العزة في الإسلام

 

 

العزة في الإسلام

 

 

تـأليـــــــف

 

د / مسفر بن سعيد دماس الغامدي

الأستاذ المشارك بمعهد إعداد الأئمة

والدعاة برابطة العالم الإسلامي

فـي مكــة المكرمـــة

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

العزة في الإسلام (المختصر)

 إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا،ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .

   " يا أيها الذين آمنوا اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ، وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً ، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً "([1]) .

    " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون "  ([2]).

   " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً ، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ،ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً ([3]) .

(( أمـا بعـد ))

  فهذه الحلقة الأولى في موضوع العزة في الإسلام وستكون بعنوان:

*المقدمة      

عندما يتأمل المرء واقع الأمة الإسلامية على جميع مستوياتها وشرائحها يقف على حقيقة مرة ألا وهي : الذل الذي أصاب هذه الأمة ، والتي كان من المفروض أن تكون أعز الأمم وأكرمها ، بل كانت يوماً من الأيام عزيزة قوية تهابها الأمم جميعها ، وما ذاك إلا بتمسكها بكتاب ربها – جل وعلا – وسنة نبيها- صلى الله عليه وسلم – تمسكاً فعلياً .

     وعندما ركن المسلمون إلى الأعداء وتركوا كتاب ربهم – عز وجل – وسنة نبيهم – صلى الله عليه وسلم – أصابهم ما أصابهم من الذل والعار ، فتسلط أعداؤهم عليهم يسومونهم سوء العذاب ، يذبحون علمائهم ويستحون نسائهم ويُنصرون أطفالهم ، ويستبيحون أعراضهم ، وينهبون ثرواتهم ، ويقتطعون أوطانهم ،ويدنسون مقدساتهم ،وينفون قادتهم ، ويهينون قرآنهم وسنة نبيهم – صلى الله عليه وسلم .

     حتى أصبحت الأمة ممسوخة – في الجملة – تدعي الإسلام وهي أبعد ما تكون عنه ، تثني على رب العزة والجلال ، وعلى العقيدة السمحة وعلى الشريعة الوسط ، ثم تعادي العلماء وتضيق عليهم ، وتصم صفوة الأمة بالتشدد ، والتعصب والرجعية .

    إنها حالة من الذل والهوان أصابت هذه الأمة ولا مخرج منها إلا بالرجوع إلى الكتاب والسنة تعلماً وتعليماً وتطبيقاً ، وأيضاً دراسة الأسباب التي جعلت الأمة يوما من الأيام قائدة عزيزة كريمة لأنه لا يمكن أن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها .

   والله يريد للمسلم أن يكون منيعاً عزيزاً كريماً ، ولا يرضى سبحانه لعباده الذل والهوان ، بل كتب الذل والهوان لأعدائه ، لكنها سنة الله لا تتخلف : " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم "([4]) .

      ولهذا تظهر الحاجة الماسة لطرق مثل هذه الموضوعات ليدرك كل مطلع على مثل هذه البحوث أنه لا يجوز بأي حال من الأحوال أن يذل المؤمن نفسه لعدو حاقد ، أو لمجرم متربص ، أو لحاكم طاغية ، أو لفكر منحرف ضال ، أو من أجل المال أو الدنيا ، أو من أجل منصب ، أو مكانة ، أو شهوة .

    بل الواجب على المسلم أن يعيش عزيزًا كريماً قنوعاً ، جريئاً ، شجاعاً متعففاً ، يسعى دائماً إلى معالي الأمور ،ويرفض سفاسفها ، يوالي في الله ، ويعادي في الله ، ويحب في الله ، ويبغض في الله ، حتى ولو قل ما في اليد ، أو عاش مغموراً ، أو ضُيق عليه الخناق ، فإن للعزة ثمن يدفعه المؤمن في الحياة الدنيا ، أما الذل لغير الله فإن ثمنه العبودية للعباد ، والعذاب في الآخرة نسأل الله العافية .

ولهذا كان هذا البحث مساهمة مني في طلب العزة العزيزة ومحاربة الذل والـهوان .

 أسأل الله أن يجعله علماً نافعاً وعملاً صالحاً متقبلاً ، هذا وإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

  فهذه الحلقة الثانية في موضوع العزة في الإسلام وستكون بعنوان:

*دلالــة العـــزة : العـزة في اللغـة :

  العز : خلاف الذل ، والعز في الأصل : القوة والشدة والغلبة ،والعز والعزة : الرفعة والامتناع .

  وعزّ يَعِزُّ بالكسر ، عزاً وعزة ، وعزازة ، ورجل عزيز من قوم أعزة ، وأعزاء وعزاز . وأعزّ الرجل : جعله عزيزاً : وملك أعز : عزيز .

  ورجل عزيز : منيع لا يغلب ولا يقهر .

 وقال أبو زيد :عز الرجل يعز عزاً وعزةً : إذا قوي بعد ذلة وصار عزيزاً  

وأعزه الله ، وعززت عليه : كرمت عليه .

  وتعزز الرجل : صار عزيزاً وهو يعتز بفلان ، وأعتز به ، وتعزز : تشرف وعز عليّ يعز عزاً وعزة وعزازة : كرم،وأعززته : أكرمته وأحببته

 وفي التنزيل : " فعززنا بثالث " ([5]) أي قوّيناً وشددنا .

    وفي حديث عمر رضي الله عنه : " اخشوشنوا ،وتمعززوا " أي تشددوا في الدين وتصلبوا ، من العز القوة والشدة ، والميم زائدة .

   وعززت القوم ، وأعززتهم ، وعززتهم ، قوّيتهم وشددتهم ، وعز الشيء يعز عزاً وعزة ، وعزازة وهو عزيز ، قلَّ حتى كاد لا يوجد . والعزز والعزاز : المكان الصلب السريع السيل وهو ما صلب من الأرض واشتد وخشن .

والعزة : الشدة والقوة ، يقال : عز يعز : إذا اشتد ([6]) .

وقد ترد العزة بمعنى الصعوبة كقوله تعالى : " عزيز عليه ما عنتم " ([7])  وبمعنى الغلبة ، ومنه " وعزني في الخطاب " ([8]) ، وبمعنى ، القلة ، كقولهم : شاة عزوز،  إذا قل لبنها ، وبمعنى الامتناع ، ومنه قولهم : أرض عَزاز، بفتح أوله مخففاً أي صلبة ([9]) .  

*العزة في الإصطلاح :

العزيز : من صفات الله عز وجل وأسمائه الحسنى .

قال الزجاج : هو الممتنع فلا يغلبه شيء .

وقال غيره : هو القوي الغالب لكل شيء ، وقيل : هو الذي ليس كمثله شيء ، ومن أسمائه عز وجل " المعز " وهو الذي يهب العز لمن يشاء من عباده .

وفي التنزيل : " ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين "([10]) أي العزة والغلبة له سبحانه وتعالى ولأوليائه. وفي التنزيل: " من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً "([11])

 أي من كان يريد بعبادته غير الله ، فإنما له العزة في الدنيا ولله العزة جميعاً أي يجمعها في الدنيا والآخرة بأن ينصر الله في الدنيا والآخرة ويغلب ([12]) .   

وقال ابن حجر : قال الراغب : العزيز الذي يقهر ولا يُقهر ، فإن العزة التي لله هي الدائمة الباقية ،وهي العزة الحقيقية الممدوحة ، وقد تستعار العزة للحمية

والأنفة فيوصف بها الكافر والفاسق ، وهي صفة مذمومة، ومنه قوله تعالى :  

   : " أخذته العزة بالإثم " ([13]).

وأما قوله تعالى : " من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً "(8) .

فمعناه : من كان يريد أن يعز فليكتسب العزة من الله فإنها له ولا تنال إلا بطاعته ومن ثم أثبتها لرسوله وللمؤمنين فقال في الآية الأخرى : " ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين " ([14]) .

قال البيهقي : العزة تكون بمعنى القوة ، فترجع إلى معنى القدرة .. والذي يظهر أن مراد البخاري بالترجمة : " إثبات العزة لله " رداً على من قال : أنه العزيز بلا عزة كما قالوا : العليم بلا علم ... " ([15]) .

والعزة : صفة من صفات الذات العلية ([16]) .

وقال البيهقي : " العزيز هو الغالب الذي لا يغلب ، والمنيع الذي لا يوصل إليه وقيل :هو القادر القوي ، وقيل : هو الذي لا مثل له ، وهو من صفات الذات " ([17]) وقال سيد قطب : " .. إنما العزة استعلاء على شهوة النفس ، واستعلاء على القيد والذل ، واستعلاء على الخضوع الخانع لغير الله ، ثم هي خضوع  لله وخشوع وخشية لله وتقوى ، ومراقبة لله في السراء والضراء ([18]) .

وقال ابن كثير في الآية : " وعزني في الخطاب " أي غلبني يقال : عز يعز ، إذا قهر وغلب

وقال سيد قطب أيضاً : والعزة الصحيحة حقيقة تستقر في القلب قبل أن يكون لها مظهر في دنيا الناس ، حقيقة تستقر في القلب فيستعلي بها على كل أسباب الذلة والانحناء لغير الله

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

  فهذه الحلقة الثالثة في موضوع العزة في الإسلام وستكون بعنوان:

المبحـث الأول

أسرار اقتران اسم ( العزيز ) بأسماء الله الأخرى

1- العزيز الحكيم:

 معنى الاسم الحسن " العزيز " : هو العزيز الذي لا يغلب والمنيع

 الذي لا يوصل إليه، وقيل هو القادر القوي، وقيل: هو الذي لا مثل له وهو من صفات الذات([19]) .

أما معنى الاسم الحسن " الحكيم " : فهو المحكم لخلق الأشياء ، وقد يكون بمعنى المصيب في أفعاله ([20]) .

إن الله لو لم يكن عزيزاً لما كان حكيماً ، لأن الحكمة لا تأتي مع الضعف بل تأتي مع القوة ومن هنا تتضح علاقة الاسمين ببعضهما .

قال تعالى : " ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم ، إنك أنت العزيز الحكيم " ([21]).

وقال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ، ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين ، فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فأعلموا أن الله عزيز حكيم "([22]) .  

وقال تعالى : " .. ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ، وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم " (5) .

وقال تعالى : " ويسئلونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم" ([23]).

وقال تعالى : " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن من معروف والله عزيز حكيم " ([24]) .  

وقال تعالى : " وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى ، قال أولم تؤمن قال  بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءاً ، ثم ادعهن يأتينك سعياً ، وأعلم أن الله عزيز حكيم" ([25]) .

وقال تعالى : " هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لاإله إلا هو العزيز الحكيم " ([26]).

وقال تعالى : " شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً

بالقسط لا إله إلا الله هو العزيز الحكيم " (5)

وقال تعالى: " فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبنائكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين إنَّ هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم " ([27]) . 

      وقال تعالى : " بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به  وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ([28])  .

وقال تعالى : " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم "([29])  .

     وقال تعالى : " إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم"([30]).

      وقال تعالى : " إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما

 

 النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم "([31])  .

وقال تعالى : " إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غرّ هؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم " ([32]).

وقال تعالى : " وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم " ([33]).

وقال تعالى : " ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم "([34])  .

وقال تعالى : " إلاّ تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار ، إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم "([35])  .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

  فهذه الحلقة الرابعة في موضوع العزة في الإسلام وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: *المبحـث الأول :

أسرار اقتران اسم ( العزيز ) بأسماء الله الأخرى 1- العزيز الحكيم:

وقال تعالى : " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم " ([36])  .

وقال تعالى : " وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم " ([37]).

         وقال تعالى : " يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم " ([38]).

وقال تعالى : " فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم "([39]).

وقال تعالى : " أن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء وهو العزيز الحكيم " ([40]).وقال تعالى : " للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم " (6)  .

وقال تعالى : " وهو الذي يبدؤا الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم ([41]) .

وقال تعالى : " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم خالدين فيها وعد الله حقاً وهو العزيز الحكيم "([42])  .

وقال تعالى : " ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله أن الله عزيز حكيم " ([43])  .

وقال تعالى : " قل أروني الذين ألحقتم به شركاء كلا بل هو الله العزيز الحكيم"([44])  

وقال تعالى : " ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم " ([45]) 0

وقال تعالى : " تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم " ([46]) .

وقال تعالى : " ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من

 آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم " ([47]) .

وقال تعالى : " حم عـسق كذلك يوصى إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم " ([48]) .

وقال تعالى : " حم  تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم " ([49]) .

وقال تعالى : " فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض رب العالمين وله الكبرياء في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم " ([50]) .

وقال تعالى " حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم " ([51]) .

وقال تعالى : " سبح لله ما في السماوات والأرض  وهو العزيز الحكيم " ([52]) .

وقال تعالى : " سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم " ([53]) .

وقال تعالى : هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم " ([54]) .

وقال تعالى:" ربنا لاتجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا إنك أنت العزيز الحكيم"([55]) .

وقال تعالى : " سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم " ([56]).

وقال تعالى : " يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين وآخرين منهن لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم " ([57]) .

وقال تعالى : " عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم " ([58]) .

وقال تعالى : " إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم ناراً كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزاً حكيماً " ([59]) .

وقال تعالى : "بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيماً " ([60]) .

وقال تعالى : " رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزاً حكيماً " ([61]) .

وقال تعالى : "ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عزيزاً حكيماً " ([62]) .

وقال تعالى : " لقد رضي الله عنه عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريباً ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزاً حكيماً " ([63]).

وبتأمل الآيات الكريمات نجد أن الله العزيز القدير القوي ، الذي لا يعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض الذي يقول للشيء كن فيكون ، والذي كل شيء في قبضته هو سبحانه الذي خلق الخلائق كبيرها وصغيرها عظيمها وحقيرها خلقها بحكمة فائقة ودقة متناهية وإعجاز بليغ ،بل مخلوقاته سبحانه تبهر العقول وتدهش الألباب .

إنه العزيز الحكيم ، إنه صاحب العزة وصاحب الحكمة ، ولولا أنه قدير ، قوي ، لا يعجزه شئ ، ومنيع لا يوصل إليه ، لما كان حكيماً ، بل الحكمة أثر من آثار العزة ، إنه يتصرف كيفما شاء ، وفق حكمته العظيمة ، لأنه يقدر على ما يشاء .

فالعزيز متفضل على عباده بشتى أنواع الفضائل لأنه يقدرعلى ذلك  ،ويضع الأمور في مواضعها ؛ فهو هداهم ، وبعث إليهم الرسل ، وأنزل الكتب ، وزكاهم ، وجعلهم من المؤمنين ، وصورهم في الأرحام الصور الكريمة العجيبة ، وأشهد الملائكة وأولو العلم أنه لا إله إلا هو وأمدهم بالنصر من عنده ، وطمئن قلوب أوليائه ، وشرع الشرائع ، وأقام الحدود ، وغفر لعباده ، وألف بين قلوب المؤمنين ،وأنزل السكينة على قلوب أوليائه ، وجعل كلمة الله هي العليا ،وكلمة الذين كفروا السفلى ، ووفق من شاء من عباده لطاعته ، وجعل المثل الأعلى له سبحانه ، ومثل السوء للذين لا يؤمنون بالآخرة ، وهو الذي بدأ الخلق ثم يعيده ، أعد الجنة للمؤمنين العاملين للصالحات ، كلماته لا تنفد ،وسعت رحمته كل شئ ،جعل الملائكة يستغفرون للمؤمنين ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم ، ويسألون الله بأن يدخلهم الجنة ،ووفق عباده لذكره وشكره وحسن عبادته ،وأحل رضوانه على المؤمنين ، ومنّ على عباده بأنواع من النعم " وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها " فله الحمد وله الشكر على نعمه وآلآئه التي منّ بها على عباده بقدرته وحكمته فهو العزيز الحكيم .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

  فهذه الحلقة الخامسة في موضوع العزة في الإسلام وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: *المبحـث الأول :

أسرار اقتران اسم ( العزيز ) بأسماء الله الأخرى

 

2- ( العزيز )  و ( العليم ) 0

ومعنى العزيز : تقدم وهو الغالب القادر القوي 0

أما العليم : فهو العالم على المبالغة ، فالعلم له صفة قائمة بذاته ([64]) .

قال تعالى : " خالق الإصباح وجعل الليل سكناً والشمس والقمر حسباناًً ذلك تقدير العزيز العليم " ([65]) .

وقال تعالى : " والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم "([66]) .

وقال تعالى " إن ربك يقضي بينهم بحكمه وهو العزيز العليم " ([67]) .

وقال تعالى : " حم  تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم " ([68]) .

وقال تعالى :    " فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظاً ذلك تقدير العزيز العليم " ([69]) .

وقال تعالى:" ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم " ([70])

    وبتأمل الآيات التي اقترن فيهن الاسمان الحسنيان " العزيز " و " العليم " يتضح لنا أن فضل الله سبحانه وتعالى ورحمته تحققت لعباده المؤمنين بخلق المخلوقات العظيمة من أجل الإنسان ولتستقر حياته على وجه الأرض ،وجعل في هذا الكون العظيم آيات كونية عظيمة ليتفكر اولوا الألباب ويؤمن به المؤمنون ويتفكرون في عظمة خلقه لأنه تقدير القوي العالم الذي لا يخفي عليه شئ في الأرض ولا في السماء المحيط بعلمه فيحكم ويقضي بين من كانوامختلفين ؛ فينتقم ممن يستحق الانتقام

لأنه عليم بهم قدير عليهم ؛ فيكرم من يستحق الإكرام ، ويهين من يستحق الإهانة

ومن فضله أيضاً بعباده وهو القوى العليم إنزاله الكتاب ليهدي به قلوباً غلفاً وعيوناً عمياً وإذاناً صما، ويكون عمى على الكافرين المعاندين حتى يعذبهم الله جزاءً وفاقاً .

ومما ورد من النصوص القرآنية والتوضيحات يتبين لنا علاقة الاسم الحسن " العزيز " بالاسم " العليم " لتتم النعمة ويتم الفضل على العباد ،والله أعلم .

3- ( العزيز ) و ( القوى ) 0

معنى العزيز : هو القوي القادر الغالب .

ومعنى القوي : أي القادر الذي لا يستولى عليه عجز في حالة من الأحوال ويرجع معناه إلى صفة القدرة ([71]) .

قال تعالى : " ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز "([72]) .

وقال تعالى : " وما قد رواه الله حق قدره إن الله لقوى عزيز " ([73]) . 

وقال تعالى : " الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز "([74]) .

وقال تعالى : " لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس

 

 وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز "([75]) .

وقال تعالى : " كتب ا لله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز " ([76]) .

وقال تعالى : " ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قوياً عزيزاً " ([77]) .

       وبتأمل الآيات الكريمات التي اقترن فيهن الاسمان الحسنيان " العزيز "  و" القوي " يتضح أن لطف الله ورحمته ، وفضله ، ونصره ،ورزقه، حازه أولياؤه  الذين وفقهم الله لنصرته، وهو الغني عن خلقه فهوالقادر التام القدرة ، لكن الاختبار والامتحان بعد أن أرسل الرسل وأنزل الكتاب والميزان والحديد ليعلم من ينصره ورسله بالغيب .

وبالمقابل فهو سيعذب الذين لم يقدروا الله حق قدره بما يستحقون ،ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً .

والغلبة كتبها له ولرسله وللمؤمنين لأنه هو القوي التام القدرة ومعناهما مترادف أو متقارب .

ومما ورد من النصوص القرآنية والتوضيحات يتبين لنا العلاقة الوثيقة

 بين الاسم الحسن " العزيز "والاسم الحسن " القوي " واللـه أعلــم 0

4- ( العزيز ) و ( الحميد ) 0معنى العزيز : القوي القادر الغالب 0

ومعنى الحميد : المحمود الذي يستحق الحمد ، وقيل : من له صفات المدح والكمال وهذه صفة يستحقها بذاته ([78]).

وقال تعالى : " الـر ، كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد " ([79]) .

وقال تعالى : " ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد " ([80]) . وقال تعالى : " وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد "([81]) .

    وبتأمل الآيات الكريمات يتضح أنه سبحانه بقدرته وقوته هدى من شاء من عباده إلى الصراط المستقيم ،ووفقهم للإيمان بالله ، وبالتالي فهو مستحق للحمد بشتى أنواع المحامد التي علمناها رسوله صلى الله عليه وسلم على فضله وعلى قدرته وعلى قوته بهذا يتضح علاقة الاسمين الحسنيين بعضهما ببعض .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

  فهذه الحلقة السادسة في موضوع العزة في الإسلام وستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان: *المبحـث الأول :

أسرار اقتران اسم ( العزيز ) بأسماء الله الأخرى

5- ( العزيز ) و ( الرحيم ) ومعنى العزيز : القوي القادر الغالب 0

ومعنى الرحيم : الراحم فعيل بمعنى فاعل على المبالغة ، وقيل : الرحمن المريد لرزق كل حي في الدنيا ، الرحيم : المريد لإكرام المؤمنين بالجنة في العقبى ، فيرجع معناهما إلى صفة الإرادة التي هي صفة قائمة بذاته([82]) .

قال تعالى : " أولم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم إن ذلك لآية  وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم " ([83]) .

وقال تعالى:"وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ثم أغرقنا الآخرين إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم "([84]) .

وقال تعالى : "وبرزت الجحيم للغاوين وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون من دون الله هل ينصروكم أو ينتصرون فكبكبوا فيها هم والغاوون وجنود إبليس أجمعين  قالوا وهم فيها يختصمون تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين وما أضلنا إلا المجرمون فما لنا من شافعين ولا صديق حميم فلو أن لنا كرة  فنكون من المؤمنين إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم " ([85]) .

وقال تعالى : " قالوا لئن لم تنته يانوح لتكونن من المرجومين قال رب إن قومي كذبون فافتح بيني وبينهم فتحاً ونجني ومن معي من المؤمنين فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون ثم أغرقنا بعد الباقين إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم([86]) .

وقال تعالى : " كذبت عاد المرسلين إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري ألا على رب العالمين أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين فاتقوا الله وأطيعون واتقوا الذي أمدكم بما تعملون أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم قالوا سواء علينا أو عظت أم لم تكن من الواعظين إن هذا إلا خلق الأولين وما نحن بمعذبين فكذبوه فأهلكناهم إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم " ([87]) .

وقال تعالى : " كذبت ثمود المرسلين إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين أتتركون في ما هاهنا آمنين في جنات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم وتنحتون من الجبال بيوتاً فارهين فاتقوا الله وأطيعون ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون  قالوا إنما أنت من المسحرين ما أنت بشر مثلنا فأت بآية إن كنت من الصادقين قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم فعقروها فأصبحوا نادمين فأخذهم العذاب إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم ([88]) . 

وقال تعالى : " كذبت قوم لوط المرسلين إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسئلكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون قالوا لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين قال إني لعملكم من القالين رب نجني وأهلي مما يعملون فنجيناه وأهله أجمعين إلا عجوزاً في الغابرين ثم دمرنا الآخرين وأمطرنا عليهم مطراً فساء مطر المنذرين إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم" ([89]) .

وقال تعالى : " كذب أصحاب لئيكة المرسلين إذ قال لهم شعيب ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسئلكم عليه من أجر إن أجري ألا على رب العالمين أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين وزينوا بالقسطاس المستقيم ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين قالوا إنما أنت من المسحرين وما أنت إلا بشر مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين فأسقط علينا كسفاً من السماء إن كنت من الصادقين قال ربي أعلم بما تعملون فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم " ([90]) .

وقال تعالى : " فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون وتوكل على العزيز الرحيم الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين إنه هو السميع العليم " ([91]) .

وقال تعالى : "ويوم يفرح المؤمنين بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم"([92]) .

وقال تعالى : " ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم " ([93]) .

وقال تعالى : " يسن والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم تنزيل العزيز الرحيم " ([94]) .

وقال تعالى : " إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين يوم لا يغني مولى عن مولى شيئاً ولا هم ينصرون إلا من رحم الله إنه هو العزيز الرحيم " ([95])

وبتأمل الآيات الكريمات التي اقترن فيهن الاسمان الحسنيان " العزيز " و" الرحيم " نجد أن رحمة الله كتبها لجميع الأنبياء والرسل ومن اتبعهم

فوسعت موسى ومن معه من المؤمنين ، ونوح ومن معه من المؤمنين ،

 وهود ، وصالح ، ولوط ، وشعيب .

ومن رحمته سبحانه أن أهلك أقوامهم بسبب تكذيبهم لرسلهم . ومن رحمته أن أنبت في الأرض من كل زوج كريم . ومن رحمته أنه ينصر من ينصره . ومن رحمته إرسال النبي صلى الله عليه وسلم وجميع الأنبياء إلى أقوامهم وإنزال الكتب ومن رحمته أن يوم القيامة لا ينجوا أحد إلا برحمته، ولولا أنه عزيز لما كان رحيماً، لأنه لو كان ضعيفاً لما استطاع شيئاً ولما استطاع الرحمة . وتتضح علاقة الاسمين الحسنيين ببعضهما ، والله أعلـم . إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

  فهذه الحلقة السادسة في موضوع العزة في الإسلام وستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان: *المبحـث الأول :

أسرار اقتران اسم ( العزيز ) بأسماء الله الأخرى

6- ( العزيز ) و ( الوهاب ) 0

ومعنى العزيز : القوي ، القادر ، الغالب ،وقد تقدم.

ومعنى الوهاب : هو الذي يجود  بالعطاء الكثير من غير استثابة ([96]) .

قال تعالى : " وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة  إن هذا إلا اختلاق أأنزل عليه الذكر من بيننا بل هم في شك من ذكرى بل لما يذوقوا عذاب أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب " ([97]) .

وبتأمل هذه الآية الكريم نجد أنه سبحانه القادر، وعنده خزائن كل شئ ، وهذه الخزائن هي رحمة لعباده بل رحمة لكل المخلوقات وقد اتصف بالجود والعطاء الكثير فهو الوهاب ، دائم الواهب .

فلو اجتمع الأولون والآخرون وسأل كل منهم حاجته وأعطاهم ما نقص من ملكه  شيئا، لأنه يقول للشيء  كن فيكون ،فكيف تنقص خزائن رحمته سبحانه. وعلى هذا تتضح علاقة الاسمين ببعضهما ، والله أعلم .

7- ( العزيز ) و ( الغفور ، الغفار ) .

معناهما :- العزيز : القوى ، القادر ، الغالب ، المنيع ، وقد تقدم.

الغفور : الذي يكثر من المغفرة  .

والغفار : هو الستار لذنوب عباده مرة بعد أخرى ([98]).

قال تعالى : " قل إنما أنا منذر وما من إله إلا الله الواحد القهار رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار " ([99]) .

وقال تعالى : " ألم تر أن الله أنزل من السماء ماءً فأخرجنا به ثمرات مختلفاً ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود، ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور([100])  .

وقال تعالى : " خلق السماوات والأرض بالحق  يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار ([101]) .

وقال تعالى : " وقال الذين آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد  يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكراً أوأنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة  يرزقون فيها بغير حساب ويا قوم مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى الناس تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار " ([102]) . 

وقال تعالى : " تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور " ([103]) .

     وبتأمل هذه الآيات الكريمة نجد أنه تعالى – قهار ، عزيز ، قوي ، غالب على أمره لا يغلبه أحد ، منيع، السماوات والأرض والجبال في قبضته ، الناس والدواب ، والأنعام ، والجبال ، مختلفة ألوانها ، خلق الموت والحياة .

ومع أنه صاحب هذه القدرة العظيمة ،قادر على الانتقام من كل من لم يستقم على شرع الله فهو غفار ، يستر العيوب والذنوب ، ويستر ويغفر مرة بعد أخرى وأيضاً غفور، يكثر من المغفرة بل هو دائم المغفرة فله الحمد وله الشكر وله الثناء الحسن .

8- ( العزيز ) و ( ذو انتقام ) .

والمنتقم لم يأت في القرآن إلا مضافاً على " ذو" كقوله تعالى : " عزيز

 ذو انتقام "  أو مقيداً بالمجرمين كقوله تعالى : " إنا من المجرمين

 منتقمون " ([104]) .

ومعناه : هو الذي ينتصر من أعدائه ويجازيهم بالعذاب على معاصيهم وقد يكون بمعنى الملك لهم "([105]) .

قال تعالى : " إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام "([106]) .

 وقال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وانتم حرم ، ومن قلته منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياماً ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف  ومن عاد فينتقم الله منه ، والله عزيز ذو انتقام"([107]) .

   وقال تعالى : " فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام " ([108]) .

   وقال تعالى : " أليس الله بكاف عبده ،ويخوفونك بالذين من دونه ،

 ومن يضلل الله فما له من هاد ، ومن يهد الله فما له من مضل أليس الله بعزيز ذي انتقام " ([109])

  وبتأمل الآيات الكريمات يتبين أن الله القوى المنتصر يجازي أعداءه بالعذاب أو بالإهلاك وهذا بقدرته وعدله فالجزاء من جنس العمل وبذلك تتضح علاقة الاسمين بعضهما ببعض ومعناها متقارب .

 إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

  فهذه الحلقة السابعة في موضوع العزة في الإسلام وستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان: *المبحـث الأول :

أسرار اقتران اسم ( العزيز ) بأسماء الله الأخرى

9- ( العزيز ) و ( الجبار )

ومعنى الجبار : هو الذي لا تناله الأيدي ولا يجري في ملكه غير ما أراد وهو من الصفات التي يستحقها بذاته ،وقيل : هو الذي جبر الخلق على ما أراد ، وقيل : هو الذي جبر مفاقر الخلق ، وهو على هذا المعنى من صفات فعله ([110]) .

  وقال تعالى : " هو الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر ، سبحان الله عما يشركون " ([111]) .

وبالنظر في هذه الآية نجد أن الله سمى نفسه بهذه الأسماء العظيمة ومنها " العزيز " و" الجبار " ، ثم نزه نفسه سبحانه وتعالى عما يشركون وخاصة في أسمائه .

والأسماء في الآية الكريمة كلها صفات يستحقها لذاته .

وقد يكون معنى " الجبار " قريباً من معنى " العزيز " إن لم يكن أثراً من آثاره .

10 – ( العزيز ) و ( المقتدر )

  ومعنى المقتدر : هو التام القدرة الذي لا يمتنع عليه شئ ([112]) .

 قال تعالى : " كذبوا بآياتنا كلها فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر " ([113]) .

  وبتأمل الآية الكريمة نجد أنه سبحانه يقرر قوته وقدرته ومنعته ، القدرة التامة الذي لا يمتنع عليه شئ وأنه إذا أخذ فإن أخذه أليم لأعدائه الذين كذبوا بآياته ولم يؤمنوا بها جزاء وفاقاً .

وقد يكون معنى المقتدر مقاربا لمعنى العزيز إن لم يكن مرادفاً له .

*المبحث الثاني : مكانة العزة ودورها

1- العزة صفة من صفات الله

    العزة : صفة من صفات الكمال ونعوت الجلال مما تضمنه اسمه " العزيز " بالاشتقاق ، وهذه الصفة من صفات ذاته التي يستحقها فيما لم يزل ولا يزال ، وهي عقلية مما يدل خبر المخبر به عنه ووصف له به على ذاته ([114]) .

  والعزة : صفة ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة

   قال تعالى : " بشر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً ، الذين يتخذون      ا لكافرين أولياء من دون المؤمنين ، أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعاً " ([115]) .

  وقال تعالى : " ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعاً وهو السميع العليم " ([116]) .

وقال تعالى : " من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً ، إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ، والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور " ([117]) .

  وقال تعالى : " سبحان ربك رب العزة عما يصفون , وسلام على المرسلين , والحمد لله رب العالمين " ([118]) .

وقال تعالى :"  يقولون لئن رجعنا إلى ا لمدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون " ([119]) .

وأخرج النسائي من حديث عبد الله بن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يجيء الرجل آخذ بيد الرجل فيقول : يا رب هذا قتلني ، فيقول الله له : لم قتلته ؟ فيقول : لتكون العزة لك ، فيقول : فإنها لي ...." ([120]) .

وأخرج البخاري من حديث ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعوذ بعزتك الذي لا إله إلا أنت أن تضلني ، أنت الحي الذي لا يموت والجن والإنس يموتون " ([121]) .

وأخرج البخاري من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يزال يلقي فيها وتقول : هل من مزيد ، حتى يضع فيها رب العالمين قدمه فينزوي بعضها إلى بعض ، ثم تقول : قد قد ، بعزتك وكرمك ،ولا تزال الجنة تفضل حتى ينشئ الله لها خلقاً فيسكنهم فضل الجنة " ([122]) .

وروى أبو داود واللفظ له ، والترمذي ، والنسائي وأحمد ، والحاكم من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لما خلق الله الجنة قال لجبريل .

: اذهب فانظر إليها فذهب فنظر إليها ، ثم جاء فقال : أي رب وعزتك لا يسمع بها أحد ألا دخلها ، ثم حفها بالمكاره ثم قال : يا جبريل اذهب فانظر إليها فذهب فنظر إليها ثم جاء فقال أي رب وعزتك لقد خشيت ألا يدخلها أحد ، قال : " فلما خلق الله النار قال له يا جبريل اذهب فانظر إليها " فذهب فنظر إليها ، ثم جاء فقال : أي رب وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها ، فحفها بالشهوات ثم قال : يا جبريل اذهب فانظر إلهيا ، فذهب فنظر إلهيا ثم جاء فقال : أي رب وعزتك لقد خشيت ألا يبقى أحد إلا دخلها " ([123]) .

وقال البخاري : باب قول الله تعالى : " وهو العزيز الحكيم " " سبحان ربك رب العزة عما يصفون " ، " ولله العزة ولرسوله " .

ومن حلف بعزة الله وصفاته ، وقال أنس : قال النبي صلى الله عليه وسلم : تقول جهنم : قط ، قط وعزتك " وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : " يبقى رجل بين الجنة والنار وهو آخر أهل النار دخولا الجنة فيقول : رب اصرف وجهي عن النار ، وعزتك لاأسألك غيرها " .

قال أبو سعيد : قال رسول  الله صلى الله عليه وسلم  : " قال الله عز وجل " لك ذلك وعشرة أمثاله "وقال : وعزتك لا غني لي عن بركتك " ([124]) .

وقال ابن حجر : وأما قوله تعالى : " من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً " فمعناه من كان يريد أن يعز فليكتسب العزة من الله فإنها له ولا تنال إلا بطاعته ومن ثم أثبتها لرسوله وللمؤمنين ، فقال في الآية الأخرى : " ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين " ([125]) .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

  فهذه الحلقة الثامنة في موضوع العزة في الإسلام وستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان: *المبحث الثاني : مكانة العزة ودورها

2- إستعلاء أهل العزة :

قال تعالى : " بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليماً ، الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعاً " ([126]) .

وقال تعالى : " ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعاً هو السميع العليم " ([127]) .

وقال تعالى : " من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً ، إليه يصعد الكلم

 الطيب والعمل الصالح يرفعه ،والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور " ([128]) .

روى البخاري من حديث عبد الله بن مسعود قال : " " ما زلنا أعزة منذ اسلم عمر"([129]) .

وأخرج أحمد والطبراني من حديث تميم الداري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا ادخله الله هذا الدين بعز عزيز ، أو بذل ذليل ، عزاً يعز الله به الإسلام وذل يذل الله به الكفر " .

وكان تميم الداري يقول : قد عرفت ذلك في أهل بيتي ، لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز ،ولقد أصاب من كان منهم كافر الذل والصغار والجزية"([130]). 

وأخرج الإمام أحمد من حديث عثمان بن عفان قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد حقاً من قلبه إلا حرم الله عليه النار" . فقال عمر بن الخطاب : أنا أحدثك ما هي : هي كلمة الإخلاص التي أعز الله تبارك وتعالى بها محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه ،وهي كلمة التقوى التي أوصى بها نبي الله صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب عند الموت " شهادة أن لا إله إلا الله " ([131]) .

وأخرج الترمذي من حديث جابر بن عبد الله في قول عبد الله بن أبي سلول : " لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل " فقال له ابنه عبد الله بن عبد الله : " والله لا تنفلت حتى تقر أنك الذليل ورسول الله العزيز ، ففعل " ([132]) .

وقال سيد قطب : ويضم الله سبحانه وتعالى رسوله والمؤمنين إلى جانبه ، يضفي عليهم من عزته ، وهو تكريم هائل لا يكرمه إلا الله ، وأي تكريم بعد أن يوقف الله سبحانه رسوله والمؤمنين معه إلى جواره ، ويقول : هانحن أولاء : هذا لواء الأعزاء ، وهذا هو الصف العزيز " ([133]) .  وقال أيضاً : لقد استأثر الله عز وجل بالعزة  فلا يجدها إلا من تولاه ،ويطلبها عنده ،ويرتكن إلى حماه ... وتقرر أن العزة لله وحده ، فهي تطلب عنده وإلا فلا عزة ولا قوة عند الآخرين ..

وما يعتز المؤمن بغير الله وهو مؤمن ،وما يطلب العزة والنصر والقوة عند أعداء الله وهو مؤمن بالله . وما أحوج ناساً ممن يدعون ا لإسلام ، ويتسمون بأسماء المسلمين وهم يستعينون بأعدى أعداء الله في الأرض أن يتدبروا هذا القرآن .. إن كان بهم رغبة في أن يكونوا مسلمين ... وإلا فإن الله غني عن العالمين ... " ([134]) .

 وقال ابن كثير : ثم أخبر تعالى بأن العزة كلها لله وحده لا شريك له ولمن جعلها له .. .

وقال أيضاً : من كان يحب أن يكون عزيزاً في الدنيا والآخرة ، فليلزم طاعة الله فإنه يحصل له مقصودة ، لأن الله مالك الدنيا والآخرة ،وله العزة جميعها " ([135]) .

وقال سيد  : " إن العزة كلها لله ، وليس شئ منها عند أحد سواه ، فمن كان يريد العزة فليطلبها من مصدرها الذي ليس لها مصدر غيره ، ليطلبها عند الله فهو وأجدها هناك ، وليس بواجدها عند أحد ، ولا في أي كنف ولا بأي سبب ..." ([136])

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

  فهذه الحلقة التاسعة في موضوع العزة في الإسلام وستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان: *المبحث الثاني : مكانة العزة ودورها

3- مصدر العـزة : رب العالمين

 قال تعالى : " من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً " ([137]) .

وقال تعالى : " قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شئ قدير " ([138]) .

وقال تعالى :  إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ، غرّ هؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم " ([139]) .

     وقال تعالى : " وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله  هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين  وألف بين قلوبهم  لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم ، إنه عزيز حكيم " ([140]) .

    قال تعالى : " والمؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون

 بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون

 الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم  " ([141]) .

وقال تعالى : " ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز " ([142]) .

وقال تعالى :" ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم " ([143]) .

وقال تعالى : " كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز " ([144]) .

وقال تعالى : " ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عزيزاً حكيماً " ([145]) .

وأخرج البخاري من حديث ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعوذ بعزتك الذي لا إله إلا أنت أن تضلني ، أنت الحي الذي لا يموت ، والجن والإنس يموتون " ([146]) .

وروى مسلم من حديث مصعب بن سعد عن أبيه قال : جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : علمني كلاماً أقوله ، قال : قل :" لا إله إلا الله وحده لا شريك له الله أكبر كبيراً ، والحمد لله كثيراً ، سبحان الله رب العالمين ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم ،قال : فهؤلاء لربي فما لي : قال : " قل اللهم أغفر لي وارحمني واهدني وارزقني " ([147])

وقال ابن حجر : وأما قوله تعالى : " من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً " فمعناه من كان يريد أن يعز فليكتسب العزة من الله فإنها لا تنال إلا بطاعته ومن ثم أثبتها لرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين فقال : في الآية الأخرى : " ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين " ([148]) . 

وقال ابن كثير : والمقصود من هذا التهييج والحث على طلب العزة من جناب الله ، والالتجاء إلى عبوديته والانتظام في جملة عباده المؤمنين الذين لهم النصر في هذه الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد " ([149]) .

وقال سيد : ويفرد الله بالعزة هنا ، ولا يضيفها إلى الرسول والمؤمنين

– كما في الموضع الآخر – لأن  السياق سياق حماية الله لأوليائه فيفرده بالعزة جميعاً – وهي أصلا لله وحده ، والرسول والمؤمنون يستمدونها منه – ليجرد منها الناس جميعاً ، ومشركوا قريش العتاة داخلون في الناس ، أما الرسول – صلى الله عليه وسلم – فهو ذو الحماية الإلهية التي

 أضفاها على أوليائه .. " ([150]) . 

وقال في موضع آخر : وهذه الحقيقة كفيلة حين تستقر في القلوب أن تبدل المعايير كلها ، وتبدل الوسائل والخطط أيضاً .

وإن العزة كلها لله ، وليس شيء منها عن أحد سواه فمن كان يريد العزة فليطلبها من مصدرها الذي ليس لها مصدر غيره ؛ليطلبها عند الله ، فهو واجدها هناك ، وليس بواجدها عند أحد ولا في أي كنف ،ولا بأي سبب " فلله العزة جميعاً " .

إن الناس الذين كانت قريش تبتغي العزة عندهم بعقيدتها الوثيقة المهلهلة ، وتخشى اتباع الهدى – وهي تعترف أنه الهدى خشية أن تصاب مكانتها بينهم بأذى  إن  هؤلاء من القبائل والعشائر وما إليها، إن هؤلاء ليسوا مصدراً للعزة ، ولا يملكون أن يعطوها أو يمنعوها " فلله العزة جميعاً " .

 وإذا كانت لهم قوة فمصدرها الأول هو الله ، وإذا كانت لهم منعة فواهبها هو الله ، وإذاً فمن كان يريد العزة والمنعة فليذهب إلى المصدر الأول ، لا إلى الآخذ المستمد من هذا المصدر ، ليأخذ من الأصل الذي يملك وحده كل العزة ولا يذهب يطلب قمامة الناس وفضلاتهم ،وهم مثله طلاب محاويج ضعاف .

إنها حقيقة أساسية من حقائق العقيدة الإسلامية ، وهي حقيقة كفيلة بتعديل القيم والموازين ، تعديل الحكم والتقدير وتعديل النهج والسلوك ، وتعديل الوسائل والأسباب : ويكفي أن تستقر هذه الحقيقة وحدها في أي قلب لتقف به أمام الدنيا كلها عزيزاً كريماً ثابتاً في وقفته غير مزعزع ، عارف طريقه إلى العزة ، طريقه الذي ليس هنالك سواء .

إنه لن ينحني رأسه لمخلوق متجبر، ولا لعاصفة طاغية ولا لحديث جلل ولا لوضع ولا لحكم ،ولا لدولة ،ولا لمصلحة ،ولا لقوة من قوى الأرض جميعاً وعلام ؟

والعزة لله جميعاً وليس لأحد منها شئ إلا يرضاه "([151]) .

وهذا هو توحيد الألوهية الخالص الذي فرضه الله على عباده قال تعالى :{ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت }(2)

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

  فهذه الحلقة العاشرة في موضوع العزة في الإسلام وستكون بعنوان:

*المبحث الثالث : الأسباب الموصلة إلى العزة

1-         توحيد الله الخالص :

   قال تعالى : " لقد رضى  الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريباً ومغانم كثيرة يأخذونها

 

 وكان الله عزيزاً حكيماً " ([152]) .

وقال تعالى : " هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم " ([153]) .

وقال تعالى : " شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم " ([154]) .

وقال تعالى: " ... وما من إله إلا الله إن الله لهو العزيز الحكيم " ([155]) .

وقال تعالى: " قل أروني الذين ألحقتم به شركاء كلا بل هو الله العزيز الحكيم" ([156]).

وقال تعالى : " قل إنما أنا منذر وما من إله إلا الله الواحد القهار رب السماوات والأرض وما ينهما العزيز الغفار " ([157]) .

التوحيد هو حق الله على العباد ، لا ينال ما عند الله من عزة وفضل

 إلا بما شرع سبحانه، والتوحيد أعظم العبادات وكلما كان توحيد العبد

 خالص وصحيح كلما كانت عزته أقوى .

2  - موالاة المؤمنين ، ومعاداة الكافرين .

 قال تعالى : " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ،ويطيعون الله ورسوله ، أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم " ([158]) .

وقال تعالى : " بشر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعاً " ([159]) .

طاعة الله من أعظم الأسباب الموصلة إلى موالاة المؤمنين والولاء في الله ، والعداء في الله من أساسيات هذا الدين ، دين ا لعزة ، ولا تحصل العزة إلا بطاعة الله ولا تطلب إلا من الله لأنه لا يملكها سواه .

3- الاعتقاد الراسخ بأن العزة بيد الله :

 قال تعالى : " ولا يحزنك قولهم ، إن العزة لله جميعاً وهو السميع العليم " ([160]) .

وقال تعالى : " بشر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً الذين يتخذون الكافرين

أولياء من دون المؤمنين ، أيبتغون عندهم العزة فإن لعزة لله جميعاً " ([161])

وقال تعالى:" من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً " ([162]) .

وقال تعالى : " يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون " ([163]) .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يجيء الرجل آخذاً بيد الرجل فيقول يا رب هذا قتلني فيقول الله له لم قتلته ؟ فيقول لتكون العزة لك ، فيقول: إنها لي" ([164])  

4- فعل الطاعات ، واجتناب السيئات :

     قال تعالى : " من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً ، إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ، والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور " ([165]) .

وقال تعالى : " والمؤمنين والمؤمنات بعضه أولياء بعض ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، ويقيمون الصلاة ، ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله ، أولئك سيرحمهم الله ، إن الله عزيز حكيم "([166]) .

وقال تعالى : " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم ،خالدين فيها وعد الله حقاً وهو العزيز الحكيم "([167])  .

قال سيد  على  الآية : " إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه " قال : ... فهذه إشارة إلى أسباب العزة ووسائلها لمن يطلبها عند الله ، القول الطيب والعمل الصالح ، القول الطيب الذي يصعد إلى الله في علاه والعمل الصالح الذي يرفعه الله إليه ويكرمه بهذا الارتفاع ،ومن ثم يكرم صاحبه ويمنحه العزة والاستعلاء .

والعزة الصحيحة : حقيقة تستقر في القلب قبل أن يكون لها مظهر في دنيا الناس ، حقيقة تستقر في القلب فيستعلي بها على كل أسباب الذلة والانحناء لغير الله ،حقيقة يستعلي بها على نفسه أول ما يستعلى ، يستعلي بها على شهواته المذلة ورغائبه القاهرة ،ومخاوفه ومطامعه من الناس وغير الناس .

ومتى استعلى على هذه فلن يملك أحد وسيلة لإذلاله وإخضاعه ، فإنما

 تذل الناس شهواتهم ورغباتهم ، ومخاوفهم ومطامعهم ، ومن استعلى عليها فقد استعلى على كل وضع وعلى كل شئ وعلى كل إنسان .. وهذه حقيقة العزة الحقيقة ذات القوة والاستعلاء والسلطان .

إن العزة ليست عناداً جامحاً يستكبر عن الحق ويتشامخ بالباطل وليست طغياناً فأجراً يضرب عن عتو وتجبر وإصرار .

وليست اندفاعاً باغياً يخضع للنزوة ويذل للشهوة ، وليست قوة عمياء تبطش بلا حق ولا عدل ولا صلاح .

كلا إنما العزة استعلاء على شهوة النفس ، واستعلاء على القيد والذل ، واستعلاء على الخضوع الخانع لغير الله ، ثم هي خضوع لله وخشوع وخشية لله وتقوى ، ومراقبة لله في السراء والضراء .. ومن هذا الخضوع لله ترتفع الجباه ،ومن هذه الخشية لله تصمد لكل ما يأباه ، ومن هذه المراقبة لله لا تعني إلا برضاه ، هذا مكان الكلم الطيب والعمل الصالح من الحديث عن العزة ، وهذه هي الصلة بين هذا المعنى وذاك في السياق ([168]) .

 إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

  فهذه الحلقة الحادية عشرة في موضوع العزة في الإسلام وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:

*المبحث الثالث : الأسباب الموصلة إلى العزة

5- تنزيه الله ووصفه بصفات الكمال ونعوت الجلال :

قال تعالى : سبحانه ربك رب العزة عم يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين " ([169]) .

أسماء الله وصفاته أشرف ما يتعلمه العبد حتى يقدر الله حق قدره ، ويصفه بما هو أهل له ،وينزهه عن كل نقص ،وعن كل ما يليق به سبحانه لا سيما وهو العزيز القادر الذي لا يعجزه شئ في الأرض ولا في السماوات ، وبقدر ما يقدر الله ويوصف بصفات الكمال وينزه عن كل نقص بقدر ما تحصل العزة .

6- طلب العلم الشرعي والعمل بمقتضاه :

    قال تعالى : " يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها

 الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون " ([170]) . 

وقال تعالى : " ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم ، إنك أنت العزيز الحكيم ([171]) .

وقال تعالى : " ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد " ([172]) .

العلم الشرعي النافع نعمة عظيمة ، يرفع به الجهل ، ويعرف العبد به سر وجوده وما له وما عليه  ،وبه يعلم كيف يحيا حياة طيبة ،وكيف يكون عزيزاً كريماً في الحياة ،وما أنزل الله من قرآن وسنة هو العلم ولا علم غيره .

7- طلب الهدى من الله :   

قال تعالى : " فيضل الله من يشاء ، ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم  "([173]) .

  وقال تعالى : " أليس الله بكاف عبده ، ويخوفونك بالذين من دونه

 ،ومن يضلل الله فما له من هاد ،ومن يهد الله فما له من مضل أليس

 الله بعزيز ذي انتقام " ([174]) .

إن العزة لا تحصل إلا لمن هداه الله ،ولا يهبها الله إلا لمن يحبه وهو القادر على كل شئ من هنا وجب طلب الهدى من الهادي، ولا يحصل فضل الله إلا بطاعته .

8- عدم إتباع خطوات الشيطان :

  قال تعالى : " يا أيها الذين أمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان ، إنه عدو مبين، فإن زللتم من بعدما جاءتكم البينات فأعلموا أن الله عزيز حكيم"([175]).

الشيطان له خطوات متدرجة ، وطرق ، وحيل ملتوية ، فمن أراد الهداية والعزة والكرامة في الدنيا والآخرة فإنه لا يتبع خطوات الشيطان ومن استجاب لخطوة واحدة فإنه يزل ، وإن زل بعد ما جاءه الحق فإن النتيجة وخيمة والعاقبة خطيرة .

9- الإصلاح لليتامى :

        قال تعالى : " ويسئلونك عن اليتامى ؟ قل إصلاح لهم خير ،

 وإن تخالطوهم فإخوانكم ، والله يعلم المفسد من المصلح ، ولو شاء

 الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم" ([176]).

اليتيم لا يستطيع الدفاع عن نفسه ،ولذلك هو مظنه وقوع الظلم عليه ، فمن ظلم اليتيم فإن الله قادر عليه وسينتصر له ، ومن اتقى الله فيه وأصلح فإن الله سيعزه ويوفقه ويرفع عنه العنت .

10- ضمان حقوق النساء :

     قال تعالى : " ولهن مثل الذين عليهن بالمعروف ، وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم"([177]).

وقال تعالى : " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج ، فإن خرجن ، فلا جناح عليهم فيما فعلن في أنفسهن من معروف والله عزيز حكيم"([178]).

والنساء ممن يقع الظلم عليهن لضعفهن ، فمن ظلمهن فإن الله القوي العزيز سينتصر لهن ،ومن ضَمِنَ حقوقهن ، فإن الله سيعزه ويوفقه ويهديه ، لأنه ناصر المظلومين .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

  فهذه الحلقة الثانية عشرة في موضوع العزة في الإسلام وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:

*المبحث الثالث : الأسباب الموصلة إلى العزة

11- اليقين بقوة الله وقدرته :

     قال تعالى : " وهو الذي يبدؤ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه، وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم " ([179]) . 

وقال تعالى : "وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال : أولم تؤمن ؟

قال : بلى ولكن ليطمئن قلبي ، قال : فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ،وأجعل على كل جبل منهن جزءاً ، ثم ادعهن يأتينك سعياً ،وأعلم أن الله عزيز حكيم "([180]) .

وقال تعالى : " إن تعذبهم فإنهم عبادك ، وأن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم"([181]).

وقال تعالى :" فالق الإصباح وجعل الليل سكناً والشمس والقمر حسباناً ، ذلك تقدير العزيز العليم "([182]) .

12- الصبر والتقوي والدعاء :

قال تعالى : " بلى أن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين ، وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به ،وما النصر إلا من عند الله الحكيم "([183]) .

وقال تعالى : " إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني بألف من الملائكة مردفين وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم "([184]) .

وقال تعالى : ط ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ن أنك أنت العزيز الحكيم " ([185]) .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أعوذ بعزتك الذي لا إله إلا أنت أن تضلني ، أنت الحي الذي لا يموت والجن والإنس يموتون " ([186]) .

إن النصر والعزة من الله وشرط الحصول على هذا الفضل العظيم ، الصبر بأنواعه والتقوى والتضرع إلى الله الذي يجيب المضطر إذا دعاه ، وهذه الأنواع من العبادات من أعظمها عند الله .

13- تطبيق الحدود :

قال تعالى : " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم " ([187]) .

أن إقامة الحدود من العبادات التي تستقر بها الحياة ويستتب بها الأمن ويقضي بها على أسباب الشر والفساد ، وقد شرعها لحكمة عظيمة وغايات نبيله ، فيعز من أمتثل أمره وأدرك حكمته ، ويذل من عصاه وانتهك محارمه .

14- التوكل على الله ؛ حق التوكل :

وهو القوي فمن توكل على الله حق التوكل كفاه ، وكان حسبه وعز وحصل له الفضل العظيم .

قال تعالى : " غذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم " ([188]) .

وقال تعالى : " وأن يريد وا أن يخدعوك فإن حسبك الله ، هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين ، وألف بين قلوبهم ، لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم ، أنه عزيز حكيم " ([189])

وقال تعالى : " فإن عصوك فقل إني برئ مما تعلمون ،وتوكل على العزيز الرحيم ، الذي يراك حين تقوم ، وتقلبك في الساجدين أنه هو السميع العليم " ([190]) .

15- إرادة الآخرة :

قال تعالى : " ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم " ([191]) .  

أراده الآخرة والتجرد عن مطامع  الدنيا يورث العزة ، لأن الخلود إلى الدنيا هو الذي يذل أعناق الرجال ،والله هو العزيز الحكيم القادر على الرزق بل لا يرزق غيره لكنه يحمي عبده من الدنيا أحيانا ،ويعطيها أحياناً لحكم عظيمة يعلمها هو .

16- نصرة الحق :

قال تعالى :" ألا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني

 اثنين إذ هما في  الغار ، إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ، فانزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى ، وكلمة الله هي العليا ، والله عزيز حكيم " ([192]) .

وقال تعالى : " لقد أرسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ، وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب أن الله قوي عزيز " ([193]) .

الله غني عن العالمين وهو القادر على نصر أولياءه ، لكنه يختبر عباده فإذا نصروه أعزهم ونصرهم .

17- السيرة على منهج الأنبياء :

قال تعالى : " فلما أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمه منا ومن خزي يومئذ ، أن ربك هو الوي العزيز " ([194]) .

قال تعالى : " كتب الله لأغلبن أنا ورسلي أن الله قوي عزيز " ([195]) .

طريق الأنبياء والرسل هو الطريق المستقيم هو طريق العزة ، هو طريق النصر هو طريق الكرامة من سلكه عز وقوى ، ومن تنكبه ذل وضعف .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

  فهذه الحلقة الثالثة عشرة في موضوع العزة في الإسلام وستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان:

*المبحث الثالث : الأسباب الموصلة إلى العزة

18- الدعوة إلى الله :

قال تعالى : " السر ، كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد " ([196]) .

وقال تعالى حكاية عن مؤمن آل فرعون: " ويا قوم مالي أدعوكم إلى

 النجاة وتدعونني إلى النار ، تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي

 به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار " ([197]) .

من استجاب لدعوة الله أعزه الله ، ومن لم يستجب أذله الله لأنه هو العزيز .

19- تقدير الله حق قدره :

قال تعالى : " ما قدروا الله حق قدره أن الله لقوي عزيز " ([198]) .

روى الإمام أحمد من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية ذات يوم على المنبر " وما قد رواه الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون "ورسوله صلى الله عليه وسلم يقول هكذا ويحركها يقبل بها ويدبر يمجد الرب نفسه : " أنا الجبار ، أنا المتكبر ، أنا الملك ، أنا العزيز ، أنا الكريم ، فرجف برسول الله المنبر حتى قلنا ليخرن به " ([199]) .

التعرف على الله بأسمائه وصفاته ضرورة للعباد حتى روه حق قدره ، فإذا تم ذلك حصل لهم الفضل العزيز .

20 ـ النظر والتفكر في مخلوقات الله وآياته والاعتبار بما حصل للمكذبين :

     قال تعالى : " أولم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم ، أن في ذلك لآية ، وما كان أكثرهم مؤمنين ، وأن ربك لهو العزيز الرحيم " ([200])

وقال تعالى : " وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ، ثم أغرقنا الآخرين ، أن في ذلك لآية ، وما كان أكثرهم مؤمنين ، وأن لهو العزيز الرحيم "([201])

وقال تعالى : " وبرزت الجحيم للغاوين ، وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون فكبكبوا فهيا هم والغاوون ،وجنود إبليس أجمعين قالوا وهم فيها يختصمون تالله أن كنا لفي ضلال مبين ، إذ نسويكم برب العالمين وما أضلنا إلا المجرمون ، فما لنا من شافعين ، ولا صديق حميم ، فلو أن لناكرة فنكون من المؤمنين ، أن في ذلك لآية ، وما كان أكثرهم مؤمنين وأن ربك لهو العزيز الرحيم " ([202]) . 

وقال تعالى : " تخلق السماوات والأرض بالحق ، يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر ، كل يجري لأجل مسمى إلا هو العزيز الغفار " ([203]) .

وقال تعالى : " فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوصى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا،ذلك تقدير العزيز العليم " ([204])  

وقال تعالى : " قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين ، قال : رب أن قومي كذبون فافتح بيني وبينهم فتحا ونجني من معي من المؤمنين، فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون ، ثم أغرقنا بعد الباقين ، أن في ذلك لآية ، وما كان أكثرهم مؤمنين ، وأن ربك لهو العزيز الرحيم " ([205]) . 

وقال تعالى : " كذبت عاد المرسلين ... فكذبوه فأهلكناهم أن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين ، وأن ربك لهو العزيز الرحيم " ([206]) .

وقال تعالى : " كذبت ثمود المرسلين ... فعقروها فأصبحوا نادمين

 فأخذهم العذاب أن في ذلك لآية ، وما كان أكثرهم مؤمنين ،وأن ربك

 لهو العزيز الرحيم " ([207]) .

وقال تعالى : " كذبت قوم لوط المرسلين ... فنجيناه وأهله أجمعين ، ألا عجوزاً في الغابرين ، ثم دمرنا الآخرين ، وأمطرنا عليهم مطراً فساء مطر المنذرين ، أن في ذلك لآية ، وما كان أكثرهم مؤمنين ، وأن ربك لهو العزيز الرحيم "([208])  .

وقال تعالى : " كذبت أصحاب الائيكة المرسلين ... فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة أنه كان عذاب يوم عظيم ، أن في ذلك لآية ، وما كان أكثرهم مؤمنين أن ربك لهو العزيز الرحيم " ([209]) .

وقال تعالى : " ولو إنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفذت كلما الله ، أن الله عزيز حكيم " ([210]) .

إن النظر والتفكر في مخلوقات الله وآياته تزيد المؤمن أيماناً وقرباً إلى

الله مما يكون له الأثر الكبير في حصول العزة من العزيز ، وإن التفكر

 في مصير الظالمين والإعتبار بما حدث لهم ليزيد المؤمن عزة وفضلاً . إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

  فهذه الحلقة الرابعة عشرة في موضوع العزة في الإسلام وستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان:

*المبحث الثالث : الأسباب الموصلة إلى العزة

21- معرفة الله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته :

قال تعالى : " عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم " ([211]) .

وقال تعالى : " يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم " ([212]) .

وقال تعالى : " إن ربك يقضي بينهم بحكمه وهو العزيز العليم " ([213]) .

وقال تعالى : " ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم " ([214]) .

وقال تعالى : " هو الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر ، سبحان الله عما يشركون هو الله الخالق بالبارئ المصور ، له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم ([215]) .

لا طريق للتعرف على الله إلا عن طريق اسمائه وصفاته التي وصف بها نفسه ووصفه بها نبيه – صلى الله عليه وسلم – فإذا تعرف العبد على الله وقدره حق قدره احبه الله واعزه ووفقه ونصره وأكرمه وأسعده في الدنيا والآخرة .

22- طلب النصر من الله :

قال تعالى : " ينصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم " ([216]) .   إن الناصر هو القوي هو العزيز هو الذي يقول للشيء كن فيكون فلا يطلب النصر إلا منه لأنههو العزيز فإذا حصل النصر حصلت العزة .

23 – طلب الرحمة من الله :

قال تعالى : " ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم " ([217]) .

وقال تعالى : " أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب " ([218]) .

وقال تعالى : " إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين ، يوم لا يغني مولى عن مولى شيئاً ولا هم ينصرون ، إلا من رحم الله إنه هو العزيز الرحيم " ([219]) .

من حصلت له الرحمة حصل على سعادتي الدنيا بعزها والآخرة بنعيمها .

24 – خشية الله :

قال تعالى : " إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور " ([220])

إن عبادة الله وخشيته تورث العز وتورث المغفرة والرحمة ، ولا يخشى الله إلا عباده العلماء العاملون الذين يعلمون أنه قوى عزيز منتقم ، فيخافون منه فيورث الله في قلوبهم القوة والعزة .   

25 – طلب الجنة :

قال تعالى : " ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم ، إنك أنت العزيز الحكيم " ([221]) .

إن من يملك الجنة هو الذي يملك إدخال عباده فيها ، والتوجه إلى الله بالدعاء والتضرع لحصول الجنة مطلب كبير ، بل إن الملائكة للمؤمنين ، تدعوا القادر على كل شئ أن يدخل عباده الصالحين جناته التي فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وبقوته وحكمته يدخل الصالحين الجنة .

26 – طلب الرزق من الله :

قال تعالى : " الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز " ([222]) .

لا أحد يرزق إلا من يقدر على الرزق وهو الله هو القوي العزيز فلا يطلب الرزق إلا منه سبحانه ، إذا استغنى العبد عن المخلوقين الذين لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً إلا بارادة الله عز وجل وحفظوا كرامتهم فإنهم يعزون ويكرمون .

27 – ذكر الله وتحميده وتسبيحه :

قال تعالى :" تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شئ قدير ، الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور " ([223]) .

وقال تعالى : " فلله الحمد رب السماوات والأرض رب العالمين ، وله الكبرياء في السماوات والأرض ، وهو العزيز الحكيم " ([224]) . 

وقال تعالى: " سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم" ([225]) .

وقال تعالى: " سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم" ([226]) .

وقال تعالى " : هو الله الخالق البارئ المصور ، له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم " ([227]) .

وقال تعالى : " يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم " ([228]) .

وقال تعالى : " هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام

 المؤمن المهيمن العزيزالجبار المتكبر ، سبحان الله عما يشركون " ([229]) .

وقال تعالى : " سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم " ([230]) .

إن ذكر الله من أفضل العبادات والتي يستجلب بها رضا الله وفضله وعزته .

28 – الاستغفار :

قال تعالى : " ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفورا واغفر لنا ربنا ، إنك أنت العزيز الحكيم " ([231]) .

لا يغفر الذنوب إلا الغفار  القوي ، وإذا طهر العبد نفسه من الذنوب بالاستغفار اصبح قوياً عزيزاً .

29 – الإيمان بالله :

قال تعالى : " وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد " ([232]) .

وقال تعالى : " ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً  وكفى الله المؤمنين القتال ، وكان الله قوياً عزيزاً " ([233])  .

30 – العفو عمن أساء إليه :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ما نقصت صدقة من مال ، وما زاد الله رجلاً بعفوا إلا عزاً ، أو ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله " ([234]) .

لأن الذي يملك الانتقال إذا عفا أصبح مدين للذين عفا عنه فيعزه الله بهذا العفو .

31- سؤال الله العزة :

قال تعالى : قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير ، إنك على كل شئ قدير "([235]) . 

وآخر سبب لحصول العزة سؤال العزة من العزيز ممن يملك كل شئ ممن يقول للشئ كن فيكون ،  نسأل الله أن يرزقنا العزة وأن يجعلنا أعزاء ، وأن يرفع عنا الذل حتى نكون كما أراد الله لعباده المؤمنين .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

  فهذه الحلقة الخامسة عشرة في موضوع العزة في الإسلام وستكون بعنوان: المبحث الرابع : صور من تمثل صفة العزة في حياة سلف هذه الأمة :

 قال تعالى : " ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين " ([236])

إن العزيز القوي المتين القادر ، الغالب ، الذي لا يُغلب ، والمنيع الذي

 لا يُوصل إليه ، والذي لا مثل له هو الله ، هو صاحب العزة والمنعة هو الذي جعل العزة له وحده فقال تعالى : "" من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً "" بل هو الذي وهب العزة لأوليائه وأحبابه . بل العزة الحقيقية هي عزته سبحانه وهي الدائمة .

ومن أراد العزة فإنها عنده سبحانه ، بل لا تُكتسب إلا بتوحيده وطاعته وامتثال أمره والانتهاء عن نهيه .

إن العزة إذا وهبها مالكها لأحد من خلقه فإن يستعلى بها على شهواته وعلى رغباته وعلى أعدائه ، جناً أو إنساً ، كبيراً أو صغيراً ، نظاماً أو فرداً ، كافراً أو ظالماً . وإذا سكبها مالكها في قلب أحد من عباده ، فإنه يصبح أقوى ما يكون قلبه واوثق بنصر الله ، عقله وفكره وجميع قواه ، استعزت بعزة الله وقويت بقوة الله ، تصدت للباطل وأهله ، وللظلم وللطغاة  وللمجرمين ولهذا عزت هذه الأمة ردحاً من الزمن عندما كانت تتلقى العزة من الله من العزيز من القوى من القادر من الذي لا يغلب وليس له مثل .

وعندما ضلت الأمة وتنكبت الطريق المستقيم وطلبت العزة من غير مالكها هانت على أنفسها وهانت على أعادائها فاستحل الأعداء الحرمات وسلبوا المقدرات ، ودنسوا المقدسات وهتكوا الأعراض ، وأهانوا العباد ، لكن أفراداً كثيرين من الأمة لا زالوا يطلبون العزة من العزيز ولا زالوا يتمتعون بالعزة والكرامة والعفة التي وهبها اياهم مالكها وواهبها وآخرون عاشوا أعزاء وماتوا شهداء ، عذب منهم من عذب وسجن منهم من سجن وقتل منهم من قتل ، وقد اخترت مجموعة منهم يمثلون عدة أجيال منهم :

1- عاصم بن ثابت الأنصاري :

شهد بدراً وأحداً ، وبعد الهجرة بثلاث سنوات _ وقيل في شهر صفر سنة أربع من الهجرة – بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية للاستطلاع مكونة من عشرين مجاهداً وعلى رأسهم عاصم بن ثابت  ،وأخذ عاصم ومن معه يتحركون في مهمتهم ليلاً ،ويختبئون نهاراً ثم فاجأتهم قوة من المشركين تبلغ نحو المائة فلجأ عاصم ومن معه بسرعة إلى ربوة تسمى " فدفد " بقرب ماء لهذيل يسمى " الرجيع " بين عسفان ومكة .

وطلب المشركون من عاصم ومن معه أن ينزلوا على العهد والميثاق مكراً وخديعةً ، لكن عاصماً رفض التفاوض ورفض العهد لأنه لا عهد لكافر أو مشرك ، وأخذا يرمي أعداءه حتى انتهت نباله ، فأخذ يطاعنهم برمحه حتى تكسر ، فاستل سيفه وضرب به حتى قتلوه شهيداً ، وقد عاهد الله ألا يمس مشركاً ولا يمسه مشرك أبداً في حياته ، فدعا الله أن يحمي جثته بعد استشهاده ،وفعلاً أرسل الله على جثته مثل الظلة من الدبر فحمته منهم ثم عندما دنا الليل أرسل الله السيل فحمل جثته إلى حيث شاء الله .

وهذا الموقف الشجاع فيه ما فيه من العزة والشجاعة والكرامة والبطولة حتى لقى الله شهيداً رحمه الله ([237]) .

2- محمد بن إسماعيل البخاري :

حدث الرواة أن أمير خراسان خالد بن أحمد الذهلي طلب من الإمام البخاري وهو في بلده بخاري أن يحضر إليه ليسمع أولاده منه ، فأبى أن يذهب إليه عزة وكرامة قائلاً : " في بيتي يؤتى العلم " ، فأراد الأمير أن يعزف الناس عن السماع منه فلم يقبلوا من الأمير ، فأمر بنفي البخاري من بلده إلى بلدة " خرتنك " على بعد فرسخين من سمرقند ،وقد تجاوز الستين عاماً وهناك مرض وعلى أثره توفي ليلة العيد عن اثنين وستين سنة .

ولا شك أن هذا نوع من أنواع المحن والمضايقات والاضطهاد لرجل عاش حياته كلها لحديث النبي صلى الله عليه وسلم ،وجمع أعظم كتاب بعد القرآن فرحمة الله عليه ما أعزه وما أكرمه وما أشجعه ([238]) .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

  فهذه الحلقة السادسة عشرة في موضوع العزة في الإسلام وستكون بعنوان: المبحث الرابع : صور من تمثل صفة العزة في حياة سلف هذه الأمة :   

2-         الإمام أحمد بن حنبل :

تبنت الدولة الإسلامية في أواخر حكم المأمون سنة 218 هـ ، مسألة "" خلق القرآن "" حتى حكم المعتصم والواثق وجاءت سنة 234 هـ وفي بداية حكم المتوكل رفعت هذا التبنى وتخلصت الأمة من شر هذه المحنة – بإذن الله –

وقد أنزلت المحن والشدائد بمن لم يوافق الحكام في هذه المسألة فعذب

 من عذب وقتل من قتل ومات من مات .

فابتلي الإمام أحمد أشد الابتلاء ، والذي يهمنا من هذه المحنة عزته وثباته .

وصلت المحنة أوجها فامتحن إسحاق حاكم بغداد العلماء بأمر المأمون فثبت من العلماء أربعة قالوا : أن القرآن غير مخلوق وهم الأمام أحمد بن حنبل ، ومحمد بن نوح ،وعبيد الله القواريري ، وسجادة . فصفدهم حاكم بغداد وأدخلهم السجن ، وأعيد عليهم فاستجاب : سجادة والقواريري لقول المعتزلة . بخلق القرآن تقيّة ، وحمل الأخران على الجمال موثقين في الأغلال ليواجها المأمون في طرسوس . وفي الطريق مات محمد بن نوح ، وجاء نعى المأمون ، ثم جاء بعده المعتصم وحاكمه أمام ابن أبي دؤاد وجمع من علماء الحكام والسلاطين فنصره الله عليهم وعلا صوته على أصواتهم في المناظرة .

ومن عزته وكرامته وتعففه وتقنعه أنه وهو في حبسه ، كان يؤتي له بطعام فلا يأكل منه .

وبعد المناظرة ، لعنه المعتصم وأمر بضربه وطلب منه مرة بعد أخرى أن يجيبه إلى بدعته وهو ثابت عزيز قوي يقول بعد كل دعوة " القرآن كلام الله غير مخلوق " وقد بلغ الجلادون مائة وخمسين رجلاً كل رجلاً يضرب سوطين ثم يتنحى ويجئ الآخر ، ثم ضرب ضرباً مبرحاً وديس بالأقدام .

ثم عاد الإمام إلى بيته بعد أن أراد الناس الثورة على المعتصم انتقاماً له لكنه عاد مكللاً بالنصر المبين ، مرتديا تاج العز والفخار ([239]) .

وهكذا ضرب الإمام أحمد بن حنبل مثلاً رائعاً في العزة والتوكل والصبر على الأذى والكرامة والتعفف والقناعة حتى نصرة الله وعاش الحياة بعزة وتعفف – رحمه الله رحمة واسعة - .   

4- سعيد بن جبير التابعي الجليل :

كان حكم عبد الملك بن مروان ،وكان وإليه على العراق ، مبير ثقيف الحجاج بن يوسف وكان هذا الحاكم الفاسق يأخذ بالشبهات فيصب المحن على كل من يظن أنه مناوئ لحكم سيده من دون خوف من الله

وممن وقع في محنته وظلمه وجبروته الإمام سعيد بن جبير ومن خلال هذا اللقاء يتضح أنه كان عزيزاً كريماً يتمثل العزة في أعلى صورها :

 

قال الحجاج : ما اسمك ؟          ،   أجاب سعيد : سعيد بن جبير .

الحجاج : بل أنت شقي بن كسير   ، سعيد : بل كانت أمي أعلم باسمي منك

الحجاج : شقيت أمك وشقيت أنت    ، سعيد : الغيب يعلمه غيرك

الحجاج :لابد لك بالدنيا ناراً تلظى  ،سعيد :لو علمت أن ذلك بيدك لاتخذتك إلهاً

الحجاج : فما قولك في محمد ؟    ، سعيد : نبي الرحمة وإمام الهدى .

الحجاج : فما قولك في علي أهو في الجنة أم في النار ؟            سعيد : لو دخلتها وعرفت من فيها عرفت أهلها

الحجاج : فما قولك في الخلفاء ؟  ، سعيد : لست عليهم بوكيل .

الحجاج : فأيهم أعجب إليك ؟    ، سعيد : أرضاهم لخالقي .

الحجاج : فأيهم أرضى للخالق ؟ ، سعيد :علم ذلك عند الذي يعلم سرهم ونجواهم

الحجاج : أحب أن تصدقني ؟   ، سعيد :إن لم أحبك لن اكذبك .

الحجاج : فما بالك لا تضحك ؟ ، سعيد : وكيف يضحك مخلوق خلق من طين والطين تأكله النار

الحجاج : فما بالنا نضحك ؟  ، سعيد : لم تستو القلوب .

وبعد هذا المشهد أو الفصل من المهزلة ، لم يفلح الحاج في إخضاع سعيد بن جبير رغم فضاضة القول ، وقبح الاتهام ، والتهديد بالقتل .

فعمد إلى أسلوب الإغراء ، فأمر الحجاج باللؤلؤ والزبرجد والياقوت ،والذهب والفضة فجمعه بين يديه ، فقال سعيد : إن كنت جمعت هذا لتتقى به فزع يوم القيامة فصالح ، وإلا ففزعة واحدة تذهل كل مرضعة عما أرضعت ،ولا خير في شئ للدنيا إلا ما طاب وزكى .

وثبت سعيد بن جبير أمام الإغراء بالمال والذهب بل أسدى للحجاج  موعظة عظيمة في جمع المال .

وبعد أن لم ينفع الإغراء بالمال دعا الحجاج بالعود والناي فلما ضرب على العود ونفخ بالناي ، بكى سعيد بن جبير فقال : ما يبكيك ؟ أهو اللعب ؟

قال سعيد : هو الحزن ، أما النفخ فذكرني يوماً عظيماً يوم ينفخ في الصور .

وأما العود فشجرة قطعت من غير حق ، وأما الأوتار فمن الشاة تبعث يوم القيامة، وهذا أيضاً درس ثالث للحجاج لقنه أياه .

ثم قال الحجاج :ويلك يا سعيد ، فقال :لا ويل لمن زحزح عن النار وأدخل الجنة .

قال الحجاج : اختر يا سعيد أي قتلة أقتلك ؟ فقال : أختر أنت لنفسك فوالله لا تقتلني قتلة إلا قتلك الله مثلها في الآخرة ؟

فقال : أتريد أن أعفو عنك ؟  فقال : إن كان العفو فمن الله وأما أنت فلا براءة لك ولا عذر .

عند ذاك ضاق الحجاج ذرعاً بسعيد ،ولم يطق صبراً عليه ،وهو يتلقى منه هذه الأجوبة الجريئة والتي كانت سهاماً تصيب قلبه .. فأمر بإنهاء المحنة .

قال الحجاج : اذهبوا به فاقتلوه فلما خرج ضحك ، فأخبر الحجاج بذلك ، فردوه إليه وقال : ما أضحكك ؟ فقال : عجبت من جرأتك على الله وحلم الله عليك ، فأمر بالنطع فبسط وقال : اقتلوه ، فقال سعيد : وجهت وجهي للذي فطر السماوات  والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين . قال الحجاج : وجهوا به لغير القبلة . قال سعيد : فأينما تولوا فثم وجه الله .قال الحجاج : كبوه على وجهه .

قال سعيد :منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى .

قال الحجج : اذبحوه .

قال سعيد : أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله خذها حتى تلقاني بها يوم القيامة ، اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي .

فذبح من الوريد إلى الوريد ، ولسانه رطب بذكر الله .. وبهذا انتهت محنة سعيد ابن جبير باستشهاده سنة 95 هـ وله من العمر 74 سنة

ومن خلال هذه الوقائع المثبته يتضح أن سعيد بن جبير كان يتمثل العزة والكرامة بل كان شجاعاً لا يهاب الظلم والظالمين – رحمه الله رحمة واسعة - ([240])  .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

  فهذه الحلقة السابعة عشرة في موضوع العزة في الإسلام وستكون بعنوان: المبحث الرابع : صور من تمثل صفة العزة في حياة سلف هذه الأمة :  

5- سعيد بن المسيب :

قال سعيد بن المسيب : ما أعزّت العباد نفسها بمثل طاعة الله ،ولا أهانت نفسها بمثل معصية الله .

كان عبد الملك بن مروان يسعى دائماً كسب ود سعيد بن المسيب ، لكن سعيد بن المسيب كان دائم الأعراض ، دائم الإنكار على أفعاله .

وكان سعيد بن المسيب عزيزاً كريماً عفيفاً قنوعاً دعاه عبد الملك بن مروان إلى نيف وثلاثين ألفا ليأخذها فقال : لا حاجة لي فيها ولا في بني مروان حتى ألقى الله فيحكم بيني وبينهم .

تقدم عبد الملك إليه يرجو منه أن يزوج ابنته لابنه الوليد حين استخلفه فرفض سعيد بن المسيب ، وأبى هذه القربى وهذه المصاهرة بـإبـاء وشمم ، إباء العلماء وشمم الأتقياء.

أكره على البيعة لولي عهد عبد المالك بن مروان " الوليد وسليمان " فضربه هشام ابن إسماعيل والي المدينة ضرباً مبرحاً خمسين سوطاً ، ثم سجن فما زاده ذلك الاّ شدةً في الحق وعزةً في النفس وكرامةً في الطبع والخلق ، وكان يدعو ويقول : اللهم أنصرني من هشام ، فاستجاب الله هذه الدعوة وأزال سلطان هشام ومن ولاّه.

ولما حج عبد الملك بن مروان ،وقف على باب المسجد الحرام ، ثم أرسل إلى سعيد بن المسيب رجلاً يدعوه ، فأتاه الرسول وقال : أمير المؤمنين واقف بالباب يريد أن يكلمك ،فقال سعيد : مالأمير المؤمنين إلىّ حاجة ، وما لي إليه حاجة وإن حاجته إلىّ لغير مقضيه ، وأعاده مرة ثانية وهو لم يزد على ما قال فقال الرسول لولا أنه تقدم إلىّ فيك ما ذهبت إليه إلا برأسك ، يرسل إليك أمير المؤمنين يكلمك وتقول هذه المقالة ؟ ! فقال سعيد :إن كان يريد أن يصنع بي خيراً فهو بك ، وإن كان غير ذلك ، فلا أحل موتى حتى يقضي ما هو قاضي ،فرجع الرسول وأخبره بذلك فقال عبد الملك: رحم الله أبا محمد أبي إلا صلابة([241]).

إنها العزة إنها الشجاعة ، إنها القوة ، إنها الكرامة ، لمن أعزه الله بالإسلام وبالطاعة ومن قوّاه الله وأكرمه ، ما أعظم الحياة بهذا المستوى الرفيع من الأنفة والأباء – رحم الله سعيد بن المسيب –

6- جعفر الصادق الإمام .

بلغ المنصور – وشاية وكذباً واتهاماً من أعوان الظلمة – أن جعفر

 الصادق يؤيد خروج من خرج عليه فاستدعاه وقال له : " أنت يا جعفر ما تدع حسدك وبغيك وفسادك على أهل البيت من بني العباس ، وما يزيد لك الله بذلك إلا شدة حسد ونكد ، وما تبلغ به ما تقدره " .

فقال الإمام الصادق : والله يا أمير المؤمنين ما فعلت شيئاً من ذلك ، هذا ولقد كنت في ولاية بني أمية وأنت تعلم أنهم أعدى الخلق لناولكم ،وأنهم لاحق لهم في هذا الأمر ، فوالله ما بغيت عليهم ولا بلغهم عني شئاً مع جفائهم الذي كان لي ، وكيف أصنع هذا الآن وأنت ابن عمي ،وأمس الخلق بي رحماً ، وأكثر عطاءً وبراً ، فكيف أفعل ذلك ، فأطرق المنصور ساعة .. "

ثم قال : يا جعفر ما تستحي مع هذه الشيبة ومع هذا النسب ، أن تنطق بالباطل وتشق عصى المسلمين ؟ تريد أن تريق الدماء وتطرح الفتنة بين الرعية والأولياء؟ .

قال الصادق : " لا والله يا أمير المؤمنين ما فعلت ولا هذه كتبي ولا خطي ولا خاتمي – المنصور قد أخرج له كتبا إلى أهل خراسان تدعوهم إلى نقض البيعة -  فانتقى من السيف ذراعاً فما زال يعاتبه وجعفر يعتذر إليه ، ثم أغمد السيف وأطرق ساعة ثم رفع رأسه وقال : أظنك صادقاً .

هذه أجوبة الصادق برمتها وصدقها ، وذلك كلام المنصور بخشونته وقسوته وكل منهما يعتز بسلطان يعتمد عليه .

فالصادق يعتز بسلطان الله الذي لا يغلب ، والمنصور يعتز بسلطان الحكم وقوة العسكر وهو زائل ثم أجرى معه التحقيق التالي :

المنصور : يا جعفر ما هذه الأموال التي يجيبها لك المعلى بن خنيس ؟

الصادق : معاذ الله من ذلك يا أمير المؤمنين .

المنصور : ألا تحلف على برائتك من ذلك بالطلاق والعتاق ؟

الصادق : نعم أحلف بالله إنه ما كان شيء من ذلك .

المنصور : بل تحلف بالطلاق والعتاق .

الصادق : أما ترضى بيميني بالله لا إله إلا هو .

المنصور : لا تتفقه على ؟

الصادق : وأين يذهب الفقه منى .

المنصور : دع عنك هذا فإني أجمع الساعة بينك وبين الرجل الذي رفع

 عليك هذا حتى يواجهك فأتوه بالرجل وسألوه بحضرة جعفر فقال :

 نعم هذا صحيح ، وهذا جعفر بن محمد الذي قلت فيه ما قلت :

الصادق : أتحلف أيها الرجل أن الذي رفعته صحيح ؟

الرجل : نعم : ثم ابتدأ باليمين فقال : والله الذي لا إله إلا هو الطالب الغالب الحي القيوم .

الصادق  لا تعجل في يمينك فإنني استحلفك .

المنصور : ما أنكرت من هذا اليمين ؟

الصادق : إن الله تعالى حيي كريم يستحيي من عبده إذا أثنى عليه أن يعاجله بالعقوبة لمدحه له ، ولكن قل يا أيها الرجل :

" أبرأ إلى الله من حوله وقوته وألجأ إلى حولي وقوتي لصادق بر فيما أقول " المنصور : أحلف بما استحلف أبو عبد الله به .

( قال راوي هذا الخبر : فحلف الرجل بهذه اليمين ، فلم يستتم الكلام حتى خر ميتاً فراع المنصور وارتعدت فرائصه ، وقال للصادق : يا أبا عبد الله سر من عندي إلى حرم جدك إن اخترت ذلك ، وإن اخترت المقام عندنا لم نأل في إكرامك وبرك فوالله لا قبلت قول أحد بعدها أبداً ) ([242]) 

ما أعظمها من لهجة وما أعزها من نفس ، وما أصدقها من كلمة ، لكن الطغاة لا يرعوون إلا في آخر المطاف ولربما لا يرجعون إلى الحق أبداً وتكون الكارثة ، إن أعوان الظلمة يكذبون ويلفقون التهم ويشون ويدسون على من ؟ على أولياء الله على الصادقين على الأتقياء فيصدق الحاكم الظالم لأنه استعان بالظالمين على ظلمه وعلى جبروته وعلى تثبيت حكمة فكانت المصيبة .

وكان الظن السيئ وكان التعذيب للمؤمنين والسجن والتضييق ، ولكن المسلم الداعية العالم ليس أمامه إلا العزة والكرامة والشجاعة والالتجاء إلى الله ونعم بالله. 

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

  فهذه الحلقة الثامنة عشرة في موضوع العزة في الإسلام وستكون بعنوان: المبحث الرابع : صور من تمثل صفة العزة في حياة سلف هذه الأمة :  

7- طاوس اليماني العالم الجليل :   

قدم هشام بن عبد الملك بن مروان حاجاً إلى مكة فلما دخلها ، قال : ائتوني برجل من الصحابة ، فقيل يا أمير المؤمنين ، قد تفانوا ، فقال : من التابعين .

فأتى بطاوس اليماني – العالم الجليل رحمه الله – فلما دخل عليه ، خلع نعليه بحاشية بساطة ولم يسلم عليه بآمرة المؤمنين ولكن قال : السلام عليك يا هشام ، ولم يكنه ،وجلس بازائه ،وقال : كيف أنت يا هشام ، فغضب هشام غضباً شديداً ، حتى هم بقتله فقيل له ، أنت في حرم الله وحرم رسوله ،ولا يمكن ذلك .

فقال : يا طاوس ما الذي حملك على ما صنعت ؟ قال :ومالذي صنعت ؟ فازداد غضباً وغيظاً . قال هشام : خلعت نعليك بحاشية بساطى ، ولم تقبل يدي ،ولم تسلم على بامرة المؤمنين ، ولم تكننى ، وجلست بازائي بغير إذني ، وقلت كيف أنت يا هشام .

فقال : طاوس : أما ما فعلت من خلع نعلي بحاشية بساطك ، فإني أخلعها بين يدي رب العزة كل يوم خمس مرات ولا يعاقبني ، ولا يغضب علىّ ، وأما قولك لم تقبل يدي ، فإني سمعت أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه يقول : لا يحل الرجل أن يقبل يد أحد إلا امرأته من شهوة ، أو ولده من رحمة ،وأما قولك : لم تسلم بأمرة المؤمنين ، فليس كل الناس راضين بأمرتك ، فكرهت أن أكذب ، وأما قولك : لم تكنني فإن الله سمى أنبيائه وأوليائه فقال : يا داود ، يا يحى ، يا عيسى ، وكنى أعداءه فقال : تبت يد أبي لهب وأما قولك : جلست بإزائي ، فإني سمعت أمير المؤمنين علياً رضي الله عنه يقول : إذا أردت أن تنظر إلى رجل من أهل النار فأنظر إلى رجل جالس وحوله قوم قيام .

فقال هشام : عظني ، قال : سمعت من أمير المؤمنين على رضي الله عنه يقول إن في جهنم حيات كالقلال ، وعقارب كالبغال تلدغ كل أمير لا يعدل في رعيته ، ثم قام وخرج ...([243]) . 

الله أكبر إنها العزة والكرامة والشجاعة والجرأة والقوة واليقين ، والصفات الحميدة التي استقاها طاوس وغيره من العلماء من صفات الله الرحمن الرحيم العزيز .. حتى أصبح لا تأخذه في الله لومه لائم ، وحتى قالها مدوية أن الظلم ظلمات يوم القيامة وأن الحاكم الذي لا يعدل في رعيته ستلسعه الحيات والعقارب في جهنم ، وهو أصلاً لا يدخل على الحكام لكن ما داموا استدعوه فليخالف فعل المنافقين جميعاً ليكسر الأعراف التي يسير عليها الجبابرة والطغاة ليرمي بها عرض الحائط ، ليقول كلمة الحق ويصدع بها مدوية حتى تقوم الحجة ويتبين الحق ، إنها العزة الإسلامية : التي يزرعها هذا الدين في نفوس أتباعه .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

  فهذه الحلقة التاسعة عشرة في موضوع العزة في الإسلام وستكون بعنوان: المبحث الرابع : صور من تمثل صفة العزة في حياة سلف هذه الأمة :  

8- ابن طاوس أحد علماء عصره :

روي أن أبا جعفر المنصور استدعى ابن طاوس أحد  علماء عصره ، ومعه مالك بن أنس رحمهما الله تعالى فلما دخلا عليه أطرق ساعة ثم التفت إليه وقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : " إن اشد الناس عذاباً يوم القيامة رجل أشركه الله في حكمه فأدخل عليه الجور في عدله " فأمسك ساعة ، قال مالك : فضممت ثيابي مخافة أن يملأني من دمه ، ثم التفت إليه أبو جعفر فقال : عظنى يا ابن طاوس : قال نعم يا أمير المؤمنين: إن الله تعالى يقول :

" ] ألم تر كيف فعل ربك بعاد ارم ذات العماد ، التي لم يخلق مثلها في البلاد وثمود الذين جابوا الصخر بالواد وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد ، فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربهم سوط عذاب إن ربك لبالمرصاد[  "(1)

 قال مالك : فضممت ثيابي مخافة أن يملأني من دمه ، فأمسك عنه ثم قال : ناولني الدواة فأمسك ساعة ، حتى أسود بيننا وبينه ثم قال : يا ابن طاوس ناولني هذه الدواة ، فامسك عنه ، فقال : ما يمنعك أن تناولنيها ؟ فقال : أخشى أن تكتب بها معصية فأكون شريكك فيها .

فلما سمع ذلك قال : قوما عنى ، قال ابن طاوس ذلك ما كنا نبغى منذ اليوم ، قال مالك : فمازلت أعرف لأبن طاوس فضله ، مع شدة هذه الموعظة ورد طلب المنصور بهذا الأسلوب العنيف([244]

إنها العزة التي جعلته يقف هذا الموقف الصلب الذي له دلالته وصدق

9- أحمد بن تيمية شيخ الإسلام :

كان جبلاً في العلم ، إماماً في الفقه ، فقه الكتاب والسنة ، مجاهداً بقلمه ولسانه وسنانة في حرب التتار ، حسده حاسدوه ،وزعموا أنه فرق فريقهم ،وخالف طريقهم فوشوا به عند السلاطين فكانت محنه تترى ، وأول هذه المحن أصابته عندما أجاب بالرسالة الحموية ، فحاولوا محاكمته لكن امتنع لأن من يحكم فيه خصمه فأمروا بحبسه في شهر رمضان سنة 705 هـ ، ومكث فيه سنة ثم نوقش وأخرج من السجن وبدأ دروس وبيان العقيدة السليمة .

لكن تعرض لابن عربي بالنقد فناظره اتباع ابن عربي ، لكنهم لم يرتاحوا من الشيخ فشكوا الأمر إلى الدولة فخيرته الدولة بين السفر إلى الشام أو إلى الإسكندرية بشرط عدم إثارة أي نقاش أو السجن فاختار السجن وهذا كان سنة 707هـ ، مكث فيه سنة ونصف السنة ، لكنه كان مسموحاً للعلماء والطلاب بالدخول إليه ، ثم عندما خرج درّس دروسه ، وبعد أن تولى المظفر بيبرس نفاه إلى الإسكندرية ، ثم عندما عاد السلطان الناصر أعاده إلى القاهرة معززاً مكرماً وطلب منه أن يحكم فيمن خالفوه فقال الشيخ في عزة وقوة : من آذاني فهو في حل ، ومن آذى الله ورسوله فالله ينتقم منه وأنا لا أنتصر لنفسي "" وعندما أراد السلطان قتل مخالفيه استشاره فشفع فيهم وهم خصوم فقال قولته المشهورة :

 "" إذا قتلت هؤلاء لا تجد بعدهم مثلهم "" .

ثم عاد إلى دمشق مجاهداً داعياً منكراً للمنكر آمراً للمعروف وعمره تجاوز الخمسين ،وبدأ أولاً بنشر العلم وتصنيف الكتب وإفتاء الناس ، والاجتهاد في الأحكام ، وكان أن أفتي بعدم وقوع الطلاق لمن حلف بالطلاق ، فحاول قاضي القضاة أن يعود الشيخ عن فتواه هذه فلم يعد ، فأمر نائب السلطنة في دمشق بسجنه في القلعة لمدة خمسة أشهر وثمانية عشر يوماً فلما يئس الجميع من رجوعه أمر السلطان الناصر بإطلاقه في 10 محرم عام 721 هـ .

ثم أثار عليه مخالفوه مسألة أخرى وهي "" مسألة شد الرحال إلى قبور الأنبياء والصالحين " فأمر السلطان في شعبان سنة 726 هـ بحبسه في القلعة بعد أن كبرت القضية ،وفي هذه الفترة اشتغل بالعبادة والتأليف والرد على المخالفين حتى منعوه الكتابة والمطالعة ، وأخرجوا ما عنده من الكتب والأقلام والدواة ، وكانت أعظم النقم عليه كما قال ،وكتب بالفحم في السجاد وقضى خمسة أشهر في سجنه بين التلاوة

والعبادة والذكر حتى وافاه أجله .

أما مواقفه التي تمثل العزة فيها أعلى صورها فهي كثيرة لكننا نذكر باختصار بعضها فمنها :

أن رجلا شكا إليه ظلم "" فطلوبك الكبير " وكان متجبراً ، فدخل شيخ الإسلام وتكلم معه في ذلك ، فقال فطلوبك ،: أنا كنت أريد أن أجيئ إليك لأنك عالم زاهد قال ذلك مستهزئاً فأجابه : لا تعمل علىّ " دركوان " ولعلها تعنى لا تستهزئ فقد كان موسى خيراً منى وفرعون كان شراً منك ،وكان موسى يجئ إلى باب فرعون كل يوم ثلاث مرات ويعرض عليه الإيمان .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

  فهذه الحلقة العشرون في موضوع العزة في الإسلام وستكون بعنوان: المبحث الرابع : صور من تمثل صفة العزة في حياة سلف هذه الأمة :  

      ومن مواقف شيخ الإسلام الشجاعة  التي قد امتلأت عزةً وقوةً وأباءً وشمماً أن ذهب على رأس جماعة من أهل دمشق إلى مقابلة "" غازان " التتري عندما غزا حلب وهزم جيش الناصر ، فقابله في "النبك " ودارت بينه وبينه مناقشة عنيفة بل كان محاسباً لغازان على نكثه العهد ومما قال له شيخ الإسلام : " أنت تزعم أنك مسلم ومعك قاضي وإمام وشيخ ومؤذنون – على ما بغلنا – فغزوتنا وبلغت بلادنا على ماذا ؟وأبوك وجدك كانا كافرين وما غزوا بلاد الإسلام بعد أن عاهدونا ،وأنت عاهدت فغدرت ، وقلت فما وفيت .

ثم قرّب "غازان " طعاماً فأكل الوفد إلا شيخ الإسلام فقيل له ألا تأكل ؟ فقال : كيف أكل من طعامكم وكله مما نهبتم من أغنام الناس وطبختموه مما قطعتم من أشجار الناس ؟ وغازان مصغ لما يقول شاخص إليه لا يعرض عنه ،وأن غازان من شدة ما أوقع في قلبه من الهيبة والمحبة سأل من هذا الشيخ ؟ إني لم أر مثله ، ولا أثبت قلبا منه ، فأخبر بحاله ، وما هو عليه من العلم والعمل ثم طلب منه غازان الدعاء فقام الشيخ يدعو فقال : اللهم أن كان عبدك هذا إنما يقاتل لتكون كلمتك العليا وليكون الدين كله لك فانصره وأيده ،وملكه البلاد والعباد ، وإن كان قد قام رياءً وسمعةً وطلباً للدنيا ولتكون كلمته هي العليا وليذل الإسلام وأهله ، فخذه وزلزله ودمره واقطع دابره "" وغازان يؤمن على دعائه ، ويرفع يديه ، قال الراوي ، فجعلنا نجمع ثيابنا خوفا من أن تتلوث بدم ابن تيميه إذا أمر بقتله ، فلما خرجنا من عنده قال قاضي القضاة " نجم الدين" وغيره : كدت أن تهلكنا وتهلك نفسك ، والله لا نصحبك من هنا ، فقال : وإني والله لا أصحبكم، قال الراوى : فانطلقوا عصبة هو في خاصة نفسه ومعه جماعة من أصحابه ، فتسامعت به الخواتين والأمراء أصحاب غازان فأتوه يتبركون بدعائه وهو سائر إلى دمشق ووالله ما وصل دمشق إلا في نحو ثلاثمائة فارس في ركابه وكنت – أي الراوي _ أنا من جملة من كان معه ، وأما أولئك الذين أبوا أن يصحبوه فخرج عليهم جماعة من التتار – فشلحوهم – أي سلبوهم ثيابهم وما معهم " ([245])، هذه العزة ، هذه الشجاعة ، هذه القوة ، هذه الكرامة ، هذا الإباء ما أعظمك يا شيخ الإسلام – رحمك الله رحمة واسعة .

وفي سنة 702 هـ ،وفي الثاني من رمضان وقعت وقعة عظيمة بين المسلمين والتتار في " شقحب " كان ابن تيميه فارسها ،وكان يقسم ابن تيميه وهو يدور على الأجناد والأمراء ويقول : والله الذي لا إله إلا هو أنكم منصورون عليهم هذه المرة فيقول له الأمراء : قل إن شاء الله ، فيقول إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً ، وجرت في هذه الوقعة خطوب عظيمة لكن النصر نزله الله على المسلمين واستظهروا على التتر ، فلما جاء الليل لجأ التتر إلى اقتحام التلول والجبال والأكام ، فاحاط بهم المسلمون يحرسونهم من الحرب ويرمونهم عن قوس واحدة إلى وقت الفجر فقتل منهم مالاً يعلمه إلا الله ، وجعلوا ، يجيئون بهم من الجبال فتضرب أعناقهم ثم كانوا يتساقطون في الأودية ،والمهالك ، غرق منهم جماعة في الفرات بسبب الظلام .

وفي يوم الاثنين رابع رمضان دخل ابن تيمية في دمشق ففرح به الناس ودعوا له وهنئوه بما يسر الله على يديه من الخير ، وذهب اليأس ،وطابت قلوب الناس ([246]) .

وبهذا تتضح قوة هذا العالم الرباني ورباطة جأشه وعزته وثباته .

وروي أن الشيخ رضي الله عنه حين وشى به إلى السلطان الملك الناصر أحضره بين يديه فكان من جملة كلامه: أنني أخبرت أنك قد أطاعك الناس وأن في نفسك أخذ الملك فلم يكترث به ، بل قال له بنفس مطمئنة وقلب ثابت ، وصوت عال سمعه كثير ممن حضر : " أنا أفعل ذلك ؟ ! والله إن ملكك وملك الغل لا يساوي عندي فلسين " فتبسم السلطان لذلك ،وأجبه في مقابلته بما أوقع الله له في قلبه من الهيبة العظيمة وقال : إنك والله لصادق ... ([247]) .

وفي هذا الموقف وغيره تتبين لنا عزة هذا الرجل وكرامته ، وشجاعته ، وعفته وثباته رحمه الله رحمة واسعة .

 إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

  فهذه الحلقة الواحدة والعشرون في موضوع العزة في الإسلام وستكون بعنوان: المبحث الرابع : صور من تمثل صفة العزة في حياة سلف هذه الأمة :  

 10-  عبد القادر الكيلاني :

  وقف على منبره محاسباً المقتفي لأمر الله ومنكراً عليه تولية يحيى بن سعيد المشهور بابن المزاحم الظالم ، القضاء .

 

فقال :" وليت على المسلمين أظلم الظالمين ، فما جوابك غدا عند رب العالمين ، أرحم الراحمين ، فارتعد الخليفة وعزل المذكور لوقته "" ([248]) .

جرأة في الحق وعزة في النفس ،وصراحة متناهية ،وشجاعة طلقة ، أمر بالمعروفة ونهي عن المنكر ، وأمر برفع الظلم عن العباد بعزل من يأكل الدنيا بالدين ويظلم عباد رب العالمين ، ولذلك كحال الولاة يستجيبون لهم ويمتثلون أوامرهم ويطبقون شرع الله فيهم ، أما إذا ذل العالم وخاف وارتجف فإن الظلم يقع والجور يستشري ولا حول ولا قوة إلا بالله .

11- الإمام أبو حنيفة " النعمان "

كان غير راضي عن سياسة أبي جعفر المنصور ، وكان جرئ في فتاواه ، صريح في أجوبته ، شديد في محاسبته لأبي جعفر ، كثير النقد لأحكام قضاته ، وتصرفات ولاته متمثلة في رجولة العالم ،وشجاعة وعزة المؤمن ، وصلابة الفقيه المتمسك بأحكام الشرع قوى في الحق .

كان المنصور يحاول التقرب من الإمام ، لكن الإمام كان يبتعد عنه .. لكن المنصور على عادة الحكام قديما وحديثاً يتلمسون الأعذار الواهية والحجج التافهة لإدانة العلماء والدعاة ومن وهبهم الله عزة في النفس وجرأة في الحق .

روى أن ابن أبي ليلى القاضي ، نظر في أمر امرأة  مجنونة قالت لرجل : يا ابن الزانيين ، فأقام عليها الحد في المسجد قائمة وحدها بحدين حدا لقذف أبيه ،وحد لقذف أمه ، فبلغ ذلك أبا حنيفة فقال : " أخطأ فيها في ستة مواضيع

(1) أقام عليها الحد في المسجد ،ولا تقام الحدود في المساجد .

(2) وضربها قائمة ، النساء يضربن قعوداً .

(3) وضرب لأبيه حداً ولأمه حدا ولو أن رجلا قذف جماعة كان عليه حد واحد ، .

(4) وجمع بين حدين ولا يجمع بين حدين حتى يخف أحدهما .

(5) والمجنونة ليس عليها حد .

(6) وحد لأبوية وهما غائبان ولم يحضرا أو يدعيا ، فبلغ ذلك ابن أبي ليلى فدخل على الأمير فشكاه إليه ، وحجر على أبي حنيفة ، وقال لا يفتى فلم يفت أياماً "" ([249]) .

وأرسل المنصور إليه بجائزة عشرة آلاف درهم وجارية فلم يقبلها أبو حنيفة عزة وتقنعا وكرامة وتعففا وصونا لكرامته الغالية وقال : عندما سئل عن سبب ردها : ما وصلني أمير المؤمنين في ماله بشيء فرددته ولو وصلني بذلك لقبلته ، إنما أوصلني أمير المؤمنين من بيت مال المسلمين ولا حق لي في بيت مالهم ، إنني لست ممن يقاتل من ورائهم فآخذ ما يأخذه المقاتل ،ولست ولد أنهم فآخذ ما يأخذ الولد ، ولست من فقرائهم فآخذ ما يأخذه الفقراء ([250]) .

ثم ولاه القضاء وهو يعلم أنه لن يقبل لكنها مكيدة ليأخذ بها وحتى تكون مبررا لا نزال المحنة به ، فاستدعاه المنصور وعرض عليه هذا العرض فأبى وقال : " إن هذا دعاني للقضاء فأعلمته أني لا أصلح ، وإني لأعلم أن البينة على المدعى واليمين على من أنكر ، ولكنه لا يصلح للقضاء إلا رجل يكون له نفس يحكم بها عليك  ، وعلى ولدك وقوادك ،وليست تلك النفس لي،إنك لتدعوني فما ترجع نفسي حتى أفارقك ([251]) . وفي رواية أخرى أن أبا حنيفة قال : "" اتق الله ولا تدع أمانتك إلا فيمن يخاف الله ،والله ما أنا بمأمون الرضا ، فكيف أكون مأمون الغضب ، ؟ ولو اتجه الحكم عليك ثم هددتني أن تغرقني في الفرات أو ألغي الحكم لاخترت أن أغرق ، لك حاشية يحتاجون إلى من يكرمهم لك فلا أصلح لذلك ، فقال المنصور : كذبت أنك تصلح ، فقال : قد حكمت على نفسك،كيف يحل لك أن تولى قاضياً على أمانتك كذاباً"

روى عن داود بن راشد الواسطي أنه قال : كنت حين عذب الإمام ليتولى القضاء كان يخرج كل مرة فيضرب عشرة أسواط حتى ضرب عشرة ومائة سوط .

وروى أن المنصور حبس أبا حنيفة على أن يتولى القضاء ، ويصير قاضي القضاة فأبى ثم أخرج من السجن ومنع من الفتوى والتدريس والخروج من المنزل حتى توفى .

الله أكبر منعا من التدريس والإفتاء ،وإقامة جبرية في الدار ، وضربا بالسياط وحبسا في السجن ثم قتلا بالسم – إن صحت الرواية – كل ذلك لأنه لم يساير الحكام الظلمة والطغاة المتجبرين ، وتعففا وقناعة رحمة الله على أبي حنيفة .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

  فهذه الحلقة الثانية والعشرون في موضوع العزة في الإسلام وستكون بعنوان: المبحث الرابع : صور من تمثل صفة العزة في حياة سلف هذه الأمة :    

12- الإمام محمد بن إدريس الشافعي :

   إن بطانة السوء الذين فقدوا التقوى ، تجعل من البرئ مجرماً ومن الحب والولاء خيانة ، عمل الشافعي بمدينة نجران قاضياً وناشراً للعدل ، اشتهر بالصلاة وذاع وشاع ذكره الطيب في مكة وأطراف نجران ، لكنه لم يصانع الولاة بل أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فضاق صدر الوالي وقرر الأساءة للإمام الشافعي فاتهمه أنه مع التسعة العلويين الذين كانوا يميلون إلى العلويين حبا لآل البيت والذين نفذ فيهم الرشيد حكم الإعدام إلا الشافعي وهو عاشرهم فقد نجا من الإعدام بتعلقه بالله وثقته به من جانب ومن جانب آخر شفع له قاضي القضاة محمد بن الحسن عندما حضر محاكمته ، فأمر الرشيد أن يأخذه محمد بن الحسن عنده حتى ينظر في أمره ([252]) .

وهذه محنة عظيمة سببها العزة والكرامة والإباء والقوة في الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقولة الحق والتصدي للباطل ، يقبض عليه في مدينة نجران ويصفد ويساق إلى بغداد للمحاكمة ثم يقتل رفاقه كلهم التسعة إنها محنة ليست هينة ، لكن المحن صقل للنفوس ورفعة في المنزلة وزيادة في الأجر وإذا قتل صاحب المحنة فشهادة عند رب الأرباب .

13- أبو حازم الأعرج التابعي الجليل .  

   حين قدم سليمان بن عبد الملك المدينة وهو يريد مكة ، أرسل إلى عالمها الجليل أبى حازم فلما دخل عليه قال له سليمان : يا أبا حازم مالنا نكره الموت ؟

فقال : لأنكم خربتم أخرتكم وعمرتم دنياكم فكرهتم أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب ، فقال سليمان : يا أبا حازم ، كيف القدوم على الله ؟ قال :يا أمير المؤمنين أما المحسن فكالغائب يقدم على أهله ، وأما المسيء فكالآبق يقدم على مولاة ، فبكي سليمان وقال : ليت شعري مالي عند الله ؟

قال أبو حازم : أعرض نفسك على كتاب الله تعالى ، حيث قال :

 { أن الأبرار لفي نعيم وأن الفجار لفي جحيم } قال سليمان : فأين رحمة الله ؟ قال : قريبا من المحسنين . قال : يا أبا حازم ، أي عباد الله أكرم ؟ فقال : أهل البر والتقوى ، قال : فأي الأعمال أفضل ؟ فقال : أداء الفرائض مع اجتناب المحارم ، قال : أي الكلام أسمع ؟ فقال : قول الحق عند من تخاف وترجوه قال : فأي المؤمنين أخسر ؟ فقال  رجل خطأ في هوى أخيه وهو ظالم فباع أخرته بدنيا غيره ، قال سليمان : ما تقول فيما نحن فيه ؟ فقال أو تعفيني ؟ قال : لابد فإنها نصيحة تلقيها إلى . فقال إن آباءك قهروا الناس بالسيف ، وآخذوا هذا الملك عنوة من غير مشورة من المسلمين ولا رضا منهم ، حتى قتلوا منهم مقتلة عظيمة وقد ارتحلوا ، فلو شعرت بما قالوا وما قيل لهم ، فقال رجل من جلسائه بئسما قلت ، قال أبو حازم : إن الله قد أخذ الميثاق على العلماء ليبيننه للناس ولا يكتمونه ([253]) .

أنها العزة والجرأة والقوة في إقامة الدين رحمه الله .

14- سفيان الثوري الإمام الجليل :

كان عالماً زاهداً عابداً بكاءً ، وكان يرى في المال والعمل بعداً عن السلاطين والولاة والحاجة إليهم ،وحفظا للعزة والكرامة التي يجب أن يتحلى بها العلماء ..روى ابو نعيم أنه قال :

" إن عامة من داخل هؤلاء – يعنى السلاطين – إنما دفعهم إلى ذلك العيال والحاجة "" .

وجاء إليه رجل وقال له : يا أبا عبد الله تمسك هذه الدنانير ؟ فقال : امسكت ، لولا هذه الدنانير لتمندل بنا هؤلاء الملوك ([254]) .

وكان من زهده أنه زهد في المناصب العالية في الدولة وكان يقول في ذلك : "" ما رأينا الزهد في شيء اقل منه في الرياسة ، ترى  الرجل يزهد في المال والثياب والمطعم ، فإذا نوزع في الرياسة حامي عليها وعادي .. "([255]) .

وكان سفيان الثوري يبتعد عن الولاة ، ويحذر منهم لما يراه من ظلمهم وسكوت الناس عنهم ، وكان يرى أن النظر في وجه الظالم معصية ، والدعاء له خطيئة أخرى قال الثوري : " من لاق لهم دواة ، أو برى لهم قلما فهو شريكهم في كل دم كان في المشرق والمغرب "" .

وكان يقول :" إذا رأيت القارئ يلوذ بباب السلطان فأعلم أنه لص .. "

وكان يقول : " إذا دعوك لتقرأ عليهم : قل هو الله أحد ، فلا تأتهم ""

ويقول : " لو خيرت بين ذهاب بصري وبين أن أملأ بصري لأخترت ذهاب بصري "" ولقد عرف الولاة ذلك منه ، قال أبو عبيد الله – وزير المهدي - : ما علقنا مخالينا هذه في عنق أحد إلا قضم منها إلا سفيان الثوري .

وقيل لسفيان مرة : لو دخلت عليهم ، قال إني أخشى أن يسألني الله عن مقامي ما قلت فيه ؟

قيل : تقول وتتحفظ ؟ قال : تأمرونني أن أسبح في البحر ولا تبتل ييابي ،وكان يقول : ليس أخاف ضربهم ، ولكنني أخاف أن يميلوا على بدنياهم ، ثم لا أرى سيئتهم سيئة .

وقد كانت له مواقف شهيرة في أمر الولاة بالمعروف ونهيهم عن المنكر ، من ذلك ما رواه الإمام أحمد وغيره عن الزياتي أنه قال : سمعت سفيان يقول : دخلت على أبي جعفر المنصور بمنى فقلت له : أتق الله ، فإنما أنزلت هذه المنزلة ، وصرت إلى هذا الموضع بسيوف المهاجرين والأنصار، وابناؤهم يموتون جوعاً".

وهذا دليل أنه كان يدخل على السلاطين لكن آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر وصادعاً بالحق وداحضاً للباطل

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

  فهذه الحلقة الثالثة والعشرون في موضوع العزة في الإسلام وستكون بعنوان: المبحث الرابع : صور من تمثل صفة العزة في حياة سلف هذه الأمة :   

ثم قال سفيان للمنصور "" . حج عمر بن الخطاب فما أنفق إلا خمسة عشر ديناراً وكان ينزل تحت الشجرة .. قال : فقال لي : إنما تريد أن أكون مثلك ؟ فقلت لا تكن مثلي ،ولكن كن دون ما أنت فيه ، وفوق ما أنا فيه قال : فقال لي : أخرج ، فخرج الثوري من عنده " . 

ولما رجع الثوري إلى الكوفة ، جعل يأخذ على أبي جعفر ما يفعل بالمسلمين من الجور والجبر والقهر،فصبر عليه  سفيان إلى الكوفة هارباً وذلك سنة 155هـ. 

ولما تيقن أبو جعفر أن الثوري لا يعدل عن نهجه في نقد الحكومة ،

 ولا يبالي بمؤاخذتها ، أراد أن يحبسه وينتقم منه انتقاماً تاماً ، فكتب إلى محمد بن إبراهيم – عامله على مكة – بحبس رجل من أبي طالب بمكة وبحبس ابن جريج ، وعبادة بن كثير – والثوري – فحبسهم ،ثم أطلقهم من الحبس بغير إذن أبي جعفر ، فغضب عليه أبو جعفر "([256]) .

وقال عبد الرازق : قد منا مكة ، وقدمها المهدي ، فحضرت الثورى وقد خرج من عنده– وهو مغضب – فقال :

" دخلت آنفا على ابن أبي جعفر – يعنى المهدي – فقال لي : يا أبا عبد الله طلبناك فأعجزتنا ، فأمكننا الله منك في أحب المواضع إليه ، فأرفع إلينا حوائجك قال : فقلت : وأي حاجة تكون لي إليك ؟ ! وأولاد المهاجرين وأولاد الأنصار يموتون خلف بابك جوعاً .

فقال لي أبو عبيد الله – وزير المهدي – يا أبا عبد الله لا تكثر الفضول ،وأطلب حوائجك من أمير المؤمنين ، فقلت : مالي إليه من حاجة لقد أخبرني إسماعيل بن أبي خالد ، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حج ... فقال لي وزير المهدي : أراك تكثر . الفضول ، إن كانت لك حاجة فاطلبها وإلا فأنصرف ،قال : فانصرفت .

ودخل مرة على أبي جعفر فقال له : ما حاجتك ؟

قال : " حاجتي أن لا تدعوني حتى آتيك ""

وقال له وزير المهدي مرة : شططت : تكلم أمير المؤمنين بمثل هذا ؟

فقال سفيان : اسكت ، ما أهلك فرعون إلا هامان .

فلما ولى سفيان قال أبو عبيد الله : يا أمير المؤمنين : أئذن لي أضرب

 عنقه ، فقال له : اسكت ، ما بقى على وجه الأرض من يستحيا منه غير هذا .."([257]) .

    هؤلاء الزهاد العلماء الأعزاء والكرماء ، والشجعان والقنوعين والمتعففين .. وهؤلاء الحكام الذين يعرفون مدى خطر هؤلاء العلماء على أنفسهم الظالمة وعلى ملكهم العضوض وعلى تسلطهم القاهر ، وعلى أموالهم التي أخذوها ظلما وعدوانا.  

وهؤلاء حاشية الظلمة المتزلفين إليهم بالفتك بالصالحين والعلماء وأئمة الدين .

أدخل على أبي جعفر المنصور مرة : سفيان الثوري وسأله أن يرفع إليه حاجته ، فأجابه اتق الله ملأت الأرض ظلماً وجوراً ، فطأطأ المنصور رأسه ، ثم عاد عليه السؤال فأجاب : إنما أنزلت هذه المنزلة بسيوف المهجرين والأنصار ،وأبناؤهم يموتون جوعاً ، فاتق الله ، وأوصل إليهم حقوقهم ، فطأطأ المنصور شاكراً ثم كرر السؤال ، ولكن سفيان تركه وانصرف ""([258]) .

ولما ولى الرشيد الخلافة ، زاره بعض العلماء مهنئين ، بما صار إليه من أمر الخلافة إلا أن سفيان الثوري كبير العلماء لم يزره ، وكان هارون مؤاخيا له من قبل ذلك ،ويجالسه ويستمع إليه ، فاشتاق هارون إلى زيارة سفيان ، ليخلو به ويحدثه ، ولكن سفيان أعرض عن ذلك ، فاشتد ذلك على هارون  

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

  فهذه الحلقة الرابعة والعشرون في موضوع العزة في الإسلام وستكون بعنوان: المبحث الرابع : صور من تمثل صفة العزة في حياة سلف هذه الأمة :  كتاب هارون الرشيد لسفيان الثوري 

فكتب إليه كتابا يقول فيه ]  بسم الله الرحمن الرحيم  من عبد الله هارون الرشيد أمير المؤمنين إلى أخيه سفيان بن سعيد بن المنذر الثوري [ .

أما بعد ، يا أخي ، يا أخي قد علمت أن الله تبارك وتعالى ، آخى بين لمؤمنين ، وجعل ذلك فيه وله ، أعلم أني قد آخيتك مؤاخاة لم أحرم بها حبك ولم أقطع بها ودك وأني منطو لك على أفضل المحبة والإرادة ، ولولا هذه القلادة التي قلدنيها الله لأتيتك ولو حبوا لما أجد لك في قلبي من المحبة ، ,أعلم يا أبا عبد الله أنه ما بقى من إخواني وإخوانك أحد إلا وقد زارني وهنأني بما صرت له ،وقد فتحت بيوت الأموال وأعطيتهم من الجوائز السنية ما فرحت به نفسي ، وقرت به عيني ،وقد استبطأتك فلم تأتني وقد كتبت إليك كتابا شوقاً منى إليك شديداً ،وقد علمت يا أبا عبد الله ما جاء من فضل المؤمن وزيارته ومواصلته فإذا ورد عليك كتابي فالعجل العجل ، فلما كتب الكتاب التفت إلى من عنده ، فإذا كلهم يعرفون سفيان الثوري

 وخشونته ، فقال : على برجل من الباب ، فأدخل عليه رجل يقال له عباد الطالقاني ،فقال :يا عباد خذ كتابي هذا فانطلق به إلى الكوفة ، فإذا دخلتها فسل عن قبيلة بني ثور ، ثم سل عن سفيان الثوري ، فإذا رأيته فألقى كتابي هذا إليه ،وع بسمعك جميع ما يقول ،فأحص عليه دقيق أمره وجليلة لتخبرني به ، فأخذ عباد الكتاب وانطلق به حتى ورد الكوفة فسأل عن القبيلة فأرشد إليها ثم سأل عن سفيان ، فقيل له ، هو في المسجد ،قال عباد : فأقبلت إلى المسجد فلما رآني قام قائماً وقال : أعوذ بالله السميع لعليم من الشيطان الرجيم، وأعوذ بك اللهم من طارق يطرق إلا بخير ، قال عباد : فوقعت الكلمة في قلبي فخرجت ، فلما رآني نزلت بباب المسجد قام يصلي ، ولم يكن وقت صلاة ، فربطت دابتي بباب المسجد ودخلت ، فإذا جلساؤه قد نكسوا رؤوسهم ، كأنهم لصوص قد ورد عليهم السلطان فهم خائفون من عقوبته ، فسلمت فما رفع أحد إلى رأسه ،ورد وا السلام على ، فبقيت واقفا فما منهم أحد يعرض على الجلوس ، وقد علانى من هيبتهم الرعدة ومددت عيني إليهم فقلت إن المصلي هو سفيان فرميت بالكتاب إليه ، فلما رأى الكتاب أرتعد وتباعد منه ، كأنه حية عرضت له في محرابه فرجع وسجد وسلم وأدخل يده في كمه ولفها بعباءته وأخذه فقلبه بيده ، ثم رماه إلى من كان خلفه ، وقال : يأخذه بعضكم يقرؤه ،فأني استغفر الله أن أمس شيئاً مسه ظالم بيده، قال عباد فأخذه بعضهم فحله كأنه خائف من فم حية تنهشه ثم فضه وقرأه وأقبل سفيان يبتسم تبسم المتعجب ، فلما فرغ من قراءته ،قال : اقلبوه واكتبوا إلى الظالم في ظهر كتابه ، فقيل له يا أبا عبد الله إنه خليفة ، فلو كتبت إليه في قرطاس نقي فقال : اكتبوا إلى الظالم في ظهر كتابه ، فإن كان اكتسبه من حلال فسوف يجزى به ، وأن كان اكتسبه من حرام فسوف يصلى به ، ولا يبقى شيء مسه ظالم عندنا فيفسد علينا ديننا ، فقيل له ما نكتب ؟

قال : اكتبوا بسم الله الرحمن الرحيم من العبد المذنب ، سفيان بن سعيد المنذر الثوري إلى العبد المغرور بالآمال ، هارون الرشيد الذي سلب حلاوة الإيمان

 أما بعد ، فإني قد كتبت إليك أعرفك إني قد حرمت حبلك وقطعت ودك وقليت موضعك ، فأنك قد جعلتني شاهدا عليك بإقرارك على نفسك في كتابك ، بما هجمت به على بيت مال المسلمين ، فأنفقته في غير حقه ، وأنفذته في غير حكمة ،ثم لم ترض بما فعلته وأنت ناء عني حتى كتبت إلى تشهدني على نفسك ، أما أني قد شهدت عليك أنا وأخواني الذين شهدوا قراءة كتابك ، وسنؤدي الشهادة عليك غداً بين يدي الله تعالى .

يا هارون هجمت على بيت مال المسلمين بغير رضاهم ، هل رضى بفعلك المؤلفة قلوبهم ، والعاملون عليها في أرض الله تعالى ،والمجاهدون في سبيل الله وابن السبيل أم رضى بذلك حملة القرآن وأهل العلم والأرامل والأيتام ، أم رضى بذلك خلق من رعيتك ،فشد يا هارون مئزرك وأعد للمسألة جوابا ، وللبلاء جلبابا ، وأعلم أنك ستقف بين يدي الحكم العدل . فقد رزئت في نفسك إذ سلبت حلاوة العلم والزهد ولذيذ القرآن ومجالسة الأخبار ، ورضيت لنفسك أن تكون ظالماً وللظالمين إماما إلى أن يقول وأعلم يا هارون أني قد نصحتك وما أبقيت في النصح غاية ، فاتق الله يا هارون في رعيتك أحفظ محمداً صلى الله عليه وسلم في أمته وأحسن الخلافة عليهم .

وأعلم أن هذا الأمر لو بقى لغيرك لم يصل إليك ،وهو صائر إلى غيرك ،وكذا الدنيا تنتقل بأهلها واحداً بعد واحد ، فمنهم من تزود زاداً نفعه ، ومنهم من خسر دنياه وأخرته ، وإني أحسبك يا هارون ممن خسر دنياه وأخرته ، فإياك إياك أن تكتب لي كتاباً بعد هذا فلا أجيبك عنه والسلام ([259]) . 

هذه العزة الإسلامية والقوة الإيمانية والموقف الشجاع ، والأمر بالمعروف والنهي عن لمنكر إن أثر العزة في الإسلام ظهر على حركات وسكنات علمائها الإجلاء في مواقفهم أمام الحكام الظلمة فأنعم بها من عزة وأنعم بها من كرامة وقوة ولا حول ولا قولة إلا بالله .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

  فهذه الحلقة الخامسة والعشرون في موضوع العزة في الإسلام وستكون بعنوان: المبحث الرابع : صور من تمثل صفة العزة في حياة سلف هذه الأمة :

15- الفضيل بن عياض :

قال الفضل بن الربيع – وزير هارون لرشيد - : كنت بمنزلي ذات يوم وقد خلعت ثيابي وتهيأت للنوم ، فإذا بقرع شديد على بابي فقلت في قلق من هذا ؟ قال الطارق : أجب أمير المؤمنين ، فخرجت مسرعاً أتعثر في خطوي إذا بالرشيد قائماً على بابي ، وفي وجهه تجهم حزين ، فقلت يا أمير المؤمنين : لو أرسلت إليّ اتيتك ؟ قال : ويحك قد حاك في نفسي شئ أطار النوم من أجفاني وازعج وجداني شئ لا يذهب به إلا عالم تقي من زهادك ، فانظر لي رجلاً أسأله .       

ثم يقول الربيع : حتى جئت به إلى الفضيل بن عياض ، فقال الرشيد : أمض بنا إليه ، فاتيناه ، وإذا هو قائم يصلي في غرفته وهو يقرأ قوله تعالى : " أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون "

فقال الرشيد : إن انتفعنا بشيء فبهذا ، فقرعت الباب ، فقال الفضيل : من هذا ؟ قلت : أجب أمير المؤمنين ، فقال : مالي ولأمير المؤمنين ؟ فقلت سبحان الله أما عليك طاعته ؟ فقال : أو ليس قد روى عن لنبي صلى الله عليه وسلم : " إنه ليس للمؤمن أن يذل نفسه .

فنزل ففتح الباب ، ثم ارتقى الغرفة فأطفأ السراج ، ثم التجأ إلى زاوية من زوايا الغرفة فجعلنا نجول عليه بأيدينا فسبقت كف الرشد كفى إليه ،فقال أواه من كف ما الينها إن نجت من عذاب الله تعالى .  

قال الربيع : فقلت في نفسي ليكلمنه الليلة بكلام نقي من قلب نقي .

فقال الرشيد : خذ فيما جئناك له يرحمك الله : قال الفضيل بن عياض وفيما جئت وقد حملت نفسك ذنوب الرعية ، التي سمتها هواناً وجميع من معك من بطانتك وولاتك تضاف ذنوبهم يوم الحساب ، فبك بغوا وبك جاروا وهم مع هذا أبغض الناس لك وأسرعهم فراراً منك يوم الحساب ، حتى لو سألتهم عند انكشاف الغطاء عنك وعنهم ، أن يحملوا عنك سقطاً -  جزءا – من ذنب ما فعلوه ، ولكان أشدهم حباً لك أشدهم هرباً منك . ثم قال: إن عمر بن عبد العزيز لما ولى الخلافة دعا سالم بن عبد الله ومحمد بن كعب ورجاء بن حيوة – وهم ثلاثة من العلماء الصالحين – فقال لهم : إني قد ابتليت بهذا البلاء فأشيروا علىّ ، فعدّ الخلافة بلاء وعددتها أنت وأصحابك نعمة .

فقال له سالم بن عبد الله : إن أردت النجاة غداً من عذاب الله فصم عن الدنيا وليكن إفطارك فيها الموت .

وقال له محمد بن كعب : إن أردت النجاة من عذاب الله فليكن كبير المسلمين عندك أباً ،وأوسطهم عندك أخاً ، وأصغرهم عندك ابناً ، فوقر أباك ، وأكرم أخاك ، وتحنن على ولدك .

وقال رجاء بن حيوة ، إن أردت النجاة غداً من عذاب الله فأحب للمسلمين ما تحب لنفسك وأكره لهم ما تكره لنفسك ثم مت إن شئت

وإني أقول لك : يا هارون إني أخاف عليك أشد الخوف يوماً تزل فيه الأقدام ، فبكى هارون .

قال ابن الربيع : فقلت أرفق بأمير المؤمنين ، فقال : تقتله أنت وأصحابك , وأرفق به أنا . ؟

ثم قال : يا حسن الوجه أنت الذي يسألك الله عز وجل عن هذا الخلق يوم القيامة ، فإن استطعت أن تقي هذا الوجه فأفعل ، وإياك أن تصبح أو تمسى وفي قلبك غش لأحد من رعيتك ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أصبح لهم غاشاً لم يرح رائحة الجنة فبكى الرشيد ثم قال : هل عليك دين ؟ فقال : نعم دين لربي لم يحاسبني عليه ، فالويل لي إن سألني والويل لي إن ناقشني ، والويل لي إن لم ألهم حجتي . قال الرشيد : إنما أعني دين العباد فقال : إن ربي لم يأمرني بهذا وقد قال عز وجل "" وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ، ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرازق ذو القوة المتين " " .

 

فقال الرشيد : هذا ألف دينار وانفقها على عيالك وتقو بها على عبادتك ، قال : سبحان الله ، أنا أدلك على طريق النجاة ، وأنت تكافئني بمثل هذا ؟ قال ابن الربيع : فخرجنا من عنده ، فقال هارون : إذا دللتني على رجل فدلني على مثل هذا ، هذا سيد المسلمين اليوم وكيف لا يكون سيد المسلمين في زمانه وهو القائل : لو زهد العلماء في الدنيا خضع لهم الجبابرة ،نعم هذا سيد المسلمين اليوم ، لصدق حديثه وقوة إيمانه وزهده العظيم في الحياة وصلابة موقفه مع أمير المؤمنين الذي جاءه وملتمسا التذكر فأستمع باكياً وخرج شاكراً ([260]) .

وهذا نموذج آخر يهرب من الحكام والسلاطين حتى لا يذل وحتى يبقى عزيزاً كريماً ومع ذلك يقول الحق لا يخشى في الله لومه لائم ، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بكل قوة يذكر الولاة فيما غير خوف ولا وجل، يقوم بواجبه لأن الله قد أخذ عليه العهد .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

  فهذه الحلقة السادسة والعشرون في موضوع العزة في الإسلام وستكون بعنوان: المبحث الرابع : صور من تمثل صفة العزة في حياة سلف هذه الأمة :

16- الحسن البصري

دعا عمر بن هبيرة فقهاء أهل البصرة وأهل الكوفة وأهل المدينة ،وأهل الشام ، فجعل يسألهم واحداً واحداً ، ثم طلب منهم الانصراف وخلا بالشعبي عالم أهل الكوفة وبالحسن البصري عالم أهل البصرة ، فأقبل على الشعبي فقال : يا أبا عمرو : إني أمين أمير المؤمنين على العراق وعامله عليها ، ورجل مأمور على الطاعة ، ابتليت بالرعية ولزمني حقهم ، فأنا أحب حفظهم وأتعهد ما يصلحهم  مع النصيحة لهم ، وقد يبلغني عن العصابة من أهل الديار الأمر أجد عليهم فيه ، فأقبض طائفة من عطائهم ، فأضعه في بيت المال ،ومن نيتي أن ارده عليهم فيه ، فيبلغ أمير المؤمنين إني قد قبضته على ذلك النحو ، فيكتب إلى أن لا ترده فلا أستطيع رد أمره ولا إنفاذ كتابه ،وإنما أنا رجل مأمور على الطاعة، فهل على في هذا تبعه ؟ وفي أشباهه من الأمور ، والنية فيها على ما ذكرت .

    قال الشعبي : فقلت أصلح الله الأمير ، إنما السلطان والد يخطئ ويصيب ، قال : فسر بقولي وأعجب به ،ورأيت البشر في وجهه ، وقال : فلله الحمد ، ثم اقبل على الحسن ، فقال ما تقول يا أبا سعيد ؟ قال : لقد سمعت قول الأمير يقول : أنه أمين أمير المؤمنين على العراق وعامله عليه ،ورجل مأمور على الطاعة ، ابتليت بالرعية ولزمني حقهم والنصيحة لهم والتعهد بما يصلحهم ، وحق الرعية لازم له وحق عليك أن تحوطهم بالنصيحة ، وإني سمعت عبد الرحمن بن سمرة القرشي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من استرعى رعية فلم يحطها بالنصيحة حرم الله عليه الجنة "" ، ويقول الأمير إني ربما قبضت من عطائهم إرادة صلاحهم واستصلاحهم ، وأن يرجعوا إلى طاعتهم فيبلغ أمير المؤمنين إني قبضتها على ذلك النحو ، فيكتب إلى ان لا ترده ، فلا أستطيع رد أمره ولا أستطيع إنفاذ كتابه ، وحق الله ألزم من حق أمير المؤمنين ،والله أحق أن يطاع ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، فأعرض كتاب أمير المؤمنين على كتاب الله فإن وجدته موافقا لكتاب الله فخذ به وأن وجدته مخالفاً لكتاب الله فانبذه نبذا ياابن هبيرة ، اتق الله فإنه يوشك أن يأتيك رسول من رب العالمين ، يزيلك عن سريرك ويخرجك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك ، فتدع سلطانك ودنياك خلف ظهرك ، وتقدم إلى ربك وتنزل على عملك .

يا ابن هبيرة : إن ا لله ليمنعك من يزيد وأن يزيداً لا يمنعك من الله وأن أمر الله فوق كل أمر ،وأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله , وإني أحذرك بأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين .

فقال ابن هبيرة : أربع على ظلعك ، وأعرض عن ذكر أمير المؤمنين ،فإن أمير المؤمنين صاحب العلم وصاحب الحكم ،وصاحب الفضل ، وإنما ولاه الله ما ولاه من أمر هذه الأمة ، لعلمه به وما يعلمه من فضله ونيته ، فقال الحسن : يا ابن هبيرة : الحساب من ورائك سوط بسوط ، وغضب بغضب والله بالمرصاد .

يا ابن هبيرة : إنك أن تلق من ينصح لك في دينك ويحملك على أمر أخرتك خير من أن تلق رجلا يغرنك ويمنيك ،  فتأثر ابن هبيرة وقد بسر وجهه وتغير لونه .

قال الشعبي فما رأيت مثل الحسن فيمن رأيت من العلماء إلا من الفرس العربي بين المقارف ، وما شهدنا مشهداً إلا برز علينا ، وخاف الله تعالى : ثم قال الشعبي: أنا أعاهد الله أن لا أشهد سلطانا بعد هذا المجلس فأحابيه ([261]) .

هكذا العلماء الأفذاذ من تمثلوا العزة والكرامة والشجاعة .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

  فهذه الحلقة السابعة والعشرون في موضوع العزة في الإسلام وستكون بعنوان: المبحث الرابع : صور من تمثل صفة العزة في حياة سلف هذه الأمة :

17- منذر بن سعيد :

     لما اشتدت الجفوة بين الشيخ منذر بن سعيد والخليفة عبد الرحمن الناصر نتيجة محاسبة المنذر له في إسرافه على بناء الزهراء ، اراد ولده الحكم أن يزيل ما بينهما فاعتذر له عند الخليفة فقال : يا أمير المؤمنين إنه رجل صالح وما اراد الا خيرا ، لو رأى ما انفقت وحسن تلك البنية لعذرك : ويريد بالبنية هنا القبة التي بناها الناصر بالزهراء واتخذ قراميدها من فضة وبعضها مغشى بالذهب وجعل سقفها نوعين صفراء فاقعة إلى بيضاء ناصعة يستلب الأبصار شعاعها – فلما قال له ولده ، ذلك ، أمر ففرشت بفرش الديباج ، وجلس فيها لأهل دولته ، ثم قال لقرابته ووزرائه ، آرأيتم أم سمعتم ملكا كان قبلي صنع مثل ما صنعت ؟ فقالوا : لا والله يا أمير المؤمنين ، وأنك الأوحد في شأنك ، فبينما هم على ذلك ، إذ دخل منذر بن سعيد ناكسا رأسه ، فلما أخذ مجلسه قال له ما قال لقرابته ، فأقبلت دموع المنذر تنحدر على لحيته – لسوء ما رأى – قال :والله يا أمير المؤمنين ، ما ظننت أن الشيطان يبلغ منك هذا المبلغ، ولا أن تمكنه من قيادتك هذا التمكن ، مع ما أتاك الله تعالى وفضلك به على المسلمين حتى ينزلك منال الكافرين فاقشعر الخليفة من قوله وقال له : انظر ما تقول كيف انزلني الله منازلهم ، فقال نعم : أليس الله تعالى يقول : "" ولولا أن يكون الناس أمة واحة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون " ([262]) .

فوجم الخليفة ونكس رأسه مليا وجعلت دموعة تنحدر على لحيته ثم

 اقبل على المنذر ، وقال له :جزاك الله خيراً وعن الدين خيراً فالذي قلت هو الحق ، ثم قال : ماقلت هو الحق ، ثم قام من مجلسه وأمر بنقض سقف القبة وأعاد قراميدها تراباً على صفة غيرها ([263]) .

وهكذا ارشد هذا الجواب الخليفة ولو كان الجواب مؤذيا حقا ، لأن الناصر من الذين يعتقدون بالإسلام ويطبقونه ومن المؤمنين بقوله تعالى : " الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب  " ([264]) .

   لقد أقبل الخليفة عبد الرحمن الناصر لدين الله على عمارة الزهراء أيما أقبال وانفق من أموال الدولة في تشييدها وزخرفتها ما انفق وهي في حقيقة حالها مجموعة من القصور الفاخرة وكان يشرف بنفسه على شؤون البناء والزخرفة حتى شغله ذلك ذات مرة عن شهود صلاة الجمعة .

وكان منذر بن سعيد يتولى خطبة الجمعة والقضاء ، ورأى خروجاً من تبعة التقصير فيما أوجبه الله على العلماء ، أن يلقى على الخليفة الناصر درساً بليغاً يحاسبه فيه على إسراف إنفاقه في مدينة الزهراء ، ورأى أن يكون ذلك على ملأ من الناس في المسجد الجامع بالزهراء .

فلما كان يوم الجمعة اعتلى المنبر والخليفة الناصر حاضر والمسجد غاص بالمصلين وابتداء خطبته قارئاً قول الله تعالى : { أتبنون بكل ريع آية تعبثون ، وتتخذون مصانع لعلك تخلدون ،وإذا بطشتم بطشتم جبارين فاتقوا الله وأطيعون ،واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون ، أمدكم بأنعام وبنين ، وجنات وعيون ، إني أخاف عليك عذاب يوم عظيم " ([265])       حتى وصل إلى قوله : { قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى } ثم  مضى في ذم الإسراف على البناء بكل كلام جزل وقول شديد ثم تلا قوله تعالى : { أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فأنهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين } ([266]) وراح يحذر وينذر ويحاسب حتى ادكر من حضر من الناس وخشعوا وأخذ الناصر من ذلك بأوفر نصيب ،وقد علم أنه المقصود به فبكى وندم على تفريطه ، غير أن الخليفة لم يتحمل صدره لتلك المحاسبة العلنية ولشدة ما سمع ، فقال شاكياً لولده الحكم : والله لقد تعمدني منذر بخطبته وما عنى بها غيري فأسرف على وأفرط في تقريعي ... ثم استشاط غيظاً عليه ، متذكراً كلماته ، وأراد أن يعاقبه لذلك !! فأقسم أن لا يصلي خلفة صلاة الجمعة ، وجعل يلزم صلاتها وراء أحمد بن مطرف خطيب جامع قرطبة .

تلك هي عقوبة الخليفة الناصر – أن لا يصلي خلف منذر في صلاة الجمعة – لذلك  الخطيب الذي تجاوز الحد في الكلام ... ! !

ولكن لما رأى ولده الحكم تعلق والده بالزهراء والصلاة في مسجدها العظيم قال له : ( فما الذي يمنعك من عزل منذر عن الصلاة به إذ كرهته ؟ ولكن الناصر زجره قائلاً : ( أمثل منذر بن سعيد في فضله وخيره وعلمه ( لا أم لك ) يعزل لأرضاء نفس ناكبة عن الرشد سالكة غير القصد ؟ هذا ما لا يكون وأني لاستحى من الله ألا أجعل بيني وبينه في صلاة الجمعة شفيعاً مثل منذر في ورعه وصدقه ولكن أحرجنى فأقسمت ولوددت أني أجد سبيلاً إلى كفارة يميني بملكي ،بل يصلي منذر بالناس حياته وحياتنا أن شاء الله فما أظننا أنا نعتاض عنه أبداً ([267]) . إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

  فهذه الحلقة الثامنة والعشرون في موضوع العزة في الإسلام وستكون بعنوان: المبحث الرابع : صور من تمثل صفة العزة في حياة سلف هذه الأمة :

18 – العز بن عبد السلام " سلطان العلماء "

    كان العز بن عبد السلام رحمه الله – من العلماء الذين امتلأت قلوبهم بحب الله ، فكانوا للحق جنود شجعان ، يقرنون القول بالعمل ،ولا يخافون في الله لومه لائم .

قال الشيخ ( الباجي ) : طلع شيخنا عز الدين مرة إلى السلطان في يوم عيد إلى القلعة ، فشاهد العسكر مصطفين بين يديه ، ومجلس المملكة ، وما السلطان فيه من الأبهة ، وقد خرج على قومه في زينته ، على عادة سلاطين الديار المصريه ، وأخذت الأمراء تقبل الأرض بين يدي السلطان ، فالتفت الشيخ إلى السلطان وناداه :

يا أيوب ... ، ما حجتك عند الله إذا قال لك : ألم أقوى لك ملك مصر .. ؟ ثم تبيح الخمور ؟

فقال : هل جرى ذلك ؟

فقال : نعم : الحانة الفلانية تباع فيها الخمور وغيرها من المسكرات ، وأنت تتقلب في نعمة هذه المملكة ([268]) . 

يناديه كذلك بأعلى صوته ، والعساكر واقفون .

فقال : يا سيدي ، هذا أنا ما عملته ، هذا من زمان أبي ...

فقال : أنت من الذين يقولون . " أنا وجدنا آباءنا على أمة  ؟؟ فرسم السلطان بابطال تلك الحانة . فقال الباجي : سألت الشيخ لما جاء من عند السلطان ، وقد شاع هذا الخبر : يا سيدي كيف الحال ؟ فقال :

يا بني رأيته في تلك الحال، فأردت أن أهينه لئلا تكبر عليه نفسه فتؤذيه . فقلت : يا سيدي أما خفته ؟

فقال : والله يا بني أستحضر هيبة الله تعالى فصار السلطان قدامي كالقط ؟ !!أهـ 

*العز وأمراء المماليك 

وحدث أن طائفة من أمراء المماليك لم يثبت عند الشيخ أنهم أحرار ،

 وأن حكم الرق مستصحب عليهم لبيت مال المسلمين ، فبلغهم ذلك ،

 فعظم الخطب لديهم ، واحتدم الأمر .

ووقف " العز " في وجههم لا يصحح لهم بيعا ولا شراء ولا نكاحاً ، وتعطلت مصالحهم المعيشية بذلك ، وكان من جعلهم نائب السلطنة ، فاستشاط غضباً فاجتمعوا وأرسلوا إليه ، فقال :  نعقد لكم مجلساً ، وينادي عليكم لبيت مال المسلمين ، ويحصل عتقكم بطريق شرعي 

فرفعوا الأمر إلى السلطان ، فبعث إلى " العز " فلم يأته ، فجرت من السلطان كلمة فيها غلظة حاصلها الإنكارعلى الشيخ لدخوله في هذا الأمر وأنه لا يتعلق به.

فغضب الشيخ ، وحمل حوائجه على حمار ، وأركب عائلته ... ، ومشى خلفهم خارجاً من القاهرة قاصد نحو الشام ، فلم يصل إلى نحو نصف بريد حتى لحقه غالب المسلمين .. النساء والصبيان والرجال والعلماء والصلحاء .. والتجار ([269]) . 

فبلغ السلطان الخبر ، وقيل له : ( متى راح ذهب ملكك ) ، فركب بنفسه ولحقه واسترضاه وطيب قلبه فرجع .

واتفقوا على أن ينادي على الأمراء ، فأرسل إليه نائب السلطنة

 يلاطفه ويسترضيه فلم يفد فيه ، فأنزعج النائب وقال : - كيف ينادي

 علينا هذا الشيخ ، ونحن ملوك الأرض ؟ والله لأضربنه بسيفي هذا

فركب بنفسه في جماعته ، وجاء إلى بيت الشيخ والسيف مسلول في يده ، فطرق الباب فخرج ولد الشيخ ، فرأى من نائب السلطنة ما رأى ، فنادى إلى أبيه وشرح له الحال ، فما أكترث لذلك ولا تغير وقال : يا ولدي أبوك أقل من أن يقتل في سبيل الله ، ثم خرج كأنه قضاء الله قد نزل على نائب السلطنة ، فحين وقع بصره على النائب يبست يد النائب  ، وسقط السيف منها ، وأرعدت مفاصله ، فبكى .. وسأل الشيخ أن يدعو له وقال: يا سيدي خير .. أي شئ تعمل ؟

قال : أنادي عليكم وأبيعكم  ، قال : ففيم تصرف ثمننا ؟

قال : في مصالح المسلمين  ، قال : من يقبضه ؟   ،  قال : أنا 

فتم له ما أراد ، ونادى على الأمراء  واحداً واحداً ، وغالى في ثمنهم ،وقبضه وصرف في وجوه الخير  ، ما لم يسمع بمثله أحد ([270]) .

وما أن مرت السنون ، وإذا بالشيخ العز يمتحن مرة أخرى لأنه أنكر

 على سلطان  الشام وحاكم د مشق خيانته السياسية للأمة الإسلامية

وفيما يلي موجز المحنة وسببها كما يحدثنا بها الإمام السبكي في طبقاته

 والمقريزي في سلوكه :

   أن خلافاً نشأ واشتد ، وخصاماً طفق منذراً بالكيد والحرب بين الأخوين ، سلطان الشام الملك الصالح إسماعيل ،وسلطان مصر الصالح نجم الدين أيوب . وفي سنة 638هـ أو جس إسماعيل خيفة من نجم الدين ، فاستعان بالصليبيين أعداء الإسلام ، وتحالف معهم على قتال أخيه ،وأعطاهم مقابل ذلك مدينة صيداً على رواية السبكي وكذلك قلعة صفد وغيرها على رواية المقريزي وغيره وأمعن إسماعيل في هذه الخيانة فسمح للصليبيين أن يدخلوا دمشق ويشتروا منها السلاح وآلات الحرب وما يريدون ،وأثار هذا الصنيع المنكر استياء المسلمين وعلمائهم ،فهب الشيخ العز واقفاً بوجه الخيانة والخائنين ، وأفتى بتحريم بيع السلاح لهم ، وصعد على منبر الجامع الأموي بدمشق في يوم الجمعة حيث كان خطيبه الرسمي وأعلن الفتوى ،وشدد في الإنكار على السلطان وفعلته المنكرة وخيانته الفظيعة للأمة الإسلامية ، وقطع من الخطبة الدعاء للسلطان إسماعيل وهو بمثابة الإعلام بنزع البيعة ورفع الولاء عن السلطان يومئذ وصار يدعو بدعاء منه :"اللهم ابرم لهذه الأمة امر رشد تعز فيه أوليائك وتذل فيه أعدائك ويعمل فيه بطاعتك  وينهى فيه عن معصيتك .. " . والمصلون يضجون بالتأمين على دعائه ، ولم يكن السلطان حاضراً تلك الخطبة إذ كان خارج دمشق، ولما أعلمه رجاله بذلك أمر بعزل الشيخ من خطبة الجمعة واعتقاله مع صاحبه الشيخ ابن الحاجب المالكي لاشتراكه معه في هذا الإنكار .

وكان أنصار الشيخ "العز" قد أشاروا عليه بأن يغادر البلاد وينجو بنفسه من يد السلطان ، وأعدوا له وسائل الهرب ، ولكنه رحمه الله تعالى أبى ذلك , وألحوا عليه فأصر على الإباء ، فعرضوا عليه أن يختبئ في مكان أمين لا يهتدي إليه السلطان ورجاله فرفض هذا العرض أيضاً وقال : والله لا أهرب ولا أختبئ وإنما نحن في بداية الجهاد ، ولم نعمل شيئا بعد ، وقد وطنت نفسي على إحتمال ما ألقى في هذا السبيل ،والله لا يضيع عمل الصابرين ([271]) .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

  فهذه الحلقة التاسعة والعشرون في موضوع العزة في الإسلام وستكون بعنوان: المبحث الرابع : صور من تمثل صفة العزة في حياة سلف هذه الأمة : تابع العز بن عبد السلام

ثم لما قدم إسماعيل إلى دمشق أفرج عنهما بعد الاعتقال .

ولكن العز بن عبد السلام أُمر بملازمة داره ، وأن لا يفتي ولا يجتمع

 بأحد البته ، فأستأذنه في صلاة الجمعة – مؤتماً بإمامها – وأن يعير إليه

طبيب أو مزين ( حلاق ) إذا احتاج إليهما وأن يدخل الحمام فإذن له في ذلك .

ومرت الأيام والشيخ في إقامته الجبرية ،وقد منع من الإفتاء والاتصال بأحد من إخوانه أو طلابه ،وتعطلت هوايته المفضلة ، وواجبه المقدس – الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – فطلب الهجرة من دمشق قاصداً مصر .

وأفرج عنه بعد محاورات ومراجعات ، فأقام بدمشق ثم انتزع منها إلى بيت المقدس فوافاه الملك الناصر داود في الفور فقطع عليه الطريق وأخذه وأقام بنابلس مدة .وجرت له معه خطوب ثم انتقل إلى بيت المقدس حيث أقام مدة ، ثم جاء الصالح إسماعيل والملك المنصور صاحب حمص وملوك الفرنج بعساكرهم وجيوشهم إلى بيت المقدس .. يقصدون الديار المصرية ، فسير الصالح إسماعيل بعض خواصه إلى الشيخ بمنديله ، وقال له : تدفع منديلي إلى الشيخ وتتلطف به غاية التلطف وتستنزله وتعده بالعودة إلى مناصبه على أحسن حال ، فإن وافقك فتدخل به علىّ ، وإن خالفك فاعتقله في خيمته إلى جانب خيمتي ، فلما اجتمع الرسول بالشيخ شرع في مسايسته وملاينته ثم قال له: بينك بين أن تعود إلى مناصبك وما كنت عليه زيادة ، أن تنكسر للسطان وتقبل يده لا غير ! فقال الشيخ والله يا مسكين ما أرضاه أن يقبل يدي فضلاً عن أن أقبل يده . يا قوم أنتم في واد وأنا في واد . الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاكم به ،فقال الرسول : يا شيخ قد رسم لي أن توافق على ما يطلب منك ، وإلا اعتقلتك ، فقال الشيخ : افعلوا ما بدالكم فأخذه واعتقله في خيمة إلى جانب خيمة السلطان ، وكان الشيخ يقرأ القرآن – في معتقله – والسلطان يسمعه . فقال يوما لملوك الفرنج تسمعون هذا الشيخ الذي يقرأ القرآن ؟ فقالوا نعم . قال هذا أكبر قسوس المسلمين ، قد حبسته لإنكاره على تسليمي لكم حصون المسلمين ،وعزلته عن الخطابة بدمشق وعن مناصبه ثم أخرجته فجاء إلى المقدس وقد جددت حبسه واعتقاله لأجلكم !! فقالت له ملوك الفرنج : " لو كان هذا قسيسنا لغسلنا رجليه وشربنا مرقتها "

تلك إجابة الفرنج إلى السلطان الخائن التي كانت سهما في قلبه ، وإنكاراً متضمناً لفعله ، والفضل ما شهدت به الأعداء . وذلك قول السلطان العبد لأ سياده الفرنج يفتخر بخيانته !!

ثم وقعت الحرب بين الأخوين وكانت الدولة والنصر للسلطان نجم الدين أيوب على رغم قلة جيشه في العدد والعدة بالنسبة لجيش إسماعيل وحلفائه ،وتلك عاقبة الخائنين ... في كل حين .

وبذلك نجا الشيخ من أسر السلطان الخائن ، ووصل إلى مصر مكرماً معززاً ، وتولى فيها منصب قاضي القضاة .

إن العزيز هو الذي يعز من يشاء ويذل من يشاء وقد اتصف بالعزة سبحانه وتعالى وجعلها لرسوله وللمؤمنين فهو واهبها سبحانه وفعلاً عز رسوله وعز المؤمنون الصادقون عزوا جميعاً عزة فريدة يقولون لكلمة الحق ولا تأخذهم في الله لومة لائم ، يقفون الموقف الذي يخافه الناس جميعاً فلا يخافون ولا يخشون ، هم الحكام الفعليون ، لأنهم حكام على الحكام ، لأن كلمتهم وأمرهم هو النافذ ، لأن الأمة لا تسمع إلا لهم ولا تعترف إلا بهم ، ما أعظمها من عزة ، وما أعظمها من كرامة ، وما أعظمها من قوة ، إنه الإسلام إنها العقيدة الراسخة في القلوب ، إنها عزة الله التي وهبها لعباده المخلصين وهذا نموذج فريد ، اسمه مطابق لما يتمتع به في داخله ، يبيع الأمراء ولذلك سمى بائع الأمراء وسمى سلطان العلماء ، ضربت شهرته وسمعته الفذة الآفاق ، يذكر دائماً وأبداً في معرض التصدي للطغاة والمجرمين . يذكر العز عندما تذكر العزة ويذكر عندما تذكر البطولة . ويذكر عندما تذكر الشجاعة ، ويذكر عندما تذكر العفة . ويذكر عندما تذكر القناعة ، ويذكر عندما يذكر الزهد . فلله دره من إمام بطل شجاع مقدام ، جرئ في الحق ، آمر بالمعروف ناهي عن المنكر ، متصد للباطل ، قائد للجيوش الإسلامية المجاهدة . إنها العزة في أعلى صورها البشرية – رحمه الله رحمة واسعة .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

  فهذه الحلقة الثلاثون في موضوع العزة في الإسلام وستكون بعنوان: المبحث الرابع : صور من تمثل صفة العزة في حياة سلف هذه الأمة :

19 – ابن أبي ذؤيب :

روى الإمام الشافعي رحمه الله تعالى ، قال حدثني عمى محمد بن علي قال : إني لحاضر مجلس أمير المؤمنين أبي جعفر المنصور ،وفيه ابن أبي ذؤيب ، وكان والي المدينة الحسن بن زيد قال : فأتى الغفاريون فشكوا إلى أبي جعفر شيئاً من أمر الحسن بن زيد ، فقال الحسن هذا ، يا أمير المؤمنين : سل عنهم ابن أبي ذؤيب فقال : أشهد أنهم تحطموا في أعراض الناس ، كثيروا الأذى عليهم ، فقال أبو جعفر قد سمعتم فقال الغفاريون : يا أمير المؤمنين سله عن الحسن بن زيد ؟ فقال: يا ابن أبي ذؤيب ما تقول في الحسن بن زيد ؟ فقال أشهد أنه يحكم بغير الحق ويتبع هواه فقال سمعت يا حسن ما قال فيك وهو الشيخ الصالح ، فقال يا أمير المؤمنين : سله عن نفسك ؟ فقال ما تقول فيّ ؟ قال : تعفيني يا أمير المؤمنين : قال أسألك بالله إلا أخبرتني ، قال تسألني بالله كأنك لا تعرف نفسك ، قال والله لتخبرني : قال أشهد أنك أخذت المال من غير حقه ، فجعلته في غير أهله ، وأشهد أن الظلم ببابك فاش ، قال : فجاء أبو جعفر من موضعه حتى وضع يده في قفا ابن أبي ذؤيب فقبض عليه ، ثم قال : أما والله لولا إني جالس ههنا لآخذت فارس والروم والديلم والترك بهذا المكان منك ، قال :

فقال ابن أبي ذؤيب : يا أمير المؤمنين قد ولى أبو بكر وعمر فأخذا بالحق وقسما بالسوية ،وأخذا بأقفاء فارس والروم ، وأصغر أنوفهم ، قال فخلى أبو جعفر قفاه وخلى سبيله ،قال : والله لولا إني أعلم أنك صادق لقتلتك . فقال ابن أبي ذؤيب : والله يا أمير المؤمنين إني لأنصح لك من ابنك المهدي ، فبلغنا أن أبن أبي ذؤيب لما انصرف من مجلس المنصور ، لقيه سفيان الثوري فقال : يا أبا الحارث : لقد سرني ما خاطبت به هذا الجبار ، ولكن ساءني قولك له " ابنك المهدي "  فقال: يغفر الله لك يا أبا عبد الله كلنا مهدي كلنا كان في المهد ،([272])

 بمثل هذه الصراحة المتناهية نطق العالم الجليل ابن أبي ذؤيب وبمثل هذا الجواب نطق المنصور مسبقاً جوابه بالقسم الأعظم " والله لولا أني أعلم أنك صادق لقتلتك

الله أكبر ما أعظم المؤمن عندما يعز ويهبه الله العزة ، ويقول كلمة الحق أمام السلطان الجائر لكن الله يحفظه لأنه حفظ الله وهذا نموذج من النماذج الفردية رحمه الله .

20 - الأوزاعي الإمام الجليل : 

لما دخل عبد الله بن على دمشق ، بعد أن أجلى بني أمية عنها ، طلب الأوزاعي ، فتغيب عنه ثلاثة أيام ثم حضر بين يديه ، قال الأوزاعي : " دخلت عليه وهو على سرير وفي يديه خيزرانه ، والمسودة على يمينه وشماله ، معهم السيوف مصلته ، والغمد والحديد فسلمت عليه فلم يرد ، ونكث بتلك الخيزرانه التي في يده ثم قال :

" يا أوزاعى ما ترى فيما صنعناه من إزالة أيدي أولئك الظلمة عن العباد ، والبلاد؟ إجهاداً ورباطاً هو ؟ فقلت "" أيها الأمير سمعت يحيى بن سعيد الأنصاري ، يقول ، سمعت محمد بن إبراهيم التميمي يقول ، سمعت علقمة بن قاص يقول ، سمعت عمر بن الخطاب يقول ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "" إنما الأعمال بالنيات وإنما الكل أمرئ ما نوى ، فمن كان هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كان هجرته لدنيا يصيبها ، أو امرأة يتزوجها ، فهجرته إلى ما هاجرإليه "" .

فنكث الخيزرانة أشد ما ينكث ،وجعل من حوله يقبضون أيديهم على قبضات سيوفهم ، ثم قال :

" يا أوزعي ، ما تقول في دماء بني أمية ؟ فقلت : قال رسول الله

 صلى الله عليه وسلم : " لا يحل دم أمرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث ، النفس بالنفس والثيب الزاني والتارك لدينه المفارق للجماعة " " . فنكث بها أشد من ذلك ، ثم قال : ما تقول في أموالهم ؟

قلت : إن كانت في أيديهم حراماً فهي حرام عليك أيضاً ، وإن كانت حلالا فلا تحل لك إلا بطريق شرعي ، فنكث اشد ما كان ينكث قبل ذلك ثم قال : " ألا نوليك القضاء "" ؟

قلت : "" إن أسلافك لم يكونوا يشقون علىّ في ذلك وإني أحب أن يتم ما أبتدأوني به من الإحسان " . فقال : " كأنك تحب الانصراف ؟

قلت : أن ورائى حرما ، وهن يحتجن إلى القيام عليهن وسترهن وقلوبهن مشغولة بسببي . انتظرت رأسي أن يسقط بين يدي ، فأمرني بالانصراف ([273]) . أجوبة متمثلة بالفقه واليقين ،والعزة والشجاعة رحمه الله

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

  فهذه الحلقة الواحدة والثلاثون في موضوع العزة في الإسلام وستكون بعنوان: المبحث الرابع : صور من تمثل صفة العزة في حياة سلف هذه الأمة :

21- حطيط الزيات

    جئ بالعالم حطيط الزيات إلى الحجاج ، فلما دخل عليه قال : أنت حطيط ؟ قال : نعم . قال حطيط : سل عما بدا لك فإني عاهدت الله عند المقام ، على ثلاث خصال إن سئلت لأصدقن وأن ابتليت لأصبرن وأن عوفيت لأشكرن .

قال الحجاج: فما تقول فيّ ؟ قال أقول فيك أنك من أعداء الله في الأرض تنتهك المحارم وتقتل بالظنة ، قال : فما تقول في أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان ، قال : أقول أنه أعظم جرماً منك ، وإنما أنت خطيئة من خطاياه ، فأمر الحجاج أن يضعوا عليه العذاب ، فانتهى به العذاب إلى أن شقق له القصب ، ثم جعلوه على لحمه وشدوه بالحبال ، ثم جعلوا يمدون – يسلتون – قصبة قصبة ، حتى انتحلوا لحمه ، فما سمعوه يقول شيئاً ، فقيل للحجاج إنه في آخر رمق ،فقال أخرجوه فارموا به في السوق ،قال جعفر – وهو الراوي – فأتيته أنا وصاحب له ، فقلنا له : حطيط ألك حاجة ؟ قال شربة ماء ، فأتوه بشربة ثم استشهد ، وكان عمره ثماني عشرة سنة رحمه الله ([274]) . 

شهادة في سبيل الله نالها حطيط وتلك مظلمة للحجاج يبوء بإثمها وعليه عقابها الشديد يوم يجتمع الخصوم عند مليك مقتدر عادل .

من شدة عزته وقوته قتل ؛ قوته في الحق وتصديه للباطل وأهله رحمه الله رحمة واسعة .

22- عمر بن عبد العزيز رحمه الله :

نصيحة عمر للوليد :ومرت الأيام وإذا بالحجاج بن يوسف جبار العراق ينصح الوليد في عزل عمر ، استجاب الوليد لنصيحة الحجاج ، فمضى كتاب منه بعزل عمر عن المدينة ،وانتقل عمر إلى الشام وقصد بعد ذلك دمشق بعد أن وطن النفس على ترك مظاهر الزينة وزيادة التقرب إلى الله بنصح الخلفاء والتشديد عليهم ، إذ أن الظلم قد غدا متراكما بعضه فوق بعض ، وأصبحت الفتن ظلمات متراصة من يخرج يده يكاد لا يراها . فلا بد من النصح ، ولا بد من الأمر بالمعروف ،

فالساكت عن الحق شيطان أخرس ..

   ودخل عمر على الوليد فقال له : يا أمير المؤمنين ، أن عندي لك نصيحة فإذا خلا لك عقلك واجتمع فهمك فسألني عنها .

ثم مضت أيام فأَدخَلَ الوليدُ عمرَ فسأله عن نصيحته فقال له : إنه ليس بعد الشرك إثم أعظم عند الله من الدم ، وإن عمالك يقتلون ويكتبون لك ذنب المقتول ، وأنت المسؤول عنه والمأخوذ به ، فاكتب إليهم ألا يقتل أحد منهم أحداً حتى يكتب لك بذنبه ثم يشهد عليه ثم تأمر بأمرك على أمر قد وضح لك . "

التشديد على سليمان : ثم تولى الخلافة بعد الوليد سليما فقرب عمر منه وجعله من خاصته . إلا أن عمر لم ينس تذكير سليمان بالخير فأمره بالمعروف ونهاه عن المنكر ، حتى دب النزاع إليهما واشتد الخلاف بينهما فقرر ترك الشام والرحيل إلى مصر فلما عرف سليمان بعزمة عمر شق عليه فراقه فأرسل إليه يعتذر ويقول له :

" يا أبا حفص ما اغتممت بأمر ولا أكربني هم إلا خطرت فيه على بالي "" فأقام عمر عنده . ([275]) .

23- مالك بن أنس إمام دار الهجرة :

  حدث مالك بن أنس عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : " ليس على مستكره طلاق " .

وقد قيست البيعة على الطلاق فقالوا : وليس على مستكره بيعة لكن الحكام من أبي جعفر وولاته قد وجدوا في نشر هذا الحديث خطرا عليهم وعلى كيانهم ، ولذلك حاولوا أن يمنعوا الإمام مالكا من التحديث به ، ولكنه لم يفعل ، وهددوه فلم يسمع لأنه يؤمن بأن الله أوجب على العلماء أن يبينوا للناس ما نُزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا يكتمونه ولم يكن الإمام مالك من الجبناء الذين يكتمون أحكام الإسلام ،إرضاء لهوى الحكام ، أو خوفاً من بطشهم وجبروتهم أو أسواطهم وأغلالهم عند ذاك نزلت المحنة ووقع الأذى،والسؤال الذي يرد؟من أنزل باما منا هذه المحنة فباء بأثمها وتولى كبرها ، وحصد شرها ؟

الروايات التاريخية تشير إلى ما يلي :

أن أبا جعفر  نهاه أن يحدث بهذا الحديث  فدس إليه من يسأله عنه

 فحدث به على رؤوس الناس فضربه سبعين سوطا أضجعته بعد انتهاء الفتنة ([276])  

   فلم يفت في عضده تهديد ولا وعيد ، وأفتى بما يعتقد أنه الحق عزة من الله وكرامة منه سبحانه فلله دره ، رحمه الله رحمة واسعة .

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

  فهذه الحلقة الثانية والثلاثون في موضوع العزة في الإسلام وستكون بعنوان: المبحث الرابع : صور من تمثل صفة العزة في حياة سلف هذه الأمة :

24- الإمام النووي :

   لما خرج الظاهر ( بيبرس ) إلى قتال التتار بالشام أخذ فتاوي العلماء بجواز أخذ مال من الرعية يستنصر به على قتالهم ،فكتب له فقهاء الشام بذلك فأجازوه ، فقال : هل بقى من أحد ؟ فقيل له : نعم ، بقى الشيخ محي الدين النووي فطلبه فحضر فقال له : أكتب خطك مع الفقهاء ، فامتنع فقال : ما سبب امتناعك فقال : أنا أعرف أنك كنت في رق للأمير ( بندر قدار ) وليس لك مال ثم من الله عليك فجعلك ملكاً وسمعت عندك ألف مملوك ،كل مملوك له خياصة من ذهب وعندك مائتا جارية لكل جارية حق من الحلي فإذا أنفقت ذلك كله وبقيت مماليك بالبنود والصرف بدلاً من الحوائص ، وبقيت  الجواري بثيابهن دون الحلي ، أفتيتك بأخذ المال من الرعية ، فغضب ( الظاهر ) من كلامه وقال : أخرج من بلدي – يعني دمشق ، فقال : السمع والطاعة ،وخرج إلى ( نوى ) فقال الفقهاء : إن هذامن كبار علمائنا وصلحائنا وممن يقتدي به فأعده إلى دمشق فرسم برجوعه ، فامتنع الشيخ وقال : لا أدخلها والظاهر فيها ، فمات إلى بعد شهر ([277]) .

اعتذر الحاكم لأنه علم من هو النووي علماً وتقوى ولكن النووي رفض هذا الاعتذار بإبآء وشمم ليعطي درساً بليغا بأن الحكام يحرم عليهم الإساءة إلى مسلم وكيف للعالم ولو اتبعها بالاعتذار ([278]) .

   وما علمنا في القرن السابع أحدا من العلماء بلغ ما بلغه النووي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،بل هو في ذلك قدوة في كل قرن يقول الذهبي : كان عديم المثل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،وقد أجمع المترجمون على أنه كان – يرحمه الله – لا يبالي في أمره ونهيه لومه لائم ،بل لا يبالي الإهانة والموت ،ولا يكبر عنده أحد عن النصيحة حتى العلماء والأمراء والملوك والجبابرة ،وله في ذلك قصص تذهل الألباب وسنذكر بعضها ، عسى أن ينتفع بها هواة الوقوف بباب الأمراء ممن يزين لهم او يقر ما يفعلون , ولو كان الظلم الصريح ، أو المنكر القبيح ([279])  . 

ولا يستغرب هذا من النووي وأمثاله فقال قال في أحد رسائله لأحد الظلمة الذين يزينون الباطل للحكام فقال في معرض كلامه .

" وأعلم أنك عندي بحمد الله تعالى أقل ممن أهتم بشأنك ، أو التفت إلى خيالاتك وبطلانك ... ويا ظالم نفسه ، أجلب بخيلك ورجلك إن قدرت ، واستعن بأهل المشرقين ،وما بين الخافقين ، فإنا بحمد الله تعالى في كفاية تامة ،وأرجو من فضل الله تعالى أنك لا تقوى لمنابذة أقل الناس مرتبة ، وأنا بحمد الله تعالى ممن يود القتل في طاعته تعالى ، أتقوى يا ضعيف الحيل لمنابذتي ؟ أبلغك يا هذا أني أومن بالقدر؟ ! أو بلغك أني اعتقد أن الآجال تنقص ، وأن الأرزاق تتغير ؟

أما تفكر في نفسك في قبيح ما أتيته من الفعل،وسوء ما نطقت به من المقال .!([280]) .

فهو في الحق جرئ ، ولأهل الباطل غير آب ، آمر بالمعروف ، ناهي عن المنكر ، عزيز ، عفيف ، لم يأخذ من أحد درهما واحداً ، وما كان مقرراً له في التدريس يأخذه ويشتري بها كتباً أو عقاراً يوقفه لطلبة العلم خدمة للإسلام وأهلة . وكان زاهدا ورعا كريماً – رحمه الله –

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

  فهذه الحلقة الثالثة والثلاثون في موضوع العزة في الإسلام وستكون بعنوان: صور من تمثل صفة العزة في حياة سلف هذه الأمة :

25- عبد الله بن المبارك : العالم المجاهد :

    قال محمد عثمان جمال ([281])  كان ابن المبارك رضي الله عنه في أبائه وعزة نفسه ملكاً فوق الملوك وذلك لأنه أعز العلم وأخلص فيه ، وصانه عن أن يكون بضاعة للكسب والتجارة ، وعظم العلم فعظمه، وصانه فصانه ، وما أصدق قول الجرجاني في هذا المعنى .

ولو أن أهل العلم صانوه لصانهم *** ولو عظموه في النفوس لعظما  

ولكن أهانوه فهانوا ودنسوا ***  محياه بالأطماع حتى تجهما

عظم العلم وأكرمه ،فلم يدنسه على أبواب السلاطين وذوى الجاه ، وابتغى به وجه الله ونعيم الآخرة ، ولم يبتغ به متاع الدنيا الزائل كما يفعل علماء السوء وتجار الدين في كل زمن ، وكان كثيراً ما يتمثل بهذين البيتين من كلامه :

وهل بدل الدين إلا الملوك ***وأحبار سوء ورهبانها

لقد رتع القوم في جيفة    *** يبين لذي العلم أنتانها

وكان وما زال مصاب الدين من أمراء السوء وعلماء السوء . ولذلك كان ابن المبارك يضيق بهم ، ويبتعد عنهم ، ويصب عليهم جام غضبه . وقد قيل له مرة : من سفلة الناس ؟ فقال : الذين يتعيشون بدينهم ،([282])  وسئل : من السفلة ؟ فقال : الذين يأكلون الدنيا بالدين ،([283])        وكان يحب العزة للعلم والعلماء ،. قال أبو داود الطيالس : قلت لعبد الله بن المبارك :

 إنا نقرأ بهذه الألحان ؟ فقال : إنا أدركنا القراء وهم يؤتون تسمع

قراءتهم ، وأنتم تدعون اليوم كما يدعى المغنون ([284]) 

  وقد كان كثير من السلف ينهون عن الدخول على الملوك حتى لمن أراد أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر أيضاً ،وممن نهى عن ذلك عمر بن عبد العزيز وابن المبارك والثوري وغيرهم من ا لأئمة . وقال ابن المبارك : ليس الآمر الناهي عندنا من دخل عليهم فأمرهم ونهاهم ، إنما الأمر الناهي من اعتزلهم ([285]) . ثم علل ابن رجب ذلك فقال ، وسبب هذا ما يخشى من فتنة الدخول عليهم ، فإن النفس قد تخيل للإنسان إذا كان بعيداً عنهم أنه يأمرهم وينهاهم ويغلظ عليهم ، فإذا شاهدهم قريباً مالت النفس إليهم ([286]) .

وقد بلغ بابن المبارك البعد عن السلاطين والأمراء أنه ربما جاءه الأمير إلى بابه يسأله عن الحديث ، فيمتنع عن تحديثه إكراماً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحدث به من لا يطلبه لوجه الله تعالى .

فعن أحمد بن أبي الحواري قال:

حدثني بعض أصحابنا قال : جاء عبد الله بن أبي العباس الطرسوسي

 – وكان واليا بمرو- إلى منزل عبد الله بن المبارك بالليل ومعه كاتبه والدواة والقرطاس فسأله عن حديث فأبى أن يحدثه ، ثم سأله عن حديث فأبى أن يحدثه – ثلاث مرات – فقال لكاتبه : أطوي قرطاسك ما أرى أبا عبد الرحمن يرانا أهلا أن يحدثنا ، فلما قام يركب مشى معه ابن المبارك إلى باب الدار ، فقال له : يا أبا عبد الرحمن ، لم لم ترنا أهلاً أن تحدثنا وتمشى معنا ؟ فقال : إني أحببت أن أذل لك بدني ولا أذل لك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ([287]) .

  نعم يمنع الحديث عن الأمير إجلالا لرسول الله عليه الصلاة والسلام أن يحدث به من يبغى من ذلك الشهرة والجاه وحسن السمعة ،ولم يمنعه من ذلك خوف أو رهبة ، فما كان للخوف أن يجد سبيلاً إلى نفسه وهو الذي باع لله نفسه وماله وما ملكت يده ، ولذلك كان موقفه من السلاطين دائماً موقف الأبي العزيز ،والحر الكريم ، والجرئ الشجاع الذي لا يعبأ بالموت ولا يحسب لغيره أحكام الله ودينه حساباً في ذهنه ، ولا يجد لغيرالله رهبة في قلبه .

وقد روى أن رجلاً خياطاً قال لابن المبارك :

 أنا أخيط ثياب السلاطين ، فهل تخاف أن أكون من أعوان الظلمة ؟ قال : لا ، إنما أعوان الظلمة من يبيعك الخيط والإبرة ، أما أنت فمن الظلمة  أنفسهم ([288]) . 

    وقد بلغ به البعد عن السلاطين ، والتعفف عن عطاياهم ، أنه عندما حضرته الوفاة اشتهى سويقاً ، فلم يوجد إلا عند رجل يعمل من أعمال السلطان ، فعرض عليه فلم يقبل ومات ولم يشرب ([289]) .

  هكذا كان رضي الله عنه في آبائه وعزة نفسه ، يترفع عن عطاء الحكام وهباتهم ويجل العلم ويربأ به عن أن يكون سلما للوصول إلى الجاه والغنى ، ويقول كلمة الحق ولا يخشى في الله لومة لائم ، وفي مثل ابن المبارك يصدق قول الشاعر :

      حلف الزمان ليأتين بمثله ****حنثت يمينك يا زمان فكفر ([290])

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

  فهذه الحلقة الرابعة والثلاثون في موضوع العزة في الإسلام وستكون بعنوان: صور من تمثل صفة العزة في حياة سلف هذه الأمة :

26- أبو داود ؛ سليمان بن الأشعث السجستاني

زهده وورعة : كان الإمام أبو داود على درجة عالية من النسك والعفاف والصلاح والورع ، وكان مثالاً يحتذي في هديه وسمته .

قال أبو حاتم : كان الإمام أبو داود أحد أئمة الدنيا فقها وعلما وحفظاً ونسكاً وورعا واتقاناً .

وقال أبو موسى : تفقه أبو داود بأحمد بن حنبل ولازمه مدة ، وبلغنا عن بعض الأئمة أن أبا داود يشبه أحمد بن حنبل في هديه وسمته ودله

وكان أحمد يُشبه بوكيع ، ووكيع بسفيان ، وسفيان بمنصور ، ومنصور بإبراهيم ، وهو بعلقمة ، وهو بابن مسعود : وقال علقمة : كان ابن مسعود يُشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم ([291]) .

وجاء سهل بن عبد الله التستري فقيل له : يا أبا داود هذا سهل بن

 عبد الله قد جاءك زائراً فرحب به وأجلسه ، فقال له : يا أبا داود لي

 إليك حاجة ، قال : وما هي ؟ قال : حتى تقول : قضيتها مع الإمكان قال : قد قضيتها مع الإمكان ،قال : أخرج لسانك الذي حدثت به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبله ، قال : فأخرج لسانه فقبله ([292]) .

  وكان له كمان : كم واسع ، وكم ضيق ، فسئل عن ذلك ، فقال : الواسع للكتب والثاني لا نحتاج إليه . وقال : من اختصر على لبسا دون ومطعم دون أراح جسده ([293]) .

اعتزازه بكرامة العلم والعلماء :

ومما يدل على هذا الاعتزاز ما ذكره الإمام الخطابي بسنده عن أبي بكر بن جابر – خادم أبي داود – قال : كنت مع أبي داود ببغداد ، فصلينا المغرب ، إذ قُرع الباب ففتحته ، فإذا خادم يقول هذا الأمير أبو أحمد الموفق يستأذن ، فدخلت إلى أبي  داود ، فأخبرته بمكانه ، فأذن له فدخل وقعد ثم أقبل عليه أبو داود وقال : ما جاء بالأمير في مثل هذا لوقت ؟ قال : خلال ثلاث ، قال : وما هي ؟ قال : تنتقل إلى البصرة فتتخذها وطنا لترحل إليك طلبه العلم من أقطار الأرض ، قال : هذه واحدة هات الثانية : قال تروى لأولادى كتاب السنن ، قال : نعم ، هات الثالثة : فقال : تفرد لهم الرواية ، فإنهم أولاد الخلفاء لا يجلسون مع العامة ، فقال : أما هذه فلا سبيل إليها ، فإن الناس شريفهم ووضيعهم في العلم سواء ، قال ابن جابر : فكانوا يحضرون بعد ذلك ويقعدون ،ويضرب بينهم وبين الناس ستر فيسمعون مع العامة ([294])

إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

  فهذه الحلقة الخامسة والثلاثون في موضوع العزة في الإسلام وستكون بعنوان: صور من تمثل صفة العزة في حياة سلف هذه الأمة

27 – أحمد بن عبد الأحد الفروقي السرهندي :

ولنقرأ رسالته إلى قائد  من قواد الجيش الركن الأعظم للدولة في عهد جهان كير – خناخانان - .. أن ميدان البطولة الإسلامية لا يزال خالياً ينظر فارساً من فرسان الإسلام ، فهل تسبق إلى هذه السعادة ،وتحرز قصب السبق ، وتنصر هذا الدين المظلوم ، وتغضب لهذا الحق المهضوم ، وتبلغ بجهادك إلى حيث لا يبلغه المتعبدون الصائمون القائمون . فمهلاً يا أهل الغيرة والفتوة ويا أهل الشهامة والمرؤة ([295]) .

وما أن سمع رجال حاشية الملك جهان كير ، بتلك الرسائل ، حتى أخذتهم العزة بالآثم ، وراوا في وجود الشيخ رحمه الله خطراً عليهم وأن اتصالاته المريبة يخشى منها على الدولة وعلى الملك نفسه ، فأوغروا صدر الملك عليه وهمسوا في إذنه ، خطر دعوة  الشيخ واتصالاته ،وأشاروا عليه – كائدين – أن يطلبه إلى البلاط ، ويمتحنه بذلك تكون المحنة .. وبهذا يقضي عليه وعلى دعوته : تلك هي المكيدة . وهذه هي المؤامرة

لأن رجال الحاشية الملكية ،وجلاوزة الملك ، يعرفون حقاً ، صلابة الشيخ في إيمانه وقوة دعوته في يقينه ، وجرأته في مخالفته لما عليه الملك في أحواله الخاصة والعامة ، فلا تلين له قناة ، ولا يجامل أحداً ، ملكاً كان أو مملوكاً راعياً أم رعية ، وسوف لا يسجد للملك عند المقابلة ، كما يقتضي العرف الديبلوماسي المقيت ،وأن سأله الملك فستكون أجوبته جريئة صريحة ، ولن ترضي الملك، فتقع المحنة ، وتصيبه شرورها من اضطهاد ونحوه .

وافق الملك على إشارة رجال حاشيته ، واستدعى الشيخ إلى قصره وبلاطه فاستجاب الشيخ ، ولكنه رحمه الله كما قال الكائدين ، عندما دخل قصره ، نبهه إلى السجود فامتنع : ودخل مسلماً بتحية الإسلام ، فاستشاط غيظاً وقام هائجاً ، وسأل منكراً ما هذا ؟ أخرجوه ، وأمر باعتقاله في الحال . وأخذ مخفوراً ، وطرح في سجن حصن كواليار في قلب مدينة الهند .

لبث الشيخ فالسجن بضع سنين يشتغل بالعبادة ويدعو المسجونين معه إلى الإسلام ، فاسلم على يده كما جاء في دائرة المعارف الإسلامية مئات المسجونين ([296]) . 

 وصار الجناة من السارقين وقطاع الطرق ، يؤدون العبادة ويسجدون للحي القيوم سبحانه وتعالى ، وأصبحوا يأتمرون بأوامر الشيخ ، وظهر تعليمهم الصفات الخلقية الكريمة فتنبه لذلك مدير السجن ، وكتب إلى الملك رسالة خاصة يخبره فيها أن المحبوس الشيخ السرهندي ، ليس من شأنه أن يحبس ، وإنما هو ملك قلما ينجب الدهر مثله ، فإن رأى الملك أطلقنا سراحه وأكرمناه بما يستحقه ، فندم الملك على ما ظهر منه من بوادر الشدة في شأن الشيخ ، وأمر باحضاره إلى مقر المملكة ، ولما بلغه خبر دنوه من العاصمة ، بعث الأمير ( خوم ) ولي عهد المملكة .. لاستقباله والترحيب بمقدمه .

كل ذلك فعل لأنه تحرى أخبار الشيخ بنفسه ودرس حياته ، فوجد به العالم العامل والشيخ الصادق ، فأخذ يكسب وده ،ويتقرب إليه .

عاد الشيخ منصوراً ، فقد أدى واجبه في السجن ، وها هو يؤدي واجبه الشرعي عند الملك .

دخل الشيخ عليه ، وأعاد التحية بالسلام ، فرد الملك التحية وتلقاه بالترحاب .. والاعتذار .

وكان يوم هذه المقابلة في ليلة رمضان المبارك ، وأبي الملك إلا أن يضيف الشيخ عنده في هذا الشهر الكريم . ورجاه أن يسمعه ما يدور في خاطره ، وأن يحدثه عما يريد وأن يخبره بحقيقة دعوته ، فاستجاب الشيخ مستبشراً بذلك ، فهذا يوم طالما تمناه .

قضى الشيخ شهر رمضان في ضيافة الملك ، في بلاطه ، محدثاً إياه عن الإسلام وعدله ، شارحاً له واقع الخلفاء ، والصالحين الذين تولوا حكم المسلمين . وقد وهبه الله صدقاً في اللهجة وحسناً في التعبير ، وسلامة في العرض والملك ينصت له ، فبدأ الصلاة خلفه ، وأقام صلاة التراويح ، وأخذت أصداء آيات القرآن الكريم تجلجل في رحاب القصر ، وعاش الملك في جو روحي عبق ، حتى استطاع الشيخ بفضل الله وتوفيقه أن يغير قلب الملك وفكره . فأحب الإسلام واعتقد به ، وأعلن ذلك للأمة بمرسوم أصدره يحمل الأوامر التالية :

(1) تحريم السجود للملك .

(2) الإذن بذبح البقر .

(3) تعيين القضاة ورجال الحسبة في كل بلد .

(4) إعادة بناء المساجد المهدومة .

(5) إبطال القوانين المعارضة للشريعة الإسلامية .

وهكذا أخذ الولد الصالح المؤمن ينقض ما أبرمه الوالد الكافر الفاسد ، حسب قول الشيخ وأمره ، ولقد صدق من قال :

      إن الملوك لتحكم على الورى *** وعلى الملوك لتحكم العلماء

استأذن الشيخ الملك الصالح ، بالرجوع إلى بلده فأذن له معززاً مكرماً ، فعاد الشيخ إلى زاويته بسرهند ، مستمراً على النصح والإرشاد ، يعلم اتباعه ومريديه ،وليحملوا رسالته ، وليواصلوا من ارتقاء سلم الكمال بالدولة نحو الإسلام ، بعد أن تركها الشيخ في وضع حسن ، أمن المسلمون فيها على دينهم وزال عنهم ما أصابهم من هم وغم ، ومحن واضطهاد  وقد حمل الشيخ الإسلام ، في حمل دعوته وتحكيم شرعه في أعناق خلفائه وأولاده الذين تولوا الأمر من بعده .

 مات الشيخ وعمره عمر نبيه صلى الله عليه وسلم راضياً مرضياً .. ([297]) نسأل الله له ولجميع موتى المسلمين الخاتمة الحسنة ...

وفي الختام أسأل الله أن يمن علينا وعلى المسلمين بالعزة والكرامة بعز الإسلام والمسلمين وأن يمن على الجميع بالعلم النافع والعمل الصالح والثبات على الحق بعز عزيز وذل ذليل ، وأن يجعل هذا العمل خالصاً لوجه الكريم ، وأن يجعله علماً نافعاً وعملاً صالحاً متقبلا ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين .



([1] ) النساء / 1 

([2] ) آل عمران / 102 .

([3] ) الأحزاب / 71   وحديث خطبة الحاجة أخرجه أبو داود في ( السنن – كتاب النكاح – باب في خطبة النكاح ، 2 / 238 – 239 ) من حديث عبد الله بن مسعود ،والترمذي في ( الجامع – كتاب النكاح رقم الحديث 1105  وقال الترمذي حسن ) .

([4] ) سورة الرعد / 11 .

([5] )  يس / 14 .

([6] ) لسان العرب ، ابن منظور 5 / 374 .

([7] ) التوبة / 128 .

([8] ) ص / 23 .

([9] ) فتح الباري لابن حجر 13 / 369 .

([10] )المنافقون / 8 .

([11] )فاطر / 10 .

([12] )لسان العرب لابن منظور 5 / 374 .

([13] )البقرة / 206 .     (8 )فاطر / 10 .

([14] ) المنافقون / 8 .                                  (6)  ص / 38

([15] ) فتح الباري 13 / 369 .                        (7)  تفسير ابن كثير 7/52 ط الشعب

([16] ) الصفات الإلهية للجامي ص 203 ، ط الأولى .  (8)  في ظلال القرآن 5/ 2930

([17] )  الاعتقاد للبيهقي ص 15 ،

([18] )  في ظلال القرآن 5 / 2930 .

([19] )الاعتقاد للبيهقي ص15 .

([20] )الاعتقاد للبيهقي ص 17 .

([21] )البقرة / 129 . 

(4) البقرة /209

(5 ) البقرة / 228 .

([23] ) البقرة /220 .

([24] ) البقرة / 240 .

([25] ) البقرة / 260 .

([26] ) آل عمران / 6 .  ، (5) آل عمران / 18 .

([27] ) آل عمران /61- 62 .

([28] ) آل عمران 126 .

([29] ) المائدة / 38 .

([30] ) المائدة / 118 .

([31] ) الأنفال / 10 .

([32] ) الأنفال / 49 .

([33] ) الأنفال/ 63 . 

([34] ) الأنفال / 67 . 

([35] ) التوبة / 40 .

([36] ) التوبة / 71 .

([37] ) إبراهيم / 4 .

([38] ) النمل / 9 .

([39] ) العنكبوت / 26 .

([40] ) العنكبوت / 42 . (6)  النحل / 60

([41] ) الروم / 27 .

([42] ) لقمان / 9 .

([43] ) لقمان / 27 . 

([44]  ) سبأ / 27 .

([45] ) فاطر / 2 .

([46] ) الزمر /1 .

([47]) غافر / 8 .

([48] ) الشوري / 1-3 .

([49] ) الجاثية / 1-2 .

([50] ) الجاثية / 36 - 37 .

([51] ) الأحقاف / 1 – 2 .

([52] ) الحديد / 1 .

([53] ) الحشر / 1 .

([54] ) الحشر / 24 .

([55] ) الممتحنة / 5 .

([56] ) الصف /1 .

([57] ) الجمعة / 1 –2 .

([58] )  التغابن / 18 .

([59] )  النساء / 56 .

([60] ) النساء / 158 .

([61] ) النساء / 165 .

([62] )  الفتح / 7 .

([63] ) الفتح / 19 .

([64] ) الاعتقاد ص 16 . 

([65] ) الأنعام / 96 .  

([66] )  يسن / 38 . 

([67] ) النمل / 78 . 

([68] ) غافر / 221 . 

([69] ) فصلت / 12 . 

([70] ) الزخرف / 9 . 

([71] ) الاعتقاد للبيهقي ص 18 .  

([72] ) الحج / 40 

([73] ) الحج / 74 .

([74] ) الشوري / 19 .

([75] ) الحديد / 25 . 

([76] ) المجادلة / 21 . 

([77] ) الأحزاب / 25 . 

([78] ) الاعتقاد للبيهقي ص 18 .

([79] ) إبراهيم / 1 .

([80] )  سبأ / 6 .

([81] ) البروج / 8 .

([82] ) الاعتقاد للبيقهي ص 15 .

([83] ) الشعراء / 7 / 9 .

([84] ) الشعراء / 65 –68 .

([85] ) الشعراء / 91 –104 .

([86] ) الشعراء /116 – 122 .

([87] ) الشعراء / 123 – 140 .

([88] ) الشعراء / 141 – 159 .

([89] ) الشعراء / 160 – 175 .

([90] ) الشعراء / 176 – 191 .

([91] ) الشعراء / 216 – 220 .

([92] )  الروم / 5 .  

([93] ) السجدة / 6 .

([94] ) يسن / 1 – 5 .

([95] ) الدخان / 40 – 42 .

([96] ) الاعتقاد للبيهقي ص 16 .

([97] ) ص / 6 – 9 .

([98] )الاعتقاد للبيهقي ص 16 .

([99] )ص/ 65 ، 66 .

([100] )فاطر / 27 ، 28 .

([101] )الزمر / 5 .

([102] )غافر / 37 – 42 .

([103] )الملك / 1 – 2 .

([104] )معارج القبول 1 / 76 ،ط الرئاسة .

([105] )الاعتقاد ص 19 .

([106] )آل عمران / 4 .

([107] ) المائدة / 95 .

([108] ) إبراهيم / 47 .

([109] ) الزمر / 36 ، 37 .

([110] ) الاعتقاد / ص 15 .

([111] ) الحشر / 23 .

([112] )الاعتقاد / 18 .

([113] )القمر / 42 .

([114] )معارج القبول للحكمي 1 / 89 ، الاعتقاد ص 22 .

([115] )النساء / 138 ، 139 .

([116] )يونس / 65 .

([117] )فاطر / 10 .

([118] )الصافات / 180 –182 .

([119] )المنافقون / 8 .

([120] )أخرجه النسائي في السنن 7 / 84 باب تعظيم الدم ، وذكره الألباني في صحيح الجامع رقم 7885 ثم قال : صحيح .

([121] )صحيح البخاري ، كتاب الإيمان ، 12 , كتاب التوحيد13 ، 268 ، ومسلم ، ذكر / 68 ، أحمد 1 / 302 ، وذكر الألباني في صحيح الجامع رقم 1086 .

([122] )صحيح البخاري 13 / 369 رقم 7384 .

([123] )سنن أبي داود / 4744، الترمذي ، جنة / 21، أحمد 2 / 333، النسائي إيمان / 3 , وذكره الألباني في صحيح الجامع رقم  5086 ثم قال : صحيح .

([124] )صحيح البخاري 13 / 368 .

([125] )فتح الباري 13 / 369 .

([126] )النساء / 138 ، 139 .

([127] )يونس / 65 .

([128] )فاطر / 10 .

([129] )صحيح البخاري 7 / 177 رقم 3863 .

([130] )مسند أحمد 4 / 103 ، وذكر الهيثمي في جميع الزوائد 6 / 14 ثم قال : رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال صحيح .

([131] )أخرجه أحمد في المسند 1 / 63 ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 1 / 15 ثم قال .... ورجاله ثقات .

([132] )  جامع الترمذي 5 / 418 رقم 3315 ثم قال : حديث حسن صحيح .

([133] ) في ظلال القرآن 6 / 3580 ط الشروق .

([134] ) في ظلال القرآن  2 / 780 . 

([135] ) تفسير ابن كثير 6 / 523 .

([136] ) في ظلال القرآن 5 / 2930 .

([137] ) فاطر / 10 .

([138] ) آل عمران / 26 .

([139] ) الأنفال / 49 .

([140] ) الأنفال / 63 .

([141] ) التوبة/ 71 .

([142] ) الحج /40 .

([143] ) فاطر / 2 .

([144] ) المجادلة /21 .

([145] ) الفتح / 7 .

([146] ) صحيح البخاري ، الإيمان / 12 ، التوحيد / 7, ومسلم ذكر / 68 ، وأحمد 1 / 302 ، وذكره الألباني في صحيح الجامع رقم 1086 .

([147] ) صحيح مسلم 4 / 2072 رقم 2696  .

([148] )  فتح الباري 13 / 369 .

([149] )  تفسير ابن كثير 2 / 386 .

([150] )  في ظلال القرآن 3 / 1804 .

([151] )  في ظلال القرآن 5 / 2930    ، (2) النحل / 36

([152] )  الفتح / 19 .

([153] )  آل عمران /

([154] )  آل عمران 18 .

([155] )  آل عمران / 62 .

([156] )  سبأ / 27.

([157] )  ص / 65 ، 66 . 

([158] )التوبة / 71 .

([159] )النساء / 138 ، 139 .

([160] )يونس / 65 .

([161] )النساء / 138 ، 139 .

([162] )فاطر / 10 .

([163] )المنافقون /8 .

([164] ) أخرجه النسائي في السنن 7 / 84 ، وذكره الألباني في صحي الجامع رقم 7885 . قال صحيح .

([165] ) فاطر / 10 .

([166] ) التوبة / 71 .

([167] ) لقمان / 9 . 

([168] ) في ظلال القرآن 5 / 2930 .

([169] ) الصافات / 180 – 182 .

([170] )المنافقون / 8 .

([171] ) البقرة / 129 .

([172] ) سبا / 6 .

([173] )إبراهيم / 4 .

([174] )الزمر / 36 ، 37 .

([175] )البقرة / 209 .

([176] )البقرة / 175 .

([177] )البقرة / 228 .

([178] )البقرة / 240 .

([179] )الرؤوم / 27 .

([180] )البقرة / 260 .

([181] )المائدة / 118 .

([182] )الأنعام /  / 69 . 

([183] )آل عمران /126 .

([184] )الأنفال / 10 .

([185] )الممتحنة / 5 .

([186] )أخرجه البخاري في كتاب الإيمان / 12 ، وكتاب التوحيد / 7 ،ومسلم باب الذكر / 68 ، وأحمد 1 / 302 وذكره الألباني في صحيح الجامع رقم 1086 من حديث ابن عباس .

([187] )المائدة / 38 .

([188] )الأنفال / 49 . 

([189] ) الأنفال / 63 .

([190] )الشعراء / 216 –220 .

([191] )الأنفال / 67 .

([192] )التوبة / 40 .

([193] )الحديد / 25 .

([194] )هود / 66 .

([195] )المجادلة / 21 .

([196] )إبراهيم / 1 .

([197] )غافر / 41 ، 42 .

([198] )الحج / 74 .

([199] )المسند 2 / 72 ورجاله ثقات .

([200] )الشعراء / 7 – 9 .

([201] )الشعراء / 65 –68 .

([202] )الشعراء / 91 – 104 .

([203] )الزمر / 5 .

([204] )فصلت / 12 .

([205] )الشعراء / 166 –122 .

([206] )الشعراء / 123 – 140 .

([207] )الشعراء / 141 –159 .

([208] )الشعراء / 160 – 175 .

([209] )الشعراء / 176 – 191 .

([210] )لقمان / 27 .

([211] )  التغابن / 18 .

([212] )  النمل / 9 .

([213] )  النمل / 78 .

([214] )  السجدة / 6 .

([215] ) الحشر / 23 – 24 .

([216] )الروم / 5 .

([217] )فاطر / 2 .

([218] )ص / 9 .

([219] )الدخان / 40 – 42 .

([220] )فاطر / 28 .

([221] )غافر / 8 .

([222] )  الشوري / 19 .

([223] )  الملك / 1 – 2 .

([224] )  الجاثية / 36 ، 37 . 

([225] )  الحديد / 1 .

([226] )  الحشر / 1 .

([227] )  الحشر / 24 . 

([228] )  الجمعة / 1 .

([229] )  الحشر / 23 .

([230] )  الصف / 1 .

([231] )  الممتحنة / 5 .

([232] )  البروج / 8 .

([233] )  الأحزاب / 25 .

([234] )  أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة ( جامع الترمذي 4 / 76 رقم 2029 ) ثم قال حسن صحيح والدا رامي في الزكاة / 35 والموطأ ، صدقة / 12 ،  المنسد لأحمد 3 / 286 .

([235] ) آل عمران / 26 .

([236] )آل عمران / 139 .

([237] )فدائيون في تاريخ الإسلام للدكتور أحمد الشرباص ط 1402 هـ .

([238] )الإسلام بين العلماء والحكام ، لعبد العزيز البدري ص 188 –189 .

([239] )أحمد بن حنبل لابي زهرة ، المناقب لابن الجوزي ، تاريخ الطبري ، حلية الأولياء لابي نعيم ، تاريخ ابن كثير ، المقضى للمقريزي ، تاريخ الخلفاء للسيوطي ، الطبقات للسبكي ، النجوم الزاهرة ، الإسلام بين العلماء والحكام لعبد العزيز البدري ط 1400هـ

([240] )وفيات الأعيان لابن خلكان ص 112 جـ 2 ، الإسلام بين العلماء والحكام للبدري ص 138 – 143 – 143 .

([241] )الطبقات الكبرى لابن سعد ، الإسلام بين العلماء والحكام للبدري ص133 –137 ومن 118 –119 .

( [242] )الإمام الصادق لابي زهرة ، الإمام الصادق للمظفري ، الإسلام بين العلماء والحكام من ص 144 –149 .

( [243] )الإسلام بين العلماء والحكام ص 117 – 118 .

 (1) سورة الفجر الآيات 6-14  ، ( 2) الإسلام بين العلماء والحكام ص 84 – 85 .

( [245] ) مختصر منهاج السنة اللذهبي ، الإسلام بين العلماء الحكام للبدري .

( [246] )الحافظ أحمد بن تيميه ص 58 –61 للندوي ط الأولى عام 1395 هـ .

( [247] )الإعلام العلية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيميه للبزار ص 65 ط عام 1396هـ .

( [248] )الإسلام بين العلماء والحكام لعبد العزيز البدري ص 76 .

( [249] )المناقب لأبي البراري 1 / 166 ، تاريخ بغداد 13 / 351 ، الإسلام بين العلماء والحكام ص 151 .

( [250] )المناقب لأبي طالب المكي ، الإسلام بين العلماء والحكام للبدري ص 151 – 152 .

( [251] )تاريخ بغداد 13 / 328 ، الإسلام بين العلماء والحكام ص 153 .

( [252] )الشافعي لأبي زهرة ص 21 ، الإسلام بين العلماء والحكام للبدري ص 182- 185 .

( [253] )أحياء علوم الدين 5 / 121 ، الإسلام بين العلماء والحكام ص 89 .

( [254] )حلية الأولياء ، لأبي نعيم 6 / 380 – 381 ، سفيان الثوري للبيانوني ص 140 –1141 .

( [255] )الورع للإمام أحمد ص 59 ، سفيان الثوري للبيانوني ص 141 .

( [256] )الورع للإمام أحمد ، الحلية ، مقدمة تفسير الثوري ، تفسير الطبري ، سفيان الثوري .

( [257] )مقدمة تفسير الثوري ، الورع لا حمد ، الحلية لابن نعيم ، سفيان الثوري للبيانوني .

( [258] )حلية الأوليا 5 / 120 .

( [259] )الأحياء 7 / 88 ، 89 ، الإسلام بين العلماء والأحكام ص 94 – 97 .

( [260] )الإسلام بين العلماء والحكام .

( [261] )الإسلام بين العلماء والحكام ص 76 .

( [262] )الآية 33 الزخرف .

( [263] )مقال ابن خليفة وقاضي في مجلة الأزهر رمضان سنة 1371هـ للأستاذ عبد الحميد العبادي .

( [264] )آية 18 الزمر ، الإسلام بين العلماء والحكام ص 93 – 94 .

( [265] )الآية 77 النساء .

( [266] )الآية 109 التوبة .

( [267] )الإسلام بين العلماء والحكام ص 74 – 75 .

( [268] )العز بن عبد السلام ، سلطان العلماء لمحمد على قطب ط المكتب الإسلامي ط الاولى 1404هـ ، ص 34 ، 35 .

( [269] )المرجع السابق ص 36 – 38 .

( [270] )المرجع السابق ص 38 – 39 .

( [271] )الإسلام بين العلماء الحكام ص 193 – 196 .

( [272] )الإسلام بين العلماء الحكام ص 92 – 93 .

( [273] )الإسلام بين العلماء الحكام ص 83 – 84  . 

( [274] )الإسلام بين العلماء الحكام ص83 الأحياء جـ 5 ص 54 . 

( [275] )عمر بن عبد العزيز ، محمد على حفناوي ص 12 ، 13 ط المكتب الإسلامي . 

( [276] )تاريخ ابن كثير 10 / 84 ، مالك لابي زهرة ص 60 . الإسلام بين العلماء والحكام ص 155 –159 .

( [277] )من أخلاق العلماء ص 9 .

( [278] )الإسلام بين العلماء والحكام ص 101 . 

( [279] ) الإمام النووي ، لعبد الغني الدقر ،ط دار القلم ، دمشق ، بيروت ص 142 . 

( [280] )المرجع السابق ص 155- 156 . 

( [281] ) عبد الله بن المبارك الإمام القدوة ، محمد عثمان جمال  ط الثانية 1399 هـ ص 232 – 233 . 

( [282] )طبقات الشعراني 1 : 95 . 

( [283] ) أحياء علوم الدين 1 : 7 . 

( [284] )حلية الأولياء 8 : 169 .

( [285] )تقدمة الجرح والتعديل ص 263 .

( [286] )شرح حديث "" ما ذئبان جائعان .. " لابن رجب الحنبلي ص 12 – 13 من المجلد الثاني من"" مجموعة الرسائل  المنبرية " .

( [287] )حلية الأولياء ( 8 : 169 ) وذكرها الذهبي في تذكرة الحفاظ ( 1 : 355 ) .

( [288] )أحياء علوم الدين ( 2 : 13 ) وتنسب هذه القصة لغيره . 

( [289] )ذيل الجواهر المضية ( 2 : 529 ) . 

( [290] )عبد الله بن المبارك الإمام القدوه ص 236 – 239 . 

( [291] )البداية والنهاية 11 / 55 . 

( [292] )وفيات الأعيان 2 / 139 ، وشذرات الذهب 1 / 167 ، 168 . 

( [293] )تهذيب ابن عساكر 6 / 246 . 

( [294] )مقدمة معالم السنن ص 2 ، وتهذيب ابن عساكر 6 / 245 ، وطبقات الشافعية 2 / 296 أبو داود الإمام الحافظ الفقيه ، لتقي المظاهر ،ط الأولى 1400 هـ .

( [295] )مجلة المسلمون ص 625 ، 627 مقال للأستاذ أبي الحسن النووي . 

( [296] )الإسلام بين العلماء والحكم للبدري ص 208 – 214 .

(  1 )الإسلام بين العلماء والحكم للبدري ص 208 – 214 .