الصمد

بسم الله الرحمن الرحيم

الصمد (الختصر)

إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعين ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا اله الا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله  قال تعالى :{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} آل عمران/ 120 وبعـــــد :

فهذه الحلقة الأولى في موضوع الصمد وهي بعنوان :

مقدمة وتمهيد

    إن المتدبر في أحوال الناس يجد أمورًا عجيبة، فكثير من الناس لا يحفظ من القرآن إلا بعض قصار السور، يصلي بها، ويتعبد لربه -سبحانه وتعالى- بتلاوتها.

   إلّا أن الكثير من هؤلاء يقرأ  آيات هذه السور دون أن يتدبر معانيها، فتجد بعض المسلمين ممن يحفظون سورة الإخلاص ويصلون بها، إذا سألت أحدهم عن معنى الصمد لا يجيب، وإنما هي تلاوة باللسان دون تدبر للمعاني ولا فهم للكلمات!.

     ولا بد  من أن يعرف العبد نفسه، فيصفها بالضعف والفقر والحاجة، وأن يعرف ربه -سبحانه وتعالى- المتصف بالقوة والفضل والغنى والعلوّ، ومهما عرفت عن نفسك أيها الضعيف، فإنما هو جزء من الحقيقة، ومهما عرفت عن ربك إنما هو جزء من الحقيقة، فهو -سبحانه- الذي لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، وهو اللطيف الخبير.

     فسبحان الله الأحد الصمد، تفرد بالكمال المطلق في كل شيء، وهو المستغني عن كل شيء، ومن سواه مفتقر إليه في كل شيء، وكل شيء يصمد إليه، ويلجأ إليه، ويعتمد عليه، وهو الكامل في جميع أسمائه وصفاته وأفعاله، لا نقص فيه بوجه من الوجوه، وليس فوقه أحد في كماله، وهو الذي يصمد إليه الناس في حوائجهم، وسائر أمورهم، وقيام الخلائق وبقاؤها عليه، لا يقضي فيها غيرُه، وهو المقصود في الرغائب، والمستغاث به عند المصائب، وهو الذي يُطعِم، ولا يُطعَم، ولم يلد، ولم يولد، سبحانه وتعالى.

       وقد أثنى الله -تبارك وتعالى- على ذاته العلية، فوصف نفسه بأنه الصمد، قال الله تعالى: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ) [الإخلاص:1-2]، وثمرة معرفته الصمد -سبحانه- ومعرفة حقائقه لا تُقَدَّر بكنوز الأرض.

* التمهيد :*أثر الأسماء والصفات في الإيمان :

الحمد لله الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وسلم الذي عرفه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى وعبده بها حق العبادة، وبعد : ففي هذه العجالة سنتناول عقيدة أهل السنة في باب الأسماء والصفات وآثار الإيمان بها .

 *الفرق بين الاسم والصفة : يتميز الاسم عن الصفة بأمور منها:

أولاً: أن الأسماء يشتق منها صفات، أما الصفات؛ فلا يشتق منها أسماء

ثانياً: أن الاسم لا يُشتق من أفعال الله

ثالثاً: الأسماء يجوز أن يتعبد الله بها

رابعًا: الأسماء يدعى الله بها بخلاف الصفات

خامسًا: أن أسماء الله عَزَّ وجَلَّ وصفاته تشترك في الاستعاذة بها والحلف بها لكن تختلـف في التعــبد والدعاء.

*التعبد بالأسماء والصفات:

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: وهذا فصل عظيم النفع والحاجة، بل الضرورة ماسة إلى معرفته والعناية به معرفة واتصافا وذلك: أن الإيمان هو كمال العبد، وبه ترتفع درجاته في الدنيا والآخرة.

والإيمان أعظم المطالب وأهمها وأعمها: وقد جعل الله له مواد كبيرة تجليه وتقويه، كما كان له أسباب تضعفه وتوهيه...وأعظمها: معرفة أسماء الله الحسنى الواردة في الكتاب والسنة، والحرص على فهم معانيها، والتعبد لله بها.  فقد ثبت في الصحيحين عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه قال: ((إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ)) رواه البخاري ومسلم .

أي: من حفظها وفهم معانيها، واعتقدها، وتعبد لله بها دخل الجنة . والجنة لا يدخلها إلا المؤمنون. فعلم: أن ذلك أعظم ينبوع ومادة لحصول الإيمان وقوته وثباته.

ومعرفة الأسماء الحسنى هي أصل الإيمان، والإيمان يرجع إليها. ومعرفتها تتضمن أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الإلهية، وتوحيد الأسماء والصفات . وهذه الأنواع هي روح الإيمان وروحه، وأصله وغايته . فكلما ازداد العبد معرفة بأسماء الله وصفاته، ازداد إيمانه، وقوي يقينه. فينبغي للمؤمن: أن يبذل مقدوره ومستطاعه في معرفة الأسماء والصفات.من بحث لعبد الرحمن الهرفي ( بتصرف)

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على رسول الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثانية في موضوع الصمد وأول عنون فيها :

*معنى إحصاء أسماء الله :

قال أبو نعيم الأصبهاني رحمه الله: [الإحصاء المذكور في الحديث ليس هو التعداد، وإنما هو العمل والتعقل بمعاني الأسماء والإيمان بها ].

وقال العز بن عبد السلام رحمه الله: [فهم معاني أسماء الله تعالى وسيلة إلى معاملته بثمراتها من الخوف والرجاء والمهابة والمحبة والتوكل وغير ذلك من ثمرات معرفة الصفات ].

*مراتب التعبد بالأسماء والصفات:

تنقسم هذه العبادة إلى مراتب، وهي راجعة إلى يقين القلب وخضوعه وذله لله جل جلاله، وتفاوت الناس في هذه العبادة بحسب تفاوتهم في معرفة النصوص النبوية وفهمها والعلم بفساد الشُبَه المخالفة لحقائقها.

قال العز بن عبد السلام رحمه الله: [وقد يحصل التحديق إلى هذه الصفات من غير تذكر ولا استحضار، والعارفون متفاوتون في كثرة ذلك وقلته وانقطاعه ومداومته، فهم في رياض المعرفة يتقلبون، ومن نضارة ثمارها يتعجبون، ولا تستمر الأحوال لأحد منهم على الدوام والاتصال لتقلب القلوب وتنقل الأحوال، والغفلات حجب على العارف مسدلات، إن أسدلت على جميعها نكص العارف إلى طبع البشر، فربما وقعت منه الهفوات والزلات فإذا انكشف الحجاب عن بعض الصفات ظهرت آثار تلك الصفة وأينعت ثمارها].

وأكمل الناس في هذا الباب من تعبد الله بجميع أسمائه وصفاته ونال قصب السبق في عبودية الله بها، وهذه منزلة تحقيق العبودية بالأسماء والصفات، قال ابن القيم رحمه الله: [وأكمل الناس عبودية  المتعبد  بجميع الأسماء والصفات التي يطلع عليها البشر فلا تحجبه عبودية اسم عن عبودية اسم آخر كمن يحجبه التعبد باسمه القدير عن التعبد باسمه الحليم الرحيم أو يحجبه عبودية اسمه المعطي عن عبودية اسمه المانع أو عبودية اسمه الرحيم والعفو والغفور عن اسمه المنتقم أو التعبد بأسماء التودد والبر واللطف والإحسان عن أسماء العدل والجبروت والعظمة والكبرياء ونحو ذلك وهذه طريقة الكمُل من السائرين إلى الله وهي طريقة مشتقة من قلب القرآن قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180].

*ثمرات الإيمان بالأسماء والصفات:                                                                             1ـ أن العبد يسعى إلى الاتصاف والتحلِّي بها على ما يليق به، فالله كريم يحب الكرماء، رحيم يحب الرحماء، رفيق يحب الرفـق، فإذا علم العبد ذلك ؛ سعى إلى التحلي بصفات الكرم والرحمة والرفق، وهكذا في سائر الصفات التي يحب الله تعالى أن يتحلَّى بها العبد على ما يليق بالعبد.

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: [وأحب الخلق إلى الله من اتصف بمقتضيات صفاته فانه كريم يحب الكريم من عباده وعالم يحب العلماء وقادر يحب الشجعان وجميل يحب الجمال...،وهو سبحانه وتعالى رحيم  يحب الرحماء وإنما يرحم من عباده الرحماء وهو ستير  يحب من يستر على عباده وعفو  يحب من يعفوا عنهم من عباده وغفور  يحب  من يغفر لهم من عباده ولطيف  يحب من يتلطف بعباده ويبغض الفظ الغليظ القاسي الجعظري الجواظ ورفيق  يحب الرفق وحليم  يحب الحلم...ومن عامل خلقه بصفة عامله الله تعالى بتلك الصفة بعينها في الدنيا والآخرة، فالله تعالى لعبده على ما هوبحسب ما يكون العبد لخلقه ...،فكما تدين تدان وكن كيف شئت فان الله تعالى لك كما تكون أنت لعباده]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على رسول الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثالثة في موضوع الصمد وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان  :  ثمرات الإيمان بالأسماء والصفات:

  تورث تعظيمه تعالى: قال الشيخ السعدي رحمه الله: وهو تعالى موصوف بكل صفة كمال، وله من ذلك الكمال الذي وصف به أكمله وأعظمه وأجله، فله العلم المحيط، والقدرة النافذة، والكبرياء والعظمة، حتى أن من عظمته أن السموات والأرض في كف الرحمن كالخردلة في يد المخلوق، ...وهو تعالى ... يستحق على العباد أن يعظموه بقلوبهم وألسنتهم وأعمالهم، وذلك ببذل الجهد في معرفته ومحبته، والذل له والخوف منه، وإعمال اللسان بالثناء عليه، وقيام الجوارح بشكره وعبوديته. ومن تعظيمه أن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر، ومن تعظيمه وإجلاله أن لا يعترض على شيء مما خلقه أو شرعه، بل يخضع لحكمته، وينقاد لحكمه.

وتعظيم الله تعالى يورث العبد الذل والافتقار بين يديه سبحانه وتعالى، [ويحكى عن بعض العارفين أنه قال: دخلت على  الله من  أبواب الطاعات كلها فما دخلت من باب إلا رأيت عليه الزحام فلم أتمكن من الدخول حتى جئت باب الذل والافتقار فإذا هو أقرب باب إليه وأوسعه ولا مزاحم فيه ولا معوق فما هو إلا أن وضعت قدمي في عتبته فإذا هو سبحانه قد أخذ بيدي وأدخلني عليه].                                                                           

3- تورث العبد محبة الله جل جلاله: من تأمل أسماء الله وصفاته وتعلق بها طرحه ذلك على باب المحبة، وفتح له من المعارف والعلوم أمورا لا يعبر عنها، وإن من عرف الله أورثه ذلك محبة له سبحانه وتعالى.

وهذه المحبة عاطفة شرعية إيمانية وعبادة قلبية وهي محبة إجلال وتعظيم، ومحبة طاعة وانقياد يبرهن بها العبد على صدق عبوديته لمولاه تعالى . فالمحبة هي ثمرة معرفة أسماء الله وصفاته واعتقاد جماله وكماله وجلاله، والاعتراف بإحسانه وإنعامه .

4- تورث اليقين والطمأنينة: إن قلب العبد لا يزال يهيم على وجهه في أودية القلق وتعصف به رياح الاضطراب حتى يخالط الإيمان بأسماء الرب تعالى وصفاته بشاشة قلبه، فحينئذ يبتهج قلبه ويأنس بقربه من معبوده جل جلاله ويحيى حياة طيبة ويصبح فارغا إلا من ذكر الله تعالى وذكر أسمائه وصفاته ويأتيه من روح اللذة والنعيم السرور وريحان الأمان والطمأنينة والحبور ما يعجز عن ذكره التعبير ويقصر عن بيانه التقرير

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: [وحقيقة الطمأنينة التي  تصير بها النفس مطمئنة أن تطمئن في باب معرفة أسمائه وصفاته ونعوت كما له إلى خبره الذي أخبر به عن نفسه وأخبرت به عنه رسله فتتلقاه بالقبول والتسليم والإذعان وانشراح الصدر له وفرح القلب به فإنه معرفة من معرفات الرب سبحانه إلى عبده على لسان رسوله فلا يزل القلب في أعظم القلق والاضطراب في هذا الباب حتى يخالط الإيمان بأسماء الرب تعالى وصفاته وتوحيده وعلوه على عرشه وتكلمه بالوحي بشاشة قلبه فينزل ذلك عليه نزول الماء الزلال على القلب الملتهب بالعطش فيطمئن إليه ويسكن إليه ويفرح به ويلين له قلبه ومفاصله حتى كأنه شاهد الأمر كما أخبرت به الرسل بل يصير ذلك لقلبه بمنزلة رؤية الشمس في الظهيرة لعينه فلو خالفه في ذلك من بين شرق الأرض وغربها لم يلتفت إلى خلافهم وقال إذا استوحش من الغربة: قد كان الصديق الأكبر مطمئنا بالإيمان وحده وجميع أهل الأرض يخالفه وما نقص ذلك من طمأنينة شيئا، فهذا أول درجات الطمأنينة ثم لا يزال يقوى كلما سمع بآية متضمنة لصفة من صفات ربه وهذا أمر لا نهاية له فهذه الطمأنينة أصل أصول الإيمان التي قام عليه بناؤه.

ومَن عبد الله بأسمائه وصفاته وتحقق معرفة خالقه جلا وعلا،وعظمه حق التعظيم فإنه ولا شك يصل إلى درجة اليقين، قال الحبر ابن القيم رحمه الله: [فاليقين هو  الوقوف على ما قام بالحق من أسمائه وصفاته ونعوت كماله وتوحيده وهذه الثلاثة أشرف علوم الخلائق  علم الأمر والنهي وعلم الأسماء والصفات والتوحيد وعلم المعاد واليوم الآخر والله أعلم] .

5- تورث زيادة الإيمان: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: [من عرف أسماء الله ومعانيها فآمن بها كان إيمانه أكمل ممن لم يعرف تلك الأسماء بل آمن بها إيمانا مجملا] فكلما ازداد العبد معرفة بأسماء الله وصفاته، ازداد إيمانه، وقوي يقينه . فينبغي للمؤمن: أن يبذل مقدوره ومستطاعه في معرفة الأسماء والصفات.

6- تورث زيادة في الطاعات البدنية: لما كان القلب للجوارح  [كالملك المتصرف في الجنود الذي تصدر كلها عن أمره ويستعملها فيما يشاء فكلها تحت عبوديته وقهره وتكسب منه الاستقامة والزيغ وتتبعه فيما يعقده من العزم أو يلحه ]  ؛ كانت لهذه الثمرات التي يجنيها القلب من توحيد الله بأسمائه وصفاته سريان إلى الجوارح، ولا بدَّ، فكلما [قوي سراج الإيمان في القلب وأضاءت جهاته كلها به وأشرق نوره في أرجائه سرى ذل النور إلى الأعضاء وانبعث إليها فأسرعت الإجابة لداعي الإيمان وانقادت له طائعة مذللة غير متثاقلة ولا كارهة بل تفرح بدعوته حين يدعوها].

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على رسول الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الرابعة في موضوع الصمد وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان  :  ثمرات الإيمان بالأسماء والصفات:                                                                            

7- تُطْلِعُ العبدَ على خسةِ الدنيا : فالدنيا زائلة خسيسة ومن تعلق بالأسماء الحسنى والصفات العلى تبين له حقيقة هذه الدنيا، قال ابن القيم: [فأول شواهد السائر إلى الله والدار الآخرة أن يقوم به شاهد من الدنيا وحقارتها وقلة وفائها وكثرة جفائها وخسة شركائها وسرعة انقضائها ويرى أهلها وعشّاقها صرعى حولها قد خذلتهم وعذبتهم بأنواع العذاب وأذاقتهم أمر الشراب ، أضحكتهم قليلا وأبكتهم طويلا سقتهم كؤوس سمها بعد كؤوس خمرها فسكروا بحبها وماتوا بهجرها، فإذا قام بالعبد هذا الشاهد منها ترحل قلبه عنها وسافر في طلب الدار الآخرة وحينئذ يقوم بقلبه شاهد من الآخرة ودوامها وأنها هي الحيوان حقا فأهلها لا يرتحلون منها ولا يظعنون عنها بل هي دار القرار ومحط الرحال ومنتهى السير وأن الدنيا بالنسبة إليها كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلا مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ هَذِهِ وَأَشَارَ يَحْيَى بِالسَّبَّابَةِ فِي الْيَمِّ فَلْيَنْظُرْ بِمَ تَرْجِعُ)) رواه مسلم.

وقال بعض التابعين: [ما الدنيا في الآخرة إلا أقل من ذرة واحدة في جبال الدنيا] ثم يقوم بقلبه شاهد من النار وتوقدها واضطرامها وبعد قعرها وشدة حرها وعظيم عذاب أهلها فيشاهدهم وقد سيقوا إليها سود الوجوه زرق العيون والسلاسل والأغلال في أعناقهم...فإذا قام بقلب العبد هذا الشاهد انخلع من الذنوب والمعاصي واتباع الشهوات ولبس ثياب الخوف والحذر وأخصب قلبه من مطر أجفانه وهان عليه كل مصيبة تصيبه في غير دينه وقلبه.

8- معرفة الأسماء والصفات تجعل العبد يتنقل بين درجات الرجاء والخوف : فالخوف والرجاء جناحي الإيمان وبهما يصل العبد لمرضاة الرحمن  9- يورث العبد حسن الظن بالله : القلب الممتلئ بأسماء الله وصفاته علما ومعرفة يضع الرجاء بالله تعالى وحسن الظن  في محله اللائق به، فحسن الظن إنما يكون مع انعقاد أسباب النجاة وأما مع انعقاد أسباب الهلاك فلا يتأتي إحسان الظن.

فإن قيل: بل يتأتي ذلك ويكون مستند حسن الظن سعة مغفرة الله ورحمته وعفوه وجوده وأن رحمته سبقت غضبه وأنه لا تنفعه العقوبة ولا يضره العفو قيل: الأمر هكذا والله فوق ذلك وأجل وأكرم وأجود وأرحم ولكن إنما يضع ذلك في محله اللائق به فإنه سبحانه موصوف بالحكمة والعزة والانتقام وشدة البطش وعقوبة من يستحق العقوبة فلو كان معول حسن الظن على مجرد صفاته وأسمائه لاشترك في ذلك البر والفاجر والمؤمن والكافر ووليه وعدوه فما ينفع المجرم أسماؤه وصفاته وقد باء بسخطه وغضبه وتعرض للعنته وأوقع في محارمه وانتهك حرماته بل حسن الظن ينفع من تاب وندم وأقلع وبدل السيئة بالحسنة واستقبل بقية عمره بالخير والطاعة ثم أحسن الظن فهذا حسن ظن والأول غرور والله المستعان.

  *ويظهر أثر الإيمان بالأسماء الحسنى والصفات العلى في مواطن عدة  :

    منها : أن العبد إذا آمن بصفة [الحب والمحبة] لله تعالى وأنه سبحانه [رحيم ودود] استأنس لهذا الرب، وتقرَّب إليه بما يزيد حبه ووده له،وحبُّ الله للعبد مرتبطٌ بحبِ العبدِ لله، وإذا غُرِست شجرةُ المحبة في القلب، وسُقيت بماء الإخلاص،ومتابعة الحبيب صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أثمرت أنواعَ الثمار، وآتت أُكُلَها كلَّ حينٍ بإذن ربها. 

   ومنها : أنه إذا آمن العبد بصفات: [العلم، والإحاطة، والمعية] ؛ أورثه ذلك الخوف من الله عَزَّ وجَلَّ المطَّلع عليه الرقيب الشهيد،

فإذا آمن بصفة [السـمع]؛ علم أن الله يسمعه؛ فلا يقول إلا خيراً،

فإذا آمن بصفات [البصر، والرؤية، والنظر، والعين] ؛ علم أن الله يراه ؛ فلا يفعل إلا خيراً.

ومن ثمرات الإيمان بصفات الله : أن لا ينازع العبدُ اللهَ في صفة [الحكم، والألوهية، والتشريع، والتحليل، والتحريم] ؛ فلا يحكم إلا بما أنزل الله، ولا يتحاكم إلا إلى ما أنزل الله . فلا يحرِّم ما أحلَّ الله، ولا يحل ما حرَّم الله. 

ومن ثمرات الإيمان بصفات الله عَزَّ وجَلَّ : تَنْزِيه الله وتقديسه عن النقائص، ووصفه بصفات الكمال، فمن علم أن من صفاته [القُدُّوس، السُّبُّوح ]؛ نَزَّه الله مـن كلِّ عيبٍ ونقصٍ.

 ومنها : أن الإيمان بصفة [الكلام] وأن القرآن كلام الله يجعل العبد يستشعر وهو يقرأ القرآن أنه يقرأ كلام الله، فإذا قرأ: {يَا أَيُّهَا الإنسان مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار:6]. أحسَّ أن الله يكلمه ويتحدث إليه، فيطير قلبه وجلاً، وأنه إذا آمن بهذه الصفة، وقرأ في الحديث الصحيح أن الله سيكلمه يوم القيامة، ليس بينه وبينه ترجمان ؛ استحى أن يعصي الله في الدنيا، وأعد لذلك الحساب والسؤال جواباً.(قاله الهرفي )

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على رسول الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الخامسة في موضوع الصمد وهي بعنوان  : التعريفات :                                 

الصمد في اللغة عند ابن فارس يدور على معنيين :

الأول : الصلابة.  والثاني: القصد .

والمعنى الأول أي الصلابة هو الأصل ، أنت تقصد من له صلابة ،

والتفسير الأول للسلف بأن الصمد هو الذي لا جوف له يوافق المعنى الأول في اللغة .

والتفسير الثاني لاسم الصمد عند السلف بأنه السيد المقصود في الحوائج يوافق المعنى الثاني في اللغة بأن مدار الصمد على القصد .

 وكل ماورد في معنى الصمد في اللغة فهو دائر على هذين المعنيين الصلابة والقصد ومن ذلك *الصمد : هو الشيء الذي لا يتجزأ ..

*الصمد : هو الذي لا جوف له ولا يأكل ولا يشرب .

*الصمد عند العرب : هو السيد المطاع الذي يصمد إليه في الحوائج ، أي : يقصد ، وهو الذي لا أحد فوقه

*والصمد يطلق على المجتمع الذي لا يتفرق وهذا دلالة على القوة.

*ويقال للمكان الغليظ المرتفع : صمد ؛ لقوته وتماسكه واجتماع أجزائه.

*والرجل الصمد : هو السيد المصمود، أي المقصود ، والناس إنما يقصدون في حوائجهم من يقوم بها ، وإنما يقوم بها من كان في نفسه مجتمعا قويا ثابتاً ، وهو السيد الكريم ، بخلاف من يكون هلوعا جزوعا يتفرق ويقلق من كثرة حوائجهم وثقلها ، فإن هذا ليس بسيد صمد يصمدون إليه في حوائجهم وقد يكون الرجل سيدا يأمر وينهى ولكنه لا يكون صمدا لأنه لا يتحمل الناس وطلباتهم.

*معنى الصمد إصطلاحاً :

قال الرازي : قوله تعالى : ( الله الصمد ) فيه مسائل :

المسألة الأولى : ذكروا في تفسير ( الصمد ) على نوعين :

النوع الأول : أنه فعل بمعنى مفعول من صمد إليه إذا قصده ، وهو السيد المصمود إليه في الحوائج وفيه وجوها :

الأول : الصمد هو العالم بجميع المعلومات لأن كونه سيدا مرجوعا إليه في قضاء الحاجات لا يتم إلا بذلك .

الثاني : الصمد هو الحليم لأن كونه سيدا يقتضي الحلم والكرم .

الثالث : وهو قول ابن مسعود والضحاك : الصمد هو السيد الذي قد انتهى سؤدده .

الرابع : قال الأصم : الصمد هو الخالق للأشياء ، وذلك لأن كونه سيدا يقتضي ذلك .

الخامس : قال السدي : الصمد هو المقصود في الرغائب ، المستغاث به عند المصائب .

السادس : قال الحسين بن الفضل البجلي : الصمد هو الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، لا معقب لحكمه ، ولا راد لقضائه .

السابع : أنه السيد المعظم .

الثامن : أنه الفرد الماجد لا يقضى في أمر دونه .

والنوع الثاني : أن الصمد هو الذي لا جوف له

 نقل عن المفسرين  وجوها ، بعضها يليق بالنوع الأول وهو كونه تعالى سيدا مرجوعا إليه في دفع الحاجات ، وهو إشارة إلى الصفات الإضافية ، وبعضها بالنوع الثاني وهو كونه تعالى واجب الوجود في ذاته وفي صفاته ممتنع التغير فيهما وهو إشارة إلى الصفات السلبية ،وتارة يفسرون الصمد بما يكون جامعا للوجهين

وأما النوع الثاني : وهو الإشارة إلى الصفات السلبية فذكروا فيه وجوها :

الأول : الصمد هو الغني على ما قال :( هو الغني الحميد )[ الحديد : 24

الثاني : الصمد الذي ليس فوقه أحد لقوله : ( وهو القاهر فوق عباده ) [ الأنعام: 18] ولا يخاف من فوقه ، ولا يرجو من دونه ترفع الحوائج إليه

الثالث : قال قتادة : لا يأكل ولا يشرب : ( وهو يطعم ولا يطعم ) الرابع : قال قتادة : الباقي بعد فناء خلقه : (كل من عليها فان )[الرحمن : 26   الخامس : قال الحسن البصري : الذي لم يزل ولا يزال ، ولا يجوز عليه الزوال كان ولا مكان ، ولا أين ولا أوان ، ولا عرش ولا كرسي ، ولا جني ولا إنسي وهو الآن كما كان .

السادس : قال أبي بن كعب : الذي لا يموت ولا يورث وله ميراث السماوات والأرض .

السابع : قال يمان وأبو مالك : الذي لا ينام ولا يسهو .

الثامن : قال ابن كيسان : هو الذي لا يوصف بصفة أحد .

التاسع : قال مقاتل بن حيان : هو الذي لا عيب فيه .

العاشر : قال الربيع بن أنس : هو الذي لا تعتريه الآفات .

الحادي عشر : قال سعيد بن جبير : إنه الكامل في جميع صفاته ، وفي جميع أفعاله .

الثاني عشر : قال جعفر الصادق : إنه الذي يغلب ولا يغلب .

الثالث عشر : قال أبو هريرة : إنه المستغني عن كل أحد .

الرابع عشر : قال أبو بكر الوراق : إنه الذي أيس الخلائق من الاطلاع على كيفيته .

الخامس عشر : هو الذي لا تدركه الأبصار .

السادس عشر : قال أبو العالية ومحمد القرظي : هو الذي لم يلد ولم يولد ؛ لأنه ليس شيء إلا سيورث ، ولا شيء يولد إلا وسيموت .

السابع عشر : قال ابن عباس : إنه الكبير الذي ليس فوقه أحد .

الثامن عشر : أنه المنزه عن قبول النقائص والزيادات ، وعن أن يكون موردا للتغيرات والتبدلات ، وعن إحاطة الأزمنة والأمكنة والآنات والجهات .

وأما النوع الثالث : وهو أن يحمل لفظ الصمد على الكل وهو محتمل ؛ لأنه بحسب دلالته على الوجوب الذاتي يدل على جميع السلوب ، وبحسب دلالته على كونه مبدأ للكل يدل على جميع النعوت الإلهية .

المسألة الثانية : قوله : ( الله الصمد ) يقتضي أن لا يكون في الوجود صمد سوى الله ، وإذا كان الصمد مفسرا بالمصمود إليه في الحوائج ، أو بما لا يقبل التغير في ذاته لزم أن لا يكون في الوجود موجود هكذا سوى الله تعالى .

فهذه الآية تدل على أنه لا إله سوى الواحد ، فقوله : ( الله أحد ) إشارة إلى كونه واحدا ، بمعنى أنه ليس في ذاته تركيب ولا تأليف بوجه من الوجوه

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على رسول الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السادسة في موضوع الصمد وهي بعنوان  :( الله الصمد ) إشارة إلى كونه واحدا ، بمعنى نفي الشركاء والأنداد والأضداد . وبقي في الآية ( الله الصمد ) سؤالان :

     السؤال الأول : لمَ جاء{ أحد } منكرا ، وجاء {الصمد} معرفا ؟ الجواب : الغالب على أكثر أوهام الخلق أن كل موجود محسوس ، وثبت أن كل محسوس فهو منقسم ، فإذا ما لا يكون منقسما لا يكون خاطرا ببال أكثر الخلق ، وأما الصمد فهو الذي يكون مصمودا إليه في الحوائج ، وهذا كان معلوما للعرب بل لأكثر الخلق على ما قال : ( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله ) [ الزخرف : 87 ] وإذا كانت الأحدية مجهولة مستنكرة عند أكثر الخلق ، وكانت الصمدية معلومة الثبوت عند جمهور الخلق ، لا جرم جاء لفظ أحد على سبيل التنكير ولفظ الصمد على سبيل التعريف .

السؤال الثاني : ما الفائدة في تكرير لفظة الله في قوله : ( الله أحد الله الصمد ) ؟ .

الجواب : لو لم تكرر هذه اللفظة لوجب في لفظ ( أحد وصمد ) أن يردا إما نكرتين أو معرفتين ، وقد بينا أن ذلك غير جائز ، فلا جرم كررت هذه اللفظة حتى يذكر لفظ أحد منكرا ولفظ الصمد معرفا .

 والصمد :  معناه :السيد العظيم الذي قد كمل في علمه وحكمته وحلمه وقدرته وعزته وعظمته وجميع صفاته ، فهو واسع  الصفات عظيمها ، الذي صمدت إليه جميع  المخلوقات ،  وقصدته  كل  الكائنات  بأسرها  في  جميع  شؤونها ، فليس لها رب سواه ،ولا مقصود غيره تقصده وتلجأ إليه في إصلاح أمورها الدينية ،وفي إصلاح أمورها الدنيوية ،تفزع إليه عند النوائب والمزعجات ،وتضرع إليه إذا أصابها الشدائد والكربات ،وتستغيث به إذا مستها المصاعب والمشقات ،لأنها تعلم أن عنده حاجاتها ،ولديه تفريج كرباتها ،لكمال علمه وسعة رحمته و رأفته وإحسانه ،وعظيم قدرته وعزته وسلطانه .

    روى ابن جرير الطبري في (تفسيره) عن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنهما –قال: (الصمد :السيد الذي قد كمل في سؤدده،والشريف الذي قد كمل في شرفه ،والعظيم الذي قد كمل في عظمته ،والحليم الذي قد كمل في حلمه ،والغني الذي قد كمل في غناه ،والجبار الذي قد كمل في جبروته ،والعالم الذي قد كمل في علمه ،والحكيم الذي قد كمل في حكمته ،وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد،وهو الله سبحانه ،هذه صفته لا تنبغي إلا له ).

*الأقوال في معنى الصمد في حق الله تعالى :

ذكر أهل العلم معاني متعددة إلا أن جميع هذه المعاني صحيحة مع تنوع الألفاظ .وجميع هذه المعاني دائرة بين المعنيين الرئيسيين :

1-أن الصمد هو الذي لا جوف له،

2-الصمد هو السيد المقصود في الحوائج.

أول هذه المعاني : الصمد الذي لا جوف له ، ولا يدخل إليه شيء ولا يخرج منه شيء ، ولا يتجزأ ولا يتقطع ولا يفرقه شيء له الكمال في صفاته كلها، بل إن كمال صفاته لا حدود له  ، ولهذا قال :(لم يلد ولم يولد) جل جلاله . 

هو صمد لكمال غناه وكمال قوته وقدرته وكمال صفاته كلها ؛ أي الذي له الصمدية في كل صفاته ؛ وله الكمال في كل صفاته ، قد كمل في كل صفة من صفاته ؛ هذه هي الصمدية ؛ ولهذا  تصمد إليه الخلائق كلها.

فالصمد معنى جامع لكل الصمد يات في كل الأسماء والصفات؛  يعني الكمال في جميع الأسماء والصفات لله عزوجل، فكماله سبحانه في أسمائه وصفاته لا حدود له.

والصمد هو الذي (لم يلد ولم يولد) وكل من يلد ويولد فليس بصمد ، وهذا المعنى أيضا يرجع الى المعنى الأول : الصمد الذي لا جوف له ولا يخرج منه شيء ولا يدخل إليه شيء ولا يتجزأ ولا ينفصل منه شيء.

 [ الأنترنت – موقع د عبد الرزاق البدر]

ثاني المعاني : الصمد الذي جمعت فيه صفات الكمال كلها، الكامل في علمه ، الكامل في حكمته ، الكامل في جبروته،  الكامل في عزته ، وهكذا في كل الصفات ، الكامل من كل وجه ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ،

لهذا قال جمهور السلف منهم ابن عباس رضي الله عنهما : " الصمد : السيد الذي كمل سؤدده ، الحكيم الذي كمل حكمه ، الرحيم  الذي كملت رحمته ، الجواد الذي كمل جوده". هذه هي الصمدية ؛ فقد كمل سبحانه في كل صفة من صفاته لهذا قال :( ولم يكن له كفوًا أحد ).

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على رسول الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السابعة في موضوع الصمد وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان  :( الله الصمد )

ثالث هذه المعاني : فكما أنه صمد لا جوف له ولا يتجزأ ولم يلد ولم يولد؛ وقد دل هذا على أن له الكمال (الصمدية) في كل صفة من صفاته لذا فهو المصمود إليه المقصود في كل الحوائج ؛لما له من الكمال الذي لا منتهى له في جميع صفاته.

فالصمد : هو السيد الذي تصمد إليه الخلائق بحوائجها (جل جلاله )،لكثرة خصال الخير فيه ،وكثرة الأوصاف الحميدة له  فكل من احتاج شيء وأغلقت دونه الأبواب يلجأ إلى الله ويصمد إليه ويقول يارب.

كل الخلائق تصمد إليه بحوائجها ، الإنس والجن والطير و الحيوانات ..

والمؤمن يصمد إلى الله في الرخاء والشدة ، أما المنافق والكافر فيصمد إلى الله في الشدة حتى إذا زالت هذه الشدة رجع إلى ما كان عليه.

رابع هذه المعاني: الصمد الذي لا يقع أمر دونه ولا يقع في الكون إلا ما يريد.

خامس هذه المعاني:  ذكره ابن تيمية في الفتاوى عن بعض السلف  : أن الصمد هو الدائم وهو الباقي بعد فناء خلقه،

 فإن هذا من لوازم الصمدية، . وهذا المعنى أيضا يرجع إلى وصفه سبحانه نفسه بأنه لم يلد ولم يولد؛  فما من أحد يولد إلا سيموت والله هو الحي الذي لا يموت الباقي بعد فناء خلقه ، وهو سبحانه الغني عن الولد

     وقال  ابن تيمية : فليس أحد يصمد إليه كل شيء ولا يصمد هو إلى شيء إلا الله تبارك وتعالى ، وهو سبحانه كما لا يمكن تثنية أحديته بوجه من الوجوه، فهو أحد لا يماثله شيء من الأشياء بوجه من الوجوه،

  كذلك حقيقة الصمدية وكمالها له وحده واجبة ولازمة ولا يمكن عدم صمديته بوجه من الوجوه،

  وقد قال في آخر السورة : ( ولم يكن له كفوًا أحد ). أي : ليس شيء من الأشياء كفوًا له في شيء من الأشياء لأنه أحد صمد

وهذه الأقوال مؤداها إلى حقيقة واحدة، ألا وهي أن المخلوق أجوف: يعنى له أحشاء يدخل فيها أشياء، مثل الطعام والشراب؛ ويخرج منها أشياء، مثل الولد، فالمخلوق ضعيف ناقص يتفرق، ويتجزأ، ويتمزق، بخلاف الصَّمَد -عز وجل- الذي لا يجوز عليه شيء من ذلك؛ فذاته لا تتفرق ولا تتجزأ، ولا يدخل فيه شيء ولا يخرج منه شيء (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ)؛ وكذلك صفاته لا تضعف ولا تنقص ولا تتفرق، وإنما له -سبحانه- الكمال المطلق. [الأنترنت – موقع دروس في اسماء الله الحسنى]

* آثار المعرفة باسم الله الصمد

من المعلوم أن اسم الله( الصمد) اقترن في القرآن والسنة باسمه سبحانه (الأحد )،

في القرآن : في سورة الإخلاص في قوله تعالى : (قل هو اللَّهُ أحد اللَّهُ الصَّمَدُ )

وفي السنة :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول ( اللهم إني أسألك أني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد) فقال:(والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى) سنن أبي داود.

*ووجه الاقتران بين الاسمين واضح

فالصمد : هو الذي تقصده الخلائق كلها وتصمد إليه في حاجاتها وضروراتها لما له سبحانه من الكمال المطلق في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله،يفسر إقتران اسمه سبحانه ( الصمد ) باسمه سبحانه ( الأحد ) لأن من معاني( الأحد) الكامل المطلق المتفرد في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله وربوبيته وألوهيته،

ولا يصدق اسم( الصمد ) إلا على من هذه صفاته بأنه ( واحد، أحد) سبحانه جل جلاله.

وأول أثر لمعرفة اسم الله الصمد هو : معرفة واعتقاد أن السؤدد الحقيقي لله وحده ، فهو المالك والخلق كلهم عبيده

، لا غنى لهم عنه ، فهو سبحانه الصمد المقصود في كل حاجات عباده ، فليس لهم رب سواه ولا مقصود غيره هذا الإعتقاد لابد من أن يثمر محبة الله عزوجل ، السيد المالك المتصرف في شؤون الخلق ؛ محبة تثمر كمال توحيده في ذاته وأسمائه وصفاته وربوبيته وألوهيته ؛محبة تثمر لك تعظيمه سبحانه وإجلاله ، وحمده والثناء عليه.  محبة تثمر إفراده وحده بالتوكل عليه ، وتفويض الأمور إليه سبحانه ؛محبة تثمر الثقة في كفايته وقدرته( جل جلاله ) لأنه الكامل في سؤدده، وأسمائه وصفاته، السيد الصمد المقصود من جميع عباده في قضاء الحاجات ؛محبة تثمر رجاءه وحده ، والخوف منه ، والأخذ بأسباب مرضاته ، وترك ما يسخطه سبحانه ؛ محبة تجعل العبد يهرع إليه لقضاء  حاجاته وتفريج كرباته

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على رسول الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثامنة في موضوع الصمد وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان  :( الله الصمد )

  فهو سبحانه القادر ، اللطيف بعباده، الرحيم بهم ، القريب منهم، الذي له الصمدية في كل صفاته ، فكمال صفاته لا منتهى له ، خزائنه ملئ، ولا يشغله حال عن حال، ولا يتبرم من كثرة سؤال السائلين ولا كثرة حاجات المحتاجين ، لأنه الصمد جل جلاله.

ومن الآثار أن الشرف والسؤدد الحقيقي في هذه الدنيا إنما ينال بطاعة الله تعالى وتقواه قال تعالى : (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ، أَإِلَٰهٌ مَعَ اللَّهِ ، قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) [سورة النمل : 62]

*وقفات مع عباد توكلوا على الصمد وصمدوا إليه فلم يخيب رجاءهم :

 1-إبراهيم عليه السلام

   حينما قذف به في النار توكل على الله وقال (حسبنا الله ونعم الوكيل) فجعل الله النار المحرقة على الضد تماما :

(قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ) [سورة اﻷنبياء : 69]

 2-وموسى عليه السلام

   لما أراد فرعون أن يلحق به وبقومه قال قومه :( إنا لمدركون ) ، قال موسى:( كلا إن معي ربي سيهدين)، فماذا كانت النتيجة ؟ (فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ وَأَنْجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ) [سورة الشعراء : 63:66].

 3-ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو وأبوبكر رضي الله عنه وهما في الغار

   قال تعالى : (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [سورة التوبة : 40]

4- لما خرج الصحابة إلى حمراء الأسد بعد غزوة أحد ، جاءهم من جاءهم وقال لهم : (إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم) انظر كيف كانت نتيجة توكلهم على الله وصدق لجوئهم إليه :

(الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُفَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) [سورة آل عمران 173:174].

5-مؤمن آل فرعون حينما أراد قومه أن يمكروا به لأنه دعاهم للحق واتباع موسى عليه السلام : (فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِفَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا ۖ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ) [سورة غافر : 44:45].

6- أيوب عليه السلام  (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ) [سورة اﻷنبياء : 83:84]

7- يونس عليه السلام (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَفَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) [سورة اﻷنبياء : 87:88].

8- وزكريا عليه السلام (وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) [سورة اﻷنبياء : 89:90. ]

وغيرهم كثير على مر الأزمنة والدهور صمدوا إلى الصمد وقصدوه وسألوه في الأمور المرغوب فيها من أمور الدنيا والآخرة، والمرهوب منها من مضار الدارين ، فبين قوله تعالى : ( رغبا ورهبا) أنهم راغبون ، راهبون، لا غافلون، ولا لاهون، ( وكانوا لنا خاشعين) أي : خاضعين ، متذللين ، متضرعين، وهذا لكمال معرفتهم بربهم.

فتدبر كيف كان حالهم ، واصمد إلى الله الصمد متأسيا بهم، ولن يخيب الصمد من صمد إليه.[الأنترنت – موقع دروس في اسماء الله الحسنى]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على رسول الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة التاسعة في موضوع الصمد وهي بعنوان  :

فضل سورة الإخلاص.

وفيها وقفات : الوقفة الأولى:هذه السورة مكية النزول، وقيل بأنها مدنية، وجمع بعض المفسرين بين القولين، فقالوا لا يمنع أن تنزل السورة مرتين.

الوقفة الثانية:سبب نزول هذه السورة: جاء قوم من المشركين، وقالوا: يا محمد انسب لنا ربك، فأنزل الله تعالى هذه السورة: ﴿ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ .

المسألة الثالثة:فضل هذه السورة: ينقل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عن الإمام الدارقطني، يقول: لم يأت فضل في سورة من سور القرآن الكريم كما جاء في فضل سورة ﴿ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾.

ومن فضائلها أنها تعدل ثلث القرآن، قال ابن سويد الشافعي: القرآن أقسام ثلاثة، قسم إخبار عن أسماء الله وصفاته، وقسم قصص عن الأنبياء والمرسلين، وقسم أحكام، وهذه السورة هي الثلث الأول، وهي إخبار عن أسماء الله وصفاته.

ومن فضائلها قوله صلى الله عليه وسلم : « من قرأ قل هو الله أحد عشر مرات بنى الله له بيتًا في الجنة».

المسألة الرابعة:من مواضع قراءة هذه السورة: هذه السورة تقرأ في أذكار الصباح، وفي أذكار المساء، وتقرأ عند النوم، وتقرأ على قول في الأذكار في أدبار الصلوات، وتقرأ في ركعة الفجر السنة في الركعة الثانية، وفي الركعة الثانية من سنة الطواف، وفي الركعة الثانية من سنة المغرب البعدية، وفي ركعة الوتر.

المسألة الخامسة: من الكلمات المهمة في هذه السورة، كلمة الصمد، قيل: الصمد هو الذي لا جوف له، وقيل هو السيد الكامل السيادة، والكلمة الأخرى : كفوًا، الكفو هو الشبيه، والنظير، والمثيل، والله تعالى ليس له شبيهٌ ولا مثيلٌ، ولا نظير، لا في ذاته، ولا في أسمائه، ولا في صفاته.

المسألة السادسة:هذه السورة لها أسماء كثيرة، تسمى سورة الإخلاص، وسورة الأثاث، وسورة المعرفة، وسورة التوحيد، وسورة الإيمان، وسورة الإحسان، وقد يقول قائل هذه الأسماء هل لها دليل؟ ذكر علماء علوم القرآن أن تسمية السور تارة تكون بالوحي، وتارة تكون من الصحابة، وتارة تكون من التابعين ومن بعدهم. ولا مشاحة في ذلك، فتارة تسمى السورة باسم نبي، أو باسم حدث فيها، أو باسم جماد، كما سورة الكهف، وكما تسمى بعض السور باسمين أو ثلاثة، سورة غافر، سورة مؤمن، سورة الإسراء، سورة بني إسرائيل، وهلم جرا والأمر في ذلك هين.

المسألة السابعة:تتعلق ببعض الفوائد العقدية في هذه السورة، هذه السورة فيها رد على أربع طوائف، في آية من آياتها، رد على أربع طوائف، في قوله جل وعلا: ﴿ لَمْ يَلِدْ﴾، رد على اليهود الزاعمين بأن عزير ابن الله، والرد على النصارى الزاعمين بأن المسيح ابن الله، والرد على مشركي العرب الزاعمين بأن الملائكة بنات الله، ورد على الملاحدة الطبائعيين، الذين يحيلون أن يكون شيءٌ أبدي ليس له أول، ويزعمون أن الطبيعة هي الموجودة والخالقة، وهذا إلحاد وزندقة، فالطبيعة مربوبة، والله ربها، والطبيعة مخلوقة، والله خالقها، والطبيعة مبروءة والله بارئها ومنشؤها.

هذه السورة أيضًا، تسمى استقلالاً سورة الإخلاص، وتسمى تبعًا بإحدى القواقل، لأن القواقل أربع، سورة الإخلاص هذه السورة، وسورة الفلق، وسورة الناس، وسورة الكافرون، وزاد بعضهم الجن؛ لأنها مبدءوة بـ ﴿ قُلْ أُوحِيَ﴾ الجن: 1  أي: عودًا على فوائد الآيات.

قال أهل العلم هذه السورة العظيمة تضمنت فوائد كثيرة، منها إثبات أنواع التوحيد الثلاثة، توحيد الربوبية، وتوحيد الإلوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، فأنت إذا قلت: ﴿ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾، إثبات لتوحيد الأسماء والصفات، فالله واحد لا شريك له، وإذا قلت أيضًا: ﴿ اللهُ الصَّمَدُ﴾، فهذا اسم آخر من أسماء الله تعالى، وإذا قلت: ﴿ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾، فهذا أيضًا، أو يستلزم توحيد العبادة، كيف ذلك؟ قال أهل العلم لأن الذي ليس له كفو ولا نظير، ولا شبيه، ولا مثيل، هو المستحق للعبادة بحق، لا معبود بحق إلا الله.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على رسول الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة العاشرة في موضوع الصمد وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان  : فضل سورة الإخلاص

أيضًا فيها إثبات الغنى المطلق، في المقابل إثبات افتقار الخلائق إلى الله،

 على ماذا؟ قالوا على أن الصمد هو الغني، وغنى الله مطلق، ولهذا قال ربنا: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ﴾ فاطر: 15 ، يشمل الملوك، والأمراء، والوزراء، والأثرياء، والوجهاء، وكل أصحاب الأموال ﴿ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾(10)  فاطر: 15. يؤكد هذا أيضًا: ﴿ مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللهِ بَاقٍ﴾ النحل: 96 ، وأيضًا: ﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ﴾  الحجر: 21.

أيضًا فيها إثبات القوة المطلقة لله تعالى، قالوا مأخوذ بأن الصمد بمعنى القوي الذي لا يعجزه شيء، وأنت تقرأ في قوله جل وعلا: ﴿ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ الذارايات. ، ﴿ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ﴾ الشورى: 19 ، قوة المخلوق مهما بلغ من قوة يعتريها الضعف، المرض، الهرم، الموت، أما قوة الله فهي كاملة لا يعتريها نقص، ولا خلل، ولا شطط، لا حسًا ولا معنى.

أيضًا مما يستفاد من هذه السورة العظيمة، تفويض الأمور إلى الله تعالى، الله تعالى هو الصمد الذي تصمد إليه الخلائق، تسأله الحاجات، تستغيث به عند النكبات، تهفو إليه القلوب، فأنت إذا ألمت بك نازلت تأنس برأي صاحب لك، تأنس بقصة تسمعها، ولكن الأنس بالله لا يعدله شيء، ولهذا كان من فقه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إذا نزلت بهم نازلة، أول شكوى، أول الأمر، وأوسطه وآخره، تفويض الأمر إلى الله: ﴿ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ﴾ يوسف: 86.

، ولهذا دل الله نبيه فقال: ﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ﴾ الحجر: 97  ما الحل؟ ﴿ فَسَبِّحْ﴾ لجوء إلى الله ﴿ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ*وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ الحجر: 97 – 99

وفوائد هذه السورة عظيمة، أفرد فيها شيخ الإسلام ابن تيمية مصنفًا، سماه جواب أهل العلم والإيمان بما أخبر به رسول رب الرحمن، من أن ﴿ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾ تعدل ثلث القرآن - وهي   مشتملة على أنواع التوحيد الثلاثة : توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات.

*تسمية سورة الإخلاص : تُسمى السُورة بِعدة أسماء، ومِنها:

    1-‏سورة ‏الإخلاص، وهو أشهر الأسماء، وقد سُميت بذلك لأمرين الأمر الأول أن الله أخلصها لنفسه فليس فيها إلا الكلام عن الله سبحانه وتعالى وصفاته والثاني أنها تُخلص قائلها من الشرك إذا قرأها معتقداً ما دلت عليه [الأنترنت – موقع جامع شيخ الإسلام ابن تيمية  لـ د.عبد العزيز بن محمد السدحان]

    2-سورة الصمد؛ لأنها مختصة بِذكر الله تعالى.

    3-سورة النجاة؛ لأنها تنجي عن التشبيه والكفر في الدنيا، وعن النار في الآخرة.

    4-سورة الولاية؛ لأن من قرأها صار من أولياء الله؛ ولأن من عرف الله على هذا الوجه فقد والاه.

    5-سورة النسبة؛ فقد قال النبي لرجل من بني سليم: (يا أخا بني سليم استوص بنسبة الله خيراً)، وهو من لطيف المباني؛ لأنهم لما قالوا: انسب لنا ربك، فقال: نسبة الله هذا والمحافظة على الأنساب من شأن العرب، وكانوا يتشددون على من يزيد في بعض الأنساب أو ينقص، فنسبة الله في هذه السورة أولى بالمحافظة عليها.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على رسول الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الحادية عشرة في موضوع الصمد وهيإستكمالا للماضية والتي هي  بعنوان  : *تسمية سورة الإخلاص

    6-سورة المعرفة؛ لأن معرفة الله لا تتم إلا بمعرفة هذه السورة، فقد روى جابر أن رجلاً صلى فقرأ: قل هو الله أحد، فقال النبي: (إن هذا عبد عرف ربه)، فسميت سورة المعرفة لذلك.

    7سورة الجمال؛ فقد قال النبي: "إن الله جميل يحب الجمال" فسألوه عن ذلك، فقال: أحد صمد لم يلد ولم يولد؛ لأنه إذا لم يكن واحداً عديم النظير جاز أن ينوب ذلك المثل منابه.

    8-سورة المقشقشة؛ يقال: تقشقش المريض مما به، فمن عرف هذا حصل له البرء من الشرك والنفاق، ولأن النفاق مرض كما قال تعالى:﴿فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ [2:10].

   9- المعوذة؛ فقد رويَ أن النبي دخل على عثمان بن مظعون فعوذه بها وباللتين بعدها، ثم قال: (تعوذ بهن فما تعوذت بخير منهن).

    10-سورة الأساس، قد قال النبي: (أسست السماوات السبع والأرضون السبع على قل هو الله أحد).

    11-سورة المانعة، فقد روى ابن عباس أنه تعالى قال لنبيه حين عرج به: (أعطيتك سورة الإخلاص وهي من ذخائر كنوز عرشي، وهي المانعة تمنع عذاب القبر ولفحات النيران).

    12- سورة المحضر؛ لأن الملائكة تحضر لاستماعها إذا قُرئت.

    13-المنفرة؛ لأن الشيطان ينفر عند قراءتها.

    14-البراءة؛ لأنه روي أن النبي رأى رجلاً يقرأ هذه السورة، فقال: (أما هذا فقد برئ من الشرك)، كما قال النبي: (من قرأ سورة "قل هو الله أحد" مائة مرة في صلاة أو في غيرها كتبت له براءة من النار).

    15-سورة المذكرة؛ لأنها تذكر العبد خالص التوحيد، فقراءة السورة كالوسمة تذكرك ما تتغافل عنه مما أنت محتاج إليه.

    16-سورة النور، فقد قال الله تعالى: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لّا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [24:35]، وقال النبي: (إن لكل شيء نورا، ونور القرآن قل هو الله أحد)، ونظيره أن نور الإنسان في أصغر أعضائه وهو الحدقة، فصارت السورة للقرآن كالحدقة للإنسان.

    17-سورة الأمان، فقد قال النبي: (إذا قال العبد لا إله إلا الله دخل حصني ومن دخل حصني أمن من عذابي).

    18-سورة التفريد.  19- سورة التجريد.

    20-سورة التوحيد. [ الأنترنت – موقع الموسوعة الحرة ، (التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب لفخر الدين الرازي  )  سورة الإخلاص".]

*سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن

أولاً : هذه بعض الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والتي فيها أن سورة ( قل هو الله أحد ) تعدل ثلث القرآن .

روى البخاري (6643) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلًا سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ يُرَدِّدُهَا فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ ، وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا [أي يراها قليلة] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ) .

وروى مسلم (811) عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ فِي لَيْلَةٍ ثُلُثَ الْقُرْآنِ ؟ قَالُوا : وَكَيْفَ يَقْرَأْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ . قَالَ : قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ .

وروى مسلم (812) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : احْشُدُوا فَإِنِّي سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فَحَشَدَ مَنْ حَشَدَ ، ثُمَّ خَرَجَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ثُمَّ دَخَلَ ، فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ : إِنِّي أُرَى هَذَا خَبَرٌ جَاءَهُ مِنْ السَّمَاءِ ، فَذَاكَ الَّذِي أَدْخَلَهُ ، ثُمَّ خَرَجَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنِّي قُلْتُ لَكُمْ سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ ، أَلَا إِنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ .

ثانياً : فضل الله واسع ، فقد تفضَّل الله على الأمة ، وعوَّض قِصَر عمرها بمزيد من الأجر على أعمال يسيرة . والعجيب أن بعض الناس بدلاً من أن يكون ذلك دافعاً له على الازدياد من الخير والحرص عليه تحوَّل هذا عنده إلى فتور وكسل عن أداء الطاعات ، أو تَعَجُّبٍ واستبعادٍ لهذا الفضل والثواب .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على رسول الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثانية عشرة في موضوع الصمد وهي إستكمالا للماضية والتي هي  بعنوان  : **سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن

  هناك فرق بين الجزاء والإجزاء ، ويجب التفريق بينهما .

فالجزاء : هو الثواب الذي يعطيه الله تعالى على الطاعة .

والإجزاء : هو أن يسدَّ الشيء عن غيره ويجزئ عنه .

فقراءة { قل هو الله أحد } لها جزاء قراءة ثلث القرآن ، لا أنها تجزئ عن قراءة ثلث القرآن .

فمن نذر – مثلاً – أن يقرأ ثلث القرآن ، فلا يجزئه قراءة { قل هو الله أحد } لأنها تعدل ثلث القرآن في الجزاء والثواب لا في الإجزاء والإغناء عن قراءة ثلث القرآن .

ومثل هذا يقال في قراءتها ثلاث مرات ، فمن قرأها في صلاته ثلاث مرات لا تجزئه عن قراءة الفاتحة ، مع أنه يُعطى جزاء وأجر قراءة القرآن كاملاً ، لكن لا يعني هذا أنها أجزأته عن الفاتحة .

    ومثل هذا في الشرع : ما أعطاه الشارع لمن صلَّى صلاة واحدة في الحرم المكي ، وأنه له أجر مائة ألف صلاة ، فهل يفهم أحد من هذا الفضل الرباني أنه لا داعي للصلاة عشرات السنين لأنه صلَّى صلاة واحدة في الحرم تعدل مائة ألف صلاة ؟ . بل هذا في الجزاء والثواب ، أما الإجزاء فشيء آخر .

ثم إنه لم يقل أحد من أهل العلم إنه ليس بنا حاجة لقراءة القرآن ، وأن  { قل هو الله أحد} كافية عنه ؛ ذلك أن القول الصحيح من أقوال أهل العلم أن هذه السورة كان لها هذا الفضل لأن القرآن أُنزل على ثلاثة أقسام : ثلث منها للأحكام ، وثلث منها للوعد والوعيد ، وثلث منها للأسماء والصفات . وهذه السورة جمعت الأسماء الصفات .

هذا قول أبي العباس بن سريج واستحسنه شيخ الإسلام ابن تيمية في " مجموع الفتاوى " ( 17 / 103 ) .

والمسلم لا غنى له عن الأمرين الآخرين وهما الأحكام والوعد والوعيد ، ولا يتم له معرفتهما إلا بالنظر في كتاب الله كاملاً ، ولا يمكن لمن يقف عند سورة " الصمد " أن يعرف هذين الأمرين .

قال شيخ الإسلام رحمه الله : والثواب أجناس مختلفة كما أن الأموال أجناس مختلفة من مطعوم ومشروب وملبوس ومسكون ونقد وغير ذلك ، وإذا ملك الرجل من أحد أجناس المال ما يعدل ألف دينار مثلا لم يلزم من ذلك أن يستغنيَ عن سائر أجناس المال ، بل إذا كان عنده مال وهو طعام فهو محتاج إلى لباس ومسكن وغير ذلك ، وكذلك إن كان من جنس غير النقد فهو محتاج إلى غيره ، وإن لم يكن معه إلا النقد فهو محتاج إلى جميع الأنواع التي يحتاج إلى أنواعها ومنافعها ، والفاتحة فيها من المنافع : ثناء ودعاء مما يحتاج الناس إليه ما لا تقوم { قل هو الله أحد } مقامه في ذلك ، وإن كان أجرها عظيماً فذلك الأجر العظيم إنما ينتفع به صاحبه مع أجر فاتحة الكتاب ولهذا لو صلى بها وحدها بدون الفاتحة : لم تصح صلاته ، ولو قدِّر أنه قرأ القرآن كله إلا الفاتحة : لم تصح صلاته لأن معاني الفاتحة فيها الحوائج الأصلية التي لابد للعباد منها

  وقال رحمه الله : فالقرآن يحتاج الناس إلى ما فيه من الأمر والنهي والقصص ، وإن كان التوحيد أعظم من ذلك، وإذا احتاج الإنسان إلى معرفة ما أُمر به وما نهي عنه من الأفعال أو احتاج إلى ما يؤمر به ويعتبر به من القصص والوعد والوعيد : لم يسدَّ غيرُه مسدَّه ، فلا يسدُّ التوحيدُ مسدَّ هذا ، ولا تسدُّ القصص مسدَّ الأمر والنهي ولا الأمر والنهي مسدَّ القصص ، بل كل ما أنزل الله ينتفع به الناس ويحتاجون إليه .

فإذا قرأ الإنسان { قل هو الله أحد } : حصل له ثوابٌ بقدر ثواب ثلث القرآن لكن لا يجب أن يكون الثواب من جنس الثواب الحاصل ببقية القرآن ، بل قد يحتاج إلى جنس الثواب الحاصل بالأمر والنهي والقصص ، فلا تسد { قل هو الله أحد } مسد ذلك ولا تقوم مقامه .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على رسول الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثالثة عشرة في موضوع الصمد وهي إستكمالا للماضية والتي هي  بعنوان  : **سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن

ثم قال شيخ الإسلام رحمه الله :

فالمعارف التي تحصل بقراءة سائر القرآن لا تحصل بمجرد قراءة هذه السورة فيكون من قرأ القرآن كله أفضل ممن قرأها ثلاث مرات من هذه الجهة لتنوع الثواب ، وإن كان قارئ { قل هو الله أحد } ثلاثاً يحصل له ثواب بقدر ذلك الثواب لكنه جنس واحد ليس فيه الأنواع التي يحتاج إليها العبد كمن معه ثلاثة آلاف دينار وآخر معه طعام ولباس ومساكن ونقد يعدل ثلاثة آلاف دينار فإن هذا معه ما ينتفع به في جميع أموره وذاك محتاج إلى ما مع هذا ، وإن كان ما معه يعدل ما مع هذا ، وكذلك لو كان معه طعام من أشرف الطعام يساوي ثلاثة آلاف دينار فإنه محتاج إلى لباس ومساكن وما يدفع به الضرر من السلاح والأدوية وغير ذلك مما لا يحصل بمجرد الطعام ..والله أعلم [الأنترنت – موقع سؤال وجواب للمنجد -  ،" مجموع الفتاوى " ( 17 / 137 – 139 )]

*سورة الإخلاص سبب في دخول الجنة

      سورة الإخلاص توجب دخول الجنة، وقد دلت على ذلك النصوص الكثيرة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن قرأها: «وجبت»، قالوا: وما وجبت؟ قال: «الجنة»، فقد روى الترمذي بإسناده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: أقبلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمع رجلا يقرأ: { قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ . اللهُ الصَّمَدُ}، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وجبت» قلت: ما وجبت؟ قال: «الجنة» [قال أبو عيسى هذا حديث غريب،وقال الألباني: صحيح]

*حب سورة الإخلاص يوجب دخول الجنة:

     عن أنس بن مالك قال: كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء، فكان كلما افتتح سورة يقرأ لهم في الصلاة فقرأ بها افتتح بـ { قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ}، حتى يفرغ منها ثم يقرأ بسورة أخرى معها، وكان يصنع ذلك في كل ركعة، فكلمه أصحابه فقالوا: إنك تقرأ بهذه السورة ثم لا ترى أنها تجزيك حتى تقرأ بسورة أخرى، فإما أن تقرأ بها وإما أن تدعها وتقرأ بسورة أخرى، قال: ما أنا بتاركها إن أحببتم أن أؤمكم بها فعلت وإن كرهتم تركتكم، وكانوا يرونه أفضلهم وكرهوا أن يؤمهم غيره، فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر فقال: «يا فلان ما يمنعك مما يأمر به أصحابك وما يحملك أن تقرا هذه السورة في كل ركعة؟» فقال: يا رسول الله إني أحبها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن حبها أدخلك الجنة».

وعن أنس أن رجلا قال: يا رسول الله إني أحب هذه السورة، {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ}، فقال: «إن حبك إياها يدخلك الجنة» [قال الشيخ الألباني: حسن صحيح "الجامع الصغير"].

وفي حديث معاذ بن أنس: «من قرأ {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} عشر مرات بنى الله له بيتاً في الجنة» [صحيح الجامع].

وفي الحديث: «من قرأ {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} حتى يختمها عشر مرات؛ بنى الله له قصرا في الجنة» [السلسلة الصحيحة][الأنترنت – موقع دار الإسلام]

  وعن انس قال  :كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء ، وكان كلما أفتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به ،أفتتح"قل هو الله أحد",,حتى يفرغ منه ، ثم يقرأ سورة أخرى معها ، وكان يصنع ذلك في كل ركعة، فكلمه أصحابه فقالوا : إنك تفتتح بهذه السورة ، ثم لا ترى أنها تجزئك حتى تقرأبأخرى ، فأما أن تقرأ بها وأما أنتدعها وتقرأ بأخرى ؟ فقال : ما أنا بتاركها ،إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلت ، وإن كرهتم تركتكم ، وكانوا يرون أنه من أفضلهم وكرهوا أن يؤمهم غيره ،فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر فقال صلى الله عليه وسلم : "يافلان ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك ، وما يحملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة"؟

فقال : إني أحبها ,,فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "حبك إياها أدخلك الجنة"[ الراوي: أنس بن مالك المحدث: البخاري المصدر: صحيح البخاري – رقم: 774]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على رسول الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الرابعة عشرة في موضوع الصمد وهي إستكمالا للماضية والتي هي  بعنوان  : *سورة الإخلاص تضمنت الاسم الأعظم:

 ثبت اسم الله الأعظم بأربعة أحاديث وهي :

- الحديث الأول- حديث بريدة فعن بريدة رضي الله عنه ان رسول الله سمع رجلاً يقول : اللهم إني اسالك بأني أشهد أنك انت الله لااله الا انت الاحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً احد . فقال :.( لقد سالت الله تعالى بالاسم الذي اذا سئل به اعطى واذا

دعي به اجاب ) وفي رواية :.( لقد سالت الله تعالى باسمه الاعظم ).

رواه في سننه الترمذي وابوداود وابن ماجه . قال ابن حجر :. ان هذا الحديث ارجح ماورد في الاسم الاعظم من حيث السند .

وصححه ابن حبان و الحاكم والذهبي وقواه المقدسي وصححه الالباني والوادعي وحسنه الترمذي والسخاوي.

- الحديث الثاني- حديث أنس فعن انس رضي الله عنه انه كان مع رسول الله جالساً ورجل يصلي ثم دعا: اللهم إني أسالك بان لك الحمد لااله الا انت المنان بديع السماوات و الارض ياذا الجلال و الاكرام ياحي ياقيوم فقال النبي : ( لقد دعا الله تعالى باسمه العظيم الذي اذا دعي به اجاب واذا سئل به اعطى ) . [رواه أحمد و البخاري في الادب المفرد و رواه الاربعة ،وقد صححه ابن حبان والحاكم و الذهبي وضياء المقدسي و الالباني . وحسنه ابن حجر والسخاوي والوادعي.]

ـ الحديث الثالث- حديث أبي امامةرضي الله عنه فعن أبي أمامة يرفعه قال: "اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب في ثلاث: سورة البقرة وآل عمران وطه" وقال هشام -وهو ابن عمار خطيب دمشق-: أما البقرة فـ ( اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) ،وفي آل عمران: { الم * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وفي طه: وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} [طه:111] قال عنه المناوي [حديث سنده حسن وقيل صحيح] وقد صححه الألباني في صحيح الجامع وحسنه في السلسلة الصحيحة.]

ـ الحديث الرابع- حديث أسماء رضي الله عنها فعن أسماء بنت يزيد بن السكن، عن رسول الله أنه قال: "اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: ( وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ) و الم * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [آل عمران: 1، 2] " ]وفي رواية أخرى عند أحمد حدثنا محمد بن بكر أخبرنا عبيد الله بن أبي زياد حدثنا شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد بن السكن قالت : سمعت رسول الله يقول في هاتين الآيتين ( اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) و الم * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [آل عمران:1، 2] "إن فيهما اسم الله الأعظم" .رواه أبو داوود وغيره وحسنه الألباني في صحيح الجامع ح : 980(1/229)وصححه الترمذي والسيوطي.

*هذه بعض إجتهادات أهل العلم رحمهم الله في تعين اسم الله الأعظم :

أن اسم الله الأعظم هو: [ ذو الجلال والإكرام]

إختاره الإمام مجاهد رحمه الله فقد روى الإمام الطبري رحمه الله في تفسيره تفسير الطبري في سورة النمل عند قوله تعالى[قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم سورة النمل (40) ] [ حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله : ( الذي عنده علم من الكتاب ) قال: الاسم الذي إذا دعي به أجاب، وهو: يا ذا الجلال والإكرام.]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على رسول الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الخامسة عشرة في موضوع الصمد وهي بعنوان  :

أن اسم الله الأعظم هو : لفظ الجلاله[ الله]

1-إختاره الإمام زيد بن جابر رحمه الله قال ابن أبـي حاتم في تفسيره: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح حدثنا إسماعيل ابن علية عن أبـي رجاء حدثني رجل عن جابر بن عبد الله بن زيد أنه قال:اسم الله الأعظم هو الله ألم تسمع أنه يقول:{هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم}

2-وإختاره الإمام الشعبي رحمه الله قال ابن أبي الدنيا في كتاب الدعاء: حدثنا إسحق بن إسماعيل عن سفيان بن عيينة عن مسعر قال:قال الشعبي: اسم الله الأعظم يا الله]

3- وإختاراه الإمامين أبو حنيفة والطحاوي رحمها الله قال الإمام الطحاوي في كتابه مشكل الآثار[[بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي اسْمِ اللَّهِ الْأَعْظَمِ أَيُّ أَسْمَائِهِ هُوَ ) حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ حَدَّثَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ وَمَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ { سَمِعَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَجُلًا يَقُولُ : اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ فَقَالَ : لَقَدْ سَأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِاسْمِهِ الَّذِي إذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى } . حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ الْهَمْدَانِيُّ قَالَ ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْر حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ : { مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ يُصَلِّي , وَهُوَ : يَقُولُ اللَّهُمَّ لَك الْحَمْدُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ يَا مَنَّانُ يَا بَدِيعَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِنَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ تَدْرُونَ مَا دَعَا الرَّجُلُ قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ دَعَا رَبَّهُ بِاسْمِهِ الْأَعْظَمِ الَّذِي إذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى } حَدَّثَنَا فَهْدٌ ثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثنا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ عَنْ { أَنَسٍ قَالَ كُنْت قَاعِدًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَلْقَةٍ فَقَامَ رَجُلٌ يُصَلِّي فَلَمَّا رَكَعَ وَسَجَدَ وَقَعَدَ فَتَشَهَّدَ دَعَا فَقَالَ : اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك بِأَنَّ لَك الْحَمْدَ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَتَدْرُونَ مَا دَعَا قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ : إنَّهُ دَعَا بِاسْمِهِ الْعَظِيمِ الَّذِي إذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى } . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَهَذِهِ الْآثَارُ قَدْ رُوِيَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّفِقَةً فِي اسْمِ اللَّهِ الْأَعْظَمِ أَنَّهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذَا شَيْءٌ نَحْنُ ذَاكِرُوهُ فِي هَذَا الْبَابِ وَهُوَ مَا أَجَازَ لَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْعَبَّاسِ الرَّازِيّ وَأَعْلَمَنَا أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ مُوسَى بْنِ نَصْرٍ الرَّازِيِّ وَأَنَّ مُوسَى بْنَ نَصْرٍ ثنا بِهِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الرَّازِيِّ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ اسْمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْأَكْبَرُ هُوَ اللَّهُ قَالَ مُحَمَّدٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّحْمَنَ اُشْتُقَّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَالرَّبَّ مِنْ الرُّبُوبِيَّةِ وَذَكَرَ أَشْيَاءَ نَحْوَ هَذَا وَاَللَّهُ غَيْرُ مُشْتَقٍّ مِنْ شَيْءٍ قَالَ هِشَامُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الرَّازِيّ فَمَا أَدْرِي أَفَسَّرَ مُحَمَّدٌ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ أَمْ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَالَ قَائِلٌ : فَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْآثَارِ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا فِي هَذِهِ الْآثَارِ فَذَكَرَ . مَا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الشَّيْرَزِيُّ ثنا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلَاءِ أَنَّهُ سَمِعَ الْقَاسِمَ أَبَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ يَرْفَعُهُ قَالَ { اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ الَّذِي إذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ فِي سُوَرٍ ثَلَاثٍ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ } حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد قَالَ ثنا أَبُو حَفْصٍ عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ سَمِعْت عِيسَى بْنَ مُوسَى يَقُولُ لِابْنِ زَبْرٍ يَا أَبَا زَبْرٍ سَمِعْت غَيْلَانَ بْنَ أَنَسٍ قَالَ سَمِعْت الْقَاسِمَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ إنَّ { اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمَ لَفِي ثَلَاثِ سُوَرٍ مِنْ الْقُرْآنِ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ } قَالَ أَبُو حَفْصٍ فَنَظَرْت فِي هَذِهِ السُّوَرِ الثَّلَاثِ فَرَأَيْت فِيهَا أَشْيَاءَ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مِثْلُهَا آيَةُ الْكُرْسِيِّ { اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } وَفِي آلِ عِمْرَانَ { اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } وَفِي طَه { وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ } . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ أَنَّ مَا اسْتَخْرَجَهُ أَبُو حَفْصٍ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِيهِ ( اللَّهُ ) وَاَلَّذِي اسْتَخْرَجَهُ مِنْ آلِ عِمْرَانَ كَذَلِكَ أَيْضًا فِيهِ ( اللَّهُ ) فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ خَارِجًا مِنْ الْآثَارِ الَّتِي رَوَيْنَاهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ وَلَا مُخَالِفًا لِمَا فِيهَا وَكَانَ مَا اسْتَخْرَجَهُ مِمَّا فِي طَه قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَمَا اسْتَخْرَجَهُ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمَ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ مَا فِي طَه سِوَى ذَلِكَ , وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا { وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ } الْآيَةَ فَيَرْجِعُ مَا فِي طَه إلَى مِثْلِ مَا رَجَعَ إلَيْهِ مَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَمَا فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ أَنَّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيَّةِ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي ذَلِكَ مَا يُخَالِفُ الْحَدِيثَ الَّذِي اسْتَخْرَجَ مِنْهُ أَبُو حَفْصٍ مَا اسْتَخْرَجَ كَمَا حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ { أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ إنَّ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمَ { وَإِلَهُكُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ } وَ { الم اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } } . وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ ثنا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ شَهْرٍ عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِثْلَهُ فَكَانَ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ مَوْضِعُ اسْمِ اللَّهِ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَمِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ بِمَا لَيْسَ فِي إحْدَاهُمَا ذِكْرُ الْحَيِّ الْقَيُّومِ وَفِيهِمَا جَمِيعًا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَكَانَ فِي ذَلِكَ مَا يَجِبُ بِهِ أَنْ يُعْقَلَ أَنَّ الَّذِي فِي سُورَةِ طَه هُوَ ذَلِكَ أَيْضًا لَا مَا ذَكَرَهُ أَبُو حَفْصٍ وَكَانَ فِيمَا ذَكَرْنَا مَا قَدْ وَافَقَهُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ فَكَانَ قَوْلُهُمْ اللَّهُمَّ إنَّمَا كَانَ الْأَصْلُ فِيهِ يَا اللَّهُ فَلَمَّا حَذَفُوا الْيَاءَ مِنْ أَوَّلِ الْحَرْفِ زَادُوا الْمِيمَ فِي آخِرِهِ لِيَرْجِعَ الْمَعْنَى الَّذِي فِي يَا اللَّهُ وَفِيمَا رَوَيْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَصْدِيقُ بَعْضِهِ بَعْضًا وَانْتَفَى الِاخْتِلَافُ مِنْهُ ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على رسول الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السادسة عشرة في موضوع الصمد وهي إستكمالا للماضية والتي هي  بعنوان  : *أن اسم الله الأعظم هو : [ الحي]

إختاره الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقد قال في مجموع الفتاوى [قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ الْكُرَبِ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَد مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ : { اللَّهُمَّ إنِّي عَبْدُك ابْنُ عَبْدِك ابْنُ أَمَتِك نَاصِيَتِي بِيَدِك أَسْأَلُك بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَك سَمَّيْت بِهِ نَفْسَك أَوْ أَنْزَلْته فِي كِتَابِك أَوْ عَلَّمْته أَحَدًا مِنْ خَلْقِك أَوْ اسْتَأْثَرْت بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَك أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجَلَاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي وَغَمِّي إلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَغَمَّهُ وَأَبْدَلَهُ بِهِ فَرَحًا . } . الرَّبِيعُ : هُوَ الْمَطَرُ الْمُنْبِتُ لِلرَّبِيعِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ فِي دُعَاءِ الِاسْتِسْقَاءِ : { اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا رَبِيعًا مُرْبِعًا } وَهُوَ الْمَطَرُ الوسمي الَّذِي يَسِمُ الْأَرْضَ بِالنَّبَاتِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ : { الْقُرْآنُ رَبِيعٌ لِلْمُؤْمِنِ } . فَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَهُ مَاءً يُحْيِ بِهِ قَلْبَهُ كَمَا يُحْيِ الْأَرْضَ بِالرَّبِيعِ وَنُورًا لِصَدْرِهِ . وَالْحَيَاةُ وَالنُّورُ جِمَاعُ الْكَمَالِ كَمَا قَالَ : { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ } وَفِي خُطْبَةِ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ : يُحْيُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ الْمَوْتَى وَيُبَصِّرُونَ بِنُورِ اللَّهِ أَهْلَ الْعَمَى ; لِأَنَّهُ بِالْحَيَاةِ يَخْرُجُ عَنْ الْمَوْتِ وَبِالنُّورِ يَخْرُجُ عَنْ ظُلْمَةِ الْجَهْلِ فَيَصِيرُ حَيًّا عَالِمًا نَاطِقًا وَهُوَ كَمَالُ الصِّفَاتِ فِي الْمَخْلُوقِ . وَكَذَلِكَ قَدْ قِيلَ [ فِي ] الْخَالِقِ حَتَّى النَّصَارَى فَسَّرُوا الْأَبَ وَالِابْنَ وَرُوحَ الْقُدُسِ بِالْمَوْجُودِ الْحَيِّ الْعَالِمِ . وَالْغَزَالِيُّ رَدَّ صِفَاتِ اللَّهِ إلَى الْحَيِّ الْعَالِمِ وَهُوَ مُوَافِقٌ فِي الْمَعْنَى لِقَوْلِ الْفَلَاسِفَةِ : عَاقِلٌ وَمَعْقُولٌ وَعَقْلٌ ; لِأَنَّ الْعِلْمَ يَتْبَعُ الْكَلَامَ الْخَبَرِيَّ وَيَسْتَلْزِمُ الْإِرَادَةَ وَالْكَلَامَ الطَّلَبِيَّ ; لِأَنَّ كُلَّ حَيٍّ عَالِمٌ فَلَهُ إرَادَةٌ وَكَلَامٌ وَيَسْتَلْزِمُ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ لَكِنْ هَذَا لَيْسَ بِجَيِّدِ لِأَنَّهُ يُقَالُ : فَالْحَيُّ نَفْسُهُ مُسْتَلْزِمٌ لِجَمِيعِ الصِّفَاتِ وَهُوَ أَصْلُهَا ; وَلِهَذَا كَانَ أَعْظَمَ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ : { اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } . وَهُوَ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ ; لِأَنَّهُ مَا مِنْ حَيٍّ إلَّا وَهُوَ شَاعِرٌ مُرِيدٌ فَاسْتَلْزَمَ جَمِيعَ الصِّفَاتِ فَلَوْ اكْتَفَى فِي الصِّفَاتِ بِالتَّلَازُمِ لَاكْتَفَى بِالْحَيِّ وَهَذَا يَنْفَعُ فِي الدَّلَالَةِ وَالْوُجُودِ لَكِنْ لَا يَصِحُّ أَنْ يُجْعَلَ مَعْنَى الْعَالِمِ هُوَ مَعْنَى الْمُرِيدِ فَإِنَّ الْمَلْزُومَ لَيْسَ هُوَ عَيْنَ اللَّازِمِ وَإِلَّا فَالذَّاتُ الْمُقَدَّسَةُ مُسْتَلْزِمَةٌ لِجَمِيعِ الصِّفَاتِ . فَإِنْ قِيلَ : فَلِمَ جَمَعَ فِي الْمَطْلُوبِ لَنَا بَيْنَ مَا يُوجِبُ الْحَيَاةَ وَالنُّورَ فَقَطْ دُونَ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْحَيَاةِ أَوْ الِازْدِيَادِ مِنْ الْقُدْرَةِ وَغَيْرِهَا ؟ قِيلَ : لِأَنَّ الْأَحْيَاءَ الْآدَمِيِّينَ فِيهِمْ مَنْ يَهْتَدِي إلَى الْحَقِّ وَفِيهِمْ مَنْ لَا يَهْتَدِي . فَالْهِدَايَةُ كَمَالُ الْحَيَاةِ وَأَمَّا الْقُدْرَةُ فَشَرْطٌ فِي التَّكْلِيفِ لَا فِي السَّعَادَةِ فَلَا يَضُرُّ فَقْدُهَا وَنُورُ الصَّدْرِ يَمْنَعُ أَنْ يُرِيدَ سِوَاهُ . ثُمَّ قَوْلُهُ : { رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي } لِأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ : الْحَيَا لَا يَتَعَدَّى مَحَلَّهُ ; بَلْ إذَا نَزَلَ الرَّبِيعُ بِأَرْضِ أَحْيَاهَا . أَمَّا النُّورُ فَإِنَّهُ يَنْتَشِرُ ضَوْءُهُ عَنْ مَحَلِّهِ . فَلَمَّا كَانَ الصَّدْرُ حَاوِيًا لِلْقَلْبِ جَعَلَ الرَّبِيعَ فِي الْقَلْبِ وَالنُّورَ فِي الصَّدْرِ لِانْتِشَارِهِ كَمَا فَسَّرَتْهُ الْمِشْكَاةُ ; فِي قَوْلِهِ : { مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ } وَهُوَ الْقَلْبُ ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على رسول الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السابعة عشرة في موضوع الصمد وهي بعنوان  :

*أن اسم الله الأعظم هو: [الحي القيوم]

وقد إختار هذا القول الإمام ابن القيم رحمه الله فقد قال كتابه القيم زاد

 المعاد[وفي تأثير قوله‏:‏ يا حي يا قيوم، برحمتك أستغيث في دفع هذا الداء مناسبة بديعة، فإن صفة الحياة متضمنة لجميع صفات الكمال، مستلزمة لها، وصفة القيومية متضمنة لجميع صفات الأفعال، ولهذا كان اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى‏:‏ هو اسم الحي القيوم، والحياة التامة تضاد جميع الأسقام والآلام، ولهذا لما كملت حياة أهل الجنة لم يلحقهم هم ولا غم ولا حزن ولا شيء من الآفات‏.‏ ونقصان الحياة تضر بالأفعال، وتنافي القيومة، فكمال القيومية لكمال الحياة، فالحي المطلق التام الحياة لا تفوته صفة الكمال البتة، والقيوم لا يتعذر عليه فعل ممكن البتة، فالتوسل بصفة الحياة القيومية له تأثير في إزالة ما يضاد الحياة، ويضر بالأفعال‏.‏

ونظير هذا توسل النبي ـ ـ إلى ربه بربوبيته لجبريل وميكائيل وإسرافيل أن يهديه لما اختلف فيه من الحق بإذنه، فإن حياة القلب بالهداية، وقد وكل الله سبحانه هؤلاء الأملاك الثلاثة بالحياة، فجبريل موكل بالوحي الذي هو حياة القلوب، وميكائيل بالقطر الذي هو حياة الأبدان والحيوان، وإسرافيل بالنفخ في الصور الذي هو سبب حياة العالم وعود الأرواح إلى أجسادها، فالتوسل إليه سبحانه بربوبية هذه الأرواح العظيمة الموكلة بالحياة، له تأثير في حصول المطلوب‏.‏

والمقصود‏:‏ أن لاسم الحي القيوم تأثيرًا خاصًا في إجابة الدعوات، وكشف الكربات، وفي السنن و صحيح أبي حاتم مرفوعًا‏:‏ ‏(‏اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين‏)‏‏.‏ ‏{‏وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 163‏]‏، وفاتحة آل عمران ‏{‏الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 1‏]‏‏.‏، قال الترمذي‏:‏ حديث صحيح‏.‏

وفي السنن وصحيح ابن حبان أيضًا‏:‏ من حديث أنس أن رجلًا دعا، فقال‏:‏ اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت المنان، بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، فقال النبي ـ ـ‏:‏ ‏(‏(‏لقد دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى‏) ولهذا كان النبي إذا اجتهد في الدعاء قال‏:‏ ‏(‏يا حي يا قيوم‏)‏‏

*الصيغ التي من دعا الله بها فقد دعى الله بالاسم الاعظم.

أن من دعا الله يهذه الصيغ الثلاثة فقد دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى وهذه الصيغ هي :

الصيغة الأولى : دعاء الله بالدعاء الوارد في حديث بريدة رضي الله عنه[ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ].

كيف لا وقد ثبت أن الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى أنه قد أخبر بذلك بل أقسم ففي مسند أحمد قال حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ عُمَرَ ، أَخْبرَنَا مَالِكٌ ، عَنِ ابنِ برَيْدَةَ ، عَنْ أَبيهِ ، قَالَ : خَرَجَ برَيْدَةُ عِشَاءً ، فَلَقِيَهُ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَخَذَ بيَدِهِ فَأَدْخَلَهُ الْمَسْجِدَ ، فَإِذَا صَوْتُ رَجُلٍ يَقْرَأُ ، فَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " تُرَاهُ مُرَائِيًا ؟ " ، فَأَسْكَتَ برَيْدَةُ ، فَإِذَا رَجُلٌ يَدْعُو ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ، الْأَحَدُ الصَّمَدُ ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ، فَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ ، أو قال : والذي نفس محمد بيده ، لَقَدْ سَأَلَ اللَّهَ باسْمِهِ الْأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا سُئِلَ بهِ أَعْطَى ، وَإِذَا دُعِيَ بهِ أَجَاب " ، قَالَ : فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْقَابلَةِ خَرَجَ برَيْدَةُ عِشَاءً ، فَلَقِيَهُ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَخَذَ بيَدِهِ فَأَدْخَلَهُ الْمَسْجِدَ ، فَإِذَا صَوْتُ الرَّجُلِ يَقْرَأُ ، فَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَتَقُولُهُ مُرَائيًا ؟ " ، فَقَالَ برَيْدَةُ : أَتَقُولُهُ مُرائيًا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا ، بلْ مُؤْمِنٌ مُنِيب ، لَا ، بلْ مُؤْمِنٌ مُنِيب " ، فَإِذَا الْأَشْعَرِيُّ يَقْرَأُ بصَوْتٍ لَهُ فِي جَانِب الْمَسْجِدِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ الْأَشْعَرِيَّ ، أَوْ إِنَّ عَبدَ اللَّهِ بنَ قَيْسٍ ، أُعْطِيَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ دَاوُدَ " ، فَقُلْتُ : أَلَا أُخْبرُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " بلَى ، فَأَخْبرْهُ " ، فَأَخْبرْتُهُ ، فَقَالَ : أَنْتَ لِي صَدِيقٌ ، أَخْبرْتَنِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحَدِيثٍ . والحديث سنده صحيح.

الصيغة الثانية : دعاء الله بالدعاء الوارد في حديث أنس رضي الله عنه [اللهم اني أسالك بان لك الحمد لااله الا انت المنان بديع السماوات و الارض ياذا الجلال و الاكرام ياحي ياقيوم].

كيف لا وقد ثبت أن الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى قد أخبر بذلك بل أقسم ففي سنن النسائى قال أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ ، عَنْ حَفْصِ بْنِ أَخِي أَنَسٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا يَعْنِي وَرَجُلٌ قَائِمٌ يُصَلِّي , فَلَمَّا رَكَعَ وَسَجَدَ وَتَشَهَّدَ دَعَا , فَقَالَ فِي دُعَائِهِ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ , لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْمَنَّانُ بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ , يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ , يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ إِنِّي أَسْأَلُكَ , فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ : " تَدْرُونَ بِمَا دَعَا " , قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ , قَالَ : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ , لَقَدْ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الْعَظِيمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ , وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى " .الحديث صحيح.

الصيغة الثالثة : الجمع بين الصيغة الأولى والصيغة الثانية كأن تقول في دعائك [ اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت وحدك لاشريك لك المنان بديع السماوات والأرض ذو الجلال والإكرام الحي القيوم الرحمن الرحيم وأني أشهد أنك أنت الله لا إله الا أنت الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد إني أسألك ]. لاشتما لها على أصح حديثي اسم الله الأعظم حديث بريدة وحديث أنس رضي الله عنهما مع بقية أسماء الله الحسنى الواردة في الأحاديث  الأنترنت - موقع ملتقى أهل الحديث - إبراهيم الهاشمي (بتصرف قليل ) إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على رسول الله والسلام عليكم ورحمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثامنة عشرة في موضوع الصمد وهي بعنوان  :

*سورة الإخلاص سبب لقبول الدعاء :

هذه بعض الأحاديث التي تبين عظمة اسماء الله الحسنى الواردة في سورة الإخلاص وأن لها أثرا عظيما في إجابة الدعوات ومغفرت الذنوب سائلا الله أن ينفعنا بها

1-من تفسير سورة الإخلاص للإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره القرآن العظيم حيث قال [ فِي الدُّعَاء بِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ الْأَسْمَاء قَالَ النَّسَائِيّ عِنْد تَفْسِيرهَا  حَدَّثَنَا  عَبْد الرَّحْمَن  بْن خَالِد  حَدَّثَنَا  زَيْد بْن  الْحُبَاب  حَدَّثَنِي  مَالِك  بْن مِغْوَل حدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن بُرَيْدَة عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِد فَإِذَا رَجُل يُصَلِّي يَدْعُو يَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلك بِأَنِّي أَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ الْأَحَد الصَّمَد الَّذِي لَمْ يَلِد وَلَمْ يُولَد وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَد قَالَ " وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ سَأَلَهُ بِاسْمِهِ الْأَعْظَم الَّذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ" وَقَدْ أَخْرَجَهُ بَقِيَّة أَصْحَاب السُّنَن مِنْ طُرُق عَنْ مَالِك بْن مِغْوَل عَنْ عَبْد اللَّه بْن بُرَيْدَة عَنْ أَبِيهِ بِهِ وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَسَن غَرِيب "]

وهذ الحديث قد صححه من الأئمة ابن حبان والأرنوط واحمد شاكر والألباني وصححه الحاكم والذهبي والوادعي وقالو[ صحيح على شرط الشخين البخاري ومسلم] وحسنه الترمذي والطحاوي وابن حجر وقال ان هذا الحديث ارجح ماورد في الاسم الاعظم من حيث السند .

2- حدثنا ‏ ‏عبد الله بن عمرو أبو معمر ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الوارث ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الحسين المعلم ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله بن بريدة ‏ ‏عن ‏ ‏حنظلة بن علي ‏ ‏أن ‏ ‏محجن بن الأدرع ‏ ‏حدثه قال ‏دخل رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏المسجد فإذا هو برجل قد قضى صلاته وهو يتشهد وهو يقول ‏ ‏اللهم إني أسألك يا ‏ ‏ألله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد أن تغفر لي ذنوبي إنك أنت الغفور الرحيم قال فقال قد غفر له قد غفر له ثلاثا الحديث اخرجه ابو داود وهذه الروايه له وأحمد والنسائى وصححه الحاكم والذهبي وقال على شرطهما [أي الشيخين البخاري ومسلم] وصححه الألباني وشعيب الأرنؤوط

فائدة : ذكر بعض أهل العلم أن سبب المغفرة أنه استغفر الله باسمه الأعظم لحديث بريدة حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن خَالِد حَدَّثَنَا زَيْد بْن الْحُبَاب حَدَّثَنِي مَالِك بْن مِغْوَل حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن بُرَيْدَة عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِد فَإِذَا رَجُل يُصَلِّي يَدْعُو يَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلك بِأَنِّي أَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ الْأَحَد الصَّمَد الَّذِي لَمْ يَلِد وَلَمْ يُولَد وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَد قَالَ " وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ سَأَلَهُ بِاسْمِهِ الْأَعْظَم الَّذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ" وَقَدْ أَخْرَجَهُ بَقِيَّة أَصْحَاب السُّنَن مِنْ طُرُق عَنْ مَالِك بْن مِغْوَل عَنْ عَبْد اللَّه بْن بُرَيْدَة عَنْ أَبِيهِ بِهِ والله أعلم

3- عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال مرضت وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني فعوذني يوما فقال بسم الله الرحمن الرحيم إعيذك بالله الأحد الصمد الّذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد من شر ماتجد فلما استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما قال ياعثمان تعوذ بها فماتعوذتم بمثلها ) الحديث ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ومبع الفوائد وقال رواه أبو يعلى في الكبير عن شيخه موسى بن حيان ولم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح وقال في تخريج أحاديث الاحياء اخرجه ابن السني في اليوم والليلة والطبراني والبيهقي في الأدعية من حديث عثمان بن عفان بلإسناد حسن وذكره العيني في عمدة القاري وقال سنده جيد [الأنترنت  -  موقع  النادي الأهلي ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على رسول الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة التاسعة عشرة في موضوع الصمد وهي بعنوان  :

*سورة الإخلاص سبب للشفاء والمغفرة

     قال عثمان بن عفان رضي الله عنه : مرضت فعادني رسول الله

 صلى الله عليه وسلم فقال : "بسم الله الرحمن الرحيم أعيذك بالله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولدولم يكن له كفواً أحد من شر ما تجد" قالها مرارا .[ الراوي: عثمان بن عفان المحدث: العراقي – المصدر: تخريج الإحياء – الصفحة أو الرقم: 2/262 خلاصةحكم المحدث: إسناده حسن ،وانظر الأنترنت – موقع الموسوعة الشاملة [ إحياء علوم الدين - الغزالي

*سورة الإخلاص سبب للمغفرة

سمع رسول الله عليه الصلاة والسلام رجلاً يقول في تشهده :

"اللهم إني أسألك يا الله الواحد الأحد الصمد،الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواًأحد أن تغفرلي ذنوبي إنك أنت الغفور الرحيم" فقال صلى الله عليه وسلم: "قد غفر له قد غفر له".[ الراوي: – المحدث: الألباني – المصدر: التوسل – الصفحة أو الرقم: 31 خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح ][ وانظر :  الأنترنت – موقع  دار الإمارات]

*شُبهةٌ وردها : لقد انكر بعض الناس القول بأن" الصمد الذي لاجوف له و لا يأكل و لا يشرب " و ظنوا أن الملائكة ليسوا صمد و أنها تأكل و تشرب و إلا فهذا تشبيه لله تعالى.

والجابة هي : قال الله جل و علا في حكاية ضيف إبراهيم عليه السلام :

( فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ ) هود/70.

قال الطبري في تفسيره لهذه الآية: " كفوا عن أكله لانهم لم يكونوا ممن يأكله "اهــ

 و قال ابن كثير في تفسيره: " و ذلك أن الملائكة لا همة لهم إلى طعام و لا يشتهونه و لا يأكلونه". اهــ

و قد روى عبد الله بن أحمد في السنة :

    حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ ، نا عُثْمَانُ بْنُ عَلاقٍ وَهُوَ عُثْمَانُ بْنُ حِصْنِ بْنِ عَلاقٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ رُوَيْمٍ يَقُولُ : أَخْبَرَنِي الأَنْصَارِيُّ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّ الْمَلائِكَةَ قَالُوا : رَبَّنَا خَلَقْتَنَا وَخَلَقْتَ بَنِي آدَمَ فَجَعَلْتَهُمْ يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَشْرَبُونَ الشَّرَابَ وَيَلْبَسُونَ الثِّيَابَ وَيَأْتُونَ النِّسَاءَ وَيَرْكَبُونَ الدَّوَابَّ وَيَنَامُونَ وَيَسْتَرِيحُونَ ، وَلَمْ تَجْعَلْ لَنَا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ، فَاجْعَلْ لَهُمُ الدُّنْيَا ، وَاجْعَلْ لَنَا الآخِرَةَ ، فَقَالَ اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ : لا ، فَأَعَادُوا الْقَوْلَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ : لا أَجْعَلُ صَالِحَ ذُرِّيَّةِ مَنْ خَلَقْتُ بِيَدَيَّ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي كَمَنْ قُلْتُ لَهُ كُنْ فَكَانَ " . 969

   والحديث رجاله ثقات و له شواهد و الأنصاري هو جابر بن عبد الله.

    و رواه عبد الرزاق موقوفاً في تفسيره عن معمر بن راشد عن زيد بن أسلم في قوله (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) قال : "قالت الملائكة : يا ربنا إنك أعطيت بني آدم الدنيا يأكلون منها , ويتنعمون , ولم تعطنا ذلك , فأعطناه في الآخرة ; فقال : وعزتي لا أجعل ذرية من خلقت بيدي , كمن قلت له كن فكان. "[عبد الرزاق (2/305)، ورواه ابن جرير الطبري في تفسيره لهذه الآية عن الحسن بن يحي عن عبد الرزاق به(16987).]

  وقد نقل الفخر الرازي اتفاق العلماء ، فقال رحمه الله :

 " اتفقوا على أن الملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحون ، يسبحون الليل والنهار لا يفترون . وأما الجن والشياطين فإنهم يأكلون ويشربون " انتهى[الأنترنت -  الإسلام سؤال و جواب  " مفاتيح الغيب " (1/76)]

    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :" ... وهم لا يأكلون ولا يشربون ، بل هم صُمْدٌ ، ليسوا جُوْفا كالإنسان ، وهم يتكلمون ويسمعون ويبصرون ويصعدون وينزلون - كما ثبت ذلك بالنصوص الصحيحة - وهم مع ذلك لا تماثل صفاتهم وأفعالهم صفات الإنسان وفعله ؛ فالخالق تعالى أعظم مباينة لمخلوقاته من مباينة الملائكة للآدميين ؛ فإن كليهما مخلوق ،‏ والمخلوق أقرب إلى مشابهة المخلوق من المخلوق إلى الخالق سبحانه وتعالى‏ " اهــ " مجموع الفتاوى " (5/354)

و من قال أن هذا تشبيه لله سبحانه و تعالى نقول الله عز وجل وصف نفسه بأنه ( سميع بصير )، ووصف الإنسانَ أيضا بأنه سميع بصير في قوله سبحانه : ( إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ) الإنسان/2. وذلك لا يستلزم تماثل صفتي السمع والبصر ما بين الخالق والمخلوق ، وإنما يعني أن ذهن الإنسان يفهم من معنى السمع قدرا يتصوره في حق الخالق والمخلوق ، وإن كان يجهل حقيقة ما يناسب الخالق من هذا السمع ، كما أنه يجهل ما يناسب كل مخلوق من السمع ، حتى يرى هذا المخلوق ، أو يوصف له .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على رسول الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة العشرون في موضوع الصمد وهي بعنوان  :

شبهة تشبيه الملائكة بالله في الصمدية

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " التشبيه الممتنع إنما هو مشابهة الخالق للمخلوق في :

    1- شيء من خصائص المخلوق .

    2- أو أن يماثله في شيء من صفات الخالق ، فإن الرب تعالى منزه عن أن يوصف بشيء من خصائص المخلوق .

    3- أو أن يكون له مماثل في شيء من صفات كماله .

    4- وكذلك يمتنع أن يشاركه غيره في شيء من أموره بوجه من الوجوه ، بل يمتنع أن يشترك مخلوقان في شيء موجود في الخارج ، بل كل موجود في الخارج فإنه مختص بذاته وصفاته القائمة به ، لا يشاركه غيره فيها ألبتة ، وإذا قيل هذان يشتركان في كذا ، كان حقيقته أن هذا يشابه هذا في ذلك المعنى ، كما إذا قيل هذا الإنسان يشارك هذا في الإنسانية ، أو يشارك هذا الحيوان في الحيوانية ، فمعناه أنهما يتشابهان في ذلك المعنى ، وإلا فنفس الإنسانية التي لزيد لا يشاركه فيها غيره ، وإنما يشتركان في نوع الإنسانية المطلقة ، لا في الإنسانية القائمة به . والإنسانيةُ المشتركةُ المطلقة هي في الأذهان ، لا تكون في الأعيان مشتركة مطلقة ، فما هو موجود في الخارج لا اشتراك فيه ، وما وقع فيه الاشتراك هو الكلي المطلق الذي لا يكون كليا مطلقا إلا في الذهن ، فإذا كان المخلوق لا يشاركه غيره فيما له من ذاته وصفاته وأفعاله ، فالخالق أولى أن لا يشاركه غيره في شيء مما هو له تعالى . لكن المخلوق قد يماثل المخلوق ويكافئه ويساميه ، والله سبحانه وتعالى ليس له كفؤ ولا مثيل ولا سمي

و قال أيضاً " ليس مطلق الموافقة في بعض الأسماء والصفات الموجبة نوعا من المشابهة تكون مقتضية للتماثل والتكافؤ ، بل ذلك لازم لكل موجودين ، فإنهما لا بد أن يتفقا في بعض الأسماء والصفات ويشتبها من هذا الوجه ، فمن نفى ما لا بد منه كان معطلا ، ومن جعل شيئا من صفات الله مماثلا لشيء من صفات المخلوقين كان ممثلا . والحق هو نفي التمثيل ونفي التعطيل ، فلا بد من إثبات صفات الكمال المستلزمة نفى التعطيل ، ولا بد من إثبات اختصاصه بما له على وجه ينفي التمثيل . ولكن طائفة من الناس يجعلون التمثيل والتشبيه واحدا ويقولون يمتنع أن يكون الشيء يشبه غيره من وجه ويخالفه من وجه ، بل عندهم كل مختلفين كالسواد والبياض فإنهما لم يشتبها من وجه ، وكل مشتبهين كالأجسام عندهم يقولون بتماثلها فإنها مماثلة عندهم من كل وجه لا اختلاف بينهما إلا في أمور عارضة لها ، وهؤلاء يقولون كل من أثبت ما يستلزم التجسيم في اصطلاحهم فهو مشبه ممثل ، وهذه طريقة كثير من أهل الكلام من المعتزلة والأشعرية ومن وافقهم كالقاضي أبي يعلى في المعتمد وغيره ، وأما جمهور الناس فيقولون إن الشيء قد يشبه غيره من وجه دون وجه ، وهذا القول هو المنقول عن السلف والأئمة كالإمام أحمد وغيره  " انتهى باختصار يسير من " الصفدية " (1/101-102) انتهى رّد الشبهه و الحمد لله [الأنترنت – موقع مشكاة الإسلامية ، وكتبه :علي بن محمد ونوس]

*سورة الإخلاص عند المفسرين :

1-قال الطبري : القول في تأويل قوله تعالى "قل هو الله أحد "

القول في تأويل قوله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه : ( قل هو الله أحد ( 1 ) الله الصمد( 2 ) لم يلد ولم يولد ( 3 ) ولم يكن له كفوا أحد ( 4 )

ذكر أن المشركين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسب رب العزة ، فأنزل الله هذه السورة جوابا لهم . وقال بعضهم : بل نزلت من أجل أن اليهود سألوه ، فقالوا له : هذا الله خلق الخلق ، فمن خلق الله ؟ فأنزلت جوابا لهم .

ذكر من قال : أنزلت جوابا للمشركين الذين سألوه أن ينسب لهم الرب تبارك وتعالى .

حدثنا أحمد بن منيع المروزي ومحمود بن خداش الطالقاني ، قالا ثنا أبو سعيد الصنعاني ، قال : ثنا أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب ، قال : قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم :انسب لنا ربك ، فأنزل الله ( قل هو الله أحد الله الصمد )

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا الحسين ، عن يزيد ، عن عكرمة ، قال : إن المشركين قالوا : يا رسول الله أخبرنا عن ربك ، صف لنا ربك ما هو ، ومن أي شيء هو ؟ فأنزل الله : ( قل هو الله أحد ) إلى آخر السورة .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ( قل هو الله أحد الله الصمد ) قال : قال ذلك قتادة الأحزاب : انسب لنا ربك ، فأتاه جبريل بهذه .

حدثني محمد بن عوف ، قال : ثنا شريح ، قال : ثنا إسماعيل بن مجالد ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن جابر قال : قال المشركون : انسب لنا ربك ، فأنزل الله  ( قل هو الله أحد ) .

ذكر من قال : نزل ذلك من أجل مسألة اليهود :

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، قال : ثني ابن إسحاق ، عن محمد ، عن سعيد ، قال : أتى رهط من اليهود النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا محمد هذا الله خلق الخلق ، فمن خلقه ؟ فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حتى انتقع لونه ، ثم ساورهم غضبا لربه ، فجاءه جبريل عليه السلام فسكنه ، وقال : اخفض عليك جناحك يا محمد ، وجاءه من الله جواب ما سألوه عنه . قال : " يقول الله : ( قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ) " فلما تلا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ، قالوا : صف لنا ربك كيف خلقه ، وكيف عضده ، وكيف ذراعه ، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم أشد من غضبه الأول ، وساورهم غضبا ، فأتاه جبريل فقال له مثل مقالته ، وأتاه بجواب ما سألوه عنه : ( وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون )

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، قال : جاء ناس من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : انسب لنا ربك ، فنزلت : ( قل هو الله أحد ) حتى ختم السورة .

فتأويل الكلام إذا كان الأمر على ما وصفنا : قل يا محمد لهؤلاء السائليك عن نسب ربك وصفته ، ومن خلقه : الرب الذي سألتموني عنه ، هو الله الذي له عبادة كل شيء ، لا تنبغي العبادة إلا له ، ولا تصلح لشيء سواه .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على رسول الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الواحدة والعشرون في موضوع الصمد وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان  : *سورة الإخلاص عند المفسرين :

واختلف أهل العربية في الرافع ( أحد ) فقال بعضهم : الرافع له " الله" ، وهو عماد بمنزلة الهاء في قوله : ( إنه أنا الله العزيز الحكيم ) . وقال آخر منهم : بل هو مرفوع ، وإن كان نكرة بالاستئناف ، كقوله : هذا بعلي شيخ ، وقال : هو الله جواب لكلام قوم قالوا له : ما الذي تعبد ؟ فقال : "هو الله" ، ثم قيل له : فما هو ؟ قال : هو أحد .

وقال آخرون ( أحد ) بمعنى : واحد ، وأنكر أن يكون العماد مستأنفا به ، حتى يكون قبله حرف من حروف الشك ، كظن وأخواتها ، وكان وذواتها ، أو إن وما أشبهها ، وهذا القول الثاني هو أشبه بمذاهب العربية .

واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الأمصار ( أحد الله

 الصمد ) بتنوين " أحد " ، سوى نصر بن عاصم ، وعبد الله بن أبي إسحاق ، فإنه روي عنهما ترك التنوين : " أحد الله "; وكأن من قرأ ذلك كذلك ، قال : نون الأعراب إذا استقبلتها الألف واللام أو ساكن من الحروف حذفت أحيانا ، كما قال الشاعر :

كيف نومي على الفراش ولما ******* تشمل الشام غارة شعواء   

 تذهل الشيخ عن بنيه وتبدي  *****  عن خدام العقيلة العذراء

والصواب في ذلك عندنا : التنوين ، لمعنيين : أحدهما أفصح اللغتين ، وأشهر الكلامين ، وأجودهما عند العرب . والثاني : إجماع الحجة من قراء الأمصار على اختيار التنوين فيه ، ففي ذلك مكتفى عن الاستشهاد على صحته بغيره . وقد بينا معنى قوله " أحد " فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

وقوله : ( الله الصمد ) يقول تعالى ذكره : المعبود الذي لا تصلح العبادة إلا له الصمد .

واختلف أهل التأويل في معنى الصمد ، فقال بعضهم : هو الذي ليس

 بأجوف ، ولا يأكل ولا يشرب .

ذكر من قال ذلك :حدثنا عبد الرحمن بن الأسود ، قال : ثنا محمد بن ربيعة ، عن سلمة بن سابور ،عن عطية ،عن ابن عباس ، قال : ( الصمد ) : الذي ليس بأجوف .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، قال : ( الصمد ) : المصمت الذي لا جوف له .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله سواء .

حدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : ( الصمد ) : المصمت الذي ليس له جوف .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ووكيع ، قالا ثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال ( : الصمد ) : الذي لا جوف له .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ; وحدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران جميعا ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا الربيع بن مسلم ، عن الحسن ، قال : ( الصمد ) : الذي لا جوف له .

قال : ثنا الربيع بن مسلم ، عن إبراهيم بن ميسرة ، قال : أرسلني مجاهد إلى سعيد بن جبير أسأله عن ( الصمد ) ، فقال : الذي لا جوف له

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى ، قال : ثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي ، قال : ( الصمد ) الذي لا يطعم الطعام

حدثنا يعقوب ، قال : ثنا هشيم ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي أنه قال : ( الصمد ) : الذي لا يأكل الطعام ، ولا يشرب الشراب .

حدثنا أبو كريب وابن بشار ، قالا ثنا وكيع ، عن سلمة بن نبيط ، عن الضحاك ، قال : ( الصمد ) : الذي لا جوف له .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن أبي زائدة ، عن إسماعيل ، عن عامر ، قال : ( الصمد ) : الذي لا يأكل الطعام .

حدثنا ابن بشار وزيد بن أخزم ، قالا ثنا ابن داود ، عن المستقيم بن

 عبد الملك ،عن سعيد بن المسيب قال :( الصمد ): الذي لا حشوة له .

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( الصمد ) : الذي لا جوف له .

حدثني العباس بن أبي طالب ، قال : ثنا محمد بن عمر بن رومي ، عن عبيد الله بن سعيد قائد الأعمش ، قال : ثني صالح بن حيان ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، قال : لا أعلمه إلا قد رفعه ، قال : ( الصمد ) الذي لا جوف له .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا بشر بن المفضل ، عن الربيع بن مسلم ، قال : سمعت الحسن يقول : ( الصمد ) : الذي لا جوف له .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن عكرمة ، قال : ( الصمد ) : الذي لا جوف له .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على رسول الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثانية والعشرون في موضوع الصمد وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان  : *سورة الإخلاص عند المفسرين :

قال الطبري : وقال آخرون : هو الذي لا يخرج منه شيء .

ذكر من قال ذلك :حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن أبي رجاء قال : سمعت عكرمة ، قال في قوله : ( الصمد ) : الذي لم يخرج منه شيء ، ولم يلد ، ولم يولد .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن أبي رجاء محمد بن يوسف،عن عكرمة قال:( الصمد): الذي لا يخرج منه شيء

وقال آخرون : هو الذي لم يلد ولم يولد .

ذكر من قال ذلك :حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، قال : ( الصمد ) : الذي لم يلد ولم يولد ، لأنه ليس شيء يلد إلا سيورث ، ولا شيء يولد إلا سيموت ، فأخبرهم تعالى ذكره أنه لا يورث ولا يموت .

حدثنا أحمد بن منيع ومحمود بن خداش قالا ثنا أبو سعيد الصنعاني ، قال : قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم انسب لنا ربك فأنزل الله : ( قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ) لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت ، وليس شيء يموت إلا سيورث ، وإن الله جل ثناؤه لا يموت ولا يورث ( ولم يكن له كفوا أحد ) : ولم يكن له شبيه ولا عدل ، وليس كمثله شيء .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن أبي معشر ، عن محمد بن كعب : الصمد : الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد .

وقال آخرون : قد انتهى سؤدده .

ذكر من قال ذلك :حدثني أبو السائب ، قال : ثني أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن شقيق ، قال : الصمد : هو السيد الذي قد انتهى سؤدده .

حدثنا أبو كريب وابن بشار وابن عبد الأعلى ، قالوا : ثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، قال : ( الصمد ) : السيد الذي قد انتهى سؤدده; ولم يقل أبو كريب وابن عبد الأعلى سؤدده .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي وائل مثله .

حدثنا علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، في قوله : ( الصمد ) يقول : السيد الذي قد كمل في سؤدده ، والشريف الذي قد كمل في شرفه ، والعظيم الذي قد عظم في عظمته ، والحليم الذي قد كمل في حلمه ، والغني الذي قد كمل في غناه ، والجبار الذي قد كمل في جبروته ، والعالم الذي قد كمل في علمه ، والحكيم الذي قد كمل في حكمته ، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد ، وهو الله سبحانه هذه صفته ، لا تنبغي إلا له .

وقال آخرون : بل هو الباقي الذي لا يفنى .

ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله : ( قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد )

قال : كان الحسن وقتادة يقولان : الباقي بعد خلقه ، قال : هذه سورة خالصة ، ليس فيها ذكر شيء من أمر الدنيا والآخرة .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : ( الصمد ) : الدائم .

قال أبو جعفر : الصمد عند العرب : هو السيد الذي يصمد إليه ، الذي لا أحد فوقه ، وكذلك تسمى أشرافها; ومنه قول الشاعر :

ألا بكر الناعي بخيري بني أسد     بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد

وقال الزبرقان : ولا رهينة إلا سيد صمد

فإذا كان ذلك كذلك ، فالذي هو أولى بتأويل الكلمة ، المعنى المعروف من كلام من نزل القرآن بلسانه; ولو كان حديث ابن بريدة ، عن أبيه صحيحا ، كان أولى الأقوال بالصحة ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بما عنى الله جل ثناؤه ، وبما أنزل عليه .

وقوله : ( لم يلد ) يقول : ليس بفان ، لأنه لا شيء يلد إلا هو فان بائد

( ولم يولد ) يقول : وليس بمحدث لم يكن فكان ، لأن كل مولود فإنما وجد بعد أن لم يكن ، وحدث بعد أن كان غير موجود ، ولكنه تعالى ذكره قديم لم يزل ، ودائم لم يبد ، ولا يزول ولا يفنى .

وقوله : ( ولم يكن له كفوا أحد ) اختلف أهل التأويل في معنى ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : ولم يكن له شبيه ولا مثل .

ذكر من قال ذلك :حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية قوله : ( ولم يكن له كفوا أحد ) : لم يكن له شبيه ، ولا عدل ، وليس كمثله شيء .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، عن عمرو بن غيلان الثقفي ، وكان أمير البصرة عن كعب ، قال : إن الله تعالى ذكره أسس السماوات السبع ، والأرضين السبع ، على هذه السورة ( لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ) وإن الله لم يكافئه أحد من خلقه

حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ( ولم يكن له كفوا أحد ) قال : ليس كمثله شيء ، فسبحان الله الواحد القهار .

حدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، عن ابن جريج ( ولم يكن له كفوا ) : مثل .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على رسول الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثالثة والعشرون في موضوع الصمد وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان  : *سورة الإخلاص عند المفسرين :

وقال آخرون : معنى ذلك ، أنه لم يكن له صاحبة .

ذكر من قال ذلك :حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن عبد الملك بن أبجر ، عن طلحة ، عن مجاهد ، قوله :  ( ولم يكن له كفوا أحد ) قال : صاحبة .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى ، عن سفيان ، عن ابن أبجر ، عن طلحة ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن إدريس ، عن عبد الملك ، عن طلحة ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أبجر ، عن رجل عن مجاهد ( ولم يكن له كفوا أحد ) قال : صاحبة .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن عبد الملك بن أبجر ، عن طلحة بن مصرف ، عن مجاهد ( ولم يكن له كفوا أحد ) قال : صاحبة .

حدثنا أبو السائب ، قال : ثنا ابن إدريس ، عن عبد الملك ، عن طلحة ، عن مجاهد مثله .والكفؤ والكفى والكفاء في كلام العرب واحد ، وهو المثل والشبه; ومنه قول نابغة بني ذبيان :

لا تقذفني بركن لا كفاء له   ***** ولو تأثفك الأعداء بالرفد

يعني : لا كفاء له : لا مثل له .

واختلف القراء في قراءة قوله : ( كفوا ) . فقرأ ذلك عامة قراء البصرة : ( كفوا ) بضم الكاف والفاء . وقرأه بعض قراء الكوفة بتسكين الفاء وهمزها " كفئا " .

والصواب من القول في ذلك : أن يقال : إنهما قراءتان معروفتان ، ولغتان مشهورتان ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .[الأنترنت – موقع إسلام ويب – المكتبة الإسلامية – تفسير الطبري ]

2-وقال ابن كثير : تفسير سورة الإخلاص وهي مكية . ذكر سبب نزولها وفضيلتها

قال الإمام أحمد : حدثنا أبو سعد محمد بن ميسر الصاغاني ، حدثنا أبو جعفر الرازي ، حدثنا الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب : أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : يا محمد ، انسب لنا ربك . فأنزل الله : " قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد " وكذا رواه الترمذي وابن جرير ، عن أحمد بن منيع - زاد ابن جرير : ومحمود بن خداش - عن أبي سعد محمد بن ميسر به - زاد ابن جرير والترمذي - قال : " الصمد " الذي لم يلد ولم يولد ، لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت ، وليس شيء يموت إلا سيورث ، وإن الله جل جلاله لا يموت ولا يورث ، " ولم يكن له كفوا أحد " ولم يكن له شبه ولا عدل ، وليس كمثله شيء .

ورواه ابن أبي حاتم ، من حديث أبي سعد محمد بن ميسر به . ثم رواه الترمذي ، عن عبد بن حميد ، عن عبيد الله بن موسى ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، فذكره مرسلا ولم يذكر " أخبرنا " . ثم قال الترمذي : هذا أصح من حديث أبي سعد .

حديث آخر في معناه : قال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا سريج بن يونس ، حدثنا إسماعيل بن مجالد ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن جابر : أن أعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : انسب لنا ربك . فأنزل الله عز وجل : " قل هو الله أحد " إلى آخرها . إسناده مقارب

وقد رواه ابن جرير ، عن محمد بن عوف ، عن سريج فذكره . وقد أرسله غير واحد من السلف .

وروى عبيد بن إسحاق العطار ، عن قيس بن الربيع ، عن عاصم ، عن

 أبي وائل ، عن ابن مسعود قال : قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم : انسب لنا ربك ، فنزلت هذه السورة :{ قل هو الله أحد }

روى الطبراني من حديث عبد الرحمن بن عثمان الطائفي ، عن الوازع بن نافع ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لكل شيء نسبة ، ونسبة الله : " قل هو الله أحد الله الصمد " والصمد ليس بأجوف ] .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على رسول الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الرابعة والعشرون في موضوع الصمد وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان  : *سورة الإخلاص عند المفسرين :

حديث في كونها تعدل ثلث القرآن : قال البخاري : حدثنا إسماعيل ، حدثني مالك ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة ، عن أبيه ، عن أبي سعيد . أن رجلا سمع رجلا يقرأ : " قل هو الله أحد " يرددها ، فلما أصبح جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر ذلك له ، وكأن الرجل يتقالها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ، إنها لتعدل ثلث القرآن " . زاد إسماعيل بن جعفر ، عن مالك ، عن عبد الرحمن بن عبد الله ، عن أبيه ، عن أبي سعيد قال : أخبرني أخي قتادة بن النعمان ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وقد رواه البخاري أيضا عن عبد الله بن يوسف والقعنبي . ورواه أبو داود ، عن القعنبي . والنسائي ، عن قتيبة ، كلهم عن مالك به .

وقال البخاري : حدثنا أبو اليمان ، حدثنا شعيب ، حدثنا أبو الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله عز وجل : كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك ، وشتمني ولم يكن له ذلك ، فأما تكذيبه إياي فقوله : لن يعيدني كما بدأني ، وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته ، وأما شتمه إياي فقوله : اتخذ الله ولدا ، وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد " .

 [الأنترنت – موقع إسلام ويب - تفسير ابن كثير]

 وقال ابن سعدي  :  { قُلْ } قولا جازمًا به، معتقدًا له، عارفًا بمعناه،    { هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } أي: قد انحصرت فيه الأحدية، فهو الأحد المنفرد بالكمال، الذي له الأسماء الحسنى، والصفات الكاملة العليا، والأفعال المقدسة، الذي لا نظير له ولا مثيل.

{ اللَّهُ الصَّمَدُ } أي: المقصود في جميع الحوائج. فأهل العالم العلوي والسفلي مفتقرون إليه غاية الافتقار، يسألونه حوائجهم، ويرغبون إليه في مهماتهم، لأنه الكامل في أوصافه، العليم الذي قد كمل في علمه، الحليم الذي قد كمل في حلمه، الرحيم الذي [كمل في رحمته الذي] وسعت رحمته كل شيء، وهكذا سائر أوصافه، ومن كماله أنه { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } لكمال غناه { وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } لا في أسمائه ولا في أوصافه، ولا في أفعاله، تبارك وتعالى.

فهذه السورة مشتملة على توحيد الأسماء والصفات.

وهذا ملخص من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

 الصمد هو اولا بمعنى المصمد اي المصمت الذي لا جوف له وهو قول أكثر السلف من الصحابة والتابعين وطائفة من أهل اللغة

وقال يحيى بن أبي كثير الملائكة صمد والآدميون جوف وفي حديث آدم أن إبليس قال عنه أنه أجوف ليس بصمد أي لا يتمالك

  وقال الجوهري: المصمد لغة في المصمت وهو الذي لا جوف له ، قال والصماد عفاص القارورة

    وقال: الصمْد المكان المرتفع الغليظ قال أبو النجم:  يغادر الصمد كظهر الأجزل

    وقال أبو عبيد: المصمت الذي لا جوف له وقد أصمته أنا وباب مصمت قد أبهم إغلاقه. والمصمت من الخيل البهيم أي لا يخالط لونه لون آخر ومنه قول ابن عباس: إنما حرم من الحرير المصمت..

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على رسول الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الخامسة والعشرون في موضوع الصمد وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان  : *سورة الإخلاص عند المفسرين :

    ولفظ ص م د يدل على الاجتماع والإنضمام المنافي للتفرق والتركيب والخلو والتجويف كما يقال صمد المال وصمده تصمدًا إذا جمعه وضم بعضه إلى بعض. ولهذا يقال للعظام ونحوها من الأجسام منها أجوف ومنها مصمت ، وكون الصمد يتضمن معنى الاجتماع وأنه مصمت ونحو ذلك يقتضي تعدد الصفات ، إذ الاجتماع لا يكون إلاَّ فيما له عدد فلو لم يكن منه وله صفات تقتضي التعدد لامتنع أن يقال له صمد أو مصمت أو يكون التصمد يقتضي معنى الاجتماع

 فاسم الصمد بأي شيء فُسر يوجب وجود صفات واجتماعها له والدليل على ذلك أن غاية ما يفسرونه به من نفي الصفات أنه هو المصمود إليه كما قال القرطبي الخلق كلهم متوجهون إلى الله ومجتمعون بجملتهم في قضاء حوائجهم وطلبها من الله فهو الصمد على الإطلاق والقائم بسد مفاقر الخلق فيقال كون الخلق يقصدونه ويسألونه هذا أمر حسي إذ القصد والسؤال قائم بهم فهو لا يستحق الاسم بمجرد فعل غيره بحيث لو قدر أنهم لم يسألوه لم يكن صمدًا بل لابد أن يقال هو المستحق لذلك في نفسه كما ذكر ذلك الحليمي وغيره وأيضًا فإن كونهم يقصدونه ويحتاجون إليه يقتضي أمرًا ثبوتيًّا في ذاته لأن الأمور العدمية تمتنع أن تكون مقصودة أو قاضية للحوائج فعلم أن كونه صمدًا بمعنى مقصود مصمود إليه يقتضي ثبوت أمور وجودية بها يستحق أن يكون صمدًا وبها أمكن أن يكون مقصودًا معطيًا ، وليس ذلك لـمجرد موجود وإلاَّ لوجب أن يكون كل موجود هو الصمد ، ولا لمجرد أمر يتصف به المخلوق لأنه لو كان هو الصمد لمعنى يقوم بالمخلوق لكان المخلوق هو الصمد أيضًا ، وقد بينا أن قوله هو الصمد يبين أنه المستحق لهذا الاسم على الكمال والحقيقة ، وأيضًا فلو فرض أنه صمد وغيره صمد فغيره لم يكن صمدًا إلاَّ بأمور وجودية أيضًا فهو أحق بأن لا يكون صمدًا إلاَّ بأمور وجودية لا عدمية إذ هو أحق بالكمال من كل موجود ، فعلم أن الصمدية توجب أمورًا وجودية على غاية الكمال ولهذا فسر الصمد بأنه الكامل في كل شيء ، فاسمه الصمد بهذا الوجه يوجب اثبات نفسا لله متصفة بصفات الكمال وتنزيهه عن الانقسام والتفرق والتمزق وما يتبع ذلك من تركيب ونحو ذلك مما ينافي كمال صمديته سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا .

 وهذا الوجه هو الموجب لوجود الوجه الثاني ، وهو أنه السيد الذي يصمد اليه في الحوائج ، وهو قول طائفة من السلف والخلف وجمهور اللغويين

 ولفظ السيد يدل على الجمع والقوة ولهذا يقال السواد هو اللون الجامع للبصر والبياض اللون المفرق للبصر ويقال للحليم السيد لأن نفسه تجتمع فلا تتفرق ولا تتميز من الغيظ والواردات عليها وكذلك هو الذي يصبر على الأمور والصبر يقتضي الجمع والحبس والضم وضده الجزع الذي يقتضي التفرق وكذلك التعزي والتعزز وعززته فتعزى أو هو لا يتعزى هو ضد الجزوع فإن التعزز والتعزي يقتضي الاجتماع والقوة والجزع يقتضي التفرق والضعف

والإنسان له في سؤدده وعزته حالان أحدهما : أن يستغني بنفسه عن غيره ويعز نفسه عن غيره فلا يحتاج إلى الغير الذي يحتاج إليه غيره لغناه ولايخاف منه لعزته والثاني أن يكون هو قد احتاج إليه غيره ويكون قد أعز غيره فغلبه وأعزه فمنعه فيكون الناس قد صمدوا له أي قصدوه وأجمعوا له وهذا هو الصمد السيد وذلك إنما يكون من كمال سؤدده وصمديته التي تنافي تفرقه وتمزقه وضعفه

    فبالخلاصة الصمد هو الكمال في صفاته والمنزه عن الانقسام والتفرق والتمزق وما يتبع ذلك من تركيب ونحو ذلك مما ينافي كمال صمديته ولذلك هو السيد الذي صمدت اليه جميع الخلائق بحوائجها.         

 واذا اضفنا اسمه الأحد مع اسمه الصمد اللذان لم يذكرهما الله إلا في سورة الإخلاص أثبتنا بهما نفسا لله متصفة بصفات الكمال ونفينا بهما عن الله ما هو منزه عنه من التشبيه والتمثيل ومن التركيب والانقسام والتجسيم .

    قال ابن القيم: هو الذي اجتمعت فيه صفات الكمال ولا جوف له فإنما لم يكن أحد كفوا له لما كان صمدا كاملا في صمديته فلو لم تكن له صفات كمال ونعوت الجلال ولم يكن له علم ولا قدرة ولا حياة ولا إرادة ولا كلام ولا وجه ولا يد ولا سمع ولا بصر ولا فعل يقوم به ولا يفعل شيئا البتة ولا هو داخل العالم ولا خارجه ولا فوق عرشه ولا يرضى ولا يغضب ولا يحب ولا يبغض ولا هو فعال لما يريد ولا يرى ولا يمكن أن يرى ولا يشار إليه ولا يمكن أن يشار إليه لكان العدم المحض كفوا فإن هذه الصفات منطبقة على المعدوم فلو كان ما يقوله المعطلون هو الحق لم يكن صمدا وكان العدم كفوا له.( الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة)  [    الأنترنت – موقع تفسير ابن سعدي]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على رسول الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السادسة والعشرون في موضوع الصمد وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان  : *سورة الإخلاص عند المفسرين :

 وقال ابن عاشور :  سورة الإخلاص  قوله تعالى{ الله الصمد }جملة ثانية محكية بالقول المحكي به جملة الله أحد فهي خبر ثان عن الضمير . والخبر المتعدد يجوز عطفه وفصله ، وإنما فصلت عن التي قبلها ; لأن هذه الجمل مسوقة لتلقين السامعين فكانت جديرة بأن تكون كل جملة مستقلة بذاتها غير ملحقة بالتي قبلها بالعطف ، على طريقة إلقاء المسائل على المتعلم نحو أن يقول : الحوز شرط صحة الحبس ، الحوز لا يتم إلا بالمعاينة ، ونحو قولك : عنترة من فحول الشعراء ، عنترة من أبطال الفرسان .

ولهذا الاعتبار وقع إظهار اسم الجلالة في قوله : الله الصمد وكان مقتضى الظاهر أن يقال : هو الصمد .

والصمد : السيد الذي لا يستغنى عنه في المهمات ، وهو سيد القوم المطاع فيهم .

قال في الكشاف : وهو فعل بمعنى مفعول من : صمد إليه ، إذا قصده ، فالصمد المصمود في الحوائج . قلت : ونظيره السند الذي تسند إليه الأمور المهمة ، والفلق اسم الصباح لأنه يتفلق عنه الليل .

والصمد : من صفات الله ، والله هو الصمد الحق الكامل الصمدية على وجه العموم .

فالصمد من الأسماء التسعة والتسعين في حديث أبي هريرة عند الترمذي . ومعناه : المفتقر إليه كل ما عداه ، فالمعدوم مفتقر وجوده إليه والموجود مفتقر في شئونه إليه .

وقد كثرت عبارات المفسرين من السلف في معنى الصمد ، وكلها مندرجة تحت هذا المعنى الجامع ، وقد أنهاها فخر الدين إلى ثمانية عشر قولا ، ويشمل هذا الاسم صفات الله المعنوية الإضافية وهي كونه تعالى حيا ، عالما ، مريدا ، قادرا ، متكلما ، سميعا ، بصيرا ; لأنه لو انتفى عنه أحد هذه الصفات لم يكن مصمودا إليه ، وصيغة الله الصمد صيغة قصر

بسبب تعريف المسند، فتفيد قصر صفة الصمدية على الله تعالى ، وهو قصر قلب لإبطال ما تعوده أهل الشرك في الجاهلية من دعائهم أصنامهم في حوائجهم والفزع إليها في نوائبهم حتى نسوا الله . قال أبو سفيان ليلة فتح مكة وهو بين يدي النبيء - صلى الله عليه وسلم - وقال له النبيء - صلى الله عليه وسلم : أما آن لك أن تشهد أن لا إله إلا الله ؟ لقد علمت أن لو كان معه إله آخر لقد أغنى عني شيئا . [الأنترنت – موقع المكتبة الإسلامية ،تفسير القرآن التحرير والتنوير محمد الطاهر ابن عاشور]

وقال الفخر الرازي : قوله تعالى : الله الصمد .

قال بعض المفسرين : يفسره ما بعده لم يلد ولم يولد .وقال ابن كثير ، وهذا معنى حسن .

وقال بعض العلماء : هو المتناهي في السؤدد ، وفي الكمال من كل شيء .

وقيل : من يصمد الخلائق إليه في حاجاتهم ، ولا يحتاج هو إلى أحد .

وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه ، معنى الصمد في سورة الأنعام عند قوله تعالى : وهو يطعم ولا يطعم  فذكر شواهد هذه الأقوال كلها .

وبإمعان النظر في مبدأ يفسره ما بعده ، يتضح أن السورة كلها تفسير لأولها قل هو الله أحد لأن الأحدية هي تفرده سبحانه بصفات الجلال والكمال كلها ، ولأن المولود ليس بأحد ، لأنه جزء من والده .

والوالد ليس بأحد ; لأن جزءا منه في ولده .

وكذلك من يكون له كفء ، فليس بأحد لوجود الكفء ، وهكذا السورة كلها لتقرير قل هو الله أحد .

ففي هذه السورة نفي أخص ، فلزم التنبيه عليه في هذه السورة الكريمة وهي سورة  الإخلاص . والتي تعدل ثلث القرآن لاختصاصها بحق الله تعالى في ذاته وصفاته من الوحدانية والصمدية ، ونفي الولادة والولد ، ونفي الكفء ، وكلها صفات انفراد لله سبحانه .

وقد جاء فيها النص الصريح بعدم الولادة ، وأنه سبحانه وتعالى لم يلد ولم يولد ، فهي أخص من تلك ، وهذا من المسلمات عند المسلمين جميعا بدون شك ولا نزاع ولم يؤثر فيها أي خلاف .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على رسول الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السابعة والعشرون في موضوع الصمد وهي بعنوان  :

 نظرات في سورة الإخلاص

قال فادي عبداللطيف : المعنى الإجمالي لسورة الإخلاص :

سورة الإخلاص هي بمثابة إعلان للوحدانية في بداية بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم برسالة الإسلام، وهي جاءت في عصر علَتْ فيه رايات الشرك في جزيرة العرب وبلاد فارس والروم، وسائر الأمم، والمعنى من إعلان الوحدانية هو دعوة الناس إلى نبذ ما يعبدون ويقدسون من دون الله من الأوثان والآباء، من أصنام الحجر والبشر؛ فالله أحدٌ في كل صفاته؛ في قدرته وأزليته، وعلمه وحكمته، لا يمكن أن يقبل الشركة، حتى ولو كان الشريك ملَكًا مقربًا، أو نبيًّا مرسلًا، أو وليًّا صالحًا.

أما معنى الصمَدية فهو دعوة الناس إلى الالتجاء إلى الله وحده، وعدم الالتجاء إلى غيره من المخلوقات والعباد؛ لكونهم لا يملكون نفعًا ولا ضرًّا، ولا يملكون موتًا ولا حياة ولا نشورًا، بل هم أنفسهم محتاجون لمن يصرف عنهم السوء، ويقضي لهم حوائجهم، وكيف ينصرف الناس في تقديسهم وعبادتهم عن الخالق المستغني إلى من يتساوى معهم في صفات النقص والعجز والاحتياج من الجمادات والبشر؛ قال تعالى: ﴿ مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ ﴾ [المائدة: 75].

وحق لسورة الإخلاص أن تعدل ثلث القرآن، رغم قصر السورة وآياتها الموجزة، فقد حَوَتْ هذه الآيات المعدودة جوهر العقيدة الإسلامية بأساسها العقلي القاطع الدامغ، وكما أشار علماء التفسير فإن آيات القرآن تدور حول ثلاثة محاور، هي: العقائد، والأحكام، والقصص، قال الإمام البيضاوي في تفسيره: "جاء في الحديث أنها تعدِلُ ثلث القرآن؛ فإن مقاصده محصورةٌ في بيان العقائد، والأحكام، والقَصص".

وإذا تمعنا في سورة الإخلاص نجد أنها تضمنت إثباتين ونفيين:

1- إثبات الوحدانية، ونفي الشريك؛ ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص:

2- إثبات الاستغناء، ونفي الاحتياج؛ ﴿ اللَّهُ الصَّمَدُ ﴾ [الإخلاص:

3- نفي المحدودية؛ ﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ﴾ [الإخلاص: 3].

4- نفي المثيل؛ ﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 4].

- فائدة:

إن توحيد الله في الاعتقاد توحيدًا شاملًا، وترجمة هذا التوحيد عمليًّا في سلوك الأفراد وعلاقات المجتمع وشؤون الدولة - إنما يكون بإفراد الله سبحانه في العبودية بتلقي التشريع؛ أي: التحليل والتحريم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حصرًا فيما بلغنا إياه من قرآن كريم وسنة شريفة؛ قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ ﴾ [الزخرف: 84].

والسورة على الأرجح مكية، وهي - كغيرها من السور المكية - تتمحور حول العقائد والتوحيد، وجدال المشركين وغيرهم، بنقض عقائدهم، وتثبيت العقيدة الإسلامية بطريق الحجج العقلية، والبراهين القائمة على الحس؛ ولذا، فعلى كل من يريد أن يحمل الدعوة الإسلامية اليوم، من أهل الفكر والعلم والدعوة، وخاصة الجماعات والأحزاب، أن يترسموا منهج القرآن، ويتأسَّوْا برسول الله صلى الله عليه وسلم في طريقة حمله للدعوة الإسلامية في مكة، وفي المدينة؛ حيث تعرَّض لعقائد المجتمع، ونقَضها وبيَّن زيفها، ولم يظهر تجاهها أي مجاملة أو مساومة أو مهادنة، كما يفعل الكثيرون اليوم؛ حيث يتنكب البعض عن مواجهة العلمانية مثلًا ببيان زيفها ومناقضتها للإسلام، بينما يقوم البعض الآخر بتزيينها، بل والمشاركة فيها، وفي ملحقاتها من ديمقراطية ورأسمالية.

وهذه السورة وأمثالها من السور المكية التي تدور معاني آياتها حول العقائد الصحيحة: هي الركن الأول الذي انطلق منه رسول الله صلى الله عليه وسلم في بناء شخصيات الصحابة الكرام، رضوان الله تعالى عليهم، فنقَّاهم من عقائد الشرك والوثنية، وركز فيهم التوحيد والإخلاص؛ فكرًا وسلوكًا، عقيدة وعبادة.

وهي أيضًا الأساس الذي أقام عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم تكتل الصحابة الكرام، بعد أن صهرهم بمفاهيم الإسلام، وأزال عنهم روابط الجاهلية؛ ليتمكنوا من حمل الدعوة الإسلامية، والجهاد في سبيلها، مهما تطلب ذلك من تضحيات.

وهي كذلك الأساس الذي أسس عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم المجتمع الإسلامي بين الأوس والخزرج، والمهاجرين والأنصار؛ فجعل العقيدة الإسلامية وحدها عماد العلاقات في المجتمع، ومصدر التشريع في الأمة والدولة.

وهذه السورة وأمثالها، بما جاءت به من العقائد والأفكار الإسلامية، هي ذاتها الأصل الذي أقام عليه الرسولُ الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة؛ حيث جعل العقيدة الإسلامية أساسًا للدولة، وجعل القرآن والسنَّة المصدر الوحيد للدستور والقوانين وسائر الأحكام والتشريعات.[الأنترنت – موقع الألوكة - نظرات في سورة الإخلاص- فادي عبداللطيف]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على رسول الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثامنة والعشرون في موضوع الصمد وهي بعنوان  :

مسائل سورة الإخلاص

قال سعيد محمود أحمد  :الدرر ثمان والنكات حسان ولطائف البيان في سورة تعدل ثلث القرآن :

    المسألة الأولى : سبل الخلاص في سورة الإخلاص.

 وقوله تعالى :"قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)".

  إن سئلنا من إلهكم.؟ قلنا : هو الله . وإن سئلنا صفوه لنا .؟ قلنا : الله أحد . وإن سئلنا انسبوه لنا.؟ قلنا : الله الصمد لم يلد ولم يولد.

  وإن سئلنا هل له سمي أو شبيه أو عدل أو مثيل.؟ قلنا : لم يكن له كفوا أحد.

وأنواع التوحيد الثلاثة مجتمعة فيها :توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية والأسماء والصفات فهي الوعاء الجامع لها.

 فمن لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد كان أحد بحق، ومن كان كذلك كان الصمد بحق، ومن كان كذلك كان هو الله الحق.

 وهذه السورة بينهما وبين فاتحة الكتاب تجانس وترابط وتكامل، في فاتحة الكتاب :"صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ"

 وفي سورة الإخلاص: الرد على المغضوب عليهم الذين كفروا باسمه

الصمد فقالوا مسه اللغوب بعد خلق السموات والأرض فتنزه بالصمد عن ذلك.

 والرد على الضالين الذين كفروا باسمه الأحد فقالوا له ولد فتنزه بأحد لم يلد ولم يولد عن ذلك.

وأما الذين أنعم الله عليهم فلم يكن له عندهم كفوا احد.

    وهي بحق سورة التوحيد الخالص.

    المسألة الثانية : النفي والإثبات في الأسماء والصفات.

    قوله تعالى :"ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " نظير قوله تعالى :"الله احد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد".

كيف ذلك : الأولى نفي بعده إثبات والثانية إثبات بعده نفي. ليس كمثله شيء :نفي وهو السميع البصير :إثبات الله احد الله الصمد: إثبات لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد: نفي ويتحقق كمال الإثبات في الله احد الله الصمد السميع البصير ويتحقق كمال النفي في ليس كمثله شيء لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد.

 المسألة الثالثة : ثلاث أسماء وثلاث صفات وأثبتت سورة الإخلاص ثلاثة الأسماء: الله، أحد، والصمد. ونفت ثلاث صفات كذلك: لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوا احد. كمال الإثبات وكمال النفي.

    المسألة الرابعة : الوتر والإخلاص.

    قوله تعالى:" لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ" هي ترجمة اسم الله الوتر حيث دلالة الكلمة على ملحظ القطع والبتر والفصل كما هو الفرد الفذ ،وفي حديث النبي من فاتته صلاة العصر فكأَنما وتر أَهله وماله أي قطعهم وبترهم.

 والرجل الموتور الثأر: المقطوع المبتور الذي لا يأخذ بثأره أحد من أقاربه.

  فقوله تعالى : :لم يلد ولم يولد" قطعت عنه النسبة فلم يتنسب لأحد سبحانه.

 وقوله تعالى :"ولم يكن له كفوا أحد" قطعت عنه الشبه.

  فكأنما انقطع بنسبه وشبهه عن أي أحد فلم يكن له بذلك كفوا أحد.

    فتحققت باسم الله الوتر الفردانية الحقة له فهو فرد بمعنى أحد لكن

 منقطع عن النسب ومنقطع عن الشبه الموصوف بهما أي أحد غيره.

 المسألة الخامسة: ثلاثية النفي في سورة الإخلاص: مواضع النفي ثلاثة : الأول : لم يلد، والثاني : لم يولد، والثالث : لم يكن له كفوا أحد.

  وقوله تعالى لم يلد نفي أن يكون له وريث فهو خير الوارثين كما جاء مفصلا : "وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ".

 وقوله تعالى لم يولد نفي أن يكون له أول فهو الأول بلا ابتداء فلا شيء قبله سبحانه كما اخبر عن نفسه :"هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ".

 وقوله تعالى ولم يكن له كفوا أحد بعد نفي الوريث ونفي أن يكون له أول ليتم كمال نفي الكفو له فالكفو هو القرين النظير المكافئ من كل وجه، فلا أحد كفو له سبحانه. فتحقق بكمال النفي كمال الإثبات.

    اللهم انا نشهد أن الله لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد.

     إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على رسول الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة التاسعة والعشرون في موضوع الصمد وهي بعنوان  :

  {اللَّهُ الصَّمَدُ }

ثم قال سعيد محمود أحمد :الصمد ومحور الإخلاص وجوهره.

  وقوله تعالى :"اللَّهُ الصَّمَدُ". لما أخبر عن الله بأنه أحد بقوله تعالى :"قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ" نفى عنه مظنة توهم الضعف والخور والافتقار للغير بأنه الله الصمد، فهو الحي القيوم بذاته، القائم على شئون عبيده وملكه، الذي لا تاخذه سنة ولا نوم ، ولا تغيره الحوادث، ولا تنال منه الدهور ، فلا يمسه اللغوب، ولا يلحقه الخور، ولا يقع منه الفتور، قوي شديد المحال، عزيز لا يغالب، المستغني بكمال ذاته عن غيره، وأن ما سواه مفتقر اليه ،الكامل في سؤدده وإحسانه، وهو الملجأ والملاذ لكل أحد، فهو يطعم ولا يطعم، ويجير ولا يجار عليه، الدائم الباقي بعد فناء خلقه، فهو الوارث لهم، رفيع الدرجات، ليس لاحد عليه امر فهو الكبير المتعال.

    واستجمع اسمه الله الصمد صفات الحسن والكمال كلها فيه، وكان مرتكز الاسماء والصفات ومحور السورة عليه، فهم اسم متفرد ولم يذكر الا في موضع سورة الاخلاص وبه ثقل ميزانها.

ولجلال هذا الاسم وكماله لايبعد أن يكون هوالاسم الأعظم أومنه يركب

 ألا ترى أنه اكتفى به فلم يذكر بعده اسما أو صفة غيره.

  البناء الصوتي والبناء الدلالي لاسم الله : الصمد.

    الصمد من صمد يصمد صمودا والمصمد لغة في المصمت.

    الصاد ، والميم، والدال هي بنية الاسم وجذر مادته اللغوية.

    صفات الصاد: الاستعلاء والإطباق والصفير من صفات القوة.

    الهمس والرخاوة من صفات الضعف. الإصمات من صفات الحيادية.

    صفات الميم: الجهر من صفات القوة والتوسط بين الرخاوة والشدة.

    والاستفال والانفتاح والغنة من صفات الضعف. والذلاقة من الصفات الحيادية.

    صفات الدال: الجهر والشدة والقلقلة من صفات القوة.

    الاستفال والانفتاح من صفات الضعف. الإصمات من الصمات الحيادية.

    وتكون مجموع صفات القوة: الاستعلاء والإطباق والصفير والجهر والشدة والقلقلة.

 ومجموع صفات الضعف: الهمس والرخاوة والاستفال والانفتاح والغنة.

 والصفات الحيادية : الإصمات والذلاقة.

وأخيرا صفة التوسط بين الشدة والرخاوة للميم الوسطية كذلك.

    فكيف أثرت هذه الصفات على دلالة الاسم هنا.؟

    الاستعلاء : علو وفخامة ، والاطباق : قرب وإلصاق، والصفير : صوت وصيت، والجهر : ظهور وإعلان ، والشدة : قوة وثبات ، والقلقلة : جزالة وصدى ، والهمس : قرب وخفاء ، والرخاوة : سخاء ولين ، والاستفال : رقة ولطافة ، والاصمات : منعة وإحكام ،والذلاقة : سهوله وسرعة ، والانفتاح : رحابة وفسحة ، والغنة : ترنم وجمال ، والتوسط : قصد واعتدال.

 وتنتـج هذه دلالات :  السيِّد الذي ينتهي إِليه السُّودَد  ، الدائم الباقي بعد فناء خَلقه ، الذي يُصمَد إِليه الأَمر فلا يُقْضَى دونه  ، الذي ليس فوقه أَحد . الذي صَمَد إِليه كل شيء .الرَّفَيعُ من كل شيء . الذي لا جوف له ولا يطعم.

 والصلب الذي ليس فيه خور. المقصودُ لقضاء الحاجات. وغيرها مما يدور على معاني القوة والثبات والمتانة والقصد والالتجاء والرفعة والشرف. والله أعلم.

[الأنترنت – موقع ملتقى اهل التفسير - مسائل سورة الإخلاص. سعيد محمود أحمد]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على رسول الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثلاثون في موضوع الصمد وهي بعنوان  :

الإخلاص في سورة الإخلاص

    إن أعظم الأصول المهمة في دين الإسلام هو تحقيق الإخلاص لله تعالى في كل العبادات، والابتعاد والحذر عن كل ما يضاد الإخلاص وينافيه، كالرياء والسمعة والعجب ونحو ذلك. ورحم الله احد العلماء إذ يقول: "وددت أنه لو كان من الفقهاء من ليس له شغل إلا أن يعلم الناس مقاصدهم في أعمالهم، ويقعد للتدريس في أعمال النيات ليس إلّا، فانه ما أُتىَ على كثير من الناس إلا من تضيع ذلك". أ.هـ

*أهمية أعمال القلوب:

إنّ تعريف الإيمان عند أهل السنة هو:(إقرار باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان، يزيد بالطاعة، وينقص بالعصيان).

ويُعَدُّ الإخلاص أهم أعمال القلوب المندرجة في تعريف الإيمان، وأعظمها

قدراً وشأناً، بل إن أعمال القلوب عموماً آكد وأهم من أعمال الجوارح، ويكفي أنّ العمل القلبي هو الفرق بين الإيمان والكفر، فالساجد لله والساجد للصنم كلاهما قام بالعمل نفسه، لكن القصد يختلف، وبناء عليه آمن هذا وكفر هذا.

يقول شيخ الإسلام رحمه الله في بيان أهمية أعمال القلوب: "وهي من أصول الإيمان وقواعد الدين، مثل محبته لله ورسوله، والتوكل على الله، وإخلاص الدين لله، والشكر له والصبر على حكمه، والخوف منه، والرجاء له، وما يتبع ذلك". أ.هـ

فأقول: "هذه الأعمال جميعها واجبة على جميع الخلق باتفاق أئمة الدين، والناس فيها على ثلاث درجات: ظالم لنفسه، ومقتصد، وسابق بالخيرات. # فالظالم لنفسه: العاصي بترك مأمور أو فعل محظور.# والمقتصد: المؤدي للواجبات، والتارك للمحرمات.# والسابق بالخيرات : المتقرّب بما يقدر عليه من فعل واجب ومستحب، والتارك للمحرم والمكروه.

وإن كان كل من المقتصد والسابق قد يكون له ذنوب تُمحى عنه؛ إما

بتوبة والله يحب التوابين ويحب المتطهرين، وإما بحسنات ماحيه، وإما بمصائب مكفرة، وإما بغير ذلك". أ.هـ[ مجموع الفتاوى 10/5-6.]

ويقول ابن القيم رحمه الله: "أعمال القلوب هي الأصل، وأعمال الجوارح تبع ومكملة، وإنّ النيّة بمنزلة الروح، والعمل بمنزلة الجسد للأعضاء، الذي إذا فارق الروح ماتت، فمعرفة أحكام القلوب أهم من معرفة أحكام الجوارح". أ.هـ [ بدائع الفوائد 3/244.]

 وقال شيخ الإسلام: "والأعمال الظاهرة لا تكون صالحة مقبولة إلا بتوسّط عمل القلب، فإن القلب ملكٌ، والأعضاء جنوده، فإذا خبث خبثت جنوده، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنّ في الجسد مضغة... الحديث". أ.هـ [ مجموع الفتاوى 11/81.]

*تعريف الإخلاص :

قال العز بن عبد السلام : "الإخلاص أن يفعل المكلف الطاعة خالصة لله وحده، لا يريد بها تعظيماً من الناس ولا توقيراً، ولا جلب نفع ديني، ولا دفع ضرر دنيوي". أ.هـ[ مقاصد المكلفين ص 358]

قال سهل بن عبد الله: "الإخلاص أن يكون سكون العبد وحركاته لله تعالى خاصة". أ.هـ

وقيل: "هو تفريغ القلب لله" أي: صرف الانشغال عمّا سواه، وهذا كمال الإخلاص لله تعالى [ انظر الإخلاص ص 20]

وقيل: "الإخلاص تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين".

ويقول الهروي: "الإخلاص تصفية العمل من كل شوب".

ويقول بعضهم: "المخلص هو: الذي لا يبالي لو خرج كل قدر له في قلوب الناس من أجل صلاح قلبه مع الله عز وجل، ولا يحب أن يطلع الناس على مثاقيل الذر من عمله".

سئل التستري: "أي شيء أشد على النفس؟! قال: "الإخلاص؛ لأنه ليس لها فيه نصيب".

ويقول سفيان الثوري: "ما عالجت شيئاً أشد عليّ من نيتي؛ إنها تتقلبُ عليّ". [ نقلاً من كتاب الإخلاص د. عبد العزيز عبد اللطيف.]

ومدار الإخلاص في كتاب اللغة على الصفاء والتميز عن الأشواب التي تخالط الشيء يقال: هذا الشيء خالص لك: أي لا يشاركك فيه غيرك والخالص من الألوان عندهم ما صفا ونصع. ويقولون خالصه في العشرة: صافاه [ باختصار من مقاصد المكلفين ص 359]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على رسول الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الواحدة والثلاثون في موضوع الصمد وهي بعنوان  :

*منزلة الإخلاص :

الإخلاص هو حقيقة الدين، وهو مضمون دعوة الرسل قال تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء).

وقوله: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ).

قال الفضيل بن عياض في هذه الآية: "أخلصه وأصوبه". قيل: "يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟" قال: أن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم تقبل وإذا صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل، حتى يكون خالصاً صواباً؛ والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة". أ.هـ

قال تعالى: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) يقول شيخ الإسلام: "الناس لهم في هذه الآية ثلاثة أقوال: طرفان ووسط.

فالخوارج والمعتزلة يقولون: لا يتقبل الله إلا من اتقى الكبائر، وعندهم صاحب الكبيرة لا يقبل منه حسنة بحال.

والمرجئة يقولون: من اتقى الشرك.

والسلف والأئمة يقولون: لا يتقبل إلا ممن اتقاه في ذلك العمل، ففعله كما أمر به خالصاً لوجه الله تعالى".(1) (1) مناهج السنة 6/ 217.

*الإخلاص سبب لعظم الجزاء مع قله العمل ؛ وقد دلّ على ذلك

النصوص النبوية ومنها :

1. عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يستخلص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاً، كل سجل مثل هذا، ثم يقول: أتنكر من هذا شيئاً؟! أظلمك كتبتي الحافظون؟! فيقول: لا يا رب. فيقول: أفلك عذر؟! فيقول: لا يا رب. فيقول: بلى، إن لك عندنا حسنة، وإنه لا ظلم عليك اليوم. فيخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. فيقول: يا رب، ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟! فقال: إنك لا تظلم. قال: فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة، ولا يثقل مع اسم الله شيء".[ أخرجه الترمذي وأحمد في المسند.الحاكم، وقال: "هذا حديث صحيح لم يخرج في الصحيحين وهو صحيح على شرط مسلم". وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح والحاكم في المسند يقول: هذا حديث صحيح لإسناد ولم يخرجه ]

2. وحديث المرأة التي سقت الكلب، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " بينما كلب يطيف بركية كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها فسقته فغفر لها به".[ أخرجه البخاري ومسلم ]

3. وحديث الرجل الذي أماط الأذى عن الطريق، فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخّره فشكرالله له فغفر له[ أخرجه البخاري ومسلم ]

يقول شيخ الإسلام معلقاً على حديث البطاقة: "فهذه حال من قالها بإخلاص وصدق كما قالها هذا الشخص، وإلّا فأهل الكبائر الذين دخلوا النار كلهم كانوا يقولون لا اله إلا الله، ولم يترجح قولهم على سيئاتهم كما ترجح قول صاحب البطاقة". أ.هـ[ منهاج السنة 6/219 ]

 ويقول أيضاً حول حديث المرأة التي سقت الكلب والرجل الذي أماط الأذى عن الطريق: "فهذه سقت الكلب بإيمان خالص كان في قلبها فغُفِرَ لها، و إلا ليس كل بغي سقت كلباً يُغفر لها، وكذلك هذا الذي نحّى غصن الشوك عن الطريق فعله إذ ذاك بإيمان خالص وإخلاص قائم بقلبه فغفر له بذلك.

فإن الإيمان يتفاضل بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والإخلاص[منهاج السنة 6/221 ] والإخلاص رتبة الثلاثة الذين خلفوا.

وفي السنن عن عمار عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: "إن العبد لينصرف من صلاته ولم يكتب له منها إلا نصفها، إلا ثلثها، إلا ربعها، حتى قال: إلا عشرها".

وقال ابن عباس: "ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها".

و في الحديث: "رب صائم حظه من صيامه العطش ورب قائم حظه من قيامه السهر".

وقيل لبعض السلف: "الحاج كثير" فقال: "الداج كثير، والحاج قليل". أ. هـ[ منهاج السنة 6/218 ]فالمَحْوُ والتكفير يقع بما يتقبل من الأعمال، وأكثر الناس يقصرون في الحسنات حتى في نفس صلاتهم، فالسعيد منهم من تكتب له نصفها، وهم يفعلون السيئات كثيراً، فلهذا يكفر بما يتقبل من الصلوات الخمس شيء، وبما يتقبل من الجمعة شيء، وبما يتقبل من صيام

رمضان شيء آخر، وكذلك سائر الأعمال[ منهاج السنة 6/248 ]

وحديث أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتى به فعرفه نعمته فعرفها، قال: فما عملت فيها؟! قال: قاتلت فيك حتى استشهدت. قال: كذبت؛ ولكنك قاتلت ليُقال: جرئ، فقد قيل. ثم أمر به فسُحب على وجهه حتى أُلقي في النار.

ورجل تعلّم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فأتى به فعرفه نعمته فعرفها فقال: فما عملت؟! قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت القرآن. قال: كذبت، ولكن تعلمت ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال قاري، فقد قيل. ثم أمر به فسُحب على وجهه حتى أُلقي في النار.

ورجل وسّع الله عليه وأعطاه من صنوف المال، فأتى به فعرفه نعمته فعرفها. قال: فما عملت بها؟! قال: ما تركت من سيبل يحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك. قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال: جوا، فقد قيل. ثم أمر به على وجهه حتى أُلقي في النار". [رواه مسلم].

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على رسول الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الواحدة والثلاثون في موضوع الصمد وهي بعنوان  :

*درجات الإخلاص:

الدرجة الأولى: إخراج رؤية العمل عن العمل، والخلاص عن طلب العوض عن العمل، والنزول عن الرضى بالعمل.

فالأولى: يشاهد منة الله تعالى وتوفيقه له على هذا العمل: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ).

الثانية: ليعلم إنه عبد محض، والعبد لا يستحق على خدمته لسيده عوض. الثالثة: مطالعته عيوبه وآفاته وتقصيره فيه.

الدرجة الثانية:الخجل من العمل مع بذل المجهود حيث لا يرى العمل صالحا لله مع بذل المجهود (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ). فالمؤمن جمع إحساناً في مخافة، وسوء ظن بنفسه.

الدرجة الثالثة: إخلاص العمل بالخلاص من العمل، إلا بنور العلم،

فيحكمه في العمل حتى لا يقع في البدعة.[ انظر تهذيب مدارج السالكين/ ابن القيم ]

*ثمار الإخلاص:

لا بد من أمرين هامين عظيمين أن تتوفرا في كل عمل وإلا لم يقبل:

1- أن يكون صاحبه قد قصد به وجه الله تعالى.

2- أن يكون موافقا لما شرعه الله تعالى في كتابه أو بينه رسوله في سنته.

فإذا اختل واحد من هذين الشرطين لم يكن العمل صالحاً ولا مقبولاً، ويدل على هذا قوله تعالى: (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً).

قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: " وهذان ركنا العمل المتقبل؛ لا بد أن يكون خالصًا لله، صواباً على شريعة رسول الله".

* من ثمار الإخلاص:  1- تفريج الكربات ( قصة الثلاثة – قصة عكرمة – قصة أصحاب الكهف).

2- الانتصار: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ * وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ). سورة الأنفال: 45- 47

3- العصمة من الشيطان: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ). سورة يوسف: 24. (قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ). سورة الحجر: 39.

4- نيل شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم: عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: "قلت يا رسول الله؛ من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟! فقال: لقد ظننت يا أبا هريرة، أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك، لما رأيت من حرصك على الحديث. أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصاً من قِبَل نفسه".

5- مغفرة الذنوب ونيل الرضوان: كما في حديث البطاقة، والمرأة البغي التي سقت الكلب، والرجل الذي أزاح الشجرة من الطريق.

*السلف والإخلاص:

قصة يوسف عليه السلام (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ). سورة يوسف: 24 وقصة موسى عليه السلام: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً). سورة مريم: 51

قال أبو سليمان الداراني: "طوبى لمن صحت له خطوة واحدة، لا يريد بها إلا الله تعالى".

وقال بعض السلف: "من سلم له في عمره لحظة واحدة خالصة لله تعالى نجا". ولما مات على بن الحسن وجدوه يعول مائة بيت في المدينة.

وقيل لحمدون بن أحمد: "ما بال كلام السلف أنفع من كلامنا، قال: لأنهم تكلموا لعز الإسلام، ونجاة النفوس، ورضا الرحمن، ونحن نتكلم لعز النفوس، وطلب الدنيا، ورضا الخلق".

وقال رجل التميم الداري رضي الله عنه: "ما صلاتك بالليل ؟ فغضب غضباً شديداً ثم قال: والله لركعة أصليها في جوف الليل في سرّ أحب إلى من أن أصلي الليل كله، ثم أقصّه على الناس".

وقال أيوب السختياني: "ما صدق عبد قط فأحب الشهرة".

وقال بعض السلف: "إني لأستحب أن يكون لي في كل شيء نية، حتى في أكلي وشربي ونومي ودخولي الخلاء".

وقال الحسن: كان الرجل يكون عنده زوار فيقوم من الليل يصلي ولا يعلم به زواره وكانوا يجتهدون في الدعاء ولا يسمع لهم صوتا.

"وكان الرجل ينام مع امرأته على وسادة فيبكي طول ليلته وهي لا تشعر".

قال الفضيل بن عياض: "ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما".

قال الشافعي رحمه الله: "وددت أن الناس تعلموا هذا العلم يعني كتبه على أن إلا ينسب إلى منه شيء".

عن سفيان قال: "أخبرتني مرية الربيع بن خثيم قالت: "كان عمل الربيع كله سراً، إن كان ليجيء الرجل وقد نشر المصحف فيغطيه بثوبه".

وقال جبير بن نفير: "سمعت أبا الدرداء وهو في آخر صلاته وقد فرغ من التشهد يتعوذ بالله من النفاق، فكرر التعوذ منه، فقلت: مالك يا أبا الدرداء أنت والنفاق؟! فقال: دعنا عنك، دعنا عنك، فوالله، أنّ الرجل ليقلب عن دينه في الساعة الوحدة فيخلع منه".

وقال بشر الحافي: "لأن اطلب الدنيا بمزمار أحب إلى من أن اطلبها بالدين".

وعن يحي بن أبي كثير قال: "تعلموا النية، فإنها ابلغ من العمل".

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على رسول الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثانية والثلاثون في موضوع الصمد وهي بعنوان  :

الإخلاص يحتاج الى أقسام الصبرالثلاثة

  إنّ إخفاء العبادة وتحقيق الإخلاص يحتاج إلى صبر.

وقد ذكر ابن القيم رحمه الله أن الصبر على الطاعة ينقسم إلى ثلاثة أقسام:1- صبر قبل الطاعة.2- صبر في الطاعة.3- صبر بعد الطاعة "المن، العجب، السمعة".

قال ابن عقيل: "كان أبو إسحاق الفيروز بادي لا يخرج شيئاً إلى فقير إلا أحضر النية، ولا يتكلم في مسألة إلا قدم الاستعانة بالله وإخلاص القصد في نصرة الحق دون التزيين والتحسين للخلق. ولا صنف مسألة إلا بعد أن صلى ركعتين فلا حرج أن شاع سمه واشتهرت تصانيفه شرقاً وغرباً، وهذه بركات الإخلاص". [ بدائع الفوائد 3/ 149 ]

وللعلامة محمد الأمين الشنقيطي قصة تتعلق بصلاح القصد والنيّة، إذ أن له تآليف عديدة،/ ومنها منظومة في أنساب العرب، وقد ألّفها قبل البلوغ يقول في أولها: في ذكر أنساب بني عدنان سميته بخالص الجمان  لكنه - رحمه الله - بعد أن بلغ سن الرشد قام بدفن هذه المنظومة، معللاً أنه كان قد نظمها على نية التفوّق على الأقران، وقد لامه بعض مشايخه على ذلك، وقالوا له: "كان من الممكن تحويل النية وتحسينها".

وقد نقل عنه العلامة بكر أبو زيد أنه قال: "إنما ألفته للتفوق به على الأقران، فدفنته لأن تلك كانت نيتي، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لصححت النية ولم أدفنه"[ طبقات النسابين ـ بكر أبو زيد ـ مؤسسة الرسالة ـ 298 ـ برقم: 656]

يقول العلامة محمد بن إبراهيم يثني على الشنقيطي: "ملئ علماً من رأسه حتى أخمص قدميه".

وقال عنه بكر أبو زيد:"لو كان في هذا الزمان أحد يستحق أن يسمى شيخ لكان هو" [ انظر الكتاب النفيس إتحاف النبلاء لسير العلماء/ الزهراني]

ولأن إخلاص النيّات أمر عظيم فقد قال أيوب السختياني: "تخليص النيات على العمال أشد عليهم من جميع الأعمال".

ومما أثر عن الفاروق رضي الله عنه انه كتب إلى أبي موسى الأشعري: "من خلصت نيته كفاه الله ما بينه وبين الناس".

شعر:

إذا السر والإعلان في المؤمن استوي******************* فقد عز الدارين واستوجب الثنـاء

فان خـالف الإعلان ســرا فما له على *****************  سعيد فضل سوى الكد والعنا

يقول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: "وددت أن الناس تعلموا هذا العلم يعني كتبه على أن إلا ينسب إلىً منه شيء".

وقال: " وددت إذا ناظرت أحداً أن يظهر الحق على يديه".

وقال: "ما كلمت أحداً إلا وددت أن يسدّد ويعان ويكون عليه رعاية من الله وحفظه". إنّ هذه الكلمات من هذا الإمام تدل على الإخلاص الذين كان يتحلى به، وتلك علامة من علامات المخلصين: أنهم لا يعملون لأنفسهم، بل مرادهم رضا ربهم، ويودون أن يكفيهم غيهم تعليم الحق وإظهاره، وعندما ما يحاورون لا يكون غاية همهم أن يغلبوا الخصم، بل مرادهم ظهور الحق، ويتمنوا أن يظهر الله الحق على يد الذي يناظرونه.

والمخلص لا يبالي لو خرج له كل قدر في قلوب الناس من أجل صلاح قلبه مع الله عز وجل، ولا يحب أن يطلع الناس على مثاقيل الذر من عمله [ باختصار من مقاصد المكلفين للأشقر ص 473- 474]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على رسول الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثالثة والثلاثون في موضوع الصمد وهي بعنوان  :

*أمور يجب التنبيه عنها في مسألة الإخلاص:

 = قصد النعيم الأخروي: بالغ بعض العباد في تجريد القصد إلى الله والتقرب إليه حتى عدوا طلب الثواب الأخروي الذي وعد الله به عباده الصالحين قادحاً في الإخلاص، وهم وإن لم يقولوا ببطلان الأعمال التي قصد أصحابها الثواب الأخروي إلا أنهم كرهوا للناس العمل على هذا النحو، ووصفوا العامل رجاء حظ أخروي بالرعونة، وسموه بأجير السوء.

يقول أحد مشاهير الصوفية: "المخلص إلا يريد على عمله عوضاً في الدراين ولا حظاً من الملكين".

ورابعة العدوية – إن صح عنها – تقول: "ما عبدته خوفاً من ناره ولا حباً في جنته، فأكون كأجير السوء، بل عبدته حباً له وشوقا إليه".

وعدّ الهروي الرجاء أضعف منازل المريدين.

وهذا بعيد عما جاءت به نصوص الكتاب والسنة، فقد وصف الله سادات المؤمنين بأنهم كانوا يعبدون الله خائفين راجين: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ). وقال تعالى يصف عباد الرحمن: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً).

وخليل الرحمن إبراهيم يقول في دعائه: (وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ * وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ * وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ{88} إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ).

وقد وصف الله نعيم الجنة في سورة المطففين، ثم حث على التنافس والتسابق في طلبة فقال: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ).

فكيف يمكن إطلاق هذا القول وقد ثبت أن دين الله تعالى كله دعوة إلى العباد كي يطلبوا الجنة ويهربوا من النار، وأن سادة المؤمنين من الرسل والأنبياء والصديقين والشهداء كلهم يطلبون الجنة ويخافون النار.

أبعد هذا يستقيم قول من زعم أن الذي يعبد الله طلباً للجنة وخوفاً من

النار كأجير السوء، أو أن ذلك أضعف مراتب المريدين".[باختصار وتصرّف من مقاصد المكلفين ص 403، و ما بعدها]

*ما يتوهم انه رياء وشرك وليس كذلك :

1- حمد الناس للرجل على عمل الخير، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: "قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه؟! قال: تلك عاجل بشرى المؤمنين".

2- التحدث عن المعاصي لو أن الله يكره ظهور المعاصي ويحب ستره في الحديث: "من ارتكب شيئاً من هذا القاذورات فليستتر بستر الله عز وجل".

3- ترك الطاعات خوفا من الرياء لأن ذلك من مكائد الشيطان قال إبراهيم النخعي: "إذا أتاك الشيطان وأنت في صلاة فقال: إنك مراءٍ، فزدها طولاً".

4- نشاط العبد بالعبادة عند رؤية العابدين: قال المقدسي: "يبيت الرجل مع المتهجدين فيصلون أكثر الليل وعادته قيام ساعة فيوافقهم، أو يصومون ولولاهم ما انبعث هذا النشاط، فربما ظن ظان أنّ هذا رياء وليس كذلك على الإطلاق، بل فيه تفضيل، وهو أن كل مؤمن يرغب في عبادة الله تعالى ولكن تعوقه العوائق وتستهويه الغفلة فربما كانت مشاهدة الغير سبباً لزوال الغفلة". ثم قال: "ويختبر أمره بأن يمثل القوم في مكان لا يراهم ولا يرونه، فان رأي نفسه تسخو بالتعبد فهو لله، وان لم يسخ كان سخاؤها عندهم رياء وقس على هذا"[ مختصر منهاج القاصدين ص 234]

و لا ينبغي أن يؤيس نفسه من الإخلاص بأن يقول: إنما يقدر على الإخلاص الأقوياء وأنا من المخلصين، فيترك المجاهدة في تحصيل الإخلاص لأن المخلط إلى ذلك أحوج[ في مختصر منهاج القاصدين ص 229]

5- عدم التحدث بالذنوب وكتمانها: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف سترة الله". [متفق عليه].

6- اكتساب العبد لشهرة من غير طلبها وترك العمل خوفا أن يكون

شركا، قال الفضيل بن عياض: "ترك العمل لأجل الناس رياء والعمل من اجل الناس شرك والإخلاص أن يعافيك الله منه".

 قال النووي معلقا على كلام الفضيل: "ومعنى كلامه رحمه الله أن من عزم على عبادة وتركها مخافة أن يراه الناس فهو مراء لأنه ترك العمل لأجل الناس إما لو تركها ليصليها في الخلوة فهذا مستحب إلا أن تكون فريضة أو زكاة واجبة أو يكون عالما يقتدى به فالجهر بالعبادة في ذلك أفضل".

7- أن يكون قصده إخفاء الطاعة والإخلاص لله ولكن لما اطلع عليه الخلق علم أن الله أظهر الجميل من أحواله فيسر بحسن صنع الله وستره المعصية فيكون فرحه بذلك لا بحمد الناس ومدحهم وتعظيمهم في زاد مسلم

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على رسول الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الرابعة والثلاثون في موضوع الصمد وهي بعنوان  :

*ومن نهى عن أمر مشروع بمجرد زعمه إن ذلك رياء فنهيه مردود عليه من وجوه:

1- إن الأعمال المشروعة لا ينهى عنها خوفا من الرياء بل يؤمر بها وبالإخلاص فيها.

2- إن الإنكار إنما يقع على ما أنكرته الشريعة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لم أومر أن أنقب قلوب الناس ولا اشق بطونهم".

3- إن تسويغ مثل هذا يفضي إلى أن أهل الشرك والفساد ينكرون على أهل الخير والدين إذ رأوا من يظهر أمراً مشروعاً قالوا: "هذا مراءٍ". فيترك أهل الصدق إظهار الأمور المشروعة حذراً من لمزهم فيتعطّل الخير.

4- إنّ مثل هذا من شعائر المنافقين وهو الطعن على من يظهر الأعمال

 المشروعة (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ)".

*ذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أنّ الرياء ينقسم باعتبار إبطال العبادة إلى قسمين:

الأول: أن يكون في أصل العبادة، فهذا عمله باطل مردود.

الثاني: أن يكون طارئا على العبادة فهذا القسم ينقسم إلى أمرين:

الأول: أن يدافعه فهذا لا يضره.

الثاني: أن يسترسل معه فلا يخلو من حالين:

• الأول: أن يكون أخر العبادة مبنيّاً على أوله كالصلاة فالعبادة باطلة.

• الثاني: أن يكون آخر العبادة منفصلا عنها كالصدقة فما كان خالص قُبل وما أشرك فيه رد.[ انظر القول المفيد شرح كتاب التوحيد.]

*أمور خفية:

الرياء جلي وخفي : فالجلي: هو الذي يبعث على العمل ويحمل عليه.

والخفي: مثل الرياء الذي لا يبعث على العمل لمجرده، لكن يخفف العمل

 الذي أريد به وجه الله تعالى، كالذي يعتاد التهجد كل ليلة ويثقل عليه، فإذا نزل عنده ضيف نشط له وسهل عليه.

وأخفي من ذلك ما لا يؤثر في العمل ولا في التسهيل، وأجلي علاماته أنه يُسر باطلاع الناس على طاعته، فرب عبد مخلص يخلص العمل ولا يقصد الرياء بل يكرهه، لكن إذا اطلع الناس عليه سره ذلك وارتاح له، وروّح ذلك عن قلبه شدة العبادة، فهذا السرور يدل على رياء خفي.

ومتى لم يكن وجود العبادة كعدمه في كل ما يتعلق بالخلق لم يكن خالياً عن شوب خفي من الرياء.( رأي بن عثيمين.)

 الرياء هي الطاعة التي يظهرها الفاعل كي يراها الناس[ قواعد الأحكام 1/147]

*من دقائق الرياء وخفاياه:

قد يخسر الإنسان عمله بسبب انعدام الإخلاص، وذلك بحب الرياء والشهرة والشرف والسمعة والعجب.

الرياء: هو إظهار العبادة لقصد رؤية الناس، فيحمدوا صاحبها، فهو يقصد التعظيم والمدح والرغبة أو الرهبة فيمن يرائيه.

أما السمعة: فهي العمل لأجل سماع الناس (فالرياء يتعلق بحاسة البصر، والسمعة تتعلق بحاسة السمع).

وأما العجب:فهو قرين الرياء، وقد فرّق بينهما شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: "الرياء من باب الإشراك بالخلق، والعجب من باب الإشراك بالنفس".[ الفتاوى 10/ 277.]

*هنا ثلاث أمور دقيقة للرياء على النحو التالي:

= أولها: ما ذكره أبو حامد الغزالي في أحبائه حيث قال أثناء ذكره للرياء الخفي: "وأخفى من ذلك أن يختفي (العاقل بالطاعة) بحيث لا يريد الاطلاع ولا يسر بظهور طاعته، ولكنه مع ذلك إذا رأى الناس أحب أن يبدأوه بالسلام وأن يقابلوه بالبشاشة والتوقير، وأن يثنوا عليه، وأن ينشطوا في قضاء حوائجه كأنه يتقاضى الاحترام مع الطاعة التي أخفاها، ولو لم يفعل ذلك ما استبعد تقصير الناس في حقه[ الإحياء 3/ 305 – 306 ]

=ثانيها: أن يجعل الإخلاص وسيلة لا غاية وقصداً لأحد المطالب الدنيوية "كالحكمة - كالكرامة - كالحوائج الدنيوية".

= ثالثها: ما أشار إليه ابن رجب بقوله: "وها هنا نكته دقيقة وهي أن يذم الإنسان نفسه بين الناس يريد بذلك أن يرى الناس أنه يتواضع عن نفسه ويرتفع بذلك عنهم ويمدحونها به، وهذا من دقائق أبواب الرياء وقد نبه السلف الصالح"، قال مطرف بن عبد الله ابن الشخير: "كفى بالنفس إطراء أن تذمّها على الملأ كأنك تريد بذمها زينتها، وذلك عند الله سفه". [شرح حديث ما ذئبان جائعان].[ نقلا من كتاب الإخلاص والشرك، د. عبد العزيز عبد اللطيف. ص 46.]

*الصبر على الطاعة ثلاثة أنواع: صبر قبل الطاعة - وصبر أثناء الطاعة – صبر بعد الطاعة.

= رابعها: ربما كره الرياء ولكنه عندما يتذكر أعماله ويثني عليه لم يقابل ذلك بالكراهية، بل يشعر بالسرور، ويشعر أنّ ذلك روح عنه شيئاً من عناء العبادة فهذا نوع دقيق من أنواع الشرك الخفي[ الإخلاص/ العوايشه ص 71، ونقله من مختصر منهاج القاصدين ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم وصلى الله وسلم على رسول الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الخامسة والثلاثون في موضوع الصمد وهي آخر حلقة في هذا الموضوع ، وهي بعنوان  :

*كيف يتحقق الإخلاص؟!  أو أمور تعين على تحقيق الإخلاص :

أ‌. أن يعلم المكلف يقيناً بأنّه عبد محض، والعبد لا يستحق على خدمته لسيده عوضاً ولا أجراً، إذ هو يخدمه بمقتضى عبوديته، فما يناله من سيده من الأجر والثواب تفضل منه وإحسان إليه، ولا معاوضة.

ب‌. مشاهدته مِنَّة الله عليه وفضله وتوفيقه، وأنه بالله لا بنفسه، وأنه إنما أوجب عمله مشيئة الله لا مشيئته هو، وكل خير فهو مجرد فضل الله ومنته.

ت‌. مطالعته عيوبه وآفاته وتقصيره منه وما فيه من حظ النفس ونصيب الشيطان، فقلّ عمل من الأعمال إلا وللشيطان فيه نصيب وإن قل، وللنفس فيه حظ، سئل صلى الله عليه وسلم عن التفات الرجل في صلاته؟! فقال: "هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد".

 فإذا كان هذا التفات طرفه فكيف التفات قلبه إلى ما سوى الله؟![مدارج السالكين ]

 ث‌. تذكير النفس بما أمر الله به من إصلاح القلب وإخلاصه، وحرمان المرائي من التوفيق.

ج‌. الخوف من مقت الله تعالى، إذا اطلع على قلبه وهو منطوٍ على الرياء.

ح‌. الإكثار من العبادات غير المشاهدة وإخفاؤها، كقيام الليل، وصدقة السر والبكاء خالياً من خشية الله.

خ‌. تحقيق تعظيم الله، وذلك بتحقيق التوحيد والتعبّد لله بأسمائه الحسنى وصفاته "العلي - العظيم – العليم – الرزاق – الخالق".

د‌. أن يشعر أنه عبد محض لله تعالى ، ذ‌. معرفة أسماء الله وصفاته وتعظيم الله ، ر‌. تذكر الموت وأهواله.

ز‌. الإكثار من الأعمال المخفية. س‌. أن يرد الرياء بالاقتداء. ش‌. أن يعلم عاقبة الرياء.

ص‌. الإلحاح على الله بالدعاء، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم

 يكثر من الدعاء والإلحاح على الله.

ض‌. تدبر القرآن. ط‌. التخلص من حظوظ النفس، فانه لا يجتمع الإخلاص في القلب وحب المدح والثناء والطمع فيما عند الناس إلّا كما يجتمع الماء والنار، فإذا أردت الإخلاص فاقبل على الطمع فاذبحه بسكين اليأس، وقم على المدح والثناء فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة، حينئذ فقط يسهل عليك الإخلاص، والطمع يسهل ذبحه باليقين أنه ليس من شيء تطمع فيه إلا وبيد الله خزائنه، لا يملكها غيره. ظ‌. المجاهدة: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ).

فالمطلوب منك بذل الجهد في دفع خواطر الرياء وعدم الركون إليها، وكلّما أولى لا بد من قياسها حتى تصل إلى المرحلة التي قال الله تعالى فيها (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ). وهي المرحلة التي تكون النفس فيها مطمئنة بطاعة الله، ساكنة إليها لا تخالجها الشكوك الأثيمة.

ع‌. إخفاء الطاعات وعدم التحدّث بها. غ‌. عدم الاكتراث بالناس. ف‌. الخوف من الشرك بنوعيه.

ق‌. الدعاء بكفارة الرياء. ففي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس اتقوا هذا الشرك فانه أخفى من دبيب النمل. قالوا: وكيف نتقيه؟! قال: قولوا: اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئاً نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه".

ك‌. تعاهد النفس بالوعظ ومجالس الذكر ومصاحبة أهل الإخلاص.

ل‌. تذكّر عظم نعمة الله سبحانه على المرء وشكرها، ونسبتها إلى مسببها، والاعتراف بها ظاهراً وباطناً.

م‌. اعتياد الطاعات بحيث تصير جزءاً لا يتجزأ من حياة المرء. [انظر : الأنترنت – موقع صيد الفوائد - بحث مهم بقلم  الدكتورة / قذلة بنت محمد القحطاني( بتصرف قليل )]

وفي الختام نحمد الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد على نعمه العظيمة وآلآءه الجسيمة ومن أعظمها نعمة التوحيد والمتضمن الأحدية و الصمدية كما اسأله أن يجعل هذا العمل زيادة في إيماني وقربي من ربي وان يصحح به عقيدتي ويتقبل به عملي وأن يختم حياتي برضى ربي وأن يمن علي بجنته ونعيمه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

 

 

 

 

 

 

 

جمع وتأليف الدكتور / مسفر بن سعيد دماس الغامدي