الطيب

بسم الله الرحمن الرحيم

الطيب المختصر

إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا اله الا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (آل عمران:102) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (النساء:1)  (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) (الأحزاب:71) وبعــد :

 فهذه الحلقة الأولى في موضوع الطيب وستكون بعنوان : المقدمةوالتعريفات

المقدمة : قال تعالى :( وَالطَّيِّبَـاتُ لِلطَّيِّبِـينَ وَالطَّيِّبُـونَ لِلطَّيِّبَـات) (النور: من الآية26) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله طيب يحب الطيب نظيف يحب النظافة كريم يحب الكرم جواد يحب الجود...)

 إن الطيب والطيبون والطيبات من الناس والكلام والأفعال والمأكولات والمشروبات والمشمومات والملبوسات والمرئيات والمسموعات وغير ذلك ؛ هو الطهر والعفاف والصفاء والنقاء والجمال والكمال .. هو الفطرة السليمة التي لم تتلوث بضدها ..

الطيب : هو الدين المنزل من رب العالمين على أطهر وأطيب إنسان على وجه الأرض ..الطيب : هو مايناسب العيش في الجنة المكان الطاهر الطيب .. الطيب : هو إنشراح الصدر ؛واطمئنانه، الطيب : هو السعادة في الدارين ،هو الجانب المشرق في حياة الإنسان ،هو المستوى السامق الذي يتطلع إليه المؤمن ، ويتشوف لمعرفته ؛ حتى يعيش الطهر والطيب واقعاً ليرتفع إلى المستوى الذي اراده الله له ، ويحيى حياة سعيدة ، ويحظى بآخرة مديدة ....  

    ولهذاكان هذا البحث إن أحسنت فمن الله ، وإن أخطأت فمن النفس والشيطان وأستغفر الله

     كمااسأله سبحانه أن يجعلنا من الطيبين ،وأن يرزقنا الطيبات ، وأن يحيينا حياة طيبة ،وأن يميتنا ميتة طيبة،وأن يحشرنا مع الطيبين،وأن يسكنا المساكن الطيبة آمين .

                                                                 

 المبحث الأول :معنى الطَّيِّبْ

الطيب نعت  وهو خلاف الخبيث ، و قد تتسع معانيه ؛ فيقال : أرض طيبة إذا كانت لينه ليست بشديدة ، وطعمة طيبة إذا كانت حلالا ، وامرأة طيبة إذا كانت حصانا عفيفة ومنه قوله تعالى  :(والطيبات للطيبين  ) ، وكلمة طيبة إذا لم يكن فيها مكروه ، وبلدة طيبة أي آمنة كثيرة الخير ومنه قوله تعالى : (  بلدة طيبة ورب غفور ) ، ونكهة طيبة إذا لم يكن فيها نتن ، وتربة طيبة أي طاهرة ومنه قوله تعالى : ( فتيمموا صعيدا طيبا  ) ، وزبون طيب أي سهل في مبايعته ، وسبي طيب إذا لم يكن عن غدر ولا نقض عهد،وطعام طيب للذي يستلذ الآكل طعمه..

  وطاب الشيء طيبا و طابا لذ وزكا ، و طاب الشيء أيضا يطيب طيبا و طيبة و تطيابا  ، قال عز وجل  : ( طبتم فادخلوها خالدين )  معناه : كنتم طيبين في الدنيا فادخلوها  ،  والكلمة الطيبة ، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، قال ابن الأثير  : وقد تكرر في الحديث ذكر الطيب و الطيبات وأكثر ما يرد الطيب بمعنى الطاهر ومنه الحديث إنه قال لعمار : " مرحبا بالطيب المطيب "  أي الطاهر المطهر  ، ومنه حديث علي  رضي الله عنه  لما مات رسول :" قال بأبي أنت وأمي طبت حيا وطبت ميتا"أي طهرت

 ، والطيبات في التحيات : أي الطيبات من الصلاة والدعاء والكلام مصروفات إلى الله تعالى  ، وفلان طيب الإزار إذا كان عفيفا ، وقوله تعالى : (  وهدوا إلى الطيب من القول  )  قال ثعلب : هو الحسن  ... [ لسان العرب ؛ لابن منظور  ج1/ ص 563  -  565  ، مختار الصحاح ؛ للرازي ج 1/ ص 168]

 وكذلك قوله تعالى  : ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه  ) إنما هو الكلم الحسن أيضا كالدعاء ونحوه...

وقال الزجاج : ( الكلم الطيب ) توحيد الله وقول لا إله إلا الله ،       ( والعمل الصالح يرفعه ) أي يرفع الكلم الطيب الذي هو التوحيد حتى يكون مثبتا للموحد حقيقة التوحيد والضمير في يرفعه على هذا راجع إلى التوحيد ويجوز أن يكون ضمير العمل الصالح أي العمل الصالح يرفعه الكلم الطيب أي لا يقبل عمل صالح إلا من موحد ويجوز أن يكون الله تعالى يرفعه .

وقوله تعالى :( وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَات)(النور: من الآية26) قال الفراء : الطيبون من الرجال  للطيبات من النساء ،والطيبات من النساء للطيبين من الرجال  ، وأما قوله تعالى :(يَسْأَلونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ )(المائدة: من الآية4) الخطاب للنبي والمراد به العرب وكانت العرب تستقذر أشياء كثيرة فلا تأكلها وتستطيب أشياء فتأكلها فأحل الله لهم ما استطابوه مما لم ينزل بتحريمه تلاوة مثل لحوم الأنعام كلها وألبانها ومثل الدواب التي كانوا يأكلونها من الضبان والأرانب واليرابيع وغيرها  ، وفلان في بيت طيب يكنى به عن شرفه وصلاحه وطيب أعراقه وفي حديث طاووس أنه أشرف على علي بن الحسين ساجدا في الحجر فقال : رجل صالح من بيت طيب ...

إلى هنا ونكمل في اللقاء لقادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الثانية في موضوع الطيب وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : معنى الطيب

وفي التنزيل العزيز : (طوبى لهم وحسن مآب ) جاء في التفسير عن النبي أن طوبى شجرة في الجنة وقيل طوبى لهم حسنى لهم وقيل خير لهم وقيل خيرة لهم وقيل طوبى اسم الجنة بالهندية وفي الصحاح  طوبى : اسم شجرة في الجنة قال أبو إسحاق : طوبى فعلى من الطيب والمعنى أن العيش الطيب لهم وكل ماقيل من التفسير يسدد قول النحويين إنها فعلى من الطيب وروي عن سعيد بن جبير أنه قال : طوبى اسم الجنة بالحبشية ، وقال عكرمة : طوبى لهم معناه الحسنى لهم ،وقال قتادة :طوبى كلمة عربية تقول العرب طوبى لك إن فعلت كذا وكذا 

وفي الحديث إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء طوبى اسم الجنة وقيل شجرة فيها وأصلها فعلى من الطيب ؛ و الطيب ما يتطيب به وقد تطيب بالشيء وطيب الثوب ، وفي الحديث شهدت غلاما مع عمومتي حلف المطيبين اجتمع بنو هاشم وبنو زهرة وتيم في دار ابن جدعان في الجاهلية وجعلوا طيبا في جفنة وغمسوا أيديهم فيه وتحالفوا على التناصر والأخذ للمظلوم من الظالم فسموا المطيبين  ، وقول أبي هريرة رضي الله عنه حين دخل على عثمان وهو محصور الآن طاب القتال أي حل ، وفي التنزيل العزيز  ( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات  ) أي كلوا من الحلال وكل مأكول حلال مستطاب فهو داخل في هذا وإنما خوطب بهذا سيدنا رسول الله وقال : ( يا أيها الرسل  ) فتضمن الخطاب أن الرسل جميعا كذا أمروا ، و أطيب الطيبات الغنائم وفي حديث هوازن من أحب أن يطيب ذلك منكم أي يحلله ويبيحه [ المرجع السابق ]   و طيبة بفتح أوله اسم مدينة الرسول  صلى الله عليه وسلم   قال الشاعر : 

طربت وداري بأرض العراق *******  إلى من بطيبة والمسجد

وقال النبي  صلى الله عليه وسلم : " يسمونها يثرب ألا وهي طيبة  " ؛ كأنه كره أن تسمى يثرب لما كان من لفظ التثريب[    معجم ما استعجم -  للبكري ج3/ص900]      

والطيب هو ما يتطيب به  ويتخذ  منه الطيب كالمسك والكافور والعنبر والصندل والورس والزعفران والورد والياسمين ونحو ذلك قال تعالى : (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ)(آل عمران:179)

وقال تعالى : ( وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُون  ) (لأعراف: من الآية 58)

  وقال تعالى : ( لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)(لأنفال:37)

 وفي الطيب من الخاصية ان الملائكة تحبه والشياطين تنفر عنه وأحب شىء إلى الشياطين الرائحة المنتنة الكريهة فالأرواح الطيبة تحب الرائحة الطيبة والأرواح الخبيثة تحب الرائحة الخبيثة وكل روح تميل إلى ما يناسبها فالخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات وهذا وإن كان في النساء والرجال فإنه يتناول الأعمال والأقوال والمطاعم والمشارب والملابس والروائح إما بعموم لفظه أو بعموم معناه  [ أضواء البيان - للشنقيطي ج5/ص17 ، الطب النبوي لابن الجوزي ج1 ص216]

إلى هنا ونكمل في اللقاء لقادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الثالثة في موضوع الطيب وستكون بعنوان :

المبحث الثاني :

 الله طيب؛أحل لعباده الطيبات،وأمرهم بالأكل منها،ولا يقبل إلا طيباً

 الطيب : اسم من اسماء الله الحسنى ؛ كماثبت ذلك في أحاديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم ، ذكر ذلك د/ عمر بن سليمان الأشقر في كتابه " الأسماء والصفات " حيث قال : " ومن اسماء الله التي وردت في الأحاديث : الجواد ، النظيف ،الطيب،الماجد[  الأسماء والصفات للأشقر ص 76 ط الأولى 1413هـ]

   أخرج أبو يعلى بسنده من حديث عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم -  قال : " إن الله طيب يحب الطيب نظيف يحب النظافة كريم يحب الكرم جواد يحب الجود فنظفوا بيوتكم ولا تشبهوا باليهود التي تجمع الأكناف في دورها "[ مسند أبي يعلى ج 2 ص 121رقم 790 ، وحكم عليه الشيخ الألباني في تعليقه على مشكاة المصابيح ج2ص502 ، حديث رقم 4487بالحسن]    وأخرج مسلم وغيره بسنده من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله -  صلى الله عليه وسلم - : " أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال :(يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) (المؤمنون:51) وقال : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (البقرة:172) ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك" [ صحيح مسلم ج 2 ص 703  ،  سنن الترمذي ج 5 ص 220]

   إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا فأما القلوب الطيبة فتصلح للمجاورة من أول الأمر(سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)(الرعد:24) ( سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ)(الزمر: من الآية73)  (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (النحل:32) [كلمة الإخلاص  لابن رجب ج1/ص 38] وقال تعالى : ( قُل أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)(المائدة: من الآية4)

   وقال تعالى:(الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (المائدة:5)

   وقال تعالى : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(لأعراف:157)

 وقال تعالى:(وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)(لأنفال:26)

وقال تعالى : (وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرائيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)(يونس:93)

  وقال تعالى :  ( َاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ)(النحل:72)

   وقال تعالى : (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)(الاسراء:70)

   وقال تعالى : ( اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَاراً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)(غافر:64)

  وقال تعالى : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرائيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ)(الجاثـية:16)

قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) (المؤمنون:51)

   قال الشنقيطي : أمر جل وعلا في هذه الآية الكريمة رسله عليهم الصلاة والسلام مع أن الموجود منهم وقت نزولها واحد وهو نبينا  صلى الله عليه وسلم  بالأكل من الطيبات وهي الحلال الذي لا شبهة فيه على التحقيق وأن يعملوا العمل الصالح وذلك يدل على أن الأكل من الحلال له أثر في العمل الصالح وهو كذلك وهذا الذي أمر به الرسل في هذه الآية الكريمة أمر به المؤمنين من هذه الأمة التي هي خير الأمم وذلك في قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (البقرة:172)

   والآية تدل على أن كل رسول أمر في زمنه بالأكل من الحلال والعمل الصالح وتأثير الأكل من الحلال في الأعمال معروف [ أضواء البيان - الشنقيطي ج5/ص334 ] 

إلى هنا ونكمل في اللقاء لقادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الرابعة في موضوع الطيب وستكون بعنوان :

المبحث الثالث : طيب ريح جبريل ورسول الله عليهما السلام

 قال عبد الله بن عمر بينا نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاء رجل حسن الوجه حسن الشارة طيب الريح قال فعجبنا لحسن وجهه وشارته وطيب ريحه فسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قام فقال أدنو يا رسول الله قال نعم قال فدنا ثم قام قال فعجبنا لتوقيره النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال أأدنو يا رسول الله قال فدنا حتى وضع فخذه على فخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجله على رجله ثم قال يا رسول الله ما الإيمان قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والبعث من بعد الموت والحساب والقدر خيره وشره وحلوه ومره قال صدقت قال فتعجبنا لقوله لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدقت ثم قال يا رسول الله ما الإسلام قال تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت وتغتسل من الجنابة قال صدقت قال فتعجبنا لتصديقه رسول الله - صلى الله عليه وسلم [السنن الكبرى  للبيهقي ج 3 ص 446]

 ثم قال يا رسول الله ما الإحسان قال تخشى الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك قال صدقت قال فتعجبنا لتصديقه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم انكفأ راجعا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بالرجل فطلبناه فلم نجده فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا جبريل جاء ليعلمكم أمر دينكم وما أتاني قط إلاعرفته إلا في صورته هذه[ المرجع السابق ]

 وهذا الوضع الذي كان عليه جبريل له دلالة من حيث أنه مرسل من عند رب العالمين ،وهو أفضل الملائكة،وقابل أفضل البشر على الإطلاق

المبحث الرابع : طيب النبي صلى الله عليه وسلم

أولاً : طيب رائحته صلى الله عليه وسلم

  قال مسلم : باب طيب رائحة النبي صلى الله عليه وسلم  ولين مسه والتبرك بمسحه

   وأخرج  بسنده من حديث ثابت قال أنس  : ما شممت عنبرا قط ولا مسكا ولا شيئا أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم - ولا مسست شيئا قط ديباجا ولا حريرا ألين مسا من رسول الله صلى الله عليه وسلم [  صحيح مسلم ج 4 ص 1814 رقم 2330 ]

  وأخرج البخاري بسنده من حديث  عائشة قالت  : كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفرق النبي صلى الله عليه وسلم -  وهو محرم [ صحيح البخاري ج 1 ص 105 ،  صحيح ابن حبان ج 14 ص 212 رقم 6304]

ثانياً :  طيب عرق النبي صلى الله عليه وسلم  

قال مسلم : باب طيب عرق النبي صلى الله عليه وسلم -  والتبرك به ،وأخرج بسنده من حديث ثابت عن أنس بن مالك قال : دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم - فنام عندنا فعرق وجاءت أمي بقارورة فجعلت تسلت العرق فيها فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم -  فقال: " يا أم سليم ما هذا الذي تصنعين ؟ " قالت : هذا عرقك نجعله في طيبنا وهو من أطيب الطيب [ صحيح مسلم ج 4 ص 1815 ]  

 وأخرج الدارمي بسنده من حديث  جابر   أن النبي – صلى الله عليه وسلم - لم يسلك طريقا أو لا يسلك طريقا فيتبعه أحد إلا عرف أنه قد سلكه من طيب عرقه أو قال من ريح عرقه  [ سنن الدارمي ج 1 ص 45 رقم 66]   

 ثالثاً : طيب نفس النبي صلى الله عليه وسلم

        أخرج ابن حبان بسنده من حديث  عائشة انها قالت  : لما رأيت من النبي – صلى الله عليه وسلم - طيب نفس قلت : يا رسول الله ادع الله لي : " فقال: اللهم اغفر لعائشة ما تقدم من ذنبها وما تأخر ما أسرت وما أعلنت " فضحكت عائشة حتى سقط رأسها في حجرها من الضحك قال لها رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : " أيسرك دعائى  ؟ " فقالت : وما لي لا يسرني دعاؤك فقال – صلى الله عليه وسلم - : " والله إنها لدعائي لأمتي في كل صلاة"  [ صحيح ابن حبان ج 16 ص 47]

رابعاً : طيب المكان الذي قبض فيه رسول الله  - صلى الله عليه وسلم -

  أخرج البيهقي بسنده من حديث سالم بن عبيد وكان من أصحاب الصفة قال : دخل أبو بكر رضي الله عنه على رسول الله – صلى الله عليه وسلم -  حين مات ثم خرج فقيل له توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟  ، فقال نعم فعلموا أنه كما قال قيل : ويصلى عليه وكيف يصلى عليه؟  قال: يجيئون عصباً عصباً فيصلون فعلموا أنه كما قال فقالوا: هل يدفن وأين ؟ فقال: حيث قبض الله روحه فإنه لم يقبض الله روحه إلا في مكان طيب فعلموا أنه كما قال [ سنن البيهقي الكبرى ج 4 ص 30 رقم 6697  ]

 إلى هنا ونكمل في اللقاء لقادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الخامسة في موضوع الطيب وستكون بعنوان :المبحث الخامس : البلد الطيب

   قال تعالى : (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ) (لأعراف:58)

  أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله

 ( والبلد الطيب  ) الآية : " قال هذا مثل ضربه الله للمؤمن يقول هو طيب وعمله طيب كما أن البلد الطيب ثمرها طيب والذي خبث ضرب مثلا للكافر كالبلد السبخة المالحة التي لا يخرج منها البركة والكافر هو الخبيث وعمله خبيث[  أضواء البيان - الشنقيطي ج1/ص13   ،  الدر المنثور - السيوطي ج3/ص478 ، تفسير السمرقندي ج1/ص539 ، فتح القدير - الشوكاني ج2/ص215]   

       وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله :( وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً )(لأعراف: من الآية 58)  قال: كل ذلك في الأرض السباخ وغيرها مثل آدم وذريته فيهم طيب وخبيث

       وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ عن قتادة في قوله (والبلد الطيب  ) قال : هذا مثل المؤمن سمع كتاب الله فوعاه وأخذ به وعمل به وانتفع به كمثل هذه الأرض أصابها الغيث فأنبتت وأمرعت   والذي خبث   قال هذا مثل الكافر لم يعقل القرآن ولم يعمل به ولم يأخذ به ولم ينتفع فهو كمثل الأرض الخبيثة أصابها الغيث فلم تنبت شيئا ولم تمرع

     وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في الآية قال هذا مثل ضربه للقلوب يقول ينزل الماء فيخرج البلد الطيب نباته بإذن الله   والذي خبث   هي السبخة لا يخرج نباتها إلا نكدا فكذلك القلوب لما نزل القرآن بقلب المؤمن آمن به وثبت الإيمان في قلبه وقلب الكافر لما دخله القرآن لم يتعلق منه [ المرجع السابق]

   وقال تعالى )لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) (سورة سبأ آية15)

      لقد كان لسبأ  قبيلة سميت باسم جد لهم من العرب في مساكنهم باليمن آية دالة على قدرة الله تعالى جنتان بدل عن يمين وشمال عن يمين واديهم وشماله وقيل لهم كلوا من رزق ربكم واشكروا له على ما رزقكم من النعمة في أرض سبأ بلدة طيبة ليس فيها سباخ ولا بعوضة ولا ذبابة ولا برغوث [  تفسير الجلالين ج1/ص565 ، التسهيل لعلوم التنزيل - الكلبى ج3/ص148]

 

 

     ولا عقرب ولا حية ويمر الغريب فيها وفي ثيابه قمل فيموت لطيب هوائها و الله رب غفور( بلدة طيبة ) أي كثيرة الأرزاق طيبة الهواء سليمة من الهوام[ المرجع السابق]

 المبحث السادس : الطيبون للطيبات

         قال تعالى : (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)(النور:26)

    اخرج الطبراني بسنده من حديث بن عباس وعن مقاتل بن سليمان عن الضحاك بن مزاحم عن بن عباس  ( الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات)يريد مثال عبد الله بن أبي بن سلول ومن شك في الله ويقذف مثل سيدة نساء المسلمين ثم قال (والطيبات للطيبين يريد الطيبات) عائشة طيبها الله لرسوله – صلى الله عليه وسلم - أتاه بها جبريل عليه السلام في سرقة حرير قبل أن يصور في رحم أمها فقال له :" هذه عائشة بنت أبي بكر زوجك في الدنيا وزوجك في الآخرة عوضا من  خديجة بنت خويلد وذلك  عند موت خديجة  فسر بها - رسول الله صلى الله عليه وسلم- وقر بها عينا ثم قال (والطيبون للطيبات) يريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم-  طيبه الله لنفسه وجعله سيد ولد آدم الطيبات يريد عائشة رضي الله عنها[ المعجم الكبير ج23 ص 155] ، و عن الضحاك بن مزاحم   في قوله (الخبيثون للخبيثات قال الخبيثات) من القول للخبيثين من الناس وفي قوله (الطيبات للطيبين) قال الطيبات من القول للطيبين من الناس

   وعن مجاهد   في قوله الطيبات والخبيثات قال هو القول السيء والحسن فالقول الحسن للمؤمنين والقول السيء للكافرين [ المعجم الكبير للطبراني ج 23 ص  155 -157رقم 238-243]

