الفتاح

الفتاح

بسم الله الرحمن الرحيم

     إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا اله الا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله

               ﭧ ﭨ ﭽ                            ،

   وبـعـــد :

فهذه الحلقة الأولى في موضوع ( الفتاح )

ونبدأ بالتعريفات 

المعنى اللّغوي للفتح

الفتاح من الفتح نقيض الإغلاق ، والفتح النصر ، واستفتحت: استَنْصَرت ،والفتح الحكم والقضاء بين الناس .

ﭧ ﭨ ﭽ                          

إذن الفتح له معان ثلاث:                                                                                           أ) نقيض الإغلاق والإمساك: وهو أعرف معانيه وأشهرها

ب) بمعنى النّصر،كقوله تعالى: { إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ  }  

ج) القضاء والحكم، قال الأزهريّ رحمه الله:" الفتح: أن تحكم بين قوم يختصمون إليك، كما قال سبحانه مخبِرا عن شعيب:{ رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ}

معنى الفتاح إصطلاحا

معنى اسم الله {الفتّاح} : كثير الفتح على عباده, وبيده مفاتيح الغيب ومفاتيح الرزق.                    والفتّاح هو الحاكم والقاضي, يفتح مواضع الحق ويحكم بين العباد فيما هم فيه يختلفون, وهو خير الفاتحين عز وجل, وقد قال نوح عليه السلام يطلب الفتح من ربه بينه وبين قومه:{ قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ * فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } وهو الذي فتح على نبيه صلى الله عليه وسلم بصلح الحديبية الذي جاء من بعده الخير الكثير للمسلمين, فأنزل الله على نبيه: { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا }, وهو سبحانه يفتح أبواب الرزق لمن يشاء, {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}, فتح لعباده أبواب الرحمة والأرزاق المتنوعة, وفتح لهم خزائن جوده وكرمه، فما يأتيهم من مطر، أو رزق، فلا يقدر أحد أن يمنعه, وما يمسك سبحانه وتعالى ويمنع، فلا يستطيع أحد أن يرسله, فعنده الخزائن وبيده الخير, وهو الجواد المنان الفتّاح, يفتح ما انغلق من الأمور والأحوال, فييسرها منه كرماً, ويتفضل بقضاء الحوائج وتفريج الكربات, ويذهب ضيق النفس وضيق الجهل وضيق الفقر, فبعنايته تنفتح المغاليق, وبهداه تنفتح المشكلات, وبتيسيره تنفتح الصعوبات والكربات.                                   يفتح بلطفه وتوفيقه بصائر الصادقين فيرون الحق, {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ}, فيسهّل لهم سبل الخير والطاعة, وييسرها عليهم, ويهديهم إليها ويسوقهم لها, وهكذا بحوله وقوته لا بحولهم وقوتهم, ومن أسماء نبينا صلى الله عليه وسلم في التوراة وصفته فيها ما ورد بأنه: ( لن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء, ويفتح به أعيناً عمياً, وآذاناً صماً, وقلوباً غلفاً) رواه البخاري، فأشرقت الأرض برسالته بعد الظلمات, وتألفت به قلوب المسلمين بعد الشتات, صلوات الله وسلامه عليه.

ومن الفتوحات ما يفتح الله به على نبيه صلى الله عليه وسلم إذا سجد تحت العرش يطلب الشفاعة من ربه في فصل القضاء بين العباد, وقد بلغ بالناس ما بلغ من الكربات في ذلك اليوم,فيفتح الله عليه من أسمائه ما لا يعلمه إنسان, ومن المحامد ما لم تدركه العقول, فيسأله بها فيعطيه, وذلك المقام المحمود الذي يحمده عليه كل الخلائق.                                                                        ومن الفتوحات ما يفتح الله به من البلاد على المسلمين, وينصرهم على أهل الشرك, وهكذا فتح للصحابة جزيرة العرب بأكملها, وكذلك فتح عليهم فارس والروم, فما أعظمه من فتح, وقد دخلت جيوشهم بلاد مصر ففتحتها أيضاً، وهكذا لا يزال المسلمون بعدهم من فتح إلى فتح حتى اتسعت رقعة مملكة الإسلام فصارت إلى ما ترى.                                                                                               و الفتاح مبالغة فى الفتح و كلها من أسماء الله تعالى ، الفتاح هو الذى بعنايته ينفتح كل مغلق ، و بهدايته ينكشف كل مشكل ، فتارة يفتح الممالك لأنبيائه ، و تارة يرفع الحجاب عن قلوب أوليائه و يفتح لهم الأبواب الى ملكوت سمائها ، و من بيده مفاتيح الغيب و مفاتيح الرزق ، و سبحانه يفتح للعاصين أبواب مغفرته ، و يفتح أبواب الرزق للعباد .والفتاح هو من قولك فتحت الباب أفتحه فتحا ثم كثر واتسع فيه حتى سمي الحاكم فاتحا وذلك لأنه يفتح المستغلق بين الخصمين

وتارة يرفع الحجاب عن قلوب أوليائه ويفتح لهم الأبواب إلى ملكوت سمائه وجمال كبريائه ويقول   { ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها } ومن بيده مفاتح الغيب ومفاتيح الرزق فبالحري أن يكون فتاحا

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثانية في موضوع ( الفتاح ) وسيكون عنوانها : ومن معاني اسم الله: «الفتاح» : قاله الشيخ سلمان العودة

أولًا: الفتّاح الذي يفتح مغاليق القلوب بالهدى والإيمان؛ فتلين وتذعن، ويسهل انقيادها بعدما عارضت وشاكست ورفضت وتمنعت، كما نجد ذلك في تاريخ الرسالات كلها، بل في تاريخ البشرية كلها، فهذا الطفيل ابن عمرو الدوسي رضي الله عنه يصل به الحال إلى أن يضع القطن في أذنيه، خشية أن يسمع شيئًا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال في نفسه: والله إني امرؤ ثبت، ما تخفى عليَّ الأمور حسنها وقبيحها، والله لأسمعن منه، فإن كان أمره رشدًا أخذت به، وإلا اجتنبته. فيستمع فيؤمن بالله ورسوله في مجلسه ذاك . وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الرجل القوي الشديد، كان يؤذي المؤمنين الأولين بمكة، ثم سمع شيئًا من القرآن، فأقبل الله بقلبه إليه، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطرق باب الأرقم بن أبي الأرقم، وفي قلبه عزيمة على أن يتبع الحق، ويؤمن بالله عز وجل، ويخر ساجدًا مؤمنًا من ساعته، مخبتًا لرب العالمين، ويعلن إيمانه على الملأ من غير تردد ولا تلجج، ولا ضعف ولا عجز . وهكذا كثير من الناس، فعكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه بلغ به الحال أن يهرب من النبي صلى الله عليه وسلم عندما فتح مكة، ولكن الله تعالى يأبى إلا أن يقوده إلى الإيمان والإسلام، فإذا به يصبح من سادات المسلمين وشجعانهم وشهدائهم. وهكذا، لو قلبت التاريخ، أو نظرت في واقع الناس اليوم؛ ستجد كثيرًا من الناس كانوا طغاة معتدين أو ملحدين، ثم فتح الله عز وجل بفضله ورحمته مغاليق قلوبهم بالنور والهدى، فأشرقت بإذن ربها عز وجل بنور الإيمان والعلم والبصيرة والحكمة، وتابت وأنابت إلى الله تبارك وتعالى، والله يفرح بتوبة عبده، كما أخبر عن ذلك رسوله عليه الصلاة والسلام.

ثانيًا: «الفتّاح» الذي يكشف الغمة عن عباده، ويسرع بالفرج، ويرفع الكرب، ويجلي العماية، ويزيل الضراء، ويفيض الرحمة، ويفتح أبواب الرزق، فالله سبحانه هو الفتاح العليم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل أحدكم المسجد فليقل: اللهم! افتح لي أبواب رحمتك". إشارة إلى أن أبواب الرحمة عند الله تعالى، والمساجد من مظان الرحمة؛ ولهذا ناسب هذا الدعاء عند دخول المسجد، إشارة إلى أنه دخل مكان التعبد لله عز وجل، ففيه يحصل السجود والخضوع بين يديه، والإخبات والانكسار له، فناسب الدعاء بفتح أبواب الرحمة، فالله عز وجل يسرع إلى عباده بالفرج، ومن رحمته سبحانه أنه لا يطيل على عباده أمد الشدة والكرب؛ ولذلك يقال: (الشدة بتراء، لا دوام لها).

 

وطالما وقع الإنسان في الشدائد، وظن أنه لا نهاية لها، وادلهمت عليه ظلماتها؛ ولكن الله تبارك وتعالى يأذن بالفرج، ولو كان أبعد ما يكون عن الإنسان، وكلما اشتدت ظلمة الليل كان ذلك أقرب إيذانًا بطلوع الفجر، فعلى العبد إذا ألمت به الشدة أن يتذكر اسم الفتاح العليم، وأن يعلم أن الله تعالى هو خير الفاتحين، فيناديه بهذا الاسم العظيم؛ ولذلك فإن المؤمن لا ينقطع أمله في الله عز وجل، ولا يتسرب اليأس إلى قلبه، وإنما لسان حاله يقول:

=عســــى الكـــرب الذي أمســيت فيه      يـــكـــــون وراءه فـــــرج قريـــــب

=فيـــأمن خــــائف ويفـــــك عـــــــانٍ

  ويـــأتي أهــــله الــــنائـي الغريـــب

 =ألا ليــــت الـــريـــــاح مــــسخرات

   بحـــاجـــتنا تــــنـــاكر أو تــــــئوب

=فتـــخــبــرنا الشـــمال إذا أتـــتـــــنا   

   وتخــــبــر أهـــلنــا عـــنا الجـــنوب

 =بـأنــــا قد نزلــنـــــا دار بــــــلـــوى      فتــخـــطـــؤنا الــــمنايا أو تصـــيب

=وكـــل الـــحـــادثــات وإن تـــناهـت      فمـــوصــــول بهــــا فـرج قريــــب

=ولـــرب نــازلـــة يضـــيق بها الفتى

   ذرعًــــا وعــــند الله مـــنها المخرج

 =ضـاقت فلــما اسـتحكـمـت حلـقاتهــا       فرجــــت وكان يظــــنها لا تــــفرج

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثالثة في موضوع ( الفتاح ) وستكون إستكمالا للحلقة الماضية والتي هي بعنوان : ومن معاني اسم الله: «الفتاح» : قاله الشيخ سلمان العودة

ثالثًا: «الفتّاح» الذي يفتح لعباده أبواب العلم والحكمة، والمعرفة والبصيرة في شؤون دينهم؛ ولهذا تجد العلماء يتفاوتون في منازلهم ودرجاتهم. أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن معاذ بن جبل رضي الله عنه يأتي يوم القيامة أمام العلماء برَتْوَة. فهو يتقدمهم بمسافات طويلة في المنزلة والمكانة والعلم، أو المقصود أن ذلك يوم القيامة، فالله تبارك وتعالى يفتح لعباده العلم، وعلى سبيل المثال اقرأ كتاب الله تعالى العظيم، وتأمل معانيه، وقف عند آياته، وابحث عن أسرارها ومعانيها البديعة، وعندما تقرأ في بعض كتب التفسير تجد البون الشاسع في استنباطات العلماء ومداركهم واستخراجاتهم من كتاب الله تعالى، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فالله تعالى هو الفتاح العليم الذي يفتح من كنوز المعرفة والعلم وأسرار الوحي والقرآن لمن شاء من عباده.

واسم الفتاح له معنيان:

المعنى الأول: الفتـــاح الذي يحكم بين العبــاد فيما هم فيه يختلفون .

كما في قوله تعالى {.. رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} قال ابن كثير: «أي افصل بيننا وبين قومنا، وانصرنا عليهم، ﴿ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ﴾ أي: خير الحاكمين، فإنك العادل الذي لا يجور أبداً».

وقال تعالى: ﴿ قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ ﴾

فهو سبحانه الذي يظهر أهل الحق على الباطل بحكمه فيظهر المظلوم وصدقه ويفضح الظالم وكذبه .

وقد سمى الله تعالى يوم القيــامة بيوم الفتــح .. لأنه يوم القضــاء بين العبــاد، يقول تعالى {قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ}

والمعنى الثاني: فتحه لعباده جميع أبواب الخيرات والبركات:

قال تعالى: ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ﴾ فالأمر بيد الله وحده ، فهو الذي يفتح لعباده أبواب الرحمة والأرزاق المتنوعة ، فما يأتيهم من خير ، أو رزق، فلا يقدر أحد أن يمنعه ، وما يمسك سبحانه وتعالى ويمنع، فلا يستطيع أحد أن يرسله ، فعنده الخزائن وبيده الخير، وهو الجواد المنان الفتّاح، يفتح ما انغلق من الأمور والأحوال ، فييسرها منه كرماً، ويتفضل بقضاء الحوائج وتفريج الكربات.

قال تعالى {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ ..}

أي: لو أنهم امتثلوا لأمرنا ، لكان جزاء ذلك أن يفتح لهم من رحمته وأن يُنزل عليهم من فيض رزقه { وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}

ويفتح بلطفه وتوفيقه بصائر الصادقين فيرون الحق  { وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ } فيسهّل لهم سبل الخير والطاعة، وييسرها عليهم ، ويهديهم إليها ويسوقهم لها ، بحوله وقوته لا بحولهم وقوتهم.                  وهو الذي يفتح على من يشاء من أبواب الطاعات والقربات على تنوعها وألوانها وصنوفها،على درجاتها، فمن الناس من يفتح عليهم في القرآن، والعناية به، وحفظه، وتجويده، وضبطه، وإتقانه، وتلاوته، والقدرة على تعليمه ومن عباده من يفتح عليه في الصلاة فتكون قرة عينه في الصلاة.

ومنهم من يفتح له في الدعاء ، ومنهم من يفتح له في الصيام حتى إنه ليصوم يوماً ويفطر يوماً، وهو سهل عليه.ومنهم من يفتح له في صلة الأرحام، فلا يزال يزورهم، ويحسن إليهم، ويبرهم ، ويأتيهم ويأتونه فيدعوهم وهكذا... يفتح عليه في باب الصلة والبر.                                                                      ومنهم من يفتح له في مساعدة المحتاجين وإغاثة الملهوفين،ورعاية الأيتام والمعاقين ، وتفريج كربات المكروبين، وتسديد ديون الغارمين، وكفالة المساكين والمرضى المعوزين، وحمل الأرامل والفقراء، ورعايتهم، ومواساتهم وهكذا..                                                                                                       ومنهم من يفتح عليه في باب الاحتساب، فيأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر لا يخاف في الله لومة لائم، ويصبر على الأذى، ولا يزال يتبع المنكرات ويتتبعها ويحذر منها، وينهى عنها... فيكون على يديه من الخير ما يكون.                                                                                                       ومنهم من يفتح عليه في أبواب الشفاعة والإصلاح بين الناس، فيفك أسيراً، ويحقن دماً، ويمنع باطلاً، ويحجز ظلماً، ويقيم حقاً، ويسعى في الإصلاح بين المتخاصمين، وهكذا.. ترد الزوجة إلى زوجها، والزوج إلى زوجته بمثل جهوده.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الرابعة في موضوع ( الفتاح ) وستكون إستكمالا للحلقة الماضية والتي موضوعها  :

مايفتح به الله على من يشاء من عباده من أبواب الطاعات والقربات على تنوعها وألوانهاوصنوفها،على درجاتها :

قال معروف: "إذا أراد الله بعبد خيراً فتح له باب العمل، وأغلق عليه باب الجدل، وإذا أراد بعبد شراً أغلق عليه باب العمل وفتح عليه باب الجدل".                                                                       وقد يفتح الله على بعض عباده في تعليم العلوم ، فمنهم من فتح عليه في تعليم التوحيد، وعقيدة الإسلام، ومنهم من فتح عليه في تعليم الحديث، وتعلم فنونه، ومصطلحه، وتمييز صحيحه من سقيمه، وتبويبه ومعاني غرائبه وألفاظه، ومنهم من فتح له في الفقه، ومذاهبه، وأقوال العلماء فيه، والتمييز بينها، ومعرفة الراجح منها، ومنهم من فتح له في التفسير، ومعرفة كلامه، ومعانيه، وما فيه من الأحكام والأسرار العظيمة.                            ومن العلماء من فتح له في العلم في تصنيفه وجمعه، ولذلك تراهم يسمون كتبهم فتح الباري، فتح المنعم، فتح المغيث، فتح الوهاب، فتح المعين، فتح القدير، فتح العزيز، فتح المجيد، فتح رب البرية، الفتح الرباني، وهذه كلها أسماء كتب لعلماء المسلمين.                                                                             والفتح الذي يفتح الله به على عباده يكون له علاقة مباشرة بطهارة قلوبهم، واتّباعهم لما يحبه، واجتنابهم لما يبغضه.                                                                                                       ويكون من الفتح أيضاً الإلهام الذي يلهمه الله تعالى من يشاء من عباده، فيكون ملهماً موفقاً مصيباً للحق لا يختار بين أمرين، إلا اختار الأصوب، قال عليه الصلاة والسلام: (لقد كان فيمن كان قبلكم رجال محدثون – يعني ملهمون– يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء، فإن يكن في أمتي منهم أحد فإنه عمر بن الخطاب) رواه البخاري ومسلم                                                                                                       فيجري الصواب على لسانه، كما قال عليه الصلاة والسلام في حديث آخر: ( إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه)                                                                                                    ولذلك كثرت موافقاته لربه، كما كان يتمنى أن تنزل الصلاة عند مقام إبراهيم فنزلت، قال: يا رسول الله: لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت:    { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} قلت: يا رسول الله: لو أمرت نسائك أن يحتجبن فإنه يكلمهن البر والفاجر، فنزلت آية الحجاب

واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة عليه، فقلت لهن: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن، فنزلت هذه الآية على لفظ عمر.                                                                       وكذلك وافق ربه في شأن أسارى بدر، وجاءت موافقته في منع الصلاة على المنافقين، وأيضاً في تحريم الخمر. قال ابن حجر رحمه الله : وقفنا منها على خمسة عشر موضعاً، وكان لعمر بصيرة نافذة، وفراسة ثاقبة، قال مرة لرجل: ما اسمك؟ قال: جمرة، قال: ابن من؟ قال: ابن شهاب، قال: مِن مَن؟ قال: من الحرقة، هذا البطن الذي هو منه من القبائل، قال: أين مسكنك؟ قال: بحرّة النار، قال: بأيها - حرة النار واسعة – قال: ذات لظى، قال عمر: أدرك أهلك فقد احترقوا، فذهب الرجل فكان كما قال عمر رضي الله عنه" رواه مالك في الموطأ. هذه أنوار يقسمها الله كيف يشاء { وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}

والفتح نوعان بإعتبار نتائجه  :

فتح إنعام على المؤمنين ، وفتح استدراج على العصاة والكافرين .                                              فأما فتح الإنعام فالمقصود به ما يفتحه الله على من يشاء من عباده من الحكمة والعلم والفقه في الدين، بحسب التقوى والإخلاص والصدق، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ ..} ففتح الإنعام ثمرة من ثمرات التقوى فحينما يفتح الله على أمة من الأمم أو عبد من عباده لا يرزقهم بركة واحدة وإنما يرزقهم بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ هكذا.. «بركات من السماء والأرض» مفتوحة بلا حساب، من فوقهم ومن تحت أرجلهم ، بلا تحديد ولا تفصيل، فهي البركات بكل أنواعها وألوانها، وبكل صورها وأشكالها، ما يعهده الناس وما لا يخطر لهم ببال ، فالبركات الحاصلة مع الإيمان والتقوى، بركات في الأشياء، وفي النفوس، وفي طيبات الحياة.. وليست مجرد وفرة مال وترف مع الشقاء والتردي والانحلال .                              وللبركة سر لا ينتبه إليه الكثير منا ، لأن الناس دائماً ينظرون إلى ما رزقهم الله في أيديهم  وينسون كم صرف الله عنهم من السوء .                                                                                           كأن يمنحك الله العافية فلا تحتاج إلى أجر طبيب أو نفقة علاج ، فقبل أن تنظر كم صرف الله لك من رزق فانظر كم صرف الله عنك من السوء.                                                                        فقوله: {بَرَكَاتٍ مِّنَ السمآء والأرض} أي أن يعطي سبحانه وتعالى قليل من الرزق الحلال،مع بركة وعافية وراحة بال وسعادة .                                                                                                 ويمحق الكثير الذي جاء من الحرام كالربا، والرشوة ، ولذلك سمى المال الذي نخرجه زكاة مع أن الزكاة في ظاهرها نقص، فحين تملك مائة وتخرج منها اثنين ونصف 2,5 يكون قد نقص مالك في الظاهر.                        وإن أقرضت أحداً بالربا مائة فأنت تأخذها منه مائة وعشرة، لكنه سبحانه سمى النقص في الأولى نماء وزكاة، وسمى الزيادة في الثانية محقا وسحتاً، وسبحانه قابض باسط.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الخامسة في موضوع ( الفتاح ) وستكون إستكمالا للحلقة الماضية والتي موضوعها  الفتح نوعان بإعتبار نتائجه:فتح إنعام على المؤمنين ، وفتح استدراج على العصاة والكافرين .                                             

وأما فتح الاستدراج :فقد يفتح الله على بعض أهل المعاصي من الرزق ما يغترون به، ويكون سبباً في هلاكهم، وهذا من مكر الله بهم ، استدراجاً لهم إذا تركوا ما أمروا به، ووقعوا فيما نهوا عنه، قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾

روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب، فإنما هو استدراج»، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾ فلنتأمل الآية وكيف انتقل القوم من حال إلى حال، باستدراج من الله ومكر

 أما الفتح بمعنى نقيض الإغلاق

 فهذا باب عظيم ، وهو أن الله – جل وعلا – يفتح على بعض عباده بالعلم والحكمة والمعرفة والعلوم النافعة جملة كلٌ بحسب تقواه وإخلاصه وقربه إلى الله بالأعمال الصالحة ، وقد قال القرطبي – رحمه الله – وغيره من العلماء إن أنبياء الله – جل وعلا – في القسم الأعلى من هذا الفتح ثم يكون أولياء الله والصالحون ويتبعهم على ذلك عامة المؤمنين

نأخذ نماذج على هذا :

فمثلاً لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كان كل أحد في المدينة يريد أن يظفر أن ينزل النبي صلى الله عليه وسلم في داره ، فأي ضيف هذا الذي يعدل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكانت الأعناق تشرأب إلى أن ينزل عليه الصلاة والسلام في كل دار واحد منهم .

ففتح الله على أبي أيوب الأنصاري عندما بركت ناقة الرسول صلى الله عليه وسلم أمام باب داره ، فيقول عليه الصلاة والسلام : " يسأل عن متاعه ورحله " فانظر كيف فتح الله على هذا الصحابي بهذا الفهم والإدراك لينال بذلك ضيافة النبي صلى الله عليه وسلم . ومن ذلك أيضاً : أن خزيمة بن ثابت – رضي الله عنه وأرضاه – رأى أعرابياً يجادل النبي صلى الله عليه وسلم على فرس ابتاعها النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الاعرابي بمبلغ معين ، ثم أن الأعرابي طمع في مبلغ آخر ، ولم يكن هناك أحد شاهداً سمع الحوار بينهما ، قال الأعرابي : ومن يشهد علينا أنني ابتعتك الفرس ، فإذا بخزيمة يقول : أنا أشهد ، وخزيمة لم يكن حاضراً ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أنت لم تكن حاضراً " ففتح الله تعالى على خزيمة وعلى قلبه أن يجيب النبي صلى الله عليه وسلم فيقول : " أشهد على خبر السماء يأتيك ألا أشهد على أنك ابتعت أو اشتريت فرساً من أعرابي " فهذا فتح من الله – جل وعلا – وفق له خزيمة ، بحسب تقواه .

ويندرج في هذه الأمثلة وهذا الضرب من النماذج ، أن الصديق – رضي الله عنه وأرضاه – وهو أعلى الأمة شأناً وأرفعها قدراً ، لما فجعت الأمة بفقد نبيها عليه الصلاة والسلام ، وكان الكرب العظيم الذي لم تعلم الأمة مصيبة أعظم منه مع ذلك فتح الله تعالى على قلب الصديق ؛ لعظيم إيمانه وجلالة تقواه وشدة إخلاصه ، فرقى المنبر وصعد عليه وقال : " أيها الناس من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت "، فكانت تلك الكلمات النيرات سبباً في سكون الفتنة وثبات الناس وجمع الشمل ولم الشعث ، كل ذلك بتوفيق من الله وفتح على قلب الصديق – رضي الله عنه

هذا الفلك كله يدور حول أن الإنسان ينبغي عليه أن يكون حسن الظن بربه معظماً لخالقه جل شأنه حتى يفتح الله – جل وعلا – عليه ، وأنت ترى هذا القرآن كتاب عظيم ، وكلام هو كلام الرب الجليل – جل جلاله – كم من العلماء من حاول أن يفتح ما استغلق فيه ففتح الله – جل وعلا – على أقوام وحرم أقوام من أن يصلوا إلى مقصود كلامه – جل وعلا - .

وعلي – رضي الله عنه وأرضاه – لما قيل له ، - وهو من آل البيت – بل من أعظم آل البيت : " أخصكم نبينا صلى الله عليه وسلم بشيء ؟ " قال : لا والذي فلق الحبة وبرء النسمة " ثم قال : " إلا فهماً يؤتيه الله من شاء في كتابه ( أي في القرآن ) " .ولا ريب أن النفوس تطمع أن تفقه وتفهم كلام الله وتبلغ عن الله – جل وعلا – ما فهمته ، ولهذا كان ابن عباس – حبر هذه الأمة – وترجمان القرآن – يقول : " إنني لأمر على الآية من كلام الله ففتح الله – جل وعلا – علي بها فتحاً وددت أنه في قلب كل مسلم " .

فحسن الظن بالله والأخذ بالأسباب والعلم بأن الله – جل وعلا – هو الفتاح العليم وحده هو من أسباب النصر والظفر والنيل من عطاءات ربنا تبارك وتعالى .

   إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السادسة في موضوع ( الفتاح ) وهي بعنوان :

معنى الاسم(الفتاح ) ودلالته في حق الله تعالى

المعنى الأول : الفتـــاح الذي يفتح أبــــواب الرزق والرحمة لعبـــاده أجمعين .. ويفتح المُنغلق عليهم من أمورهم وأسبـــابهم .. ومنها قوله تعالى : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ..}

، أي : لو أنهم امتثلوا لأمرنا وراعوا قدرنا في السر والعلانية، لكان من جزاء ذلك أن يفتح لهم من رحمته وأن يُنزل عليهم من فيض رزقه ..

ومنها قول الله تعالى :{ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}

.. يُخبر تعالى أنه ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن ، وأنه لا مانع لما أعطى ، ولا مُعطي لما منع .. فلو فتح الله تعالى المطر على الناس ، فمن ذا الذي يحبسه عنهم ؟ .. ولو حبس عن عباده القطر والنبـات سنيـــن طويلة ، لما استطاعوا أن يفتحوا ما أغلقه الله سبحانه وتعالى ..

{ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}

والمعنى الثاني : الفتـــاح الذي يفتح أبـــواب الامتحـــان والبــلاء للمؤمنين الصادقين ..

قال تعالى :{ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ}[الأنعام: 44] .. فهذه عقوبة الذين لا يذكَّرون برسـائل الله تعالى المُتتالية ..

فالله عزَّ وجلَّ يُرسل إليـــك في كل ثانية من عمرك رســـالة ، فإما أن تفهمها وإما أنك تغفل عنها ..

فتكون عقوبة الغافــل،أن تزداد عليه المحن والابتلاءات لعله يُفيق من غفلته .. فتأتيه الابتلاءات من كل الطرق ؛ يُبتلى في بيته وفي عمله ورزقه .. وحتى فيما بينه وبين نفسه ، فيشعر بالوحشة .. ويظل يُبتلى حتى يعود .

وقد يكون من هذا الابتــلاء أن يزداد في النِعَم ، زيـــادة في إقامة الحُجج عليه .. فيكون من شأنه أن يفرح ، وحينها تأتيه العقوبة فجأة ..

{.. حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} مُبْلِسُونَ : أي حـــائرون تائهون .

والمعنى الثالث : الفتـــاح الذي يحكم بين العبــاد فيما هم فيه يختلفون .. كما في قوله تعالى

{.. رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} 

فالفتـــاح : صفة جمــالٍ وجــلال .. لأنه سبحانه وتعالى يفتح أبـــواب رحمته ورزقه للطــائعين ، كما إنه قد يفتح أبــواب البلاء والهلاك على الكافرين .. ويفتـــح قلوب المؤمنين، وعيون بصائرهم ؛ ليُبصروا الحق ..

فإذا ضـــاقت عليــك الطُرُق وضــاقت عليـــك الأرض بما رَحُبَت ، فالجأ إلى ربِّك الفتــــاح .. يفتح لك كل عسيــر ، وييسر لك أمرك ..

يقولون أن ابن تيميه إذا استعصت عليه مشكلة علمية كان يخرج إلى الصحراء ويضع خده على التراب تذللاً للفتاح ويستغفر طويلاً، يقول: فوالله لا أعود إلا وقد فتح الله علىَّ المسألة.

  دخل سيدنا يوسف السجن في تهمة ظلم- تهمة شرف- الاعتداء على زوجة العزيز وهو برئ ويدخل السجن تسع سنين ويخرج برؤيا يراها الملك، وتأتي إمرأة العزيز وتقول "…الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ…"

وقال الحكمي : الفتاح الذي يفتح على من يشاء بما يشاء من فضله العميم يفتح على هذا مالا وعلى هذا ملكا وعلى هذا علما وحكمة ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده  وقال المنجد : الفتّاح هو الحاكم والقاضي, يفتح مواضع الحق ويحكم بين العباد فيما هم فيه يختلفون, وهو خير الفاتحين عز وجل, وقد قال نوح عليه السلام يطلب الفتح من ربه بينه وبين قومه: { قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ * فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } وفي آية أخرى: { رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ}

ومن الفتوحات ما يفتح الله به من البلاد على المسلمين, وينصرهم على أهل الشرك, وهكذا فتح للصحابة جزيرة العرب بأكملها, وكذلك فتح عليهم فارس والروم, فما أعظمه من فتح, وقد دخلت جيوشهم بلاد مصر ففتحتها أيضاً، وهكذا لا يزال المسلمون بعدهم من فتح إلى فتح حتى اتسعت رقعة مملكة الإسلام فصارت إلى ما ترى.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السابعة في موضوع ( الفتاح ) وهي إستكمالا للحلقة الماضية والتي هي بعنوان :      معنى الاسم(الفتاح ) ودلالته في حق الله تعالى

فتح الله على عباده ويفتح سبحانه وتعالى أبواب الطاعات، والتأمل في أسماء الله أمر عظيم، ويغيب عن بالنا كثيراً، من معاني هذه الأسماء كثيراً فننسى ولا نتعبد ولا نسأل، ويذهل المسلم عن بعض أسمائه سبحانه ومنها الفتّاح.

ويفتح على من يشاء من أبواب الطاعات والقربات على تنوعها وألوانها وصنوفها، على درجاتها، ومن الناس من يفتح عليهم في القرآن، والعناية به، وحفظه، وتجويده، وضبطه، وإتقانه، وتلاوته، والقدرة على تعليمه، وبعضهم يختم القرآن في ليلة، ومن عباد الله من يفتح عليه في الصلاة فتكون أشد حلاوة من العسل، حتى إنه ربما يصلي في الليل مئات الركعات، ومنهم من يفتح له في الدعاء كما قال مالك: "ربما انصرف عامر من العتمة، فيعرض له الدعاء – يعني بعد العشاء - يخطر بباله، فلا يزال يدعو إلى الفجر" عنده قوة وصبر ولذة بهذه العبادة، وسجد موسى ابن جعفر سجدة أول الليل، فجعل يدعو في سجوده "عظم الذنب عندي فليحسن العفو من عندك يا أهل التقوى ويا أهل المغفرة" فما زال يرددها حتى أصبح.

ومنهم من يفتح له في الصيام حتى إنه ليصوم يوماً ويفطر يوماً، وهو سهل عليه.

ومنهم من يفتح له في صلة الأرحام، فلا يزال يزورهم، ويحسن إليهم، ويبرهم ويجمعهم، ويأتيهم ويأتونه فيدعوهم وهكذا... يفتح عليه في باب الصلة والبر.

ومنهم من يفتح له في مساعدة المحتاجين وإغاثة الملهوفين، وتفريج كربات المكروبين، وتسديد ديون الغارمين، وكفالة اليتامى والمساكين والمعوزين، وحمل الأرامل والفقراء، ورعايتهم، ومواساتهم وهكذا..

ومنهم من يفتح عليه في باب الاحتساب، فيأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر لا يخاف في الله لومة لائم، ويصبر على الأذى، ولا يزال يتبع المنكرات ويتتبعها ويحذر منها، وينهى عنها، ويخيف أهلها، وهكذا... فيكون على يديه من الخير ما يكون.

ومنهم من يفتح عليه في أبواب الشفاعة والإصلاح بين الناس، فيفك أسيراً، ويحقن دماً، ويمنع باطلاً، ويحجز ظلماً، ويقيم حقاً، ويسعى في الإصلاح بين المتخاصمين، وهكذا.. ترد الزوجة إلى زوجها، والزوج إلى زوجته بمثل جهوده.

ومنهم من يفتح له في باب العلم وما أشرفه، وفي تعليمه فيكون عنده من الحفظ والفهم والإتقان، والقدرة على التأليف والتدريس والتصنيف والتعليم ما يفتح له، قال مالك رحمه الله: "إن الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، فرب رجل فتح له في الصلاة – يعني في النوافل؛ لأن الكل في الفرائض مشتركون–، فرب رجل فتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الصدقة، ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الجهاد، ثم قال: فنشر العلم من أفضل أعمال البر، وقد رضيت بما فتح لي فيه" نقله الذهبي في السير.

ومنهم من يفتح له في باب التربية، وتنشئة الجيل والنشء فيتعاهدهم، ويسير بهم شيئاً فشيئاً إلى كمالهم، وهكذا يريبهم بصغار العلم قبل كباره، وبقواعده وأسسه قبل فروعة وتفصيلاته، وهكذا ينقلهم في منازل الإيمان منزلة بعد منزلة، وفي منازل العلم منزلة بعد منزلة بتوفيق من الله عز وجل، والحزم انتهاز الفرصة فيما يفتح لك يا عبد الله، فسر فيه، وتوكل على الله، فإذا جاء أجلك وأنت عليه فما أحسنك، قال عليه الصلاة و السلام: ( إذا أراد الله عز وجل بعبد خير عسله، قيل: وما عسله؟ قال: يفتح الله عز وجل له عملاً صالحاً قبل موته ثم يقبضه عليه) رواه أحمد(17784) وهو حديث صحيح.

ومن أراد الله به خيراً فتح له باب التوبة باستمرار، قال ابن القيم رحمه الله: "إذا أراد الله بعبده خيراً فتح له أبواب التوبة، والندم، والانكسار، والذل، والافتقار، والاستعانة به، وصدق اللجأ إليه، ودوام التضرع والدعاء، والتقرب إليه بما أمكنه من الحسنات، ورؤية عيوب نفسه، ومشاهدة فضل ربه، وإحسانه، ورحمته، وجوده وبره".

والفتح الذي يفتح الله به على عباده يكون له علاقة مباشرة بطهارة قلوبهم، واتّباعهم لما يحبه، واجتنابهم لما يبغضه.

 إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثامنة في موضوع ( الفتاح ) وهي بعنوان : اربع نقاط هامة للتعامل مع الفتاح:

 1-  الفتاح يحبك ويحب منك أن تعمل بجد وبقوة حتى أخر لحظة؛ لأنك لا تعلم متى سيأتي الفتح، فيؤخر عليك الفتح ليختبر ثقتك به وإصرارك على العمل، تجد أُناس يدخلون رمضان يقولون : بكينا ودعينا وعبدنا ولا نشعر بقلوبنا ولم نبكي نحن سيئين.. قد يؤخر الفتح لكي تظل مُصر وواثق أنه سيفتح لك لأخر لحظة.. قد يؤخر عنك الفتح؛ لتقف على الباب طويلاً؛ لتبقى بين يديه طويلاً، وربما تبكي في أخر دقيقة قبل نهاية يوم  رمضان.

أحد العلماء يقول: لا تسأم من الوقوف على بابه ولو طردت، ولا تقطع الإعتذار ولو رددت، فإذا فتح الباب للمقبولين فادخل دخول المتطفلين، وقل له مسكين فتصدق علي، فإنما الصدقات للفقراء والمساكين وأنا فقير ومسكين.

2-    الفتاح يأتي بالفتح من حيث لا تدري، وقد تظنه إغلاقاً وهو قمة الفتح، سيدنا يوسف سُجن تسع سنين وسِجْنه هذا قمة الفتح؛ لأنه لو لم يسجن لما كان تعرف على ساقي الملك ؛ الملك الذي شاهد الرؤيا، ولو كان خرج من السجن مبكراً قبل رؤية الملك للرؤية هل كان سيكون عزيز مصر؟ لا بل لكان شخصاً عادياً في المجتمع.. قد يكون حال الأمة الآن فتح ونحن لا نعلم.

يوم صلح الحديبية ذهب المسلمون من أجل العمرة فمُنِعوا من العمرة فالنبي صلى الله عليه وسلم عرض الصلح.. فاتفقوا على الصلح، ولكن سيدنا عمر بن الخطاب كان يريد العمرة أو الحرب، وتنزل الآيـــــــة          {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً" } ، فيذهب سيدنا عمر إلى النبي ويقول: يا رسول الله أفتح هو؟ فقال: (نعم يا عمر ) فقال: يا رسول الله ألم تحدثنا أننا سنعتمر؟ قال: ( نعم يا عمر سنعتمر )  فقال: فلم نعتمر يا رسول الله ؟ قال: ( أحدثتكم أنه هذا العام يا عمر؟ ) فقال: لا. فقال: إذاً هو فتح..

3-   يفتح سبحانه وتعالى بأهون الأشياء.. بكلمة، بدمعة، بآية، بلحظة.. إليك مثال:

   شاب يحكي قصة هدايته كان مسافر من القاهرة للإسكندرية بالقطار وقد أعد لمعصية من أسوأ ما يكون ، وآخذ كل احتياطاته، ركب القطار فجلس بجوار شاب متدين يقرأ القرآن الكريم.. يقول: فأسمعني الله هذه الآية {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ…} ، ظل يبكي حتى وصل الإسكندرية فحجز عودة وعاد للقاهرة تائباً

4-  إذا فتح لا يفتح فتحاً عادياً بل فتحاً مبيناً؛ لأنه لو فتح فتحاً عادياً، وأنت كنت متوقع أن يحدث هذا ستسأل أين الفتح؟ أنا كنت أتوقع هذا، إذا جاء الفتح يجب أن يكون فوق قدرتك على التخيل والتصور {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً} ، السيدة هاجر كانت تسعى بين الصفا والمروة وتبذل مجهودا لآخر لحظة، ما هو أقصى فتح تتمناه؟ أن يشرب إسماعيل، ولكن يجيئ الفتح وهو ليس عادياً بل ممتد إلى يوم القيامة تقديراً للجهد الذي بذلته.. فإلى يوم القيامة يشربوا من تحت أرجل ابنك يا هاجر.

   النبي صلى الله عليه وسلم من غار حراء الضيق الصغير، يفتح الله عليه  حتى فتح مكة  { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً  } ، لم يدخلها أحد من قبله ولا أحد من بعده فاتحاً لها كما فعل هو. في بدر عدد الصحابة ثلاثمائة، في أُحد ألف، في الخندق ألف، في الحديبية ألف وأربعمائة، في خيبر ألف وأربعمائة العدد قليل قليل وفجأة فتح مكة عشرة آلاف وتصبح الجزيزة العربية بعد فتح مكة إما مؤمن به أو مسالم له أو خائف منه بعد ما كان يحذر كل الناس.  وتنزل الآية {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً} ويدخل مكة ويطوف بالكعبة ومعه عشرة آلاف وهو يقرأ سورة الفتح { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً ، لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً  ، وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً }

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة التاسعة في موضوع ( الفتاح ) وهي بعنوان :

كيف ندعو الله تعالى باسمه الفتـــاح ؟

ادع ربَّك الفــتــــاح أن يفتح عليك إذا انغلقت في وجهك الأسبـــاب والأمور ..

ومن الأدعيــة الواردة في القرآن والسُّنَّة :

{ رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ .. }

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "إذا دخل أحدكم المسجد فليقل : اللهمَّ افتح لي أبواب رحمتك . وإذا خرج فليقل:اللهمَّ إني أسألك من فضلك رواه مسلم

اللهم افتح لنـــا أبـــواب رحمتك ،وافتح لنــا أبـــواب فضلك ، واجعلنا من عبـــادك الصالحيـــن.

حظ العبد من اسم الله الفتـــاح

1) دوام التوكُّل .. أن تعتمد على الله سبحانه وتعالى قبل الأخذ بالأسباب ، وأن تطلب منه وحده مفاتيــح الخيــر ..عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قام على المنبر فقال :

"إنما أخشى عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من بركات الأرض"،وفي رواية ".. ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها"[صحيح البخاري]

2) كن أنتَ مفتاحـــًا للخيـــر .. يقول النبي صلى الله عليه و سلم :  (إن هذا الخير خزائن ولتلك الخزائن مفاتيح ، فطوبى لعبدٍ جعله الله عزَّ وجلَّ مفتاحًا للخير مغلاقًا للشر ، وويلٌ لعبدٍ جعله الله مفتاحًا للشر مغلاقًا للخير ) [رواه ابن ماجه وحسنه الألباني]

.. فعليك أن تكون مُبـــاركــًا حيثما كنت ، وتظل طوال الوقت تُفكِّر في أفكـــار وطرق لهداية النــاس من حولك وتفتيح أبــواب الخير أمامهم ،،

3) التوحيـــد والمُتابعة للنبي صلى الله عليه و سلم .. وهي أعظم المفاتيـــح للخير والرزق ، كما يقول النبي صلى الله عليه و سلم : (ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ أو فيسبغ الوضوء، ثم يقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله .. وفي رواية : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، إلا فُتِحَت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ) [رواه مسلم] ..

و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (ما قال عبد لا إله إلا الله قط مُخلصًا ، إلا فُتِحَت له أبواب السماء حتى تفضي إلى العرش ما أجتنب الكبائر) رواه الترمذي وحسنه الألباني..

دلالة إقتران الفتاح بالعليم

  قال تعالى{ قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ }

وقد تقوم الشبهات أمام البراهين ; وقد يغشى الباطل على الحق . .ولكن ذلك كله إلى حين . .ثم يفصل الله بين الفريقين بالحق ,ويحكم بينهم حكمه الفاصل المميز الحاسم الأخير . . (وهو الفتاح العليم). .الذي يفصل ويحكم عن علم وعن معرفة بين المحقين والمبطلين . .وهذا هو الاطمئنان إلى حكم الله وفصله .فالله لا بد حاكم وفاصل ومبين عن وجه الحق . وهو لا يترك الأمور مختلطة إلا إلى حين . ولا يجمع بين المحقين والمبطلين إلا ريثما يقوم الحق بدعوته ,ويبذل طاقته ,ويجرب تجربته ; ثم يمضي الله أمره ويفصل بفصله . والله سبحانه هو الذي يعلم ويقدر متى يقول كلمة الفصل . فليس لأحد أن يحدد موعدها , ولا أن يستعجلها . فالله هو الذي يجمع وهو الذي يفتح .(وهو الفتاح العليم).

ومن لطائف الاقتران:

قال تعالى: {وهو الفتاح العليم} ، لما كان من معاني الفتَّاح: فتح كل مغلق من الأسباب، كالرزق، والعلم، دلَّ على كمال الفتح، وأنه يجري على مقتضى العلم، وفي ذلك صلاح العباد، واستقامة أحوالهم، بخلاف ما لو كان فتحًا بغير علم، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا. 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة العاشرة في موضوع ( الفتاح ) وهي بعنوان : الفاتحة                                                                             

وروى البخاري  عَنْ أَبِي سَعِيدِبْنِ الْمُعَلَّى رضي اهْم عنه أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ قَالَ له :  لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ السُّوَرِ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ  ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ قُلْتُ لَهُ : أَلَمْ تَقُلْ لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ ؟ قَالَ :  الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي ، وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ  .

قال الحافظ ابن حجر : وهي تشتمل على شفاء القلوب وشفاء الأبدان :"فأما اشتمالها على شفاء القلوب : فإنها اشتملت عليه أتم اشتمال ،فإن مدار اعتلال القلوب وأسقامها على أصلين : فساد العلم ، وفساد القصد ، ويترتب عليهما داءان قاتلان وهما الضلال والغضب ، فالضلال نتيجة فساد العلم ، والغضب نتيجة فساد القصد ، وهذان المرضان هما ملاك أمراض القلوب جميعها ، فهداية الصراط المستقيم تتضمن الشفاء من مرض الضلال ، ولذلك كان سؤال هذه الهداية أفرض دعاء على كل عبد وأوجبه عليه كل يوم وليلة في كل صلاة ، لشدة ضرورته وفاقته إلى الهداية المطلوبة ،ولا يقوم غير هذا السؤال مقامه .

وأما تضمنها لشفاء الأبدان فنذكر منه ما جاءت به السنة ، وما شهدت به قواعد الطب ودلت عليه التجربة .

فأما ما دلت عليه السنة :ففي الصحيح من حديث أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مروا بحي من العرب ... " فذكر حديث الرقية بالفاتحة " ثم قال : فقد تضمن هذا الحديث حصول شفاء هذا اللديغ بقراءة الفاتحة عليه فأغنته عن الدواء وربما بلغت من شفائه ما لم يبلغه الدواء . هذا مع كون المحل غير قابل ، إما لكون هؤلاء الحي غيرمسلمين ، أو أهل بخل ولؤم ، فكيف إذا كان المحل قابلاً "

 ثم قال ابن القيم :"كان يعرض لي آلام مزعجة بحيث تكاد تقطع الحركة مني ، وذلك في أثناء الطواف وغيره فأبادر إلى قراءة الفاتحة وأمسح بها على محل الألم فكأنه حصاة تسقط ، جربت ذلك مراراً عديدة ، وكنت آخذ قدحاً من ماء زمزم فأقرأ عليه الفاتحة مراراً فأشربه فأجد به من النفع والقوة ما لم أعهدمثله في الدواء"        

  ثم قال : أن سورة الفاتحة قد تضمنت جميع معاني الكتب المنزلة. ثم قال : أنها متضمنة لأنفع الدعاء.

وقال ابن القيم ": وبالجملة : فسورة الفاتحة مفتاح كل خير وسعادة في الدارين ......                            وهي فاتحة الكتاب وأم القرآن والسبع المثاني والشفاء التام والدواء النافع والرقية التامة ومفتاح الغنى والفلاح وحافظة القوة ودافعة الهم والغم والخوف والحزن لمن عرف مقدارها وأعطاها حقها وأحسن نزيلها على دائه

وعرف وجه الاستشفاء والتداوي بها والسر الذي لأجله كانت كذلك .                                       ومن ساعده التوفيق وأُعِين بنور البصيرة حتى وقف على أسرار هذه السورة وما اشتملت عليه من التوحيد ، ومعرفة الذات والأسماء والصفات والأفعال ، وإثبات الشرع والقدر والمعاد ، وتجريد توحيد الربوبية والإلهية ، وكمال التوكل والتفويض إلى من له الأمر كله وله الحمد كله وبيده الخير كله وإليه يرجع الأمر كله ، والافتقار إليه في طلب الهداية التي هي أصل سعادة الدارين ، وعلم ارتباط معانيها بجلب مصالحهما ودفع مفاسدهما ، وأن العاقبة المطلقة التامة والنعمة الكاملة منوطة بها موقوفة على التحقق بها ؛ أغنته عن كثير من الأدوية والرقى ،واستفتح بها من الخير أبوابه ، ودفع بها من الشر أسبابه "                                                 وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : "تأملت أنفع الدعاء ،فإذا هو سؤال العون على مرضاته ، ثم رأيته في الفاتحة في :  إياك نعبد وإياك نستعين ".

وقال ابن القيم أيضاً : ما أعظم الفاتحة وما فيها من المعارف الإلهية والحكم الربانية والعلوم النافعة والتوحيد التام والثناء على الله بأصول أسمائه وصفاته وذكر أقسام الخلقة باعتبار غاياتهم ووسائلهم.... فلله كم في هذه السورة من أنواع المعارف والعلوم والتوحيد وحقائق الإيمان

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الحادية عشرة في موضوع ( الفتاح ) وهي بعنوان : افتتاح الصلاة بالطهور

   قال الشيخ شمس الدين بن القيم في باب فرض الوضوء : قوله صلى الله عليه وسلم : " مفتاح الصلاة الطهور , وتحريمها التكبير , وتحليلها التسليم " . اشتمل هذا الحديث على ثلاثة أحكام . الحكم الأول : أن مفتاح الصلاة الطهور والمفتاح : ما يفتح به الشيء المغلق , فيكون فاتحا له , ومنه : " مفتاح الجنة لا إله إلا الله " , وقوله : ( مفتاح الصلاة الطهور ) يفيد الحصر , وأنه لا مفتاح لها سواه

وإذا عرف هذا ثبت أن الصلاة لا يمكن الدخول فيها إلا بالطهور . وهذا أدل على الاشتراط من قوله : " لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ "

والرسول صلى الله عليه وسلم جعل الطهور مفتاح الصلاة , التي لا تفتتح ويدخل فيها إلا به , وما كان مفتاحا للشيء كان قد وضع لأجله وأعد له . فدل على أن كونه مفتاحا للصلاة هو جهة كونه طهورا , فإنه إنما شرع للصلاة وجعل مفتاحا لها , ومن المعلوم أن ما شرع للشيء ووضع لأجله لا بد أن يكون الآتي به قاصدا ما جعل مفتاحا له ومدخلا إليه هذا هو المعروف حسا كما هو ثابت شرعا ومن المعلوم أن من سقط في ماء وهو لا يريد التطهر لم يأت بما هو مفتاح الصلاة , فلا تفتح له الصلاة , وصار هذا كمن حكى عن غيره أنه قال لا إله إلا الله , وهو غير قاصد لقولها , فإنها لا تكون مفتاحا للجنة منه , لأنه لم يقصدها . وهكذا هذا , لما لم يقصد الطهور لم يحصل له مفتاح الصلاة ونظير ذلك الإحرام , هو مفتاح عبادة الحج , ولا يحصل له إلا بالنية فلو اتفق تجرده لحر أو غيره , ولم يخطر بباله الإحرام , لم يكن محرما بالاتفاق .

إفتتاح الصلاة وتحريمها بـ (الله أكبر)

عن عائشة رضي الله عنها قالت:"كان رسول الله يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بـ ﴿ الحمد لله رب العالمين﴾  أخرجه أحمد ومسلم وغيرهما

قال ابن دقيق العيد : قولها ( كان يستفتح الصلاة بالتكبير ) هذا الحديث يقتضي المداومة لافتتاح الصلاة بعد التكبير ب { الحمد لله رب العالمين }

 وقال ابن القيم  : الله أكبر , فهل تعلم شيئا أكبر من الله ؟ " وهذا مطابق لقوله تعالى : { قل أي شيء أكبر شهادة } وهذا يقتضي جوابا : لا شيء أكبر شهادة من الله , فالله أكبر شهادة من كل شيء . كما أن قوله لعدي " هل تعلم شيئا أكبر من الله ؟ " يقتضي جوابا : لا شيء أكبر من الله , فالله أكبر من كل شيء .    

وفي افتتاح الصلاة بهذا اللفظ , المقصود منه : استحضار هذا المعنى , وتصوره : سر عظيم يعرفه أهل الحضور , المصلون بقلوبهم وأبدانهم . فإن العبد إذا وقف بين يدي الله عز وجل وقد علم أن لا شيء أكبر منه

, وتحقق قلبه ذلك , وأشربه سره استحى من الله , ومنعه وقاره وكبرياؤه أن يشغل قلبه بغيره , ومن لم يستحضر هذا المعنى فهو واقف بين يديه بجسمه , وقلبه يهيم في أودية الوساوس والخطرات , والله المستعان . فلو كان الله أكبر من كل شيء في قلب هذا لما اشتغل عنه , وصرف كلية قلبه إلى غيره , كما أن الواقف بين يدي الملك المخلوق لما لم يكن في قلبه أعظم منه لم يشغل قلبه بغيره ولم يصرفه عنه صارف

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثانية عشرة في موضوع ( الفتاح ) وهي إستكمالا للحلقة الماضية والتي هي بعنوان : (كان يستفتح الصلاة بالتكبير)

 وقال ابن القيم أيضاً : قال النبي صلى الله عليه وسلم ( تحريمها التكبير وتحليلها التسليم ) صحيح تحريمها هنا هو بابها الذي يدخل منه إليها وتحليلها بابها الذي يخرج به منهافجعل التكبير باب الدخول والتسليم باب الخروج لحكمة بديعة بالغة يفهمها من عقل عن الله وألزم نفسه بتأمل محاسن هذا الدين العظيم وسافر فكره في استخراج حكمه وأسراره وبدائعه وتغرب عن عالم العادة والألف فلم يقنع بمجرد الأشباح حتى يعلم ما يقوم به من الأرواح فإن الله تعالى لم يشرع شيئا سدى ولا خلوا من حكمة بالغة بل في طوايا ما شرعه وأمر به من الحكم والأسرار التي تبهر العقول ما يستدل به الناظر فيه على وراءه فيسجد القلب خضوعا وإذعانا فنقول وبالله التوفيق : لما كان المصلي قد تخلى عن الشواغل وقطع جميع العلائق وتطهر وأخذ زينته وتهيأ للدخول على الله تعالى ومناجاته شرع له أن يدخل عليه دخول العبيد على الملوك فيدخل بالتعظيم والإجلال فشرع له أبلغ لفظ يدل على هذا المعنى وهو قول (الله أكبر) فإن في اللفظ من التعظيم والتخصيص والإطلاق في جانب المحذوف المجرور بمن ما لا يوجد في غيره ، ولهذا كان الصواب أن غير هذا اللفظ لا يقوم مقامه ولا يؤدي معناه ولا تنعقد الصلاة إلا به كما هو مذهب أهل المدينة وأهل الحديث فجعل هذا اللفظ واستشعار معناه والمقصود باب الصلاة الذي يدخل العبد على ربه منه فإنه إذا استشعر بقلبه أن (الله أكبر) من كل ما يخطر بالبال استحيا منه أن يشغل قلبه في الصلاة بغيره فلا يكون موفيا لمعنى (الله أكبر) ولا مؤديا لحق هذا اللفظ ولا أتى البيت من بابه بل الباب عنه مسدود وهذا بإجماع السلف أنه ليس للعبد من صلاته إلا ما عقل منها وحضره بقلبه

وما أحسن ما قال أبو الفرج بن الجوزي في بعض وعظه : حضور القلب أول منزل من منازل الصلاة فإذا نزلته انتقلت إلى بادية المعنى فإذا رحلت عنها أنخت بباب المناجاة فكان أول قِرى الضيف اليقظة وكشف الحجاب لعين القلب ،فكيف يطمع في دخول مكة من لم يخرج إلى البادية  ، وقد تبعث قلبك في كل واد فربما تفجأك الصلاة وليس قلبك عندك فتبعث الرسول وراءه فلا يصادفه فتدخل في الصلاة بغير قلب والمقصود أنه قبيح بالعبد أن يقول بلسانه (الله أكبر) وقد امتلأ قلبه بغير الله فهو قبلة قلبه في الصلاة ولعله لا يحضربين يدي ربه في شيء منها فلو قضى حق (الله أكبر) وأتى البيت من بابه لدخل وانصرف بأنواع التحف والخيرات فهذا الباب الذي يدخل منه المصلى وهو التحريم

الإفتتاح في القراءة بالحمد

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما : كَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ الصَّلاةَ بـِ ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) .وَفِي رِوَايَةٍ : صَلَّيْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ , فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . وَلِمُسْلِمٍ : صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ بـِ (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ),لا يَذْكُرُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي أَوَّلِ قِرَاءَةٍ،وَلا فِي آخِرِهَا

والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس قال: " صليت خلف رسول الله، وخلف أبي بكر، وعمر، وعثمان، فلم أسمع أحدا منهم يقرأ: (بسم الله الرحمن الرحيم) " ، وفي لفظ لمسلم: " فكانوا يستفتحون القراءة ب { الحمد لله رب العالمين } لا يذكرون (بسم الله الرحمن الرحيم) في أول قراءة ولا في آخرها".

 وعن إبراهيم النخعي، أنه قال: " ما أدركت أحدا يجهر ب (بسم الله الرحمن الرحيم) والجهر بها بدعة ، وذكر الطحاوي، عن عروة قال: " أدركت الأئمة وما يستفتحون القراءة إلاب{الحمد لله رب العالمين} وعن عائشة رضي الله عنها قالت:"كان رسول الله يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بـ    ﴿ الحمد لله رب العالمين﴾  أخرجه أحمد ومسلم وغيرهما   

وعن أنس بن مالك قال: (كان رسول الله  وأبو بكر وعمر وعثمان يفتتحون القراءة  بـ ﴿ الحمد لله رب العالمين﴾    أخرجه أحمد والبخاري ومسلم

الإفتتاح بـ {قل هو الله أحد } بعد الفاتحة

 عن أنس قال: «كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء، وكان كلما افتتح بسورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ افتتح ب(قل هو الله أحد ) حتى يفرغ منها ثم يقرأ سورة أخرى معها فكان يصنع ذلك في كل ركعة، فلما أتاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبروه الخبر فقال: (وما يحملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة؟ ) قال: إني أحبها، قال: (حبك إياها أدخلك الجنة ) رواه الترمذي وقال: حسن صحيح غريب، وأخرجه البخاري تعليقا

 إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثالثة عشرة في موضوع ( الفتاح ) وهي بعنوان :

الرسول منعوت بالفاتح في الكتب السالفة

 قال ابن القيم :  أن اسمه محمد في التوراة صريحا بما يوافق عليه كل عالم من مؤمني أهل الكتاب ومنها أحمد وهو الإسم الذي سماه به المسيح  ، ومنها المتوكل ومنها الماحي والحاشر والعاقب والمقفي ونبي التوبة ونبي الرحمة ونبي الملحمة والفاتح والأمين

ووصف محمد عليه الصلاة والسلام في التورات                                                    بأنه يفتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً

روى الإمامُ البخاري عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رضي الله عنهما -، قُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فِي التَّوْرَاةِ؟ قَالَ: أَجَلْ؛ وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَحِرْزًا لِلأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ المتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلاَ غَلِيظٍ وَلاَ سَخَّابٍ فِي الأَسْوَاقِ، وَلاَ يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ؛ وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ؛ بِأَنْ يَقُولُوا:لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا».لَقَدِ اِشْتَمَلَ هذا الأثَرُ على وَصْفِ النبيِّ محمَّدٍ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في التَّوْرَاةِ، ووَصْفِ دعْوَتِهِ القَوِيمَةِ، وأخْلاقِه المُسْتَقِيمَةِ، وشَرِيعَتِه العَظِيمَةِ.

أول من يقرع باب الجنة ويستفتح رسول الله صلى الله عليه وسلم

    أخرج مسلم في صحيحه عن أنس رضي الله عنه : (آتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد فيقول: بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك)

وأخرج الطبراني عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (آتي باب الجنة فأستفتح فيقوم الخازن فيقول: لا أفتح لأحد قبلك, ولا أقوم لأحد بعدك) وذلك أن قيامه إليه صلى الله عليه وسلم خاصة إظهار المرتبة ومرتبته، ولا يقوم في خدمة أحد بعده, بل خزنة الجنة دونه يقومون في خدمته، وهو كالملك عليهم, وقد أقامه الله في خدمة عبده ورسوله، حتى مشى إليه وفتح الباب.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أنا أول من يفتح له باب الجنة, إلا أن امرأة تبادرني فأقول لها: ما لك أو ما أنت؟ فتقول: أنا امرأة قعدت على أيتامي)

من القادة من يفتح الله على يديه

 اخرج البخاري بسنده من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  قال يوم خيبر( لأعطين هذه الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله) قال فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله  صلى الله عليه وسلم  كلهم يرجو أن يعطاها ، فقال : ( أين علي بن أبي طالب ) ؟ فقيل : هو يا رسول الله يشتكي عينيه ، قال :

( فأرسلوا إليه فأتي به فبصق رسول الله  صلى الله عليه وسلم  في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية ) ، فقال علي : يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا ؟ ، فقال : ( انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم )

 وروى البخاري عن خالد بن الوليد قال‏:‏ لقد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف ، فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية‏ .‏ وفي لفظ آخر:‏ لقد دق في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف ، وصبرت في يدي صفيحة لي يمانية ‏. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مؤتة ـ مخبراً بالوحي ، قبل أن يأتي إلى الناس الخبر من ساحة القتال‏ :‏ ‏( ‏أخذ الراية زيد فأصيب ، ثم أخذ جعفر فأصيب ، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب ـ وعيناه تذرفان ـ حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله ، حتى فتح الله عليهم‏ )‏ ‏.

 خاف عمر أن يفتتن الناس بانتصارات خالد فبعث إلى أبي عبيدة لينحى خالدًا ويكون هو القائد على الجيش بدلاً منه، فتأخر أبو عبيدة فى ذلك، فلما علم خالد وسأله قال: كرهت أن أكسر عليك حربك، وما سلطان الدنيا نريد، ولا للدنيا نعمل، كلنا فى الله إخوة، فقال خالد للجند: وُلِّى عليكم أمين هذه الأمة. فتح الله على يديه دمشق وحمص وأنطاكية واللاذقية وحلب حتى فتح الشام كلها.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الرابعة عشرة في موضوع ( الفتاح ) وهي بعنوان :

طوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه

روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في سنن ابن ماجة وغيره من حديث أنس ابن مالك رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال: (إن من الناس ناسا مفاتيح للخير مغاليق للشر , ومن الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير" ,فطوبى لمن جعل الله مفتاح الخير على يديه , وويل لمن جعل مفتاح الشر على يديه),  وطوبى  قيل : هي الجنة ,وقيل هي شجرة في الجنة لا يقطعها الراكب إلا في مئة عام ,وويل قيل : هي النار ,وقيل العذاب الشديد والنكال الأليم , لنتأمل هذا الحديث العظيم والوصية الجامعة عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم , الناس فريقان فريق مفتاح للخير مغلاق للشر,وفريق على العكس من ذلك مفتاح للشر مغلاق للخير ,هل تأمل كل واحد منا حاله وأمره وشأنه في هذا المقام العظيم ,هل هو من مفاتيح الخير مغاليق الشر ,أو أنه على العكس من ذلك

ومعرفة مفاتيح الخير والشر، باب عظيم من أنفع أبواب العلم، لا يوفق لمعرفته ومراعاته إلا من عظم حظه وتوفيقه، فإن الله -سبحانه وتعالى- جعل لكل خير وشر مفتاحاً وباباً يدخل منه إليه، فجعل الطاعة مفتاحا لسكينة النفس، والاستغفار مفتاحا لاستجلاب الخيرات، والتذلل بين يديه جل وعلا مفتاحا لرحمته ومغفرته، والصدقة مفتاحا لإطفاء الخطيئة، والصدق مفتاحا للبر.

كما جعل الشرك والكبر والإعراض عما بعث الله به رسوله -صلى الله عليه وسلم-، والغفلة عن ذكره والقيام بحقه مفتاحاً للنار، وجعل الخمر مفتاح كل إثم، وجعل الغي مفتاح الزنا، وجعل إطلاق النظر في الصور مفتاح الطلب والعشق، وجعل الكسل والراحة مفتاح الخيبة والحرمان، وجعل المعاصي مفتاح الكفر، وجعل الكذب مفتاح النفاق، وجعل الشح والحرص مفتاح البخل، وقطيعة الرحم وأخذ المال من غير حلّه، وجعل الإعراض عما جاء به الرسول مفتاح كل بدعة وضلال.                                                               

طلب النبي من خازن السماء أن يفتح له

   قال البخاري : قال عبدان أخبرنا عبد الله أخبرنا يونس عن الزهري قال أنس بن مالك كان أبو ذر رضي الله عنه يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( فرج سقفي وأنا بمكة فنزل جبريل عليه السلام ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا فأفرغها في صدري ثم أطبقه ثم أخذ بيدي فعرج إلى السماء الدنيا قال جبريل لخازن السماء الدنيا : افتح ، قال : من هذا ؟ قال : جبريل)

وعنده مفاتيح الغيب

ﭧ ﭨ ﭽ               ﯲﯳ             ﯸﯹ            ﯿ                                           

وفي مفاتح الغيب سبعة أقوال :

أحدها : أنها خمس لا يعلمها إلا الله عز وجل روى البخاري في أفراده من حديث ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مفاتح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله لا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله ولا يعلم ما في غد إلا الله ولا تعلم نفس بأي أرض تموت إلا الله ولا يعلم متى ينزل الغيث إلا الله قال ابن مسعود أوتى نبيكم علم كل شيء إلا مفاتيح الغيب                                                                   والثاني : أنها خزائن غيب السموات من الأقدار والأرزاق قاله ابن عباس                                    والثالث : ما غاب عن الخلق من الثواب والعقاب وما تصير إليه الأمور قاله عطاء                             والرابع : خزائن غيب العذاب متى ينزل قاله مقاتل                                                       والخامس : الوصلة إلى علم الغيب إذا استعلم قاله الزجاج                                               والسادس : عواقب الأعمار وخواتيم الأعمال                                                               والسابع : ما لم يكن هل يكون أم لا يكون ، وما يكون كيف يكون ، وما لا يكون إن كان كيف يكون ، فأما البر فهو القفر وفي البحر قولان أحدهما أنه الماء قاله الجمهور والثاني أنه القرى قاله مجاهد

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الخامسة عشرة في موضوع ( الفتاح ) وهي بعنوان : الفتح والنصر من الله

ورد عدد من الآيات في النصر والفتح ؛ والنصر فتح ، منها :

 1. قال تعالى :{فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ}

2. وقال تعالى : {قَدْ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلاّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا ، وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ }

3. وقال تعالى : { إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَ كُمْ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} 4. وقال تعالى : { قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَانُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنْ الْمَرْجُومِينَ ، قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ ، فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِي مِنْ الْمُؤْمِنِينَ}
5. وقال تعالى : {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ، قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لاَ يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ}

6. وقال تعالى : {قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ }
7. وقال تعالى : {مَا يَفْتَحْ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}

8. {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} الآيات

9. {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا}
10. {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا}

11. { فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ، فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ}
12. { وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ}
13. { إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ }
14. { وَاتَّقُوا يَوْمًا لاَ تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ}
15. { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ }
16.{ وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }
17.  {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأوْلِي الأَبْصَارِ }

18. { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوْ افْتَدَى بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ }

19.{ لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاّ أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمْ الأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنْصَرُونَ }
20. { وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاّ أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }
21.  {بَلْ اللَّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ }

 22.  { إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ}
23. {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا }
24.  {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنْ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا }.... والآيات كثيرة في هذا الباب

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد

فهذه الحلقة السادسة عشرة في موضوع ( الفتاح ) وهي بعنوان :

       

ﭧ ﭨ ﭽ         ﭿ             

 قال ابن كثير : لما طال مقام نبي اللّه بين أظهرهم يدعوهم إلى اللّه تعالى ليلاً ونهاراً، وسراً وجهاراً، وكلما كرر عليهم الدعوة صمموا على الكفر الغليظ والامتناع الشديد، وقالوا في الآخر: { لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين} أي إن لم تنته عن دعوتك إيانا على دينك { لتكونن من المرجومين} أي لنرجمنك، فعند ذلك دعا عليهم دعوة استجاب اللّه منه فقال: { رب إن قومي كذبون * فافتح بيني وبينهم فتحا} الآية، كما قال في الآية الأخرى { فدعا ربه أني مغلوب فانتصر} إلى آخر الآية، وقال ههنا { فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون * ثم أغرقنا بعد الباقين} والمشحون هو المملوء بالأمتعة والأزواج التي حمل فيها من كل زوجين اثنين، أي أنجينا نوحاً ومن اتبعه كلهم وأغرقنا من كفر به وخالف أمره كلهم أجمعين { إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم} .

وفى صحيح البخاري عن ابن عباس قال: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام .

            فتح باب العذاب الشديد

ﭧ ﭨ ﭽ                             

فيه ثلاثة أقوال :

أحدها أنه يوم بدر رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس

والثاني أنه الجوع الذي أصابهم قاله مقاتل

والثالث باب من عذاب جهنم في الآخرة حكاه الماوردي                                                    قال الألوسي :                                                                                           حتى إذا فتحنا عليهم بابًا من العذاب الشديد في الآخرة، إذا هم فيه آيسون من كل خير، متحيرون لا يدرون ما يصنعون.                                                                                                                                                   وقال ابن عاشور :  والقول في جملة {حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً} كالقول في: {حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً} .       وإذا من قوله: {حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً} مثل إذا التي تقدمت في قوله: {حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ} الخ.وفتح الباب تمثيل لمفاجأتهم بالعذاب بعد أن كان محجوزا عنه

          

ﭧ ﭨ ﭽ           

   قال البيضاوي :  سألوا من الله الفتح على أعدائهم أو القضاء بينهم وبين أعدائهم من الفتاحة كقوله { ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق } وهو معطوف على { فأوحى } والضمير للأنبياء عليهم الصلاة والسلام

 وقيل للكفرة  وقيل للفريقين فإنهم كلهم سألوه أن ينصر المحق ويهلك المبطل

    وقال البغوي : أي استنصروا قال ابن عباس ومقاتل يعني الأمم وذلك أنهم قالوا اللهم إن كان هؤلاء الرسل صادقين فعذبنا نظيره قوله تعالى { وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء } وقال مجاهد وقتادة واستفتحوا يعني الرسل وذلك أنهم لما يئسوا من إيمان قومهم استنصروا الله ودعوا على قومهم بالعذاب كما قال نوح { رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا  } وقال موسى { ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم } الآية  

 وقال الشوكاني : { واستفتحوا } معطوف على أوحى والمعنى أنهم استنصروا بالله على أعدائهم أو سألوا الله القضاء بينهم من الفتاحة وهى الحكومة ومن المعنى الأول قوله { إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح } أى إن تستنصروا فقد جاءكم النصر ومن المعنى الثاني قوله { ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق } أى احكم والضمير فى استفتحوا للرسل وقيل للكفار وقيل للفريقين

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد

فهذه الحلقة السابعة عشرة في موضوع ( الفتاح ) وهي بعنوان :

ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لهافاطر

في هذه الآية الثانية من السورة صورة من صور قدرة الله التي ختم بها الآية الأولى . وحين تستقر هذه الصورة في قلب بشري يتم فيه تحول كامل في تصوراته ومشاعره واتجاهاته وموازينه وقيمه في هذه الحياة جميعاً .إنها تقطعه عن شبهة كل قوة في السماوات والأرض وتصله بقوة الله . وتيئسه من مظنة كل رحمة في السماوات والأرض وتصله برحمة الله . وتوصد أمامه كل باب في السماوات والأرض وتفتح أمامه باب الله . وتغلق في وجهه كل طريق في السماوات والأرض وتشرع له طريقه إلى الله .

  ورحمة الله تتمثل في مظاهر لا يحصيها العد؛ ويعجز الإنسان عن مجرد ملاحقتها وتسجيلها في ذات نفسه وتكوينه ، وتكريمه بما كرمه؛ وفيما سخر له من حوله ومن فوقه ومن تحته؛ وفيما أنعم به عليه مما يعلمه ومما لا يعلمه وهو كثير  ، ورحمة الله تتمثل في الممنوع تمثلها في الممنوح . ويجدها من يفتحها الله له في كل شيء ، وفي كل وضع ، وفي كل حال ، وفي كل مكان . . يجدها في نفسه ، وفي مشاعره؛ ويجدها فيما حوله ، وحيثما كان ، وكيفما كان . ولو فقد كل شيء مما يعد الناس فقده هو الحرمان . . ويفتقدها من يمسكها الله عنه في كل شيء ، وفي كل وضع ، وفي كل حالة ، وفي كل مكان . ولو وجد كل شيء مما يعده الناس علامة الوجدان والرضوان ! وما من نعمة يمسك الله معها رحمته حتى تنقلب هي بذاتها نقمة . وما من محنة تحفها رحمة الله حتى تكون هي بذاتها نعمة . . ينام الإنسان على الشوك مع رحمة الله فإذا هو مهاد . وينام على الحرير -وقد أمسكت عنه فإذا هو شوك القتاد . ويعالج أعسر الأمور برحمة الله فإذا هي هوادة ويسر . ويعالج أيسر الأمور وقد تخلت رحمة الله فإذا هي مشقة وعسرويخوض بها المخاوف والأخطار فإذا هي أمن وسلام . ويعبر بدونها المناهج والمسالك فإذا هي مهلكة وبوار ! ولا ضيق مع رحمة الله . إنما الضيق في إمساكها دون سواه . لا ضيق ولو كان صاحبها في غياهب السجن ، أو في جحيم العذاب أو في شعاب الهلاك . ولا وسعة مع إمساكها ولو تقلب الإنسان في أعطاف النعيم ، وفي مراتع الرخاء . فمن داخل النفس برحمة الله تتفجَّر ينابيع السعادة والرضا والطمأنينة . ومن داخل النفس مع إمساكها تدب عقارب القلق والتعب والنصب والكد والمعاناة!

هذا الباب وحده يفتح وتغلق جميع الأبواب ، وتوصد جميع النوافذ ، وتسد جميع المسالك . . فلا عليك . فهو الفرج والفسحة واليسر والرخاء . . وهذا الباب وحده يغلق وتفتح جميع الأبواب والنوافذ والمسالك فما هو بنافع . وهو الضيق والكرب والشدة والقلق والعناء!

هذا الفيض يفتح ، ثم يضيق الرزق . ويضيق السكن . ويضيق العيش ، وتخشن الحياة ، ويشوك المضجع . . فلا عليك . فهو الرخاء والراحة والطمأنينة والسعادة . وهذا الفيض يمسك . ثم يفيض الرزق ويقبل كل شيء . فلا جدوى . وإنما هو الضنك والحرج والشقاوة والبلاء!

المال والولد ، والصحة والقوة ، والجاه والسلطان . . تصبح مصادر قلق وتعب ونكد وجهد إذا أمسكت عنها رحمة الله . فإذا فتح الله أبواب رحمته كان فيها السكن والراحة والسعادة والاطمئنان .

يبسط الله الرزق مع رحمته فإذا هو متاع طيب ورخاء؛ وإذا هو رغد في الدنيا وزاد إلى الآخرة . ويمسك رحمته ، فإذا هو مثار قلق وخوف ، وإذا هو مثار حسد وبغض ، وقد يكون معه الحرمان ببخل أو مرض ، وقد يكون معه التلف بإفراط أو استهتار .

ويمنح الله الذرية مع رحمته فإذا هي زينة في الحياة ومصدر فرح واستمتاع ، ومضاعفة للأجر في الآخرة بالخلف الصالح الذي يذكر الله . ويمسك رحمته فإذا الذرية بلاء ونكد وعنت وشقاء ، وسهر بالليل وتعب بالنهار!

ويهب الله الصحة والقوة مع رحمته فإذا هي نعمة وحياة طيبة ، والتذاذ بالحياة . ويمسك نعمته فإذا الصحة والقوة بلاء يسلطه الله على الصحيح القوي ، فينفق الصحة والقوة فيما يحطم الجسم ويفسد الروح ، ويدخر السوء ليوم الحساب!

ويعطي الله السلطان والجاه مع رحمته فإذا هي أداة إصلاح ، ومصدر أمن ، ووسيلة لادخار الطيب الصالح من العمل والأثر . ويمسك الله رحمته فإذا الجاه والسلطان مصدر قلق على فوتهما ، ومصدر طغيان وبغي بهما ، ومثار حقد وموجدة على صاحبهما لا يقر له معهما قرار ، ولا يستمتع بجاه ولا سلطان ، ويدخر بهما للآخرة رصيداً ضخماً من النار!

والعلم الغزير . والعمر الطويل . والمقام الطيب . كلها تتغير وتتبدل من حال إلى حال . . مع الإمساك ومع الإرسال . . وقليل من المعرفة يثمر وينفع ، وقليل من العمر يبارك الله فيه . وزهيد من المتاع يجعل الله فيه السعادة .والجماعات كالآحاد . والأمم كالأفراد

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد

فهذه الحلقة الثامنة عشرة في موضوع ( الفتاح ) وهي بعنوان :إفتتاح القرآن ببسم الله الرحمن الرحيم

 أخرج الإمام أحمد بسنده من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (كُلُّ كَلَامٍ أَوْ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُفْتَحُ بِذِكْرِ اللهِ فَهُوَ أَبْتَرُ - أَوْ قَالَ : أَقْطَعُ -)                                                                                        وسئل عنه الشيخ ابن باز رحمه الله فقال :"جاء هذا الحديث من طريقين أو أكثر عند ابن حبان وغيره ، وقد ضعفه بعض أهل العلم ، والأقرب أنه من باب الحسن لغيره" انتهى ." 

والحديث معناه مقبول ومعمول به ، فقد افتتح الله تعالى كتابه بالبسملة ، وافتتح سليمان عليه السلام كتابه إلى ملكة سبأ بالبسملة ، قال تعالى:  { إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، وافتتح النبي صلى الله عليه وسلم كتابه إلى هرقل بالبسملة ، وكان صلى الله عليه وسلم يفتتح خطبه بحمد الله والثناء عليه وقد ذهب أكثر الفقهاء إلى مشروعية البسملة واستحبابها عند الأمور المهمة .

  وقال الصاوي : واتفق أكثر الفقهاء على أن التسمية مشروعة لكل أمر ذي بال ، عبادة  ؛ افتتح كتابه بالبسملة وقوله عليه الصلاة والسلام : ( كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر أو أقطع أو أجذم )  أي ناقص وقليل البركة .والباء : للاستعانة أو المصاحبة التبركية متعلقة بمحذوف تقديره أؤلف ونحوه ، وهو يعم جميع أجزاء التأليف فيكون أولى من أفتتح ونحوه ، ولما افتتح بالبسملة افتتاحا حقيقيا افتتح بالحمد له افتتاحا إضافيا ، وهو ما تقدم على الشروع في المقصود بالذات جمعا بين حديثي البسملة والحمدلة ، وحمل البسملة على الابتداء الحقيقي ، والحمدلة على الابتداء الإضافي لموافقة القرآن العزيز ، ولقوة حديث البسملة على حديث الحمدلة                                                                                      

المؤمن في قبره يفتح له باب إلى الجنة

أخرج احمد بسنده من حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِنَازَةً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا فَإِذَا الإِنْسَانُ دُفِنَ فَتَفَرَّقَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ جَاءَهُ مَلَكٌ فِي يَدِهِ مِطْرَاقٌ فَأَقْعَدَهُ قَالَ مَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ فَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَيَقُولُ صَدَقْتَ ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى النَّارِ فَيَقُولُ هَذَا كَانَ مَنْزِلُكَ لَوْ كَفَرْتَ بِرَبِّكَ فَأَمَّا إِذْ آمَنْتَ فَهَذَا مَنْزِلُكَ فَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ فَيُرِيدُ أَنْ يَنْهَضَ إِلَيْهِ فَيَقُولُ لَهُ اسْكُنْ وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ ، وَإِنْ كَانَ كَافِرًا أَوْ مُنَافِقًا يَقُولُ لَهُ مَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ فَيَقُولَ لا أَدْرِي سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَيَقُولُ لا دَرَيْتَ وَلا تَلَيْتَ وَلا اهْتَدَيْتَ ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ فَيَقُولُ هَذَا مَنْزِلُكَ لَوْ آمَنْتَ بِرَبِّكَ فَأَمَّا إِذْ كَفَرْتَ بِهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَبْدَلَكَ بِهِ هَذَا وَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى النَّارِ ثُمَّ يَقْمَعُهُ قَمْعَةً بِالْمِطْرَاقِ يَسْمَعُهَا خَلْقُ اللَّهِ كُلُّهُمْ غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَحَدٌ يَقُومُ عَلَيْهِ مَلَكٌ فِي يَدِهِ مِطْرَاقٌ إِلا هُبِلَ عِنْدَ ذَلِكَ [أي ذهل] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِت ).

وصححه الألباني في تحقيق كتاب السنة لابن أبي عاصم (865)                           

 وقال ابن تيمية : ولا ينجي العباد من عذاب الله تعالى إلا إيمان يكون في قلوبهم، حتى إذا سئل أحدهم في القبر فقيل له: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ قال: ربي الله، والإسلام ديني، ومحمد نبيي، فيفتح له باب إلى الجنة، وينام نومة العروس الذي قد دخل بامرأته، لا يوقظه إلا أحب أهله إليه.

لمن تُفتُّح أبواب السماء ؟

ﭧ ﭨ ﭽ                                                             ﮟﮠ          

إذا فتحت أمامك أبواب السماء فهذا يعني تجلى الله على قلبك بالسكينة ، والسكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء ، وتشقى بفقدها لو ملكت كل شيء ، فإذا كنت في ظلمة الليل ، وظلمة البحر ، وظلمة بطن الحوت ، وفي ظلمات ثلاث يتجلى الله عليك بالسكينة فأنت في جنة ، لذلك عاش السكينةَ النبيُّ عليه الصلاة والسلام وهو في الغار ، وعاش السكينةَ سيدُنا يونس وهو في بطن الحوت ، وعاش السكينةَ سيدُنا إبراهيم وهو في النار ، وعاش السكينةَ أهلُ الكهف وهم في الكهف                                         إن فتحت لك أبواب السماء نزل على قلبك السكينة ، وإن فتحت لك أبواب السماء نزل على قلبك الأمن . ﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ *الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾

 وإذا فتحت لك أبواب السماء آتاك الله الحكمة .

﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً } وإذا فتحت لك أبواب السماء آتاك الله الرضا .
 وإذا فتحت لك أبواب السماء آتاك الله التفاؤل .
 إن فتحت لك أبواب السماء فلا يضل عقلك ، ولا تشقى نفسك .
 إن فتحت لك أبواب السماء فلا تهاب إلا الله ، ولا تخش إلا الله ، ولا تأخذك في الله لومة لائم .
 إذا فتحت لك أبواب السماء آتاك الله بصراً نافذاً ، وقولاً سديداً ، وحكمة رائعة ، وإدراكاً عميقاً .
 إذا فتحت لك أبواب السماء ملكت نفسك ولا تملكك ، وتحكمت بهواك ، ولم يتحكم بك

 إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد

فهذه الحلقة التاسعة عشرة في موضوع ( الفتاح ) وهي بعنوان :الأوقات التي تفتح فيها أبواب السماء

[1] قبل الظهر :عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ : ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا بَعْدَ أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ قَبْلَ الظُّهْرِ وَقَالَ :( إِنَّهَا سَاعَةٌ تُفْتَحُ فِيهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَأُحِبُّ أَنْ يَصْعَدَ لِي فِيهَا عَمَلٌ صَالِحٌ ) ،   

 (تفتح لهن أبواب السماء) كناية عن حسن القبول وسرعة الوصول .

 [2] عند قول : اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً :

عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : ( بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ : اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ الْقَائِلُ كَلِمَةَكَذَا وَكَذَا ، قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ : أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : عَجِبْتُ لَهَا ، فُتِحَتْ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ : فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذَلِكَ )

[3] عند قول لا إله إلا الله : ولكن بشرطين : الإخلاص واجتناب الكبائر

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا قَالَ عَبْدٌ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ قَطُّ مُخْلِصًا إِلا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ حَتَّى تُفْضِيَ إِلَى الْعَرْشِ مَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ)

 [4] عند قول :(الْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ ) في الصلاة :

عن وائل بن حجر رضي الله عنه قَالَ : ( صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَجُلٌ : الْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَنْ الْقَائِلُ ؟ قَالَ الرَّجُلُ : أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا أَرَدْتُ إِلا الْخَيْرَ ، فَقَالَ : لَقَدْ فُتِحَتْ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ فَلَمْ يُنَهْهَا دُونَ الْعَرْشِ )

 [5] دعوة المظلوم تفتح لها أبواب السماء :

 في حديث أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم : ( .. وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ تُحْمَلُ عَلَى الْغَمَامِ وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ وَعِزَّتِي لأَنْصُرَنَّكَ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ )

[6] عند انتظار الصلاة :

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : ( صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَغْرِبَ فَرَجَعَ مَنْ رَجَعَ وَعَقَّبَ مَنْ عَقَّبَ ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْرِعًا قَدْ حَفَزَهُ النَّفَسُ وَقَدْ حَسَرَ عَنْ رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ : أَبْشِرُوا هَذَا رَبُّكُمْ قَدْ فَتَحَ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ السَّمَاءِ يُبَاهِي بِكُمْ الْمَلائِكَةَ يَقُولُ : انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي قَدْ قَضَوْا فَرِيضَةً وَهُمْ يَنْتَظِرُونَ أُخْرَى ) .

[7] عند النداء :

 عن أنس قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا نودي بالصلاة فتحت أبواب السماء و استجيب الدعاء)

[8] عند حضور الصلاة والصف :

عن سهل بن سعد قال صلى الله عليه وسلم : ( ساعتان تفتح فيهما أبواب السماء و قلما ترد على داع دعوته : لحضور الصلاة و الصف في سبيل الله)

[9] عند إقامة الصلاة :عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلاةِ فُتِحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَاسْتُجِيبَ الدُّعَاءُ )

[10] يومي الاثنين والخميس :

 عن أبي هريرة عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:( تُفْتَحُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ كُلَّ يَوْمِ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ ، فَيُغْفَرُ ذَلِكَ الْيَوْمَ لِكُلِّ عَبْدٍ لا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا ، إِلا امْرَأً كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا )

[11] وفي شهر رمضان :

عن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ )

 [12] وفي جوف الليل :

عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( إِذَا كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْبَاقِي يَهْبِطُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ثُمَّ تُفْتَحُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ثُمَّ يَبْسُطُ يَدَهُ فَيَقُولُ هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى سُؤْلَهُ فَلا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ)

[13] عند صعود روح العبد الصالح :

ورد في حديث الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ الطويل قول رسول الله : ....وَفُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ، لَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَابٍ إِلا وَهُمْ يَدْعُونَ اللَّهَ أَنْ يُعْرَجَ بِرُوحِهِ مِنْ قِبَلِهِمْ .. الحديث )

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد

فهذه الحلقة العشرون في موضوع ( الفتاح ) وهي بعنوان : القلوب لها مفاتيح

ومفاتيح القلوب سبعة :

المفتاح الأول : الابتسامة مفتاح القلوب.. لذا تبسم لكل من تقابله وتعامل معه لماذا؟؟ لأنك حتماً سوف تكسبه ولا تخسر شيئاً .. لأن الابتسامة عملٌ مجاني                                                                          المفتاح الثاني: الكلام سلاح ذو حدين فاستخدمة لك حتى لا يكون ضدك وقبل أن تتحدث اعرف ما ستقول تجنب القول الفظ المنفر..واختر كلاماً جميلاً حتى في مجال النقد لأن المتلقي له مشاعر وأحاسيس .. وكم أسرت كلمةٌ جميلة قلوباً وأفئدة ؛ والسلام اعظم الكلام وأرقه
المفتاح الثالث: التروي وعدم العجلة.. فالتروي والأناة وعدم العجلة في جميع الأمور تعطيك فرصة قد تفوت عليك لذلك وقبل اتخاذ أي قرار فكر ثم فكر ثم فكر واستشر واستخر
المفتاح الرابع: الصدق في القول والعمل .. فالصدق فضيلة والكذب خيانة للنفس والذات قبل الآخرين ،والصدق منجاة وعنوان الثقة والكفاءة  ، والصدق دليل القوة والنضج للعقل والفكر والأخلاق
المفتاح الخامس: إخلاص القول والعمل دون مراء يجلب لك السعادة والرضا ويطمئن القلب  ، فالغش والخداع قد ينطلي على الآخرين ولكنه مرضٌ داخلي يشقي القلب والبدن
المفتاح السادس: المثابرة على العمل لا بديل لها لأن الإنجاز مرتبطٌ بالمثابرة .. والنجاح مرتبطٌ بالإنجاز  ، والسعادة مرتبطة بالإنجاز وهذا الترابط العجيب يجعل المثابرة من أهم معطيات السعادة اليومية

   

من فتح له باب خير فلينتهزه ؛فإن الفرصة لاتعود

ﭧ ﭨ ﭽ                          

الفرصة تمر مر السحاب فانتهزوا فرص الخير قاله علي رضي الله عنه .                                         إن الزمن هو عنصر أساسي من عناصر بناء الحضارة، يمضي، شاء الإنسان أم أبى . فلو اجتمع الناس جميعا، و حاولوا بكل وسيلة، و أرادوا أن يوقفوا عجلة الزمن، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا. بل انهم لو اجتمعوا من أجل إرجاع دقيقة أو ثانية واحدة مضت، لكان من المستحيل لهم أن يتمكنوا من إرجاعها

 إن الزمن سمي كذلك لأن من طبيعته و دأبه المضي و الانقضاء و التصرم، و إلا كيف يميزه الإنسان إذا لم يكن متحركا .و كيف يمكن له أن يقول : مضت دقيقة، أو ساعة على كذا و كذا ؟! . و لأن الزمن متحرك، كانت ضرورة الاهتمام به و اغتنامه في عمل الخير، و إلا فانه كالسيف يقطع الإنسان إذا لم يقطعه، كما في الحكمة الشهيرة : " الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك" وقال تعالى :                                                  ﮡﮢ             ﮨﮩ                   ، فإذا أراد المرء، النجاح، فعليه المبادرة و المسارعة إلى أعمال الخير، و إن أراد الفلاح فعليه أن يتسابق إلى طريق الجنة، و كما يقول تعالى :                    

فإرادة الجنة يقتضي دفع الثمن، و رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ( من اشتاق إلى الجنة سارع في الخيرات )  فثمن الجنة أعمال الخير، و الباقيات الصالحات .                                                                                                                   

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد

فهذه الحلقة الحادية والعشرون في موضوع ( الفتاح ) وهي بعنوان : سبب نزول سورة الفتح

ﭧ ﭨ ﭽ                

    أخرج البخاري بسنده من حديث حبيب بن أبي ثابت قال أتيت أبا وائل أسأله، فقال: كنا بصفين فقال رجل: ألم تر إلى الذين يدعون إلى كتاب الله تعالى. فقال علي: نعم. فقال سهل بن حنيف اتهموا أنفسكم فلقد رأيتنا يوم الحديبية- يعني الصلح الذي كان بين النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والمشركين- ولو نرى قتالا لقاتلنا، فجاء عمر فقال: ألسنا على الحق وهم على الباطل، أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار، قال: "بلى"، قال: ففيم نعطي الدنية في ديننا ونرجع ولما يحكم الله بيننا فقال: "يابن الخطاب، إني رسول الله ولن يضيعني الله أبدا". فرجع متغيظا، فلم يصبر حتى جاء أبا بكر، فقال: يا أبا بكر ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ قال: يابن الخطاب إنه رسول الله ولن يضيعه الله أبدا. فنزلت سورة الفتح.

وزاد مسلم : فنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم،فأرسل إلى عمر فأقرأه إياه فقال: يا رسول الله أوفتح هو؟ قال  : نعم، فطابت نفسه،

وأخرج الواحدي بسنده من حديث  المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قالا: نزلت سورة الفتح بين مكة والمدينة في شأن الحديبية من أولها إلى آخرها.

ومن حديث أنس قال: لما رجعنا من غزوة الحديبية وقد حيل بيننا وبين نسكنا فنحن بين الحزن والكآبة، أنزل الله - عز وجل – { إنا فتحنا لك فتحا مبينا } فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "لقد أنزلت علي آية هي أحب إلي من الدنيا وما فيها كلها".  

مفاتيح الغيب                          ﭧ ﭨ ﭽ                        ﯵﯶ            ﯼﯽ     ﯿ        ﰃﰄ                

أخرج الواحدي بسنده من حديث بن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – (مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله تعالى، لا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم ما في غد إلا الله ولا تعلم نفس بأي أرض تموت إلا الله، ولا يعلم متى ينزل الغيث إلا الله). رواه البخاري، عن محمد بن يوسف عن سفيان.

وهناســؤال : أن العلم الحديث والأطباء قد توصلوالمعرفــة مــا فــي رحم المرأة هل هـو ذكر أم أنثى بواسطة الأشعة ، و الله سبحانـه يقــول ( وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ) هل معنى الآية: أن العلم لم يكتشف ما في الأرحام أم إن الآية تفسيرها غير ذلك ؟

والجــواب : ثبــت فــي الأحاديث الصحيحة أن مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله ، وأنها المذكورة فـي الآية المسؤول عنها ، من ذلك ما رواه البخاري عن عبـد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسـول الله صــلى الله عليــه وسلــم ( مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله  { إِنَّ اللَّهَ عِنــدَهُ عِلْــمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِــي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمـــُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}

وجملة القول : إن علم الله من نفسه غير مكتسب من غيره ولا متوقف على أسباب وتجارب ، وأنه يعلـم ما كان وما سيكون ، وأنــه لا يشوب علمه غموض ولا يتخلف ، وأنــه عــام شامل لجمــيـع الكائنات تفصيلا جليلها ودقيقها بخــلاف غـيـــره سبحانه، والله المستعان. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد ، وآله وصحبه وسلم .

والفوائد المستخلصة من الأية و الحديث  هي :

1- لا أحد يعلم الغيب إلا الله .

2- بطلان كل علم يدعي صاحبه من خلاله معرفة الغيب كالتنجيم والكهانة.

3- لا يفهم من الآية والحديث أن أمور الغيب محصورة في هذه الأمور الخمسة،

4- أن الغيب قسمان: غيب كلي وهو ما لا يعلمه إلا الله وحده كالخمس المذكورة في الآية والحديث، وغيب جزئي: وهو ما غاب عن شخص دون غيره، فما يراه شخص في مكان ما هو غيب عمن غاب عن ذلك المكان.

5- أن وقت قيام القيامة مما اختص الله بعلمه فلا يعلم أحد زمن وقوعها،

6- أن علم نزول الغيث مما اختص الله به.

7- أن الله انفرد بعلم ما في الأرحام من ذكر أو أنثى وذلك في جميع أطوار الجنين من كونه نطفة وعلقة ومضغة إلى تكونه جسداً كاملاً، ومعرفة أحوال الجنين سعادة وشقاوة، ومعرفة كونه قبيحاً أم حسناً، ولا تعارض الآية والحديث بما توصل إليه العلم الحديث من القدرة على معرفة نوع الجنين

8- أن لا أحد يعلم ما تكتسبه نفسه أو ما يكتسبه غيره في المستقبل من علم وعمل ومال .

9- أن لا أحد يعلم زمن ولا مكان موته ولا موت غيره فهذا مما استأثر الله بعلمه وحجب العلم به عن جميع خلقه.

10- تكفير مدعي علم الغيب

11- إثبات صفتي العلم والخبرة لله تعالى، واقتران علمه بخبرته هنا يدل على انصراف العلم إلى العلم بظواهر الأمور والخبرة إلى العلم ببواطنها.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد

فهذه الحلقة الثانية والعشرون في موضوع ( الفتاح ) وهي بعنوان :

استفتح أبو جهل في بدر ففتح الله للمؤمنين عليه

ﭧ ﭨ ﭽ         ﭵﭶ           ﭻﭼ      ﭿ                              

 أخرج الواحدي بسنده من حديث بن شهاب قال: حدثني عبد الله بن ثعلبة بن صعير قال: كان المستفتح أبا جهل، وإنه قال حين التقى بالقوم: اللهم أينا كان أقطع للرحم وأتانا بما لم نعرف فأحنه الغداة، وكان ذلك استفتاحه، فأنزل الله تعالى في ذلك: { إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح } إلى قوله تعالى: { وأن الله مع المؤمنين} ( رواه الحاكم )

مفتاح الكعبة يؤخذ من عثمان بن أبي طلحة ثم يرد إليه

ﭧ ﭨ ﭽ                                  ﯧﯨ             ﯭﯮ                                      قال الواحدي : نزلت في عثمان بن طلحة الحجبي من بني عبد الدار كان سادن الكعبة، فلما دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة يوم الفتح، أغلق عثمان باب البيت وصعد السطح، فطلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -المفتاح، فقيل: إنه مع عثمان، فطلب منه فأبى، وقال: لو علمت أنه رسول الله لم أمنعه المفتاح، فلوى علي بن أبي طالب يده وأخذ منه المفتاح وفتح الباب فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البيت وصلى فيه ركعتين، فلما خرج سأله العباس أن يعطيه المفتاح ليجمع له بين السقاية والسدانة،

    وأخرج الواحدي أيضاً بسنده من حديث مجاهد في قول الله تعالى: { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } قال: نزلت في عثمان بن طلحة، قبض النبي - صلى الله عليه وسلم - مفتاح الكعبة، فدخل الكعبة يوم الفتح، فخرج وهو يتلو هذه الآية، فدعا عثمان فدفع إليه المفتاح وقال: "خذوها يا بني أبي طلحة بأمانة الله لا ينزعها منكم إلا ظالم".

تكبير الفتح

  قال الواحدي : أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المعول من سلمان فضربها ضربة صدعها، وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها، يعني المدينة، حتى كأن مصباحا في جوف بيت مظلم، وكبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تكبير فتح، وكبر المسلمون، ثم ضربها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الثانية فكسرها، وبرق منها برق أضاء ما بين لابيتها حتى كأن مصباحا في جوف بيت مظلم، وكبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تكبير فتح، وكبر المسلمون،

 وقال راغب السرجاني : ونتذكر جميعًا ما حدث يومَ الخندقِ، ونسترجع معًا أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن وافق على اقتراح سيدنا سلمان الفارسي بحفر الخندق حول المدينة، بدأ المسلمون جميعًا يحفرون في هذا الخندق حتى وصلوا إلى صخرة ضخمة استعصت على المسلمين، وكانت هذه الصخرة من نصيب سلمان الفارسي، فاستعصت عليه وكان شديد الساعد قوي البنيان، ومع ذلك لم يستطع تحطيم هذه الصخرة؛ فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذنه في تغيير اتجاه الحفر ليتجنب هذه الصخرة، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم ذهب بنفسه وعاين الموقف والمكان، ثم طلب معولاً، وبدأ يحطم هذه الصخرة بنفسه صلى الله عليه وسلم ؛ فضرب الصخرة ضربة شديدة بالمعول، فبدأت الصخرة تتفتت وخرج منها وهج شديد أضاء -كما يقول سلمان الفارسي رضى الله عنه - ما بين لابتي المدينة، يعني نوَّر المدينة كلها؛ فصاح الرسول صلى الله عليه وسلم : "( الله أكبر! ) أُعطِيتُ مفاتيح الروم، هذه قصورها الحمراء"، ثم ضرب ضربة ثانية فأضاء المكان بشرر عظيم، فقال) : "الله أكبر! ) أُعْطِيتُ مفاتيح كسرى، هذا أبيض كسرى". وهذا الذي نحن بصدد الحديث عنه الآن؛ ثم ضرب الضربة الثالثة، فقال: " (الله أكبر! ) أعطيت لي مفاتيح اليمن، هذه قصور صنعاء".

هذا هو ( تكبير الفتح ) ، وهذه الصيغة سنة عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن تُقال في الفتح، وليس سنة أن تُقالَ في العيد؛ لأن تكبير العيد هو: الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر ولله الحمد فقط؛ ولكن المسلمين -لعذوبة هذه الكلمات- تعوّدوا أن يقولوها في العيد، وليس هذا هو الأصل.

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد

فهذه الحلقة الثالثة والعشرون في موضوع ( الفتاح ) وهي بعنوان :

تخوف النبي على امته مايفتح عليهم من زهرة الدنيا

 أخرج البخاري بسنده من حديث سعد بن مالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أخشى عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من بركات الأرض ثم ذكر زهرة الدنيا فبدأ بإحداهما وثنى بالأخرى فقام رجل فقال يا رسول الله أويأتي الخير بالشر فسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم قلنا يوحى إليه وسكت الناس كأن على رءوسهم الطير ثم إنه مسح عن وجهه الرحضاء )

 وأخرج مسلم بسنده من حديث سعد بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (مما أخاف عليكم بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها فقال رجل أويأتي الخير بالشر يا رسول الله قال فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له ما شأنك تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يكلمك قال ورأينا أنه ينزل عليه فأفاق يمسح عنه الرحضاء وقال إن هذا السائل وكأنه حمده فقال إنه لا يأتي الخير بالشر وإن مما ينبت الربيع يقتل أو يلم إلا آكلة الخضر فإنها أكلت حتى إذا امتلأت خاصرتاها استقبلت عين الشمس فثلطت وبالت ثم رتعت هذا المال خضر حلو نعم صاحب المسلم هو لمن أعطى منه المسكين اليتيم ابن السبيل من يأخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع ويكون عليه شهيدا يوم القيامة

متى يفتح يأجوج ومأجوج؟

ﭧ ﭨ ﭽ                            

 وقال السعدي : هذا تحذير من الله للناس ، أن يقيموا على الكفر والمعاصي ، وأنه قد قرب انفتاح يأجوج ومأجوج ، وهما قبيلتان من بني آدم ، وقد سد عليهم ذو القرنين ، لما شكي إليه إفسادهم في الأرض . وفي آخر الزمان ، ينفتح السد عنهم ، فيخرجون إلى الناس وفي هذه الحالة والوصف ، الذي ذكره الله من كل مكان مرتفع ، وهو الحدب ينسلون أي : يسرعون . في هذا ، دلالة على كثرتهم الباهرة ، وإسراعهم في الأرض ، إما بذواتهم ، وإما بما خلق الله لهم من الأسباب التي تقرب لهم البعيد ، وتسهل عليهم الصعب ، وأنهم يقهرون الناس ، ويعلون عليهم في الدنيا ، وأنه لا يد لأحد بقتالهم .

وأما السنة ففي صحيح مسلم من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " « إن الله تعالى يوحي إلى عيسى ابن مريم عليه السلام بعد قتله الدجال أني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم فحرز عبادي إلى الطور ، ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون فيمر أولهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها »

  وعن أم المؤمنين زينب بنت جح- رضي الله عنها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعا يقول:(لا إله إلا الله ,ويل للعرب من شر قد اقترب !فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه). وحلق يإصبعه الإبهام والتي تليها . فقالت: يا رسول الله ,أنهلك وفينا الصالحون ؟! قال:( نعم ,إذا كثرالخبث) متفق عليه

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد

فهذه الحلقة الرابعة والعشرون في موضوع ( الفتاح ) وهي بعنوان : جنات عدن مفتحة لهم الأبواب

ﭧ ﭨ ﭽ              

 وقال الألوسي : صفة لجنات عدن وإليه ذهب ابن إسحاق وتبعه ابن عطية أو حال من ضميرها المستتر في خبر إن والعامل فيه الإستقرار المقدر  {وفتحت ابوابها} أي الجنة وعددها ثمانية   ﭧ ﭨ ﭽ              ﯚﯛ                            

ودليل الأربعة الأولى ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أي أبواب الجنة يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة.                                                                 ودليل الخامس ما رواه البخاري ومسلم أيضاً عن أبي هريرة في حديث شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: فيقال: يا محمد أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه من باب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب.

ودليل السادس ما رواه الإمام أحمد عن الحسن مرسلاً: إن لله باباً في الجنة لا يدخله إلا من عفا عن مظلمة. كما ذكر الحافظ في الفتح.
واختلف شراح الحديث في أسماء البقية بعد أن اتفقوا على تسمية الأربعة الأولى.
قال النووي : قال القاضي: وقد جاء ذكر بقية أبواب الجنة في حديث آخر في باب التوبة وباب الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس وباب الراضين فهذه سبعة أبواب جاءت في الأحاديث، وجاء في حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب أنهم يدخلون من الباب الأيمن، فلعله الباب الثامن .
وقال ابن حجر : وقع في الحديث ذكر أربعة أبواب من أبواب الجنة ... وبقي من الأركان الحج فله باب بلا شك، وأما الثلاثة الأخرى فمنها" باب الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس... ومنها: باب الأيمن وهو باب المتوكلين الذي يدخل منه من لا حساب عليه ولاعذاب. وأما الثالث: فلعله باب الذكر، فإن عند الترمذي ما يومئ إليه، ويحتمل أن يكون باب العلم انتهى.

أعمال من فعلها دخل من أي باب شاء من أبواب الجنة المفتحة

1ـ عن عُبَادَة بْنُ الصَّامِتِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَابْنُ أَمَتِهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ ، وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ شَاءَ ) .البخاري ومسلم

2ـ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ : ( كَانَتْ عَلَيْنَا رِعَايَةُ الإِبِلِ فَجَاءَتْ نَوْبَتِي فَرَوَّحْتُهَا بِعَشِيٍّ فَأَدْرَكْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمًا يُحَدِّثُ النَّاسَ فَأَدْرَكْتُ مِنْ قَوْلِهِ : مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ مُقْبِلٌ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ ، إِلا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ، فَقُلْتُ : مَا أَجْوَدَ هَذِهِ ؛ فَإِذَا قَائِلٌ بَيْنَ يَدَيَّ يَقُولُ الَّتِي قَبْلَهَا أَجْوَدُ فَنَظَرْتُ فَإِذَا عُمَرُ قَالَ : إِنِّي قَدْ رَأَيْتُكَ جِئْتَ آنِفًا قَالَ : مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ أَوْ فَيُسْبِغُ الْوَضُوءَ ، ثُمَّ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ إِلا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ ) رواه مسلم .

3ـ عن أبي موسى الأشعري قال بِحَضْرَةِ الْعَدُوِّ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ أَبْوَابَ الْجَنَّةِ تَحْتَ ظِلالِ السُّيُوفِ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ رَثُّ الْهَيْئَةِ : أَأَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ فَرَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَقْرَأُ عَلَيْكُمْ السَّلامَ وَكَسَرَ جَفْنَ سَيْفِهِ فَضَرَبَ بِهِ حَتَّى قُتِلَ ) رواه مسلم

4ـ عن قرة بن إياس قَالَ : ( كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا جَلَسَ يَجْلِسُ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ، وَفِيهِمْ رَجُلٌ لَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ يَأْتِيهِ مِنْ خَلْفِ ظَهْرِهِ فَيُقْعِدُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَهَلَكَ فَامْتَنَعَ الرَّجُلُ أَنْ يَحْضُرَ الْحَلْقَةَ لِذِكْرِ ابْنِهِ فَحَزِنَ عَلَيْهِ ، فَفَقَدَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : مَالِي لا أَرَى فُلانًا ؟ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ بُنَيُّهُ الَّذِي رَأَيْتَهُ هَلَكَ ، فَلَقِيَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ عَنْ بُنَيِّهِ ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ هَلَكَ ، فَعَزَّاهُ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ :

 يَا فُلانُ أَيُّمَا كَانَ أَحَبُّ إِلَيْكَ : أَنْ تَمَتَّعَ بِهِ عُمُرَكَ أَوْ لا تَأْتِي غَدًا إِلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ إِلا وَجَدْتَهُ قَدْ سَبَقَكَ إِلَيْهِ يَفْتَحُهُ لَكَ ؟ قَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ بَلْ يَسْبِقُنِي إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَيَفْتَحُهَا لِي لَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ ، قَالَ : فَذَاكَ لَكَ )    

5ـ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا ، وَصَامَتْ شَهْرَهَا ، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا ، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا ، قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ ) .رواه أحمد وصححه الألباني

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد

فهذه الحلقة الخامسة والعشرون في موضوع ( الفتاح ) وهي بعنوان :  

حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها ؛ أي جهنم

ﭧ ﭨ ﭽ           ﮈﮉ                                           ﮝﮞ                     

قال ابن كثير : أي بمجرد وصولهم فتحت لهم أبوابها سريعا لتعجل لهم العقوبة ثم يقول لهم خزنتها من الزبانية الذين هم غلاظ الأخلاق شداد القوى على وجه التقريع والتوبيخ والتنكيل { ألم يأتكم رسل منكم } أي من جنسكم تتمكنون من مخاطبتهم والأخذ عنهم { يتلون عليكم آيات ربكم } أي يقيمون عليكم الحجج والبراهين على صحة ما دعوكم إليه { وينذرونكم لقاء يومكم هذا }                                                      

فتح خيبر

لما عاد النبي صلى الله عليه وسلم من الحديبية نحو المدينة أمضى شهر ذي الحجة كلّه وأياما من شهر محرم الحرام من السنة السابعة للهجرة في المدينة، ثم تحرك بألف وأربعمائة نفر من المسلمين الذين كانوا حضروا الحديبية إلى (خيبر) حيث كان مركزاً للتحركات المناوئة للإسلام وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتحين الفرص لتدمير ذلك المركز للفساد

وصرّح أن يشترك في هذه الحرب من كان في الحديبية من المسلمين فحسب، وأنّ الغنائم لهم وحدهم ولن ينال المخلّفين منها شيء أبداً.

وهكذا وصلوا خيبر ليلاً وعند الصباح - حيث علم أهل خيبر بالخبر- وجدوا أنفسهم محاصرين من قبل جنود الإسلام، ثم فتح النبي صلى الله عليه وسلم القلاع قلعة بعد أخرى حتى بلغ أقوى القلاع وأمنعها وآخرها وكان فيها (مرحب) قائد اليهود المعروف.

وهكذا فتحت القلعة ودخلها المسلمون فاتحين.

واستسلم اليهود وطلبوا من النبي أن يحقن دماءهم لاستسلامهم، فقبل النبي صلى الله عليه وسلم وغنم الجيش الإسلامي الغنائم المنقولة، وأودع النبي صلى الله عليه وسلم الأرض والأشجار بأيدي اليهود على أن يعطوا المسلمين نصف محاصيلها.

 

فتح مكة

ﭧ ﭨ ﭽ             قال الرازي :

 المشهور عند المفسرين أن المراد من الفتح في هذه السورة هو فتح مكة ، ومما يدل على أن المراد بالفتح فتح مكة أنه تعالى ذكره مقرونا بالنصر . وقد كان يجد النصر دون الفتح كبدر ، والفتح دون النصر كأجلاء بني النضير ، فإنه فتح البلد لكن لم يأخذ القوم ، أما يوم فتح مكة اجتمع له الأمران النصر والفتح ، وصار الخلق له كالأرقاء حتى أعتقهم

 

إذا حملنا الفتح على فتح مكة ، فللناس في وقت نزول هذه السورة قولان :

أحدهما : أن فتح مكة كان سنة ثمان ، ونزلت هذه السورة سنة عشر ، وروى أنه عاش بعد نزول هذه السورة سبعين يوما ، ولذلك سميت سورة التوديع ....

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد

فهذه الحلقة السادسة والعشرون في موضوع ( الفتاح ) وهي بعنوان : فتح حنين

بعد أن فتح المسلمون مكة ، انزعجت القبائل المجاورة لقريش من انتصار المسلمين على قريش. وفزعت هوازن و ثقيف من أن تكون الضربة القادمة من نصيبهم . وقالوا لنغز محمداً قبل أن يغزونا . واستعانت هاتان القبيلتان بالقبائل المجاورة ، وقرروا أن يكون مالك بن عوف سيد بني هوازن قائد جيوش هذه القبائل التي ستحارب المسلمين . وأمر رجاله أن يصطحبوا معهم النساء والأطفال والمواشي والأموال ويجعلوهم في آخر الجيش ، حتى يستميت الرجال في الدفاع عن أموالهم وأولادهم ونسائهم .لما علم الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك خرج إليهم مع أصحابه وكان ذلك في شهر شوال من العام الثامن للهجرة . وكان عدد المسلمين اثني عشر ألفاً من المجاهدين . عشرة آلف من الذين شهدوا فتح مكة ، وألفان ممن أسلموا بعد الفتح من قريش .                                                                           ونظر المسلمون إلى جيشهم الكبير فاغتروا بالكثرة وقالوا لن نغلب اليوم من قلة . وبلغ العدو خبر خروج المسلمين إليهم فأقاموا كميناً للمسلمين عند مدخل وادي أوطاس ( قرب الطائف ) وكان عددهم عشرين ألفاً .وأقبل الرسول صلى الله عليه وسلم في أصحابه حتى نزلوا بالوادي . وكان الوقت قبيل الفجر ، والظلام يخيم على وادي حنين السحيق . وفوجئ المسلمون بوابل من السهام تنهال عليهم من كل مكان . فطاش صوابها ، واهتزت صفوفهم ، وفر عددٌ منهم . ولما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم هزيمة المسلمين نادى فيهم يقول :

  أنا النبي لا كذب  **   أنا ابن عبد المطلب

وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم العباس أن ينادي في الناس ، فقال : يا معشر الأنصار، ويا معشر المهاجرين ، يا أصحاب الشجرة . فحركت هذه الكلمات مشاعر الإيمان والشجاعة في نفوس المسلمين ، فأجابوه : لبيك يا رسول الله لبيك . وانتظم الجيش مرةً أخرى ، واشتد القتال . وأشرف الرسول صلى الله عليه وسلم على المعركة . وما هي إلا ساعة حتى انهزم المشركون ، وولوا الأدبار تاركين النساء والأموال والأولاد . وأخذ المسلمون ينهمكون في تكثيف الأسرى وجمع الغنائم . وبلغ عدد الأسرى من الكفار في ذلك اليوم ستة آلاف أسير . وهكذا تحولت الهزيمة إلى نصر بإذن الله تعالى . وكانت حنين درساً استفاد منه المسلمون . فتعلم المسلمون أن النصر ليس بكثرة العدد والعدة . وأن الاعتزاز بذلك ليس من أخلاق المسلمين . ومرت الأيام فإذا بوفد من هوازن يأتي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يعلن ولاءه للإسلام ، وجاء وفد من ثقيف أيضاً يعلن إسلامه . وأصبح الذين اقتتلوا بالأمس إخواناً في دين الله

فتح كنز كسرى الأبيض

 

 عن جابر بن سمرة - رضي الله عنهما - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " لتفتحن عصابة من المسلمين كنز آل كسرى الذي في الأبيض "

قال القاضي - رحمه الله : الأبيض قصر حصين كان بالمدائن ، وكانت الفرس تسميه سفيد كرشك ، والآن بني مكانه مسجد المدائن ، وقد أخرج كنزه في أيام عمر - رضي الله تعالى عنه - وقيل : الحصن الذي بهمدان بناه دارين دارا يقال له شهرستان . ( رواه مسلم ) .

وقال النووي :
قوله صلى الله عليه وسلم : ( عصيبة من المسلمين يفتتحون البيت الأبيض ، بيت كسرى ) هذا من المعجزات الظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد فتحوه بحمد الله في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
وقد فتح الصحابي الجليل ( سعد بن وقاص ) رضي الله عنه عاصمة بلاد فارس في ذلك الوقت ألا وهي) المدائن)في شهر صفر سنة 16 ه

و نزل في القصر الأبيض - مقر ملك الفرس - كسرى - واتخذ إيوان كسرى مصلى ، وقد حصل المسلمون من المدائن غنائم كبيرة لا يمكن أن تقدر لنفاستها .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد

فهذه الحلقة السابعة والعشرون في موضوع        ( الفتاح ) وهي بعنوان :

تفتح أبواب الجنة، وأبواب السماء في شهررمضان

أخرج مسلم بسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين )

في رمضان تفتح أبواب الرحمة :

 أخرج مسلم بسنده من حديث أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا كَانَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ ).                                  من عظيم فضل شهر رمضان ، فتح أبواب الرحمة ، فينبغي لمن أراد لنفسه الخير أن يتعرض لهذه الرحمات بفعل الخيرات والإقبال على العمل الصالح بجد ونشاط وإخلاص ، عسى أن يناله الله تعالى برحمة منه ، وفي الحديث عن أنس رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم : ( افعلوا الخير دهركم ، و تعرضوا لنفحات رحمة الله ، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده و سلوا الله أن يستر عوراتكم و أن يؤمن روعاتكم )

التلبية مفتاح الحج

‏قال ابن القيم رحمه الله : وقد اشتملت كلمات التلبية على قواعد عظيمة وفوائد جليلة:

إحداها: أن قولك لبيك يتضمن إجابة داع دعاك ومناد ناداك، ولا يصح في لغة ولا عقل إجابة من لا يتكلم ولا يدعو من أجابه.

الثانية: أنها تتضمن المحبة كما تقدم، ولا يقال لبيك إلا لمن تحبه وتعظمه، ولهذا قيل في معناها: أنا مواجه لك بما تحب، وأنها من قولهم امرأة لبة أي محبة لولدها.

الثالثة: أنها تتضمن التزام دوام العبودية، ولهذا قيل: هي من الإقامة أي أنا مقيم على طاعتك.

الرابعة: أنها تتضمن الخضوع والذل أي خضوعا بعد خضوع من قولهم: أنا ملب بين يديك أي خاضع ذليل.

الخامسة: أنها تتضمن الإخلاص ولهذا قيل: إنها من اللب وهو الخالص.

السادسة: أنها تتضمن الإقرار بسمع الرب تعالى إذ يستحيل أن يقول الرجل لبيك لمن لا يسمع دعاءه.

السابعة: أنها تتضمن التقرب من الله ولهذا قيل: إنها من الإلباب وهو التقرب.

الثامنة: أنها جعلت في الإحرام شعاراً لانتقال من حال إلى حال ومن منسك إلى منسك، كما جعل التكبير في الصلاة سبعاً للانتقال من ركن إلى ركن؛ التاسعة: أنها شعار لتوحيد ملة إبراهيم الذي هو روح الحج ومقصده بل روح العبادات كلها والمقصود منها، ولهذا كانت التلبية مفتاح هذه العبادة التي يدخل فيها بها.

العاشرة: أنها متضمنة لمفتاح الجنة وباب الإسلام الذي يدخل منه إليه وهو كلمة الإخلاص والشهادة لله بأنه لا شريك له.

حادية عشرة: أنها مشتملة على الحمد لله الذي هو من أحب ما يتقرب به العبد إلى الله

الثانية عشرة: أنها مشتملة على الاعتراف لله بالنعمة كلها ولهذا عرفها باللام المفيدة للاستغراق أي النعم كلها لك وأنت موليها والمنعم بها.

الثالثة عشرة: أنها مشتملة على الاعتراف بأن الملك كله لله وحده فلا ملك على الحقيقة لغيره..) إلى آخر ما ذكر ابن القيم رحمه الله إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد

فهذه الحلقة الثامنة والعشرون في موضوع(الفتاح ) وهي بعنوان : الشيطان لا يفتح مغلقا

صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في البخاري : أنه أمرنا بإغلاق الأبواب وذكر اسم الله في الليل ، عند دخول الليل ، وعند النوم والمبيت ، وذلك كي يحفظ المسلم بيته وأهله من دخول كل شيطان ضار من شياطين الإنس والجن ، وكذلك من دخول الحيوانات والحشرات المؤذية .عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

( إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ أَوْ أَمْسَيْتُمْ فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنْ اللَّيْلِ فَخَلُّوهُمْ ، وَأَغْلِقُوا الْأَبْوَابَ ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا ، وَأَوْكُوا قِرَبَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ ، وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَلَوْ أَنْ تَعْرُضُوا عَلَيْهَا شَيْئًا، وَأَطْفِئُوا مَصَابِيحَكُمْ )

ولفظ مسلم : ( غَطُّوا الْإِنَاءَ ، وَأَوْكُوا السِّقَاءَ ، وَأَغْلِقُوا الْبَابَ ، وَأَطْفِئُوا السِّرَاجَ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَحُلُّ سِقَاءً ، وَلَا يَفْتَحُ بَابًا ، وَلَا يَكْشِفُ إِنَاءً )

وقال الإمام ابن عبد البر:" وفي هذا الحديث الأمر بغلق الأبواب من البيوت في الليل ، وتلك سنة مأمور بها رفقا بالناس  من شياطين الإنس والجن ، وأما قوله : ( إن الشيطان لا يفتح مغلقا ، ولا يحل وكاء ) فذلك إعلام منه وإخبار عن نعم الله عز و جل على عباده من الإنس ، إذ لم يعط قوة على فتح باب ولا حل وكاء ولا كشف إناء ، وأنه قد حرم هذه الأشياء ، وإن كان قد أعطي ما هو أكثر منها من التخلل والولوج حيث لا يلج الإنس "

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :" قال ابن دقيق العيد : في الأمر بإغلاق الأبواب من المصالح الدينية والدنيوية حراسة الأنفس والأموال من أهل العبث والفساد ، ولا سيما الشياطين .

وأما قوله : ( فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا ) فإشارة إلى أن الأمر بالإغلاق لمصلحة إبعاد الشيطان عن الاختلاط بالإنسان ، وخصه بالتعليل تنبيها على ما يخفى مما لا يطلع عليه إلا من جانب النبوة ، قال: واللام في الشيطان للجنس ، إذ ليس المراد فردا بعينه "

وقال صاحب فيض القدير شرح الجامع الصغير :وإنما أمر بكفهم في ذلك الوقت لأن الشمس سلطان قاهر فلا تقاومها الأرواح المارجية ، بل تمسك عن التصرفات ما دام ظاهراً في العالم السفلي ، فإذا استتر عنه في مغيبه صارت الشياطين كأنهم قد انطلقوا من حبس ، فتندفع دفعة رجل واحد ، فمهما صادفوه من الصبيان في تلك الحالة أصابوه فآذوه ، فإذا ذهبت فوعة العشاء تفرقوا وتبددوا ، فهذا سر أمر المصطفى صلى الله عليه وسلم بذلك ‏.‏أ هـ

وقد يتساءل احدنا ، ما الذي يحدث بالضبط في فترة إقبال الظلام وإدبار النهار والنور؟

والجواب : إن الذي يحصل هنا أن الشياطين مع إقبال الظلام تبدأ تنتشر تبحث عن مأوى لها لأنها تنتشر انتشارا هائلا بأعداد لا يحصيها إلاّ الله وهنا يخاف بعضهم من فتك بعض وبالتالي لابد لها من شيء تأوي إليه وتأمن فيه فتنطلق بسرعة هائلة جدا تفوق سرعة بني آدم أضعافا مضاعفة ، فمنهم من يأوي إلى إناء فارغ ومنهم من يأوي إلى بيت انسي ومنهم من يأوي إلى جماعة من الإنس جالسين وهم بالطبع لا يشعرون به فينطرح بينهم ليأمن من فتك إخوانه الشياطين الذين هم الآن كالريح يجولون الأرض والبقاء للأقوى ، وطبيعة الشياطين أنها ترغب المكوث في النجاسات فتجدها تفضل أماكن قضاء الحاجة وتجدها تأوي إلى أماكن القمامة وقد تصادف وهي تبحث عن المأوى (طفلا) إنسيا فتأوي إليه وقد تتلبسه وتخرج وقد تمكث به بعض الوقت فتجد الطفل متغير المزاج وقد يطيل البكاء الشديد دون أن يعلم والداه سبب ذلك وقد يعنفانه ، وقد نسوا وصية الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بحفظ الصبيان وقت انتشار الشياطين ، وهنا يأتي دور (الحفاظات) فكما أسلفنا أن الشياطين ترغب النجاسات فتجد في حفاظة الطفل نجاسة فيكون ذلك مشجعا لها على المكوث والإيواء ، فنجد بعض الأطفال يصرخ فجأة وبعضهم يتململ في نومه بسبب إيذاء الشيطان الذي اتخذ منه مأوى له.

إن سرعة الجن هنا وهي تبحث عن المأوى والمسكن والمأمن قد تطول حتى كبار الإنس لكن لأن الغالب في كبار الإنس التحصن نص النبي الكريم على الصبيان الذي هم بحاجة الى التحصين من قبل الوالدين وحمايتهم ووقايتهم بعدم تركهم يخرجون وقت انتشار الشياطين وهم الأبرياء الذين لا يستطيعون تحصين أنفسهم ، تأتي الشياطين مسرعة تبحث عن المأوى وقد تصطدم بجسم آدمي كبيرا أو صغيرا وقد تتلبس به فتجد البعض من الناس فجأة أصابته كآبة أو خوف مفاجئ وهكذا وهو بسبب تلك الشياطين. لذلك حصنوا انفسكم واولادكم بأذكار الصباح والمساء ، احرصوا على المحافظة عليها .حفظنا الله وإياكم من كل مكروه وسوء . 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد

فهذه الحلقة التاسعة والعشرون وهي الأخيرة في موضوع ( الفتاح ) وهي بعنوان :  لو تفتح عمل الشيطان

 في صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان".

و السؤال هنا عن كلمة "لو"  إذا استعملت من باب محاسبة النفس كأن أقول مثلا لو أنني ذاكرت أكثر لنجحت في الامتحانات أو لو عملت بشكل أفضل لكسبت مالا أكثر ، وما شابه ذلك، هل يكون ذلك اعتراضا على هذا الحديث أو اعتراضا على القدر. أرجو التفصيل و جزاكم الله خيرا. ؟

والإجابــة

نقل ابن حجر في الفتح عن القرطبي أنه قال في المفهم: محل النهي عن إطلاقها ـ يعني لو ـ إنما هو فيما إذا أطلقت معارضة للقدر مع اعتقاد أن ذلك المانع لو ارتفع لوقع خلاف المقدور؛ لا ما إذا أخبر بالمانع على جهة أن يتعلق به فائدة في المستقبل، فإن مثل هذا لا يختلف في جواز إطلاقه، وليس فيه فتح لعمل الشيطان، ولا ما يفضي إلى تحريم.

    وقال النووي في شرح مسلم: أما من قالها تأسفا على ما فات من طاعة الله تعالى أو ما هو متعذر عليه من ذلك ونحو هذا فلا بأس به. وعليه يحمل أكثر الاستعمال الموجود في الأحاديث. والله أعلم.اهـ

وبناء عليه نقول: إن كان استعمال (لو) في لوم النفس على تفويت أمر محمود فلا بأس بذلك، وإن كان على تفويت أمر غير محمود فإنه داخل في النهي.

   ولتتمة الفائدة نذكر ما قاله الشيخ ابن عثيمين في استعمالات (لو) وحكم كل استعمال، فقد قال في شرح كتاب التوحيد:

 1- الاعتراض على الشرع هو محرم، كقول المنافقين: لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا

2- الاعتراض على القدر وهو محرم أيضا، كقوله تعالى: { لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا 

3- الندم والتحسر وهو محرم أيضا، كحديث: لو أني فعلت كذا لكان كذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان. رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، ومن استعمل ليت لمعنى من هذه المعاني المحرمة فهي حرام.

4- الاحتجاج بالقدر على المعصية وهو محرم، كقول المشركين: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا  وقولهم:{لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ  }

5 - الخير المحض وهذا جائز، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ) متفق عليه عن جابر. اهـ بتصرف .

الخاتمة

وبهذا نصل إلى نهاية هذا البحث الممتع  ، وقد إزدادت معارفي ومعلوماتي عن ربي ، وازداد إيماني وحبي بإلاهي ومعبودي ، ووثقت في فتوحات ربي وحكمه وفتحه ونصره وتأييده لعباده الموحدين ، فالحمد لله الفتاح العليم الرزاق الكريم ، الذي بنعمته تتم الصالحات ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ؛ الذي فتح الله عليه برسالته وتاييده ونصره وتوفيقه ، والله أعلم وأحكم

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفتاح

تأليف الدكتور / مسفر بن سعيد دماس الغامدي

الأستاذ المشارك بمعهد إعدادالأئمة والدعاة       

برابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة