من عصمه الله  ووفقه ، فإن الإنسان إذا أصابته نعمة بطر وقال : (( ذهبت السيئات عني ؛ إنه فرح فخور )) [سورة هود الآية / 10 ]، أي : يفرح في نفسه ويفخر على غيره  ، وإذا أصابته شدّة قنط ، وآيس أن يحصل له بعد ذلك خير بالكلية ، قال تعالى : (( إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات )) أي : صبروا في الضراء ، وعملوا الصالحات في الرخاء ، كما ثبت في الصحيح :" عجباً للمؤمن ؛ لا يقضي الله له قضاء إلا كان خيراً له ، إن أصابته سراء شكر ، فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له " أخرجه مسلم في الصحيح ، كتاب الزهد ،باب المؤمن أمره كله خير جـ 4 ص2295 من حديث صهيب  ، قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم : "عجباً لأمر المؤمن ، أن أمرهكله خير ،وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن ،إن أصابته سراء شكر ، فكان خيراً له ،وإن أصابته ضراء صبر ، فكان خيراً له "[ تفسير ابن كثير جـ 6 ص 324 ]     

وقال القرطبي : .. الآية صفة للكفار ، يقنط عند الشدة ، ويبطر عند النعمة  ، كما قيل :

   كحمار السـوء إن أعلـفـتـه =====  رمـح الناس وإن جـاع نـهـق

وكثير ممن لم يرسخ  الإ يمان في قلبه بهذه المثابة ؛ …

فأما المؤمن فيشـكـر  ربه عند النعمة ، ويرجوه عـنـد الشـدة … )    [ تفسير القرطبي جـ 14 ص 34

  *الفرح والمرح في الأرض بغير الحق جزاؤه دخول جهنم

قال تعالى:(( ذلك بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق ،وبما كنتم تمرحون،ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين )) [ سورة غافر الآيتان / 75 ، 76 ]  

قال ابن كثير: أي : تقول لهم الملائكة : هذا الذي انتم فيه ، جزاءَ على فرحكم في الدنيا بغير الحق ، ومرحكم وأشركم وبطركم ، (( ادخلوا ابواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين )) أي : فبئس المنزل والمقيل  الذي فيه الهوان والعذاب الشديد، لمن استكبر عن آيات الله ، واتباع دلائله وحججه [ تفسير ابن كثير جـ 7 ص 147]

وقال القرطبي : قوله تعالى ((ذلكم)) أي:ذلكم العذاب (( بما كنتم تفرحون )) بالمعاصي ، يقال لهم ذلك توبيخاً. أي إنما نالكم هذا بما كنتم تظهرون في الدنيا من السرور بالمعصية وكثرة المال والأتباع والصحة ، وقيل : إن فرحهم بها عندهم أنهم قالوا للرسل : نحن نعلم أنا لا نبعث  ولا نعذب …(( وبما كنتم تمرحون ))قال مجاهد وغيره :أي تبطرون وتأشرون ..

وقال الضحاك : الفرح والسرور ،  والمرح العدوان[تفسير القرطبي جـ 15 ص 333 ]

الى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة العاشرة في موضوع الفرح وستكون بعنوان :

*فرح المؤمنين بنصر أهل الكتاب على الوثنيين

قال تعالى  :(( ألـم ، غلبت الروم ، في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون،  في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذيفرح المؤمنون ، بنصر الله ينصر من يشآء  وهو العزيز الرحيم ))[ سورة الروم الآيات / 1ـ5 ]    

قال ابن كثير : .. كانت الواقعة الكائنة بين فارس والروم حين غلبت الروم بين أذرعات وبصرى على ماذكره ابن عباس وعكرمة وغيرهما ، وهي طرف بلاد الشام مما يلي بلاد الحجاز ..ثم كان غلب الروم

لفارس بعد بضع سنين ، وهي تسع سنين .. وقوله(( لله الأمر من قبل ومن بعد )) أي : من قبل ذلك ومن بعده ..(( ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله )) أي : للروم أصحاب قيصر ملك الشام ، على فارس أصحاب كسرى وهم المجوس …ولما انتصرت فارس على الروم ساء ذلك المؤمنين، فلما انتصرت الروم على فارس فرح المؤمنون بذلك ،لأن الروم أهل كتاب في الجملة ، فهم أقرب الى المؤمنين من المجوس  كما قال تعالى(( لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ، ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا :إنا نصارى ، ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لايستكبرون..)) [ سورة المائدة الآيتان / 82 ،83 ]   

وقوله (( وعدالله لايخلف الله وعده )) أي : هذا الذي أخبرناك به  ـ يامحمد ـ من أنا سننصر الروم على فارس ، وعد من الله حق ، وخبر صادق لايخلف ، ولا بد من كونه ووقوعه ؛ لأن الله قد جرت سنته أن ينصر أقرب الطائفتين المقتتلتين إلى الحق ، (( ولكن أكثر الناس لا يعلمون )) أي بحكم الله في كونه وأفعاله المحكمة الجارية على وفق العدل ..[ تفسير ابن كثير جـ 6 ص311  ]

وقال القرطبي : قال النحاس : وقول آخر وهو أولى : أن فرحهم إنما كان لإنجاز وعد الله تعالى ؛ إذ كان فيه دليل على النبوة لإنه أخبر تبارك وتعالى بما يكون في بضع سنين فكان فيه [تفسير القرطبي جـ 14 ص 5]

*فرح المنافقون بما يسوء المؤمنين

قال تعالى: (( يآأيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ودّوا ماعنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بيّنا لكم الآيات إ ن كنتم تعقلون ، هآأنتم أولآء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور ، إن تمسسكم حسنة تسؤهم  وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها ، وإن تصيروا وتتقوا لايضركم كيدهم شيئاً ، إن الله بما يعملون محيط) [ سورة آل عمران الآيات/ 118 ت120]  

 قال ابن كثير: قال تعالى:(( إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها )) وهذه الحال دالة على شدة العداوة منهم للمؤمنين وهو أنه إذا أصاب المؤمنين خصب،ونصر،وتأييد،وكثروا وعزأنصارهم

، ساء ذلك المنافقين ، وإن أصاب المسلمين سنة ، ـ أي : جدب ـ أو أديل عليهم الأعداء لما لله في ذلك من الحكمة ، كما جرى يوم أحد ـ فرح المنافقون بذلك ، قال الله تعالى مخاطباً عباده المؤمنين : ( وإن تصبروا وتتقوا لايضركم كيدهم شيئاً ) الآية ،يرشدهم تعالى الى السلامة

من شر الأشرار وكيد الفجار ،بإستعمال الصبر والتقوى ، والتوكل

على الله الذي هو محيط بإعدائهم ، فلا حول ولاقوة لهم إلا به وهو الذي ماشاء كان ، ومالم يشأ لم يكن ،ولا يقع في الوجود شيء إلا بتقديره ومشيئته ، ومن  توكل  عليه كفاه  . [ تفسير ابن كثير جـ  2 ص 90]

 قال القرطبي : والمعنى في الآية : أن من كانت هذه صفته من شدة العداوة والحقد والفرح بنزول الشدائد على المؤمنين، لم يكن أهلاً لأن يتخذ بطانة ، لاسيما في هذا الأمر الجسيممن الحهاد الذي هو ملاك

 الدنيا والآخرة …[ تفسير القرطبي جـ 4 ص 183] 

الى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الحادية عشرة في موضوع الفرح وستكون بعنوان :                

*الفرح الممدوح : الفرح بما جاء من الله من الهدى ودين الحق

قال تعالى : (( يآأيها الناس قد جآءتكم موعظة من ربكم وشفآء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين، قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون )) [ سورة يونس الآيتان / 57 ،58 ]

قال ابن كثير: أي : بهذا الذي جاءهم من الله من الهدى ودين الحق

 ، فليفرحوا ، فإنه أولى ما يفرحون به، (( هو خير مما يجمعون )) ، أي : من حطام الدنيا وما فيها من الزهرة الفانية الذاهبة لامحالة[ تفسير ابن كثير جـ 4 ص 211]

وقال القرطبي : قوله تعالى : ((قل بفضل الله وبرحمته )) قال ابو سعيد الخدري وابن عباس : فضل الله : القرآن ، ورحمته : الإسلام . وعنهما أيضاً : فضل الله : القرآن ، ورحمته : أن جعلكم من أهله . وعن الحسن والضحاك ومجاهد وقتادة : فضل الله : الإيمان ، ورحمته : القرآن على العكس من القول الأول . وقيل : غير هذا (( فبذلك فليفرحوا )) إشارة إلى الفضل والرحمة ،والعرب تأتي "بذلك" للواحد

 والأثنين والجمع . وروي عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم أنه قرأ ( فبذلك فلتفرحوا ) بالتاء ..والفرح : لذة في القلب بإدراك المحبوب ، وقد ذم الفرح في مواضع … ولكنه مطلق . فإذا قُيد الفرح لم يكن ذمّاً لقوله (( فرحين بما آتاهم الله من فضله)،وهاهنا قال تبارك وتعالى (فبذلك فليفرحوا ) أي: بالقرآن والإسلام فليفرحوا ؛ فقيل . .. (( هو خير مما يجمعون )) يعني في الدنيا [ تفسير القرطبي  جـ 8 ص 353 ، 354  ]

*الفرح المذموم :   فرح اليهود والمنافقين والمتكثرين بمالم يفعلوا ومالم يعطوا

قال تعالى: (( لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا  ويحبون أ     ن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم [ سورة آل عمران الآية / 188 ]            
قال ابن كثير : يعني بذلك المرائين المتكثرين بما لم يعطوا ، كما جاء في الصحيحين عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم : " من ادعى دعوى كاذبة ليتكثر بها لم يزده الله  الا قلة " [أخرجه مسلم في صحيحه ، كتاب الإيمان ، باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه جـ 1 ص 104 رقم 176 من حديث ثابت بن الضحاك ] 
 وفي الصحيح : " المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبيّ زور " [أخرجه البخاري في الصيح ، كتاب النكاح ، باب المتشبع بما لم ينل .. جـ 9 ص 317 رقم 5219 ، من حديث أسماء " أن إمرأة قالت : يارسول الله إن لي ضرة، فهل علىّ جناح إن تشبعت من زوجي غير الذي يعطيني ؟فقال:الحديث ]    
وقال البخاري : باب (( لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا )) ثم ساق بسنده حديث أبي سعيد الخدري " أن رجالاً من المنافقين على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ  كان إذا خرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى الغزو تخلّفوا عنه وفرحو بمقعدهم خلاف رسول الله ، فإذا قدم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ اعتذروا إليه وحلفوا ، وأحبوا أن يحمدوا بمالم يفعلوا ،فنزلت (( لا تحسبن الذين يفرحوا )) الآية "
وأخرج البخاري أيضاً بسنده من حديث علقمة بن وقاص " أن مروان قال لبوابه: اذهب يارافع الى ابن عباس فقل : لأن كان كل امريء فرح بما أوتي واحب أن يحمد بما لم يعمل معذباً لنعذبن أجمعون . فقال ابن عباس: مالكم ولهذا ؟ إنما دعا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يهود فسألهم عن شيئ ، فكتموه أياه ، وأخبروه بغيره  فأروه أن قد استحمدوا اليه بما أخبروه عنه فيما سألهم وفرحوا بما أتوا من كتمانهم . ثم قرأ ابن عباس (( وإذ أخذ الله  ميثاق الذين أوتوا الكتاب )) كذلك حتى قوله (( يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بمالم يفعلوا ))                                                             [صحيح البخاري ، كتاب التفسير ،باب (( لاتحسبن الذين يفرحوا بما أتوا )) جـ 8 ص 233 رقم 4567 ، 4567]   

الى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثانية عشرة في موضوع الفرح وستكون بعنوان :                

الفرح الممدوح :

       فرح أهل الكتاب ـ القائمين بمقتضاه ـ بما أنزل من القرآن

قال تعالى : ((والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك ومن الأحزاب من ينكر بعضه ، قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به ~ إليه أدعو وأليه مئاب ،وكذلك أنزلناه حكماً عربيا ، ولئن اتبعت أهوائهم بعد ما جآءك من  العلم مالك من الله من وليٍ ولا واقٍ )) [ سورة الرعد الآيتان/ 36 ، 37 ]                  

قال ابن كثير : يقول تعالى : (( والذين آتيناهم الكتاب )) وهم قائمون بمقتضاه ، (( يفرحون بما أنزل إليك)) أي : من القرآن لما في كتبهم من الشواهد على صدقه والبشارة به،كما قال تعالى:( الذين آتيناهم

الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ، ومن يكفر به فاولئك هم الخاسرون ))[ سورة البقرة الآية / 121]

  وقال تعالى : (( قل آمنوا به أول تؤمنوا إ ن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجداً ويقولون: سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا )) [سورة الإسراء  الآيتان / 107 ،108 ] أي : إن كان ما وعدنا الله به في كتبنا من إرسال

 محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ لحقاً وصدقاً مفعولاً لا محالة ، وكائتاً ، فسبحانه ما أصدق وعده ، فله الحمد وحده (( ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً )[سورة الإسراء الآية / 109 ،تفسير ابن كثير جـ 4 ص 288  ]                     

قال القرطبي : أي : بعض من أوتى الكتاب يفرح بالقرآن ، كابن سلام وسلمان ، والذين جاءوا من الحبشة ؛ فاللفظ عام ، والمراد الخصوص. وقال قتادة : هم أصحاب محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ يفرحون بنور القرآن ؛ وقاله مجاهد وابن زيد . وعن مجاهد أيضاً : أنهم مؤمنوا أهل الكتاب   وقيل : هم جماعة أهل الكتاب من اليهود والنصارى يفرحون بنزول القرآن لتصديقه كتبهم [ تفسير القرطبي جت 9 ص 325، 326]

*الفرح الممدوح و المذموم : المؤمن يفرح في السراء فيشكر وفي الضراء فيصبروغيره يفرح في السراء فينسى الشكر وييأس في الضراء

قال تعالى : (( ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليئوس كفور ، ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني~ إنه لفرح فخور، إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم

مغفرة وأجر كبير )[ سورة هود الآيات / 9 ـ11]  

 قال ابن كثير : يخبر تعالى عن الإنسان وما فيه من الصفات الذميمة ، إلا من رحم الله من عباده المؤمنين ، فإنه إذا أصابته شدة بعد نعمة ، حصل له يأس وقنوط من الخير  بالنسبة الى المستقبل ، وكفر

وجحود لماضي الحال ،كأنه لم ير خيراً،ولم يرجُ بعد ذلك فرجاً  . وهكذا إ ن أصابته نعمة بعد نقمة (( ليقولن ذهب السيئات عني ))، أي : يقول : ما بقي ينالني بعد هذا ضيم او سوء ، (( أنه لفرح فخور ))

،أي : فرح بما في يده ، بطر فخور على غيره .

قال تعالى : (( إلا الذين صبروا )) أي : في الشدائد والمكاره،

(( وعملوا الصالحات )) ،أي : في الرخاء والعافية ، (( أولئك لهم مغفرة )) ، أي : بما يصيبهم من الضراء ، (( وأجر كبير )) ، بما اسلفوه في زمن الرخاء ،كما جاء في الحديث :" ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم ـ حتى الشوكة يُشاكها ـ إلا كفر الله بها من خطاياه "[أخرجه البخاري في الصحيح ، كناب المرضى حديث رقم 5641،5642 (فتح الباري ج10 ص 103 ) ، ومسلم في الصحيح ، كتاب البر ،حديث رقم 52 ،ج4 ص 1992 ، من حديث أبي هريرة عندهما ] 

وفي الصحيحين: "والذي نفسي بيده ، لايقضي الله للمؤمن قضاء إلا

 كان خيراً له ، إن أصابته سراء فشكر كان خيراً له ، ,عن أصابته ضراء فصبر كان خيراً له ، وليس ذلك لأحد غير المؤمن "[ صحيح مسلم ، كتاب الزهد ، باب المؤمن أمره كله خير ج4 ص 2295 رقم64من حديث صهيب  بنحوه ]

وهكذا قال الله تعالى :(( والعصر ، إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) [ سورة العصر ] وقال تعالى : (( إن الإنسان خلق هلوعاً ، إذا مسه الشر جزوعاً ، وإذا مسه الخير منوعاً ، إلا المصلين )) [ سورة المعارج الآيات / 19ـ22 ، تفسير ابن كثير ج4 ص 234]

 الى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
 
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
فهذه الحلقة الثالثة عشرة في موضوع الفرح وستكون بعنوان :                
*الفرح المذموم : فرح المنافقين بتخلفهم عن القتال

قال تعالى : (( ومنهم من يقول ا ئذن لي ولا تفتني ~ ألا في الفتنة سقطوا ، وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ، إن تصبك حسنة تسؤهم ، وإن تصبك مصيبة يقولوا : قد أخذنآ أمرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون )) [ سورة التوبة الآيتان / 49، 50]

قال القرطبي : الحسنة : الغنيمة والظفر ، والمصيبة : الإنهزام  . ومعنى قولهم (( أخذنا أمرنا من قبل )) أي : احتطنا لأنفسنا وأخذنا بالحزم فلم نخرج إلى القتال . (( ويتولوا )) أي : عن الإيمان . ((وهم  

فرحون )) أي : معجبون بذلك[ تفسير القرطبي 8ص 159]

وقال ابن كثير : يعلم تبارك وتعالى نبيه بعداوة هؤلاءله ، لأنه مهما أصابه من ((حسنة )) ، أي : فتح ونصر وظفر على الأعداء ، مما يسره ويسر أصحابه ، سـاءهم ذلك ، (( وإن تصبك مصيبة يقولوا

  قد أخذنا أمرنا من قبل ))، أي : قد احترزنا من متابعتة ، فقال: ((قل ))، أي : لهم (( لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا )) ، أي : نحن تحت مشيئة الله ، وقدره ، (( هو مولانا )) ، أي: سيدنا وملجؤنا (( وعلى الله فليتوكل المؤمنون )) ، أي: ونحن متوكلون عليه ، وهو حسبنا ونعم الوكيل ." [ تفسير ابن كثير ج4 ص 102 ]

وقال صاحب الظلال : (( ألا في الفتنة سقطوا  وإن جهنم لمحيطة بالكافرين )) ..التعبير يرسم مشهداً كأن الفتنة فيه هاوية يسقط فيها المفتونون ؛ وكأن جهنم من ورائهم تحيط بهم ، وتأخذ عليهم المنافذ والمتجهات فلا يفلتون . كناية عن مقارفتهم للخطيئة كاملة وعن انتظار  العقاب عليها حتماً ، جزاء الكذب والتخلف والهبوط الى هذا المستوى المنحط من المعاذير . وتقريراً لكفرهم وإن كانوا يتظاهرون بالإسلام وهم فيه منافقون .

إنهم لا يريدون بالرسول خيراً ولا بالمسلمين ؛ وإنهم ليسوؤهم أن يجد الرسول والمسلمون خيراً :(( إن تصبك حسنة تسؤهم)) ، وإنهم ليفرحوا لما يحل بالمسلمين من مصائب وما ينزل بهم من مشقة :

((وإن تصبك مصيبة يقولوا : قد أخذنا أمرنا من قبل)) .. ، واحتطنا  ألا  نصاب مع المسلمين بشر ، وتخلفنا عن الكفاح والغزو ؟ (( ويتولوا وهم فرحون)) بالنجاة وبما أصاب المسلمين من بلاء … [ في ظلال القرآن ج3 ص 1664 ط الشروق]       

*الفرح المذموم  : فرح كل حزب بما لديه

قال تعالى : ( وإن هذه ~أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون ، فتقطعوآ

أمرهم بينهم زبراً كل حزب بما لديهم فرحون ، فذرهم في غمرتهم حتى حين )) [ سورة المؤمنون الآيات / 52 ـ54 ]

قال ابن كثير : أي : دينكم ـ يامعشر الأنبياء ـ دين واحد ، وملة

 

 

واحدة ، وهو الدعوة  إلى عبادة الله وحدة لا شريك له ، ولهذا قال

: (( وأنا ربكم فاتقون )) …وقوله (( فتقطعوا أمرهم بينهم  زبراً )) ،

 أي : الأمم الذين بُعثاليهم الأنبياء ، (( كل حزب بما لديهم فرحون ))، أي :يفرحون بما هم فيه من الضلال لأنهم يحسبون أنهم مهتدون ولهذا قال متهدداً لهم متوعداً (( فذرهم في غمرتهم )) ، أي: في غيهم وضلالهم (( حتى حين)) ، أي : إلى حين حينهم وهلاكهم كما قال تعالى :  ((فمهل الكافرين أمهلهم رويداً))[ سورة الطارق الآية / 17] ، وقال تعالى: (( ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل ، فسوف يعلمون )) [ سورة الحجر الآية / 3 ، تفسير ابن كثير ج5 ص 472  ]  

وقال القرطبي : هذه الآية تنظر الى قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :" ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة "  . الحديث أخرجه أبو داود ، ورواه الترمذي وزاد : قالوا : ومن هي يارسول الله ؟ قال : " ما أنا عليه وأصحابي "  خرجه من حديث عبد الله بن عمرو [ ذكره الألباني في صحيح الجامع  رقم 1093 ،1094 ثم قال : صحيح  ] وهذا يبين أن الإفتراق المحذر منه في الآية والحديث إنما هو في أصول الدين وقواعده ، لأنه قد أطلق عليها مللاً ؛ وأخبر أن التمسك بشيء من تلك الملل موجب لدخول النار …، وقوله تعالى: ((زبراً )) يعني كتباً وضعوها وضلالات ألفوها ؛ قاله ابن زيد . وقيل : إنهم فرّقوا الكتب فاتبعت فرقة الصحف وفرقة التوراة وفرقة الزبور وفرقة الإنجيل ، ثم حرف الكل وبدّل  …((كل حزب )) أي : فريق وملة (( بمالديهم )) أي : عندهم من الدين

((فرحون ))أي : معجبون به [ تفسير القرطبي ج12 ص 129 ، 130 ]    

الى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
 
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
فهذه الحلقة الرابعة عشرة في موضوع الفرح وستكون بعنوان :                
*الفرح المذموم : كل حزب بما لديهم فرحون                                                             

قال تعالى: (( من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً ، كل حزب بما لديهم فرحون))[ سورة الروم الآية / 32  ]                             

قال ابن كثير : أي : لا تكونوا من المشركين الذين قد فرقوا دينهم ، أي: بدلوه وغيروه وآمنوا ببعض وكفروا ببعض، وقرأ بعضهم (( فارقوا دينهم )) ، أي: تركوه وراء ظهورهم ، وهؤلاء كاليهود والنصارى والمجوس وعبدة الأوثان ، وسائر أهل الأديان الباطلة ، مما عدا أهل الإسلام ، كما قال تعالى: ((إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً ، لست منهم في شيء،إنما أمرهم إلى الله،ثم ينبئهم بماكانوا يفعلون )) [  سورة الأنعام الآية / 159 ]  فأهل الأديان قبلنا اختلفوا فيما بينهم على آراء وملل باطلة ،وكل فرقة منهم تزعم انهم على شيء ، وهذه الأمة أيضاً اختلفوا فيما بينهم على نحل كلها ضلالة إلا واحدة ، وهم أهل السنة والجماعة ، المتمسكون بكتاب الله وسنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وبما كان عليه الصدر الأول من الصحابة والتابعين ، وأئمة المسلمين في قديم الدهر وحديثه ، كما رواه الحاكم في مستدركه أنه سئل عليه السلام عن الفرقة الناجية منهم ، فقال :: ما أنا عليه وأصحابي " [ تفسير ابن كثير ج6 ص 322 ]

وقال القرطبي: (( من الذين فرقوا دينهم )) تأوله أبو هريرة وعائشة وأبو أمامة: أنه لأهل القبلة من أهل الأهواء والبدع . ..وقال ابو الربيع بن انس : الذين فرقوا دينهم أهل الكتاب من اليهود والنصارى ؛ وقاله قتادة ومعمر . وقرأ حمزة والكسائي : (( فارقوا دينهم )) ، وقد فرأ بذلك علي بن أبي طالب ؛ أي : فارقوا دينهم الذي يجب اتباعه، وهو التوحيد . (( وكانوا شيعاً )) أي : فرقاً ؛ قاله الكلبي . وقيل : أدياناً ؛قاله مقاتل . (( كل حزب بما لديهم فرحون )) أي : مسرورون معجبون ، لأنهم لم يتبينوا الحق وعليهم أن يتبينوه . وقيل : كان هذا قبل أن تنزل الفرائض . وقول ثالث : أن العاصي لله عز وجل قد يكون فرحاًبمعصيته ، فكذلك الشيطان وقطاع الطريق وغيرهم ، والله اعلم [ تفسير القرطبي ج14 ص 32 ]        

*الفرح الممدوح : فرح الشهداء بما آتاهم الله من فضله                          

قال تعالى : ((ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً ، بل أحيآء عند ربهم يرزقون ،فرحين بمآ آتاهم الله من فضله ، ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألاّ خوف عليهم ولا هم يحزنون، يستبشرون بنعمة من الله وفضل،وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين )) [ سورة آل عمران الآيات / 169 ـ 171 ]  

قال ابن كثير : يخبر تعالى عن الشهداء بأنهم وإن قتلوا في هذه الدار فإن أرواحهم حية مرزوقة في دارالقرار[ تفسير ابن كثير ج2 ص 139 ]

وأخرج مسلم بسنده من حديث مسروق قال : سألنا عبد الله بن مسعود عن هذه الآية …قال : أما أنا قد سألنا عن ذلك فقال:" أروحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش ، تسرح من الجنةحيث شاءت ،ثم تأوي إلى تلك القناديل.. " الحديث [ صحيح مسلم ج3ص1502 رقم 1887 ]  والشهيد يفرح ويستبشر بمغفرة من الله  قال تعالى : (( فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا ، لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار، ثواباً من عند الله ، والله عنده حسن الثواب )) [ سورة آل عمران الآية / 195] ويفرح بدخول الجنة ، قال تعالى : (( والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم ويدخلهم الجنة عرفها لهم )) [ سورة محمد الآيتان  / 4،5 ]  

ويفرح بحصول الأجر العظيم ،قال تعالى: (( ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيماً ))[ سورة النساء الآية / 74   ]   

الى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الخامسة عشرة في موضوع الفرح وستكون بعنوان :                

*الفرح الممدوح : فرح المسلمين بحديث " المرء مع من أحب"

    أخرج الترمذي بسنده من حديث أنس أنه قال : جاء رجل إلى                                 

رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال :يارسول الله متى الساعة ؟ فقام النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة فلما قضى صلاته قال أين السائل عن قيام الساعة ؟ فقال الرجل : أنا يارسول الله . قال : (ما أعددت لها ؟ ) قال : يا رسول الله ما أعددت كبير صلاة ولا صوم إلا أني أحب الله ورسوله،فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :( المرء مع من أحب ، وأنت مع من أحببت)  فما رأيت فرح المسلمون بعد الإسلام فرحهم بهذا .قال ابو عيسى : هذا حديث صحيح ،وفي الباب عن علي ، وعبد الله بن مسعود ، وصفوان بن عسال ، وأبي هريرة، وأبي موسى الأشعري [سنن الترمذي ،كتاب الزهد ، باب ما جاء أن المرء مع من أحب ، ج4 ص 595 رقم 2385 ] ذكره ألألباني مختصراً ثم قال : صحيح [صحيح الجامع رقم6565 ] وأصله مختصراً عند البخاري ومسلم من حديث : أنس ، وعبد الله بن مسعود ، وأبي موسى الأشعري [ صحيح البخاري ، كتاب الأدب ، باب علامة الحب في الله ( فتح الباري ج10 ص 557 رقم 6168)، وصحيح مسلم ، كتاب البر رقم 165 ] 

*الفرح الممدوح : فرح النبي –صلى الله عليه وسلم – بمايعجبه من الأسماء                          

أخرج أبو داود بسنده من حديث عبد الله بن بريده عن أبيه" أن النبي – صلى الله عليه وسلم –كان لايتطير من شيء ، وكان إذا بعث عاملاُ سأل عن اسمه : فإذا أعجبه اسمه فرح به ورُؤى بشر ذلك في وجهه ، وإن كره اسمه رُؤى كراهية ذلك في وجهه ، وإذا دخل قرية سأل عن اسمها : فإن أعجبه اسمها فرح بها ورُؤى بشر ذلك في وجهه ، وإن كره اسمها رُؤى كراهية ذلك في وجهه " [ سنن أبي داود ، كتاب الطب ، باب في الطيرة ، ج 4 ص 19 ] ذكره الألباني في الصحيحه ثم قال : وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين [ الصحيحة ج2 ص 400 رقم 762 ]  وقال العظيم آبادي : " رُؤى " أي : أبصر وظهر  " بشر ذلك " بكسر الموحدة  ، أي : أثر بشاشته وانبساطه، كذا في المرقاة . وفي الصباح : البشر بالكسر : طلاقة الوجه [ عون المعبود ج 10 ص 417 ]                    

*الفرح الممدوح : فرح الرسول – صلى الله عليه وسلم – لموافقة حديث تميم الداري لحديثه عن المسيح الدجال

أخرج الترمذي بسنده من حديث فاطمة بنت قيس أن نبي الله –صلى الله عليه وسلم – صعدالمنبر فضحك فقال :" إن تميماً الداريّ حدثني بحديث ففرحت به فأحببت أن أحدثكم ، حدثني أن ناساً من أهل فلسطين ركبوا سفينة في البحر فجالت بهم حتى قذفتهم في جزيرة من جزائر البحر ، فإذا هم بدابة لبّاسة ناشرة شعرها فقالوا : من أنت ؟ قالت : أنا الجساسة. قالوا : فأخبرينا، قالت : لا أخبركم ولا أستخبركم ، ولكن ائتوا  أقصى القرية فإن ثم من يخبركم ويستخبركم ، فأتينا أقصى القرية فإذا رجل موثق بسلسلة، فقال : أخبروني .." الحديث ثم قال :" قلنا : فما أنت ؟ قال : إنه الدجال.." ثم قال أبو عيسى :وهذا حديث حسن صحيح غريب [ سنن الترمذي ، كتاب الفتن ، باب 66 ، ج4 ص 521 رقم2253]  والحديث أخرجه مسلم  بسنده من حديث فاطمة بنت قيس بأتم  مما رواه الترمذي لكنه لم  يذكر" ففرحت به" [ صحيح مسلم ، كتاب الفتن ، باب قصة الجساسة ج 4 ص 2261 رقم 2942 ] 

وماورد في رواية الترمذي من ضحك النبي صلى الله عليه وسلم ، وفرحه بما حدثه به تميم الداري ، يفسره ماورد في رواية مسلم حيث قال : "أتدرون لم جمعتكم ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة ، ولكن جمعتكم ، لأن تميماً الداري كان رجلاً نصرانياً فجاء فبايع وأسلم وحدثني حديثاً وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال .." الحديث

 

 الى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السادسة عشرة في موضوع الفرح وستكون بعنوان :                

*الفرح الممدوح : فرح الصحابة برخصة الرفث الى النساء

                  والأكل والشرب ليلة الصيام 

قال تعالى:( أحل لكم ليلة الصيام الرفث الى نسائكم ،هن لباس لكم وأنتم لباس لهن،علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم،فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم )) [سورة البقرة الآية/ 187 ]                

وأخرج البخاري بسنده من حديث البراء قال : " كان أصحاب محمد – صلى الله عليه وسلم –إذا كانالرجل صائماً فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ول يومه حتى يمسي . وإن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائماً ، فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال لها : أعندك طعام ؟ قالت : لا ، ولكن انطلق فاطلب لك ، وكان يومه يعمل،. فغلبته عيناه ، فجائته امرأته ، فلما رأته قالت :خيبة لك، فلما انتصف النهار غشي عليه ، فذكر ذلك للنبي – صلى الله عليه وسلم - فنزلت هذه الآية     (( أحل لكم ليلة الصيام الرفث الى نسائكم )) ففرحوا بها فرحاً شديداً

، ونزلت  (( وكلوا  واشربوا  حتى  يتبين لكم  الخيط  الأبيض  من

الخيط الأسود )) [ صحيح البخاري ، كتاب الصوم ، باب 15 ( فتح الباري ج4  ص129 رقم 1915 )]  

قال ابن حجر : شرح الكرماني على ظاهرها فقال : لما صار الرفث وهو الجماع هنا حلالاً بعد أن كان حراماً كان الأكل والشرب بطريق الأولى ، فلذلك فرحوا بنزولها وفهموا منها الرخصة  [ فتح الباري ج4 ص 131 ]

*الفرح الممدوح : فرح الناس برؤية الغيم رجاء أن يكون فيه المطر                

   أخرج البخاري بسنده من حديث عائشة قالت : " وكان إذا رأى غيماً أو ريحاً عرف في وجهه ،قالت : يارسول الله إن الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر ، وأراك إذا رأيته عرف في وجهك الكراهية؟ فقال :  " يا عائشة ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب ؟ عذب قوم بالريح ، وقد رأى قوم العذاب ، فقالوا (( هذا عارض ممطرنا )) [ صحيح البخاري ، كتاب التفسير ، باب سورة الأحقاف  رقم 4829 ( فتح الباري ج8 ص 578) ، وأخرجه مسلم في الصحيح ، كتاب الأستسقاء ، باب التعوذ عند رؤية الرح والغيم ، والفرح بالمطر ج2ص 616 ]  

وأخرج مسلم بسنده من حديث عائشة قالت : " كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم الريح والغيم ، عرف ذلك في وجهه ، وأقبل وأدبر . فإ ذا مطرت سـُرّ به ، وذهب عنه ذلك …" الحديث

[ صحيح مسلم ج4 ص 616 رقم الحديث 899 ]

*فرح أهل المدينة بمقدم رسول الله – صلى الله عليه وسلم –

أخرج البخاري بسنده من حديث البراء بن عازب قال: " أول من قدم علينا مصعب بن عمير ،وابن أم مكتوم وكانوا يقرئون الناس، فقدم بلال وسعد وعمار بن  ياسر . ثم قدم عمر بن الخطاب في عشرين من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم -، ثم قدم النبي –صلى الله عليه

 وسلم - ، فمارأيت أهل المدينةفرحوا بشيء فرحهم برسول الله- صلى الله عليه وسلم - ،حتى جعل الإماء يقلن : قدم رسول الله – صلى الله عليه وسلم - .. " الحديث [صحيح البخاري ،كتاب مناقب الأنصار ، باب مقدم النبي رقم 3925 ( فتح الباري ج7 ص 259)]                                       

*الفرح الممدوح : للصائم فرحتان                 

 أخرج البخاري ومسلم بسنديهما من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - :" … للصائم فرحتان يفرحهما :

 إذا أفطر فرح ، وإذا لقى ربه فرح بصومه "[     صحيح البخاري ، كتاب الصوم ، باب 9 رقم 1904 ( فتح الباري ج4 ص 118) واللفظ له . ، صحيح مسلم ، كتاب الصيام ، باب فضل الصيام ، ج 2 ص 806 رقم 162]  قال ابن حجر : قال القرطبي : معناه فرح بزوال جوعه وعطشه ، حيث أبيح له الفطر ،

وهذا الفرح طبيعي وهو السابق للفهم  وقيل إن فرحه بفطره إنما هو من حيث انه تمام صومه وخاتمة عبادته وتخفيف من ربه ومعونة على مستقبل صومه ، قلت : ولا مانع من الحمل على ما هو أعم مما ذكر ، ففرح كل أحد بحسبه لاختلاف مقامات الناس في ذلك فمنهم من يكون فرحه مباحاً وهو الطبيعي ، ومنهم من يكون مستحباً وهو من

 يكون سببه شيء مما ذكر ه. قوله " وإذا لقى ربه فرح بصومه " أي : بجزائه وثوابه .

وقيل : الفرح الذي عند لقاء ربه إما لسروره بربه أو بثواب ربه على الأحتمالين .

 قلت : والثاني أظهر إذ لا ينحصر الأول في الصوم بل يفرح حينئذ بقبول صومه وترتب الجزاء الوافر عليه [ فتح الباري ج4 ص 118 )   

 قال النووي : قال العلماء : أما فرحته عند لقاء ربه فبما يراه من جزائه وتذكر نعمة الله تعالى عليه بتوفيقه لذلك ، وأما عند فطره فسببها تمام عبادته وسلامته من المفسدات وما يرجوه من ثوابها . [ صحيح مسلم بشرح النووي ج 8 ص 31 ، 32 ]   

 

  الى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السابعة عشرة في موضوع الفرح وستكون آخر حلقة في هذا الموضوع وهي بعنوان :    

*الفرح الممدوح : فرح الصحابة بخروج رسول الله

                  من حجرته في مرضه

أخرج مسلم بسنده من حديث أنس ؛ أن أبا بكر كان يصلي لهم في وجع رسول الله –  صلى الله عليه وسلم – الذي توفي فيه ؛حتى إذا كان يوم الأثنين وهم صفوف في الصلاة ، كشف رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ستر الحجرة ، فنظر إلينا وهو قائم ، كأن وجهه ورقة مصحف ، ثم تبسم رسول

صلى الله عليه وسلم – ضاحكاً ، قال : فبهتنا ونحن في الصلاة ، من  فرحٍ  بخروج رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، ونكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف ، وظن أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – خارج للصلاة . فأشار إليهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بيده أن أتموا صلاتكم ، قال : ثم دخل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأرخى الستر ، قال : فتوفى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من يومه ذلك "[صحيح مسلم ، كتاب الصلاة  ، باب إستخلاف الإمام ج 1 ص 315 رقم 419]

قال ابن منظور : والبهت : الانقطاع والحيرة . رأى شيئاً فبهت :

 ينظر نظرالمتعجب وقال الجوهري : بهت الرجل : دهش وتحير

 [ لسان العرب ج 2 ص 12،13]    

وأورد ابن هشام قول ابن إسحاق والزهري : حدثني أنس بن مالك ، أنه لما كان يوم الأثنين الذي قبض فيه الله رسوله _ صلى الله عليه وسلم – خرج إلى الناس وهم يصلون الصبح ، فرفع الستر وفتح الباب ، فقام على باب عائشة ، فكاد المسلمون يفتتنون في صلاتهم برسول الله – صلى الله عليه وسلم – حين رأوه ، فرحاً به ، وتفرجوا ، فأشار إليهم أن اثبتوا على صلاتكم ، قال : تبسم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – سروراً لما رأى من هيئتهم في صلاتهم ، وما رأيت رسول الله  -صلى الله عليه وسلم- أحسن هيئة من تلك الساعة … " الحديث[ سيرة النبي لابن هشام ج 4 ص 331 ]  

*الفرح الممدوح : فرح النبي – صلى الله عليه وسلم – بإسلام عكرمة

   أخرج مالك عن ابن شهاب ؛ أن أم حكيم بنت الحارث بن هشام ، وكانت تحت عكرمة بن ابي جهل.فأسلمت يوم الفتح ، وهرب زوجها عكرمة بن ابي جهل من الإسلام، حتى قدم اليمن ، فارتحلت أم حكيم ، حتى قدمت عليه باليمن ، فدعته إلى الإسلام فأسلم ، وقدم على رسول الله – صلى الله عليه وسلم عام الفتح، فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم – وثب إليه فرحاً وماعليه رداء ، حتى بايعه ، فثبتا

 على نكاحهما ذلك

وقال الباجي : وذلك من حرص النبي – صلى الله عليه وسلم – على دخول الناس في الإسلام وإن هداهم الله تعالى به إلى الإسلام لاسيما من كان من عظماء الناس وأعيانهم كعكرمة في قومه فإنه كان من سروات بني مخزوم  وعظمائهم وبهذا وصف الله نبيه – صلى الله عليه وسلم – فقال : ((لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم) ولم يحملهما تقدم من عداوته وعداوة ابيه على أن لايناله وحرصه

على منفعته ، واهتدائه به ما ينال غيره من شرف وكرم "[ مؤطا مالك ، كتاب النكاح ، باب نكاح المشرك إذاالمنتقى شرح موطا الإمام مالك  للباجي ج 3 ص 346 ط الأولى]           

*فرح ابي هريرة بإسلام امه

    أخرج مسلم بسنده من حديث أبي هريرة قال : كنت أدعو أمي الى الإسلام وهي مشركة ، فدعوتها يوماً فأسمعتني في رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما أكره ، فأتيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأنا أبكي . قلت : يارسول الله إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى علىّ ، فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره ، فادع الله أن يهدى أم أبي هريرة ، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - :" اللهم اهد أم أبي هريرة " فخرجت مستبشراً بدعوة نبي الله – صلى الله عليه وسلم – فلما جئت فصرت الى الباب ، فإذا هو مجاف ، فسمعت أمي خشف قدمي فقالت : مكانك ياأبا هريرة ، وسمعت خضخضة الماء ، قال : فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها ، ففتحت الباب ثم قالت : ياأبا هريرة أشهد أن لاإله إلا الله ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، قال فرجعت إلى رسول الله ، فأتيته وأنا أبكي من الفرح، قال : قلت: يارسول الله أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أم أبي هريرة ، فحمد الله ، وأثنى عليه وقال خيراً .. "[ صحيح مسم  ج4ص1938 رقم158]                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                     

*فرح الصحابة بقول الرسول"ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان"                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                              أي : من هاجر الى الحبشة                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                       

 أخرج البخاري بسنده من حديث أبي موسى " بلغنا مخرج النبي –صلى الله عليه وسلم – ونحن باليمن ، فخرجنا مهاجرين إليه أنا وأخوان لي أنا أصغرهم : أحدهما أبو بردة ، والآخر أبو رهم في ثلاثة وخمسين رجلاً ، فركبنا سفينة ، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفر بن ابي طالب فأقمنا معه ، حتى قدمنا جميعاً ، فوافقنا النبي – صلى الله عليه وسلم – حين افتتح خيبر ، وكان أناس من الناس يقولون لنا : - يعني أهل السفينة – سبقناكم بالهجرة ، ودخلت أسماء بنت عميس … فلماجاء النبي – صلى الله عليه وسلم – قالت : يانبي الله ، ‘إن عمر قال كذا وكذا ، فماقلتِ له ؟ قالت : قلتُ له كذا وكذا ،قال :"ليس بأحق بي منكم ، وله ولأصحابه هجرة واحدة ، ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان " قالت : فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتونني أرسالاً يسألوني عن هذا الحديث ، مامن الدنيا شيء هم به أفر ح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم النبي –صلى الله عليه وسلم – " [ صحيح البخاري رقم 4230 ، 4231 ( فتح الباري ج7 ص 484) ]

وفي الختام أحمد الله الحميد الشكور ،العلي العظيم ،الرحيم الودود، الواحد الأحد، التواب الحكيم .....على نعمه العظيمة وآلآئه الجسيمة،

واسأله المزيد من فضله ....

كما  اسأله أن يجعلنا من الذين يفرحون بعطائه وفضله ورضاه في الدنيا والآخرة ، وأن يتوب علينا حتى نستحق بفضله وإحسانه وكرمه

ورحمته (فرحه) العظيم ، كما اسأله أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه

 الكريم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

 

   

 

الفرح

 

 

 

{ قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون }

 

تأليف 

د/ مسفر بن سعيد دماس الغامدي

الأستاذ المشارك بمعهد الأئمة والدعاة

برابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة