العجلة والاستعجال

 

 

 

 

 
  العجلة

 

 

 

                                 والاستعجال

 

 

 

 

(( أم الندامة ))

 

إعداد

د / مسفر بن                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                            سعيد دماس الغامدي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

العجلة والإستعجال

إن الحمد لله نحمده و نستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا أله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .

{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } ([1]) .

 { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها ، وبث منها رجالاً كثيراً ونساءً ، واتقوا الله الذي تساءلون  به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً } ([2]) .

{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً ، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ،ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً } ([3])  . أما بعد . فهذه الحلقة الأولى في موضوع العجلة والإستعجال وستكون بعنوان : المقدمة والتعريفات

*المقدمة :

إن المبادرة إلى الطاعات والمسارعة في أدائها ، مما دعا إليه الإسلام ورغب فيه قال تعالى : { فاستبقوا الخيرات } ([4])  وقال سبحانه { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة }([5])  وهذه العجلة والمبادرة والمسارعة محمودة في جميع الصالحات ؛ خشية أن يمنع الهوى ، أو تعرض العوارض المتنوعة ، أو الآفات ، والموت لا يؤمن ، والتسويف غير محمود ، والمبادرة أخلص للذمة ، وأرضي للرب تعالى و أمحى للذنب .

. وقد ندب السلام إلى فعل كثير من الطاعات في أول وقتها ورتب على ذلك كبير الأجر مثل الصلاة ...

وحذر من التأخير والتسويف في كثير من العبادات مثل أداء الحج حال الاستطاعة لكن الحكيم سبحانه حذر في كتابه وعلى لسان رسوله – صلى الله عليه وسلم - من العجلة والاستعجال في مواطن شتى لما يترتب على ذلك من ندامة .

     ولذلك فهو سبحانه يملي ولا يهمل ، ونفى عن نفسه العجلة ووصف نفسه   بالأناة ، وعدم الاستعجال .

لكنه ركب العجلة في خلقة (( الإنسان ))  وأمره بعدم الاستعجال اختباراً وامتحاناً ؛ والله المستعان .

*تعريف العجلة :

 العجلة : فعل الشيء قبل وقته اللائق به ، وقيل : طلب الشيء و تحريه قبل أوانه .. ([6])

 قال الجصاص : العجلة : التقدم بالشيء قبل وقته ، وسرعة عمله في أول أوقاته ولذلك صارت العجلة مذمومة ... ([7])

وقال الطبري : التثبت هو خلاف العجلة .. ، ويقال عجل  فلا ن هذا الأمر إذا سبقه ... ([8]) .

وقال القرطبي : .... وقرأ حمزة والكسائي " فتثبتوا " من التثبت ، الباقون : " فتبينوا من التبين "  " أن تصيبوا " أي لئلا تصيبوا ، فإن في محل نصب بإسقاط الخافظ " قوماً بجهالة " أي بخطأ " فتصبحوا على ما فعلتم نادمين " على العجلة وترك التأني ...([9])

وقال الشوكاني : التثبت الأناة وعدم العجلة .... ([10])

وقال ابن الجوزي : ... التمكث الذي يضاد العجلة ... ([11])

وقال أبو السعود : ... عجل معنى سبق يقال عجل عن الأمر إذا تركه غير تام ... ([12])

وقال أبن القيم : والعجلة : طلب أخذ الشيء قبل وقته ، فهو لشدة حرصه عليه بمنـزلة من يأخذ الثمرة قبل أوان إدراكها ، فالمبادرة : وسط بين خلقين مذمومين أحدها التفريط والإضاعة ، والثاني :الاستعجال قبل الوقت ، ولهذا كانت العجلة من الشيطان ، فإنها خفة وطيش  ، وحدة ، في العبد تمنعه من التثبت والوقار والحكم.وتوجب له وضع الأشياء في غير مواضعها ، وتجلب عليه أنواعاً من الشرور ، وتمنعه أنواعاً من  الخير ، وهي قرين الندامة ، فقل من استعجل إلا ندم ، كما أن الكسل قرين الفوت والإضاعة " ([13]).

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

 

 

 

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثانية في موضوع العجلة وستكون بعنوان:
المبحث الأول :

1-                    الله لا يعجل .

 الله سبحانه وتعالى لا يستعجل ، بل يملي ويمهل  للظالم لكنه لا يهمل سبحانه وتعالى  فإذا أخذ أخذ عزيز مقتدر ، ولذلك قال تعالى : (( وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة .. )) ([14])  .

قال الطبري : " فأخبر عن إملائه أهل القرية الظالمة وتركه معاجلتهم بالعذاب فبين بذلك أنه عنى بقوله " وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون " نفي العجلة عن نفسه ووصفها بالأناة والإنتظار .

وإذا كان  ذلك كذلك كان تأويل الكلام : وإن يوماً من الأيام التي عند الله يوم القيامة يوم واحد كألف  سنة من عددكم ، وليس ذلك عنده ببعيد وهو عندكم ببعيد فلذلك لا يعجل بعقوبة من أراد عقوبته حتى يبلغ غاية مدته .. ([15])

قال تعالى : (( ويستعجلونك بالعذاب ، ولن يخلف الله وعدة ، وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون )) ([16]) .

2-                    خلقت العجلة في الإنسان

 قال جل ثناؤه :  (( خلق الإنسان من عجل )) ([17])

 قال أبو السعود : جعل لفرط استعجاله ، وقلة صبره كأنه مخلوق منه تنـزيلا لما طبع عليه من الأخلاق ..  ومن عجلته مبادرته إلى الكفر ، وإستعجاله بالوعيد ... ([18])

 وقال الطبري : .... يقول تعالى ذكره : (( خلق الإنسان )) :  يعني آدم ، (( من  عجل " واختلف أهل التأويل في تأويله فقال بعضهم معناه : من عجل في بنيته وخلقته كان من العجلة وعلى العجلة ...

قال سعيد بن جير : ... لما نفخ فيه الروح في ركبتيه ذهب لينهض فقالت الله :       (( خلق الإنسان من عجل ))  ...

 وقال السدي : لما نفخ فيه يعني في آدم الروح فدخل في رآسة عطس فقال الملائكة : قل الحمد لله . فقال : الحمد لله ، فقال الله له : رحمك ربك  ، فلما دخل  الروح في عينه نظر إلى ثمار الجنة ، فلما دخل في جوفه اشتهى الطعام فوثب قبل أن تبلغ الروح رجليه عجلان إلى ثمار الجنة فذلك حين يقول : (( خلق الإنسان من عجل )) يقول خلق الإنسان عجولاً ... ([19])

وقال ابن زيد  ... على عجل آدم آخر ذلك اليوم .. يوم الجمعة ، وخلقه على عجل وجعله عجولاً . ([20])

وقال القرطبي : وكان الإنسان عجولاً : أي :طبعه العجلة فيجعل بسؤال الشر كما يعجل بسؤال الخير ، وقيل : أشار به إلى آدم عليه السلام حين نهض قبل أن تركب فيه الروح .. ([21])

ثم قال : أي ركب على العجلة فخلق عجولاً ..

وقال : ... أي قيل له كن فكان .. ([22])

 وقال الواحدي : .... يريد إن خلفته على  العجلة وعليها طبع ... ([23])

 وقال المحاسمي : معناه خلق العجل من الإنسان وهي العجلة لأن آدم عليه السلام أراد أن يقوم قبل أن تصير الروح إلى رجليه . فقال جل ثناؤه . (( خلق الإنسان من عجل )) لأن العجل فعل الإنسان بعد ما خلق ، وكذلك قوله (( وكان الإنسان عجولا )) ([24])

وقال الشوكاني : (( ... أي جعل لفرط استعجاله كأنه مخلوق  من العجل )) ([25])  

وقال ابن قتيبه : أن في الكلام تقديماً وتأخيراً والمعنى : خلقت العجلة في  الإنسان .. )) ([26])

قال مجاهد :  (( .... خلق الإنسان من عجل )) قال خلق آدم عليه السلام حين خلق بعد كل شيء من آخر النهار من يوم خلق الخلق ، فلما أحيى الروح عينيه ولسانه ورأسه ولم يبلغ أسفله قال : يا رب استعجل بخلقي قبل غروب الشمس )) ([27])

ونخلص إلى أن الإنسان ركب الله فيه العجلة فهو يستعجل في أمور كثيرة وفي كثير من المواقف ، وتمثل في أفعاله .

 وهذا لا شك من ضعف الإنسان ، والله سبحانه وتعالى أمر الإنسان بعدم العجلة والاستعجال ، حتى يتغلب على هذا النقص والضعف ، فإذا امتثل الإنسان لأمر الله أرتفع و أرتقي ، وإذا لم يمتثل فإنه  سيبقى في  ضعفه وعجزه والله المستعان .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثالثة في موضوع العجلة وستكون بعنوان:

المبحث الأول :

3-                    أمر الله عباده بالتأني وعدم الإستعجال .

قال سبحانه : (( سأوريكم آياتي فلا تستعجلون ))  ([28])

قال الشوكاني : قيل نـزلت في قريش لأنهم استعجلوا العذاب .. وآياتي : نقماتي منكم بعذاب النار ، فلا تستعجلون أي لا تستعجلوني بالإتيان به ، فإنه نازل بكم لا محالة ... ([29]) .

وقال الطبري : سأوريكم آياتي فلا تستعجلون أيها المستعجلون ربهم بالآيات القائلون لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الأولون ، وآياتي كما أريتها من قبلكم من الأمم التي أهلكناها بتكذيبها الرسل إذا أتتها الآيات فلا تستعجلون ، يقول : فلا تستعجلوا ربكم فإنا سنأتيكم بها ونريكموها .. )) ([30]) 

وقال القرطبي : (( سأوريكم آياتي فلا تستعجلون )) هذا يقوى القول الأول وأن طبع الإنسان العجلة وأنه خلق خلقاً لا يتمالك ... والمراد بالآيات ما دل على صدق  محمد عليه السلام من المعجزات وما جعله من العاقبة المحمودة ، وقيل : ما طلبوه من العذاب فأراد الاستعجال وقالوا : متى هذا الوعد ، وما علموا  أن لكل شيء أجلاً مضروباً ، نـزلت في النصر بن الحارث ،  وقوله : (( إن كان هذا هو الحق )) وقال الأخفش سعيد : معنى (( خلق الإنسان من عجل )) أي قيل له كن فكان ، فمعنى  (( فلا تستعجلون )) على هذا القول أنه من يقول للشيء كن فيكون لا يعجزه إظهار ما استعجلوه من الآيات .. ([31])

وقال ابن الجوزي : هذه الآية نـزلت حين  استعجلت قريش العذاب .... )) ([32])

وقال تعالى : (( أتي أمر الله فلا تستعجلوه ، سبحانه وتعالى عما يشركون )) ([33])

قال أبو  السعود : هو جواب لقولهم : (( متى هذا الوعد إن كنتم صادقين )) ([34])([35])  

وقال ابن كثير : (( أي : قرب ما تباعد فلا تستعجلوه .. أي : العذاب كما قال تعالى (( ويستعجلونك بالعذاب .. )) ([36])([37]) .

قال صاحب الظلال : لقد كان مشركو مكة يستعجلون الرسول – صلى الله عليه وسلم _ أن يأت بعذاب الدنيا أو عذاب الآخرة ، وكلما أمتد بهم الأجل ولم ينـزل بهم العذاب زادوا . استعجالاً ، وزادوا استهزاءً ، وزادوا  استهتاراً ؛ وحسبوا أن محمداً يخوفهم ما لا وجود له ولا حقيقة ، ليؤمنوا له ويستسلموا ، ولم يدركوا حكمة الله في إمهالهم ورحمته في أنظارهم ؛ ولم يحاولوا تدبر آياته في الكون ، وآياته في القرآن . هذه الآيات التي تخاطب العقول والقلوب ، خير من خطابها بالعذاب ، والتي تليق بالإنسان الذي أكرمه الله بالعقل و الشعور وحرية الإرادة والتفكير ...

وجاء مطلع السورة حاسماً جازماً (( أتى أمر الله )) ... يوحي بصدور الأمر وتوجيه الإرادة ؛ وهذا يكفي لتحقيقه في الموعد الذي قدره الله لوقوعه (( فلا تستعجلوه )) فأن سنة الله تمضي وفق مشيئه ، لا يقدمها إستعجال ولا يؤخرها رجاء ، فأمر الله بالعذاب أو بالساعة قد قضي وانتهى ، أما وقوعه ونفاده فسيكون في حينه المقدر ، لا يستقدم ساعة ولا يتأخر .

وهذه الصيغة الحاسمة الجازمة ذات  وقع في النفس مهما تماسك أو تكابر ، وذلك فوق مطابقتها لحقيقة الواقع ، فأمر الله لا بد واقع ، ومجرد قضائه  يعد في حكم نفاذه ، ويتحقق به وجوده ، فلا مبالغة في الصيغة ولا مجانبة للحقيقة ، وفي الوقت الذي تؤدي غايتها من التأثر العميق في الشعور ... )) ([38]) 

وقال تعالى : (( لا تحرك به لسانك لتجعل به ، إن علينا جمعه وقرآنه ، فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ، ثم إن علينا بيانه )) ([39])  

قال ابن كثير : هذا تعليم من الله _ عز وجل _ لرسوله – صلى الله عليه وسلم – في كيفية  تلقيه الوحي من الملك ، فإنه كان يبادر إلى أخذه ويسابق الملك في قراءته ، فأمره الله – عز وجل _ إذا جاءه الملك بالوحي أن يستمع له ، وتكفل له أن يجمعه في صدره ، وأن ييسره لأدائه على الوجه الذي ألقاه إليه ، وأن يبينه له ويفسره ، ويوضحه فالحالة الأولى : جمعه في صدره ، والثانية : تلاوته ،و الثالثة : تفسيره وإيضاح معناه ، ولهذا قال : (( لا تحرك به لسانك لتجعل به )) أي : بالقرآن ، كما قال : (( ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضي إليك وحيه، وقل رب زدني علماً )) ([40]) ...   ([41])

 وقال الشوكاني : أي لا تحرك بالقرآن لسانك عند إلقاء الوحي لتأخذه على عجل فخافة أن يتفلت منك ..  (( كلا بل تحبون العاجلة )) كلا للردع   عن العجلة والترغيب في الأناة  ([42]) .

 وقال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : (( عفا الله عنك لما أذنت لهم )) ([43]) .

قال الشوكاني : للإنكار من الله تعالى على رسوله – صلى الله عليه وسلم -حيث وقع منه الإذن لمن أستأذنه في القعود قبل أن يتبين من هو صادق منهم في عذره الذي أبداه ومن هو كاذن ... وفيها أيضاً دلالة على مشروعية الاحتراز عن العجلة والاغترار بظواهر الأمور وحتى في (( حتى يتبين لك الذين صدقوا ))للغاية ، كأنه قيل لم سارعت إلى الإذن لهم ، وهلا تأنيت حتى يتبين لك صدق من هو صادق منهم في العذر الذي أبداه وكذب من هو كاذب منهم في ذلك .... ) ([44])

-   وأخرج الترمذي بسنده من حديث عبد الله بن سرجس المزني أن النبي صلى الله عليه وسلم -قال : السمت الحسن ، والتؤدة ، والاقتصاد ،جزء من أربعة وعشرين جزءاً من النبوة " ثم  قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب .. والصحيح حديث نصر بن علي  يعني حديث عبد اله بن سرجس . ([45]) .

- قال المباركفوري : التؤدة : أي : التأني في جميع الأمور ... ، وقوله ”من        النبوة ": يريد أن هذه الخصال من شمائل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأنها جزء من فضائلهم فاقتدوا بهم فيها ، وتابعوهم عليها ... ) ([46])

-      وأخرج مسلم بسنده من حديث ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأشبح ؛ أشج عبد القيس " إن فيك خصلتين يحبهما الله : الحلم والأناة "   ثم قال الشارح : الأناة هي التثبت وترك العجلة ([47]).

- وقال المباركفوري : قال عمرو بن العاص : لا يزال المرء يجتني من ثمرة العجلة الندامة ، ثم العجلة المذمومة : ا كان في غير طاعة ، ومع عدم  التثبت وعدم خوف الفوت وقد قيل : لا تعجل عجلة الأخرق  ، ولا تحجم إحجام الواني الفرق ، .. وقيل يستثنى من ذلك : ما لا شبه في خيريته قال تعالى : (( إنهم كانوا يسارعون في الخيرات )) " ([48])

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الرابعة في موضوع العجلة وستكون بعنوان:

المبحث الأول :

4-                    عجلة الأنبياء والرسل :

 الأنبياء هم الذين نبأهم الله وأطلعهم على الغيب فمنهم من أرسله الله برسالة جديدة ، ومنهم من كلفة الله بتجديد رسالة رسول قبله ، وهم صفوة البشر ومع ذلك فمنهم من استعجل فعاتبه الله ، ومنهم من استعجل في بعض الأمور فأقره الله على فعله .. ومن هؤلاء :  -

1-                    يونس بن متى – صلى الله عليه وسلم - :

قال تعال : { فاصبر لحكم ربك ولا تكن لصاحب الحوت إذ نادى وهو  كصاحب مكظوم } ([49])  .

قال الطبري : قال قتادة : يقول في قولة : (( ولا تكن كصاحب الحوت)): لا تكن مثله في العجلة والغضب. يقول لا تعجل كما  عجل ولا تغضب كما غضب. )) . ([50])

 وقال أبن الجوزي : هو يونس ، وفي ماذا نهى أن يكون مثله قولان : أحدهما : أنه العجلة والغضب قاله قتادة .

 والثاني : الضعف عن تبليغ الرسالة قاله أبن جرير ([51]) .

وقال القرطبي . (( و لا تكن كصاحب الحوت )) يعني يونس عليه السلام أي: لا تكن مثله في  الغضب و الضجر و العجلة . وقال قتادة : إن الله تعالى يعزي نبيه -صلى الله عليه وسلم - ويأمره بالصبر ، ولا يعجل كما عجل صاحب الحوت . ([52])

2-                    موسى بن عمران - صلى الله عليه وسلم -  :

 قال تعالى : (( وما أعجلك عن قومك يا موسى  قال  : هم أولاء على أثري ، وعجلت إليك ربي  لترضى )) ([53]) .

قال القرطبي : قال ابن عباس : كان الله عالماً ولكن قال : "(( وما أعجلك عن قومك )) ؟ رحمة لموسى وإكراماً له بهذا القول وتسكينا لقلبه ، ورقة عليه فقال مجيباً لربه : (( هم أولاء على أثرى وعجلت إليك رب لترضى )) . أي : عجلت إلى الموضع الذي أمرتني بالمصير إليه لترضى عني يقال : رجل عجل وعجل وعجول عجلان بينّ العجلة ، والعجلة خلاف البطء .. ([54]) 

وقال الشوكاني : .. هذا حكاية لما جرى بين الله سبحانه وبين موسى عند موافاته الميقات ، قال المفسرون : وكانت المواعدة أن يوافي موسى وجماعة من وجوه قومه ، فسار موسى بهم ثم عجل من بينهم شوقاً إلى به ، فقال الله له : (( ما أعجلك ))       أي : ما الذي حملك على العجلة حتى تركت قومك وخرجت من بينهم فأجاب موسى عن ذلك ، قال (( هم أولاء على أثري )) أي : هم بالقرب مني تابعون لأثري واصلون بعدي .. ثم قال مصرحاً بسبب ما سأله الله عنه فقال : (( وعجلت إليك رب لترضى ))أي لترضى عني بمسارعتي إلى إمتثال أمرك أو لتزداد رضا عني بذلك ... ([55]).

وقال ابن الجوزي : قال المفسرون : لما نجى الله تعالى بني إسرائيل وأغرق فرعون ، قالوا : يا موسى لو أتينا بكتاب من الله فيه الحلال والحرام والفرائض ؟  فأوحى الله إليه يعده أنه منـزل عليه ذلك في الموضع الذي كلمه فيه ، فاختار سبعين فذهبوا معه إلى الطور  لأخذ التوراة ، فعجل موسى من بينهم شوقاً إلى ربه وأمرهم بلحاقه ، فقال الله تعالى له : ما الذي حملك على العجلة عن قومك ؟ قال هم أولاء أي هؤلاء على أثري .. والمعنى هم بالقرب مني يأتون بعدي (( وعجل إليك رب لترضى )) أي لتزداد رضي ..([56]) .

وأخرج مسلم من حديث أبي بن كعب أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "رحمة الله علينا وعلى موسى لولا أنه عجل واستحيا ، وأخذته ذمامه من صاحبه فقال له : إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني لرأي من صاحبه عجباً " .

وفي البخاري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "يرحم الله موسى لوددنا أنه  صبر حتى يقص علينا من أمرهما .. " والذمامه بمعنى المذمة وهي الرقة والعار . ([57]) . ([58])

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الخامسة في موضوع العجلة وستكون بعنوان:

المبحث الأول : 4- عجلة الأنبياء والرسل :

3-                    محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم  - :

 قال تعالى : { لا تحرك به لسانك لتجعل به } ([59]) .

 قال الشوكاني : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  يحرك شفته ولسانه بالقرآن إذا أنـزل عليه قبل فراغ جبريل من قراءة الوحي حرصاً على أن يحفظه صلى الله عليه وسلم - فنـزلت هذه الآية ، أي : لا تحرك بالقرآن لسانك عند إلقاء الوحي لتأخذه على عجل مخافة أن يفلت منك  ، ومثل هذا قول (( ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضي إليك وحيه .. ))([60])  الآية  إن علينا جمعه في صدرك حتى لا يذهب عليك منه شيء ، وقرآنه أي إثبات قراءته  في لسانك ... ) ([61]) .

ويتضح مما سبق أن هؤلاء الأنبياء لم يستعجلوا استعجالاً صادراً عن هوى أو عن عدم صبر وتأني إنما كان استعجالهم فيما ذكر حباً للخير ورغبة في تحصيل الفضل ونـزولاً عند رضي الله ، ومع ذلك فقد سددهم  الله ، ووجههم  لما هو الحق ، ولأنهم بشر وقد اجتهدوا ؛ فإن أصابوا فإن الله يقرهم على ذلك وإن أخطأوا فإن الله يدلهم على الصواب ، صلوات الله وسلامه على جميع أنبياءه ورسله .

5-    كل نبي تعجّل دعوته المستجابة إلا محمد - صلى الله عليه وسلم - اختبأها شفاعة لأمته يوم القيامة .

-  أخرج مسلم بسنده من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - " لكل نبي دعوة مستجابة ، فتعجّل كل نبي دعوته ، وإني اختبأت دعوتي شفاعة  لأمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً " ([62])

-     قال المباركفوري : قال النووي معناه : أن كل نبي له دعوة متيقنة الإجابة وهو على يقين من إجابتها ، وأما باقي دعواتهم فهم على طمع من إجابتها ، وبعضها يجاب ، وبعضها لا يجاب ، وذكر القاضي عياض: أنه يحتمل أن يكون المراد لكل نبي دعوة لأمته ... وقال ابن بطال : في هذا الحديث بيان فضل نبينا صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء حيث آثر أمته على نفسه وأهل بيته بدعوته المجابة ، ولم يجعلها أيضا دعاء عليهم بالهلاك كما وقع لغيره ممن تقدم ... " ([63])

6-                    لماذا سميت الدنيا العاجلة ؟

قال تعالى : (( من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد )) ([64]) .

قال الطبري : من كانت الدنيا همه وسدمه وطلبته ونيته عجل الله له فيها ما يشاء ثم أضطره إلى جهنم .. .

قال ابن زيد ... العاجلة : الدنيا ...... " ([65])

وقال السيوطي : عن قتادة في قوله (( من كان يريد العاجلة )) قال : من كانت همه ورغبته وطلبته ونيته عجل الله له فيها ما يشاء ثم أضطره إلى جهنم ، يصلاها مذموماً في نقمة الله مدحوراً في عذاب الله .. " ([66]) .

وقال أبو السعود : الحياة واستمرارها من جملة ما عجل له فالأنسب  بذلك كلمة     (( من )) كما في قوله تعالى : (( ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ما نشاء ))  أي ما نشاء تعجيله له من نعيمها ، لا كل ما يريد ، لمن نريد تعجيل ما نشاء له ... " ([67])

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السادسة في موضوع العجلة وستكون بعنوان:

المبحث الثاني :

العجلة الممدوحة :

1-    الإستعجال باغتنام الشبيبة والصحة والفراغ :

أخرج البخاري بسنده من حديث ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . " نعمتان مغبون فيها كثير من الناس : الصحة ، والفراغ " ([68])

قال ابن حجر : قال القاضي أبو بكر بن العربي : اختلف في أول نعمة الله على العبد فقيل الإيمان ، وقيل الحياة ، وقيل الصحة والأول أولى ، فإنه نعمة مطلقة، وأما الحياة والصحة فإنهما نعمة دنيوية ، ولا تكون نعمة حقيقة إلا إذا صاحبت الإيمان ، وحينئذ يغبن فيها كثير من الناس أي يذهب ربحهم أو ينقص ، من إسترسل  مع نفسه الأمارة بالسوء الخالدة إلى الراحة فترك المحافظة على الحدود، والمواظبة على الطاعة فقد  غبن ، وكذلك إذا كان فارغاً  فإن المشغول قد يكون له معذرة بخلاف الفارغ فإنه يرتفع عنه المعذرة وتقوم عليه الحجة " ([69])

 وأخرج ابن أبي الدنيا " في قصر الأمل " والحاكم في المستدرك من حديث ابن عباس مرفوعاً " اغتنم خمساً قبل خمس : شبابك قبل هرمك،  وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك " ([70])

-   وأخرج الترمذي نسنده من حيث أبي برزة الأسلمي قال : قال رسول الله        - صلى الله عليه وسلم - : " لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل  عن عمره فيما أفناه ، وعن عمله فيما فعل ، وعن ماله  من أين أكتسبه و فيما أنفقه ، وعن جسمه فيم أبلاه " قال هذا حديث حسن صحيح وفي رواية أبن مسعود " وعن شبابه فيما أبلاه " ، وهو حسن بشواهده كما قال الألباني . ([71])

2- التعجيل بالصلاة :

أخرج البخاري بسنده من حديث أبي المليح قال : كنا مع بريده  في غزوة في يوم ذي   غيم ، فقال : بكروا بصلاة العصر ، فإن النبي صلى لله عليه وسلم قال : " من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله " ([72]) .

 قال ابن حجر : قوله (( بكروا )) أي عجلوا ، والتبكير يطلق لكل من بادر بأي شيء كان في أي وقت كان ، وأصله المبادرة بالشيء أول النهار " ([73])  .

 وأخرج البخاري أيضا بسنده من حديث أنس بن مالك قال : " كنا نبكر بالجمعة ، ونقيل بعد الجمعة " ([74])  .

وأخرج البخاري بسنده من حديث أنس أيضاً قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اشتد البرد بكر بالصلاة ،وإذا اشتدا الحر أبرد بالصلاة " ([75]) .

قال ابن حجر : " أي صلاها في أول وقتها " ([76]) .

  وأخرج البخاري بسنده من حديث جابر بن عبد الله قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم  - يصلى الظهر بالهاجرة ، والعصر والشمس نقية ، والمغرب إذا وجبت , والعشاء أحيانا وأحيانا  ، إذا رآهم  اجتمعوا عجّل ، وإذا رآهم أبطئوا أخّر ، والصبح كان النبي صلى الله عليه وسلم  يصليها بغلس " ([77])  .

 

3- التعجل إلى صلاة الجمعة :

أخرج الدارمي  بسنده من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- : "المستعجل إلى الجمعة كالمهدي جزوراً ، ثم الذي يليه كالمهدي بقرة ، ثم الذي يليه كالمهدي شاة ن فإذا جلس الأمام على المنبر طويت الصحف ، وجلسوا يستمعون الذكر " ([78])  .

وأخرجه البخاري بسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ " من اغتسل يوم الجمعة  غسل الجنابة ثم راح ، فكأنما قرب بدنة ، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ،ومن راح في الساعة الثالثة ، فكأنما قرب كبشاً أقرن ، ومن راح في الساعة الرابعة ، فكأنما قرب دجاجةً ومن راح في الساعة الخامسة ، فكأنما قرب بيضةً ، فإذا خرج الإمام ، حضرت الملائكة يستمعون الذكر " ([79]).

قال ابن حجر عن حديث الدرامي : وصححه ابن خزيمة .. " ([80])

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السابعة في موضوع العجلة وستكون بعنوان:

المبحث الثاني : العجلة الممدوحة :

4- تعجيل الصدقة :

أخرج البخاري بسنده من حديث عقبة بن الحارث قال : " صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - العصر فأسرع ، ثم دخل البيت فلم يلبث أن خرج ، فقلت أو قيل له ، فقال : كنت خلفت في البيت تبراً من الصدقة ، فكرهت  أن أُبيَّته فقسمته " ([81])

قال الشوكاني : الحديث يدل على مشروعية المبادرة بإخراج الصدقة قال أبن بطال : فيه أن الخير ينبغي أن يبادر به ، فإن الآفات تعرض والموانع تمنع ، والموت لا يؤمن ، والتسويف غير محمود ...... وهو أخلص للذمة وأنفى  الحاجة وأبعد من المطل المذموم ، وأرضي للرب تعالى و أمحى  للذنب .... " ([82]).

     وأخرج الخمسة إلا  النسائي من حديث علي بن أبي طالب أن العباس بن عبد المطلب سأل النبي صلى الله عليه وسلم في تعجيل صدقته قبل أن تحل فرخص له في ذلك" .

 قال القرضاوي : .. وفي سند الحديث كلام ، ولكن يشهد له ما أخرجه البهقي عن علي : أن  النبي صلى الله عليه وسلم بعث عمر على الصدقة فقيل : منع ابن  جميل وخالد بن الوليد والعباس ، والعباس عم النبي - صلى الله عليه وسلم - فدافع النبي -صلى الله عليه وسلم -عن خالد والعباس ، وكان مما قاله : وإنا كنا احتجنا ، فاستلفنا من العباس  صدقة عامين ، وقد جاءت هذه القصة في الصحيح من حديث أبي هريرة وفيها : وأما العباس : فهي عليّ ومثلها معها ، ثم قال :يا عمر أما علمت أن عم الرجل صنو أبيه .... ([83])  .

ثم قال الشوكاني على هذه الحديث والحديث الآخر : والحديثان يدلان على أنه يجوز تعجيل الزكاة قبل الحول ولو لعامين ، وإلى ذلك ذهب الشافعي وأحمد  وأبو حنيفة ،وبه قال الهادي والقاسم .... " ([84])

وقال ابن قدامه : وجملته :أنه متى وجد سبب وجوب الزكاة وهو النصاب الكامل : جاز تقديم الزكاة ،وبهذا قال الحسن وسعيد بن جبير ، والزهري ، والأوزاعي ، وأبو حنيفة ،والشافعي ، وإسحاق وأبو عبيد ... " ([85]) .

5- تعجيل الإفطار :

أخرج البخاري بسنده من حديث سهل بن سعد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر "  ([86])

 قال ابن حجر : أي مدة فعلهم ذلك امتثالاً للسنة واقفين عند حدها غير متنطعين بعقولهم ما يغير قواعدها .. قال المهلب : والحكمة في ذلك أن لا يزاد في النهار من الليل ، ولأنه أرفق بالصائم ، وأقوى له  على العبادة ، واتفق العلماء على أن محل ذلك إذا تحقق غروب الشمس بالرؤية .. قال الشافعي في " الأم  " تعجيل الفطر مستحب ولا يكره تأخيره لا لمن تعمده ،ورأى الفضل فيه ...... "  .

وقال ابن عبد الله : أحاديث تعجيل الإفطار ، وتأخير السحور صحاح متواترة وعند عبد الرزاق وغيره بإسناد صحيح عن عمرو بن ميمون الأودي قال : كان أصحاب  محمد - صلى الله عليه وسلم - أسرع الناس إفطاراً وأبطأهم سحوراً " ([87])

أخرج البخاري بسنده من حديث أبن أبي أوفي قال :" سرنا مع رسول الله    - صلى الله عليه وسلم – وهؤلاء فلما غربت الشمس قال : أنـزل فاجدح لنا ، قال : يا رسول الله لو أمسيت ، قال : أنـزل فاجدح لنا ، : قال يا رسول الله إن عليك نهاراً ، قال : أنـزل فاجدح  لنا  ، فنـزل فجدح ، ثم  قال : إذا رأيتم الليل أقبل من هاهنا ، فقد أفطر الصائم ، وأشار بإصبعه قبل المشرق . ([88])

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثامنة في موضوع العجلة وستكون بعنوان:

المبحث الثاني : العجلة الممدوحة :

6- التعجل لأداء فريضة الحج :

     أخرج الإمام أحمد بسنده من حديث ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : تعجلوا إلى الحج – يعني الفريضة _ فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له " ([89])

وقال تعالى : (( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ، ومن كفر فإن  الله غني عن العالمين ))  ([90])

قال أبن كثير : " وقد روى أبو بكر الإسماعيلي الحافظ من حديث أبي عمرو الاوزاعي حدثني إسماعيل بن عبدي الله بن أبي المهاجر ، حدثني عبد الرحمن بن غنيم أنه سمع عمر بن الخطاب يقول : " من أطاق الحج فلم يحج ، فسواء عليه يهودياً مات أو نصرا نياً " .

وهذا إسناد وصحيح إلى عمر رضي الله عنه ، وروى سعيد بن منصور في سننه عن الحسن البصري قال : قال عمر بن الخطاب : لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار فينظروا كل من كان له جدة فلم يحج  فيضربوا ، عليهم الجزية ، ما هم بمسلمين ، ما هم بمسلمين " ([91])

وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - :" عجلوا الخروج إلى مكة ؛  فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له من مرضٍ أو حاجة " ([92])

7- تعجيل الوقوف يوم عرفة بتعجيل الصلاة ،وقصر الخطبة :

أخرج البخاري بسنده من حديث سالم بن عبد الله " أن عبد الملك بن مروان كتب إلى الحجاج  أن يأتم بعبد الله بن عمر في الحج ، فلما كان يوم عرفة جاء ابن عمر رضي الله عنهما وأنا معه حين زاغت الشمس – أوزالت – فصاح عند فسطاطه : أين هذا ؟ فخرج إليه فقال ابن عمر : الرواح فقال الآن ؟ قال : نعم قال : أنظرني أفيض عليّ ماءً . فنـزل ابن عمر رضي الله عنه حتى خرج ، فسار بيني وبين أبي ،  فقلت : إن كنت تريد أن تصيب السنة اليوم فاقصر الخطبة وعجّل الوقوف . فقال ابن عمر : صدق " ([93])  

وقال البخاري " باب التعجيل إلى الموقف " ولم يورد حديثاً في هذا  الباب ([94]).

قال ابن حجر : تعجيل  الوقوف يستلزم تعجيل الصلاة ...  وأن التوجه إلى المسجد الذي بعرفة حين تزول الشمس للجمع بين الظهر والعصر في أول وقت الظهر سنة ... ([95])

7-         التعجل من مزدلفة إلى منى بليل للضعفة :

وهم النساء والصبيان والمرضى ،أخرج الإمام أحمد بسنده عن الفضل بن العباس  - رضي الله عنهما قال :     " أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضعفة بني هاشم ، أمرهم أن يتعجلوا من جمع بليل  " (1) .

 قال الساعاتي : يدخل فيه النساء والصبيان والمشايخ العاجزون وأصحاب الأمراض لأن العلة خوف الزحام عليهم ... وهذا التعجيل من منـزلهم الذي نزلوا فيه بالمزدلفة .. إذا غاب القمر  ،ومغيب القمر تلك الليلة يقع عند أوائل الثلث الأخير ، ومن ثم قيده الإمام الشافعي وأصحابه بالنصف الثاني ... " (2)

 9- التعجيل في الحج في يومين : قال تعالى  (( واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ، ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون )) (3)

 قال ابن كثير : قال ابن عباس : " الأيام المعدودات " أيام التشريق . (4)

 وقال القرطبي " قوله تعالى : (( فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه)) فيه إحدى وعشرون مسألة ، الأولى قوله تعالى (( فمن تعجل )) التعجل أبداً لا يكون هنا إلا في آخر النهار وكذلك اليوم الثالث ، لأن الرمي في تلك الأيام إنما وقته بعد الزوال ." (4)

وقال المقدسي " روي أبو داود وابن ماجه عن يحيى بن معمر أن رسول الله      - صلى الله عليه وسلم - قال : " أيام منى ثلاثة ، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ،ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى " قال ابن عيينه : هذا أجود حديث رواه سفيان ، وقال وكيع :

 هذا الحديث أم المناسك ... وإذا أحب التعجيل في النفر الأول خرج قبل غروب الشمس فإذا غربت قيل خروجه لم يجز له الخروج لقوله سبحانه وتعالى : " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه " واليوم اسم النهار ... " (1)

 وقال ابن تيميه على الآية : ((  واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه  ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى ، واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون )) (2) " ثم يرمي في اليوم الثاني من أيام منى مثل ما رمى في الأول ، ثم إن شاء رمى في اليوم الثالث وهو الأفضل ، وإن شاء تعجل في اليوم الثاني بنفسه قبل غروب الشمس " (3)

 وقال النووي : قال الشافعي والأصحاب : يجوز النفر في اليوم الثاني من التشريق ويجوز في اليوم الثالث ، وهذا مجمع عليه لقوله تعالى : (( فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ، ومن تأخر فلا إثم عليه )) . قالوا : والتأخر إلى اليوم الثالث أفضل للأحاديث الصحيحة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر في اليوم الثالث  " (4) .

 ويتضح مما سبق أن هذا التعجل مشروع وكل مشروع ممدوح فيدخل في العجلة الممدوحة والله أعلم .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة التاسعة في موضوع العجلة وستكون بعنوان:

المبحث الثاني : العجلة الممدوحة :

10- التعجل في الرجوع إلى الأهل بعد انقضاء وطره من سفره :

     أخرج البخاري بسنده من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -  عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " السفر قطعة من العذاب ، يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه ، فإذا قضى نهمته فليعجل إلى أهله "  .(1)

  قال ابن حجر : نهمته أي حاجته من وجهه أي من قصده ، وبيانه في حديث ابن عدي بلفظ " إذا قضى أحدكم وطره من سفره ... قوله " فليعجل إلى أهله " :       في رواية عتيق وسعيد المقبري " فليعجل الرجوع إلى أهله  " .

 وفي حديث عائشة "فليعجل الرحلة إلى أهله ، فإنه أعظم لأجره ... وفي الحديث     : كراهة التغرب عن الأهل لغير حاجة ، واستحباب استعجال الرجوع ، ولاسيما من يخشى عليهم الضيعة بالغيبة ولما في الإقامة في الأهل من الراحة المعينة على صلاح الدين والدنيا ولما في الإقامة من تحصيل الجماعات والقوة على العبادة ... وسئل إمام الحرمين حين جلس موضع أبيه " لم كان السفر قطعة من العذاب ؟ فأجاب على الفور: لأن فيه فراق الأحباب " (2) .

 - وأخرج البخاري بسنده من حديث جابر بن عبد الله قال : " سافرت معه في بعض أسفاره ، فلما أن أقبلنا قال النبي صلى الله عليه وسلم : "من أحب أن يتعجل إلى أهله فليعجّل ... " الحديث (3) .

11- الإستعجال في دفن الميت :

 يسن الإسراع بالجنازة لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " أسرعوا بالجنازة ، فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه وإن تكن سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم " (1)

 قال ابن حجر : " والحاصل أنه يستحب بالإسراع لكن بحيث لا ينتهي إلى شدة يخاف معها حدوث مفسدة بالميت أو مشقة على الحامل أو المشيع لئلا ينافي المقصود من النظافة وإدخال المشقة عن المسلم .

 قال القرطبي : مقصود الحديث أن لا يتباطأ بالميت عن الدفن ، ولأن التباطؤ ربما أدى إلى التباهي والاختيال ... ويؤيده حديث ابن عمر  ،سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا مات أحدكم فلا تحبسوه وأسرعوا به إلى قبره " أخرجه الطبراني بإسناد حسن .. (2) .

 وقال النووي : فيه الأمر بالإسراع للحكمة التي ذكرها صلى الله عليه وسلم ، قال أصحابنا وغيرهم : يستحب الإسراع بالمشي بها ما لم ينته إلى حد يخاف انفجارها ونحوه ، إنما يستحب بشرط أن يخاف من شدته انفجارها ونحوه ... " (3)

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة العاشرة في موضوع العجلة وستكون بعنوان:

المبحث الثالث : العجلة المذمومة

 1- الاستعجال في الدعاء :

 هو البدء في طلب الحاجة من دون البدء بتحميد الله والثناء عليه ثم الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - .

 أخرج الترمذي بسنده من حديث فضالة بن عبيد قال :  " سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو في صلاته فلم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " عجل هذا " ثم دعاه فقال له ولغيره : " إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله ، والثناء عليه ثم ليصل على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليدع بعد بما شاء " . قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح .(1)

     وفي رواية أخرى : سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو في صلاته لم يحمد الله ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عجل هذا " ثم دعاه فقال له أو لغيره : " إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد الله عز وجل ، والثناء عليه ثم ليصلي على النبي ، ثم ليدعو بعد بما شاء " (2) .

 ويدل هذا الحديث على عدم الاستجابة بسبب الاستعجال .

 وأيضاً الاستعجال في الدعاء بمعنى اليأس من الاستجابة ، تكون سبباً في عدم الاستجابة .

 - أخرج الترمذي بسنده من حيث أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم _ -قال:

 يستجاب لأحدكم ما لم يعجل ، يقول دعوت فلم يستجب لي  قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح ... وفي الباب عن أنس – رضي الله عنه -  (3)

وأخرج الإمام أحمد بسنده من حديث أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يزال العبد بخير ما لم يستعجل ، قالوا : يا رسول الله : كيف يستعجل ، قال : يقول دعوت ربي فلم يستجب لي "  (1)

2- التسرع في طلب القضاء :

     أخرج أبو داود بسنده من حديث أبي مسعود والأنصاري قوله : " مـه إنه كان يكره التسرع إلى الحكم " (2) .

 وأخرج أيضاً بسنده من حديث أنس بن مالك قال : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم - يقول : " من طلب القضاء واستعان عليه ؤكل إليه ، ومن لم يطلبه ولم يستعن عليه أنزل الله ملكاً يسدده " (3) .

    وأخرج حديثاً ثالثاً بسنده من حديث أبي موسى قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لن نستعمل ، أو لا نستعمل على عملنا من أراده " (4)

     قال العظيم أبادي : ... " كان يكره " على البناء للمعقول أي في زمان النبي صلى الله عليه وسلم " إلى الحكم " الحديث مرفوع حكماً لأن قول أبي مسعود كان يكره إنما هو في زمن النبوة .. ، " واستعان عليه " أي بالشفعاء ... ومعنى الحديث : أن من طلب القضاء فأعطيه تركت إعانته عليه من أجل حرصه ... " (5)

3- الاستعجال بالسيئة قبل الحسنة ، ودعاء الإنسان بالشر دعاؤه بالخير :

  قال الله سبحانه وتعالى : (( ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضى إليهم أجلهم ، فنذر الذين لا يرجون لقائنا في طغيانهم يعمهون )) (1) .

 - قال الشوكاني : (( قيل المراد بالإنسان هنا القائل هذه المقالة هو الكافر يدعو لنفسه بالشر وهو استعجال العذاب دعاءه بالخير كقول القائل :

(( اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو أئتنا بعذاب أليم " وقيل هو أن يدعو في طلب المحظور كدعائه في طلب المباح ، .. )) ((وكان الإنسان عجولاً )) أي مطبوعاً على العجلة ومن عجلته أنه يسأل الشر كما يسأل الخير ... " (2) . ثم قال : لو عجل الله للناس العقوبة كما يتعجلون بالثواب والخير ، لقضى إليهم أجلهم أي ماتوا ، وقيل المعنى : لو فعل الله مع الناس في

إجابته إلى المكروه مثل ما يريدون فعله معهم في إجابته إلى الخير

 لأهلكهم ... " (3) .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الحادية عشرة في موضوع العجلة وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: المبحث الثالث : العجلة المذمومة

- الاستعجال بالسيئة قبل الحسنة ، ودعاء الإنسان بالشر دعاؤه بالخير :

وقال ابن كثير : " يخبر تعالى عن عجلة الإنسان ودعائه في بعض الأحيان على نفسه أو ولده أو ماله بالشر، أي : بالموت أو الهلاك والدمار ، واللعنة ونحو ذلك ، فلو استجاب له ربه لهلك بدعائه ، كما قال تعالى (( ولو يعجل الله الناس الشر ...)) الآية ، ولذا فسره ابن عباس ومجاهد وقتادة ، وقد تقدم في الحديث لا تدعو على أنفسكم ولا على أموالكم أن توافقوا من الله ساعة إجابة يستجيب فيها ، رواه مسلم برقم 3009 ، وإنما يحمل ابن آدم على ذلك قلقه وعجلته ولهذا قال تعالى(( وكان الإنسان عجولاً ))(4) .

وقال القرطبي : فيه ثلاث مسائل : الأولى : قوله تعالى : (( ولو يعجل الله للناس الشر )) قيل معناه : ولو جعل الله للناس العقوبة كما يستعجلون الثواب والخير لماتوا لأنهم خلقوا في الدنيا خلقاً ضعيفاً ، وليس هم كذا يوم القيامة لأنهم يوم القيامة يخلقون للبقاء ، وقيل : المعنى: لو فعل الله مع الناس في إجابته إلى المكروه مثل ما يريدون فعله معهم في إجابته إلى الخير لأهلكهم ، وهو معنى (( لقضى إليهم أجلهم )) ،

 وقيل : إنه خاص بالكافر، أي : ولو يعجل الله للكافر العذاب على كفره كما عجل له خير الدنيا من المال والولد لعجل له قضاء أجله ليتعجل عذاب الآخرة . قال ابن إسحاق ، وقال مقاتل : هو قول النضر بن الحارث : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء " فلو عجل لهم هذا لهلكوا ... " (1) 

 ثم قال القرطبي : " ... وقال مجاهد : نزلت في الرجل يدعو على نفسه أو ماله أو ولده إذا غضب : اللهم أهلكه ، اللهم لا تبارك له فيه والعنه أو نحو هذا ، فلو استجيب ذلك منه ، كما يستجاب الخير لقضي إليهم أجلهم ، فالآية نزلت ذامة لخلق ذميم هو في بعض الناس ، يدعون في الخير ، فيريدون تعجل الإجابة ، ثم يحملهم أحياناً سوء الخلق على الدعاء في الشر فلو عجل لهم لهلكوا ... " (2)

  وقال تعالى : (( ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير ، وكان الإنسان عجولاً )) (3)

 قال ابن كثير : يخبر تعالى عن عجلة الإنسان ، ودعاءه في بعض الأحيان على نفسه أو ولده أو ماله بالشر ، أي : بالموت أو الهلاك والدمار واللعنة ونحو ذلك ، فلو استجاب له ربه لهلك بدعائه ،كما قال تعالى : (( ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضى إليهم أجلهم )) وكذا فسره ابن عباس ، ومجاهد ، وقتاده : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم – " لا تدعوا على أنفسكم ولا على أموالكم ،أن توافقوا من الله ساعة إجابة يستجيب فيها " وإنما يحمل ابن آدم على ذلك عجلته وقلقه ، ولهذا قال تعالى :  (( وكان الإنسان عجولاً )) (4) .

- قال القرطبي : قوله تعالى : (( ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير ))

 قال ابن عباس وغيره : هو دعاء الرجل على نفسه وولده عند الضجر بما لا يحب أن يستجاب له : اللهم أهلكه ، ونحوه " دعاءه بالخير " أي بدعائه ربه أن يهب له العافية ، فلو استجاب الله دعاءه على نفسه بالشر هلك لكن بفضله لا يستجيب له في ذلك نظيره : (( ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير )) .. (1) .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثانية عشرة في موضوع العجلة وستكون إستكمالا للماضيتين والتي هي بعنوان: المبحث الثالث : العجلة المذمومة

- الاستعجال بالسيئة قبل الحسنة ، ودعاء الإنسان بالشر دعاؤه بالخير :

فأما الذين لا يهتدون بهدي القرآن ، فهم متروكون لهوى الانسان العجول الجاهل بما ينفعه وما يضره ، والمندفع الذي لا يضبط انفعالاته ولو كان من ورائها الشر لـه : (( ويدعو الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولاً )) ..   ذلك أنه لا يعرف مصائر الأمور وعواقبها ولقد يفعل الفعل وهو شر ويعجل به على نفسه وهو لا يدري أو يدري ، ولكنه لا يقدر على كبح جماحه وضبط زمامه ..فأين هذا من هدي القرآن الثابت الهادئ الهادي ؟ ألا إنها طريقان مختلفان : شتان ،شتان ، هدي القرآن وهوى الإنسان . (2)

- وقال تعالى : (( ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة ... )) (3) .

 قال ابن كثير : يقول تعالى (( ويستعجلونك )) أي :هؤلاء المكذبون ((  بالسيئة قبل الحسنة )) أي : بالعقوبة كما أخبر عنهم في قوله : (( وقالوا يا أيها الذي نـزل عليه الذكر إنك لمجنون ، لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين ، ما ننـزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذاً منظرين ))(4) .

 

وقال تعالى : (( ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب ، وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون : يستعجلون بالعذاب وإن جنهم لمحيطة بالكافرين)) (1)

 وقال :(( سأل سائل بعذاب واقع )) (2) وقال : (( يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق )) (3) ، (( وقالوا :  ربنا عجل لنا قطفاً قبل يوم الحساب )) (4) أي حسابنا وعقابنا ، كما قال مخبراً عنهم :

 (( وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم )) (5)  ،فكانوا يطلبون من الرسول أن يأتيهم بعذاب الله وذلك من شدة تكذيبهم وكفرهم  وعنادهم " (6) .

 - وقال تعالى : (( ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحاً أن اعبدوا الله فإذا هم فريقان يختصمون ، قال : يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون ، قالوا اطيرنا بك وبمن معك ،قال:طايركم عند الله بل أنتم تفتنون)) (7) قال ابن كثير : ... أي لم تدعون بحضور العذاب ، ولا تطلبون من الله رحمته ؟ ولهذا قال : (( لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون ، قالوا : أطيرنا بك وبمن معك )) ، أي ما رأينا على وجهك ووجوه من اتبعك خيراً  ، وذلك أنهم – لشقائهم – كان لا يصيب أحداً منهم سوء إلا قال : هذا من قبل صالح وأصحابه .