    قال بن عباس الخبيثات من القول للخبيثين من الرجال والخبيثون من الرجال للخبيثات من القول والطيبات من القول للطيبين من الرجال والطيبون من الرجال للطيبات من القول قال ونزلت في عائشة وأهل الإفك وهكذا روي عن مجاهد وعطاء وسعيد بن جبير والشعبي والحسن البصري وحبيب بن أبي ثابت والضحاك واختاره بن جرير 18108 ووجهه بأن الكلام القبيح أولى بأهل القبح من الناس والكلام الطيب أولى بالطيبين من الناس فما نسبه أهل النفاق إلى عائشة من كلام هم أولى به وهي أولى بالبراءة والنزاهة منهم ولهذا قال تعالى   أولئك مبرءون مما يقولون   وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال والخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء والطيبات من النساء للطيبين من الرجال والطيبون من الرجال للطيبات من النساء وهذا أيضا يرجع إلى ما قاله أولئك باللازم أي ما كان الله ليجعل عائشة زوجة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا وهي طيبة لأنه أطيب من كل طيب من البشر ولو كانت خبيثة لما صلحت له لا شرعا ولا قدرا [ تفسير ابن كثير ج3/ص279]

  ولهذا قال تعالى (  أولئك مبرءون مما يقولون  ) أي هم بعداء عما يقوله أهل الإفك والعدوان  ( لهم مغفرة )  أي بسبب ما قيل فيهم من الكذب  ( ورزق كريم )  أي عند الله في جنات النعيم وفيه وعد بأن تكون زوجة رسول الله  صلى الله عليه وسلم  [ المرجع السابق]

   وكل طيب من الرجال والنساء والكلمات والأفعال مناسب للطيب وموافق له ومقترن به ومشاكل له فهذه كلمة عامة وحصر لا يخرج منه شيء من أعظم مفرداته أن الأنبياء خصوصا أولي العزم منهم خصوصا سيدهم محمد  صلى الله عليه وسلم  الذي هو أفضل الطيبين من الخلق على الإطلاق لا يناسبهم إلا كل طيب من النساء فالقدح في عائشة رضي الله عنها بهذا الأمر قدح في النبي  صلى الله عليه وسلم  وهو المقصود بهذا الإفك من قصد المنافقين فمجرد كونها زوجة للرسول  صلى الله عليه وسلم  يعلم أنها لا تكون إلا طيبة طاهرة من هذا الأمر القبيح فكيف وهي ما هي صديقة النساء وأفضلهن وأعلمهن وأطيبهن حبيبة رسول رب العالمين التي لم ينزل الوحي عليه وهو في لحاف زوجة من زوجاته غيرها ثم صرح بذلك بحيث لا يبقى لمبطل مقالا ولا لشك وشبهة مجالا فقال   ( أولئك مبرءون مما يقولون ) والإشارة إلى عائشة رضي الله عنها أصلا وللمؤمنات المحصنات   الغافلات  تبعا لها  ( لهم مغفرة  )   تستغرق الذنوب   ( ورزق كريم  ) في الجنة صادر من الرب الكريم [ تفسير السعدي ج1/ص565]

إلى هنا ونكمل في اللقاء لقادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة السادسة في موضوع الطيب وستكون بعنوان:

المبحث السابع :

أهل الجنة طيبون ،وفي حال طيب ،وتربة الجنة طيبة

  قال تعالى :(طوبى لهم وحسن مآب )   أي لهم حالة طيبة ومرجع حسن وذلك بما ينالون من رضوان الله وكرامته في الدنيا والآخرة وأن لهم كمال الراحة وتمام الطمأنينة ومن جملة ذلك شجرة طوبى التي في الجنة التي يسير الراكب في ظلها مائة عام ما يقطعها كما وردت بها الأحاديث الصحيحة [ تفسير السعدي ج1/ص418]                                      قال الشنقيطي : ذكر جل وعلا تنعم أهل الجنة بلبس الحرير والذهب في سورة الحج في قوله : (إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ) (الحج:  23- 24) [ أضواء البيان - الشنقيطي ج2/ص358 ]

 وأخرج البخاري بسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : "  إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتفلون ولا يمتخطون أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك ومجامرهم الألوة الألنجوج عود الطيب وأزواجهم الحور العين على خلق رجل واحد على صورة أبيهم آدم ستون ذراعافي السماء  [ صحيح البخاري ج 3 ص 1210رقم 3149]

   وأخرج الترمذي وحسنه والطبراني وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:  قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : "  لقيت إبراهيم ليلة أسري بي فقال : يا محمد أقرئ أمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأنها قيعان وأن غراسها سبحان الله والحمد لله  ، ولا إله إلا الله والله أكبرولا حول ولا قوة إلا بالله "[ سنن الترمذي (الجزء الخاص في التفسير) ج1/ص510 رقم3462  ،  الدر المنثور - السيوطي    ج5/ص218   ،  تفسير القرطبي ج10/ص415]

     قال ابن تيمية : " و لا يقول أحد إن الظالم معذور لأجل القدر فرب العالمين إذا أنصف بعض عباده من بعض و أخذ للمظلومين حقهم من الظالمين كيف يكون ذلك ظلما منه لأجل القدر و كذلك الواحد من العباد إذا و ضع كل شيء موضعه فجعل الطيب مع الطيب فى المكان المناسب له و جعل الخبيث مع الخبيث في المكان المناسب له كان ذلك عدلا منه و حكمة فرب العالمين إذا و ضع كل شيء موضعه لم يجعل الذين آمنوا و عملوا الصالحات كالمفسدين فى الأرض و لم يجعل المتقين كالفجار و لا المسلمين كالمجرمين و الجنة طيبة لا يصلح أن يدخلها إلا طيب و لهذا لا يدخلها احد إلا بعد القصاص الذي ينظفهم من الخبث كما ثبت فى الصحيح عن أبي سعيد عن النبى صلى الله عليه و سلم   ان المؤمنين إذا عبروا الجسر و هو الصراط المنصوب على متن جهنم فإنهم يوقفون على قنطرة بين الجنة و النار فيقتص لبعضهم من بعض  فإذا هذبوا [كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في التفسير  ج17/ص176  ،  تفسير الباقيات الصالحات - العلائي ج1/ص36 ]

 وقال الألوسي : وكان عبدالله إبن رواحة ينشد وهو يقاتل الروم :

   ياحبذا الجنة وإقترابها= طيبة وبارد شرابها=والروم روم قد دنا عذابها [روح المعاني - الألوسي ج1/ص328 ]

 

   وأخرج الحاكم بسنده من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -  : "  لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في جوف طير خضر ترد أنهار الجنة تأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا من يبلغ إخواننا أنا أحياء في الجنة نرزق لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عن الحرب فقال الله تبارك وتعالى أنا أبلغهم عنكم وأنزل الله )وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (آل عمران:169)  هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه [  المستدرك على الصحيحين ج 2 ص 97 رقم 2444 ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء لقادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة السابعة في موضوع الطيب وستكون بعنوان:

المبحث الثامن :الروح الطيبة ؛في الجسد الطيب

 اخرج مسلم بسنده من حديث  أبي هريرة قال  : إذا خرجت روح المؤمن تلقاها ملكان يصعدانها قال حماد فذكر من طيب ريحها وذكر المسك قال ويقول أهل السماء روح طيبة جاءت من قبل الأرض صلى الله عليك وعلى جسد كنت تعمرينه فينطلق به إلى ربه عز وجل ثم يقول : "انطلقوا به إلى آخر الأجل " قال وإن الكافر إذا خرجت روحه وذكر من نتنها ، ويقول أهل السماء روح خبيثة جاءت من قبل الأرض قال فيقال انطلقوا به إلى آخر الأجل قال أبو هريرة فرد رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ريطة كانت عليه على أنفه هكذا [ صحيح مسلم ج 4 ص 2202]    

وأخرج ابن ماجة بسنده من حديث أبي هريرة عن النبي  صلى الله عليه وسلم - قال : "  الميت تحضره الملائكة فإذا كان الرجل صالحا قالوا اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب اخرجي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج ثم يعرج بها إلى السماء فيفتح لها فيقال من هذا فيقولون: فلان فيقال مرحبا بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب ادخلي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان.."[       سنن ابن ماجه ج 2 ص 1423 رقم4262]

 وأخرج عبد الله بن أحمد بسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال:" إن الميت تحضره الملائكة فإذا كان الرجل الصالح قالوا اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب اخرجي حميدة وابشري بروح و ريحان و رب غير غضبان " فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج ثم يعرج بها إلى السماء فيستفتح له فيقال من هذا فيقال فلان فيقال: " مرحبا بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب ادخلي حميدة و ابشري بروح و ريحان و رب غير غضبان "[السنة لعبدالله بن أحمد بن حنبل ج2/ص610 رقم 1449  ]

المبحث التاسع : ريح الصائم طيب

  اخرج ابن خزيمة بسنده من حديث الحارث الأشعري أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - قال   إن الله أوحى إلى يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بهن ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن . وآمركم بالصيام.

ومثل ذلك كمثل رجل  في عصابة معه صرة مسك كلهم يحب ان يجد ريحها وان الصيام أطيب عند الله من ريح المسك [ صحيح ابن خزيمة ج 3 ص 195]

 وأخرج ابن حبان بسنده من حديث أبي هريرة يقول قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : " قال الله تعالى  : ( كل عمل بن آدم له إلا الصيام فهو لي وأنا أجزي به )  والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك للصائم فرحتان إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي الله فرح بصومه قال أبو حاتم شعار المؤمنين في القيامة التحجيل بوضوئهم في

الدنيا فرقا بينهم وبين سائر الأمم وشعارهم في القيامة بصومهم طيب

خلوفهم أطيب من ريح المسك ليعرفوا بين ذلك الجمع بذلك العمل   [ صحيح ابن حبان ج 8 ص 210رقم 3423]

المبحث العاشر : منزلة الطيب وهو لا يرد

 أخرج البخاري بسنده من حديث عزرة بن ثابت الأنصاري قال حدثني ثمامة بن عبد الله قال دخلت عليه فناولني طيبا قال  : كان أنس رضي الله عنه لا يرد الطيب قال وزعم أنس أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان لايرد الطيب [صحيح البخاري ج 2 ص 912رقم 2443]

 قال ابن القيم : وفي صحيح البخارى أنه   كان لا يرد الطيب   وفي صحيح مسلم عنه من عرضه عليه ريحان فلا يرده فإنه طيب الريح خفيف المحمل وفي سنن أبى داود والنسائى عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى من عرض عليه طيب فلا يرده فإنه خفيف المحمل طيب الرائحة وفي مسند البزار عن النبى أنه قال إن الله طيب يحب الطيب نظيف يحب النظافة كريم يحب الكرم جواد يحب الجواد... وذكر ابن أبى شيبة أنه كان له سكة يتطيب منها وصح عنه أنه قال إن لله حقا على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة ايام وإن كان له طيب أن يمس منه

  وفي الطيب من الخاصية ان الملائكة تحبه والشياطين تنفر عنه وأحب شىء إلى الشياطين الرائحة المنتنة الكريهة فالأرواح الطيبة تحب الرائحة الطيبة والأرواح الخبيثة تحب الرائحة الخبيثة وكل روح تميل إلى ما يناسبها فالخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون [ الطب النبوي لابن القيم ج1 ص 216] للطيبات وهذا وإن كان في النساء والرجال فإنه يتناول الأعمال والأقوال والمطاعم والمشارب والملابس والروائح إما بعموم لفظه أو بعموم معناه [ المرجع السابق]

 وأخرج البخاري بسنده من حديث  بن وديعة عن سلمان الفارسي قال قال النبي – صلى الله عليه وسلم - : " لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى[ صحيح البخاري ج 1 ص 301]

    وأخرج مسلم بسنده من حديث عمرو بن الحارث أن سعيد بن أبي هلال وبكير بن الأشج حدثاه عن أبي بكر بن المنكدر عن عمرو بن سليم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -  قال  : " غسل يوم الجمعة على كل محتلم وسواك ويمس من الطيب ما قدر عليه" وقال في الطيب ولو من طيب المرأة [ صحيح مسلم ج 2 ص 581 رقم 846 ، سنن الترمذي ج 2 ص 407رقم 528]

       وأخرج ابن حبان بسنده من حديث أبي هريرة عن رسول الله   – صلى الله عليه وسلم -  قال : " من عرض عليه طيب فلا يرده فإنه خفيف المحمل طيب الرائحة"[ صحيح ابن حبان ج 11 ص 510 رقم 5109]

     وأخرج الترمذي بسنده من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : "   طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه وطيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه "[سنن الترمذي ج 5 ص 107]

        واخرج أبو داود بسنده من حديث عمران بن حصين أن نبي الله – صلى الله عليه وسلم -  قال  : " لا أركب الأرجوان ولا ألبس المعصفر ولا ألبس القميص المكفف بالحرير قال وأومأ الحسن إلى جيب قميصه قال وقال ألا وطيب الرجال ريح لا لون له ألا وطيب النساء لون لا ريح له "

قال : سعيد بن أبي عروبة :  أراه قال إنما حملوا قوله في طيب النساء على أنها إذا خرجت فأما إذا كانت عند زوجها فلتطيب بما شاءت 

      وأخرج مسلم بسنده من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -   : "  من عرض عليه ريحان فلا يرده فإنه خفيف المحمل طيب الريح "[ صحيح مسلم ج 4 ص 1766رقم 2253]

إلى هنا ونكمل في اللقاء لقادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الثامنة في موضوع الطيب وستكون بعنوان:

 المبحث الحادي عشر : الطِيِب أنواع ، وأطيب الطيب المسك

 قال الغزالي : "وأما المسك الأذفر فهو عبارة في عالم الشهادة عن شيء يستصحبه الانسان فيثور منه رائحة طيبة تشهره وتظهره حتى لو أراد خفاءه لم يختف لكن يستطير وينتشر فانظر ان كان في المقتنيات العلمية ما ينشر منه الاسم الطيب في العالم ويشتهر صاحبه به اشتهارا حتى لو أراد الاختفاء وإيثار الخمول بل تشهره وتظهره فاسم المسك الأذفر عليه أحق وأصدق أم لا وأنت تعلم أن علم الفقه ومعرفة أحكام الشريعة يطيب الاسم وينشر الذكر ويعظم الجاه وما ينال القلب من روح طيب الاسم وانتشار الجاه أعظم كثيرا مما ينال المشام من روح طيب رائحة من المسك [جواهر القرآن - الغزالي ج1/ص58]

 و أخرج البيهقي بسنده من حديث نافع قال  : مات سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنه وكان بدريا فقالت أم سعيد لعبد الله بن عمر رضي الله عنه أتحنطه بالمسك فقال وأي طيب أطيب من المسك هاتي مسكك فناولته إياه قال:ولم يكن يصنع كما تصنعون وكنا نتبع بحنوطه مراقه ومغابنه [ سنن البيهقي الكبرى ج 3 ص 406رقم 6499]

      قال ابن القيم : ثبت في صحيح مسلم عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه عن النبى انه قال : "أطيب الطيب   المسك  " وفي الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها كنت أطيب النبى قبل ان يحرم ويوم النحر وقبل أن يطوف بالبيت بطيب فيه مسك .

    والمسك : ملك انواع  الطيب وأشرفها واطيبها وهو الذى يضرب به

الأمثال ويشبه به غيره ولا يشبه بغيره وهو كثبان الجنة وهو حار يابس في الثانية يسر النفس ويقويها ويقوى الأعضاء الباطنة جميعها شربا وشما والظاهرة اذا وضع عليها نافع للمشايخ والمبرودين المرطوبين لا سيما زمن الشتاء جيد للغشى والخفقان وضعف القوة بإنعاشه للحرارة الغريزية ويجلو بياض العين [الطب النبوي لابن القيم ج: 1 ص: 308, زاد المعاد لابن القيم ج: 4 ص: 395  ]

وقال ابن القيم : واما العنبر الذى هو احد انواع الطيب فهو من افخر انواعه بعد   المسك   واخطأ من قدمه على   المسك   وجعله سيد أنواع الطيب وقد ثبت عن النبى انه قال في   المسك   هو أطيب الطيب وسيأتى إن شاء الله تعالى ذكر الخصائص والمنافع التى تخص بها   المسك   حتى إنه طيب الجنة والكثبان التى هى مقاعد الصديقين هناك من مسك لا من عنبر [الطب النبوي لابن القيم  ج: 1 ص: 264]

 

      وقال ابن القيم : ومن المعلوم ان اطيب ما عند الناس من الرائحة رائحة   المسك   فمثل النبي هذا الخلوف عند الله تعالى بطيب رائحة   المسك   عندنا واعظم ونسبة استطابة ذلك اليه سبحانه وتعالى كنسبة سائر صفاته وافعاله اليه فانها استطابة لا تماثل استطابة المخلوقين كما ان رضاه وغضبه وفرحه وكراهيته وحبه وبغضه لا تماثل ما للمخلوق من ذلك كما ان ذاته سبحانه وتعالى لا تشبه ذوات خلقه وصفاته لا تشبه صفاتهم وافعالهم وهو سبحانه وتعالى يستطيب الكلم الطيب فيصعد اليه والعمل الصالح فيرفعه وليست هذه الاستطابه كاستطابتنا   ثم ان تاويله لايرفع الاشكال اذ ما استشكله هؤلاء من الاستطابه يلزم مثله الرضا فان قال رضا ليس كرضا المخلوقين فقولوا استطابه ليست كاستطابة المخلوقين وعلى هذا  جميع ما يجئ من هذا الباب ثم قال : واما ذكر يوم القيامة في الحديث فلانه يوم الجزاء وفيه يظهر رجحان الخلوف في الميزان على   المسك   المستعمل لدفع الرائحة الكريهة طلبا لرضاء الله تعالى حيث يؤمر باجتنابها واجتلاب الرائحة الطيبة كما في المساجد والصلوات وغيرها [الوابل الصيب لابن القيم ج: 1 ص: 46 ]

 وقال ابن القيم : بل يأتى الصائم يوم القيامة وخلوف فمه أطيب من ريح   المسك   علامة على صيامه ولو أزاله بالسواك كما أن الجريح يأتى يوم القيامة ولون دم جرحه لون الدم وريحه ريح   المسك   وهو مامور بإزالته في الدنيا وايضا فان الخلوف لا يزول بالسواك فان سببه قائم وهو خلو المعدة عن الطعام وانما يزول اثره وهو المنعقد على الأسنان واللثة [ الطب النبوي ج: 1 ص: 250]

وأيضا فان النبى علم امته ما يستحب لهم في الصيام وما يكره لهم ولم يجعل السواك من القسم المكروه وهو يعلم أنهم يفعلونه وقد حضهم عليه بأبلغ الفاظ العموم والشمول وهم يشاهدونه يستاك وهو صائم مرارا كثيرة تفوت الاحصاء ويعلم انهم يقتدون به ولم يقل لهم يوما من الدهر لا تستاكوا بعد الزوال وتاخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع[ المرجع السابق]    وقال البغوي : عن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال : "  مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحا خبيثة " [ تفسير البغوي ج3/ص367]

إلى هنا ونكمل في اللقاء لقادم والسلام عليكم

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة التاسعة في موضوع الطيب وستكون بعنوان:    

المبحث الثاني عشر :

الكسب الطيب ، والطعام الطيب ، والماء الطيب

 قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)(المؤمنون:51)      

وأخرج البخاري بسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال  رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "  من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب وإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل "[ صحيح البخاري ج 2 ص 511 رقم 1344  ]

 وأخرج ابن حبان بسنده من حديث أبي ذر أن رسول الله _ صلى الله عليه وسلم -  قال  : " إن الأكثرين هم الأسفلون إلا من قال بالمال هكذا وهكذا وكسبه من طيب  [ صحيح ابن حبان ج 8 ص 123]

      وأخرج البخاري بسنده من حديث أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول   كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالا من نخل وكان أحب أمواله إليه بيرحاء وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب قال أنس فلما أنزلت هذه الآية (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) (آل عمران:92)  قام أبو طلحة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  فقال يا رسول الله إن الله تبارك وتعالى يقول ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) وإن أحب أموالي إليّ بيرحاء وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث أراك الله قال فقال رسول الله _ صلى الله عليه وسلم -:" بخ ذلك مال رابح ذلك مال رابح وقد سمعت ما قلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين " فقال: أبو طلحة أفعل يا رسول الله فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه [ صحيح البخاري ج 2 ص 530 رقم 1392]

       وأخرج البخاري بسنده من حديث عبد الواحد بن أيمن عن أبيه قال: أتيت جابرا رضي الله عنه فقال  : إنا يوم الخندق نحفر فعرضت كدية شديدة فجاؤوا النبي - صلى الله عليه وسلم -  فقالوا: هذه كدية عرضت في الخندق فقال أنا نازل ثم قام وبطنه معصوب بحجر ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق

ذواقا فأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم -   المعول فضرب في الكدية فعاد كثيبا أهيل أو أهيم فقلت: يا رسول الله ائذن لي إلى البيت فقلت لامرأتي: رأيت بالنبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا ما كان في ذلك صبر فعندك شيء قالت : عندي شعير وعناق فذبحت العناق وطحنت الشعير حتى جعلنا اللحم في البرمة ثم جئت النبي - صلى الله عليه وسلم -    والعجين قد انكسر والبرمة بين الأثافي قد كادت تنضج فقلت: طعيم لي فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان قال : "كم هو"؟ فذكرت له قال :"كثير طيب" قال :"قل لها لا تنزع البرمة ولا الخبز من التنور حتى آتى " فقال: " قوموا " فقام المهاجرون والأنصار فلما دخل على امرأته قال: ويحك جاء النبي - صلى الله عليه وسلم -   بالمهاجرين والأنصار ومن معهم قالت: هل سألك؟ قلت : نعم فقال:" ادخلوا ولا تضاغطوا " فجعل يكسر الخبز ويجعل عليه اللحم ويخمر البرمة والتنور إذا أخذ منه ويقرب إلى أصحابه ثم ينزع فلم يزل يكسر الخبز ويغرف حتى شبعوا وبقي بقية قال :"كلي هذا وأهدي فإن الناس أصابتهم مجاعة " [ صحيح البخاري ج 4 ص 1505]

إلى هنا ونكمل في اللقاء لقادم والسلام عليكم

 

 

 

 

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة العاشرة في موضوع الطيب وستكون بعنوان:  

  المبحث الثالث عشر : المؤمن الذي يقرأ القرآن ويعمل به كالأترجة طعمها طيب وريحها طيب

       أخرج البخاري بسنده من حديث أبي موسى عن النبي – صلى الله عليه وسلم - : " قال المؤمن الذي يقرأ القرآن ويعمل به كالأترجة طعمها طيب وريحها طيب والمؤمن الذي لا يقرأ القرآن ويعمل به كالتمرة طعمها طيب ولا ريح لها ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كالريحانة ريحها طيب وطعمها مر ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كالحنظلة طعمها مر أو خبيث وريحها مر[ صحيح البخاري ج 4 ص 1928]

المبحث الرابع عشر :

   لايصعد إلى الله إلاالطيب ، والكلمة الطيبة صدقة

         قال تعالى : ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ) (فاطر:10)  ، وقال تعالى : (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ) (الحج:24)

       واخرج البخاري ومسلم بسنديهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه واللفظ للبخاري عن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال : " كل سلامي عليه صدقة كل يوم يعين الرجل في دابته يحامله عليها أو يرفع متاعه صدقة والكلمة الطيبة وكل خطوة يمشيها إلى الصلاة صدقة ودل الطريق صدقة "        [ صحيح البخاري ج 3 ص 1059رقم 2734، صحيح مسلم ج 2 ص 699رقم 1009]

 واخرج ابن حبان بسنده من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم   :"من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولايصعد إلى الله إلا الطيب فإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى يكون مثل الجبل[  صحيح ابن حبان ج 8 ص 113رقم 3319]

 وقال البخاري :باب طيب الكلام وقال أبو هريرة عن النبي – صلى الله عليه وسلم -  الكلمة الطيبة صدقة[ صحيح البخاري ج 5 ص 2241]

و أخرج ابن حيان بسنده من حديث علي قال قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : "  إن في الجنة لغرفا يرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها"  فقام أعرابي فقال : يا رسول الله لمن هي؟

  قال :"هي لمن قال طيب الكلام وأطعم الطعام وأدام الصيام وقام لله بالليل والناس نيام " [ صحيح ابن خزيمة ج 3 ص 306 رقم 2136]

       واخرج ابن حبان أيضاً بسنده من حديث أبي شريح قال : يا رسول الله أخبرني بشيء يوجب لي الجنة قال : " طيب الكلام وبذل السلام وإطعام الطعام"[ صحيح ابن حبان ج 2 ص 257رقم 504]

واخرج الترمذي بسنده من حديث أنس أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - قال : " لا عدوى ولا طيرة وأحب الفأل"  قالوا : يا رسول الله وما الفأل؟ قال : " الكلمة الطيبة " قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح [سنن الترمذي ج 4 ص 161]

إلى هنا ونكمل في اللقاء لقادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة العاشرة في موضوع الطيب وستكون بعنوان:  

المبحث الخامس عشر : الشجرة الطيبة

  قال تعالى : ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ) (ابراهيم:24)

  قال الرازي : اعلم أنه تعالى لما شرح أحوال الأشقياء وأحوال السعداء ذكر مثالا يبين الحال في حكم هذين القسمين وهو هذا المثل وفيه مسائل : المسألة الأولى : اعلم أنه تعالى ذكر شجرة موصوفة بصفات أربعة ثم شبه الكلمة الطيبة بها

    فالصفة الأولى : لتلك الشجرة كونها طيبة وذلك يحتمل أمورا أحدها كونها طيبة المنظر والصورة والشكل ، وثانيها كونها طيبة الرائحة ، وثالثها كونها طيبة الثمرة ؛ يعني أن الفواكه المتولدة منها تكون لذيذة مستطابة ، ورابعها كونها طيبة بحسب المنفعة ؛ يعني أنها كما يستلذ بأكلها فكذلك يعظم الانتفاع بها ويجب حمل قوله شجرة طيبة على مجموع هذه الوجوه لأن اجتماعها يحصل كمال الطيب

والصفة الثانية : قوله أصلها ثابت أي راسخ باق آمن الانقلاع والانقطاع والزوال والفناء وذلك لأن الشيء الطيب إذا كان في معرض الانقراض والانقضاء فهو وإن كان يحصل الفرح بسبب وجدانه إلا أنه يعظم الحزن بسبب الخوف من زواله وانقضائه أما إذا علم من حاله أنه باق دائم لا يزول ولا ينقضي فإنه يعظم الفرح بوجدانه ويكمل السرور بسبب الفوز به [ التفسير الكبير - الرازي ج19/ص92 ]

والصفة الثالثة  : قوله وفرعها فى السماء وهذا الوصف يدل على كمال حال تلك الشجرة من وجهين : الأول أن ارتفاع الأغصان وقوتها في التصاعد يدل على ثبات الأصل ورسوخ العروق ، والثاني أنها متى كانت متصاعدة مرتفعة كانت بعيدة عن عفونات الأرض وقاذورات الأبنية فكانت ثمراتها نقية ظاهرة طيبة عن جميع الشوائب [ المرجع السابق]

وقال تعالى : ( يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) (ابراهيم:27)

     قال الرازي : اعلم أنه تعالى لما بين أن صفة الكلمة الطيبة أن يكون أصلها ثابتا وصفة الكلمة الخبيثة أن لا يكون لها أصل ثابت بل تكون منقطعة ولا يكون لها قرار ذكر أن ذلك القول الثابت الصادر عنهم في الحياة الدنيا يوجب ثبات كرامة الله لهم وثبات ثوابه عليهم والمقصود بيان أن الثبات في المعرفة والطاعة يوجب الثبات في الثواب والكرامة من الله تعالى فقوله ( يثبت الله ) أي على الثواب والكرامة وقوله ( بالقول الثابت فى الحيواة الدنيا وفى الاخرة)  أي بالقول الثابت الذي كان يصدر عنهم حال ما كانوا في الحياة الدنيا [ التفسير الكبير - الرازي ج19/ص96]

قال الشوكاني : وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والبيهقى عن ابن عباس فى قوله  ( ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة )  قال شهادة أن لا إله إلا الله  ( كشجرة طيبة )  وهو المؤمن  ( أصلها ثابت)   يقول لا إله إلا الله ثابت فى قلب المؤمن  ( وفرعها في السماء )  يقول يرفع بها عمل المؤمن إلى السماء [ فتح القدير - الشوكاني ج3/ص107] قال السيوطي : الآية ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ ) (ابراهيم: من الآية24) قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم :" أتدرون أي شجرة هذه؟ " قالوا:الله ورسوله أعلم قال : " هي النخلة  "

      وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طرق عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله (كشجرة طيبة )  قال هي النخلة(تؤتي أكلها كل حين) قال بكرة وعشية

   وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والرامهرمزي عن عكرمة - رضي الله عنهما - في قوله  ( كشجرة طيبة  ) قال هي النخلة لا يزال فيها شيء ينتفع به أما ثمرة وأما حطب

      وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله (تؤتي أكلها كل حين  ) قال كل ساعة بالليل والنهار والشتاء والصيف وذلك مثل المؤمن يطيع ربه بالليل والنهار والشتاء والصيف

 وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس - رضي الله عنهما - ( تؤتي أكلها ) قال يكون أخضر ثم يكون أصفر

 وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله  ( تؤتي أكلها كل حين )  قال جذاذ النخل [ الدر المنثور  السيوطي ج5/ص23]

    وقال ابن تيمية : الكلمة الطيبة فى قلوب المؤمنين هى العقيدة الايمانية التوحيدية كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها فى السماء فاصل أصول الايمان ثابت فى قلب المؤمن كثبات اصل الشجرة الطيبة وفرعها فى السماء اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والله سبحانه مثل الكلمة الطيبة أى كلمة التوحيد بشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها فى السماء فبين [ كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في التفسير ج13/ص158-159]

بذلك أن الكلمة الطيبة لها أصل ثابت فى قلب المؤمن ولها فرع عال وهى ثابتة فى قلب ثابت كما قال:(يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة)(ابراهيم: من الآية27)  فالمؤمن عنده يقين وطمأنينة والايمان فى قلبه ثابت مستقر وهو فى نفسه ثابت على الايمان مستقر لا يتحول عنه  [  المرجع السابق]

إلى هنا ونكمل في اللقاء لقادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الحادية عشرة في موضوع الطيب وستكون بعنوان:   المبحث السادس عشر :الصدقة الطيبة من الكسب الطيب أخرج البخاري بسنده من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  : "   من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يصعد

إلى الله إلا الطيب فإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل [ صحيح البخاري ج 6 ص 2702   ،  صحيح ابن خزيمة ج 4 ص 92رقم 2425 الدر المنثور - السيوطي ج5/ص164  ،  تفسير ابن كثير ج1/ص331 ،فتح القدير - الشوكاني ج3/ص195]

 وأخرج ابن خزيمة بسنده من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم -:"إن العبد إذا تصدق من طيب تقبلها الله منه وأخذها بيمينه فرباها كما يربي أحدكم مهره أو فصيله وإن الرجل ليتصدق باللقمة فتربو في يد الله أو قال في كف الله حتى تكون مثل الجبل فتصدقوا " [صحيح ابن خزيمة ج 4 ص 93 رقم 2426  ،  روح المعاني - الألوسي ج11/ص15 ]

   قال الطبري :القول في تأويل قوله تعالى : (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) (النساء:4)

  يعني بذلك جل ثناؤه فإن وهب لكم أيها الرجال نساؤكم شيئا من صدقاتهن طيبة بذلك أنفسهن فكلوه هنيئا مريئا ؛ كما حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ثنا بشر بن المفضل قال ثنا عمارة عن عكرمة ( فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا ) قال: المهر "

    حدثنا محمد بن المثنى قال ثني حرمي بن عمارة قال ثنا شعبة عن عمارة

 عن عكرمة عن عمارة في قول الله تبارك وتعالى فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً قال :الصدقات

  حدثني المثنى قال ثني الحماني قال ثنا شريك عن سالم عن سعيد {فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا }قال :الأزواج

      حدثني المثنى قال ثنا عمرو بن عون قال أخبرنا هشيم عن عبيدة قال قال لي إبراهيم أكلت من الهنيء المريء قلت ما ذاك قال امرأتك أعطتك من صداقها

    حدثنا بن حميد قال ثنا جرير عن منصور عن إبراهيم قال دخل رجل على علقمة وهو يأكل من طعام بين يديه من شيء أعطته امرأته من صداقها أو غيره فقال له علقمة ادن فكل من الهنيء المريء

       حدثني المثنى قال ثنا عبد الله بن صالح قال ثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن بن عباس فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا يقول إذا كان غير إضرار ولا خديعة فهو هنيء مريء كما قال الله جل ثناؤه[تفسير الطبري ج4/ص242،243 ]

المبحث السابع عشر : الريح الطيبة

         قال تعالى : ( هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ)(يونس:22)

      قال الرازي : واعلم أن الإنسان إذا ركب السفينة ووجد الريح الطيبة الموافقة للمقصود حصل له الفرح التام والمسرة القوية  [ التفسير الكبير - الرازي ج17/ص55  ]  ،ثم قال : فلأجل الحركات الشديدة التي في تلك الرياح تحصل فوائد :إحداها : أن أجزاء السحاب ينضم بعضها إلى البعض ويتراكم وينعقد السحاب الكثيف الماطر

وثانيها : أن بسبب تلك الحركات الشديدة التي في تلك الرياح يمنة ويسرة يمتنع على تلك الأجزاء المائية النزول فلا جرم يبقى متعلقا في الهواء

وثالثها : أن بسبب حركات تلك الرياح ينساق السحاب من موضع إلى موضع آخر وهو الموضع الذي علم الله تعالى احتياجهم إلى نزول الأمطار وانتفاعهم بها

ورابعها : أن حركات الرياح تارة تكون جامعة لأجزاء السحاب موجبة لانضمام بعضها إلى البعض حتى ينعقد السحاب الغليظ وتارة تكون مفرقة لأجزاء السحاب مبطلة لها  

وخامسها : أن هذه الرياح تارة تكون مقوية للزروع والأشجار مكملة لما

فيها من النشو والنماء وهي الرياح اللواقح وتارة تكون [ التفسير الكبير - الرازي ج14/ص115]  مبطلة لها كما تكون في الخريف

 وسادسها : أن هذه الرياح تارة تكون طيبة لذيذة موافقة للأبدان وتارة تكون مهلكة إما بسبب ما فيها من الحر الشديد كما في السموم أو بسبب ما فيها من البرد الشديد كما في الرياح الباردة المهلكة جدا

وسابعها: أن هذه الرياح تارة تكون شرقية وتارة تكون غربية وشمالية وجنوبية وهذا ضبط ذكره بعض الناس وإلا فالرياح تهب من كل جانب من جوانب العالم ولا ضبط لها ولا اختصاص لجانب من جوانب العالم بها

وثامنها : أن هذه الرياح تارة تصعد من قعر الأرض فإن من ركب البحر يشاهد أن البحر يحصل غليان شديد فيه بسبب تولد الرياح في قعر البحر إلى ما فوق البحر وحينئذ يعظم هبوب الرياح في وجه البحر وتارة ينزل الريح من جهة فوق فاختلاف الرياح بسبب هذه المعاني أيضا عجيب وعن ابن عمر رضي الله عنهما الرياح ثمان أربع منها عذاب وهو القاصف والعاصف والصرصر والعقيم وأربعة منها رحمة الناشرات والمبشرات والمرسلات والذاريات وعن النبي  صلى الله عليه وسلم  نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور والجنوب من ريح الجنة وعن كعب لو حبس الله الريح عن عباده ثلاثة أيام لأنتن أكثر الأرض وعن السدي أنه تعالى يرسل الرياح فيأتي بالسحاب ثم إنه تعالى يبسطه في السماء كيف يشاء ثم يفتح أبواب السماء فيسيل الماء على السحاب ثم يمطر السحاب بعد ذلك ورحمته هو المطر إذا عرفت هذا فنقول اختلاف الرياح في الصفات المذكورة مع أن طبيعة الهواء واحدة وتأثيرات الطبائع والأنجم والأفلاك واحدة يدل على أن هذه الأحوال لم تحصل إلا بتدبير الفاعل المختار سبحانه وتعالى[ المرجع السابق]

إلى هنا ونكمل في اللقاء لقادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الثانية عشرة في موضوع الطيب وستكون بعنوان:     المبحث الثامن عشر : المساكن الطيبة

  قال تعالى : (وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)(التوبة:72)

 وقال تعالى :  (يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)(الصف:12)

  قال ابن كثير : ومساكن طيبة   أي حسنة البناء طيبة القرار كما جاء في الصحيحين من حديث أبي عمران الجوني عن أبي بكر بن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري عن أبيه قال :قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  :"جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وجنتان من فضة آنيتهما

 وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن" وبه قال قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم :" إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلا في السماء للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم لا يرى بعضهم بعضا" أخرجاه في الصحيحين

وعن أبي حازم عن سهل بن سعد قال قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  إن أهل الجنة ليتراءون الغرف في الجنة كما ترون الكوكب في السماء أخرجاه في الصحيحين ثم ليعلم أن أعلى منزلة في الجنة مكان يقال له الوسيلة لقربه من العرش وهو مسكن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  من الجنة [تفسير ابن كثير ج2/ص370 ، ومثله عند الطبراني 20327 ، والترمذي 2530، وبن ماجة 4331]

   قال الرازي : قال الحسن سألت عمران بن الحصين وأبا هريرة عن قوله :(ومسـاكن طيبة ) فقالا : على الخبير سقطت سألنا الرسول  صلى الله عليه وسلم  عن ذلك فقال  صلى الله عليه وسلم :" هو قصر في الجنة من اللؤلؤ فيه سبعون دارا من ياقوتة حمراء في كل دار سبعون بيتا من زمردة خضراء في كل بيت سبعون سريرا على كل سرير سبعون فراشا على كل فراش زوجة من الحور العين في كل بيت سبعون مائدة على كل مائدة سبعون

لونا من الطعام وفي كل بيت سبعون وصيفة يعطى المؤمن من القوة في غداة واحدة ما يأتي على ذلك أجمع "

 وعن ابن عباس أنها دار المقربين عند الله التي لم ترها عين ولم تخطر

على قلب بشر ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قلت يا رسول الله حدثني عن الجنة ما بناؤها فقال لبنة من ذهب ولبنة من فضة وملاطها المسك الأذفر وترابها الزعفران وحصباؤها الدر والياقوت فيها النعيم بلا بؤس والخلود بلا موت لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه

      وقال عطاء عن ابن عباس هي قصبة الجنة وسقفها عرش الرحمن وهي المدينة التي فيها الرسل والأنبياء والشهداء وأئمة الهدى وسائر الجنات حولها وفيها عين التسنيم وفيها قصور الدر والياقوت والذهب فتهب ريح طيبة من تحت العرش فتدخل عليهم كثبان المسك الأذفر وقال عبد الله بن عمرو إن في الجنة قصرا يقال له عدن حوله البروج وله خمسة آلاف باب كل على كل باب خمسة آلاف حرة لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد [ التفسير الكبير - الرازي ج16/ص105]

وقال السعد:(وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ )(التوبة: من الآية72)

 قد زخرفت وحسنت وأعدت لعباد الله المتقين قد طاب مرآها وطاب منزلها ومقيلها وجمعت من آلات المساكن العالية ما لا يتمنى فوقه المتمنون حتى إن الله تعالى قد أعد لهم غرفا في غاية الصفاء والحسن يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها فهذه المساكن الأنيقة التي حقيق بأن

 تسكن إليها النفوس وتنزع إليها القلوب وتشتاق لها الأرواح لأنها في جنات عدن أي إقامة لا يظعنون عنها ولا يتحولون منه   [ تفسير السعدي ج1/ص344 ] 

      وقال أبو السعود ( ومساكن طيبة )  أي وعد بعض الخواص الكمل منهم منازل تستطيبها النفوس أو يطيب فيها العيش في الخبر أنها قصور من اللؤلؤ والزبرجد والياقوت الأحمر[ تفسير أبي السعود ج4/ص83]

إلى هنا ونكمل في اللقاء لقادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الثالثة عشرة في موضوع الطيب وستكون بعنوان:     المبحث التاسع عشر : الذرية الطيبة

  قال تعالى : (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ)(آل عمران:38)

 قال الشنقيطي : وأشار إلى أنه الولد بقوله : ( وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ

 لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ) (الانبياء:89)   فقوله :( لا تذرني فردا ) أي واحدا بلا ولد[ أضواء البيان - الشنقيطي ج3/ص365]

 وقال الرازي : (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ) والقرآن دل على أنه كان آيسا من الولد بسبب شيخوخته وشيخوخة زوجته فلما رأى انخراق العادة في حق مريم طمع في حصول الولد فيستقيم قوله هنالك دعا زكريا ربه أما لو كان الذي شاهده في حق مريم لم يكن خارقا للعادة لم تكن مشاهدة ذلك سببا لطمعه في انخراق العادة بحصول الولد من المرأة الشيخة العاقر[ التفسير الكبير - الرازي ج8/ص27]

     وقال القرطبي : ( ذرية طيبة )  وقال  ( واجعله رب رضيا )  والولد إذا كان بهذه الصفة نفع أبويه في الدنيا والآخرة وخرج من حد العداوة والفتنة إلى حد المسرة والنعمة وقد دعا النبي  صلى الله عليه وسلم  لأنس خادمه فقال   اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته   فدعا له بالبركة تحرزا مما يؤدي إليه الاكثار من الهلكة وهكذا فليتضرع العبد إلى مولاه في هداية ولده ونجاته في أولاه وأخراه اقتداء بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام والفضلاء [تفسير القرطبي ج11/ص80 ]

  وقال الرازي : أما قوله تعالى حكاية عن زكريا عليه السلام ( هب لى من لدنك ذرية طيبة ) ففيه مسائل :

المسألة الأولى: أما الكلام في لفظة (لدن ) فالفائدة في ذكره ههنا أن

حصول الولد في العرف والعادة له أسباب مخصوصة فلما طلب الولد مع

فقدان تلك الأسباب كان المعنى أريد منك إلاهي أن تعزل الأسباب في هذه الواقعة وأن تحدث هذا الولد بمحض قدرتك من غير توسط شيء من هذه الأسباب [ التفسير الكبير - الرازي ج8/ص30 

المسألة الثانية : لذرية النسل وهو لفظ يقع على الواحد والجمع والذكر والأنثى والمراد منه ههنا ولد واحد وهو مثل قوله (فهب لى من لدنك وليا ) (مريم 5 ) قال الفراء وأنث طيبة لتأنيث الذرية في الظاهر فالتأنيث والتذكير تارة يجيء على اللفظ وتارة على المعنى وهذا إنما نقوله في أسماء الأجناس أما في أسماء الأعلام فلا لأنه لا يجوز أن يقال جاءت طلحة لأن أسماء الأعلام لا تفيد إلا ذلك الشخص فإذا كان ذلك الشخص مذكرا لم يجز فيها إلا التذكير

المسألة الثالثة : قوله تعالى ( إنك سميع الدعاء ) ليس المراد منه أن يسمع صوت الدعاء فذلك معلوم بل المراد منه أن يجيب دعاءه ولا يخيب رجاءه وهو كقول المصلين سمع الله لمن حمده يريدون قبل حمد من حمد من المؤمنين وهذا متأكد بما قال تعالى حكاية عن زكريا عليه السلام في سورة مريم ( ولم أكن بدعائك رب شقيا )  [ المرجع السابق]    

     وأخرج ابن خزيمة بسنده من حديث أبي هريرة أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - قال   إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له[صحيح ابن خزيمة ج 4 ص 122 رقم 2494، صحيح ابن حبان ج 7 ص 286رقم  3016 ، سنن الترمذي ج 3 ص 660 رقم 1376]

إلى هنا ونكمل في اللقاء لقادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الرابعة عشرة في موضوع الطيب وستكون بعنوان:     المبحث العشرون : الحياة الطيبة

 قال تعالى : (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(النحل:97)

قال الشنقيطي :  واختلف العلماء في المراد بالحياة الطيبة في هذه الآية الكريمة فقال قوم لا تطيب الحياة إلا في الجنة فهذه الحياة الطيبة في الجنة لأن الحياة الدنيا لا تخلو من المصائب والأكدار والأمراض والآلام والأحزان ونحو ذلك وقد قال تعالى  ( وإن الدار الاخرة لهى الحيوان لو كانوا يعلمون )  والمراد بالحيوان الحياة  ، وقال بعض العلماء الحياة الطيبة في هذه الآية الكريمة في الدنيا وذلك بأن يوفق الله عبده إلى ما يرضيه ويرزقه العافية والرزق الحلال كما قال تعالى  ( ربنآ ءاتنا فى الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار  ) وفي الآية الكريمة قرينة تدل على أن المراد بالحياة الطيبة في الآية حياته في الدنيا حياة طيبة وتلك القرينة هي أننا لو قدرنا أن المراد بالحياة الطيبة حياته في الجنة في قوله : (فلنحيينه حياة طيبة ) صار قوله   ( ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون )  تكرارا معه لأن تلك الحياة الطيبة هي أجر عملهم بخلاف ما لو قدرنا أنها في الحياة الدنيا فإنه يصير المعنى فلنحيينه في الدنيا حياة طيبة ولنجزينه في الآخرة بأحسن ما كان يعمل وهو واضح  ، وهذا المعنى الذي دل عليه القرآن تؤيده السنة الثابتة عنه  صلى الله عليه وسلم  [أضواء البيان - الشنقيطي ج2/ص440-442 ]

   قال ابن كثير رحمه الله في  تفسير هذه الآية الكريمة : والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت وقد روي عن ابن عباس وجماعة أنهم فسروها بالرزق الحلال الطيب وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه فسرها بالقناعة وكذا قال ابن عباس وعكرمة ووهب بن منبه ـ إلى أن قال ـ وقال الضحاك هي الرزق الحلال والعبادة في الدنيا وقال الضحاك هي الرزق الحلال والعبادة في الدنيا وقال الضحاك أيضا ـ هي العمل بالطاعة والانشراح بها

      والصحيح ـ أن الحياة الطيبة تشمل هذا كله كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد حدثنا عبد الله بن يزيد حدثنا سعيد بن أبي أيوب حدثني شرحبيل بن شريك عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  قال:" قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه  "ورواه مسلم من حديث عبد الله بن يزيد المقرى به وروى الترمذي والنسائي من حديث أبي هانيء عن أبي علي الجنبي عن فضالة بن عبيد أنه سمع رسول الله  صلى الله عليه وسلم  يقول:" قد أفلح من هدي إلى الإسلام وكان عيشه كفافا وقنع به "وقال الترمذي هذا حديث صحيح

      وقال الإمام أحمد حدثنا يزيد حدثنا همام عن يحيى عن قتادة عن أنس بن مالك قال قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  إن الله لا يظلم المؤمن حسنة يعطى بها في الدنيا ويثاب عليها في الآخرة وأما الكافر فيطعم بحسناته في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يعطى بها خيرا انفرد بإخراجه مسلم اهـ من ابن كثير [المرجع السابق ]

   وهذه الأحاديث ظاهرة في ترجيح القول بأن الحياة الطيبة في الدنيا لأن قوله  صلى الله عليه وسلم  (أفلح ) يدل على ذلك لأن من نال الفلاح نال حياة طيبة وكذلك قوله  صلى الله عليه وسلم  يعطى بها في الدنيا يدل على ذلك أيضا      وابن كثير إنما ساق الأحاديث المذكورة لينبه على أنها ترجح القول المذكور والعلم عند الله تعالى [ المرجع السابق]  

  قال الألوسي : ( فلنحيينه حياة طيبة  ) الخ والمراد بالحياة الطيبة الحياة التي تكون في الجنة إذ هناك حياة بلا موت وغنى بلا فقر وصحة بلا سقم وملك بلا هلك وسعادة بلا شقاوة أخرج ابن جرير وابن المنذر وغيرهما عن الحسن قال ما تطيب الحياة لأحد إلا في الجنة وروي نحوه عن مجاهد وقتادة وابن زيد ولله تعالى رد من قال لا طيب للعيش ما دامت منغصة لذاته بأدكار الموت [ روح المعاني - الألوسي ج14/ص226]

 وقال السعدي  : (فلنحيينه حياة طيبة  )  وذلك بطمأنينة قلبه وسكون نفسه وعدم التفاته لما يشوش عليه قلبه ويرزقه الله رزقا حلالا طيبا من حيث لا يحتسب [ تفسير السعدي ج1/ص449 ]  

 وقال الرازي : القول الأول : الحياة الطيبة بأنها في الدنيا

والقول الثاني وهو قول السدي إن هذه الحياة الطيبة إنما تحصل في القبر

والقول الثالث وهو قول الحسن وسعيد بن جبير إن هذه الحياة الطيبة لا تحصل إلا في الآخرة [ التفسير الكبير - الرازي ج20/ص91]

 

     وقال الأندلسي : واختلف الناس في الحياة الطيبة فقال ابن عباس والضحاك هو الرزق الحلال وقال الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه هي القناعة وهذا طيب عيش الدنيا وقال ابن عباس أيضا هي السعادة وقال الحسن البصري الحياة الطيبة هي حياة الآخرة ونعيم الجنة السلام تحية من عندالله مباركة طيبة  [ المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - الأندلسي ج3/ص419]

إلى هنا ونكمل في اللقاء لقادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الخامسة عشرة في موضوع الطيب وستكون بعنوان:     المبحث الحادي والعشرون :السلام تحية من عند الله طيبة مباركة

 قال تعالى : ( فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً )(النور: من الآية61) 

قال ابن كثير : ( فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم  ) قال سعيد بن جبير والحسن البصري وقتادة والزهري  : يعني فليسلم بعضكم على بعض وقال بن جريج أخبرني أبو الزبير سمعت جابر بن عبد الله يقول إذا دخلت على أهلك فسلم عليهم تحية من عند الله مباركة طيبة قال مارأيته

 إلا يوجبه [ تفسير ابن كثير ج3/ص306 ]

     قال الرازي : قال ابن عباس : فإن لم يكن أحد فعلى نفسه ليقل السلام علينا من قبل ربنا ، وإذا دخل المسجد فليقل السلام على رسول الله وعلينا من ربنا قال قتادة وحدثنا أن الملائكة ترد عليه قال القفال : وإن كان في البيت أهل الذمة فليقل السلام على من اتبع الهدى وقوله ( تحية) نصب على المصدر كأنه قال : فحيوا تحية من عند الله أي مما أمركم الله به [ التفسير الكبير - الرازي ج24/ص33]

  قال ابن عباس رضي الله عنهما : من قال السلام عليكم معناه اسم الله عليكم وقوله (مبـاركة طيبة) قال الضحاك: معنى البركة فيه تضعيف الثواب ، وقال الزجاج : أعلم الله سبحانه أن السلام مبارك ثابت لما فيه من الأجر والثواب وأنه إذا أطاع الله فيه أكثر خيره وأجزل أجره كذالك يبين الله لكم الآيـات أي يفصل الله شرائعه [المرجع السابق]

المبحث الثاني والعشرون : طيبة الطيبة 

 أخرج الترمذي بسنده من حديث عبد الله بن يزيد يحدث عن زيد بن ثابت في هذه الآية ( فما لكم في المنافقين فئتين ) قال : رجع ناس من أصحاب رسول الله  صلى الله عليه وسلم  يوم أحد فكان الناس فيهم فرقتين فريق يقول اقتلهم وفريق يقول لا فنزلت هذ الآية  ( فما لكم في المنافقين فئتين )  وقال إنها طيبة وقال إنها تنفي الخبيث كما تنفي النار خبث الحديد قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وعبد الله بن يزيد هو الأنصاري الخطمي وله صحبة [ سنن الترمذي (الجزء الخاص في التفسير) ج1/ص 239 رقم 3028 ]

      وقال ابن كثير : يقول تعالى منكرا على المؤمنين في إختلافهم في المنافقين على قولين واختلف في سبب ذلك فقال الإمام أحمد 5184 حدثنا بهز حدثنا شعبة قال عدي بن ثابت أخبرني عبد الله بن يزيد عن زيد بن ثابت أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  خرج إلى أحد فرجع ناس خرجوا معه[ تفسير ابن كثير ج1/ص533] فكان أصحاب رسول الله  صلى الله عليه وسلم  فيهم فرقتين فرقة تقول نقتلهم وفرقة تقول لا هم المؤمنون فأنزل الله   فما لكم في المنافقين فئتين   فقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : " إنها طيبة وإنها تنفي الخبث كما ينفي الكير خبث الحديد أخرجاه في الصحيحين ؛ من حديث شعبة وقد ذكر محمد بن إسحاق بن يسار في وقعة أحد أن عبد الله بن أبي بن سلول رجع يومئذ بثلث الجيش رجع بثلثمائة وبقى النبي صلى الله عليه وسلم  في سبع مئة [المرجع السابق]

المبحث الثالث والعشرون :الرائحة الطيبة لماشطة بنت فرعون وأولادها

أخرج الحاكم يسنده من حديث ا بن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : " لما أسري بي مرت بي رائحة طيبة فقلت ما هذه الرائحة فقالوا هذه رائحة ماشطة ابنة فرعون وأولادها كانت تمشطها فوقع المشط من يدها فقالت بسم الله فقالت ابنته أبي فقالت لا بل ربي وربك ورب أبيك فقالت أخبر بذلك أبي قالت نعم فأخبرته فدعا بها وبولدها فقالت لي إليك حاجة فقال ما هي قالت تجمع عظامي وعظام ولدي فتدفنه جميعا [ المستدرك (الجزء الخاص بالقرآن) ج2/ص538  رقم 3835]

فقال : ذلك لك علينا من الحق فأتى بأولادها فألقى واحدا واحدا حتى إذا كان آخر ولدها وكان صبيا مرضعا فقال اصبري يا أماه فإنك على الحق ثم ألقيت مع ولدها قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  تكلم أربعة وهم صغار هذا وشاهد يوسف وصاحب جريج وعيسى بن مريم عليه السلام هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه [ المرجع السابق]

  وقال ابن كثير : أخرج البيهقي بسنده من حديث  بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسرى بي مرت بي رائحة طيبة فقلت:ما هذه الرائحة ؟

قال : ماشطة بنت فرعون وأولادها سقط المشط من يدها فقالت باسم الله فقالت بنت فرعون أبي قالت ربي وربك ورب أبيك قالت أو لك رب غير أبي قالت نعم ربي وربك ورب أبيك الله قال فدعاها فقال ألك رب غيري قالت نعم ربي وربك الله عز وجل قال فأمر ببقرة من نحاس فأحميت ثم أمر بها أن تلقى فيها قالت إن لي إليك حاجة قال ما هي قال تجمع عظامي وعظام ولدي في موضع قال ذاك لك لما لك علينا من الحق قال فأمر بهم فألقوا واحدا واحدا حتى بلغ رضيعا فيهم فقال يا أمه قعي

ولا تقاعسي فإنك على الحق [  تفسير ابن كثير ج3/ص16 ] 

إلى هنا ونكمل في اللقاء لقادم والسلام عليكم

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة السادسة عشرة في موضوع الطيب وستكون بعنوان:   

المبحث الرابع والعشرون : ميتة البحر طيبة

 قال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل:14)

  قال ابن كثير : فكل هذه البحار الساكنة خلقها الله سبحانه وتعالى مالحة لئلا يحصل بسببها نتن الهواء فيفسد الوجود بذلك ولئلا تجوي الأرض بما يموت فيها من الحيوان ولما كان ماؤها ملحا كان هواؤها صحيحا وميتتها طيبة ولهذا قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  وقد سئل عن ماء البحر أنتوضأ به فقال  : "هو الطهور ماؤه الحل ميتته  " رواه الأئمة مالك والشافعي  وأحمد وأهل السنن بإسناد جيد [ تفسير ابن كثير ج3/ص323  ]

المبحث الخامس والعشرون : الفاكهة الطيبة

قال البيضاوي : قال تعالى:(والتين والزيتون) خصهما من الثمار بالقسم لأن التين فاكهة طيبة لا فصل له وغذاء لطيف سريع الهضم ودواء كثير النفع فإنه يلين الطبع ويحلل البلغم ويطهر الكليتين ويزيل رمل المثانة ويفتح سدد الكبد والطحال ويسمن البدن وفي الحديث أنه يقطع البواسير وينفع من النقرس والزيتون فاكهة وإدام ودواء وله دهن لطيف كثير المنافع مع أنه قد ينبت حيث لا دهنية فيه كالجبال  [ تفسير البيضاوي ج5/ص507

المبحث السادس والعشرون : النفقة الطيبة

  قال االسعدي : قال تعالى: "( مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (البقرة:245)

وهي النفقة الطيبة التي تكون خالصة لوجه الله موافقة لمرضاة الله من مال حلال طيب طيبة به نفسه وهذا من كرم الله تعالى حيث سماه قرضا والمال ماله والعبيد عبيده ووعد بالمضاعفة عليه أضعافا كثيرة وهو الكريم الوهاب وتلك المضاعفة محلها ومواضعها يوم القيامة يوم يتبين كل إنسان فقره ويحتاج إلى أقل شيء من الجزاء الحسن [ تفسير السعدي ج1/ص839 ]

المبحث السابع والعشرون : الطيبون

  قال تعالى : " ( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ

عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(النحل:32)

 قال القرطبي : (طيبين )  فيه ستة أقوال: الأول : طيبين طاهرين من

الشرك ، الثاني : صالحين ، الثالث : زاكية أفعالهم وأقوالهم ، الرابع :

طيبين الأنفس ثقة بما يلقونه من ثواب الله تعالى ، الخامس : طيبة نفوسهم بالرجوع إلى الله ، السادس  : طيبين أن تكون وفاتهم طيبة سهلة لا صعوبة فيها ولا ألم بخلاف ما تقبض به روح الكافر والمخلط [ تفسير القرطبي ج10/ص101]

وقال الألوسي : قال تعالى :  ( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ ) طابت نفوسهم في خدمة مولاها وطابت قلوبهم في محبة سيدها وطابت أرواحهم بطيب مشاهدة ربها وطابت أسرارهم بطيب الأنوار وقيل طيبة أبدانهم وأرواحهم بملازمة الخدمة وترك الشهوات وقيل طيبة أرواحهم بالموت لكونه باب الوصال وسبب الحياة الأبدية[ روح المعاني - الألوسي ج14/ص160 ]

المبحث الثامن والعشرون :الطيبة عائشة رضي الله عنها

        قال القرطبي : وروي عن علي بن زيد بن جدعان عن جدته عن عائشة رضي الله عنها قالت لقد أعطيت تسعا ما أعطيتهن امرأة لقد نزل جبريل عليه السلام  بصورتي في راحته حين أمر رسول الله  صلى الله عليه وسلم  أن يتزوجني ، ولقد تزوجني بكرا وما تزوج بكرا غيري ، ولقد توفي رسول الله  صلى الله عليه وسلم  وإن رأسه لفي حجري ، ولقد قبر في بيتي  ، ولقد حفت الملائكة بيتي ، وإن كان الوحي لينزل عليه وهو في أهله فينصرفون عنه وإن كان لينزل عليه وأنا معه في لحافه فما يبينني عن جسده ، وإني لابنة خليفته وصديقه ، ولقد نزل عذري من السماء  ، ولقد خلقت طيبة وعند طيب  ، ولقد وعدت مغفرة ورزقا كريما تعني قوله تعالى ( لهم مغفرة ورزق كريم )(النور 27) وهو الجنة [ تفسير القرطبي ج12/ص212 ] 

وقال النسفي : ودخل ابن عباس رضى الله عنهما على عائشة رضى الله عنها فى مرضها وهى خائفة من القدوم على الله تعالى فقال لا تخافى لانك لا تقدمين إلا على مغفرة ورزق كريم وتلا الآية فغشى عليها فرحا بما تلا وقالت عائشة رضى الله عنها لقد أعطيت تسعا ما أعطيتهن امرأة نزل جبريل بصورتى فى راحته حين امر عليه السلام ورأسه فى حجرى وقبر فى بيتى وينزل عليه الوحى وأنا فى لحافه وأنا ابنة خليفته وصديقه ونزل عذرى من السماء وخلقت طيبة عند طيب ووعدت مغفرة ورزقا كريما [ تفسير النسفي ج3/ص141] 

إلى هنا ونكمل في اللقاء لقادم والسلام عليكم

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة السابعة عشرة في موضوع الطيب وستكون آخر حلقة في هذا الموضوع وهي بعنوان:

النفس الطيبة ، الأرض الطيبة ،الزيت الطيب،الموفون الطيبون 

المبحث التاسع والعشرون :النفس الطيبة

    أخرج البخاري بسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله  - صلى الله عليه وسلم – قال : "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم   

إذا هو نام ثلاث عقد يضرب كل عقدة عليك ليل طويل فارقد فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة فإن توضأ انحلت عقدة فإن صلى انحلت عقدة فأصبح نشيطا طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان " [ صحيح البخاري ج 1 ص 383]

 وأخرج البخاري بسنده من حديث أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال   الخازن المسلم الأمين الذي ينفذ - وربما قال - يعطي ما أمر به كاملا موفرا طيب به نفسه فيدفعه إلى الذي أمر له به أحد المتصدقين [صحيح البخاري ج 2 ص 521 رقم 1371]

وأخرج مسلم بسنده من حديث معاوية يقول : إياكم وأحاديث إلا حديثا كان في عهد عمر فإن عمر كان يخيف الناس في الله عز وجل سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم – وهو يقول : " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين "   وسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم –  يقول : " إنما أنا خازن فمن أعطيته عن طيب نفس فيبارك له فيه ومن أعطيته عن مسألة وشره كان كالذي يأكل ولا يشبع [ صحيح مسلم ج 2 ص 718   ،  ]

المبحث الثلاثون:الأرض الطيبة

    قال الألوسي: قال تعالى:(وفي الأرض قطع )  جملة مستأنفة مشتملة على طائفة أخرى من الآيات أي في الأرض بقاع كثيرة مختلفة في الاوصاف فمن طيبة منبتة ومن سبخة لاتنبت ومن رخوة ومن صلبة ومن صالحة للزرع لا للشجر ومن صالحة لا للزرع الى غير ذلك  [ روح المعاني - الألوسي ج13/ص101 ]

 قال الشنقيطي : حديث أبي موسى المتفق عليه حيث قال  صلى الله عليه وسلم  إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه الله بما بعثني به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به  [ أضواء البيان - الشنقيطي ج1/ص14]

قال القرطبي  : في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال

قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم    أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي كان كل نبي

يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى كل أحمر وأسود وأحلت لي الغنائم

ولم تحل لأحد قبلي وجعلت لي الأرض طيبة طهورا ومسجدا فأيما رجل

أدركته الصلاة صلى حيث كان ونصرت بالرعب بين يدي مسيرة شهر

وأعطيت الشفاعة  [ تفسير القرطبي ج16/ص217]

المبحث الحادي والثلاثون : زيت الزيتون طيب مبارك

        اخرج الحاكم بسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : "  كلوا الزيت وادهنوا به فإنه طيب مبارك ....." الحديث [ المستدرك على الصحيحين ج 2 ص 432 رقم 3505 ]

المبحث الثاني والثلاثون :الموفون الطيبون خيار الناس

   واخرج ابن ابي شيبة بسنده من حديث  هشام بن عروة عن أبيه ان النبي صلى الله عليه وسلم   اشترى من أعرابي جزورا بوسق من تمر فأرسلني إلى خولة بنت حكيم فأوفته وقال : (خياركم الموفون الطيبون ) [ مصنف ابن أبي شيبة ج 4 ص 458 ]

وفي الختام اسأل الله أن يجعلنا من الطيبين ،وأن يحيينا حياة طيبة ، وان يميتنا ونحن طيبين ، وأن يحشرنا مع الطيبين ، وأن يسكنا دار الطيبين ( الجنة ) وأن يجعل هذا البحث علماً نافعاً وعملاً صالحاً ؛ إن أصبت فمن الله ، وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان ، وأستغفر الله ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .  

 

 

 

 

 

 

 

 

الطِّيِّبْ

 

 

(( إن الله طيب ، يحب الطيب ، ولا يقبل إلا طيباً))

{ وَالطَّيِّبَـاتُ لِلطَّيِّبِـينَ وَالطَّيِّبُـونَ لِلطَّيِّبَـات }

 

تأليف

د / مسفر بن سعيد دماس الغامدي