قال مجاهد : تشاءموا بهم ، وهذا كما قال تعالى إخباراً عن قوم فرعون :

(( فإذا جاءتهم الحسنة قالوا : لنا هذه ، وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند الله )) (1) ، وقال تعالى : (( وإن تصبهم حسنة يقولوا : هذه من عند الله ، وإن تصبهم سيئة يقولون : هذه من عندك ، قل : كل من عند الله  )) (2) أي : بقضاء الله وقدره ، وقال مخبراً عن أهل القرية إذ جاءها المرسلون ((قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم ، وليمسنكم منا عذاب أليم ، قالوا طائركم معكم )) (3) وقال هؤلاء : (( أطيرنا بك وبمن معك ، قال : طائركم عند الله )) أي : الله يجازيكم على ذلك (( بل أنتم قوم تفتنون )) قال قتادة : تبتلون بالطاعة والمعصية .

والظاهر أن المراد بقوله : " تفتنون " أي : تستدرجون فيما أنتم فيه من الضلال ."(4)

- قال القرطبي : المعنى : لم تؤخرون الإيمان الذي يجلب إليكم الثواب وتقدمون الكفر الذي يوجب العقاب  ،فكان الكفار يقولون لفرط الإنكار : أئتنا بالعذاب ، وقيل : أي لم تفعلون ما تستحقون به العذاب ، لا أنهم التمسوا تعجيل العذاب . (5)

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثالثة عشرة في موضوع العجلة وستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان: المبحث الثالث : العجلة المذمومة

4- الأقوام الذين استعجلوا العذاب :

 أولاً : قوم نوح عليه السلام :

 قال تعالى حكاية عن قوم نوح : (( يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ، قال :إنما يأتيكم به الله إن شاء ، وما أنتم بمعجزين ))(6)

قال ابن كثير : يقول تعالى مخبراً عن استعجال قوم نوح نقمة الله وعذابه وسخطه والبلاء موكل بالمنطق : (( قالوا : يا نوح ، قد جادلتنا فأكثرت جدالنا )) أي حاججتنا فأكثرت من ذلك ، ونحن لا نتبعك (( فأتنا بما تعدنا )) أي النقمة والعذاب ، ادع علينا بما شئت ، فليأتنا ما تدعو به ... (1) .

 ثانياً : عاد قوم هود عليه السلام :

قال تعالى حكاية عن قولهم : (( قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ، ونذر ما كان يعبد آباؤنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ، قال : قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان ، فانتظروا إني معكم من المنتظرين ، فأنجيناه والذين معه برحمة منا  وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين )) (2) .

قال ابن كثير : يقول تعالى مخبراً عن تمردهم وطغيانهم وعنادهم وإنكارهم على هود عليه السلام " قالوا :(( أجئتنا لنعبد الله وحده )) الآية ، كما قال الكفار من قريش (( وإذ قالوا : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم )) (3) .

 يقول صاحب الظلال : إنه مشهد بائس لاستعباد الواقع المألوف للقلوب والعقول هذا الاستعباد الذي يسلب الإنسان خصائص الإنسان الأصلية  : حرية التدبر والنظر وحرية التفكير والاعتقاد ، ويدعه عبداً للعادة والتقليد ، وعبداً للعرف المألوف ، وعبداً لما تفرضه عليه أهواؤه ، وأهواء العبيد من أمثاله ، ويغلق عليه كل باب للمعرفة وكل نافذة للنور ..

وهكذا استعجل القوم العذاب فراراً من مواجهة الحق ، بل فراراً من تدبر تفاهة الباطل الذي هم له عبيد ، وقالوا لنبيهم الناصح الأمين :

(( فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين )) ومن ثم كان الجواب حاسماً وسريعاً في رد الرسول حيث قال (( قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب ... )) لقد أبلغهم العاقبة التي أنبأه بها ربه ، والتي قد حقت عليهم فلم يعد عنها محيص .. إنه العذاب الذي لا دافع له ، وغضب الله المصاحب له .. ثم جعل بعد هذا التعجيل لهم العذاب الذي استعجلوه ، يكشف لهم عن سخافة معتقداتهم وتصوراتهم : (( أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان )) (1) .

 ثالثاً : ثمود قوم صالح عليه السلام :

 قال تعالى حكاية عن قولهم : (( قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون ، فعقروا الناقة ، وعتوا عن أمر ربهم ، وقالوا يا صالح : ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين ، فأخذتهم الرجفة ، فأصبحوا في دارهم جاثمين .. )) (2) .

ثم قال : إنه التبجح الذي يصاحب المعصية ، ويعبر عن عصيانهم بقولـه ((عتوا)) لإبراز سمة التبجح فيها ،وليصور الشعور النفسي المصاحب لها والذي يعبر عنه كذلك ذلك التحدي باستعجال العذاب والاستهتار بالنذير :ولا يستأني السياق في إعلان الخاتمة ،ولا يفصل كذلك(( فأخذتهم الرجفة ،فأصبحوا في دارهم جاثمين )) (3)

رابعاً : قوم لوط عليه السلام :

 قال تعالى : (( ولوطاً إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين ، أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل ، وتأتون في ناديكم المنكر ،

فماكان جواب قومه إلا أن قالوا : ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين ، قال رب انصرني على القوم المفسدين } (4)

 قال ابن كثير : وهذا من كفرهم واستهزائهم وعنادهم ، ولهذا استنصر عليهم نبي الله فقال : (( رب انصرني على القوم المفسدين )) (1)

خامساً : أصحاب الأيكة قوم شعيب عليه السلام :

   قال تعالى : (( .. قالوا إنما أنت من المسحرين ، وما أنت إلا بشر مثلنا ، وإن نظنك لمن الكاذبين ، فأسقط علينا كسفاً من السماء إن كنت من الصادقين ، قال: رب أعلم بما تعملون ، فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة، إنه كان عذاب يوم عظيم )) (2).

قال ابن كثير : يخبر تعالى عن جواب قومه له بمثل ما أجابت به ثمود لرسولها ، تشابهت قلوبهم حيث قالوا : (( إنما أنت من المسحرين )) ، يعني من المسحورين كما تقدم : (( وما أنت إلا بشراً مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين )) أي تتعمد الكذب فيما تقوله ، لا أن الله أرسلك إلينا (( فأسقط علينا كسفاً من السماء )) قال الضحاك : جانباً من السماء ، وقال قتادة  قطعاً من السماء ، وقال السدى : عذاباً من السماء ، وهذا شبيه بما قالت قريش فيما أخبر الله عنهم في قوله ((  وقالوا : لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً )) إلى أن قالوا : (( أو تسقط السماء – كما زعمت – علينا كسفاً ، أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً )) وقوله : (( وإذ قالوا : اللهم إن كان هذا هوا الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو أئتنا بعذاب أليم )) وهكذا قال هؤلاء الكفرة الجهلة (( فأسقط علينا كسفاً من السماء إن كنت من الصادقين )) (3)

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الرابعة عشرة في موضوع العجلة وستكون آخر حلقة في هذا الموضوع وهي إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان:

المبحث الثالث : العجلة المذمومة

4- الأقوام الذين استعجلوا العذاب :

سادساً : كفار مكة " قوم النبي صلى الله عليه وسلم "  :

  - قال تعالى : (( قل لو أن عندي ما تستعجلون بـه لقضي الأمر بيني وبينكم والله أعلم بالظالمين )) (1) .

 قال ابن كثير : " هذه الآية دلت على أنه لو كان إليه وقوع العذاب الذي يطلبونه حال طلبهم له لأوقعه بهم ، وأما الحديث فليس فيه أنهم سألوه وقوع العذاب بهم ، بل عرض عليه ملك الجبال أنه إن شاء أطبق عليهم الأخشبين وهما جبلاً مكة اللذان يكتنفانها جنوباً وشمالاً فلهذا استأنى بهم وسأل الرفق لهم ... " (2) .

 - وقال تعالى : " وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ... " .

 قال ابن كثير : " هذا من كثرة جهلهم وشدة تكذيبهم ، وعنادهم  ، وهذا مما عيبوا به ، وكان الأولى لهم أن يقولوا : اللهم إن كان هذا  هو الحق من عندك فاهدنا له ووفقنا لاتباعه ، ولكن استفتحوا على أنفسهم ، واستعجلوا العذاب وتقديم العقوبة كقوله تعالى : (( ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب ،وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون ،وقالوا ربنا عجل لنا قطفا قبل يوم الحساب))(3).

 وقوله (( سأل سائل بعذاب واقع لكافرين ليس لـه دافع من الله ذي المعارج )) وكذلك قال الجهلة من الأمم السالفة كما قال قوم شعيب له (( فأسقط علينا كسفاً من السماء إن كنت من الصادقين )) وقال هؤلاء : (( اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم )) قال شعبة عن عبد الحميد صاحب الزيادي عن أنس بن مالك قال : هو أبو جهل بن هشام قال :

(( اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم " فنزلت . (( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ،وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون )) رواه البخاري 4648 ، 4649 ... " (1) ، ثم قال ابن كثير : يخبر تعالى عن المشركين أنهم يستعجلون أيضاً بوقوع العذاب بهم تكذيباً وجهوداً وكذا وعناداً واستبعاداً فقال :  (( ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ؟ )) وقال الله تعالى : ((ولو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم )) أي لو تيقنوا أنها واقعة بهم لا محال لما استعجلوا به ولو يعلمون حين يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم (( لهم من فوقهم ظلل النار ومن تحتهم ظلل )) ...(2)  .

 وقال الطبري .. عن عطاء قال : قال رجل من بني عبد الدار يقال له " النضر بن كلدة (( اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو أئتنا بعذاب أليم )) فقال الله : (( وقالوا ربنا عجل لنا قطفاً قبل يوم الحساب ... قال لقد نزل فيه بضع عشرة آية من كتاب الله .. )) (3) .

 وقال القرطبي : قيل إن قائل ذلك : النضر بن الحارث وأبو جهل حين قالا

((اللهم إن كان هذا هوا الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء ... ))(4) .

 - وقال تعالى حكاية عنهم : (( وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيراً ، أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً ، أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً ، أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى من السماء ، ولن نؤمن لرقيك حتى تنـزل علينا كتاباً نقرؤه ، قل سبحان ربي هل كنت إلا بشراً رسولاً )) (5)

 قال ابن كثير : وقولهم (( أو تسقط السماء كما زعمت )) أي : إنك وعدتنا أن يوم القيامة تنشق فيه السماء وتهي وتدلي أطرافها ، فعجل ذلك في الدنيا وأسقطها كسفاً ، أي قطعاً ، كقولهم (( اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء )) الآية ، وكذلك سأل قوم شعيب منه فقالوا : (( أسقط علينا كسفاً من السماء ، إن كنت من الصادقين )) فعاقبهم الرب بعذاب " يوم الظلة " ، إنه كان عذاب يوم عظيم " وأما نبي الرحمة ، ونبي التوبة المبعوث رحمة للعالمين ، فسأل إنظارهم وتأجيلهم ، لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده لا يشرك به شيئاً ، وكذلك وقع ، فإن من هؤلاء اللذين ذكروا من أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه ، حتى " عبد الله ابن أبي أمية " الذي تبع النبي صلى الله عليه وسلم وقال له ما قال ، أسلم إسلاماً تاماً ، وأناب إلى الله عز وجل ... (1) .

 - وقال تعالى : (( ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ، قل لا أملك لنفسي ضراً ولا نفعاً إلا ما شاء الله ، لكل أمة أجل ، إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ، قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتاً أو نهاراً ، ماذا يستعجل منه المجرمون ، أثم إذا ما آمنتم به الآن وقد كنتم به تستعجلون ... )) (2) .

  قال ابن كثير : يقول تعالى مخبراً عن كفر هؤلاء المشركين في استعجالهم العذاب وسؤالهم عن وقته قبل التعيين ، مما لا فائدة فيه لهم ... )) (3)

 - قال تعالى : (( ويستعجلونك بالعذاب  ،ولن يخلف الله وعده ، وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون ، وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلى المصير "(4)

    قال ابن كثير : يقول تعالى لنبيه  صلى الله عليه وسلم  (( ويستعجلونك بالعذاب )) أي : هؤلاء الكفار الملحدون المكذبون بالله وكتابه ورسوله واليوم الآخر ، كما قال تعالى : (( وإذا قالوا : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك ، فأمطر علينا حجارة من السماء أو أئتنا بعذاب أليم )) ، (( وقالوا : ربنا عجل لنا قطناً قبل يوم الحساب " (1)

 قال القرطبي : قوله تعالى (( ويستعجلونك بالعذاب )) نزلت في النضر بن الحارث ، وهو قوله : (( فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين )) وقيل : نزلت في أبي جهل هشام ،وهو قوله : (( اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك )) . (( ولن يخلف الله وعده )) أي: في إنزال العذاب ، قال الزجاج : استعجلوا العذاب فأعلمهم الله أنه لا يفوته شيء ، وقد نزل بهم في الدنيا يوم بدر " (2) .

 - وقال تعالى : (( ... أفبعذابنا يستعجلون ، فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين ، وتول عنهم حتى حين ، وأبصر فسوف يبصرون )) (3) .

 قال ابن كثير : أي هم إنما يستعجلون العذاب لتكذيبهم وكفرهم ، فإن الله يغضب عليهم بذلك ، ويعجل لهم العقوبة ، ومع هذا أيضاً كانوا

من كفرهم وعنادهم يستعجلون العذاب والعقوبة ... " (4) .

 وقال القرطبي : كانوا يقولون من فرط تكذيبهم متى هذا العذاب ، أي لا تستعجلوه فإنه واقع بكم " (5) .

5- استعجال الموت :

- أخرج البخاري بسنده من حديث سهل بن سعد أن رجلاً من أعظم المسلمين غناءً عن المسلمين في غزوة غزاها مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فنظر النبي- صلى الله عليه وسلم -  فقال : من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل النار ، فلينظر إلى هذا ، فأتبعه رجل من القوم وهو على تلك الحال من أشد الناس على المشركين ، حتى جرح فاستعجل الموت ، فجعل ذبابة سيفه بين ثدييه حتى خرج من بين كتفيه ، فأقبل الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم مسرعاً فقال : أشهد أنك رسول الله ، فقال : وما ذاك ؟ قال : قلت لفلان :(( من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إليه)) ، وكان من أعظمنا غناءً عن المسلمين ، فعرفت أنه لا يموت على ذلك ، فلما جرح استعجل الموت ، فقتل نفسه فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك : إن العبد ليعمل عمل أهل النار وإنـه من أهل الجنة ، ويعمل عمل أهل الجنة ، وإنـه من أهل النار ، وإنمـا الأعمال بالخواتيم " (1)

 وفي الختام : الحمد لله أولاً وآخراً  وظاهرا وباطنا ؛الذي بنعمته تتم الصالحات ، اللهم إجعلنا من المسارعين في الخيرات ومن المتسابقين في الصالحات ،واجعلنا ممن يتريث ويتأن ويجبن عن المعاصي والمهلكات وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ،،،

 

 



([1]) سورة آل عمران الآية / 102 .

([2]) سورة النساء الآية / 1 .

([3]) سورة الاحزاب الآيتان / 70-71 .

([4]) سورة البقرة الآية / 148 ، وسورة المائدة الآية / 48 .

([5]) سورة آل عمران الآية / 133 .

([6]) التعاريف للمناوي .

([7]) أحكام القرآن للجصاص 4/210 .

([8]) تفسير الطبري 5/225 ، 9/64 .

([9]) تفسر القرطبي 16/312 .

([10]) فتح القدير 5/129 .

([11]) زاد والمسير 6/88 .

([12]) تفسير أبي  السعود 3/274 .

([13]) الروح لابن القيم صـ 347 ط المدني .

([14]) سورة الحج الآية / 48 .

([15]) تفسر الطبري 17/184 .

([16]) سورة الحج الآية / 47 .

([17]) سورة الأنبياء الآية / 37 .

([18]) تفسير أبي السعود 6/67 .

([19]) تفسير الطبري 17/26 .

([20])تفسير الطبري 17/26 .

([21])تفسر القرطبي 10/226 .

([22])تفسر القرطبي 11/228، 289 .

([23]) تفسر الواحدي 2/716 .

([24]) فهم القرآن صـ 485 .

([25]) فتح القدير 5/129 .

([26]) زاد المسير 5/350 .

([27]) تفسر مجاهد 1/410 .

([28]) سورة الأنبياء الآية / 37 .

([29]) فتح القدير 3/407، 408 .

([30]) تفسر الطبري 17/25-28 .

([31]) تفسر القرطبي 11/288 ، 289 .

([32]) زاد المسير 5/350 – 353 .

([33]) سورة النحل الآية /1 .

([34]) سورة الأنبياء الآية / 38 .

([35]) سورة تفسير أبي السعود 8/195 .

([36]) سورة العنكبوت الآية / 53 .

([37]) تفسر ابن كثير 4/473 .

([38]) في ظلال القرآن لسيد قطب صـ 4 صـ 2159 ط د / الشروق .

([39]) سورة القيامة الآيات  / 16-19 .

([40]) سورة طه الآية / 114 .

([41]) سورة تفسير ابن كثير صـ 8 صـ 303 .

([42]) فتح القدير 5/338 .

([43]) سورة التوبة الآية / 43 .

([44]) فتح القدير للشوكاني جـ 2 صـ 365 .

([45]) سنن الترمذي ، كتاب البر ، باب ما جاء في التأني والعجلة  جـ 4 صـ 366 رقم 2010 ط الثانية ، وقال الألباني في صحيح الجامع رقم 3586 : حسن .

([46]) تحفة الاحوذي جـ6 صـ 152 ، ط الثالثة  .

([47]) صحيح مسلم ،كتاب الإيمان ، باب الأمر بالإيمان جـ 1 صـ 48 رقم 25 .

([48])تحفة الأجوذي جـ 6 صـ153 .

([49]) سورة  القلم الآية / 48 .

([50])تفسير الطبري 28/45 .

([51]) زاد المسير 8/342 .

([52]) تفسير القرطبي 18/253 .

([53]) سورة طه الآية / 84 .

([54]) تفسد القرطبي 11/233 .

([55]) فتح القدير 3/279 ، 380 .

([56]) زاد المسير  5/312 ، 313 .

([57]) صحيح مسلم كتاب الفضائل ،باب فضائل الخضر جـ 4 صـ1851 رقم 172 ، صحيح البخاري ، كتاب الأنبياء ، باب حديث الخضر رقم 3401 ،( فتح الباري جـ 6 صـ 433 )

([58]) تفسير القرطبي 11/23 ، تفسير السيوطي 5/412 .

([59]) سورة القيامة الآية / 16 .

([60]) سورة طه الآية / 114 .

([61]) فتح القدير 5/129 ، تحقه الأحوذي 9/174 ، تفسير الطبري 28/17 .

([62])  صحيح مسلم كتاب الإيمان ، باب اختباء النبي صلى الله عليه وسلم دعوة الشفاعة لأمته صـ1     صـ 189 رقم الحديث 338 ، وأخرجة الترمذي في كتاب  الدعوات باب لا حول ولا قوه إلا بالله .

([63]) تمغة الاحوذي صـ10 صـ63

([64]) سورة الأسراء الآية / 18 .

([65]) تفسير الطبري صـ 15 صـ60 .

([66]) تفسير السيوطي صـ 5 صـ 255  .

([67]) تفسير أبي السعود صـ5 صـ 194- 195 .

([68])  صحيح البخاري أنظر فتح الباري جـ 11 رقم 6412 باب ما جاء في الرقاق .

([69]) فتح الباري لأبن حجر جـ 11 صـ 230 ، 231 ط السلفية .

([70])  أنظر اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي ، تحقيق  محمد ناصر الدين الألباني ثم قال عنه صحيح وهو في صحيح الجامع برقم 1088 .

([71]) جامع الترمذي صـ 4 صـ 612 رقم 2417 باب القيامة ، الصحيحة رقم 146 .

([72]) صحيح البخاري ،  مواقيت الصلاة ، باب  من ترك العصر ( فتح الباري جـ2 صـ 31 رقم 53 .

([73]) فتح الباري جـ2 صـ 32 .

([74]) صحيح البخاري ، كتاب الجمعة ، باب وقت الجمعة : إذ ازالت الشمس ( فتح الباري جـ2 صـ28).

([75]) صحيح البخاري ،كتاب الجمعة  ، باب إذا اشتد الحر يوم الجمعة ( فتح الباري جـ2 صـ388 رقم 906 ).

([76]) فتح الباري جـ 2 صـ 389 .

([77]) صحيح البخاري ، كتاب مواقيت الصلاة ،باب وقت المغرب ( فتح الباري جـ 2 صـ 41 رقم 560.

([78]) سنن الدرامي جـ1 صـ 30 رقم 193ط عبد الله هاشم .

([79]) صحيح ا لبخاري ، كتاب الجمعة ، باب فضل الجمعة ( فتح الباري جـ2 صـ366 .

([80]) فتح الباري جـ2 صـ369 .

([81]) صحيح البخاري ، كتاب ا لأذان ، باب  من صلى بالناس فذكر حاجة فتخطاهم رقم  851 أنظر ( فتح الباري جـ 2 صـ 337 .

([82]) نيل الأرطار جـ 4 صـ 167 – 168 ط البابي الحلبي .

([83]) فقه الزكاة للقرضاوي جـ2 صـ825 . ط الخامسة .

([84]) نيل الأرطار  جـ 4 صـ 170 .

([85]) المغني لأبن قدامه جـ 2 صـ 630ط مكتبه الرياض الحديثة .

([86]) صحيح البخاري ، كتاب الصوم ، باب تعجيل الفطر ( فتح الباري جـ 4 صـ 198 رقم 957 .

([87]) فتح الباري جـ 4 صـ 199 . 

([88]) صحيح البخاري ، كتاب الصوم ، باب يفطر بما تيسر من الماء أو غيره ( فتح الباري جـ4 صـ198 ).

([89]) مسند الإمام أحمد جـ 1 صـ 314 ، قال الألباني عنه في " أرواء الغليل " جـ4 صـ168 رقم 990 حديث حسن  وقال عنه في صحيح الجامع رقم 3885 حسن .

([90]) سورة آل عمران الآية / 97 . 

([91]) تفسير ابن كثير جـ 2 صـ 70 .

([92]) حسنه الألباني في صحيح الجامع رقم 3885 ثم عزاه إلى الحلية والبيهقي من حديث ابن عباس . 

([93]) صحيح البخاري ،كتاب الحج ، باب قصر الخطبة بعرفة ( فتح الباري جـ3 صـ514 رقم 63 ). 

([94]) صحيح البخاري ، كتاب الحج ( فتح الباري جـ3 صـ 514 ) 

([95]) فتح الباري جـ 3 صـ 512 . 

(1)  مسند الإمام أحمد ، جـ 1 ، صـ 271 ، ثم قال عنه الساعاتي في الفتح الرباني  :  أخرجه النسائي وسنده جيد .

(2)  الفتح الرباني ، جـ 12  ،صـ 164  ،طـ دار الشهاب ، القاهرة .

(3)  سورة البقرة ، الآية / 203 .

(4)  تفسير ابن كثير  ،جـ 1 ، صـ 357 ، ط الشعب .

(5)  الجامع لأحكام القرآن جـ3 صـ 12 ط الثالثة .

(1)  العدة شرح العمدة للمقدسي ، صـ 199 ،ط السلفية الثانية .

(2)  سورة البقرة الآية / 203 .

(3)  مجموع فتاوى شيخ الإسلام ، جـ 26 ، صـ 140 .

(4)  المجموع ، شرح المهذب ، جـ 8 ، صـ 182 .

(1)  صحيح البخاري ، كتاب العمرة ، باب السفر قطعة من العذاب ( فتح الباري ، جـ 3 ، صـ2 .

(2)  فتح الباري ، جـ 3 ، صـ 633- 634 .

(3)  صحيح البخاري ، كتاب الجهاد ، باب من ضرب دابة غيره في الغزو ( فتح الباري ، جـ6 ،        صـ 622 رقم الحديث 2861 ) .

(1)  أخرجه البخاري في الصحيح من حديث أبي هريرة انظر فتح الباري ، جـ 3 ، صـ 183 رقم 315

ومسلم في الصحيح ، جـ 2 صـ 650 رقم 50 ، 51 .

(2)  فتح الباري ، جـ 3 ، صـ 184 .

(3)  شرح صحيح مسلم للنووي ، جـ 7 ، صـ 12 .

(1)  سنن الترمذي  ،الجزء الخاص بالتفسير ، جـ 2 ، صـ 517 ، رقم 3492 .

(2)  تفسير ابن كثير ، جـ 3 ، صـ 509  ،وعزاه إلى أحمد 6 / 18 ، وأبو داود / 418 ،

 والترمذي / 3477 ، وصححه ، والنسائي 3 / 44 ، وابن خزيمة  / 710 ،

وابن حبان / 1960 في صحيحيهما .

(3)  جامع الترمذي ، صـ 5 ، صـ 464 ، كتاب الدعوات ، باب ما جاء فيمن يستعجل في دعاه

 رقم 3387 ، ط . الأولى الباب الحلبي . وأخرجه مسلم في الصحيح ، كتاب الذكر حديث رقم 92 .

(1)  مسند الإمام أحمد ، جـ 3 ، صـ 193 .

(2)  سنن أبي داود ، جـ 3 ، صـ 300 رقم 3577 ، باب في طلب القضاء والتسرع إليه .

(3)  سنن أبي داود ، جـ 3 ، صـ 300 رقم 3578 ، باب في طلب القضاء والتسرع إليه .

(4)  سنن أبي داود ، جـ 3 ، صـ 300 رقم 3579 ، باب في طلب القضاء والتسرع إليه .

(5)  عون المعبود ، جـ 9 ، صـ 493 ، ط . مكتبة ابن تيميه .

(1)  سورة يونس ، الآية / 11 .

(2)  فتح القدير ، جـ 3 ، صـ 311 .

(3)  فتح القدير ، جـ 2 ، صـ 428 .

(4)  تفسير ابن كثير  ،جـ 3 ، صـ 27 .

(1)  تفسير القرطبي ،جـ 8 ،صـ 316 .

(2)  تفسير القرطبي ، جـ 8 ، صـ 316 . تفسير مجاهد ، جـ 1 ، صـ 292 .

(3)  سورة الإسراء ، الآية / 11 .

(4)  تفسير ابن كثير ، جـ 5 ، صـ 45 ، 46 ، ط . الشعب .

(1)  تفسير القرطبي الجامع ، جـ 10 ،صـ 225 ، ط. 1387هـ .

(2)  في ظلال القرآن ، 4 ، صـ 2215، ط. . الشروق .

(3)  سورة الرعد ، الآية  / 6 .

(4)  سورة الحجر ، الآيات  /  6-8 .

(1)  سورة العنكبوت  الآيتان  / 53 ، 54 .

(2)  سورة المعارج ، الآية  / 1 .

(3)  سورة الشورى ، الآية  / 18 .

(4)  سورة ص ، الآية  / 16 .

(5)  سورة الأنفال ، الآية  / 32 .

(6)  تفسير ابن كثير ، جـ4 ، صـ 354 ، 355 ، ط. الشعب .

(7)  سورة النمل ، الآيات  / 45 ، 46 ، 47 .

(1)  سورة الأعراف ، الآية  / 131 .

(2)  سورة النساء ، الآية  / 78 .

(3)  سورة يس ، الآيتان  / 18 ، 19 .

(4)  تفسير ابن كثير ، جـ 6 ، صـ 207 ، ط . الشعب .

(5)  تفسير القرطبي الجامع ، صـ 13 ، صـ 214  ،ط. 1387هـ .

(6)  سورة هود الآيتان  / 32 ، 33 .

(1)  تفسير ابن كثير ، جـ 4 ،صـ 251 .

(2)  سورة الأعراف ، الآيات  / 70  - 72 .

(3)  سورة الأنفال ، الآية  / 32  ، تفسير ابن كثير ، جـ 3 ،صـ 430 . 

(1)  في ظلال القرآن ، جـ 3 ، صـ 1311 .

(2)  سورة الأعراف ، الآيات  / 76 – 78 .

(3)  في ظلال القرآن ، جـ 3 ، صـ 1314 .

(4)  سورة العنكبوت ، الآيات  / 28 – 30 .

(1)  تفسير ابن كثير ، جـ 6 ، صـ 286 .

(2)  سورة الشعراء ، الآيات  / 186 – 189 .

(3)  تفسير ابن كثير ، جـ 6 ، صـ 169 ، 170 .

(1)  سورة الأنعام ، الآية  / 58 .

(2)  تفسير ابن كثير ، جـ 2 ، صـ 137 ، 138 .

(3)  سورة الأنفال ، الآية  / 32 .

(1)  تفسير ابن كثير ،جـ 2 ، صـ 305 ، 306 .

(2)  تفسير ابن كثير ، جـ 3 ، صـ 180 .

(3)  تفسير الطبري، جـ 9 ،صـ 232 .

(4)  تفسير القرطبي ، جـ 13 ،صـ 356 .

(5)  سورة الإسراء ، الآيات  / 90- 93 .

(1)  تفسير ابن كثير ، جـ 5 ، صـ 118 ، ط. الشعب .

(2)  سورة يونس ، الآيات  / 48 – 50 .

(3)  تفسير ابن كثير ، جـ 4 ، صـ 209 ، ط. الشعب .

(4)  سورة الحج ، الآيتان  / 47 ، 48 .

(1)  تفسير ابن كثير ، جـ 5 ، صـ 436 ، ط .الشعب .

(2)  تفسير القرطبي ، جـ 12 ، صـ 77 ، ط. 1387هـ .

(3)  سورة الصافات ، الآيات / 176 –179 .

(4)  تفسير ابن كثير ، جـ 7 ،صـ 40 ، ط. الشعب .

(5)   تفسير القرطبي ، جـ 15 ، صـ 14 ، ط . 1387هـ .

(1)  صحيح البخاري ، كتاب القدر ، باب العمل بالخواتيم ( فتح البخاري ، جـ 11 ، صـ 499 رقم الحديث 6607 ) 

وأخرجه مسلم في صحيحه ، كتاب الإيمان ، باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه ، حديث رقم 179 ، جـ 1 ،صـ 106 .