الشكور
الشكورالمختصر(المقالات)
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا اله الا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله قال تعالى :{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} آل عمران/ 120، وقال تعالى :{ يائها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ، وخلق منها زوجها ، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً ، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً} النساء / 1، وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً ، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً } الأحزاب /70 ، 71 وبعد :
فهذه الحلقة الأولى في موضوع الشكور وهي بعنوان المقدمة :
فالشكر ترجمان النية،ولسان الطوية، وشاهد الإخلاص،وعنوان الاختصاص. الشكر نسيم النعم، وهو السبب إلى الزيادة،والطريق إلى
السعادة.[ الأنترنت – موقع محمد الطليس المالكي ]
ونِعَمُ الله عز وجل لا تُعَدُّ ولا تُحْصى قال تعالى : ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾ [إبراهيم: 34]، ومن أعظم النِّعَم وأجلِّها :
1-نعمة الإسلام: قال الله تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3].
2- نعمة العقيدة الصافية؛ (عقيدة أهل السنة والجماعة).
3- نعمة الصحة: ولكي تعرف قَدْر هذه النعمة، انظُر إلى أحوال الناس الذين فقدوا هذه النعمة، فمن الناس: من هو أعمى، وهذا أعرج، وهذا أصمُّ، وهذا أبْكَم، وهذا مُعاقٌ عن الحركة، وهذا عنده غسيل للكُلى، وهذا ضِيق في التنفُّس، والآخر عنده مرض السكر... إلخ.
4- نعمة العقل : ميَّزَ الله عز وجل الإنسان من بين سائر المخلوقات بهذا العقل؛ قال الله تعالى:
﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء: 70].
قال الشيخ السعدي رحمه الله: "وهذا من كرمه عليهم وإحسانه، الذي لا يقدَّر قدره؛ حيث كرَّم بني آدم بجميع وجوه الإكرام؛ فكرَّمَهم بالعقل، وإرسال الرُّسُل، وإنزال الكُتُب، وجعل منهم الأولياء والأصفياء، وأنعم عليهم بالنِّعَم الظاهرة والباطنة؛ا هـ
5- نعمة الأمن: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أصبح منكم آمنًا في سِـرْبه، مُعافًى في جسده، عندهُ قُوتُ يومه، فكأنما حِيزَتْ له الدُّنيا بحذافيرها) [ رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.]
6- الانصـراف عن الشواغل: عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ) [ رواه البخاري ]
الفراغ يُعتبر نعمة إذا استُغِلَّ استغلالًا يعود على صاحبه بالنَّفْع؛ كأن تَصِل رَحِمك، أو تساعد أهلك في المنزل كما كان صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، أو زيارة لمريض، أو قراءة كتاب نافع، أو اتِّباع جنازة أو التقرُّب إلى الله عز وجل بفعل النوافل والأعمال الصالحة، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم..إلخ، من العبادات القولية والفعلية، لعلها ترفع درجتك ومنزلتك عند الله عز وجل﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ﴾الشعراء: 88].
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد : فهذه الحلقة الثانية في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان المقدمة
7- نعمة العلم الشرعي ووجود العلماء والمساجد في هذه البلاد وفي غيرها .
8- نعمة المأكل والمشـرب والملبس: قل شكر الله تعالى، ولتتأمل في حال كثير من أبناء المسلمين الذين يفترشون الأرض، ويلتحفون بالسماء، ولنقف معهم ونساعدهم حتى تستديم هذه النِّعَم، ولنحذر من الإسراف؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31].
9- نعمة توفر وسائل الاتصال والمواصلات وتيسير السُّبُل.
10- نعمة وجود حلقات تعليم القرآن الكريم والدور النسائية ، ونعم الله كثيرة ، وكلها تحتاج الى شكر.
[الأنترنت – موقع الألوكة - شكر الله على نعمه ( مختصر) عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي]
*أَصْلُ الشُّكْرِ فِي اللُّغَةِ :
وَأَصْلُ الشُّكْرِ فِي وَضْعِ اللِّسَانِ: ظُهُورُ أَثَرِ الْغِذَاءِ فِي أَبْدَانِ الْحَيَوَانِ ظُهُورًا بَيِّنًا. يُقَالُ: شَكِرَتِ الدَّابَّةُ تَشْكَرُ شَكَرًا عَلَى وَزْنِ سَمِنَتْ تَسْمَنُ سِمَنًا: إِذَا ظَهَرَ عَلَيْهَا أَثَرُ الْعَلَفِ، وَدَابَّةٌ شَكُورٌ: إِذَا ظَهَرَ عَلَيْهَا مِنَ السِّمَنِ فَوْقَ مَا تَأْكُلُ وَتُعْطَى مِنَ الْعَلَفِ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ حَتَّى إِنَّ الدَّوَابَّ لَتَشْكَرُ مِنْ
لُحُومِهِمْ أَيْ لَتَسَمَنُ مِنْ كَثْرَةِ مَا تَأْكُلُ مِنْهَا.
وَكَذَلِكَ حَقِيقَتُهُ فِي الْعُبُودِيَّةِ الشُّكْرُ. وَهُوَ ظُهُورُ أَثَرِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَى لِسَانِ عَبْدِهِ: ثَنَاءً وَاعْتِرَافًا. وَعَلَى قَلْبِهِ: شُهُودًا وَمَحَبَّةً. وَعَلَى جَوَارِحِهِ: انْقِيَادًا وَطَاعَةً.
وَالشُّكْرُ مَبْنِيٌ عَلَى خَمْسِ قَوَاعِدَ: خُضُوعُ الشَّاكِرِ لِلْمَشْكُورِ. وَحُبُّهُ لَهُ. وَاعْتِرَافُهُ بِنِعْمَتِهِ. وَثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ بِهَا. وَأَنْ لَا يَسْتَعْمِلَهَا فِيمَا يَكْرَهُ. فَهَذِهِ الْخَمْسُ: هِيَ أَسَاسُ الشُّكْرِ. وَبِنَاؤُهُ عَلَيْهَا. فَمَتَى عُدِمَ مِنْهَا وَاحِدَةً: اخْتَلَّ مِنْ قَوَاعِدِ الشُّكْرِ قَاعِدَةٌ.
وَكُلُّ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الشُّكْرِ وَحْدَهُ، فَكَلَامُهُ إِلَيْهَا يَرْجِعُ. وَعَلَيْهَا يَدُورُ.
فَقِيلَ: حَدُّهُ الِاعْتِرَافُ بِنِعْمَةِ الْمُنْعِمِ عَلَى وَجْهِ الْخُضُوعِ. وَقِيلَ: الثَّنَاءُ عَلَى الْمُحْسِنِ بِذِكْرِ إِحْسَانِهِ.
وَقِيلَ: هُوَ عُكُوفُ الْقَلْبِ عَلَى مَحَبَّةِ النِّعَمِ، وَالْجَوَارِحِ عَلَى طَاعَتِهِ، وَجَرَيَانُ اللِّسَانِ بِذِكْرِهِ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: هُوَ مُشَاهَدَةُ الْمِنَّةِ. وَحِفْظُ الْحُرْمَةِ. وَمَا أَلْطَفَ مَا قَالَ حَمْدُونُ الْقَصَّارُ: شُكْرُ النِّعْمَةِ أَنْ تَرَى نَفْسَكَ فِيهَا طُفَيْلِيًّا.
وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ: الشُّكْرُ مَعْرِفَةُ الْعَجْزِ عَنِ الشُّكْرِ.
وَقِيلَ: الشُّكْرُ مَعْنَاهُ إِضَافَةُ النِّعَمِ إِلَى مُولِيهَا بِنَعْتِ الِاسْتِكَانَةِ لَهُ. وَقَالَ الْجُنَيْدُ: الشُّكْرُ أَنْ لَا تَرَى نَفْسَكَ أَهْلًا لِلنِّعْمَةِ.
هَذَا مَعْنَى قَوْلِ حَمْدُونَ أَنْ يَرَى نَفْسَهُ فِيهَا طُفَيْلِيًّا.
وَقَالَ رُوَيْمٌ: الشُّكْرُ اسْتِفْرَاغُ الطَّاقَةِ.
وَقَالَ الشِّبْلِيُّ: الشُّكْرُ رُؤْيَةُ الْمُنْعِمِ لَا رُؤْيَةُ النِّعْمَةِ.
قُلْتُ: يَحْتَمِلُ كَلَامُهُ أَمْرَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَفْنَى بِرُؤْيَةِ الْمُنْعِمِ عَنْ رُؤْيَةِ نِعَمِهِ.
وَالثَّانِي: أَنْ لَا تَحْجُبَهُ رُؤْيَةُ نِعَمِهِ وَمُشَاهَدَتُهَا عَنْ رُؤْيَةِ الْمُنْعِمِ بِهَا. وَهَذَا أَكْمَلُ. وَالْأَوَّلُ أَقْوَى عِنْدَهُمْ.
وَالْكَمَالُ: أَنْ تَشْهَدَ النِّعْمَةَ وَالْمُنْعِمَ. لِأَنَّ شُكْرَهُ بِحَسَبِ شُهُودِ النِّعْمَةِ. فَكُلَّمَا كَانَ أَتَمَّ كَانَ الشُّكْرُ أَكْمَلَ. وَاللَّهُ يُحِبُّ مِنْ عَبْدِهِ: أَنْ يَشْهَدَ نِعَمَهُ، وَيَعْتَرِفَ لَهُ بِهَا. وَيُثْنِيَ عَلَيْهِ بِهَا. وَيُحِبُّهُ عَلَيْهَا. لَا أَنْ يَفْنَى عَنْهَا. وَيَغِيبَ عَنْ شُهُودِهَا.
وَقِيلَ: الشُّكْرُ قَيْدُ النِّعَمِ الْمَوْجُودَةِ، وَصَيْدُ النِّعَمِ الْمَفْقُودَةِ. وَشُكْرُ الْعَامَّةِ: عَلَى الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَلْبَسِ، وَقُوتِ الْأَبْدَانِ.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد : فهذه الحلقة الثالثة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان المقدمة
وَشُكْرُ الْخَاصَّةِ: عَلَى التَّوْحِيدِ وَالْإِيمَانِ وَقُوتِ الْقُلُوبِ. وَقَالَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أَشْكُرُكَ؟ وَشُكْرِي لَكَ نِعْمَةٌ عَلَيَّ مِنْ عِنْدِكَ تَسْتَوْجِبُ بِهَا شُكْرًا. فَقَالَ: الْآنَ شَكَرْتَنِي يَا دَاوُدُ.
وَفِي أَثَرٍ آخَرَ إِسْرَائِيلِيٍّ: أَنَّ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ يَا رَبِّ، خَلَقْتَ آدَمَ بِيَدِكَ. وَنَفَخْتَ فِيهِ مِنْ رُوحِكَ. وَأَسْجَدْتَ لَهُ مَلَائِكَتَكَ. وَعَلَّمْتَهُ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ. وَفَعَلْتَ وَفَعَلْتَ. فَكَيْفَ شَكَرَكَ؟ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ مِنِّي. فَكَانَتْ مَعْرِفَتُهُ بِذَلِكَ شُكْرًا لِي. وَقِيلَ: الشُّكْرُ التَّلَذُّذُ بِثَنَائِهِ، عَلَى مَا لَمْ تَسْتَوْجِبْ مِنْ عَطَائِهِ.
وَقَالَ الْجُنَيْدُ- وَقَدْ سَأَلَهُ سَرِيٌّ عَنِ الشُّكْرِ، وَهُوَ صَبِيٌّ- الشُّكْرُ: أَنْ لَا يُسْتَعَانَ بِشَيْءٍ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَى مَعَاصِيهِ. فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا؟ قَالَ: مِنْ مُجَالَسَتِكَ. وَقِيلَ: مَنْ قَصُرَتْ يَدَاهُ عَنِ الْمُكَافَآتِ فَلْيَطُلْ لِسَانُهُ بِالشُّكْرِ. وَالشُّكْرُ مَعَهُ الْمَزِيدُ أَبَدًا. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} فَمَتَى لَمْ تَرَ حَالَكَ فِي مَزِيدٍ. فَاسْتَقْبِلِ الشُّكْرَ.
وَفِي أَثَرٍ إِلَهِيٍّ: يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَهْلُ ذِكْرِي أَهْلُ مُجَالَسَتِي، وَأَهْلُ شُكْرِي أَهْلُ زِيَادَتِي، وَأَهْلُ طَاعَتِي أَهْلُ كَرَامَتِي، وَأَهْلُ مَعْصِيَتِي لَا أُقَنِّطُهُمْ مِنْ رَحْمَتِي. إِنْ تَابُوا فَأَنَا حَبِيبُهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَتُوبُوا فَأَنَا
طَبِيبُهُمْ. أَبْتَلِيهِمْ بِالْمَصَائِبِ، لِأُطَهِّرَهُمْ مِنَ الْمَعَايِبِ.
وَقِيلَ: مَنْ كَتَمَ النِّعْمَةَ فَقَدْ كَفَرَهَا. وَمَنْ أَظْهَرَهَا وَنَشَرَهَا فَقَدْ شَكَرَهَا. وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَنْعَمَ عَلَى عَبْدٍ بِنِعْمَةٍ أَحَبَّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ».
وَفِي هَذَا قِيلَ: وَمِنَ الرَّزِيَّةِ أَنَّ شُكْرِيَ صَامِتٌ ** عَمَّا فَعَلْتَ وَأَنَّ بِرَّكَ نَاطِقُ
وَأَرَى الصَّنِيعَةَ مِنْكَ ثُمَّ أُسِرُّهَا ** إِنِّي إِذًا لِنَدَى الْكَرِيمِ لَسَارِقُ
*الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَمْدِ وَالشُّكْرِ :
وَتَكَلَّمَ النَّاسُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْحَمْدِ وَالشُّكْرِ أَيُّهُمَا
أَعْلَى وَأَفْضَلُ؟ وَفِي الْحَدِيثِ «الْحَمْدُ رَأَسُ الشُّكْرِ، فَمَنْ لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ لَمْ يَشْكُرْهُ».
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الشُّكْرَ أَعَمُّ مِنْ جِهَةِ أَنْوَاعِهِ وَأَسْبَابِهِ، وَأَخَصُّ مِنْ جِهَةِ مُتَعَلَّقَاتِهِ. وَالْحَمْدُ أَعَمُّ مِنْ جِهَةِ الْمُتَعَلَّقَاتِ، وَأَخَصُّ مِنْ جِهَةِ الْأَسْبَابِ.
وَمَعْنَى هَذَا: أَنَّ الشُّكْرَ يَكُونُ بِالْقَلْبِ خُضُوعًا وَاسْتِكَانَةً، وَبِاللِّسَانِ ثَنَاءً وَاعْتِرَافًا، وَبِالْجَوَارِحِ طَاعَةً وَانْقِيَادًا. وَمُتَعَلَّقُهُ: النِّعَمُ، دُونَ الْأَوْصَافِ الذَّاتِيَّةِ، فَلَا يُقَالُ: شَكَرْنَا اللَّهَ عَلَى حَيَاتِهِ وَسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَعَلِمْهِ. وَهُوَ الْمَحْمُودُ عَلَيْهَا. كَمَا هُوَ مَحْمُودٌ عَلَى إِحْسَانِهِ وَعَدْلِهِ، وَالشُّكْرُ يَكُونُ عَلَى الْإِحْسَانِ
وَالنِّعَمِ. فَكُلُّ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الشُّكْرُ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحَمْدُ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ وَكُلُّ مَا يَقَعُ بِهِ الْحَمْدُ يَقَعُ بِهِ الشُّكْرُ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ. فَإِنَّ الشُّكْرَ يَقَعُ بِالْجَوَارِحِ. وَالْحَمْدَ يَقَعُ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد : فهذه الحلقة الرابعة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان المقدمة
*تَعْرِيفُ ابْنِ الْقَيِّمِ لِلشُّكْرِ : قَالَ صَاحِبُ الْمَنَازِلِ: الشُّكْرُ: اسْمٌ لِمَعْرِفَةِ النِّعْمَةِ. لِأَنَّهَا السَّبِيلُ إِلَى مَعْرِفَةِ الْمُنْعِمِ. وَلِهَذَا سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى الْإِسْلَامَ وَالْإِيمَانَ فِي الْقُرْآنِ: شُكْرًا. فَمَعْرِفَةُ النِّعْمَةِ: رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الشُّكْرِ. لَا أَنَّهَا جُمْلَةُ الشُّكْرِ، كَمَا تَقَدَّمَ: أَنَّهُ الِاعْتِرَافُ بِهَا، وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِ بِهَا، وَالْخُضُوعُ لَهُ وَمَحَبَّتُهُ، وَالْعَمَلُ بِمَا يُرْضِيهِ فِيهَا. لَكِنْ لَمَّا كَانَ مَعْرِفَتُهَا رُكْنَ الشُّكْرِ الْأَعْظَمِ، الَّذِي يَسْتَحِيلُ وُجُودُ الشُّكْرِ بِدُونِهِ: جُعِلَ أَحَدُهُمَا اسْمًا لِلْآخَرِ.
قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ السَّبِيلُ إِلَى مَعْرِفَةِ الْمُنْعِمِ. يَعْنِي أَنَّهُ إِذَا عَرَفَ النِّعْمَةَ تَوَصَّلَ بِمَعْرِفَتِهَا إِلَى مَعْرِفَةِ الْمُنْعِمِ بِهَا.
وَهَذَا مِنْ جِهَةِ مَعْرِفَةِ كَوْنِهَا نِعْمَةً، لَا مِنْ أَيِّ جِهَةٍ عَرَفَهَا بِهَا. وَمَتَى عَرَفَ الْمُنْعِمَ أَحَبَّهُ. وَجَدَّ فِي طَلَبِهِ. فَإِنَّ مَنْ عَرَفَ اللَّهَ أَحَبَّهُ لَا مَحَالَةَ. وَمَنْ عَرَفَ الدُّنْيَا أَبْغَضَهَا لَا مَحَالَةَ. وَعَلَى هَذَا: يَكُونُ قَوْلُهُ: الشُّكْرُ اسْمٌ لِمَعْرِفَةِ النِّعْمَةِ. مُسْتَلْزِمًا لِمَعْرِفَةِ الْمُنِعِمِ. وَمَعْرِفَتُهُ تَسْتَلْزِمُ مَحَبَّتَهُ. وَمَحَبَّتُهُ تَسْتَلْزِمُ شُكْرَهُ.
فَيَكُونُ قَدْ ذَكَرَ بَعْضَ أَقْسَامِ الشُّكْرِ بِاللَّفْظِ. وَنَبَّهَ عَلَى سَائِرِهَا بِاللُّزُومِ. وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ اخْتِصَارِهِ. وَكَمَالِ مَعْرِفَتِهِ وَتَصَوُّرِهِ، قَدَّسَ اللَّهُ رَوْحَهُ.
قَالَ: وَمَعَانِي الشُّكْرِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: مَعْرِفَةُ النِّعْمَةِ. ثُمَّ قَبُولُ النِّعْمَةِ. ثُمَّ الثَّنَاءُ بِهَا. وَهُوَ أَيْضًا مِنْ سُبُلِ الْعَامَّةِ. أَمَّا مَعْرِفَتُهَا: فَهُوَ إِحْضَارُهَا فِي الذِّهْنِ، وَمُشَاهَدَتُهَا وَتَمْيِيزُهَا.
فَمَعْرِفَتُهَا: تَحْصِيلُهَا ذِهْنًا، كَمَا حَصَلَتْ لَهُ خَارِجًا. إِذْ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ تُحْسِنُ إِلَيْهِ وَهُوَ لَا يَدْرِي. فَلَا يَصِحُّ مِنْ هَذَا الشُّكْرُ. قَوْلُهُ: ثُمَّ قَبُولُ النِّعْمَةِ.
قَبُولُهَا: هُوَ تَلَقِّيهَا مِنَ الْمُنْعِمِ بِإِظْهَارِ الْفَقْرِ وَالْفَاقَةِ إِلَيْهَا. وَأَنَّ وُصُولَهَا إِلَيْهِ بِغَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ مِنْهُ، وَلَا بَذْلِ ثَمَنٍ. بَلْ يَرَى نَفْسَهُ فِيهَا كَالطُّفَيْلِيِّ. فَإِنَّ هَذَا شَاهِدٌ بِقَبُولِهَا حَقِيقَةً. قَوْلُهُ: ثُمَّ الثَّنَاءُ بِهَا.
الثَّنَاءُ عَلَى الْمُنْعِمِ، الْمُتَعَلِّقٌ بِالنِّعْمَةِ نَوْعَانِ: عَامٌّ، وَخَاصٌّ. فَالْعَامُّ: وَصْفُهُ بِالْجُودِ وَالْكَرَمِ، وَالْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ، وَسَعَةِ الْعَطَاءِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَالْخَاصُّ: التَّحَدُّثُ بِنِعْمَتِهِ، وَالْإِخْبَارُ بِوُصُولِهَا إِلَيْهِ
مِنْ جِهَتِهِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}
وَفِي هَذَا التَّحْدِيثِ الْمَأْمُورِ بِهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ ذَكَرَ النِّعْمَةَ، وَالْإِخْبَارَ بِهَا. وَقَوْلُهُ: أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ بِكَذَا وَكَذَا. قَالَ مُقَاتِلٌ: يَعْنِي اشْكُرْ مَا ذَكَرَ مِنَ النِّعَمِ عَلَيْكَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ: مِنْ جَبْرِ الْيُتْمِ، وَالْهُدَى بَعْدَ الضَّلَالِ، وَالْإِغْنَاءِ بَعْدَ الْعَيْلَةِ.
وَالتَّحَدُّثُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ شُكْرٌ. كَمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَلْيَجْزِ بِهِ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَجْزِي بِهِ فَلْيُثْنِ. فَإِنَّهُ إِذَا أَثْنَى عَلَيْهِ فَقَدْ شَكَرَهُ. وَإِنْ كَتَمَهُ فَقَدْ كَفَرَهُ، وَمَنْ تَحَلَّى بِمَا لَمْ يُعْطَ كَانَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ.
فَذَكَرَ أَقْسَامَ الْخَلْقِ الثَّلَاثَةَ: شَاكِرُ النِّعْمَةِ الْمُثْنِي بِهَا، وَالْجَاحِدُ لَهَا وَالْكَاتِمُ لَهَا. وَالْمُظْهِرُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِهَا، وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا. فَهُوَ مُتَحَلٍّ بِمَا لَمْ يُعْطَهُ.
وَفِي أَثَرٍ آخَر مَرْفُوعٍ : مَنْ لَمْ يَشْكُرِ الْقَلِيلَ لَمْ يَشْكُرِ الْكَثِيرَ. وَمَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ. وَالتَّحَدُّثُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ شُكْرٌ. وَتَرْكُهُ كُفْرٌ. وَالْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ وَالْفُرْقَةٌ عَذَابٌ.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد : فهذه الحلقة الخامسة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان المقدمة
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ التَّحَدُّثَ بِالنِّعْمَةِ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: هُوَ الدَّعْوَةُ إِلَى اللَّهِ، وَتَبْلِيغُ رِسَالَتِهِ، وَتَعْلِيمُ الْأُمَّةِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ النُّبُوَّةُ. قَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ بَلِّغْ مَا أُرْسِلْتَ بِهِ، وَحَدِّثْ بِالنُّبُوَّةِ الَّتِي آتَاكَ اللَّهُ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هُوَ الْقُرْآنُ. أَمَرَهُ أَنْ يَقْرَأَهُ.
وَالصَّوَابُ: أَنَّهُ يَعُمُّ النَّوْعَيْنِ. إِذْ كَلٌّ مِنْهُمَا نِعْمَةٌ مَأْمُورٌ بِشُكْرِهَا وَالتَّحَدُّثِ بِهَا. وَإِظْهَارِهَا مِنْ شُكْرِهَا.
قَوْلُهُ: وَهُوَ أَيْضًا مِنْ سُبُلِ الْعَامَّةِ.
يَا لَيْتَ الشَّيْخَ صَانَ كِتَابَهُ عَنْ هَذَا التَّعْلِيلِ.
إِذْ جَعَلَ نِصْفَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ مِنْ أَضْعَفِ السُّبُلِ. بَلِ الشُّكْرُ سَبِيلُ رُسُلِ اللَّهِ وَأَنْبِيَائِهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ أَجْمَعِينَ- أَخَصِّ خَلْقِهِ، وَأَقْرَبِهِمْ إِلَيْهِ.
وَيَا عَجَبًا! أَيُّ مَقَامٍ أَرْفَعُ مِنَ الشُّكْرِ الَّذِي يَنْدَرِجُ فِيهِ جَمِيعُ مَقَامَاتِ الْإِيمَانِ، حَتَّى الْمَحَبَّةُ وَالرِّضَا، وَالتَّوَكُّلُ وَغَيْرُهَا؟ فَإِنَّ الشُّكْرَ لَا يَصِحُّ إِلَّا بَعْدَ حُصُولِهَا. وَتَاللَّهِ لَيْسَ لِخَوَاصِّ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ، وَأَهْلِ الْقُرْبِ مِنْهُ سَبِيلٌ أَرْفَعَ مِنَ الشُّكْرِ وَلَا أَعْلَى. لِأَنَّ الشُّكْرَ عِنْدَهُمْ يَتَضَمَّنُ نَوْعَ دَعْوَى. وَأَنَّهُ شُكْرُ الْحَقِّ عَلَى إِنْعَامِهِ. فَفِي الشَّاكِرِ بَقِيَّةٌ مِنْ بَقَايَا رَسْمِهِ. لَمْ يَتَخَلَّصْ عَنْهَا، وَيَفْرُغْ مِنْهَا. فَلَوْ فَنِيَ عَنْهَا- بِتَحَقُّقِهِ أَنَّ الْحَقَّ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي شَكَرَ نَفْسِهُ بِنَفْسِهِ، وَأَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ كَيْفَ يَشْكُرُ مَنْ لَمْ يَزَلْ- عُلِمَ أَنَّ الشُّكْرَ مِنْ مَنَازِلِ الْعَامَّةِ. وَلَوْ أَنَّ السُّلْطَانَ كَسَا عَبْدًا مِنْ عَبِيدِهِ ثَوْبًا مِنْ ثِيَابِهِ. فَأَخَذَ يَشْكُرُ السُّلْطَانَ عَلَى ذَلِكَ: لَعُدَّ مُخْطِئًا، مُسِيئًا لِلْأَدَبِ. فَإِنَّهُ مُدَّعٍ بِذَلِكَ مُكَافَأَةَ السُّلْطَانِ بِشُكْرِهِ. فَإِنَّ الشُّكْرَ مُكَافَأَةٌ. وَالْعَبْدُ أَصْغَرُ قَدْرًا مِنَ الْمُكَافَأَةِ. وَالشُّهُودُ لِلْحَقِيقَةِ يَقْتَضِي اتِّحَادَ نِسْبَةِ الْأَخْذِ وَالْعَطَاءِ، وَرُجُوعَهَا إِلَى وَصْفِ الْمُعْطِي وَقُوَّتِهِ. فَالْخَاصَّةُ يَسْقُطُ عِنْدَهُمُ الشُّكْرُ بِالشُّهُودِ، وَفِي حَقِّهِمْ مَا هُوَ أَعْلَى مِنْهُ.
هَذَا غَايَةُ تَقْرِيرِ كَلَامِهِمْ. وَكَسَوْتُهُ أَحْسَنَ عِبَارَةٍ.
لِئَلَّا يُتَعَدَّى عَلَيْهِمْ بِسُوءِ التَّعْبِيرِ الْمُوجِبِ لِلتَّنْفِيرِ.
وَنَحْنُ مَعَنَا الْعِصْمَةُ النَّافِعَةُ: أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ- غَيْرَ الْمَعْصُومِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ وَمَتْرُوكٌ. وَكُلَّ سَبِيلٍ لَا يُوَافِقُ سَبِيلَهُ فَمَهْجُورٌ غَيْرُ مَسْلُوكٍ. فَأَمَّا تَضَمُّنُ الشُّكْرِ لِنَوْعِ دَعْوَى. فَإِنْ أُرِيدَ بِهَذِهِ الدَّعْوَى إِضَافَةُ الْعَبْدِ الْفِعْلَ إِلَى نَفْسِهِ، وَأَنَّهُ كَانَ بِهِ وَغَابَ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ بِحَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ وَمِنَّتِهِ عَلَى عَبْدِهِ: فَلَعَمْرُ اللَّهِ هَذِهِ عِلَّةٌ مُؤْثَرَةٌ. وَدَعْوَى بَاطِلَةٌ كَاذِبَةٌ. وَإِنْ أُرِيدَ: أَنَّ شُهُودَهُ لِشُكْرِهِ شُهُودُهُ لِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ بِهِ، وَتَوْفِيقِهِ لَهُ فِيهِ، وَإِذْنِهِ لَهُ بِهِ، وَمَشِيئَتِهِ عَلَيْهِ وَمِنَّتِهِ. فَشَهِدَ عُبُودِيَّتَهُ وَقِيَامَهُ
بِهَا، وَكَوْنَهَا بِاللَّهِ.فَأَيُّ دَعْوَى فِي هَذَا؟وَأَيُّ عِلَّةٍ؟.
نَعَمْ غَايَتُهُ:أَنَّهُ لَا يُجَامِعُ الْفَنَاءَ.وَلَا يَخُوضُ تَيَّارَهُ.فَكَانَ مَاذَا؟.
فَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُ الْفَنَاءَ غَايَةً. فَأَوْجَبَ لَكُمْ مَا أَوْجَبَ. وَقَدَّمْتُمُوهُ عَلَى مَا قَدَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. فَتَضَمَّنَ ذَلِكَ تَقْدِيمَ مَا أُخِّرَ، وَتَأْخِيرَ مَا قُدِّمَ. وَإِلْغَاءَ مَا اعْتُبِرَ، وَاعْتِبَارَ مَا أُلْغِيَ.
وَلَوْلَا مِنَّةُ اللَّهِ عَلَى الصَّادِقِينَ مِنْكُمْ بِتَحْكِيمِ الرِّسَالَةِ، وَالتَّقَيُّدِ بِالشَّرْعِ لَكَانَ أَمْرًا غَيْرَ هَذَا. كَمَا جَرَى لِغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ السَّالِكِينَ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقِ الْخَطِرَةِ. فَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. كَمْ فِيهَا مِنْ قَتِيلٍ وَسَلِيبٍ، وَجَرِيحٍ وَأَسِيرٍ وَطَرِيدٍ؟.
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: إِنَّ الشَّاكِرَ فِيهِ بَقِيَّةٌ مِنْ بَقَايَا رَسْمِهِ.
فَيُقَالُ: إِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْبَقِيَّةُ مَحْضَ الْعُبُودِيَّةِ وَمَرْكَبَهَا، وَالْحَامِلَةَ لَهَا: فَأَيُّ نَقْصٍ فِي هَذَا؟ فَإِنَّ الْعُبُودِيَّةَ لَا تَقُومُ بِنَفْسِهَا. وَإِنَّمَا تَقُومُ بِهَذَا الرَّسْمِ. فَلَا نَقْصَ فِي حَمْلِ الْعُبُودِيَّةِ عَلَيْهِ، وَالسَّيْرِ بِهِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. نَعَمِ، النَّقْصُ كُلُّ النَّقْصِ: فِي حَمْلِ النَّفْسِ وَالشَّهْوَةِ وَالْحَظِّ الْمُخَالِفِ لِمُرَادِ الرَّبِّ تَعَالَى الدِّينِيِّ عَلَى هَذَا الرَّسْمِ، وَالسَّيْرِ بِهِ إِلَى النَّفْسِ. وَلَعَلَّ الْعَامِلَ عَلَى الْفَنَاءِ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ. وَهُوَ مَلْبُوسٌ عَلَيْهِ. فَالْعَارِفُ يَسْتَقْصِي التَّفْتِيشَ عَنْ كَمَائِنِ النَّفْسِ.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد : فهذه الحلقة السادسة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان المقدمة
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: مَنْ لَمْ يَكُنْ كَيْفَ يَشْكُرُ مَنْ لَمْ يَزَلْ؟ فَهَذَا بِالشَّطْحِ أَلْيَقُ مِنْهُ بِالْمَعْرِفَةِ. فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَزَلْ إِذَا أَمَرَ مَنْ لَمْ يَكُنْ بِالشُّكْرِ، وَرَضِيَهُ مِنْهُ وَأَحَبَّهُ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِهِ، وَاسْتَدْعَاهُ وَاقْتَضَاهُ مِنْهُ، وَأَوْجَبَ لَهُ بِهِ الْمَزِيدَ، وَأَضَافَهُ إِلَيْهِ، وَاشْتَقَّ مِنْهُ لَهُ الِاسْمُ، وَأَوْقَعَ عَلَيْهِ بِهِ الْحُكْمَ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ غَايَةُ رِضَاهُ مِنْهُ. وَأَمَرَهُ- مَعَ ذَلِكَ- أَنْ يَشْهَدَ أَنَّ شُكْرَهُ بِهِ، وَبِإِذْنِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَتَوْفِيقِهِ: فَهَذَا شُكْرُ مَنْ لَمْ يَكُنْ لِمَنْ يَزَلْ.
وَهُوَ مَحْضُ الْعُبُودِيَّةِ. وَأَمَّا ضَرْبُكُمْ مَثَلَ كِسْوَةِ السُّلْطَانِ لِعَبْدِهِ، وَأَخْذِهِ فِي الشُّكْرِ لَهُ مُكَافَأَةً: فَهَذَا مِنْ أَبْطَلِ الْأَمْثِلَةِ عَقْلًا وَنَقْلًا وَفِطْرَةً. وَهُوَ الْحِجَابُ الَّذِي أَوْجَبَ لِمَنْ قَالَ: إِنَّ شُكْرَ الْمُنْعِمِ لَا يَجِبُ عَقْلًا، مَا قَالَ ذَلِكَ. حَتَّى زَعَمَ أَنَّ شُكْرَهُ قَبِيحٌ عَقْلًا. وَلَوْلَا الشَّرْعُ لَمَا حَسُنَ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ. وَضَرْبُ هَذَا الْمَثَلِ الَّذِي ضَرَبْتُمُوهُ بِعَيْنِهِ. وَهَذَا مِنَ الْقِيَاسِ الْفَاسِدِ، الْمُتَضَمِّنِ قِيَاسَ الْخَالِقِ عَلَى الْمَخْلُوقِ، وَبِمِثْلِهِ عُبِدَتِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالْأَوْثَانُ، إِذْ قَالَ الْمُشْرِكُونَ: جَنَابُ الْعَظِيمِ لَا يُهْجَمُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ وَسَائِلَ وَوَسَائِطَ. وَسَرَتْ هَاتَانِ الرَّقِيقَتَانِ فِيمَنْ فَسَدَ مِنْ أَهْلِ التَّعَبُّدِ وَأَهْلِ النَّظَرِ وَالْبَحْثِ. وَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ.
فَيُقَالُ: الْفَرْقُ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ جِدًّا. تَفُوتُ الْحَصْرَ.
مِنْهَا: أَنَّ الْمَلِكَ مُحْتَاجٌ فَقِيرٌ إِلَى مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ، لَا يَقُومُ مُلْكُهُ إِلَّا بِهِ. فَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى مُعَاوَضَةٍ بِتِلْكَ الْكِسْوَةِ- مَثَلًا- خِدْمَةً لَهُ، وَحِفْظًا لَهُ، وَذَبًّا عَنْهُ، وَسَعْيًا فِي تَحْصِيلِ مَصَالِحِهِ. فَكِسْوَتُهُ لَهُ مِنْ بَابِ الْمُعَاوَضَةِ وَالْمُعَاوَنَةِ. فَإِذَا أَخَذَ فِي شُكْرِهِ. فَكَأَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ ثَمَنًا لِنِعْمَتِهِ. وَلَيْسَ بِثَمَنٍ لَهَا.
وَأَمَّا إِنْعَامُ الرَّبِّ تَعَالَى عَلَى عَبْدِهِ: فَإِحْسَانٌ إِلَيْهِ، وَتَفَضُّلٌ عَلَيْهِ، وَمُجَرَّدُ امْتِنَانٍ. لَا لِحَاجَةٍ مِنْهُ إِلَيْهِ، وَلَا لِمُعَاوَضَةٍ، وَلَا لِاسْتِعَانَةٍ بِهِ، وَلَا لِيَتَكَثَّرَ بِهِ مِنْ قِلَّةٍ، وَلَا لِيَتَعَزَّزَ بِهِ مِنْ ذِلَّةٍ، وَلَا لِيَقْوَى بِهِ مِنْ ضَعْفٍ. سُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ.
وَأَمْرُهُ لَهُ بِالشُّكْرِ أَيْضًا: إِنْعَامٌ آخَرُ عَلَيْهِ. وَإِحْسَانٌ مِنْهُ إِلَيْهِ. إِذْ مَنْفَعَةُ الشُّكْرِ تَرْجِعُ إِلَى الْعَبْدِ دُنْيَا وَآخِرَةً. لَا إِلَى اللَّهِ. وَالْعَبْدُ هُوَ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِشُكْرِهِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} فَشُكْرُ الْعَبْدِ إِحْسَانٌ مِنْهُ إِلَى نَفْسِهِ دُنْيَا وَأُخْرَى. فَلَا يُذَمُّ مَا أَتَى بِهِ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لَا يُحْسِنُ مُقَابَلَةَ الْمُنْعِمِ بِهِ. وَلَا يَسْتَطِيعُ شُكْرَهُ. فَإِنَّهُ إِنَّمَا هُوَ مُحْسِنٌ إِلَى نَفْسِهِ بِالشُّكْرِ. لَا أَنَّهُ مُكَافِئٌ بِهِ لِنِعَمِ الرَّبِّ. فَالرَّبُّ تَعَالَى لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُكَافِئَ نِعَمَهُ أَبَدًا، وَلَا أَقَلَّهَا، وَلَا أَدْنَى نِعْمَةٍ مِنْ نِعَمِهِ. فَإِنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُنْعِمُ الْمُتَفَضِّلُ، الْخَالِقُ لِلشُّكْرِ وَالشَّاكِرِ، وَمَا يُشْكَرُ عَلَيْهِ. فَلَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُحْصِيَ ثَنَاءً عَلَيْهِ. فَإِنَّهُ هُوَ الْمُحْسِنُ إِلَى عَبْدِهِ بِنِعَمِهِ، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ بِأَنْ أَوْزَعَهُ شُكْرَهَا. فَشُكْرُهُ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْهِ. تَحْتَاجُ إِلَى شُكْرٍ آخَرَ. وَهَلُمَّ جَرًّا.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد : فهذه الحلقة السابعة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان المقدمة
وَمِنْ تَمَامِ نِعْمَتِهِ سُبْحَانَهُ، وَعَظِيمِ بِرِّهِ وَكَرَمِهِ وَجُودِهِ: مَحَبَّتُهُ لَهُ عَلَى هَذَا الشُّكْرِ. وَرِضَاهُ مِنْهُ بِهِ. وَثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ بِهِ، وَمَنْفَعَتُهُ وَفَائِدَتُهُ مُخْتَصَّةٌ بِالْعَبْدِ. لَا تَعُودُ مَنْفَعَتُهُ عَلَى اللَّهِ. وَهَذَا غَايَةُ الْكَرَمِ الَّذِي لَا كَرَمَ فَوْقَهُ. يُنْعِمُ عَلَيْكَ ثُمَّ يُوزِعُكَ شُكْرَ النِّعْمَةِ، وَيَرْضَى عَنْكَ. ثُمَّ يُعِيدُ إِلَيْكَ مَنْفَعَةَ شُكْرِكَ. وَيَجْعَلُهُ سَبَبًا لِتَوَالِي نِعَمِهِ وَاتِّصَالِهِ إِلَيْكَ، وَالزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ مِنْهَا.
وَهَذَا الْوَجْهُ وَحْدَهُ يَكْفِي اللَّبِيبَ لِيَتَنَبَّهَ بِهِ عَلَى مَا بَعْدَهُ. وَأَمَّا كَوْنُ الشُّهُودِ يُسْقِطُ الشُّكْرَ: فَلَعَمْرُ اللَّهِ، إِنَّهُ إِسْقَاطٌ لِحَقِّ الْمَشْكُورِ بِحَظِّ الشَّاهِدِ. نَعَمْ بِحَظٍّ عَظِيمٍ مُتَعَلِّقٍ بِالْحَقِّ عَزَّ وَجَلَّ، لَا حَظٍّ سُفْلِيٍّ، مُتَعَلِّقٍ بِالْكَائِنَاتِ وَلَكِنَّ صَاحِبَهُ قَدْ سَارَ مِنْ حَرَمٍ إِلَى حَرَمٍ. وَكَانَ يَقَعُ لِي هَذَا الْقَدَرُ مُنْذُ أَزْمَانٍ. وَلَا أَتَجَرَّأُ عَلَى التَّصْرِيحِ بِهِ. لِأَنَّ أَصْحَابَهُ يَرَوْنَ مَنْ ذَكَّرَهُمْ بِهِ بِعَيْنِ الْفَرْقِ الْأَوَّلِ. فَلَا يُصْغُونَ إِلَيْهِ أَلْبَتَّةَ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ ذَاقُوا حَلَاوَتَهُ وَلَذَّتَهُ. وَرَأَوْا تَخْبِيطَ أَهْلِ الْفَرْقِ الْأَوَّلِ، وَتُلَوُّثَهُمْ بِنُفُوسِهِمْ وَعَوَالِمِهَا. وَانْضَافَ إِلَى ذَلِكَ: أَنْ جَعَلُوهُ غَايَةً، فَتَرَكَّبَ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ مَا تَرَكَّبَ. وَإِذَا لَاحَتِ الْحَقَائِقُ فَلْيَقُلِ الْقَائِلُ مَا شَاءَ.
* دَرَجَاتُ الشُّكْرِ: الدَّرَجَةُ الْأُولَى الشُّكْرُ عَلَى الْمَحَابِّ : قَالَ: وَهُوَ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ. الدَّرَجَةُ الْأُولَى: الشُّكْرُ عَلَى الْمُحَابِّ. وَهَذَا شُكْرٌ تَشَارَكَتْ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسُ. وَمِنْ سِعَةِ رَحْمَةِ الْبَارِي سُبْحَانَهُ: أَنْ عَدَّهُ شُكْرًا. وَوَعَدَ عَلَيْهِ الزِّيَادَةَ، وَأَوْجَبَ فِيهِ الْمَثُوبَةَ.
إِذَا عَلِمْتَ حَقِيقَةَ الشُّكْرِ وَأَنَّ جُزْءَ حَقِيقَتِهِ: الِاسْتِعَانَةُ بِنِعَمِ الْمُنْعِمِ عَلَى طَاعَتِهِ وَمَرْضَاتِهِ: عَلِمْتَ اخْتِصَاصَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ بِهَذِهِ الدَّرَجَةِ. وَأَنَّ حَقِيقَةَ الشُّكْرِ عَلَى الْمَحَابِّ لَيْسَتْ لِغَيْرِهِمْ.
نَعَمْ لِغَيْرِهِمْ مِنْهَا بَعْضُ أَرْكَانِهَا وَأَجْزَائِهَا، كَالِاعْتِرَافِ
بِالنِّعْمَةِ، وَالثَّنَاءِ عَلَى الْمُنْعِمِ بِهَا. فَإِنَّ جَمِيعَ الْخَلْقِ فِي نِعَمِ اللَّهِ، وَكُلُّ مَنْ أَقَرَّ بِاللَّهِ رَبًّا، وَتَفَرَّدَهُ بِالْخَلْقِ وَالْإِحْسَانِ. فَإِنَّهُ يُضِيفُ نِعْمَتَهُ إِلَيْهِ، لَكِنَّ الشَّأْنَ فِي تَمَامِ حَقِيقَةِ الشُّكْرِ. وَهُوَ الِاسْتِعَانَةُ بِهَا عَلَى مَرْضَاتِهِ. وَقَدْ كَتَبَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِلَى مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ أَقَلَّ مَا يَجِبُ لِلْمُنْعِمِ عَلَى مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ: أَنْ لَا يَجْعَلَ مَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ سَبِيلًا إِلَى مَعْصِيَتِهِ. وَقَدْ عُرِفَ مُرَادُ الشَّيْخِ. وَهُوَ أَنَّ هَذَا الشُّكْرَ مُشْتَرَكٌ. وَهُوَ الِاعْتِرَافُ بِنِعَمِهِ سُبْحَانَهُ، وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِ بِهَا، وَالْإِحْسَانُ إِلَى خَلْقِهِ مِنْهَا. وَهَذَا بِلَا شَكٍّ يُوجِبُ حِفْظَهَا عَلَيْهِمْ وَالْمَزِيدَ مِنْهَا. فَهَذَا الْجُزْءُ مِنَ الشُّكْرِ مُشْتَرَكٌ. وَقَدْ تَكُونُ ثَمَرَتُهُ فِي الدُّنْيَا بِعَاجِلِ الثَّوَابِ. وَفِي الْآخِرَةِ: بِتَخْفِيفِ الْعِقَابِ. فَإِنَّ النَّارَ دَرَكَاتٌ فِي الْعُقُوبَةِ مُخْتَلِفَةٌ.
*الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ: الشُّكْرُ فِي الْمَكَارِهِ :
قَالَ: الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ: الشُّكْرُ فِي الْمَكَارِهِ. وَهَذَا مِمَّنْ تَسْتَوِي عِنْدَهُ الْحَالَاتُ: إِظْهَارًا لِلرِّضَا. وَمِمَّنْ يُمَيِّزُ بَيْنَ الْأَحْوَالِ: لِكَظْمِ الْغَيْظِ، وَسَتْرِ الشَّكْوَى. وَرِعَايَةِ الْأَدَبِ. وَسَلُوكِ مَسْلَكِ الْعِلْمِ. وَهَذَا الشَّاكِرُ أَوَّلُ مَنْ يُدْعَى إِلَى الْجَنَّةِ. يَعْنِي أَنْ الشُّكْرَ عَلَى الْمَكَارِهِ: أَشَدُّ وَأَصْعَبُ مِنَ الشُّكْرِ عَلَى الْمَحَابِّ. وَلِهَذَا كَانَ فَوْقَهُ فِي الدَّرَجَةِ. وَلَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ أَحَدِ رَجُلَيْنِ: إِمَّا رَجُلٌ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الْحَالَاتِ: بَلْ يَسْتَوِي عِنْدَهُ الْمَكْرُوهُ وَالْمَحْبُوبُ. فَشُكْرُ هَذَا: إِظْهَارٌ مِنْهُ لِلرِّضَا بِمَا نَزَلَ بِهِ. وَهَذَا مَقَامُ الرِّضَا.
الرَّجُلُ الثَّانِي: مَنْ يُمَيِّزُ بَيْنَ الْأَحْوَالِ. فَهُوَ لَا يُحِبُّ الْمَكْرُوهَ. وَلَا يَرْضَى بِنُزُولِهِ بِهِ. فَإِذَا نَزَلَ بِهِ مَكْرُوهٌ شَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَيْهِ، فَكَانَ شُكْرُهُ كَظْمًا لِلْغَيْظِ الَّذِي أَصَابَهُ، وَسَتْرًا لِلشَّكْوَى، وَرِعَايَةً مِنْهُ لِلْأَدَبِ، وَسُلُوكًا لِمَسْلَكِ الْعِلْمِ. فَإِنَّ الْعِلْمَ وَالْأَدَبَ يَأْمُرَانِ بِشُكْرِ اللَّهِ عَلَى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ. فَهُوَ يَسْلُكُ بِهَذَا الشُّكْرِ مَسْلَكَ الْعِلْمِ. لِأَنَّهُ شَاكِرٌ لِلَّهِ شُكْرَ مَنْ رَضِيَ بِقَضَائِهِ،كَحَالِ الَّذِي قَبْلَهُ.فَالَّذِي قَبْلَهُ:أَرْفَعُ مِنْهُ.
وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا الشَّاكِرُ أَوَّلَ مَنْ يُدْعَى إِلَى الْجَنَّةِ: لِأَنَّهُ قَابِلٌ لِلْمَكَارِهِ- الَّتِي يُقَابِلُهَا أَكْثَرُ النَّاسِ بِالْجَزَعِ وَالسُّخْطِ، وَأَوْسَاطُهُمْ بِالصَّبْرِ، وَخَاصَّتُهُمْ بِالرِّضَا- فَقَابَلَهَا هُوَ بِأَعْلَى مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ. وَهُوَ الشُّكْرُ. فَكَانَ أَسْبَقَهُمْ دُخُولًا إِلَى الْجَنَّةِ. وَأَوَّلَ مَنْ يُدْعَى مِنْهُمْ إِلَيْهَا. وَقَسَّمَ أَهْلَ هَذِهِ الدَّرَجَةِ إِلَى قِسْمَيْنِ: سَابِقِينَ، وَمُقَرَّبِينَ بِحَسَبِ انْقِسَامِهِمْ إِلَى مَنْ يَسْتَوِي عِنْدَهُ الْحَالَاتُ، مِنَ الْمَكْرُوهِ وَالْمَحْبُوبِ، فَلَا يُؤْثَرُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ. بَلْ قَدْ فَنِيَ بِإِيثَارِهِ مَا يَرْضَى لَهُ بِهِ رَبُّهُ عَمَّا يَرْضَاهُ هُوَ لِنَفْسِهِ. وَإِلَى مَنْ يُؤْثِرُ الْمَحْبُوبَ، وَلَكِنْ إِذَا نَزَلَ بِهِ الْمَكْرُوهُ قَابَلَهُ بِالشُّكْرِ.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد : فهذه الحلقة الثامنة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان المقدمة
*الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ أَنْ لَا يَشْهَدَ الْعَبْدُ إِلَّا الْمُنْعِمَ :
قَالَ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ لَا يَشْهَدَ الْعَبْدُ إِلَّا الْمُنْعِمَ. فَإِذَا شَهِدَ الْمُنْعِمَ عُبُودِيَّةً: اسْتَعْظَمَ مِنْهُ النِّعْمَةَ. وَإِذَا شَهِدَهُ حُبًّا: اسْتَحْلَى مِنْهُ الشِّدَّةَ. وَإِذَا شَهِدَهُ تَفْرِيدًا: لَمْ يَشْهَدْ مِنْهُ نِعْمَةً،وَلَا شَدَّةً. هَذِهِ الدَّرَجَةُ يَسْتَغْرِقُ صَاحِبُهَا بِشُهُودِ الْمُنْعِمِ عَنِ النِّعْمَةِ. فَلَا يَتَّسِعُ شُهُودُهُ لِلْمُنْعِمِ وَلِغَيْرِهِ. وَقَسَّمَ أَصْحَابَهَا إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَصْحَابُ شُهُودِ الْعُبُودِيَّةِ. وَأَصْحَابُ شُهُودِ الْحُبِّ. وَأَصْحَابُ شُهُودِ التَّفْرِيدِ. وَجَعَلَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ حُكْمًا، هُوَ أَوْلَى بِهِ. فَأَمَّا شُهُودُهُ عُبُودِيَّةً: فَهُوَ مُشَاهَدَةُ الْعَبْدِ لِلسَّيِّدِ بِحَقِيقَةِ الْعُبُودِيَّةِ وَالْمِلْكِ لَهُ، فَإِنَّ الْعَبِيدَ إِذَا حَضَرُوا بَيْنَ يَدَيْ سَيِّدِهِمْ، فَإِنَّهُمْ يَنْسَوْنَ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْجَاهِ، وَالْقُرْبِ الَّذِي اخْتُصُّوا بِهِ عَنْ غَيْرِهِمْ بِاسْتِغْرَاقِهِمْ فِي أَدَبِ الْعُبُودِيَّةِ وَحَقِّهَا، وَمُلَاحَظَتِهِمْ لِسَيِّدِهِمْ، خَوْفًا أَنْ يُشِيرَ إِلَيْهِمْ بِأَمْرٍ، فَيَجِدَهُمْ غَافِلِينَ عَنْ مُلَاحَظَتِهِ. وَهَذَا أَمْرٌ يَعْرِفُهُ مَنْ شَاهَدَ أَحْوَالَ الْمُلُوكِ وَخَوَاصَّهُمْ. فَهَذَا هُوَ شُهُودُ الْعَبْدِ لِلْمُنْعِمِ بِوَصْفِ عُبُودِيَّتِهِ لَهُ، وَاسْتِغْرَاقِهِ عَنِ الْإِحْسَانِ بِمَا حَصَلَ لَهُ مِنْهُ الْقُرْبُ الَّذِي تَمَيَّزَ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ.
فَصَاحِبُ هَذَا الْمَشْهَدِ: إِذَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ سَيِّدُهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ- مَعَ قِيَامِهِ فِي مَقَامِ الْعُبُودِيَّةِ- يُوجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَصْغِرَ نَفْسَهُ فِي حَضْرَةِ سَيِّدِهِ غَايَةَ الِاسْتِصْغَارِ، مَعَ امْتِلَاءِ قَلْبِهِ مِنْ مَحَبَّتِهِ، فَأَيُّ إِحْسَانٍ نَالَهُ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. رَآهُ عَظِيمًا. وَالْوَاقِعُ شَاهِدٌ بِهَذَا فِي حَالِ الْمُحِبِّ الْكَامِلِ الْمَحَبَّةِ، الْمُسْتَغْرِقِ فِي مُشَاهَدَةِ مَحْبُوبِهِ إِذَا نَاوَلَهُ شَيْئًا يَسِيرًا. فَإِنَّهُ يَرَاهُ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ عَظِيمًا جِدًّا. وَلَا يَرَاهُ غَيْرُهُ كَذَلِكَ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: يَشْهَدُ الْحَقَّ شُهُودَ مَحَبَّةٍ غَالِبَةٍ قَاهِرَةٍ لَهُ، مُسْتَغْرِقٌ فِي شُهُودِهِ كَذَلِكَ. فَإِنَّهُ يَسْتَحْلِي فِي هَذِهِ الْحَالِ الشِّدَّةَ مِنْهُ. لِأَنَّ الْمُحِبَّ يَسْتَحْلِي فِعْلَ الْمَحْبُوبِ بِهِ. وَأَقَلُّ مَا فِي هَذَا الْمَشْهَدِ: أَنْ يُخِفَّ عَلَيْهِ حِمْلُ الشَّدَائِدِ،إِنْ لَمْ تَسْمَحْ نَفْسُهُ بِاسْتِحْلَائِهَا. وَفِي هَذَا مِنَ الْحِكَايَاتِ الْمَعْرُوفَةِ عِنْدَ النَّاسِ مَا يُغْنِي عَنْ ذِكْرِهَا، كَحَالِ الَّذِي كَانَ يُضْرَبُ بِالسِّيَاطِ وَلَا يَتَحَرَّكُ، حَتَّى ضُرِبَ آخَرَ سَوْطٍ. فَصَاحَ صِيَاحًا شَدِيدًا. فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ. فَقَالَ: الْعَيْنُ الَّتِي كَانَتْ تَنْظُرُ إِلَيَّ وَقْتَ الضَّرْبِ كَانَتْ تَمْنَعُنِي مِنَ الْإِحْسَاسِ بِالْأَلَمِ. فَلَمَّا فَقَدْتُهَا وَجَدْتُ أَلَمَ الضَّرْبِ.
وَهَذِهِ الْحَالُ عَارِضَةٌ لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ. فَإِنَّ الطَّبِيعَةَ تَأْبَى اسْتِحْلَاءَ الْمُنَافِي كَاسْتِحْلَاءِ الْمُوَافِقِ.
نَعَمْ قَدْ يَقْوَى سُلْطَانُ الْمَحَبَّةِ حَتَّى يَسْتَحْلِيَ الْمُحِبُّ مَا يَسْتَمِرُّهُ غَيْرُهُ. وَيَسْتَخِفَّ مَا يَسْتَثْقِلُهُ غَيْرُهُ. وَيَأْنَسَ بِمَا يَسْتَوْحِشُ مِنْهُ الْخَلِيُّ. وَيَسْتَوْحِشَ مِمَّا يَأْنَسُ بِهِ، وَيَسْتَلِينَ مَا يَسْتَوْعِرُهُ. وَقُوَّةُ هَذَا وَضَعْفُهُ بِحَسَبِ قَهْرِ سُلْطَانِ الْمَحَبَّةِ، وَغَلَبَتِهِ عَلَى قَلْبِ الْمُحِبِّ.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَشْهَدَهُ تَفْرِيدًا. فَإِنَّهُ لَا يَشْهَدُ مَعَهُ نِعْمَةً وَلَا شِدَّةً. يَقُولُ: إِنَّ شُهُودَ التَّفْرِيدِ: يُفْنِي الرَّسْمَ. وَهَذِهِ حَالُ الْفَنَاءِ الْمُسْتَغْرِقِ فِيهِ، الَّذِي لَا يَشْهَدُ نِعْمَةً وَلَا بَلِيَّةً. فَإِنَّهُ يَغِيبُ بِمَشْهُودِهِ عَنْ شُهُودِهِ لَهُ. وَيَفْنَى بِهِ عَنْهُ. فَكَيْفَ يَشْهَدُ مَعَهُ نِعْمَةً أَوْ بَلِيَّةً؟ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا: مَنْ كَانَتْ مَوَاهِبُهُ لَا تَتَعَدَّى يَدَيْهِ فَلَا وَاهِبَ وَلَا مَوْهُوبَ. وَذَلِكَ مَقَامُ الْجَمْعِ عِنْدَهُمْ، وَبَعْضُهُمْ يُحَرِّمُ الْعِبَارَةَ عَنْهُ.
وَحَقِيقَتُهُ: اصْطِلَامٌ يَرْفَعُ إِحْسَاسَ صَاحِبِهِ بِرَسْمِهِ، فَضْلًا عَنْ رَسْمِ غَيْرِهِ، لِاسْتِغْرَاقِهِ فِي مَشْهُودِهِ وَغَيْبَتِهِ بِهِ عَمَّا سِوَاهُ، وَهَذَا هُوَ مَطْلُوبُ الْقَوْمِ.
وَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّ فَوْقَهُ مَقَامًا أَعْلَى مِنْهُ، وَأَرْفَعُ وَأَجَلُّ. وَهُوَ أَنْ يَصْطَلِمَ بِمُرَادِهِ عَنْ غَيْرِهِ. فَيَكُونَ فِي حَالِ مُشَاهَدَتِهِ وَاسْتِغْرَاقِهِ: مُنَفِّذًا لِمَرَاسِيمِهِ وَمُرَادِهِ.
مُلَاحِظًالِمَا يُلَاحِظُ مَحْبُوبُهُ مِنَ الْمُرَادَاتِ وَالْأَوَامِرِ.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد : فهذه الحلقة التاسعة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان المقدمة
تَأَمَّلِ الْآنَ عَبْدَيْنِ بَيْنَ يَدَيْ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا. وَهُمَا عَلَى مَوْقِفٍ وَاحِدٍ بَيْنَ يَدَيْهِ. أَحَدُهُمَا مَشْغُولٌ بِمُشَاهَدَتِهِ. فَإِنَّ اسْتِغْرَاقَهُ فِي مُلَاحَظَةِ الْمَلِكِ، لَيْسَ فِيهِ مُتَّسَعٌ إِلَى مُلَاحَظَةِ شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْمَلِكِ أَلْبَتَّةَ. وَآخَرُ مَشْغُولٌ بِمُلَاحَظَةِ حَرَكَاتِ الْمَلِكِ وَكَلِمَاتِهِ، وَإِيشِ أَمْرِهِ وَلَحَظَاتِهِ وَخَوَاطِرِهِ، لِيُرَتِّبَ عَلَى كُلٍّ مِنْ ذَلِكَ مَا هُوَ مُرَادٌ لِلْمَلِكِ.
وَتَأَمَّلْ قِصَّةَ بَعْضِ الْمُلُوكِ: الَّذِي كَانَ لَهُ غُلَامٌ يَخُصُّهُ بِإِقْبَالِهِ عَلَيْهِ وَإِكْرَامِهِ، وَالْحُظْوَةِ عِنْدَهُ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ غِلْمَانِهِ- وَلَمْ يَكُنِ الْغُلَامُ أَكْثَرَهُمْ قِيمَةً، وَلَا أَحْسَنَهُمْ صُورَةً- فَقَالُوا لَهُ فِي ذَلِكَ. فَأَرَادَ السُّلْطَانُ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُمْ فَضْلَ الْغُلَامِ فِي الْخِدْمَةِ عَلَى غَيْرِهِ. فَيَوْمًا مِنَ الْأَيَّامِ كَانَ رَاكِبًا فِي بَعْضِ شُئُونِهِ. وَمَعَهُ الْحَشَمُ، وَبِالْبُعْدِ مِنْهُ جَبَلٌ عَلَيْهِ ثَلْجٌ. فَنَظَرَ السُّلْطَانُ إِلَى ذَلِكَ الثَّلْجِ وَأَطْرَقَ. فَرَكَضَ الْغُلَامُ فَرَسَهُ. وَلَمْ يَعْلَمِ الْقَوْمُ لِمَاذَا رَكَضَ. فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ وَمَعَهُ شَيْءٌ مِنَ الثَّلْجِ. فَقَالَ السُّلْطَانُ: مَا أَدْرَاكَ أَنِّي أُرِيدُ الثَّلْجَ؟ فَقَالَ الْغُلَامُ: لِأَنَّكَ نَظَرْتَ إِلَيْهِ. وَنَظَرُ الْمُلُوكِ إِلَى شَيْءٍ لَا يَكُونُ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ. فَقَالَ السُّلْطَانُ: إِنَّمَا أَخُصُّهُ بِإِكْرَامِي وَإِقْبَالِي لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ شُغْلًا، وَشُغْلُهُ مُرَاعَاةُ لَحَظَاتِي، وَمُرَاقِبَةُ أَحْوَالِي.
يَعْنِي فِي -تَحْصِيلِ مُرَادِي.
وَسَمِعْتُ بَعْضَ الشُّيُوخِ يَقُولُ: لَوْ قَالَ مَلِكٌ لِغُلَامَيْنِ لَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، مُسْتَغْرِقَيْنِ فِي مُشَاهَدَتِهِ، وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهِ: اذْهَبَا إِلَى بِلَادِ عَدُوِّي. فَأَوْصِلَا إِلَيْهِمْ هَذِهِ الْكُتُبَ. وَطَالِعَانِي بِأَحْوَالِهِمْ. وَافْعَلَا كَيْتَ وَكَيْتَ. فَأَحَدُهُمَا: مَضَى مِنْ سَاعَتِهِ لِوَجْهِهِ. وَبَادَرَ مَا أَمَرَهُ بِهِ، وَالْآخَرُ قَالَ:أَنَا لَا أَدَعُ مُشَاهَدَتِكَ، وَالِاسْتِغْرَاقَ فِيكَ. وَدَوَامَ النَّظَرِ إِلَيْكَ. وَلَا أَشْتَغِلُ بِغَيْرِكَ: لَكَانَ هَذَا جَدِيرًا بِمَقْتِ الْمَلِكِ لَهُ، وَبُغْضِهِ إِيَّاهُ، وَسُقُوطِهِ مِنْ عَيْنِهِ. إِذْ هُوَ وَاقِفٌ مَعَ مُجَرَّدِ حَظِّهِ مِنَ الْمَلِكِ. لَا مَعَ مُرَادِ الْمَلِكِ مِنْهُ، بِخِلَافِ صَاحِبِهِ الْأَوَّلِ.
وَسَمِعَتْهُ أَيْضًا يَقُولُ: لَوْ أَنَّ شَخْصَيْنِ ادَّعَيَا مَحَبَّةَ مَحْبُوبٍ. فَحَضَرَا بَيْنَ يَدَيْهِ. فَأَقْبَلَ أَحَدُهُمَا عَلَى مُشَاهَدَتِهِ وَالنَّظَرِ إِلَيْهِ فَقَطْ. وَأَقْبَلَ الْآخَرُ عَلَى اسْتِقْرَاءِ مُرَادَاتِهِ وَمَرَاضِيهِ وَأَوَامِرِهِ لِيَمْتَثِلَهَا. فَقَالَ لَهُمَا: مَا تُرِيدَانِ؟ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أُرِيدُ دَوَامَ مُشَاهَدَتِكَ، وَالِاسْتِغْرَاقَ فِي جَمَالِكَ، وَقَالَ الْآخَرُ: أُرِيدُ تَنْفِيذَ أَوَامِرِكَ، وَتَحْصِيلَ مَرَاضِيكَ. فَمُرَادِي مِنْكَ مَا تُرِيدُهُ أَنْتَ مِنِّي. لَا مَا أُرِيدُهُ أَنَا مِنْكَ. وَالْآخَرُ قَالَ: مُرَادِي مِنْكَ تَمَتُّعِي بِمُشَاهَدَتِكَ. أَكَانَا عِنْدَهُ سَوَاءً؟
فَمَنْ هُوَ الْآنَ صَاحِبُ الْمَحَبَّةِ الْمَعْلُولَةِ الْمَدْخُولَةِ، النَّاقِصَةِ النَّفْسَانِيَّةِ، وَصَاحِبُ الْمَحَبَّةِ الصَّحِيحَةِ الصَّادِقَةِ الْكَامِلَةِ؟ أَهَذَا أَمْ هَذَا؟
وَسَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَةَ- قَدَّسَ اللَّهُ رَوْحَهُ- يَحْكِي عَنْ بَعْضِ الْعَارِفِينَ أَنَّهُ قَالَ: النَّاسُ يَعْبُدُونَ اللَّهَ. وَالصُّوفِيَّةُ يَعْبُدُونَ أَنْفُسَهُمْ.
أَرَادَ هَذَا الْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمَ، وَأَنَّهُمْ وَاقِفُونَ مَعَ مُرَادِهِمْ مِنَ اللَّهِ. لَا مَعَ مُرَادِ اللَّهِ مِنْهُمْ. وَهَذَا عَيْنُ عِبَادَةِ النَّفْسِ. فَلْيَتَأَمَّلِ اللَّبِيبُ هَذَا الْمَوْضِعَ حَقَّ التَّأَمُّلِ. فَإِنَّهُ مِحَكٌّ وَمِيزَانٌ. وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
[ الأنترنت – موقع نداء الإيمان ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد : فهذه الحلقة العاشرة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان المقدمة إن العلاج لكثير من مشاكلنا الإيمانية كالفتور والانتكاس والتردد والتذبذب وتخطف الفتن، يتمثل في شكر نعمة الله عز وجل .. وللشكر مقام عظيم يغفل عنه الكثير، ولا يقوم به إلا القليل .. ووالله إنه لسبب كل خير، فالنعم تزيد بالشكر وتحفظ من الزوال بالشكر، قال تعالى {وَإِذ تَأَذَّنَ رَبّكم لَئِن شَكَرتم لَأَزِيدَنَّكم وَلَئِن كَفَرتم إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} إبراهيم :7 ،والشكر واجب من الواجبات التي نأثم على تركها .. قال تعالى {فَاذكرونِي أَذكركم وَاشكروا لِي وَلَا تَكفرونِ} [البقرة: 152] .. عندما يعطينا الله النعمة ولا نشكره عليها، فهذا ذنب لا ننتبه له. وهو الغاية من الخلق .. قال تعالى {وَاللَّه أَخرَجَكم مِن بطونِ أمَّهَاتِكم لَا تَعلَمونَ شَيئًا وَجَعَلَ لَكم السَّمعَ وَالأَبصَارَ وَالأَفئِدَةَ لَعَلَّكم تَشكرونَ} [النحل: 78] والشكر يكون بثلاث أمور:
1)الاعتراف بالنعم باطنًا .. 2) التحدث بها ظاهرًا 3) تصريفها فى طاعة الله. ، فعلينا أن نعدِد نعم الله علينا حتى نستشعرها ولا ننساها.. والشاكر يرى كل شىء حوله نعمة، بل وجوده نعمة ، وكل ما يتمتع به نعمة بل نعم عظيمة من الكريم المنعم
[الأنترنت – موقع الكلم الطيب - تزكية النفس للشيخ هانى حلمى]
*معنى شكر : قال ابن منظور في معنى (شكر ) :
شكر : الشكر : عرفان الإحسان ونشره ، وهو
الشكور أيضا . قال ثعلب : الشكر لا يكون إلا عن يد ، والحمد يكون عن يد وعن غير يد ، فهذا الفرق بينهما . والشكر من الله : المجازاة والثناء الجميل ، شكره وشكر له يشكر شكرا وشكورا وشكرانا ; قال أبو نخيلة :
شكرتك إن الشكر حبل من التقى *** وما كل من أوليـته نـعـمـة يقـضـي
قال ابن سيده : وهذا يدل على أن الشكر لا يكون إلا عن يد،ألا ترى أنه قال : وما كل من أوليته نعمة يقضي أي ليس كل من أوليته نعمة يشكرك عليها .
وحكى اللحياني:شكرت الله وشكرت لله وشكرت بالله ، وكذلك شكرت نعمة الله وتشكر له بلاءه : كشكره . وتشكرت له:مثل شكرت له.وفي حديث يعقوب : إنه كان لا يأكل شحوم الإبل تشكرا لله – عز وجل - ; وأنشد أبو علي :
وإني لآتيكم تشكر ما مضى *** من الأمر واستيجاب ما كان في الغد
أي لتشكر ما مضى ، وأراد ما يكون فوضع الماضي موضع الآتي . ورجل شكور : كثير الشكر . وفي التنزيل العزيز : {إنه كان عبدا شكورا } . وفي الحديث : حين رئي - صلى الله عليه وسلم - وقد جهد نفسه بالعبادة فقيل له : يا رسول الله أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال عليه السلام : أفلا أكون عبدا شكورا ؟ وكذلك الأنثى بغير هاء .
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد : فهذه الحلقة الحادية عشرة في موضوع الشكور وهي إستكما لا للماضية والتي هي بعنوان: المقدمة والشكور : من صفات الله جل اسمه ، معناه : أنه يزكو عنده القليل من أعمال العباد فيضاعف لهم الجزاء ، وشكرهُ لعباده : مغفرته لهم . والشكور من أبنية المبالغة . وأما الشكور من عباد الله فهو الذي يجتهد في شكر ربه بطاعته وأدائه ما وظف عليه من عبادته . قال الله تعالى : { اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور } ; نصب ( شكرا ) لأنه مفعول له كأنه قال : اعملوا لله شكرا ، وإن شئت كان انتصابه على أنه مصدر مؤكد .
والشكر : مثل الحمد إلا أن الحمد أعم منه فإنك تحمد الإنسان على صفاته الجميلة وعلى معروفه ، ولا تشكره إلا على معروفه دون صفاته .
والشكر : مقابلة النعمة بالقول والفعل والنية فيثني
على المنعم بلسانه ويذيب نفسه في طاعته ويعتقد أنه موليها ، وهو من شكرت الإبل تشكر إذا أصابت مرعى فسمنت عليه . وفي الحديث : (لا يشكر الله من لا يشكر الناس ) ; معناه أن الله لا يقبل شكر العبد على إحسانه إليه ، إذا كان العبد لا يشكر إحسان الناس ويكفر معروفهم لاتصال أحد الأمرين بالآخر ، وقيل معناه أنه من كان من طبعه وعادته كفران نعمة الناس وترك الشكر لهم كان من عادته كفر نعمة الله وترك الشكر له ، وقيل معناه أن من لا يشكر الناس كان كمن لا يشكر الله ، وإن شكره ، كما تقول : لا يحبني من لا يحبك أي أن محبتك مقرونة بمحبتي فمن أحبني يحبك ومن لم يحبك لم يحبني ; وهذه الأقوال مبنية على رفع اسم الله تعالى ونصبه .
والشكر:الثناء على المحسن بما أولاكه من المعروف . يقال : شكرته وشكرت له وباللام أفصح . وقوله تعالى : {لا نريد منكم جزاء ولا شكورا } يحتمل أن يكون مصدرا مثل قعد قعودا ، ويحتمل أن يكون جمعا مثل برد وبرود وكفر وكفور .
والشكران :خلاف الكفران . والشكور من الدواب : ما يكفيه العلف القليل ، وقيل : الشكور من الدواب الذي يسمن على قلة العلف كأنه يشكر ، وإن كان ذلك الإحسان قليلا ، وشكره ظهور نمائه وظهور العلف فيه ; قال الأعشى :
ولا بد من غزوة في الربيع *** حجون تكل الوقاح الشكورا
والشكرة والمشكار من الحلوبات : التي تغزر على قلة الحظ من المرعى .
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد :فهذه الحلقة الثانية عشرة في موضوع الشكور وهي إستكما لا للماضية والتي هي بعنوان: المقدمة
وروى الأزهري بسنده : أن مجاعة أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال قائلهم :
ومجاع اليمامة قد أتانا **** يخبرنا بما قال الرسول
فأعطاناالمقادة واستقمنا **وكان المرء يسمع ما يقول
فأقطعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكتب له بذلك كتابا : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا كتاب كتبه محمد رسول الله ،لمجاعة بن مرارة بن سلمى،إني أقطعتك الفورة وعوانة من العرمة والجبل فمن حاجك فإلي . فلما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفد إلى أبي بكر - رضي الله عنه - فأقطعه الخضرمة ، ثم وفد إلى عمر - رضي الله عنه - فأقطعه أكثر ما بالحجر ، ثم إن هلال بن سراج بن مجاعة وفد إلى عمر بن عبد العزيز بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما استخلف فأخذه عمر ووضعه على عينيه ومسح به وجهه رجاء أن يصيب وجهه موضع يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسمر عنده هلال ليلة ، فقال له : يا هلال أبقي من كهول بني مجاعة أحد ؟ قال : نعم وشكير كثير;قال : فضحك عمر ، وقال : كلمة عربية ، قال : فقال جلساؤه : وما الشكير يا أمير المؤمنين ، قال : ألم تر إلى الزرع إذا زكا فأفرخ فنبت في أصوله فذلكم الشكير . ثم أجازه وأعطاه وأكرمه وأعطاه في فرائض العيال والمقاتلة ; قال أبو منصور : أراد بقوله : وشكير كثير أي ذرية صغار ، شبههم بشكير الزرع ، وهو ما نبت منه صغارا في أصول الكبار ;
والشيكران : ضرب من النبت . وبنو شكر : قبيلة في الأزد . وشاكر : قبيلة في اليمن ; قال :
معاوي لم ترع الأمانة - فارعها ** وكن شاكرا لله والدين - شاكر
أراد : لم ترع الأمانة شاكر فارعها وكن شاكرا لله ، فاعترض بين الفعل والفاعل جملة أخرى ، والاعتراض للتشديد قد جاء بين الفعل والفاعل والمبتدأ والخبر والصلة والموصول وغير ذلك مجيئا كثيرا في القرآن وفصيح الكلام . وبنو شاكر : في همدان . وشاكر : قبيلة من همدان باليمن . وشوكر : اسم . ويشكر قبيلة في ربيعة . وبنو يشكر : قبيلة في بكر بن وائل .
قوله تعالى : {ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا } أي يا ذرية من حملنا ، على النداء ; قال
مجاهد ورواه عنه ابن أبي نجيح . والمراد بالذرية كل من احتج عليه بالقرآن ، وهم جميع من على الأرض ; ذكره المهدوي .
وروي عن زيد بن ثابت أيضا ذرية بكسر الذال وشد الراء . ثم بين أن نوحا كان عبدا شكورا يشكر الله على نعمه ولا يرى الخير إلا من عنده . قال قتادة : كان إذا لبس ثوبا قال : بسم الله ، فإذا نزعه قال : الحمد لله . كذا روى عنه معمر . وروى معمر عن منصور عن إبراهيم قال : شكره إذا أكل قال : بسم الله ، فإذا فرغ من الأكل قال : الحمد لله . قال سلمان الفارسي : لأنه كان يحمد الله على طعامه .
وقال عمران بن سليم:إنما سمى نوحا (عبدا شكورا ) لأنه كان إذا أكل قال : الحمد لله الذي أطعمني ولو شاء لأجاعني ، وإذا شرب قال : الحمد لله الذي سقاني ولو شاء لأظمأني ، وإذا اكتسى قال : الحمد لله الذي كساني ولو شاء لأعراني ، وإذا احتذى قال : الحمد لله الذي حذاني ولو شاء لأحفاني ، وإذا قضى حاجته قال : الحمد لله الذي أخرج عني الأذى ولو شاء لحبسه فيّ .
ومقصود الآية : إنكم من ذرية نوح وقد كان عبدا شكورا فأنتم أحق بالاقتداء به دون آبائكم الجهال . وقيل : المعنى أن موسى كان عبدا شكورا إذ جعله الله من ذرية نوح .
وقيل : يجوز أن يكون ذرية مفعولا ثانيا ل تتخذوا ويكون قوله : وكيلا يراد به الجمع فيسوغ ذلك في القراءتين جميعا أعني الياء والتاء في تتخذوا . ويجوز أيضا في القراءتين جميعا أن يكون ذرية بدلا من قوله وكيلا لأنه بمعنى الجمع ; فكأنه قال لا تتخذوا ذرية من حملنا مع نوح . ويجوز نصبها بإضمار أعني وأمدح ، والعرب قد تنصب على المدح والذم . ويجوز رفعها على البدل من المضمر في تتخذوا في قراءة من قرأ بالياء ; ولا يحسن ذلك لمن قرأ بالتاء لأن المخاطب لا يبدل منه الغائب . ويجوز جرها على البدل من بني إسرائيل في الوجهين . فأما أن من قوله ألا تتخذوا فهي على قراءة من قرأ بالياء في موضع نصب بحذف الجار ، التقدير : هديناهم لئلا يتخذوا . ويصلح على قراءة التاء أن تكون زائدة والقول مضمر كما تقدم .ويصلح أن تكون مفسرة بمعنى أي،لاموضع لها من الإعراب، وتكون
"لا"للنهي فيكون خروجا من الخبر إلى النهي . أ ه
[الأنترنت – موقع لسان العرب لابن منظور - لسان العرب جزء 8 ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد :فهذه الحلقة الثالثة عشرة في موضوع الشكور وهي بعنوان: *والشكر لغةً :
فيه معنى الزيادة ، تقول : شكرت الأرض إذا كثر فيها النبات ، وتقول : هذه دابة شكور إذا أظهرت من السِمن فوق ما تُعطى من العلف ، فهو ظهور أثر الغذاء فى أبدان الحيوان ، وفى حديث يأجوج ومأجوج : " وإن دواب الأرض تسمن وتشكر شكراً من لحومهم " أى تسمن وتمتلئ شحماً حيث أن الله يرسل عليهم ديدان تقتلهم فتأكل الدواب لحومهم حتى تسمن سِـمناً عظيماً ، والشكور من الدواب ما يكفيه العلف القليل ويُقال اشتكرت السماء إذا إشتد مطرها – اشتكر الضرع إذا إمتلأ لبناً ، ويقال أشكرت الشاه إذا سمنت وأمتلأ ضرعها لبناً ، ودابة شكور أى مظهرة بسمنها إسداء صاحبها إليها ، وقيل عين شكرى أى ممتلئة فهذه معانى الشكر وهى تدل على الزيادة والنماء .
*والشكر شرعاً : هو الثناء على المحسن بما أعطاك
وأولاك فتكون شكرته وشكرت له،والثانى أفصح .
وهو الوصف الجميل على جهة التعظيم والتبجيل على النعمة من اللسان والجنان والأركان ( جامع العلوم فى اصطلاحات الفنون – تأليف محمد على الفاروقى – تحقيق د. لطفى عبد البديع ج 2 ص 222 ) ، وهو تصور النعمة وإظهارها ، وهو مقلوب من الكشر أى الكشف ويضاده الكفر وهو نسيان النعمة أو سترها ( المفردات للراغب ص 265 ) وهو فعل يُشعر بتعظيم المُنعم بسبب كونه مُنعماً وذلك الفعل إما فعل القلب أى الإعتقاد بإتصاف المحمود بصفات الكمال والجلال ، وإما فعل اللسان أى ذكر ما يدل عليه ، وإما فعل الجوارح وهو الإتيان بأفعال دالة على ذلك ، وهذا هو شكر العبد لله
( اصطلاحات الفنون ص 112 ج 3 ) . وهو الإعتراف للمُنعم بالنعمة على وجه الخضوع . وقيل هو استفراغ الطاقة فى الطاعة ، وقال ابن منظور فى ( لسان العرب ) : الشكر هو معرفة الإحسان ونشره .
*والشكور صيغة مبالغة من شكر ، وإسم الفاعل منه شاكر ، قال تعالى { ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور } فاطر 30 ، وقال تعالى { وقالوا الحمد لله الذى أذهب عنا الحَزَن إن ربنا لغفور شكور } فاطر 34 وقال تعالى { إن يشأ يُسكنِ الريح فيظللن رواكد على ظهره إن فى ذلك لآيات لكل صبّـار شكور } الشورى 33 ، قال تعالى { إن تُقرضوا الله قرضاً حسناً يُضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم } التغابن 17 .
قيل الشكور : معناه أنه يزكو عنده القليل من أعمال العباد فيُضاعف لهم الجزاء ويُجازى على يسير الطاعات كثير الدرجات .
وقيل : هو الذى يدوم شكره ويعم فضله فيُجازى على كل صغير أو كبير من الطاعة كثير من النِعَم ، هذا فى حق الله سبحانه وتعالى . فما الفرق بين الشاكر والشكور فى حق العبد لربه ؟
سؤال : ما الفرق بين الشاكر والشكور فى حق المخلوق ؟
والشكر نصف الإيمان ، قال صلى الله عليه وسلم :" الإيمان نصفان : نصف صبر ونصف شُكر " أخرجه البيهقى فى شُعب الإيمان عن أنس رضى الله عنه ، قال تعالى { إن فى ذلك لآيات لكل صبّـارٍ شكور } والله سبحانه وتعالى سمى نفسه شاكراً وشكوراً ، وسمى الشاكر من عباده بهذين الإسمين فأعطاهم من وصفه وسماهم بإسمه وحسبك بهذا محبة للشاكر وفضلاً ( تهذيب مدارج السالكين ) .[الأنترنت – موقع صيد الفوائد - المدح والحمد والشكر- جمع وترتيب/ ام شهاب هالة يحيى صادق]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد :فهذه الحلقة الرابعة عشرة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: *الشكر لغةً : وقيل الشكر لغة: مصدر شكر يشكر، وهو عرفان الإحسان ونشره. والشكر من الله: المجازاة والثناء الجميل. والشكور: كثير الشكر، والجمع شُكُر، وفي التنزيل: ﴿ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا ﴾ [الإسراء: 3]، وهو من أبنية البالغة.
وأما الشكور في صفات الله - عز وجل - فمعناه أنه يزكو عنده القليل من أعمال العباد فيضاعف لهم الجزاء ، وشكره لعباده قبوله ومغفرته لهم، وقولهم:
(شكر الله سعيه) أي بمعنى أثابه الله على ذلك.
* معنى الشكر اصطلاحا: قيل هو ظهور أثر نعمة الله علي لسان عبده قولا او عملا.
وقيل: الاعتراف بنعمة المنعم على وجه الخضوع.
وقال ابن القيم: الشكر ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده: ثناء واعترافا، وعلى قلبه شهودا ومحبة، وعلى جوارحه انقيادا وطاعة. "مدارج السالكين (2/ 244)".
وقال السعدي - رحمه الله - في تفسيره: (الشكر: اعتراف القلب بمنة الله تعالى، وتلقيها افتقارًا إليها، وصرفها في طاعة الله تعالى، وصونها عن صرفها في المعصية) "11".
وعرفه آخرون بقولهم: الشكر هو الثناء على المنعم بما أولاكه من معروف.[الأنترنت – موقع الألوكة - فضل الشكر وجزاء الشاكرين (خطبة) الشيخ أحمد أبو عيد ]
*ومن كنوز الشكر ..
1)الدافع المتجدد فى الطريق إلى الله ،قال تعالى {إِنَّا هَدَينَاه السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفورًا} [الإنسان: 3] فلن تستطيع أن تسير في الطريق ولن تتوافر لديك الطاقة المتجددة إلا بـالشكر ..
العبد الشاكرالذي يشعر بقيمة النِّعمة طوال الوقت، هو الذي سيكون عنده طاقة متجددة دائمًا ليسعى فى كل خير .. أما الجاحد فلا يقدِّر نعمة الله عليه، مما يؤدي إلى إنقطاعه.
2) العمل الوحيد الذي أطلق الله جزاءه دون مشيئة .. فجزاء أي عمل من الأعمال يترتب على مشيئة الله سبحانه وتعالى، إلا الشكر فجزاءه يكون في الحال .. قال تعالى {.. وَسَيَجزِي اللَّه الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144] .. {.. وَسَنَجزِي الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 145] .ولم يقل الله "إن شاء"، فلو شكرت ستحصل على الجزاء فى الحال .. فسبحان الله الشكور.
3) سبب رضوان الله .. قال تعالى {إِن تَكفروا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكم وَلَا يَرضَى لِعِبَادِهِ الكفرَ وَإِن تَشكروا يَرضَه لَكم } [الزمر:7] .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله تعالى ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليه أو يشرب الشربة فيحمده عليها" [رواه مسلم] .. فالهج دائمًا ب"الحمد لله" ولكن من قلبك .. فالحمد يرضي الله عز وجل عنك، ورضاه يؤدي إلي سعادتك في الدنيا وتمتعَك بالنعيم الذي ما بعده نعيم ورؤية الله عز وجل في الجنة.
4) يبلِّغك درجة المحبة .. استشعارك لنِعم الله عليك وتعدديها، سيزرع حب الله في قلبك .. فالله قد جبل النفوس على حب من أحسن إليها.
5) يحفظك من العذاب في الدنيا والآخرة .. قال الله تعالى {مَا يَفعَل اللَّه بِعَذَابِكم إِن شَكَرتم وَآَمَنتم وَكَانَ اللَّه شَاكِرًا عَلِيمًا} [النساء:147].. فالله سبحانه وتعالى لن يعذبك طالما قد شكرت نعمته وآمنت به، بل وسيشكرك الله عز وجل على خطواتك التي تخطوها في طريقه وقد قدم الشكر على الإيمان، لإنك لن توفق للإيمان بدون شكر.
6) يعالجك من الانتكاس والفتور .. قال الله تعالى {.. وَمَن يَنقَلِب عَلَىَ عَقِبَيهِ فَلَن يَضرَّ اللّهَ شَيئًا وَسَيَجزِي اللَّه الشَّاكِرِينَ } [آل عمران:144] .. فلو شكرت لن تنقلب ولن تكون مترددًا.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد :فهذه الحلقة الخامسة عشرة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: *معنى الشكر :
7) أمان من كيد الشيطان .. أخبر سبحانه وتعالى أن من مقاصد إبليس أن يمنع العباد من الشكر {ثمَّ لَآَتِيَنَّهم مِن بَينِ أَيدِيهِم وَمِن خَلفِهِم وَعَن أَيمَانِهِم وَعَن شَمَائِلِهِم وَلَا تَجِد أَكثَرَهم شَاكِرِينَ} [الأعراف:17] .. فكأنه ذكرالداء والدواء الداء:هو جحود النعمة والدواء : هو الشكر .. فالشكر يحفظك من الشيطان.
8) من أراد أن يكون من صفوة خلق الله في الأرض فعليه بمزيد الشكر .. فالله وصف الشاكرين بأنهم قليل من عباده {وَقَلِيلٌ مِّن عِبَادِيَ الشَّكور} [سبأ :13] .. فهؤلاء هم الصفوة. وهناك بعض المفاهيم الخاطئة عن الشكر .. تعالوا كي نصححها :
المفهوم الأول: اعلم أنه لا يوجد تعارض بين شكر الله وشكر الناس .. لأن الله أمر بشكر الناس إذا صنعوا لنا معروفاً .. وقال النبي صلى الله عليه وسلم "لايشكر الله من لايشكر الناس" [رواه أبو داوود وصححه الألباني].
وهناك فرق بين شكر العبد وشكر الرب .. فشكر الرب فيه خضوع وذل وعبودية، أما شكر الناس فمجرد مكافأة مقابل ما أعطاه لك، وتدعو له وتثني عليه.
المفهوم الثاني: التحدث بالنعم والحسد .. قال النبي
صلى الله عليه وسلم "استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود" [صحيح الجامع (943)] ..
ولكن هناك نِعم لا يمكن أن يخفيها العبد ... وقد بين الشرع الحكيم الضوابط لهذا الأمر:
الضابط الأول: لا تكتم النعمة وإن أسديتها فأظهر نعمة الله فيها .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أنعم الله
عليه نعمة فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده" [رواه أحمد وصححه الألباني] .. استحضر دائمًا فضل الله عليك وأن هذه النعمة لم تأتِ بحولك ولا قوتك ولا تقصد بالتحدث بها أن تتميز على الناس، حتى يحفظك الله من كل حسد وابتلاء.
الضابط الثاني: عدم الخيلاء والاسراف .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا ما لم يخالط إسراف ولا مخيلة" [رواه أحمد وحسنه الألباني]
أما الحاسد فعلاجه في قول الله تعالى{وَلَا تَتَمَنَّوا مَا فَضَّلَ اللَّه بِهِ بَعضَكم عَلَى بَعضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكتَسَبوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكتَسَبنَ وَاسأَلوا اللَّهَ مِن فَضلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكلِّ شَيءٍ عَلِيمًا} [النساء:32]
المفهوم الثالث: استمتع واشكر .. قال تعالى {يَا أَيّهَا الَّذِينَ آَمَنوا كلوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقنَاكم وَاشكروا لِلَّهِ إِن كنتم إِيَّاه تَعبدونَ} [البقرة: 172] .. إذا منَّ الله عليك بنعمة من نعمه فتمتَّع بها وقم بشكره عليها وتصريفها في مرضاته ولا تحرِم ما أحلّ الله. فهيا تميز عند ربك وكن من القليل .. واجعل لك من الاّن حظ من هذا المقام العظيم حتى لاتحرم من هذه الكنوز.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد :فهذه الحلقة السادسة عشرة في موضوع الشكور وهي بعنوان:دلالة إقتران الشكور بالحليم :
– علمنا أن (الشكر) في حق الله -عز وجل- هو مجازاة عبادة الكثير على القليل من أعمالهم وطاعتهم، وتوفيقه -سبحانه وتعالى- عباده إلى الطاعة بمجرد الإقبال عليها بصدق، فمن أسمائه الحسنى -عز وجل- (الشاكر)، وماذا عن (الشكور). هل هو من الأسماء الحسنى؟
– نعم (الشكور) من أسماء الله الحسنى، ورد في كتاب الله -عز وجل- ثلاث مرات، مرتين مع (الغفور) أتى بعده (غفور شكور)،ومرة واحدة مع (الحليم) أتى قبله.{إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ}(التغابن: 17).
– والفرق بين (الشاكر) و(الشكور)؟
– علمنا أن (الشكر) عرفان الإحسان والإقرار
بالفضل للآخر، وفي حق الله الجزاء الجزيل على العمل القليل. و(الشكور) صيغة مبالغة من (الشكر) وأبلغ من (الشاكر)، ولو تدبرنا الآية التي ورد فيها اسم (الشكور) لوجدنا أنها آية الإنفاق في سبيل الله ووصفه الله بـ(القرض) لله سبحانه وتعالى، ونعلم جميعاً أن ميزان الحسنة أن الحسنة بعشرأمثالها،وجزاء الإنفاق الحسنة بسبعمئة ضعف.
{مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}(البقرة: 261)، فناسب أن تختم آية الإنفاق بـ(الشكور)،
وآية الطواف بـ(الشاكر). آية الإنفاق هذه جاءت بعد آيات أن من الأزواج والأولاد عدو للإنسان، وأنهم فتنة، وهنا يرشد الله إلى بعض نواحي إصلاح الأسرة بأن يتخلق العبد بـ(الشكر والحلم) فيقبل الطيب من الزوجة والأولاد ويجازى عليه بأكثر منه، و(يحلم) عن الإساءة ولا يعاجل المسيء بالعقوبة، فتستقيم الحياة على أحسن حال، وكذلك أن الله يجزى المحسن بأضعاف ما أنفق، و(يحلم) على البخيل والمقتر والمقصر في قضية الإنفاق حتى يرجع إلى الله، ولا يعاجله بالعقوبة بأن يمنعه الرزق والخير لمجرد تقصيره.والله أعلم.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد :فهذه الحلقة السابعة عشرة في موضوع الشكور وهي بعنوان: دلالة إقتران الشكور بالحليم
قال خالد السبت : أما الحميد : فهو مأخوذ من الحمد , والحمد يقابل الذم , وحقيقة الحمد هو وصف المحمود بصفات الكمال مع المحبة والتعظيم , لأنه لو لم يكن مع المحبة والتعظيم فإنه حينئذ يكون نفاقا وتزلفا. *الحمد لا يكون شيئا في القلب وإنما يكون باللسان مع مواطئة الحب ومع المحبة
والتعظيم لهذه الأوصاف التي حمدته بها.
• تفسير العلماء للحمد بأنه الثناء على المحمود بأوصاف الكمال , وهذا فيه نظر لأن الثناء هو إخبار عن كمية الحمد , فهو تكراره ثانيا , ولهذا يقال إذا كررت الحمد ثانية سمي ذلك ثناءا , وإذا كررته أكثر من ذلك فإن هذا هو التمجيد , والدليل على ذلك ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة المشهور من قول الله تبارك وتعالى ( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين , فنصفها لي ونصفها لعبدي ) إلى أن قال ( فإذا قال العبد الحمدلله رب العالمين قال الله حمدني عبدي ) الآن أثنيت على الله بالأوصاف الكاملة ( وإذا قال العبد الرحمان الرحيم قال الله أثنى علي عبدي ) وعليه إذا فلا يقال أن الحمد هو الثناء على المحمود بصفات الكمال.• الحمد اسم جنس , والجنس له كمية وكيفية , فكميته هي التي يقال لها الثناء , والتمجيد كيفيته وتعظيمه.• هذا الحمد الذي نحمد الله عزوجل هو على نوعين:1- نحمده على إحسانه وإفضاله وإنعامه على عباده , وهذا يكون من قبيل الشكر.
2- حمد لما يستحقه بنفسه سبحانه وتعالى من نعوت الكمال , وهذا الحمد لا يكون إلا على ما هو في نفسه مستحق للحمد حقيقة , وإنما يستحق ذلك من هو متصف بصفات الكمال , وعلى قدر كمالاته يكون حمده مكملا.
• قد يسأل البعض ما الفرق بين الحمد والشكر ؟- بعض أهل العلم ومنهم كبير المفسرين ابن جرير الطبري رحمه الله والمبرد وطائفة ذهبوا إلى أن الحمد والشكر بمعنى واحد ولا فرق بينهما , وهذا فيه نظر ومعلوم أن الترادف لا يوجد في اللغة أو في القرآن إلا نادرا إن وجد.
- ولهذا ذهب ابن كثير رحمه الله إلى الفرق بين الحمد والشكر,وقال بهذا التفريق طائفة من أهل العلم.
- فالذين فرقوا قالوا الحمد كالمدح , ونقيضه الذم ,
وأما الشكر فإن الذي يقابله هو الكفران , تقول
فلان شكر النعمة وفلان كفر النعمة , فالحمد لا يقابله الكفر ، وفرقوا أيضا من وجه آخر وقالوا إن الحمد هو الثناء بالقول على المحمود بصفاته اللازمة والمتعدية , اللازمة مثل العظمة والمتعدية مثل الكرم والرزق والإنعام وما شابه ذلك يعني أنها تتعدى إلى المخلوقين , وأما الشكر فإنه لا يكون إلا على الصفات المتعدية , تشكره على إحسانه وإنعامه وأنه أنقذك من مكروه أو كربة أو مصيبة , وهكذا بالنسبة للناس , فأنت تشكر إنسان لأنه تفضل عليك أو أحسن إليك , فتقول أشكرك لما قدمت إلي من معروف , وأما الحمد فإنك تحمد هذا الإنسان على حسنه وعلى جمال وجهه وعلى طوله وعلى قوة شخصيته وعلى حيائه وكرمه, الشكر يكون باللسان والقلب والجوارح , باللسان بأن تذكر محاسنه , وفي قلبك بأن يكون فيه محبة المنعم واستحضار هذا الإنعام , ويكون بالجوارح بأن تشتغل هذه الجوارح بالتقرب إليه , وأصل الشكر مأخوذ من الظهور , ولذلك يقال للعسلوج وهو فرع الشجرة التي قطعت يظهر منها فرع أخضر صغير يقال له شكير لأن هذا الغصن الصغير ظهر بعد أن لم يكن , ولهذا يقال شكرت
هذه الدابة أي يظهر عليها أثر السمنة.
ولهذا قال الشاعر:
أفادتكم النعماء مني ثلاثة** يدي ولساني والضمير المحجب
بمعنى أن إنعامكم ظهر أثره علي في ثلاثة أشياء , يدي فصارت جوارحي تعمل في التقرب إليكم بمقابل إحسانكم , ولساني بالثناء عليكم , والضمير المحجب بمعنى قامت هذه المعاني واستحضار النعمة في قلبي فلم أعرض عنها ولم أغفل عنها.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد :فهذه الحلقة الثامنة عشرة في موضوع
الشكور وهي بعنوان : الفرق بين الحمد والشكر
- بعض العلماء يقول الشكر هو ثناء على الله بأفعاله وأنعامه , والحمد ثناء بأوصافه.
- وبعض العلماء يقول لا يكون الشكر إلا على
جزاء النعمة , وبينما الحمد يكون جزاءا كالشكر
ويكون ابتداءا من غير سابق نعمة
• أيهما أعم الحمد أو الشكر ؟
- ذهب ابن كثير رحمه الله إلى أن بينهما عموما وخصوصا , يعني أن أحدهما أعم من جهة وأخص من جهة , والآخر أعم من جهة وأخص من جهة , فالحمد أعم من الشكر من حيث ما يقعان عليه لأنه يكون على الصفات اللازمة والمتعدية , وهو أخص من الشكر من حيث الأداة التي يقع بها لأن الحمد لا يكون إلا بالقول لكن مع مواطئة القلب.
وأما الشكر فهو أعم من الحمد من جهة الأداة التي يقع بها لأن الشكر يكون باللسان وبالقلب وبالجوارح , وأخص من الحمد لأنه لا يكون إلا على الصفات المتعدية فقط.
- قال ابن عطية رحمه الله: الحمد أعم من الشكر , لأن الشكر إنما يكون على فعل جميل يسدى إلى الشاكر وشكره نوع من الحمد , والحمد المجرد هو ثناء بصفات المحمود من غير أن يسدي شيئا.
- والخلاصة: أن الحمد أخص من الشكر موردا , وأعم منه متعلقا , فمورد الحمد اللسان فقط ومتعلقه النعمة وغير النعمة ,ومورد الشكر اللسان والقلب والجوارح , ومتعلق الشكر هو النعمة فقط.
• الله عزوجل حميد , وإذا تأملت هذا الاسم الكريم , وتأملت صياغته وبناؤه وتركيبه , فإنه من فعيل بمعنى مفعول , وفعيلا تأتي بمعنى مفعول وبمعنى فاعل , فالحميد يمكن أن يراد به من حيث هو بغض النظر عن تسمية الله عزوجه به يمكن أن يراد به الحامد ويمكن أن يراد به المحمود , هذا من حيث بناء الاسم , وأكثر ما يأتي هذا الوزن الفعيل في أسماء الله تعالى بمعنى فاعل كالسميع ليس بمعنى المسموع وإنما بمعنى السامع وكالبصير بمعنى المبصر وكالعليم بمعنى العالم وكالقدير بمعنى القادر وكذلك الحليم والحكيم والعلي وما إلى ذلك , وقد يأتي الفعيل بالنسبة لأسماء الله عزوجل بمعنى المفعول , وعلى كل حال قد يأتي من أسماء الله عزوجل ما هو على زنة مفعول أيضا ويراد به الفاعل , مثل الغفور بمعنى الغافر , والشكور بمعنى الشاكر , والصبور بمعنى الصابر.
أما الحمد فلم يأتي إلا بمعنى المحمود , هذا بالنسبة لتسمية الله عزوجل به , ولا شك أن هذا البناء الحميد أبلغ من المحمود , ولا شك أن العدول من المحمود إلى الحميد مع أنه بمعنى المحمود لا شك أن هذا العدول يزيد في معناه من جهة المدح وقوة المعنى بلا ريب ,وذلك أن هذا البناء الفعيل الحميد الذي هو بمعنى محمود لما عدل به هذا العدول صار يعطي معنى زائدا بحيث يكون هذا الوصف الذي تضمنه هذا الاسم كأنه صار سجية ملازمة لهذا المسمى وكأنه صار شيئا غريزيا وخلقا لازما لهذا المسمى كما تقول فلان ظريف أو شريف أو كريم
وهكذا,فهذه الأبنية كلها يقال لها أبنية الغرائز
والسجايا اللازمة .
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد :فهذه الحلقة التاسعة عشرة في موضوع
الشكور وهي بعنوان : الفرق بين الحمد والشكر
• معنى الحميد بالنسبة لله عزوجل: هو الذي له من الصفات وأسباب الحمد ما يقتضي أن يكون محمودا وإن لم يحمده غيره , فهو حميد في نفسه , والمحمود من تعلق به حمد الحامدين , وهكذا المجيد والممجد والكبير والمكبر والعظيم والمعظم كما قال الإمام ابن القيم رحمه الله.
• قال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا أحصي ثناءا عليك أنت كما أثنيت على نفسك ) وذلك لأن أوصاف الكمال والجلال والعظمة التي اتصف الله عزوجل بها لا
يحيط بها إلا الله سبحانه تعالى.
قال ابن القيم رحمه الله:
وهو الحميد فكل حمد واقع ** أو كان مفروضا مدى الأزمان
ملأ الوجود جميعه ونظيره ** من غير ما عد ولا حسبان
هو أهله سبحانه وبحمده ** كل المحامد وصف ذي الإحسان
• عبارات العلماء في معنى هذا الاسم الكريم متقاربة تدور حول معنى واحد أو متقارب فالحميد عندهم: هو المحمود عند خلقه بما أولاهم من نعمه , وبسط لهم من فضله , وهو الذي استوجب عليهم الحمد بصنائعه الحميدة إليهم , وآلائه الجميلة لديهم.
فهذه العبارات عبارات متقاربة يمكن أن يجمعها قول
ابن كثير رحمه الله : هو المحمود في جميع أفعاله وأقواله وشرعه وقدره لا إله إلا هو ولا رب سواه .
وكما قال الشيخ عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله في التفسير: الحميد في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله ,فله من الأسماء أحسنها,ومن الصفات أكملها
وأحسنها , فغن أفعاله تعالى دائرة بين الفضل والعدل.
• الله سبحانه وتعالى حميد من وجهين:
1- أن جميع المخلوقات ناطقة بحمده , فهو حميد من هذه الناحية , فكل حمد وقع من أهل السماوات والأرض الأولين منهم والآخرين , وكل حمد يقع منهم في الدنيا والآخرة , وكل حمد لم يقع منهم بل كان مفروضا ومقدرا حيث ما تسلسلت الأزمان , واتصلت الأوقات , حمدا يملأ الوجود كله , العالم العلوي والسفلي , ويملأ نظير الوجود من غير عد ولا إحصاء , فإن الله تعالى مستحقه من وجوه كثيرة منها أن الله هو الذي خلقهم ورزقهم وأسدى عليهم النعم الظاهرة والباطنة الدينية والدنيوية , وصرف عنهم النغم والمكاره , فما بالعباد من نعمة فمن الله , ولا يدفع الشرور إلا هو , فيستحق منهم أن يحمدوه في جميع الأوقات , وأن يثنوا عليه ويشكروه بعدد اللحظات.
2- أنه يحمد على ماله من الأسماء الحسنى والصفات الكاملة العلى , والمحامد والنعوت الجليلة الجميلة , فله كل صفة كمال , وله من تلك الصفة أكملها وأعظمها,فكل صفة من صفاته يستحق عليها الحمد والثناء , فكيف بجميع الأوصاف المقدسة , فله الحمد لذاته وله الحمد لصفاته وله الحمد لأفعاله لأنها دائرة ببين أفعال الفضل والإحسان , وبين أفعال العدل والحكمة التي يستحق عليها كمال الحمد , وله الحمد على خلقه وعلى شرعه , وعلى أحكامه القدرية والشرعية , وأحكام الجزاء في الأولى والآخرة,وتفاصيل حمده وما يحمد عليه لا تحيط بها الأفكارولا تحصيها الأقلام,كما قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله في كتابه الحق الواضح المبين.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد :فهذه الحلقة العشرون في موضوع
الشكور وهي بعنوان : الفرق بين الحمد والشكر
• هذا الحمد الذي نضيفه إلى الله تبارك وتعالى ظرفه الزماني بينه الله عزوجل وهو الدنيا والآخرة ,كما قال الله عزوجل(لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ )وأما ظرف هذا الحمدالمكاني فهوالسماوات والأرض كما قال الله عزوجل (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ) فذكر في هذه الآية الظرف المكاني والظرف الزماني.
• جاء هذا الاسم في كتاب الله عزوجل سبعة عشر مرة , تارة يأتي هذا الاسم بمفرده غير مقترن باسم آخر من أسماء الله الحسنى , وتارة يأتي
مقترنا مع غيره .
- وقد جاء بمفردة مرة واحدة في كتاب الله عزوجل في سورة الحج وذلك في قوله تعالى: (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنْ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ ).
- وجاء مقترنا باسم الله الغني عشر مرات مثل قوله تعالى: (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ) , وكقوله في سورة إبراهيم : (وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ ) , وكقوله في سورة لقمان: (وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ) , وكقوله في سورة فاطر: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) , وإلى غير ذلك من المواضع , ويمكن أن يقال في سر هذا الاقتران -والله أعلم- أن الغنى يكون مظنة للطغيان , وكما قال الله عزوجل: (إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ) إلا من عصمه الله عزوجل وهدى قلبه ووقاه , فأدى حق الله عزوجل وأخذ هذا المال من حله وصرفه في وجوهه المشروعة , ولكن الغالب أن الغنى يحمل على البطر والطغيان وما إلى ذلك من الأمور التي لا تليق , أما الله عزوجل فهو مع غناه الواسع الكامل محمود مع هذا الغنى لا يلحقه بسببه نقص بوجه من الوجوه فله الكمال المطلق وله الحمد المطلق مع غناه الواسع الكامل الذي لا افتقار معه بوجه من الوجوه إلى شيء من الأشياء أو إلى أحد من المخلوقين.
- كما جاء هذا الاسم مقترنا مع اسم الله الحكيم مرة واحدة , وذلك في قوله تبارك وتعالى في سورة فصلت عن هذا القرآن : (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) , فهو محمود في حكمته جل وعلا , حيث يضع الأمور في مواضعها ويوقعها في مواقعها , فلا يصدر منه تصرف على غير وجه الحكمة , فهو محمود سبحانه في أقواله فهي صواب , وفي أفعاله فهي حق كلها , لا شطط فيها ولا خلل ولا خروج عن وجه الحق والصواب بحال من الأحوال.
- وجاء مقترنا مع اسم الله العزيز ثلاث مرات في القرآن , وذلك في مثل قوله تعالى: (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ) ,ويمكن أن يقال في وجه هذا الاقتران ,أن العزة تحمل على العسف والقهر والظلم في كثير من الحالات هذا بالنسبة للمخلوقين , فإن المخلوق إذا عز كما قيل: من عز بز , ومن غلب استلب , أما الله عزوجل فهو مع عزته الكاملة , إلا أنه محمود في هذه العزة فلا تحمله هذه العزة على ظلم لأحدمن خلقه فالله ليس بظلام للعبيد,على كثرتهم وتفرقهم, إلا أنه لا يصدر منه ظلم بوجه من الوجوه لأحد من المخلوقين البته.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد :فهذه الحلقة الواحدة والعشرون في موضوع
الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : الفرق بين الحمد والشكر
- وجاء مقترنا مع اسم الله المجيد مرة واحدة وذلك في سورة هود في قوله تبارك وتعالى: (رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ) , وأما وجه هذا الاقتران فقد علق عليه الإمام ابن القيم رحمه الله في بعض مصنفاته حيث قال : والحمد والمجد إليهما يرجع الكمال كله , فعن الحمد يستلزم المحبة والثناء للمحمود فمن أحببته ولم تثني عليه لم تكن حامدا عليه , وكذا من أثنيت عليه لغرض ما ولم تحبه لم تكن حامدا له حتى تكون مثني عليه محبا , وهذا الثناء والحب تبعا للأسباب المقتضية عليه , وهو ما عليه المحمود من صفات الكمال ونعوت الجلال والإحسان إلى الغير , فإن هذه هي أسباب المحبة , وكلما كانت هذه الصفات أجمع وأكمل , كان الحمد والحب أتم وأعظم , والله سبحانه له الكمال المطلق الذي لا نقص فيه بوجه ما , والإحسان كله له ومنه , فهو أحق بكل حمد وبكل حب من كل جهة , فهو أهل أن يحب لذاته ولصفاته ولأفعاله ولأسمائه ولإحسانه ولكل ما صدر منه سبحانه.
وأما المجد فهو مستلزم للعظمة والسعة والجلال , كما يدل عليه موضوعه في اللغة , فهو دال على صفات العظمة والجلال , والحمد يدل على صفات الإكرام , والله سبحانه ذو الجلال والإكرام , وهذا معنى قول العبد ( لا إله إلا الله والله أكبر ) فلا إله إلا الله دال على ألوهيته وتفرده فيها , فألوهيته تستلزم محبته التامة , والله أكبر دالة على مجده وعظمته وذلك يستلزم تمجيده وتعظيمه وتكبيره , ولهذا يقرن سبحانه بين هذين النوعين في القرآن كثير كقوله: (رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ) , وكقوله: (وَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنْ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً ) فأمره بحمده وتكبيره , وقال تعالى: (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ ) , وقال: (تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ) , وفي المسند وصحيح أبي حاتم وغيره من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام ) وإسناده صحيح , يعني إلزموها وتعلقوا بها , فالجلال والإكرام هو الحمد والمجد ....
إلى أن قال: فذكر هذين الاسمين الحميد المجيد
عقيب الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مطابق لقوله: (رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ) , (يعني لماذا نقول في آخر التشهد إنك حميد مجيد ) ولما كانت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهي ثناء الله تعالى عليه وتكريمه والتنويه به ورفع ذكره وزيادة حبه وتقريبه , كانت مشتملة على الحمد والمجد , وكأن المصلي طلب من الله تعالى أن يزيد في حمده ومجده , فإن الصلاة عليه هي نوع حمد له وتمجيد ( يعني على النبي صلى الله عليه وسلم ) هذه حقيقتها , فذكر في هذا المطلوب الاسمين المناسبين له وهما اسما الحميد والمجيد ..... إلى أن قال: فلما كان المطلوب للرسول صلى الله عليه وسلم حمد ومجد بصلاة الله عليه ختم هذا السؤال باسمي الحميد والمجيد ( يعني إنك حميد ومجيد ) وأيضا فإنه لما كان المطلوب للرسول صلى الله عليه وسلم حمد ومجد , وكان ذلك حاصل له , ختم ذلك بالإخبار عن ثبوت ذينك الوصفين للرب بطريق الأولى , فهو أولى إذا بالحمد والمجد لأنه مسدي هذه الأوصاف لرسوله صلى الله عليه وسلم.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد :فهذه الحلقة الثانية والعشرون في موضوع
الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : الفرق بين الحمد والشكر
يقول ابن القيم رحمه الله في موضع آخر: أحسن ما
قرن اسم المجيد إلى الحميد , كما قالت الملائكة لبيت الخليل عليه السلام (رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ) , وكما شرع لنا في آخر الصلاة أن نثني على الرب تعالى أنه حميد مجيد , وشرع في آخر الركعة عند الاعتدال أن نقول ( ربنا ولك الحمد أهل الثناء والمجد ) فالحمد والمجد على الإطلاق لله الحميد المجيد , فالحميد الحبيب المستحق لجميع صفات الكمال , والمجيد العظيم الواسع القادر الغني ذو الجلال والإكرام.
• إذا عرفت أن الله عزوجل هو الحميد , وأن الحمد يضاف إلى الله تبارك وتعالى فاعلم أن هذا الحمد من أوسع الأوصاف وذلك لكثرة الأمول التي تستوجب حمده جل جلاله , فالله تبارك وتعالى محمود من كل وجه , محمود في ذاته وفي أسماءه وفي أوصافه وأفعاله , وكلما كان بصر العبد نافذا في الأمور التي تستوجب الحمد لله عزجل , كلما كان أعرف بكثرة وجوه حمده سبحانه وتعالى , وأنه يستحق أعظم الحمد.
• نوع الله سبحانه حمده وأسباب حمده وجمعها تارة وفرقها أخرى , ليتعرف إلى عباده ويعرفهم كيف يحمدونه , وكيف يثنون عليه , وليتحبب إليهم بذلك ويحبهم إذا عرفوه وأحبوه وحمدوه , قال تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) , فحمد نفسه على ربوبيته للعالمين , وحمد نفسه على رحمته , وحمد نفسه على ملكه سبحانه وتعالى.
وقال عزوجل: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ) فحمد نفسه على خلق السماوات والأرض وهي من أكبر الأجرام المخلوقة , وحمد نفسه سبحانه على خلق الظلمات والنور , وعاب على هؤلاء الكفرة الذين يعدلون به ويوازون به المعبودات الباطلة التي لم تخلق شيئا من ذلك.
وقال سبحانه: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ
الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا قَيِّماً لِيُنذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً ) فحمد نفسه على إنزاله للكتاب الذي هذه صفته وحمد نفسه كما قال : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ) فحمد نفسه على ملكه التام المطلق الكامل,وحمد نفسه على ما يستوجبه من المحامد في الآخرة , وحمد نفسه أيضا على حكمته وعلى خبرته لأنه يضع الأمور في مواضعها ويوقعها في مواقعها , وهو يعلم بواطن الأمور فهو الخبير جل جلاله.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد :فهذه الحلقة الثالثة والعشرون في موضوع
الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : الفرق بين الحمد والشكر
وقال تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) فله الحمد على ابتداء خلق السماوات والأرض , وعلى خلق الملائكة وجعلهم بهذه الأوصاف من التفاوت في الخلق , فبعضهم له جناحان وبعضهم له أكثر من ذلك , وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام على كرسي بين السماء والأرض قد سد ما بين الأفق له ستمائة جناح.
وأخبر تبارك تعالى عن حمد خلقه له بعد فصله بينهم والحكم لأهل طاعته بثوابه وكرامته , والحكم لأهل معصيته بعقابه وإهانته , كما قال: (وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ).
وأخبر عن حمد أهل الجنة له وأنهم لم يدخلوها إلا بحمده , كما أن أهل النار لم يدخلوها إلا بحمده , فقال عن أهل الجنة: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ) , وقال: (دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) , وقال عن أهل النار : (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِي الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ) , وقال الحق تبارك وتعالى : (فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لأَصْحَابِ السَّعِيرِ ) , فشهد هؤلاء الكفار من أهل النار على أنفسهم بالكفر والظلم , وعلموا أنهم كانوا كاذبين في الدنيا مكذبين بآيات ربهم مشركين به جاحدين لإلاهيته مفترين عليه , وهذا اعتراف منهم بعدله فيهم , وأخذهم ببعض حقه عليهم وأنه غير ظالم لهم , وأنهم إنما دخلوا النار بعدله وحمده , وإنما عوقبوا بأفعالهم وبما كانوا قادرين على فعله وتركه , لا كما تقوله الجبرية.
وتفصيل هذه الحكمة مما لا سبيل للعقول البشرية إلى الإحاطة به ولا للتعبير عنه , ولكن بالجملة فكل صفة عليا واسم حسن وثناء جميل وكل مدح وحمد وتسبيح وتنزيه وتقديس وجلال وإكرام فهو لله عزوجل على أكمل الوجوه وأتمها وأدومها , وجميع ما يوصف به ويذكر به ويخبر عنه به فهو محامد له وثناء وتسبيح وتقديس , فسبحانه وبحمده لا يحصي أحد من خلقه ثناءا عليه , بل هو كما أثنى على نفسه , وفوق ما يثني به عليه خلقه , فله الحمد أولا وآخرا , حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه , كما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله ورفيع مجده وعلو جده.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد :فهذه الحلقة الرابعة والعشرون في موضوع
الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : الفرق بين الحمد والشكر
• حمد النعم والآلاء مشهود للخليقة برها وفاجرها
, مؤمنها وكافرها , من جزيل مواهبه سبحانه وسعة عطاياه , وكريم أياديه , وجميل صنائعه , وحسن معاملته لعباده , وسعة رحمته لهم , وبره ولطفه وحنانه وإجابته لدعوات المضطرين , وكشف كربات المكروبين , وإغاثة الملهوفين , ورحمته للعالمين , وابتداءه بالنعم قبل السؤال ومن غير استحقاق , بل ابتداء منه بمجرد فضله وكرمه وإحسانه , ودفع المحن والبلايا بعد انعقاد أسبابها , وصرفها بعد وقوعها , ولطفه تعالى في ذلك بإيصاله إلى من أراده بأحسن الألطاف , وتبليغه من ذلك إلى مالا تبلغه الآمال , وهدايته خاصته وعباده إلى سبيل دار السلام , ومدافعته عنهم أحسن الدفاع وحمايتهم عن مراتع الآثام , وحبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم , وكرّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان وجعلهم من الراشدين , وكتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه , وسماهم المسلمين قبل أن يخلقهم , وذكرهم قبل أن يذكروه , وأعطاهم قبل أن يسألوه , وتحبب إليهم بنعمه مع غناه , وفقّرهم إليه , ومع هذا كله فاتخذ لهم دارا وأعد لهم فيها من كل ما تشتهي الأنفس , وتلذ الأعين , وملأها من جميع الخيرات , وأودعها من النعيم والسرور والبهجة مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر , ثم أرسل إليهم الرسل يدعونهم إليها , ثم يسر لهم الأسباب التي توصلهم إليها وأعانهم عليها , ورضي منهم باليسير في هذه المدة القصير جدا بالإضافة إلى بقاء دار النعيم , وضمن لهم إن أحسنوا أن يثيبهم بالحسنة عشرا , وإن أساءوا واستغفروه أن يغفر لهم , ووعدهم أن يمحو ما جنوه من السيئات بما يفعلونه بعدها من الحسنات , وذكرهم بآلائه , وتعّرف إليهم بأسمائه , وأمرهم بما أمرهم به رحمة منه بهم وإحسانا , لا حاجة منه إليهم , ونهاهم عما نهاهم عنه حماية وصيانة لهم , لا بخلا منه عليهم , وخاطبهم بألطف الخطاب وأحلاه , ونصحهم بأحسن النصائح , ووصاهم بأكمل الوصايا , وأمرهم بأشرف الخصال , ونهاهم عن أقبح الأقوال والأعمال , وصرّف لهم الآيات , وضرب لهم الأمثال , ووسع لهم طرق العمل به ومعرفته , وفتح لهم أبواب الهداية , وعرفهم الأسباب التي تدنيهم من رضاه , وتبعدهم عن غضبه , ويخاطبهم بألطف الخطاب , ويسميهم بأحسن أسمائهم كقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) , (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ ),(قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ),(قُلْ لِعِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا),(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي), فيخاطبهم بخطاب الوداد والمحبة والتلطف كقوله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) ,
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد :فهذه الحلقة الخامسة والعشرون في موضوع
الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : الفرق بين الحمد والشكر
وقال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ) , (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ) , (يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ) , (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) , (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ) , (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ) , (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) , (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوْ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمْ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ) , (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنْ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً ) , فتحت هذا الخطاب إني عاديت إبليس وطردته من سمائي وباعدته من قربي إذ لم يسجد لأبيكم آدم , ثم أنتم يا بنيه توالونه وذريته من دوني وهم أعداء لكم , فليتأمل اللبيب مواقع هذا الخطاب , وشدة لصوقه بالقلوب , والتباسه بالأرواح , وأكثر القرآن جاء على هذا النمط من خطابه لعباده بالتودد والتحنن واللطف والنصيحة البالغة , وأعلم عباده أنه لا يرضى لهم إلا أكرم الوسائل , وأفضل المنازل , وأجل العلوم والمعارف , قال تعالى: (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ) , وقال: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً ) , فكل هذا التلطف والإنعام والإكرام والتودد لعباده والتفضل عليهم بمثل هذه التوجيهات الكريمة , والنعم الظاهرة والباطنة , كل ذلك يوجب مزيد حمد له تبارك وتعالى لمن كان له قلب , أو ألقى السمع وهو شهيد , هذا مع أن الله عزوجل ليس محتاجا إلى خلقه لا في قليل ولا في كثير , وإنما هم الفقراء إليه الفقر التام الذي لا يستغني عن ربه طرفة عين في جميع أحواله في قيامه وقعوده وحركته وسكونه فهو مفتقر إلى الله عزوجل كل الإفقتار.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد :فهذه الحلقة السادسة والعشرون في موضوع
الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : الفرق بين الحمد والشكر
• الدنيا التي نعيش فيها كما قال ابن القيم في (مفتاح السعادة) بمثابة القرية , والمؤمن رئيسها , والكل مشغول به , ساع في مصلحته , والكل قد أقيم في خدمته وحوائجه , فالملائكة الذين هم حملة العرش ومن حوله يستغفرون له , والملائكة الموكلون به يحفظونه , والموكلون بالقطر والنبات يسعون في رزقه ويعملون فيه , والأفلاك سخرت منقادة دائرة بما فيه مصالحه , والشمس والقمر والنجوم مسخرات جاريات بحساب أزمنته وأوقاته , والعالم الجوي مسخر له برياحه وهواءه وسحابه وطيره , وما أودع فيه , والعالم السفلي كله مسخر له مخلوق لمصالحه , أرضه وجباله وبحاره وأنهاره , وأشجاره وثماره ونباته وحيوانه , كل ذلك مسخر له , والله سبحانه يقول: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمْ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمْ الأَنهَارَ وَسَخَّرَ لَكُمْ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ).
• المؤمن يحمد ربه كما علمه الله عزوجل , ويحمد ربه على انفراد هذا الرب المعبود بالملك , وعلى انفراده بكل ألوان المحامد , كما قال عزوجل: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا قَيِّماً لِيُنذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً ) , ويحمد ربه تبارك وتعالى أن سواه ونفخ فيه من روحه , وأسجد له ملائكته , وأمده بكل النعم التي تصلحه وتسعده في الدنيا , وهداه إلى ما يسعده في الآخرة في جنات النعيم , كما قال أهل الإيمان في ما حكى الله عزوجل عنهم: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنْ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ) , ويحمد ربه على النعم الظاهرة والباطنة التي أمده ويمده بها في كل لحظة من لحظات حياته , فهو الذي جعل لك السمع والبصر والفؤاد , وهو الذي ركب فيك هذه اليد وهذه الرجل , وجعل لك هذا الخلق العجيب بهذا التفصيل الغريب , وهو الذي سخر لك الليل والنهار , والفلك والدواب , وجعل لك الماء الذي تشربه عذبا , والطعام الذي تأكله طيبا نضيجا , (وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ ) , (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) , (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) , ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ) .
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد :فهذه الحلقة السابعة والعشرون في موضوع
الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : الفرق بين الحمد والشكر
• الحمد من أوله إلى آخره مستحق لربنا جل جلاله , كما قال الله عزوجل: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) , فالألف واللام في الحمد تدل على الاستغراق , أي هو الذي له جميع المحامد بأسرها , ولا يكون ذلك لأحد إلا لله تبارك وتعالى , ولهذا فإننا لا نحصي ثناءا عليه كما أثنى على نفسه جل جلاله , فهو حميد في ذاته وفي أسمائه وفي صفاته وفي أفعاله , وفي كل شأن من شؤونه , فله الحمد على كل حال , وفي كل زمان وفي كل مكان , وفي الشدة وفي الرخاء , في العسر واليسر , وفيما نحبه وفيما نكرهه , لأنه المستحق لذلك جميعا , وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل: ( اللهم أنت الحمد أنت نور السماوات والأرض , ولك الحمد أن قيام السماوات والأرض , ولك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن , وأنت الحق ووعدك الحق ) , وكان يصلي بأصحابه عليه الصلاة والسلام مرة فرفع رأسه من الركوع فقال: سمع الله لمن حمده , فقال رجل وراءه ( ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ) , فلما انصرف قال: من المتكلم؟ , قال رجل: أنا يا رسول الله , فقال النبي صلى الله عليه وسلم: رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أولا. وهذا يدل على عظمة الحمد , وقولنا بأن الحمد لله جميعا , يقول ابن القيم في بيان هذا المعنى: والحمد كله لله رب العالمين , فإنه المحمود على ما خلقه وأمر به ونهى عنه , فهو المحمود على طاعات العبد ومعاصيهم , وإيمانهم وكفرهم , وهو المحمود على خلق الأبرار والفجار والملائكة والشياطين , وعلى خلق الرسل وأعدائهم , وهو المحمود على عدله في أعدائه , كما هو المحمود على فضله وإنعامه على أوليائه , فكل ذرة من ذرات الكون شاهدة بحمده , ولهذا سبح بحمده السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده , وكان في قول النبي صلى الله عليه وسلم عند الاعتدال من الركوع ( ربنا ولك الحمد ملئ السماء وملئ الأرض وملئ ما بينهما وملئ ما شئت من شيء بعد ) فله سبحانه الحمد , حمدا يملأ المخلوقات والفضاء الذي بين السماوات والأرض , ويملأ ما يقدر بعد ذلك مما يشاء الله أن يملأ بحمده , وذلك يحتمل أمرين , الأول : أن يملأ ما يخلقه الله مبدع السماوات والأرض والمعنى أن الحمد ملئ ما خلقته وملئ ما تخلقه بعد ذلك , الثاني: أن يكون المعنى ملئ ما شئت من شيء بعده يملؤه حمدك , أي يقدر مملوءا بحمدك وإن لم يكن موجودا , والمعنى الأول أقوى وأرجح.
ويقول ابن القيم في بيان قولنا " الحمد كله لله " : هذا له معنيان , أحدهما أنه محمود على كل شيء , وهو ما يحمد به رسله أنبياؤه وأتباعهم , فذلك من حمده تبارك وتعالى ( يعني ما يحمدون به من الأوصاف الكاملة الله أولى به , بل هو المحمود في القصد الأول ) وهذا كما أنه بكل شيء عليم , وقد علم غيره من علمه ما لم يكن يعلمه بدون تعليمه , وهو سبحانه له الملك وقد آتى من الملك بعض خلقه وله الحمد , وقد آتى من الحمد ما شاء , وكما أن ملك المخلوق داخل في ملكه , فحمده أيضا داخل في حمده , فما من محمود يحمد على شيء دق أو جل إلا والله المحمود عليه بالذات والأولوية أيضا , وإذا قال ( اللهم لك الحمد ) فالمراد به أنت المستحق لكل حمد , ليس المراد به الحمد الخارجي فقط.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد :فهذه الحلقة الثامنة والعشرون في موضوع
الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : الفرق بين الحمد والشكر
المعنى الثاني: أن يقال " لك الحمد كله " أي التام الكامل , هذا مختص بالله ليس لغيره فيه شركة , والتحقيق أن له الحمد بالمعنيين جميعا , فله عموم الحمد وكماله , وهذا من خصائصه سبحانه , فهو المحمود على كل حال.
يقول: وعلى كل شيء أكمل حمد وأعظمه , كما أن له الملك التام العام , فلا يملك كل شيء إلا هو , وليس الملك التام الكامل إلا له , وأتباع الرسل يثبتون له كمال الملك وكمال الحمد , فإنهم يقولون إنه خالق كل شيء وربه ومليكه , لا يخرجوا عن خلقه وقدرته ومشيئته البتة , فله الملك كله.
• يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ومعلوم أن كل ما يحمد، فإنما يحمد على ماله من صفات
الكمال، فكل ما يحمد به الخلق فهو من الخالق، والذي منه ما يحمد عليه هو أحق بالحمد، فثبت أنه المستحق للمحامد الكاملة، وهو أحق من كل محمود بالحمد والكمال من كل كامل وهو المطلوب.
• ومما يؤثره الإيمان بأن الله عزوجل هو الحميد: أن لا يضاف الشر إليه بحال من الأحوال , لا في أوصافه ولا في أفعاله , فالله عزوجل حميد أي أن الحمد له جميعا , فكل حمد على كمال مطلق إنما يستحقه الله عزوجل كما سبق , فكمال حمده يوجب ألا ينسب إليه شر ولا سوء ولا نقص , لا في أسمائه ولا في أفعاله ولا في صفاته , فأسمائه الحسنى تمنع نسبة الشر والسوء والظلم إليه , مع أنه سبحانه الخالق لكل شيء , فهو الذي خلق الخير والشر , ولكن الشر في مفعولاته كما بينا في الكلام على بعض الأسماء الحسنى كما سبق , ولكن ليس في أفعاله شر , فالله هو الخالق للعباد ولأفعالهم ولحركاتهم وأقوالهم , والعبد إذا فعل القبيح المنهي عنه , كان قد فعل الشر والسوء , والرب جل وعلا هو الذي جعله فاعلا لذلك , وهذا الجعل من الرب تبارك وتعالى للعبد كذلك عدل وحكمة وصواب , فجعله العبد فاعلا هذا خير منه تبارك وتعالى , وهو خير في أفعاله , وأما هذه المفعولات التي تصدر من المخلوقين أحيانا مما لا يليق كالكفر والمعصية فهذه شر , ولكن الله عزوجل قدرها لحكمة يعلمها, فهو سبحانه في هذا الجعل قد وضع الشيء موضعه.
وهذا أمر معقول مشاهد , فإن الصانع الخبير إذا أخذ الخشبة العوجاء , والحجر المكسور, واللبنة الناقصة , ووضع ذلك في موضع يليق به ويناسبه , كان ذلك منه عدلا وصوابا يمدح به , وإن كان في المحل عوج ونقص وعيب يذم به المحل , ومن وضع الخبائث في موضعها , ومحلها اللائق بها كان ذلك حكمة وعدلا وصوابا , وإنما السفه والظلم أن
يضعها بغير موضعها.
فمن وضع العمامة على الرأس , والنعل في الرجل , والكحل في العين , والزبالة في الكناسة , فقد وضع الشيء موضعه , ولم يظلم النعل والزبالة إذ هذا محلها , كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد :فهذه الحلقة التاسعة والعشرون في موضوع
الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
الفرق بين الحمد والشكر
• ومما يؤثره أيضا معرفة أن الله حميد: أن تثني على ربك تبارك وتعالى بأوصاف الكمال , ويكون هذا الثناء صادرا منك عن تحقق ومعرفة بكمال هذا المحمود , وأنه مستحق لهذا الحمد الذي حمدته به , وهذا يعني أن تحاول معرفة معاني هذه الأمور التي تثني بها على الله عزوجل , فلا يكون ذلك جاريا على لسانك من غير معرفة بمعناه , ومن غير استحضار القلب لهذه الأشياء , فإذا كان العبد متحققا من هذه القضية كان متذوقا لهذا الحمد , وشتان من يجري الحمد على لسانه من غير مواطئة القلب ومن غير معرفة بحقائق هذه الأمور التي يضيفها إلى الله عزوجل شتان بينه وبين من يعرف حقيقة ما يتكلم به بلسانه.
• ومن آداب من عرف أنه الحميد سبحانه: أن يحبه وأن يمتلئ قلبه إجلالا لمن له صفات الكمال ونعوت الجلال والأسماء الحسنى , ومعلوم أن الخلق قد جبلوا على محبة الكمال , وعلى محبة الأوصاف الحميدة , هذا بالنسبة للمخلوقين مع بعضهم , فكيف بالخالق الذي له الكمال من كل وجه!.
فأنت إذا رأيت أحدا من المخلوقين قدكمل نفسه واتصف بأوصاف حسنة,فإن قلبك يميل إليه
ويحبه , وكلما كان كماله أكثر كلما تعلقت به القلوب ومالت إليه أكثر من غيره,فالله عزوجل له أوصاف الكمال فينبغي أن يكون هو أعظم محمود.
• ومن آداب من عرف أنه الحميد سبحانه: ألا يلتفت عند حمده سبحانه والثناء عليه إلى شهود النعم والعطايا منه سبحانه , واستعظامها والوقوف عندها , بل يلزم قلبه عظمة المنعم ورحمته ولطفه وبره وإحسانه وحكمته.
• ومن الأمور التي يؤثرها الإيمان بأن الله عزوجل هو الحميد: أن نعرف أن الله عزوجل هو الذي يستحق الحمد والمدح حقيقة , إذا عرفت ذلك أيضا , فإن العبد يستحي من الله تبارك وتعالى حينما يسمع المخلوقين يلهجون بحمده بحمد المخلوق! , حينما يثني عليك الناس ويمدحونك ويحمدونك على بعض أوصاف الكمال فإنك تستحي من الله عزوجل , وتعرف أن هذا الحمد من المخلوقين إنما هو نتيجة لستر الله عزوجل عليك العيوب , ولهذا لما ذكر رجل الإمام أحمد ببعض الأوصاف الحميدة , قال إنما نعيش في ستر الله عزوجل , ولو شاء لفتضحنا , فإذا أرخى الله عزوجل على العبد ستره فإنه تخفى عيوبه على المخلوقين ولربما ظهرت بعض أوصافه الجميلة لهم , وهم لا يعرفون حاله على الحقيقة , فينبغي أن تعرف بان ثناء المخلوقين إنما هو بحسب الظاهر , وأن ذلك عائد إلى أن الله عزوجل سترك فتزداد حمدا لله تبارك وتعالى , ولهذا قال بعضهم: من مدحك إنما مدح ستر الله فيك , فالشكر لمن سترك وليس الشكر لمن مدحك وشكرك.
• الحمد هو أول ما افتتح به القرآن بحسب هذا الترتيب الموجود في المصحف , وهو الذي افتتحت به أعظم سورة في كتاب الله عزوجل وهي سورة الفاتحة , وهو الذي نلهج به في الصلاة وبعد الصلاة , وفي الصباح وفي المساء , وبعد الأكل والشرب , وإذا قمنا من النوم , وعند العطاس , وعند كل نجاح وتوفيق , وعند الفراغ من الأعمال, ويقوله المؤمنون عندما يدخلون الجنة فهم يحمدون الله عزوجل على ما أولاهم وأعطاهم من النعيم المقيم. [الأنترنت – موقع شرح أسماء الله الحسنى للشيخ خالد السبت ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد : فهذه الحلقة الثلاثون في موضوع
الشكور وهي بعنوان : *اعرف ربك : ( الشاكر – الشكور )
هو الذي لا يضيع عنده عمل عامل بل يضاعف الأجر و يقبل اليسير من العمل و يعطي الكثير من الثواب فالشاكر الذي يشكر لعباده طاعتهم والشكور كثير الشكر قال تعالى :إِن تُقْرِضُوا اللَّـهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّـهُ شَكُورٌحَلِيمٌ ﴿التغابن: ١٧﴾ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} [البقرة : 158]
وهو الشكور فلن يضيع سعيه ، ما للعباد عليه حق واجب ، هو أوجب الأمر العظيم الشان كلا ولا عمل لديه ضائع إذ كان بالإخلاص والإحسان ؛ إن عذبوا فبعدله وإن نعموا فبفضله والحمد للمنان
ودلالة اقتران اسم الله الشكور بالغفور : أنه سبحانه هو صاحب الفضل في كل حال ، فإن عصيته يغفر وإن أطعته يشكر ، ولا يخلو أى عمل صالح من تقصير فيغفر التقصير ويقبل القليل ويشكر عليه ويجازي عليه الكثير.
أما دلالة اقتران اسم الله الشاكر بالعليم : فهو عليم بمن يستحق الثواب الكامل, بحسب نيته وإيمانه
وتقواه, ممن ليس كذلك، عليم بأعمال العباد, فلا يضيعها, بل يجدونها أوفر ما كانت, على حسب
نياتهم التي اطلع عليها العليم الحكيم.
*والفرق بين الحمد والشكر
قالوا إن الحمد هو الثناء بالقول على المحمود بصفاته اللازمة والمتعدية اللازمة مثل العظمة والمتعدية مثل الكرم والرزق والإنعام وما شابه ذلك يعني أنها تتعدى إلى المخلوقين, وأما الشكر فإنه الثناء باللسان والقلب والجوارح ولايكون إلاعلى الصفات المتعدية تشكره على إحسانه وإنعامه وكرمه ، باللسان بأن تذكر محاسنه , وفي قلبك بأن يكون فيه محبة المنعم واستحضار هذا الإنعام , ويكون بالجوارح بأن تشتغل هذه الجوارح بالتقرب إليه
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد :فهذه الحلقة الواحدة والثلاثون في موضوع
الشكور وهي بعنوان :
*كيف تعبده باسمه الشكور والشاكر
* تعرف عليه في الرخاء يعرفك في الشدة
* لا تحقرن من المعروف شيئا فربك شكور فلا تدري بأى عمل ترجح كفة الميزان
* من إقتران الشكور بالغفور نعلم إن الطاعة لابد
أن يكون فيها نقص فلا تعجب بها ولا تغتر بها فهى محض فضل من الله
* من فعل لك خيرا فكافأه فمن لم يشكر الناس لم يشكر الله ولكنه شكر ثناء ولكن القلب يعلم أن المنعم هو الله وهذا الشخص وسيلة لذلك لا تنسب فضله لغيره مطر الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر . قالوا : هذه رحمة الله . وقال بعضهم : لقد صدق نوء كذا وكذا " قال : فنزلت هذه الآية : {فلا أقسم بمواقع النجوم }، حتى بلغ : {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون [ الواقعة / آية 75 - 82 ] .(صحيح مسلم )
* لا تنسب الطاعة لنفسك واشكره عليها فمن عظيم فضله إنه ينعم ثم يثني فهو من أنعم عليك
بالجوارح التي تطيعه بها وهو من يسر لك الطاعة ووفقك لها ثم بعد ذلك يغفر لك تقصيرك فيها
ويشكرك عليها فيجازيك بأكثر مما تستحق فسبحان ربنا الشكور ! سمع أحد الصالحين هذة الإية {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص : 44] فقال ما أكرمه من رب ينعم ثم يثني.
*تحقيق الشكر لله : 1- لماذا نشكر ؟
- حتى يزيدك الله من نعمه ولا يحرمك {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم : 7]
_الأجر من الله {وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران : 144]
_النجاة من عذاب الله {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (34) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (35)} [القمر : 34 - 35] {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل : 112]
_ لإن الشكر أفضل النعم ،لما نزلت : { والذين يكنزون الذهب والفضة . } قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره ، فقال بعض أصحابه : أنزلت في الذهب والفضة لو علمنا أي المال خير فنتخذه . فقال : أفضله لسان ذاكر ، وقلب شاكر ، وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه (الترمذى حديث حسن)
2- الفرق بين الشاكر والشكور فى حق العبد؟
نفرق بين الإنسان الشاكر والشكور، الشاكر : هو من يشكر ربه في الرخاء .
أما الشكور من يشكر ربه أيضا في البلاء .
فمراتب الناس وقت البلاء أربعة :* التسخط * الصبر *الرضا * الشكر ، لذلك قال الله{ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ : 13] وكان الحبيب صلى الله عليه وسلم يقول أفلا أكون عبدا شكورا
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد :فهذه الحلقة الثانية والثلاثون في موضوع
الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
*كيف تعبده باسمه الشكور والشاكر
3- كيف تحقق منزلة الشكر :تحقيق الشكر يكون : بالعلم ، الحال ، العمل
العلم : يكون بمعرفة النعمة من المنعم فتشكره عليها باللسان بثنائك عليه ونسبتها له وحده
الحال : الفرح الحاصل بإنعامه وإستشعار فضله بالقلب
العمل : حفظ النعمة وإستخدامها فيما يرضي المنعم بالجوارح لذلك قال تعالى { اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًاُ} [سبأ : 13] و هناك ممن يجيدون فن التعامل مع الله ، و أعظم مثال هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عن أمنا عائشة رضي الله عنها :( أنهم ذبحوا شاةً ,فقال النبي - صلى الله عليه وسلم- : ما بقي منها ؟قلت : ما بقي منها إلا كتفها ,قال : بقي كلها غير كتفها)
و كلما زدت يزيدك سبحانه قال : {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴿ابراهيم: ٧﴾ استشعر بقلبك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يتصدق أحد بتمرة من كسب طيب . إلا أخذها الله بيمينه . فيربـيها كما يربي أحدكم فلوه أو قلوصه ؛حتى تكون مثل الجبل،أوأعظم) (صحيح مسلم)
وتصديق ذلك في كتاب الله - عز وجل - : { ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات } و { يمحق الله الربا ويربي الصدقات }
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (بينما رجل يمشي بطريق ، اشتد عليه العطش ، فوجد بئرا فنزل فيها ، فشرب ثم خرج ، فإذا كلب يلهث ، يأكل الثرى من العطش ، فقال الرجل : لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ بي ، فنزل البئر فملأ خفه ثم أمسكه بفيه ، فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له ) قالوا : يا رسول الله ، وإن لنا في البهائم أجرا ؟ فقال : في كل ذات كبد رطبة أجر (صحيح البخارى)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(بينما كلب يطيف بركية ، كاد يقتله العطش ، إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل ،فنزعت موقها ، فسقته فغفر لها به)صحيح البخاري
تخيل...! إمرأة زانية يدخلها الله الجنة لأنها سقت كلبا أجهده العطش فإياك أن تستصغر عملا أبدا فإن بسمتك في وجه أخيك صدقة و كلمتك
الطيبة صدقة و يضاعف الله الأجر لمن يشاء
وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( بينما رجل يمشي بطريق ، وجد غصن شوك فأخذه ، فشكر الله له فغفر له ) .صحيح البخاري أبعد كل هذا تيأس وتترك الطاعة !! أبعد كل هذا تسيء الظن به وتقول لا يريدني ويبتليني ليعذبني !!!!
قال تعالى{مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا} [النساء : 147]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد :فهذه الحلقة الثالثة والثلاثون في موضوع
الشكور وهي بعنوان :*ادع الله الشاكر الشكور
من قال حين يصبح( اللهم ما أصبح بي من نعمة فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر) فقد أدى شكر يومه ومن قال مثل ذلك حين يمسي فقد أدى شكر ليلته (أبو داود)
يا معاذ قلت : لبيك ، قال : إني أحبك قلت : و أنا و الله ، قال : ألا أعلمك كلمات تقولها فى دبر كل صلاتك قلت : نعم ، قال : قل : اللهم أعني على ذكرك وشكرك،وحسن عبادتك(صححه الألباني) سبحانه ! أجمل من تتعامل معه و تربح منه هو الله الشكور[الأنترنت – موقع من سلسلة اعــرف ربك ]
*ورود اسم الشكور في القرآن الكريم مقترناً باسم الغفور والحليم : الله جلّ جلاله سمى ذاته العلية باسم " الشكور " قال تعالى : " لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ " [فاطر:30] .
يعني غفور للذنوب ، شكور للأعمال الصالحة ، وقد ورد هذا الاسم مقترناً باسم الغفور في موضعين ، تقدم الأول منهما ، والثاني في قوله تعالى : " وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ " [فاطر:30] .
وقد ورد هذا الاسم مقترناً باسم الحليم في قوله
تعالى : " إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ
وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ " [التغابن:17] .
" لَغَفُورٌ شَكُورٌ " " شَكُورٌ حَلِيمٌ " إن وقعت في الذنب فهو غفور ، وإن عملت عملاً طيباً فهو شكور ، إن عملت عملاً صالحاً فهو شكور ، وإن زلت القدم فهو حليم " لَغَفُورٌ شَكُورٌ، شَكُورٌ حَلِيمٌ
*علامة إيمان المسلم أنه في كل الأحوال بين الصبر والشكر :
هناك آية أخرى : " إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ " [إبراهيم:5] يجب أن تكون أيها المؤمن صباراً شكوراً ، أي ينبغي أن تشتق من كمال الله كمالاً تتقرب به إليه ، يبغي أن تكون صباراً شديد الصبر عند المصيبة ، شديد الشكر عند العطاء ، فأنت بين حالين ،حالٍ تتمنى ألا يكون كن صبوراً ، وحالٍ تتمنى أن يدوم كن شكوراً،المؤمن"صَبَّارٍ شَكُورٍ
والإيمان نصف صبر ، ونصف شكر ، وقال عليه الصلاة والسلام : " عَجَبا لأمر المؤمن ! إنَّ أمْرَه كُلَّه له خير ، إن أصابتْهُ سَرَّاءُ شكر ، فكان خيراً له ، وإن أصابتْهُ ضرَّاءُ صَبَر ، فكان خيراً له ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن " [مسلم] .
أروع ما في هذا الإيمان العظيم أنك في كل الأحوال إن كانت الأمور على خلاف ما تشتهي فأنت صبور ، وإن كانت وفق ما تشتهي فأنت شكور .
" يا عبادي ، لو أنَّ أوَّلكم وآخرَكم ، وإنسَكم وجِنَّكم ، قاموا في صعيد واحد فسألوني ، فأعطيتُ كُلَّ إنسان مسألتَهُ ، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما يَنْقُص المِخْيَطُ إذا أُدِخلَ البحرَ ـ ذلك لأن عطائي كلام ، واخذي كلام ـ فمن وَجَدَ خيراً فليَحْمَدِ الله ـ شكور ـ ومن وجد غير ذلك فلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَهُ " [مسلم] . صبور ، علامة إيمانك أنك في كل الأحوال بين الصبر والشكر ، لكن النبي عليه الصلاة والسلام كان أديباً مع الله ، قال له : " يا رب إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ، ولك العتبى حتى ترضى،لكن عافيتك أوسع لي"[الطبراني] .
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد :فهذه الحلقة الرابعة والثلاثون في موضوع
الشكور وهي بعنوان :*الإنسان مخير لا مسير :
قال تعالى : " مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ " [الإسراء:18] الإنسان مخير ، والعاجلة هي الدنيا .
" مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا ، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ
فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا " [الإسراء:18-19] .
الآن دقق : " كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً " [الإسراء:20] أنت مخير ، اطلب ما شئت ، ولكن الله سبحانه وتعالى لا يتعامل بالتمنيات يتعامل بالصدق .
الله سبحانه وتعالى لا يتعامل بالتمنيات يتعامل بالصدق:{وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ} وكان صادقاً في طلبها ، وعلامة صدقه :"وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً " .
" مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ " وأصر عليها ، وألح عليها " عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ " بالقدر الذي نشاء ، وللإنسان الذي نريد ، الله عز وجل يعلم ما إذا كان صادقاً في طلبها ، مصراً عليها ، أم على مستوى التمنيات ، والتمنيات بضائع الحمقى ، والله سبحانه وتعالى يقول : " لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ " [النساء:123] . أي خطوة نحو إرضاء الله تعالى يمنحه الله من خلالها التوفيق والتيسير والسعادة : هذا الاسم العظيم ورد في السنة بالمعنى ، ففي صحيح البخاري ومسلم يقول الله عز وجل : " أَنا عند ظَنِّ عبدي بي ، وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ـ الله شكور ـ ذكرتُه في نفسي ، وإِن ذكرني في مَلأٍ ذكرتُه في مَلأٍ خيرٍ منه ، وإن تَقَرَّبَ إِليَّ شِبْرا تَقَرَّبتُ إِليه ذِراعا ، وإن تقرَّب إِليَّ ذِرَاعا اقْتَرَبتُ إِليه باعا ، وإِن أَتاني يمشي أتيتُه هَرْوَلَة " [البخاري ومسلم] .
لمجرد أن تتحرك نحو الله ، أن تتقرب إليه ، وأن تخطب وده ، أن تغض بصرك ، أن يصدق لسانك ، أن تُحسن إلى فقيره ، أن ترعى يتيماً ، أن تنقذ حيواناً صغيراً من الهلاك ، لمجرد أن تتقرب إلى الله بعمل ، والله عز وجل يرد عليك بالإحسان ، بالقبول ، كيف ما تحركت ، أية حركة نحو الله ، ترى الرد سريعاً وإيجابياً ، وأضعافاً مضاعفة ، وما من أخ كريم ، إلا وله مع الله تجربة ، إن أنفق من ماله يضاعف الله له أمواله،إن أعان ضعيفاً أعانه الله إلى من هو أقوى منه،إن أطعم مسكيناً غمره الله من فضله
الحديث : أي حركة ، أي خطوة نحو إرضاء الله ترى خطوات ، ترى التوفيق ، ترى التيسير ، ترى الأمن ، ترى الرضا ، ترى السعادة ، ترى الحكمة ، والله عز وجل ينتظرنا ، وسمّ كل عمل صالح قرضاً له {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } [البقرة:245] لو أطعمت هرة هذا قرض لله ، وإن وضعت اللقمة في فم زوجتك هي لك صدقة ، وأن تميط الأذى عن الطريق هو لك صدقة ، وأن تلقى أخاك بوجه طلق هو لك صدقة . إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد :فهذه الحلقة الخامسة والثلاثون في موضوع
الشكور وهي بعنوان :
*من شكر الله عز وجل ربح الدنيا والآخرة :
الله شكور ، يعني أقل مؤمن إذا قُدم إليه عمله طيب لا يسعه إلا أنه يشكر ، إذا شخص أزاح لك في مجلسه ، تقول له : شكراً ، أنت عبد ، وأنت لا تحتمل أن يقدم إليك عمل صالح إلا وأن تعبر عن شكرك له ، فالذي خلق الإنسان ، صاحب الأسماء الحسنى والصفات الفضلى ، يعني ترعى عباده، تهتم بعباده، تصدق مع عباده ، تحسن إلى عباده ، تنصح عباده، تُكرم عباده ، ولا ترى منهم الشكر ؟ هو شكور .لا يوجد إنسان أذكى، ولا أعقل، ولا أكثر فلاحاً، ونجاحاً، وذكاءً، ممن يتاجر مع الله، يتاجر مع الله، أنت بالتجارة المألوفة يقول لك ربحنا 38% ، غير معقول ، الأرباح 12 ـ 13 ـ 9 ـ 8 ـ 7 ـ 5 أحياناً ، يعني إذا قلنا 28 ربح غير معقول ! إذا تاجرت مع الله الواحد بالمليار
معاني اسم الشكور في اللغة العربية :" الشكور " في اللغة على وزن فعول ، وفعول من صيغ المبالغة من اسم الفاعل شاكر ، شاكر شكور ، فعله شكر ، يشكر ، شكراً ، وشكوراً ، وشكراناً ، ثلاثة مصادر ، أصل الشكر الزيادة ، والنماء ، والظهور ، وحقيقة الشكر الثناء على المحسن بذكر إحسانه .المؤمن شكور ، أي شيء قُدم له ، أي خدمة ، أي هدية يشكر عليها إما بلسانه ، أو بقلمه ، أو برسالة ، أو بابتسامة ، أو بعمل طيب ، أو بهدية مكافأة ، من صفات المؤمن تعظم عنده النعمة مهما دقت ، إنسان قدم لك شيئاً ، لابدّ من أن تشكر ، لابدّ من أن تعبر عن شكرك له ، بأي طريقة ، أما شكر العبد على الحقيقة : هو إقرار القلب بإنعام الرب ، ونطق اللسان عن اعتقاد الجنان ، وعمل بالجوارح والأركان .
الإنسان الشاكر هو الإنسان الذي يقرّ بنعم الله عز وجل بقلبه : من هو الشاكر ؟ الذي يقر بنعم الله بقلبه ، يعني الله عز وجل أكرمك بشهادة عليا والآن طبيب أنت ، لك اسمك ، لك دخل معقول جداً ، وفوق المعقول ، والناس يحترمونك لك زوجة وأولاد ، فالطبيب المؤمن كلما دخل إلى عيادته ، أو إلى منزله يا رب لك الحمد هيأت لي أسباب الدراسة العليا ، هيأت لي هذه المكانة ، هيأت لي هذا الدخل ، رزقتني هذه الزوجة الصالحة ، رزقتني الأولاد .
فالمؤمن من علامة إيمانه دائماً يذكر فضل الله عليه ،وغير المؤمن يقول:" إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي " [القصص:78] .
*نعم الله عز وجل على الإنسان لا تعد ولا تحصى:
لكن : " لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ " [إبراهيم:7] . بعد ذلك : " وَإِنْ تَعُدُّوا " [إبراهيم:34] الآية تحير ، لو أعطيتك ليرة واحدة ، قلت لك عدها ، قال كيف أعدها ، وهي ليرة واحدة ، الآية الكريمة : "
وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا " [إبراهيم:34] .
لن تستطيع إحصاء الخير والبركة بنعمة واحدة ، نعمة البصر ، إذا رزق الله شخصا أولادا ، وجاءته الهدايا ، أراد أن يكون دقيقاً يكتب على كل هدية (من جاء بها )، حتى يردها ، يا ترى أيهما أهون أن تحصي هذه الهدايا ، أم أن تردها ؟ الإحصاء سهل جداً ، قلم وورقة هذه من مَنْ ؟ من فلان ، أما كل واحد يحتاج أن تنزل إلى السوق ، وأن تشتري هدية مناسبة تكافئ هديته ، الله عز وجل يقول : أنتم يا عبادي عاجزون عن إحصاء بركات نعمة واحدة فلأن تكونوا عاجزين عن شكرها من باب أولى " وَإِنْ تَعُدُّوا " العد فقط " نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا " .
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد :فهذه الحلقة السادسة والثلاثون في موضوع
الشكور وهي بعنوان :
*تمام الصحة والعافية من نعم الله الكبرى على الإنسان :
لو أن إنساناً فقد بصره ، كل الجمال حُجب عنه ، مرة حدثوني عن كاتب بمصر كبير وأديب ، فقد
بصره ، يُصيف بسويسرا ، قلت لهم : لو أخذ غرفة بالصعيد مكيفة مثل سويسرا ، ما دام ما في
بصر ، أي مكان بارد ، ولو غرفة قميئة مادام باردة كأنه في سويسرا قاعد ، هذه لأنه حُجبت عنه المناظر ." وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا " فشكر العبد على الحقيقة إقرار القلب بإنعام الرب ، عندك إمكان إذا شربت كأس ماء أن تقول : يا رب لك الفضل؟لك الشكر لأن الكليتان تعملان بانتظام ؟
لي قريب أصيب بفشل كلوي ، كان بالمستشفى يقول له الممرض بعنف : الآلة معطلة هذا الأسبوع لا تشرب الماء ، أنت تشرب بغير حساب ، كلما شعرت بالعطش شربت الماء البارد الزلال ، هذه نعمة هل تنتبه إليها ؟ إنسان أخرج ما في جوفه .
كان عليه الصلاة والسلام إذا خرج من الخلاء يقول:" الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَعَافَانِي "[ابن ماجه] . وكان يقول : " الحمد لله الذي أذاقني لذته ـ بالطعام ـ وأبقى في قوته ، وأذهب عني أذاه " [الجامع الصغير]
*الولد الصحيح المعافى نعمة من الله لا تقدر بثمن :
رأى أولاده أمامه من نعم الله الكبرى ، يعني الله عز وجل وهبه أولاداً ما فيهم عاهات ، أحياناً عاهة بولد تجعل حياة الإنسان جحيماً لا يطاق ، أولاد .
مرة قال لي شخص : إذا ينجب الإنسان مولوداً سليماً معه هدية مليون ليرة ، هكذا قال لي ، قلت له : بالله اشرحها لي ، قال لي : لي بنت ، أنجبت مولوداً الشريان عكس الوريد بالقلب ، لونه أزرق ، سألوا أطباء يحتاج إلى عملية ليس في كل بلدنا متخصص بإجرائها إلا بلبنان ، طلب الطبيب أربعمئة ألف ، والمستشفى ثلاثمئة ألف ، والسيارة خمسين ألف ، قال لي : خلال ساعات من الولادة دفعت قريب المليون ليرة .
يعني إذا جاءك مولود سليم هذه نعمة لا تقدر بثمن ، لك زوجة صالحة ، أعان الله الذي عنده شك بزوجته ، المؤمن زوجته طاهرة ، عفيفة ، تجده يسافر ، يغيب ، عنده طمأنينة بلا حدود ، أما الذي شكّ بزوجته يغلي كالمرجل ، فالذي عنده زوجة صالحة من نعم الله الكبرى ، الذي عنده أولاد أبرار ، من نعم الله الكبرى ، الذي عنده مأوى ، لا يهم ، بيت تؤوي إليه ، كبير ، صغير ، بطوابق عليا ، له إطلالة ، طوابق دنيا ، لابأس ، عندك مأوى .
*الحمد لله الذي آواني وكم من لا مأوى له :
إذا كنت أيها الأخ المؤمن الكريم بهذه النفسية ، دخلت لبيتك شكرت الله ، نظرت إلى زوجتك شكرت الله ، نظرت إلى أولادك شكرت الله ، أكلت طعاماً أحببته شكرت الله عز وجل ، فهذه من أحوال المؤمن ، دائماً شكور .
إذاً شكر العبد ربه على الحقيقة صار إقرار القلب بإنعام الرب ، ونطق اللسان عن اعتقاد الجنان ، وعمل بالجوارح والأركان .
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد :فهذه الحلقة السابعة والثلاثون في موضوع
الشكور وهي بعنوان :*مستويات الشكر :
1 ـ أن تعزو النعمة إلى الله : هناك تعريف آخر : هو الشكر معرفة ، والشكر حب ، والشكر عمل ، ثلاث مستويات ، لمجرد أن تعزو النعمة إلى الله فهذا أحد أنواع الشكر ، أما قال قارون : " إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي " [القصص:78] " فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ " [القصص:81] .
" أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ " [الزخرف:51] أهلكه الله ." نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ " [النمل:33] قوم بلقيس ، أهلكهم الله ." أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ " [الأعراف:12] الشيطان ، أهلكه الله ، إذاً معرفة .
2 ـ أن يمتلئ القلب محبة لله : الآن مستوى آخر من مستويات الشكر ، لمجرد أن يمتلئ القلب محبة لله على هذه النعمة هذا مستوى أرقى ، أول مستوى أن تعزو النعمة إلى الله ، والمستوى الثاني أن يمتلئ القلب محبة لله .
3 ـ أن تقابل نعم الله عز وجل بخدمة عباده : المستوى الثالث وهو أرقى المستويات أن تقابل نعم الله عز وجل بخدمة عباده ،أن تنصحهم ،أن تحسن إليهم ،أن تخلص لهم ،أن ترعى فقيرهم ،أن تعين ضعيفهم ،أن تطعم جائعهم ،والدليل على ذلك قال تعالى : " اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ
عِبَادِيَ الشَّكُورُ " [سبأ:13] ." اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْراً " الشكر بأعلى درجاته عمل صالح،يعني إنسان قدم لك خدمة كبيرة ،تقول له : شكراً ، لا يكفي هذا ." من صنع إليكم معروفاً فكافئوه " [النسائي] كافئ المعروف بمعروف ، الهدية بهدية .
" تهادوا تحابوا " [مالك في الموطأ عن مالك بن عطاء الخراساني] .
صيغة مشاركة ، إذا قدم لك هدية فقدم له هدية ، هذا العمل هو الشكر أن تكافئ كل شيء طيب بعمل .
من عطاء الله على الإنسان نعمة الإيجاد والإمداد والهدى والرشاد :
عندنا تعريفات أخرى ، هناك نعمة الإيجاد :" هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً " [الإنسان:1] .
أنا أحياناً إذا تصفحت كتاباً ، وقرأت تاريخ تنضيده ، طبع ، وكان قبل سنة ولادتي أقول سبحان الله ! أثناء تنضيد هذا الكتاب أنا لم أكن شيئاً مذكوراً ، ما له وجود الإنسان " هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً " مَنْ فلان قبل مئة عام ؟ ما في فلان ، فالله عز وجل تفضل علينا بنعمة الإيجاد .
لكن في عندك جهاز تنفس يحتاج إلى هواء والهواء
موجود ، تحتاج إلى ماء والماء موجود ، تحتاج إلى طعام والطعام موجود ، تحتاج إلى إنسانة ترعى شؤونك ، والإنسانة موجودة ، تحتاج إلى أولاد يملؤون البيت فرحة ، والأولاد موجودون ، تحتاج إلى مأوى والمأوى موجود ، تحتاج إلى عمل ترتزق منه والعمل موجود ،هذه نعمة الإمداد ، منّ الله عليك بعمة الإيجاد،ومنّ الله عليك بنعمة الإمداد .
ثم منّ الله علينا جميعاً بنعمة الهدى والرشاد ، أرسل أنبياءه ، أرسل كتباً ، أرسل رسلاً ، نصب لك الآيات الدالة على عظمته ، يعني هداك بأساليب لا تعد ولا تحصى ، نعمة الإيجاد ، ونعمة
الإمداد ، ونعمة الهدى والرشاد .
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد :فهذه الحلقة الثامنة والثلاثون في موضوع
الشكور وهي بعنوان :*مستويات الشكر :
معرفة الله عز وجل أكبر نعمة منّ الله بها على الإنسان : لكن أكبر نعمة على الإطلاق نعمة :{ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً } [النساء:113] .
لو قال لك طفل معي مبلغ عظيم ، كم تقدره ؟ بمئتي ليرة ، أبوه مدرس ، وجاء العيد ، تلقى هبات من أقربائه جمعهم بمئتي ليرة ، مبلغ كبير ، قال لك معي مبلغ عظيم ، لأنه طفل كلمة عظيم من طفل تقدر بمئتي ليرة ، وإذا قال لك مسؤول كبير بالبنتاغون أعددنا لهذه الحرب مبلغاً عظيماً تقدره بمئتي مليار دولار ، الكلمة نفسها ، قالها طفل فقدرتها بمئتي ليرة ، وقالها مسؤول كبير في دولة قوية قدرتها بمئتي مليار ، فإذا قال ملك الملوك ومالك الملوك : " وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً " . يعني أكبر نعمة أن تعرف الله ، إنك إن عرفته عرفت كل شيء ، وإن فاتتك هذه المعرفة فاتك كل شيء .
" ابن آدم اطلبني تجدني فإذا وجدتني وجدت كل شيء وإن فتك فاتك كل شيء وأنا أحب إليك من كل شيء " [من مختصر تفسير ابن كثير] .والحمد لله رب العالمين [ الأنترنت – موقع النابلسي ]
*من أسماء الله الحسنى : ( الشكور) :
لازلنا مع اسم " الشكور " إن المؤمن مع المنعم ، وأن غير المؤمن مع النعمة ، المؤمن يتجاوز النعمة إلى المنعم ، فيشكره بينما غير المؤمن يستمتع بالنعمة ويغفل عن المنعم .
الشكور يزكو عنده القليل من أعمال العباد ويضاعف لهم الجزاء ،" الشكور " إذا أعطى أجزل ، أي أكثر ، وإذا أُطيع بالقليل قبل ، وهو الذي يقبل القليل ويعطي الجزيل ، وهو الذي يقبل اليسير من الطاعات ، ويعطي الكثير من الدرجات ، و" الشكور " يزكو عنده القليل من أعمال العباد ، ويضاعف لهم الجزاء ، فيثيب الشاكر على شكره ، ويرفع درجته ، ويضع عنه وزره .
امرأة بغي ، شكر الله لها ، وغفر لها لأنها سقت كلباً كاد يأكل الثرى من العطش .
أي عمل تقوم به تجاه أي مخلوق ، ولو كان حيواناً
، ولو سقيت نباتاً ، هو في الحقيقة قرض لله عز وجل ، وهذه الآية إذا قرأها المؤمن ينبغي أن يقشر جلده : " مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً " [البقرة:245] ، من أراد أن يكون أسعد الناس فليسعد من حوله ؛ شكر العبد لله ثناءه عليه ، المؤمن يشكر ، والله عز وجل يشكر ؛ المؤمن يشكر الله لإحسانه إليه ، والله عز وجل يشكر العبد لطاعته له .
قال الإمام الغزالي : إذا كان الذي أخذ فأثنى يعد
شكوراً؛فالذي أعطى وأثنى أولى أن يكون
شكوراً ، حينما تقرأ في القرآن الكريم أن الله شكور،يجب أن تندفع بكل ما تملك لخدمة عباده .
إذا أردت أن تُسعد فأسعد الآخرين ، فأنت أسعدهم ، لأن الله شكور ، أنت حينما تفكر أن تقدم خدمة لإنسان ، لحيوان ، لنبات ، أنت حينما تفكر أن ترسم بسمة على وجه طفل ، أو على وجه أسرة بائسة تكون أسعد الناس .
هذا الذي يدخل الفرح على قلوب الخلق بإحسانه إليهم ، بتخفيف آلامهم ، بحمل همومهم له عند الله مقام كبير ، إذا أردت أن تسعد فأسعد الآخرين ، ولأن الله شكور تكون أنت أسعدهم .
سعادة الإنسان لا تأتي من المال بل تأتي من اتصاله بالله عز وجل
سيدنا ابن عباس كان معتكفاً في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، معتكف بعبادة ، بل من أرقى العبادات ، رأى رجلاً كئيباً ، قال له : ما لي أراك كئيباً ؟ قال له : والله ديون لزمتني ما أطيق سدادها ، قال له : لمن ؟ قال له : لفلان ، فقال له ابن عباس : أتحب أن أكلمه لك ؟ قال له : والله أتمنى ، فانطلق ابن عباس من معتكفه ( أي خرج من عبادته ) قال له أحدهم : يا بن عباس أنسيت أنك معتكف ؟ قال : لا والله ، ولكني سمعت صاحب هذا القبر ( يقصد رسول الله عليه الصلاة والسلام ، والعهد به قريب ، ودمعت عيناه ) سمعت صاحب هذا القبر يقول : والله ، لأن أمشي مع أخي في حاجته ، خير لي من صيام شهر ، واعتكافه في مسجدي هذا ، صيام من ؟ صيام سيد الخلق ، اعتكاف من ؟ اعتكاف رسول الله ، والله لأن أمشي مع أخ في حاجته خير لي من صيام شهر ، واعتكافه في مسجدي هذا .
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد :فهذه الحلقة الأربعون في موضوع
الشكور وهي بعنوان :
*الشكور الحقيقي هو الله جل جلاله لأنه يعطي العبد ثم يوفقه للشكر :
قال ابن القيم رحمه الله تعالى : " الشكور " هو سبحانه وتعالى ، هو أولى بصفة الشكر من كل شكور ، بل هو " الشكور " على الحقيقة ، وإذا سمي عبد ما بأنه شاكر أو شكور فالتسمية مجازية ، الشاكر الحقيقي " الشكور " الحقيقي هو الله جل جلاله ، لأنه يعطي العبد ، ثم يوفقه للشكر ، ويشكر القليل من العمل ، فلا يستقله ، فيشكر ، الحسنة بعشرة أمثالها إلى أضعاف مضاعفة ، ويشكر عبده بأن يثني عليه ، بين ملائكته ، وبين ملئه الأعلى ، يشكره بفعله ، فإذا ترك شيئاً لله أعطاه أفضل منه وإذا ضحى بشيء ردّه عليه أضعافاً مضاعفة .
العاقل من يتاجر مع الله - عز وجل - لما بذل الشهداء أجسادهم التي فيها أرواحهم ؛ الشهيد بذل أثمن ما يملك ، والجود بالنفس أقصى غاية الجود ، ولما بذل الشهداء أرواحهم التي في أجسادهم حتى مزقها أعداؤهم شكر الله لهم ذلك ، بأن جُعلت أرواحهم في حواصل طير خضر ، أقرّ أرواحهم فيها ، ترد أنهار الجنة ، وتأكل من ثمارها إلى يوم القيامة ، فيردها عليهم أكمل ما تكون جمالاً وبهاءًا .
الله شكور ، والبطل ، والذكي ، والعاقل ، والموفق ، والفالح ، والناجح ، هو الذي يتاجر مع الله ، مثال بسيط : لو أن ملكاً أمر معلماً أن يعطي ابنه دروساً خاصة ، المعلم أفقه ضيق ، بعد عشرة دروس أين الأجرة ؟ قال له : كم تريد ؟ قال له : على كل درس ألف ، قال له تفضل أعطاه فوراً ، ليته لم يسأل ، لأن الملك كان مهيئاً له بيتاً ، ومركبة ، مقابل هذه الدروس ، فلما طلب أجرته من هذا الطالب أعطاه ما يريد ، من هو الذكي ؟ هو الذي يقدم عملاً لله ، فإذا سأل على عمله أجرة ، عمل طبعاً صالح أخذ أقل شيء ممكن ، أما إذا احتسب هذا عند الله أخذ أكبر أجر ممكن .
الله عز وجل لن يضيع عملاً صالحاً لأي إنسان حتى يجازي أعداءه بما يفعلونه من خير ، أعداؤه الذين كفروا به ، بل الذين أنكروا وجوده ، بل الذين تفلتوا من منهجه ، بل الذين انغمسوا في ملذات محرمة ، أعداؤه يجازيهم ، إذا فعلوا الخير ، ويخفف به عنهم يوم القيامة ، فلا يضيّع عليهم ما يعملونه من إحسان ، وهم من أبغض الخلق إليه ، لن تفعل شيئاً ويضيع عليك أجره .
أما الحديث الذي يؤكد هذا المعنى ، فهو حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه: " تَقُومُ السَّاعَةُ والرُّومُ أكْثرُ النَّاسِ ، فقيل له : أبْصِرْ ما تقول : قال : أقول ما سمعتُ من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ، قال : لئن قلتَ ذلك إنَّ فيهم لَخِصالاً أربعاً : إنَّهُم لأحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَة ، وأسْرَعُهُم إفَاقَة عند مُصِيبة ، وأوْشَكُهُم كَرَّة بعد فَرَّة ، وخَيْرُهُم لِمسْكِين ويَتيم وضَعيف "[مسلم] . هؤلاء الغارقون في المعاصي والآثام ، الذين يعتدون على شعوب الأرض ، يعاملون شعوبهم معاملة تفوق حدّ الخيال ، مع أنهم أعداءه ، مع أنه يبغضه
لكنه يشكرهم على هذه الأفعال .
المسلمون هم أول من أساء إلى النبي الكريم لأنهم لم يطبقوا سنته بشكل صحيح ؛ أي مؤمن ، أو غير مؤمن ، مستقيم ، أو غير مستقيم ، إذا قدّم عملاً صالحاً لمن حوله ، فالله عز وجل يشكره عليه ، لا يمكن أن يضيع عليك عملاً طيباً ، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق ، ولو أن تبتسم في وجه أخيك
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد :فهذه الحلقة الواحدة والأربعون في موضوع
الشكور وهي بعنوان :
*الشكور الحقيقي هو الله جل جلاله لأنه يعطي العبد ثم يوفقه للشكر :
من هم الذين أساؤوا للنبي عليه الصلاة والسلام ؟ أنا أرى أن المسلمين هم أول من يسيء إليه ، إذ لم يطبقوا سنته ، أكلوا المال الحرام ، اعتدى بعضهم على بعض ، سفكوا دماء بعضهم ، فالعالم الآخر يراهم متخلفون ، يظن أن هذا دينهم ، حتى الرسام الدنمركي لما عوتب عتاباً شديداً قال : كنت أظنه كأتباعه ، إذاً من هو الذي أساء حقيقة ؟ نحن أسأنا إلى نبينا ، فكان ردّ فعل الغرب أنهم أساؤوا إليه " وخَيْرُهُم لِمسْكِين ويَتيم وضَعيف ، وخَامِسَة حسنة جَميلة : وأمْنَعُهُم منْ ظُلْمِ الْمُلُوك " .
ما أحسن عبد مسلم أو كافر إلا وقع أجره على الله في الدنيا أو في الآخرة " وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى " [النجم:3-4] .
هذا الحديث في صحيح مسلم ، من أعلى درجات الصحة يصف الروم " تَقُومُ السَّاعَةُ والرُّومُ أكْثرُ النَّاسِ ، فقال له عمرو بن العاص : أبْصِرْ ما تقول : قال : أقول ما سمعتُ من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ، قال : لئن قلتَ ذلك إنَّ فيهم لَخِصالا أربعا ، إنَّهُم لأحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَة " يخططون ، يملكون أعصابهم " وأسْرَعُهُم إفَاقَة عند مُصِيبة ، وأوْشَكُهُم كَرَّة بعد فَرَّة ، وخَيْرُهُم لِمسْكِين ويَتيم وضَعيف ، وخَامِسَة حسنة جَميلة : وأمْنَعُهُم منْ ظُلْمِ الْمُلُوك " .
منهج الإسلام منهج موضوعي ، طبعاً الفكرة قد تبدو غريبة ، أعداؤه غارقون في المعاصي والآثام ، أعمالهم الطيبة محفوظة لهم ، لأنه شكور .
ما أحسن عبد من مسلم أو كافر إلا وقع أجره على الله في الدنيا أو في الآخرة .
*أعمال الإنسان الطيبة محفوظة له عند الله عز وجل :
إنسان ناجى ربه قال : يا رب إذا كانت رحمتك بمن قال : أنا ربكم الأعلى فرعون فكيف بمن قال : سبحان ربي الأعلى ؟ وإذا كانت رحمتك بمن قال : ما علمت لكم من إله غيري فكيف رحمتك بمن قال : لا إله إلا الله ؟ .ألم يقول الله عز وجل : " اذْهَبْا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43)فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى " طه:(44) .
إذا أردنا السعادة فالسعادة بين أيدينا ، أَسْعِد الآخرين تكون أسعدهم ، إذا أردت أن تسعد فأسعد الآخرين ، اخرج من ذاتك إلى خدمة الخلق ، كل واحد منا يذوق لذة الأخذ ، قد يغيب عنه أن لذة العطاء تضاعف أضعاف مضاعفة ، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا ، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا ، الأنبياء ملكوا القلوب ، الأقوياء ملكوا الرقاب ، الأنبياء عاشوا للناس ، الأقوياء عاش الناس لهم، الأنبياء يمدحون في غيبتهم ، وبعد ألف وخمسمئة عام ، الأقوياء يمدحون في حضرتهم ، لا في غيبتهم .
اسأل نفسك هل أنت من أهل الدنيا أم من أهل الآخرة ؟ ما السؤال ؟ ما الذي يفرحك أن تعطي أم أن تأخذ ؟ إذا كنت من أهل الآخرة يسعدك أن تعطي لا أن تأخذ ، إذا كنت من أهل الآخرة يسعدك أن تكون في خدمة الآخرين لا أن تستهلك جهد الآخرين ، إذا كنت من أهل الآخرة لا تبني مجدك على أنقاض الآخرين ، ولا غناك على فقرهم ، ولا أمنك على خوفهم ، ولا عزك على ذلهم ، ولا غناك على فقرهم . اسم " الشكور " يدور مع المؤمن في كل دقيقة ، ما من عمل صالح تقدمه لمخلوق كائناً من كان وأنت في أي وضع ، مستقيم ،غير مستقيم ،مؤمن ،غير مؤمن،أنا بأي وضع إلا كافأك الله عليه،لأنه شكور ، والحمد لله رب العالمين ، ومن أسماء الله الحسنى : (الحليم) مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى ، والاسم هو " الحليم " .[ الأنترنت – موقع الكلم الطيب - بتصرف]إلى
هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد :فهذه الحلقة الثانية والأربعون في موضوع
الشكور وهي بعنوان : الشكر في الإصطلاح:
هو ظهور أثر نعمة الله على لسان العبد ثناءً واعترافاً، وعلى قلبه شهوداً ومحبة، وعلى جوارحه انقياداً وطاعة.
1. أولاً: على لسانه اعترافاً وثناءً، أنه يعترف بها ويثني على الله تعالى، ويتحدث بها في خاصة أمره بينه وبين نفسه وبينه وبين الناس {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى:11].
2. ثانياً: وعلى قلبه شهوداً، عندما تستشعر أن
هذه العطايا من ربك هي منن تنزل عليك {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لقمان من الآية:20]، يبعثك هذا إلى أن تحبه لأنه يسدي إليك هذا المعروف. فيشهد القلب النعمة ويقر بها ويراها ويلاحظها طوال الوقت.
3. ثالثاً: وعلى جوارحه انقيادًا وطاعة، فلو أن القلب أقر وشهد وأحب ومال، مالت الجوارح وتنقاد. فتجد الإنسان الشكور دومًا مخبت منكسر عليه معاني الذل والافتقار، ودوماً قلبه منشرح لإحساسه بفضل ربه عليه. الشكر علم وحال وعمل وقال الغزالي رحمه الله في الإحياء: "واعلم أن الشكر من جملة مقامات السالكين وهو ينظم من علم وحال وعمل". قال: فالعلم هو الأصل، وهو يُورث الحال، والحال يُورث العمل، أما العلم فمعرفة النعمة من المنعم وأما الحال فهو الفرح الحاصل بإنعامه وأما العمل فالقيام بما هو مقصود المنعم ومحبوبه.
ودعونا نفصل هذا الكلام الماتع:
1. العلم: "معرفة النعمة من المنعم"، معرفة أن هذه النعمة ليست من أحد سوى الله، ولا تلتفت للأسباب مطلقاً بل ترى نجاحك وتوفيقك في شتى أمورك محض فضل من ربك. والحقيقة أننا ننسب الحسنة لأنفسنا وننسب السيئة إلى الله عياذاً بالله، إذا وفقت في شيء تجد نفسك تقول: لولا أني فعلت كذا ما فلحت، ولأني قمت بكذا نجحت، أما لو لمناك على شر وقلنا لك: لمَ فعلت ذلك؟ تقول والله لم أكن أريد لكن الشيطان شاطر، لكن قدر الله، فانتبه لهذا وانسب النعمة لصاحبها
2. الحال: "هو الفرح الحاصل بإنعامه" وإن لم تجد هذا الفرح فاعلم أنك لم تعرف نعمة الله من الأساس. لذا دائماً أقول اكتبوا نعم الله ، تفكروا فيها، وانظروا لمن حرمها. انظر لمن فقد بصره حتى تفرح ببصرك، وانظر لمن حرم الأولاد وينفق الآلاف لكي يرزق بطفل واحد وأنت عندك ثلاثة وأربعة، انظر له لتفرح بنعمة ربك. إذا فقدت إحساسك بالنعمة فابحث عن من فقدها، فإذا استشعرتها وشعر قلبك بالفضل والفرح والانشراح بها فهنا يتولد عن هذا الحال العمل. تجدك تريد أن تبذل لله.. تصلي أو تتصدق أو تكشف كربة أو تعين أحداً.. تفعل أي شيء يرضي الله فتفعل "ما هو مقصود المنعم ومحبوبه"، لذلك الشكر بالقلب والجوارح واللسان، فلا يكون شاكر إلا إذا كان قلبه مخبت، ولسانه ذاكر، وكذلك جوارحه منقاده بالطاعة لله سبحانه وتعالى.
هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد :فهذه الحلقة الثالثة والأربعون في موضوع
الشكور وهي بعنوان : الشكر في الإصطلاح:
يقول الأصفهاني في المفردات: "الشكر تصور النعمة
وإظهارها وهو ثلاثة أدرب:
- شكر القلب: وهذا بتصور النعمة ودوام رؤيتها.
-وشكر اللسان: بالثناء على المنعم.
- وشكر سائر الجوارح: وهو مكافأة النعمة بقدر إستحقاقها، وهو أن كل شيء بك يذعن لله سبحانه وتعالى".
الفرق بين الشكر والحمد قالوا الشكر مثل الحمد إلا أن الشكر أخص، فإنك تحمد الإنسان على صفاته الجميلة وعلى معروفه ولا تشكره إلا على معروفه دون صفاته. فمثلاَ الرجل الخلوق المهذب، أنت تحمد له أدبه بالثناء عليه وإنما تشكر له فعل الأدب نفسه إن وقع. فالحمد يكون على الصفات وعلى المعروف، أما الشكر فيكون على المعروف دون الصفات، قال ثعلب وهو أحد أئمة اللغة: "الشكر لا يكون إلا عن يد، أما الحمد فيكون عن يد أو عن غير يد"، سواء أعطاك أو لم يعطك. قال القرطبي: "وتكلم الناس في الحمد والشكر هل هو بمعنى واحد أم بمعنيين فذهب الطبري والمبرد إلى أنهما في معنى واحد وهذا غير مرضي! والصحيح أن الحمد ثناء على الممدوح بصفاته من غير سابق إحسان، والشكر ثناء على المشكور بما أولى من الإحسان".
لذا قال الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّـهِ} [الفاتحة من الآية:2] ابتداءً سواء أسدى إليك أم لم يسد فهو محمود سبحانه وتعالى لذاته بجميل صفاته بجميل أفعاله. يقول ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين: "الفرق بين الشكر والحمد أن الشكر أعم من جهة أنواعه وأسبابه وأخص من جهة متعلقاته. فالشكر يكون بالقلب خضوعاً وإستكانة، وباللسان ثناءً واعترافاً، وبالجوارح طاعة وانقيادا". قلبك ينكسر بشهود النعمة، فشهود النعم أحد مرققات القلوب ومن أعظم أسباب علاج قسوة القلب، تقول: قلبي قاسي جداً لا يشعر بشيء؟ اجلس اذا وعدد النعم. اذكر كيف منّ الله عليك بالتوبة، حلم عليك وأعطاك ما لم تكن تعلم وما لم تكن تأمل و أصبغ عليك نعمه الظاهرة والباطنة. منّ عليك بالإسلام إبتداءً وبالالتزام بعد ذلك وأذن لك بذكره وأذن لك بمعرفته. فكل نعمة منها تكسر القلب، هذا غير النعم الخاصة لكل شخص، كمحنة نجاه الله منها أو كرب كشفه عنه أو ستر اسدله عليه، عدد النعم ينكسر قلبك. من حيث المتعلقات: أي أن الشكرمتعلق بالنعم دون الأوصاف. فأنت تشكر على النعم ولا تشكر على الصفة، يعني لا تشكر الله أنه تواب وإنما تحمده أنه تواب وتشكره أنه تاب عليك. لذلك لا يُقال شكرنا الله على حياته وسمعه وبصره وعلمه إنما يقال حمدنا الله فهو المحمود عليها كما هو محمود على إحسانه وعدله.
هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد :فهذه الحلقة الرابعة والأربعون في موضوع
الشكور وهي بعنوان : الشكر في الإصطلاح:
معنى اسمه تعالى الشكور في حقه سبحانه وتعالى ماذا يعني أن ربنا شكور؟ قالوا: شكور للحسنات يضاعفها، شكور على يسير الطاعات فيثيب عليها جزيل الحسنات، كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم «ما تصدَّقَ أحدٌ بصدَقَةٍ منْ طيِّبٍ، ولا يقبَلُ اللهُ إلَّا الطيبَ، إلَّا أخذَها الرحمنُ بيمينِهِ، وإِنْ كانتْ تَمْرَةً، فتربُو في كفِّ الرَّحمنِ حتى تَكونَ أعظمَ مِنَ الجبلِ، كما يُرَبِّي أحدُكم فَلُوَّهُ أوْ فَصيلَهُ» (صحيح، الألباني، صحيح الجامع [5600]). قالوا ومن معنى الشكور أنه سبحانه يرغب الخلق في الطاعة قلّت أو كثرت لئلا يستقلوا القليل من العمل، لذا كانت عائشة رضي الله عنها عندما تقرأ {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ . وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:7-8]، تأتي بشطر تمرة وتتصدق به وتتأول الآية وتقول مثقال ذرة إذا تمرة خيراً يره. قالوا وإذا أثنى الرب على عبده فقد شكره، والثناء يكون في الملأ الأعلى كما ورد في حديث ثناء الله على عبده وهو يقرأ الفاتحة. فإذا قالَ العبدُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2]، قالَ اللهُ تعالى: حمدني عبدي، وإذا قالَ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:3]، قالَ اللهُ تعالى: أثنى عليَّ عبدي، وإذا قالَ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:3]، قالَ: مجَّدني عبدي. (رواه مسلم).
فيثني عليه في الملأ الأعلى ربنا سبحانه وتعالى بذلك، وحين تصلي على النبي صل الله عليه وسلم يثني عليك في الملأ الأعلى، «من صلَّى عليَّ واحدةً، صلَّى اللهُ عليه عشرَ صلواتٍ، و حطَّ عنه عشرَ خطيئاتٍ، و رفعَ له عشرَ درجاتٍ» (صحيح، الألباني، صحيح الجامع [6359]). وثناء الله غير ذكره لعبده {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُم} [البقرة من الآية:152]، جميل أن يذكرك، لكن هذه يثني عليك قال الغزالي في المقصد: "الرب تعالى إذا أثنى على أعمال عباده فقد أثنى على فعل نفسه لأن أعمالهم من خلقه فإن كان الذي أعطى فأثنى شكور، فالذي أعطى وأثنى على المعطي هو أحق بأن يكون الشكور. مر أحد الصالحين على قارىء يقرأ قول الله تعالى {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص:30]، قال: "سبحان الله يعطي ويثني!!""، فالغزالي رحمه الله يشير إلى هذا المعنى أن الأعمال أصلاً منه. قال موسى عليه السلام: "يا رب إن أنا بلغت رسالاتك فمن عندك وإن أنا صليت فمن عندك وإن أنا فعلت كذا وكذا من أفعال الطاعات فمن عندك ومن قبلك فكيف أشكرك؟، قال: "الآن شكرتني"، فالعجز عن الشكر تمام الشكر. أثر الإيمان بهذا الاسم الشريف:
أولاً: إذا كان الله سبحانه وتعالى الشكور الشاكر على الإطلاق يقبل القليل من العمل ويعطي الكثير من الثواب مقابل هذا العمل القليل، فإن حظ المؤمن من هذا ألا يستصغر شيء من أعمال البر ولا يحقر من المعروف شيئاً، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «لا تحْقِرَنَّ من المعرُوفِ شيْئًا، ولوْ أنْ تلْقَى أخاكَ بوجْهٍ طلْقٍ» (صحيح، الألباني، صحيح الجامع[7245]). حتى تبسمك في وجه أخيك قربى، وصدقتك ولو بشق تمرة قربى، والكلمة الطيبة منك قربى، «اتّقُوا النّارَ ولَو بشِقّ تَمرَة فمَن لم يجِدْ شِقّ تَمرَة فبكَلِمةٍ طيّبَة»(صحيح البخاري [3595])،فلا تحتقر من العمل شيئًا مهما صغر
ثانياً: مما يجب معرفته أن ما يقدمه المسلم في تقربه إلى الله تعالى من صلاة أو صيام أو حج لا يخلو من التقصير والسهو و النسيان، فلا يظن أنها الثمن المطلوب للجنة، ولا ينظر لها من الأساس بل ينظر ويتعلق برحمة الله وفقط. لأن هذه الأعمال في الأساس لن تدخلك الجنة، فالجنة هي سلعة الله الغالية، ولكن لأن الله شكور عظم من شأنها وأعطاك بها على صغرها وعيبها هذه المنة العظيمة.. سلعة الله الغالية. ثالثاً: وهو الأهم: هو تحقيق الشكر، وهو واجب على كل مكلف. فكيف نشكر الله تعالى.
هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد :فهذه الحلقة الخامسة والأربعون في موضوع
الشكور وهي بعنوان : الشكر في الإصطلاح:
يقول ابن القيم رحمه الله: "الشكر مبني على خمس قواعد، سأذكرها لك وأذكر حظك منها فانتبه:
1-خضوع الشاكر للمشكور، وحظها منك الذل
والانكسار لله تعالى.
2. حبه له، أن يزداد المؤمن في حبه لله تعالى.
3. اعترافه بنعمته، فيكثر من قوله: أبوء لك بنعمتك علي، ويكثر من التحدث بنعم الله تعالى. يتحدث بالنعمة لذكر المنعم وبيان فضله لا لبيان النعمة والزهو بها. 4. ثنائه عليه بها.
5. وألا يستعملها فيما يكره، لا يعصي الله ويبارزه بها.
*كيف يتحقق الشكر؟ :
أولاً: يتحقق الشكر بمراعاة آثاره. بأن تحرص على حفظ النعمة وزيادتها، ربنا قال: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7]، فإذا عرفت ثمرة الشكر، الزيادة، جاهدت على تحقيقه. فمثلاً حينما يمن الله عليك بمال وتعلم أن أعظم وسيلة لتنميته واستثماره أن تنفق منه لا أن تدخره،حينها ستفعل. فأول وسيلة لتحقيق الشكر أن تعرف الثمرة لتكون باعث لك عليه.
المعنى الثاني: أن يضع العبد نصب عينيه الجزاء العظيم الأخروي الذي سوف يمن الله عليه به إذا شكر النعمة، قال الله عز وجل: {سَيَجْزِي اللَّـهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران من الآية:144]، وقال: {وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ} [آل عمران من الآية:145]، ومنه: ما جاء في بعض الآثار أن من ابتلى فصبر وأعطي فشكر، وظُلم فغفر، أن أولائك الذين لهم الأمن وهم مهتدون، فالشاكرون يأمنون من فزع يوم القيامة ويكونون من المهتدين في الدنيا والأخرة.
ذكر الخرائطي صاحب كتاب فضيلة الشكر: عن ابن عباس أنه قال: "أول من يدخل الجنة يوم القيامة الذين يحمدون الله في السراء والضراء"، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري تعليقاً، قال: «الطَّاعِمُ الشَّاكرُ لَهُ مثلُ أجرِ الصَّائمِ الصَّابرِ» (صحيح، الألباني، صحيح بن ماجة [1440])، إذاً معرفة الأجر الذي سوف يمن الله عليه به باعث للشكر.
كذلك من ثمار الشكر الدافعة له على العمل وشكر نعمة الله تعالى عليه؛ رفع العذاب في الآخرة، ألا ترى قول الله تعالى {وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم:34]، ففيه إشارة إلى أن الخروج من ظلم الإنسان وكفرانه بنعم الله تعالى أن يضعها نصب عينيه، فيكون هذا سبب إن شاء الله تعالى في أن يُرفع عنه هذا الظلم للنفس الذي يقع الإنسان به. منها كذلك أن ينجو من عذاب الدنيا، يقول الله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:112]، والسياق مؤداه أن العكس صحيح أنها إذا شكرت أنعم الله أمنت من عذاب الله تعالى العاجل في الدنيا. وقد بين القرآن أن الشاكرين ينجون من عذاب الله تعالى كما حصل هذا لنبي الله تعالى لوط {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بالنّذر . إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آَلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ . نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ} [القمر:33-35]، إذًا الشكر هو عنوان النجاة من العذاب إلى غير هذا من الآيات التي تشير إلى هذا المعنى.
أيضاً أن يعلم العبد أن من أعظم ثمرات الشكر حب الله تعالى له كما ورد في الحديث «أحِبوا اللهَ لما يغْذوكم من نعَمِه، وأحِبُّوني بحُبِّ اللهِ، وأَحِبُّوا أهلَ بيتي بحُبِّي» (غريب حسن، الترمذي [3789]). إن محبة الله تعالى أثر فطري عن الشعور بنعمة الله فإذا علم العبد أنه لو شكر سيحبه الله وأن الله لو أحبه نجا فهذا باعث له على الشكر، وكذا يتنزل عليك برضوانه، قال عزوجل {وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر من الآية:7].
هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد :فهذه الحلقة السادسة والأربعون في موضوع
الشكور وهي بعنوان :
ولكي أزيدك في تحقيق الشكر من الناحية العملية، فأنصحك بالآتي:
أول شيء :وكواجب تطبيقي لهذا الاسم الشريف العظيم أن تكتب نعم الله عليك التي جائتك بفرحة وسعادة، بعدها تذهب في زيارة لمريض وتتخيل نفسك مكانه، لو أن الله كان قدر عليك تتألم بهذا الألم وكيف أن الله عافاك.
الأمر الثاني :كثرة ذكر المحمود باللسان، فتكثر من
الحمد لله، وستجد لها طعم وأثر على القلب جميل.
الأمر الثالث :التحدث بالنعم أو بجميل منن الله على عباده، كما كان يقول سيدنا عبد الرحمن بن عوف عندما قالت له السيدة عائشة: "أنت آخر من يدخل الجنة من العشرة تدخلها زحفاً" قال: "ولمَ يا أم؟" قالت: "أما ترى هذه الأموال كلها أين ستذهب بها"، قال: "وما أصنع إن كنت أنفقه في الليل فيأتيني في النهار فأنفقه في النهار فيأتيني بالليل؟". ألا تعلمون أثر سيدنا داود أن الله قال له: "يا داود وأحب أحبائي وحببني إلى خلقي" قال: "يارب أحبك وأحب أوليائك ولكن كيف أحببك إلى خلقك؟" قال: "تذكرني ولا تذكر مني إلا حسناً". ربنا أوزعنا أن نشكر نعمتك التي أنعمت علينا وعلى والدينا واجعلنا من عبادك الشاكرين [الأنترنت – موقع شرح وأسرار الأسماء الحسنى - اسم الله تعالى الشكور والشاكر ]
*الحكمة والمناسبة في اقتران اسم الله (شاكر عليم):
اقترن هذان الاسمان في موضع واحد من القرآن الكريم في سورة البقرة في هذه الآية:
(إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ).
معنى اسم الله ( الشاكر العليم): :
شاكر : قال ابن سعدي : الشاكر والشكور من أسماء الله تعالى ، الذي يقبل من عباده اليسير من العمل، ويجازيهم عليه العظيم من الأجر، الذي إذا قام عبده بأمره وامتثل طاعته، أعانه على ذلك وأثنى عليه ومدحه، وجازاه في قلبه نوراً وإيماناً وسعة، وفي بدنه قوة ونشاطاً، وفي جميع أحواله زيادة بركة ونماء، وفي أعماله زيادة توفيق. ثم بعد ذلك يقدم له الثواب الأجل عند ربه كاملا موفوراً، لم تنقصه هذه الأمور .
عليم : قال أبو سليمان الخطابي: العليم هو العالم بالسرائر والخفيات، التي لا يدركها علم الخلق، كقوله تعالى { إنه عليم بذات الصدور}، وجاء على بناء فعيل للمبالغة في وصفه بكمال العلم، ولذلك قال سبحانه (وفوق كل ذي علم عليم)، والآدميون وإذا كانوا يوصفون بالعلم فإن ذلك ينصرف منهم إلى نوع من المعلومات ، دون نوع ، وقد يوجد ذلك منهم في حال دون حال، وقد تعترض علمهم الآفات فيخلف علمهم الجهل، ويعقب ذكرهم النسيان..
المناسبة في اقتران اسم الله ( الشاكر العليم):
اقترن هذان الاسمان لبيان مع أن الله شاكر، فهو عليم بمن يستحق الثواب الكامل، بحسب نيته وإيمانه وتقواه، ممن ليس كذلك. عليم بأعمال العباد، فلا يضيعها، بل يجدونها أوفر ما كانت، على حسب نياتهم التي اطلع عليها العليم الحكيم . [الانترنت – موقع مدونة العلم والمعرفة للجميع - محمد علم الدين]
هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد :فهذه الحلقة السابعة والأربعون في موضوع
الشكور وهي بعنوان :
* اعتناق الغفور والشكور
يقوا ابن فارس : الشين والكاف والراء أصول أربعة :
فالأول : الشكر: الثناء على إنسان بمعروف يوليكه ، ويقال إن حقيقة الشكر الرضا باليسير
والشكور : فعول من الشكر وأصل الشكر في الكلام هو الظهور ومنه يقال شكير النبت ، وشَكَرَ الضرعُ إذا امتلأ ، وامتلاؤه : ظهوره ،ويقال : دابة شكور : أي : سريعة السمن فكأن الشكر من الله تعالى هو إثابة الشاكر على شكره ، فجعل ثوابه للشكر وقبوله للطاعة : شكراً على طريقة المقابلة .
والشكر : عرفان الإحسان ونشره ..... والشكر من الله تعالى : المجازاة والثناء الجميل ..... والشكور : من صفات الله جل اسمه ، ومعناه : أنه يزكو عنده القليل من أعمال العباد فيضاعف لهم الجزاء ، وشكره لعباده : مغفرته لهم .
وقد اعتنق الاسمان في القرآن الكريم ثلاث مرات:
الأولى والثانية في سورة فاطر في الآيتين 30، 34
أما المرة الأخيرة فجاءت في سورة الشورى آية 23
في الآية الأولى :ورد الاسمان في سياق الحديث ( الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا .... سِرّاً وَعَلانِيَةً ........) (فاطر:29)
وبعده بقليل كان الجزاء والجزاء ( جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً
وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ َقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ) ( فاطر : 33 ، 34) فعقب على فعلهم وعبادتهم ( إنه غفور شكور ) وعقب على الجزاء من الله بقولهم : ( إن ربنا لغفور شكور )
فالشكر متبادل ، وهذا يؤكد كلام الزجاج من أن الشكر هو إثابة الشاكر على شكره ، فجعل ثوابه للشكر وقبوله للطاعة شكراً على طريقة المقابلة
والموضع الثالث :يؤكد هذا وهو ما جاء في سورة الشورى حيث يقول الله تعالى (ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) (الشورى:23) فقوله ( ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسناً ) يؤكد ما سبق ولذلك عقب بقوله ( إن الله غفور شكور ) وكأن المغفرة هنا هي الزيادة على عدم المعاقبة ، فعدم المعاقبة هي الجزاء ، ثم زيد عليها الستر والمغفرة فكانت المغفرة زيادة ؛ ولذلك اقترنت بالشكور ليفهم أنها مغفرة شكور يقول الطاهر بن عاشور:المقصود بالتعليل هو وصف الشكور ، وأما وصف الغفور فقد ذكر للإشارة إلى المقترفين السيئات في الاستغفار والتوبة ليغفر لهم فلا يقنطوا من رحمة الله ،كما أن تقديم الغفور يعني أن هناك شوائب في الطريق ينبغي أن تمحى وتستر أولاً ، فسترت ومحيت شكراً من الله تعالى . وهذا مطلبهم ففي الآية الأولى قيل : ( يرجون تجارة لن تبور ) و في الآية الأخرى قيل : ( لهم ما يشاءون عند ربهم ) ولا يتصور أن العبد عند عبادته يطلب شيئاً قبل المغفرة ، إنها شغل العباد الشاغل : أن تغفر لهم ذنوبهم ، فعجل لهم ذلك، وقدمت المغفرة في جميع المواضع على ( الشكور ) لأنها مقصود العباد الأول فبشروا به أولاً . [الأنترنت – موقع أرشيف ملتقى أهل الحديث - الموسوعة الشاملة - سعيد جمعة جامعة الأزهر]
هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد :فهذه الحلقة الثامنة والأربعون في موضوع
الشكور وهي بعنوان : *إقتران الودود بالشكور
قال ابن القيم : الودود: المتودِّدُ إلى عباده بنعمه، الذي يودّ من تاب إليه وأقبل عليه، وهو الودود
أيضا أي المحبوب، قال البخاري في صحيحه: الودود: الحبيب، والتحقيق أنَّ اللفظ يدلُّ على الأمرين، على كونه وادَّا لأوليائه ومودودا لهم.
فأحدهما بالوضع، والآخر باللزوم. فهو الحبيبُ المحبُّ لأوليائه يحبهم ويحبونه، وقال شعيب عليه السلام: (إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ).
وما ألطف اقتران اسم الودود بالرحيم والغفور، فإن الرجل قد يغفر لمن أساء إليه ولا يحبه، وكذلك قد يرحم من لا يحبّ، والرب تعالى يغفر لعبده إذا تاب إليه، ويرحمه ويحبه مع ذلك، فإنه يحبُّ التوابين، وإذا تاب إليه عبدهُ أحبه، ولوكان منه ما كان.وهو الودود يحبهم ويحبه أحبابه والفضل للمنانوهو الذي جعل المحبة في قلوبهم وجازاهم بحب ثانهذا هو الإحسان حقا لا معاوضة ولا لتوقع الشكرانلكن يحبُّ شكورهم، وشكورُهُم لا لاحتياج منْهُ للشكران وهو الشكور فلن يُضيع َ سعيَهم لكن يضاعفُه بلا حُسبان وهذا تفسير لاسميه الكريمين (الودود والشكور)، وقد ورد كل منهما في الكتاب العزيز، فالودود ورد مرة مقترنا باسمه الرحيم في قوله تعالى من سورة هود على لسان شعيب عليه السلام: (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ * إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) سورة هود: آيه 90، وورد مرة أخرى مقترنا باسمه الغفور في قوله تعالى: (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ) البروج آية 14.
والودود مأخوذٌ من الود بضم الواو بمعنى خالص المحبة، وهو إما من فعول بمعنى فاعل، فهو سبحانه الوادّ أي المحب لأنبيائه وملائكته وعباده الصالحين، وإما من فعول بمعنى مفعول، فهو سبحانه المودودُ المحبوب لهم، بل لا شيء أحبّ إليهم ولا في كيفيتها، ولا في متعلقاتها، وهذا هو الواجب أن تكون محبة الله في قلب العبد سابقة لكل محبة، وغالبة لها، ويتعين ان تكون بقية المحابّ تابعة لها.
منقول نصا من كتاب (أسماء الله الحسنى: صفحة: 222) للإمام شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي: (691 - 751ه) [الأنترنت – موقع الملتقى الفقهي - سهير علي ]
*قال تعالى : { ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله ۚ إنه غفور شكور}
وورد في التفسير الميسر : إن الذين يقرؤون القرآن، ويعملون به، وداوموا على الصلاة في أوقاتها، وأنفقوا مما رزقناهم من أنواع النفقات الواجبة والمستحبة سرًّا وجهرًا، هؤلاء يرجون بذلك تجارة لن تكسد ولن تهلك، ألا وهي رضا ربهم، والفوز بجزيل ثوابه؛ ليوفيهم الله تعالى ثواب أعمالهم كاملا غير منقوص، ويضاعف لهم الحسنات من فضله، إن الله غفور لسيئاتهم، شكور لحسناتهم، يثيبهم عليها الجزيل من الثواب.
وقال السعدى : وذكر أنهم حصل لهم ما رجوه فقال: { لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ } أي: أجور أعمالهم، على حسب قلتها وكثرتها، وحسنها وعدمه، { وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ } زيادة عن أجورهم.{إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ } غفر لهم السيئات، وقبل منهم القليل من الحسنات.
وورد في الوسيط لطنطاوي : واللام فى قوله :
( لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ) متعلقة بقوله (لَّن تَبُورَ) على معنى،يرجون تجارة لن تكسد لأجل أن يفويهم أجورهم التى وعدهم بها ، ويزيدهم فى الدنيا والآخرة من فضله ونعمه وعطائه .
أو متعلقة بمحذوف ، والتقدير : فعلوا ما فعلوا ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله(إِنَّهُ) - سبحانه ( غَفُورٌ) أى : واسع المغفرة (شَكُورٌ) أى:كثير العطاء لمن يطيعه ويؤدى ما كلفه به .
هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
:فهذه الحلقة التاسعة والأربعون في موضوع
الشكور وهي بعنوان :
* اعتناق الغفور والشكور
وقال البغوى : ( ليوفيهم أجورهم ) جزاء أعمالهم بالثواب ( ويزيدهم من فضله ) قال ابن عباس : يعني سوى الثواب مما لم تر عين ولم تسمع أذن ( إنه غفور شكور ) قال ابن عباس : يغفر العظيم من ذنوبهم ويشكر اليسير من أعمالهم .
وقال ابن كثير : ( ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله ) أي : ليوفيهم ثواب ما فعلوه ويضاعفه لهم بزيادات لم تخطر لهم ، ( إنه غفور ) أي : لذنوبهم ، ( شكور ) للقليل من أعمالهم .
قال قتادة : كان مطرف رحمه الله إذا قرأ هذه الآية يقول : هذه آية القراء .
وروى الإمام أحمد بسنده من حديث أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله تعالى إذا رضي عن العبد أثنى عليه سبعة أصناف من الخير لم يعمله ، وإذا سخط على العبد أثنى عليه سبعة أصناف من الشر لم يعمله ، غريب جدا .
وقال القرطبى : {ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله } قيل : الزيادة الشفاعة في الآخرة . وهذا مثل الآية الأخرى : رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله إلى قوله ويزيدهم من فضله ، وقوله في آخر النساء : فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله وهناك بيناه . إنه غفور للذنوب . شكور يقبل القليل من العمل الخالص ، ويثيب عليه الجزيل من الثواب .
وقال الطبرى : وقوله (لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ) يقول: ويوفيهم الله على فعلهم ذلك ثواب أعمالهم التى عملوها في الدنيا(وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) يقول: وكي يزيدهم على الوفاء من فضله ما هو له أهل، وكان مطرف بن عبد الله يقول: هذه آية القراء.
وعن قتادة قال: كان مطرف إذا مر بهذه الآية ( إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ ) يقول: هذه آية القراء.
وعن قتادة أيضا قال: كان مطرف بن عبد الله يقول: هذه آية القراء (لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ). وقوله (إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) يقول: إن الله غفور لذنوب هؤلاء القوم الذين هذه صفتهم شكور لحسناتهم.
وقال ابن عاشور :و{ ليوفيهم } متعلق ب{يرجون } ، أي بشرناهم بذلك وقدَّرناه لهم لنوفيهم أجورهم . ووقع الالتفات من التكلم في قوله : { مما رزقناهم } إلى الغيبة رجوعاً إلى سياق الغيبة من قوله : { يتلون كتاب الله } أي ليوفي الله الذين يتلون كتابه .
والتوفية : جعل الشيء وافِياً ، أي تامّاً لا نقيصة فيه ولا غبن .
وأسْجلَ عليهم الفضل بأنه يزيدهم على ما تستحقه أعمالهم ثواباً من فضله ، أي كرمه ، وهو مضاعفة
الحسنات الواردة في قوله تعالى :{كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة} البقرة : 261 ] الآية
وذيل هذا الوعد بما يحققه وهو أن الغفران والشكران من شأنه ، فإنّ من صفاته الغفور الشكور ، أي الكثير المغفرة والشديد الشكر .
فالمغفرة تأتي على تقصير العباد المطيعين ، فإن طاعة الله الحقّ التي هي بالقلب والعمل والخواطر لا يبلغ حق الوفاء بها إلا المعصوم ولكن الله تجاوز عن الأمة فيما حدّثت به أنفسها ، وفيما همت به ولم تفعله ، وفي اللمم ، وفي محو الذنوب الماضية بالتوبة ، والشكر كناية عن مضاعفة الحسنات على أعمالهم فهو شكر بالعمل لأن الذي يجازي على عمل المجزيّ بجزاء وافر يدل جزاؤه على أنه حمد للفاعل فعله وأكد هذا الخبر بحرف التأكيد زيادة في تحقيقه ، ولما في التأكيد من الإِيذان بكون ذلك علة لتوفية الأجور والزيادة فيها .
وفي الآية ما يشمل ثواب قُرَّاء القرآن ، فإنهم يصدق عنهم أنهم من الذين يتلون كتاب الله ويقيمون الصلاة ولو لم يصاحبهم التدبر في القرآن فإن للتلاوة حظها من الثواب والتنوّر بأنوار كلام الله .
[الأنترنت – موقع { لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِۦٓ ۚ إِنَّهُۥ غَفُورٌ شَكُورٌ } (فاطر - 30) ]
هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الخمسون في موضوع الشكور وهي بعنوان : * التعبد لله تعالى بشكره
وإن من أعظم العبادات وأرفعها قدرًا عند الله التعبد لله تعالى بشكره؛ فشكر العبد لربه بصدق وإخلاص يفتح على العبد أبواب الخير ويغلق عنه أبواب الشر، ذلكم لأن نتيجة الشكر تتضمن خيري الدين والدنيا والبرزخ والآخرة، ومن عظيم أمر الشكر أن الله تعالى أمر العباد به بل وحضَّهم عليه، كما في قوله تعالى:{وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنْ اشْكُرْ لِلَّهِ} لقمان: 12، {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ} البقرة: 152، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ} البقرة: 172،{فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ} العنكبوت: 17.
ولما كان أنبياء الله ورسله عليهم السلام أعلم الناس بالله وأسبقهم بالخيرات أُمِرُوا بالشكر لعظيم أَمْرِهِ
وجَليل قدره: {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ} الأعراف: 144،ومن أمر ربنا تعالى لنبينا :{بَلْ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ} الزمر: 66.
معاشر المسلمين، ومن عظيم أمر الشكر أن الله مدح بذلك أنبياءه ورسله، فقال تعالى عن نوح عليه السلام: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} الإسراء: 3، وقال عن إبراهيم الخليل عليه السلام: {شَاكِرًا لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} النحل: 121، وعن سليمان عليه السلام: {قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ} النمل: 19، وعن آل داود: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ} سبأ: 13.
أما ما كان من شأن نبينا فكان شيئًا عجبًا؛ فقد كان مع شريف مكانه ورفيع منزلته أشكر الناس لربه تعالى، فعن المغيرة بن شعبة قال: إن كان النبي ليقوم أو ليصلي حتى ترم قدماه أو ساقاه، فيقال له؛ فيقول: (أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا) أخرجه البخاري.
معاشر المسلمين، إنَّما كان الأنبياء والرسل عليهم السلام أكثر شكرًا لله تعالى لأنهم أعلم الناس بالله وأرجاهم لله وأخوفهم منه، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: "إنما ألزم الأنبياء أنفسهم بشدة الخوف لعلمهم بعظيم نعمة الله تعالى عليهم وأنه ابتدأهم بها قبل استحقاقها،فبذلوا مجهودهم في عبادته ليؤدوا بعض شكره مع أن حقوق الله أعظم من أن يقوم بها العباد، والله أعلم".
ومع أن أنبياء الله ورسله عليهم السلام كانوا أشكر الناس لله تعالى، مع ذلك كله كانوا يسألون الله تعالى الإعانة على القيام بشكره؛ فقد أخبر الله تعالى عن سليمان عليه السلام بقوله: {قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي
بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} النمل: 19.
هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الواحدة والخمسون في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : * التعبد لله تعالى بشكره
قال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: "إن النعمة على الوالدين نعمة على الولد، ثم قال: فسأل سليمان ربه التوفيق للقيام بشكر نعمته الدينية والدنيوية عليه وعلى والديه".
وأما ما كان من شأن نبينا في سؤال ربه الإعانة على القيام بشكره فقد كان كثير السؤال، فقد كان
يقول دبر كل صلاة: ((اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ))، وأوصى بذلك أصحابه كما أخرجه أبو داود في سننه عن معاذ بن جبل . وكان يضمن أدعيته تخصيص طلب الشكر كما في قوله : ((ربِّ اجعلْني لك شَكَّارًا)) أخرجه الترمذي، وقوله : ((شكَّارًا)) صيغة مبالغة يعني كثير الشكر ودائمه. وكان يشكر ربه بفعله كما يشكره بقوله؛ فعن أبي بكرة قال: كان النبي إذا جاءه خبر يَسُرُّهُ خرَّ ساجدًا لله. أخرجه الخمسة إلا النسائي.
وعن عبد الرحمن بن عوف قال: سجد النبي فأطال السجود ثم رفع رأسه فقال:(إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَبَشَّرَنِي....، فَسَجَدْتُ لِلَّهِ شُكْرًا) رواه أحمد وأبو داود.
ولما كانت منزلة الشكر بهذه المثابة خُصَّت بمزيد من الذكر والأجر، وإن كانت جميع العبادات يؤجر عليها صاحبها إلا أن من المقرر عند أهل العلم أن العبادات تتفاضل فيما بينها وأن تخصيص عبادة بكثير ذكر ومدح لأهلها يدل على تمييزها عن غيرها، ولذا خصَّ الشكر بالجزاء والثناء على أهله:
{وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} آل عمران: 144،{وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ} آل عمران: 145، {نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ} القمر: 35،{أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} الأنعام: 53.
معاشر المسلمين، ولما كان شكر الله تعالى سبيلًا إلى مرضاته كما قال تعالى: {وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} الزمر: 6 هيأ الله عز وجل لعباده من الأسباب والنعم ما يجعلهم شاكرين له إن هم رعوها حق رعايتها؛ فجعل التقوى موصلة إلى الشكر: {فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} آل عمران: 123، وأتم النعمة ليشكروه: {وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} المائدة: 6، وبين لهم الآيات ليشكروه: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} المائدة: 89، وأنعم عليهم بالرزق ليشكروه: {وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} الأنفال: 26، وتجاوز عنهم بعفوه ليشكروه: {ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} البقرة: 52،
وسخر لهم جوارحهم ليشكروه: {وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} النحل: 78،
وسخر لهم من الآيات ما يعينهم على شكره: {وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} الروم: 46،{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} الفرقان: 62.
ومع كثرة ورود شأن الشكر وتزكية أهله فقد جنح أقوام عن شكر الله تعالى واجتالهم الشياطين، فلم يشكروا ربهم مع إنعامه عليهم وكثرة آياته الموجبة لشكره: {إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ} غافر: 61، {لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ} يس: 35، {وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ} يس: 73، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ} غافر: 61.
هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الواحدة والخمسون في موضوع الشكور وهي بعنوان : الشكر سبيل إلى مرضاة الله عن عبده
ومن عظيم أمر الشكر وجليل ثمراته أن الشكر سبيل إلى مرضاة الله عن عبده: {وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} الزمر: 7، ومن ثمرات الشكر أيضًا أنه سبب في زيادة النعم ودوامها: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} إبراهيم: 7.
قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى: (قيدوا نعم الله بشكر الله) أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب الشكر.
ومن ثمراته أيضًا: كون أهله من السباقين إلى
الخيرات والمقامات العلية لسيرهم في ركب أنبياء الله ورسله حيث كانت أولئك الصفوة عليهم السلام أكثر الناس شكرًا لله واعترافًا بفضله ونعمه.
ومن ثمرات الشكر أيضًا: أن الشاكرين أكثر الناس اتعاظًا واعتبارًا بآيات الله تعالى مما يكون عونًا لهم على الثبات والبصيرة: {لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} لقمان: 31، {وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} سبإ: 19، {إِنْ يَشَأْ يُسْكِنْ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} الشورى: 33.
ومن ثمرات الشكر أيضًا أن خيرية النعم ونزول بركتها معلق بشكر الله تعالى، قال : ( عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ) الحديث أخرجه مسلم عن صهيب
وشكر الله تعالى يكون بالقلب واللسان والجوارح وبالنعمة نفسها؛ فأما شكر الله تعالى بالقلب فأن يعتقد العبد اعتقادًا جازمًا لا شك فيه ولا ريب أنه لولا الله تعالى لما تيسرت نعمة من تلك النعم، وأن من لازم ذلك أنه المستحق للعبادة لا معبود بحق سواه، وأما شكر الله تعالى باللسان فذلك بأن يلهج لسان العبد بشكر ربه وحمده دائمًا، وأما شكر الله تعالى بالجوارح فبكفها عما حرم الله تعالى وبتسخيرها في طاعة الله ومرضاته، وأما شكر الله تعالى بتلك النعم المادية التي أنعم الله بها على عبده فبمراعاتها حق رعايتها وبالاستعانة بها على طاعة الله تعالى.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: "ومن لطائف التعبد بالنعم أن يستكثر قليلها ويستقل كثير شكره عليها ويعلم أنها وصلت إليه من سيده من غير ثمن بذله فيها ولا وسيلة منه توسل بها إليه ولا استحقاق منه لها وأنها لله في الحقيقة لا للعبد، فلا تزيده النعم إلا انكسارًا وذلًا وخضوعًا ومحبة للمنعم" [الفوائد (ص112)]. [الأنترنت – موقع ملتقى أهل الحديث - أبو أحمد خالد المصرى ][خطبة ألقاها الشيخ عبد العزيز بن محمد السدحان، بمسجد السويدي بالرياض]
هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثانية والخمسون في موضوع الشكور وهي بعنوان : كيف تكون عبداً شكوراً؟
قال الشيخ محمد صالح المُنَجِّد : إن الاهتمام بالقلوب أمر مطلوب، كيف لا والقلب هو الملك الذي يملك الأعضاء، فبه تسير وبه تأتمر، والقلب له أعمال كثيرة، وتقوم به عبادات عظيمة، والمؤمن الذي يريد أن يسير إلى الله ينبغي أن يعتني بقلبه لكي يكون سيره حسناً. والله يوفق عباده للخير، ويثني عليهم في الملأ الأعلى، ويجازي الكافر في الدنيا على فعله الخير ويخرج من أدخله النار بأدنى مثقال ذرة من إيمان، وهذا من شكر الله لعباده...
أولاً: معاني شكر العبد لربه
أما الشكر فإنه في اللغة بأفصح تعريف: هو الثناء على المحسن بما أعطاك وأولاك، فتقول: شكرته وشكرت له، وقال الله سبحانه وتعالى: { لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً } الإنسان:9
والشكران ضد الكفران، والشكور من الدواب: ما يكفيه العلف القليل، ويقال: اشتكرت السماء إذا اشتد مطرها، واشتكر الضرع إذا امتلأ لبناً، فهذه معاني الشكر، وهي تدل على النماء والزيادة. وشكر العبد لربه له عدة من المعاني:
فعرفه بعض الناس: بأنه الاعتراف للمنعم بالنعمة على وجه الخضوع. وقال بعضهم: هو الثناء على
المحسن بذكر إحسانه. وقال بعضهم: الشكر استفراغ الطاقة في الطاعة.
وقيل: الشاكر: الذي يشكر على الموجود، والشكور: الذي يشكر على المفقود. وقيل: الشاكر: الذي يشكر على النفع، والشكور: الذي يشكر على المنع. وقيل في الفرق بين الشاكر والشكور: أن الشاكر: الذي يشكر على العطاء، والشكور: الذي يشكر على البلاء. والشُـكْــر من العبـد لـربـه يــدور على ثـلاثـة أشيــاء: أولاً: اعتـراف العبـد بنعمــة الله عليـه.
ثانياً: الثنـاء عليه سبحـانه وتعالى بهذه النعم.
ثالثاً: الاستعانة بهذه النعم على مرضــاة الله،
فمدار شكر العبد لربه على هذه الثلاثة: الاعتراف، والثناء، والعمل بها في طاعته سبحانه وتعالى.
والشكر أيضاً: خشوع الشاكر للمشكور مع حبه له، واعترافه بنعمته، والثناء عليه بها، وألا يستعمل هذه النعم فيما يسخط الله، وإنما يستعملها فيما يرضي الله سبحانه وتعالى.
هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثالثة والخمسون في موضوع الشكور وهي بعنوان :
*كيف يشكر عباده سبحانه وتعالى؟!
أ- تـوفـيـقـهــــم للـخـيـــــر : إنه يشكرهم بأن يوفقهم للخير، ثم يُعطيهم ويُثيبهم على العمل به، والله عزَّ وجلَّ يشكر القليل من العمل ويُعطي عليه ثواباً جزيلاً أكثر من العمل، والحسنة بعشر أمثالها وهكذا،فالله سبحانه وتعالى شكورٌ حليم.
ب- ثناؤه عليهم في الملأ الأعلى :ويشكر عبده بأن يُثنِي عليه في الملأ الأعلى، ويذكُرُه عند الملائكة،
ويجعل ذكره بين العباد في الأرض حسناً؛ كل هذا من شكر الله للعبد، فإذا ترك العبد شيئاً لله أعطاه الله أفضل منه،وإذا بذل العبد شيئاً لله ردَّهُ الله عليه أضعافاً مضاعفة،وَلَمَّـا عَـقَــر نبـي الله سـليمـان الخـيـــل غضبـاً لله لـمـَّا أشغلتــه الـخيــل عـن ذكــــره،عَـوَّضـَـهُ الله عـزَّ وجـلَّ بالـريــح؛ على متن الريح يكون سفره، وتحمل جنوده من الجن والإنس والطير،وَلَمَّـا ترك الصحابة ديارهم وخرجوا من الديار في مرضاة الله عَـوَّضَهُـمُ الله مُلْكُ الدنيا، وفتح عليهم مُلْكُ فارس والروم،وَلَمَّـا تـحـَمَّـــل يـُـوسُـــفُ الـصـدِّيـــق ضِيــقَ السـجــــن شـَـكــَـرَ الله له ذلك،ومكـَّـن له في الأرض يتبـوأ منهـا حيـث يشـاء، وَلَمَّـا بـذل الشهـداء دمـاءهـم وأمـوالهـم في سبيـل الله حتـى مـزَّق الأعـــداء أجســــادهـــم شَكَرَ الله ذلك لهم، وجعل أرواحهم في حواصل طير خُضر تسرح في الجنة، وتَرِدُ أنهارها، وتأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش.
ج- مجازاة الكافر عاجلاً على ما يفعل من الخير والمعروف فالله شكور:، ومن شكره سبحانه أنه يجازي العدو على ما يفعل من الخير والمعروف، فلو أن كافراً عمل في الدنيا حسنات؛ فكفل يتيماً، أو أغاث ملهوفاً فالله لا يضيع عمل الكافر فيجزيه بها في الدنيا من الصحة والغنى والأولاد ونحو ذلك من متاع الدنيا، حتى عمل الكافر من أعمال الخير لا يضيعها له، بل إنه يثيبه عليها في الدنيا.
وقد جاء في الحديث الصحيح ما يثبت أن الله يشكر، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (نزَعَ رجلٌ لم يَعْمَلْ خيرًا قطُّ غُصْنَ شوكٍ عن الطريقِ، إمّا كان في شجرةٍ فقَطَعَه وألقاه ، وإمّا كان موضوعًا فأَماطَه، فشَكَرَ اللهَ له بها؛ فأدَخَلَه الجنةَ). حسنه الإمام الألباني
وجاء في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بينا رجلٌ يمشي، فاشتد عليه العطشُ، فنزل بئرًا فشرب منها، ثم خرج فإذا هو بكلبٍ يلهث، يأكل الثرى من العطشِ، فقال : لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي، فملأ خُفَّه ثم أمسكه بفيه، ثم رقي فسقى الكلبَ، فشكر اللهُ له فغفر له ) قالوا : يا رسولَ اللهِ، وإن لنا في البهائم أجرًا ؟ قال:(فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ ). رواه الإمام البخاري ...[ شرح الحديث -في رواية الإمام مسلم- للامام النووي ]
والله عز وجل يشكر عبده ويعطيه الأضعاف المضاعفة فهو المحسن إلى العبيد، والله سبحانه وتعالى قال:{ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً } [النساء:147].
تَـأَمَّــلْ يَـا أَيُّـهَــا الْمُسْلِــم! كيف أن شكر الله أنه يأبى أن يُعذِّبَ عباده بغير جُرم، ويأبى أن يجعل سعيهم باطلاً، قال الله عز وجل: { إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً } [الإنسان:22] فشكرهم على سَعْيِهِم، ولم يُضِعْ سَعْيَهُم، وجازاهم الجنة، وأعطاهم من أصناف الثواب ما أعطاهم سبحانه وتعالى.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الرابعة والخمسون في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
الشكر يتعلق بالقلب واللسان والجوارح
د- إخراج الله لمن دخل النار وفي قلبه أدنى مثقال ذرة من خير: ومن شكر الله للعبيد: أنَّه يُخرج العبد من النار بأدنى مثقال ذرة من خير، ولا يضيع عليه هذا القدر، فلو تعذَّب العبد في النار ما تعذَّب وكان مؤمناً من أهل التوحيد ليس بكافر فإن الله يخرجه يوماً من الدهر من النار فيدخله الجنة، ولو كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، والله عز وجل شكر لمؤمن آل فرعون مقامه، الذي قام لله فجاهد وقال كلمة الحق عند سلطان جائر؛ فأثنى الله عليه بالقرآن ونوه بذكره بين عباده، وكذلك المسلم الذي أعان الثلاثة الأنبياء من أصحاب القرية لما جاءوا أصحاب القرية في سورة يس، فالله سبحانه وتعالى ذكره وشكر له مقامه، وشكر له دعوته في سبيله فجعل له من الثواب الجزيل على ذلك الموقف ما لا يعلمه إلا هو سبحانه، فَهُوَ الشَّكُورُ عَلَىَ الْحَقِيقَةِ، وهُوَ المُتَّصِفُ بِصِفَةِ الشُّكُرِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىَ، والله عزَّ وجَلَّ يُرغِّبُ من عباده أن يتَّصِفوا بموجب الصفات الحسنة التي وصف نفسه بها،واللهُ عَـــزَّ وَجَـــــلَّ : جَـمـِيـِـــلٌ..... يُحِبُّ الْجَمَــال،عـَلِـيـِــــمٌ......يُحِبُّ الْعُلَمَــاء، رَحِـيـِـــمٌ.... يُحِبُّ الراحِمِـين، مُحْسـِــنٌ.. يُحِبُّ الْمُحْسِنِـيـن، شـَكُــــوُرٌ...يُحِبُّ الشَّاكِـرِين،
صَـبـُــوُرٌ...يُحِبُّ الصَّـابِرِيـن، جـَــــوَادٌ...يُحِبُّ أَهَـلَ الْجُـوُد، سِـتِّيــــِرٌ....يُحِبُّ أهَلَ السَّتْر، عَـفُّــوٌّ
.....يُحِـبُّ الْعَـفُــو، وِتْــــــــرٌ......يُحِبُّ الْوِتْـر،
وكذلك فهو سبحانه يكره البخل، والظلم، والجهل، وقسوة القلب، والجبن، واللؤم، وهو سبحانه وتعالى يحب من عباده أن يتَّصِفوا بالصفات الحميدة الحسنة.
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ
أَجْرٌ ) مَعْنَاهُ فِي الْإِحْسَانِ إِلَى كُلِّ حَيَوَانٍ حَيٍّ بِسَقْيِهِ وَنَحْوِهِ أَجْرٌ، وَسُمِّيَ الْحَيُّ ذَا كَبِدٍ رَطْبَةٍ ، لِأَنَّ الْمَيِّتَ يَجِفُّ جِسْمُهُ وَكَبِدُهُ .
فَفِي الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى الْإِحْسَانِ إِلَى الْحَيَوَانِ الْمُحْتَرَمِ، (وَهُوَ مَا لَا يُؤْمَرُ بِقَتْلِهِ). فَأَمَّا الْمَأْمُورُ بِقَتْلِهِ فَيُمْتَثَلُ أَمْرُ الشَّرْعِ فِي قَتْلِهِ، وَالْمَأْمُورُ بِقَتْلِهِ كَالْكَافِرِ الْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ، وَالْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ الْمَذْكُورَاتِ فِي الْحَدِيثِ وَمَا فِي مَعْنَاهُنَّ. وَأَمَّا الْمُحْتَرَمُ فَيَحْصُلُ الثَّوَابُ بِسَقْيِهِ وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ أَيْضًا بِإِطْعَامِهِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ مَمْلُوكًا أَوْ مُبَاحًا، وَسَوَاءٌ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ ) أَمَّا ( الثَّرَى ) فَالتُّرَابُ النَّدِيُّ ، وَيُقَالُ : لَهَثَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَكَسْرِهَا ، يَلْهَثُ بِفَتْحِهَا لَا غَيْرَ ، لَهْثًا بِإِسْكَانِهَا ، وَالِاسْمُ اللَّهَثُ بِفَتْحِهَا، وَاللُّهَاثُ بِضَمِّ اللَّامِ ، وَرَجُلٌ لَهْثَانٌ ، وَامْرَأَةٌ لَهْثَى كَعَطْشَانَ وَعَطْشَى ، وَهُوَ الَّذِي أَخَّرَ لِسَانَهُ مِنْ شِدَّةِ الْعَطَشِ وَالْحَرِّ .
قَوْلُهُ : ( حَتَّى رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ ) يُقَالُ : رَقِيَ بِكَسْرِ الْقَافِ عَلَى اللُّغَةِ الْفَصِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ ، وَحَكَى فَتْحَهَا ، وَهِيَ لُغَةُ طَيٍّ فِي كُلِّ مَا أَشْبَهَ هَذَا.
أما الشكر فَـإِنَّـهُ نِـصْـفُ الْإِيـِمَـان، وَنِـصْـفَــهُ الثَّـانِـي هُوَ الصَّـبْــر....
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الخامسة والخمسون في موضوع الشكور وهي بعنوان : الصبر والشكر هما الإيمان
والله عزَّ وجلَّ جمع بينهما في كتابه، فقال: { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } [إبراهيم:5] .فالصبر والشكر هما الإيمان، تأمل قوله صلى الله عليه وسلم:" عَجِبْتُ لِلْمُسْلِمِ، إِذَا أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ احْتَسَبَ وَصَبَرَ، وَإِذَا أَصَابَهُ خَيْرٌ حَمِدَ اللَّهَ وَشَكَرَ، إِنَّ الْمُسْلِمَ يُؤْجَرُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى فِي اللُّقْمَةِ
يَرْفَعُهَا إِلَى فِيهِ "صححه الإمام الألباني
وهذا هو مقتضى الحديث الصحيح الآخر: " عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمنِ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ" صححه الإمام الألباني ، فالإيمان إذاً نصفه صبر ونصفه شكر، فكيف يكون ذلك؟
الصبر عن المعاصي، وعما يغضب الله، وكف النفس عن ذلك؛ هذا نصف الدين، الشكر، وهـو القيـام بفعـل المـأمـورات وهـو نصفـه الآخر،وَهـَـلِ الـدِّيـِـنُ إلَّا أَمْــرٌ وَنَـهْــيٌّ! بلغ من منزلة الشكر، ومن عظمة هذه العبادة الجليلة أنَّ الله سبحانه وتعالى جعل المراد من خلق الخلق أن يشكروه، فقال الله عز وجل: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ} البقرة:152، فجعل ذكره وشكره هما الوسيلة والعون على الوصول إلى رضاه سبحانه وتعالى، وقسَّم الناس إلى شكور وكفور، وأبغض الأشياء إليه سبحانه أهل الكفر، وأحب الأشياء إليه سبحانه الشكروأهله،قال الله تعالى عن الإنسان:{ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً } [الإنسان:3]،
وقال نبي الله سليمان: { هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ } [النمل:40]، وقد تعهَّد الله ووعد بالسيادة لمن شكر، فقال الله عز وجل: { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } [إبراهيم:7]، والله سبحانه وتعالى يقابل بين الشكر والكفر في أكثر من موضع، فيقول:{ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ } [آل عمران:144]، والله عز وجل علق كثيراً من الجزاء على مشيئته، فقال مثلاً: { فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ } [التوبة:28]، وقال:{فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ} [الأنعام:41]، وفي الرزق قال:{يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ } [البقرة:212]، وفي المغفرة قال: { يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ} [آل عمران:129]، وقال في التوبة:{ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ } [التوبة:27] أما جزاء الشكر فقد أطلقه إطلاقاً ولم يعلقه بمشيئته، فقال سبحانه وتعالى: { وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ } [آل عمران:145]، وقال: { وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ } [آل عمران:144]، لذلك لما عرَف عدوَّ الله إبليس قيمة وعظم الشكر تعهَّد أن يعمل ليُحرِّف البشرية فيجعلهم غيرشاكرين،فقال الله عن إبليس: { ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } [الأعراف:17] ولذلك وصف الله سبحانه عباده الصالحين الشاكرين بأنهم الأقلّون، فقال: { وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } [سبأ:13] ذُ كِرَ أنَّ عُمَرَ سمع رجلاً يقول: اللهم اجعلني من الأقَلِّيِن، فقال: ما هذا؟ فقال: يا أمير المؤمنين! قال الله عز وجل: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} هود:40، وقال الله عز وجل: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} سبأ:13، وقال الله عز وجل: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} فقال عمر: صدقت.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السادسة والخمسون في موضوع الشكور وهي بعنوان : الصبر والشكر هما الإيمان
فَالشُّـكُــرُ هُـوَ الْغَـايَـةُ مِـنْ خَـلْـقِ الْعِبَــادْ، قال الله عز وجل: { وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [النحل:78].
فلأي شيء خلقكم؟ ولأي شيء أخرجكم من بطون أمهاتكم؟: { لَعَلَّـكُــمْ تَشْـكُــرُونَ }
ونبينا صلى الله عليه وسلم سيِّد الشاكرين وإمامهم صلى الله عليه وسلم، إنَّه عليه الصلاة والسلام كان يعبد ربَّه لكي يكون شكوراً لربه، ولذلك جاء في صحيح البخاري عن عائشة رضى الله عنها قالت: ( أنَّ نبيَّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يقومُ منَ الليلِ حتى تتفَطَّرَ قدَماه ، فقالتْ عائشةُ : لِمَ تَصنَعُ هذا يا رسولَ اللهِ ، وقد غفَر اللهُ لك ما تقدَّم من ذَنْبِك وما تأخَّر؟ قال : " أفلا أُحِبُّ أن أكونَ عبدًا شَكورًا " ، فلما كثُر لحمُه صلَّى جالسًا ، فإذا أراد أن يَركَعَ ، قام فقرَأ ثم ركَع ) لَـكـِــنْ؛ كيف نكون من عباد الله الشاكرين؟ ، وكيف نصل إلى منزلة العبد الشكور؟
خامسا: كيفية الوصول إلى منزلة العبدالشكور
نصـل إلى منـزلة العبـد الشكـور بأمـور:
(1)-العبادة منها :هذه العبادة التي دلَّنا عليها صلى الله عليه وسلم.
(2): الدعاء إن من وسائل الوصول إلى منزلة العبد الشكور: الدعاء، ولذلك كان عليه الصلاة والسلام يقول: "اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي لَكَ شَاكِرًا لَكَ"، وفي رواية: "شكاراً لك" وعلَّم معاذاً دعاءً عظيماً،
فقال:" يامُعاذُ، واللَّهِ إنِّي لأحبُّكَ، واللَّهِ إنِّي لأحبُّك، فقالَ: أوصيكَ يا معاذُ لا تدَعنَّ في دُبُرَ كلِّ صلاةٍ تقولُ:اللَّهمَّ أعنِّي على ذِكْرِكَ، وشُكْرِكَ، وحُسنِ عبادتِكَ" صححه الإمام الألباني
فالوصول إلى منزلة العبد الشكور لا بد فيها من
الاستعانة بالله والدعاء والالتجاء، وإلا فهي منزلة صعبة، ونبي الله سليمان قال:{ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ ...} [النمل:19]
فبدون المعونة من الله لا يمكن أن يصل الإنسان إلى منزلة العبد الشكور. ومن الأمور التي ينبغي
معرفتها: أن الشكر يحفظ النعم، قال الله سبحانه وتعالى: { لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ } [إبراهيم:7]
فهو ليس فقط يحفظ النعمة وإنما يزيدها، ولذلك كانوا يسمون الشكر: الحافظ، يعني: الحافظ للنعم
الموجودة والجالب للنعم المفقودة.
وقال عمر بن عبد العزيز : [قيدوا نعم الله بشكر
الله]. وقال أيضاً: [الشكر قيد النعم]. وقال مطرف بن عبد الله : [لأن أُعَافَى فأَشْكُر أحبّ إليَّ مِن أن أُبْتَلى فَأَصْبِر]. ومن الأشياء التي يبلغ بها العبد درجة الشكور، أن يحدث بنعم الله عليه، قال الله عزوجل:{وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى:11].
وتحديث العبد بنعمة الله عليه له عدة معانٍ، منها: أن يرى أثر النعمة عليك، كما جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل من الصحابة:" كُلوا واشرَبوا وتَصَدَّقوا والبَسوا في غيرِ مَخيلَةٍ ولا سَرَفٍ، إنَّ اللهَ يُحِبُّ أن تُرَى نِعمَتُه على عَبدِهِ "صححه الإمام أحمد شاكر، وقد جاء في الحديث الصحيح قوله عليه الصلاة والسلام: "إِذَا آتَاكَ اللَّهُ مَالًا ، فَلْيُرَ أَثَرُ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْكَ وَكَرَامَتِهِ"، ولذلك قال بعض السلف: [لا تضركم دنياً شكرتموها].
فلو أظهرت النعمة وأنت شاكر لها فإنها لا تضرك بإذن الله. وقد ذم الله الكنود من العباد فقال:
{ وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً * فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً * فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً * فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً * فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً * إِنَّ الْإنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ }[العاديات:1-6].
قال بعض المفسرين: الكنود: الذي لا يشكر نعم الله، وقال الحسن رحمه الله عن الكنود: [الذي يعد المصائب وينسى النعم] إذا جلست معه قال لك: صار لي مصيبة كذا وكذا وكذا، ولا يحدث ولا يذكر شيئاً من نعم الله،كاتم لنعم الله، لا يحدث إلا بالمصائب والمعايب، كما جاء في وصف النساء التي جاء من أسباب دخولهن النار قوله صلى الله عليه وسلم:"لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا ، قَالَتْ : مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ " فلماذا دخلت النار؟.. بترك شكر نعمة الزوج، فشكر نعمة الله أولى وأحق، فهذه التي تدخل النار بسبب كفران نعمة الزوج، فلأن يدخل العبد النار بكفران نعمة الله أولى، هذه المرأة من أسباب دخولها النار كفران نعمة الزوج؛ لأنها تنسى كل حسناته، وتقول: ما رأيت منك خيراً قط، ولا تذكر له إلا عيوبه
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السابعة والخمسون في موضوع الشكور وهي بعنوان : كتم نعم الله ضد الشكر
العبد إذا كتم نعم الله ولم يذكر إلا المصائب فهو أحرى بأن يدخل النار من المرأة التي تكفر نعمة زوجها؛ لأن الله هو المنعم الحقيقي، ولذلك جاء في الحديث: (التحدث بالنعمة شكر وتركها كفر)
ورأى بكر بن عبد الله المزني حمالاً عليه حمله وهو يقول: الحمد لله .. أستغفر الله، الحمد لله .. أستغفر الله، الحمد لله .. أستغفر الله، وهكذا، قال: فانتظرته حتى وضع ما على ظهره، وقلت له: أما تحسن غير هذا؟ -غير الحمد لله .. أستغفر الله- قال: بلى. أحسن خيراً كثيراً أقرأ كتاب الله، غير أن العبد بين نعمة وذم، فأحمد الله على نعمه وأستغفره لذنوبي، فقال بكر : الْحمَّـالُ أَفْقَــهُ مِنِّـي.
ولما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم على الجن سورة الرحمن وقرأها على الصحابة، فسكت الصحابة، فقال عليه الصلاة والسلام:"لقد قرأتُها على الجنِّ ليلةَ الجنِّ فَكانوا أحسَنَ مردودًا منكم، كنتُ كلَّما أتيتُ على قولِه : {فَبِأيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}، قالوا: (لا بشَيءٍ من نِعَمِكَ ربَّنا نُكَذِّبُ فلَكَ الحمدُ)" فقهاء الجن قالوا:
لا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد، يذكر لهم في سورة الرحمن كل شيء؛ أنه خلقهم، وأنزل لهم الميزان، وجعل لهم الأنهار والبحار، وجعل لهم السفن، وجعل لهم أشياء كثيرة جداً، وبعد ذكر كل نعمة يقول:{فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:13].
والنعم كثيرة جداً، وشكرها ينساه كثير من الناس، وبعض المغفلين من الصوفية عندهم مبادئ عجيبة في هذا، حيث قال أحدهم: أنا لا آكل الخبيص؛ والخبيص: نوع من أنواع الحلوى، فقيل له: لماذا؟ قال: إني لا أقوم بشكره، فقال الحسن : (هذا أحمق، وهل يقوم بشكر الماء البارد؟!). ولذلك جاء في الحديث الصحيح: " إنَّ أوَّلَ ما يُسأَلُ عنهُ العبدُ يومَ القيامةِ من النَّعيمِ أنْ يُقالَ لهُ : ألمْ نُصِحَّ لكَ جِسمَكَ، و نُرْوِيكَ من الماءِ البارِدِ؟ " حتى الماء البارد الذي نشربه نعمة سنسأل عنها يوم القيامة، فكيف ننجو من تَبِعة السؤال؟ بأن نشكر نعم الله كلها ظاهراً وباطناً.
وكان أبو المغيرة -رجل من السلف - إذا قيل له: كيف أصبحت يا أبا محمد ؟
قال: "أصبحنا مغرقين في النعم، عاجزين عن الشكر، تحبب إلينا ربنا وهو غني عنا، ونتمقت إليه ونحن إليه محتاجون " هو أحسن إلينا وهو غني عنا، ونحن نعصيه ونحن محتاجون إليه!.
وقال يونس بن عبيد : قال رجل لأبي تميمة : كيف أصبحت؟ قال: أصبحت بين نعمتين لا أدري أيتهما أفضل: ذنوب سترها الله علي فلا يستطيع أن يعيرني بها أحد، ومودة قذفها الله في قلوب العباد لا يبلغه عملي -أنا دون ذلك-.
دعا رجلٌ منَ الأنصارِ، من أَهْلِ قباءٍ النَّبيَّ صلَّى
اللَّهُ عليهِ وسلَّم، قال فانطلقنا معَهُ، فلمَّا طعِمَ النَّبيُّ
صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ وغسلَ يدَيهِ، قالَ:
" الحمدُ للَّهِ الَّذي يُطْعِمُ ولا يُطْعَمُ ، ومَنَّ عَلينَا فَهَدانَا وأطْعمَنا ، وسَقَانَا وَكُلَّ بَلاءٍ حَسَنٍ أبْلَانَا، الحَمْدُ للَّهِ غيرِ مودعٍ ولا مُكافأ ولا مَكْفورٍ ، ولا مُستغنًى عنهُ ، الحمدُ للَّهِ الَّذي أطعمَنا منَ الطَّعامِ، وسقانا منَ الشَّرابِ، وَكَسانا منَ العُريِ، وَهَدانا منَ الضَّلالِ، وبصَّرَنا منَ العمَى، وفضَّلَنا علَى كثيرٍ ممَّن خلقَ تفضيلًا، الحمدُ للَّهِ ربِّ العالمينَ . [ حسنه بعض أهل العلم و صححه الإمام أحمد شاكر]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثامنة والخمسون في موضوع الشكور وهي بعنوان :
شكر النعم والتحدث بها دائماً
هذه قضية مهمة؛ وهي قضية شكر النعم والتحدث
بها دائماً، قال بعض الناس: نحن إذا تحدثنا بالنعم
أصابنا الحسد والعين، فماذا نفعل؟نــقـول: أولاً: إذا كان الذي أمامك معروف بالحسد فهذا لا يعني أنك تقول النّعم التي جاءتك، وتستجلب حسده وإصابته لك بالعين؛ هذا إذا كان حسوداً، أما في الأحوال العادية الطبيعية فأنت تذكر نعم الله عليك.
ثانياً: إن الحسود والعائن إذا رآك تحمد الله على النعم العامة، تقول: الحمد لله على ما أنعم به عليَّ من جميع النعم؛ فإن هذا الشيء العام لا يستجلب العين والحسد.
ثالثاً: هناك أدعيـة تقي من العين والحسد؛ كقـراءة المعوذات بعد الصلوات، وقبل النوم، وفي الصباح والمساء. وكذلك فإن هناك بعض الأمور، مثل أن تكتم: (استعينوا على إنجاح حوائجكم بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود) فيجب ألا نخلط بين شكر الله وحمده على النعم، وبين ذكر بعض الأشياء التي تستجلب الحسد عند العائنين أو الحساد إذا كانوا موجودين، فهل يلزم أن نشكر أمام الناس؟ أم أنه يمكن أن يكون الشكر سراً بينك وبين الله، لا يوجد حاسد ولا عائن؟
يمكن أن يكون بينك وبين الله، فإذا خلوت بنفسك فاحمد الله على نعمه، ولا يشترط أن تأتي بين الناس فتقول: عندي كذا مال، وعندي كذا شركة، وعندي كذا وكذا وفي المجلس من الحساد، لكن بين إخوانك وأصحابك فأنت تذكر نعم الله عليك، ثم إن هناك من النعم كما قلنا ما يستجلب الحسد في العادة والعين، فالله عز وجل لما قال لنبيه: { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى } [الضحى:6-8]. قال له في آخر السورة:{وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } [الضحى:11]، فإذا قلت أمام إنسان حتى لو كان من أكبر الحساد: أنا كنت فقيراً فأغناني الله، كنت جاهلاً فعلمني الله، هذا في العادة لا يستجلب حسداً ولا عيناً، لكن لا يقال على سبيل الافتخار والاختيال والتكاثر، وإبداء أشياء تفاخراً مما تستجلب العين والحسد، ثُمَّ إنَّنَا إِذَا شَكَرْنَا اللهَ فَإِنَّ شُكْرَنَا لَهُ هُوَ نِعْمَةٌ مِنَ اللهِ تَسْتَوْجِبُ شُكْرَاً آخَر، مَنِ الَّذِيِ دَفَعَكَ إلَىَ الشُّكْر؟ ، مَنِ الَّذِيِ وَفَّقَكَ إلَىّ الشُّكْر؟
اللَّــه تَوْفِيِقهُ لَكَ نِعْمَة تَسْتَوِجِبُ شُكْراً آخَر، والشكر الثاني نعمة تستوجب شكراً عليها، والشكر الثالث .. وهكذا، فالقضية لو تأملتها تجد أننا مُقَصِّرُونَ جداً في حَقِّ الله سبحانه وتعالى، لذلك جاء في كلام بعض السلف :يا رب! كيف أطيق شكرك وأنت الذي تنعم عليَّ ثم ترزقني على النعمة الشكر، ثم تزيدني نعمة بعد نعمة.
وكان الحسن إذا ابتدأ حديثه يقول: "الحمد لله ربنا، لك الحمد بما خلقتنا ورزقتنا، وهديتنا وعلمتنا، وأنقذتنا وفرجت عنا، لك الحمد بالإسلام والقرآن،ولك الحمد بالأهل والمال والمعافاة، كبدت عدونا، وبسطت رزقنا، وأظهرت أمننا، وجمعت فرقتنا، وأحسنت معافاتنا، ومن كل ما سألناك ربنا أعطيتنا، فلك الحمد على ذلك حمداً كثيراً، لك الحمد بكل نعمة أنعمت بها علينا في قديم أو حديث، أو سر أو علانية، أو خاصة أو عامة، أو حي أو ميت، أو شاهد أو غائب، لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت". فهذه أمثلة من حمد السلف.. كيف كانوا يحمدون الله.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة التاسعة والخمسون في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
شكر النعم والتحدث بها دائماً
(3): معرفة أن الموفِّق للشكر هو الله :
ومن أعظم الأشياء التي يكون بها العبد عبداً شكوراً: أن يراعي هذا المشهد كلما حمد الله وشكره، فالحمد والشكر نعمة من الله تستحق وتستوجب شكراً آخر وحمداً آخر، ودخل رجل على عمر رضي الله عنه فسلم فرد عليه السلام، فقال عمر للرجل: [كيف أنت؟ قال الرجل: أحمد إليك الله، قال: هذا أردتُ منك].
وعن ابن عمر قال: لعلنا نلتقي في اليوم مراراً يسأل بعضنا عن بعض، ولم يرد بذلك إلا ليحمد الله عز وجل، أقول: كيف حالك؟ فتقول: الحمد لله، وتقول لي: كيف حالك؟ فأقول: الحمد لله،فيكون غرض السؤال أن كل واحد منا يستجلب لنفسه أو يدفع الآخر لحمد الله سبحانه وتعالى .
قال ابن عيينة : "ما أنعم الله على العباد نعمة أفضل من أن عرفهم لا إله إلاالله، وقال: وإن لا إله إلا الله في الآخرة كالماء في الدنيا".
وقال مجاهد في قول الله تعالى: "وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً" لقمان:20 . قال: "لا إله إلا الله"
*أصناف الناس عند حمد الله تعالى
هناك بعض الناس عنده قناعة فعلاً فيحمد الله عز وجل لو سألته: كيف الأحوال؟ قال: الحمد لله، لو كان خيراً قال: الحمد لله، ولو كان شراً قال: الحمد لله على كل حال، فهو دائماً يحمد الله، وبعض الناس إذا سألته كيف حالك؟ قال:بِشَرٍّ، ومصائب ، وأمراض، وصار لي كذا، وصار لي كذا، ويعدد لك المصائب، ولايذكر ولا شيء من نعم الله عليه ،هذه النفسيات المشئومة المتشائمة!! هذه كيف تكون من الشاكرين؟! لا يمكن أن تكون من الشاكرين ولا أن تعد منهم عندك مئين الألوف
وتشكو الحاجة !!!
وجاء رجل إلى يونس بن عبيد يشكو ضيق حاله، فقال له يونس: أَيَسُرُّكَ ببصرك هذا مائة ألف درهم؟ -هل يسرك أنك تفقد بصرك وتعطى مائة ألف درهم؟- قال: لا. قال: فبيديك مائة ألف؟ قال: لا. قال: فبرجليك مائة ألف؟ قال: لا. ثم ذكر له نعماً كثيرة، ثم قال له في النهاية: أرى عندك مئين الألوف وأنت تشكو الحاجة.
قف وتأمل ؟!
روي أن ملكاً من الملوك كان به داء لا يستطيع به أن يشرب الماء إلا بشق النفس، فكان إذا رأى عبداً من عبيده يشرب الماء يتجرعه تجرعاً -بسرعة- تحسر في نفسه.
وبعض الناس يبتليهم الله بأشياء، تمد أمامهم أنواع المطعومات فيقول أحدهم لك: لاآكل إلا هذا لأن هذا يأتيني بالسكر وهذابأنواع الآفات التي تصيبه ،وهذا ممنوع منه، وهذا محروم منه، وهكذا، فالإنسان أحياناً من ضيق العيش وقلة المال يحزن ويسخط، لكن لو فكر كما قال أبو الدرداء : [الصحة الملك].
فتأمل الناس بالمستشفيات وغيرهم من أصحاب البلاء وأنواع الأمراض -ونحن في عافية- فترى أن نعمة الله عظيمة، فلذلك ينبغي دائماً حمد الله وأن يجعل الحمد كله لله.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الستون في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
شكر النعم والتحدث بها دائماً
( 4 ): نسبة النعمة إلى المنعم : ومن الأشياء التي توصل العبد إلى أن يكون عبداً شكوراً: نسبة النعمة إلى المنعم، لأن كثيراً من الناس إذا سئل عن هذا، قال: هذا باجتهادي، وهذا بذكائي، وهذا بخبرتي وتجربتي ولا ينسب النعمة إلى الله، فإذا أردنا أن نكون من عباده الشاكرين يجب أن ننسب النعمة إلى الله، ونرد الأمر كله إليه.
انظر إلى الذي من قبله جاءت النعمة
قال محمد بن المنكدر لـأبي حازم :يا أبا حازم ! ما أكثر من يلقاني فيدعو لي بالخير، ما أعرفهم، وما صنعت إليهم خيراً قط، قال أبو حازم : لا تظن أن ذلك من قبلك ولكن انظر إلى الذي من قبله جاءت النعمة هذه- أن وضع لك المحبة في قلوب الناس- فاشكره، ثم قرأ عليه قول الله عز وجل: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا" مريم:96
ومن هذا القبيل ما يقع إذا نزل المطر
قالوا: هذا بسبب النوء الفلاني، هذا بسبب النجم الفلاني، هذا بسبب الفصل الفلاني، فلم يذكروا
الله، ولم ينسبوها إلى الله، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح: (ألم تروا إلى ماقال ربُّكم ؟ قال : ماأنعمتُ على عبادي من نعمةٍ إلاأصبح فريقٌ منهم بها كافرين .يقولون: الكواكبُ وبالكواكبِ" صحيح مسلم
فإذا جاء ذكرها قلنا: هذه من الله، قال الله عز
وجل: "وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ" [النحل:53]. وحمد الله على النعم له فضلٌ عظيم، وتأمل معي هذه الأحاديث: (ماأنعمَ اللهُ على عبدٍ نعمةً فحمِدَ اللهَ عليها ، إلَّا كان ذلِكَ الحمدُ أفضلَ منْ تلكَ النعمةِ) صححه الألباني
وفي لفظ آخر:(ما أنعم اللهُ تعالى على عبدٍ نعمةً فقال : الحمدُ للهِ ، إلَّاكانَ الذي أعطى ، أفضلَ مما أخذَ)صححه الألباني.
ونعمة الله من الأموال والجاه الولد والزوجة والمناصب ونحو ذلك كلها نعم تستوجب الشكر والحمد
هل المحروم من النعم يشكر الله على ذلك؟!!
وبعض الناس يقولون: نحن محرومون من النعم، مثلاً: شخص ليس عنده وظيفة جيدة، ليس عنده دخل جيد، محروم من أشياء من الدنيا، هل يحمد الله على هذا؟ الجواب: نعم. يحمد الله على هذا.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الواحدة والستون في موضوع الشكور وهي بعنوان : نعم الله علينا فيما زوى عنا من الدنيا أفضل من نعمه علينا فيما بسط لنا منها
قال بعض السلف:
أي:كوننا حرمنا من النعم؛ من التوسعات الدنيوية، هذه بحد ذاتها نعمة وذلك أن الله لم يرض لنبيه الدنيا،كان يتكئ على رمل، سريره من الرمل، ما رضي من عمر لما ذكر له كسرى وقيصر وما هم فيه من النعيم ورسول الله صلى الله عليه وسلم على الرمل وقد تأثر جنبه، قال: (أمَا تَرْضَى أنْ تكونَ لهمْ الدنيا ولنَا الآخرةُ ؟!) صحيح البخاري .
*بلغني عن بعض العلماء أنه قال:
ينبغي للعالم أن يحمد الله على ما زوى عنه من شهوات الدنيا، كما يحمده على ما أعطاه، وأين يقع ما أعطاه الله والحساب يأتي عليه إلى ما عافاه الله ولم يبتله، هذا الحرمان لبعض الأشياء من الدنيا هو بحد ذاته نعمة؛ لأنه ربما لو أعطانا إياها لانشغلنا عن عبادته وذكره، وانشغلنا عن طلب العلم، والدعوة
إلى سبيله سبحانه وتعالى ونحن دائماً ينبغي أن نتحدث بالنعم ونكرر ذكرها ونشكر الله عليها، والأشياء التي حرمنا منها نشكر الله أن كان هذا قدرنا، ونسأل الله المزيد من فضله، ونسأل الله العفو والعافية الدائمة، ونحذر أشد الحذر من أن نكون من الذين استدرجهم الله، فإن الله عز وجل
قال:{سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لايَعْلَمُونَ} الأعراف:182
( 5 ): شكر الله على النعم بالنعم نفسها
وكذلك من الأسباب التي توصل العبد إلى مرتبة العبد الشكور: أن يشكر الله بالنعم التي أعطاه الله إياها، أعطاك مالاً فاشكره بالمال،وتصدق منه، أعطاك جوارح فاشكره بالجوارح.
*كيفية شكر الجوارح :
قال رجل لـأبي حازم : ما شكر العينين يا أبا حازم ؟ قال: "إن رأيت بهما خيراً أعلنته، وإن رأيت بهما شراً سترته، قال: فما شكر الأذنين؟ قال: إن سمعت بهما خيراً وعيته، وإن سمعت بهما شراً دفعته، قال: فما شكر اليدين؟ قال: لا تأخذ بهما ما ليس لهما، ولا تمنع حقاً لله هو فيهما، قال: فما شكر البطن؟ قال: أن يكون أسفله طعاماً وأعلاه علماً، قال: فما شكر الفرج؟ قال: قال الله: "وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ"[المؤمنون:5-7].
فبعض الناس يتصور أن الشكر فقط في اللسان أن يقول: الحمد لله بلسانه وينسى أن الأعضاء عليها واجبات الشكر ثم لا يشكر الله بيديه، ولا بعينيه ، ولا بأذنيه، ولا برجليه، فيمشي إلى الطاعات،إلى
حلق العلم، يغيث ذا الحاجة الملهوف.
( 6 ): سجود العبد لله شكراً عند تجدد النعمة
ومن الأسباب التي توصل العبد إلى منزلة العبد الشكور: أن يسجد العبد لله شكراً عند تجدد النعم، فقد جاء في الحديث الصحيح: ( أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلمَ كانَ إذا جاءَهُ أمرٌ يُسَرُّ بهِ خرَّ ساجدًا شكرًا للهِ تعالى) صححه ابن القيم.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثانية والستون في موضوع
الشكور وهي بعنوان : أهمية سجود الشكر: هو عبادة عظيمة تشترك فيها الأعضاء السبعة وكذلك فإن سجود الشكر فيه تعبير عن حمد العبد لربه فهل يشرع أن نسجد دائماً؟
الجواب: لا. لماذا؟ لأننا نتبع السنة؛ فالسنة
السجود عند حدوث النعمة، تَجدد نِعمةٍ هذه التي نسجد لها لله، هذه هي السنة فإن قال قائل: لماذا يشرع السجود عند النعمة المتجددة ولا يشرع السجود عند النعمة المستدامة؟
الجواب: أولًا: لأن النعمة المتجددة تذكر بالنعمة المستدامة.
ثانياً: أن النعمة المتجددة تستدعي عبادة متجددة فلذلك كان سجود الشكر.
ثالثاً: إن وقوع النعمة وحدوثها يسبب للشخص نوعاً من فرح النفس وانبساطها فيجر إلى الأشرَ والبطر، افرض أن إنساناً جاءك، قال: لقد ربحتَ مائة ألف، ماذا يحصل في النفس؟ يحصل الفرح والانبساط، وهو ربما يجر إلى الأشر والبطر، فيأتي سجود الشكر لكي يطامن هذه النفس،ويظهر الذل والخضوع لرب العالمين، لأن السجود عبودية وذل وخضوع، وهنا تظهر فائدة من فوائد سجود الشكر.
الفرق بين حال المسلم وأهل الجهل والبطر عند
حدوث نعمة ، وأهل الجهل والبطر إذا جاءهم نعمة يصيحون صياحاً من الفرح، وكذلك فإنهم يقعون في أنواع من المعاصي لكن المسلم إذا تجددت له نعمة سجد شاكراً لله رب العالمين والإنسان المسلم لو وقعت به مصيبة فإن تذكره أن هذه المصيبة هي أخف من الأعظم منها يدفعه إلى حمد الله وشكره ولذلك لا يوجد صاحب مصيبة تفكر في مصيبته إلا وجد أن فيها نوعاً من النعمة؛ أن الله ما قدر عليه مصيبة أكبر منهافيحمد المؤمن الله على كل حال وعند تجدد الأحوال ربنا صاحبنا وأفضل علينا
ولذلك كان من الأدعية التي يقولها المسافر كما ورد
في الحديث الصحيح: "سمع سامعٌ بحمدِ اللهِ وحُسنِ بلائِه علينا . ربَّنا صاحِبْنا وأفضِلْ علينا . عائذًا بالله من النارِ "صحيح مسلم ،يعني: كن صاحباً لنا في السفر، وحامياً، وحافظاً وزدنا من فضلك أقول هذا حال كوني- عائذاً بالله من النار).
وكذلك قال بعض السلف : "يا بن آدم! إن أردت أن تعرف قدر نعم الله عليك فأغمض عينيك لترى
كيف يكون وضع الأعمى.
ونعم الله سبحانه وتعالى لا تعد ولا تحصى، قال تعالى: "وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاتُحْصُوهَا"[النحل:18] .. "وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً" [لقمان:20] فقال السلف : النعم الظاهرة: الإسلام، والنعم الباطنة: أنه سترنا على المعاصي.فنقارف المعاصي والله سبحانه وتعالى يسترنا وهذه من النعم.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثالثة والستون في موضوع
الشكور وهي بعنوان : ومن أنواع شكر النعم
ما ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى، قال: إن لله سبحانه وتعالى حقوقاً على العباد ينبغي القيام بشكره، فمنها: الأمر والنهي، والحلال والحرام. فإذا أمر العبد بشيء فعليه أن يتبعه، وإذا نهاه عن شيء فعليه أن يجتنبه. وبعض الناس يشكر الله باللسان فقط وينسى الجهاد
يقول ابن القيم : أما الجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصيحة لله ولرسوله ولعباده، ونصرة الله ورسوله ودينه وكتابه؛ فهذه الواجبات لا تخطر ببالهم -يعني: ببال المقصرين- فضلاً عن أن يريدوا فعلها، وقلَّ أن ترى منهم من يَحْمَرُّ وجهه ويمعره لله إذا انتهكت حرماته، ويبذل عرضه في نصرة دينه. أي: أن بعض الناس يظنون فقط أننا نجتنب المحرمات؛ لا نزني، لا نسكر، لا نغتاب، لا نسرق، لا نقتل، لكن هؤلاء لا يحسبون حساب أن الله أمرهم بالجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله، مع أن هذه الأشياء من أعظم الأمور المطلوبة من العبد.
[ الأنترنت – موقع المنجد - خطبة جمعة للشيخ محمد صالح المنجد ]
* أسباب سعة الرزق (الشكر)
فنحن نتحدث في مفاتيح الرزق عن أسباب سعة الرزق إذا أردت أن يوسّع الله عليك أرزاقك فعليك بأمور لا بُدّ أن تلتزمها :
الأمر الأول: تقوى الله تعالى.
والأمر الثاني: صلة الأرحام.
والأمر الثالث: (( الاستغفار ))
أن تكثر من الاستغفار (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب.)
الأمر والسبب الرابع من أسباب سعة الرزق: ( الشكر ) : أن تشكر الله تعالى إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها يقول له يا رب لك الحمد يا رب أنت أنعمت عليَّ أنني أتنفس فهناك أناس قاعدون على جهاز التنفس الاصطناعي. يا رب لك الحمد جاءني مولود الحمد لله وهو سليم لا يحتاج إلى شيء، والله أحد الشباب وضعه المادي بسيط جاءه مولود قعد بالحضّانة شهر (ثلاثين يوم) كلّفه ذلك مئة وثمانين ألف ليرة سورية ، هذا الطفل كان قاعد برحم أمه والله يبعث له الطعام والشراب والغذاء والهواء ،أنت لا تدفع شيء من هذا ولكن قل : الحمد لله.
أنا ما كنت أتصور أنه في الطب إجراء جراحي سواء داخل البلد أو خارجها يكلف سبعة ملايين ليرة سورية ،والله أحد الإخوة وهو من حفّاظ القرآن الكريم كان موظف بالشركة الخماسية انهرست يده بين المكنتين وقطعوها له وبقي يتألم من جرّاء ذلك ثلاثين سنة والله نكون عنده في البيت يبكي نسمع صوت بكائه من الغرفة الثانية استخدم كل أنواع المسكنات وألمه لم يهدأ، يتصل بأحد الإخوة الساعة الثالثة في الليل يقول له أنا إلى الآن لم أنم وأبكي من الوجع ، قالوا له هناك طريقة لإنهاء الألم تذهب إلى فرنسا يفتحوا لك الدماغ لأنه يوجد في الدماغ مركز للشعور بالألم يقوموا بتعطل هذا المركز فلا تشعر بالألم يعني أن الألم سيبقى ولكنك أنت لا تشعر فيه ولكن هذه العملية تُكلّفُ ثلاثة ملايين ليرة سورية، باع بيته وانتقل إلى بيت بسيط وسافر قالوا له بفرنسا لا يمكننا ذلك سافر إلى ألمانيا قاموا بفحصه قالوا له لا فائدة من علاجك وعاد إلى البلد وهو يشعر بألمه ومات وهو يشعر بألمه. الله عز وجل لا يطلب منك شيء فقط قل له الحمد لله قل له يا رب شكرا قل له يا كثير الخير أنا شاكر لك لأنك أنت قد أنعمت عليّ بنعم كثيرة{ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ..(7) }[ابراهيم]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الرابعة والستون في موضوع
الشكور وهي بعنوان :
و من أسباب سعة الرزق الشكر:
أن تشكر الرزاق أن تشكر رب العالمين ،كل واحد بيننا يشكر رب العالمين فيما يتعلق برزقه بأمرين اثنين :
• اشكر ربك أن رزقك حلالا:
هذا فضل من الله ، كنت أخطب خطبة عن المال الحرام جاءني رجل عمره خمسين سنة تقريبا ، قال لي : أستاذ أنا عندي محل أشرطة فيديو وكلها أفلام غير جيدة قال لي ماذا اعمل ؟ عندي أربعة أولاد أو خمسة أولاد ،آكل أنا وامرأتي وأولادي، طبعا هذا رزق حرام يجب أن يترك هذا العمل فأنت احمد الله أن أدخلك في رزق حلال، الحمد لله ،يعني أنت تبيع ملبوسات الحمد لله رزق حلال أنت يا أخي تعمل كهربائي رزق حلال أنت يا أخي مدرّس رزق حلال أنت يا أخي عامل صيانة كمبيوتر رزق حلال هذه نعمة من الله ،الحمد لله ما دخلتَ أنت في مطلع حياتك في رزق حرام يعني الآن إذا شخص كان قد عَمِلَ أجيرا عند بائع خمور يكون قد تورّط برزق حرام لذلك يا أيها الإخوة أنتم ومَن ورائكم مِن أولادكم ،الخروج من الحرام بعد الدخول فيه أصعب بكثير من عدم الدخول فيه أصلا يعني لا تدخل بالحرام لأن الخروج منه أصعب بكثير من الدخول فيه ، لا تدخلوا أولادكم في أرزاق بالحرام .
وأمر آخر إذا الله جعل رزقك حلالا لا تُدخل فيه شيئا من شوائب الحرام : يعني أنت بائع ملبوسات لا تجلب ملبوسات نسائية فاضحة فهناك ملبوسات نسائية كثيرة أخرى وإلا فستكون أدخلت نفسك بالحرام فمن شُكر النعمة أنك لا تدخل نفسك في الحرام أنت بائع ملبوسات لا تدخل نفسك بشيء من الحرام أنك تغش فلان وتأكل مال فلان لا تفعل هكذا ،الحلال واسع فعلينا حمد الله عز وجل على أرزاقنا بأمرين:
الأمر الأول: أنها حلال.
الأمر الثاني: احمد الله أنها عزيزة:
أنت جالس بمحل يأتي زبون تعرض عليه بضائع يشتري ويذهب، والله مرة شاهدت أخا يعمل في
تنظيف المياه المالحة و هو مشكور على هذا العمل ولكن والله هذا العمل صعب ،مع شكرنا لهؤلاء الذين يعملون هذا العمل، احمد الله على رزقك واحمد الله أن رزقك فيه كرامة لذلك لا تذل نفسك في أثناء الرزق يعني لا تذل نفسك للزبون أنت تعرض عليه البضاعة وتدعوه إلى الشراء وستقول له يا أهلا وسهلا ولكن لا تجعل نفسك ذليلة ،فأنت كريم على الله{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ...(70)}[الاسراء]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الخامسة والستون في موضوع
الشكور وهي بعنوان :
و من أسباب سعة الرزق الشكر:
الشكر يزيد في الأرزاق ، إذا أردت أن تشكر نعم الله عز وجل فراعي نقاطا ستة:
النقطة الأول: أن يعترف قلبك للمنعم بالفضل:
أن تقول بقلبك : أن الله هو الذي أعطاني هذا العطاء ،إياك أن تقول هذا بذكائي أصبح هذا الشيء، هناك أناس أذكى منك بكثير ،بالذكاء ما نالهم ما نالك من النعيم ،ما أنعم الله عليك من فضله ،إياك أن تقول: أنا بعضلاتي أنا لولا تدبيري أنا لولا فهمي ما كان صار هذا الشيء من أعطاك الفهم؟ فمثلا المنشد رِزقه في حنجرته فإذا أفاق صباحا ووجد صوته قد اختفى فماذا سيفعل؟ ، طبيب الأسنان إذا أصبعه تصاب بسوء يتوقف عمله لأن طبيب الأسنان عمله بيده .
سأحكي لكم قصة( الملكُ لله ) في سنة من السنوات تاجر دمشقي كان مغتربا عن البلد كان يبعث بالنقود ، ذكر له مدير أعماله فكرة تعمير فيلا بمنطقة يعفور (في ريف دمشق) فوافق هذا الرجل ،ولكن بشرط أن تُعمّر هذه الفيلا على مزاجه وبطريقته ، فكان يرسل النقود والمخططات من أجل عمار الأرض ، وفعلا أصبحت من أجمل ما رأته العيون ،عاد هذا الرجل إلى الشام ، سأله أهله :أين تريد أن تذهب ؟ قال لهم إلى المزرعة فورا على يعفور (إلى الفيلا) ذهب إلى يعفور فوجد سور حجري حول المزرعة وبوابة حجرية وعلى رأس البوابة لوحة من الأعلى مكتوب فيها الملكُ لله، وصل، نزل من السيارة رأى السور الحجري و البوابة وشاهد الملكُ لله قال للمهندس ما هذا ؟ قال له بوابة ولوحة مكتوب فيها الملكُ لله يعني قطعة فنية وأدبية وحقيقية قال له: الملكُ لله أنا قد غبت عن البلد عشرين سنة أعمل وأرسل النقود كي أملك هكذا مزرعة ثم تقول لي: الملكُ لله هذه المزرعة ملكي أنا، أنزلوا هذه اللوحة ، حلفوا بالله بأنه نزلَ أرضا، نزلَ فوراً على الأرض يا بابا يا أبو فلان ، وقد ذكر لي القصة الطبيب الذي كان واحدا من الذين تابعوه فحصوه بالمشفى: شلل رباعي غير ردود لا يشفى ، الله أكبر! ابعثوا بالتحاليل والصور إلى الأردن وإلى بيروت وإلى الجامعة الأمريكية النتيجة :شلل رباعي غير ردود إياك أن تقول أنا الذكي، الله تجلّى عليك وتفضّل عليك ومنع غيرك ، الطبيب يقول لي أنا علمت بالقصة تكلمت مع أولاه قال لهم يا أولاد أبوكم نازع الملِكَ في مملكته إذا أردتم أن يُشفى والدكم استرضوا الملك قالوا له ماذا نعمل؟ قال اُنظروا عائلة أيتام وأسر فقيرة وأعمال خير تصدقوا على نية الله يجبركم بشفاء أبوكم قال لي الأولاد صاروا يفعلوا ذلك ولكن يظهر بأن في قلب الأب ما زال شيء أن المزرعة لي وليس الملكُ لله قال لي كلما تحسّن قليلا يقول لهم إلى المزرعة ،يذهبوا إلى المزرعة يوصلوا إلى البوابة ،ينتكس يرجع إلى المشفى أول مرة ،وثاني مرة ،وثالث مرة مات في المشفى ولم يدخل المزرعة لمن الملك؟ الملكُ لله لذلك أنت كن شاكرا لله قل له لك الحمد قل له يا رب أنت صاحب الفضل بالشكر يجب أن تراعي ست نقاط النقطة الأولى
أن يعترف قلبك للمنعم بالفضل.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السادسة والستون في موضوع
الشكور وهي بعنوان :
ومن أسباب سعة الرزق الشكر:
النقطة الثانية: أن تثني على الله :
أن تمدحه وأن تشكره بدعائك بعد صيامك جالس في المحل احمد الله اشكر الله أثني على الله.
النقطة الثالثة: استخدم النعمة في الطاعة:
يا شباب في شاب أحيانا يكون معاشه عشرين ألف يرفعوا له المعاش ويصبح اثنين وعشرين وإذا به أول شهر قبض الألفين وعزم عزم رفاقه إلى المطعم وطلب لهم بيرة وأحد رفاقه يشرب خمرا يقول له أبْشر . الله زاد لك أجرتك ،أنعم عليك كي تذهب و تعصيه ، الله أرسل لك عينين كي تنقلهما في عورات النساء ليس الشكر هكذا.
والله اليوم اتصل رجل بالإذاعة عمره أربع وستين سنة ،كان عندي برنامج في الساعة الثلاثة قال أنا لي من العمر أربع وستون سنة متزوج منذ زمن، وزوجتي أُحسن إليها وأُكرمها ومن أربعة أشهر فقدت بصري قال لي :زوجتي تركتني وذهبت قال لي: هذا جائز يا أستاذ طبعا غير جائز.
أنا أريد منك أن ترى نعمة الله عليك بعينيك لو
ذهب نور عينيك ماذا ستفعل وبعد ذلك تستخدمهم في النظر للمحرمات يقول : أخي أنا شاب أي أشتهي، تشتهي ولكن يجب أن تضغط على نفسك الأمارة بالسوء، وتضعها تحت قدمك لأن ربك قال لك: { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ..(30) }[النور] الله بعث لك خبر مع سيدنا محمد، المُرسِل رب العالمين وحامل الرسالة محمد صلى الله عليه وسلم والمُرسَل إليه أنت ،ربك يرسل لك خبرا ،قل لهم لعبادي قل له لأحمد قل له لسعيد قل له لخالد قل له لعماد قل له لعبد الله غضوا من أبصاركم تقول : أنا أرغب بالنظر، ليس هكذا الشكر
ليست هكذا العبودية ليس هكذا الحمد .
ولكن ممكن أن تزل قدمك وأنا ممكن أن تزل قدمي
مرّات ، ولكن ارجع فورا إلى الله ، أما أن تضع على جوالك صور سيئة كثير و مقاطع فيديو سيئة ترسلها (بالبلوتوث) لرفقائك هذه ليست زلة قدم هذا تخطيط للمعصية ولمشاهدة أمور سيئة.
1- اعتراف القلب للمنعم بالفضل.
2- الثناء على الله.
3- استخدام النعمة في الطاعات.
4- المحافظة على قليل النعمة وكثيرها:
فإذا بقي قليل من الرز مثلا فلا ترمِ بها ، بنطالك لم تعد تحب أن تلبسه، اتركه للعريّ ، أعطه لعائلة فقيرة أما أن ترمه فليس هكذا شكر النعمة ،من شكر النعمة أن تحافظ على قليل النعمة كما تحافظ على كثيرها ، تترك في الليل جهاز التلفاز وهو شغال وتنام هذا كفر بالنعمة هناك كهرباء تُصرف، معلمك قدّم لك هدية (مبلغ بسيط) تكفر بالنعمة تقول:هذا فقط الذي خرج من خاطرك، فمن شكر النعمة أن تشكر قليل النعمة كما تشكر كثيرها .
النبي صلى الله عليه وسلم في بيته،شاهد كسرة خبز،رفعها، ومسحها وقال : ( أحسنوا جِوَارَ نِعَمِ الله فإنها قلما نفرت عن أهل بيت فكادت ترجع إليهم ) [البيهقي في شعب الإيمان] فإذا ذهبت النعمة فإنها قليل ما تعود فيجب المحافظة على قليل النعمة وكثيرها.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السابعة والستون في موضوع
الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
ومن أسباب سعة الرزق الشكر:
5- شكر من كان سببا في إيصال النعمة إليك:
فمثلا صاحب المحل هو سبب في وصول الرزق إليك ،لا أقول أنه الرزاق، الرزاق هو الله ولكن هو سبب في الرزق فقل له يُكثر اللله خيرك ويبارك لنا فيك ، فلا يشكر الله من لا يشكر الناس .
6- إظهار فضل الله عليك:
الله يحب إذا عطاك نعمة أن تظهر فضله عليك، أما شخص غني، وترى هيئته وثيابه وكأنك تريد أن تتصدق عليه ،الله أرسل لك نعمة، أَظهر نعمة الله عليك ، فالبخل ليس جميلا والشح ليس جميلا ترى ولد هذا الغني تقول مسكين هذا الولد.
[ الأنترنت – موقع محمد الشعال ( سلسلة مفاتيح الرزق ) أسباب سعة الرزق (الشكر) الشيخ الطبيب: محمد خير الشعال ]
*اقتران الأموال والأولاد في القرآن؛ حِكَمْ وأسرار
إن الأموال والأولاد قد تكون نعمة يسبغها الله على عبد من عباده؛ حين يوفِّقه إلى الشكر على النعمة، والإصلاح بها في الأرض، والتوجه بها إلى الله؛ فإذا هو مطمئن الضمير، ساكن النفس، واثق من المصير؛ فكلما أنفق احتسب وشعر أنه قدَّم لنفسه ذخراً، وكلما أصيب في ماله أو بنيه احتسب؛ فإذا السكينة النفسية تغمره. والأمل في الله يُسَرِّي عنه.
وقد تكون نقمة يصيب الله بها عبداً من عباده؛ لأنه يعلم من أمره الفساد والدخل؛ فإذا القلق على الأموال والأولاد يحوِّل حياته جحيماً، وإذا الحرص عليها يؤرِّقه ويُتلِف أعصابه، وإذا هو ينفق المال حين ينفقه في ما يتلفه ويعود عليه بالأذى، وإذا هو يشقى بأبنائه إذا مرضوا ويشقى بهم إذا صحُّوا. وكم من الناس يعذَّبون بأبنائهم لسبب من الأسباب! وهؤلاء الذين يملكون الأموال ويرزقون الأولاد، يُعجِب الناسَ ظاهرُها،وهي لهم عذاب(الظلال: [3/1666]).
لقد قرن الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم الأموال والأولاد في أربعة وعشرين موضعاً قُدِّمَت فيها الأموال على الأولاد، وفي موضعين قُدِّمَ الأولاد على الأموال؛ فما الحكمة والسر في ذلك؟
الحكم والأسرار المطلقة لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى ولكن سوف نذكر ما فتح الله به على بعض المفسرين من حكم وأسرار.
الآيات التي قرن الله فيها الأموال والأولاد وقُدِّمَت فيها الأموال على الأولاد:
- {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف من الآية:46].
- {أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ} [المؤمنون من الآية:55].
- {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ} [الشعراء من الآية:88].
- {أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ} [القلم من الآية:14].
- {فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالا
وَأَعَزُّ نَفَرًا} [الكهف:34].
- {إِنْ تَرَنِي أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالا وَوَلَدًا} [الكهف من الآية:39].
- {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالا وَوَلَدًا} [مريم:77].
- {رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلا خَسَارًا} [نوح من الآية:21].
- {وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا} [الإسارء من الآية:6].
- {وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ} [الإسراء من الآية:64].
- {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ
بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ} [الحديد من الآية:20].
-{وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ}نوح من الآية:12
- {كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالا وَأَوْلادًا} [التوبة من الآية:69].
- {وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالا وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} [سبأ من الآية:35].
- {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [الأنفال من الآية:28].
- {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى} [سبأ من الآية:37].
- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [المنافقون من الآية:9].
- {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [التغابن من الآية:15].
- {شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا} [الفتح من الآية:11].
- {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} [آلِ عمران من الآية:10].
- {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} [آلِ عمران من الآية:116].
- {فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ} [التوبة من الآية:55].
- {وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ} [التوبة من الآية:85].
- {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} [المجادلة من الآية:17].
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثامنة والستون في موضوع
الشكور وهي بعنوان :
*وقفات مع الآيات: المال والبنون زينة وتفاخر في الحياة الدنيا :
قال تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، وقال سبحانه: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ} [الحديد من الآية:20]، وقال تعالى: {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالا وَأَعَزُّ نَفَرًا}، وقال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالا وَوَلَدًا}.
قال القرطبي رحمه الله: "إنما كان المال والبنون زينة الحياة الدنيا؛ لأن في المال جمالاً ونفعاً، وفي البنين قوة ودفعاً، فصارا زينة الحياة الدنيا" (القرطبي: [10/413]).
وقال السعدي رحمه الله: "أخبر تعالى أن المال والبنين، زينة الحياة الدنيا؛ أي: ليس وراء ذلك شيء، وأن الذي يبقى للإنسان وينفعه ويسرُّه: الباقيات الصالحات" (السعدي: [479]).
"فالمال والبنون زينة الحياة، والإسلام لا ينهى عن المتاع بالزينة في حدود الطيبات. ولكنه يعطيهما القيمة التي تستحقها الزينة في ميزان الخلود ولا يزيد. إنهما زينة ولكنهما ليستا قيمة؛ فما يجوز أن يوزَن بهما الناس ولا أن يقدَّروا على أساسهما في الحياة؛ إنما القيمة الحقة للباقيات الصالحات من الأعمال والأقوال والعبادات" (الظلال: [4/2272]).
*الأموال والأولاد استدراج وإملاء للكافرين ليزدادوا إثماً: قال تعالى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ . نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ} [المؤمنون:55-56]، وعن قتادة رحمه الله قال: "مُكِرَ والله بالقوم في أموالهم وأولادهم فلا تعتبروا الناس بأموالهم وأولادهم ولكن اعتبروهم بالإيمان والعمل الصالح" (الدر المنثور: [10/582]).
"وذلك لأنهم استخدموا أموالهم وأولادهم لأجل الطغيان والاستكبار عن الحق؛ كما قال تعالى: {أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ}، وأغروا بهما الناس وصدُّوهم عن سبيل الله؛ كما قال تعالى عن قوم نوح: {وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلا خَسَارًا} [نوح من الآية:22]، فذكر أنهم أهل أموال وأولاد؛ إيماءً إلى أن ذلك سبب نفاذ قولهم في قومهم وائتمار القوم بأمرهم؛ فأموالهم إذا أنفقوها لتأليف أتباعهم، وأولادهم أرهبوا بهم من يقاومهم، والمعنى: واتَّبعوا أهل الأموال والأولاد التي لم تزدهم تلك الأموال والأولاد إلا خساراً؛ لأنهم استعملوها في تأييد الكفر والفساد فزادتهم خساراً إذ لو لم تكن لهم أموال ولا أولاد لكانوا أقل ارتكاباً للفساد" (التحرير والتنوير: [29/192]).
*الأموال والأولاد اختبار وامتحان في الدنيا:"قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [الأنفال من الآية:28].
هذا تنبيه على الحذر من الخيانة التي يحمل عليها المرءَ حبُّ المال؛ وهي خيانة الغلول وغيرها؛ فتقديم الأموال لأنها مظنة الحمل على الخيانة في هذا المقام.
وعطف الأولاد على الأموال لاستيفاء أقوى دواعي الخيانة فإن غرض جمهور الناس في جمع الأموال أن يتركوها لأبنائهم من بعدهم.
وجَعْلُ نفس (الأموال والأولاد) فتنة لكثرة حدوث فتنة المرء من جراء أحوالهما؛ مبالغة في التحذير من تلك الأحوال وما ينشأ عنها، فكأن وجود الأموال والأولاد نفس الفتنة.
وعطف قوله: {وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} على قوله: {أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} للإشارة إلى أن ما عند الله من الأجر على كفِّ النفس عن المنهيات هو خير من المنافع الحاصلة عن اقتحام المناهي لأجل الأموال والأولاد" (التحرير والتنوير: [9/79]).
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة التاسعة والستون في موضوع
الشكور وهي بعنوان :
*وقفات مع الآيات: المال والبنون زينة وتفاخر في الحياة الدنيا : الفتنة
الفتنة: هي البلاء والمحنة؛ لأنهم يوقعون في الإثم والعقوبة، ولا بلاء أعظم منهما. وقد شاهدنا مَنْ ذكر أنه يشغله الكسب والتجارة في أمواله حتى يصلي كثيراً من الصلوات الخمس فائتة. وقد شاهدنا من كان موصوفاً عند الناس بالديانة والورع، فحين لاح له منصب وتولاَّه، استناب من يلوذ به من أولاده وأقاربه، وإن كان بعض من استنابه صغير السن قليل العلم سيئ الطريقة. ونعوذ بالله من الفتن. وقُدِّمت الأموال على الأولاد
لأنها أعظم فتنة (البحر المحيط: [8/209]).
والفتنة ليست مذمومة في ذاتها؛ لأن معناها اختبار وامتحان، وقد يمر الإنسان بالفتنة وينجح؛ كأن يكون عنده الأموال والأولاد، وهم فتنة بالفعل فلا يغرُّه المال؛ بل إنه استعمله في الخير، والأولاد لم يصيبوه بالغرور ؛ بل علمهم حمل منهج الله، وجعلهم ينشؤون على النماذج السلوكية في الدين؛ لذلك فساعةَ يسمع الإنسان أي أمر فيه فتنة فلا يظن أنها أمر سيئ؛ بل عليه أن يتذكر أن الفتنة هي اختبار وابتلاء وامتحان، وعلى الإنسان أن ينجح مع هذه الفتنة؛ فالفتنة إنما تضر من يخفق
ويضعُف عند مواجهتها.
والكافرون لا ينجحون في فتنة الأموال والأولاد، بل سوف يأتي يوم لا يملكون فيه هذا المال، ولا أولئك الأولاد؛ وحتى إن ملكوا المال فلن يشتروا به في الآخرة شيئاً، وسيكون كل واحد من أولادهم مشغولاً بنفسه.
إن الكافر من هؤلاء يخدع نفسه ويغشُّها، ويغتر بالمال والأولاد وينسى أن الحياة تسير بأمر من يملك الملك كلَّه، إن الكافر يأخذ مسألة الحياة في غير موقعها؛ فالغرور بالمال والأولاد في الحياة أمر خادع؛ فالإنسان يستطيع أن يعيش الحياة بلا مال أو أولاد. ومن يغتر بالمال أو الأولاد في الحياة يأتي يوم القيامة ويجد أمواله وأولاده حسرة عليه، لماذا؟
لأنه كلما تذكَّر أن المال والأولاد أبعداه عما يؤهله لهذا الموقف فهو يعاني من الأسى ويقع في الحسرة.
ويقول الحق سبحانه عن هذا المغتر بالمال والأولاد وهو كافر بالله: {وأولئك أَصْحَابُ النار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة من الآية:39]، وهذا مصير يليق بمن يقع في خديعة نفسه بالمال أو الأولاد (الشعراوي: [1142]).
إن فتنة الأموال والأولاد عظيمة لا تخفى على ذوي الألباب؛ إذ أموال الإنسان عليها مدار معيشته وتحصيل رغائبه وشهواته، ودفع كثير من المكاره عنه؛ من أجل ذلك يتكلَّف في كسبها المشاقَّ ويركب الصعابَ ويكلفه الشرع فيها التزامَ الحلال واجتنابَ الحرام ويرغِّبه في القصد والاعتدال، ويتكلَّف العناء في حفظها، وتتنازعه الأهواء في إنفاقها، ويفرض عليه الشارع فيها حقوقاً معيَّنة وغير معيَّنة: كالزكاة ونفقات الأولاد والأزواج وغيرهم.
وأما الأولاد فحبُّهم مما أودع في الفطرة؛ فهم ثمرات الأفئدة وأفلاذ الأكباد لدى الآباء والأمهات، ومن ثَمَّ يحملهما ذلك على بذل كل ما يستطاع بذله في سبيلهم: من مال وصحة وراحة.
فحب الولد قد يحمل الوالدين على اقتراف الذنوب والآثام في سبيل تربيتهم والإنفاق عليهم وتأثيل الثروة لهم، وكل ذلك قد يؤدي إلى الجبن عند الحاجة إلى الدفاع عن الحق أو الأمة أو الدين، وإلى البخل بالزكاة والنفقات المفروضة والحقوق الثابتة، كما يحملهم ذلك على الحزن على من يموت منهم بالسخط على المولى والاعتراض عليه إلى نحو ذلك من المعاصي: كنوح الأمهات وتمزيق ثيابهن ولطم وجوههن. وعلى الجملة ففتنة الأولاد أكثر من فتنة الأموال؛ فالرجل يكسب المال الحرام ويأكل أموال الناس بالباطل لأجل الأولاد.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السبعون في موضوع
الشكور وهي بعنوان : * إتقاء الفتنتين
فيجب على المؤمن أن يتقي الفتنتين، فيتقي الأُولَى بكسب المال من الحلال وإنفاقه في سبيل البر والإحسان، ويتقى خطر الثانية من ناحية ما يتعلق منها بالمال ونحوه بما يشير إليه الحديث. ومن ناحية ما أوجبه الدين من حُسْن تربية الأولاد وتعويدهم الدين والفضائل وتجنيبهم المعاصي والرذائل (تفسير المراغي: [9/196]).
وقال السمرقندي رحمه الله: "إنما ذكر الأموالَ والأولادَ؛ لأن أكثر الناس يدخلون النار لأجل الأموال والأولاد، فأخبر الله تعالى أنه لا ينفعهم في الآخرة؛ لكيلايفني الناس أعمارَهم لأجل المال والولد ؛وإنما ذكرالله تعالى الكفار،لكي يعتبربذلك المؤمنون (بحر العلوم: [1/221]).
فعلى العاقل أن يعتبر بالآيات ولا يغتر بكثرة الأعداد من الأموال والأولاد وعدم اجتهاده؛ لمعاده فإن الله يمتِّعه قليلاً ثم يضطره إلى عذاب غليظ"
(روح البيان: [1/12]).
الأموال والأولاد قد تُقعِد المسلم عن العمل لدين الله:"إن الأموال والأولاد قد تقعد الناس عن الاستجابة خوفاً وبخلاً. والحياة التي يدعو إليها الإسلام حياة كريمة، لا بد لها من تكاليف، ولا بد لها من تضحيات؛ لذلك يعالج القرآن هذا الحرص بالتنبيه إلى فتنة الأموال والأولاد فهي موضع ابتلاء واختبار وامتحان وبالتحذير من الضعف عن اجتياز هذا الامتحان، ومن التخلف عن دعوة الجهاد وعن تكاليف الأمانة والعهد والبيعة؛ واعتبار هذا التخلف خيانة لله والرسول، وخيانة للأمانات التي تضطلع بها الأمة المسلمة في الأرض؛ وهي إعلاء كلمة الله وتقرير ألوهيته وحدَه للعباد، والوصاية على البشرية بالحق والعدل ومع هذا التحذير التذكير بما عند الله من أجر عظيم يرجح الأموال والأولاد، التي قد تُقعِد الناس عن التضحية والجهاد" (الظلال: [3/1497]).
"فإذا انتبه القلب إلى موضع الامتحان والاختبار، كان ذلك عوناً له على الحذر واليقظة والاحتياط؛ أن يستغرق وينسى ويخفق في الامتحان والفتنة. ثم لا يدعه الله بلا عون منه ولا عوض. فقد يضعف عن الأداء بعد الانتباه؛ لثقل التضحية وضخامة التكليف وبخاصة في موطن الضعف في الأموال والأولاد؛ إنما يلوِّح له بما هو خير وأبقى، ليستعين به على الفتنة ويتقوى: {وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}. إنه سبحانه هو الذي وهب الأموال والأولاد. وعنده وراءهما أجر عظيم لمن يستعلي على فتنة الأموال والأولاد، فلا يقعد أحد إذن عن تكاليف الأمانة وتضحيات الجهاد" (الظلال: [3/1497]).
"ومن أجل ذلك حذَّر الله المؤمنين من الاشتغال بالأموال والأولاد عن ذكره فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون:9]؛ خص الأموال والأولاد بتوجُّه النهي عن الاشتغال بها اشتغالاً يلهي عن ذكر الله؛ لأن الأموال مما يكثر إقبال الناس على إنمائها والتفكير في اكتسابها؛ بحيث تكون أوقات الشغل بها أكثر من أوقات الشغل بالأولاد. ولأنها كما تشغل عن ذكر الله بصرف الوقت في كسبها ونمائها، تشغل عن ذكره أيضاً بالتذكير لكنزها؛ بحيث ينسى ذكر ما دعا الله إليه من إنفاقها.
وأما ذكر الأولاد فهو إدماج؛ لأن الاشتغال بالأولاد والشفقة عليهم وتدبير شؤونهم وقضاء الأوقات في التأنس بهم من شأنه أن ينسي عن تذكُّر أمر الله ونهيه في أوقات كثيرة فالشغل بهذين أكثر من الشغل بغيرهما. وفيه أن الاشتغال بالأموال والأولاد الذي لا يلهي عن ذكر الله ليس بمذموم" (التحرير والتنوير: [28/225]).
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الواحدة والسبعون في موضوع
الشكور وهي بعنوان :
وهنا تساؤل: لماذا قُدِّمَ في سورتي آل عمران والتوبة البنون على الأموال؟
قال تعالى في آل عمران: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران:14]، وقال في التوبة: {قُلْ إن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي
الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة:24].
فالجواب: لمَّا يذكر سبحانه الحبَّ الفطري يؤخر الأموال؛ لأن الأموال تترك للأبناء؛ يعمل ويكد ويعلم أنه ميت ويترك الأموال للأبناء.
أما في مواطن الإلهاء قدَّم الأموال على الأولاد مع أن حُبَّ الأولاد أكثر لكن الالتهاء بالمال يكون أكثر؛ لذا قدَّم الأموال على الأولاد للتحذير.
قال ابن حيان رحمه الله: "لمَّا كان المال في باب المدافعة والتقرب والفتنة أبلغ من الأولاد قُدِّم ، بخلاف قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَآءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ} [آلِ عمران من الآية:14]؛ فإنه ذكر هنا حُبَّ الشهوات، فقدَّم فيه البنين على ذكر الأموال" (البحر المحيط: [2/295]).
وهنا تساؤل أيضاً: هل طلبُ المال والولد مذمومٌ لما يحدث من وجودهما من آفات ومفاسد؟
الجواب: إن سنة الأنبياء والفضلاء التحرز في الدعاء بطلب الولد : فهذا زكريا عليه الصلاة والسلام تحرَّز فقال: {رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} [آل عمران من الآية:38]،
وقال: {وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} [مريم من الآية:6]. وتحرَّز إبراهيم فقال: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات:100] وتحرز المؤمنون فقالوا: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إمَامًا} [الفرقان:74] . وتحرز الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوته لأنس بن مالك رضي الله عنه فدعا له بالبركة في ماله وولده فقال: «اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ وَبَارِكْ لَهُ فِي مَا أَعْطَيْتَهُ» (البخاري: بدء الوحي، [6378]). والولد إذا كان بهذه الصفة كان نَفْعاً لأبويه في الدنيا والآخرة، وخرج من حد العداوة والفتنة إلى حد المسرة والنعمة. وهكذا فليتضرع العبد إلى مولاه في هداية ولده، ونجاته في أُولاَه وأُخرَاه اقتداءً بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام والفضلاء. [الأنترنت – موقع طريق الإسلام - مجلة البيان - اقتران الأموال والأولاد في القرآن؛ حِكَمْ وأسرار - توفيق علي الزبادي ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثانية والسبعون في موضوع
الشكور وهي بعنوان : *نعمة المال وكيفية شكرها
وأما نعمة الثروة.. ونعمة المال، فهي التي ينبغي أن يعرف الإنسان قدرها؛ فإن الله -سبحانه وتعالى- يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا من أحب ؛ فإذا أعطاك الله -تعالى- شيئا من الدنيا، فلا تعتقد أن ذلك لشرفك، ولفضلك؛ ولكن اعتقد أنه من الاختبار والامتحان؛ هل تشكر ما أعطاك الله أم تكفر؟ فإن شكرت.. فهنيئا لك، وأبشر بالزيادة، وإن كفرت.. فإنك متعرض لإزالة هذه النعمة ولذهابها.
تذكر أن ربنا -سبحانه- قد أعطى الدنيا أناسا، فكفروها، فسلبت منهم أحوج ما كانوا إليها، تذكر قصة قارون الذي يضرب به المثل في كثرة أمواله، آتاه الله كنوزا وذخائر؛ حتى إن المفاتيح -مفاتيح الخزائن- إذا جمعت، يعجز عن حملها عصبة من الرجال: مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ ؛ أي جماعة من أهل القوة يعجزون عن حمل مفاتيح تلك الخزائن.
وماذا كانت حالته لما أن قومه وعظوه وقالوا: لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ؟ أي لا يكون فرحك فرح أشر، وفرح بطر: وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ أي اصرفه في الدار الآخرة، وأنفقه فيما يقربك عند الله تعالى: وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا أي تمتع بما أنت محتاج إليه، وبما يسد حاجتك وخلتك وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ماذا قال؟ قال: إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي اعتقد أنه أوتي هذا المال على شرف، أنه أوتيه؛ لأنه شريف، أو أوتيه؛ لأنه عالم.
عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أي: على معرفة؛ أني أعرف
المكاسب، وأعرف التجارات، وأعرف كيف أتصرف في الأمور، وأعرف كيف أكتسب المال؛ فجعل ذلك علامة على أنه على خير.
هذه الكلمة فيها كفر لنعم الله، لم يقل: آتاني الله -تعالى- ذلك اختبارا وامتحانا، فلما لم يعترف بأن هذا اختبار، وبأن المال يعطيه الله –الدنيا- من يحب ومن لا يحب إن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا من أحب .
لما أنه افتخر بأن هذا بفضل قوته؛ أي جمعت هذا المال بقوتي، وبذكائي، وبحنكتي، وبمعرفتي، وبخبرتي، وتجربتي، ولم يقل: الله -تعالى- هو الذي يسر لي ذلك، ولا هو الذي سهل ذلك الأسباب، لما أنه كفر نعمة الله، ولم يعترف بفضله، عند ذلك عاقبه الله: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ }خسف الله -تعالى- به، وبأملاكه، وبجميع ما يدخره، خسف الله به الأرض؛ فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة، وما نفعه ماله، ولا دفع عنه.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثالثة والسبعون في موضوع
الشكور وهي بعنوان : *نعمة المال وكيفية شكرها
وهكذا -أيضا- ذكر الله -تعالى- من أهل الدنيا قوم سبأ، قوم سبأ ذكروا في سورة سبأ في قول الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ }
ذكروا أن الأشجار يستظل بها الإنسان، ولو مسيرة يوم، أو يومين، لا يمسه شمس، إذا مشى تحت تلك الأشجار، وذكروا أن المرأة تجعل الزمبيل على رأسها، وتمشي تحت الشجر، فتحرك الشجر، فتحرك أغصانه بذلك الزمبيل؛ فيتساقط فيه الثمر؛ حتى يمتلئ الزمبيل من الثمر دون أن تقتطف منه شيئا؛ ذلك لكثرته {بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُوا } لما أنهم لم يشكروا نعم الله -تعالى- {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ } لما أنهم لم يشكروا نعم الله، مزقهم الله -تعالى- كل ممزق؛ أرسل عليهم السيل، فجرف بلادهم، وقلع أشجارهم، وقلع سدودهم، فتفرقوا أيادي سبأ. هذا من آثار كفر نعم الله -عز وجل-.
لا شك أن ربنا -سبحانه وتعالى- فتح علينا في هذه الأزمنة، ما فتحه من الدنيا؛ وإن كان هناك كثير يشتكون القلة، والفقر، والفاقة؛ ولكن هناك -أيضا- جمع كثير عندهم أموال طائلة، وعندهم ما قد أنعم الله -تعالى- عليهم، وأعطاهم من المال ما هو زائد على حاجتهم، فعليهم أن يعترفوا بأن هذا فضل الله، وأن يشكروه على هذه النعمة، وأن يعتقدوا أن ذلك ليس لأجل كرامتهم ؛ ولكنه من باب الاختبار، اختبار لهم وامتحان لهم، هل يؤدون شكره أم لا؟ فإذا أدوا شكره؛ فإن ربنا -سبحانه- يزيدهم منه؛ قال الله تعالى: { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } فأخبر بأنه أنعم عليهم، وأنه تأذن لمن شكر بالزيادة، إذا شكروا نعم الله تعالى؛ فإن الله -تعالى- يثبتها عليهم، ويزيدهم منها، ويسبغ عليهم نعمه؛ كما أخبر بذلك في قوله تعالى:{ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ الله سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً }فعليهم أن يعترفوا بها، وأن يشكروا ربهم على ذلك.
ثم نقول: كيف يكون شكر هذه النعمة؟ وكيف يكون كفرها؟ وذلك لأن الكثير يعملون أعمالا فيها شيء من كفران النعم، ولا يعتقدون أن هذا سبب في إزالتها، وأنه من كفرها!.
فنقول: المال الذي يعطيه الله -تعالى- الإنسان -قليلا أو كثيرا- يعلم أن لله عليه فيه حقوقا؛ فيبدأ بحقوق الله -تعالى- عليه، وكذلك أن لأهله عليه فيه حقوقا؛ فيؤدي حقوق أهله وغيرهم، ثم يعلم بعد ذلك أن لإخوانه الفقراء ونحوهم عليه حقوقا؛ فيؤدي تلك الحقوق، ثم يقتصد بعد ذلك في نفقته، ويجتنب إفساد ذلك المال؛ حتى إذا رأى وجها من وجوه البر صرفه فيه؛ فبذلك لعله يكون من الشاكرين.
حقوق الله -تعالى- مثل: الزكوات، والكفارات، والنذور، وما أشبهها. هذه لا بد أن الإنسان يخرجها من ماله؛ حتى يبارك له فيما بقي، فيحاسب نفسه، يحسب على نفسه ماذا أوجب الله علي في هذا المال؟ علي فيه كذا.. وكذا من الزكوات، وكذا.. وكذا من النذور والكفارات؛ فيبدأ بها، ويؤديها
كاملة غير منقوصة؛ وذلك من حقوق الله.
كذلك -أيضا- حقوق أهله: ينفق عليهم؛ كما قال الله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ }وقال تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ الله لَا يُكَلِّفُ الله نَفْسا إِلَّا مَا آتَاهَا } فينفق على أولاده؛ ولكن نفقة اقتصاد،فيعطيهم حاجاتهم في المآكل، والمشارب ، والملابس، والمساكن، وما أشبهها؛ فإذا أدى حقوقهم، عرف بذلك أنه أدى حقّا واجبا عليه.
وكذلك -أيضا- سائر الحقوق التي تجب عليه، وبعد ذلك يعرف أن للمسلمين عليه حقا، أن للفقراء والمساكين، والضعفاء، والمستضعفين، أن عليه حقوقا لهم؛ فيعطيهم، وينفق عليهم؛ فيصل ذوي الأرحام، وينفق على ذوي القربى، وينفق على المساكين والمستضعفين.
وكذلك -أيضا- يطعم من يراه أهلا للإطعام، من جار أو صديق أو رفيق أو ما أشبه ذلك.
فذلك كله من شكر نعم الله -تعالى- وأداء الحقوق عليه؛ لعل ذلك يكون سببا في البركة، سببا في أنه يبارك الله -تعالى- له فيما أبقى، ويزيده خيرا، ويخلف عليه، يتذكر قول الله تعالى: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ أي: ما أنفقتموه في وجوه البر، وفي وجوه الخير، في الطاعات، وفيما يحبه الله، وفيما يرضاه؛ فإن ذلك من الخير؛ فإن ذلك سبب للبركة، وسبب لنماء الأموال ووقوع البركة فيها؛ ولهذا وردت الأدلة في الترغيب في الصدقات، وما أشبهها، وأنها سبب لبقاء المال .
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الرابعة والسبعون في موضوع
الشكور وهي بعنوان : *نعمة المال وكيفية شكرها
ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ما نقص مال من صدقة، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه؛ ما نقصت صدقة من مال، المال الذي يتصدق منه يبارك الله -تعالى- فيه؛ وذلك من شكر الله -تعالى- على هذا المال، فهذا من الشكر. وكذلك -أيضا- من الشكر: إعطاء ذوي الحاجات، وصرفه في وجوه الخير، ... في هذه النعمة، واستقرارها.
وأما كفر هذه النعم: فإنه يكون بصرفها في معاصي الله، فالذين يصرفون الأموال في آلات الملاهي، يدعون أنهم يرفهون عن أنفسهم؛ فيشترون صورا خليعة، وأفلاما هابطة، وكذلك -أيضا- يشترون أجهزة يستقبلون بها ما تبثه القنوات الفضائية من المنكرات وما أشبهها، يبذلون في ذلك مالا؛ ولو كان قليلا؛ ولو لم ينقص أموالهم، لا شك أنهم يعتبرون قد كفروا نعم الله؛ حيث صرفوا هذا المال -ولو قليلا- فيما يستعان به على معصية الله.
وهكذا -أيضا- بقية آلات اللهو يعتبر شراؤها من كفران النعم، شراء أشرطة الغناء ونحوها، وشراء أشرطة الملاهي وما أشببها؛ ذلك -بلا شك- من كفران النعم.
وهكذا -أيضا- من كفران النعم: صرف الأموال فيما
يستعان به على معصية الله -تعالى- كالألبسة المفسدة، أو التي فيها تشبه بالكفار، ونحوهم ككسوة كثير من النساء، وكثير من الأطفال، لا شك أن فيها إسرافا زائدا، فيعتبر ذلك من كفران النعم، فمثلا: الذين يصرفون أموالا طائلة في كسوة، قد يقوم بعضها مقامها، لا شك أن هذا من الإسراف الذي ذمه الله؛ قال الله تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ .
كما يذكر أن بعض النساء تشتري لها ثوبا بألف، أو بألفين، أو بثلاثة آلاف، لا شك أن هذا من الإسراف، وأنه من كفران نعم الله التي أعطاها العبد، يكفي بدله الثوب الذي بمائة، أو بمائة وعشرين، أو نحو ذلك.
وهكذا -أيضا- كثير من الرجال قد تتكلف كسوته بمئات، أو نحوها، لا شك أن هذا من كفران النعم، ومن صرف الأموال في الشيء الذي غيره أفضل منه. فننصح بمثل ذلك، ونقول: حافظوا على أموالكم، واصرفوها في الشيء الذي ينفعكم في دنياكم، أو في أخراكم.
وهكذا –أيضا- الإسراف في المآكل، وما أكثر ذلك الإسراف في المآكل، وأنواع الأطعمة، وأنواع الفواكه، وأنواع اللحوم، وما أشبهها. إن صرف الأموال فيها يعتبر ضروريا؛ لأن الإنسان بحاجة إلى أن يؤمن له مأكله، ومشربه، ومطعمه وما يتقوت به؛ ولكن الزيادة على ذلك تعتبر إفسادا، وتعتبر إسرافا، إسرافا داخلا في هذه الآية، يقول الله تعالى:{وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} فأخبر الله -تعالى- بأن النفقة تكون وسطا، لا إسراف ولا تقتير، يقول الله: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاما} لَمْ يُسْرِفُوا أي: لم يفسدوا أموالهم، ويصرفوها في الشيء الذي يضرهم، أو الذي لا ينفعهم، أو الذي فيه إتلاف للأموال بغير فائدة. وَلَمْ يَقْتُرُوا يضيقوا على أنفسهم، ويبخلوا على أنفسهم، وعلى من تحت أيديهم. وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا أي: وسطا، وخير الأمور أوساطها، لا إسراف ولا تقتير.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الخامسة والسبعون في موضوع
الشكور وهي بعنوان : جاءت الأدلة في النهي عن إفساد الأموال والأمر باحترامها:
والإخبار بأنها إذا كفرت فرت؛ ورد أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يمشي في الطريق، فرأى تمرة تمرة ساقطة في الأرض، ولم يتركها فرفعها، وقال: لولا أنها من الصدقة لأكلتها ، وأعطاها من يأكلها، تمرة واحدة ما طابت نفسه أن يتركها يطؤها الناس، وتتلوث بالتراب، وروي -أيضا- أنه رأى كسرة خبز، سقطت على الأرض في بيت عائشة فرفعها، وأزال ما عليها من التراب، وقال: يا عائشة أكرمي جوار نعم الله؛ فإنها قلما نفرت عن قوم، فكادت أن ترجع إليهم كسرة خبز، رآها على الأرض، ما سمحت نفسه أن يتركها يطئونها، أو يلقونها مع القمامات، وما أشبهها؛ ذلك لأنها نعم من نعم الله تعالى؛ هناك من يحتاجها، هناك من يتمناها.
فنقول لأهل هذه الأموال -الذين يسرفون في الولائم والأطعمة، وما أشبهها؛ سواء طعام أنفسهم أو طعام من يستضيفهم، أو من يكرمونه بضيافة ونحوها- نقول لهم: اقتصدوا في النفقة، وإياكم والإسراف، وإفساد الأموال؛ حتى لا تسلب عنكم ما أنتم فيه؛ فإن كثيرا وكثيرا من الدول عملوا مثل هذه الأعمال، فسلبت عنهم. كان آباؤنا يضربون المثل بالشام وبالهند فيقولون: الشام شامك إذا الدهر ضامك، والهند هندك إذا قل ما عندك.
ثم يقولون: إنهم عندهم الثروة، وعندهم الأموال ونحوها، يذكر كثير منهم قبل خمسين أو ستين سنة، أنهم كانوا في نعم، وأنهم كانوا في رفاهية، ثم إنهم لم يشكروا نعم الله، فكانوا إذا جعلوا أطعمة كثيرة، أطعمة من الأرز، ومن الخبوز، ومن اللحوم، ومن الفواكه، وما أشبهها، وفضل منها فضلة، ماذا يفعلون بها؟ يلقونها مع القمامات، يلقونها في صناديق القمامة، وكأنها لا قدر لها، ولا قيمة لها؛ مع أنها من نعم الله -تعالى- ومن فضله الذي تفضل به عليه؛ فيفعلون ذلك، ويتلفون أموالا طائلة؛ فكانت العاقبة أن ذهبت تلك الثروات، وخسروا كثيرا، وعاقبهم الله -تعالى- بأن سلبهم، أو سلب كثيرا منهم ما كانوا فيه من تلك الرفاهية وذلك الخير.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السادسة والسبعون في موضوع
الشكور وهي بعنوان : ما سبب تغير أحوالهم؟
لا شك أنه المعاصي التي وقعوا فيها من الشرك، والفواحش، والرقص، والغناء، واللهو، والباطل، والزنا، والربا، والخمور، والمنكرات، والمخدرات وما أشبهها، لما أنهم أعلنوها، عوقبوا بسلب النعم.
كذلك -أيضا- عدم احترام نعم الله؛ أي كونهم -مثلا- يلقونها مع القمامات، ولا يعرفون قدرها ولا أهميتها.
نقول: إن هذا من كفر النعم، وإن الإنسان عليه أن يحترم نعم الله -تعالى-؛ ولو كانت قليلة؛ ولو كانت حبات من الأرز، أو نحوه؛ ثبت في الحديث أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا أكل أحدكم، فلا يمسح يده حتى يَلعَقها، أو يُلعِقها حتى يلعقها بنفسه، أو يعطيها خادمه، أو ولده ، يقول: ألعق أصابعي؛ لما عليها من الطعام، من حبات طعام مثلا أو دسم أو نحو ذلك؛ لأن هذا من نعم الله -تعالى- لم يرخص له أن يمسحها وفيها شيء من الطعام؛ لأن هذا إفساد لهذا الطعام، بهذه الحبات، ونحوها. وكذلك يقول -صلى الله عليه وسلم- إذا سقطت لقمة أحدكم على الأرض، فليأخذها، وليمط ما فيها من التراب والأذى، وليأكلها، ولا يدعها للشيطان .
اللقمة إذا سقطت؛ مع أنها قد تكون قليلة، وقد تسقط على الأرض؛ لأنهم في ذلك الوقت ما كان عندهم سفرة، ولا خوان -غالبا- يجلسون على الأرض، فتسقط اللقمة على الأرض، أمره بأن يأخذها وأن يزيل التراب الذي عليها، وأن يأكلها،
وأنه أخبر بأنه إذا تركها؛ فإنه يكون قد تركها للشيطان.
وكذلك كان يأمر بأكل ما تساقط، ما تساقط على السفرة من الحبات، يأمر بأكله، وعدم إضاعته. وهكذا -أيضا- أمر بلعق الصحفة، الصحفة التي يكون فيها الطعام، قد يكون الطعم الذي فيها طعم دسم، أو نحوه؛ ورد في بعض الآثار: أن الصحفة تستظهر لمن يلعقها. بمعنى: أن فيها نعمة؛ ولو كان شيئا يسيرا، أليس ذلك كله لأجل المحافظة على نعم الله -تعالى- وعدم إضاعتها، وعدم التعرض لإزالتها؟ فكيف بالذين إذا عملوا وليمة صرفوا فيها أطعمة كثيرة؟ يعني: الذي يكفي -مثلا- ألفا، أو خمسمائة؛ مع أن الذين يأتونهم عشرة أو مائة أو خمسون، الطعام يكفي ثلاثمائة، أربعمائة، خمسمائة. لا شك أن هذا إسراف، وأن الواجب عليهم أن يقتصدوا، وأن يقللوا من جعل هذه الأطعمة؛ فيقتصروا على ما هو ضروري، البقية إذا كان عندهم زيادة مال يريدون إنفاقها فإنهم يستطيعون، أو يجدون مصرفا يصرفونها فيه؛ وذلك هو شكر الله -تعالى- بها.
فنقول: إن الله -تعالى- ابتلانا بما فتح علينا من هذا المال ابتلاء، فنتذكر أن هذا الابتلاء؛ لأجل الاختبار، نتذكر قول سليمان - عليه السلام- لما تمت عليه النعمة قال: هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ اعترف سليمان بأن النعم التي أعطاه الله، أنها ابتلاء من الله، وأنه فضل من الله، فضل من ربي: لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ هل أشكر نعم الله التي أعطاني أم أكفرها؟ وأخبر بأن من شكر؛ فإنما يشكر لنفسه؛ وذلك لأن الشكر تدوم به النعم.[ الأنترنت – موقع ابن جبرين ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السابعة والسبعون في موضوع
الشكور وهي بعنوان :*شكر الله على المال الحلال
اعلموا أن المال فتنة، اختبار وابتلاء، قل من ينجو من مسئولياته وتبعاته قال الله سبحانه وتعالى:(وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ)، وقد فاض المال على كثير من الناس في هذا الزمان، بمقادير كبيرة تخرج عن سيطرتهم، فالله يُعينهم على مسئوليتها وتبعاتها، في الحديث: لا تزالٌ قدم عبدي حتى يُسأل عن أربع: وذكر منها وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه؟ فيُسأل عنه مسألتان:
الأولى: من أين اكتسبه؟ من حل ومعاملات طيبة ومكسبِ نزيه، أو اكتسبه من حرام من ربا من سرقة من غش من خديعة من رشوة من قمار وغير ذلك من الوجوه المحرمة سيُسأل عنه درهماً درهم.
المسألة الثانية: فيما أنفقه؟ إذا كان اكتسبه من مالٍ حلال، كسباً حلال سلم من دخوله عليه، ولكن يبقى فيما أنفقه، أنفقه في طاعة الله، أنفقه في المباحات، أنفقه في وجوه الخير، فإنه يسلم من تبعته خروجه منه وإنفاقه، وأمَّا إن أخفق في إحدى الحالتين فإنه يهالك، فما بالكم بمن بمن أخفقه في الحالتين اكتسبه من حرام وأنفقه في الحرام دخوله وخروجه إثمٌ عليه والعياذ بالله، كثيرون من الناس لا يلتفتون إلى هذا وإنما هم في نهمة من جمع المال من أي وجه في الحديث يأتي على الناس زمانٌ لا يُبالي الإنسان من أين أخذ المال لا يُبالي من أين أخذ المال؟ من حلال أو حرام همه جمع المال تضخيم الأرصدة ولا يسأل عن العواقب والمداخل والمخارج، فلا حول ولا قوة إلا بالله، الله جلَّ وعلا نهى عن الإسراف والتبذير، والإسراف:هو الإنفاق من غير حاجه، في غير وجه، في غير وجه صحيح، والتبذير:لا يُبالي أين وضعه؟ وإنما يتبع هواه ورغبته دون نظر إلى موضعه الذي وضعه فيه هل هو حلال أم حرام؟ كثيرون من الناس يجمع يستخدم المال للأسفار المحرمة إلى بلاد الإباحية، وبلاد الكفر والشرك ليتمتع هناك بهذه الأموال في مال الله عز وجل يستخدمه في شهواته المحرمة، ويرتع ويسرح ويمرح ولا يعلم ولا يستحضر أن الله سيسأله يوم القيامة عن ذلك كله، وكذلك الجانب الآخر:البخل والتقتير يمسك المال فلا ينفق منه على نفسه حتى، يُقتر على نفسه أو على زوجته وأولاده وقرابته، يُقتر ويبخل، فقد ذم الله في بخله في كتابه في آيات كثيرة، قال تعالى (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى* وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) سيطوقون بما بخلوا به يوم القيامة يجعل طوقاً في أعناقهم، طوقاً حامياً يعذبون بها في نار جهنم، كثر المال أو قل يجعل طوقاً في عنقه يوم القيامة، وُمثل له ثعبان في قبره ممتلئ بالسم يلدغه، يأخذ بملزمتيه فيلدغه ويخرج ما به من السم ويقول له أنا مالك، أنا كنزك (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ* يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ)، والمراد (يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) يعني: لا يخرجون زكاتها، أمَّا إذا زكى المال وأخرج زكاته فليس بكنز..
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثامنة والسبعون في موضوع
الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : ما سبب تغير أحوالهم؟
فعلى المسلم أن يتنبه لهذه المسؤولية في ماله، وأن يحاسب نفسه في هذا المال، وأن يتوقع المكاسب، ويفحص المكاسب، هل هي حلال أو حرام؟ ولا يذهب مع الناس أو يجره المال، لأن بعض الناس يجره ماله إلى أن، يدخل في المداخل المحرمة من باب الاستثمار كما يسمونه، فيدخل في المداخل المحرمة، ويجاري الناس في معاملاتهم التي لا تجوز، ولا يسأل عن هذا ولو سأل وأفتي بغير ما يريد ما قبل الفتوى، وإنما يسأل يلتمس المخارج، وقد يجد من يفتيه ما يريد، لكن ذلك لا يُنجيه أمام الله سبحانه وتعالى، فعلى المسلم الذي رزقه الله مالاً أن يشكر الله عز وجل، وأن يحمده على هذه النعمة، وأن يكون هذا المال له لا عليه، أن يجعل هذا المال خادماً له، لا يخدم المال، وإنما يستخدم المال في طاعة الله سبحانه وتعالى، تعلمون قصة قارون الذي أتاه الله (مِنْ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ) يعني:لا تفرح فرح بطرٍ، فرح بطرٍ وأشر(إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ* وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا)استخدم المال للآخرة وأيضاً لمصالحك في الدنيا(وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) ماذا قال؟ (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي)ليس لله فضلٌ في هذا، وإنما أنا الذي حصلته بخبرتي ومعرفتي، وليس لله فضلٌ علي في ذلك (أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنْ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمْ الْمُجْرِمُونَ)ماذا كانت النتيجة؟ (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنْ المُنْتَصِرِينَ* وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا)لأنهم قالوا(يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا)كما خسف بقارون، فالله جل وعلا بالمرصاد، وهو يبتلي عباده بالسراء والضراء بالغنى والفقر والنتيجة تحصل في المستقبل ولا محالة، فعلينا أن نتذكر هذا، وأن نحاسب أنفسنا، وأن ننظر في مواقع أقدامنا في جمع هذا المال، نكون على حذر منه دخولاً وخروج، ونسأل الله الإعانة على السلامةِ منه، فالمال لا يفرح به من أجل الترفع، أو من أجل الشهوات، وإنما يفرح به، لأنه يكون للمؤمن عوناً على طاعة الله سبحانه وتعالى، يعتدل الإنسان، يعتدل في صرفه، ويعتدل أيضاً في منعه (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً)، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم، أقولٌ قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
تذكر أيها الغني من أين جاءك هذا المال؟ تذكر من أين جاءك؟ من الذي أعطاك هذا المال؟ أليس هو الله سبحانه وتعالى ولو شاء لأفقرك، أحمد الله على ذلك، وسأله الإعانة على السلامة من مسؤوليتاه، وتذكر أحوال الفقراء، والمعوزين، الذين ليس عندهم مال فجد عليهم مما أعطاك الله، مما يكون دُخلاً لك عند الله سبحانه وتعالى، قدر النعم التي أنت فيها ولا تسرف، ولا تبذر، فإن هذا المال ليس لك في الحقيقة، إنما أنت مبتلاً به ومستخلف فيه، وسينتقل إلى غيرك، فتنبه لهذا، تنبه لهذا، تذكر أنك كنت فقيراً معدماً خرجت من بطن أمك ليس معك شيء، قد تكون عشت في هذه الدنيا فقيراً ثم رزقك الله سبحانه وتعالى، تذكر هذا، تذكر من ليس عنده مال من هو محتاج، قدر النعمة لا تستهن بالنعم، لأن بعض الناس يُقيم الموائد الكبيرة، ويصنع الأطعمة الكثيرة، وفي النهاية تلقى في المزابل تلقى في المزابل حتى ما يوزعها جيرانه والمحتاجين الذين هم بحاجةٍ إلى لقمة العيش، لا يتفطن لهذا، ملأ بطنه، ولا يسأل عن الناس، النبي صلى الله عليه وسلم مر في طريقه وفيه في الأرض تمرة فأخذها صلى الله عليه وسلم، فأخذها بيده الشريفة، وقال: لو لا أخشى أن تكون من الصدقة لأكلتها ، وقال صلى الله عليه وسلم: إذا سقطت لقمة أحدكم فليأخذها وليُمط ما عليه من الأذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان ، فالمسرف من إخوان الشياطين قال تعالى (وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً* إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً)، فقدوا نعم الله عليكم واشكرها واحترموها ولا تسرفوا فيها ولا تبخلوا بها واعملوا أنه عارية عندكم ستسألون عنها يوم القيامة وستسترد منكم إلى غيركم. [الأنترنت – موقع الشيخ صالح الفوزان ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة التاسعة والسبعون في موضوع
الشكور وهي بعنوان :
*نعمة نكاح الصالحات ثماره وآثاره (والشكرلله)
للنكاح في الإسلام ثمار عديدة، ولنكاح الصالحات ثمار أخص وأعظم؛ ومن تلك الثمار مع النية والاحتساب: أولاً: طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حثه على الزواج ابتداء، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج» [متفق عليه]. وفي التماس هديه وتوجيهه، الخير والبركة في الدنيا والآخرة.
ثانيًا: امتثال أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - وتوجيهه في الزواج بالمرأة الصالحة، فقد قال - صلى الله عليه وسلم - : «تنكح المرأة لأربع»، ثم قال حاثًا على أعلاهن مرتبة وأكملهن عشرة وأعظمهن أثرًا: «عليك بذات الدين تربت يداك» [متفق عليه].
ثالثًا: البعد عما يظن به من عجز أو فجور أو مواضع التهم والسوء، كما قال عمر - رضي الله عنه - : (لا يمنع من النكاح إلا عجز أو فجور). وكان ابن مسعود - رضي الله عنه - يقول: (لو لم يبق من عمري إلا عشرة أيام، لأحببت أن أتزوج لكيلا ألقى الله عزبًا).
رابعًا حصول الذرية الطيبة واستمرار بقاء النسل ونيل الثواب، بسبب الولد الصالح كما قال - صلى الله عليه وسلم - : «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث» وذكر منها: «أو ولد صالح يدعو له» [رواه مسلم]. والولد الصالح نتيجة تربية الأب الصالح والأم الصالحة، بل الأم هي الأقرب في أمر التربية خاصة في سنوات الابن الأولى.
خامسًا: حصول الأجر والمثوبة لكل من الزوجين من إنفاق وإعفاف وإعانة وكلمة طيبة وكف أذى،
ومن ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : «ما كسب الرجل كسبًا أطيب من عمل يده، وما أنفق الرجل على نفسه وأهله، وولده، وخادمه، فهو له صدقة» وقد وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن: «لا يأكل طعامك إلا تقي» وهذا يقع في المرأة الصالحة.
سادسًا: دعاء الزوجة الصالحة لزوجها في صلاتها
وقيامها وقعودها، مع كثرة شكرها لأعمالك وإنفاقك
وإحسانك، فإن ديدن الصالحات شكر من أسدى إليهن معروفًا، كما قال - صلى الله عليه وسلم - : «من أسدى إليكم
معروفًا فكافئوه..».
سابعًا: الثواب الجزيل المترتب على إنجاب الأبناء والصبر على تربيتهم التربية الصالحة وجعلهم دعاة إلى الدين وأعوانًا له، ونكاح الصالحات مظنة إخراج أولئك من تحت يدها بإذن الله - عز وجل - فهي ترى حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «تزوجوا الولود الودود فإني مفاخر بكم الأمم» وليس لدعوات تحديد وإيقاف النسل مكان في عقلها وفكرها وواقع حياتها؛ بل هي تنجب وتربي، فالأمة بحاجة إلى أبناء بررة وبنات صالحات.. وتأمل في سيرة السابقين واللاحقين ودور الأم في تربية الأبناء في حياة والدهم أو بعد وفاته.
ثامنًا: نكاح الصالحات من أسباب حصول الرزق ونزول البركة فيه، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [النور]. قال أبو بكر رضي الله عنه : (أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح،ينجزلكم ماوعدكم من الغنى) وقال علي رضي الله عنه :(التمسوا الغنى بالنكاح)
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثمانون في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
*نعمة نكاح الصالحات ثماره وآثاره (والشكرلله)
تاسعًا: إعانة الله - عز وجل - لمن أراد النكاح فقد قال - صلى الله عليه وسلم - : «ثلاثة حق على الله عونهم» وذكر منهم: «الناكح يريد العفاف»، وقد زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - الرجل الذي لم يجد عليه إلا إزاره، ولم يقدر على خاتم من حديد، ومع هذا فزوجه بتلك المرأة،
وجعل صداقها عليه أن يعلمها ما معه من القرآن.
قال ابن كثير -رحمه الله-: (والمعهود من كرم الله -تعالى- ولطفه أن يرزقه ما فيه كفاية لها وله..)
عاشرًا: إن النكاح عند أهل العلم والفقه الشرعي مقدم على نوافل العبادات، وقد ذهب جمع من الفقهاء إلى أن الزواج يقدم على الحج، مع أن الحج ركن من أركان الإسلام وفيه إعفاف للزوج والزوجة في زمن الفتن.
الحادي عشر: حصول المرأة على الأجر، الأجر المماثل لأجر الرجل المجاهد بحسن تبعلها لزوجها وقيامها على أسرتها، والزوج هو السبب في ذلك
إذا احتسب ونوى ذلك.
الثاني عشر: إن نكاح الصالحات من متاع الدنيا وجمالها وبهائها، فقد قال - صلى الله عليه وسلم - : «الدنيا كلها متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة» [رواه مسلم].
ألق نظرة إلى هذا التفاهم الجميل والانسجام في حياة الأخيار، قال أبو الدرداء لأم الدرداء: (إذا غضبت فرضيني، وإذا غضبت رضيتك، فإذا لم نكن هكذا ما أسرع ما نفترق)[روضة العقلاء، ص122.]
الثالث عشر: المرأة الصالحة تعين على نوائب الدهر وتقلبات الأيام وأمور الدنيا، والأمثلة أكثر من أن تحصى في التاريخ القديم وسير الصالحات في عصرناهذا.
لما رجع النبي - صلى الله عليه وسلم - من غار حراء، بعد أن أتاه الملك، كان فؤاده يرجف خوفًا وفزعًا، فدخل على زوجته الصالحة أم المؤمنين خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- فقال لها: «زملوني! زملوني!» فزملوه حتى ذهب عنه الخوف، ثم قص -عليه الصلاة والسلام- الخبر على خديجة، وقال: «والله لقد خشيت على نفسي»!! فقالت له خديجة بلسان الزوجة الصالحة الناصحة المواسية لزوجها في محنته:
كلا! والله لا يخزيك الله أبدًا؛ إنك لتصل الرحم؛ وتقري الضيف؛ وتحمل الكل؛ وتكسب المعدوم؛ وتعين على نوائب الحق.
ثم انطلقت به خديجة، حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى، ابن عم خديجة وكان امرءًا قد تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخًا كبيرًا قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عم اسمع من ابن أخيك! فقال له ورقة: يا ابن أخي، ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي كان ينزل على موسى!! يا ليتني فيها جذعًا! يا ليتني أكون حيًا إذ يخرجك قومك! فقال الرسول -عليه الصلاة والسلام-: «أومخرجي هم؟» قال: نعم! لم يأت أحد بمثل ما جئت به إلا عودي! وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا!، ثم لم يلبث ورقة أن توفي وفتر الوحي فترة!!
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الواحدة والثمانون في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
*نعمة نكاح الصالحات ثماره وآثاره (والشكرلله)
الرابع عشر: نكاح المرأة الصالحة يعين على الطاعة
وييسر أمر العبادة؛ فإنها ستكون لك صاحبة وقريبة، وبعض الشباب التزم وحسنت حاله إثر زواجه بامرأة صالحة، فانظر ماذا قدمت له! بل إنه أعظم أمر: الدلالة على الخير والتحذير من الشر.
وما أجمل الصورة التي ذكرها الرسول - صلى الله عليه وسلم - للزوجين المتعاونين على الطاعة، روى أبو هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فصلت، فإنه أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت فصلت، وأيقظت زوجها فصلى، فإن أبى نضحت في وجهه الماء» [رواه أبو داود].
الخامس عشر: نكاح الزوجة الصالحة أقرب للسعادة وسير الحياة الأسرية بعيدًا عن التصادم والتنازع، فالزوجة الصالحة امرأة ذات عقل ودين، تعرف للرجل حق القوامة: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ [النساء: 34].قال ابن عباس -رضي الله عنهما-:يعني أمراء عليهن، أي مطيعة فيما أمرها به من طاعته،وطاعته أن تكون محسنة لأهله، حافظة لماله)
وما تمردت المرأة على الرجل وكثر الشقاق والخلاف إلا من كان أمر القوامة عندها مضيعًا، فالأسرة سفينة تمخر عباب الحياة بأكثر من قائد،
فتختل في سيرها ولربما غرقت وضاعت الأسرة.
السادس عشر: حسن الخلق وطيب المعشر تمتاز به الزوجة الصالحة: فإن الزوجة الصالحة تتعبد الله -عز وجل- في طيب المعاملة وحسن التبعل ترجو بذلك وجه الله - عز وجل - والدار الآخرة، قال - صلى الله عليه وسلم - : «أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة» [رواه ابن ماجه].
والزوج يتقرب إلى الله - عز وجل - في معاملة الزوجة، فقد قال - صلى الله عليه وسلم - : «أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا وألطفهم بأهله» [رواه الترمذي].
السابع عشر: الزوجة الصالحة من خير النساء
بشهادة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، فقد سئل أي النساء خير؟ فقال - صلى الله عليه وسلم - : «التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه فيما يكره في نفسها وماله» [رواه أحمد]، وقال - صلى الله عليه وسلم - : «ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيرًا له من زوجة صالحة، إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله» [رواه ابن ماجه].
الثامن عشر: المرأة الصالحة تنظر بعين القرآن وتعاليمه: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾ [الطلاق]، فهي لا ترهق زوجها ولا تشق عليه ولا تحمله ما لا يطيق. وما ظهر الإسراف والتبذير إلا من غير الصالحات حتى أضحى الزوج المسكين يلاحق الأزياء والموديلات وتغيير أثاث منزله كل حين.. فأرهقته الديون وأثقلته الهموم.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثانية والثمانون في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
*نعمة نكاح الصالحات ثماره وآثاره (والشكرلله)
التاسع عشر: إنها امرأة تحتسب الأجر في كل عمل، ولا تخالف الزوج أو تعصيه قال - صلى الله عليه وسلم :إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء؛ لعنتها الملائكة حتى تصبح» [رواه البخاري].
العشرون: الزوجة الصالحة تحفظ الأسرار ولا تنشرها ولا تذيع سر زوجها ولا أسرار حياته، أما سمعتم بالنكت السمجة والعبارات المخلة بالأدب والمروءة، وتلك تتحدث عن فعل زوجها؟! أما الزوجة الصالحة فقد سمعت ووعت قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : «إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة، الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سرها» [رواه مسلم].
الحادي والعشرون: ذكر الله - عز وجل - بعض صفات الصالحات، فقال تعالى: ﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ﴾ [النساء: 4] أي فالصالحات من النساء مطيعات لأزواجهن، تحفظ زوجها في غيبته في نفسها وماله، وتعلم حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنها: «رعاية في بيت زوجها، ومسئولة عن رعيتها». بل حتى في نوافل الطاعات تستأذنه وتطيع أمره، قال - صلى الله عليه وسلم - : «لا تصوم المرأة وبعلها شاهد إلا
بإذنه» [رواه البخاري].
الثاني والعشرون: الزوجة الصالحة امرأة عاقلة تتبع مواضع الرضا من زوجها؛ فلا تشوش ذهنه ولا
تكدر خاطره، وإليك هذه القصة لتعلم ذلك: قال - صلى الله عليه وسلم - : «ألا أخبركم بنسائكم في الجنة؟» قلنا: بلى يا رسول الله، قال: «ولود ودود، إذا غضبت، أو أسيء إليها، أو غضب زوجها، قالت: هذه يدي في يدك لا أكتحل بغمض حتى ترضى» [رواه الطبراني].
ولعل في إيراد قصة أبي طلحة عندما قدم من السفر وما فعلت أم سليم -رضي الله عنهما- أصدق صورة للمرأة الصالحة. فقد مات ابن لأبي طلحة من أم سليم، فقالت لأهلها: لا تحدثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا أحدثه، قال: فجاء فقربت إليه عشاء، فأكل وشرب، ثم تصنعت له أحسن ما كان تصنع قبل ذلك، فوقع بها، فلما رأت أنه قد شبع وأصاب منها، قالت: يا أبا طلحة: أرأيت لو أن قومًا أعاروا عاريتهم أهل بيت، فطلبوا عاريتهم، ألهم أن يمنعوهم؟ قال: لا، قالت: فاحتسب ابنك، فغضب! وقال: تركتني حتى تلطخت، ثم أخبرتني بابني، فانطلق حتى أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بما كان، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «بارك الله لكما في غابر ليلتكما» [رواه الإمام أحمد].
الثالث والعشرون: الزوجة الصالحة امرأة وفية جبلت على ذلك، روي عن نائلة بنت الفرافصة زوجة عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ، وكانت قطعت أصابع يديها، وهي تدافع عنه يوم قتله، أن معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما- خطبها، فقالت: ما يعجب الرجل مني وأصابعي مقلعة؟! فقيل لها: ثناياك، فكسرت ثناياها! وقالت: لا أبغي بعثمان - رضي الله عنه - بديلاً.
ويقول ميمون بن مهران رضي الله عنه: خطب معاوية أم الدرداء -رضي الله عنها- فأبت أن تزوجه وقالت: سمعت أبا الدرداء رضي الله عنه يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم «المرأة لآخر أزواجها» ولست أريد بأبي الدرداء بديلا! بل ذكر أصحاب السير والتراجم: أن فاطمة بنت عبد الملك - رحمه الله - كانت بنت خليفة وزوجة خليفة، وأخت أربعة من الخلفاء، زفت إلى زوجها يوم زفافها، وهي مثقلة بالذهب والمجوهرات والحلي، فلما أراد عمر بن عبد العزيز الخروج من المظالم خيرها بين زوجها وبين خروجها من حليها، فاختارت زوجها فوضع عمر تلك الحلي والمجوهرات في بيت مال المسلمين، ولما توفي أراد من أراد أن تأخذ أموالها وحليها من بيت مال المسلمين، فقالت: ما كنت لأطيعه حيًا،
وأعصيه ميتًا، تعني زوجها عمر بن عبد العزيز.
والزوجة الصالحة حافظة لسرك ومدخلك ومخرجك؛ فلا تفشي سرًا ولا توغر صدرًا ولا تسعى إلا لرضاك بعد رضا الله - عز وجل -.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثالثة والثمانون في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
*نعمة نكاح الصالحات ثماره وآثاره (والشكرلله)
الرابع والعشرون: إن المرأة الصالحة مظنة أن يقع عليها حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس».
والمرأة الصالحة غالبًا ما تكون -بإذن الله- قد نشأت في موطن صلاح ومن أصل طيب، وليست مثل فلانة خضراء الدمن التي حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من الزواج بها، فعن أبي سعيد الخدري موقوفًا: «إياكم وخضراء الدمن!» قالوا: وما خضراء الدمن يا رسول الله؟ قال: «المرأة الحسناء في المنبت السوء» [مسند الشهاب].
الخامس والعشرون: إن اختيار الزوج لزوجته
الصالحة من حقوق أبنائه، فقد سئل عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ما حق الولد على أبيه؟ فقال: (أن ينتقي أمه،ويحسن اسمه، ويعلمه القرآن).
السادس والعشرون: إن المرأة الصالحة نعمة عظيمة تقر بها العين وتهنأ النفس، قال - صلى الله عليه وسلم - : «أربع من أعطيهن فقد أعطي خير الدنيا والآخرة: قلبًا شاكرًا، ولسانًا ذاكرًا، وبدنًا على البلاء صابرًا، وزوجة لا تبغيه حوبًا في نفسها وماله» [رواه ابن ماجه].
وقال - صلى الله عليه وسلم - : «من سعادة ابن آدم ثلاثة، ومن شقوة ابن آدم ثلاثة. من سعادة ابن آدم: المرأة الصالحة، والمسكن الصالح، والمركب الصالح. ومن شقوة ابن آدم: المرأة السوء، والمسكن السوء، والمركب السوء» [رواه أحمد].
السابع والعشرون: المرأة الصالحة تحفظ الرجل في عرضه وماله، لأنها تعلم حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم «لا يحل لها أن تطعم من بيته إلا بإذنه ..» بل ولا تأذن في دخول أحد إلى بيته إلا بإذنه.
عن الشعبي قال: لما مرضت فاطمة بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - ليزورها، فاستأذن فقال لها زوجها علي بن أبي طالب: يا فاطمة، هذا أبو بكر يستأذن عليك! فقالت: أتحب أن آذن له؟ قال: نعم.
قال الذهبي : علمت السنة -رضي الله عنها- فلم تأذن في بيت زوجها إلا بإذنه!! قال: فأذنت له، فدخل عليها يترضاها.. حتى رضيت [ كتاب سير أعلام النبلاء، (1/121).]
الثامن والعشرون: المرأة الصالحة صاحبة قرار في البيت ليست خراجة ولاجة، تمتثل أمر الله - عز وجل -: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ﴾ [الأحزاب: 4]. وفي هذا من الاستقرار وحسن التبعل والبعد عن الفتن ما لا يخفى على عاقل.
التاسع والعشرون: الزوجة الصالحة لا تتطلع إلى ما في أيدي الناس، ولا تقارن حال زوجها بغيره من الأزواج، بل هي في قرارة نفسها راضية بما قسم الله -عز وجل- صابرة على ما أصابها.. صاف ذهنها، قانعة بحالها، وعقلها مستريح، ونفسها طيبة.. واستقرار الصالحات العاطفي واضح جلي، فلا هي تبحث عن كلمة إعجاب ولا ثناء ومحبة من رجل آخر، بل قد قرت عينها ببعلها تخدمه وتنظر مواطن قربه.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الرابعة والثمانون في موضوع الشكور
وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
*نعمة نكاح الصالحات ثماره وآثاره (والشكرلله)
الثلاثون: المرأة الصالحة من منبت طيب، يبحث أهلها عن الزوج الصالح، وليس الهدف التكثر من الأموال في المهر والولائم؛ فقد رضوا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : «أكثر النساء بركة: أيسرهن مؤنة» ومن الصالحات من تزوجت بمهر قليل جدًا ولم تحمل زوجها بعد النكاح ديونًا، ولا أرهقته بطلبات تثقل كاهله وتجعله مهمومًا بالنهار مغمومًا بالليل.
الحادي والثلاثون: إن نزل بالزوج مصيبة الموت وتوفاه الله - عز وجل -، فإنها زوجة وفية تدعو لك بالرحمة والمغفرة، وتسعى لأن تجلب إليك ما يرفع درجتك.
وأذكر أن امرأة تزوجت رجلاً توفي بعد سنوات قليلة من زواجه، فما كان من الزوجة الوفية إلا أن جمعت من راتبها -وهي معلمة- حتى بنت له مسجدًا على مدى ثلاث سنوات.
الثاني والثلاثون: الزوجة الصالحة امرأة مطيعة، تشبع رغبات زوجها العاطفية والنفسية، حتى وهي في أشد حالات العمل؛ لأنها سمعت حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - فأطاعت وامتثلت: «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء؛ لعنتها الملائكة حتى
تصبح» [رواه البخاري].
الثالث والثلاثون: الزوجة الصالحة امرأة خدوم في بيتها وأولادها على قدر استطاعتها.
وحسبك بابنة نبي الأمة فاطمة رضي الله عنها، عندما جاءت إلى أبيها - صلى الله عليه وسلم - تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرحى.. فهذه الأمة وابنة نبي وأثر فيها الرحى خدمة لزوجها وأولادها.
وأخرى من الصالحات هي أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، قالت: تزوجني الزبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء، غير ناضح وغير فرسه، فكنت أعلف فرسه وأستسقي الماء وأخرز غربه وأعجن، ولم أكن أخبز وكان يخبز جارات لي من الأنصار وكن نسوة صدق، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على رأسي وهي مني على ثلثي فرسخ [ الفرسخ نحو خمس كيلومترات. ] [رواه مسلم] ومعنى هذا أنها تحمل الماء على رأسها أكثر من ثلاث كيلومتر ونصف.
الرابع والثلاثون: إن الزوجة الصالحة غضيضة الطرف عن غير زوجها، امتثالاً لأمر الله - عز وجل -:
﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ﴾ [النور: 24]،
ولذلك لديها سكون عاطفي ونفسي، لا تتطلع إليه ولا ترمق سواه. امرأة حيية والحياء لا يأتي إلا بخير.
عن أسماء بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما- قالت: جئت يومًا، والنوى على رأسي فلقيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ومعه نفر من الأنصار، فدعاني -عليه الصلاة والسلام- ثم قال: (إخ!! إخ!!) ليحملني خلفه!! [رواه مسلم]. أي أن النبي عليه الصلاة والسلام، رحمها وأشفق عليها من مشقة الحمل الثقيل الذي تحمله على رأسها، فأراد أن يركبها خلفه على البعير، ليوصلها إلى مقصدها!!].
قالت أسماء: فاستحييت أن أسير مع الرجال!!
وذكرت الزبير وغيرته، وكان من أغير الناس!!
قالت أسماء: فعرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، إني قد استحييت فمضى!! فجئت إلى الزبير فقلت: لقيني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وعلى رأسي النوى، ومعه نفر من أصحابه،فأناخ لأركب،فاستحييت منه، وعرفت غيرتك! [رواه البخاري].
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الخامسة والثمانون في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
*نعمة نكاح الصالحات ثماره وآثاره (والشكرلله)
الخامس والثلاثون: يسرك أن تسمع كلام الله يتلا: ﴿وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ﴾ [النور: 24] فكن أنت وزوجك ممن ذكرهم الله - عز وجل - وجمع بينهم على التقوى والهدى.
السادس والثلاثون: إنها امرأة تحفظ نفسها وعرضها عن شياطين الإنس والجن: علمت أن الخير للمرأة أن لا ترى الرجال ولا يراها الرجال، ولذا فهي لك وحدك، ليس معك شريك في النظر إليها أو محادثتها أو غير ذلك. كانت عتبة فتاة بارعة الجمال، فائقة الحسن والدلال، فعشقها أحدهم وتعلق قلبه بها، فطلب منها أن يراها، ولو مرة واحدة، فأبت عليه وامتنعت، فاشتد تعلقه بها، ومرض واشتد مرضه، ثم مات!! فقيل لها لما مات: ما كان يضرك لو أمتعتيه بوجهك!! فقالت: منعني من ذلك: مخافة القوي الجبار، وخوف العار، وشماتة الجار، وإن بقلبي -أي من الحب والشوق إليه- أضعاف ما بقلبه، غير أني أجد ستره وكتمانه، أبقى للمودة، وأحمد للعاقبة، وأطوع للرب، وأخف للذنب . [ كتاب روضة المحبين، لابن القيم.]
قال إبراهيم بن الجنيد: راود رجل امرأة عن نفسها، في حال خلوة بها، فقالت له: أنت قد سمعت القرآن
والحديث، فأنت أعلم!! قال: فأغلقي الأبواب، فأغلقتها كلها!! فلما دنا منها، قالت له: بقي باب لم أغلقه! فقال لها مستغربًا: أي باب؟! فقالت والدموع تتحدر من عينيها: الباب الذي بينك وبين الله تعالى!! فأفاق الرجل من غفلته، وتركها لله -تعالى-، ولم يتعرض لها بسوء [ كتاب روضة المحبين، لابن القيم، بتصرف.]
وبعض الناس إذا تزوج بامرأة غير صالحة؛ يرتاب في أمرها ويشك في حالها وتنقلب حياته تعاسة ونعيمه بؤسًا، أما الزوجة الصالحة الحافظة لحدود الله - عز وجل - فإنها قرة عين وموطن ثقة ولله الحمد.
إنها منهن في عمر الزهور تسابقت مع زميلاتها في المدرسة وتنافست أعظم منافسة، سعت مع أخواتها في المدرسة إلى حفظ القرآن الكريم فكان لها ذلك بعد جهد ثلاث سنوات وكان المصحف لا يسقط من يدها! ما علمت بعمل يقربها إلى الله زلفى؛ إلا وسارت إليه وتحرت عمله، تصوم الاثنين والخميس، والأيام البيض، أما قيام الليل فهو بساعات طوال!
لما يسر الله - عز وجل - وأنهت الدراسة الجامعية ونالت مرتبًا شهريًا.. فرحت به.. ليس للمال بل محبة في الإنفاق.. تسارع إلى والدتها تلبي حاجتها، وتسر في أذن قريبتها: ماذا تريد؟ أما أبواب الخير الأخرى فهي أمامها مشرعة، والعجب جمع الله لها بين الأدب الرفيع والخلق الحسن.. وجميل الحديث صفة من بعض صفاتها.. إن هذه الدرة المصونة والياقوتة المتلألئة قد قاربت الثلاثين ولم تتزوج، والأخرى قاربت الأربعين، والثالثة بينهما عمرًا وسنًا.
أين من يتسابقون إلى مثلهن، وتهفو قلوبهم إلى الصالحات؟ لقد أبعدهن لسواد في بشرتها، أو قصر سنتمترات في طولها، أو ضعف في بصرها..
أما تلك الشابة الصالحة؛ فنسيت في بيت والدها مع أنها تحمل كتاب الله - عز وجل - في صدرها.. والسبب أنها مطلقة ،ليس معنى هذا أن الصالحات قبيحات دميمات، بل هن من قد جمع الله لهن جمال الخلقة وجمال الخلق.
وقد اختار الإمام أحمد بن حنبل عوراء على أختها، وكانت أختها جميلة، فسأل عن أعقلهما؟ فقيل: العوراء، فقال: (زوجوني إياها) [ الإحياء: (3/131).]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السادسة والثمانون في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
*نعمة نكاح الصالحات ثماره وآثاره (والشكرلله)
وقال شميط بن عجلان: رحم الله رجلاً تبلغ بامرأة وإن كانت نصفًا، وكان في وجهها رداءة، إن كان موقنًا بنساء أهل الجنة [المرجع السابق.]
وكان مالك بن دينار رحمه الله، يقول: (يترك أحدكم أن يتزوج يتيمة فيؤجر فيها إن أطعمها وكساها، تكون خفيفة المؤنة،ترضى باليسير،ويتزوج بنت فلان وفلان يعني أبناء الدنيا،فتشتهي عليه الشهوات وتقول: اكسني بكذا وكذا) [ الإحياء: (2/44).]
تجارب : قال يحيى بن يحيى: كنت عند سفيان بن عيينة، إذ جاء رجل فقال: يا أبا محمد أشكو إليك من فلانة -يعني امرأته- أنا أذل الأشياء عندها وأحقرها، فأطرق سفيان مليًا ثم رفع رأسه فقال: لعلك رغبت إليها لتزداد عزًا؟ فقال: نعم يا أبا محمد، قال: من طلب العز ابتلي بالذل، ومن طلب المال ابتلي بالفقر، ومن طلب الدين جمع الله له العز والمال مع الدين.
ثم أنشأ يحدثه فقال: كنا إخوة أربعة: محمد وعمران وإبراهيم وأنا، فمحمد أكبرنا وعمران أصغرنا، وكنت
أوسطهم؛ فلما أراد محمد أن يتزوج رغب في الحسب فتزوج من هي أكبر منه حسبًا فابتلاه الله بالذل، وعمران رغب في المال فتزوج من هي أكثر منه مالاً فابتلاه الله بالفقر، وأخذوا ما في يديه ولم يعطوه شيئًا، فقدم علينا عمران بن راشد، فشاورته وقصصت عليه قصة إخوتي، فذكرني حديث يحيى بن يحيى بن جعدة وحديث عائشة، فأما حديث يحيى بن جعدة، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «تنكح المرأة على أربع: على دينها وحسبها ومالها وجمالها، فعليك بذات الدين تربت يداك» وحديث عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة» فاخترت لنفسي الدين وتخفيف الظهر اقتداء بسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، فجمع الله لي العز والمال مع الدين [ حلية الأولياء: (7/289).]
نماذج من ثمار نكاح الصالحات :
ذكر أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - نهى في خلافته عن مذق اللبن بالماء (أي مزجه به) فخرج ذات ليلة في حواشي المدينة، فإذا بامرأة تقول لابنةٍ لها: ألا تمذقين لبنك فقد أصبحت؟
فقالت الجارية: كيف أمذق، وقد نهى أمير المؤمنين عن المذق؟ فقالت: قد مذق الناس فامذقي، فما يدري أمير المؤمنين. فقالت: إن كان عمر لا يعلم، فاالله يعلم، ما كنت لأفعله وقد نهى عنه.
فوقعت مقالتها من عمر، فلما أصبح دعا عاصمًا ابنه فقال: يا بني اذهب إلى موضع كذا وكذا، فاسأل عن الجارية -ووصفها له- فذهب عاصم، فإذا هي جارية من بني هلال، فقال له عمر: اذهب يا بني فتزوجها، فما أحراها أن تأتي بفارس يسود العرب، فتزوجها عاصم بن عمر فولدت له أم عاصم بنت عاصم بن عمر ابن الخطاب، فتزوجها عبد العزيز بن مروان بن الحكم، فأتت بالخليفة عمر بن عبد العزيز[ سيرة عمر بن عبد العزيز، لابن عبد الحكم، (ص22، 23).]
خطب أبو طلحة أم سليم قبل أن يسلم، فقالت: ما مثلك يرد، ولكنك رجل كافر وأنا امرأة مسلمة، فإن تسلم فذلك مهري لا أسألك غيره، فأسلم وتزوجها.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السابعة والثمانون في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
*نعمة نكاح الصالحات ثماره وآثاره (والشكرلله)
أخرج ابن أبي شيبة عن الشعبي: أن امرأة دفعت إلى ابنها يوم أحد السيف فلم يطق حمله، فشدته على ساعدة بنسعة، ثم أتت به النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، هذا ابني يقاتل عنك، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أي بني، احمل هاهنا، احمل هاهنا» فأصابته جراح فانصرع، فأتى به النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «أي بني لعلك جزعت» قال: لا يا
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
عن عبد الله بن مسعود قال: لما نزل قول الله تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً﴾ [البقرة: 245] قال أبو الدحداح الأنصاري: يا رسول الله، وإن الله - عز وجل - ليريد منا القرض؟ قال: «نعم يا أبا الدحداح» قال: أرني يدك يا رسول الله، قال: فناوله يده، فإني قد أقرضت ربي -عز وجل- حائطي قال: وحائط له فيه ستمائة نخلة، وأم الدحداح فيه وعيالها، قال: فجاء أبو الدحداح فنادها: يا أم الدحداح، قالت: لبيك، قال: اخرجي، فقد أقرضته ربي -عز وجل-، فحملت ما لها من متاع، وكان بيد أحد أبنائها تمرة فألقتها من يده وخرجت مع صغارها[ انظر تفسير ابن كثير، (1/299).]
قال الإمام أحمد -رحمه الله- عن زوجته عباسة بنت الفضل: أقامت معي ثلاثين سنة، فما اختلفت أنا وهي في كلمة، ثم ماتت رحمها الله.
وكان ببغداد رجل بزاز[ البزاز: بائع البز، والبز: الثياب أو متاع البيت من الثياب ونحوها.] له ثروة، فبينا هو في حانوته أقبلت إليه صبية فالتمست منه شيئًا تشتريه، فبينا هي تحادثه كشفت وجهها في خلال ذلك، فتحير، وقال: قد
والله تحيرت مما رأيت. فقالت: ما جئت لأشتري شيئًا، إنما لي أيام أتردد إلى السوق ليقع بقلبي رجل أتزوجه، وقد وقعت أنت بقلبي، ولي مال، فهل لك في التزوج بي؟ فقال لها: لي ابنة عم وهي زوجتي، وقد عاهدتها ألا أغيرها، ولي منها ولد. فقالت: وقد رضيت أن تجيء إلي في الأسبوع نوبتين، فرضي، وقام معها، فعقد العقد ومضى إلى منزلها، فدخل بها. ثم ذهب إلى منزله، فقال لزوجته: إن بعض أصدقائي قد سألني أن أكون الليلة عنده. ومضى، فبات عندها، وكان يمضي كل يوم بعد الظهر إليها. فبقي على هذا ثمانية أشهر.
فأنكرت ابنة عمه أحواله، فقالت لجارية لها: إذا خرج فانظري أين يمضي؟ فتبعته الجارية، فجاء إلى الدكان، فلما جاءت صلاة الظهر قام، وتبعته الجارية، وهو لا يدري، إلى أن دخل بيت تلك المرأة. فجاءت الجارية إلى الجيران فسألتهم: لمن هذه الدار؟ فقالوا: لصبية قد تزوجت برجل تاجر بزاز.
فعادت إلى سيدتها، فأخبرتها، فقالت لها: إياك أن يعلم بهذا أحد، ولم تظهر لزوجها شيئًا.
فأقام الرجل تمام السنة، ثم مرض، ومات، وخلف ثمانية آلاف دينار، فعمدت المرأة التي هي ابنة عمه إلى ما يستحقه الولد من التركة، وهو سبعة آلاف دينار، فأفردتها وقسمت الألف الباقية نصفين، وتركت النصف في كيس، وقالت للجارية: خذي هذا الكيس واذهبي إلى بيت المرأة، وأعلميها أن الرجل مات، وقد خلف ثمانية آلاف دينار، وقد أخذ الابن سبعة آلاف بحقه، وبقيت ألف فقسمتها بيني وبينك، وهذا حقك، وسلميه إليها، فمضت الجارية، فطرقت عليها الباب، ودخلت، وأخبرتها خبر الرجل، وحدثتها بموته، وأعلمتها الحال، فبكت، وفتحت صندوقها وأخرجت منه رقعة وقالت للجارية: عودي إلى سيدتك، وسلمي عليها عني، وأعلميها أن الرجل طلقني، وكتب لي براءة، وردي عليها هذا المال، فإني ما استحق في تركته شيئًا [ صفة الصفوة: (2/532).]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثامنة والثمانون في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
*نعمة نكاح الصالحات ثماره وآثاره (والشكرلله)
وقد ذكر ابن أبي الدنيا في كتابه [الورع]؛ قال العباس بن سهم: إن امرأة من الصالحات أتاها نعي زوجها وهي تعجن، فرفعت يديها من العجين، وقالت: هذا طعام قد صار لنا فيه شريك [أي الورثة].
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: كنت مع أبي يومًا من الأيام في المنزل، فدق الباب، وقال لي: اخرج انظر من بالباب، قال: فخرجت فإذا امرأة، قالت لي: أستأذن على أبي عبد الله تعني أباه، قال: فاستأذنت، فقال: ادخلها، فدخلت فجلست، فسلمت عليه، وقالت له: يا أبا عبد الله أنا امرأة أغزل بالليل في السراج فربما طفئ السراج فأغزل في القمر، فعلي أن أبين غزل القمر من غزل السراج؟ قال: فقال لها: إن كان عندك بينهما فرق فعليك أن تبيني ذلك، قال: قالت له: يا أبا عبد الله، أنين المرض شكوى؟ قال: أرجو أن لا يكون شكوى، ولكنه اشتكاه إلى الله، قال: فودعته وخرجت، قال: فقال لي: يا بني، ما سمعت قط إنسانًا يسأل عن مثل هذا، اتبع هذه المرأة فانظر أين تدخل؟ قال: فتبعتها، فإذا هي قد دخلت إلى بيت بشر بن الحارث، وإذا هي أخته، قال: فرجعت فقلت له، فقال: محال أن تكون مثل هذه إلا أخت بشر[ طبقات الحنابلة: (ص427).]
من ثمار وآثار زواج الصالحات حفظ ورعاية الأبناء
في حياة الأب وبعد مماته، وإليك نماذج تبين دور
المرأة المسلمة في تربية قادة الأمة وعلمائها وعظمائها:
- الإمام الثقة الثبت، أمام أهل الشام وفقيههم: أبو عمرو الأوزاعي -رحمه الله- قال عنه النووي: وقد أجمع العلماء على إمامة الأوزاعي، وجلالته وعلو مرتبته، وكمال فضله، وأقاويل السلف -رحمهم الله- كثيرة مشهورة، مصرحة بورعه وزهده وعبادته وقيامه بالحق وكثرة حديثه وغزارة فقهه، وشدة تمسكه بالسنة، وبراعته في الفصاحة، وإجلال أعيان أئمة عصره من الأقطار له واعترافهم بمرتبته اهـ.
ذلك الحبر البحر كان أيضًا ثمرة أم عظيمة!! هي التي رعته وربته بعد وفاة والده.
وهذا ربيعة الرأي -رحمه الله- شيخ الإمام مالك بن أنس -رحمه الله- سافر أبوه للغزو والجهاد في سبيل الله، وهو جنين في بطن أمه، ثم غاب ولم يعد، وترك عند زوجته ثلاثين ألف دينار، فأنفقتها تلك الأم الفاضلة في تعليم ولدها وتفقيهه في دينه، حتى صار ذلك الابن ربيعة الرأي شيخ أهل المدينة، وعالمها المقدم ومفتيها وفقيهها!!
وهذا الإمام مالك بن أنس -رحمه الله- إمام دار الهجرة، وصاحب الكتاب العظيم [الموطأ] وهو الذي كانت تشد له المطايا من أقطار الدنيا، طلبًا لعلمه وفتواه، وهو كانت تهابه الملوك والسلاطين!!
هذا الإمام الجليل، كان ثمرة أم فاضلة، يسرت له سبل طلب العلم، وحثته عليه، وربته على تحصيله، واسمع إلى الإمام مالك وهو يحكي ذلك فيقول: قلت لأمي: أذهب فأكتب العلم؟ فقالت لي: تعال فالبس ثياب العلم!! قال: فألبستني مسمرة! ووضعت الطويلة على رأسي، وعممتني فوقها، ثم قالت لي: اذهب فاكتب العلم الآن!! وكانت تقول لي: اذهب إلى ربيعة الرأي، فتعلم من أدبه قبل علمه!!
وهذا الإمام الشافعي محمد بن إدريس -رحمه الله- كان ثمرة مباركة لأم صالحة عظيمة، فقد مات أبوه،
وهو جنين أو رضيع فتولته أمه بعنايتها، وأشرفت
عليه بحكمتها، وكانت امرأة عاقلة فاضلة، من فضليات عقائل الأزد، وكانت -رحمها الله-، باتفاق النقلة من العابدات القانتات، ومن أزكى الخلق فطرة [كتاب (عودة الحجاب) لمحمد بن إسماعيل، (2/204) بتصرف.]
قال عبد الوهاب بن عطاء الخفاف: حدثني مشايخ أهل المدينة أن فروخًا أبا عبد الرحمن بن ربيعة رحمه الله، خرج في البعوث الغازية إلى خراسان أيام بني أمية، وكان ولده ربيعة يومئذ جنينًا في بطن أمه!! وخلف عند زوجته أم ربيعة ثلاثين ألف دينار!! فغاب عن المدينة فترة طويلة من السنين، ثم قدمها بعد سبع وعشرين سنة!! وهو راكب فرسًا وفي يده رمح، فلما وصل المدينة توجه إلى منزله، ودفع الباب برمحه، دخل الدار!! فخرج إليه ربيعة وهو لا يدري أنه أبوه، وقال له: يا عدو الله، أتهجم على منزلي؟ فقال فروخ: يا عدو الله، بل أنت الذي دخلت على زوجتي في بيتي!
فتواثبا وأمسك كل منهما برقبة الآخر، يريد أن يضربه، وارتفعت أصواتهما، حتى اجتمع الجيران، فبلغ الخبر مالك بن أنس -رحمه الله- والمشيخة، فأتوا يعينون شيخهم ربيعة على هذا المعتدي على بيته!! وجعل ربيعة يقول: والله لا فارقتك إلا عند السلطان. وجعل فروخ يقول: والله لا فارقتك إلا بالسلطان، وأنت مع امرأتي!! وكثر الضجيج!! فلما أبصروا الإمام مالك سكتوا، فقال مالك لفروخ: أيها الشيخ: لك سمعة في غير هذه الدار!! فقال فروخ: هي داري، وأنا فروخ. فسمعت امرأته كلامه!! فخرجت وقالت: هذا زوجي وهذا ابني الذي خلفه وأنا حامل به، فاعتنقا جميعًا فروخ وولده ربيعة وجعلا يبكيان!!
فدخل فروخ المنزل وقال لزوجته: هذا ابني الذي تركته في بطنك جنينًا؟ فقالت: نعم!! فقال لها: أخرجي المال الذي تركته عندك!! وهذه معي أربعة آلاف دينار فقالت: لقد دفنته وأنا أخرجه لك بعد أيام. ثم خرج ربيعة إلى المسجد وجلس في حلقته، فأتاه مالك والحسن بن زيد وابن أبي علي وأشراف أهل المدينة يطلبون العلم على يديه، وأحدق الناس به!!
فقالت أم ربيعة لزوجها فروخ: اخرج فصل في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ فخرج إلى المسجد، فنظر إلى حلقة وافرة ممتلئة بالطلاب!! فأتاها فوقف عليها، فأفسحوا له قليلاً، فجلس ليسمع العلم، فنكس ربيعة رأسه يوهمه أنه لم يره.
ولكن الأب حين سمع صوت الشيخ المتكلم، فقالوا له: هذا ربيعة بن أبي عبد الرحمن!! فقال: قد رفع الله ابني! ورجع إلى منزله وقال لزوجته: والله لقد رأيت ولدك على حالة ما رأيت أحدًا من أهل العلم والفقه عليها!! فقالت له زوجته: فأيهما أحب إليك ثلاثون ألف دينار، أو هذا الذي هو فيه؟! فقال: لا والله، بل هذا الذي هو فيه (أي من العلم والمكانة).
فقالت: فإني قد أنفقت كل المال الذي تركته عندي عليه!! فقال: فوالله ما ضيعته [وفيات الأعيان: (2/290).]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة التاسعة والثمانون في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
*نعمة نكاح الصالحات ثماره وآثاره (والشكرلله)
*أين تجد الصالحات؟
لا شك أن نفسك تاقت للفتاة المصون من صالحات هذه الأمة، والسؤال منك بدأ يرتفع في لهف وشوق: أين أجد هذه؟ وأين منبتها؟
كل تلك الأسئلة تدور في ذهن المسلم العاقل الرزين. بل تتواتر مثل تلك الأسئلة أو أكثر؛ إذا أراد شراء منزل أو سيارة، فما باله يبخس نفسه وذريته حق السؤال والمتابعة والتدقيق؟!
أخي الشاب : جعل الله - عز وجل - علامات وأماكن لأهل الخير والصلاح، وكذلك لأهل الفسق والمجون؛ فأماكن الصالحات في قعر البيوت لا يعرفن الخروج إلا لضرورة، إن رأيتها في سوق أو شارع فإذا بها ممتثلة أمر الله - عز وجل - ورسوله في الحجاب.
تجدها في مصليات المدارس والجامعات، وتجدها في دور التحفيظ النسائية، وتجدها في مدارس تحفيظ القرآن للبنات، وتجدها عند الخيرات من أمثالها، فالطيور على أشباهها تقع.
تجد الصالحات في بيوت أهل العلم والدين والخير والنبلاء، تتلألأ بهن تلك البيوت ولله الحمد.
ومن نعم الله أن كثرة الالتزام في الفتيات ليس له
حد، بل قد يفوق عددهن على الشباب خلال هذه العشرة سنوات، بجهد بسيط تجد بغيتك، وبسؤال عابر تحقق أمنيتك.
أنموذج من الصالحات :
التقى الشعبي -رحمه الله- مع شريح القاضي -رحمه الله- ذات مرة، فسأل الشعبي شريحًا، عن حاله في بيته، فقال له شريح: من عشرين عامًا لم أر ما يغضبني من أهلي!! فقال له الشعبي: وكيف ذلك؟ فقال شريح: من أول ليلة دخلت على امرأتي، رأيت فيها حسنًا وجمالاً نادرًا، فقلت في نفسي: فلأطهر وأصلي ركعتين شكرًا لله!! فلما سلمت من
صلاتي، وجدت زوجتي تصلي بصلاتي، تسلم بسلامي.
فلما خلا البيت من الأصحاب والأصدقاء، قمت إليها، اقتربت منها، لأصيب منها ما يصيب الرجل من زوجته، فقالت لي: على رسلك يا أبا أمية!! كما أنت!! ثم قالت: الحمد لله، أحمده وأستعينه، وأصلي على محمد وآله، إني امرأة غريبة عنك!! لا علم لي بأخلاقك!! فبين لي ما تحب أن آتيه فآتيه، وما تكره فأتركه!! ثم قالت: إنه كان في قومك من تتزوجه من نسائكم وفي قومي من الرجال من هو كفء لي!! ولكن إذا قضى الله أمرًا كان مفعولاً!! قد ملكت فاصنع ما أمرك الله به: إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان!! أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولك!!
قال شريح: فأحوجتني -والله يا شعبي- إلى الخطبة في ذلك الموضع، فقلت: الحمد لله، أحمده وأستعينه ، وأصلي على النبي وآله وأسلم، وبعد: فإنك قلت كلامًا إن ثبت عليه يكن ذلك حظك!! (أي يكن خيرًا كثيرًا لك) وإن تدعيه يكن حجة عليك!!
ثم قال: وإني أحب كذا وكذا، وكذا وكذا، وأكره كذا وكذا، وما رأيت من حسنة فانشريها!! وما رأيت من سيئة فاستريها!! فقالت لي: كيف محبتك لزيارة أهلي؟ فقلت: ما أحب أن يملني أصهاري!! (لا أحب أن يكثروا من الزيارة باستمرار فأمل منهم). فقالت: فمن تحب من جيرانك، أن يدخل دارك فآذن له؟ ومن تكره فأكره؟
فقلت: بنو فلان قوم صالحون، وبنو فلان قوم صالحون، فأذني لهم!! وأما بنو فلان وبنو فلان فقوم سوء، فلا تأذني لهم!! قال شريح: فبت معها تلك الليلة بأنعم ليلة!! وعشت معها عامًا كاملاً، لا أرى منها إلا ما أحب وأتمنى. فلما كان رأس السنة الجديدة، رجعت من مجلس القضاء إلى بيتي، فإذا بفلانة في بيتي!! فقلت: من هذه المرأة؟ فقالوا: ختنك -أي أم زوجتك-!! فالتفتت إلي وسألتني:
كيف رأيت زوجتك يا أبا أمية؟فقلت:خير زوجة!
فقالت: يا أبا أمية، إن المرأة لا تكون أسوأ حالاً منها في حالين:
إذا ولدت غلامًا، أو حظيت عند زوجها!! (أي شعرت بحبه وتعلقه بها) فوالله، ما حاز الرجال في بيوتهم شرًا من المرأة المدللة!! فأدب ما شئت أن تؤدب!! وهذب ما شئت أن تهذب!!
قال شريح: فمكثت معي تلك المرأة عشرين عامًا، لم أعقب عليها في شيء إلا مرة واحدة، وكنت فيها مخطئًا!! ثم ماتت -رحمها الله-.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة التسعون في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
*نعمة نكاح الصالحات ثماره وآثاره (والشكرلله)
وقفة :
قيل لأبي عثمان النيسابوري:ما أرجى عمل عندك؟ قال: كنت في صبوتي يجتهد أهلي أن أتزوج فآبى، فجاءتني امرأة فقالت: يا أبا عثمان! أسألك بالله أن تتزوجني، فأحضرت -أباها- وكان فقيرًا فزوجني منها، وفرح بذلك، فلما دخلت إلي رأيتها عوراء عرجاء مشوهة!! قال: وكانت لمحبتها لي تمنعني من الخروج، فأقعد حفظًا لقلبها، ولا أظهر لها من البغض شيئًا، وإني على جمر الغضى من بغضها، قال: فبقيت هكذا خمس عشرة سنة حتى ماتت، فما من عملي شيء هو أرجى عندي من حفظي لقلبها[ صيد الخاطر: (ص349).]
همسة : أخي الشاب: لابد من توفر شروط الاستقامة في شخصك حتى تفوز بيد الزوجة الصالحة، فهي تبحث عن رجل صالح خلقه القرآن، يمتثل لأمر الله - عز وجل - وأمر رسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم - .. وأني للاهٍ ساهٍ أن يخطب الحسناء.. ومن يخطب الحسناء لم يغلها المهر.. ومن أول ثمار تفكيرك بالزواج من امرأة صالحة أنك تفكر في إصلاح نفسك.. وهذه نعمة عظيمة وبداية للخير سديدة. جمع الله بينكما على خير، ورزقكما الذرية الصالحة في دوحة هنية سعيدة.
أخي الحبيب : لن تندم أبدًا وأنت تطيع أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - في قوله: «عليك بذات الدين تربت يداك» فقر عينًا، وأكثر من الدعاء بصلاح الذرية! [الأنترنت – موقع نكاح الصالحات ثماره وآثاره - د. عبد الملك القاسم ]
*نعمة البيت المسلم : نعمة من نِعَم الله - تعالى - على عباده في هذه الحياة، أنْ هيَّأ لهم الأُسرَ والبيوتات، ومنَّ عليهم بالسكن والتجمعات، وجعلها سكنًا ورحمةً، ولباسًا وموَّدة، يتفيَّأ المسلم خلالها عن الحر, ويستدفئُ بها من البرد، وتسترُه عن الأنظار، وتحصنُه من الأعداء.
قال - سبحانه وتعالى -: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} [النحل: 80].
قال الحافظُ ابنُ كثير - رحمه الله تعالى -: "يذكر - تبارك وتعالى - تمامَ نِعَمه على عبيده، بما جعل لهم من البيوت، التي هي سكن لهم، يأوون إليها ويستترون، وينتفعون بها سائر وجوه الانتفاع".
لقد جعل الله - تعالى - البيوت سكنًا يأوي إليها أهلُها، تطمئنُّ فيها النفوسُ, وتأمنُ فيها الحرماتُ، وتسترُ فيها الأعراض، ويتربَّى في كنفها الأجيال، وهو - سبحانه وتعالى - يريد بذلك من البيوت أن تكون قلاعَ خيرٍ ومحبةٍ ووئامٍ، وحصونَ برٍّ وحنانٍ وأمانٍ, وديارَ خيرٍ وفضيلة وإحسانٍ.
ويدرك المسلم - يا رعاكم الله - قدرَ نعمة السكن والمأوى على بني آدم، حينما يرى أحوال مَن سُلبوا هذه النعمةَ، من المشرَّدين واللاجئين من إخواننا في العقيدة والدين, الذين يعيشون في الملاجئ، أو على أرصفة الشوارع،حينها يعلم يقينًا معنى التشتُّتِ
والحرمان،الناجمينِ عن فقد السكن والمأوى.
كما يدرك المسلم هذه النعمةَ عندما يرى إخوانه في العقيدة في بلادٍ منكوبةٍ من العالم الإسلامي، يتضوَّرون جوعًا في الزمهرير القارس، والحَرِّ المهلك، لا يجدون ملجأً ولا مسكنًا كريمًا، يعيشون أمضَّ عيشةٍ، بلا راحةٍ ولا هدوءٍ، ولا سعادةٍ ولا اطمئنانٍ، استولى الأعداء على بلادهم، فهدَّموا منازلهم، وأقضُّوا مضاجعهم، وكدَّروا ما صفا من عيشهم، والله المستعان، كما تبرز عظمةُ هذه النعمة - نعمةِ السكنِ والمأوى - أمام المسافر واضحةً جليةً، حيث بيَّن ذلك المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بقوله: ((السفر قطعة من العذاب، فإذا قضى أحدكم نَهْمَتَهُ من سفره، فليُعجِّل الرجوع إلى أهله))؛ رواه البخاري ومسلم.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الواحدة والتسعون في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
نعمة السكن : ومن هنا جاء الاهتمام العظيم في الإسلام بإصلاح البيوت؛ لأن الأسرة هي الدِّعامة الأساس في صرح الأمة، واللبنة الأولى في تكوين المجتمع، فعلى قدر ما تكون اللبنة قويةً يكون البناء راسخًا منيعًا، وكلما كانت ضعيفة كان البناء واهيًا، آيلاً للانهيار والتصدع.
البيت المسلم هو المدرسة الأولى التي يتخرج منها الأعضاءُ الفاعلون في المجتمع، سلبًا أو إيجابًا، ساسةٌ وقادة، علماءُ وقضاةٌ، مربونَ ودعاةٌ، وطلاب ومجاهدون، وزوجاتٌ صالحاتٌ، وأمهاتٌ مربياتٌ.
لقد سعى الإسلام سعيًا حثيثًا لإصلاح الأسر والبيوت، وبدأ ذلك بالأسس التي يتكوَّن منها البيت المسلم، وفي مقدمة ذلك اختيارُ الزوجة ذاتِ الصلاحِ والدينِ؛ لأنها - بإذن الله تعالى - أهمُّ عوامل الإصلاح للبيت بعد الرجل؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((تنكح المرأة لأربعٍ: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربتْ يداك))؛ متفق عليه، وقال عليه الصلاة والسلام الدنيا متاع،وخير متاعها الزوجة الصالحة) رواه مسلم.
وهذا من جانب الزوج، وأما من ناحية الزوجة فقد أرشدَ الإسلام الأولياءَ إلى اختيار الزوج الصالح، ذي الخُلقِ القويم، والدين المستقيم؛ قال - صلى الله عليه وسلم (إذا أتاكم مَن ترضَوْنَ خُلقه ودِينه، فزوِّجوه، إلاَّ تفعلوا تكنْ فتنةٌ في الأرض وفسادٌ عريضٌ) رواه ابن ماجه، وهو صحيح.
وباجتماع الزوج الصالح والزوجة الصالحة، يُبنى البيتُ الصالح - بإذن الله تعالى - فـ{وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ}[الأعراف: 58] .كما أمر الإسلام بإحياء البيوت بذكر الله – تعالى - قراءةً لكتاب الله، وصلاةً، وعبادةً، وذكرًا؛ ولذلك كان من سنته - صلى الله عليه وسلم - صلاةُ النافلة في بيته؛ فعن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تتخذوها قبورًا))؛ متفق عليه.
وفي هذا دلالة واضحة على أنه يجب على المسلم أن
يجعل في بيته نصيبًا من العبادة، لا سيما الصلاة؛ لتعليم أبنائه وأهله الصلاةَ، وتعويدهم عليها، ونتذكر في هذا المقام أيضًا محرابَ مريمَ، وهو مكان عبادتها، الذي قال الله فيه: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا} [آل عمران: 37].
وإن بيتًا يُنشَّأ على طاعة الله - أيها الأخوة - لحريٌّ به أن يكون بيتًا إيمانيًّا، يعظُمُ ثوابُ أهله، ويصفو عيشهم؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((رحم الله رجلاً قام من الليل فصلَّى، فأيقظ امرأته فصلَّتْ، فإن أبتْ نَضَحَ في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلَّت، فأيقظت زوجها، فإن أبى نضحتْ في وجهه الماء))؛ رواه أحمد وأبو داود، وقالت عائشة - رضي الله تعالى عنها -: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي مِن الليل، فإذا أوتر قال: ((قُومي - يا عائشةُ - فأوتري))؛ رواه مسلم.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثانية والتسعون في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
نعمة السكن :
البيت المسلم حريصٌ أهلُه على الصلاة جماعة، يخرجون إليها مبكِّرين؛ قال - تعالى -: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43]، قال عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه -: "حافظوا على أبنائكم في الصلاة، وعوِّدهم الخير، فإن الخير عادة"؛ رواه البيهقي.
البيت المسلم معطر بذكر الله وقراءة القرآن، محصن من الشيطان، وقد رغَّب - صلى الله عليه وسلم - في قراءة القرآن في البيوت، لا سيما سورة البقرة؛ لأن قراءتها في البيت تطردُ عنه الشياطين - بإذن الله تعالى - قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تجعلوا بيوتكم مقابرَ, إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة))؛ رواه مسلم، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا دخل الرجل بيتَه، فذَكَر اسم الله - تعالى - حين يدخل وحين يَطعم - قال الشيطان - يعني لأصحابه -: لا مبيتَ لكم ولا عشاء ها هنا، وإن دخل فلم يَذكُر اسم الله عند دخوله، قال: أدركتم المبيت، وإن لم يذكر اسم الله عند مطعمه، قال: أدركتم المبيت والعشاء))؛ رواه مسلم وأحمد، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا خرج الرجل من بيته فقال: بسم الله، توكَّلتُ على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، فيقال له: حسبك، قد هديت، وكُفِيت، ووُقِيت، فيتنحى له الشيطان، فيقول له شيطان آخر: كيف لك برجلٍ قد هُدي، وكُفي، ووُقي؟!)؛ رواه أبو داود والترمذي، وهو في "صحيح الجامع" رقم 499.
كما بيَّن - صلى الله عليه وسلم - الفرقَ بين البيت الذي يُذكر الله فيه، والبيتِ الذي لا يُذكر الله فيه، فقال: ((مَثلُ البيت الذي يُذكر الله فيه، والذي لا يذكر الله مَثلُ الحي والميت))؛ رواه البخاري ومسلم.
وكم في بيوت المسلمين من بيوت ميتة؛ بل هي في الحقيقة مأوى للجن والشياطين، بعيدةٌ عن ذكر الله، مليئةٌ بالفساد والمنكرات، لا يُسمعُ فيها إلا مزاميرُ الشياطين، وأصواتُ المطربين والمطربات؛ {إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان: 19]، وما أقبحَ البيوتَ إذا خلتْ من ذكر الله، فاجتالتْها الشياطينُ، وعششت فيها وفرخت، فصارت قبورًا موحشةً، وأطلالاً خربةً، فعميت قلوبُ ساكنيها، وابتعدت عنها الملائكة.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثالثة والتسعون في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
نعمة السكن :
البيت المسلم مأمور بحسن الجوار؛ قال – تعالى -: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} [النساء: 36]، وقال صلى الله عليه وسلم :(ما زال جبريل يوصيني بالجار، حتى ظننت أنه سيُوَرِّثه))، والإحسان إلى الجار يكون بالسلام عليه، والبشاشة في وجهه، وتعهده بالزيارة، وإسداء الهدية والنصح له، والفرح لفرحه، والتألم لألمه، وكف الأذى عنه؛ قال صلى الله عليه وسلم : ليس منا مِن لم يأمَن جارُه بوائقَه)
البيت المسلم مطهر من صوت إبليس؛قال – تعالى
-: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} [الإسراء: 64]، قال مجاهد: صوت الشيطان الغناء، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((ليكوننَّ من أمتي أقوام يستحلُّون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف))؛ رواه البخاري، قال الوليد بن يزيد: "إياكم والغناءَ؛ فإنه يَنقص الحياءَ، ويزيد الشهوة، ويهدم المروءة، وإنه لَيَنوبُ عن الخمر، ويفعل ما يفعله السكر"، وقال الإمام أبو حنيفة: الاستماع إلى الأغاني فسق، قال مالك: إنما يفعله الفساق، قال الإمام أحمد: "الغناء يُنْبِت النفاق في القلب، لا يعجبني".
البيت المسلم مُطَهَّر من التصاليب؛ لأنها شعار
النصارى؛ قالت عائشة - رضي الله عنها -: "لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يترك في بيته شيئًا فيه تصاليب إلا نقضه"؛ رواه البخاري وأبو داود، وقد انتشرت التصاليب في بيوت المسلمين في السجاد، والستائر، ونقوش الحائط، فتنبَّه ولا تكن من الغافلين.
البيت المسلم سليم من المخالفات التي نهى عنها اللهُ ورسوله؛ عن أبي طلحة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا صورةٌ)؛ متفق عليه.
وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((مَن اقتنى كلبًا، إلا كلبَ صيدٍ أو ماشيةٍ، فإنه يَنقصُ من أجره كُلَّ يوم قيراطان)، وفي روايةٍ:(قيراطٌ واحد) متفق عليه.
البيت المسلم يُعنى بحسن تربية الأولاد؛ امتثالاً لقوله – تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6]، والتربية مسؤولية ملقاة على عاتق الوالدين؛ قال صلى الله عليه وسلم : (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، فالرجل راعٍ ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها)).
وإحسان تربية الأولاد يجعلهم ذخرًا لوالديهم يوم
القيامة؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله - عز وجل - لَيرفعُ الدرجةَ للعبد الصالح في الجنة، فيقول: يا رب، أنَّى لي هذا؟! فيقول: باستغفار ولدك لك))؛ رواه أحمد، كما أن حسن التربية سبب لثناء الناس على الوالدين، وسوء التربية يجلب الشتمَ والإهانة لهما؛ بسبب أفعال الأولاد.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الرابعة والتسعون في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
نعمة السكن :
البيت المسلم مؤسس على تقوى من الله ورضوان ، ولا يدخله إلا أهلُ التقوى والإيمان من العلماء، والدعاة، والأخيار، وصالحي الإخوان؛ قال الله - تعالى - عن نوح: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا} [نوح: 28]، والمؤمن الفطن - عباد الله - يختار الصالحين لصحبة أولاده؛ قال - تعالى -: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((مثل الجليس الصالح والجليس السوء، كحامل المِسْك ونافخ الكير؛ فحاملُ المسك: إما أن يُحذِيَك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيِّبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة))؛ متفق عليه.
عَنِ المَرْءِ لاَ تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ *** فَكُلُّ قَرِينٍ بِالمُقَارَنِ يَقْتَدِي
إِذَا كُنْتَ فِي قَوْمٍ فَصَاحِبْ خِيَارَهُمْ *** وَلاَ تَصْحَبِ الأَرْدَى فَتَرْدَى مَعَ الرَّدِي
قال - صلى الله عليه وسلم -: ((المرء على دين خليله؛ فلينظر أحدُكم مَن يخالل))؛ رواه الترمذي وأبو داود. قال سفيان بن عيينة في تفسيره لهذا الحديث: انظروا إلى فرعون معه هامان، وانظروا إلى الحجاج معه يزيد بن أبي مسلم، أشر منه، وانظروا إلى سليمان بن عبدالملك، صحِبه رجاءُ بن حيوة - أحد الأعلام الأفاضل - فقوَّمه وسدَّده.
والصحبة السيئة مصدر خطر كبير، فكم من شخص تحطم وانتكس، وتبلَّد حسه، ووهنت مشاعره؛ بسبب الرفقة السيئة، وكم من إنسان فسَدتْ أخلاقه، وانهدم بيته، وطلقت زوجته، وتحطمت حياته، وانسلخ من دينه وحيائه؛ بسبب الرفقة السيئة.
ربُّ البيت المسلم لا ينشغل عن تدبير شؤون بيته وأسرته، بحجة العمل والارتباطات؛ قال صلى الله عليه وسلم -: ((إن لنفسك عليك حقًّا، وإن لزوجك عليك حقًّا))، إن بعض الآباء - هداهم الله - يضِنُّ على أسرته وزوجته بساعة في اليوم، ويوم في الأسبوع، يقضي حاجاتهم، ويصلح شؤونهم، ويلعب معهم، يحاورهم، يناقشهم، وللأب - عباد الله - دور مهم في توجيه وتربية الأسرة، لا يمكن أن تقوم الزوجة به، فتعاونْ - أخي في الله - مع زوجك لحفظ أولادك، وتربيتهم، ومتابعتهم بالمشورة والحوار، وسماع الرأي الآخر برفق ولين.
والمرأة التي تخرج للعمل وتترك الأولاد، لتربيهم الخادمات، ويرعاهم السائقون ويقومون عليهم، فالخادمات مصدر خطر على الأطفال، فبعضهم تَعلَّم صلاةَ النصارى من الخادمة، ومهما بلغ حرص الخادمة على تربية الأولاد، فلا يمكن أن يبلغ حرص الأم، خادمةٌ في أحد البيوت تتعاطى السحر والشعوذة، وتضر بأهله، أخرى تعذب الأطفال, وثالثة تسمم الطعام، ناهيكم عن جرائم القتل، وهتك الأعراض.
وَهَلْ يُرْجَى لأَطْفَالٍ كَمَالٌ *** إِذَا ارْتَضَعُوا ثُدَيَّ النَّاقِصَاتِ
الخادمة في البيت أجنبية؛ لا تحل الخلوة بها، ولا النظر إليها؛ {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ
وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور: 30]،
كما يجب أن تحجب الخادمة، وتتحجب عن الرجال البالغين، والشباب المراهقين؛ {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: 53]، كما أن الذهاب مع السائق بدون مَحرَم - خلوة محرَّمة؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يخلوَنَّ رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثَهما)).
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الخامسة والتسعون في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
نعمة السكن :
البيت المسلم يجب أن يصان من المجلات الهابطة، والقنوات الماجنة، ومواقع الإنترنت غير اللائقة، قال أحد الفضلاء:
اسْمَعْ كَلاَمِي يَا حَبِيبِي وَاضِحًا مِنْ غَيْرِ غِشّْ
فِيمَا يُسَمِّيهِ الأَنَامُ بِعَصْرِنَا طَبَقًا وَدِشّْ
هُوَ بُوقُ تَنْصِيرٍ لِقِسِّيسٍ لَئِيمٍ مُنْتَفِشْ
هُوَ ضَحْكَةٌ سَكْرَى تَرِنُّ وَصَوْتُ عُهْرٍ يَرْتَعِشْ
ومن مات وقد أدخل القنوات الماجنة إلى بيته، فيُخشى عليه من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن استرعاه الله رعيةً، فمات وهو غاشٌّ لهم؛ لم يَرُح رائحةَ الجنة))، على الوالدين - عباد الله - أن يحذَرا ويحذِّرا أولادهما من الاستخدام السيئ للإنترنت، فـ90 % من المستخدمين للشبكة من شباب المسلمين، يدخلون المواقع المحرمة، وهناك أكثر من 400000 موقعٍ إباحي على هذه الشبكة، ومن البلايا دخول المرأة المسلمة على هذه الشبكة، وما جر ذلك من ويلات ومآسٍ: محادثة الشباب بألفاظ بذيئة، مبادلتهم الصور الماجنة والخليعة، إهمال خدمة البيت والأولاد والدراسة.
البيت المسلم متميز في إسلامه، يوالي ويحب في الله، ويعادي ويبغض في الله، ولا يتشبه بأعداء الله، ولا يقلِّدهم, ولا يشاركهم أعيادَهم الشركية والبدعية؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: ((مَن تشبَّه بقوم، فهو منهم)).
البيت المسلم يُحافَظ فيه على الفطرة، فالرجل يحافظ على رجولته، والمرأة تحافظ على أنوثتها؛ فيُصان الأولادُ عن التشبه بالنساء، والبناتُ عن التشبه بالرجال، إنَّ تشبُّه أحد الجنسين بالآخر، ومظاهر التميع والتفرنج - بابُ شر، ووسيلة لإشاعة الانحلال في المجتمع، وفتح لأبواب الفساد؛ عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "لَعَنَ رسول الله المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال"؛ رواه البخاري، وعنه - رضي الله عنه - قال: "لعن رسول الله المخنثين من الرجال، والمُتَرَجِّلات من النساء" رواه البخاري.
والتشبه قد يكون بالحركات والسكنات، والمشية والكلام، وقد يكون في اللباس؛ كلبس الرجل للقلائد والأساور والأقراط، وكأن تلبس المرأة ما اختص به الرجل؛ كالقميص والثوب؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لعن الله الرجلَ يَلبس لبسةَ المرأة، والمرأةَ تلبس لبسة الرجل"؛ رواه أبو داود.
فيأيها الأب المسلم، ويا أيها الزوج المؤمن:
اتقوا الله - تعالى - واعلموا أن بيوتكم أمانة في أعناقكم، استرعاكم الله على مَن فيها مِن الزوجات والأولاد، والله سائلٌ كلَّ راعٍ عما استرعى: أحَفِظَ أم ضيَّع؟ فيا خيبةَ مَن ضيع الأمانة، وأساء التربية!
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [التحريم: 6، 7].[الأنترنت – موقع صيد الفوائد - الشيخ محمد بن إبراهيم السبر ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السادسة والتسعون في موضوع الشكور وهي بعنوان : تعالوا نتذاكر نعم الله علينا
المؤمنون دائما يسألون ربهم العون على ذكره وشكره وحسن عبادته وهي وصية النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان يرددها دبر كل صلاة " اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك "
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ وَقَالَ :يَا مُعَاذُ ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ ، فَقَالَ : أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ : اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ،وَشُكْرِكَ،وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ) رواه أبو داود والنسائي .
إذ شكر النعمة سبب زيادتها والبركة فيها ، كما قال تعالى :{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} لقد لاحقتنا النعم من كل حدب وصوب ، وأُمطرت علينا النعم من كل مكان , لكننا غفلنا عنها واعتدناها وكأننا لا نراها ونسينا أن نواصل الله تعالى بالحمد عليها والشكر .
فلنغمض أعيننا قليلا من الوقت ونحاول أن نسير هكذا دقائق بل ثوان سنشعر بقيمة البصر وأنه من نعم الله الجليلة التي لابد أن نشكره سبحانه عليها .
أو أن نقوم بأداء عملنا يوما بيد واحدة ونرى هل سنصبر ! , بل بدون أصبع الإبهام وحده أو السبابة وحدها وهكذا ،وعندئذ سنشعر بنعمة وجود اليدين , نعمة معنا ولكننا لا نشعر بها ولا نهتم بالشكر عليها كما ينبغي .
فلنتذكر نعمة السمع أو الكلام أو السير على الأقدام , أو نعمة المال والأولاد , نعم لا يشعربها ولا يعلم قيمتها إلا المحروم منها أو الذي قد فقد أحدها .
نحمد الله على سكن يؤوينا عندما نجد غيرنا يعيش بدونه ، نعمة الصحة نشعربها عندما نجد من يعاني أمامنا من كثرة آلام المرض..نعم نحن أيضا نشتكي المرض لكننا أفضل والحمد لله نعمة الأبناء الصالحين , نشكر الله عليها كثيرا عندما نجد آباء
يعانون عقوق أبنائهم وانحرافهم .
نعمة الأبوين , وخيرهم الدائم للأبناء, نشعربها عندما نجد أبناء قد فقدوا أحد أبويهم أو كلاهما, فليشكر الله كثيرا كل من له أبوان .
نحمد الله ونشكره عند الرزق بزوج صالح أو زوجة صالحة , وأمامنا أشكال كثيرة من الخلافات نراها في كل ساعة , ونرى عدم التوافق بين الازواج حتى انهارت كثير البيوت وزاد منسوب النطق بالطلاق .
نحمد الله ونشكرة الذي أكرمنا بالرزق الحلال ,
عندما نجد الكثير من الناس في ظل هذا الزمان
مع الضيق المالي يندفعون نحو السقطات .
نعمة معرفة الخالق الواحد الفرد الصمد الحي القيوم الذي يشعر بآلامنا ويسمع نجوانا ويستجيب لدعائنا ويفرج همومنا {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها}
نحمد الله الذي جعلنا مسلمين له عابدين له توابين , نحمده على نعمة الإيمان عندما نرى من يعبد الأصنام ومن ليس له شيء يعبده غير هوى نفسه !
و الشكر لايكون إلا بتحقيق أركانه ، وهي شكر القلب ، وشكر اللسان ، وشكر الجوارح ، قال ابن القيم :الشكر يكون:بالقلب : خضوعاً واستكانةً ،وباللسان:ثناءً واعترافاً ، وبالجوارح : طاعةً وانقياداً
مدارج السالكين "
فشكر القلب أن يستشعر القلب قيمة النعم ويعترف بها لله سبحانه ، وشكر اللسان هو التعبير به حمدا وشكرا وثناء له سبحانه ، وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنْ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا ، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا ) رواه مسلم
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السابعة والتسعون في موضوع الشكور وهي بعنوان : تعالوا نتذاكر نعم الله علينا
وأما شكر الجوارح فهو أن يجعلها وقفا لله ، فيستعملها في طاعته قال الله تعالى :{اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً } قال ابن رجب : " الشكر على درجتين : إحداهما واجب ، وهو أن يأتي بالواجبات ، ويتجنب المحرمات ، فهذا لا بد منه ، ويكفي في شكر هذه النعم ...
.الدرجة الثانية : الشكر المستحب ، وهو أن يعمل العبد بعد أداء الفرائض ، واجتناب المحارم : بنوافل الطاعات ، وهذه درجة السابقين المقربين "
اللهم أنت ربنا خلقتنا ونحن عبيدك ونحن على عهدك ووعدك ما استطعنا نعوذ بك من شر ما صنعنا نبوء لك بنعمتك علينا ونبوء بذنوبنا فاغفر لنا , فإنه لا يغفر الذنوب إلا انت .
[الأنترنت – موقع المسلم - تعالوا نتذاكر نعم الله علينا - أميمة الجابر]
*البيت نعمة يجب شكرها
قال الله تعالى : " والله جعل لكم من بيوتكم سكناً " . سورة النحل الآية 80 .
قال ابن كثير – رحمه الله - : " يذكر تبارك وتعالى تمام نعمه على عبيده ، بما جعل لهم من البيوت التي هي سكن لهم يأوون إليها ويستترون وينتفعون بها سائر وجوه الانتفاع " .
ماذا يمثل البيت لأحدنا ؟ أليس هو مكان أكله ونكاحه ونومه وراحته ؟ أليس هو مكان خلوته واجتماعه بأهله وأولاده ؟
أليس هو مكان ستر المرأة وصيانتها ؟! قال تعالى : " وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى " سورة الأحزاب الآية : 33 ، وإذا تأملت أحوال الناس ممن لا بيوت لهم ممن يعيشون في الملاجئ ، أو على أرصفة الشوارع ، واللاجئين المشردين في المخيمات المؤقتة ، عرفت نعمة البيت ، وإذا سمعت مضطربا يقول ليس لي مستقر ، ولا مكان ثابت ، أنام أحيانا في بيت فلان ، وأحيانا في المقهى ، أو الحديقة أو على شاطئ البحر ، ومستودع ثيابي في سيارتي ؛ إذن لعرفت معنى التشتت الناجم عن حرمان نعمة البيت .
ولما انتقم الله من يهود بني النضير سلبهم هذه النعمة وشردهم من ديارهم فقال تعالى :
" هو الذي أخرج الذين كفروا من ديارهم لأول الحشر " . ثم قال : " يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار " . سورة الحشر ، الآية : 2 ، والرجل الصالح مع المرأة الصالحة يبنيان بيتا صالحا لأن البلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه ، والذي خبث لا يخرج إلا نكدا **
وهذه بعضآ من النصائح لإصلاح البيوت ..
اجعلوا البيت مكانا لذكر الله :قال صلى الله عليه وسلم : " مثل البيت الذي يذكر الله فيه ، والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت " .
فلابد من جعل البيت مكانا للذكر بأنواعه ؛ سواء ذكر القلب ، وذكر اللسان ، أو الصلوات وقراءة
القرآن،أومذاكرة العلم الشرعي وقراءة كتبه المتنوعة .
وكم من بيوت المسلمين اليوم هي ميتة بعدم ذكر الله فيها ، كما جاء في الحديث ، بل ما هو حالها إذا كان ما يذكر فيها هو ألحان الشيطان من المزامير والغناء ، والغيبة والبهتان والنميمة ؟! …
وكيف حالها وهي مليئة بالمعاصي والمنكرات ، كالاختلاط المحرم والتبرج بين الأقارب من غير المحارم ، أو الجيران الذين يدخلون البيت ؟!
كيف تدخل الملائكة بيتا هذا حاله ؟! فأحيوا بيوتكم رحمكم الله بأنواع الذكر .
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثامنة والتسعون في موضوع الشكور وهي بعنوان : اجعلوا بيوتكم قبلة : والمقصود اتخاذ البيت مكانا للعبادة .
قال الله – عز وجل - : " وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين " سورة يونس الآية 87
قال ابن عباس : أمروا أن يتخذوها مساجد .
قال ابن كثير : " وكان هذا - والله أعلم – لما اشتد بهم البلاء من قبل فرعون وقومه ، وضيقوا عليهم ، أمروا بكثرة الصلاة كما قال الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة " سورة البقرة الآية 153 . وفي الحديث : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى " .
وهذا يبين أهمية العبادة في البيوت وخصوصا في أوقات الاستضعاف ، وكذلك ما يحصل في بعض الأوضاع عندما لا يستطيع المسلمون إظهار صلاتهم أمام الكفار . ونتذكر في هذا المقام أيضا محراب مريم وهو مكان عبادتها الذي قال الله فيه : " كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا " سورة آل عمران الآية 37
وكان الصحابة – رضي الله عنهم – يحرصون على الصلاة في البيوت – في غير الفريضة – وهذه قصة معبرة في ذلك : عن محمود بن الربيع الأنصاري ، أن عتبان بن مالك – وهو من أصحاب الرسول صلى الله عليه و سلم ، وهو ممن شهدوا بدرا من الأنصار- أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ! قد أنكرت بصري وأنا اصلي لقومي ، فإذا كانت الأمطار سال الوادي الذي بيني وبينهم لم أستطع أن آتي مسجدهم فأصلي بهم ، وددت يا رسول الله أنك تأتيني فتصلي في بيتي فأتخذه مصلى ، قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سأفعل – إن شاء الله - " . قال عتبان : فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر حين ارتفع النهار فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأذنت له ، فلم يجلس حتى دخل البيت ، ثم قال : " أين تحب أن أصلي في بيتك ؟ " قال : فأشرت له إلى ناحية من البيت ، فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم فكبر ، فقمنا فصففنا فصلى ركعتين ثم سلم . رواه البخاري الفتح 1/519
*التربية الإيمانية لأهل البيت :
عن عائشة – رضي الله عنها - قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يصلي من الليل فإذا أوتر قال قومي فأوتري يا عائشة " . رواه مسلم ، مسلم بشرح النووي 6/23
وقال صلى الله عليه وسلم : " رحم الله رجلا قام من الليل فصلى
فأيقظ امرأته فصلت،فإن أبت نضح في وجهها الماء
" . رواه أحمد وأبو داود ، صحيح الجامع 3488
وترغيب النساء في البيت بالصدقة مما يزيد الإيمان ، وهو أمر عظيم حث عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، بقوله : " يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار " . رواه البخاري ، الفتح 1/405
ومن الأفكار المبتكرة وضع صندوق للتبرعات في البيت للفقراء والمساكين ، فيكون كل ما دخل فيه ملكا للمحتاجين ؛ لأنه وعاؤهم في بيت المسلم . وإذا رأى أهل البيت قدوة بينهم يصوم أيام البيض ، والاثنين والخميس ، وتاسوعاء ، وعاشوراء ، وعرفة ، وكثيرا من المحرم وشعبان ، فسيكون
دافعا لهم على الاقتداء به .
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة التاسعة والتسعون في موضوع الشكور وهي بعنوان :
الاهتمام بالأذكار الشرعية والسنن المتعلقة بالبيوت
ومن أمثلة ذلك : أذكار دخول المنزل :
روى مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال : " إذا دخل الرجل بيته فذكر اسم
الله تعالى حين يدخل وحين يطعم ، قال الشيطان : لا مبيت لكم ولا عشاء هاهنا ، وإن دخل فلم يذكر اسم الله عند دخوله قال : أدركتم المبيت ، وإن لم يذكر اسم الله عند مطعمه قال : أدركتم المبيت والعشاء " . رواه الإمام احمد ، المسند 346:3 ، و مسلم 1599:3
أذكار الخروج من المنزل : روى أبو داود في سننه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " إذا خرج الرجل من بيته فقال : بسم الله ، توكلت على الله ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، فيقال له : حسبك قد هديت ، وكفيت ووقيت ، فيتنحى له الشيطان فيقول له شيطان آخر : كيف لك برجل
قد هدي وكفي ووقي ؟ " . رواه أبو داود والترمذي ، وهو في صحيح الجامع رقم 499
السواك : روى الإمام مسلم في صحيحه عن عائشة – رضي الله عنها – قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ، إذا دخل بيته بدأ بالسواك " رواه مسلم كتاب الطهارة باب 15 رقم 44
: مواصلة قراءة سورة البقرة في البيت لطرد الشيطان منه وفي هذا عدة أحاديث ومنها : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تجعلوا بيوتكم قبورا ، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة " رواه مسلم 1/539
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اقروا سورة البقرة في
بيوتكم ، فإن الشيطان لا يدخل بيتا يقرأ فيه سورة البقرة " . رواه الحاكم في المستدرك 1/561 و هو في صحيح الجامع 1170
وعن فضل الآيتين الأخيرتين منها ، وأثر تلاوتهما في البيت قال عليه الصلاة والسلام : " إن الله تعالى كتب كتابا قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام ، وهو عند العرش ، وأنه أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة ، ولا يقرأن في دار ثلاث ليال فيقربها الشيطان " [رواه الإمام أحمد في المسند 4/274 و غيره و هو في صحيح الجامع 1799 ]
العلم الشرعي في البيت : تعليم أهل البيت فريضة شرعية لابد أن يقوم بها رب الأسرة إنفاذا لأمره تعالى في الآية الكريمة : " يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة " سورة التحريم ، الآية :6 وهذه الآية أصل في تعليم أهل البيت وتربيتهم ، وأمرهم بالمعروف ، ونهيهم عن المنكر ، وإليك أيها القارئ الكريم بعضا مما قاله المفسرون في هذه الآية ، بشأن ما يجب على رب الأسرة : قال قتادة : يأمرهم بطاعة الله ، وينهاهم عن معصيته ، وأن يقوم عليهم بأمر الله يأمرهم به ، ويساعدهم عليه ، وقال الضحاك ومقاتل : حق على المسلم أن يعلم أهله من قرابته وإمائه ما فرض الله عليهم وما نهاهم عنه .
وقال علي – رضي الله عنه - : علموهم وأدبوهم .
و قال الكيا الطبري – رحمه الله - : فعلينا تعليم أولادنا وأهلينا الدين والخير ، وما لا يستغنى عنه من الأدب . وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حث على تعليم الإماء وهن أرقاء ؛ فما بالك بأولادك وأهلك الأحرار .
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة المئة في موضوع الشكور وهي بعنوان : تعليم الرجل أمته وأهله
قال البخاري – رحمه الله تعالى – في صحيحه
: باب تعليم الرجل أمته وأهله . ثم ساق حديثه صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة لهم أجران .. ورجل كانت عنده أمة فأدبها فأحسن تأديبها ، وعلمها فأحسن تعليمها ، ثم أعتقها فتزوجها فله أجران "
قال ابن حجر – رحمه الله – في شرح الحديث :
مطابقة الحديث للترجمة – أي عنوان الباب – في الأمة بالنص ، وفي الأهل بالقياس ، إذ الاعتناء بالأهل الحرائر في تعليم فرائض الله وسنن رسوله آكد من الاعتناء بالإماء .
وفي غمرة مشاغل الرجل ووظيفته وارتباطاته قد يغفل عن تفريغ نفسه لتعليم أهله ، فمن الحلول لهذا أن يخصص يوما يجعله موعدا عاما لأهل البيت ، وحتى غيرهم من الأقرباء لعقد مجلس علم في البيت ، ويعلم الجميع بهذا الموعد ، فينضبط حضورهم فيه ، ويتشجعوا لإتيانه ، ويصبح ملزما أمامهم ، وعند نفسه بالحضور ، وإليك ما حصل منه صلى الله
عليه وسلم في هذا الشأن .
قال البخاري – رحمه الله - : باب هل يجعل للنساء يوم على حده في العلم ، وساق حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قالت النساء للنبي صلى الله عليه وسلم : غلبنا عليك الرجال،فاجعل لنا يوما من نفسك،فوعدهن يوما لقيهن فيه فوعظهن وأمرهن"
قال ابن حجر : ووقع في رواية سهل ابن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة بنحو هذه القصة فقال : "
موعدكن بيت فلانة ، فأتاهن فحدثهن" فتح الباري 1/195
ويؤخذ من الحديث تعليم النساء في البيوت ، وحرص نساء الصحابة على التعلم ، وأن توجيه الجهود إلى الرجال فقط دون النساء تقصير كبير من الدعاة وأرباب البيوت .
وقد يقول بعض القراء : هب أننا خصصنا يوما ، وأخبرنا أهلينا بذلك ، فما الذي يقدم في هذه الجلسات ؟ وكيف نبدأ ؟
وجواباً لذلك أعرض عليك أخي القارئ الكريم اقتراحا في هذا الشأن يكون منهجا مبسطا ، لتدريس أهل البيت عموما ، وللنساء خصوصا .
تفسير العلامة ابن سعدي المسمى : " تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان " . ويقع في سبعة مجلدات مفصل بأسلوب ميسر ، تقرا أو تقدم منه سور ومقاطع .
رياض الصالحين مع تناول أحاديثه بشيء من التعليقات والعظات ، والفوائد المستنبطة منها ، ويمكن الرجوع في هذا إلى كتاب : نزهة المتقين .
" حسن الأسوة بما ثبت عن الله ورسوله في النسوة " للعلامة صديق حسن خان .
كما أن من المهم أن تعلم المرأة بعض الأحكام الفقهية ، كأحكام الطهارة ، والدماء الطبيعية ، وأحكام الصلاة والزكاة ، والصيام والحج إذا استطاعته ، وبعض أحكام الأطعمة والأشربة ، واللباس والزينة ، وسنن الفطرة والمحارم ، وحكم الغناء والتصوير وغيرها ، ومن المصادر المهمة في هذا : فتاوى أهل العلم كمجموعة فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز ( رحمه الله ) ، والشيخ محمد بن صالح العثيمين ، و غيرهما من أهل العلم ، سواء المكتوب منها أو المسجل في الأشرطة .
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الواحدة بعد المئة في موضوع الشكور وهي بعنوان : تعليم الرجل أمته وأهله
ومما يتضمن جدول تعليم المرأة وأهل البيت تذكيرهم بالدروس والمحاضرات العامة التي يستطيعون حضورها للعلماء ، أو طلبة العلم الثقات ، لإيجاد عدة مصادر جيدة ومتنوعة للتعليم ، ولا ينسى في هذا المجال الاستماع إلى كثير من أنشطة إذاعة القرآن الكريم ، وتوجيه الاهتمام إليها ، ويدخل في إطار توفير وسائل التعليم أيضا : تذكير أهل البيت بالأيام المخصصة لحضور النساء في معارض الكتاب الإسلامي ، والذهاب بهن إليها بالشروط الشرعية
: اصنع نواة لمكتبة إسلامية في بيتك
مما يساعد في تعليم أهل البيت ، وإتاحة المجال لتفقههم في الدين وإعانتهم على الالتزام بأحكام الشريعة ؛ عمل مكتبة إسلامية في البيت . ليس بالضرورة أن تكون كبيرة ، ولكن العبرة بانتقاء الكتب المهمة ، ووضعها في مكان يسهل تناولها
وحث أهل البيت على قراءتها.
ركن في مجلس البيت الداخلي نظيف ومرتب ، ومكان مناسب لشيء من الكتب ، في غرفة نوم ، وفي مجلس الضيوف ، يتيح المجال للفرد في البيت كي يقرأ باستمرار .
ومن إتقان المكتبة – والله يحب الإتقان – أن تحتوي على مراجع تصلح لبحث المسائل المختلفة ، وتنفع الأولاد في المدارس ، وأن تحتوي على كتب ذات مستويات مختلفة ، تصلح للكبار والصغار ، والرجال والنساء ، وكتب من أجل الإهداء للضيوف وأصدقاء الأولاد ، وزوار العائلة مع الحرص على الطبعات الجذابة المحققة والمخرجة الأحاديث ، ويمكن الاستفادة من معارض الكتاب لإنشاء مكتبة البيت بعد استشارة أهل الخبرة بالكتب . ومما يساعد في العثور على الكتاب ترتيب المكتبة حسب الموضوعات ، فكتب التفسير على رف ، والحديث على آخر .. والفقه على ثالث .. وهكذا ، ويقوم أحد أفراد العائلة بعمل فهرس ألف بائي وموضوعي ، لتسهيل البحث عن الكتب . وقد يتساءل كثير من الحريصين عن أسماء كتب إسلامية لمكتبة البيت .
وهاك أخي القارئ اقتراحات بهذا الشأن :
التفسير : تفسير ابن كثير ، تفسير ابن سعدي ، زبدة التفسير للأشقر ، بدائع التفسير لابن القيم ، أصول التفسير لابن عثيمين ، لمحات في علوم القرآن لمحمد الصباغ .
الحديث : صحيح الكلم الطيب ، عمل المسلم في اليوم والليلة " أو الصحيح المسند من أذكار اليوم والليلة " ، رياض الصالحين وشرحه نزهة المتقين ، مختصر صحيح البخاري للزبيدي ، مختصر صحيح مسلم للمنذري والألباني ، صحيح الجامع الصغير ، وضعيف الجامع الصغير ، صحيح الترغيب والترهيب ، السنة ومكانتها في التشريع ، قواعد
وفوائد من الأربعين النووية لناظم سلطان .
العقيدة : فتح المجيد شرح كتاب التوحيد " تحقيق الأرناؤوط " ، أعلام السنة المنشورة للحكمي " محقق " ، شرح العقيدة الطحاوية تحقيق الألباني ، سلسلة العقيدة لعمر سليمان الأشقر "8" أجزاء ، أشراط الساعة د. يوسف الوابل .
الفقه : منار السبيل لابن ضويان مع إرواء الغليل للألباني ، زاد المعاد ، المغني لابن قدامة ، فقه السنة ، الملخص الفقهي لصالح الفوزان ، مجموعة فتاوى العلماء " عبد العزيز بن باز ، محمد صالح العثيمين ، عبد الله بن جبرين " ، صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للشيخ الألباني والشيخ عبد العزيز بن باز ، ومختصر أحكام الجنائز للألباني
الأخلاق وتزكية النفوس : تهذيب مدارج السالكين ، الفوائد ، الجواب الكافي ، طريق الهجرتين وباب السعادتين ، الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب لابن القيم ، لطائف المعارف لابن رجب ، تهذيب موعظة المؤمنين ، غذاء الألباب .
السير والتراجم : البداية و النهاية لابن كثير ، مختصر الشمائل المحمدية للترمذي اختصار الألباني ، الرحيق المختوم للمباركفوري ، العواصم من القواصم لابن العربي تحقيق الخطيب والاستانبولي ، المجتمع المدني 1-2 للشيخ أكرم العمري ، سير أعلام النبلاء ، منهج كتابة التاريخ الإسلامي لمحمد بن صامل السلمي .
. ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين
[الأنترنت – موقع ملتقى أهل الحديث - نعمة البيت ، وبعض النصائح لإصلاح البيوت - أم نور الدين ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثانية بعد المئة في موضوع الشكور وهي بعنوان : *نعمة الهداية والثبات عليها
أخبر النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّ بين يدي الساعة فِتنًا كقِطع الليل المظلِم، يُصبح الرجل فيها مؤمنًا، ويُمسي كافرًا، يبيع أقوامٌ دِينَهم بعَرَض من الدنيا قليل؛ رواه الحاكم، وإنَّنا - أيُّها المسلمون - نعيش في هذه الأيَّام في فتن تلاطمت، وشُبَه انتشرت، وأنواع من الرِّدة لم نعهدْها خرجت، حتى أصبح المرءُ يخشى على نفسه الضلالةَ بعد الهداية، والحَوْرَ بعدَ الكَوْر.
لقد ازدادتِ الحاجة إلى معرفة نِعمة الهداية، وتوفيق الله للمرء بالثبات عليها؛ لأنَّنا جميعًا - إلاَّ مَن رحم الله - جمعْنا بين تقصيرٍ في طاعة الله، وأَمْن من عقابه، في زمن تعدَّدت فيه وتنوَّعت الشهواتُ والشبهات، ولقد كان سلفُنا الصالح يجمعون بين طاعة الله، والخوف على أنفسهم من الزَّيْغ في مجتمع يعينهم على ذِكْر الله - سبحانه - فما أحرانا أن نقتديَ بهم.
إنَّ سلوك طريق الهداية نعمةٌ يُنعِم الله بها على مَن يشاء من عبادِه، ولذا نرى الكثيرَ من أتباع هذا الدِّين ومِن غيره يتمنَّوْن الهدايةَ الحقَّة إلى الطريق المستقيم، ولكن لا يُوفَّقون لها، وتَحُول بينهم وبين الهداية العوائقُ؛ يقول ابن الجوزي - رحمه الله -: "تفكَّرْتُ في سبب هداية مَن يهتدي، وانتباه مَن يتيقظ مِن رقاد غفلته، فوجدتُ السببَ الأكبر اختيار الحقِّ - عز وجل - لذلك الشَّخْص، كما قيل: إذا أرادك لأمر هيَّأك له".
إنَّ الهِداية في بدايتها بيانٌ للحقِّ، ودلالةٌ إليه، ثم إذا سَلَكها المرءُ جاء دورُ الهداية التالية، وهي هدايةُ التوفيق، وقد أنعم الله علينا بسلوك طريقِ الهداية إلى الدِّين القويم بدعوة الرسل - عليهم الصلاة والسلام - وبَقِي على المرء أن يسأل ربَّه بعدَ أن أكْرمه بالهداية الأولى أن يَمُنَّ عليه بأنواع الهداية الأخرى، والتي أوصلَها ابنُ القيم - رحمه الله - في "مدارج السالكين" إلى عشر مراتب.
يقول ابن سعدي - رحمه الله تعالى - تعليقًا على قوله - سبحانه -: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الفاتحة: 6]: "أي: دُلَّنا وأَرشِدْنا إلى الصراط المستقيم، وهو معرفة الحقِّ والعمل به، فهي هدايةُ الصراط، وهداية في الصراط، الهداية إلى الصراط لزوم دِين الإسلام، وترْك ما سواه من الأديان، والهداية في الصراط تشمل الهدايةَ لجميع التفاصيل الدِّينيَّة علمًا وعملاً، فهذا الدُّعاء من أجمعِ الأدعية، وأنفعها للعبد، ولهذا وَجَب على الإنسان أن يدعوَ به في كلِّ ركعة من صلاته؛ لضرورتِه إلى ذلك".
إنَّ حاجتَنا للهداية والثبات عليها لا تقتصر على
الدنيا فقط، بل يمتدُّ أثرُها ونفعها لِمَن وفَّقه الله إليها إلى يوم القيامة؛ يقول ابن القيم - رحمه الله -: "وللهداية مرتبة أخرى - وهي آخِر مراتبها - وهي الهداية يومَ القيامة إلى طريق الجنة، فمَن هُدِي في هذه الدار إلى صراط الله المستقيم، هُدي هناك إلى الصراط المستقيم للوصول إلى جنَّتِه ودار ثوابه، وعلى قدْر ثبوت قدَمِ العبد على هذا الصراط الذي نصَبَه الله لعباده في هذه الدار، يكون ثبوتُ قدمه على الصراط المنصوب على مَتْن جهنم، وعلى قدْر سَيْرِه على هذا الصراط يكون سَيرُه على ذلك الصراط، فمنهم مَن يمرُّ كالبَرْق، ومنهم من يَمرُّ كالرِّيح، ومنهم من يَسعى سعيًا، ومنهم من يمشي مشيًا، ومنهم من يحبو حبوًا، ومنهم المخدوش المسلَّم، ومنهم المكردس في النار، فلينظرِ العبدُ سيرَه على ذلك الصراط من سَيرِه على هذا، حذوَ القُذَّة، جزاءً وفاقًا؛ ﴿ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [النمل: 90]، ولينظرِ الشبهات والشهوات التي تعوقُه عن سَيْره على هذا الصراط، تخطفه وتعوقه عن المرورعليه،فإذا كثَرُت هنا وقويت ، فكذلك هي هناك؛ ﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [فصلت: 46]".
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثالثة بعد المئة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
*نعمة الهداية والثبات عليها
إنَّ الهداية هي سؤالُ الله معرفةَ الحق، ثم التوفيق للعملِ بالحق، ومِن هنا يُعلم اضطرارُ العبد إلى سؤال هذه الدعوة، وبطلان قوْل مَن يقول: إذا كنَّا مهتدين، فكيف نسأل الهداية؟ لأنَّ المجهول لنا من الحق أضعافُ المعلوم، وما لا نُريد فِعْله تهاونًا وكسلاً مثل ما نُريده أو أكثر منه أو دونه، وما لا نَقدِر عليه مما نريده لذلك، وما نعرف جملتَه ولا نهتدي لتفاصيله أمرٌ يفوت الحصر، ونحن محتاجون إلى الهداية التامَّة، فمَن كَمُلت له هذه الأمور كان سؤالُ الهداية له سؤالَ التثبيت والدوام.
إنَّ قلوبكم بين أُصبعين من أصابعِ الرحمن، يُصرِّفها كيف يشاء؛ عن عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: سمعتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((إنَّ قلوب بني آدم كلَّها بين أُصبعين من أصابع الرحمن، كقَلْب واحد، يُصرِّفه كيف يشاء))، وفي حديث آخرَ يصوِّر - صلَّى الله عليه وسلَّم - شدَّة تقلُّب قلْب العبد تصويرًا دقيقًا، يورث المسلم الخوفَ والوجل، والشعور بالحاجة إلى تثبيت الله وعونه؛ عن المقداد بن الأسود - رضي الله عنه -: أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لَقلبُ ابن آدم أشدُّ تقلبًا من القِدْر إذا استجمعتْ غليانًا))؛ رواه أحمد وغيرُه، ولقد كان المقداد - رضي الله عنه - يقول: ما آمَنُ على أحد بعدَ الذي سمعتُ من رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.
إذا كانتِ القلوب بهذه المنزلة، وكانت الهدايةُ يعتريها ما يعتري سائرَ النِّعم، وجَبَ على المسلم العنايةُ بها، والمحافظة عليها، والثبات على طريقها، ألاَ وإنَّ من أهم أسباب حصولِ الثبات على الحق والهدى: الشُّعورَ بالفقر إلى تثبيت الله – تعالى - وذلك أنَّه ليس بنا غِنًى عن تثبيته - سبحانه - لنا طَرْفة عين؛ قال الله - سبحانه - مخاطبًا خيرَ خَلْقه وأكرمهم عليه: ﴿ وَلَوْلاَ أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً ﴾ [الإسراء: 74]، وقال سبحانه لأكرم خلقه: ﴿ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلاَئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا.﴾[الأنفال: 12].
يقول ابن سعدي - رحمه الله -: "وفي هذه الآياتِ دليلٌ على شدَّة افتقار العبد إلى تثبيت الله إيَّاه، وأنَّه ينبغي له ألاَّ يزال متملقًا لربِّه أن يثبته على الإيمان، ساعيًا في كلِّ سبب موصل إلى ذلك؛ لأنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو أكملُ الخلق قال الله له: ﴿ وَلَوْلاَ أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً ﴾، فكيف بغيره - صلَّى الله عليه وسلَّم؟!" ا.هـ.
من العوامل المعِينة على الثبات بعدَ الهداية: التقرُّب إلى الله بالأعمال الصالحة، فالنتائجُ لا تخالف مقدِّماتِها، والمسببات مربوطةٌ بأسبابها، وسُنن الله ثابتة لا تتغيَّر، ولن تجد لسُنة الله تبديلاً، ولقد تكرَّر في القرآن جَعْل الأعمال القائمة بالقلْب، والجوارح سببًا للهداية والإضلال، فيقوم بالقلب والجوارح أعمالٌ تقتضي الهُدَى اقتضاءَ السبب لمسببه، والمؤثِّر لأثره، وكذلك الضلال، فأعمال البِرِّ تثمر الهدى، وكلَّما ازداد منها ازداد هدًى، وأعمالُ الفجور بالضد، والله - سبحانه - يحبُّ أعمال البِرّ، فيجازي عليها بالهُدَى والفلاح، ويُبغض أعمالَ الفجور، ويجازي عليها بالضلال والشقاء.
إنَّ الأعمال الصالحة لا تقتصر على الأعمالِ الظاهرة مِن كثرة التعبُّد، وطول الصلاة، والصيام فقط، ولكنَّها تشمل الظاهرةَ والباطنةَ؛ ولهذا جعل النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عواملَ ذَوْق لذَّة الإيمان وحلاوته أمورًا قلبيَّة، فقال: (ثلاثةٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ بهنَّ حلاوةَ الإيمان: أن يكون اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحب المرءَ لا يحبُّه الله، وأن يكره أن يعود في الكُفْر كما يكره أن يُقذَف في النار) أخرجه الشيخان.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الرابعة بعد المئة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
*نعمة الهداية والثبات عليها
يقول ابن الجوزي - رحمه الله -: "اعلم أنَّ الطريق الموصلة إلى الله - سبحانه - ليستْ مما يُقطَع بالأقدام، وإنَّما يُقطَع بالقلوب"، ويقول أيضًا رحمه الله"اللهَ الله بالسرائر، فإنَّه ليس ينفع مع فسادِها صلاحٌ ظاهر".
إنَّ العلم والإيمان إذا اجتمعَا في قلب عبد حقًّا، فلا يمكن أن ينكصَ على عقبيه؛ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "إنَّ الإنسان قد يؤتَى إيمانًا مع نقْص علمِه، ومثل هذا الإيمان قد يُرفع مِن صدره، كإيمان بني إسرائيل لَمَّا رأَوا العجل، وأمَّا مَن أوتى العلم مع الإيمان، فهذا لا يُرفع من صدره، ومثل هذا لا يرتدُّ عن الإسلام قطُّ، بخلاف مجرَّد القرآن، أو مجرَّد الإيمان، فإنَّ هذا قد يرتفع، وهذا هو الواقع، وأكثرُ ما نجد الرِّدة فيمَن عنده قرآن بلا عِلم وإيمان، أو مَن عنده إيمان بلا عِلم وقرآن، فأمَّا مَن أوتي القرآن والإيمان، فحصل فيه العلم، فهذا لا يُرفع مِن صدره".
العلم ليس بمقدار ما يحفظه المرءُ من مسائلَ وأحكام، بل العلمُ - كما يقول الحسن البصريُّ - علمان: عِلم في القلْب، وعلم على اللِّسان، فعِلم القلب هو العلم النافع، وعلم اللِّسان حُجَّة الله على عباده.
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى -: "لقد سَبرتُ السَّلف كلَّهم، فأردتُ أن أستخرج منهم مَن جمع بين العِلم حتى صار من المجتهدين، وبين العمل حتى صار قُدوة للعابدين، فلم أرَ أكثرَ من ثلاثة: أوَّلهم الحسن البصري، وثانيهم سفيان الثوري، وثالثهم أحمد بن حنبل.
فَتَشَبَّهُوا إِنْ لَمْ تَكُونُوا مِثْلَهُمْ **** إِنَّ التَّشَبُّهَ بِالْكِرَامِ فَلاَحُ
إنَّ من أعظمِ عوامل الثبات على دين الله: الدُّعاءَ والإلحاح على الله في الثبات على الصراط المستقيم حتى الممات، ولقد كان نبيُّكم - صلَّى الله عليه وسلَّم - يسأل ربَّه متوسلاً بالثناء عليه أن يَهديَه لصراطه المستقيم؛ ((اللهمَّ ربَّ جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطرَ السموات والأرض، عالِمَ الغيب والشهادة، أنت تحكُم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدِني لِمَا اختُلِف فيه من الحق بإذنك، إنَّك تهدي مَن تشاء إلى صراط مستقيم))؛ رواه الترمذي ، وكان - عليه الصلاة والسلام - كثيرًا ما يدعو الله أن يُثبِّتَه على دِينه، فيقول: ((يا مُقلِّبَ القلوب، ثَبِّتْ قلْبي على دِينك)).
يقول ابن القيم - رحمه الله -: "إنَّ العبد إذا عَلِم أنَّ الله - سبحانه وتعالى - مُقلِّب القلوب، وأنَّه يحول بين المرْء وقلبه، وأنه - تعالى - كلَّ يوم هو في شأن، يفعل ما يشاء، ويحكُم ما يريد، وأنه - سبحانه - يَهدي مَن يشاء، ويُضِلُّ مَن يشاء، ويرفع مَن يشاء، ويخفض مَن يشاء، فما يُؤمِّنه أن يقلِّب الله قلبَه، ويحول بينه وبينه، ويُزيغه بعد إقامته، وقد أثْنَى الله على عبادِه المؤمنين بقوله: ﴿ رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [آل عمران: 8]، فلولاَ خوفُ الإزاغة لَمَا سألوه ألاّ يُزيغ قلوبَهم" ا.هـ.
ألِحُّوا على الله بالسؤال أن يربطَ على قلوبِكم، ويُثبِّتكم على دِينكم؛ فإنَّ القلوب ضعيفة، والشبهاتِ خاطفة، والشيطان قاعدٌ لكم بالمرصاد، ولكم في المؤمنين مِن قبلكم أسوة حسنة، فإنَّ مِن دعائهم: ﴿ رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [آل عمران: 8].
ثم صَلُّوا على الرحمة المهداة [ الأنترنت – موقع الألوكة - نعمة الهداية والثبات عليها - الشيخ أحمد الفقيهي]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الخامسة بعد المئة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
*نعمة الهداية والثبات عليها
وقال الشيخ صالح الفوزان نعمة الهداية للإسلام
والثبات عليه من أعظم النعم الواجب شكرها
قال الله سبحانه وتعالى: (منْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ)، وقال تعالى: (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ)، إن هذا الإسلام هو الدينُ الحق، الذي لا يقبل الله من أحدِ سواه، كما قال تعالى (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ)، وقال تعالى (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ)، فإذا نظرتم إلى أهل الأرض وجدتموهم، إمَّا لا دينيين ملاحدة لا يؤمنون برب، وإنما يعيشون عيشة البهائم (وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ)، وإمَّا أن يكونوا على دين باطل، إمَّا يهودية، أو نصرانية محرفة ومنسوخة، وإمَّا وثنية، وعبادةٌ لغير الله عز وجل من الأصنام والأحجار والأشجار والقبور والأضرحة وغير ذلك، فهم يعيشون مشركين كفاراً لا حاضر لهم ولا مستقبل، ولا حول ولا قوة إلا بالله، (الذين كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ)، أمَّا من منّ الله عليه في الإسلام فإنه على نور من ربه في عقيدته، وفي عبادته، وفي معاملاته، وفي أخلاقه، وسلوكه فهو على نور من ربه في كلِ أحواله، يعيش في الدنيا عيشت المؤمنين المطمئنين، وفي الآخرة يكون في جنات النعيم، فله الحاضر وله المستقبل بإذن الله عز وجل، هذا الذي منّ الله عليه إذ هداه للإسلام، وواجبنا الشكر، وأن نسأل الله أن يثبتنا على هذا الدين، فإن أعداء الإسلام لا يرضون لنا أن نبقى على دين الإسلام، بل يُحاولون بكل مجُهوداتهم أن يصرفوننا عن هذا الدين بكلية (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً)، (وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا)، (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) هذا دأبُهم، وهذا شأنهم، فلهذا يُحاولون أن يصرفُ المسلم عن دينه نهائياً، ويُلحقوه بركب الكفار(حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقُّ)، فإن عجزوا عن صرفه عن الإسلام حاولوا أن يجعلوه على إسلامٍ اسم بلا حقيقة، إلى إسلامٍ مفرغ من مضمونه، إسلام بالاسم فقط، فلا يُصلي، ولا يصوم، ولا يُؤدي العبادات لله، ويقول أنا مسلم، إسلامٌ بلا حقيقة، وكذلك يحاولون أن يصرفوهم من التوحيد، والإخلاص لله إلى الشرك بعبادة القبور، والأضرحة، والبدع، والمحدثات، ولذلك تجدونهم يُشجعون الخُرافيين، والمبتدعة، والفئات الضالة، يُشجعونهم، ويُمدونهم بالمال، ويُسلحونهم كما هو مشاهد، يُريدون بهم القضاء على الإسلام باسم الإسلام، وإمَّا أن يفرغوا الإسلام من قلوبهم ومعاملاتهم، وأخلاقهم، فلا يدخُل الإسلام في المساجد فلا يُصلون، وإن صلوا فلا يصلون في المساجد يعتزلون الجمع والجماعة، وفي المحاكم لا يدخُل الإسلام في المحاكم وإنما يُحكم بالقوانين الشيطانية الوضعية، ويُعطل حكم الإسلام، وفي الأخلاق والسلوك في الرجال والنساء يُحاولون، وقد نجح أكثرهم، يُحاولون أن يعيش المسلم بأخلاق الكفار، هو مسلمٌ لكنه بأخلاق الكفار، في شكله، وفي صورته، وفي ملابسه،
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السادسة بعد المئة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
*نعمة الهداية والثبات عليها
ثم قال الفوزان : وفي حتى لغته، يكره اللغة العربية التي هي لغة القرآن، ويتبجح باللغات الأجنبية كتابة وتحدثاً، وكذلك بالنسبة للنساء وحدث ولا حرج عما فعلوه بالنساء، بنساء المسلمين، يُحاولون أن يُسلبوا من المرأة المسلمة أخلاق الإسلام في الستر والحجاب، في عدم الاختلاط بالرجال، في السفر بدون محرم، في التبرج والسفور، في وفي... ، جعلوا أكثر النساء المسلمات جعلهن على شكل النساء الكافرات، لا تُميز بين هذه وهذه في المظهر، وفي الأخلاق، فلا حول ولا قوة إلا بالله، هكذا، وإتمام لذلك دسوا على المسلمين الابتعاث إلى الخارج، لأبناء المسلمين وبناتهم، يبتعثون للخارج لأجل أي شيء، نحن عاجزين عن تعليمهم، وقد أمدنا الله بالمال، ومكننا من أن نفتح المدارس على أرقى مستوى في العلم والتعليم لماذا الابتعاث؟ الابتعاث لأجل الصبغ يصبغونهم، وليُغسلوا أدمغتهم من الإسلام، وليجندوهم ضد الإسلام والمسلمين ثم يُرجعون إليكم أعداءً ، يرجعون إليكم أعداءً يحملون أفكار الكفار إلا من رحم الله، وعلى كُل ِ حال، فالكفار يُحاولون القضاء على هذا الدين بِكل وسيلة، وينخدع بهم بعض المسلمين، ويتبجح، ويفتخر أن ابنه مُبتعث أو بنته مبتعثة، ويطلب هذا، ويُزاحم عليه، وهو يبحث عن حتفه بظلفه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم، فعلينا أن نتنبه بدسائس الكفار، (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)، الإسلام لا يُرفع نهائياً، الإسلام له ربٌ يحميه، ولا يُرفع من الأرض إلا عند قيام الساعة، ولكن يُرفع من بعض الناس، يُرفع من بعض البلاد، يُرفع من بعض الأفراد، وبعض المسلمين، هذا شيءٌ واقع، لكن الإسلام سيبقى لمن يُريد النجاة، ويرجع إلى الإسلام، قال الله جل وعلا (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ)، قال سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)، فالله لا يُضيع دينه، ولكننا نحن نضيع إذا لم نتمسك بهذا الدين، ويأتي الله لهذا الدين بأنُاس ِ آخرين، يقومون به من عباده، فعلينا أن نخاف، ونحذر على ديننا، يدخلون على أولاد المسلمين، إمَّا بأن يُسلخوهم من الدين إلى الإباحية والعلمانية واللبرالية كما يُسمُونها، وإما إذا رأوا من بعض شباب المسلمين تديناً أدخلوا عليهم الغلو والتطرف، ودربوهم على التفجير، وعن الانتحار، وعلى أمورِ خطيرة، فهذا دأب ا الكفار، ونحن نثق بالكفار، ولا ننتبه لدسائسهم، أنه لا مانع أن نتعامل مع الكفار في مصالح الدنيا التي لا تمس الدين، بل تساعد على الدين، أمَّا أن نتعامل معهم في الأفكار فهذا أمرٌ محرم، أو نسمح لهم أن نتثقف بثقافتهم، وأن نترك هذا الدين، الآن يُريدون أن يُسلخوا اسم الإسلام إلى الإنسانية، فيجعلون الناس يتعاملون بالإنسانية حتى في بلاد الإسلام، لا يُذكر الإسلام، وإنما تُذكر الإنسانية، وإذا حصل إحسانٌ أو معروفٌ أو خير قالوا هذا عملٌ إنساني ولا يقولون هذا عملٌ إسلامي، يُريدون أن ينفروا عن الإسلام، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [ الأنترنت – موقع الشيخ صالح الفوزان]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السابعة بعد المئة في موضوع الشكور وهي بعنوان : *نعمة وفضل الاستغفار
قال الشيخ عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر : تقوى الله جل وعلا عمل بطاعة الله على نور من الله رجاء ثواب الله وترك معصية الله على نور من الله خيفة عذاب الله. عباد الله خرج الخليفة الراشد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في عام مجاعة وقحط خرج بالناس يستسقي، خرج رضي الله عنه بالناس يستسقي فلم يزد على الاستغفار فقيل له في ذلك فقال: " لقد سألت الله عز وجل بمجاديح السماء التي يُستنزل بها المطر " ثم تلا قول الله تعالى: ﴿فقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [ نوح: ١٠ - ١٢].
إن الاستغفار له مكانته العظيمة ومنزلته العليّة في دين الله فهو أساس لاستجلاب الخيرات وحلول البركات ونزول النّعم وزوال العقوبات والنقم، الاستغفار عباد الله يرفع العبد من المقام الأدنى إلى المقام الأعلى ومن المقام الناقص إلى المقام الأتم والأكمل، الاستغفار عباد الله به تقال العثرات وتغفر الزلات وتكفر الخطيئات وترتفع الدرجات وتعلو المنازل عند الله تبارك وتعالى جاء في الحديث الصّحيح عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: " طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارا كثيرا " ، وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: " من أحب أن تسره صحيفتُه يوم القيامة فليكثر فيها من الاستغفار " وقد كان عليه الصلاة والسلام أكثر الناس استغفارا مع أنه صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يقول الأغر رضي الله عنه والحديث في صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم: " إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة " بل جاء عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: " كنا نعدُّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم: رب اغفر لي وتب عليّ في المجلس الواحد مائة مرة " بل جاء أعظم من ذلك وهو ما ثبت في سنن النسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " ما رأيت أحدا أكثر من قول: أستغفر الله وأتوب إليه من رسول الله صلى الله عليه وسلم " رأى أبو هريرة رضي الله عنه عباد الصحابة وخيار المؤمنين وأكثر الناس استغفارا فلم ير أحدا أكثر من رسول الله صلوات الله وسلامه عليه في الاستغفار والتوبة إلى الله جل وعلا. لقد كانت حياة نبينا صلى الله عليه وسلم عامرة بالاستغفار في أوقاته كلها ومجالسه جميعها إلى أن ختم حياته المباركة وعمره الشريف صلوات الله وسلامه عليه بالاستغفار إلى الله عز وجل، روى البخاري في صحيحه عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وهي تروي قصة موت نبينا عليه الصلاة والسلام قالت: " مات عليه الصلاة والسلام وظهره إلى صدري وسمعته يقول: اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى " فكما أن حياته عليه الصلاة والسلام مليئة بالاستغفار وطاعاته عليه الصلاة والسلام مختومة بالاستغفار فقد ختم حياته العامرة ختمها بالاستغفار مما يدل عباد الله على مكانة الاستغفار العلية وشأنه العظيم في دين الله وأن حاجتنا إليه حاجة ماسة يجب علينا عباد الله أن نكثر من الاستغفار في أوقاتنا كلها وأحوالنا جميعها ولاسيما في الأوقات التي يتأكد فيها ذلك كأدبار الصلوات والثلث الأخير من الليل ونحو ذلك من الأحوال والأوقات، وقد كان عليه الصلاة والسلام يستغفر الله في سجوده ويستغفر الله في أول صلاته في بعض الاستفتاحات ويستغفر الله في خاتمة صلاته قبل أن يسلم وإذا سلم قال ثلاث مرات: " استغفر الله، استغفر الله، استغفر الله " فكان عليه الصلاة والسلام كثير الاستغفار وقد قال الله جل وعلا: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21]، اللهم وفقنا للاقتداء بنبيك وحسن الاتباع له واجعلنا من عبادك التوابين المستغفرين يا ذا الجلال والإكرام، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم. [الأنترنت – موقع الألوكة - نعمة وفضل الاستغفار - الشيخ عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثامنة بعد المئة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *نعمة وفضل الاستغفار
وقال الشيخ فهد بن عبدالله الصالح ، على نعمة الاستغفار : تحل بالأمة الكوارث والمصائب ويتسلط عليها الأعداء وتُعاقب بسبب ذنوب أصحاب المنكرات، والإنسان مخلوق ضعيف، خُلق في كبد فهو يكابد مسيرة عمره بأنواع الابتلاءات والمتاعب سواء كانت ضوائق مالية أو مشكلات عائلية أو ظروفا نفسية أو مضايقات في عمل ونحوها مما يعتري الإنسان في رحلة الحياة.
وتعالَج هذه المصائب أو تخفف بما شرعه الله لعباده من وسائل مادية أو التجاء لله بالدعاء أو استعانة بالصبر والصلاة، بيد أن هنالك علاجاً نافعاً لكل ما يحل بالأمة المسلمة وكذا ما يصيب الفرد المسلم، علاج غفل عنه الكثيرون لأنهم اعتقدوا أنه لا يكون إلا لمحو الذنوب والخطايا فحسب إنه الاستغفار - والاستغفار معناه طلب المغفرة من الله، والمغفرة هي العفو عن الذنوب ووقاية شرها مع سترها.
لقد أمر الله عباده بالتوبة والاستغفار فهو سبحانه وتعالى الغفار، وهو الغفور وهو الرحيم: ﴿ غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾ فإذا كان من غفر له ذنبه ما تقدم منه وما تأخر صلى الله عليه وسلم يقول: {إني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة} فكيف بمن هو دونه من الناس؟ لقد امتدح الله أنبياءه الكرام عليهم الصلاة والسلام وعباده الصالحين امتدحهم ووصفهم بأنهم يستغفروا ربهم فقال سبحانه: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآَتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾. وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾.
إنّ الذنوبَ والمعاصي - يا عباد الله - إذا انتشرت في أمّة سبَّبت الشقاء والهلاك والقحطَ والجدْب، ولهذا أمر الله الناسَ عبر الأجيال بواسطةِ أنبيائه أمرهم أن يُقلِعوا عن المعاصي، ويطلبوا الغفرانَ من الله على ما اقترفوه، حتى ينالوا رحمتَه ويجتنبوا غضبه.
فها هو نبيّ الله هودٌ عليه السلام يعِظ قومه بقوله ﴿ وَيا قَوْمِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ ٱلسَّمَاء عَلَيْكُمْ مدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ ﴾.
ويذكر القرآن كيفَ وعَظ صالح عليه السلام قومه بقوله ﴿ لَوْلاَ تَسْتَغْفِرُونَ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾.
وهذا خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم يوصي أمته
بالاستغفار بقوله {يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإني أتوب في اليوم في اليوم مائة مرة} رواه مسلم في صحيحه، وما ذاك إلا لأهمية الاستغفار.
وإذا كانت الدول والشعوب تتضرر بسبب الجفاف والجدب ولا يستطيع أحد أن يستمطر السماء مهما أوتي من قوة فإن الاستغفار وسيلة لهطول الأمطار وازدهار الزراعة وحصول النماء وكثرة الرزق والعزّة والمنعة، اقرؤوا إن شئتم ما قاله نوح لقومَه ناصحا لهم: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾.
وخرج عمر رضي الله عنه يستسقى فلم يزد على الاستغفار، فقالوا: ما رأيناك استسقيت؟ فقال: لقد طلبت الغيث بمجاديح السماء الذي يستنزل به المطر، ثم قرأ هذه الآيات ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ﴾ ومجاديح جمع مِجْدَح وهو نجم كانت العرب تزعم أنها تُمطر به. وأراد عمر رضي الله عنه تكذيب هذا الزعم الباطل، وبَيَّن أنه استسقى بالسبب الصحيح لنزول المطر وهو الاستغفار وليس النجوم.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة التاسعة بعد المئة في موضوع الشكور وهي بعنوان : الاستغفار سببًا لرفع البلايا
أمّا كونُ الاستغفار سببًا لرفع البلايا فقد قال الله جلا جلاله في شأن نبيّه يونس عليه السلام: ﴿ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾.
وهذا شعيبٌ عليه السلام يرى قومَه على أسوأ الأخلاق مع الشرك والإلحاد، فيلحُّ في نُصحهم للإقلاع عمّا هم فيه من ضلال، خوفا عليهم من عذاب المك الجبار ويبشّرهم بأنّ ربَّهم رحيمٌ بعباده، ودود بهم، ﴿ وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ ﴾.
وما أكثر البلايا في الأمة والمجتمع والبيوتات المسلمة وعند الفرد المسلم والتي تستوجب عقوبة الله وسخطه وعذابه، ومنع ذلك يكون بالاستغفار ذلكم السلاح الذي يملكه كل أحد.
وتروي كتب التاريخ وتتتابع الأخبار والمنقولات عن أخبار المستغفرين وكيف أن الله جعل لهم من ضيق مخرجا فحققوا ما يريدون وما استصعب عليهم بل وما استحال عليهم بشريعة الاستغفار.
يقول ابن القيم رحمه الله:"وشهدتُ شيخَ الإسلام
ابنَ تيميه رحمه الله إذا أعيَته المسائل واستعصَت عليه فرَّ منها إلى التوبة والاستغفار والاستعانة بالله واللجوء إليه واستنزال الصوابِ من عنده فيفتح الله عليه ،كثير من الناس يشتكي قلة الرزق وقلة ذات اليد مع كثرة المصروفات والالتزامات وتراكم الديون وكثرتها وتعقد الحياة حتى أصبحت الكماليات ضروريات، فتجده يتضجر في المجالس ويشتكي إلى فلان وعلان من الذين لا يملكون له رزقًا، ويغفل هذا وأمثاله عن أسباب الرزق الشرعية التي جاء بها الدين وذكرها الله في كتابه المبين وبينها النبي الكريم ومنها الاستغفار.
جاء رجل إلى الحسن البصري يشكو إليه الجدب والقحط، فأجابه قائلاً: استغفر الله، ثم جاءه رجل آخر يشكو الحاجة والفقر، فقال له: استغفر الله، ثم جاءه ثالثُ يشكو قلة الولد، فقال له: استغفر الله، فعجب القوم من إجابته، فقالوا له في ذلك؟ فقال: ما قلت من عندي شيئاً؛ إن الله تعالى يقول في سورة نوح: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾.
نعم أيها المصلون إن للاستغفار أثراً في الدنيا على المستغفرين حيث يمدهم الله بالأموال والبنين والرحمة ويمنع عنهم العذاب قال تعالى ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: كان لنا أمانان ذهب أحدهما وهو كون الرسول فينا، وبقي الاستغفار معنا فإن ذهب هلكنا.
وفائدة كبيرة من الاستغفار نأخذها من هذا الحديث الشريف عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ِ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {ما من رجلِ يذنب ذنبا ثم يقوم فيتطهر فيحسن الوضوء ثم يقوم فيصلي ركعتين ثم يستغفر الله عز وجل إلا غفر له}، ثم تلا عليه الصلاة والسلام قول الحق جل وعلا ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ تلك هي الحياة الإسلامية التي ترتبط بالله، وتدرك أن الأمور كلها مغاليقها ومفاتيحها وأسبابها ومنعها بيد الله سبحانه وحده لا شريك له.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة العاشرة بعد المئة في موضوع الشكور وهي بعنوان : الإستغفار يصقل القلوب
ومع أهمية ارتباط القلوب بالله دائما إلا أنها تغشاها سحابة من السواد بسبب الذنوب أو الغفلة وتحتاج إلى صقل وإذابة فهذا رسولنا صلى الله عليه وسلم يقول {إنه ليغان على قلبي - أي يغشى على قلبي - وإني لأستغفر الله في اليوم والليلة مائة مرة} وفي الحديث الصحيح {إنّ المؤمنَ إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تَاب ونزع واستغفر صُقِل قلبه، فإن زاد زادت، فذلك الران الذي ذكره الله في كتابه ﴿ كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ﴾.
ومن فوائدِ الاستغفار : إنه يطرد الشيطان الرجيم ففي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال {إن الشيطان قال: وعزتك يا رب! لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أجسادهم في أجسادهم، فقال الرب تبارك وتعالى: وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني}.
وأثر عظيم أخر ينتظره الإنسان في وقتٍ يكون فيه أشد احتياجًا إلى ما ينفعه بين يدي الله عز وجل، في وقتٍ تنقطع فيه الأسباب وتنعدم فيه الإعانة، يحتاج حينئذٍ إلى ذلك الاستغفار الذي لهج به لسانه وخفق به قلبه، يقول صلى الله عليه وسلم {من أحب أن تسره صحيفته يوم القيامة فليكثر فيها من الاستغفار} وفي الحديث الأخر: {طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارا كثيرا} كل ذلك من أقوال سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، وانظروا إلى تطبيقه العملي، يروى الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يعدون للنبي صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد سبعين مرة وفي بعض الروايات مائة مرة أنه يقول: {أستغفرك وأتوب إليك}.
واستغفاره صلى الله عليه وسلم استغفار لأمته.. فعليكم - يا معاشر المسلمين - بالاستغفار، أكثروا منه في بيوتكم، وعلى موائدكم وعلى فرشكم، وفي طرقكم وأسواقكم وسياراتكم وأينما كنتم، فإنكم لا تدرون متى تنزل المغفرة، ولذا قال لقمان لابنه: يا بني عوّد لسانك اللهم اغفر لي، فإن لله ساعات لا يرد فيها سائلاً.
ليكن الاستغفار ماحياً للذنوب والخطايا محققاً للسعادة والرخاء للفرد المسلم والمجتمع المسلم والأمة المسلمة جالبا لخيرات الأرض و بركات السماء ليكن الاستغفار سلاحا يصد به عاديات الظلم والطغيان وتسلط الأعداء ومنكرات السفهاء والأمراض المعدية والزلازل والفيضانات وسائر الابتلاءات.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾[الأنترنت – موقع الألوكة - نعمةالاستغفار - فهد بن عبدالله الصالح]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الحادية عشرة بعد المئة في موضوع الشكور وهي بعنوان : *شكرا لله على نعمة الإيمان
إن أوَّل ما أراد الله تعالى أن يعلِّمه لنبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم من العلوم هو العقيدة، فهي أساس كل عِلْم، والأساس هو الأصل الذي يُبنى عليه غيرُه، فهي أصل؛ أصل للعبادة، أصل للتعامل، أصل للمآل والعاقبة. لذلك؛ نجد أن الله تعالى عندما أنزل الكلمات الأُوَل، كانتْ هذه الكلمات داعية إلى العلم، مع أنها أوَّل الكلمات، ومَبدأ العبارات؛ قال تعالى: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [العَلَق: 1].
بل نجدُ أنَّ أوَّل كلمة إلهيَّة نزلتْ في القرآن الكريم هي "اقرأ"، ثم إن العجبَ العُجاب في هذه الآية أن الدعوة إلى العلم استمرَّتْ وتواصلتْ: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾، ثم:﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾ [العلق: 3]،ثم:﴿ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾ [العلق: 4]، ثم قال سبحانه: ﴿عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾[العلق: 5].
وعن عائشة رضي الله عنه قالتْ: "أوَّل ما بُدِئ به رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلاَّ جاءتْ مثل فَلَق الصبح، ثم حُبِّب إليه الْخَلاء، فكان يلحق بغارِ "حِراء"، فيتحنَّثُ فيه – قال: والتحنُّث التعبُّد - الليالي ذوات العَدد قبل أن يرجعَ إلى أهله، ويتزوَّد لذلك، ثم يرجع إلى خديجة، فيتزوَّد بمثلها، حتى فَاجأه الحقُّ وهو في غار حراء"، فجاءَه الملك، فقال: اقرأ، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ما أنا بقارئ)) قال: ((فأخذني، فغطني؛ حتى بلغَ منِّي الْجَهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأْ، قلتُ: ما أنا بقارئ، فأخَذَني فغطَّني الثانية؛ حتى بلَغَ منِّي الْجَهد، ثم أرْسَلَني، فقال: اقرأْ، قلتُ: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطَّني الثالثة؛ حتى بلَغَ منِّي الْجَهد، ثم أرْسَلَني، فقال: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 1- 5].
قال الإمام ابنُ كثير في تفسيره: "فأوَّل شيءٍ نزَلَ من القرآن هذه الآيات الكريمات المباركات، وهنَّ أوَّل رحمة رَحِم الله بها العباد، وأوَّل نعمة أنْعَمَ الله بها عليهم، ثم قال: وإن مِن كَرَمه تعالى أنْ علَّم الإنسان ما لم يعلمْ، فشرَّفه وكَرَّمه بالعلم، وهو القَدْر
الذي امتازَ به أبو البشريَّة آدمُ على الملائكة".
ثم تجد أن أول ما أوجبَ الله على رسوله تعلُّمه هو عِلم العقيدة التي أشار تعالى إليها في كلمة التوحيد، وكأنَّها الرمز الحقيقي الشامل لهذا العلم، فقال عزَّ وجلَّ: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [محمد: 19].
قال سيد طنطاوي في تفسيره: ("فاعلم أنه لا إله إلا الله": واثبتْ على هذا العلم واعمل بمقتضاه، واستمر على هذا العمل).
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثانية عشرة بعد المئة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *شكرا لله على نعمة الإيمان
يقول الشيخ السعدي: "وهذا العلم الذي أمر الله به - وهو عِلم توحيد الله - فَرْضُ عينٍ على كل إنسان، لا يسقط عن أحدٍ كائنًا مَن كان".
ولو سأل إنسانٌ سؤالاً، كيف لي أن أتعلَّم العقيدة؟ فالجواب: إنَّ السبيل الأول لمعرفة ذلك هو معرفة أركان الإيمان :
فهذا نبيُّنا صلَّى الله عليه وسلَّم كان يَحْرِص حِرْصًا شديدًا على أن يُعلِّمَ أتباعه هذه الأركان، ولأهميَّة تعلُّمها كان الوحْي بنفسه يشارِك في تعليم أصحاب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم هذه الأركان.
فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ، إذ طلع علينا رجلٌ شديد بياضِ الثياب، شديد سواد الشعر، لا يُرى عليه أثَرُ السفر، ولا يعرفه منَّا أحدٌ، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسْنَدَ رُكْبَتيه إلى رُكْبَتيه، ووضَعَ كَفَّيه على فَخذيه، وقال: يا محمد، أخْبِرني عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الإسلام أنْ تشهدَ أنْ لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، وتُقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحجَّ البيت إنِ استطعتَ إليه سبيلاً))، قال: صَدَقْتَ، قال: فعجبْنا له يسأله ويصدِّقه، قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: (أنْ تؤمِنَ بالله وملائكته وكُتبه، ورُسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقَدَر خيرِه وشره)، قال: صَدَقْتَ، قال: فأخبرني عن الإحسان، قال: (أنْ تعبَدَ الله كأنَّك تراه، فإن لم تكنْ تراه، فإنَّه يراك)، قال:فأخبرني عن الساعة، قال:(ما المسؤول عنها بأعلمَ من السائل)، قال: فأخبرني عن أمارتها، قال:(أنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتها، وأنْ ترى الْحُفاة العُراة العالَة رِعاء الشَّاء يتطاولون في البنيان)، قال: ثم انطلق فلبثتُ مَليًّا، ثم قال لي: (يا عمر، أتدري مَن السائل؟)، قلتُ: الله ورسوله أعلم، قال: (فإنه جبريل أتاكم يعلِّمكم دينَكم)؛ رواه مسلم.
ولأهميَّة هذه الأركان نقفُ اليوم عند الركن الأول من هذه الأركان: وهو الإيمان بالله تعالى فتعالوا إخوتي نؤمِن ساعة؛ عسى أن يكتبَنا الله من أهل الإيمان.
إن الإيمان: هو الاعتقاد الجازم بأن الله ربُّ كلِّ شيءٍ ومَلِيكه وخَالقه، وأنه الذي يستحقُّ وحْدَه أن ينفرِدَ بالعبادة، وأنه المتَّصِف بصفات الكمال المنزَّه عن كلِّ نَقْصٍ. وهذا الإيمان يتضمَّن توحيد الله تعالى بثلاثة أمور، وهي:
أولاً: توحيد الربوبيَّة، ومعنى توحيد الربوبيَّة:
الاعتقاد بأن الله ربُّ كلِّ شيءٍ لا ربَّ غيره، ومعنى "ربّ كلِّ شيءٍ": أي: المتفرِّد وحْدَه بِخَلق الخلائق وملكِهم، وتدبير شؤونهم، لا يشاركه في ذلك أحدٌ. قال تعالى: ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ﴾ [الأعراف: 54].
قال أهْلُ التفسير: "يخبِرُ تعالى بأنه خَلق هذا العالَم؛ سماواته وأرضه، وما بين ذلك في ستة أيام، كما أخْبَرَ بذلك في غير ما آية من القرآن، والستة الأيام هي: الأحد، والاثنين، والثلاثاء، والأربعاء، والخميس، والجمعة، وفيه اجتمع الْخَلق كلُّه، وفيه خُلِق آدمُ - عليه السلام".
فكلمة "وما بين ذلك"؛ يعني: "كل شيء ما بين السماوات والأرض". وهذا النوع من أنواع التوحيد أفْصَحَ القرآن الكريم عنه إفصاحًا كبيرًا، لا تَكَاد تجدُ سورة إلا وأشارتْ إلى خَلْق الله وقدرته وتدبيره سبحانه وتعالى جلَّ شأنه. ومَن الذي يستحقُّ الربوبيَّة سوى الله؟ مَن الذي خَلَق ورَزَق؟ مَن الذي أماتَ وأحيا؟ من الذي أضلَّ وهَدَى؟ إنَّه الله وحْدَه لا إله إلا هو، حتى قال الله عنهم: ﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾ [يوسف: 106].
حتى أهْل الكفر والنفاق اعترفوا بذلك،ولئن سألتَهم مَن خَلَق السماوات والأرض، ليقولنَّ الله، نعم يقولون:إنه الله تعالى لكنَّهم يعبدون غيرَه استكبارًا، فلم يخرجْهم اعترافُهم من دائرة الكفر إلى الإيمان؛ إذ يقتضي ذلك الإيمان بكلِّ أنواع التوحيد وليس بعضها؛ إذ إنَّ توحيد العبد في ربوبيَّته لا يعني أنه يوحِّده في إلوهيَّته.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثالثة عشرة بعد المئة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *شكرا لله على نعمة الإيمان :
ثانيًا: توحيد الألوهيَّة، ومعنى هذا النوع من التوحيد: الاعتقاد الجازم بأن الله تعالى هو الإله الحق، لا إله غيره، وإفراده بالعبادة.
أنت أيها العابد المؤمن بالألوهيَّة، تعبد الله وحْدَه، وتُخْلِص المحبَّة له، وكذا الخوف والرجاء، والدعاء والتوكُّل، والتذلُّل والخضوع، وكل أنواع العبادات.
قال ابن تيميَّة: "وهذا التوحيد هو الفارق بين الموحِّدين والمشركين، وعليه يقعُ الثواب والجزاء"؛ "رسائل الحسنة والسيِّئة" ص 261.
ولو فكَّرتَ في كلمة التوحيد (لا إله إلا الله)، لوجدتَ أنها مبنيَّة على توحيد الألوهيَّة، وأنَّه الأساس فيها، مما يدلُّ على أنه التوحيد المشتمل على كلِّ أنواع التوحيد، ففيها النفي:
أولاً: نفي الألوهيَّة، والإثبات ثانيًا، إثبات الألوهيَّة، واشتملتْ على الْحَصْر؛ ليفيد أنَّه ما من إله إلا الله؛ كما قرَّر القرآن الكريم، فقال: ﴿ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [آل عمران: 62].
فيا لعِظَم هذه الكلمة، ويا لمكانتها في قلب المؤمن، فلا يستشعر بها إلا مَن ذَاق طعْمَها، ووَقَف عندها، فإن ساحِلَها عظيم،ٌ وإن خيرَها عميمٌ، فهنيئًا لِمَن أقرَّها وآمن بها.
فقد بُني الإسلام كلُّه على خَمس؛ "لا إله إلا الله"
أوَّلها، ويدخل العُصاة النار، فيخرج منها حافظُها، ويَسعد بشفاعة نبيِّنا وحبيبِنا صلَّى الله عليه وسلَّم قائلها.
ومِن شَرَفِها ومكانتها وعِظَمها أنها لا تُعادَل بشيءٍ ولا تُقَدَّر بثمن أبدًا مَهْمَا كان هذا الثمن؛ فعن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله سيخلص رجلاً من أُمَّتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فينشر عليه تسعة وتسعين سِجلاًّ، كلُّ سِجلٍّ مثل مَدِّ البصر، ثم يقول له: أتنكرُ شيئًا من هذا؟ أظَلَمك كَتَبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: أفلك عذرٌ أو حَسَنة؟ فيُبْهَت الرجل ويقول: لا يا رب، فيقول: بَلَى، إنَّ لك عندنا حَسَنة، وإنَّه لا ظُلْمَ عليك اليوم، فيُخْرَج له بطاقةٌ فيها: أشهد أنْ لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا عبده ورسوله، فيقول: أحْضِر وزْنَك، فيقول: يا رب، ما هذه البطاقة مع هذه السِّجلات؟ فيقول: إنَّك لا تُظْلم، قال: فتُوضَع السجلات في كِفَّة والبطاقة في كِفَّة، فطاشَتِ السجلات وثَقُلَتِ البِطاقة، يُقال: فلا يَثْقُل مع اسمِ الله شيءٌ))؛ رواه ابن حِبَّان وغيره، وقال الأرناؤوط: إسنادُه صحيح. فليعلمِ المؤمن أنَّه سيُسألُ عن توحيده لربِّه في ربوبيَّته وألوهيَّته.
ثالثًا: توحيد الأسماء والصفات، وهذا هو النوع
الثالث من أنواع التوحيد، نعم أيُّها الأحبَّة الكرام، وواجبُك تجاه هذا النوع من التوحيد هو الاعتقاد الجازم - الذي لا يقبل أيَّ شَكٍّ - بأن الله مُتَّصِفٌ بجميع صفات الكمال، مُنزَّه عن جميع صفات النَّقْص، مُتفرِّد بذلك عن جميع الكائنات، وإثبات ما أثبتَه سبحانه لنفسه وما أثبتَه له نبيُّه صلَّى الله عليه وسلَّم من غيرتشبيه بشيءٍ من صفات الخلائق ؛ لأن الله: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ [الشورى: 11].
ولا تعطيل بالنفي أو العمل، ولا تكييف بتحديدِ مكانها أو جِهتها، ولا تمثيل؛ ﴿ فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ ﴾ [النحل: 74]. فلا تسألْ عمَّا لَم يخبرْك الله به من الصفات، وليكنْ شعارُك: "الكيف مجهول، والسؤال عنها بدعة، والإيمان بها واجبٌ". فلا تصفْ ربَّك إلا بما وَصَف به نفسَه، عند هذا تكون من أهل الملَّة والإيمان.
إخوتي في الله، هذا هو الإيمان بالله، ليس أمرًا صعبًا، ولا اعتقادًا مستحيلاً، وليس شيئًا ثقيلاً، وإنما ثَقُلَتْ بعضُ النفوس عن الإيمان بربِّها؛ لأنها عمدتْ على القلوب فحَجَبتْها، ومُدَّتْ إلى الآذان فصَمَّتْها، وعلى الأعين فأعْمَتْها، فأضلَّهم الله، ومَن يهدي مَن أضلَّ الله؟!
[الأنترنت – موقع الألوكة - نعمة الإيمان بالله تعالى - الدكتور مثنى الزيدي]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الرابعة عشرة بعد المئة في موضوع الشكور وهي بعنوان :
*أثر الإيمان بالله في تحقيق الأمن النفسي لدى الفرد والمجتمع وأنه نعمة تستحق الشكر
حديثنا اليوم عن قضية العصر ألا وهي الأمن والأمان وسيدور حديثنا عن أخطر أنواع الأمن ألا وهو الأمن النفسي فما المراد بالأمن النفسي؟ وكيف يحقق الإيمان بالله تعالى الأمن النفسي للفرد والمجتمع؟.
*تعريف الأمن النفسي
الأمن النفسي عباد الله هو: شعور المرء بالسكينة والراحة والاطمئنان على النفس والرزق والمال، فهو شعور يدفع صاحبه إلى الرضا بالله ربا مدبرا رازقا خالقا وعندها يجد المسلم نفسه لا يخاف من أحد إلا الله و لا يخاف من الحاضر و لا المستقبل لأن الذي يدير الكون هو الرب الرحيم الحافظ... يقول الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82] وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 175].
أما إذا افتقد الإنسان الأمن النفسي فإنه يعيش في قلق وخوف ويعاني من الشعور بالاكتئاب والاضطراب الذي يحول حياة المرء إلى جحيم لا يطاق يدفعه إلى المعاصي وربما يزجه في هوة الانتحار.
*الإيمان بالله وأثره في تحقيق الأمن النفسي
الإيمان بالله - تعالى - هو صمام الأمن والأمان لدى الفرد والمجتمع فالإيمان به سبحانه وتعالى خالقا مدبرا رازقا يحيي ويميت يجعل الإنسان يعيش في أمن وسكينة واطمئنان.
أولا: الإيمان بتدبير الله تعالى وأثره النفسي : فعندما تؤمن بأن الله تعالى هو الذي يدبر الأمور وهو الذي يسير الحياة بقدرته و قوته عندها يجد المسلم برد الأمن في قلبه ونفسه ﴿ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴾ [يونس: 31].
فإن الله تعالى قد أخبرنا في القرآن بأنه يدبر الأمر، وتدبيرالأمريعم تقديره وتسهيله وإنفاذه على أحسن حال وأحمده عاقبة، فقد قال البيضاوي: يدبر الأمر : يقدرأمرالكائنات على ما اقتضته حكمته، وسبقت به كلمته،ويهيئ بتحريكه أسبابها وينزلهامنه،والتدبير
النظر في أدبار الأمور لتجيء محمودة العاقبة. اهـ.
وقال ابن كثير: يدبر الأمر أي: يدبر أمر الخلائق: ﴿ لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ﴾ [سبأ: 3] ولا يشغله شأن عن شأن، ولا تغلظه المسائل، ولا يتبرم بإلحاح الملحين، ولا يلهيه تدبير الكبير عن الصغير، في الجبال والبحار والعمران والقفار: ﴿ وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين ﴾ [هود: 6] ﴿ وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين ﴾ [الأنعام: 59]. اهـ.
لو كنت تعلم كيف يدبر الله لك الأمور لا زدت له حبا!!!.
إنك تدعو الله فيما تحب، فإذا وقع ما تكره فلا تخالف الله فيما أحب. قال داوود عليه السلام: "رب أي عبادك أبغض إليك"؟. قال: عبد استخارني في أمر فخرت له فلم يرض به.
من خرج عن تدبيره لنفسه كان الله هو القائم بحسن التدبير له؛ لأنه قد فوض أمره إليه، ومن يتوكل على الله فهو حسبه.
يا ابن آدم لا تدبر لك أمرا ******* فأولو التدبير هلكى
فوض الأمر إلينا **************تجدنا أولى بك منك
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الخامسة عشرة بعد المئة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
*أثر الإيمان بالله في تحقيق الأمن النفسي لدى الفرد والمجتمع وأنه نعمة تستحق الشكر
*قصة سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ذكر الحافظ الطبراني أن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ركبت البحر فانكسرت سفينتي التي كنت فيها فركبت لوحا من ألواحها فطرحني اللوح في أجَمة فيها الأسد فأقبل إليَّ يريدني فقلت: يا أبا الحارث أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فطأطأ رأسه، وأقبل إليَّ فدفعني بمنكبه حتى أخرجني من الأجمة ووضعني على الطريق، وهَمْهم, فظننت أنه يودعني فكان ذلك آخر عهدي به) أخرجه الحاكم.
*قصة رجل بالبادية: تأملوا في تدبيرالمدبرجل جلاله لعبد من عباده وأنه سبحانه أرحم بعبده من نفسه.
عن مسروق قال: كان رجل بالبادية له كلب وحمار وديك فالديك يوقظهم للصلاة والحمار ينقلون عليه الماء وتحمل لهم خباءهم والكلب يحرسهم قال فجاء ثعلب فأخذ الديك فحزنوا لذهاب الديك وكان الرجل صالحا فقال عسى أن يكون خيرا ثم مكثوا ما شاء الله ثم جاء ذئب فخرق بطن الحمار فقتله فحزنوا لذهاب الحمار فقال الرجل الصالح عسى أن يكون خيرا ثم مكثوا ما شاء الله ثم أصيب الكلب فقال الرجل الصالح عسى أن يكون خيرا ثم مكثوا ما شاء الله بعد ذاك فأصبحوا ذات يوم فنظروا فإذا قد سبى من حولهم وبقوا هم وانما أخذوا أولئك لما كان عندهم من الصوت والجلبة ولم يكن عند أولئك شيء يجلب قد ذهب كلبهم وحمارهم وديكهم) (الرضا عن الله بقضائه (ص: 62).
ثانيا: الإيمان بان الأرزاق بيدي الخلاق وأثره النفسي يكفل للمرء بأنه له رب يرزقه و يكفله تكفل برزقه فهو الرزاق الذي يرزق الخلق جميعا فقد كفل الله تعالى لك الرزق وأنت في بطن أمك، عن عبد الله قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) أخرجه البخاري.
*إن من أسماء الله تعالى الرزاق فهو الذي يرزق جميع الكائنات ولا فرق بين مسلم ولا كافر فمن اليقين، اليقين بما عند الله تعالى من رزق فالله تعالى قد تكفل برزق جميع الكائنات حتى أهل الكفر و العصيان يقو ل الله تعالى: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ * وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾ [هود: 6: 7 ].
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السادسة عشرة بعد المئة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
*أثر الإيمان بالله في تحقيق الأمن النفسي لدى الفرد والمجتمع وأنه نعمة تستحق الشكر
قال الإمام الغزالي - رحمه الله - الرزاق هو الذي خلق الأرزاق والمرتزقة وأوصلها إليهم وخلق لهم أسباب التمنع بها والرزق رزقان ظاهر وهي الأقوات والأطعمة وذلك للظاهر وهي الأبدان وباطن وهي للعارف والمكاشفات وذلك للقلوب والأسرار وهذا أشرف الرزقين فإن ثمرتها حياة الأبد وثمرة الرزق الظاهر قوة الجسد إلى مدة قريبة الأمد والله تعالى هو المتولي لخلق الرزقين والمتفضل بالإيصال إلى كلا الفريقين ولكنه يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وغاية حظ العبد من هذا الوصف أمران، أحدهما أن يعرف حقيقة هذا الوصف وأنه لا يستحقه إلا الله تعالى فلا ينتظر الرزق إلا منه ولا يتوكل فيه إلا عليه.
وقيل لحاتم الأصم: من أين تأكل؟
فقال: من عند الله، فقيل له: الله ينزل لك دنانير ودراهم من السماء؟
فقال: كأن ماله إلا السماء! يا هذا الأرض له والسماء له، فإن لم يؤتني رزقي من السماء ساقه لي من الأرض، وأنشد:
وكيف أخاف الفقر والله رازقي ****** ورازق هذا الخلق في العسر واليسر
تكفل بالأرزاق للخلق كلهم ********* وللضب في البيداء والحوت في البحر) (تفسير القرطبي)
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الرزق ليطلب العبد كما يطلبه أجله (صحيح الترغيب والترهيب).
أن تعلم أخي أن الرزق ليس له إلا مصدر واحد ألا وهو الواحد سبحانه وتعالى فلا معطي ولا مانع ولا معز ولا مذل إلا هو الرازق الرزاق قال الله تعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ﴾ [الروم:40] قال الشاعر :
ولو كانت الأرزاق تجري على الحجا **** هلكن إذاً من جهلهن البهائم
ولم يجتمع شرق وغربٌ لقاصد ولا ****** المجد في كف امرئ والدراهمُ
ثالثا: الإيمان بأن الله هو المحيي المميت
يملأ القلب سكينة وشجاعة وثقة بأن الأرواح بيد الله تعالى فهو المحيي المميت وعندها لا يفزع المسلم ولا يخاف إلا من الله تعالى يتحقق له الأمن النفسي على نفسه.
يستشعر المسلم مدى حفظ الحفيظ له كما في وصية النبي – صلى الله عليه وسلم لابن عباس – رضي الله عنهما - عن النبي –صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال: "كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً، فقال: يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف" رواه الترمذي. وقال: حديث حسن صحيح، وفي رواية غير الترمذي "احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك. وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا") أخرجه أحمد.
حفظه - سبحانه - له في مصالح دنياه، كحفظه في بدنه وولده وأهله وماله، قال الله - عز وجل -: ﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ ﴾ (الرعد: 11). قال ابن عباس: هم الملائكة يحفظونَهُ بأمرِ الله، فإذا جاء القدر خَلُّوْا عنه (أخرجه الطبري).
وقال عليٌّ - رضي الله عنه -: "إنَّ مع كلِّ رجلٍ ملكين يحفظانه مما لم يقدرْ فإذا جاء القدر خلّيا بينه وبينَه، وإنَّ الأجل جُنَّةٌ حصينة" أخرجه الطبري.
وقال مجاهد: "ما مِنْ عبدٍ إلاَّ له مَلَكٌ يحفظه في نومه ويقظته من الجنّ والإنس والهوامِّ، فما من شيء يأتيه إلا قال: وراءك، إلا شيئاً أذن الله فيه فيصيبه" أخرجه: الطبري.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السابعة عشرة بعد المئة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
*أثر الإيمان بالله في تحقيق الأمن النفسي لدى الفرد والمجتمع وأنه نعمة تستحق الشكر
وقال تعالى ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنظِرُونِ ﴾
إن كان الأمر قد بلغ منكم مبلغ الضيق، فلم تعودوا تتحملون بقائي فيكم ودعوتي لكم؛ وتذكيري لكم بآيات الله. فأنتم وما تريدون وأنا ماض في طريقي لا أعتمد إلا على الله:﴿ فعلى الله توكلت ﴾..
عليه وحده فهو حسبي دون النصراء والأولياء.
﴿ فأجمعوا أمركم وشركاءكم ﴾ وتدبروا مصادر أمركم وموارده، وخذوا أهبتكم متضامنين:
﴿ ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ﴾.... بل ليكن الموقف واضحاً في نفوسكم، وما تعتزمونه مقرراً لا لبس فيه ولا غموض، ولا تردد فيه ولا رجعة.
﴿ ثم اقضوا إلي ﴾... فنفذوا ما اعتزمتم بشأني وما دبرتم، بعد الروية ووزن الأمور كلها والتصميم الذي لا تردد فيه.. ﴿ ولا تنظرون ﴾.. ولا تمهلوني للأهبة والاستعداد، فكل استعدادي، هو اعتمادي على الله وحده دون سواه.
إنه التحدي الصريح المثير، الذي لا يقوله القائل إلا وهو مالئ يديه من قوته، واثق كل الوثوق من عدته، حتى ليغري خصومه بنفسه، ويحرضهم بمثيرات القول على أن يهاجموه! فماذا كان وراء نوح من القوة والعدة؟ وماذا كان معه من قوى الأرض جميعاً؟
كان معه الإيمان.. القوة التي تتصاغر أمامها القوى، وتتضاءل أمامها الكثرة، ويعجز أمامها التدبير. وكان وراءه الله الذي لا يدع أولياءه لأولياء الشيطان!.
إنه الإيمان بالله وحده ذلك الذي يصل صاحبه
بمصدر القوة الكبرى المسيطرة على هذا الكون بما فيه ومن فيه. فليس هذا التحدي غروراً، وليس كذلك تهوراً، وليس انتحاراً. إنما هو تحدي القوة الحقيقية الكبرى للقوى الهزيلة الفانية التي تتضاءل وتتصاغر أمام أصحاب الإيمان.
وأصحاب الدعوة إلى الله لهم أسوة حسنة في رسل الله.. وإنه لينبغي لهم أن تمتلئ قلوبهم بالثقة حتى
تفيض. وإن لهم أن يتوكلوا على الله وحده في وجه الطاغوت أياً كان!.
ولن يضرهم الطاغوت إلاَّ أذى - ابتلاء من الله لا
عجزاً منه سبحانه عن نصرة أوليائه، ولا تركاً لهم
ليسلمهم إلى أعدائه . (في ظلال القرآن).
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثامنة عشرة بعد المئة في موضوع الشكور وهي بعنوان :
*صور مشرقة من الثقة النفسية في حفظ رب البرية : تأمل في ثقة النبي بالرب العلي لما أخذ غورث بن الحارث سيفه و هم بقتله ما هز ذلك شعرة في جسد النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سأله من ينجيك مني الآن قال النبي وهو الواثق بربه الله ، فعن جابر، أنه غزا مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - قبل نجد، فلما قفل النبي - صلى الله عليه وسلم -، أدركتهم القائلة في واد كثير العضاة، فنزل النبي - صلى الله عليه وسلم - وتفرق الناس يستظلون بالشجر، ونزل النبي - صلى الله عليه وسلم - تحت سمرة، وعلق بها سيفه، ونمنا نومة، فإذا النبي، - صلى الله عليه وسلم -، يدعونا، وإذا عنده أعرابي، فقال: «إن هذا اخترط على سيفي، وأنا نائم فاستيقظت، وهو في يده صلتا»، فقال: من يمنعك مني؟ قلت: «الله، ثلاثا»، فشام السيف ولم يعاقبه، وجلس. أخرجه البخاري.
*تسخير الله العقرب لدفع أذى الحية عن نائم:
حكي عن إبراهيم بن أدهم أنه قال كنت ضيفاً لبعض القوم فقدم المائدة، فنزل غراب وسلب رغيفاً، فاتبعته تعجباً، فنزل في بعض التلال، وإذا هو برجل مقيد مشدود اليدين فألقى الغراب ذلك الرغيف على وجهه.
وروى ذي النون أنه قال: كنت في البيت إذ وقعت ولولة في قلبي، وصرت بحيث ما ملكت نفسي، فخرجت من البيت وانتهيت إلى شط النيل، فرأيت عقرباً قوياً يعدو فتبعته فوصل إلى طرف النيل فرأيت ضفدعاً واقفاً على طرف الوادي، فوثب العقرب على ظهر الضفدع وأخذ الضفدع يسبح ويذهب، فركبت السفينة وتبعته فوصل الضفدع إلى الطرف الآخر من النيل، ونزل العقرب من ظهره، وأخذ يعدو فتبعته، فرأيت شاباً نائماً تحت شجرة، ورأيت أفعى يقصده فلما قربت الأفعى من ذلك الشاب وصل العقرب إلى الأفعى فوثب العقرب على الأفعى فلدغه، والأفعى أيضاً لدغ العقرب، فماتا معاً، وسلم ذلك الإنسان منهما.
ويحكى أن ولد الغراب كما يخرج من قشر البيضة يخرج من غير ريش فيكون كأنه قطعة لحم أحمر، والغراب يفر منه ولا يقوم بتربيته، ثم أن البعوض يجتمع عليه لأنه يشبه قطعة لحم ميت، فإذا وصلت البعوض إليه التقم تلك البعوض واغتذى بها، ولا يزال على هذه الحال إلى أن يقوى وينبت ريشه ويخفى لحمه تحت ريشه، فعند ذلك تعود أمه إليه، ولهذا السبب جاء في أدعية العرب: يا رازق النعاب في عشه، فظهر بهذه الأمثلة أن فضل الله عام، وإحسانه شامل، ورحمته واسعة. ( تفسير الرازي).
*قصة ابن أبي الحسن الزاهد:
كان الملك ابن طولون ظالم من ظلمة الحكام، وقل أن يأتي إليه إنسان ويأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر إلا ويقطع رقبته، حتى إنه قتل ثمانية عشر ألف إنسان صبرا، والصبر هو أشد أنواع القتل يجوع حتى يموت .جاءه الإمام ابن أبي الحسن الزاهد وقال له: يا ابن طولون إنك قد ظلمت وفعلت، وفعلت وأنَّبه وتكلم عليه فاشتد ابن طولون وأمر بحبسه، لما حبسه أمر ابن طولون بتجويع أسد ثلاثة أيام، وعندما جوع الأسد اجتمع الناس وفي مقدمتهم ابن طولون ووضع، وجيء بأبي الحسن الزاهد، ووضع أمام الأسد في حلبة.
تصوروا إنسانا ضعيفا أعزل أمام أسد جائع له ثلاثة أيام لم يأكل، فلما رآه الأسد بدأ يزأر ويتقدم ويتأخر، والناس أيديهم على قلوبهم من المعركة غير المتكافئة، وأبو الحسن الزاهد قد أطرق مليا، لا يتحرك منه عضو في جسده كأنه لا يبالي، وبدأ يهدر هذا الأسد والناس بين خائف، ومكبر، ووجل، ووجدوا أن الأسد يتقدم ويتأخر، ثم جاء وطأطأ برأسه على أبي الحسن الزاهد وشمه ثم ذهب، وبدأ يفعل هذا برهة من الزمن، ثم طأطأ رأسه وانصرف في زاوية من المكان، وجلس ولم يمس أبا الحسن الزاهد بسوء، وكبر الناس وتعجبوا.
فقال أحمد بن طولون: ائتوني به، فجاءوا بالإمام الزاهد فسأله وقال: أريد أن أسألك سؤالا بماذا كنت تفكر والأسد يزأر ويصيح ويرفع صوته؟ قال: إن الأسد عندما جاء وشمني ومس ثوبي جلست أتأمل هل لعاب الأسد طاهر أو نجس؟ هذه القضية التي تشغله. قال: أما خفت من الأسد؟ قال: أبدا؛ لأن الله سبحانه وتعالى يكفيني إياه (صور من الثبات على الإيمان). [الأنترنت – موقع الألوكة - أثر الإيمان بالله في تحقيق الأمن النفسي لدى الفرد والمجتمع - السيد مراد سلامة ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثامنة عشرة بعد المئة في موضوع الشكور وهي بعنوان :
*صور مشرقة من الثقة النفسية في حفظ رب البرية :
*وقال د. سالم جمال الهنداوي : نعمة الأمن والمحافظة عليها وشكر الله عليها
إنَّ نِعَم الله عزَّ وجلَّ علينا كثيرة جدًّا، لا نستطيع عدَّها أو حصرها؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾ [إبراهيم: 34]، وقال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾ [لقمان: 20].
نعم؛ نعمُه كثيرة، وآلاؤه عظيمة، لو جلَسنا نُعدِّدها ما استطعنا، لكن هنالك نعمة في غاية الأهميَّة والخطورة ربما لا نشعُر بها، ولا نُعيرها اهتِمامنا كثيرًا، إنها نعمة الأمن والأمان، فيجبُ علينا إدراك قيمة هذه النِّعمة، وأنْ نتذكَّرها، وأنْ نعرف كيف نُحافِظ عليها، وأنْ نحذر من أسباب زوالها.
خاصَّة وأنَّ أعداءنا يُحاوِلون جادِّين زعزعة استِقرار بلادنا وأمننا، مستغلِّين في ذلك بعضًا من أبناء هذا الوطن، بتلويث أفكارهم وتحريضهم على ما يضرُّهم ولا ينفعُهم، فيجب علينا أنْ نعرف قدرَ هذه النِّعمة جيدًا، وأنْ نحافظ عليها بشتى أنواع الوسائل حتى نأمنَ في دِيننا ودِيارنا.
وقد قمتُ بتقسيم هذا الموضوع إلى ستة عناصر، وهي كالآتي:
1- أهميَّة الأمن في حياة الفرد والمجتمع:
إنَّ نعم الله عزَّ وجلَّ على عباده كثيرة، وآلاؤه لا تعدُّ ولا تُحصَى؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾ [إبراهيم: 34].
قال الإمام ابن كثير - رحمه الله -: يُخبِر الله عزَّ وجلَّ عن عجْز العباد عن تَعداد النِّعم، فضلاً عن القيام بشُكرها، كما قال طلْق بن حبيب - رحمه الله -: "إنَّ حقَّ الله أثقل من أنْ يقوم به العباد، وإنَّ نِعَمَ الله أكثر من أنْ يحصيها العباد، ولكن أصبحوا توَّابين وأمسوا توَّابين".
وفي "صحيح البخاري": أنَّ رسول الله صلَّى الله
عليه وسلَّم كان يقول: ((اللهُمَّ لك الحَمد غير مَكفيٍّ،
ولا مُوَدَّعٍ، ولا مُستَغنًى عنه ربَّنا)).
وقد رُوِي في الأثر: أنَّ داود عليه السلام قال: "يا رب، كيف أشكرك وشُكري لك نعمةٌ منك عليَّ؟ فقال الله تعالى: الآن شَكرتَنِي يا داود"؛ أي: حين اعتَرفتَ بالتقصير عن أداء شُكر النِّعَم.
وقال الشافعي رحمه الله: "الحمد لله الذي لا يُؤدَّى شُكر نعمة من نعمه، إلا بنعمةٍ تُوجب على مؤدى ماضي نعمه بأدائها، نعمة حادثة توجبُ عليه شكره بها".
وقال القائل في ذلك:
لَوْ كُلُّ جَارِحَةٍ مِنِّي لَهَا لُغَةٌ *******
تُثْنِي عَلَيْكَ بِمَا أَوْلَيتَ مِنْ حَسَنِ
لَكَانَ مَا زَادَ شُكْرِي إِذْ شَكَرْتُ بِهِ ***** إِلَيْكَ أَبْلَغَ فِي الإِحْسَانِ وَالْمِنَنِ[ "تفسير ابن كثير" (4/511 - 512) ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة التاسعة عشرة بعد المئة في موضوع الشكور وهي بعنوان : نعمة الأمن النفسي
لكن هنالك نعمة لا يستطيع فردٌ أو أسرةٌ، أو بلد
أو أمَّة أن تعيشَ بدونها، نعمةٌ لا يهنأ العيش بدونها، ولا يقرُّ قرارٌ عند فَقْدها، إنها النِّعمة التي يبحَثُ عنها الكثير، المسلم وغير المسلم، الصغير والكبير، الغني والفقير،هي نعمةٌ لا يُوجَد أعظم ولا أجلُّ منها إلاَّ نعمة واحدة (الإسلام) ؛
إنها نعمة الأمن والأمان.
هذه النعمة امتنَّ الله بها على قريش حين أعرضوا عن دِين محمد صلَّى الله عليه وسلَّم فقال سبحانه: ﴿ أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [القصص: 57]، وذكرهم بأحوال الذين فقَدُوها من حولهم؛ فقال - عزَّ مِن قائل -: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ... ﴾ [العنكبوت: 67] الآية، ثم جعلها لعظمها داعيًا لهم إلى الإيمان؛ فقال - جلَّ ذِكرُه -: ﴿ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ [قريش: 3 - 4].
وحين خاطب المولى سبحانه صحابةَ نبيِّه صلَّى الله
عليه وسلَّم ذكَّرهم أيضًا وامتنَّ عليهم بنصره لهم وإيوائه: ﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [الأنفال: 26].
إنَّ مِن أعظم نِعَمِ الله عزَّ وجلَّ على بني الإنسان - بعد نعمة الدِّين والإسلام - نعمة الأمن إنَّ حاجة الإنسان للأمن والاطمئنان كحاجته إلى الطعام والشراب والعافية للأبدان، كيف لا وقد جاء الأمنُ في القرآن والسنة مَقرُونًا بالطعام الذي لا حياة للإنسان ولا بقاء له بدونه؟! وقد امتنَّ الله به على عباده، وأمرهم أنْ يَشكُروا هذه النِّعَم بإخلاص العبادة له؛ فقال تعالى: ﴿ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ [قريش: 3 - 4]، وقال تعالى في الوعد بحسن الجزاء وعظيم المثوبة للمؤمنين: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82].
إذا عَمَّ الأمنُ البلادَ، وألقى بظلِّه على الناس، أَمِنَ الناس على دينهم، وأَمِنَ الناس على أنفسهم، وأَمِنَ الناس على عقولهم، وأمِنُوا على أموالهم وأعراضهم ومحارمهم، ولو كتَب الله الأمن على أهل بلد من البلاد، سارَ الناس ليلاً ونهارًا لا يخشَوْن إلا الله.
وفي رِحاب الأمن وظلِّه تعمُّ الطمأنينة النُّفوس، ويسودُها الهُدُوء، وتعمُّها السعادة؛ قال صلَّى الله عليه وسلَّم: ((مَن أصبح آمنًا في سِرْبِه، مُعافًى في جسده، عنده قوتُ يومه - فكأنما حِيزَتْ له الدُّنيا بحذَافِيرها)).
إِذَا اجْتَمَعَ الإِسْلاَمُ وَالقُوتُ لِلْفَتَى ******* وَكَانَ صَحِيحًا جِسْمُهُ وَهْوَ فِي أَمْنِ
فَقَدْ مَلَكَ الدُّنْيَا جَمِيعًا وَحَازَهَا ********** وَحَقٌّ عَلَيْهِ الشُّكْرُ للهِ ذِي الْمَنِّ
والناس في هذه الحياة لهم مَآربُ شتَّى، وأحوالٌ متعدِّدة،تختلف أديانهم وتوجُّهاتهم،وتختلف رغباتهم، إلا أنَّ هناك أمورًا هم جميعًا مُجمِعون على طلبها والبحث عنها، بل هي غاية كثيرٍ منهم، ويظهر هذا الأمر جليًّا وواضحًا في المطلب الذي يُكابِد من أجله شعوبٌ، ويسعى لتحقيقه فئامٌ كثيرون، إنَّه الأمن على النفس والمال والولد.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة العشرون بعد المئة في موضوع الشكور وهي بعنوان : الأمن في الأوطان
الأمن في الأوطان مطلب الكثير من الناس، بل هو مطلب العالم بأَسْرِه، حياةٌ بلا أمن لا تساوي شيئًا، كيف يعيش المرء في حالةٍ لا يأمن فيها على نفسه حتى من أقرب الناس إليه؟! خوف وذعر وهلع وترقُّب وانتظارٌ للغد، لا يفكر الإنسان في شيءٍ إلاَّ في حاله اليوم، ليس عنده تفكيرٌ في
مستقبل، وما كان ذلك إلاَّ بسبب فقدان الأمن.
أوَّل مَطلَب طلَبَه إبراهيم من ربِّه سبحانه هو أنْ يجعل هذا البلد آمِنًا؛ ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾ [إبراهيم: 35]، ويقول في آيةٍ أخرى: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 126].
فانظُروا هاتين الآيتين، فإبراهيم طلَب في الآية الأولى تحقيقَ الأمن؛ حتى يتحقَّق له عبادة الله على الوجْه الصحيح؛ ﴿ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾ [إبراهيم: 35]؛ لأنَّ الإنسان في حال الفِتنة والقلاقل يشغله الخوفُ عن عبادة ربِّه، وربما زاغَ كثيرًا عن الحقِّ، ألم يخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن أنَّ المتمسِّك بدينه في آخِرِ الزمان حين تكثُرُ الفتن كالقابض على الجمر؟!
أمَّا الآية الثانية فطلب إبراهيم تحقيق الأمن، ثم قال: ﴿ وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ ﴾ [البقرة: 126]؛ لأنَّ بلدًا لا أمن فيه كيف تستقيم للناس فيه أرزاقُهم؟! وهذا الواقع أمامكم ما إن تُعلَن حرب أو فتنة في بلد، حتى ينقل أرباب الأموال أموالهم إلى بلدانٍ أخرى، وما علموا أنَّ الحِفاظ على النفس أولى من الحِفاظ على المال، فالنفس تزولُ، والمال غادٍ ورائح، ولكن ﴿ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ﴾ [الفجر: 20].
عباد الله، الأمن مَطلَب الجميع، ولقد كانت قريش في الجاهلية قد جعلتْ نفسها مسؤولةً عن أمْن مكة والحجيج الوافدين إليها، حتى إذا جاء حاج فتعامَل مع أحد المقيمين في مكة ثم ظلَمَه حقه، نادَى هذا الرجل على أهل مكة بأعلى صوته طالبًا حقَّه، فاجتمعت قريش بأفخاذها وقبائلها في دار عبدالله بن جُدعان، فتحالفوا على ألاَّ يُظلَم في
مكة غريب ولا حر ولا عبد إلا كانوا معه.
روى البيهقيُّ وغيرُه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((لقد شهدتُ في دارعبدالله بن جُدعان حِلفَ الفضول، أمَا لو دُعِيت إليه اليومَ لأجبتُ، وما أحبُّ أنَّ لي به حمر النَّعم وأنِّي نقضته)ولما دخَل رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى مكة فاتِحًا، أمَر أنْ يُنادِي مناد:(مَن دخَل المسجد الحرام فهو آمِن، ومَن دخَل دارَه فهو آمِن، ومَن دخَل دارَ أبي سفيان فهو آمِن)؛ لأنَّ الناس إذا أمِنُوا على أنفسهم اطمأنُّوا،وزالَ عنهم الرعب، وعادت إليهم عقولهم.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الواحدة والعشرون بعد المئة في موضوع الشكور وهي بعنوان :
2- خطورة انفلات الأمن:
وإذا اختلَّ الأمنُ تبدَّل الحالُ، ولم يَهنَأ أحدٌ براحةِ بال،فيلحقُ الناسَ الفَزَعُ في عبادتهم،فتُهجَر المساجد ،ويُمنَع المسلم من إظهارِ شعائر دينه؛ قال سبحانه: ﴿ فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ ﴾ [يونس: 83]، وتُعاق سُبُلُ الدعوة، وينضَب وُصول الخير إلى الآخرين، وينقطع تحصيلُ العلم وملازمة العلماء، ولا توصَل الأرحام، ويئنُّ المريض فلا دواءَ ولا طبيب، وتختلُّ المعايش، وتُهجَر الديار، وتُفارَق الأوطان، وتَتفرَّق الأُسَر، وتُنقَضُ عهودٌ ومواثيق، وتَبور التجارة، ويتعسَّر طلبُ الرِّزق، وتتبدَّل طِباعُ الخَلق، فيظهرُ الكَذِب، ويُلقَى الشحُّ، ويُبادَر إلى تصديق الحَبَر المخوف وتكذيب خبر الأمن.
باختِلال الأمن تُقتَل نفوسٌ بريئة، وتُرمَّل نساء، ويُيَتَّم أطفال.
إذا سُلِبتْ نعمةُ الأمن فشا الجهلُ، وشاع الظُّلم، وسلبتِ الممتلكات، وإذا حَلَّ الخوفُ أُذِيقَ المجتمعُ لباسَ الفقر والجوع؛ قال سبحانه: ﴿ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل: 112]، قال القرطبي - رحمه الله -: "سَمَّى الله الجوعَ والخوفَ لباسًا؛ لأنَّه يُظهِر عليهم من الهُزال وشُحوبة اللون وسوءِ الحال ما هو كاللباس".الخوفُ يَجلِب الغمَّ، وهو قرين الحُزْن؛ قال جلَّ وعلا: ﴿ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة: 40]. قال معاوية رضِي الله عنه: "إيَّاكم والفتنة، فلا تهمُّوا بها، فإنها تُفسِد المعيشةَ، وتُكدِّر النِّعمة، وتورثُ الاستئصال".
إنَّ استِقرار المجتمع المسلم الذي يهنَأ فيه بالطعام ويستسيغ الشراب، ويكون نهاره معاشًا ونومه سباتًا وليله لباسًا - لا يمكن أنْ يتحقَّق إلاَّ تحت ظلِّ الأمن، وقديمًا قيل: الأمن نصف العيش، إنَّ مَطلَب الأمن يسبق مطلب الغذاء، فبِغَيْر الأمن لا يُستَساغ طعامٌ، ولا يُهنَأ بعيش، ولا يُنعَم براحة، قيل لحكيمٍ: أين تجدُ السرور؟ قال: في الأمن، فإنِّي وجدت الخائف لا عيش له.
عبادَ الله، إنَّ أوَّل مَطلَبٍ طلَبَه إبراهيم عليه السلام من ربِّه هو أنْ يجعَلَ هذا البلد آمِنًا؛ ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾ [إبراهيم: 35]، وفي آيةٍ أخرى قدم عليه السلام في دعائه لربِّه نعمة الأمن على نعمة العيش والرزق؛ فقال: ﴿ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ ﴾ [البقرة: 126].
وكذلك العكس أيها الإخوة، فإذا سلَب الله بعزَّته وقُدرته وحِكمته الأمنَ من بلد ما، فتصوَّر كيف يكون حالُ أهله، لو خرَج ابنك إلى الشارع لا تأمن عليه، لو ذهبتْ بنتك إلى المدرسة خشيت ألاَّ ترجع إليك، لو ذهبتَ أنت إلى العمل جلست على مِقعَد العمل قَلِقًا على نسائك ومَحارِمك في المنزل، إضافةً إلى سرقات البيوت وسرقة السيارات وقُطَّاع الطُّرُق في السفر وغيرها كثير، كم من البلاد الآن عاقَبهُم الله جلَّ وعلا بنَزْعِ الأمن من بلادهم، فعاشَ أهلها في خوفٍ وذُعر، في قلقٍ واضطراب، ليل نهار، لا يهنَؤُون بطعام، ولا يتلذَّذون بشراب، ولا يرتاحون بمنامٍ، كلٌّ ينتظر حَتْفَه بين لحظةٍ وأخرى،عَمَّ بلادَهم الفوضى، وانتشر الإجرامُ، لا ضبْط ولا أمن، فنسأل الله عزَّ وجلَّ أنْ يرحمنا برحمته، وألاَّ يوصلنا إلى هذه النهاية.
أيها الناس، كم من البلاد حولَكم عاقبهم الله بنزْع الأمن والأمان من بلادهم، فعاشَ أهلُها في خوف وذُعر، في قلقٍ واضطراب، لا يهنَؤُون بطعام، ولا يتلذَّذون بشراب، ولا ينعمون بنوم، الكل ينتظر حَتْفَه بين لحظةٍ وأخرى!
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثانية والعشرون بعد المئة في موضوع الشكور وهي بعنوان : مكانة الأمن ، وأسباب غياب نعمة الأمن
إنَّ مكانة الأمن كبيرة، وكان نبيُّكم صلَّى الله عليه وسلَّم إذا دخل شهرٌ جديد ورأى هلاله سأل الله أنْ يجعَلَه شهر أمن وأمان، فيقول: ((اللهمَّ أهلَّه علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما تحبُّ وترضى))؛ أخرجه الترمذي.
وفي الحديث الآخر يُذكِّر صلَّى الله عليه وسلَّم الناس بهذه النعمة فيقول: ((مَن أصبح منكم آمنًا في سِربِه، مُعافًى في جسده، عنده قوتُ يومه - فكأنما حِيزَتْ له الدنيا))؛ أخرجه الترمذي.
3- أسباب غياب نعمة الأمن:
إنَّ الله عزَّ وجلَّ سَنَّ سننًا في كونه، وحدَّ حُدودًا في شرعه، مَن خالَفَها أو تجاوزها فلا يلومنَّ بعد
ذلك إلاَّ نفسه، ومِن ذلك أنَّه - سبحانه وتعالى - جعَلَ هناك حُدودًا، وأمر عِباده بحِفظ أشياء لو ضيَّعوها ولم يحفَظُوها كان عِقابهم سَلب الأمن منهم، فلننبِّه على بعض منها، فإذا كنَّا واقعين فيها نتدارَك ذلك بتوبةٍ نصوح، قبل أنْ يحلَّ بنا ما حلَّ بغيرنا،وإنْ لم نكنْ واقعين بها فالحمد لله،ولنحذَرْها ونتوقَّاها.
أيها المسلمون، لقد أنعَمَ الله على كثيرٍ من الأمم بنعمة الأمن، لكنهم لَمَّا كفروا بنعمة الله وأعرَضُوا عن شرع الله، عاقبهم الله فبدَّل أمنهم خوفًا، فلا تسلْ عمَّا يحلُّ بهم بعد ذلك.
يقول سبحانه: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل: 112]. إنَّ دَوام النِّعَمِ وشُكرها مُقتَرنان، فكُفر النعمة يُعرِّضها للزَّوال، فالذنوب مُزيلةٌ للنِّعَم، وبها تحلُّ النِّقم؛ قال سبحانه: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الأنفال: 53].
وقال سبحانه عن سبأ: ﴿ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ * فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ﴾ [سبأ: 18 - 19].
إنَّ من الخطَأ قصرَ مفهوم الأمن على نِطاقٍ ضيِّق
متمثِّل في مجرَّد حماية المجتمع من السرقة أو النَّهب أو القتل وأمثال ذلك، فمفهوم الأمن أعمُّ من ذلكم وأجلُّ، إنَّه يشمل التمسُّك بعقيدة التوحيد والبُعد عن الشرك وموالاة الأعداء، وتنحية شرع الباري - جلَّ شأنه - عن واقع الحياة، أو مزاحمة شرع الله بشرع غيره؛ ﴿ أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ﴾ [آل عمران: 83]. الأمن بمفهومه الشامل يتمثَّل في حماية المجتمعات وحِفظها من الوُقُوع في الشبُهات والشهوات عبر دُعاة التغريب وما يبثُّ عبر الصحف والقنوات.
أيها المسلمون، إنَّ الأمن على العقول لا يقلُّ أهميَّة عن أمن الأرواح والأموال، فكما أنَّ للأرواح والأموال لصوصًا، فإنَّ للعقول لصوصًا كذلك، ولصوص العقول أشدُّ خطرًا وأنكى جرحًا من سائر اللصوص.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثالثة والعشرون بعد المئة في موضوع الشكور وهي بعنوان : يحفظ الأمن بالحدود والتعزيرات.....
4- الحدود والتعزيرات في الشريعة الإسلامية لحفظ
أمن المجتمعات واستقرارها:
لقد جمعتْ شريعةُ الإسلام المحاسنَ كلّها، فصانت الدِّينَ، وحفِظت العُقول، وطهَّرتِ الأموال، وصانت الأعراض، وأمَّنت النفوس، أمرتِ المسلمَ بإلقاء كلمة السلام والأمن والرحمةِ والاطمئنان على أخيه المسلم؛ إشارةً منها لنشرِ الأمن بين الناس.
وأوجبت حِفظَ النفس حتى في مَظِنَّة أمنها في أحبِّ البِقاع إلى الله؛ قال عليه الصلاة والسلام: (إذا مَرَّ أحدُكم في مسجدِنا أو في سُوقنا ومعه نَبْلٌ، فليُمسِك على نِصالها - أو قال: فليقبِض بكفِّه - أنْ يصيبَ أحدًا من المسلمين منها بشيء) متفق عليه.
وحذَّرتْ من إظهارِ أسباب الرَّوع بين صُفوفِ المسلمين؛ قال صلَّى الله عليه وسلَّم:لا يُشِر أحدُكم إلى أخيه بالسِّلاح؛ فإنه لا يدري لعلَّ الشيطانَ يَنزِع في يده، فيقعُ في حفرةٍ من النار) متفق عليه.
وحرَّمتْ على المسلم الإشارةَ على أخيه المسلم بالسِّلاح ولو مازحًا؛ قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم:مَن أشار إلى أخيه بحديدةٍ فإنَّ الملائكة تلعنُه حتى يدَعَها، وإنْ كان أخاه لأبيه وأمه) رواه المسلم.
قال الإمام النوويُّ - رحمه الله -: "هذا مبالغة في إيضاح عُموم النهي في كلِّ أحدٍ، سواء مَن يُتَّهَمُ فيه ومَن لا يتَّهم، وسواء كان هذا هزلاً ولعبًا أم لا؛ لأنَّ
ترويعَ المسلم حرامٌ بكلِّ حال".
ودعا الإسلامُ إلى كلِّ عملٍ يبعَث على الأمن والاطمِئنان بين صُفوفِ أفراده، وأمَر بإخفاء أسباب الفَزَع في المجتمع؛ فقال عليه الصلاة والسلام:لا يحلُّ لمسلمٍ أن يروِّع مسلِمًا) رواه أحمد.
ولَمَّا دخل النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مكَّة عامَ الفتح، منح أهلَ مكَّة أعظمَ ما تتوُق إليه نفوسهم؛ فأعطى الأمانَ لهم، وقال: ((مَن دخَل دارَ أبي سفيان فهو آمِن، ومَن ألقَى السِّلاحَ فهو آمِن، ومَن دخل المسجدَ فهو آمِن))؛ رواه مسلم.
وما شُرعت الحدود العادِلة الحازمة في الإسلام على
تنوُّعها إلاَّ لتحقيقِ الأمن في المجتمعات.
لقد جاءتْ تحذيراتُ الشريعة القاطعة وأصولُها الجامعةُ بالنهي الأكيدِ، والتحريم الشديد، عن كلِّ
عدوان وإفسادٍ يخلُّ بالأمن أو يُؤثِّر على الاستقرار؛ قال جلَّ وعلا: ﴿ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ﴾ [الأعراف: 56]، وقال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [يونس: 81].
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الرابعة والعشرون بعد المئة في موضوع الشكور وهي بعنوان :
ولأهميَّة توفُّر الأمن شرعت الشريعة الأحكامَ الوقائيَّة والدِّفاعيَّة بلا إفراطٍ ولا تفريطٍ؛ للحِفاظ على سَلامة تلك المقاصد من جهة الوجود والعَدم بما لم يأتِ له مثيلٌ، ولم يسبقْ له نظير، فمَن طبَّق هذه الأحكام وامتَثَل أمرَ الله فيها، تحقَّق له ما يبتَغِيه من الأمن.
فالقصاص والحدود شُرِعتْ لإحكام الأمن، مَن قَتل بغير حقِّ قُتِل، ولو لم يُقتلْ لقامت الثارات، وصار كلٌّ يأخُذ حقَّه بيده، ومَن سرق قُطِع، ولو لم يُقطَع لصارت البلاد مَنْهَبَة؛ كلٌّ يأخُذ ما يَشاء ويذَر، ومَن حارَب وسعَى في الأرض بالفَساد يُروِّع عباد الله ويقتلهم ويأخُذ أموالهم، أُقِيمَ عليه حدُّ الحرابة بالتقتيل أو بالصلب، أو بالتقطيع من خِلاف، أو بالنفي من الأرض، ومَن شرب الخمر أو قذَف محصنًا جُلِدَ، وشُرِع التعزيرُ لولِيِّ الأمر؛ ليؤدب كل معتدٍ بما يردعه عن العودة إلى فعلته، فيأمن الناس ويطمئنُّون.
بل بالغَت التوجيهات الشرعيَّة في الأمر بالحِفاظ على الأمن وعدمِ المساس به بتوجيهاتٍ عديدة وأوامر مُلزِمة؛ قال صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا يحلُّ لمسلمٍ أنْ يُروِّع مسلمًا رواه أحمد وأبو داود، وصحَّحه الألباني.
ونهى صلَّى الله عليه وسلَّم أنْ يُشهر السلاح على أرض المسلمين؛ فقالصلَّى الله عليه وسلَّم:لا يُشِر أحدكم إلى أخيه بالسلاح؛ فإنَّه لا يَدرِي أحدكم لعلَّ الشيطانَ ينزع في يده؛فيقع في حُفرة من النار متفق عليه.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الخامسة والعشرون بعد المئة في موضوع الشكور وهي بعنوان :
5 - وسائل حفظ الأمن:
1 - المحافظة على تطبيق الحدود الشرعية:
أنْ نحفظ ونُحافِظ على ما شرعه تعالى من إقامة الحدود على المُجرِمين التي فيها زجْر للناس؛ فالله - سبحانه وتعالى - قد شرع لنا وأمرنا بأنْ نُقِيم حدوده المنصوص عليها في كتابه أو في سنة رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم وذلك لكي ينزَجِر الناسُ عن الجرأة على المعاصي التي نهى الله تعالى عنها، ولكي يستقرَّ حال المجتمع، ولكي يأمن الناس على أموالهم وأعراضهم.
فلو أَمِنَ السارق بأنَّ يده لا تُقطَع، وأَمِنَ الزاني بأنَّه لن يُرجم، وأَمِنَ شارب المُسكِر بأنَّه لا يُجلد، وأَمِن المرابي والغاش والمزوِّر بأنَّه لا يُعزَّر؛ فماذا تتوقَّعون أن يكون حال ذلك المجتمع؟! هل يَسودُه أمن؟! لا والله! وإذا أُقِيم حَدٌّ فعلى ضعيف، أو على مَن لا يد لديه عند فلانٍ أو فلان، تمرُّ الأشهر تِلوَ الأشهر في طول البلاد ولا نسمع ولا نرى حُدودًا تُقام، فهل يدلُّ هذا على التزام الناس كلهم بشرع الله، وأنَّ المجتمع قد خلا من الفواحش والمنكرات؟! لا نتصوَّر ذلك ونحن نرى ونسمع كلَّ يوم ما يشيب له الرضيع من الأهوال والمُزعِجات من تفسُّخ الناس وانحِلالهم وارتكابهم لأفظع الجرائم، إلاَّ مَن رحم الله.
لقد لعَن الله أقوامًا كان إذا سرَق فيهم القويُّ تركوه، وإذا سرَق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدَّ، ولهذا لَمَّا جاء ذلك الصحابي يستَشفِع في المرأة التي سرقت لكي لا يُقِيم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عليها الحدَّ قال صلَّى الله عليه وسلَّم: ((والله، لو أنَّ فاطمة بنت محمد سرَقتْ؛ لقطع محمدٌ يدَها)).
بإقامة حدود الله عزَّ وجلَّ كانت تسير الظَّعِينة من شرق البلاد إلى غربها، لا تخشى إلا الله والذئب على غنمها، لكن عندما صار المسلمون يُعطِّلون إقامة حدود الله عزَّ وجلَّ ولا يأبهون بها، بل ويستبدلون بها تشريعات من عقولهم العفنة في كثيرٍ من الأحيان وفي كثيرٍ من البلاد؛ عاقبَهُم الله سبحانه بنزْع الأمن منهم.
إنَّ إقامة حدود الله تُخِيف الناس وتردعهم، فيثبت بذلك أركان المجتمع، أمَّا أنْ يسرق ذاك الألوفَ المؤلَّفة ثم يترك، ويبلع الآخَر بالملايين، ولا يُعرَض أصلاً على حكم الله، والثالث يرتكب الزنا والفواحش والذين حوله يعلَمُون عنه والناس تتناقَل أخباره، ورَوائح جرمه، ومُنكَراته بلغت كلَّ مكان ولا يقام عليه حدٌّ، والرابع سِكِّيرٌ عِرْبِيدٌ، بل قد جعل من بيته مصنعًا للخمر، ثم يُتستَّر عليه ويُسكَت عنه، أسألكم بالله: من أين يُنزِل الله أمنه؟! وكيف تريدون بعد ذلك أنْ يرحمنا الله بأمنه، ويكلأنا برعايته، إذا ضيَّعنا حدوده؟!
إذا أَمِنَ الناس العقوبة استَشرَى فيهم الجريمة والفوضى؛ قال الله تعالى: ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُم الظَّالِمُونَ ﴾ [البقرة: 229].
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السادسة والعشرون بعد المئة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : 5 - وسائل حفظ الأمن:
2- البعد عن الذنوب والمعاصي:
المعاصي والأمنُ لا يجتمِعان، فالذنوب مُزيلةٌ للنِّعم، وبها تحُلّ النِّقَم؛ قال سبحانه: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ﴾ [الأنفال: 53]، وما نزل بلاءٌ إلاَّ بذنب، ولا رُفِع إلا بتوبة. والطاعةُ هي حِصن الله الأعظمُ الذي مَن دخَلَه كان من الآمِنين.
قال عبدالله بن المبارك:
رَأَيْتُ الذُّنُوبَ تُمِيتُ القُلُوبَ ******* وَقَدْ يَتْبَعُ الذُّلَّ إِدْمَانُهَا
وَتَرْكُ الذُّنُوبِ حَيَاةُ القُلُوبِ ********* وَخَيْرٌ لِنَفْسِكَ عِصْيَانُهَا
وقال ابن المعتز:
خَلِّ الذُّنُوبَ صَغِيرَهَا ******* وَكَبِيرَهَا فَهُوَ التُّقَى
وَاصْنَعْ كَمَاشٍ فَوْقَ أَرْضِ ****** الشَّوْكِ يَحْذَرُ مَا يَرَى
لاَ تَحْقِرَنَّ صَغِيرَةً ********* إِنَّ الْجِبَالَ مِنَ الْحَصَى
وقال آخَر:
تَفْنَى اللَّذَاذَةُ مِمَّنْ نَالَ لَذَّتَهَا ****** مِنَ الْحَرَامِ وَيَبْقَى الإِثْمُ وَالعَارُ
مِنَ الْحَرَامِ وَيَبْقَى الإِثْمُ وَالعَارُ ***** لاَ خَيْرَ فِي لَذَّةٍ مِنْ بَعْدِهَا النَّارُ
3 - أن نتذكر نعمة الأمن دائمًا، ونشكر الله عليها:
ونعمةُ الأمن تُقابَل بالذِّكر والشُّكر﴿ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾ البقرة: 239].وأمَر الله قريشًا بشُكر نعمةِ الأمن والرَّخَاء بالإكثار من طاعته؛ قالَ - جلَّ جلاله -: ﴿ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ [قريش: 3 - 4].
4 - تعريف الناس بالله وتخويفهم من عقابه وبطشه: بالخوف منَ الله ومُراقبتِه يتحقَّق الأمن والأمان، فهابيل امتَنع من قتلِ قابيل لخوفِه من ربِّه - جلَّ وعلا – ﴿ مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾ [المائدة: 28].
5 - الحِرْص على تعليم المسلمين أمور دينهم:
والعنايةُ بالعلم والتمسُّك بالكتابِ والسنَّة شريعةً وقِيَمًا وأصولاً اجتماعية - عصمةٌ من الفتن، وللتعليم
الشرعيِّ أساسٌ في رسوخ الأمن والاطمئنان.
قال ابن القيِّم - رحمه الله -: "وإذا ظهر العلمُ في بلدٍ أو محلَّة قلَّ الشرُّ في أهلها، وإذا خفي العلمُ هناك ظهَر الشرُّ والفساد".
والعلماءُ الربانيُّون هم ورثةُ الأنبياء، وفي مُلازَمتِهم
وزيارتهم وسؤالهم والاستنارةِ بآرائهم سدادٌ في الرأي، وتوفيقٌ للصواب، ودرءٌ للمفاسد.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السابعة والعشرون بعد المئة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : 5 - وسائل حفظ الأمن:
6 - المحافظة على عقول المسلمين من كلِّ ما يفسدها: وممَّا يجبُ علينا حفظه لو أردنا حفظ الأمن علينا أنْ نحفظ العقول، أنَّ نحفظ عقول المسلمين ممَّا يفسدها ويضرُّ بها، سواء كانت مفسدات ماديَّة أو مفسدات معنويَّة، يجبُ حفظ عقول الناس من كلِّ مُسكِر، ومن كل مخدِّر، وكذلك المحافظة على عقول الناس من التصوُّرات الفاسدة والأفكار المنحرفة، عقول الناس لو أصابها العَطَبُ وأصابها الخَدَر ماذا تكون النتيجة؟! النتيجة إقبال الناس على الشهوات وانتشار المعاصي، ممَّا يُقلِّل وازِعَ الخوف من الله عند الناس، فيفعل كلُّ شخص ما يريد، فيترتَّب عليه الفَوضَى وقلَّة الأمن.
أيها المسلمون، إنَّ المحافظة على عُقول الناس من
أهمِّ أسباب حفْظ الأمن؛ لأنَّ الناس لو استقامتْ
عقولهم، صاروا يُفكِّرون فيما ينفَعُهم ويبتَعِدون عمَّا يضرُّهم، لو استقامتْ عُقول الناس لاستقامتْ حياتهم؛ لأنَّهم سوف يبحثون عمَّا يُرضِي الله فيفعلونه، ويتعرَّفون على ما يغضب الله فيبتعدون عنه، إذًا هناك علاقةٌ كبيرة بين المحافظة على عقول الناس وبين استقرار الأمن عندهم.
أيها المسلمون، ماذا تتوقَّعون من مجتمعٍ أهمل عقول الناس، بل سعى إلى إفسادها وتخريبها ماديًّا ومعنويًّا؟! لم يُحكِم الرقابة والضبط عمَّا يفسد عقول الناس ماديًّا، كذلك لم يحكم الرقابة والضبط عمَّا يفسد عقول الناس معنويًّا، فإذا أتيتَ إلى إعلامه هالَكَ ما ترى فيه، سواءً كان إعلامًا مقروءًا أو مسموعًا أو مرئيًّا، جميع أنواع المُخالَفات الشرعيَّة من غناءٍ محرَّم، وصور عارية، وأخلاق رديئة، وكلمات فاضحة، وأفكار علمانيَّة، وحداثة حقيرة تافهة، كلُّ هذا وغيره سَيْطَرَ على عُقول الناس فأفسَدَها، ولم يدعْ لها لحظة واحدة تُفكِّر في دِينها، أو تُفكِّر في عاقبتها، أو حتى تُفكِّر فيما ينفعها في دُنياها، فصارَ أغلب الناس - إلا مَن رحم الله - يعيشُ في خواءٍ فكري وفراغ عقلي، لو جاءَه الخطر لم يعلمْ عنه، ولو سُلِبتْ خيراته ما علم عنه، بل لو استبدل حاله من أمنٍ إلى فَوضَى وجريمة، لربط هذا بالحضارة المعاصرة.
فاتَّقوا الله أيها المسلمون، حافِظوا على هذه النعمة (نعمة العقل)، لا تُفسِدوها بتصوُّرات وأخلاق دخيلة على دِين الإسلام، حافِظوا على عقولكم من كلِّ ما يضرُّها في دِينها ودُنياها، وحافِظُوا على عقول أبنائكم ذُكورًا وإناثًا، خُصوصًا من هذا الخطر الجديد الذي داهَم علينا بُيوتنا، البثُّ المباشر، زبالة الغرب ونتنه وسمومه، يجلس أمامه الرجال والنساء، الصِّغار والكبار، على أنَّه مسلسلات أو مسرحيَّات أو نحوها، وهي في حقيقتها دعوةٌ إلى النصرانيَّة أو دعوة إلى اللا دينيَّة، إضافة إلى ما فيها من نشرِ وبثِّ الأخلاق السيِّئة والعادات الرذيلة التي يمجُّها صاحب الفطرة السليمة، كيف نريدُ من شبابنا بعد ذلك ألاَّ يسرق؟! فأين الأمن في الأوطان والغربُ قد وجَّه كلَّ قُواه علينا؟! هو يقصد التغريب، ونحن تلقَّيناه على أنَّه ترفيهٌ وتسليةٌ.
إنَّ الأمن لا يمكن أنْ يحصل إلاَّ في ظلِّ شريعة الله حُكمًا وتحاكُمًا، مع المحافظة على العقول وفْق منهج الله، ولو فرَّطنا في تحكيم كتاب الله فبطنُ الأرض خيرٌ لنا مِن ظاهرها؛ ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا *وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ﴾الطلاق: 2
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثامنة والعشرون بعد المئة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : 5 - وسائل حفظ الأمن:
7- المحافظة على الأمن مسوؤلية الجميع:
وإذا سعى ساعٍ للإخلال بالأمن، أو زعزعته، أو إشاعة الفَوضَى؛ فإنَّ الناس يأخُذون على يده ويتَّحدون ضده؛ لأنهم يعرفون قدر هذه النِّعمة، ولا يريدون أنْ يُسلَبُوها؛ لأنَّ مجتمعًا بلا أمن لا يهنأ
بعيشه إنْ دام له عيشه.
عباد الله، ألاَ وإنَّ ممَّا ينبغي أنْ يُعلَم أنَّه لا أمن بلا إيمان، فمَن حقَّق الإيمانَ ظفر بالأمن، وبقدر ما يتحقَّق من الإيمان يتحقَّق مثله من الأمن، ومَن استكمل شُعَبَ الإيمان وخصاله استكمل صور الأمن وأشكاله؛ ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82].
قال رجل يوصي أبناءه عند وفاته:
تَأْبَى الرِّمَاحُ إِذَا اجْتَمَعْنَ تَكَسُّرًا ****** وَإِذَا افْتَرَقْنَ تَكَسَّرَتْ آحَادَا
كُونُوا جَمِيعًا يَا بَنِيَّ إِذَا اعْتَرَى ***
خَطْبٌ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا آحَادَا
تأبَى الرِّمَاحُ إِذَا اجْتَمَعْنَ تَكَسُّرًا ***** وَإِذَا افْتَرَقْنَ تَكَسَّرْتْ أَفْرَادَا
وقال آخَر:
وَفِي كَثْرَةِ الأَيْدِي عَنِ الظُّلْمِ زَاجِرٌ **** إِذَا حَضَرَتْ أَيْدِي الرِّجَالِ بِمَشْهَدِ
يقول ابن الرومي :
وَلِي وَطَنٌ آلَيْتُ أَلاَّ أَبِيعَهُ **** وَأَلاَّ أَرَى غَيْرِي لَهُ الدَّهْرُ مَالِكًا
6 - أهمية الأمن والأمان في رَخاء الشعوب
واستقرارها:
بالأمن تصلح الحياة، وتنبَسِط الآمال، وتتيسَّر الأرزاقُ،وتزيد التِّجارات،الأمنُ تفشو معه الماشية، وتكثر الأمَّة، الأمن تتقدَّم معه التنمية، وينتشر فيه العلمُ والتَّعليم، ويعزُّ فيه الدين والعدل، ويظهَر فيه الأخيارُ على الأشرار، وتوظَّف فيه الأموال في كلِّ مشروع نافعٍ للفرد والمجتمع.
والأمن تُحقَن فيه الدِّماء،وتُصَان الأموال والأعراض ،وتَنام فيه العيون،وتطمئنُّ المضاجع،يتنعَّم به الكبير والصغيرُ والإنسان والحيوان، فالأمن مِن نِعَمِ الله العُظمَى وآلائه الكبرى، لا تصلُح الحياة إلاَّ به، ولا يطيب العيش إلا باستِتْبابِه؛ ولذلك جعَله الله من نَعيم أهلِ الجنَّة الدائم؛ قال الله تعالى: ﴿ ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ ﴾ [الحجر: 46].
في ظلِّ الأمن والأمان تحلو العبادة، ويصير النوم سباتًا، والطعام هنيئًا، والشراب مريئًا، الأمن والأمان هما عماد كلِّ جهد تنموي، وهدف مرتقب لكلِّ المجتمعات على اختلاف مشاربها.
بل هو مطلب الشعوب كافَّة بلا استثناء، ويشتدُّ الأمر بخاصَّة في المجتمعات المسلمة التي إذا آمَنت
أمِنَتْ، وإذا أمِنَتْ نَمَتْ، فانبثق عنها أمنٌ وإيمان؛ إذ لا أمن بلا إيمان، ولا نماء بلا ضَمانات واقعية ضد ما يُعكِّر الصفو في أجواء الحياة اليوميَّة.
إطراء الحياة الآمنة هو ديدن كلِّ المنابر؛ لما للأمن من وقع في حسِّ الناس؛ من حيث تعلقه بحرصهم على أنفسهم، فضلاً عن كونه هبة الله لعباده، ونعمة يُغبَط عليها كلُّ مَن وُهِبها، ولا غرو في ذلك.
وقد صحَّ عنه صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال: (مَن أصبح آمنًا في سِربِه، مُعافًى في بدَنِه، عنده قوتُ يومه؛ فكأنما حِيزَتْ له الدنيا بِحَذافيرها)[الأنترنت – موقع الألوكة - نعمة الأمن - د. سالم جمال الهنداوي-بتصرف]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة التاسعة والعشرون بعد المئة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
* الملابس نعمة خص الله بها بني آدم من سائر المخلوقات
من نعم الله العظيمة على بني البشر أن منَّ عليهم بالملابس، فهي نعمة عظمى ومنة كبرى، ولذا فإن الله عدها وذكرها في جملة نعمه العظيمة في سورة النحل المعروفة عند أهل العلم بسورة النعم لكثرة ما ذكر فيها من النعم على عباده، واللباس هو كل ما يلبس، ويعبر عنه العلماء بأنه كل ما يغطي الجسد، مما يلبسه الرجال والنساء، والهدف منه ستر العورات والتجمل عند الناس.
الملابس خص الله بها بني آدم دون غيرهم من سائر المخلوقات، نعمة منه على عباده، بها يسترون عوراتهم، ويتقون الحر والبرد، حيث منّ على العباد بسرابيل، وهي القمصان من الكتان والقطن والصوف وغير ذلك يتقي بها العباد الحر والبرد، ويتجملون بلبسها ويوارون بها سوءاتهم، ولهذا قال الله تعالى ممتناً على عباده بهذه النعمة: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوءاتكم وريشاً ولباس
التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون)، «الأعراف: الآية 26».
وتشير الآيات إلى أهمية الملابس التي تستر البدن، كما ترشد إلى أن خير ما يستر الإنسان به نفسه
التقوى، لأنها تقي صاحبها من عذاب الله وغضبه، كما تقي الثياب الجسد من الحر والبرد.
*مظاهر : هذه النعمة وصفها الله تعالى بأنها منزلة، قال العلامة ابن عاشور في التحرير والتنوير، سمى ربنا سبحانه تيسير اللباس لهم وإلهامهم إياه إنزالاً، لقصد تشريف هذا المظهر، وهو أول مظاهر الحضارة.
قال ابن كثير، يمتن الله على عباده بما جعل لهم من اللباس والريش، فاللباس ستر العورات وهي السوءات، والريش ما يتجمل به ظاهراً، فالأول من الضروريات والريش من التكملات.
وجاء في تفسير القرطبي، هذه الآية دليل على وجوب ستر العورة، ومن جملة الإنعام، فبين أنه سبحانه جعل لذرية آدم ما يسترون به عوراتهم، ودل على الأمر بالستر، ولا خلاف بين العلماء في وجوب ستر العورة عن أعين الناس.
*ستر العورة : ويُذكر الله بني آدم بنعمته عليهم في تشريع اللباس والستر، صيانة لإنسانيتهم من أن تتدهور إلى عرف البهائم، وفي تمكينهم منه بما يسر لهم من الوسائل، وقال عن نعمة الملابس: (وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم)، «النحل: الآية81»، وتلك ملابس الحر وملابس الحرب.
وستر الجسد والعورة ليس مجرد عرف وعادة إنما فطرة خلقها الله في الإنسان، وشريعة أنزلها الله للبشر ويسر لهم تنفيذها بما سخر لهم في الأرض من مقدرات وأرزاق، فاللباس ستر للمرء وجمال وزينة ونعمة من الله عظيمة، به يتجمل ويستر السوءة ويواريها ويتقي الحر والبرد، والشيطان يكيد للإنسان كيداً عظيماً ليجرده من لباسه وليكشف عورته، وليجرده من حيائه وحشمته.
*طواف : وكان العرب قبل الإسلام يطوفون حول الكعبة وهم عراة، يقصدون بذلك أن يتجردوا من كل الثياب التي عصوا الله فيها، فأتى الإسلام وأكد أن العبرة بطهارة الجوهر مع التحلي بالزينة المناسبة، قال تعالى: (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد)، «الأعراف: الآية 31»، فأمر الله بالتزين عند كل مسجد، وقال العلماء يعني عند كل صلاة، كلما ذهبنا إلى المسجد أو كلما صلى المسلم حتى في بيته ينبغي أن يقف بين يدي الرحمن بلباس حسن نظيف يكون زينة له. هناك تلازم في القرآن بين اللباس لستر العورات والزينة، وبين تقوى الله عز وجل، فكلاهما لباس، هذا يستر عورات القلب ويزينه ويحميه، وذاك يستر عورات الجسم ويزينه ويحميه، قال تعالى: (ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون)، فإذا تلبس القلب بتقوى الله والحياء منه انبثق شعور باستقباح العري والخلاعة، ومن لا يستحي من الله، لا يهمه أن يتعرى وأن يدعو إلى العري، فما أنزل الله لنا من أنواع الملبوسات نعمة عظيمة يجب شكرها والتأدب بآدابها.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثلاثون بعد المئة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
* الملابس نعمة خص الله بها بني آدم من سائر المخلوقات ، والأصل في اللباس الحل والإباحة، {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق} ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كلوا وتصدقوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة».
والإسلام دين الفطرة لا يسلك في كل شؤون الحياة إلا ما يوافق الفطرة ويحقق السعادة في الدنيا والآخرة، لذا لم يقرر نوعاً خاصاً من اللباس لا يجوز تخطيه، بل اعترف بشرعية كل لباس لكل أمة لكل بلد ما دام متفقاً مع المبادئ والقواعد الشرعية التي حددها في لباس الرجل والمرأة.
ويستحب للمسلم أن يلبس الحسن من ثيابه وخاصة في المناسبات كالأعياد والجمع واستقبال الوفود، والتسمية عند اللبس وحمد الله على هذه النعمة، والدعاء عند لبس الجديد، والبدء باليمين في اللباس واليسرى في الخلع، ومن أعظم الآداب أن يستر الرجل وكذلك المرأة، العورة ولا يبدي سوءته لأحد، والحذر من الإسراف والمبالغة في اللباس، ولقد نهانا تعالى عن ذلك فقال: (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين)، «الأعراف: الآية 31»، فالإسراف كما يكون في الأكل والشرب يكون كذلك في اللباس، ويحرم تشبه الرجال بالنساء، وتشبه النساء بالرجال، ولا بد من الحذر من جر الثوب خيلاء، قال ابن تيمية، وتكره الشهرة من الثياب، وهو المترفع الخارج عن العادة، والمنخفض الخارج عن العادة، فإن السلف كانوا يكرهون الشهرتين. [الأنترنت – موقع الإتحاد - الملابس نعمة خص الله بها بني آدم من سائر المخلوقات ] المصدر: القاهرة
ما من إنسان في هذه الحياة إلا وهو يتقلب بين
حالتين لا ينفك عنها, فإما أن يكسوه الله لباس النعمة والسراء, وإما أن تنزع فتصيبه حالة الضراء والبؤس والبأساء, ولا يخلو أحد من بني البشر من هاتين الحالتين حتى يقضي أجله في هذه الحياة ( ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون ), فيوم علينا ويوم لنا ويوم نُساءُ ويوم نُسرُ , وليس الشأن في هذا التقلب بين السراء والضراء فهو حتم لا مناص منه، إنما الشأن كل الشأن في كيفية التعامل معهما ومدى استثمار العاقل الموفق اغتنامه لحالتي النعماء والبلاء بما يقربه من ربه ويرضي عنه , وبما ينفعه في حياته ودنياه وأخرته .
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الواحدة والثلاثون بعد المئة في موضوع الشكور وهي بعنوان :
* لباس النعمة والسراء
إن الله سبحانه وتعالى بين لنا كيفية تعامل الإنسان من حيث طبيعتُه الإنسانية مع حالتي النعماء والضراء فقال سبحانه (ولئن أذقنا الإنسان منا رحمه ثم نزعناها منه إنه ليئوس كفور * ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور ), فالإنسان من حيث هو الإنسان يسرف في الفرح بالنعماء والسراء ويظن أن الله اختصه بها لكرامته عنده حتى يصل إلى حد الأشر والبطر والفخر وينسى أنها نعمة لله ولو شاء لنزعها منه في لمح البصر وفي المقابل نجد أنه يجزع ويتسخط ويقنط من رحمة الله إذا ابتلي بالضراء ونزعت منه العافية والرحمة وحتى يصل به الحال الى اتهام الله في قدره والاعتراض عليه في قضائه, وتلك فتنة وأي فتنة ولكن أكثر الناس لا يعلمون, هكذا هو الإنسان وهذه طبائعه إلا صنفاً موفقاً من الناس استثناه الله بقوله ( إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير ), فالمؤمن الصادق أسعد الناس حظاً بربه, وأكمل الناس استمتاعاً بهذه الحياة ولذاتها , وأعقل الناس وأحسنهم تصرفاً في حالتي الضراء والسراء التي لا يفك عنهما أحد من البشر .
إن نعم الله على عباده كثيرة ومتنوعة وهي تدور
بين نوعين أعظمها وأجلها قدراً النعم الدينية الشرعية والعطايا القلبية الإيمانية, والمنح الروحية والأخلاقية وأعظمها نعمة التوحيد والإيمان ونعمة العلم والبصيرة والفقه في الدين ونعمة الاجتماع والألفة والاعتصام بالكتاب والسنة، والنوع الثاني النعم الدنيوية والمتع المادية والمعنوية التي تعين العبد على النعم الدينية وتكسبه بهجة الاستمتاع بالمباحات والطيبات ونعمة العافية في الأبدان والأمن في الأوطان وعدل السلطان ونعمة الأزواج والأولاد والأموال وغير ذلك وكلا النوعين نعم من الله إيجاداً وابتداءً وإمداداً (وما بكم من نعمة فمن
الله),( إن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) .
إن المؤمن الصادق أمام نعم الله المترادفة عليه أن يقوم لله بعبودية الشكر والحمد والاعتراف له بأنها منه وله إنها محض تكرم منه سبحانه وتفضل على عباده , ثم يشكر الله بلسانه وجوارحه ولا يستعمل هذه النعم إلا فيما يرضي الله ؛ فمن فعل ذلك فقد أدى شكر النعمة، وقام لله بعبوديته واستحق جزاء الشاكرين الحامدين فلا تدوم النعم وتبقى إلا بالشكر لله عز وجل وحفظها وعدم البطر بها، مؤكدا أن مقابلة نعم الله بالبطر والتكبر والإسراف والتبذير وارتكاب ما حرم الله بها مؤذن بزوالها ونذير شؤم بسلبها واستردادها وإن من أقسى صور السلب بعد العطاء وأمَرها أن يسلب الإنسان في حياته لذة الطاعة والإنابة وخشوع القلب وزكاة النفس والفرح بالله وقرة العين بالعيش معه سبحانه والإنس به ، ويبلغ السلب بعد العطاء ذروته حين يسلب العبد الإيمان وشهادة الحق ساعة الاحتضار وسكرات الموت فيعاقب بسوء، وشناعة النهاية وموتة الأسف، ولا يوفق لخاتمة حسنة وميتة مرضية سوية، ولعمر الحق إنها لمن أعجب صور سلب النعم بعد العطاء كحال فرعون الذي طغى وبغى وكفر بالله وبنعمه ثم لما أدركه الغرق وعاين الموت ذهب ليؤمن فقيل له (ألآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين )، إنها عبرة وأي عبرة ولكن أكثر الناس لا يشعرون . [الأنترنت – موقع صحيفة المدينة - نعم الله على عباده كثيرة وأعظمها نعمة التوحيد والإيمان إمام المسجد الحرام الشيخ خالد الغامدي ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثانية والثلاثون بعد المئة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :*شكر الله على نعمة العلم ورد الفضل إليه قال تعالى { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا ۖ وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ } النمل آية 15 ، انظر إلى حكمة التواضع وهضم حق النفس! ولا تظن مهما أوتيت من العلم والفضل أنك وحيد عصرك وفريد دهرك، أو أنك إنسان عقمت أرحام النساء أن تلد مثلك لا.
كم في الزوايا خبايا وكم في الناس بقايا والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (رب أشعث أغبر، مدفوع بالأبواب، ذي طمرين، لو أقسم على الله لأبره)، فسبحان من يعلم أقدار خلقه إلا هو! رجلٌ يمشي على الأرض بقدميه مثلنا، يوم يموت يهتز له عرش الرحمن! ما هي قيمة هذا الرجل وما قدره لكي يهتز له عرش الرحمن؟! فلا تحتقر أحداً، ولا تظن أنك أفضل الناس، بل كلما هضمت حظ نفسك ارتقيت، فإن من خالف الهوى حصل له ضد الهوي، كما يقول العلماء، أنت تعلم أن (هوى): أي: نزل، فإذا خالفت الهوى ارتفعت، فالإنسان إذا خالف هواه ارتفع، وربنا تبارك وتعالى قد عاتب نبياً من أولي العزم أن صدر على لسانه كلمة مثل هذه.
ففي الصحيحين من حديث أبي بن كعب: (أن موسى عليه السلام وعظ بني إسرائيل وذكرهم حتى رقت القلوب وذرفت العيون، فانطلق فتبعه رجلٌ، فقال: يا كليم الله! تعلم أحداً في الأرض هو أعلم منك؟ قال له: لا فعتب الله عليه أنه لم يرد العلم إليه ، لماذا تقول : أنا لا أعلم أحداً أعلم مني؟قل: الله أعلم.
فعاتبه الله أنه لم يرد العلم إليه- قال الله له: إن لي عبداً في مجمع البحرين هو أعلم منك).
موسى عليه السلام الذي يريد أن يتعلم، والله سبحانه وتعالى أمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه:114]، وكل ما نبل قدر الإنسان جمع أنفس الأشياء، وهو العلم، فموسى عليه السلام عندما سمع هذا الكلام، (قال: رب! كيف لي به؟) أنا أريد أن أطلب العلم على يديه، مع أنه كليم الله، وأحد أولي العزم، واتفق العلماء أن موسى أفضل من الخضر وأعلم، ولكن موسى عليه السلام لما عاتبه ربه حين لم يُرجع العلم إليه، قال: كيف لي به؟ (قال: خذ معك مكتل وحوت) الحوت: سمكة كبيرة تشويها وتتغدى بها أنت وغلامك، يوشع بن نون، {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ} [الكهف:60]، وهنا لفتة لطيفة فيها فضل العلم! ولم يكن يوشع عبداً لموسى، إنما قيل له: فتى؛ لأنه كان متعلماً وتلميذاً، فأخذ من هذا بعض العلماء حين قالوا: من علمني حرفاً صرت له عبداً، كما أن يوشع صار فتى لموسى، مع أنه لم يكن خادماً له ولا مملوكاً، وإنما لما تبعه على شرف العلم صار فتىً له، أي: صار بمنزلة العبد إذا أمره ائتمر. والمكتل: -مثل الإناء-، ثم انطلق والسمكة المشوية حين ترجع لها الحياة ستقفز إلى الماء فعندها يعرف أنه في هذا المكان.
فالسمكة المشوية في مكان معين في مجمع البحرين قفزت من المكتل ونزلت البحر، وكان موسى عليه السلام نائماً، فقام فتاه يوقظه، وبعد أن استيقظ من النوم واصلا الرحلة، وفي أثناء الطريق قال له: {آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} [الكهف:62] فقال له: أنا نسيت أن أقول لك: إن في المكان الفلاني خرج الحوت من المكتل ونزل الماء، قال: هو هناك إذاً {فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} [الكهف:64]، فرجعوا يقطعون الطريق مرة أخرى، لأنهم قد مروا وتركوا مجمع البحرين، وأمسك الله الحوت عن الجريان في الماء -جعله ساكناً في الماء- حتى إذا رجع موسى يراه، فبينما هو ينظر في الماء رأى الحوت محبوساً في وسط دائرة معينة، فقال: إذاً هو هنا، فلقي رجلاً متدثراً بعباءة خضراء -ملاءة خضراء- قال له: السلام عليكم. قال: وهل بأرضي سلام؟ قال: من أنت؟ قال: أنا موسى. قال: موسى بني إسرائيل؟ قال له: بلى. قال: ياموسى! اعلم ، ورأى عصفوراً مر من فوق الماء وأخذ قطرة ماء صغيرة، فقال له: هل ترى هذا العصفور؟ قال: نعم.
قال: علمي وعلمك إلى علم الله كهذه القطرة التي أخذها العصفور بالنسبة للبحر!!.
هل تعلم ماذا تعني هذه الكلمة؟ كأنه يقول له: ليس معنى أن ربنا سبحانه وتعالى أرسلك ليعلمك أن عندي شيئاً، فهو يعلمه التواضع الذي عاتب الله موسى عليه.
فأول درس أخذه موسى عليه السلام قبل أن يركبا في السفينة هو التواضع: علمي وعلمك بالنسبة لعلم الله -وهذا مجرد تمثيل، وإلا فالمسألة أقل من هذا بكثير، كهذه القطرة التي أخذها العصفور من هذا البحر العظيم. فانظر إلى موسى عليه السلام كيف عاتبه الله مع رفعة مكانته...
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثالثة والثلاثون بعد المئة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :*شكر الله على نعمة العلم ورد الفضل إليه
وقال الله سبحانه وتعالى لنساء النبي صلى الله عليه وسلم: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:32]، قال لهن: (لستن كأحد من النساء) أي: لستن مثل النساء.
حسناً ما الذي يترتب على هذا إذا صرن نساء فاضلات؟ قال: {مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} [الأحزاب:30]، لماذا؟ لأنها ليست مثل النساء، وفي نفس الوقت قال لهن: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} [الأحزاب:31] لأنهن أيضاً لسن كالنساء، إذاً: يضاعف لهن العقوبة ويضاعف لهن الثواب.
فداود وسليمان عليهما السلام احترزا وقالا: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا ۖ وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ } [النمل:15]، إذاً: هناك أفضل منهما لكننا أفضل من كثير من الناس، فدل هذا على أنهما يعترفا أن من خلق الله عز وجل من هو أفضل منهما، وهذا يزيد المرء رفعة: (من تواضع لله رفعه)، (ولا يزال المتكبر في سفال حتى يخرج من غروره).
{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ
الْمُؤْمِنِينَ} [النمل:15] هذا القيد مهم؛ فلا يصح أن تقول: أنا أفضل من الكافر؛ لأن الكافر ليس له فضل أصلاً، إنما إذا أردت أن يظهر فضلك فقارن نفسك بأهل الفضل.
ألم تر أن السيف ينقص قدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصا؟ ،فأنت بهذا انتقصت السيف.
إذاً: قول سليمان وداود عليهما السلام فيه دلالة على أن المرء لا يحرز النبل والفضل إلا إذا قورن بأهل الفضل، ليس مثل أي أحد في الدنيا لا، {فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ} [النمل:15]، وهذا يدلك أيضاً على تفاضل أهل الإيمان، وهذا ثابت في ديننا في القرآن والسنة، أن أهل الإيمان يتفاضلون بالإيمان عند الله تبارك وتعالى يوم موتهم، وإنما يعرف الفضل لأهل الفضل ذوو الفضل، أي: أنك عندما تعترف بفضل أخيك المؤمن عليك إياك أن تتصور أنك أنت تحط من نفسك لا، بل كلما اعترفت بفضل الناس زاد فضلك، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما دعا رجل لأخيه بظهر الغيب إلا وكل الله له به ملكاً يقول له: ولك مثله) أيهما أفضل؟ الذي يدعو له الملك يدعو له، أي: إذا أنا دعوت لأبي فقلت: اللهم ارحمه.
دعائي قد لا يستجاب، فيقول الملك: ولك بمثل،
فدعاء الملك مستجاب، إذاً: الداعي هو الأفضل؛ لأن الملك هو الذي يدعو له، لكن أنت تدعو لصاحبك، فانظر أنت بهذا صرت أفضل، فأنت عندما تأتي تقول: فلان أعلم مني وأفضل مني إياك أن تتخيل أنك تحط من درجتك لا.
جلس سفيان بن عيينة رحمه الله في مجلس يخطب الناس، فسأل: هل هناك أحد من أهل الكوفة؟ قال فلان: أنا. قال: ما فعل - الوليد بن مسلم مثلاً أو أي عالم من العلماء؟ قال له: مات.
قال: فهل فيكم أحد من أهل البصرة؟ قالوا: نعم. قال: ما فعل فلان؟ قالوا: مات.
قال: هل فيكم أحد من بلاد ما وراء النهر؟ قالوا: نعم. قال: ما فعل فلان؟ قالوا: مات.
قال: هل فيكم أحد من مصر؟ قالوا: نعم. قال: ما فعل فلان؟ قال: مات.
فحينئذٍ بكى سفيان وأنشد قائلاً:
خَلَتِ الديارُ فسُدْتُ غير مُسَوَّدِ
ومن الشَّقاء تَفَرُّدِي بالسُّؤدَدِ
أي: أنا ما وصلت إلى هذا السؤدد إلا أن الديار خلت ولم يبق إلا مثلي.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الرابعة والثلاثون بعد المئة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :*شكر الله على نعمة العلم ورد الفضل إليه
وكذلك أبو سفيان رضي الله عنه: ما ترأس المشركين في أحد إلا بعد ذهاب أكابرهم.
فـ سفيان بن عيينة كأنه يقول: إني سدت الديار لما خلت من هؤلاء الأكابر، مع أني لا أستحق هذه السيادة هل وضع هذا من قدر سفيان؟ خَلَتِ الديارُ فسُدْتُ غير مُسَوَّدِ -أي: وأنا لا أستحق التسويد- ومن الشَّقاء تَفَرُّدِي بالسُّؤدَدِ يشعر لهذا كل إنسان جرد القصد لله -عز وجل- من أهل العلم، يحس بالمحنة عندما يكون وحده في الساحة، إياك أن تتخيل أن العالم الذي قصد الله عز وجل أن يكون منبسطاً أن كل الخلق حوله لا، إنما يشعر بالمحنة أنه وحده؛ لأن القصد مصلحة الناس، مهما كان العالم جليلاً لا يستطيع الناس جميعاً أن يجتمعوا في مكان واحدٍ فيسمعوا كلام الله ورسوله.
ولكن تخيل أن البلاد هذه فيها -مثلاً- ألف عالم، إذاً: نحن ضمنا أن الحق والهدى سيصل إلى أغلب الناس أم لا؟ وليس أن الواحد لوحده مشهور ومحبوب، وكل الناس حوله، فيصير هذا يدعوه إلى الفرح لا بل هذه محنة، مثل كلام سفيان: أن الإنسان إذا كان فريداً لا يجري معه أحداً من أهل الفضل في مضماره أن هذه محنة، وليست منحة ولا شيئاً.
إذاً: فضلك يظهر بمقارنتك بأهل الفضل وليس بكل الناس؛ ولذلك خصص داود وسليمان عليهما السلام المؤمنين، إذ لا يظهر لهم فضل إلا في وسط أهل النبل -أهل الإيمان .
[ الأنترنت – موقع دروس للشيخ أبي إسحاق الحويني ]
*نعمة طلب العلم
* فوائد من محاضرة (طالب العلم والبحث) للشيخ صالح ال الشيخ :
# طالب العلم لابد له أن يجمع ما بين ثلاثة أشياء:
1- ما بين تلقي العلم عن الأشياخ الذين ينفعونه.
2- والثاني الإطلاع والقراءة والتوسع في المطالعة.
3- والثالث في البحث؛ بحث المسائل وتحريرها والنظر في كلام أهل العلم فيها باحثا مدوِّنا كاتبا ما يصل إليه في بحثه. الذي دعا إلى ذلك؛ يعني إلى طرح هذا الموضوع شيئان:
الأول: ما ذكرته من أن طالب العلم لابد له أن يبحث، ولا ينبت لطالب العلم ريش لجناحيه يصلح له أن يطير بهما في سماء العلم إلا ببحث، فمن لم يبحث يبقى في العلم ضعيفا.
والأمر الثاني: أن البحث به تتضح المسائل، وبه يتبين طالب العلم معلومات كثيرة متنوعة لم تكن تحصل له بلا بحث.
فكم من معلومات استفدناها من جرَّاء بحث مسألة في اللغة أو بحث تفسير آية أو في بحث موضع حديث، فمرّ معنا أثناء البحث مئات الفوائد المختلفة، وهذه إذا كان طالب العلم صحيح الذهن فإنه يستفيد مما يمر عليه
# يفضَّل أن يعاني البحث وأن لا يرجع دائما إلى الفهارس التي توصله إلى المقصود بأقرب طريق
فضلا عن السريعة جدا كالكمبيوتر والبرامج الحديثة.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الخامسة والثلاثون بعد المئة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :*شكر الله على نعمة العلم ورد الفضل إليه
# طالب العلم يبحث مسألة في الفقه فيمر على كتاب كامل من كتب الفقه من خلال هذا البحث سيمر على المسائل هذه وسيرسخ في ذهنه بعض ما يرسخ، وسيمضي ويعبر بعض ما يعبر لكنه سيستفيد فوائد كثيرة. لهذا نقول: إنه كأصل عام لطالب العلم مع البحث كلما كان أبعد عمَّا ييسِّر له البحث في مقتبل الطلب ومتوسط الطلب كلما كان أنفع له.
# لا تفرح بسهولة العثور على المسألة في مقتبل أمرك بقدر ما تفرح إذا بحثت عن مسألة وتعبت في البحث حتى وجدتها.
# في بحثك في أي مسألة كلما عانيت أكثر كلما استفدت أكثر. هذه فوائد علمية.
إضافة إلى الفوائد التعبدية الكبيرة التي يحصل عليها طالب العلم إذا مرَّ على تفسير آيات كثيرة فيها ذِكر الرحمن جل جلاله وذكر صفاته وذكر نعوت كماله، وما يحصل للقلب من فوائد في العبادة والرِّقة والخضوع لله جل وعلا، المرور على الأحاديث كم من مرة سيصلي على النبي عليه الصلاة والسلام، فإذن في معاناة البحث فوائد في العبادة وفوائد في التعبد، فإذا كان ثَم متسع من الوقت عند طالب العلم فلا يختر الطريق السهل.
# كلما كانت معرفتُك بكتب أهل العلم أكثر وبما يختصّ به هذا الكتاب عن ذاك، مميزات هذا الكتاب، مميزات هذا المؤلَّف، ما تميز به المؤلِّف، إلى آخره، كلما كان قدرتك على البحث أعظم.
# البحث إذا أردت أن يضيق ضاق وإذا أردت
أن يتسع جدا اتسع
# من لم يطَّلع على الكتب فإنه لن يستطيع أن يبحث
# الكتب بحر لا ساحل له.
# إذا كان طالب العلم كسلان لا يتصل بالكتب في أماكنها ولا يعرف الطبعات، ولا يعرف هذا الكتاب هل هو موجود غير موجود، وقديم أو غير قديم، هذا يصيبه فيه ضعف بقدر ما فاته من ذلك.
# الباحث لابد أن يحدد ما يريد.
# إذا كان يريد بحث مسألة لابد أن يتجه إليها تكون دائما نصب عينيه وهو يبحث.
# لا يأتي الباحث ويأخذ في الفقه خط واحد في التأليف ويستكثر به، هذا فيه ضعف في البحث.
# كلام الفقهاء في كتبهم كل مذهب هو الذي يؤتمن على نقل مذهبه؛ يعني إذا وجدتَّ كلام المذهب تريد تعرف رأي الحنابلة تأخذه من كتب الحنابلة، ما تأخذ رأي الحنابلة من سبل السلام أو من فتح الباري أو نحو ذلك؛ لأنه ما دام أن المصدر الأصيل فإن الأخذ عن الفروع ضعيف.
# الباحث إذا كان يعرف الكتب فإنه إذا نزل درجة في البحث فإنه معرض للغلط، فكلما علا إسناده وعلا النقل كلما كان أقوى.
# لابد أن يعرف طالب العلم ما الكتب التي يعتمد عليها أصحاب المذهب حتى إذا نقل يكون نقله موافق للصواب عند أهله.
# المذاهب الفقهية منقسمة إلى خمسة مذاهب: المذاهب الأربعة ومذهب الظاهرية، مذاهب أهل الحديث هي داخلة في مذاهب الأئمة الأربعة؛ لأنها بين أقوال أحمد والشافعي ومالك، هذا يسمى عند العلماء الخلاف العالي، وثَم خلاف أقل وهو كلام العلماء غير المتبوعين مثلا خلاف الأوزاعي، خلاف ابن جرير، أو خلاف المتقدين من التابعين إلى غير ذلك.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السادسة والثلاثون بعد المئة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :*شكر الله على نعمة العلم ورد الفضل إليه
# إذا أراد طالب العلم أن يبحث مسألة في ذلك فإنه يبتدئ بالخلاف العالي ثم ينزل إلى أن يصل إلى عهد الصحابة رضوان الله عليهم، وهذه المنهجية هي التي تفقِّه وتفيد الباحث، خلافا لمن ظن أن الصواب العكس أنك تبدأ من عهد الصحابة ثم تصعد، هذا غير جيد لأن مع تقدم العصور المسائل اتضحت وصار الخلاف محدد والأدلة محددة، فإذا نظرت إلى كلام المتأخرين؛ يعني كلام الأئمة ثم انتقلت شيئا فشيئا إلى أن تصل إلى زمن التابعين ثم زمن الصحابة في الكتب والمصنفات هنا تصل في البحث إلى رؤية واضحة وقوة، وهذه هي طريقة أهل العلم والمحققين فيما يعرضونه في البحث كما تراه في المغني والمجموع وفي المحلى وفي غير هذه الكتب.
# قد ينسب فتح الباري للإمام أحمد أقوالا هي في الواقع أخذها من بعض كتب المذهب؛ لكن ليست هي المذهب، إذا أتى الباحث وقال الحنابلة كذا أو مذهب الإمام أحمد كذا هذه تحتاج منه إلى تأنِّي لابد أن يأخذها من كتب أصحابها، كذلك الشافعي المالكي أبو حنيفة إلى آخره.
# أنا أرى اليوم كثيرا ممن يبحثون ويحققون الكتب خاصة من طلبة العلم المتوسطين لا يرعون جانب المنهجية في البحث والتعليقات وتحقيق المسائل، فلهذا يجد طالب العلم إذا نظر في التحقيقات يجد صوابا كثيرا ويجد خلطا أيضا أو ضعفا في المنهجية.
# ابن حزم له أصول فقه خاصة به دونها في كتابه الإحكام في أصول الأحكام.
# إذا قال القائل: قال الأصوليون الأمر للوجوب.
هذه الكلمة مالها معنى لأن الأصوليين مختلفون هل الأمر للوجوب أم لا؟ اختلاف طويل، آخر يكون أدق في التعبير فيقول: قال الأصوليون الأصل في الأمر أنه للوجوب. هذه أدق من الكلمة السابقة
# أن طالب العلم إذا أراد أن يبحث مسألة من مسائل الأصول فليعلم طرائق الأصوليين في بحث المسائل حتى تكون عبارته دقيقة فيما إذا بحث يعرف مدار الأصول وكتب الأصول ومميزاتها إلى غير ذلك.
# صاحب الصحاح متقدم في القرن الرابع الهجري وصاحب اللسان متأخِّر صاحب اللسان جمع خمسة كتب ابن منظور ليس له كلام في لسان العرب، ولذلك يأتي طالب العلم ويقول قال ابن منظور في لسان العرب كذا، هذا كلام لا معنى له، هذا الكلام لا معنى له للعلم الذين يفهمون اللغة، أن يقول قال ابن منظور في لسان العرب معنى كذا هو كذا هذا ليس له مانع لماذا؟ لأن ابن منظور ذكر في مقدمته....خمسة كتب أو ستة فرتبها في هذا الكتاب فلم يؤلف تأليفا مستقلا خلافا لفيروز آبادي في القاموس المحيط الذي جمع كتبا لكن صاغها بصياغته وثَم أشياء تفرد فيها ورد فيها على من سبقه ورد عليه واستدرك وأُستدرك عليه إلى غير ذلك مما هو معروف.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السابعة والثلاثون بعد المئة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :*شكر الله على نعمة العلم ورد الفضل إليه
# إذن طالب العلم مثلا يعرف تسلسل كتب اللغة والكتاب الذي دخل في غيره والكتاب الذي استقل به صاحبه، يعرف من أين أُستقي ذلك حتى يكون دقيقا، هذا لا يتأتى لك إلا بمعرفة مدارس اللغة وكيف نشأت الكتب وصنفت وأشباه ذلك .
# جاءنا كتاب الجوهري وهو معروف سماه الصحاح وهو عند أهل اللغة بمنزلة كتب الصحاح في الحديث؛ لكن ثم فيه أشياء لا مستند لها عند الباحث اللغوي الصحيح،
# فالبحث إذا أردته على حقيقته فإنه متوسِّع جدا؛ يعني ليس ثم مسألة إلا وراءها مسألة، وراءها مسألة حتى يصل الباحث في تحقيق العلم إلى أهله،
# لابد للباحث أن يكون متئدا في بحثه متريثا، فالعلم واسع جدا جدّا ولهذا لابد أن يكون ثم بلوغ في البحث وفي أخذ العلم، وأن يتحرى طالب العلم الصواب المختصر.
# إذا أراد أن يبحث في مسألة من مسائل اعتقاد أهل البدع مثلا في كتب الأشاعرة من مسائل الأشاعرة ينظر أين ذكرت المسالة كيف صوروها أولا ترجع إلى كتب الأئمة تنظر كيف عرضوا للمسألة، كيف صوروا مذهب أهل السنة وكيف صوروا المخالفين من الأشاعرة والمعتزلة والخوارج إلى آخره. ثم تنتقل منها إلى كتب القوم ولابد للباحث المتخصص في العقيدة ليس كل طالب علم أن يعرف هذه الكتب ومميزاتها إلى آخره، ثم بعد ذلك يرجع إلى الرد عليها عند شيخ الإسلام وابن القيم والأئمة رحمهم الله تعالى.
# طالب العلم إذا اقتصر في مسألة ما على ما هو موجود في كتب الشروح المتأخرة وقال خلاص هذه هي كلمة الفصل يضعف بقدر ذلك، طيب
# يأتي باحث ويقول هذا الحديث إسناده حسن؛ لأن فيه فلان قال الحافظ ابن حجر فيه صدوق، هذا الكلام في الحقيقة لا معنى له، الحافظ ابن حجر ألف التقريب ليكون كاشفا معك في اليد في أسفارك؛ يعني تعرف تقريبه ليس الحكم على الرجل
# الباحث لابد أن يكون دقيقا وكلما صار أدق كلما صار أحرى بالصواب في العلم.
# إذا أردت أن تبحث بحثا مدققا وتنشره ويكون
لك فائدة بشيء تقتنع به لابد أن تتوسع في البحث مرة وتصل إلى أقصى الموجود.
# الباحث كلما كان أقوى في الأصول وفي الاستدلال وفي الاجتهاد كلما كان نظره أدق،
# أغرب من ذلك أن يقتصر الباحث على كلام بعض المعاصرين في نصوصهم، سواء في اللغة أو في العلوم المختلفة، لاشك أن هذا ضعف لأنه من حيث أخذوا فخذ، ومن حيث نقلوا فانقل، والحمد لله الآن ثورة علمية كبيرة بوجود هذه الكتب بيننا، فلابد للباحث أن يصل إلى أوائل المسائل.
# طالب العلم ما يشتاق للعلم يتحرك فيتفاعل معه
إلا بالبحث، لابد أن يقسم أمره على هذه الأقسام الثلاثة:
-لابد من طلب العلم على الأشياخ.
-لابد من المطالعة والقراءة لتستفيد.
-لابد من بحث مسائل تتنقح عندك وتتضح الصورة ويكون عندك شغف بالعلم.
وكلما كنت أرغب في البحث كلما كان رغبك في العلم وصلة بالكتب أعظم.
[الأنترنت – موقع الآجري - فوائد من محاضرة ((طالب العلم والبحث)) للشيخ صالح ال الشيخ - أبو ربيع محمد الفاخري ] [الأنترنت – موقع معرفة الله ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثامنة والثلاثون بعد المئة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :*طلب العلم نعمة فاحفظها بالشكر
نعم الله على عباده كثيرة لا تحصى {و ان تعدٌوا نعمة الله لا تحصوها} (سورة النحل:آية 1, ومن أعظم النعم نعمة الدين و نعمة العلم و هما متلازمان,فان العلم مع حسن القصد قائدان الى الصراط المستقيم. قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله:(وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال:((من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين))و لازم ذلك أن من لم يفقهه الله في الدين لم يرد به خيرا,فيكون التفقه في الدين فرضا)[مجموع الفتاوى(20/212)].و حسبك يا طالب العلم أن تستشعر منُة الله و فضله عليك باصطفائك لطلب العلم ,فما كل الناس اختارهم الله لذلك.قال ابن القيم:(فالله سبحانه أعلم حيث يجعل رسالاته أصلا و ميراثا,فهو أعلم بمن يصلح ليحمل رسالته فيؤديها الى عباده بالأمانة و النصيحة و تعظيم المرسل و القيام بحقه ,و الصبر على أوامره, و الشكر لنعمه و التقرب اليه,و من لا يصلح لذلك. و كذلك هو سبحانه أعلم بمن يصلح من الأمم لوراثة رسله و القيام بخلافتهم و حمل ما بلغوه عن ربهم,قال عبد الله بن مسعود:((ان الله نظر في قلوب العباد فرأى قلب محمد صلى الله عليه و سلم خير قلوب أهل الأرض فاختصه برسالته ,ثم نظر في قلوب العباد فرأى قلوب أصحابه خير قلوب العباد فاختارهم لصحبته)). الى أن قال (يعني ابن القيم عليه رحمة الله):(و المقصود :أن الله سبحانه أعلم بمواقع فضله و رحمته و توفيقه,و من يصلح لها و من لا يصلح ,و أن حكمته تأبى أن يضع ذلك عند غير أهله, كما تأبى أن يمنعه من يصلح له. و هو سبحانه الذي جعل المحل صالحا و جعله أهلا و قابلا , فمنه الاعداد و الامداد , و منه السبب و المسبب)).[طريق الهجرتين] و العلم رأس الفضائل , و لذة العلم أعظم اللذات, و من ذاق حلاوة العلم و تمتع بلذته فانه لا يستغني عنه ,فحري بمن رزق هذه النعمة أن يدعو بالزيادة, و أن يشكرها لتحفظ الموجود و تجلب المفقود. و شكر هذه النعمة يكون بالعمل بها , و بثها في الناس, و السعي في رفع الجهالة عن الناس, و اشاعة الحق. قال والدنا العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله معلقا على حديث:((لا تكن مثل فلان كان يقيم الليل ثم تركه)) [شرح رياض الصالحين(7/67 )]:(و من ذلك-و هو أهم و أعظم -:أن يبدأ الانسان بطلب العلم الشرعي ,ثم اذا فتح الله عليه بما فتح تركه ,فان هذا كفر نعمة أنعمها الله عليه ,فاذا بدأت بطلب العلم فاستمر الا أن يشغلك عنه شيء على وجه الضرورة , و الا فداوم لأن طلب العلم فرض كفاية, كل من طلب العلم فان الله تعالى يثيبه على طلبه ثواب الفرض)انتهى كلامه عليه رحمة الله. و التهاون في مذاكرة العلم , و تضييعه و نسيانه تهاونا و تفريطا هو من كفران هذه النعمة ,قال النبي صلى الله عليه و سلم:((من تعلم الرمي ثم نسيه فليس منا)).[صحيح مسلم] و في رواية:(( فهي نعمة جحدها)).[المعجم الأوسط] من كتاب[النبذ في آداب طلب العلم]
[ الأنترنت – موقع الآجري - طلب العلم نعمة فاحفظها بالشكر - أم أروى السنية ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة التاسعة والثلاثون بعد المئة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :*لا تحقرن من المعروف شيئا
إخوةَ الإيمان: لندعها إطلالةً على مشهَدٍ حفظَه
التاريخ، وسطرَتْه لنا دَواوِين السنَّة، نقفُ مع حدثٍ غابِر، ومشهدٍ غير عابِر، لنأخُذ من هذا الحدَث أحاديث.
أوَّل صورةٍ نلتقطها في مشهدنا هذا، هي صورة تلك المرأة السَّوداء، التي عَلاها شيبُها، وتَجعَّد وجهُها، واحدَودَب ظهرُها. إنَّه خبر أمِّ مِحجَن، وما أدراك ما أمُّ مِحجَن؟!
امرأةٌ مسكينةٌ، ليس لها نسبٌ تعتزي به، ولا قَرابة تنتَصِر لها، لا تملك شيئًا من زخرف الدنيا ومتعها؛ لا مَتاع، ولا جاه، ولا ذرية، قد صغُر أمرُها عند الناس، فلم تكن محطَّ أنظارِهم، ولم يكن اسمُها تَلُوكُه الأفواه وتَتداوَله ألسنتُهم، لكن ذكرها خلد بعد موتها أعوامًا ودهورًا، لا لسابقتها في الإسلام، ولا لأنها قدَّمت عملاً كبيرًا جليلاً يُذكَر فيُشكَر، وإنما بَقِي ذكرُها، بسبب عمل صغير حقير في أعيُنِ كثيرٍ من الناس، عمل هذه المرأة أنَّها كانت تقمُّ المسجد؛ تلتَقِط الخِرَقَ والقَذَى والعيدان من المسجد، ولم تكن تطلُب من أحدٍ مُقابِل عملها جزاءً ولا شُكُورًا.
نعم، كم هو صغيرٌ هذا العمل في نظَر الأعيُن، ولكنَّه عملٌ قد أهمَّ هذه المرأة السوداء حتى فرَّغت له وقتَها، واستَفرَغت لأجلِه طاقتها، فأصبَح أمرًا مُعتادًا أنْ ترَى الأعيُن هذه المرأة وهي تُلاحِق ما يندُّ من الناس، أو تلفظه الريح من أذًى داخِل المسجد، فتجمَعه في يدَيْها، أو في خِبائها، وتَرمِيه خارِجَ المسجد، داوَمَت المرأة على عملها الصغير، وأحبُّ الأعمال إلى الله أدوَمُها وإنْ قلَّ، حتى ودَّعت هذه المرأة دنياها، وفارَقتْ حياتها ليلاً، ولم يكن خبرُ وفاتها نبأً يُذكَر فيَتسارَع إليه الناس، وإنما بادَر بعضُ الصحابة بتَجهِيزها، ثم الصلاة عليها ودفنها ليلاً.
مضَتْ أيَّام وأيَّام، ورسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لا يرى رسم هذه المرأة، فسأل عنها؛ اهتِمامًا بها، وإكبارًا لشأنها، فأُخبِر بوَفاتها، فقال: ((أفلا كنتُم آذَنتُموني))، فكأنَّ الناس صغَّروا أمرَها، فقال الرحمة المهداة: ((دلُّوني على قَبرِها؟))، فدلُّوه، فوقَف على قبرِها، وصلَّى عليها، ودعا لها بالمغفرة والرَّحمات.
بخٍ بخٍ، هنيئًا لهذه المرأة صلاةُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عليها، هنيئًا لها صلاةُ مَن كانت صلاتُه رحمةً ونورًا وضياءً. هنيئًا لها هذا الجزاء الذي تمتدُّ نحوه الأعناق.
كيف لا؟ وقد قال رسول الهدى صلَّى الله عليه وسلَّم : ((إنَّ هذه القُبُور مملوءَةٌ ظلمَة على أهلِها، وإنَّ الله - عزَّ وجلَّ - يُنوِّرُها بصَلاتِي عليهم)).
وفي هذا المشهَد - عبادَ الله - رسالةٌ إلى كلِّ مؤمن
يَرجُو رحمةَ ربِّه والفوزَ برضوانه: ألاَّ يحتَقِر من العمل شيئًا؛ فرُبَّ عملٍ صغَّرَتْه الأعين، كان سببًا لرضا الرحمن، والفوز بالجنان.
فيا أهل الإيمان: جنَّةُ الرحمن ليسَتْ مقصورةً وخاصَّة لِمَن باعُوا أرواحَهم، وبذَلُوا أموالهم في سبيل الله، مغفرةُ الرحمن ليسَتْ وقفًا للعِباد النسَّاك، والصوَّام والقوَّام، بل رحمة الله وجنَّته تُدرَك بأعمالٍ هي صغيرة في أعيُنِ كثيرٍ من الناس؛ ﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [فصلت: 35].
تأمَّل معي - أخي المبارك - هذه الآثار الصحيحة،
وانظُر كيف وصَل أصحابها للسعادة السرمديَّة،
والمتعة الأبديَّة بأعمال يسيرة.
حدثنا أبو هريرة - رضِي الله عنه - عن نبيِّنا صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال: ((بينَما رجلٌ يمشِي بطريقٍ وجَد غُصنَ شوكٍ على الطريق فأخَّرَه، فشَكَر الله له فغفَر له))؛ متفق عليه.
وجاء عند أبي داود: ((نزَع رجلٌ لم يعمَل خيرًا قطُّ غصنَ شوكٍ عن الطريق؛ إمَّا كان في شجرةٍ فقطَعَه فألقاه، وإمَّا كان موضوعًا فأماطَه، فشكَر الله له بها، فأدخَلَه الجنَّة)).
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الأربعون بعد المئة في موضوع الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
*لا تحقرن من المعروف شيئا
وحدثنا أبو هريرة أيضًا عن حبيبنا صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال: ((بينما كلبٌ يطيف برَكِيَّة قد كاد يقتُلُه العطَش، إذ رأَتْه بغيٌّ من بَغايا بني إسرائيل، فنزَعَتْ مُوقَها (أي: خفها) فاستَقَتْ له به، فسقَتْه إيَّاه، فغُفِر لها به))؛ متفق عليه.
وهذا رجلٌ من الأُمَم السابقة نبَّأنا خبرَه نبيُّنا صلَّى
الله عليه وسلَّم فقال: ((تلقَّت الملائكة رُوحَ رجلٍ ممَّن كان قبلَكم، فقالوا: أعمِلتَ من الخير شيئًا؟ قال: لا، قالوا: تذكَّر، قال: كنتُ أُدايِن الناسَ فآمُر فِتياني أنْ يُنظِروا المُعسِر، ويتجوَّزوا عن المُوسِر، فقال الله - عزَّ وجلَّ -: تجوَّزوا عنه))؛ متفق عليه.
وفي لفظٍ عند مسلم: ((قال الله - تعالى -: أنا أحقُّ بذا منك، تجاوَزُوا عن عبدي)).
هذه أخبارُ مَن سبَقَكم من الأُمَم الغابِرة، وتفضل الله عليهم جَزاء أعمالٍ صالحة صغيرة، فكيف يكون هو جَزاء أعمالِ أمَّة محمدٍ، الذين اختارَهم الله واصطَفاهم وفضَّلهم على العالَمين؟
عباد الله:وحين نتأمَّل سِيَر أنبِياء الله وصفوته من خلقه، نَراهم سبَّاقين للخَيْرات، مُسارِعين للصالحات، وحالُهم كما قال أحدُهم: ﴿ وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ﴾ [طه: 84].
فهذا خليل الرحمن، حين زارَه ضيفانه، راغَ إلى أهله فجاء بعجلٍ سَمِين؛ ((ومَن كان يُؤمِن بالله واليومِ الآخِر فليُكرِم ضيفَه)).
وهذا كَلِيمُ الرحمن، موسى بن عمران، ورَد ماء مدين، فرَقَّ لحال امرأتَيْن منعزلتَيْن لا تستَطِيعان
مُزاحَمة الرِّجال، فسقَى لهما من الماء.
وهذا عيسى ابن مريم كان نفَّاعًا للناس؛ يُبرِئ الأكمه
والأبرص، ويشفي السقيم، ويحيي الموتى بإذن ربِّه، فجعَلَه ربُّه مباركًا أينما كان.
وهذا سيِّد ولد آدم صلَّى الله عليه وسلَّم شهد له أهلُه قبلَ بعثته بأنَّه يحمل الكَلَّ، ويَقرِي الضيف، ويكسب المعدوم، ويُعِين على نَوائِب الحق.
واستَمرَّ معه هذا الجود والنفع للآخَرين إلى آخِر حياته، حتى حَطَمَه الناس؛ أي: أكثَرُوا عليه وزحموه بحوائِجِهم، فكان يُصَلِّي بعد ذلك وهو قاعد؛ ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ﴾ [الأحزاب: 21].
عبادَ الله: وعندما نتأمَّل في سِيرَة أعبد الخلق
وأعرَفِ الخلق بربِّه، لا نرى في قاموس حياته استِصغارَ أيِّ عملٍ مهما قَلَّ، بل نرى بوضوحٍ جليٍّ الحضَّ على مُبادَرة كلِّ عملٍ وإنْ يَسُر، والتشجيع على كُلِّ معروفٍ وإنْ صَغُر، فحرصًا على أجر العمل أرشَدَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لِمَن أدرك الساعة ألاَّ تشغَله أحداثُها عن العمل الصالح ولو قلَّ؛ قال صلَّى الله عليه وسلَّم:(إنْ قامت الساعة وفي يد أحدِكم فسيلةٌ، فليَغرِسها) رواه أحمد بسند صحيح.
يأتي رجلٌ إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قد امتلأ نشاطًا، وتحرَّكت همَّته للمسابقة في أبواب الأعمال الصالحات، فيسأَل النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن المعروف فيأتيه الجواب:(لا تحقِرَنَّ من المعروف شيئًا ولو أنْ تُعطِي صلة الحبل، ولو أنْ تُعطِي شِسعَ النَّعل، ولو أنْ تَنْزِع من دَلوِك في إناء المُستَسقِي، ولو أنْ تنحِّي الشيءَ من طريق الناس يُؤذِيهم، ولو أنْ تَلقَى أخاك ووجهُك إليه مُنطَلِق، ولو أنْ تلقى أخاكَ فتُسلِّم عليه، ولو أنْ تُؤنِس الوَحشان في الأرض) رواه الإمام أحمد بسندٍ صحيح.
والمقصود بالوَحشان: الغريب، وإيناسُه أنْ تَلقاه بما يُؤنِسه من القول والفعل الجميل؛ كما قال أبو سليمان الخطابيُّ.
عبادَ الله: وبالعمل اليَسِير بُشِّر بلالُ بن رباح
بالجنَّة؛ ((يا بلال، حدِّثني بأرجَى عملٍ عملتَه في
الإسلام؛ فإنِّي سمعتُ دَفَّ نعلَيْك بين يديَّ في الجنَّة))، قال بلال: ما عمِلتُ عمَلاً أرجَى عندي منفعةً من أنِّي لا أتطهَّر طهورًا في ساعة ليلٍ أو نهارٍ، إلاَّ صلَّيتُ بذلك الطهور ما كتَب الله لي أنْ أصلِّي.
لا تحتَقِروا ولا تستَصغِروا شيئًا من صالح العمل؛ فالكلُّ مكتوب، والجميع محسوب؛ ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7 - 8].
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الواحدة والأربعون بعد المئة في موضوع الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
*لا تحقرن من المعروف شيئا
والخير مهما قَلَّ فهو عند الله محبوب، وفي مُحكَم التنزيل: ﴿ وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [التوبة: 121].
قال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الحج: 77].
في مُحكَم التنزيل يُخاطِب المولى - جلَّ جلالُه - أهلَ الإيمان في آياتٍ عِدَّة، يحضُّهم فيها على عمل اليسير، ويَعِدُهم بالأجر الوَفِير،فالتفسحة في المجلس للقادِمين والداخِلين، عملٌ هيِّن يَسِير، قال الله عنه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ [المجادلة: 11].
أي: يُوسع عليكم، وهذه التَّوسِعة شاملةٌ لأمْر الدنيا والآخِرة،فيُوسع الله لعبده في رِزقه،ويُوسع له مَنازِله في الجنَّة؛ ((فلا تحقرنَّ من المعروف شيئًا)).
يا عبدَ الله : نفقتُك على أهلك وولدك وبيتك،
عملٌ صالح معروفٌ، مع أنها من أسس الحياة، ولا
يستَقِيم العيش إلا بها ومعها.
كثيرٌ منَّا يَتناسَى استِصحاب النيَّة الصالحة مع هذه النَّفقة، مع أنَّ المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم قد قدَّمها على كثيرٍ من النَّفَقات في قوله:(دينارٌ أنفَقتَه في سبيل الله، ودينارٌ أنفَقتَه في رقبةٍ، ودينارٌ تصدَّقتَ به على مسكين، ودينارٌ أنفَقتَه على أهلك، أعظَمُها أجرًا الذي أنفَقتَه على أهلك))؛ رواه مسلم في "صحيحه".
عبادَ الله:ومن المعروف الذي ينبَغِي أنْ يُذكر ويُتواصَى به ولا يُحقَّر - الكلمةُ الطيِّبة؛ فالكلمة الطيِّبة سهلةُ المَنال، عظيمة النَّوال، بعيدة الأثَر؛
﴿ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ﴾ [إبراهيم: 25].
فبالكلمة الطيِّبة يتَّقي العبدُ نارَ الله الموقَدة؛ ((اتَّقوا النارَ ولو بشِقِّ تمرةٍ، فمَن لم يجد فبكلمةٍ طيِّبة)).
وبالكلمة الطيِّبة يكتب الله لعَبدِه مَنازِل من الرِّضوان والجنان، وبالكلمة الطيِّبة فُتحَت مَغالِيق القُلُوب، وعادَ مُعرِضون تائِهُون إلى علاَّم الغُيُوب.
بالكلمة الطيِّبة أسلَمَ خالد بن الوليد، فكان سيف الله المسلول.
وبالكلمة الطيِّبة ألَّف البخاري "صحيحه"، فكان أصحَّ كتاب بعد القرآن.
محدِّث الشام البرزالي أطلَقَ كلمةً عابرة لتلميذه
الذهبي، فقال له: إنَّ خطَّك يُشبِه خَطَّ المحدِّثين، ففعَلتْ هذه الكلمة فِعلَها في نفْس الإمام الذهبي، فأقبَلَ على طلَب الحديث، حتى عُدَّ رأسًا من رؤوس المحدِّثين.
وأخيرًا معاشرَ الأحبَّة:كم وكم تمرُّ بنا في حياتنا، في يومنا وليلتنا، في عملنا وطُرُقنا ومَنازِلنا من أعمالٍ صالحات، ميسورات قريبات، نَمُرُّ بها وعليها ونحن عنها غافلون! فيا مُفرِّطًا في حسناته، ها هي أوجُه المعروف مشرعة أمامَك، فاقتنصها، واسعَ للآخرة سعيها:
• اجعَل شعارك في صبحك ومسائك: ((لا تحقرنَّ
من المعروف شيئًا)).
• لا تبخَل على نفسك ببَذْل ابتسامة، أو دفع هديَّة، أو رفع أذيَّة.
• لا تستَقلِل ثواب الشَّفاعة الحسنة، وقَضاء الحوائج، وحل المشاكل، لا تَزهَد في قُربات وطاعات؛ من مُواسَاة مكلوم، وتعزية مُصاب، وتشييع جنازَة، وعِيادَة مريض، وإنظار مُعسِر، بل وإدخال البهجة في النُّفوس، فلا تدري، فلعلَّ ذلك العمل وإنْ كان صغيرًا تكون به ومعه سعادَتُك ونجاتُك في أخراك، وبقاء ذكرك في دنياك. [الأنترنت – موقع الألوكة - لا تحقرن من المعروف شيئا - الشيخ إبراهيم بن صالح العجلان ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثانية والأربعون بعد المئة في موضوع الشكور وهي بعنوان :
*نعمة الطعام و إكرامه و إطعامه
من حكمة الله تعالى في خلق البشر أنه جعلهم يحتاجون إلى سدِّ أفواههم ، و ملء بطونهم ،
و تسكين جوعهم بالطعام , و حَاجَةُ الإِنْسَانِ إِلَى الطَّعَامِ دَلِيلٌ عَلَى ضَعْفِهِ وَ أَسْرِهِ وَ حَاجَتِهِ إِلَى غَيْرِهِ ، وَ نِعْمَةُ الطَّعَامِ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ الَّتِي تَحْفَظُ الجِنْسَ البَشَرِيَّ مِنَ الانْقِرَاضِ ، فَلاَ حَيَاةَ لِلْإِنْسَانِ بِلاَ طَعَامٍ . و الله تعالى لما خلق البشر و جعل الطعام قوامًا لهم وسببا لاستمرار حياتهم رزقهم بأنواع المآكل ، قال تعالى :( فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ , أَنَّا صَبَبْنَا المَاءَ صَبًّا , ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا , فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا ) عبس , ثم عدد جل و علا أنواعًا من الطعام . و قال تعالى : ( وَ الأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَ مَنَافِعُ وَ مِنْهَا تَأْكُلُونَ ) النحل .
و جعل سبحانه خلق الطعام لعباده دليلًا على ربوبيته و ألوهيته ، قال تعالى : ( قُلْ أَغَيْرَ الله أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَ الأَرْضِ وَ هُوَ يُطْعِمُ وَ لَا يُطْعَمُ ... ) الأنعام .
و قال تعالى على لسان نبينا ابراهيم عليه الصلاة و
السلام معددًا دلائل ربوبية الله تعالى : ( الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ , وَ الَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَ يَسْقِينِ ) الشعراء .
و لقد أباح ربنا سبحانه لعباده الطيب و الحلال من الطعام و نهاهم عن الخبيث و الحرام منه , قال تعالى :( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ) المائدة ، و قال تعالى : ( اليَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ) المائدة ،و قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ) البقرة ، و جاء النص بحل طعام البحر حتى للمحرمين الذين يحرم عليهم الصيد (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَ طَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَ لِلسَّيَّارَةِ ) المائدة ،وجاء النهي الصريح في أن يحرم الإنسان على نفسه شيئًا من الطعام , قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَاتُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ و لا تعتدوا ) المائدة ..
أيها المؤمنون , إن الطعام و الشراب من نعم الله سبحانه و تعالى الكثيرة على عباده , و لا بد من شكر هذه النعمة العظيمة شكرا يوازيها , قال تعالى : ( وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَ لَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ) إبراهيم , هذا الطعام الذي نأكله امتن الله سبحانه به علينا فقال : ( أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ , أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ , لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ) الواقعة , و قال تعالى : ( فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ ,الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَ آمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ ) قريش , و جاء عن عبيدالله بن محصن رضي الله عنه , عن الحبيب عليه الصلاة و السلام في طعام يوم واحد : ( من أصبح منكم آمناً في سربه ، معافى في جسده ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ) أخرجه الترمذي .
و انظروا إلى الذين عاقبهم الله سبحانه بالجوع لما كفروا نعمة الله تعالى : ( و ضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع و الخوف بما كانوا يصنعون ) النحل . بل إنه سبحانه و تعالى قد نهانا عن الإسراف في الطعام و الشراب فقال تعالى : ( و كلوا و اشربوا و لا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ) الأعراف . و نهى سبحانه عن الطغيان فيه فقال : ( كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَ لَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَ مَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى , وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ) طه .
فزَوَالُ النِّعَمِ مُرْتَهَنٌ بِالكُفْرِ ، و حِفْظَ النِّعَمِ مِنَ الزَّوَالِ مُرْتَهَنٌ بِطَاعَةِ اللهِ تَعَالَى فِيهَا كَسْبًا وَ إِنْفَاقًا ، وَ شُكْرِهِ سُبْحَانَهُ عَلَيْهَا . و إِنَّ بَقَاءَ النِّعَمِ مُرْتَهَنٌ بِإِكْرَامِهَا ، وَ عَدَمِ الاسْتِهَانَةِ بِقَلِيلِهَا وَ لَوْ كَانَ حَبَّاتِ أَرُزٍّ ، أَوْ كِسْرَةَ خُبْزٍ ، أَوْ قَلِيلَ حِسَاءٍ ، أَوْ حَبَّةَ تَمْرٍ , فَمَنِ اسْتَهَانَ بِقَلِيلِ النِّعْمَةِ اسْتَهَانَ بِكَثِيرِهَا , و إِنَّ مَنْ نَظَرَ فِي أَطْعِمَتِنَا اليَوْمِيَّةِ وَ وَلاَئِمِنَا المَوْسِمِيَّةِ ، وَ احْتِفَالاَتِنَا الباذخة ، ثُمَّ قَارَنَ ذَلِكَ بِمَفْهُومِ السَّلَفِ لِلنِّعْمَةِ وَ إِكْرَامِهَا عَلِمَ أَنَّنَا نُهِينُ النِّعَمَ وَ لاَ نُكْرِمُهَا ، وَنَ كْفُرُهَا وَ لاَ نَشْكُرُهَا ، وَ نَتَسَبَّبُ فِي زَوَالِهَا لاَ اسْتِدَامَتِهَا .
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثالثة والأربعون بعد المئة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
*نعمة الطعام و إكرامه و إطعامه
و فِي السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ اعْتِبَارٌ لِلتَّمْرَةِ الوَاحِدَةِ ، وَ اللُّقْمَةِ الوَاحِدَةِ ، وَ لِذَا اسْتَخْدَمَهَا النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَ السَّلاَمُ مَرَّاتٍ عِدَّةً فِي حَدِيثِهِ , فَأَخْبَرَ أَنَّ الرَّجُلَ حِينَ يضع اللقمة في فم زَوْجَتَهُ لُقْمَةً فَهِيَ لَهُ صَدَقَةٌ ، و قَالَ أيضا : ( لَيْسَ المِسْكِينُ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَ اللُّقْمَتَانِ ، وَ التَّمْرَةُ وَ التَّمْرَتَانِ ) ، بَلِ اعْتَبَرَ بَعْضَ التَّمْرَة وَ لَمْ يَحْقِرْهَا لِقِلَّتِهَا ، فقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَ السَّلاَمُ : ( اتَّقُوا النَّارَ وَ لَوْ بِشِقِّ تَمْرَة ) ، وَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ : ( جَاءَتْنِي مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا ، فَأَطْعَمْتُهَا ثَلَاثَ تَمَرَاتٍ ، فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً ، وَ رَفَعَتْ إِلَى فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلَهَا ، فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا ، فَشَقَّتِ التَّمْرَةَ الَّتِي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا بَيْنَهُمَا ، فَأَعْجَبَنِي شَأْنُهَا ، فَذَكَرْتُ الَّذِي صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللهِ ، فَقَالَ : إِنَّ اللهَ قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الْجَنَّةَ , أَوْ أَعْتَقَهَا بِهَامِنَ النَّارِ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَ تَأَمَّلُوا إِكْرَامَ النِّعْمَةِ فِي الحَدِيثِ الآتِي ، وَ عَدَم الاسْتِهَانَةِ بِقَلِيلِ الطَّعَامِ وَ لَوْ كَانَ لُقْمَةً وَاحِدَةً أَوْ أَقَلَّ مِنْهَا , قَالَ عليه الصلاة و السلام : ( إِذَا وَقَعَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَأْخُذْهَا فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى وَ لْيَأْكُلْهَا ، وَ لَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ ، وَ لَا يَمْسَحْ يَدَهُ بِالْمِنْدِيلِ حَتَّى يَلْعَقَ أَصَابِعَهُ ) رَوَاهُ مُسْلِم ، بل إن بَقَايَا الطَّعَامِ فِي الصِّحَافِ وَ القُدُورِ وَ الأَوَانِي لاَ تُحْتَقَرُ وَ لاَ يُسْتَهَانُ بِهَا ، بَلْ تُكْرَمُ وَ تُصَانُ وَ تُسْلَتُ فَتُؤْكَلُ ، قَالَ أَنَسٌ : ( وَ أَمَرَنَا أَنْ نَسْلُتَ الْقَصْعَةَ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
و بعد الحديث السالف عن الطعام و أهميته للإنسان , و ضرورة إكرامه و عدم إهانته , و ضرورة شكر المنعم سبحانه و تعالى على هذه النعمة العظيمة , أود في الختام أن أتعرض لعمل صالح من الأعمال الصالحة التي حثنا عليها ديننا الإسلامي الحنيف في القرآن و السنة , ألا و هو إطعام الطعام , و تقديمه للجائعين المحتاجين الذي لا يجدون ما يأكلونه لفقرهم و عوزهم .
جاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه : ( أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سُئل : أي الإسلام خير ؟ قال صلى الله عليه و سلم : أن تطعم الطعام و تقرأ السلام على من عرفت و من لم تعرف ) متفق عليه .
و في أوصاف الأبرار و ذكر أعمالهم التي استحقوا
بها الجنة كان من أعمالهم : ( وَ يُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى
حُبِّهِ مِسْكِينًا وَ يَتِيمًا وَ أَسِيرًا , إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَ لَا شُكُورًا ) الإنسان ,
كما كان من أوصاف أهل النار و ذكر أفعالهم التي أوجبت لهم النار أنهم حبسوا الطعام عن المحتاجين ، ولم يدعوا غيرهم للإطعام : (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ , قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ , وَ لَمْ نَكُ نُطْعِمُ المِسْكِينَ )
المدَّثر ، و في آية أخرى قوله تعالى : ( وَ لَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ المِسْكِينِ ) الحاقة .
و قد قال عبد الله بن سلام رضي الله عنه عندما جاء ليرى النبي صلى الله عليه و سلم عند مقدمه
للمدينة و الناس متزاحمون عليه : فتطاولت حتى رأيته فلما رأيت وجهه قلت : ما هذا بوجه كاذب ، فكان أول ما سمعته منه : ( أيها الناس : أفشوا السلام ، و أطعموا الطعام ، و صِلُوا الأرحام ، و صَلُّوا بالليل و الناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام ) صححه الألباني ..
و قال عليه الصلاة و السلام : ( إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها ، و باطنها من ظاهرها , فقالوا : لمن هي يا رسول الله ؟ قال صلى الله عليه و سلم : لمن أطاب الكلام ، و أطعم الطعام ، و بات قائمًا و الناس نيام ) رواه الحاكم في مستدركه و سنده حسن .
و نجده كذلك أيضًا في الأمر المباشر الذي وجهه النبي صلى الله عليه و سلم لعموم أمته متعلقًا بهذا الشأن ( اطعموا الجائع ، و عودوا المريض ، و فكوا العاني ) البخاري .
و أختم بهذا الحديث القدسي العظيم الذي قاله النبي صلى الله عليه و سلم فيما رواه مسلم و فيه : ( أن الله جل و علا يقول لعبده يوم القيامة : استطعمتك فلم تطعمني ، فيقول و كيف أطعمك يا رب و أنت رب العالمين؟ فيقول استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه ، أما إنك لو أطعمته لوجدتني عنده )
إن إطعام الطعام شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام تدل على المعنى الإنساني و تمنع هذه المهالك من الجوع و المرض و غيرها ، و تقوى روابط الأخوة و المحبة , و نحن معاشر المسلين مدعوون بكتاب ربنا و سنة نبينا إلى أن نكون أولاً من يعنى بذلك ، و أن نقدر النعمة قدرها ، و أن نقوم بواجب شكرها , و أن نعرف للمنعم فضله ..
[ الأنترنت – موقع سفري - الموضوع: نعمة الطعام و إكرامه و إطعامه - الطائرالجريح ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الرابعة والأربعون بعد المئة في موضوع الشكور والتي هي بعنوان :
* نشكر الله على إكرامنا بالطعام
قال الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل : نشكر الله على إكرامنا بالطعام
حاجة الإنسان إلى الطعام دليل على ضعفه وأسره، وحاجته إلى غيره، ونعمة الطعام من أعظم النعم التي تحفظ الجنس البشري من الانقراض، فلا حياة للإنسان بلا طعام.
ومن نظر في القرآن وجد أن الطعام ذكر أكثر ما ذكر في سورتي الأنعام والنحل، والأنعام منها الألبان واللحوم وهي أفخر الطعام، والنحل ينتج العسل وهو أطيب الطعام، وسورة النحل تسمى سورة النعم لكثرة ما فيها من ذكر النعم. وفي هاتين السورتين ذكر الله تعالى ما يكون سببا لبقاء الطعام، والتمتع به، وازدياده، وما يكون سببا لقلته وذهابه، ووقوع الجوع والهلاك به؛ فبقاء النعم ونماؤها وزيادتها مرتهن بالشكر، وفي سورة النحل ذكر الله تعالى الخليل عليه السلام ووصفه بأنه كان ﴿ شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ ﴾ [النحل:121] فوصفه سبحانه بالشكر، والخليل كان يكرم الضيفان بالعجول السمان حتى كني من كرمه أبا الضيفان، ولم يجد قلة
رغم كرمه؛ لأنه قيد نعم الله تعالى عليه بالشكر.
وزوال النعم مرتهن بالكفر، وقد عالجت سورة الأنعام هذه القضية مع ذكر الطعام، ففيها ﴿ كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [الأنعام:142] فالنهي عن اتباع خطوات الشيطان بعد ذكر الأكل مشعر بأن اتباع خطواته كفر لنعمة الأكل، والشيطان يدعو لكل سوء، ويزين للعبد كل معصية. فيزين الكفر والجحود والنفاق والعصيان، ويزين الإسراف في المآكل والمشارب والحفلات والولائم. وهو ما جاء النهي عنه في موضع آخر من سورة الأنعام مقرونا بالأكل أيضا وبذكر الثمار والحبوب التي هي من ضرورات الأكل؛ فأغلب ما يأكل الناس الحبوب: ﴿ كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأنعام: 141].
إن حفظ النعم من الزوال مرتهن بطاعة الله تعالى فيها كسبا وإنفاقا، وشكره سبحانه عليها.
إن بقاء النعم مرتهن بإكرامها، وعدم الاستهانة بقليلها ولو كان حبات أَرُزٍّ، أو كسرة خبز، أو قليل حساء، أو حبة تمر.. فمن استهان بقليل النعمة استهان بكثيرها، ومن ألقى كسرة خبز، وأهان حبيبات أَرُزٍّ، هانت النعمة في نفسه فألقى الكثيرمن
الطعام. إن من نظر في أطعمتنا اليومية، وولائمنا الموسمية، واحتفالاتنا العرضية ثم قارن ذلك بمفهوم السلف للنعمة وإكرامها علم أننا نهين النعم ولا نكرمها، ونكفرها ولا نشكرها،ونتسبب في زوالها لا استدامتها.
إننا نجازى بمثاقيل الذر ﴿ إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ﴾ [النساء:40] وكم في حبة الأَرُزِّ من ذرة، وكم في بقايا الخبز من ذرة، ونستهين بما هو أكبر منها كالتمرة واللقمة، ولننظرْ في موائدنا اليومية كم يسقط من الطعام على السفرة، وكم فيه من ذرة، ولو جُمع لأشبع إنسانا أو أكثر، بينما يأنف أحدنا أن يجمع ما سقط منه ليأكله فلا يُبقي حبة بعده، وذلك لأن الصحن أمامه مملوء بالطعام تحيط به أوان أخرى مملوءة بأطعمة منوعة، فلا حاجة لأن يلتقط ما يتساقط منه، وهذا من الاستهانة بالنعمة.
وأما إذا صنع وليمة لضيفه فما يبقى أكثر مما يأكلون، وأكبر همٍّ يحمله أهل البيت بعد الوليمة هو تصريف ما بقي من الطعام، ولو حفظوه لأكلوا منه أسبوعا، ولكن أنفسهم المترفة تأنف من طعام بائت! فإما بعثوا به إلى فقراء أو جمعيات تطعمهم، وهذا في أحسن الأحوال. وإما ألقي للحيوانات وهو من أفخر الطعام، وفي الناس جياع، وإما رمي في الزبالة، وهذا كفر للنعمة شنيع، وأشنع منه من يتخلصون من بقايا الطعام بإلقائها في المجاري، نعوذ بالله تعالى من كفر المنعم، وإهانة النعم. وأما في الولائم الكبرى من أعراس واحتفالات ونحوها، فأمر لا يكاد يصدق من الإسراف في كثرة الطعام وأنواعه، ولولا أن الواحد منا يحضرها ويراها لما كان يصدق كثرتها وتنوعها لو وصفت له، وفي بعض الاحتفالات يجمع فائض الأطعمة بالجرافات التي صنعت لجرف التراب لا لجرف الطعام، وذلك من كثرتها حتى عجز الناس عن حملها، وفي منظر مؤذ من مناظر كفر النعمة تقف سيارة النفايات عند بوابة مخيم، وعمال النظافة يفرغون الصحون المملوءة باللحم والأرز فيها؛ للتخلص منها، وفي أحد الاحتفالات أحصي ما استغني عنه من طعام بعد الحفل فبلغ خمسين طنا من الطعام، تشبع مئة ألف إنسان، وهذا في احتفال واحد، وكم في السنة من احتفالات؟!
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الخامسة والأربعون بعد المئة في موضوع الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
* نشكر الله على إكرامنا بالطعام
ففي السنة النبوية اعتبار للتمرة الواحدة، واللقمة الواحدة، ولذا استخدمها النبي عليه الصلاة والسلام مرات عدة في حديثه؛ فأخبر أن الرجل حين يطعم زوجته لقمة فهي له صدقة، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ المِسْكِينُ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ، وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ... الحديث» فاعتبر عليه الصلاة والسلام التمرة واللقمة، ولم يحتقرها. وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رُدُّوا السَّائِلَ وَلَوْ بِظِلْفٍ مُحْرَقٍ" رواه أحمد، والظلف: خف الشاة، وفي كونه محرقا مبالغة في غاية ما يعطى من القلة. وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَتَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ، فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ، فَلْيُنَاوِلْهُ أُكْلَةً أَوْ أُكْلَتَيْنِ، أَوْ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ، فَإِنَّهُ وَلِيَ حَرَّهُ وَعِلاَجَهُ» متفق عليه. بل اعتبر بعض التمرة ولم يحقرها لقلتها، فقال عليه الصلاة والسلام «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ...» فمن يطرأ عليه أن يكرم بعض تمرة فيرفعها إن كانت ساقطة، ويأكلها أو يتصدق بها؛ فإنَّ شق التمرة قد يقيك من النار، وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَتْنِي مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا، فَأَطْعَمْتُهَا ثَلَاثَ تَمَرَاتٍ، فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً، وَرَفَعَتْ إِلَى فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلَهَا، فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا، فَشَقَّتِ التَّمْرَةَ، الَّتِي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا بَيْنَهُمَا، فَأَعْجَبَنِي شَأْنُهَا، فَذَكَرْتُ الَّذِي صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الْجَنَّةَ، أَوْ أَعْتَقَهَا بِهَا مِنَ النَّارِ» رواه مسلم. وقد يدخل النار عبد في تمرة أو خبزة ألقاها ولم يأبه بها، أو يسلب ما بين يديه من النعم بسببها.
وتأملوا إكرام النعمة في الحديث الآتي، وعدم الاستهانة بقليل الطعام ولو كان لقمة واحدة أو أقل منها، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا وَقَعَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَأْخُذْهَا، فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى وَلْيَأْكُلْهَا، وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ، وَلَا يَمْسَحْ يَدَهُ بِالْمِنْدِيلِ حَتَّى يَلْعَقَ أَصَابِعَهُ...» رواه مسلم. وبقايا الطعام في الصحاف والقدور والأواني لا تحتقر ولا يستهان بها، بل تكرم وتصان وتسلت فتؤكل، قال أنس رضي الله عنه: «وَأَمَرَنَا أَنْ نَسْلُتَ الْقَصْعَةَ» رواه مسلم.
والصحابة رضي الله عنهم أخذوا إكرام النعمة واحترامها، وعدم الاستهانة بقليلها من النبي عليه الصلاة والسلام؛ عن ميمونة أنها أبصرت حبة رمان في الأرض فأخذتها وقالت: «إن الله لا يحب الفساد». وتصدق عمر وعائشة بحبة عنب، وقالا: «فيها مثاقيل كثيرة». وروي عن سعد بن أبي وقاص: «أنه تصدق بتمرتين، فقبض السائل يده، فقال للسائل: ويقبل الله منا مثاقيل الذر، وفي التمرتين مثاقيل ذر كثيرة».
فما كان الصحابة رضي الله عنهم يحتقرون قليل الطعام أن يرفعوه أو يقدموه صدقة، لا يحتقرون تمرة ولا عنبة ولا حبة رمان؛ لعلمهم أن الله تعالى يعاملهم بمثاقيل الذر؛ ولعلمهم أن إهانة الطعام كفر للنعمة، وأن كفر النعمة يزيلها ولا يبقيها. ﴿ كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى * وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ [طه: 81، 82] بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واشكروه على نعمه، واحذروا الكفر والفسوق والعصيان ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم:7].
أيها المسلمون: لنحذر من كفران نعمة الطعام، ولنقتصد في أفراحنا وولائمنا واحتفالاتنا؛ فإن هذه المباهاة التي نعيشها تنذر بخطر عظيم، وهي إثم كبير، حين نتلف الكثير من الطعام وفي الأرض جياع، والله تعالى يبدل من حال إلى حال، فلا نغتر بما نرى من كثرة الأطعمة في أسواقنا وبيوتنا؛ فإن الله تعالى إن قدَّر عقوبتنا سلبها منا في لمح البصر، فصرنا بعد الشبع جياعا.
وإخواننا المحاصرون في الشام الذين ضربهم الجوع حتى هلكوا لا أقول إنهم يتمنون فائض أطعمتنا، ولا باردها وبائتها، ولا ما يسقط على سفرنا أثناء أكلنا... بل يتمنون ما نقدمه نحن للبهائم من خبز مكث شهرا وشهرين حتى يبس واشتد، وما نقدمه للطيور من حب بارد بائت قد تراكم مع الأيام، وخلط بعضه ببعض حتى عافت النفس رؤيته وريحه ومنظره... إن إخوانكم في الشام ليتمنونه، ويبذلون فيه أنفس ما يملكون، فالجوع لا يرحم، وألمه لا يسكن، والبطن يطلب المزيد، حتى أكلوا القطط والكلاب والأعشاب، وحتى بكت عجائزهم من ألم الجوع.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السادسة والأربعون بعد المئة في موضوع الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
* نشكر الله على إكرامنا بالطعام
وفي تاريخ المجاعات عبر وعظات، وقد كتب العلامة محمد رشيد رضا رحمه الله تعالى عن مجاعة في الشام وقعت قبل قرن فقال: «وقد ثبت عندي أن بعض الناس كانوا يأكلون ما يجدونه في المزابل والطرق رطبًا يمضغ، أو يابسًا يكسر، وأخبرني في بيروت من رأى بعض الأولاد الصغار رأوا رجلاً قاء في الطريق فتسابقوا إلى قيئه وتخاطفوه فأكلوه، وثبت عندي أكل الناس الجيف، حتى ما قيل من أكل بعض النساء لحوم أولادهن، والعياذ بالله تعالى. وأخبرني كثيرون في بيروت وطرابلس أن الناس كانوا يرون الموتى في الشوارع والأسواق، والمشرفين على الموت من شدة الجوع، ولا يبالون بهم، ولا يرثون لأنين المستغيثين منهم». انتهى كلامه.
إن جمعيات حفظ النعم بادرة طيبة، حين يُجمع فيها فائض الولائم والحفلات ويوزع على الفقراء، والأفكار التي تقترح لحفظ فائض الطعام في الفنادق والمطاعم والولائم أفكار طيبة، ولكن الأهم من ذلك كله أن يحاسب الناس أنفسهم، وأن يغيروا سلوكهم في استهلاك الأطعمة، وأن يرسخ فيهم الاقتصاد في المآكل والولائم والحفلات، وأن يربى في الأسرة تقليل ما يطبخ يوميا من طعام، وأن ينشأ النشء على أن لا يأخذ من الطعام فوق حاجته، وعلى احترام ما يتساقط من النعمة تحت صحنه، فلا يتركه في السفرة، بل يجمعه ويأكله، وأول من يفعل ذلك رب الأسرة حتى يكون قدوة لزوجه وولده، وأن يُقتصد في الولائم والأعراس والاحتفالات، فلا يوضع من الطعام فيها إلا بقدر حاجة المدعوين، وأن تترك المباهاة والمفاخرة في ذلك، وإلا فإن كفر النعمة، وإهانة الأطعمة؛ سبب للنقص والقلة والجوع، عافانا الله تعالى والمسلمين من ذلك.
[الأنترنت – موقع الالوكة - شكر الله على إكرامنا بالطعام - الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السابعة والأربعون بعد المئة في موضوع الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :* شكر النعمة؛ العبادة المغترَبَة
لقد تعبّدنا ربنا سبحانه بالشكر له {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة:152]، لكن كثيرين جعلوا عبادة الشكر عبادة ممسوخة بلا روح، فإما أن يكفر بها أو ينساها أو يردِّدها بحركات لسان مع قلب غافل وعقل لا يعي معنى شكرها... غافلون هم الذين يتنعَّمون بنعم ربهم سبحانه ويلتهون عن شكره، وخاسرون هم الذين ألهتهم النعم عن ذلك الشكر، فتقلبوا فيها ليلًا ونهارًا بينما هم لا يؤدون حق شكرها من صالح العمل.
قال سبحانه واصفًا حال قرية كانت مرفهة منعمة تتقلب في أنعم الله فغفلت عن شكره وكفرت بأنعمه... {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:112].
وبينما قوم آخرون يرتعون في النعيم؛ فيطغون مستكبرين عن شكر ربهم بالعمل الصالح، إذ يقلِب سبحانه نعيمهم نقمة، ورغدهم خسرانًا قال سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ . فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ . ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا ۖ وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} [سبأ:15-17].
قال ابن كثير: "كانت سبأ ملوك اليمن وأهلها، وكانت التبابعة منهم، وبلقيس -صاحبة سليمان- منهم، وكانوا في نعمة وغبطة في بلادهم، وعيشهم واتساع أرزاقهم وزروعهم وثمارهم. وبعث الله إليهم الرسل تأمرهم أن يأكلوا من رزقه، ويشكروه بتوحيده وعبادته، فكانوا كذلك ما شاء الله ثم أعرضوا عما أُمِروا به، فعوقبوا بإرسال السيل والتفرُّق في البلاد، شذر مذر، وعوقبوا بالقحط والجذب، وذلك بسبب كفرهم وشركهم بالله، وتكذيبهم الحق وعدولهم عنه إلى الباطل".
لقد تعبّدنا ربنا سبحانه بالشكر له {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة:152]،
لكن كثيرين جعلوا عبادة الشكر عبادة ممسوخة بلا روح، فإما أن يكفر بها أو ينساها أو يردِّدها بحركات لسان مع قلب غافل وعقل لا يعي معنى شكرها.
لقد سَمَّى سبحانه نفسه "بالشاكر والشكور"
أي: الذي يشكر القليل من العمل، ويغفر الكثير من الزلل، ويضاعف للمخلصين أعمالهم بغير حساب، ويشكر الشاكرين، ويذكر من ذكره، ومن تقرَّب إليه بشيء من الأعمال الصالحة، تقرَّب الله منه أكثر.
ليس ذلك فقط؛ بل أن الله تعالى وعدنا بمضاعفة الأجر من الحسنات،واتبع الزيادة بالمغفرة للسيئات ، والشكر على ذلك كله، فقال تعالى: {وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ} [الشورى من الآية:23]. كذلك؛ أذِن الله لعباده المؤمنين بالتمتع من طيباته التي رزقنا إيَّاها بالحلال
الطيب، ومتابعة التمتع بها بالشكر له، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة:172].
ذكر القرطبي أن للشكر ثلاثة أركان: الإقرار بالنعمة للمنعِم سبحانه، الاستعانة بها على طاعته، شكر من أجرى النعمة على يده تسخيرًا منه إليه.
فما مِن مسلم إلا ويُقِرُّ بأن النعم من الله وحده؛ ولكن المشكلة هل هذه النعم يُستعان بها على طاعته سبحانه وتعالى، أم على معصيته؟ فكم ممن أنعم الله عليه بالمال والصحة والوقت وأنفقها في المعاصي واللهو والمحرَّمات! بل قد يحيا العبد ويموت ولا يعلم إلا طريق المعاصي ولا يعلم طريق الهداية، فكيف يُنعِم الله عليك وتستعين بنعمه على معصيته؟!
وانظر إلى حال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن غفر الله له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، أن تورَّمت قدماه من شكر الله على ما أنعم عليه به، فقيل له: "أتفعل ذلك وقد غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر؟فقال صلى الله عليه وسلم:«أفلا أكون عبدًا شكورًا» (رواه البخاري).
وكما ألزمنا سبحانه بالشكر له؛ فقد حذَّرنا من الكفر بنعمته وجحودها، وحذَّرنا من أن نسلك مسلك من قبلنا، من أتباع الشرائع الأخرى، أن كفروا بنعم الله وجحدوها، فقال تعالى: {سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [البقرة:211]، وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ . جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ} [إبراهيم:28-29]، فبالشكر تدوم النعم ويزيد الخير وبكفرها تزول النعم ويكثر الخبث. وينطبع خُلق الشكر حتى يحوي الناس أيضًا؛ ففي الحديث: «من لم يشكرِ الناسَ لم يشكرِ اللهَ عزَّ وجلَّ» (رواه الهيثمي وغيره). فإذا كان الله تعالى قد أمرنا بالشكر له؛ كذلك اتبع شكره بشكر الوالدين فقال تعالى:{أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِير} [لقمان من الآية:14]. وحثَّنا كذلك على الشكر لمن أبدى لنا الخير فقال صلى الله عليه وسلم: «من صنع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيرًا فقد أبلغ في الثناء» (رواه الترمذي). [النترنت – موقع طريق الإسلام - شكر النعمة؛ العبادة المغترَبَة - عمرو سامي]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثامنة والأربعون بعد المئة في موضوع الشكور والتي هي بعنوان :
* بين شكر النعم وكفرها
إن النفوس السوية قد جُبِلَت على حب من
يحسن إليها وعلى التعلق به، ولا أحد أكثر إحسانًا وأشمل من الله عز وجل، فنعمه سبحانه وتعالى واصلة للخلق جميعًا بما لا يحصيه المحصون ولا يطيق عدّه العادّون ولو اجتمع أهل الأرض لذلك....
إن النفوس السوية قد جُبِلَت على حب من يحسن إليها وعلى التعلق به، ولا أحد أكثر إحسانًا وأشمل من الله عز وجل، فنعمه سبحانه وتعالى واصلة للخلق جميعًا بما لا يحصيه المحصون ولا يطيق عدّه العادّون ولو اجتمع أهل الأرض لذلك، قال تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم من الآية:34]، وقال: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل:18]، فكان لِزامًا على المؤمنين أن يشكروا ربهم على ما أعطاهم، لأن النفوس الكريمة تقابل من يحسن إليها بالشكر.
وقد أنعم الله سبحانه وتعالى على أهل هذه البلاد كما أنعم على بقية عباده، بل زادهم من نعم لا يشركهم فيها غيرهم، وإن من أعظم نعمه جل وعلا علينا نعمة التوحيد؛ فبعد أن كان الناس في هذه الجزيرة يعبدون الحجارة والأشجار والجن وغيرها، بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم فاتبعوه، فأخرجهم الله من الظلمات إلى النور، ومن رجس الشرك إلى طهارة التوحيد، ثم تطاول الزمان على فئام منهم فرجعوا إلى جاهلية ظلماء، فتعلق بعضهم بالقبور، وآخرون بالأشجار، وغيرهم بالجن، وعم الجهل وطم، حتى أذن الله بظهور دعوة الإمام المجدد رحمه الله لينقذ سبحانه الناس ثانية من الشرك والجهل بنور التوحيد والعلم، فهذا من أعظم النعم بل هو أعظمها على الإطلاق ويستوجب أعلى درجات الشكر.
لأن الشكر كما قال ابن القيم شكران: "شكر العامة؛ على المطعم والمشرب والملبس وقوت الأبدان، وشكر الخاصة؛ على التوحيد والإيمان وقوت القلوب" (مدارج السالكين: [2/245]).
ومن نعم الله علينا كذلك، ما من به من وجود الحرمين في بلادنا، وهي نعمة لا يشركنا فيها غيرنا فلله الحمد والمنة، ومنها ما أنعم به من تطبيق شرع الله في زمن عز فيه وجود من يطبق شرعه، ومنها ما أكرمنا به من نعمة الأمن والأمان، وما أفاء علينا من الأرزاق والأموال، فنحن أحوج ما نكون إلى شكر الله عز وجل على هذه النعم..
لأنه أولًا: فرض عين أمر به جل وعلا كما في قوله تعالى: {وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة من الآية:152]، وقوله: {وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة من الآية:172].
وثانيًا: لكي يحفظ علينا هذه النعم ويمنعها من الزوال، وإلا فليس لأحد عند الله كرامة ألا يسلبه ما وهبه إن هو أعرض عن ذكره وشكره، أما أن نعرض عن الشكر الحقيقي ونركن إلى كلمات نرددها بألسنتنا؛ نحن أهل التوحيد، نحن أهل الحرمين، نحن ونحن، فهذا من علامات الاستدراج وهو مؤذن بتغير الحال والعياذ بالله.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة التاسعة والأربعون بعد المئة في
موضوع الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :* بين شكر النعم وكفرها
والشكر كما يكون باللسان يكون بالقلب والأركان كذلك، فهو كما قال ابن القيم: "يكون بالقلب خضوعًا واستكانة، وباللسان ثناءً واعترافًا، وبالجوارح طاعة وانقيادًا" (مدارج السالكين: [2/246]).
فمن أتى بهذه الثلاثة كان شاكرًا ظاهرًا وباطنًا، فله بإذن الله دوام النعم وزيادتها، ومن أخل بواحد منها كان أمره يدور بين النفاق وبين عدم القيام بواجب الشكر على وجهه، فلا يؤمن على مثله استلاب النعم. وإذا كان شكر الله سبحانه وتعالى على ما أنعم فرض لازم، فإن نفع هذا الشكر لا يعود إلا على الشاكرين، إذ الله عز وجل غني عن الخلق وعن شكرهم وعبادتهم، قال تعالى: {وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [لقمان:12]، ثم إنه سبحانه وتعالى يجازي على الشكر بالمزيد، قال عز وجل: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7]، وهذا أيضًا من النعم! فلهذا قيل: كيف نشكره وشكره يستوجب منا الشكر؟
أي أننا مهما قمنا بواجب الشكر فلن نشكره سبحانه حق شكره. وكونه سبحانه يزيد الشاكرين، فهذا يعني أن الشكر يحفظ أصل النعم ويبقيها، ولهذا قيل: الشكر قيد النعم الموجودة، وصيد النعم المفقودة.
وهنا لا بد أن نسأل أنفسنا، هل أدينا شكر هذه النعم وغيرها، أم كفرناها وقابلناها بالأشر والبطر
والمعاصي والذنوب؟ إن كفران النعم قد يكون بعدم مشاهدة المنعِم كما كانت حال صاحب الجنتين في سورة الكهف، وحال غيره من الكفار، وقد يكون بعدم مشاهدتها ابتداءً، فلا يرى العبد ما أنعم الله عليه من نعمة الإيجاد، ومن نعمة الإمداد؛ بالصحة والعافية، والمال والولد، والمنزل والمركب، وغير ذلك، وقد يكون بالتكبُّر والاستعلاء على خلق الله بهذه النعم، وقد يكون في استخدامها في معصية الله بدل استخدامها في طاعته. فأين نحن من كل ذلك؟
ألا نرى بين أظهرنا من لا يشهد بفضل الله عليه ولسان حاله أو مقاله: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص من الآية:78]!
ألا نرى من بيننا من يسخط ما هو فيه من نعم ويتطلع دومًا لمن هو فوقه في الدنيا!
ألا نرى من يستطيل بنعم الله على عباده ويزدريهم ويحتقرهم، ولسان حاله أو مقاله ناطق بما قاله الأول لصاحبه:{أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا}الكهف من الآية:34!
ألا نرى آلات اللهو التي انتشرت في البيوت، وما يحصل في الأسواق والمهرجانات الثقافية والإعلامية وغيرها مما يغضب الله؟!
إن كل هذا مؤذن بزوال النعم -والعياذ بالله- ما لم يتدارك الأمر، فلا بد من تقوى الله عز وجل حتى لا يصيبنا ما أصاب سبأ، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ . فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ . ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} [سبأ:15-17]، أو ما أصاب القرى التي أخبر عنها ربنا بقوله: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} [القصص:58].
إن من تأمَّل في الأحوال ليُقارِن بين ما كانت عليه قبل ثلاثين أو عشرين سنة وبين ما هي عليه اليوم! هاله ما يجد من تحولات وتغيرات، وما فقدناه من بعض النعم، فما كان بالأمس من أشد الممنوعات والمحظورات، وما كان خطوطًا حمراء لا يمكن الاقتراب منها فضلًا عن تجاوزها، صار اليوم كلأً مباحًا للعلمانيين وأشباههم ليطعنوا فيه ويشككوا، وما كنا نشتكي منه في تلك الأيام ونحاربه من صور المنكرات، أصبح شيئًا يسيرًا وهينًا بالنظر لما يتفشى يومًا بعد يوم!
فينبغي علينا جميعًا أن نراجع أنفسنا لنعرف لم سلبنا بعض تلك النعم، ولا نحمل غيرنا مسؤولية ذلك، قال تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:165].[ الأنترنت – موقع طريق الإسلام - بين شكر النعم وكفرها – د ناصر العمر]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الخمسون بعد المئة في موضوع الشكور والتي هي بعنوان :
*نعمتا السمع والبصر وكيفية شكرهما
إن نعم الله -تعالى- منها خاصة، ومنها عامة. فأذكركم بالعامة التي هي عامة لنوع الإنسان، من ذلك:
نعمة السمع، ونعمة البصر، ونعمة القلب، ونعمة اللسان، ونعمة اليدين، ونعمة الرجلين.
هذه نعم عامة ، عامةٌ لكل البشر؛ ولكن الرب -سبحانه وتعالى- يحاسب عليها؛ وذلك لأنه ورد في حديث: أنه يجاء برجل قد عمل أعمالا صالحة كأمثال الجبال، فيقول الله: أدخلوه الجنة برحمتي. فيقول: يا ربّ؛ بل بعملي. فيقول الله: حاسبوا عبدي على نعمي. فيقول الله لنعمة البصر: خذي حقك، فلا تكاد أن تذر من أعماله شيئا وكذا لنعمة السمع، وكذا لنعمة النطق، وكذا نعمة العقل، فتنفذ أعماله ولو كانت أمثال الجبال فيقول الله: أدخلوا عبدي النار. فيقول: بل يا ربِّ أدخلني الجنة برحمتك .
إذا حاسبنا الله -تعالى- على نعمة السمع، ما لها قيمة؟ أليس لها قيمة؟ إذا حاسبنا الله -تعالى- على نعمة البصر ما أعظمها من نعمة، يعرف ذلك من فقدها، إذا فقد الإنسان نعمة البصر، طفق يتلمس الحيطان، لا يدري أين الطريق، يعرف عظم هذه النعمة، وكذلك إذا فقد نعمة النطق، إذا فقد نعمة العقل. لا شك أنها نعم عظيمة؛ ولكن الكثير من الناس غافلون عنها، ويحسبونها من تمام الخلق.
معلوم أنها من تمام الخلق، وأن الله -تعالى- أعطى البهائم السمع، وأعطاها البصر؛ ولكن منَّ على الإنسان بهذه النعم التي منها نعمة النطق، ومنها نعمة العقل، ومنها بقية النعم كنعمة القوة؛ فأمر العبد بكونه عاقلا أن يشكر الله على هذه النعم،
وأن يؤدي حقها. فكيف يكون شكرها؟
لا شك أن شكرها : يكون باستعمالها في طاعة الله. وكفرها: يكون باستعمالها في معصية الله.
فمن كان نظره اعتبارا، إذا نظر ببصره في كل شيء أخذ منه عبرة وموعظة فإنه شاكر، ومن كان نظره وبصره يصرفه في قراءة نافعة مفيدة وفي كتابة مفيدة كان شاكرا لنعمة البصر، وكذلك إذا نظر فيما يسره فشكر الله -تعالى- وحمده.
وأما إذا كان ينظر إلى الدنيا نظر اغتباط؛ فإنه لم يشكر نعمة البصر؛ ولذلك قال تعالى: وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيه ؛ أي لا تنظر إلى الدنيا نظر غبطة، ولا تنظر إلى ما متع الله به أهل الدنيا وأهل زينتها نظر احترام، ولكن انظر إليهم نظر رحمة؛ أوتوا عقولا، وما أوتوا ذكاء.
كذلك -أيضا- نعمة البصر، كيف يكون شكرها؟
عرفنا أنه يشكر الله -تعالى- بأن لا يقع بصره إلا على الشيء الذي ينفعه، وأما إذا نظر إلى العورات، ونظر إلى الصور الملهية، ونظر إلى الدنيا وزينتها، ونظر إلى ما يلهيه، ويشغله؛ فإنه يكون بذلك كافرا لهذه النعمة.
أما السمع فإنه نعمة عظيمة؛ وذلك لأنه بهذا السمع
يميز بين الأصوات، ويعرف ما ينفعه وما يضره، ويسمع الأشياء التي يستفيد منها في حياته، في أمور دينه وفي أمور دنياه؛ فهي نعمة كبيرة، نعمة عظيمة.
فشكر هذه النعم: أن لا يستمع إلا إلى الشيء الذي يفيده؛ يستمع إلى المواعظ، ويستمع إلى النصائح،
ويستمع إلى العلوم النافعة، ويستمع إلى الكلام الطيب الذي يستفيد منه. فإذا فعل ذلك؛ فإنه ممن شكر هذه النعمة. كيف يكون كفر نعمة السمع؟
إذا كان يستمع إلى اللهو واللعب، إذا كان يستمع إلى الغيبة والنميمة، إذا كان يستمع إلى الغناء والزمر، إذا كان يستمع إلى الطرب وإلى اللهو ونحوه. لا شك أنه يكون بذلك ممن كفر هذه النعمة، فيكون قد كفر نعمة الله إذا استعملها في الشيء الذي لا ينفعه؛ بل يضره. [الأنترنت – موقع الشيخ ابن جبرين]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الواحدة والخمسون بعد المئة في
موضوع الشكور والتي هي بعنوان : *نعمة الكلام وكيف شكرها
على المسلم أن يسأل نفسه قبل التكلم: هل
هناك مقتضى للكلام؟ فإن وجد تكلم وإلا فالصمت أولى، بل إنه يثاب على صمته. الحمد لله المنعم على عباده بنعم لا تعد ولا تحصى {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّـهِ لَا تُحْصُوهَا} [النحل من الآية:18]، وشكر النعمة يكون بحسن استعمالها {لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم من الآية:7]، ونعمة الكلام من أجلِّ النعم التي أنعم الله بها على الإنسان وفضله بها عن سائر المخلوقات قال تعالى: {الرَّحْمَـٰنُ . عَلَّمَ الْقُرْآنَ . خَلَقَ الْإِنسَانَ . عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن:1-4]. وعلى قدر جلال النعمة يعظم حقها، ويستوجب شكرها، ويستنكر كنودها، وقد أرشدنا الإسلام إلى كيفية الاستفادة من هذه النعمة المسداة، فإنك لو ذهبت لتحصى كلام الناس لوجدت جله لغوًا ضائعًا، أو هذرًا مضيعًا، وما لهذا ركب الله تعالى الألسن في الأفواه. قال تعالى: {لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّـهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء:114]، وقد بينت الآية الكريمة أن جُلّ الكلام لا خير فيه إلا من ثلاث: أمر بصدقة، أو معروف، أو إصلاح بين الناس، وهذه الثلاث لها أجر عظيم شريطة الإخلاص لله تعالى، ومن هنا فقد وضع الإسلام ضوابط للكلام منها: - مقتضيات للكلام: على المسلم أن يسأل نفسه قبل التكلم: هل هناك مقتضى للكلام؟ فإن وجد تكلم وإلا فالصمت أولى، بل إنه يثاب على صمته. عن ابنِ عبَّاسٍ رضِي اللهُ عنهما قال: سمِعتُه يقولُ: «خمسٌ لهنَّ أحسنُ من الدُّهْمِ المُوقَفةِ: لا تَكلَّمْ فيما لا يعنيك، فإنَّه فضلٌ ولا آمَنُ عليك الوِزرَ، ولا تَكلَّمْ فيما لا يعنيك حتَّى تجِدَ له مَوضعًا، فإنَّه رُبَّ مُتكلِّمٍ في أمرٍ يعنيه قد وضعه في غيرِ موضعِه فعُيِّب، ولا تُمارِ حليمًا ولا سفيهًا، فإنَّ الحليمَ يُقليك، وإنَّ السَّفيهَ يُؤذيك، واذكُرْ أخاك إذا تغيَّب عنك بما تحِبُّ أن يذكُرَك به، وأعْفِه ممَّا تُحِبُّ أن يُعفيَك منه، واعمَلْ عملَ رجلٍ يرَى أنَّه مجازًى بالإحسانِ مأخوذٌ بالإجرامِ». (الترغيب والترهيب) [4/26]. ولا يتأتى ذلك إلا إذا ملك الإنسان لسانه، فيلجمه حيث يريد الصمت، ويضبطه حيث المقال، أما الذين تقودهم ألسنتهم إنما تقودهم إلى مصارعهم، قال ابن مسعود: "والذي لا إله غيره لا أجد على ظهر الأرض من شيء أحوج إلى طول سجن من لسان". يقول الماوردي: "اعلم أن الكلام ترجمان يُعبّر عن مستودعات الضمائر، ويخبر بمكنونات السرائر، لا يمكن استرجاع بوادره، ولا يقدر على رد شوارده، فحق على العاقل أن يحترز من زللـه، بالإمساك عنه، أو بالإقلال منه". (نضرة النعيم- فضل الكلام والصمت). "فإن للثرثرة ضجيج يَذْهَبُ معه الرشد، فإن أكثر الذين ينحدرُ منهم الكلامُ يكاد يجزمُ مستمِعُهُم بأنهم لا يستمدون كلامَهُم من وعى يقظٍ" (الأخلاق) للغزالي. قال صالح بن عبد القدوس:
وزن الكلام إذا نطقت ولا تكن *** ثرثارة في كل ناد تخطب
قال الحسن بن هانئ:
إنّما العاقل من *** ألجم فاه بلجام
لذ بداء الصّمت خيـ *** ر لك من داء الكلام
(الآداب الشرعية) [38].
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثانية والخمسون بعد المئة في
موضوع الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *نعمة الكلام وكيف شكرها
واعلم أن للكلام شروطًا لا يسلم المتكلم من الزّلل إلا بها، ولا يعرى من النقص إلا بعد أن يستوفيها، وهي أربعة- كما بينها الماوردي (نضرة النعيم)-:
الشرط الأول: أن يكون الكلام لداع يدعو إليه،
إمّا في اجتلاب نفع، أو دفع ضرر.
الشرط الثاني: أن يأتي به في موضعه.
الشرط الثالث: أن يقتصر منه على قدر حاجته.
الشرط الرابع: اختيار اللفظ الذي يتكلم به، لأن اللسان عنوان الإنسان. - الصمت: "وعندما يريد الإنسان أن يصفى ذهْنَهُ، ويرتب أفكاره يرْكُنُ إلى الهدوء، والعزلة أحيانًا، ولا جرم أن الإسلام يوصى بالصمت ويعده وسيلة مهذبة للتربية". (الأخلاق) للغزالي.
وللصمت فوائد منها: أنها مطردة للشيطان، وعون على أمر الدين، واستقامة للإيمان، ونجاة من النيران. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصحًا أبا ذر: «عليك بطُولِ الصَّمتِ، فإنَّه مطرَدةٌ للشَّيطانِ، وعونٌ لك على أمرِ دِينِك». المنذري (الترغيب والترهيب) ص:[4/23].
فاللسان حبل مرخى بيد الشيطان إن لم يملك الإنسان أمره كان مُدْخِلاً للنفايات التي تلوث القلب وتضاعف فوقه الحجب. وقال رسول الله: «لا يَسْتَقِيمُ إِيمانُ عبدٍ حتى يَسْتَقِيمَ قلبُهُ، ولا يَسْتَقِيمُ قلبُهُ حتى يَسْتَقِيمَ لسانُهُ». [الألباني (صحيح الترغيب) ص[2865]، وأول مراحل الاستقامة أن يرح الإنسان نفسه مما لا يعنيه «مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ». الترمذي [4/558]. وقال معاذ بن جبل: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار، فكان مما قاله رسول الله ناصحًا معاذ: «ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟». قُلْت: بلى يا رسولَ اللهِ. قال: فأخذ بلسانه وقال: «كُفَّ عليك هذا». فقُلْت: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال:«ثكلتك أمك يا مُعاذٍ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم، أو على مناخرهم، إلا حصائد ألسنتهم». الترمذي [5/12] (الموسوعة الشاملة). وروى الترمذي أن رسول الله قال: «من صمت نجا». الترمذي [2503]، انظر موسوعة أطراف الحديث النبوي [8/387]، إحياء علوم الدين [3/108]).
والإسلام يوجهنا إلى أدب الحديث: أولا: بالبعد عن اللغو: فهو من أركان الفلاح، ودلائل الاكتمال، وقد ذكره الله تعالى بين فريضتين محكمتين (الصلاة والزكاة)، قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} [المؤمنون:1-4]. ولو أحصى العالمُ ما يُشْغِلُ أفرادهُ من اللَّغو في القول، والعمل لراعه أن أكثر القصص المشهورة، والصحف المنشورة، والخطب، والإذاعات، والفضائيات لغو مطرد تتعلق به الأعين، وتميل إليه الآذان، ولا ترجع بشيء، والإسلام يكره اللغو لأنه يكره سفاسف الأمور؛ فهو مضيعة للعمر في غير ما خُلِق الإنسان من أجله وهو الجد والعمل، فبقدر بعد الإنسان عن اللغو تكون مكانته في الجنة. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: تُوفِّي رجلٌ فقال رجلٌ آخرُ ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يسمَعُ: أبشِرْ بالجنَّةِ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «أولا تدري؟ فلعلَّه تكلَّم فيما لا يعنيه أو بخِل بما لا ينقُصُه». المنذري (الترغيب والترهيب) ص[4/29]. فالبعد عن اللغو صفة من صفات عباد الله قال تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا} [القصص من الآية:55]، {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان:72]، وكذلك صفة من صفات الجنة قال تعالى:{لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا} [الواقعة:25]. واللاغي لضعف الصلة بين فكره ونطقه قد يلقى كلمة تكون سببا في هلاكه فالفرق بين الإيمان والكفر كلمة، وبناء البيت وهدمه كلمة، والسلم والحرب كلمة قال الشاعر:
يموت الفتى من عثرة بلسانه *** وليس يموت المرء من عثرة الرجل (الأخلاق) للغزالي. وقال الشاعر:
أحفظ لسانك أيّها الإنسان *** لا يلدغنّك إنّه ثعبان كم في المقابر من قتيل لسانه *** كانت تهاب لقاءه الشّجعان.
(الأذكار) للنووي [ص298].
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثالثة والخمسون بعد المئة في
موضوع الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *نعمة الكلام وكيف شكرها
وقالوا: "من كثر لغطه كثر غلطه".
ثانيا: بالقول الحسن: فهو أدب عال أخذ به الله تعالى أهل الديانات جميعا، فهو من حقيقة الميثاق المأخوذ على بني إسرائيل في عهد موسى عليه السلام، قال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّـهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنكُمْ وَأَنتُم مُّعْرِضُونَ} [البقرة:83].
فالكلام العف الطيب يصلح مع العدو والصديق.
فيكون من أثره مع الصديق: حفظ المودة، واستدامة الصداقة، ويضعف كيد الشيطان. قال تعالى: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا} [الإسراء:53]، فالشيطان يجعل من الخلاف التافه نزاعًا داميًا، والقول الجميل يسد عليه الطريق، {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} [المائدة من الآية:91] عن جابر قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ». مسلم [4/166] (الموسوعة الشاملة).
ومع الأعداء، فهو يطفئ نار خصومتهم ويكسر حدته ويدفع شرورهم. قال تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34]، وقد عايشنا قصصا لأناس ظاهروا العداء للإسلام وبعدما عاينوه من حسن خلق باتوا من أشد المدافعين والمناصرين للإسلام.
فمن يتذكر صورة عمر رضي الله عنه وهو يسل سيفه يريد رسول الله، ثم يتحول ليكون الفاروق يعرف قدر مقابلة الإساءة بالحسنى، وفي هذا المقام الكثير من القصص. - ولطف التعبير يصلح مع الناس مع اختلاف أحوالهم. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: «إنَّكَم لن تَسَعُوا الناسَ بأموالِكم، ولكن يَسَعُهم منكم بسطُ الوجهِ وحسنُ الخُلُقِ». ابن حجر العسقلاني (فتح الباري) [ص10/474].
بل يرى الإسلام الحرمان مع القول الحسن أفضل من العطاء مع البذاءة. قال تعالى: {قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ۗ وَاللَّـهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} [البقرة:263]. - كما أنه من متطلبات الدعوة {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل من الآية:125]، {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [العنكبوت من الآية:46].
ثالثا: التنزه عن مخاطبة السفهاء (مداراة السفهاء): انظر إلى تعويد اللسان القول الحسن، "روى مالك عن يحيى بن سعيد: أن عيسى عليه السلام مر بخنزير على الطريق، فقال له: أنفذ بسلام، فقيل له: أتقول ذلك لخنزير؟!، فقال: إني أخاف أن أعود
لساني النطق السوء". (الأخلاق) للغزالي.
"بل إن القول الحسن ولطيف الكلام من صفات الأنبياء والمرسلين وأصحاب المروءة فهم يترفعون عن البذيء من القول كما يترفعون عن مخاطبة السفهاء ؛ فمن الناس من يعيش صفيق الوجه شرس الطبع سليط اللسان لا يحجزه عن المباذل يقين، ولا تلزمه المكارم مروءة عديم الحياء، فإذا وجد مجالًا للحديث أطلق لسانه بالفحش والبذاءة لا يوقفه شيء، والرجل النبيل لا ينبغي أن يشترك مع أمثال هؤلاء في حديث؛ فإن استثارة نزقهم فساد كبير
وسد ذريعته واجب شرعي". (الأخلاق) للغزالي.
حدث أن وقف رجل من أولئك الجهال أمام بيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ يريد الدخول، فرأى النبي أن يحاسنه حتى صرفه، ولم يكن من ذلك بد فالحلم فدام السفيه ولو تركه يسكب ما في طبيعته الفظة لسمع ما تنزهت عنه أذناه.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الرابعة والخمسون بعد المئة في
موضوع الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *نعمة الكلام وكيف شكرها
عن عَائِشَةَ: أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: «بِئْسَ أَخُو العَشِيرَةِ، وَبِئْسَ ابْنُ العَشِيرَةِ» فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، حِينَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ قُلْتَ لَهُ كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ تَطَلَّقْتَ فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطْتَ إِلَيْهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَائِشَةُ، مَتَى عَهِدْتِنِي فَحَّاشًا، إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ القِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ». البخاري [8/12].
عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ يَهُودَ أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: عَلَيْكُمْ، وَلَعَنَكُمُ اللَّهُ، وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ. قَالَ: «مَهْلًا يَاعَائِشَةُ، عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ، وَإِيَّاكِ وَالعُنْفَ وَالفُحْشَ» قَالَتْ: أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ: «أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قُلْتُ؟ رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ، فَيُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ، وَلاَ يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ». البخاري [8/12].
وهذا مسلك تصدقه التجارب، فإن الرجل قد يفقد خلقه مع من لا خلق له، ولو أن الإنسان انشغل بتأديب كل جهول يلقاه لأعيته الحيل، فمدارة السفهاء من صفات عباد الرحمن قال تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَـٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان: 63]،
{سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ}[القصص من الآية:55].
فقد يفقد المرء كظم غيظه بعد حلم بيد أن المسلم الفاضل يصبر على الأذى أكثر من ذلك، فعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّهُ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ وَقَعَ رَجُلٌ بِأَبِي بَكْرٍ، فَآذَاهُ، فَصَمَتَ عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ آذَاهُ الثَّانِيَةَ، فَصَمَتَ عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ آذَاهُ الثَّالِثَةَ، فَانْتَصَرَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ حِينَ انْتَصَرَ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَوَجَدْتَ عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَزَلَ مَلَكٌ مِنَ السَّمَاءِ يُكَذِّبُهُ بِمَا قَالَ لَكَ، فَلَمَّا انْتَصَرْتَ وَقَعَ الشَّيْطَانُ، فَلَمْ أَكُنْ لِأَجْلِسَ إِذْ وَقَعَ الشَّيْطَانُ». أبو داود [4/274].
فمداراة السفهاء أمر من الله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199]، وليس معنى مداراة السفهاء قبول الدنية، فالفرق بينهما واضح:
فالأولى هي ضبط النفس عن عوامل الاستفزاز طوعا، أو كرها، والثانية قبول الدنية والاستكانة بما لا يقبله عرف ولا دين، وقد أعلن الإسلام محبته لمداراة السفهاء وكراهيته لقبول الدنية قال تعالى: {لَّا يُحِبُّ اللَّـهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ ۚ وَكَانَ اللَّـهُ سَمِيعًا عَلِيمًا . إِن تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَن سُوءٍ فَإِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا} [النساء:148-149].
رابعا : بالبعد عن النزق والهوى: "فيضع الإسلام الصمامات لصيانة الكلام بتحريم الجدل وسده لأبوابه حقا كان، أو باطلًا ذلك أن هناك أحوال تستبد بالنفس وتغرى بالمثالية فيكون حب الانتصار عنده أهم من إظهار الحق". (الأخلاق) للغزالي.
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى
الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ».أبو داود [4/253] (الموسوعة الشاملة).
عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله: «إِنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الأَلَدُّ الخَصِمُ». البخاري [3/131] (الموسوعة الشاملة).
وقال: «مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلَّا أُوتُوا الجَدَلَ». الترمذي (ت. شاكر) [5/378]، ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الآيَةَ: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا
جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف: 58].
خامسا: البعد عن مجالس القاعدين الذين عندهم فضل أموال يستريحون في ظلها وينشغلون بأخبار الناس وأحاديثهم فتكون الغيبة والنميمة ونشر الإشاعات والخوض في الأعراض هو غاية مجلسهم. قال تعالى:{وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ . الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ . يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ . كَلَّا ۖ لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ . نَارُ اللَّـهِ الْمُوقَدَةُ . الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ . إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ . فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ} [الأنترنت – موقع طريق الإسلام - محسن العزازي كاتب إسلامي ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الخامسة والخمسون بعد المئة في
موضوع الشكور والتي هي بعنوان : *شكر السَّمع
أيها الناس، تتعدد نِعم الله على العباد، وتكثر مِنُنه عليهم، ولا عادّ لما أعطى، ولا محصيَ لما أولى، ألا وإن من تلك النعم الجليلة والمنن الجزيلة: نعمة السمع التي بها إدراك المسموعات، وتمييز الأصوات ، فيا لها من منَّة عظيمة، ونعمة جسيمة!
فمع مجيء الإنسان إلى الدنيا رافقته حاسةُ السمع إلى هذه الحياة؛ لكونها طريقًا إلى معرفة الخالق ومعرفة خلقه، ومفتاحًا له إلى إدراك علومه وأحواله، قال تعالى:﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النحل: 78]. وقال: ﴿ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾ [السجدة: 9].
كم في هذه النعمة على الإنسان من تحصيل منافع له ودفع مضار عنه؛ فبها تصل إليه أصوات الهداية التي تصلح قلبه وروحه، وبها يصل إلى مصالح عيشه وتنظيم أحوال حياته، وبها يريح نفسه ويشرح صدره بالأصوات الجميلة؛ كخرير الماء، ودوي المطر، وهدير الأمواج، وهبوب الرياح، وحفيف الأشجار، ورفيف الأغصان، وتغريد البلابل، وزقزقة العصافير. وبها نستطيع أن نعيش مع الآخرين فنفهمهم ويفهموننا من خلال الكلام ونستفيد منهم ويستفيدون منا، وبها يتلقى الأطفال اللغة ليتكلموا بها، فلولاها لما عرفوا الكلام.
وبهذه النعمة يميز الإنسان بأن هذا صوت قرآن وهذا صوت ألحان، وهذا صوت إنسان وهذا صوت حيوان، وهذا صوت والد، أو صوت ولد، وهذا صوت عليه أن يقبل عليه، وهذا صوت عليه أن يحذر منه.
عباد الله، من أراد معرفة عظمة هذه النعمة من حيث الخَلق، ومن حيث الأثر، فليعلم أن الله القائل: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [التين: 4] قد أحسن خِلقة الجهاز السمعي فركبه أحسن تركيب من داخله ومن خارجه، فكم فيه من آيات تدل على قدرة الله وإحكام خلقه، ورحمته بعبده، وكيف جعل له أذنين جميلتين وسيلة لجمع الأصوات، وكيف ركَّب كلاً من الأذن الخارجية والأذن الوسطى والأذن الداخلية من أجزاء دقيقة تعمل لصالح السمع.
وكيف جعلت الشريعة الإسلامية الاعتداء على الأذن فيه القصاص، وفي الديات جعلت في كل أذن نصف الدية، وفي إذهاب حاسة السمع كله الديةَ كاملة.
وأما من حيث الأثر فانظر أيها الإنسان السليم في
سمعك إلى ذوي العيوب في السمع، انظر إلى ضعيف السمع كم يلاقي من العناء حتى يفهم مراد الأصوات، وانظر إلى فاقد السمع كم يتعرض لبعض الأضرار وفوات بعض المصالح ويجد من المشقات بسبب صممه، واسأل بالكتابة -إن وجدت- من كان سميعًا ثم أصيب في سمعه: كم الفرق في حاله قبل صممه وبعده؟ لتدرك عظمة نعمة الله تعالى عليك.
ألا فاشكرِ الله على نعمته الجزيلة عليك بسلامة سمعك، ولكن تذكر أن هذه النعمة ستسأل عنها يوم القيامة: هل استعملتَها في سمع ما يرضي الله أو استعملتها في سمع ما يسخطه؟ قال تعالى: ﴿ وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾الإسراء: 36].
أيها المسلمون، إن السمع بوابة لكسب الحسنات، أولاكتساب السيئات،وقناة للخيرأوللشر، والحريص على دينه وصلاح عيشه ينتقي ما يسمع فلا يصغي أذنيه لكل صوت، بل يفتحها لاستماع ما يجلب له الخير العاجل والآجل.
فمما ينبغي الاستماع إليه: صوت الحق الذي يهدي مستمعه إلى الصراط المستقيم، ويرشده إلى الحق، ويبين له الصواب. فأشرف المسموعات: القرآن الكريم، فالقرآن كتاب هداية وإرشاد، ودلالة إلى سبل الخير، وتحذير من سبل الشر، وحروفه وجملُه ذات وقع معجز، وتأثير عجيب، فمن أصغى إليه سمعَه، وأحضر عند ذلك قلبَه انتفع بسماعه هدايةً واسترشاداً، وتلذذاً وعملاً، قال تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [ق: 37]، قال بعض أهل العلم: " إذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه، وألقِ سمعك، واحضر حضور من يخاطبه به من تكلم به سبحانه منه إليه؛ فإنه خطاب منه لك على لسان رسوله،قال تعالى:﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [ق: 37]، وذلك أن تمام التأثير لما كان موقوفاً على مؤثر مقتض، ومحل قابل، وشرط لحصول الأثر وانتفاء المانع الذي يمنع منه؛ تضمنت الآية بيان ذلك كله بأوجز لفظ وأبينه وأدله على المراد..."[ الفوائد (ص: 3)، ثم شرح ابن القيم ذلك شرحًا نافعًا.]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السادسة والخمسون بعد المئة في
موضوع الشكور والتي هي بعنوان : *شكر السَّمع
وقال تعالى مبينًا أن القرآن حجج وبراهين وهدى،
آمراً بالاستماع له والإنصات لحروفه المشرقة: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: 203] ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأعراف: 204].
وكم لاستماع القرآن من أثر على النفوس والقلوب، عن عبد الله بن مسعود قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ( اقرأ عليّ ). قلت: يا رسول الله، آقرأ عليك وعليك أنزل؟! قال: ( نعم ). فقرأت سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية: ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا ﴾ [النساء:41]. قال: (حسبك الآن). فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان[ متفق عليه.]
عن الفضل بن موسى قال: "كان الفضيل بن عياض شاطراً [ يعني: قاطعًا للطريق.] يقطع الطريق بين أبيورد وسرخس، وكان سبب توبته : أنه عشق جارية فبينما هو يرتقي الجدران إليها إذ سمع تاليًا يتلو: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [الحديد: 16].قال: فلما سمعها قال: بلى -يا رب- قد آن، فرجع، فآواه الليل إلى خربة وإذا فيها سابلة فقال بعضهم: نرتحل، وقال بعضهم: حتى نصبح؛ فإن فضيلاً على الطريق يقطع علينا، قال: ففكرت وقلت: أنا أسعى بالليل في المعاصي، وقوم من المسلمين ههنا يخافونني! وما أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدع، اللهم إني قد تبت إليك، وجعلت توبتي مجاورة البيت الحرام"[ شعب الإيمان، البيهقي (5/ 468).]
أما من سمع القرآن ولم ينصت له ولم يفتح إلى قلبه قناة انتفاع به فلن يؤثر عليه كحال المشركين الذين قال الله تعالى عنهم: ﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ ﴾ [البقرة: 18]، وقال: ﴿ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ﴾ [الأنبياء: 2]. ولكن زعماء المشركين لما علموا عظم تأثير القرآن على مستمعيه تواصوا بعد سماعه، قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ﴾ [فصلت: 26].
أيها الأحباب الكرام، ومن أصوات الحق التي ينبغي أن يصغى لها: صوت الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن لما أنه مات عليه الصلاة والسلام فإن علينا أن نسمع سنته ونعيها ونتبعها ونبلغها، فرب مبلَّغ أوعى من سامع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( نضر الله امرأً سمع منا شيئًا فبلغه كما سمعه، فربَّ مبلَّغ أوعى من سامع)[ رواه أبو داود والترمذي وابن حبان، وهو صحيح.]
فعلى المسلم أن يحرص على سماع حديث رسول
الله صلى الله عليه وسلم ليعمل به ويستجيب لما يدعو إليه، وليحذر أن يسمعه ويعرض عن العمل بما فيه متجهًا إلى العمل بخلاف ما يدعو إليه فيكون حاله كحال المشركين الذين قال الله عنهم: ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 171].
ومما ينبغي الاستماع له والإصغاء إليه: صوت العلم النافع الذي ينير للإنسان طريق الهدى، ويعرفه صواب الأفكار والأعمال والأقوال. ومن العلم النافع: الاعتبار بأحوال الأمم، وهي عظات ترغِّب في الخير وتحذر من الشر، فالله تعالى ذكر في سورة ق عواقب بعض الأمم المكذبة ثم قال عقب ذلك: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [ق: 37].
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السابعة والخمسون بعد المئة في
موضوع الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *شكر السَّمع
ومما ينبغي الاستماع له والاستجابة لندائه: صوت
الأذان للصلاة، خاصة نداء الجمعة، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الجمعة: 9]. فالأذان دعوة إلى الفلاح، ونداء إلى ما فيه صلاح المرء في دنياه، ونجاته في أخراه، وقد شرع للمسلم استحبابًا متابعةُ المؤذن والقول مثل ما يقول إلا في الحيعلتين، والدعاء بعد ذلك بالذكر الوارد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليّ؛ فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة؛ فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة)[ رواه مسلم.]
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آتِ
محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقامًا محموداً الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة)[ رواه البخاري.]
وأما الاستجابة لما يدعو إليه المؤذن والذهاب إلى المساجد فمما على السامعين فعله، وقد ورد في بعض الأخبار ما يدل على آثار ترك الاستجابة لذلك. "قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: ﴿ وقد كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ ﴾ [القلم: 43] قَالَ: نَزَلَتْ فِي صلاة الرَّجُل يسمع الأذان فلا يجيب. وقال أيضًا: من سَمِعَ النداء فَلَمْ يجب فلا صلاة لَهُ إلا من عذرٍ. وعَن عَلِيّ رضي الله عنه قَال: لا صلاة لجار المسجد إلا فِي المسجد. قيل: يَا أمير المُؤْمِنيِن، ومن جار المسجد؟ قَالَ: من سَمِعَ الأذان. وعَن أَبِي موسى رضي الله عنه قال: من سَمِعَ النداء فارغاً صحيحاً فَلَمْ يُجب فلا صلاة لَهُ"[ تنظر هذه الآثار في فتح الباري ـ لابن حجر (4/ 9).]
ومما ينبغي الإنصات له واستماعه: خطبة الجمعة،
وهو إنصات واجب على من شهد الجمعة، وفيه فضل وأجر لفاعله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من غسل يوم الجمعة واغتسل وبكّر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغُ؛ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها)[ رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وهو صحيح.]
وقال عليه الصلاة والسلام: ( لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر، ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام؛إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى) [ رواه البخاري.]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثامنة والخمسون بعد المئة في
موضوع الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *شكر السَّمع
ولعظم الأمر بالاستماع التام لخطبة الجمعة جعل الكلام والانشغال أثناءها بغيرها من المستمعين فيما بينهم ملغيًا لأجر الجمعة، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة: أنصت والإمام يخطب فقد لغوت)[ متفق عليه.]
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام، ومن مس الحصا فقد لغا)[ رواه مسلم.]
أيها الإخوة الفضلاء، ومما ينبغي الاستماع إليه: نداء الوالدين، فإذا تكلم الوالدان فإن من البر: الإنصات لكلامهما، والاستجابة لهما في المعروف، حتى ولو كان الإنسان في عبادة غير واجبة كصلاة النافلة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: كان جريج يتعبد في صومعة فجاءت أمه ثم رفعت رأسها إليه تدعوه فقالت: يا جريج، أنا أمك كلمني، فصادفته يصلي فقال: اللهم أمي وصلاتي، فاختار صلاته، فرجعت ثم عادت في الثانية فقالت: يا جريج، أنا أمك فكلمني، قال: اللهم أمي وصلاتي فاختار صلاته فقالت: اللهم إن هذا جريج وهو ابني وإني كلّمتُه فأبى أن يكلمني، اللهم فلا تمته حتى تريه المومسات، قال: ولو دعت عليه أن يفتن لفتن. قال: وكان راعي ضأن يأوي إلى ديره قال: فخرجت امرأة من القرية فوقع عليها الراعي فحملت فولدت غلامًا فقيل لها: ما هذا؟ قالت: من صاحب هذا الدير، قال: فجاءوا بفؤوسهم ومساحيهم فنادوه فصادفوه يصلي فلم يكلمهم، قال: فأخذوا يهدمون ديره، فلما رأى ذلك نزل إليهم فقالوا له: سل هذه، قال: فتبسم، ثم مسح رأس الصبي فقال: من أبوك؟ قال: أبي راعي الضأن، فلما سمعوا ذلك منه قالوا: نبني ما هدمنا من ديرك بالذهب والفضة، قال: لا، ولكن أعيدوه ترابًا كما كان ثم علاه)[ رواه مسلم.]
وكما أن السمع بوابة للحسنات هو أيضًا بوابة للسيئات، فهناك مسموعات لا يجوز سماعها؛ لأن الشرع الشريف نهى عن ذلك، أو لأن تلك المسموعات تفضي إلى شر كبير على سامعها.
ولهذا بين رسول الله عليه الصلاة والسلام أن الأذنين تقعان في الخطيئة بسماعهما الباطل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا فهو مدرك ذلك لا محالة؛ العينان زناهما النظر... والأذن زناها الاستماع)[ رواه أبو داود، وهو حسن.]
وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هناك كفارات لخطايا الأذنين، ومن تلك الأعمال الصالحة المكفِّرة: الوضوء، قال عليه الصلاة والسلام: (إذا توضأ المسلم فغسل يديه كفر عنه ما عملت يداه، فإذا غسل وجهه كفر عنه ما نظرت إليه عيناه، وإذا مسح برأسه كفر به ما سمعت أذناه، فإذا غسل رجليه كفر عنه ما مشت إليه قدماه، ثم يقوم إلى الصلاة فهي فضيلة)[ رواه الطبراني، وهو حسن.]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة التاسعة والخمسون بعد المئة في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *شكر السَّمع
فمن تلك المسموعات المحظورة: الخوض في دين الله
تعالى بالطعن والانتقاص والاستهزاء، سواء كان ذلك فيما يتعلق بالله أم بكتابه أم برسوله أم بشريعة الإسلام؛ فإن هذه مقدسات لا يجوز التعدي عليها بسوء القول، ولكن أعداءها لا يألون جهداً في بث الأقوال المشينة نحوها، ولسهولة إرسال تلك الأقوال والحروف الشقية في هذا العصر إلى كل الناس عبر وسائل التواصل وآلات الإعلام المختلفة؛ كان على المسلم الحذر من استماع تلك الطعون الجائرة. قال تعالى: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ
الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنعام: 68].
ومن المسموعات المحظورة: الشبهات التي تثار من قبل أعداء الحق حول العقيدة والشريعة، وما أكثرها في هذه الأيام وأسرع انتشارها! وقد جند أولياء الشيطان جنوداًيبثون سموم أفكارهم حول الإسلام ، ويطعنون في ثوابته وعناصر القوة والتميز فيه، وينشرون ذلك على نطاق واسع عبر الفضائيات وخدمات الشبكة العنكبوتية ووسائل الاتصال، فتلقفها فئام من الناس، فمن كان لديه حصانة دينية ومعرفة صحيحة رد تلك الشبهات الباطلة، لكن المشكلة في أولئك الذين ليس عندهم دراية صحيحة بدينهم، فلذلك تأثر بتلك الأفكار المسمومة عدد غير قليل من النساء والرجال خاصة في صفوف الشباب؛ إما اقتناعًا بتلك الأطروحات وإما شكًّا وحيرة أوقعوا أنفسهم فيهما، فصاروا في صراع نفسي كبير.
فعلى المسلم الحريص على دينه البعد عن سماع تلك الشبهات ومشاهدةِ مقاطعها المرئية؛ خشية التأثر بها، أما من كان على علم راسخ وديانة متينة فسمعها للرد عليها فلا بأس بذلك.
ومن المسموعات المحظورة: صوت الغِناء وآلات اللهو، فالغناء هو صوت الشيطان، وطريق إلى غضب الرحمن، وهو مهيِّج للشهوات، وداعٍ إلى المعاصي والسيئات، وهو مفسد للقلب والخاطر، ومُلهٍ للعبد عن القيام بالأوامر. يقول تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [لقمان:6]. قال ابن مسعود وابن عباس وجابر رضي الله عنهم، وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد ومكحول والحسن البصري رحمهم الله: إن لهو الحديث هو الغناء[ تفسير ابن كثير (3/ 534) ] .وهؤلاء الصحابة والتابعون هم أعلم الناس بتفسير كتاب الله بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال تعالى: ﴿ وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ ﴾ [الإسراء:64]. قال مجاهد: باللهو والغناء، أي: استخفهم بذلك[ تفسير ابن كثير (3/ 63).] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صوتان ملعونان؛ صوت مزمار عند نعمة، وصوت ويل عند مصيبة)[ رواه البزار ورواته ثقات، وهو حسن.] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف، فقال رجل من المسلمين: يا رسول الله، ومتى ذاك؟ قال: إذا ظهرت القينات، والمعازف وشربت الخمور)[ رواه الترمذي، وهو صحيح.] والقينات: المغنِّيات.
كتب عمر بن عبد العزيز إلى مؤدب ولده:
"خذهم بالجفاء فهو أمنع لإقدامهم، وقلةِ الضحك
فإن كثرته تميت القلب، وليكن أول ما يعتقدون من أدبك بغض الملاهي التي بدؤها الشيطان وعاقبتها سخط الرحمن؛ فإنه بلغني عن الثقات من حملة العلم أن حضور المعازف واستماع الأغاني واللهج بهما ينبت النفاق في القلب كما ينبت العشبُ بالماء"[ ذم الملاهي، لابن أبي الدنيا (ص: 75).]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الستون بعد المئة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
*شكر السَّمع
ومن الأشياء التي ينبغي عدم الإصغاء إليها واستماعها : الغيبة والنميمة والطعن في أعراض الناس والاستهزاء بهم والسخرية منهم، والكلام البذيء الفاحش والكذب والقذف والشائعات والأراجيف وغير ذلك من سيء الأقوال، وكل واحد من هذه المساوئ القولية يحتاج إلى إطناب في الحديث عن خطر قوله والتحذير من استماعه، ولكن لا يسع المقام لذلك.
قال بعض الشعراء:
توخَّ من الطرْق أوساطَها ******وعدّ عن الجانب المشتبهْ
وسمعَك صُن عن سماع القبيـحِ *****كصونِ اللسان عن النطق بهْ
فإنك عند سماع القبيـحِ *******شريكٌ لقائله فانتبهْ
وقال آخر:
لَعَمْرُكَ ما أَهْوَيْتُ كَفِّي لرِيبَةٍ ****ولا حَمَلَتْنِي نَحْوَ فاحِشَةٍ رِجْلي
ولا قادَنِي سَمْعِي ولا بَصَرِي لَها ****ولا دَلَّنِي رَأْيٌ عَلَيْها ولا عَقْلِي
وأَعْلَمُ أَنِّي لم تُصِبْنِي مُصِيبَةٌ ***مِن الدَّهْرِ إلاّ قد أَصابَتْ فَتىً قَبْلِي
[ الحماسة البصرية (ص: 128).]
ومن الأشياء التي ينبغي صيانة السمع عنها:
أصوات النساء الفاتنة، وطلب التلذذ بسماع
كلامهن وحديثهن؛ فخطر ذلك على القلب معلوم،
وأثره في خدش جدار العفة غير مجهول.
ومما ينبغي ترك ميل السمع إليه: عورات المسلمين وعيوبهم خصوصًا الجيران، وكذلك الاستماع لحديث من لا يريد استماع حديثه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صب في أذنيه الآنُك يوم القيامة)[ رواه البخاري.]
وفي رواية: (ومن استمع إلى حديث قوم ولا يعجبهم أن يستمع حديثهم أُذيب في أذنه الآنك) [ فتح الباري(12/ 428).] والآنك: الرصاص المذاب، وقيل هو الخالص الرصاص.
قال الشاعر:
أعمى إذا ما جارتي خرجتْ *******حتى يواري جارتي الخِدرُ
ويُصمُّ عما كان بينهما *********** سمعي وما بي غيره وقْرُ
[ التذكرة الحمدونية (1/ 190).]
وبعد هذا لتكن أنت أذنَ خيرٍ تصغي للحق فتستمع وتتبع، وتُغلق أمام الشر فلا تميل ولا
تستمع، وفي حادثة الإفك قالت عائشة رضي الله عنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزينب بنت جحش: (يا زينب، ما علمتِ ما رأيتِ؟) فقالت: يا رسول الله، أحمي سمعي وبصري، والله ما علمت عليها إلا خيراً. قالت: وهي التي كانت تساميني فعصمها الله بالورع[ متفق عليه.]
ومعنى قولها: ( أحمي سمعي وبصري) أي: أصون
سمعي وبصرى من أن أقول سمعتُ ولم أسمع، وأبصرتُ ولم أبصر، أو المعنى: لا أنسب إليهما ما لم أسمع وأبصر[ شرح النووي على مسلم (17/ 113)، فتح الباري لابن حجر (13/ 260).] واعتنِ-أيها المرء- بسمعك منقاداً به للحق، معرضًا به عن الباطل، وادعُ بما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم لسمعه؛ فقد كان عليه الصلاة والسلام يذكر الله ويدعوه فيقول:(خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي...)[ رواه مسلم.]
ويقول: ( اللهم اجعل في قلبي نوراً وفي بصري نوراً وفي سمعي نوراً..)[ متفق عليه.]
ويقول: ( اللهُمَّ أَصلِح لِي سَمعِي وبَصرِي واجعَلهُما
الوَارِثَيْنِ مِني، وانصُرنِي عَلى مَن ظَلمَنِي، وأَرنِي مِنه ثَأري ) [ رواه البخاري في الأدب المفرد، وهو صحيح.]
ويقول: (ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا)[ رواه الترمذي، وهو حسن.]
واعلم أن صلاح السمع علامة على محبة الله لصاحبه؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها،وإن
سألني لأعطينه،ولئن استعاذني لأعيذنه)[رواه البخاري]
وأما إذا لم يصلح السمع فغدا منفتحًا للباطل موصداً أمام الحق فما أبعدَ صاحبَه عن الله وعن الخير، فلو مات على ذلك فإن الحسرة والندامة والألم ستحضره يوم لقاء ربه فيقول: ﴿ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [الملك: 10][ الأنترنت – موقع الألوكة - شكر السمع - عبدالله بن عبده نعمان العواضي ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الواحدة والستون بعد المئة في موضوع الشكور وهي بعنوان :
*شكر الله على نعمة الرجلين
يقول الله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [النور: 45].
أيها الناس، إن الخلق مظهر من مظاهر قدرة الله تعالى، وآية بديعة من آيات قوته وإتقان صنعه، والإنسان خلق من خلق الله جل وعلا أوجده سبحانه في هذه الدنيا تام الخلقة، مستوفي الأعضاء، جميل النشأة، حسن التصوير، فتبارك الله أحسن الخالقين.
ومما خلق الله تعالى من الأعضاء للإنسان: آلة المشي، ففي الآية السابقة ذكر الله تعالى أن ماء الحياة هو أصلٌ لخلق كل ما يدب على هذه الأرض، وبعد ذلك بيّن تعالى وسيلة مشي هذه المخلوقات؛ فذكر أن منها ما يمشي على بطنه كالأفاعي، ومنها من يمشي على رجلين كالإنسان والطير، ومنها من يمشي على أربع كالأنعام.
ومن نظر في آلة مشي الإنسان يرى أن الله تبارك وتعالى قد ميزه بتلك الآلة عن سائر المخلوقات، فخلق له رجلين اتصفتا بأحسن ما يمكن أن تكون عليه من الصفات؛ فقد خلقهما الله تعالى اثنتين ولم يكونا واحدة، وجعلهما متساويتين غير متباينتين، وجعلهما في أسفل البدن لا في أعلاه، وكونهما أحسن تكوين، فأنشأهما من لحم وعظم وعصب ودم، وجعل فيهما القوة التي بها يستطيع الإنسان حمل جسمه، والمشي بهما إلى مسافات بعيدة، ودفع ما يريد دفعه، وغير ذلك مما يحتاج فيه إلى قوة الرجلين.
كما برأهما الله تعالى ليِّنتين ليستطيع بهما المرء سهولة الحركة وتنوع التصرف؛ فعليهما يمشي، وبهما يتسلق المرتفعات ويصعد العوالي، وعليهما يقعد أنواع القعدات، وغير ذلك من منافع لين الرجلين.
وكوّن سبحانه وتعالى كل رِجل من قدم وساق وركبة وفخذ، وفي كل واحد من هذه الأجزاء أشياء دقيقة من الخَلق ليكمل انتفاع الإنسان بها، فسبحان الخالق القدير!
أيها المسلمون، هذه منزلة الرجلين في الخلق والنفع، وأما منزلتهما في الشرع فإنهما فيه عضو ذو مكانة مهمة في بدن الإنسان؛ فلذلك رتب على الاعتداء عليهما القصاص في حال العمد: الرجل بالرجل واليمنى باليمنى واليسرى باليسرى، وفي حال الخطأ وشبه العمد رتب على ذلك عوضًا ماليًا، ففي الرجلين كلتيهما الدية كاملة، وفي كل رجل نصف الدية، وفي كل أصبع عشر من الإبل، قال الله تعالى: ﴿ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ﴾ [المائدة: 45]. وفي حديث عمرو بن حزم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وفي كل أصبع من أصابع اليد والرجل عشر من الإبل)[ رواه النسائي، وهو صحيح بشواهده.]
عباد الله، ليتأمل الإنسان في نعمة الله عليه بالرجلين حتى يدرك عظم منة الله عليه بهما، فبرجليه يعيش حياة طبيعية مستقرة؛ يمشي بهما إلى حيث يشاء، ويتحرك كيف يشاء، ويلبس ما يشاء، ويمدهما ويثنيهما، ويرفعهما ويخفضهما، ويستعين بهما في صلاح عيشه الدنيوي كما يريد، ويتجمل بهما بين الناس بلا تعيير ولا نعت انتقاص يكدر خاطره، ويؤذي شعوره.
ولينظر نظرة أخرى إلى من أصيب في رجليه ببتر أو عرج أو عاهة أو ألمٍ كم يجد من العناء والنصب، ويفقد من المصالح والمنافع، ويلاقي من الضرر، ويخسر من المال والعافية، وكم يشتاق أن يكون ذا رجلين صحيحتين حتى يصل بذلك إلى ما يتمناه.
ألا فليستيقظ الإنسان الغافل الصحيح الرجلين بعد هذا ليشكر الله على هذه النعمة، قبل أن لا يذكر
قدرها إلا بعد إصابته بها، نسأل الله السلامة للجميع.
وإن من شكر الله تعالى على نعمة الرجلين السليمتين:
استعمالهما فيما يحب الله تعالى، وإبعادهما عما يكره ويسخط. سئل أبو حازم رحمه الله فقيل له: " فما شكر الرجلين؟ قال: إن رأيتَ ميتًا غبطتَه استعملت بهما عمله، وإن رأيت ميتًا مقته كففتهما عن عمله وأنت شاكر لله عز وجل"[ حلية الأولياء (3/ 243).]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثانية والستون بعد المئة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :*شكر الله على نعمة الرجلين
إن استعمال الرجلين في مصالح الحياة الدنيوية لا يغفل عنه الإنسان، لكن هناك أعمال صالحة يصل المرء إليها باستعمال نعمة المشي، وهذه هي التي يغفل عنها كثير من الناس، فكان لابد من التذكير بها حتى نسعى إليها.
فمن العبادات التي تؤديها الرجلان: المشي إلى
المساجد لصلاة الجماعة والجمعة، وها أنتم-أحبابي- قد وصلتم إلى هذا المسجد ماشين على أقدامكم أو راكبين سياراتكم فاحمدوا الله على هذه النعمة. قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ
خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الجمعة: 9].
وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة في بيان فضل المشي إلى الصلوات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سره أن يلقى الله غداً مسلمًا فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن؛ فإن الله شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف)[ رواه مسلم.]
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من غسل يوم الجمعة واغتسل وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ؛ كان له بكل خطوة عمل سنة
أجر صيامها وقيامها) [ رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وهو صحيح..]
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا: (وكل خطوة يخطوها إلى الصلاة صدقة)[ رواه محمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة بسند حسن.] وقال عليه الصلاة والسلام: (إذا خرج المسلم إلى المسجد كتب الله له بكل خطوة خطاها حسنة، ومحى عنه بها سيئة حتى يأتي مقامه)[ متفق عليه.]
وعن عثمان رضي الله عنه أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من توضأ فأسبغ الوضوء، ثم مشى إلى صلاة مكتوبة فصلاها مع الإمام غفر له ذنبه) [ رواه ابن خزيمة، وهو صحيح.] ومن العبادات التي تؤديها الرجلان : وصل الصفوف في الصلاة، وعدم ترك فرجة في الصف، ولذلك أجر عظيم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خياركم ألينكم مناكب في الصلاة، وما من خطوة أعظم أجراً من خطوة مشاها رجل إلى فرجة في الصف فسدّها)[ رواه الطبراني في الأوسط، وهو حسن.]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثالثة والستون بعد المئة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :*شكر الله على نعمة الرجلين
ومن العبادات التي تؤديها الرجلان كذلك: أداء بعض أفعال الصلاة، ومن ذلك القيام، وخاصة الوقوف الطويل في الصلاة كصلاة الليل، فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقلت له: لم تصنع هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! قال: أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً)[ متفق عليه.]
وفي فضل القيام في الصلاة قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة القاعد نصف صلاة القائم)[ رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح.] ومن العبادات التي تؤديها الرجلان: السفر إلى الحج والعمرة والقيام بأعمالهما. ومن العبادات كذلك: خدمة الوالدين، وقضاء حوائج المسلمين، والسعي على الأرملة واليتيم والمسكين، والشفاعة الحسنة للناس، والمشي إلى نصرة المظلوم.
فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً
جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أي الناس أحب إلى الله؟ فقال: أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم: تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دَينًا أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد -يعني مسجد المدينة- شهراً، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضى ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يقضيها له ثبت الله قدميه يوم تزل الأقدام)[ رواه الطبراني في الكبير، وهو حسن.]
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مشى مع مظلوم حتى يثبت له حقه ثبت الله تعالى قدميه يوم تزل الأقدام) [ رواه أبو نعيم وأبو الشيخ الأصبهاني، وهو حسن.]
ومن العبادات التي تؤديها الرجلان: الخروج لطلب العلم النافع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة)[ رواه مسلم.]
" أي: من مشى إلى تحصيل علم شرعي قاصداً به وجه الله تعالى جازاه الله عليه بأن يوصله إلى الجنة مسلمًا مكرمًا"[ المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (9/ 421).]
وقد ضرب علماؤنا السابقون رحمهم الله أروع
الأمثلة في المشي إلى طلب العلم وقطعوا المسافات الطوال لإدراك بغيتهم من العلم[ ينظر في هذا الموضوع كتاب: الرحلة في طلب الحديث، للخطيب البغدادي.]
حتى لقد سار جابر بن عبد الله رضي الله عنهما من المدينة إلى عبد الله بن أنيس رضي الله عنه في الشام من أجل حديث واحد![ جامع بيان العلم وفضله - مؤسسة الريان (1/ 186).]
ومن العبادات التي تؤديها الرجلان أيضًا: الخروج إلى طلب الرزق من أجل الاستعانة بذلك على عبادة الله، وإعفاف النفس عن الآخرين، وتوفير القوت للأهل والأولاد والتصدق على المحتاجين. قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولًا
فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ الملك: 15].
ما أجمل أن يمشي المسلم إلى زيارة أخيه المسلم وتفقد أحواله وتجديد عهد المحبة بينهما، فالمشي إلى ذلك عبادة من العبادات، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلاً زار أخًا له في قرية أخرى فأرصد الله له على مدرجته ملَكًا فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخًا لي في هذه القرية قال: هل لك عليه من نعمة تربها؟ قال: لا، غير أني أحببته في الله عز وجل قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه[ رواه مسلم.]
أما إذا كان المَزور مريضًا فالأجر أعظم، والأثر
أكبر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من عاد مريضًا أو زار أخاً له في الله ناداه مناد بأن طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلا)[ رواه ابن ماجه، وهو صحيح.]
ومن حق المسلم على أخيه المسلم المشي إلى إجابة دعوته، وتشييع جنازته، كما قال عليه الصلاة
والسلام: (حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده وإذا مات فاتبعه)[ رواه مسلم.]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الرابعة والستون بعد المئة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :*شكر الله على نعمة الرجلين
ولمواضع العبرة نصيب للرجلين من العبادة، فالسير
في الأرض للتفكر والنظر في بديع خلق الله، ورؤية مصارع العصاة والحائدين عن الحق عبادة، قال تعالى: ﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ [الأنعام: 11].
ومشي المسلم إلى المقابر للاتعاظ والاعتبار عبادة،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني نهيتكم عن زيارة القبور
فزوروها؛ فإن فيها عبرة) [ رواه أحمد، وهو حسن صحيح.]
أيها الأحبة الفضلاء، إن الإنسان إذا انحرف عن الهداية انحرفت قدمه عن الصراط المستقيم، فمشت رجلاه إلى أفعال سخط الله، أو مواضع غضبه تبارك وتعالى، وحينما نتكلم عن المشي بالرجلين إلى الحرام فإن ذلك يشمل من وصل إلى الحرام على قدميه أو على مركب، فلا فرق في ذلك.
فمن مشى إلى قتل نفس بريئة أو أخذ مال معصوم أو ممارسة فاحشة فقد عصى الله وما شكر ربه تعالى على نعمة المشي وغيرها من سائر النعم.
ومن سعى برجليه إلى الفتن واستشرافها فما أدى
شكر نعمة المشي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، ومن يشرف لها تستشرفه، ومن وجد ملجأ أو معاذاً فليعذ به)[ متفق عليه.]
إن من سيئات الرجلين: أن يمشي بهما المسلم إلى النميمة أو تفرقة الصف المسلم أو إثارة الحقد والبغضاء بين المسلمين، فما أشد ما ينتظر هذا الماشي من العقاب، فعن ابن عباس قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما
الآخر فكان يمشي بالنميمة)[ متفق عليه.]
ومن سيئات الرجلين: الاختيال في المشي تكبراً وزهواً، فالمسلم مأمور بالتواضع في المشي والبعد عن التكبر فيه، قال تعالى: ﴿ وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [لقمان: 18] ﴿ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾ [لقمان: 19]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه، مرجل رأسه يختال في مشيته، إذ خسف الله به، فهو
يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة) [ متفق عليه.]
وقال ابن إسحاق لما سرد قصة أبي دجانة وأخْذه السيف من رسول الله يوم أحد وتبختره بين الصفين به: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى أبا دجانة يتبختر: (إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن)[ سيرة ابن هشام (2/ 66).]
ومن سيئات الرجلين لدى المرأة: كشف قدميها وما فوقهما من الرجلين لينظر إليهما من لا يحل له النظر إلى ذلك، والمشي في الطرقات والأسواق بإصدار صوت الحذاء أو النعل للفت الأسماع والأنظار إليها ليعلم ما عندها من الحسن والزينة، قال تعالى: ﴿ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ﴾ [النور: 31]. واللائق بالمؤمنة ستر زينتها إلا لمن أحل الله له النظر إليها، والمشي بين الناس بحياء من غير استدعاء النظر إليها، قال تعالى عن ابنة صاحب مدين: ﴿ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ ﴾ [القصص: 25].
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الخامسة والستون بعد المئة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :*شكر الله على نعمة الرجلين
ومن السيئات كذلك: أن يصيب الإنسان بقدمه أو رجله أحداً ظلمًا، ركلاً أو رفسًا، فمن فعل ذلك اقتص منه يوم القيامة.
ومن سيئات الرجلين أيضًا: الذهاب إلى أماكن اللهو والمجون كدور الرقص والغناء، وكذلك تتبع النساء وملاحقتهن في الأسواق والطرقات، فإن هذا العمل المشين لا يليق بذي خلق كريم، ولا بامرئ يخاف الله العظيم، ويخشى على حرماته.
يذكر بعض أهل الأدب في القرون السالفة أن امرأة قدمت مكة للحج أو العمرة فطافت يومًا بالبيت وحدها، فجعل أحد الماجنين يتتبعها ويريد منها أن تكلمه وهي تأبى، وفي اليوم التالي جاءت لتطوف مع أخيها فجاء ذلك الرجل لملاحقتها، فلما رأى أخاها معها انكف وانزجر، فقالت متمثلة بقول أحد الشعراء:
تَعْدُو الذئابُ على مَنْ لا كِلاَبَ له *** وتَتّقي صَوْلَةَ المُسْتأسِدِ الحامي
[ كتاب الأغاني، للأصفهاني (1/ 88).]
إن استقامة المرء في رجليه، بلزومها طريق الحق، وعدم انحرافهما عنها، دليل على محبة الله لصاحبها، فما أحسن أن يكون المسلم كذلك، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها)[ رواه البخاري.]
والمعنى: أن الله يسدده في هذه الجوارح فلا يقع منه بها إلا الخير.
وأما من لم تستقم رجلاه على صراط الحق فليتذكر أنهما ستشهدان عليه يوم القيامة، كما قال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [يس: 65]، وعن أنس بن مالك قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك فقال: هل تدرون مما أضحك؟ قال: قلنا الله ورسوله أعلم، قال: من مخاطبة العبد ربه يقول: يا رب، ألم تجرني من الظلم؟ قال: يقول: بلى، قال: فيقول: فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهداً مني قال: فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيداً وبالكرام الكاتبين شهوداً، قال: فيختم على فيه فيقال لأركانه: انطقي قال: فتنطق بأعماله قال: ثم يخلى بينه وبين الكلام قال: فيقول: بعداً لكن وسحقًا فعنكن كنت أناضل)[ متفق عليه.] ألا من كان منحرف الخطى عن الجادة سالكًا مناهج الغضب
فليتب إلى ربه وليكن مثل ذلك القائل الكريم:
لعمرك ما أهويتُ كفّي لريـبـةٍ ****** ولا حملتني نحو فاحشةٍ رجلي
ولا قادني سمعي ولا بصري لها **** ولا دلّني رأيي عليها ولا عقلي
ولست بماشٍ ما حييتُ بمنكر ***** من الأمر ما يمشي إلى مثله مثلي
[ أمالي القالي (ص: 241).]
فعلى المسلم العاقل أن يسارع إلى مسالك الخيرات ،ومواضع الطيبات، وخصال الصالحات، وليستغل نعمة المشي إلى ذلك قبل أن يندم حينما يحبس عن ذلك، وليكن له قدوة بأولئك الصالحين الذين يسارعون إلى الخير مع وجود الإعاقة في أرجلهم، فهذا عمرو بن الجموح رضي الله عنه كان رجلاً أعرج شديد العرج، وكان له بنون أربعة، فلما كان يوم أحد أرادوا حبسه، وقالوا له: إن الله عز وجل قد عذرك، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن بني يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه والخروج معك فيه، فوالله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أنت فقد عذرك الله فلا جهاد عليك، وقال لبنيه: ما عليكم أن لا تمنعوه؛ لعل الله أن يرزقه الشهادة، فخرج معه فقتل يوم أحد رضي الله عنه وأرضاه. [ سيرة ابن هشام (2/ 90)] [الأنترنت – موقع الألوكة - شكر الله على نعمة الرجلين - عبدالله بن عبده نعمان العواضي ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السادسة والستون بعد المئة في موضوع الشكور والتي هي بعنوان :
*شُكرُ الله على نعمة اليدين
نحمد الله تعالى على أنْ خلقنا فأتقن خلقنا، وصوّرنا فأحسن صورنا، وخلق لنا أعضاء بديعة نستعين بها في إقامة عبادتنا، وفي إصلاح عيشنا، ونعتمد على سلامتها في تسيير شؤون حياتنا، وفي الوصول إلى أسباب راحتنا وسعادتنا.
ومن تلك الأعضاء التي أكرمنا الله بها: اليدان، فما أعظم نعمة الخالق على الإنسان بهذا العضو؛ إذ كم يصل به إلى مصالح يبتغيها، ويدفع به أضراراً يخشاها.
تأمل - أيها الإنسان - في يديك وانظر ما أجملَ خلقهما وأحسنَ تركيبها! فقد خلقهما الله تعالى متساويتين، وجعلهما ممتدتين، مزودتين بعشرة أصابع، في كل يدٍ خمسةٌ منها، وهي الإبهام والسبابة والوسطى الخِنْصِر والبِنْصِر. وكل أصبع من الأصابع الخمسة له خلقة وشكل يخالف به سائر الأصابع.
وجعل سبحانه وتعالى اليدين أيضًا لينتين قويتين جميلتين، قابلتين للحركات المختلفة. وثبّت تعالى خلقهما في مكان مناسب من الجسم. وزوّدهما بأسباب الحياة والبقاء مدة حياة الإنسان ما لم يتعرضا لداء أو اعتداء.
لقد خلق الله تعالى في كل يد للإنسان ما به حياتها وسهولة الانتفاع بها، ففي كل يد كفٌّ بها راحةٌ وأصابع وسلاميات، وفيها رسغ وساعد ومرفق وعضد وعظام وأعصاب ودماء. ومن فضل الله تعالى على الإنسان في يديه: أن جعلهما قادرتين على الإمساك والإطلاق، وتحسس الأشياء، حتى صارتا للأعمى بديلاً عن النظر في تمييز المحسوسات، وللأصم والأبكم لسانًا يعبر عن كثير من الكلمات بما تشكله الكف والذراع من حركات.
وتأمل -أيها الإنسان- في إبهامك تجد فيها آية من آيات الله تعالى الدالة على قدرته العظيمة، تلك الآية هي وجود البصمة فيها التي بها يتميز كل شخص عن غيره من بني آدم.
أيها الفضلاء، إن لليد شأنًا عظيمًا في الإسلام؛ ففي القرآن الكريم نجد آيات متعددة تنسب جميع كسب جوارح العبد إلى يده، قال تعالى: ﴿ وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴾ [الجمعة: 7]، وقال: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30]. ويبين الكتاب العزيز أن الأيدي ستشهد على أصحابها يوم القيامة بما يكانوا يعملون في الدنيا، قال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [يس:65].
وفي حديث أنس بن مالك قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فضحك فقال: (هل تدرون مما أضحك؟ قال: قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: من مخاطبة العبد ربه، يقول: يا رب، ألم تجرني من الظلم؟ قال: يقول: بلى،قال: فيقول: فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهداً مني،قال: فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيداً، وبالكرام الكاتبين شهوداً، قال: فيختم على فيه فيقال لأركانه: انطقي، قال: فتنطق بأعماله، قال: ثم يخلى بينه وبين الكلام قال: فيقول: بعداً لكن وسحقًا فعنكن كنت أناضل)[ رواه مسلم.]
وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في كل يد نصف الدية وفي كلتيهما الدية كاملة، وفي كل أصبع عشر من الإبل كما في حديث عمرو بن حزم[ رواه النسائي، وهو صحيح.]
أيها الأحباب الكرام، انظروا إلى هذه الحياة وما فيها من أبنية مشيدة، وأشياء مصنوعة، وخدمات حياتية متعددة، ومصالح دنيوية متنوعة، أليست من نتاج نعمة الله على الإنسان باليدين، فلو لم تخلق هذه النعمة هل كنا سنصل إلى هذه المنافع؟ وانظروا أيضًا في بيعنا وشرائنا، وتواصلنا وتعاملنا، وتعلمنا وتعليمنا، ألم تكن اليدان وسيلة إلى بلوغنا ما نريد من تلك المعاملات؟ ولكن ما أكثرَ غفلتنا عن نعمة اليدين، وشكر الله عليهما! فمن أراد معرفة عظم هذه المنة فليتفكر في المنافع التي ينالها بسبب يديه، ولينظر إلى من فقد يديه أو إحداهما- ببتر أو جَرح أو شلل أو مرض-كم يعاني من المشقة في الوصول إلى ما يصل إليه صحيحُ اليدين.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السابعة والستون بعد المئة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :*شُكرُ الله على نعمة اليدين
ألا فلنشكر الله تعالى على نعمة اليدين باستخدامهما فيما يرضيه، قبل أن نقف بين يدي الله تعالى فتشهد علينا أيدينا بما جنت من الأعمال السيئة، قال تعالى: ﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النور: 24].
ومن شكر الله تعالى على نعمة اليدين: استعمالهما
في الأعمال التي يحب الله عملها، وكفهما عن الأفعال
التي يكره الله فعلها.
أيها المسلمون، إن لليدين عبادات وأعمالاً صالحة كثيرة، فمن ذلك: الطهارة وبعض أعمال الصلاة، فباليدين يطهر العبد نفسه فيصير نظيفًا نقيًا، ويتوضأ ويستاك، فيقف بين يدي ربه للصلاة فيرفعهما مكبراً، ويضمهما إلى صدره قائمًا، ويعتمد عليهما راكعًا وساجداً، ويضعهما على فخذيه أثناء التشهد، ويرفع سبابة يمينه متشهداً.
وباليد يعطي المسلم زكاته وصدقته فيحسن إلى المحتاجين والمعوزين، عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله ... ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)[ متفق عليه.]
وباليدين يجاهد المسلم في سبيل الله تعالى أعداءَ الدين فيرفع راية الإسلام ويعز المسلمين. قال تعالى: ﴿ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ﴾ [التوبة: 14].
وبأصابع اليدين يذكر المؤمن ربه تعالى ويثني عليه مسبحًا مكبراً مهللاً حامداً محوقلاً محسبلاً. عن يسيرة رضي الله عنها وكانت من المهاجرات قالت: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليكن بالتسبيح والتهليل والتقديس، واعقدن بالأنامل؛ فإنهن مسؤولات مستنطقات، ولا تغفلن فَتُنْسَيْنَ الرَّحْمَةَ)[ رواه الترمذي وأبو داود، وهو حسن.]
وباليدين يعين الإنسان والديه ويقوم بخدمتهما، وبهما يأخذ بيد الأعمى والعاجز، وبهما يمسح رأس اليتيم فيغسل عن وجهه دمعة اليتم، ويرسم على شفتيه ابتسامة السعد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أردت تليين قلبك فأطعم المسكين، وامسح رأس اليتيم) [ رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.]
وباليدين يرفع المرء الدعاء إلى الله تعالى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله حيي كريم يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفراً خائبتين)
[ رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه، وهو صحيح.]
وباليدين يعمل الإنسان ويكتسب أسباب المعيشة، فعن المقدام رضي الله عنه: عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: ( ما أكل أحد طعامًا قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده) [ رواه البخاري.]
والمسلم بيمينه يأكل ويشرب ويعطي ويأخذ، ويصافح الناس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ليأكل أحدكم بيمينه ويشرب بيمينه، وليأخذ بيمينه وليعط بيمينه؛ فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله، ويعطي
بشماله)[رواه ابن ماجه، وهو صحيح.]
وعن أنس بن مالك، عن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من مسلمين التقيا، فأخذ أحدهما بيد صاحبه، إلا كان حقًا على الله أن يحضر دعاءهما[ أي: يستجيب دعاءهما] ولا يفرق بين أيديهما حتى يغفر لهما)[ رواه أحمد، وهو صحيح.]
أيها الإخوة الفضلاء، إن من عرف اللهَ تعالى وعرف عظم نعمته عليه باليدين استعملهما فيما يحبه المنعم عليه بهما، غير أن هناك من لم يكن كذلك حينما صرف قدرتهما فيما يغضب الله تعالى من الأعمال المتعدية على حق الخالق وعلى حق المخلوقين.
فمن سيئات اليدين: التعدي على الأبرياء من الخلق
بقتل أو جرح أو ضرب؛ لأن هذا نوع من الظلم وقد حرم الله تعالى الظلم على نفسه وجعله بين عباده محرمًا، وهذا التصرف الضار بالناس ليس من صفات المسلم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)[ رواه أحمد، وهو صحيح.]
فأين هذا المعتدي من الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في سلامة يديه من ظلم الخلق؟ عن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا قط بيده ولا امرأة ولا خادمًا إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه،إلا أن ينتهك شيء من محارم الله
فينتقم لله عز وجل)[ رواه مسلم.]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثامنة والستون بعد المئة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :*شُكرُ الله على نعمة اليدين
وعن أبي مسعود الأنصاري قال: كنت أضرب غلامًا لي، فسمعت من خلفي صوتًا: ( اعلم أبا مسعود، للهُ أقدر عليك منك عليه)، فالتفتُ فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، هو حر لوجه الله فقال: ( أما لو لم تفعل للفحتك النار أو لمستك النار)[ رواه مسلم.]
أفلا يتذكر من ظلم بيده الناس القصاصَ منه يوم القيامة بين يدي الحكم العدل؟
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (من ضرب سوطًا ظلمًا اقتص منه يوم
القيامة)[ رواه البزار والطبراني بإسناد حسن.]
ومن سيئات اليدين: الاعتداء ظلمًا على أموال الناس وممتلكاتهم بحرابة أو سرقة أو نهب أو سلب أو اختلاس أو خيانة أو رشوة أو تدليس أو تطفيف، أو نحو ذلك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه)[ رواه أبو داود، وهو صحيح.]
وقد جاء من الوعيد ما فيه زجر لكل معتدٍ بقوة يده على حق غيره، فمن أيقن به كفَّ عن ذلك الظلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة، قالوا: وإن كان شيئًا يسيراً يا رسول الله، فقال: وإن كان قضيباً من أراك)[ رواه مسلم.]
حتى في وقت الشدائد والمجاعات يجب على المسلم أن يمسك يده عن المال الحرام، ويصبر على الحلال ولو قل حتى يفرج الله عنه، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حماراً وأردفني خلفه وقال: (يا أبا ذر، أرأيت إن أصاب الناسَ جوعٌ شديد لا تستطيع أن تقوم من فراشك إلى مسجدك كيف تصنع؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: تعفف، يا أبا ذر)[ رواه أحمد وابن حبان والحاكم، وإسناده صحيح على شرط مسلم.]
ومن سيئات اليدين: لطم الخدود، وتمزيق الثياب عند المصيبة؛ كموت حبيب أو قريب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية)[ متفق عليه.]
ومن سيئات اليدين: مصافحة النساء اللاتي لا يحل
للمسلم مصافحتهن، قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: (لأن يطعن في رأس أحدكم بِمِخْيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له)[ رواه
الطبراني والبيهقي ورجال الطبراني ثقات رجال الصحيح.]
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه و سلم يبايع النساء بالكلام بهذه الآية: ﴿ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا ﴾ [الممتحنة:12]. قالت: وما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة إلا امرأة يملكها[متفق عليه. ولفظ مسلم: (وما مست كف رسول الله صلى الله عليه وسلم كف امرأة قط، وكان يقول لهن إذا أخذ عليهن: ( قد بايعتكن ) كلاماً).
ومن سيئات اليدين: تكفف الناس وسؤالهم أموالهم تكثراً وكسلاً عن العمل، وليس عن ضرورة ملحة لا يجد لكشفها غير التكفف. فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله تعالى وليس في وجهه مُزعةُ لحم)[ متفق عليه.]
وقال صلى الله عليه وسلم: (من سأل الناس أموالهم تكثراً فإنما يسأل جمراً، فليستقل أو ليستكثر)[ رواه مسلم.]
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(اليد العليا خير من اليد السفلى، والعليا هي المنفقة، والسفلى هي السائلة) [ متفق عليه.]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة التاسعة والستون بعد المئة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :*شُكرُ الله على نعمة اليدين
ومن سيئات اليدين: الكتابة بالطعن في الله تعالى أو رسوله أو دينه أو المحرِّفة لكتابه أو تشريعه، قال تعالى: ﴿ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ﴾ [البقرة: 79].
أو الكتابات المسيئة إلى عباد الله الأبرياء بالتهم
والسب، أو المسطّرة للشبهات التي تكدر العقول
والنفوس،أوالشهوات التي تفسد القلوب والسلوك.
وستشهد البنان على ما خطت من حروف العصيان على صاحبها يوم المعاد، قال تعالى: ﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النور: 24].
إن اليدين حينما تخرجان عن شرع الله تعالى، فتقعان في المعاصي اليدوية فإن الشريعة قد جعلت زاجرين لهما عن تلك الذنوب: زاجراً في الدنيا، وزاجراً في الآخرة. فأما زاجر الدنيا فهو على قسمين: زاجر بالحد، وزاجر بالتعزير.
فأما زاجر الحد، فإن هناك خطايا يدوية جعل فيها الشارع الحكيم حدوداً شرعية تأديبًا للعاصي، وتحذيراً لغيره أن يفعل مثل فعله، ومن هذه الحدود: حد السرقة وحد الحرابة، فحد السرقة المستوفية لشروط القطع يكون بقطع اليد من الرسغ كما قال تعالى: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [المائدة: 38] ﴿ فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المائدة: 39]. وأما حد الحرابة فيكون بقطع الأيدي والأرجل من خلاف: يد يمنى برجل يسرى، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [المائدة: 33] ﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المائدة: 34]. وهذان الحدان يزجران المحدود عن المعاودة، ويزجران غيره عن المقارفة.
وأما زاجر التعزير، فهناك ذنوب تجنيها اليدان لكن لم يرد في الشريعة فيها حد معلوم، وإنما ورد فيها تعزير والتعزير هو: "عقوبة مشروعة على معصية
أو جناية لا حد فيها، ولا كفارة"[ الفقه الإسلامي وأدلته (7/ 514).]
وهذه العقوبة التعزيرية يقدرها القاضي؛ فقد تكون بحبس أو عقوبة مالية على الجاني أو غير ذلك مما يراه القاضي من وسائل التأديب، ومن تلك الذنوب المتعلقة باليدين: الغصب والنهب والاختلاس.
أيها الأحباب الفضلاء، وأما زاجر الآخرة فهو ذلك الوعيد الذي أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن المتعدي بيده ينتظره عقاب شديد يوم القيامة، كقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه)[ رواه البخاري.]
وقوله صلى الله عليه وسلم: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار)[ رواه مسلم.]
أيها الأحباب الفضلاء، هذا نداء لكل من لم يحفظ
يديه في إطار الحق، بل جعلها في ممتدة في بوتقة الباطل؛ أن يرجع إلى الله تعالى ويتوب إليه، ويعمق في قلبه شعور الخوف من ربه تعالى حتى يحجزه عن التعدي بيده، فابن آدم المقتول منعه من قتل أخيه خوفُ الله تعالى كما قال عز وجل عنه: ﴿ لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾ [المائدة: 28].
وليكثر هذا المرء من الأعمال الصالحة المكفرة للذنوب بعد التوبة إلى الله، ومن تلك الأعمال الماحية للخطايا: الوضوء، وكثرته تستلزم كثرة التنفل بالصلاة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كانت بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء)[ رواه مسلم.]
[الأنترنت – موقع الألوكة - شكر اليدين - عبدالله بن عبده نعمان العواضي]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السبعون بعد المئة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *شُكرُ الله على نعمة اللسان
لقد خلق اللهُ تعالى الإنسانَ في أحسن تقويم، وأعلى شأنه على كثير من خلقه بالتفضيل والتكريم، وأودع فيه من آيات قدرته، وبراهين حكمته ما لا يحصى، ومازالت نعمه تعالى عليه تترى حتى يفارق الحياة الدنيا.
ألا وإن من هباته سبحانه السَّنية، ونعمه الجليَّة للإنسان: نعمة النطق والقدرة على الكلام، قال تعالى: ﴿ الرَّحْمَنُ ﴾ [الرحمن: 1] ﴿ عَلَّمَ الْقُرْآنَ ﴾ [الرحمن: 2] ﴿ خَلَقَ الإِنسَانَ ﴾ [الرحمن: 3] ﴿ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾ [الرحمن: 4]. وقد جعل تعالى جارحة اللسان هي المعبِّرَ عما في نفس الإنسان، والناطق بما أراده، يقول عز وجل ممتنًا عليه: ﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ ﴾ [البلد: 8] ﴿ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ ﴾ [البلد: 9]. ويقول تعالى مبينًا فضل البيان باللسان وفصاحته: ﴿ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي ﴾ [طه: 27] ﴿ يَفْقَهُوا قَوْلِي ﴾ [طه: 28]، وقال: ﴿ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ ﴾ [القصص: 34]، وذلك أن موسى عليه السلام كان في لسانه شيء من الحبسة قبل النبوة فلذلك قال فرعون: ﴿ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ ﴾ [الزخرف: 52]، لكن موسى لما دعا الله قبل التوجه إلى فرعون استجاب الله له بإزالة حبسته كما قال تعالى: ﴿ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي ﴾ [طه: 27] ﴿ يَفْقَهُوا قَوْلِي ﴾ [طه: 28] إلى قوله: ﴿ قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى ﴾ [طه: 36] ينظر: تفسير ابن كثير (4/ 158).]
لقد أودع الله اللسان "من المنافع منفعة الكلام وهي أعظمها... وجعل سبحانه اللسان عضواً لحميًا لا عظم فيه ولا عصب؛ لتسهل حركته؛ ولهذا لا تجد في الأعضاء من لا يكترث بكثرة الحركة سواه؛ فإن أي عضو من الأعضاء إذا حركته كما تحرك اللسان لم يطق ذلك، ولم يلبث أن يكَل ويخلد إلى السكون إلا اللسان، وأيضًا فإنه من أعدل الأعضاء وألطفها وهو في الأعضاء بمنزلة رسول القائد ونائبه، فمزاجه من أعدل أمزجة البدن، ويحتاج إلى قبض وبسط وحركة في أقاصي الفم وجوانبه، فلو كان فيه عظام لم يتهيأ منه ذلك ولما تهيأ منه الكلام التام ولا الذوق التام، فكّونه الله كما اقتضاه السبب الفاعلي والغائي، والله أعلم"[ التبيان في أقسام القرآن، لابن القيم (ص: 192).]
إن أكثر الناس غافلون عن نعمة النطق باللسان، غير مدركين عظم فضل الله عليهم بها، فمن أراد الاستيقاظ من هذه الغفلة فلينظر إلى الأبكم وعِيّه، وصعوبة إبانته عما في نفسه، وكثرة حركاته، وتعدد إشاراته، وإصداره الأصوات المختلفة التي يريد من خلالها إيصال رسالته، ولينظر الغافل كذلك إلى الذين لديهم عيوب في النطق من فأفأة وتأتأة وثأثأة، وتلعثم ولجلجة وخرس وحبسة وغير ذلك؛ حتى يدرك فضل الله عليه بالقدرة على الكلام السليم فيشكره على نعمته عليه.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الواحدة والسبعون بعد المئة في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *شُكرُ الله على نعمة اللسان
ألاوإن من شكر الله على نعمة اللسان: استعمال نطقه وصمته فيما يرضي الله تعالى، فاللسان عضو صغير لكن خطره كبير، فـ" اللّسان من نعم اللّه العظيمة، ولطائف صنعه الغريبة. فإنّه صغير جِرْمه، عظيم طاعته وجُرْمه، إذ لا يستبين الكفر والإيمان إلّا بشهادة اللّسان، وهما غاية الطّاعة والعصيان. وأعصى الأعضاء على الإنسان اللّسان؛ فإنّه لا تعب في إطلاقه ولا مؤنة في تحريكه. وقد تساهل الخلق في الاحتراز عن آفاته وغوائله، والحذر من مصائده وحبائله. وإنّه أعظم آلة للشّيطان في استغواء الإنسان. واللّسان رحْب الميدان، ليس له مردّ، ولا لمجاله منتهى وحدّ. له في الخير مجال رحب، وله في الشّرّ ذيلٌ سحب، فمن أطلق عَذَبة اللّسان، وأهمله مرخيّ العنان سلك به الشّيطان في كلّ ميدان، وساقه إلى شفا جرف هار، إلى أن يضطرّه إلى البوار، ولا يكبّ النّاسَ في النّار على مناخرهم إلّا حصائدُ ألسنتهم، ولا ينجو من شرّ اللّسان إلّا من قيّده بلجام الشّرع، فلا يطلقه إلّا فيما ينفعه في الدّنيا والآخرة، ويكفّه عن كلّ ما يخشى غائلته في عاجله وآجله؛ ذلك أنّ خطر اللّسان عظيم، ولا نجاة من خطره إلّا بالصّمت؛ فلذلك مدح الشّرع الصّمت وحثّ عليه"[ إحياء علوم الدين (3/ 108).]
"إن الكلام ترجمان يعبّر عن مستودعات الضّمائر، ويخبر بمكنونات السّرائر، لا يمكن استرجاع بوادره، ولا يقدر على ردّ شوارده، فحقّ على العاقل أن يحترز من زللّه، بالإمساك عنه، أو بالإقلال منه"[ أدب الدنيا والدين (ص: 340).]
لقد جعل "سبحانه على اللسان غَلْقين: أحدهما: الأسنان، والثاني: الفم، وجعل حركته اختيارية، وجعل على العين غطاء واحداً، ولم يجعل على الأذن غطاء، وذلك لخطر اللسان وشرفه، وخطر حركاته، وكونه في الفم بمنزلة القلب في الصدر وذلك من اللطائف، فإن آفة الكلام أكثر من آفة النظر، وآفة النظر أكثر من آفة السمع، فجعل للأكثر آفاتٍ طبقين، والمتوسط طبقًا، وجعل الأقل آفة بلا طبق"[ أدب الدنيا والدين (ص: 340).] فسبحان الخالق العليم الحكيم!
أيها الفضلاء، إن مما يدل على خطر اللسان: أن نطقه مسجل في صحيفة عمل العبد خيراً أو شراً، قال تعالى: ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ﴾ [الانفطار: 10] ﴿ كِرَامًا كَاتِبِينَ ﴾ [الانفطار: 11] ﴿ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الانفطار: 12]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه: (رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد، ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قال معاذ: بلى، يا رسول الله، قال: كف عليك هذا- وأشار إلى لسانه- قلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟! قال: ثكلتك أمك، وهل يَكب الناسَ في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائدُ ألسنتهم؟!)[ رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه، وهو صحيح.]
وأن الكلمة التي يفوه بها قد تسوقه إلى الجنة أو
تهوي به في نار جهنم، قال النبي صلى الله عليه
وسلم: ( إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفع الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم) [ رواه البخاري.]
ومن ذلك أيضًا: أن أكثر ما يقع زلل الإنسان من قبل لسانه، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه ارتقى الصفا فأخذ بلسانه فقال: يا لسان، قل خيراً تغنم، واسكت عن شر تسلم من قبل أن تندم، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أكثر خطايا ابن آدم في لسانه)[ التبيان في أقسام القرآن (2/ 312).]
ولما كان الأمر كذلك كانت اللسان إذا لم تستقم
شاهدة على صاحبها يوم القيامة، سائقة له إلى النار، قال تعالى: ﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النور: 24]، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس النار؟ فقال: (الفم والفرج)، وسئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة، فقال: (تقوى الله وحسن الخلق)[ رواه الترمذي، وهو حسن.]
فلهذا كله خاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأمة ذرابة الألسنة واعوجاجها، وحث على كفها وإمساكها، فعن سفيان بن عبد اللّه الثّقفيّ رضي اللّه عنه قال: قلت: يا رسول اللّه، حدّثني بأمر أعتصم به. قال: قل: (ربّي اللّه ثمّ استقم). قلت: يا رسول اللّه، ما أكثر ما تخاف عليّ؟. فأخذ بلسان نفسه ثمّ قال: (هذا)[ رواه الترمذي وابن ماجه، وهو صحيح.]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثانية والسبعون بعد المئة في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *شُكرُ الله على نعمة اللسان
إن اللسان جارحة تكسب بنطقها وبصمتها
الحسنات أو السيئات، فطوبى لمن أطلق لسانه في الحق، وحبسها عن الباطل، فعرف الخير فنطق به، وعرف الشر فسكت عن التفوه به.
واعلموا أن للسان عبادات يتقرب بها إلى الله تعالى، فمن ذلك: النطق بالشهادتين، وتلاوة القرآن، وذكر الله تعالى، ودعاؤه والثناء عليه وشكره، وتعلم العلم النافع وتعليمه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقول الحق، ونصرة المظلوم، وإفشاء السلام، وإجابة الوالدين وإسماعهما الكلمات الطيبة، والصمت عن كل ما يغضب الله تعالى من الأقوال، وغير ذلك مما في النطق به أجر، وفي
السكوت عنه ثواب.
فعلى المسلم أن يحرص على هذه الأعمال اللسانية الطيبة ونحوها، ويبادر إليها، وليعلم أن هناك خيراً عظيمًا ينتظره عند الله تعالى بها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن؛ سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)[متفق عليه.]
وعن عبد الله بن بسر رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد كثرتْ عليَّ، فأخبرني بشيء أتشبث به، قال: (لا يزال
لسانك رطبًا من ذكر الله)[ رواه الترمذي، وهو صحيح.]
قال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: قلت لعمير بن هانئ: أرى لسانك لا يفتر عن ذكر الله، فكم تسبح في كل يوم؟ قال: مئة ألف إلا أن تخطئ الأصابع" [مختصر تاريخ دمشق (ص: 2660).]
إن من ينظر إلى معاصي الجوارح يجد أن منها نصيبًا وافراً للسان، فكم منها من الخطايا القولية، والعثرات اللفظية التي أوردت أصحابها موارد الهلكة، فمن تلك الذنوب اللسانية:
الكفر القولي بالله تعالى، والتلفظ بما فيه تنقص من كماله وجلاله سبحانه وتعالى، والطعن في كتبه، والكذب عليه، وقال تعالى: ﴿ وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ ﴾ [النحل: 116].
ومن ذنوب اللسان التي لا تبقي صاحبها في دائرة الإسلام: الطعن في رسل الله وعلى رأسهم سيدنا محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، ومنها الطعن في الإسلام ورميه بألفاظ الاستهزاء وعدم الصلاحية لهذا الزمان. قال تعالى في الذين طعنوا في رسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [التوبة: 65] ﴿ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ﴾ [التوبة: 66].
ومن ذنوب اللسان: تسخط قدر الله، والغيبة والنميمة، والسب والشتم والبذاء، وقذف المحصنين والمحصنات، وشهادة الزور، والكذب، واللعن غير المشروع، وإفشاء الأسرار، وبث التخويف والرعب بين المسلمين، والمراء بالباطل، والحكم بغير ما أنزل الله، والقول على الله بلا علم، والشماتة بالمسلم، والتفوه بألفاظ العجب بالنفس والغرور والتكبر على الخلق بالقول، والمبالغة في مدح البشر، وعقوق الوالدين بالألفاظ كقول: أف وما فوقها من الألفاظ الجارحة، والمن بالعطاء والغش في المشورة والبيع والشراء. وغير ذلك مما فيه سخط الله تعالى وكراهته.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثالثة والسبعون بعد المئة في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *شُكرُ الله على نعمة اللسان
إن من عظيم خطر اللسان، وأثر أقواله في كسب السيئات وقف مراقبًا له، فلا يدعه ينطق بكلمة إلا إذا عرف أنها خير من السكوت وإلا لاذ بحصن الصمت طلبًا للسلامة. وهكذا كان يعمل الصالحون الأولون والعقلاء الفطنون.
فعن إبراهيم التيمي قال: حدثني من صحب ربيع بن خثيم عشرين عامًا فلم يسمع منه كلمة تعاب عليه[ الزهد لابن المبارك (ص: 6).]
وقال أبو بكر بن عيّاش: "اجتمع أربعة.. فقال أحدهم: أنا أندم على ما قلت، ولا أندم على ما لم أقل، وقال آخر: إنّي إذا تكلّمت بكلمة ملكتني ولم أملكها، وإذا لم أتكلّم بها ملكتها ولم تملكني، وقال ثالث: عجبت للمتكلّم إن رجعت عليه كلمته ضرّته، وإن لم ترجع لم تنفعه. وقال الرّابع: أنا على ردّ ما لم أقل أقدر منّي على ردّ ما قلت"[ إحياء علوم الدين (3/ 111).]
أيها الإخوة الفضلاء، إن الإدارات الحديثة تضع قواعد أساسية لسير نظم الحياة والأعمال التي تحت ولايتها حتى تستقيم شؤونها وتسمي مجموع تلك القوانين بالدستور أو غير ذلك من الأسماء، ونحن إذا نظرنا إلى الإسلام سنجد أنه قد جاء من عند الله تعالى بدستور دائم معصوم يحفظ حياة الإنسان في الدنيا ويكون سبب نجاته في الآخرة، ومن خلال النظر في هذا الدستور السماوي العام نرى دستوراً خاصًا باللسان فيه قواعد أساسية لجعل اللسان عضواً صالحًا في بدن الإنسان يقول الخير ويصمت عن الشر، ويكون سببًا لصلاح حياة الإنسان مع ربه ومع أفراد جنسه.
فمن مواد ذلك الدستور المقدس:
المادة الأولى: كل قول تلفظه اللسان مدوّن في صحيفة الأعمال. قال تعالى: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18].
المادة الثانية: مجال القول في الخير فقط، قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل
خيراً أو ليصمت) [ متفق عليه.
المادة الثالثة: النجاة في صمت اللسان عن كل باطل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صمت نجا)[ رواه الترمذي، وهو صحيح.]
المادة الرابعة: حقيقة إسلام المرء سلامة المسلمين من لسانه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) [ متفق عليه.]
المادة الخامسة: حفظ اللسان طريق إلى الجنة، فعن سهل بن سعد رضي اللّه عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة)[ رواه البخاري.]
إن أكثر الناس يقتصدون في استعمال ما فيه حساب مالي وله عدّاد يحسب كمية الاستخدام كالكهرباء والهاتف والجوال وغير ذلك، فلو كان الكلام كذلك لاستعملوا من القول بقدر الحاجة وكان الصمت أكثر أحوالهم، أفما علموا أن نطق اللسان محسوب أيضًا وإن لم يكن له عداد يُرى في الدنيا، لكن فواتير ذلك سُترى بعد الموت.
ألا فلنعلم أن هناك من يعد كلامنا عداً دقيقًا أشد من عدادات خدمات الحياة، والعجيب أننا -نحن المسلمين- ندرك ذلك، غير أن بعضنا مازال يطلق للسانه العنان في كل وادٍ، ولم يقصره على
الحديث في الحق والسكوت في الباطل.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الرابعة والسبعون بعد المئة في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *شُكرُ الله على نعمة اللسان
فهل من وقفة حازمة مع اللسان لنعلم بها متى نتكلم ومتى نسكت، فإن للكلام مواضع وللسكوت مواضع، وبذلك تكون النجاة، وسلامة الجوارح وصلاحها؛ إذ إن الجوارح تتبع اللسان استقامة واعوجاجًا، ففي الحديث: (إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان- أي: تذل له وتخضع- فتقول: اتق الله فينا؛ فإنما نحن بك؛ فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا)[ رواه الترمذي، وهو حسن.] وقال عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه: (اللّسان قوام البدن، فإذا استقام اللّسان استقامت الجوارح، وإذا اضطرب اللّسان لم تقم له جارحة)[ الصمت، لابن أبي الدنيا(ص: 69).] وعن يونس بن عبيد قال: "ما من الناس أحد يكون لسانه منه على بال إلا رأيت صلاح ذلك في سائر عمله"[ الصمت، لابن أبي الدنيا (ص: 70).]
أيها الأحباب الفضلاء، إن من قام على لسانه بالمراقبة، ووقف على حركاتها بالمحاسبة، وألجمها بدوام الخوف من سوء العاقبة ملك أمرَه، وأصلح شأنَه مع الخالق ومع الخلق، وغرس في نفسه الراحة والاطمئنان، وزرع له في قلوب الناس الإجلال والمودة، وكان بذلك قائداً لنفسه، لا مقوداً لها، يتحدث متى ما يريد، ويصمت حينما يشاء من غير أن تغلبه لسانه فينجر وراء أهوائها وفلتاتها.
ولينظر العاقل في العواقب الوخيمة التي تنتج عن هفوات اللسان، فإن فيها عن إطلاق القول مزدجرا، ولصاحب اللب الرشيد معتبرا. فكم من متكلم بباطل جنى به في الدنيا الحسرات والندامة، وكم تحت التراب من نادم ونادمة على إرخاء عنان اللسان وعدم التحرز بالصمت.
احفظْ لسانَك أيُّها الإِنسانُ ******* لا يـلـدغـنّـَك إنـه ثُـعـبـانُ
كم في المقابرِ من قتيلِ لسانِه ******* قد كانَ هابَ لقاءَه الشجعانُ
[ الأذكار النووية للنووي (1/ 424).]
لنعمل بهذه الوصية النافعة التي قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذين الحديثين الشريفين:
فعن الحارث بن هشام رضي الله عنه أنه قال
لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبرني بأمر أعتصم به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أملك هذا) وأشار إلى لسانه [ رواه الطبراني، وهو صحيح.]
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، ما النجاة؟ قال: (أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك) [ رواه الترمذي، وهو صحيح.][الأنترنت - موقع الألوكة - شكر اللسان - عبدالله بن عبده نعمان العواضي]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الخامسة والسبعون بعد المئة في
موضوع الشكور والتي هي بعنوان :
*شكر الله على نعمة القلب
"القلب" كلمة عظيمة يعبر بها الناس عن وسط الأشياء وخيارها، وأحسنها وأفضلها، وقد أخذوا ذلك التعبير من معرفتهم أهمية القلب في بدن الإنسان، ودرايتهم أثرَه على سائر جسمه.
فالقلب هو مركز الحياة في بدن الإنسان وروحه؛ والبدن إنما هو القلب، والروح لا حياة فيها بدون
حياة القلب. والقلب من الناحية البدنية هو عضو عضلي يضخ الدم عبر الأوعية الدموية، ويزود الجسم بالأوكسجين والمغذيات، وبذلك تبقى حياة البدن مرهونة بسلامة القلب؛ فإذا صحَّ صحت، وإذا مرض مرضت، وإذا مات ماتت، وبذلك يحتل موقعًا مهمًا في حياة جسم الإنسان؛ لذا يحرص الناس حرصًا شديداً على سلامته من الأدواء، ويخشون عليه المرض أكثر من غيره من الأعضاء، فإذا سقم لم يتهاونوا في الاستشفاء له، ولو بذلوا في ذلك الأموال الطائلة.
وأما من الناحية الروحية فإن القلب هو المؤثر في الروح صحةً ومرضًا؛ فمتى صح القلب بالإيمان وأعماله صحت الروح، ومتى مرض مرضت.
ولهذا كله أولى أطباء البدن القلب عناية عظيمة؛ حرصًا على سلامة بدن الإنسان، وكذلك اهتم الدين بالقلب اهتمامًا كبيراً؛ من أجل سلامة الروح التي بسلامتها حصول السعادة في الدنيا والآخرة.
عباد الله، إن القلب هو محل الخير والشر، فخيره على الجوارح كلها، وشره كذلك، فإذا صلح صلح الجسد كله، وإذا فسد فسد الجسد كله، كما أخبر نبينا الكريم، عليه الصلاة والسلام.
فلا تخفى بعد هذا أهمية القلب وعلو شأنه، خاصة أن القرآن والسنة قد أكثرا في نصوصهما من ذكر القلب وأحواله وهذا يعزز تلك الأهمية، ففي القرآن العظيم ذكر الله تعالى في آيات عديدة أن القلب هو محل الإيمان أو الكفر أو النفاق، ومحل اللين أو الخشوع أو القسوة، ومحل القبول أو الجحود، ومحل الرحمة أو الفظاظة، ومحل الطهارة أو المرض، ومحل الصبر أو الجزع، ومحل الهداية أو الزيغ. قال تعالى: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [الحديد: 16]، وقال: ﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾ [البقرة: 10]. وقال: ﴿ رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [آل عمران: 8].
وفي السنة الشريفة ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن القلب هو محل الصلاح أو الفساد، ومحل التقوى، ومحل نظر الله من العبد، ومحل التمييز بين البر والإثم، ومحل عرض الفتن عليه أينكرها أم يقبلها، وهذا يدل على أهمية القلب من الناحية الروحية.
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)[ رواه مسلم.]
ولما كان القلب في هذه المنزلة السامية من الأهمية
والأثر كان على الإنسان أن يشكر الله على نعمته عليه بالقلب الذي يصلح به دينه ودنياه، ويسأله أن يعينه على حفظه من كل شر.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السادسة والسبعون بعد المئة في
موضوع الشكور والتي هي بعنوان :
فكيف يكون شكر القلب يا عباد الله؟
إن شكر القلب على وجه العموم: يكون بالحفاظ
على حياته وصحته الإيمانية؛ وبهذا يؤدي حق الله
تعالى وحق خلقه، فتسرع الجوارح إلى الطاعات، وتبطئ عن السيئات، وتكون السعادة في العاجل والآجل، قال ابن القيم: "والمقصود: أن صلاح القلب وسعادته وفلاحه موقوف على هذين الأصلين [كمال حياته ونوره] قال تعالى: ﴿لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [يس: 70]، فأخبر أن الانتفاع بالقرآن والإنذار به إنما يحصل لمن هو حي القلب، كما قال في موضع آخر: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ [ق: 37]. وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [الأنفال: 24]. فأخبر سبحانه وتعالى أن حياتنا إنما هي باستجابتنا لما يدعونا إليه الله والرسول من العلم والإيمان فعلم أن موت القلب وهلاكه بفقد ذلك"[ إغاثة اللهفان، لابن القيم (1/ 21).]
ومن وسائل حصول حياة القلب وصحته: حب الحق وإيثاره على غيره، وقبول ما جاء به، فعلى المسلم أن يوطن قلبه على استقبال نور الحق والعمل به، وأن لا يقدم عليه الباطل مهما كان مغريًا.
ومن تلك الوسائل أيضًا: الحرص على كثرة ذكر الله تعالى وتعظيمه والثناء عليه؛ فإن ذلك للقلب كالماء
للسمك. قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].
ويقول سبحانه في الأمر بالذكر وذكر فائدته: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 152].
ومن ذلك أيضًا: الإكثار من قراءة القرآن قراءةً متأنية متدبرة، تغرس في القلب معاني القرآن وآثاره، وليس قراءة تأتي على الآيات والسور ولا تتجاوز الأبصارَ إلى البصائر، ولا اللسانَ إلى شغاف الجَنان. قال تعالى: ﴿ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24].
ومن وسائل حياة القلوب وصحتها: زرع توحيد الله
ومحبته في القلب، وتعاهد ذلك بالمتابعة والتنمية، فليس هناك "صلاح للقلوب حتَّى تستقرَّ فيها معرفةُ اللهِ وعظمتُه ومحبَّتُه وخشيتُهُ ومهابتُه ورجاؤهُ والتوكلُ عليهِ، وتمتلئَ مِنْ ذَلِكَ، وهذا هوَ حقيقةُ التوحيد، وهو معنى لا إله إلا الله، فلا صلاحَ للقلوب حتَّى يكونَ إلهُها الذي تألَهُه وتعرفه وتحبُّه وتخشاه هوَ الله وحده لا شريكَ له[ جامع العلوم والحكم، لابن رجب (4/ 49).]
ومن الوسائل أيضًا: الزهد عن الدنيا، والرغبة في الآخرة؛ فمن تعلق قلبه بالآخرة وما فيها، وأعرض عن الدنيا وزينتها صلح قلبه واستقام فأدى بذلك
شكر الله تعالى. فهذا من شكر القلب.
أيها الأحبة الفضلاء، إن من جحود النعمة أن يملأ العبد قلبه بمساخط الله، والذنوبُ هي تلك المساخط وهي أمراض القلوب، وليس أضر على القلب من مقارفة الذنب، ولا حياة له إلا بتركه:
رَأَيتُ الذُّنُوبَ تُمِيتُ القُلُوبَ ***** وَقَد يُورِثُ الذُّلَّ إِدمَانُهَا
وَتَركُ الذُّنُوبِ حَيَاةُ القُلُوبِ *******
وَخَيرٌ لِنِفسِكَ عِصيَانُهَا
[ إعلام الموقعين ، لابن القيم (1/ 10).]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السابعة والسبعون بعد المئة في
موضوع الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
كيف يكون شكر القلب يا عباد الله؟
وهذه الذنوب الواردة على القلب قد تكون ذنوب شهوات تعارض الأمر والنهي، وقد تكون ذنوب شبهات تعارض أخبار الوحي. فمن الناس من يعمر قلبه بالكفر أو النفاق أو الشك فيما يجب اليقين به، أو حب البدع والميل إليها.
ومن الناس من يملؤه بأمراض أخرى مثل: الرياء
والعُجب،والحسد والغِل،والكيد والمكر، والقسوة، وحب الفواحش. وهذه الأمراض الباطنة لها أثر كبير على أعمال الجوارح، فما في الجوارح من الاعوجاج إنما هو أثر تلك الأمراض القلبية. ولا سلامة لدين الإنسان وراحة دنياه إلا بالسلامة من تلك الأمراض المهلِكة.
فعلى من يريد قبول عمله الصالح أن ينزع من قلبه العجب به، ومراءاة المخلوقين بعمله؛ فإن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا وابتغى به وجهه، قال تعالى: ﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾ [الزمر: 2-3].
وعلى من أراد الراحة والسعادة، والسلامة من الظلم والحيف أن ينقي قلبه من الحقد والحسد لإخوانه المؤمنين، وأن يحاول الانتصار على نفسه بتطهيرها من هذا الدغل.
وعلى من أراد التأثر بالقرآن والطريق إلى العمل به، وأراد الرحمة بمن يستحقون الرحمة أن ينزع القسوة من قلبه،ويحل محلها اللين لذكرالله وآياته، والعطف على إخوانه المسلمين، قال تعالى: ﴿ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ * اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [الزمر: 22-23].
إن القلب إذا شكر الله تعالى؛ فحُلِّي بما يحب الله تعالى من الأعمال الإيجابية، وخُلِّي عما يكره الله تعالى من الأفعال السلبية فقد صار قلبًا حيًّا صحيحًا. "وحياة القلب وإضاءته مادة كل خير فيه، وموته وظلمته مادة كل شر فيه"[ إغاثة اللهفان، لابن القيم (1/ 23). ]
فـإذا قوي نوره وإشراقه انكشفت له صور المعلومات وحقائقها على ما هي عليه، فاستبان حسنَ الحسن بنوره وآثره بحياته، وكذلك قبح القبيح"[ إغاثة اللهفان، لابن القيم (1/ 21).] وأصبحت حياة القلب هي الطريق إلى الوصول إلى الله تعالى، والتنعم في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فمن كان أتم حياة في قلبه كان أتم حياة في دنياه وآخرته. وبتلك الحياة يصير القلب قلبًا شاكراً،متصفًا بأحسن الصفات،متجملاً بأجمل السمات.
فالقلب الشاكر قلب صالح، وهذا القلب الصالح يعود صلاحه على الجوارح كلها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا وإن في الجسد مضغة؛ إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا
وهي القلب)[ متفق عليه.]
قال ابن رجب رحمه الله: "فإنْ كان قلبُه سليماً، ليس فيه إلا محبة الله ومحبة ما يُحبه الله، وخشية الله وخشية الوقوع فيما يكرهه، صلحت حركاتُ الجوارح كلّها، ونشأ عن ذلك اجتناب المحرَّمات كلها،وتوقٍّ للشبهات؛حذراً مِنَ الوقوعِ في المحرَّمات، وإنْ كان القلبُ فاسداً قدِ استولى عليه اتِّباعُ هواه، وطلب ما يحبُّه، ولو كرهه الله، فسدت حركاتُ الجوارح كلها، وانبعثت إلى كلِّ المعاصي والمشتبهات بحسب اتِّباع هوى القلب؛ ولهذا يقال: القلبُ مَلِكُ الأعضاء، وبقيَّةُ الأعضاءِ جنودُه، وهم مع هذا جنودٌ طائعون له، منبعثون في طاعته، وتنفيذ أوامره، لا يخالفونه في شيءٍ من ذلك، فإنْ كان الملكُ صالحاً كانت هذه الجنود صالحةً، وإنْ كان فاسداً كانت جنودُه بهذه المثابَةِ فاسدةً، ولا ينفع عند الله إلاّ القلبُ السليم"[جامع العلوم والحكم، لابن رجب (8/1).]
والقلب الشاكر متى امتلأ بعظمة الله "محا ذلك مِنَ القلب كلَّ ما سواه، ولم يبقَ للعبد شيءٌ من نفسه وهواه، ولا إرادة إلاَّ لما يريدهُ منه مولاه، فحينئذٍ لا ينطِقُ العبدُ إلاّ بذكره، ولا يتحرَّك إلا بأمره، فإنْ نطقَ، نطق بالله، وإنْ سمِعَ، سمع به، وإنْ نظرَ،
نظر به"[ المرجع السابق (40/ 22).]
والقلب الشاكر راغب في الآخرة، زاهد عن الدنيا، فكلما "صح من مرضه ترحل إلى الآخرة، وقرب منها حتى يصير من أهلها، وكلما مرض القلب واعتل آثر الدنيا واستوطنها حتى يصير من أهلها"[إغاثة اللهفان، لابن القيم (1/ 71).] [الأنترنت – موقع الألوكة - شكر القلب - عبدالله بن عبده نعمان العواضي]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثامنة والسبعون بعد المئة في
موضوع الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي
هي بعنوان :
*نعمة العقل وكيف نحافظ عليها بعد شكر الله عليها
العقل نعمة من نعم الله علينا فبفضله نتمكّن من التّفكير والاستدلال وتمييز الحسَن من القبيح، والخير من الشّر، والحق من الباطل. ، وقد أمر الله تعالى الإنسان باستخدام عقله للاستدلال على الحق وذلك في قوله تعالى (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) وذمّ في المقابل أصحاب العقول الغافلة وشبهههم بالدّواب كما في قوله تعالى (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ).
كيفيّة المحافظة على نعمة العقل : للعقل أهميّة كبيرة في حياة الإنسان لذلك فمن الواجب المحافظة عليه، وذلك بالطّرق الآتية بعد شكر الله :
تحفيز العقل ذهنياَ : تشير الدّراسات أنّ ممارسة الأنشطة الذّهنيّة وتمرين العقل يساعد في بناء الدّماغ، ويحفّز تكوين اتصالات بين الخلايا العصبيّة، وربما يساعد على توليد خلايا جديدة، ومن الأنشطة التي تفيد الدّماغ : القراءة، الاشتراك بدورات تدريبيّة لتعلّم أشياء جديدة، وحل الألغاز، والرّسم. ممارسة التّمارين الرّياضيّة: تساعد ممارسة التّمارين الرّياضّية على تحسين وظائف الدّماغ، فهي تزوّد المناطق المسؤولة عن التّفكير بالدّم الغني بالأكسجين، وتحفّز تطوير خلايا عصبيّة جديدة، وتعزّز التّواصل بين الخلايا العصبيّة، وتحد من الإجهاد الذّهني، وتزيد من حجم مناطق الدّماغ المسؤولة عن الذّاكرة والانتباه، وتشير الدّراسات أنّ الأنشطة الهوائيّة مثل الرّكض، والمشي السّريع، وركوب الدّراجات تزيد من تكوين بروتين يُسمى عامل التّغذية العصبيّة المستمّد من الدّماغ الذي يزيد من نمو الخلايا العصبيّة. التّغذية الجيدة: تناول وجبات غذائيّة غنيّة بالفاكهة، والخضراوات، والأسماك، والمكسرات، وزيت الزّيتون والمصادر
النّباتيّة للبروتينات يقي من الخرف ومشاكل الإدراك.
خفض ضغط الدّم: ينُصح بتجنّب العوامل التي تعمل على رفع ضغط الدّم مثل، التّوتّر، وتناول الكحول، وذلك لأنّ الضّغط المرتفع يزيد من خطر التّدهور المعرفي مع التّقدّم بالعمر، وللمحافظة على مستوى ضغط الدّم المناسب ينُصح بممارسة التّمارين الرّياضيّة باستمرار، وتناول الغذاء الصّحي.
خفض سكر الدّم: عند ارتفاع نسبة السّكر في الدّم تزداد فرصة الإصابة بمرض الخرف، لذلك يُنصح بممارسة التّمارين الرّياضيّة، وتناول غذاء صحي لتجنّب ارتفاع نسبة السّكر في الدّم.
خفض الكولسترول: يرتبط ارتفاع الكولسترول الضّار بمرض الخرف، ولتجنّب ارتفاع نسبة الكولسترول في الدّم يُنصح بالامتناع عن التّدخين، وتجنّب السّمنة، ويُنصح بممارسة التّمارين الرّياضيّة، واتباع نظام غذائي صحي.
الامتناع عن التّدخين والكحول: يرتبط الإفراط في تناوّل الكحول بمرض الخرف، لذلك يُنصح بالتخفيف من تناوله، كما يُنصح بالامتناع عن التّدخين للمحافظة على صحة الدّماغ.
التّخلّص من المشاعر السّلبيّة: تؤدي بعض المشاكل مثل القلق، ونقص النّوم، والإرهاق لاختلال وظائف الدّماغ المعرفيّة، لذلك لا بد من التّخلّص من المشاعر السّلبيّة لتعزيز الصّحة العقليّة.
تجنّب إصابات الرّأس: يجب حماية الرّأس من الإصابات والصّدمات؛ لأنّها قد تزيد من خطر الإصابة بضعف الإدراك. بناء علاقات اجتماعيّة: يمكن للعلاقات الاجتماعيّة أن تقلّل من خطر الإصابة بالخرف، وارتفاع ضغط الدّم.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة التاسعة والسبعون بعد المئة في
موضوع الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي
هي بعنوان :
*نعمة العقل وكيف نحافظ عليها بعد شكر الله عليها
قراءة الكتب الخياليّة: تسبب قراءة الكتب الخيالية زيادة في نشاط الدّماغ، وتزيد من القدرة على تحليل البيانات، وهو ما يمكن أن يتحقق أيضاَ عن طريق خوض تجارب غير اعتياديّة مثل زيارة بلاد مختلفة من حيث اللغة والعادات.
الكتابة : تشير دراسة أُجريت في جامعة إنديانا أنّ الكتابة باستخدام القلم (وليس الطّباعة، أو كتابة الرّسائل النّصيّة) تحفّز مناطق الدّماغ
المسؤولة عن التّفكير، واللغة، والذّاكرة.
أغذية تحفّز القدرات العقليّة تساهم بعض الأغذية التي يتناولها الإنسان في الحفاظ على صحة الدّماغ وتحسين بعض القدرات العقليّة مثل الذّاكرة والتّركيز، ومن هذه الأغذية :
الأسماك الزّيتيّة: تحتوي الأسماك الزّيتية مثل السّلمون، والسّلمون المرقّط، والسّردين على أوميغا 3 الضّروري لبناء خلايا الدّماغ والخلايا العصبيّة، كما أنّ تناول الأسماك يحسّن من القدرة على التّعلم والذّاكرة، ويبطئ من التّراجع العقلي المرتبط بالتّقدّم بالعمر، ويساعد في الوقاية من
مرض الزّهايمر .
القهوة: تحتوي القهوة على كافيين ومضادات أكسدة، ويرتبط تناول القهوة بتنبيه الدّماغ، وتعزيز المزاج الجيد، وتقليل مخاطر الإصابة بالأمراض العصبيّة، مثل مرض باركنسون ومرض الزّهايمر.
التّوت البري: يحتوي التّوت على مركبات نباتيّة مضادة للالتهابات والأكسدة؛ لذا فتناوّل التّوت يقي من الأمراض العصبيّة التّنكسية، ويحسّن الذّاكرة، ويحسّن القدرة على التّواصل بين خلايا المخ.
الكركم: يحتوي الكركم على مركب الكركمين المضاد للأكسدة والالتهابات، ويُعتقد أنّ الكركمين له دور في تحسين الذّاكرة ويساعد على نموّ خلايا الدّماغ الجديدة ويعزز إفراز كل من السّيروتونين والدّوبامين اللذين يحسنان المزاج ويحاربان الاكتئاب. البروكلي: يحتوي البروكلي على فيتامين K الضّروري لتكوين الدّهون التي تدخل في تركيب خلايا المخ والتي تُعرف باسم الشحميّات السّفينجوليّة ، كما أنّ فيتامين K قد يكون له دور في تحسين الذّاكرة، ويحتوي البروكلي أيضاَ على عدد من المركبات المضادة للالتهابات والأكسدة، والتي قد تساعد على حماية الدّماغ من التّلف.
بذور اليقطين: بذور اليقطين غنيّة بعدة معادن
منها الزّنك الضّروري لتوجيه الإشارات العصبيّة، وللوقاية من مرض الزّهايمر، والاكتئاب، ومرض باركنسون، ومن المعادن الأخرى التي توجد في بذور اليقطين المغنيسيوم الضّروري للتعلم والذّاكرة، وللوقاية من العديد من الأمراض العصبيّة، بما في ذلك الصّداع النّصفي والاكتئاب والصّرع، والنّحاس الذي يساعد على التّحكم في الإشارات العصبيّة، والحديد الذي يعزّز وظائف الدّماغ، بالإضافة لاحتواء بذور اليقطين على مضادات الأكسدة القوية التي تحمي الجسم والدّماغ من أضرار الجذور الحرة.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثمانون بعد المئة في موضوع الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
*نعمة العقل وكيف نحافظ عليها بعد شكر الله عليها
الشّوكولاته الدّاكنة: تشير الدّراسات إلى أنّ تناوّل الشّوكولاتة الدّاكنة يمكن أن يعزّز المزاج، وتحتوي الشّوكولاتة على مركبات مثل الفلافونويدات التي تساعد على إبطاء التّراجع العقلي المرتبط بالتقدّم بالعمر، كما أنّها تتجمع في مناطق الدّماغ التي تتعامل مع التّعلم والذّاكرة، كما أنّ الشّوكولاتة الدّاكنة تحتوي على الكافيين ومضادات الأكسدة.
المكسرات: تحتوي المكسرات على العديد من المواد المفيدة مثل الدّهون الصّحيّة، ومضادات
الأكسدة، وفيتامين E الذي يحمي أغشية الخلايا من أضرار الجذور الحرة، وتفيد الدّراسات أنّ تناول المكسرات يقوي الذّاكرة عند النساء، ويمكن أن يحسّن الإدراك، وتساعد في الحماية من الأمراض العصبيّة التّنكسيّة. البرتقال: يحتوي البرتقال على نسبة عالية من فيتامين C وهو أحد مضادات الأكسدة القويّة التي تساعد على محاربة الجذور الحرّة التي يمكن أن تضر خلايا الدّماغ، لذلك فهو يقوم بالحماية من التّراجع العقليّ المرتبط بالعمر، ومرض الزّهايمر، ومن المصادر الأخرى لفيتامين C كل من الفلفل، والجوافة، والكيوي، والطّماطم، والفراولة.
البيض: يحتوي البيض على الكولين الذي يُستخدم في الجسم لتكوين أستيل كولين، وهو ناقل عصبي يساعد على تنظيم المزاج والذّاكرة، والبيض غني أيضاَ بفيتامينات B مثل فيتامين B9 (الفولات) وفيتامين B12 الذين يعززان المزاج ويقيان من الاكتئاب، وتساعد فيتامينات B في الحد من التّراجع العقلي المرتبط بالعمر.
الشّاي الأخضر: يحتوي الشّاي الأخضر على
عدد من المركبات المفيدة لصحة الدّماغ، مثل الكافيين المعروف بدوره في تحسين اليقظة والأداء، والذّاكرة، والتّركيز، ومثل الحمض الأميني إل-ثّاينين الذي يزيد نشاط النّاقل العصبي GABA، مما يساعد على تقليل القلق، ويحفّز الجسم على الاسترخاء، هذا بالإضافة لاحتواء الشّاي الأخضر على مادة البوليفينول ومضادات الأكسدة التي تحمي الدّماغ من تدهوّر الحالة العقليّة، والحد من مخاطر مرض الزّهايمر ومرض باركنسون.
[الأنترنت – موقع موضوع - نعمة العقل وكيف نحافظ عليها - بواسطة: عاتكة البوريني ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الواحدة والثمانون بعد المئة في
موضوع الشكور والتي هي بعنوان :
* شكر الله على نعمة الهواء
عندما ننظر الى النعم التي أعطاها الله لنا نجدها لا تحصى، فكل ما نحن فيه خير من نعم الله، فكما ذكرنا في مقالات سابقة، فإن النعم منها ما هو ظاهر ومنها ما هو باطن، وقد تحدثنا عن بعض هذه النعم، ومن النعم الباطنة نعمة الهواء، ربما يكون الأمر غريبا عند البعض لقولنا بأن الهواء نعمة، أقولها بكل ثقة إن الهواء نعمة بل نعمة عظيمة، وهل رأى أحد الهواء؟ بالتأكيد لا يراه أحد ولكن نحس به، والهواء الذي يحيط بنا هو مجموعة من الغازات تتكون بفعل التفاعلات الكيميائية، وهذه الغازات هي غاز النيتروجين والأوكسجين والهيدروجين وثاني أكسيد الكربون وبخار الماء بالإضافة الى ذرات بعض المواد، فأبسط شيء يؤكد أهمية الهواء هو المكان الذي نعيش فيه، فلولا أن جعل الله الهواء يملأ الفراغ، لانهار المكان فوق رؤوس ساكنيه، فأي مكان يفرغ من الهواء ينهار بسهولة، فنحن اذا أحضرنا بالونا ثم ملأناه بالهواء فسينتفخ وبعد ذلك اذا قمنا بتفريغ الهواء فهل سيبقى البالون منتفخا؟ بالطبع لا، واذا تعمقنا أكثر فإننا سنجد أن الهواء هو مصدر الحياة على الأرض، فغاز النيتروجين له أهمية كبرى لكل نظام حيوي على الأرض من انسان وحيوان ونبات، والكلام عن ذلك يطول ويطول، ولذلك يشكل النيتروجين النسبة الأكبر في تكوين الهواء حوالي 78%، ثم اذا نظرنا الى الغاز الثاني وهو الأكسجين فهو كما أطلق عليه أكسير الحياة، فهل يمكن لأي إنسان أو شيء فيه حياة أن يعيش بدون أكسجين؟ طبعا الإجابة معروفة، مجرد قطع الأكسجين عن أي شيء حي لدقائق معدودة، تكون نهاية هذا الحي محتومة، لأن الأكسجين هو الذي يحمله الدم لكي يساعد في عملية إنتاج الطاقة التي يحتاج اليها الجسم لكي يقوم بعمله بكفاءة، انظروا اليوم الى التلوث البيئي وازدياد عملية الاحتباس الحراري.. كل ذلك يؤثر على نسبة الأكسجين في الجو، فإذا قلّ الأكسجين تقلّ معه طاقة الإنسان، وترى الإنسان خاملا متعبا. شيء آخر، لا يمكن إشعال أي شيء إلا في وجود الأكسجين، كلنا جرب أن يوقد عود الثقاب ثم يقوم بمنع الهواء عنه، مباشرة سينطفئ لأن الأكسجين قد منع عنه، المريض في بعض الأحيان يتم مده بالأكسجين اللازم للتنفس، حتى يتم إنقاذ حياته، هذا قليل من كثير حول الأكسجين، ويكفي الأكسجين نعمةً وجودة كأحد عنصري الماء، وما أدراك ما الماء، كما قال الحق: «وجعلنا من الماء كل شيء حيّ».. وسوف نخصص مقالة عن نعمة الماء بمشيئة الله تعالى، ثم ننتقل الى العنصر الآخر في تركيب الهواء الا وهو الهيدروجين، وهو العنصر الثاني مع الأكسجين مكوني الماء، كما ذكرنا سالفا، وغاز الهيدروجين له من الفوائد الكثير، فهو أحد مصادر الحياة على الأرض، لأن الهيدروجين هو المكون الرئيسي للشمس، وما أدراك ما الشمس، فقد أقسم الحق سبحانه بها لعظمها وأهميتها للحياة على الأرض فقال الحق «والشمس وضحاها»، فالشمس كما يقول العلماء هي نجم مكون من الهيدروجين، الذي يتفاعل تفاعلا نوويا اندماجيا فتنتج عن هذا الاندماج النووي طاقة هائلة يصل الى الأرض منها الجزء الذي يكفي الحياة على الأرض، وهذا من فضل الله علينا، لأنه لو وصلتنا كمية الطاقة الهائلة التي تنتجها الشمس لاحترقت الأرض بمن عليها، ووجود الهيدروجين كعنصر أساسي في تركيب بعض المواد الكيميائية شيء عظيم ومهم أيضا، هذا قليل من كثير حول الهيدروجين، ثم اذا نظرنا الى غاز ثاني اكسيد الكربون، وهو الغاز الذي له نفع كبير، وكذلك له ضرر كبير ايضا، فكيف ذلك؟ نفعه كبير لدخوله في كثير من الصناعات المهمة للإنسان، ثم النفع الأكبر لكل حي على الأرض، الا وهو وجوده كمركب اساسي في عملية البناء الضوئي، وهي العملية التي تسهم في وجود الحياة على الأرض بإذن الله، ففيها يقوم النبات بأخذ هذا الغاز من الهواء ثم يتفاعل مع الماء في الطاقة الشمسية، فينتج عن ذلك غاز الأكسجين الذي تكلمنا عنه سالفا، وكذلك تنتج المواد السكرية التي يحتاج اليها النبات، ويكون نفع غاز ثاني اكسيد الكربون إذا بقي عند حد معين وهو كما حدده العلماء يتراوح بين 350 و400 جزء من المليون من وحدة قياس الوزن، فإذا زاد على ذلك، وهذا قد حدث بالفعل، بسبب التلوث البيئي والفساد الذي أحدثه الإنسان في الأرض، ازداد انبعاث هذا الغاز وأصبح مصدرا للضرر، وذلك لأنه أدى الى ارتفاع درجة حرارة الأرض، فنتج عن ذلك ضرر كبير لكل ما على الأرض من أحياء، وها هو العالم اليوم يبحث عن حلول لتقليل انبعاثات هذا الغاز حتى تتم السيطرة على كميته في الهواء، فيقل الخطر على الأرض وما عليها، هذا غيض من فيض حول أهمية الهواء كنعمة عظيمة، وهبها الله لكل ما على الأرض، فلك الحمد والشكر يا رب على نعمة الهواء.
[الأنترنت – موقع أخبار الخليج - لنتذكر شكر نعم الله علينا: نعمة الهواء بقلم: أ. د. أمين عبداللطيف المليجي ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثانية والثمانون بعد المئة في
موضوع الشكور والتي هي بعنوان :
* نعمة الماء والحفاظ عليها وشكرها في الإسلام
العنصر الأول: أهمية الماء في حياة الإنسان
إن الماء نعمةٌ من الله عظيمةٌ وهبةٌ من المولى جزيلة؛ به تدوم الحياة وتعيش الكائنات وتخضر الأرض وتنبت من كل زوج بهيج؛ وهو عنصر الحياة وسبب البقاء، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ}(الأنبياء: 30) ؛ وبه تعقد الآمال وتطيب النفوس وتهدأ الخواطر وتتفاءل الأرواح وتنشر الرحمة؛ قال تعالى:{ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} (الشورى: 28) وهو أغلى من المُلك وأثمن من الجواهر وهو نعمة الله الكبرى ومنتهِ العظمى؛ قال تعالى:{ أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ} (الواقعة: 68، 69)…
ومما يؤكد أنه أغلى من الملك هذه القصة الرائعة: فقد روي أن ابن السماك دخل على هارون الرشيد الخليفة العباسي يوما؛ فاستسقى الخليفة فأُتى بكأس بها؛ فلما أخذها قال ابن السماك : على رسلك يا أمير المؤمنين! لو منعت هذه الشربة بكم كنت تشتريها؟! قال: بنصف ملكي. قال: اشرب هنأك الله تعالى يا أمير المؤمنين. فلما شربها قال: أسألك بالله لو منعت خروجها من بدنك بماذا كنت تشترى خروجها؟! قال: بجميع ملكي. قال ابن السماك : لا خير في ملك لا يساوي شربة ماء. فبكى هارون الرشيد …
يا الله ملك يمتد من الصين شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً لا يساوي شربة ماء ..
عباد الله: إن الماء أصل المعاش وسبيل الرزق، يقول عمر رضي الله عنه: ” أينما كان الماء كان المال، وأينما كان المال كانت الفتنة.”
الماء تنزل من السماء، وتخرج من الأرض، وتتشقق منها الجبال، وتتصدع منها الحجارة؛ طالما تلذذ بذكرها الأدباء، وتغنى بسلسبيل نظمها الشعراء؛ تصورها يرطب القلوب، وذكرها يهز النفوس، بل إنها -بإذن الله- حياة الروح والبدن. إن ذكر الماء في كتاب الله بمفرداته ومكوناته من البحار والأنهار والسحاب يدل على عظم أثره في حياة البشرية.
هذا السائل المبارك هو أغلى ما تملك الإنسانية لاستمرار حياتها بإذن الله، أدرك ذلك الناس كلهم كبيرهم وصغيرهم عالمهم وجاهلهم، حاضرهم وباديهم، عرفوه في استعمالاتهم وتجاربهم وعلومهم، إن خف كان سحاباً، وإن ثقل كان غيثاً ثجاجاً، وإن سخن كان بخاراً، وإن برد كان ندى وثلجاً وبرداً؛ تجري به الجداول والأنهار، وتتفجر منه العيون والآبار، وتختزنه تجاويف الأرض والبحار: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ [الحجر:22] وقال تعالى: {وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ} [المؤمنون:18]. إن السعي في حصر خصائصه ووظائفه ومنافعه وفوائده تعجز الحاصرين، فلا شراب إلا بماء، ولا طعام إلا بالماء، ولا دواء إلا بالماء ولا نظافة إلا بالماء، ثم لا زراعة إلا بالماء، بل ولا صناعة إلا بالماء. لم تنقص قيمته لا بتقدم الإنسانية ولا بتخلفها، بل لقد زادت أهميته ثم زادت، حتى صاروا يتحدثون عن الأمن المائي
والصراع على موارد المياه ومصادرها ومنابعها.
الماء هو عماد اقتصاد الدول، ومصدر رخائها ، بتوافره تتقدم وتزدهر، وبنضوبه وغوره وشح موارده تحل الكوارث والنكبات: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} [الملك:30].. { وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} [المؤمنون:18] كما تبرز أهمية الماء في أنه يغطى 71% من مساحة الأرض، كما يرى البعض أنه من المتوقع أن تندلع الحروب في المستقبل القريب بسبب الصراع على الموارد المائية, نظراً لتقلص حجمها وكميتها، وانخفاض جودتها بسبب التلوث, ولذلك فإن الدول تشرع القوانين للحفاظ على الماء وصيانته من التلوث، لكن هذه القوانين غير كافية، ولا بد من وجود الوازع الديني للحفاظ على الماء، وقد سبقت الشريعة الإسلامية القوانين الوضعية في الإشارة إلى أهمية الحفاظ على الماء.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثالثة والثمانون بعد المئة في
موضوع الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
* نعمة الماء والحفاظ عليها وشكرها في الإسلام
إن الماء ليس ملكاً لأحد بل هو منة وعطية للخالق – عز وجل- للناس جميعاً فيقرر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك صراحة في حديثه الصحيح «إن الناس شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار» (سنن ابن ماجه). وموجب هذه المشاركة ألا يتعدى إنسان على حق الآخرين في استعمال الماء سواءٌ في كمه أو كيفه.
لذلك نهى الإسلام عن منع الماء عن المحتاجين إليه، وذلك للحفاظ على أرواحهم من الإهلاك، وتوعد المانعين بالعذاب الأليم في الآخرة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ: رَجُلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى وَهُوَ كَاذِبٌ ؛ وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ؛ وَرَجُلٌ مَنَعَ فَضْلَ مَاءٍ فَيَقُولُ اللَّهُ الْيَوْمَ أَمْنَعُكَ فَضْلِي كَمَا مَنَعْتَ فَضْلَ مَا لَمْ تَعْمَلْ يَدَاكَ ” (رواه البخاري ومسلم)
ولأهمية الماء في جميع شئون حياتنا أن الله جعله ليس له لون ولا طعم ولا رائحة!! فلو كان للماء لون لتشكلت كل ألوان الكائنات الحية بلون الماء الذي يشكل معظم مكونات الأحياء {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ}(الأنبياء: 30) ؛ ولو كان للماء طعم لأصبحت كل المأكولات من الخضار والفواكه بطعم واحد وهو طعم الماء فكيف يستساغ أكلها؟!! {يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}( الرعد: 4) ؛ ولو كان للماء رائحة لأصبحت كل المأكولات برائحة واحدة فكيف يستساغ أكلها بعد ذلك؟! لكن حكمة الله فى الخلق اقتضت أن يكون الماء الذى نشربه ونسقى به الحيوان والنبات ماء عذبًا أى بلا لون ولا طعم
ولا رائحة. فهل نحن أدينا للخالق حق هذه النعمة فقط؟! ولم تقف الحكمة فى ماء الحياة! ولكن انظر إلى هذه المياه المختلفة، ماء الأذن مر ؛ وماء العين مالح ، وماء الفم عذب! فاقتضت رحمة الله أنه جعل ماء الأذن مرًا فى غاية المرارة: لكى يقتل الحشرات والأجزاء الصغيرة التى تدخل الأذن، وجعل ماء العين مالحًا: ليحفظها لأن شحمتها قابلة للفساد فكانت ملاحتها صيانة لها، وجعل ماء الفم عذبًاَ: ليدرك طعم الأشياء على ما هى عليه إذ لو كانت على غير هذه الصفة لأحالها إلى غير طبيعتها. حقًا لا نملك إلا أن نقول: سبحان الله.
العنصر الثاني: دعوة الإسلام إلى المحافظة على الماء وعدم الإسراف فيها.
دعا الإسلام إلى نظافة المياه وذلك بالمحافظة على تنقيتها وطهارتها، وعدم إلقاء القاذورات والمخلفات والبقايا فيها، باعتبار أن الماء أساس الحياة، وقد جاءت أوامره صلى الله عليه وسلم ناهية عن أن يُبال في الماء الراكد، فَعَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ” أَنَّهُ نَهَى عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ” (مسلم) ، كما يشمل النهي البول في الماء الجاري وفي أماكن الظل باعتبارها أماكن يركن إليها المارة للراحة من وعثاء السفر، وعناء المسير، وربما لأن الشمس لا تدخلها فلا تتطهر فتصبح محط الأوبئة وموضع الأمراض، وفي الحديث: ” لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ ” (متفق عليه عن أبي هريرة). والعلة من ذلك حتى لا تنتشر الأمراض والجراثيم، وبهذا سبقت السنّة بالحث على حماية البيئة من التلوث، بل عُدَّ للمقصر في الطهارة عذابٌ أليم، فَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ مَرَّ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ:”إِنَّهُمَا
لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا هَذَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ وَأَمَّا هَذَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ”( متفق عليه)
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الرابعة والثمانون بعد المئة في موضوع الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
* نعمة الماء والحفاظ عليها وشكرها في الإسلام
كذلك نهى صلَّى الله عليه وسلَّم عن الإسراف في الوضوء؛ فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: “جاء أعرابِيٌّ إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يسأله عن الوضوء؟ فأراه الوضوء ثلاثًا، ثم قال: هكذا الوضوء، فمن زاد على هذا، فقد أساء، وتعدَّى، وظلم”( قال الألباني: حسن صحيح) وإذا كان هذا في شأن عبادة، فما ظنك بما دون العبادة.
وعن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بسعد، وهو يتوضأ، فقال: “ما هذا السرف؟! فقال: أفي الوضوء إسراف؟، قال: نعم، وإن كنت على نهر جارٍ”( ابن ماجه وحسنه الألباني في الصحيحة)
كما نهى النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – المؤمنَ أن يزيد على وضوئه ثلاث مرات؛ فعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه، قال: “جاء أعرابيٌّ إلى النبيِّ – صلى الله عليه وسلم – يسأله عن الوضوء، فأراه الوضوء ثلاثًا ثلاثًا”، ثم قال: (هكذا الوضوء؛ فمَن زاد على هذا، فقد أساء، وتعدَّى، وظَلَم”( النسائي)
قال البخاري: “بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ فرض الوضوء مرة
مرة، وتوضَّأ أيضًا مرتين وثلاثًا، ولم يزد على ثلاث، وكره أهل العلم الإسراف فيه، وأن يجاوزوا فعل النبي صلى الله عليه وسلم” (صحيح البخاري)، فالماء نعمةٌ عُظمى، وهبةٌ ومنحةٌ كبرى، ورسولنا – صلَّى الله عليه وسلَّم – ضرب للأمة أروعَ الأمثلة في المحافظة على هذه النعمة، فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: “كان النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – يتوضأ بالمُد، ويغتسل بالصَّاع، إلى خمسة أمداد”؛ ( رواه مسلم) ، وعن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يجزئ من الوضوء مدٌّ، ومن الغسل صاع، فقال رجل: لا يجزئنا، فقال: قد كان يجزئ من هو خير منك، وأكثر شعرًا، يعني النبي صلى الله عليه وسلم” (صححه الألباني في صحيح ابن ماجه)
أيها المسلمون: إن الإنسان المعاصر قد وصل استهلاكه للماء إلى أرقام من الإسراف مخيفة، وبخاصة ما يصرف في الاستحمام والمراحيض والسباحة، وسقي الحدائق وأمثالها، فأما المستعمل في الشرب والطهي فلا يتجاوز نسبة (2%).
إن عقيدتنا بربنا سبحانه وتعالى، واعتمادنا عليه كبير، فهو سبحانه يصرف الماء بين الناس ليذكّروا، ولكن الأخذ بالأسباب، والسلوك على نهج محمد صلى الله عليه وسلم في التوسط والقصد والبعد عن الإسراف هو المنهج الحق، لا فضل للأمة في أن تبدد خيراتها بيديها، ولكن الفضل كل الفضل أن تكون قوية مسيطرة على أمورها، متحكمة في نظمها، حازمة في تدبير شئونها.
إن الأمة تملك عزها، وتحفظ مجدها، بالحفاظ على ثرواتها ومواردها، والتحكم بما في يديها؛ وإن الأمة إذا وقعت في عسر بعد يسر، تجرعت مرارة الهوان المصحوبة بحسرات الندم، فالإسراف يفضي إلى الفاقة، وبالإسراف تهدر الثروات، وتقوض البيوتات، وفي عواقبه البؤس والإملاق، يقول الله: { وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ} [الشعراء:151-152].
العنصر الثالث: شكر نعمة الماء
لقد أنعم الله علينا بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصى، قال تعالى: { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } (إبراهيم: 34)، وقال سبحانه: { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } (النحل: 18). وهنا وقفة لطيفة، فتجد أن الله ختم الآيتين بخاتمتين مختلفتين؛ ففي سورة إبراهيم ختمت بقوله تعالى: {إن الإنسان لظلوم كفار}، وأما في سورة النحل فختمت بقوله تعالى: {إن الله لغفور رحيم} فما تعليل ذلك؟ ولتلمس العلة في ذلك- والله أعلم- أنقل ما ذكره الطاهر بن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير حيث يقول: «وقد خولف بين ختام هذه الآية (آية النحل)، وختام آية سورة إبراهيم؛ إذ وقع هنالك {وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار} لأن تلك جاءت في سياق وعيد وتهديد عقب قوله تعالى: { ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرًا} فكان المناسب لها تسجيل ظلمهم وكفرهم بنعمة الله. وأما هذه الآية فقد جاءت خطابًا للفريقين، كما كانت النعم المعدودة عليهم منتفعًا بها كلاهما. ثم كان من اللطائف أن قوبل الوصفان اللذان في آية سورة إبراهيم {لظلوم كفار} بوصفين هنا {لغفور رحيم} إشارة إلى أن تلك النعم كانت سبب لظلم الإنسان وكفره، وهي سبب لغفران الله ورحمته. والأمر في ذلك منوط بعمل الإنسان».
وأقف وقفة عند قول الإمام ابن عاشور : ” والأمر في ذلك منوط بعمل الإنسان” فأقول: الماء نعمة فإذا استخدمته في طاعة وحافظت عليه فقد شكرت النعمة وأديت حقها؛ فبذلك تنال الرحمة والمغفرة {إن الله لغفور رحيم}!! أما إذا استخدمته في معصية وأسرفت فيه؛ فقد ظلمت نفسك وكفرت بالنعمة ولم تؤد حقها فبذلك دخلت في دائرة الظلم والكفران { إن الإنسان لظلوم كفار}!! فالأمر في ذلك منوط بعمل الإنسان!! وقس على ذلك بقية النعم من المال والتكنولوجيات الحديثة من النت والدش والفيس بوك والمحمول والبلوتوث وغير ذلك.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة ا لخامسة والثمانون بعد المئة في
موضوع الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
* نعمة الماء والحفاظ عليها وشكرها في الإسلام
إن الشكر لا يكون باللسان وإنما بالعمل؛ فقد خص الله سيدنا سليمان وابنه داود عليهما السلام بمعجزات من عناصر البيئة لاختبارهما وامتحانهما، فقال على لسان سليمان بعد ذكر النعم عليه { قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ } (النمل : 40) { وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11) وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12) يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } ( سبأ : 10 – 13)
فالله أمر آل داوود بالعمل شكراً، لأن هناك فرقاً بين شكر القول وشكر العمل، فشكر القول باللسان يسمي حمداً وبالعمل يسمي شكراً ، لذلك قال: اعملوا ، ولم يقل: قولوا شكراً، لأن الشاكرين بالعمل قلة، لذلك زيل الآية بقوله: { وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} وقد مر سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذات يوم برجل في السوق فإذا بالرجل يدعو ويقول : ( اللهم اجعلني من عبادك القليل .. اللهم اجعلني من عبادك القليل ) فقال له سيدنا عمر: من أين أتيت بهذا الدعاء؟ فقال هذا الرجل: إن الله يقول في كتابه العزيز : { وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ }، وقال: { إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} ( ص : 24 )، فأسأل الله أن يجعلني من هؤلاء القليل، فبكى سيدنا عمر وقال: كل الناس أفقه منك يا عمر.
فشكر النعمة استخدامها فيما خلقت له؛ فإذا
أكرمك الله بمالٍ فلا تنفقه في حرام ، وإذا أنعم الله عليك بتلفازٍ فلا تستعمله في حرام، وشبكة الانترنت تستخدمها في الدعوة إلى الله، ..……إلخ ، لأن شكر هذه النعم استخدامها في طاعة الله، وكفرها استخدامها في الفساد والإفساد ، وقد وعدنا الله بالمزيد إن شكرنا، وبالعذاب إن قصرنا حيث قال: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} (إبراهيم: 7) إذاً فالمــاء نعمة عظيمة تحتاج إلى الشكر وإنَّ شُكْرَ اللهِ تباركَ وتعالَى على نِعْمَةِ الماءِ لا يقتصرُ على الشُّكْرِ باللسانِ، بلْ يَتعدَّاهُ إلى الشُّكْرِ بِحُسْنِ التَّصرُّفِ فيهِ وحُسْنِ استِغْلاَلِه، والاقتصادِ والتَّرشِيدِ في استِعمالِه، فأَيُّ إِسْرافٍ في استِعْمَالِ الماءِ هوَ تصرُّفٌ سيّءٌ وسلوكٌ غيرُ حَميدٍ، جاءَ النهيُ عنهُ صَرِيحاً في القُرآنِ المجيدِ، يقولُ اللهُ تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (الأعراف:31) وإذا كانَ الإسرافُ في استعمالِ الماءِ لِلشُّربِ مَنْهيّاً عنهُ وممنوعاً مِنْهُ فإِنَّ استعمالَه بإِسْرافٍ في مجالاتٍ أُخْرَى أَكْثَرُ مَنْعاً وأشدُّ خَطَراً.
العنصر الرابع : الذنوب والمعاصي وأثرها على حجب نعمة الماء
أختم حديثي مع حضراتكم بهذا العنصر الهام والذي له علاقته الوثيقة بواقعنا المعاصر، لأن
المعاصي والذنوب وارتكاب المحرمات لها أثرها السيئ في حجب النعم والبركات عامة ونعمة الماء والمطر خاصة؛ وقد تضافرت نصوص القرآن والسنة وأقوال سلف الأمة في ذلك.
قال تعالى في النعم والبركات عامة ومنها الماء:{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }(الأعراف: 96)، وقال في الماء خاصة:{ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً} [الجـن:16]. ومن السنة ما روي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” قَالَ رَبُّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ: لَوْ أَنَّ عِبَادِي أَطَاعُونِي لَأَسْقَيْتُهُمْ الْمَطَرَ بِاللَّيْلِ وَأَطْلَعْتُ عَلَيْهِمْ الشَّمْسَ بِالنَّهَارِ ؛ وَلَمَا أَسْمَعْتُهُمْ صَوْتَ الرَّعْدِ ” ( رواه أحمد والحاكم وصححه ).
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : ” يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ : خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ : لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلاَفِهِمُ الِّذِينَ مَضَوْا ، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلاَّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَؤُنَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ وَلَوْلاَ الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا ، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ ” ( حسَّنه الألباني في صحيح ابن ماجه” .)
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة ا لسادسة والثمانون بعد المئة في
موضوع الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
* نعمة الماء والحفاظ عليها وشكرها في الإسلام
تأملوا حكمة الله تعالى في حبس الغيث عن عباده، وابتلائهم بالقحط إذا منعوا الزكاة، وحرموا المساكين، كيف جوزوا على منع ما للمساكين قِبَلَهُم من القوت بمنع الله ماء القوت والرزق وحبسه عنهم؛ فقال لهم بلسان الحال: منَعتم الحق فمُنعتم الغيث، فهلا استنزلتموه ببذل ما لله قِبَلَكُم؟!!
ويحضرني قصة في حديث تربط أداء الزكاة بالعطاء والبركة؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِفَلاَةٍ مِنَ الأَرْضِ ، فَسَمِعَ صَوْتاً في سَحَابَةٍ : اسقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ ، فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ فَأفْرَغَ مَاءهُ في حَرَّةٍ ، فإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدِ اسْتَوْعَبَت ذَلِكَ الماءَ كُلَّهُ ، فَتَتَبَّعَ المَاءَ ، فإذَا رَجُلٌ قَائمٌ في حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الماءَ بِمسحَاتِهِ، فَقَالَ لَهُ : يَا عَبْدَ اللهِ، ما اسمُكَ ؟ قال : فُلانٌ للاسم الذي سَمِعَ في السَّحابةِ ، فقال له : يا عبدَ الله ، لِمَ تَسْألُنِي عَنِ اسْمِي ؟ فَقَالَ : إنِّي سَمِعْتُ صَوتْاً في السَّحابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ ، يقولُ : اسْقِ حَدِيقَةَ فُلاَنٍ لاسمِكَ ، فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا ، فَقَالَ : أمَا إذ قلتَ هَذَا ، فَإنِّي أنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا ، فَأتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ ، وَآكُلُ أنَا وَعِيَالِي ثُلُثاً ، وَأردُّ فِيهَا ثُلُثَهُ » . ( أخرجه مسلم) فمدار إمساك المطر وحجبه أو إنزاله وإدراره على المنع والعطاء من العبد نفسه وبكسبه.
لذلك كان الحسن البصري -رحمه الله- إذا رأى السحاب قال: في هذه والله رزقكم، ولكنكم تحُرمونه بخطاياكم وذنوبكم. وقال الله تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات:22]، فالرزق المطر، وما توعدون به الجنة، وكلاهما في السماء. ومن أقوال السلف : قال أبو هريرة رضي الله عنه : إن الحباري – نوع من الطيور – لتموت في وكرها من ظلم الظالم .
وقال مجاهد رحمه الله : إن البهائم تلعن عصاة بني
آدم إذا اشتدت السَنَة – أي : القحط – وأمسك المطر , وتقول : هذا بشؤم معصية ابن آدم .وقال عكرمة رحمه الله : دواب الأرض وهوامها ، حتي الخنافس ، والعقارب يقولون : مُنعنا القطر بذنوب بني آدم . ولذلك كان المسلمون على تعاقب العصور والأزمان ينظرون إلى تأخر المطر وقحط السماء وجدب الأرض على أنه نوع من العقوبة الإلهية بسبب الذنوب والمعاصي والسيئات فيبادرون إلى التوبة والإنابة إلى الله.
فقد خرج أهل دمشق يستسقون وفيهم بلال بن سعد فقام فقال : يا معشر من حضر ألستم مقرين بالإساءة ؟ قالوا : نعم ، قال : اللهم إنك قلت : { ما على المحسنين من سبيل } ، وقد أقررنا بالإساءة ، فاعف عنا واسقنا ، فسُقي الناس يومئذ بإذن الله …
فكما أن تقوى الله مجلبة للرزق فترك التقوى مجلبة للفقر ، فما استجلب رزق الله بمثل ترك المعاصي؛ ويدل على ذلك قَول رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِنَّ الْعَبْدَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ “( أخرجه أحمد وابن ماجة والحاكم وصححه )
وما أجمل مقولة عبد الله بن عباس: إن للحسنة ضياءً في الوجه ، ونورا في القلب ، وسعة في الرزق ، وقوة في البدن ، ومحبة في قلوب الخلق ، وإن للسيئة سوادا في الوجه ، وظلمة في القبر والقلب ، ووهنا في البدن ، ونقصا في الرزق ، وبغضة في قلوب الخلق .
وقال بعض السلف : إني لأعصي الله فأرى ذلك في خلق دابتي ، وامرأتي ( انظر كتاب: الداء والدواء لابن القيم ) فكم من نعم ذهبت يوم اقترفت المعاصي؟! وكم حُرم الناس من خير عميم من ذنب فاسق أثيم، يجري الغمام فوق الديار، فلا ينزل عليهم الغيث المدرار؛ لما كسبته قلوبهم من الأخطال، فذاقوا من أمرهم الوبال؟!. لقد أرسل المنعم سحابًا ثقالاً، كأنها الخمائل رقة وجمالاً، فخف حملها، وأنزلت وقرها، فسالت أودية بقدرها، وسارت كالبرق الخاطف والريح العاصف، لتحمل لكم ماءً زلالاً، كرة بعد كرة، لتكون هذه الأرض مخضرة: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً}[الحج: 63]. بل لتسمع وتخشع وتدمع: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[فصلت: 39].فهل هذه الأرض أرق منك فتخشع؟! أم أن هذه المزن أنقى منك فتدمع؟! فلعلك ممن يسمع، وبفضل الله يطمع.!! وقال سبحانه{وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ}الحج: 5 ، فيا أفئدة من الإيمان هامدة، ويا عيونًا من الدموع جامدة: لعلكِ تهتزي لنداء السماء، لتنبت فيك مباهج الهدى!!
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة ا لسابعة والثمانون بعد المئة في
موضوع الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي
هي بعنوان :
* نعمة الماء والحفاظ عليها وشكرها في الإسلام
أسوق لكم هذه القصة الجميلة والتي فيها العبرة والغرض المنشود؛ وهي من الإسرائيليات التي نستأنس ونستشهد بها مع طعن البعض فيها؛ وقد ذكرها الإمام ابن قدامة في كتابه التوابين فقال: روي أنه لحق بني إسرائيل قحط على عهد موسى عليه السلام فاجتمع الناس إليه فقالوا: يا كليم الله! ادع لنا ربك أن يسقينا الغيث فقام معهم وخرجوا إلى الصحراء وهم سبعون ألفاً أو يزيدون فقال موسى عليه السلام: إلهي! اسقنا غيثك: وانشر علينا رحمتك وارحمنا بالأطفال الرضع والبهائم الرتع والمشايخ الركع فما زادت السماء إلا تقشعاً والشمس إلا حرارة؛ فأوحى الله إليه: يا موسى كيف وفيكم عبد يبارزني منذ أربعين سنة بالمعاصي؟! فناد في الناس حتى يخرج من بين أظهركم فبه منعتكم فقال: موسى إلهي وسيدي! أنا عبد ضعيف وصوتي ضعيف فأين يبلغ وهم سبعون ألفاً أو يزيدون؟ فأوحى الله إليه: منك النداء ومني البلاغ فقام منادياً وقال: يا أيها العبد العاصي الذي يبارز الله منذ أربعين سنة! اخرج من بين أظهرنا فبك منعنا المطر فقام العبد العاصي فنظر ذات اليمين وذات الشمال فلم ير أحداً خرج فعلم أنه المطلوب فقال في نفسه: إن أنا خرجت من بين هذا الخلق افتضحت على رؤوس بني إسرائيل وإن قعدت معهم منعوا لأجلي فأدخل رأسه في ثيابه نادماً على فعاله وقال: إلهي وسيدي! عصيتك أربعين سنة وأمهلتني وقد أتيتك طائعاً فاقبلني فلم يستتم الكلام حتى ارتفعت سحابة بيضاء فأمطرت كأفواه القرب فقال موسى: إلهي وسيدي! بماذا سقيتنا وما خرج من بين أظهرنا أحد؟ فقال: يا موسى! سقيتكم بالذي به منعتكم فقال موسى: إلهي! أرني هذا العبد الطائع فقال: يا موسى! إني لم أفضحه وهو يعصيني ؛
أأفضحه وهو يطيعني؟!
ما من شرٍّ في العالم ، ولا فساد ، ولا نقص ديني ، أو دنيوي : إلا وسببه المعاصي والمخالفات ، كما أنه ما من خيرٍ في العالم ، ولا نعمة دينية ، أو دنيوية : إلا وسببها طاعة الله تعالى وإقامة دينه .
فيا عباد الله :التوبة، التوبة ! تفلحوا ،وتنجحوا ،وتستقيم أحوالكم ،وتصلحوا ،قال الله تعالى :{وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} (هود: 52)
وارجعوا إلى ربكم ، بالتجرد ، والتخلص من حقوق
الله التي له قبَلكم ، واخرجوا من جميع المظالم التي عند بعضكم لبعض ، وأكثروا من الاستغفار ، بقلب يقظان حاضر ، معترف بالذنوب ، مقر بالتقصير والعيوب ، وأديموا التضرع لرب الأرباب : يُدرَّ عليكم الرزق من السحاب . قال القرطبي رحمه الله : وقد استسقى نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم ، فخرج إلى المصلَّى متواضعاً ، متذللاً ، متخشعاً ، مترسِّلاً ، متضرعاً ، وحسبك به ، فكيف بنا ، ولا توبة معنا ،إلا العناد،ومخالفة رب العباد ، فأنَّى نُسقى ؟!
فالإقلاع عن الذنوب والمعاصي والتوبة والإنابة إلى الله مع الاستغفار واللجوء إلى الله رب العالمين بالدعاء في خشوع وتضرع وانكسار واضطرار من أسباب نزول الغيث من السماء والإمداد بالأموال والبنين وجريان الأنهار والبركة في ذلك.
فقد جاء رجل إلى الحسن البصري فقال له : إن السماء لم تمطر !! فقال له الحسن البصري : استغفر الله. ثم جاء رجل آخر فقال له : اشكوا الفقر!! فقال له الحسن البصري : استغفر الله. ثم جاء ثالث فقال له: امرأتي عاقر لا تلد!! فقال له الحسن البصري : استغفر الله. ثم جاء رابع فقال له أجدبت الأرض فلم تنبت !! فقال له الحسن البصري : استغفر الله. فقال الحاضرون للحسن البصري : عجبنا لك أو كلما جاءك شاك قلت له استغفر الله؟! فقال لهم الحسن البصري ما قلت شيء من عندي وقرأ قوله تعالى :{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} (نوح 10- 12 )
[الأنترنت - كتبه : خادم الدعوة الإسلاميةد / خالد بدير بدوي]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة ا لثامنة والثمانون بعد المئة في
موضوع الشكور والتي هي بعنوان :
* أفرأيتم الماء الذي تشربون
خلقَ اللهُ - تعالى - الإنسانَ في هذه الدنيا وكلَّفه بمهمَّة - كما هو شأن كلِّ شيءٍ له مهمَّة - أن يعبده، ويعمرَ هذه الأرض، ويملأها خيرًا؛ قال - تعالى -: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، وسخَّر الله كلَّ شيءٍ لهذا الإنسان، وسخَّر هذا الإنسانَ لنفسه؛ ﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾ [لقمان: 20]،
وحتى يؤدِّي الإنسان مهمَّته، ويعبد الله حقَّ
عبادته؛ لا بدَّ أن يتحقق فيه أمران اثنان:
أولاً: أن يكون أمامَ البلاء صابرًا.
ثانيًا: أن يكون أمام النِّعم شاكرًا.
إنَّ من نِعَمِ الله على الإنسان "نعمةَ الماء"، آية من آيات الله، خلق الله منه الكائنات، لا غنى للناس عنه؛ فهو سبب بقائهم، وأساس حياتهم؛ منه يشربون ويزرعون ويأكلون؛ ﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنبياء: 30].
وقال - سبحانه -: ﴿ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ ﴾ [الواقعة: 68 - 70].
إن نعمةً ذُكرت في القرآن الكريم 63 مرةً، لجديرةٌ بأن يقف أمامها الإنسان متفكِّرًا ومتأمِّلاً، لكن القلوب عن هذه الآية غافلة إلَّا مَن رحم الله، فأين المتفكِّرون؟ وأين المتأمِّلون؟ وأين هم أهل البصائر من التفكير في عظمة ربِّ الأرباب، وصُنع مُنشئ السَّحاب؟ ليقودهم ذلك إلى توحيده، وإفراده بالعبادة دون سواه.
فَوَاعَجَبًا كَيْفَ يُعْصَى الإِلَه ********
أَمْ كَيْفَ يَجْحَدُهُ الجَاحِدُ
وَلِلَّهِ فِي كُلِّ تَحْرِيكَةٍ *******
وَتَسْكِينَةٍ أَبَدًا شَاهِدُ
وَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ ****
تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَاحِدُ
إن الماء في تركيبه مؤلف من هيدروجين وأوكسجين، فالهيدروجين مادة مشتعلة،والأوكسجين مادة تساعد على الاحتراق، فالهيدروجين نار،والأوكسجين نار، ولَمَّا التقيا صارت الحياة، وصار الماء؛ ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [يس: 82].
وإن من أسرار الحكمة الإلهية في الماء أنَّ الله - تعالى - لم يجعل للماء لونًا، ولا طعمًا، ولا رائحةً، كلُّ طعام وكلُّ شراب خَلَقه الله، له لون، وله طعم،وله رائحة،إلَّا الماء؛ وذلك لحكمة عظيمة،لا يدركها إلا أهلُ البصائر والألباب؛ فلو أن طعم الماء كان حلوًا مثلًا، لصار كل شيء خالطه الماءُ حلوًا، ولصار كل شيءٍ غُسل بالماء حلوًا، ولصارت الحياة كلها طعمها حلو، تزهقها الأنفس، وتمجُّها الألسن، ولا تستسيغها الفطر السليمة؛ ﴿ ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ [يس: 38].
حيثما كان الماء، كان الناس، وحيثما غاض الماء، ارتحل الناس؛ فالماء رسول الرحمات، وبشائر الخيرات، وروح الأفراد والمجتمعات، وبهجة القلوب، فمع الماء الخضرة والنَّدى، والطلُّ والرِّوَى، وإذا تدفَّق الماء، تفتَّق النماء والعطاء، والهناء والصفاء، فتحيا الحقول والمزارع والحدائق، هو شريان الحياة النابض، أغلى مفقود، أرخص موجود، فيا له من خَلْقٍ عجيب، جميل المُحَيَّا، بهيِّ الطلعة، فسبحان مَن سوَّاه! سبحان من أجراه! سبحان من أنزل الماء وروَّى به الأجساد والأفواه! إنها نعمة عظيمة جليلة، ولكن لا يكادُ يشعر بقيمتها ويقدِّرها حقَّ قدرها إلا مَن حُرِمَها.
لو تأمَّلنا في أحوال مَن ابتُلوا بالجدب والقحط، والجفاف والمجاعة، لعرفنا قيمة الماء، وقَدَرْنا هذه النعمة حقَّ قدرِها؛ قال تعالى:﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ ﴾ [الملك: 30].
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة ا لتاسعة والثمانون بعد المئة في
موضوع الشكور والتي هي بعنوان :
* أفرأيتم الماء الذي تشربون
لذلك علينا أن نحافظ على هذه النعمة "نعمة الماء"، وذلك بأمرين اثنين:
أولًا: بشكر الله - عز وجل - وبتقواه، فدوام
النعمة مرهون بشكر المنعم - سبحانه -: ﴿ لَئِنْ
شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [إبراهيم: 7].
ثانيًا: برعايتها وعدم الإسراف فيها؛ ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ﴾ [الأعراف: 31].
وإذا لم نحافظ على هذه النعمة، فإنَّ ابتلاء الله لنا بالمرصاد، فقد يَحبس عنَّا المطرَ والقطر، أو يؤخِّره علينا، أو يَنزع بركتَه منها.
لا بد أن نقف على حقيقة، هي أن نسأل أنفسنا: هل نستحق هذه الأمطارَ حقيقةً؟ هل أخذنا بأسباب نزوله، أو قد نكون بأفعالنا سببًا في منعه؟ هل يَصدُق علينا قول الحق جل جلاله :﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾الجن: 16]؛ أي: لو استقاموا على طريقة الهدى،وملَّة الإسلام،
اعتقادًا، وقولًا، وعملًا، لأسقيناهم ماءً كثيرًا.
تعالَوا بنا نعرض شيئًا من أحوالنا؛ علَّها تكون ذِكرى نافعة، وسببًا في تقويم سلوكنا على منهج القرآن والسنة، قال - تعالى -: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96].
لقد كثرت الذنوبُ والعصيان، والفسوقُ والطغيان، والظلمُ والعدوان، والتقصير في تحقيق التقوى والإيمان، والبُعد عن الله وعن دينه، فكان هذا سببًا في انحباس الأمطار عنا؛ يقول أمير المؤمنين عليٌّ - رضي الله عنه -: "ما نزل بلاء إلا بذنب، وما رُفِع إلا بتوبة"، ويقول ابن القيم: "وهل في الدنيا والآخرة شرٌّ وبلاء إلا سببُه الذنوبُ والمعاصي؟"، ويقول مجاهد - رحمه الله -: "إن البهائم لَتلعنُ عصاةَ بني آدم إذا اشتدَّت السَّنة، وأمسك المطر؛ تقول: هذا بشؤم معصية ابن آدم".
رَأَيْتُ الذُّنُوبَ تُمِيتُ القُلُوبَ ****
وَقَدْ يُورِثُ الذُّلَّ إِدْمَانُهَا
وَتَرْكُ الذُّنُوبِ حَيَاةُ القُلُوبِ ****
وَخَيْرٌ لِنَفْسِكَ عِصْيَانُهَا
• • •
إِذَا كُنْتَ فِي نِعْمَةٍ فَارْعَهَا ***
فَإِنَّ المَعَاصِي تُزِيلُ النِّعَمْ
وَدَاوِمْ عَلَيْهَا بِشُكْرِ الإِلَهِ ***
فَإِنَّ الإِلَهَ سَرِيعُ النِّقَمْ
ويشهد لهذه الحقيقةِ، ويبرهن عليها حديثُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - الذي قال فيه: ((يا معشر المهاجرين، خمسُ خصالٍ، إذا ابتُليتم بهنَّ، وأعوذ بالله أن تدركوهنَّ: ما ظهرَتِ الفاحشةُ في قوم حتى يُعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعونُ والأوجاع التي لم تكن مضتْ في أسلافهم الذين مضَوْا، ولم يَنقصوا المكيالَ والميزان إلا أُخذوا بالسِّنينَ، وشدةِ المؤنة، وجَوْرِ السلطان، ولم يَمنعوا زكاةَ أموالهم إلا مُنعوا القطرَ من السماء، ولولا البهائمُ لم يُمطَروا))[ أخرجه البيهقي والحاكم وصححه، من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما.]
أمران اثنان بهما يُمنع القطر من السماء، بهما يحصل الجدب والقحط:
أولهما: (لم ينقصوا المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين)، والأخذ بالسنين من البلاء ومن العذاب، قال – تعالى - عن عذاب آل فرعون: ﴿ وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 130].
ما هو نقص المكيال والميزان؟
أن يغشَّ الناس في مُعاملاتهم، البائع يحرص على غبن المشتري، فيجعل السلعة الرديئة تحت، وبعض السلعة الحسنة أعلى، يحرص على أن يطفِّف المكيال والميزان، إن كان الأمر له بَخَس صاحِبَه، وإن كان الأمر لغيره اكتال عليه.
"[حديث استسقاء النملة رواه الحاكم بمعناه، بإسناده عن أبي هريرة - رضي الله عنه؛ "المجموع"، (5/ 68).]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة التسعون بعد المئة في موضوع
الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي
بعنوان :* أفرأيتم الماء الذي تشربون
ثانيهما: قوله - صلى الله عليه وسلم -:(ولم يَمنعوا زكاةَ أموالهم))، فهذا هو السبب الثاني والكبير لانحباس وتأخُّر نزول الغيث من السماء؛(إلا مُنعوا القطر من السماء))، يكنزون الذهب والفضة والأموال، ولا يُخرِجون منها شيئًا، وإن أَخرجوا فدون ما أمر الله به في النصاب؛ قال - تعالى -: ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [التوبة: 34]، وإذا نزلتْ قطرات من المطر، وإذا نزل غيث من السماء، ما كان ذلك إلا للبهائم ((ولولا البهائم لم يُمطروا)).
روي أن نبي الله سليمان - عليه السلام - "خرج يستسقي، فرأى نملة مستلقية، وهي تقول: اللهم إنَّا خَلْقٌ مِن خلقك، ليس بنا غنًى عن رزقك، فقال سليمان: ارجعوا فقد سُقيتم بدعوة غيركم"[حديث استسقاء النملة رواه الحاكم بمعناه، بإسناده عن أبي هريرة - رضي الله عنه؛ "المجموع"، (5/ 68).] إذًا المطر الذي ينزل قليلًا، ليس لهؤلاء العصاة المُصرِّين على معاصيهم، الذين لا يقلعون عنها؛ إنما الرحمة بالبهائم، بالعجماوات، هكذا بيَّن لنا الصادق المصدوق، وإذا ما أقلع الناسُ عن معاصيهم، واستغفروا الله - تعالى - ورجوه الرحمةَ ونزول الغيث، لأغاثهم بفضله، وجُوده ومنِّه.
إنَّ التوبة النصوح والاستغفار، هو السبب في
استنزال خيرات السماء؛ قال - سبحانه وتعالى - عن نوح - عليه السلام -: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10 - 12]، ويقول - سبحانه - عن نبيِّه هود - عليه السلام -:﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ ﴾ [هود: 52]. وليس الاستغفار باللسان دون الفعال، لا بد أن يكون الاستغفار صادقًا عمليًّا؛ قال الحسن البصري: "استغفارنا يحتاج إلى استغفار"[ رُوي عن الحسن البصري - رحمه الله - كما جاء في "تفسير القرطبي"، (4/ 210).]
فلنستغفر الله من قلوبنا، ولنجدد العهد مع الله، ولنفتح صفحة جديدة من حياة الاستقامة والإصلاح الشامل في كلِّ مرافق الحياة، فباب التوبة مفتوح للسائلين، وغناه ظاهر للطالبين، ها هو ينادي عباده للتوبة والإنابة - وهو الذي وسعتْ رحمته كل شيء -: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾الزمر: 53].
إننا بأمسِّ الحاجة إلى تجديد التوبة من ذنوبنا، وإحسان الظن بربنا، والتسامح والتراحم وصفاء القلوب، وبِرِّ الوالدين وصلة الأرحام، والإحسان إلى الجيران، ومدِّ يد العون للفقراء والمحتاجين، ودعاء الله ونحن موقنون بالإجابة، فمتى علم الله صِدقنا وتوبتنا، وإخلاصنا وتضرُّعنا، أغاثنا وجَلَب الأرزاق إلينا بمنِّه وكرمه؛ قال - تعالى -: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ [البقرة: 186]، وقال - سبحانه -: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60].
[ الأنترنت – موقع الألوكة - أفرأيتم الماء الذي تشربون؟! - عبدالسلام حسن ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الواحدة والتسعون بعد المئة في
موضوع الشكور والتي هي بعنوان :
*اقتران نعمتي الأموال والأولاد في القرآن؛ حِكَمْ وأسرار
إن الأموال والأولاد قد تكون نعمة يسبغها الله
على عبد من عباده؛ حين يوفِّقه إلى الشكر على
النعمة، والإصلاح بها في الأرض، والتوجه بها إلى الله؛ فإذا هو مطمئن الضمير، ساكن النفس، واثق من المصير؛ فكلما أنفق احتسب وشعر أنه قدَّم لنفسه ذخراً، وكلما أصيب في ماله أو بنيه احتسب؛ فإذا السكينة النفسية تغمره. والأمل في الله يُسَرِّي عنه.
إن الأموال والأولاد قد تكون نعمة يسبغها الله
على عبد من عباده؛ حين يوفِّقه إلى الشكر على النعمة، والإصلاح بها في الأرض، والتوجه بها إلى الله؛ فإذا هو مطمئن الضمير، ساكن النفس، واثق من المصير؛ فكلما أنفق احتسب وشعر أنه قدَّم لنفسه ذخراً،وكلما أصيب في ماله أو بنيه احتسب؛
فإذا السكينة النفسية تغمره. والأمل في الله يُسَرِّي عنه.
وقد تكون نقمة يصيب الله بها عبداً من عباده؛ لأنه يعلم من أمره الفساد والدخل؛ فإذا القلق على الأموال والأولاد يحوِّل حياته جحيماً، وإذا الحرص عليها يؤرِّقه ويُتلِف أعصابه، وإذا هو ينفق المال حين ينفقه في ما يتلفه ويعود عليه بالأذى، وإذا هو يشقى بأبنائه إذا مرضوا ويشقى بهم إذا صحُّوا. وكم من الناس يعذَّبون بأبنائهم لسبب من الأسباب! وهؤلاء الذين يملكون الأموال ويرزقون الأولاد، يُعجِب الناسَ ظاهرُها، وهي لهم عذاب (الظلال: [3/1666]).
لقد قرن الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم الأموال والأولاد في أربعة وعشرين موضعاً قُدِّمَت فيها الأموال على الأولاد، وفي موضعين قُدِّمَ الأولاد على الأموال؛ فما الحكمة والسر في ذلك؟
الحكم والأسرار المطلقة لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى ولكن سوف نذكر ما فتح الله به على بعض المفسرين من حكم وأسرار.
*الآيات التي قرن الله فيها الأموال والأولاد وقُدِّمَت فيها الأموال على الأولاد:
- {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف من الآية:46].
- {أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ} [المؤمنون من الآية:55].
- {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ} [الشعراء من الآية:88].
- {أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ} [القلم من الآية:14].
- {فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالا وَأَعَزُّ نَفَرًا} [الكهف:34].
- {إِنْ تَرَنِي أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالا وَوَلَدًا} [الكهف من الآية:39].
- {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالا وَوَلَدًا}
[مريم:77].
- {رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلا خَسَارًا} [نوح من الآية:21].
- {وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا} [الإسارء من الآية:6].
- {وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ} [الإسراء من الآية:64].
- {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ} [الحديد من الآية:20].
- {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ} [نوح من الآية:12].
- {كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالا وَأَوْلادًا} [التوبة من الآية:69].
- {وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالا وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} [سبأ من الآية:35].
- {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [الأنفال من الآية:28].
- {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى} [سبأ من الآية:37].
- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [المنافقون من الآية:9].
- {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [التغابن من الآية:15].
- {شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا} [الفتح من الآية:11].
- {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} [آلِ عمران من الآية:10].
- {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} [آلِ عمران من الآية:116].
- {فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ} [التوبة من الآية:55].
- {وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ} [التوبة من الآية:85].
- {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} [المجادلة من الآية:17].
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثانية والتسعون بعد المئة في موضوع الشكور والتي هي بعنوان :
وقفات مع الآيات:
المال والبنون زينة وتفاخر في الحياة الدنيا :
قال تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، وقال سبحانه: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ
وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ} [الحديد من الآية:20]، وقال تعالى: {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالا وَأَعَزُّ نَفَرًا}، وقال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالا وَوَلَدًا}.
قال القرطبي رحمه الله: "إنما كان المال والبنون زينة
الحياة الدنيا؛ لأن في المال جمالاً ونفعاً، وفي البنين قوة ودفعاً، فصارا زينة الحياة الدنيا" (القرطبي: [10/413]).
وقال السعدي رحمه الله: "أخبر تعالى أن المال والبنين، زينة الحياة الدنيا؛ أي: ليس وراء ذلك شيء، وأن الذي يبقى للإنسان وينفعه ويسرُّه: الباقيات الصالحات" (السعدي: [479]).
"فالمال والبنون زينة الحياة، والإسلام لا ينهى عن المتاع بالزينة في حدود الطيبات. ولكنه يعطيهما القيمة التي تستحقها الزينة في ميزان الخلود ولا يزيد. إنهما زينة ولكنهما ليستا قيمة؛ فما يجوز أن يوزَن بهما الناس ولا أن يقدَّروا على أساسهما في الحياة؛ إنما القيمة الحقة للباقيات الصالحات من الأعمال والأقوال والعبادات" (الظلال: [4/2272]).
*الأموال والأولاد استدراج وإملاء للكافرين ليزدادوا إثماً : قال تعالى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ . نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ} [المؤمنون:55-56]، وعن قتادة رحمه الله قال: "مُكِرَ والله بالقوم في أموالهم وأولادهم فلا تعتبروا الناس بأموالهم وأولادهم ولكن اعتبروهم بالإيمان والعمل الصالح" (الدر المنثور: [10/582]).
"وذلك لأنهم استخدموا أموالهم وأولادهم لأجل الطغيان والاستكبار عن الحق؛ كما قال تعالى: {أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ}، وأغروا بهما الناس وصدُّوهم عن سبيل الله؛ كما قال تعالى عن قوم نوح: {وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلا خَسَارًا} [نوح من الآية:22]، فذكر أنهم أهل أموال وأولاد؛ إيماءً إلى أن ذلك سبب نفاذ قولهم في قومهم وائتمار القوم بأمرهم؛ فأموالهم إذا أنفقوها لتأليف أتباعهم، وأولادهم أرهبوا بهم من يقاومهم، والمعنى: واتَّبعوا أهل الأموال والأولاد التي لم تزدهم تلك الأموال والأولاد إلا خساراً؛ لأنهم استعملوها في تأييد الكفر والفساد فزادتهم خساراً إذ لو لم تكن لهم أموال ولا أولاد لكانوا أقل ارتكاباً للفساد"
(التحرير والتنوير: [29/192]).
الأموال والأولاد اختبار وامتحان في الدنيا:
"قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [الأنفال من الآية:28].
هذا تنبيه على الحذر من الخيانة التي يحمل عليها المرءَ حبُّ المال؛ وهي خيانة الغلول وغيرها؛ فتقديم الأموال لأنها مظنة الحمل على الخيانة في هذا المقام.
وعطف الأولاد على الأموال لاستيفاء أقوى دواعي الخيانة فإن غرض جمهور الناس في جمع الأموال أن يتركوها لأبنائهم من بعدهم.
وجَعْلُ نفس (الأموال والأولاد) فتنة لكثرة حدوث فتنة المرء من جراء أحوالهما؛ مبالغة في التحذير من تلك الأحوال وما ينشأ عنها، فكأن وجود الأموال والأولاد نفس الفتنة.
وعطف قوله: {وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} على قوله: {أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} للإشارة إلى أن ما عند الله من الأجر على كفِّ النفس عن المنهيات هو خير من المنافع الحاصلة عن اقتحام المناهي لأجل الأموال والأولاد" (التحرير والتنوير: [9/79]).
والفتنة: هي البلاء والمحنة؛ لأنهم يوقعون في الإثم والعقوبة، ولا بلاء أعظم منهما.
وقد شاهدنا مَنْ ذكر أنه يشغله الكسب والتجارة
في أمواله حتى يصلي كثيراً من الصلوات الخمس فائتة.
وقد شاهدنا من كان موصوفاً عند الناس بالديانة والورع، فحين لاح له منصب وتولاَّه، استناب من يلوذ به من أولاده وأقاربه، وإن كان بعض من استنابه صغير السن قليل العلم سيئ الطريقة. ونعوذ بالله من الفتن. وقُدِّمت الأموال على الأولاد لأنها أعظم فتنة (البحر المحيط: [8/209]).
والفتنة ليست مذمومة في ذاتها؛ لأن معناها اختبار وامتحان، وقد يمر الإنسان بالفتنة وينجح؛ كأن يكون عنده الأموال والأولاد، وهم فتنة بالفعل فلا يغرُّه المال؛ بل إنه استعمله في الخير، والأولاد لم يصيبوه بالغرو؛ر بل علمهم حمل منهج الله، وجعلهم ينشؤون على النماذج السلوكية في الدين؛ لذلك فساعةَ يسمع الإنسان أي أمر فيه فتنة فلا يظن أنها أمر سيئ؛ بل عليه أن يتذكر أن الفتنة هي اختبار وابتلاء وامتحان، وعلى الإنسان أن ينجح مع هذه الفتنة؛ فالفتنة إنما تضر من يخفق ويضعُف عند مواجهتها.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثالثة والتسعون بعد المئة في
موضوع الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي
هي بعنوان : وقفات مع الآيات:
والكافرون لا ينجحون في فتنة الأموال والأولاد، بل سوف يأتي يوم لا يملكون فيه هذا المال، ولا أولئك الأولاد؛ وحتى إن ملكوا المال فلن يشتروا به في الآخرة شيئاً،وسيكون كل واحد من أولادهم مشغولاً بنفسه.
إن الكافر من هؤلاء يخدع نفسه ويغشُّها، ويغتر بالمال والأولاد وينسى أن الحياة تسير بأمر من يملك الملك كلَّه، إن الكافر يأخذ مسألة الحياة في غير موقعها؛ فالغرور بالمال والأولاد في الحياة أمر خادع؛ فالإنسان يستطيع أن يعيش الحياة بلا مال أو أولاد. ومن يغتر بالمال أو الأولاد في الحياة يأتي يوم القيامة ويجد أمواله وأولاده حسرة عليه، لماذا؟
لأنه كلما تذكَّر أن المال والأولاد أبعداه عما يؤهله لهذا الموقف فهو يعاني من الأسى ويقع في الحسرة.
ويقول الحق سبحانه عن هذا المغتر بالمال والأولاد وهو كافر بالله: {وأولئك أَصْحَابُ النار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة من الآية:39]، وهذا مصير يليق بمن يقع في خديعة نفسه بالمال أوالأولاد (الشعراوي: [1142]).
إن فتنة الأموال والأولاد عظيمة لا تخفى على ذوي الألباب؛ إذ أموال الإنسان عليها مدار معيشته وتحصيل رغائبه وشهواته، ودفع كثير من المكاره عنه؛ من أجل ذلك يتكلَّف في كسبها المشاقَّ ويركب الصعابَ ويكلفه الشرع فيها التزامَ الحلال واجتنابَ الحرام ويرغِّبه في القصد والاعتدال، ويتكلَّف العناء في حفظها، وتتنازعه الأهواء في إنفاقها، ويفرض عليه الشارع فيها حقوقاً معيَّنة وغير معيَّنة: كالزكاة ونفقات الأولاد والأزواج وغيرهم.
وأما الأولاد فحبُّهم مما أودع في الفطرة؛ فهم ثمرات الأفئدة وأفلاذ الأكباد لدى الآباء والأمهات، ومن ثَمَّ يحملهما ذلك على بذل كل ما يستطاع بذله في سبيلهم: من مال وصحة وراحة.
فحب الولد قد يحمل الوالدين على اقتراف الذنوب
والآثام في سبيل تربيتهم والإنفاق عليهم وتأثيل الثروة لهم، وكل ذلك قد يؤدي إلى الجبن عند الحاجة إلى الدفاع عن الحق أو الأمة أو الدين، وإلى البخل بالزكاة والنفقات المفروضة والحقوق الثابتة، كما يحملهم ذلك على الحزن على من يموت منهم بالسخط على المولى والاعتراض عليه إلى نحو ذلك من المعاصي: كنوح الأمهات وتمزيق ثيابهن ولطم وجوههن. وعلى الجملة ففتنة الأولاد أكثر من فتنة الأموال؛ فالرجل يكسب المال الحرام ويأكل أموال الناس بالباطل لأجل الأولاد.
فيجب على المؤمن أن يتقي الفتنتين، فيتقي الأُولَى
بكسب المال من الحلال وإنفاقه في سبيل البر والإحسان، ويتقى خطر الثانية من ناحية ما يتعلق منها بالمال ونحوه بما يشير إليه الحديث. ومن ناحية ما أوجبه الدين من حُسْن تربية الأولاد وتعويدهم الدين والفضائل وتجنيبهم المعاصي والرذائل (تفسير المراغي: [9/196]).
وقال السمرقندي رحمه الله: "إنما ذكر الأموالَ والأولادَ؛ لأن أكثر الناس يدخلون النار لأجل الأموال والأولاد، فأخبر الله تعالى أنه لا ينفعهم في الآخرة؛ لكيلا يفني الناس أعمارَهم لأجل المال والولد؛ وإنما ذكر الله تعالى الكفار، لكي يعتبر بذلك المؤمنون" (بحر العلوم: [1/221]).
"فعلى العاقل أن يعتبر بالآيات ولا يغتر بكثرة الأعداد من الأموال والأولاد وعدم اجتهاده؛ لمعاده فإن الله يمتِّعه قليلاً ثم يضطره إلى عذاب غليظ" (روح البيان: [1/12]).
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الرابعة والتسعون بعد المئة في
موضوع الشكور والتي هي بعنوان : *الأموال والأولاد قد تُقعِد المسلم عن العمل لدين الله :
"إن الأموال والأولاد قد تقعد الناس عن الاستجابة خوفاً وبخلاً. والحياة التي يدعو إليها الإسلام حياة كريمة، لا بد لها من تكاليف، ولا بد لها من تضحيات؛ لذلك يعالج القرآن هذا الحرص بالتنبيه إلى فتنة الأموال والأولاد فهي موضع ابتلاء واختبار وامتحان وبالتحذير من الضعف عن اجتياز هذا الامتحان، ومن التخلف عن دعوة الجهاد وعن تكاليف الأمانة والعهد والبيعة؛ واعتبار هذا التخلف خيانة لله والرسول، وخيانة للأمانات التي تضطلع بها الأمة المسلمة في الأرض؛ وهي إعلاء كلمة الله وتقرير ألوهيته وحدَه للعباد، والوصاية على البشرية بالحق والعدل ومع هذا التحذير التذكير بما عند الله من أجر عظيم يرجح الأموال والأولاد، التي قد تُقعِد الناس عن التضحية والجهاد" (الظلال: [3/1497]).
"فإذا انتبه القلب إلى موضع الامتحان والاختبار، كان ذلك عوناً له على الحذر واليقظة والاحتياط؛ أن يستغرق وينسى ويخفق في الامتحان والفتنة. ثم لا يدعه الله بلا عون منه ولا عوض. فقد يضعف عن الأداء بعد الانتباه؛ لثقل التضحية وضخامة التكليف وبخاصة في موطن الضعف في الأموال والأولاد؛ إنما يلوِّح له بما هو خير وأبقى، ليستعين به على الفتنة ويتقوى: {وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}. إنه سبحانه هو الذي وهب الأموال والأولاد. وعنده وراءهما أجر عظيم لمن يستعلي على فتنة الأموال والأولاد، فلا يقعد أحد إذن عن تكاليف الأمانة وتضحيات الجهاد" (الظلال: [3/1497]).
"ومن أجل ذلك حذَّر الله المؤمنين من الاشتغال بالأموال والأولاد عن ذكره فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون:9]؛ خص الأموال والأولاد بتوجُّه النهي عن الاشتغال بها اشتغالاً يلهي عن ذكر الله؛ لأن الأموال مما يكثر إقبال الناس على إنمائها والتفكير في اكتسابها؛ بحيث تكون أوقات الشغل بها أكثر من أوقات الشغل بالأولاد. ولأنها كما تشغل عن ذكر الله بصرف الوقت في كسبها ونمائها، تشغل عن ذكره أيضاً بالتذكير لكنزها؛ بحيث ينسى ذكر ما دعا الله إليه من إنفاقها.
وأما ذكر الأولاد فهو إدماج؛ لأن الاشتغال بالأولاد والشفقة عليهم وتدبير شؤونهم وقضاء الأوقات في التأنس بهم من شأنه أن ينسي عن تذكُّر أمر الله ونهيه في أوقات كثيرة فالشغل بهذين أكثر من الشغل بغيرهما.
وفيه أن الاشتغال بالأموال والأولاد الذي لا يلهي عن ذكر الله ليس بمذموم" التحرير والتنوير: 28/225
وهنا تساؤل أيضاً: هل طلبُ المال والولد مذمومٌ لما يحدث من وجودهما من آفات ومفاسد؟
الجواب : إن سنة الأنبياء والفضلاء التحرز في الدعاء بطلب الولد: فهذا زكريا عليه الصلاة والسلام تحرَّز فقال: {رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} [آل عمران من الآية:38]، وقال: {وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} [مريم من الآية:6]. وتحرَّز إبراهيم فقال: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات:100] وتحرز المؤمنون فقالوا: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إمَامًا} [الفرقان:74] ، وتحرز الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوته لأنس بن مالك رضي الله عنه فدعا له بالبركة في ماله وولده فقال: «اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ وَبَارِكْ لَهُ فِي مَا أَعْطَيْتَهُ» (البخاري: بدء الوحي، [6378]).
والولد إذا كان بهذه الصفة كان نَفْعاً لأبويه في الدنيا والآخرة، وخرج من حد العداوة والفتنة إلى حد المسرة والنعمة. وهكذا فليتضرع العبد إلى مولاه في هداية ولده، ونجاته في أُولاَه وأُخرَاه اقتداءً بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام والفضلاء. [ الأنترنت – موقع اقتران الأموال والأولاد في القرآن؛ حِكَمْ وأسرار - توفيق علي الزبادي المصدر: مجلة البيان ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الخامسة والتسعون بعد المئة في
موضوع الشكور والتي هي بعنوان :
*شكر الله على نعمة الولد
تكرم الله جل وعلا على عباده بنعم لا حصر لها ولا عد وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ومن بين هذه النعم الوفيرة والعطايا الكثيرة نعمة الولد والتي هي بلا شك من أجل وأعظم النعم بعد نعمة الإسلام والإيمان، والتي لايدرك قيمتها وقدرها إلا من حرمها لهذا فقد علمنا الله عز وجل الفرح بها والاستبشار بقدومها وأمرنا بضرورة تقديرها والحفاظ عليها وحسن رعايتها.
*الفطرة الإنسانية في حب الولد
اقتضت فطرة الله عز وجل في خلقه أن يودع في قلوب عباده عاطفة جياشة وشعورا نفسيا قويا نحو الأولاد وجبلتهم على محبتهم والرأفة بهم وحسن رعايتهم وبذل الغالي والنفيس من أجلهم.
“من المعلوم بداهة أن قلب الأبوين مفطور على محبة الولد ومتأصل بالمشاعر النفسية والعواطف الأبوية لحمايته والرحمة به والشفقة عليه والاهتمام بأمره، ولولا ذلك لانقرض النوع الإنساني من الأرض ولما صبر الأبوان على رعاية أولادهما وأنا قاما بكفالتهم وتربيتهم والسهر على أمرهم والنظر في مصالحهم
ولله در الشاعر حين قال:
ولولا بنيات كزغب القطا****
حططن من بعض إلى بعض
لكان لي مضطرب واسع****
في الأرض ذات الطول والعرض
وإنما أولادنا بيننا ****
أكبادنا تمشي على الأرض
لو هب الريح على بعضهم****
لامتنعت عيني عن الغمض
*الولد هبة من الله لخلقه
يقول الحق سبحانه في محكم تنزيله{ لله خلق السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما }
الولد هبة ربانية ومدد إلهي يمد الله به من يشاء من عباده، وهكذا صور لنا الحق سبحانه هذه
النعمة العظيمة في قوله عز وجل: {وأمددناكم
بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا } [ الإسراء الاية 6.]
لقد جعل الله عز وجل الولد زينة الحياة بل قرة العين وثمرة الفؤاد، حيث قال الله تعالى: والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما [ الفرقان الآية 74.]
*الولد أمانة ومسؤولية
إذا كان الولد هبة الله وخلقه ونعمة عظيمة تستوجب الشكر فإنه أيضا عمل الإنسان ومسؤوليته وأمانة عظيمة ملقاة على عاتقه.
يقول الإمام المجدد رحمه الله وهو يستخلص العبر والرسائل من الحديث الشريف: ( إذا مات الانسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية
أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له)
[الأنترنت – موقع مع الأسرة› أبناؤنا› نعمة الولد - بقلم الطيب مؤنس ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السادسة والتسعون بعد المئة في
موضوع الشكور والتي هي بعنوان :
* نعمة الزواج على العباد
نعم الله على العباد كثيرةٌ لا تحصى، قال تعالى : " وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ" [النحل:18] وإنّ من نعم الله على العبد الزواج، قال تعالى : "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" [الروم:21] ،فجعل سبحانه الزواج من آياته الدالة على قدرته ورحمته وعنايته بعباده، وجعل بينهما من المودة والرحمة ما لا يكون بينهما وبين غيرهما، فلا ألفة بين شخصين أعظم مما بين الزوجين، وبين الله سبحانه وتعالى العلة من هذا الزواج فقال : " لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا " وقال في آية أخرى : " هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا" [الأعراف:189] ، والسكن يوحي بالطمأنينة والأمن
والسكينة والراحة، وكل هذه المزايا متوافرة في الزواج.
وهذا السكن الذي أشار الله إليه في الآية فيه دلالة إلى قرب الزوجين من بعضهما، وقد وصف الله درجة القرب بينهما بقوله "هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ " [البقرة:178] واللباس هو أقرب ما يكون للبدن.
وبسبب هذا القرب تتولد المودة والرحمة بينهما ، فيعيشان مطمئنين سعيدين، مهما اختلفا أو تخاصما.
كما قد بين صلى الله عليه وسلم نعمة الزواج وفضله لكل من الزوجين، فقال في الرجل يرزقه الله زوجة صالحة :" من رزقه الله امرأة صالحة، فقد أعانه على شطر دينه، فليتق الله في الشطر الثاني "
أخرجه الطبراني والحاكم ، وحسن الألباني إسناد الحديث لغيره (صحيح الترغيب ح 1916) ، فالمرأة الصالحة خير معين للرجل في دنياه، وفي تربية ولده وذريته،وفي أدائه لشعائرعبوديته لله تعالى .
ومن صفات هذه الزوجة الصالحة كما قال صلى الله عليه وسلم : خير النساء التي تسره إذا نظر وتطيعه إذا أمر ولا تخالفه في نفسها ولا مالها بما يكره " رواه أحمد والنسائي، وهو حسن ينظر السلسلة الصحيحة ح 1838
ومن صفاتها كذلك ما قاله صلى الله عليه وسلم : أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِنِسَائِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْوَدُودُ، الْوَلُودُ، الْعَؤُودُ عَلَى زَوْجِهَا، الَّتِي إِذَا آذَتْ أَوْ أُوذِيَتْ، جَاءَتْ حَتَّى تَأْخُذَ بَيْد زَوْجِهَا، ثُمَّ تَقُولُ وَاللهِ لَا أَذُوقُ غُمْضًا حَتَّى تَرْضَى" [ رواه النسائي وهو حسن، ينظر صحيح الجامع ح 2604]
وتأمل معي أخي الفاضل هذه المواقف من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم التي تبين أثر المرأة الصالحة في حياة الرجل، فلما نزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في غار حراء، وأصابه ما أصابه من الفزع، إلى أين ذهب ؟
ذهب إلى خديجة رضي الله عنها دون غيرها من أهل مكة، وكان لها رضي الله عنها الأثر البالغ في مواساة النبي صلى الله عليه وسلم وطمأنته.
ومن المواقف كذلك ما حصل في صلح الحديبية لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بالتحلل من إحرامهم، فتأخروا في الاستجابة له، فدخل مغضبا على أم سلمة، فأشارت عليه برأي أذهب غضبه، وتبعه الصحابة رضوان الله عليهم .
ومن المواقف كذلك التي استفادت منها الأمة قاطبة ما نقلنه رضي الله عنهم من السنة الفعلية والقولية للأمة مما كان معهنّ في بيوتهنّ. ولعل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم على صدر زوجته عائشة رضي الله عنها يبين لك أيها الزوج مكانة الزوجة في حياة الزوج.
وفي المقابل اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم الزوج الصالح من نعم الله على الزوجة ، فقال:" لعل إحداكن تطول أيمتها بين أبويها، وتعنس فيرزقها الله زوجا ويرزقها منه مالا وولدا "[ أخرجه البخاري في الأدب المفرد والترمذي وأحمد، وهو صحيح ينظر السلسة الصحيحة ح 823 ]، فسمى الزوج والولد رزقا، والرزق حقه الشكر لا الكفر، فمن شكرت بورك لها في زوجها وولدها.
والمرأة تتقرب إلى الله بطاعة زوجها، قال صلى الله عليه وسلم: إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحصنت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت" رواه أحمد .
ومما ورد في عظيم حق الزوج على زوجته ما رواه أحمد في المسند عن حصين بن محصن رضي الله عنه أن عمة له أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها: أذات زوج أنت ؟ قالت : نعم ،قال فأين أنت منه؟
قالت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه.
قال : فكيف أنت له فإنه جنتك ونارك.
ومن شكر نعمة الزواج القيام بالحقوق والواجبات المنوطة بكل من الزوجين تجاه الآخر، وهذه الحقوق مما سيسألنا الله عنها يوم القيامة ، قال صلى الله عليه وسلم:" كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، ...والرجل راع في أهله، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها، ومسؤولة عن رعيتها" رواه البخاري
[ الأنترنت – موقع بينونة - نعمة الزواج على العباد - الشيخ: د. سعيد بن سالم الدرمكي ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السابعة والتسعون بعد المئة في
موضوع الشكور والتي هي بعنوان :
* شكر نعمة الأولاد
الأسرة هي أساس المجتمع، لذلك اهتم الإسلام ببنائها أشد الاهتمام ووضع لها رسول الله صلى الله عليه وسلم خطوات تسير عليها وحقوقا تحترم من جميع أعضائها.
ولما كانت الأسرة الصالحة هي اللبنة الأساسية لبناء المجتمع الصالح الذي ينعم بنور الإيمان فقد وضع الرسول صلى الله عليه وسلم شروطا وبين ضوابط لاختيار الزوجين وبعد الزواج تأتي مجموعة من الحقوق ومنها حقوق الأبناء على الآباء ومن هذه الحقوق التسمية والاستعاذة من الشيطان الرجيم عند إتيان
زوجته حرزا من الشيطان والفرحة بهذا المولود.
جاء في كتاب «فقه الأسرة» للعلامة محمد بن محمد المختار الشنقيطي عن حقوق الأبناء: إن نعمة الولد نعمة عظيمة امتن الله بها على عباده، ولا تكون نعمةً حقيقية إلا إذا قام الوالدان بحقها وحقوقها وأحسنا في رعايتها، وقد جاءت نصوص كتاب الله، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم تُبيّن المنهج الأكمل والطريق الأمثل في تربية الأولاد. فالأولاد نعمةٌ من نعم الله عز وجل، هذه النعمة رُفعت الأكف إلى الله بالضراعة أن يكرم أصحابها بها، فقال الله عن نبيٍّ من أنبيائه: {رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} [آل عمران:38]، وقال الله عن عباده الأخيار: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان:74].
فالأولاد والذرية تَقَر بهم العيون، وتبتهج بهم النفوس، وتطمئن إليهم القلوب، إذا طابوا وقام الوالدان على رعاية الأولاد والعناية بهم وأداء حقوقهم كاملةً على الوجه الذي يرضي الله عز وجل، وحقوق الأولاد قسّمها العلماء إلى قسمين: القسم الأول: ما يسبق وجود الولد.
والقسم الثاني: ما يكون بعد وجوده، فالله حمّل الوالدين المسؤولية عن الولد قبل وجود الولد، وحملهم المسؤولية عن تربيته ورعايته، والقيام بحقوقه بعد وجوده.
ومن الحقوق الواجبة للأبناء قبل مجيئهم التسمية عند الجماع من الزوج فالمقصود أن الأصل والغالب: أنه إذا طاب معدِنُ المرأة، أن يطيب منها ما يكون من ذرية، هذا هو الحق الأول، وإذا اختار الإنسان الزوجة فمن حقوق ولده أن يسمي عند إصابة أهله، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر التسمية عند الجماع أنها حرزٌ وحفظٌ من الله للولد من الشيطان الرجيم، قال العلماء: وهذا حق من حقوق الولد على والده، إذا أراد أن يُصيب الأهل، وإذا كتب الله بخروج الذرية،فليكن أول ما يكون من الزوج والزوجة شكر الله عز وجل
ومن أراد أن يبارك الله له في نعمةٍ من نعمه، فليشكر الله حق شكره، لأن النعم لا يُتأذن بالمزيد فيها والبركة إلا إذا شُكرت، وإذا نظر الله إلى عبده شاكرًا لنعمه، بارك له فيما وهب، وأحسن له العاقبة فيما أسدى إليه من الخير.
وأوّل ما ينبغي على الوالد والوالدة إذا رأيا الولد أن يحمدا الله على هذه النعمة، وأن يتذكرا العقيم الذي لا ذريةَ له، وأن يسألا الله خير هذا الولد وخير ما فيه، فكم من ولد أشقى والديه، وكم من ولدٍ أسعد والديه، فيسأل الله خيره وخير ما فيه، ويستعيذ به من شره، ويعوذ بالله من ذرية السوء.
وجاء في كتاب «تذكير العباد بحقوق الأولاد» لعبدالله الجار الله أن مهمة الأولاد مهمة عظيمة يجب على الآباء أن يحسبوا لها حسابها ويعدوا العدة لمواجهتها، خصوصا في هذا الزمان الذي تلاطمت فيه أمواج الفتن واشتدت غربة الدين وكثرت فيه دواعي الفساد حتى صار الأب مع أولاده بمثابة راعي الغنم في أرض السباع الضارية إن غفل عنها أكلتها الذئاب.
ويضيف صاحب كتاب «تذكير العباد»: إن عناية
الإسلام بتربية الأولاد واستصلاحهم تبدو واضحة في وقت مبكر، حيث يشرع للرجل أن يختار الزوجة الصالحة ذات الدين والأخلاق الفاضلة لأنها بمنزلة التربة التي تلقى فيها البذور، ولأنها إذا كانت صالحة صارت عونا للأب على تربية الأولاد، كما أنه يشرع للزوج عند اتصاله بزوجته أن يدعو فيقول: بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإذا رزق مولودا استحب له أن يؤذن في أذنه اليمنى ويقيم الصلاة في أذنه اليسرى، كما وردت بذلك أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثامنة والتسعون بعد المئة في
موضوع الشكور والتي هي بعنوان :
*فن الشكر
(فنُّ الشكر) عنوانٌ غريبٌ قد يُثِير حيرة البعض ويقولون: سمعنا بفنِّ الشعر وفنِّ الرسم وفنِّ التمثيل، ولكنَّنا لم نسمعْ بفنِّ الشكر، هل للشُّكر أهميَّة كبيرة تجعَلُه يَرقَى إلى مَرتَبة الفنِّ المتميِّز بأساليب خاصَّة ومَدارس فكريَّة مختلفة؟
إنَّ الجواب على هذا السؤال هو موضوعُ هذه المقالة التي سوف تتحدَّث عن حقيقة الشكر وأهميَّته، وتصفُ بعضًا من أساليبه وفُنونه، وتُبيِّن أثَر الشُّكر في تقوية الصِّلات الإنسانيَّة.
إنَّ الشُّكر كلماتٌ أو أفعال يقصد بها التعبير عن الامتِنان لمعروفٍ أو عملٍ أسْداه الغيرُ لنا، ويَزداد الشكر وتعظُم الحاجَةُ إليه تبعًا لازدِياد المعروف؛ لذا كان الله - عزَّ وجلَّ - أعظَمَ مَن يستحقُّ الشُّكر لأنَّه مصدر كلِّ النِّعَمِ، بل إنَّ الشُّكر في كلِّ الأحيان والأحوال مرجِعُه في الحقيقة إلى الله - عزَّ وجلَّ - وبهذا يتبيَّن لك حكمةُ العوام في قولتهم المشهورة: "الشكر لله"، حينما يُجِيبون مَن يَشكُرهم من البشَر، إنَّ هذا أدبٌ رفيعٌ من الآداب المنتشِرة بين العامَّة التي تستحقُّ الدراسة والتأمُّل والاقتداء بها.
إنَّ الشُّكر من أهمِّ القَضايا التي يدعو إليها دِين الإسلام، ونجدُ هذا الأمرَ واضحًا جليًّا في العلاقة بين الخالق - سبحانه وتعالى - والمخلوقين وفي العلاقة بين كلِّ البشَر.
إنَّ العبوديَّة لله والاستقامةَ على شَرعِه هي الترجمة الكُبرى لشكر العبد لربِّه وخالقه الذي يَكلَؤُه بالنِّعَمِ صباحًا ومساءً، ويندرج تحت شُكر الله - عزَّ وجلَّ - كلُّ صور الشُّكر الأخرى، إنَّ طاعة الوالدين في المعروف وبرَّهما شكرٌ، وكذلك الإحسانُ إلى المحتاج والفقير شكرٌ، واحترام ذي الشيبة وتوقيره شكرٌ، واحترام العُلَماء شكرٌ، والاقتصاد في النفقة والبُعد عن الإسراف شكرٌ، وإنَّ الصلاة والزكاة والصوم شكرٌ، بل إنَّ المتأمِّل في كلِّ صُوَرِ العِبادات يجدُ الشكر ملازمًا لها.
إنَّ الشكر أدبٌ عظيم جدًّا وليس كلمات جَوْفاء ما لها من العمل دليل أو برهان، واستَمِع إلى الله - عزَّ وجلَّ - يُبيِّنُ الحقيقة العمليَّة للشكر في كتابه العظيم: ﴿ اعْمَلُوا آَلَ دَاودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13]، في هذه الآية يُقرِّر الله - عزَّ وجلَّ - حقيقةً إلهيَّة مسلَّمة لها صلةٌ بموضوع الشكر، يُبيِّن الله العليم الخبير أنَّ الشاكرين من البشَر هم قلَّة، وأنَّ الصفة الأغلب للبشَر هي عدَم الشكر؛ أي: الجحود وإنكار نِعَمِ المُنعِم، وإسداء الشكر لغير مُستحقِّه؛ لذا كان الكُفر والشِّرك بالله أقبح صورةٍ من صُوَرِ الجحود وأعظمها جُرْمًا، وتتفاوَتُ مَقامات البشَر في مِيزان الحقِّ تبعًا لأدائهم لواجب الشُّكر أو تقصيرهم فيه، وأعظم البشر شُكرًا أعلمهم بالله وأفقههم لشَرعِه.
إنَّ دِين الإسلام يُعلِّمنا أساليب راقيةً للشكر
نحتاجُ إلى تذكير أنفسنا بها بين الفينة والأخرى، إنَّ الإسلام يُعلِّمنا فن الشكر بالدعاء للمحسن في بعض الأحوال أو مُكافَأته في أحوالٍ أخرى، وأعظم الشكر ما كان أقرَبَ لزمن الفعل، ولعلَّ لهذا التوقيت صلةٌ بالحديث الذي يحثُّ على إعطاء الأجير أجرَه قبل أنْ يجفَّ عرَقه.
إنَّ أمرَ الشُّكر وأساليبه وأعرافه منضبطٌ بتعاليم الشريعة، وللشُّكر أساليبُ حديثة منها: إرسالُ بطاقات الشكر، أو كتابة خِطابات ورسائل لشكر الموظفين المجيدين لأعْمالهم، إنَّ الشُّكر قد يُعبِّر عنه بسمةٌ راضية، أو يدٌ حانية تمتدُّ مُصافِحة أو مهدية زهرةً نديَّة أو جورية شذية، إنَّ الشكر أدبٌ رفيع حَرِيٌّ بالمسلم أنْ يتحلَّى به وأنْ يتذكَّر دائمًا أنَّ شُكر الله - عزَّ وجلَّ - هو أعلى مَقامات الشُّكر، وأنْ يحرص على أنْ يكون من الفئة الشاكرة التي قَلَّ عدَدُها وعظُم عند الله أجرُها ومقامها.
[الأنترنت – موقع شبكة الألوكة - فن الشكر - هشام محمد سعيد قربان ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة التاسعة والتسعون بعد المئة في
موضوع الشكور والتي هي بعنوان :
* هل من شاكر لنعم الله؟ (الصحة والعافية)
إنَّ من فضلِ الله وكرمه أَنْ أنعمَ علينا نعمًا لا تعد ولا تحصى، مذكِّرًا المنانُ الوهَّابُ عبادَه المؤمنين بأنه مهما بلغوا في تعدادِ وإحصاء النعم عليهم، فإنهم لن يستطيعوا أن يحصوها، مهما ابتغوا إلى ذلك سبيلاًَ، يقول - جل جلاله -: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل : 18]، لذلك على الإنسانِ أن يدركَ أنَّ عليه أن يتأمَّلَ ويتفكر في نعمِ الله عليه، فيتوجب عليه أن يبدأ متأمِّلاً لنفسِه واعيًا لنعم الله التترا عليه، وقد ذكَّرنا الله بها: ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الذاريات : 21]، فأين أنت من تذكرِ وتفكر نعمِ المنعم الوهاب في نفسِك، ولتكن ممن يقدرُ نعمَ الله عليك، ولتتأمل كلَّ نعمةٍ في بدنِك من بصرٍ وسمع، وما بداخلك من أعضاء خلقها الله بأفضلِ صورة وأكمل هيئة وأحسن تقويم، وتأمل بصرَك، كيف أنك تبصر وغيرُك لا يرى إلا ظلامًا! ولتغمض عينيك دقائقَ، عندها ستعرفُ قدرَ هذه النعمةِ العظيمة، التي ربما تستخدمُها في النظرِ إلى ما يغضب الله، قال بكر بن عبدالله: "يا ابنَ آدم، إن أردتَ أن تعرفَ قدر ما أنعم الله عليك فغمِّضْ عينيك"؛ عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين؛ لابن القيم.
وقس عليها كلَّ عضوٍ من أعضائك التي وهبك الله إياها وستعرفُ عندها قدرَ نعمة الله عليك، والتي قصَّرتَ في شكرها، ولا غرو أن هذا يدعونا لشكرِه شكرًا يليقُ بجلاله قولاً وفعلاً، سرًّا وجهرًا، باللسانِ وبالقلب والجوارح، على نعمِه العظيمة وآلائه الجسيمة، وقد قال ابن القيم - رحمه الله -: "والشكرُ يتعلَّقُ بالقلبِ واللسان والجوارح؛ فالقلبُ للمعرفةِ والمحبة، واللسانُ للثناءِ والحمد والجوارح، لاستعمالِها في طاعةِ المشكور، وكفها عن معاصيه"؛ عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين، لابن القيم.
فلنتذكر نعمَ الله في كلِّ وقت وحين شاكرين لأنعمِه،
فبشكرها تدوم وتتنامى وتزداد، وبكفرِها يحصلُ الحرمان والبلاء وتوالي العذاب؛ يقول العلي العظيم: ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم : 7]، فلنشكرْ الشكورَ على نعمه وعطاياه، ولا ننتظر أن تزولَ النعمة ثم نفقدها فنعرف قدرَها، فنبادر إلى الشكرِ بعدها، ولنكن مستجيبين لما أمرنا الله به - سبحانه وتعالى - بقوله: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾البقرة : 152].
ولندعوه كما وصى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - معاذَ بن جبل - رضي الله عنه - فعن معاذِ بنِ جبلٍ قال: أخذ بيدي النَّبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: ((يا معاذُ))، قلتُ: لبيكَ، قال: ((إنِّي أُحِبُّكَ))، قلتُ: وأنا والله أحبُّكَ، قال: ((ألا أعلِّمُك كلماتٍ تقولها في دبر كُلِّ صلاتك؟))، قلت: نعم، قال: (قل: اللهمَّ أعِنِّي على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتِكَ))؛ رواه البخاري.
وما حثُّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في أحاديثه في أذكارِ اليوم والليلة إلا دليلٌ على فضلِ وشرف هذه النعمة؛ فعن عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: كان من دعاء رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -:(اللهم إني أعوذ بك من زوالِ نعمتك،وتحول عافيتك،وفجاءة نقمتِك، وجميع سخطك) رواه مسلم)
وكان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يوصي أصحابَه بسؤال الله العافيةَ في الدنيا والآخرة، وما ذاك إلا لقدرِ هذه النعمةِ العظيمة، التي تقاصرت هممنا في طلبِها لانشغالنا بالدُّنيا وزينتها، فكثيرًا ما نسأل بعضنا عن أشياء من متاعِ الحياة الدنيا، وتجدنا نهتمُّ ونحرصُ على ذلك مهما كلَّفنا من وقتٍ، بينما نهملُ جانبًا عظيمًا وصَّى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - به عمَّه وعلَّمَه دعاءً عظيمًا، ولا يوصي إلا بعظيمٍ؛ فعن أبي الفضلِ العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه - قال: قلتُ يا رسول الله، علِّمني شيئًا أسأله الله - تعالى - قال: ((سلوا الله العافية))، فمكثتُ أيامًا، ثم جئتُ فقلتُ: يا رسول الله، علمني شيئًا أسأله الله - تعالى - قال لي: ((يا عباس يا عم رسول الله، سلوا الله العافيةَ في الدنيا والآخرة))؛ رواه التِّرمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
ولنعي قولَ ابن القيم - رحمه الله - عن الشكرِ؛ يقول: "وشكرُ العبد يدور على ثلاثةِ أركان لا يكون شكورًا إلا بمجموعها؛ أحدها: اعترافه بنعمةِ الله عليه، والثاني: الثناء عليه بها، والثالث: الاستعانة بها على مرضاتِه"؛ عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين، لابن القيم.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة المئتين في موضوع الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
* هل من شاكر لنعم الله؟ (الصحة والعافية)
ومتى ما أراد الإنسانُ أن يعرفَ قدر نعمِ الله عليه، فلينظر إلى من هم حوله من المرضى والمبتلين، الذين أُخذت منهم نعمةٌ لخيرٍ لهم في الدنيا والآخرة، وعندها سيعرفُ الإنسانُ فضلَ الله ونعمه عليه، فكن ممن يصرفون نعمةَ الصحة والعافية في طاعةِ الله قبل أن يأتيَك يومٌ يفاجئك المرضُ، ثم لا تستطيع كما كنتَ صحيحًا معافًا، لذلك عليك أن تغتنمَ عافيتك وصحتك فيما ينفعك؛ فعن ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قال: قال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((نعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ من النَّاسِ؛ الصِّحَّةُ والفراغ))؛ رواه البخاري، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اغتنم خمسًا قبل خمس...))، وذكر منها: ((صحتَك قبل سقمك، وفراغَك قبل شغلِك))؛ أخرجه ابن المبارك في الزهد، والحاكم (4/306)، والمنذري في الترغيب (4/251).
وقال وهب بن منبه: "رؤوس النِّعم ثلاثة؛ فأولها: نعمةُ الإسلامِ التي لا تتمُّ نعمُه إلا بها، والثانية: نعمةُ العافية التي لا تطيبُ الحياةُ إلا بها، والثالثة: نعمة الغنى التي لا يتمُّ العيشُ إلا به"؛ عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين، لابن القيم.
وختامًا: أوصيكم ونفسي بالإكثارِ من الدعاء الذي وصَّى به سيدُ المرسلين - صلَّى الله عليه وسلَّم - معاذًا - رضي الله عنه -: ((اللهمَّ أعني على ذكرِك، وشكرِك وحسنِ عبادتك)).
وكن من القلةِ الذين وصفهم الله سبحانه بقوله - تعالى -: ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ : 13]، وذكر الإمامُ أحمد - رحمه الله - عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه سمع رجلاً يقول: اللهمَّ اجعلني من الأقلِّين، فقال: ما هذا؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إنَّ الله قال: ﴿ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾ [هود : 40]، وقال - تعالى -: ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ : 13]، وقال: ﴿ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ ﴾ [ص : 24]، فقال عمر: صدقت؛ أخرجه أحمد في الزهد (142).
ربنا أوزعنا أن نشكرَ نعمتَك التي أنعمتَ علينا وعلى والدينا، وأن نعمل صالحًا ترضاه، وأصلح لنا في ذرياتِنا، وتب علينا، اللهم عافنا في أبداننا، وعافنا في أسماعِنا، وفي أبصارنا، لا إله إلا أنت، اللهم ما أصبح أو أمسى بنا من نعمةٍ فمنك وحدك لا شريكَ لك؛ فلك الحمد ولك الشكر، اللهمَّ إنا نصبحُ ونمسي في نعمةٍ وعافية وستر دائمِ، فأتم نعمتَك علينا وعافيتك وسترَك في الدنيا والآخرة.
[الأنترنت – موقع الألوكة - هل من شاكر لنعم الله؟ (الصحة والعافية) - متعب بن محمد بن أحمد المهابي]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الواحدة بعد المئتين في موضوع الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :*نعمة الصحة وكيفية شكرها
من نعم الله: الصحة هذه -أيضا- تكون عامة لكثير من البلاد؛ المسلمين والكفار؛ نعمة الصحة، ونعمة القوة، تتذكرون ما ورد في الحديث: نعمتان مجحودتان: الصحة في الأبدان، والأمن في الأوطان يعني: أن كثيرا من الناس لا يتذكر هذه النعمة، ولا يعرف قدرها، لا يعرف قدرها إلا من فقدها.
فالصحة في الأبدان نعمة عظيمة وذلك لأن الإنسان إذا رزقه الله صحة في بدنه؛ فإنه بذلك يتمكن من أن يعبد ربه، ومن أن يتقلب في حاجته، ومن أن يذهب ويجيء، ومن أن يكتسب من المال ما أحله الله -تعالى- ويسافر، ويجيء ويذهب؛ كل ذلك لأجل أن الله -تعالى- رزقه هذه الصحة، وهذه القوة في بدنه، يعرف قدرها من فقدها. الإنسان إذا مرض يوما، ولزم الفراش، عرف نعمة الصحة، تمنى وسأل ربه أن يرزقه عافية في بدنه، وصحة في بدنه، وأن يرد إليه صحته، ونعمته التي هي من أعظم النعم.
فإذا. أنت أيها السليم.. أنت أيها الصحيح.. الذي رزقك الله -تعالى- هذه الصحة في بدنك، انظر إلى المرضى، إذا دخلت في المستشفيات، وما أشبهها، وجدت هذا يشتكي رأسه، وهذا يشتكي بطنه، وهذا يشتكي ظهره، وهذا مريض مرضا مقعدا، وهذا مصاب بكذا.. وكذا، وهذا قد أغمي عليه، وهذا مبرسم، وهذا به صداع، وهذا قد فقد إحساسه، وما أشبه ذلك؛ فتعرف أنك في نعمة عظيمة؛ حيث إن الله -تعالى- متعك بالقوة، متعك بالصحة، متعك بالرفاهية، متعك بهذه القوة، تقلب في حاجتك، ولا تحس مرضا، لا تحس ألما في شيء.
إذن.. فهذه من النعم، فكيف يكون شكرها؟ شكر هذه النعم: أن تستعمل بدنك في طاعة الله -تعالى- وألا تستعمله في معصية الله؛ فإن هذا من كفر النعم. حري أن يسلب الله -تعالى- من عصاه.. حري أن يسلبه ما أعطاه، وما تفضل به عليه من هذه القوة، وهذه البنية. فالذي يؤدي الصلوات بركوعها، وسجودها، وقيامها، وقعودها، وخشوعها، وإخباتها، قد شكر نعمة القوة.
والذي يكتسب مالا حلالا، ثم يؤدي حقوق ذلك
المال، وينفق منه في وجوه الخير.. يعلم أن الله -تعالى- قواه على هذا الاكتساب؛ فيؤدي حقه، فيكون بذلك ممن شكر نعمة الله، أي- نعمة القوة. وكذلك الذي يصوم، ويصلي، ويحج، ويعتمر، ويجاهد، وينصح، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويدعو إلى الله -تعالى- ويتقلب في حاجات المسلمين، وينفع المسلمين بما يقدر عليه، يعتبر هذا ممن شكر نعم الله.
وقال الشيخ ابن جبرين : وضد ذلك: هو الذي كفرها؛ الذي -مثلا- يستعمل بدنه في المعصية، فالذي يكفر بالله، ويسجد لغيره، ويتمسح بالقبور والضرائح، ويدعو غير الله -سبحانه وتعالى- قد كفر نعم الله، والذي يترك الصلوات، ويترك الصيام، ويترك الصدقات التي أوجبها الله عليه، يعتبر قد كفر نعم الله، والذي يشرب الخمور، ويسمع الأغاني، ويحضر المراقص، وآلات الملاهي، وما أشبهها، يعتبر قد كفر نعم الله -تعالى- والذي يزني، أو يفجر، أو يفعل الفواحش، أو يقاتل المسلمين بغير حق، أو يسرق، أو ينتهب، أو ما أشبه ذلك، يعتبر قد كفر نعم الله. وحري بمن كفرها أن يسلبها؛ فإن النعم كما يقول بعض العلماء: النعم إذا شكرت قرت، وإذا كفرت فرت. هربت
وفرت. فهذه أمثلة من نعم الله -تعالى- العامة.
[ الأنترنت – موقع الشيخ ابن جبرين ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثانية بعد المئتين في موضوع الشكور والتي هي بعنوان :
*العبادة شكر لله على نعمائه
الله تعالى ولي النعمة علينا ابتداء وانتهاء؛ فهو الذي خلق ورزق وقدر فهدى، وما من نسمة هواء نتنفسها ولا كسرة خبز نأكلها إلا من جزيل نعمائه وعظيم عطائه سبحانه. قال الله تعالى {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} (لقمان،20) هذه النعم الجسيمة يقابلها وجوب شكر المنعم المتمثل بعبادته وحده دون غيره من الأنداد، قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (البقرة ، 172){فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (النحل، 114){فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (العنكبوت، 17).
ويضرب الله تعالى المثل بقوم سبأ إذ أعرضوا عن شكر المنعم بما يستحق من صدق التوجه إليه بالعبادة، فقال سبحانه {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ.فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ} (سبأ، 15_16)ويخاطب الله تعالى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بعبادته وحده وأن يكون من الشاكرين لأنعمه بقوله تعالى {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (الزمر ،66) وبالجمع بين العبادة والشكر في هذا الخطاب يتبين لنا كيف تكون صورة الشكر الصحيحة، فهي عمل وقول، وليس قولا مجردا عن العمل، وفي تقديم العمل في الآية دليل على أهميته. قال تعالى مخاطبا سليمان عليه السلام {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} (سبأ، 13)
يتعرف الإنسان نعم الله بالنظر إلى آثار رحمة الله عليه وما سخر له من الكائنات حيِّها وجمادها؛ فالأنعام على غلظة طبعها مسيرة له بأمر الله، والحديد رغم متانته يلين للإنسان فيصنع منه ما يلزمه، كما يتعرف الإنسان نعمة الله عليه من خلال ما أوحى إلى أنبيائه، وبعد أن عرف الإنسان عظيم نعمة الله عليه أُمر بالشكر للمنعم، لكن الناس انقسموا إزاء نعم الله تعالى إلى فريقين. قال تعالى {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} (الإنسان، 3) وقد أقام الله تعالى على الإنسان الحجة بوجوب الشكر، وذلك {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} (الأنفال،42).[ الأنترنت – موقع حبل الله ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثالثة بعد المئتين في موضوع الشكور والتي هي بعنوان :
*شكر الله على نعمة مفاصل جسم الإنسان
روى الإمام أحمد في صحيحه عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : "إنه خلق كل إنسان من بني آدم على ستين و ثلاثمائة مفصل فمن كبر الله و حمد الله و سبح الله و استغفر الله و عزل حجراً من طريق الناس أو شوكة أو عظماً عن طريق الناس و أمر بالمعروف و نهى عن منكر عدد تلك الستين و الثلاثمائة سلامي فإنه يمشي يومئذ و قد زحزح عن النار" (صحيح مسلم: 698/ 2 – 1007)
و في رواية البخاري عن أبي هريرة رضي الله
عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: "كل سلامي من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين الاثنين صدقة و تعين الرجل على دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة و الكلمة الطيبة صدقة و بكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة و تميط الأذى عن الطريق صدقة" (صحيح البخاري:2989-2891- 2707)
و روى الأئمة الكرام مسلم و أبو داوود و أحمد و غيرهم عن بريدة رضي الله تعالى عنه أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول:"في الإنسان ستون و ثلاثمائة مفصل فعليه أن يتصدق
عن كل مفصل منها صدقة"شكرا لله كما رووا عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : "يصبح على كل سلامي من أحدكم صدقة فكل تسبيحه صدقة و كل تحميده صدقة و كل تهليله صدقة و كل تكبيرة صدقة و أمر بالمعروف صدقة و نهي عن المنكر صدقة و يجزئ عن ذلك ركعتان يركعهما من الضحى"
وروى أبو داوود في سننه عن بريدة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال:"في الإنسان ثلاث مائة و ستون مفصلاً فعليه أن يتصدق عن كل مفصل منه بصدقة قالوا : و من يطيق ذلك يا نبي الله ؟ قال : النخاعة في المسجد تدفنها و الشيء تنحيه عن الطريق فإذا لم تجد فركعتا الضحى تجزئك" (كتاب الأدب حديث رقم 4563)
معاني الأحاديث : السلامي: المفصل و هي اسم للواحد و الجمع و قيل أنها في الأصل تعني عظام الأصابع و سائر الكف ثم استعملت للتعبير عن جميع عظام البدن و مفاصل تلك العظام و المفاصل هي مواضع التقاء العظام بعضها مع بعض و أغلب هذه المفاصل متحرك و لكن بعضها ثابت كمفاصل الجمجمة التعليق على الحديث : واضح من حديث الرسول صلى الله عليه و سلم أن المقصود من بالسلامي هي المفاصل التي يمكن لعظام أن تتحرك عبرها و من معني الحديث الشريف أن على المسلم أن يقدم الشكر لله تعالى على ما وهبه من هيكل عظمي منتصب مستقيم ميزه الله تعالى به عم جميع الخلائق كونه من عدد هائل من الغضاريف و العظام و جعل بين كل عظمتين منها مفصلاً يتيح لهذا العدد الهائل من العظام حماية الأجزاء اللينة من جسم الإنسان و دعمه و أعطاه قدرا من مرونة الحركة تسمح للإنسان بالجلوس و النوم و غير ذلك من الحركات التي مكنه الله تعالى منها
و الأمر المعجزة في هذا الحديث أن يذكر المصطفى صلى الله عليه و سلم عدد مفاصل جسم الإنسان بهذا التحديد الدقيق (ثلاثمائة و ستون مفصلاً) في زمن لم يكن متوفرا فيه للإنسان أدنى علم بالتشريح أو عدد عظام الهيكل العظمي و عدد المفاصل...
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الرابعة بعد المئتين في موضوع الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
*شكر الله على نعمة مفاصل جسم الإنسان
كما ان عدد كبيرا من أساتذة الطب في مطلع القرن
الحادي و العشرين لا تعرف بالضبط عدد المفاصل في جسم الإنسان كما أن عددا كبيرا من الدوائر العلمية تهرب بوضوح من تحديد عدد العظام و الفواصل في الهيكل العظمي للإنسان و تضعها في مجموعات كبيرة كما فعلت دائرة المعارف البريطانية التي جمعت عظام و فواصل هيكل الإنسان في مجموعات ثلاث دون تحديد هي:
1- الهيكل المحوري و يشمل العمود الفقري و معظم الجمجمة
2- الهيكل الأحشائي و يشمل القفص الصدري و الفك السفلي و بعض أجزاء الفك العلوي
3- الهيكل الطرفي : و يشمل عظام الحوض و
أحزمة الأكتاف و عظام و غضاريف الأطراف
و لكن الدكتور حامد احمد حامد ذكر في كتابه المعنون : "رحلة الإيمان في جسم الإنسان" أن المجموع الكلي للمفاصل في جسم الإنسان هو بالضبط ثلاثمائة و ستون مفصلا كما قرر رسول الله صلى الله عليه و سلم و فصلها كالأتي :
أولاً : بالعمود الفقري 147 مفصلا منها:
25 مفصلا بين الفقرات
72 مفصلا بين الفقرات و الأضلاع
50 مفصلا بين الفقرات عن طريق اللقيمات الجانبية
ثانياً : بالصدر 24 مفصلاً منها :
2 مفصلا بين عظمتي القص و القفص الصدري
18 مفصلا بين القص و الضلوع
2 مفصل بين الترقوة و لوحي الكتف
2 مفصل بين لوحي الكتف و الصدر
ثالثاً : بالطرف العلوي 86 مفصلاً منها:
2 مفصل بين عظام الكتفين
6 مفاصل بين عظام الكوعين
8 مفاصل بين عظام الرسغين
70 مفصلا بين عظام اليدين
رابعاً : بالطرف السفلي 88 مفصلاً منها:
2 مفصل للفخذين
6 مفاصل بين عظام الركبتين
6 مفاصل بين عظام الكاحلين
74 مفصلا بين عظام القدمين
خامساً : بالحوض 15 مفصلاً منها:
4 مفاصل بين عظام الركبة
4 مفاصل بين فقرات العصعص
6 مفاصل بين عظام الحق
1 مفصل الإرفاق العاني
المجموع : 360 مفصلاً
و هذه هي المفاصل المتحركة التي تعطي الهيكل العظمي القدرة على الحركة بمرونة أما الفواصل الثابتة لتلك الموجودة بين عظام الجمجمة فلا تدخل في عداد السلامي و هي المفاصل التي تتم عبرها الحركة و تعرف باسم "المفاصل الزليلية" لاحتوائها على سوائل تعين على انزلاق العظام دون ارتطام بعضها ببعض و يعرف باسم "السائل الزليلي"
ولولا الفواصل التي وهبها الله سبحانه و تعالى للإنسان لما تحرك الهيكل العظمي بصورته المرنة لذلك أوصانا رسول الله صلى الله عليه و سلم بضرورة شكر الله تعالى كل يوم تطلع فيه الشمس عليه بعدد هذه السلامي في جسده [ الأنترنت – موقع فيسبوك - الإعجاز العلمي في السنة النبوية: في جسم الإنسان 360 مفصلًا ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الخامسة بعد المئتين في موضوع الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :الحمد لله والشكر له على نعمة الإسلام
إن نعمة الإسلام نعمة من أجل النعم وأوفاها وأعلاها , ويجب على المسلم أن يحمد الله تعالى ليل نهار على تلك النعمة الكبرى والمنة العظمى , إذ جعله من أهل التوحيد الخالص والدين الحق ؛ فهو دائم الشكر على نعمة الإسلام لما لهذا الدين من خصائص وفضائل منها :
1- أن الإسلام هو الدين الذي رضيه الله تعالى لعباده: قال تعالى: {" ِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلامُ}" سورة آل عمران: 19 , وقال سبحانه: {" وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}" سورة آل عمران: 85.
وعَنْ عَمَّارِ بن أَبِي عَمَّارٍ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ:{" الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا (3) سورة المائدة , وَعِنْدَهُ يهودِيٌّ , فَقَالَ لَوْ أُنْزِلَتْ عَلَيْنَا هَذِهِ الآيَةُ لاتَّخَذْنَا يَوْمَهَا عِيدًا , فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي يَوْمِ عِيدَيْنِ اثْنَيْنِ: جُمُعَةٍ , وَيَوْمِ عَرَفَةَ. [الطبراني في معجمه الكبير ج 12/ ص 185 حديث رقم: 12835 الألباني : مشكاة المصابيح 1/306.] فالله تعالى قد رضي لعباده هذا الدين الأغر الخاتم وهو سبحانه لا يرضى لعباده إلا لما فيه الخير الكامل والصلاح الأتم لهم.
2- أن الإسلام هو دين الفطرة: قال تعالى: { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ } سورة الأعراف: 172.
قال ابن كثير: "يخبر تعالى أنه استخرج ذرية بني
آدم من أصلابهم شاهدين على أنفسهم أن الله ربهم ومليكهم، وأنه لا إله إلا هو، كما أنه تعالى فطرهم على ذلك وجبلهم عليه.
قال تعالى: { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ } سورة الروم: 30 , انظر تفسير ابن كثير 3/500.
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ.ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : {" فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ }.[أخرجه أحمد 2/393(9091) و (البُخاري) 2/118 (1359) و (مسلم) 8/53(6851) .]
عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ ؛أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ : أَلاَ إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا : كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا حَلاَلٌ ، وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ ، فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا ، وَإِنَّ اللهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ ، فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ ، إِلاَّ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَقَالَ : إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بِكَ ، وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لاَ يَغْسِلُهُ الْمَاءُ ، تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ ، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَنِي أَنْ أُحَرِّقَ قُرَيْشًا ، فَقُلْتُ : رَبِّ إِذًا يَثْلَغُوا رَأْسِي فَيَدَعُوهُ خُبْزَةً ، قَالَ : اسْتَخْرِجْهُمْ كَمَا اسْتَخْرَجُوكَ ، وَاغْزُهُمْ نُغْزِكَ ، وَأَنْفِقْ فَسَنُنْفِقَ عَلَيْكَ ، وَابْعَثْ جَيْشًا نَبْعَثْ خَمْسَةً مِثْلَهُ ، وَقَاتِلْ بِمَنْ أَطَاعَكَ مَنْ عَصَاكَ ، قَالَ : وَأَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلاَثَةٌ : ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ ، مُتَصَدِّقٌ ، مُوَفَّقٌ ، وَرَجُلٌ رَحِيمٌ ، رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى ، وَمُسْلِمٍ ، وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ، ذُو عِيَالٍ ، قَالَ : وَأَهْلُ النَّارِ خَمْسَةٌ : الضَّعِيفُ الَّذِي لاَ زَبْرَ لَهُ ، الَّذِينَ هُمْ فِيكُمْ تَبَعًا ، لاَ يَتْبَعُونَ أَهْلاً وَلاَ مَالاً ، وَالْخَائِنُ الَّذِي لاَ يَخْفَى لَهُ طَمَعٌ ، وَإِنْ دَقَّ ، إِلاَّ خَانَهُ ، وَرَجُلٌ لاَ يُصْبِحُ وَلاَ يُمْسِي إِلاَّ وَهُوَ يُخَادِعُكَ عَنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ ، وَذَكَرَ الْبُخْلَ ، أَوِ الْكَذِبَ ، وَالشِّنْظِيرُ الْفَحَّاشُ. [أخرجه أحمد 4/162(17623) و"مسلم"8/158(7309) و"ابن ماجة"4179.]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السادسة بعد المئتين في موضوع الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :الحمد لله والشكر له على نعمة الإسلام
سئل أعرابي عن الدليل فقال : البعرة تدل على البعير . والروث على الحمير ، وآثار الأقدام على المسير ، فسماء ذات أبراج ، وأرض ذات فجاج . وبحار ذات أمواج ، أما تدل على الصانع الحليم العليم القدير؟. قال سبحانه : { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله } سورة الزخرف : 87 .
قال الشاعر :
تأمل في نبات الأرض وانظر * * *
إلى آثار ما صنع المليك
عيون من لجين شاخصات * * *
وأزهار كما الذهب السبيك
على قضب الزبرجد شاهدات * * *
بأن الله ليس له شريك
وقال آخر : فيَا عَجَباً كيف يُعْصَى الإلهُ * * *
أم كيف يَجْحَدُه الجاحدُ؟!
وللهِ في كل تحريكةٍ * * * وتسكينةٍ أبداً شاهدُ
وفي كُلِّ شَيءٍ له آيةٌ * * * تَدُلُّ على أنَّه واحِدُ
وها هو الصحابي الجليل أبا ذر الغفاري ذهب ذات يوم ليقدم مراسيم الطاعة لصنمه ، وبينما هو كذلك وجد ثعلبا متسلق على رأس الصنم وقد بال عليه فوقف متعجبا" ساخرا" مما حدث وانشد قائلا:
رب يبول الثعلبان برأسه * * *
لقد ذل من بالت عليه الثعالب
فلو كان ربا كان يمنع نفسه * * *
فلا خير في رب نأته المطالب
برئت من الأصنام في الأرض كلها * * *
وآمنت بالله الذي هوغالب
وقصة إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي شاهدة على أن الإسلام هو دين الفطرة ؛ فالطفيل وهو من دوس زهران ، من السراة سمع بالرسول صلى الله عليه وسلم في مكة ، فركب جمله ، وأخذ متاعه ، ولبس ثيابه. وكان الطفيل شاعرا مجيدا ، وخطيبا فصيحا ، يعرف جزل الكلام من ضعيفه . وصل إلى مكة ، ولكن الدعايات المغرضة ضد الرسول صلى الله عليه وسلم تتحرك من المشركين لتشويه سمعة المصطفى صلى الله عليه وسلم بالقول المريض ، والتعليقات المرة .دخل مكة ، فلقيه كفار قريش .فقالوا : إلى أين يا طفيل ؟ قال : أريد هذا الذي يزعم انه نبي قالوا : ما أشبه ذلك تريد ؟ قال : أريد أن اسمع كلامه ، إن كان حقا اتبعته ، وإن كان باطلا تركته .قالوا : إياك وإياه ، إنه ساحر ، انه شاعر ، انه كاهن ، انه مجنون ، أحذر لا تسمع كلامه .قال الطفيل : فوالله ، ما زالوا بي يخوفونني حتى أخذت القطن فوضعته في أذني .لكن الحق أقوى من القطن ، والقران ينفذ من خلال القطن إلى القلب .قال : ودخلت الحرم يوما ، والقطن في أذني لا اسمع شيئا .لكن أراد الله عز وجل أن يفتح أذنيه ؛ لأن بعض الناس له أذنان وعينان وقلب،لكن كما قال سبحانه :{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (لأعراف:179) أتى فرأى وجه الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقال : فلما رأيت وجهه عرفت انه ليس بوجه كذاب .
لو لم تكن فيه آيات مبينة ***
لكن منظره ينبئك بالخير
فوجه الكذاب تعرفه ، ووجه الخمار تعرفه ، ووجه تارك الصلاة تعرفه ، وهكذا وجه المصلي والصادق
تعرفه ، وأصدق الصادقين وخير الناس أجمعين :
محمد صلى الله عليه وسلم .قال الطفيل : فسمعته صلى الله عليه
وسلم يقرأ ، لكن لا اسمع ؛ لأن في أذني القطن ، فقلت لنفسي : عجبا لي ، أنا رجل شاعر فصيح ، اعرف حسن الكلام من قبيحه ، لماذا لا أضع القطن ، فإن سمعت الكلام طيبا وإلا تركته ؟!فوضع القطن ، وهذه هي الخطوة الأولى .
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السابعة بعد المئتين في موضوع
الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي
بعنوان :الحمد لله والشكر له على نعمة الإسلام
وبدأ صلى الله عليه وسلم يقرأ آيات القرآن . فلما سمع الطفيل الكلام وقع في قلبه .هل يستطيع ملحد ، إن كان عنده عقل أن يسمع {طه} {طـه. مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى. {إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} (طـه:1-3) ولا يؤمن ؟من يستطع أن يسمع {ق ، وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ .بل عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ} (قّ:1-2) ولا يسلم ؟ قال : فلما سمعت الكلام ، تقدمت ، وقلت : عم صباحا ، يا أخا العرب. ـ هذه تحية جاهلية ـ ، وهي ملغاة عند محمد صلى الله عليه وسلم ، فلا تقبل . وقد كانت تقال في الجاهلية : عم صباحا ، ولذلك يقول امرؤ القيس :
ألا عم صباحا أيها الطلل البالي ***
وهل يعمن من كان في الأعصر الخالي
فقال صلى الله عليه وسلم : ( أبدلني الله بتحية خير من تحيتك ) .قال : وما هي ؟ قال:(السلام عليكم ورحمة الله ). ما أحسن الكلام ! فقال : السلام عليكم .فرد عليه .قال : من أنت ؟ قال : ( أنا رسول الله ) .قال : من أرسلك ؟ قال : ( الله ) .فقال الطفيل : إلى ماذا تدعو ؟ فأخبره وقرا عليه شيئا من القرآن . قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله ثم قال:يا رسول الله ،أنا من دوس(هو سيد قبيلة دوس ) .فأمره صلى الله عليه وسلم أن يعود داعية إليهم . فعاد داعية إلى دوس ؛ فلما وصل إليهم قال : هدمي من هدمكم حرام ، ودمي من دمكم حرام ، حتى تؤمنوا بالله،فكفروا،وأعرضوا ،وغلبهم الزنا. فأتى مرة ثانية إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال : يا رسول الله ، غلب على دوس الزنا ، وكفروا بالله ، فادع الله عليهم ، يا رسول الله . أي : أن يسحقهم ويحطمهم ، ويجعلهم شذر مذر .لكن محمدا صلى الله عليه وسلم كان كما قال الله :{ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}(القلم:4){ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ }(آل عمران: من الآية 159) { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ }(التوبة:128) فرفع يديه صلى الله عليه وسلم ، يريد أن يدعو لهم ، فظن الطفيل انه يدعو عليهم . فقال الطفيل : هلكت دوس .فقال صلى الله عليه وسلم :(اللهم اهد دوسا وائت بهم ، اللهم اهد دوسا وائت بهم ، اللهم اهد دوسا وائت بهم . ثم قال : يا طفيل ، اذهب إلى دوس ، فادعهم إلى الإسلام ،ومن ألم معك،فقاتل به من كفر، فذهب ، وطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يجعل له آية .فسال له فوقع نور في جبهته يضيء له في الليل ).
أضاءت لهم أحابهم ووجوههم ***
من الليل حتى نظم الجذع ثاقبه
قال : يا رسول الله ، أخشى أن يقولوا : فيّ مثلة ( أي : مرض ) فادع الله أن يحول عني هذا النور ، فحوله إلى العصاء ، فكان إذا رفع العصا أضاءت له جبال زهران .فلما وصلهم ، كانوا قد تهيؤوا بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقال: ( أدعوكم إلى لا إله إلا الله محمد رسول الله ) ،ثم أراهم الآية .فاسلموا جميعا ودخلوا في دين الله أفواجا ، فسبحان من يهدي .وأتى بهم ،رضي الله عنه وأرضاه،في موكب عظيم، ودخل بهم بعد الهجرة إلى المدينة في جيش عرمرم ، حتى ثار الغبار من رؤوسهم ، وكلهم في ميزان الطفيل .وكان من حسناته : أبو هريرة ،صاحب الحديث ، وأستاذ المحدثين في الإسلام ، وابر حافظ في الأمة المحمدية ، والراوية العملاق ، رضي الله عنه و أرضاه .واستمر الطفيل يدعو ، ويجاهد ، وكان قد باع نفه من الله ، حتى قتل في اليمامة شهيدا {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ،ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً،فَادْخُلِي فِي عِبَادِي .وَادْخُلِي جَنَّتِي} (الفجر:29, 30) [انظر: قم فأذر : محمد العريفي 100 وما بعدها , و وراجع القصة في ( سيرة ابن هشام ) (1/382)]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثامنة بعد المئتين في موضوع
الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي
بعنوان :الحمد لله والشكر له على نعمة الإسلام
3-أنه دين التوحيد الخالص:
الإسلام هو دين التوحيد الخالص لله رب العالمين قال تعالى: { قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } الإخلاص: 1-4.
وقال مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم : \" وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66) سورة الزمر . وهو دين يقوم على عقيدة وعبادة وسلوك . عقيدة : جوهرها التوحيد الخالص الذي لا تشوبه شائبة الشرك الظاهر أو الخفي. وعبادة : جوهرها الصدق و الامتثال والإخلاص .
وسلوك :وثيق الصلة بالعقيدة والعبادة، وكلما كانت العقيدة سليمة، والعبادة صحيحة، كان السلوك سوياً.
قال تعالى على لسان صلى الله عليه وسلم : { قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلا مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} الأعراف: 188.
قال صلى الله عليه وسلم : " ليس منَّا من تطيَّر أو تُطير له، أو تكهن أو تُكُهن له، أو سحر أو سُحر له، ومن أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمدٍ صلى الله عليه وسلم ". [أخرجه البزار في " مسنده " ( ص 169 - زوائده ) و الطبراني في " الأوسط " ( 4 /393 ) الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 310 . ]
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ:\"كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ الله ، صلى الله عليه وسلم ، يَوْمًا فَقَالَ : يَا غُلأَمُ ، اِنِّي اُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ : احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ، إذا سَأَلْتَ ، فَاسْأَلِ اللَّهَ ، وإذا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِالله ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأمة لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بشيء ، لَمْ يَنْفَعُوكَ إلا بشيء قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بشيء ، لَمْ يَضُرُّوكَ إلا بشيء قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتِ الاقْلأَمُ ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ. [أخرجه أحمد 1/293(2669 والتِّرْمِذِيّ" 2516 صحيح ، المشكاة ( 5302 ).]
فالتوحيد الخالص سبب لسعادة المسلم ونجاته في الدنيا والآخرة.
4-أنه دين العلم والمعرفة:
كان أول ما نزل من كلام الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: \"اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ\" سورة العلق: 1-5.
وفي هذا دليل واضح على أن الإسلام هو دين العلم , كما تكرر لفظ العلم في القرآن الكريم 765 مرة , وجعل النبي صلى الله عليه وسلم طلب العلم سبيلاً إلى دخول الجنة فقال : \" مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا ، سَهَّلَ اللهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ ، وَإِنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ يَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ، حَتَّى الْحِيتَانِ فِي الْمَاءِ ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ ، كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ ، إِنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ ، إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا ، إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ. [ أخرجه أحمد 5/196(22059) و"الدرامي" 342 و"ابن ماجة"223 .]
وقال تعالى مبينًا فضل العلم وشرف العلماء:{يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} المجادلة: 11. ويوم أن أخذ المسلمون بأسباب العلم سادوا الأمم , ودانت لهم المعالي والهمم .
5-أنه دين العدل والمساواة بين البشر:
إن الإسلام هو دين العدالة المطلقة، تلك العدالة التي لا تفرق بين حاكم ومحكوم، أو بين ذي سلطان ومن لا سلطان له، أو بين قوي وضعيف، فالجميع أمام القضاء الإسلامي سواء. قال تعالى: {"إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ}" سورة النحل: 90.وقال: {"إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}" سورة النساء: 58.عنْ عَائِشَةَ ؛أن قُرَيْشا أهَمَّهُمْ شَانُ الْمَرْاةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِى سَرَقَتْ . فَقَالُوا : مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللهِِ صلى الله عليه وسلم ؟ فَقَالُوا : وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إلا أُسامة ، حِبُّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم . فَكَلَّمَهُ أُسامة . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : أتشفع في حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ ؟ ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ . فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ إنما هْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ انَّهُمْ كَانُوا إذا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ ، تَرَكُوهُ وإذا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ ، اقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ ، وَايْمُ اللهِ ، لَوْ أن فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا. [أخرجه أحمد 6/41 و"البُخَارِي" 4/213 و5/29 و"مسلم" 5/114]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة التاسعة بعد المئتين في موضوع
الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي
بعنوان :الحمد لله والشكر له على نعمة الإسلام
وهو دين المساواة بين جميع البشر قال تعالى: {"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًاوَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}" [الحجرات: 13].
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالآبَاءِ مُؤْمِنٌ تَقِىٌّ وَفَاجِرٌ شَقِىٌّ وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ فَخْرَهُمْ بِرِجَالٍ أَوْ لَيَكُونَنَّ أَهْوَنَ عِنْدَ اللهِ مِنْ عِدَّتِهِمْ مِنَ
الْجِعْلاَنِ الَّتِى تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتَنَ.[أخرجه أبو داود (5116) و"التِّرمِذي" 3956 .]
وعن أبي هريرة مرفوعاً " الناس ولد آدم ، و آدم من تراب " .[رواه ابن سعد في " الطبقات " ( 1 / 5 ) قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 3 / 8 .]
قال تعالى : {"إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (106) وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (109) وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110) وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (111) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (112) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ
عَلَيْكَ عَظِيمًا (113) سورة النساء .
قال ابنُ عبَّاس : نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَار يُقالُ لَهُ طُعْمَةُ بْنُ أبَيْرِق ؛ سَرَقَ دِرْعاً مِنْ جَارٍ لَهُ يقالُ لَهُ : قتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ ، وَكَانَتِ الدِّرْعِ فِي غِرَارَةٍ وَجِرَابٍ فِيْهِ دَقِيْقٌ ، فَانْتَثَرَ الدَّقِيْقُ مِنَ الْمَكَانِ الّذِي سَرَقَهُ إلَى بَاب مَنْزِلِهِ ، فَفُطِنَ بهِ أنَّهُ هُوَ السَّارِقُ ؛ فَمَضَى بالدِّرْعِ إلَى يَهُودِيٍّ يُقَالُ لَهُ زَيْدُ بْنُ السَّمِينِ فَأَوْدَعَهُ إيَّاهَا ، فَالْتُمِسَتِ الدَّرْعُ عِنْدَ طُعْمَةَ فَلَمْ تُوجَدْ عِنْدَهُ ، فَحَلَفَ لَهُمْ مَا أخَذهَا وَلاَ لَهُ عِلْمٌ ، فَقَالَ أصْحَابُ الدِّرْعِ : لَقَدْ أدْلَجَ عَلَيْنَا وَأخَذهَا ، وَطَلَبْنَا أثَرَهُ حَتَّى دَخَلْنَا دَارَهُ ، وَلَقِيْنَا الدَّقِيْقَ مُنْتَثِراً ، فَلَمَّا حَلَفَ تَرَكُوهُ وَاتَّبَعُواْ أثَرَ الدَّقِيْقِ حَتَّى انْتَهَوا إلَى مَنْزِلِ الْيَهُودِيِّ وَطَلَبُوهُ ، فَقَالَ : دَفَعَهَا إلَيَّ طُعْمَةُ بْنُ أبَيْرِق ، وَشَهِدَ لَهُ نَاسٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى ذلِكَ ، فَقَالَ قَوْمُ طُعْمَةَ : انْطَلِقُواْ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَنُكَلِّمُهُ فِي صَاحِبنَا نُعذُرُهُ وَنَتَجَاوَزُ عَنْهُ ، فَإنَّ صَاحِبَنَا بَرِيْءٌ مَعْذُورٌ. فَأَتَواْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانُواْ أهْلَ لِسَانٍ وَبَيَانٍ ، فَسَأَلُوهُ أنْ يَعْذُرَهُ عِنْدَ النَّاسِ؛فَهَمَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنْ يَعْذُرَهُ وَيُعَاقِبَ الْيَهُودِيَّ ، فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ)..انظر :تفسير ابن كثير 2/405.
6- أنه دين السماحة وعدم الإكراه:
قال تعالى: "لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ
الْغَيِّ" سورة البقرة: 256 ,وقال: " فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ" سورة الكهف: 29.
عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أبنَاءِ أصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، عَنْ آبَائِهِمْ دِنْيَةً ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ :ألاَ مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا ، أو انْتَقَصَهُ ، أوْ كَلَّفهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ ، أوْ أخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَة.[أخرجه أبو داود (3052).]
فالمسلم مطالب بدعوة الناس إلى الإسلام الحق وأما الهداية فهي بيد الله تعالى وحده,قال سبحانه: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99)سورة يونس .
وقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}(56) القصص
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة العاشرة بعد المئتين في موضوع
الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي
بعنوان :الحمد لله والشكر له على نعمة الإسلام
7-أنه دين اليسر ورفع الحرج: الإسلام هو دين اليسر والسهولة ورفع الحرج عن الأمة قال تعالى: " وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} سورة الحج: 78.
عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ الأَنْصَارِيِّ ، قَالَ:سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ ؟ فَقَالَ : الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ ، وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ.[أخرجه أحمد 4/182 (17781) والبخاري في "الأدب المفرد"295 و302 و\"مسلم"8/6(6608).]
وعَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ ، قَالَ:أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ لاَ أَدَعَ شَيْئًا مِنَ الْبِرِّ وَالإِثْمِ إِلاَّ سَأَلْتُهُ عَنْهُ ، وَإِذَا عِنْدَهُ جَمْعٌ ، فَذَهَبْتُ أَتَخَطَّى النَّاسَ ، فَقَالُوا : إِلَيْكَ يَا وَابِصَةُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، إِلَيْكَ يَا وَابِصَةُ ، فَقُلْتُ : أَنَا وَابِصَةُ ، دَعُونِي أَدْنُو مِنْهُ ، فَإِنَّهُ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ أَنْ أَدْنُوَ مِنْهُ ، فَقَالَ لِى : ادْنُ يَا وَابِصَةُ ، ادْنُ يَا وَابِصَةُ ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى مَسَّتْ رُكْبَتِي رُكْبَتَهُ ، فَقَالَ : يَا وَابِصَةُ ، أُخْبِرُكَ مَا جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنْهُ ، أَوْ تَسْأَلُنِي ؟ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، فَأَخْبِرْنِي ، قَالَ : جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ ، قُلْتُ : نَعَمْ ، فَجَمَعَ أَصَابِعَهُ الثَلاَثَ ، فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهَا فِي صَدْرِي ، وَيَقُولُ : يَا وَابِصَةُ ، اسْتَفْتِ نَفْسَكَ ، الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ ، وَاطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ ، وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي الْقَلْبِ ، وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ.- وفي رواية " وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ ، ثَلاَثًا". [أخرجه أحمد 4/228(18164) و"الدارِمِي" 2533 الألباني :صحيح الترغيب والترهيب 2/151.
8- أنه دين الوسطية والتوزان:
فالإسلام دين الوسطية في كل شيء قال تعالى :\" وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا .. (143) سورة البقرة.
*ووسطية الإسلام وسطية شاملة تشمل : الوسطية في العقيدة :فهو يقيم حججه وبراهينه على أدلة مقنعة ساطعة يوازن فيها بين النقل والعقل بعيداً عن التقليد الأعمى أو الإيمان بالخرافات والخيالات .
فهو وسط بين من يؤمنون بالعقل وحده مصدرًا للمعرفة ومن ينكرون قيمة العقل ويقولون بالإلهام أو الأوهام ، إذ أن الإسلام يقف موقفًا مميزًا في الربط بين العقل والوحي ، فهو يعتبر أن بينهما علاقة كعلاقة البصر بالنور ، فالبصر يغدو عديم الفائدة في غياب النور ، كما أن النور لا جدوى منه إذا سار في ضوء أشعته أعمى ، فالعقل بصر والوحي نور وهي كما نرى عقيدة وسط بين هؤلاء وأولئك .
كما أنه وسط في شريعته : فكل من اطلع على عبادات الإسلام ومعاملاته يرى أنه لا يحيد عن الموقف المعتدل ويرفض التطرف الذي يقتضي الميل إلى جانب على حساب آخر.
كما أنه وسط في الأخلاق والسلوك :فهو دين يكره التشدد والتطرف في السلوك والتصرفات فلا يحب الجبن والخنوع كما لا يحب التهور والاندفاع ,
ويكره الشدة والقسوة كما يكره الاستسلام لأعداء الإسلام
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ:إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ ، فَسَدِّدُوا
وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا ، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ ، وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ. [أخرجه البخاري (39) و\"النَّسائي\" 8/121.]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الحادية عشرة بعد المئتين في موضوع
الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي
بعنوان :الحمد لله والشكر له على نعمة الإسلام
9-أنه دين العزة والقوة:
الإسلام دين العزة والقوة والمسلم يستمد عزته وقوته من إيمانه بربه جل وعلا , قال تعالى :{ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139) سورة النساء
ومن العزة أن تكون للمسلم شخصيته الواضحة
والمتميزة وأن يكون شامة وعلامة بين الناس بعيداً عن التقليد الأعمى لغيره وعن الإمعية المقيتة , فلا يذل لغيره ولا يكن ذنباً له , قال تعالى :{وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} سورة آل عمران : 139.
ولقد جعل الله تعالى كلمة "الله أكبر" تتردد كل
يوم في أذان الصلاة مرات ومرات، ثم يرددها المسلمون في صلواتهم كل يوم مرات ومرات، فتشعرهم بأن الكبرياء لله جل علاه، وأن عباده يلزمهم أن يلتمسوا العزةَ من لدنه.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مالي قَالَ فَلاَ تُعْطِهِ مَالَكَ . قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِى قَالَ قَاتِلْهُ . قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِى قَالَ فَأَنْتَ شَهِيدٌ . قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ قَالَ هُوَ في النَّارِ. أخرجه مسلم 1/87.
قال عمر الفاروق رضي اله عنه لأبي عبيدة عامر
بن الجراح رضي الله عنهما ، عندما قدم الشام ليتسلم مفاتيح بيت المقدس من البطاركة ، وقد كان يلبس ثوباً مرقعاً ، ويركب بغلة يتناوبها مع غلام له، فأرادوا منه أن يغير ملابسه وبغلته" نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ، ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله"
10-أنه دين الفضيلة ومكارم الأخلاق :
الإسلام دين يدعو في كل تعاليمه ومبادئه إلى الفضائل ومكارم الأخلاق , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ صَالِحَ الأَخْلاَقِ. وفي رواية الموطأ " مكارم الأخلاق 2/ 904 " .
أخرجه أحمد 2/381(8939) و\"البُخاري" في "الأدب المفرد" 273 .
عَنْ عَائِشَةَ ، رَحِمَهَا اللَّهُ ، قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ.[أخرجه أحمد 6/64 ]ولقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : " اللهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي فَحَسِّنْ خُلُقِي ".
والمسلم حين يقدم علي الخير للناس , أو يبتعد عن إيذائهم لا يطلب مقابل ذالك إحساناً أو ثمناً بل يفعله إرضاءً لربه سبحانه قال تعالى : " إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) سورة الإنسان
والأخلاق في الإسلام تتعدى حدود الزمان والمكان
بل وتتعدى الإنسان إلى غيره من المخلوقات , عن شداد بن أوس , قال : ثنتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , قال:إن الله كتب الإحسان على كل شيء , فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة , وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح , ليحد أحدكم شفرته , وليرح ذبيحته[.أخرجه أحمد 4/123(17242) و\"مسلم\"2/76(5096).]
وحمدا لله تعالى وشكرا على نعمة الإسلام حمد يستوجب الفهم العميق لمبادئ الإسلام ولتشريعاته الخالدة , وكذا التطبيق العملي لتلك التعاليم والتشريعات حتى تصبح واقعاً ملموساً وسلوكا مشاهداً ,وحتى يدرك الناس أن عالمية الإسلام ليست شعاراً يرفع ولا كلمات تقال بل هي أثر يُدرك وأمل ينُشد.
[الأنترنت – موقع صيد الفوائد - الحمد لله على نعمة الإسلام - د. بدر عبد الحميد هميسه]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثانية عشرة بعد المئتين في موضوع
الشكور والتي هي بعنوان :*كيف تحول نفسك من إنسان سلبي إلى إنسان إيجابي؟
إنَّ حقيقة الإنسان ليست جسمًا يتميَّز بثقل مادي أو كائن حي يَنمو ويتحرَّك؛ بل هو مِزاجٌ معنوي مُركَّبُ معقَّد تُجْمع فيه أفكار، وعواطف، وغرائز، وطبائع، مُنسجمة فيما بينها في كيان نفساني يَنطبِع سلوكه بانطباع خاص، يُعطي صورةً في أذهان الناس لشخصية قائمة بذاتها لا يُماثله فيها أحد، فسلوكه عبارة عن اتجاه أو خطٍّ يرسمُه له فكرُه وغرائزُه وميوله وطباعه، فتُوصله إلى شخصية مُنفردة.
"إنها الطبيعة البشرية" والإنسان بطبيعته يعمل وَفْق خواطر، ثم يُعبِّر عمَّا في نفسه بترجمة هذه الخواطر إلى أفعال (ليس بالتمني أو بالكلام فقط) بعد التوكل على الله، ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3]راجع: [حاجة الإنسان إلى الدين (2) معرفة الله سبحانه وتعالى] على شبكة الألوكة، ]
لذلك عليك أن تعرف نفسك، وهذا سيُعينك على الحياة؛ حيث تشعر بأن كل شخص متميِّز عن غيره
بخصائص فردية؛ مما يجعلك مُدركًا لإمكانياتك وقدراتك، ويبيِّن لك نقاط ضعفك وقوتك؛ ممَّا يزيدك ثقة في نفسك، فتدفعك للانطلاق والاستعداد لتتخذ قدوة، وتختار النموذج المناسب تقتفي آثاره دون تقليد أعمى، واضعًا أمامك هدفًا أو أهدافًا للوصول إليها والظفر بها.
فإذا أنت حافظت على شخصيتك واستقلاليتها، وعشتَ في نطاق ذاتيتكَ الخاصة، فإنك حتمًا ستسلكُ: سلوكًا فعَّالًا، وتُعْتبر إنسانًا إيجابِيًّا وإذا ما حدث العكس فإنك ستُنافِق نفسك والناس والمجتمع، وتتحول إلى :
• مُقلِّد لذوي الشهرة في حركاتهم ومظاهرهم، وطريقة أدائهم للأعمال، ومُراءٍ في تصرُّفاتك. مُتلهِّف على الحب والعطف، وفي قرارة نفسك يهمس لك صوتٌ خفيٌّ بكلام مختلط: (إنهم... لا يُحبونني).
• راغب في بلوغ الكمال، وكلما فعلت شيئًا تقول: ليس هذا ما أريد، ولا بالمستوى والقدر الكافي الذي أطلبه، فيأخذك الغرور بالكبرياء والعظمة.
• سريع التسليم بالهزيمة؛ حيث لا تستطيع أن
تكمل ما بدأت به، مع أن لديك القدرة والإمكانية لذلك.
• ضَجِرٍ، مُتبرِّم، مُتضايق.
• مُتأثر سلبًا بنجاح الآخرين، مقارن نفسَكَ بهم.
• مفتقدٍ لروح الدعابة والممازحة والفكاهة، وتُحدِّثك نفسك بأنهم يسخرون منك.
وهكذا تتحول إلى إنسان يسلك سلوكًا: غيرَ فعَّالٍ، وتُعْتبر إنسانًا سلبِيًّا
إن كل ما أنجز من أمور عظيمة في تاريخ الإنسانية بدأ بفكرة، ونحن جميعًا نملك أفكارًا، لكن قلَّة قليلة من الناس يفعلون شيئًا بها، فللطباع قواعد وأحكام، وللغرائز مطالب، وللعَواطف ميول وأشواقٌ، وللفكر منطقُه ونقدُه وتميُّزُه.
فإذا كنت إنسانًا قَلِقًا ومضطربًا، فإنَّ القلق والاضطراب في قلوب الحمقى والغافلين، أما إذا كنتَ إنسانًا طموحًا، فالطموح أمر مشروع لكل شخص، بل مطلوب أيضًا، لكنه ليس شرطًا لإسعادك، وعليه يَنبغي أن تكون سعيدًا في وضعك وظروفك التي أنت عليها، ثمَّ اسعَ:
للتغيير وتحقيق الطموحات والوصول إلى أعلى المراتب.
ومَهمَّتُك أيها الإنسان المسلم في هذه الحياة هي:
استعمال ما تعلمته من علوم، وما اكتسبته من معارف وعادات وتقاليد موجودة، سواء في مجتمعك وبيئتك، وما اكتسبته من رحلات واتصالاتك بِبِيئات ومجتمعات أخرى، وهذه العلوم والممارسات المكتسبة، تؤهلك إلى إضافات جديدة وجادَّة إلى الطبيعة والحياة؛ لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلقنا وجعلنا عُمَّارًا لهذه الأرض.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثالثة عشرة بعد المئتين في موضوع
الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :*كيف تحول نفسك من إنسان سلبي إلى إنسان إيجابي؟
إن التشبُّه بالغير انتحار لشخصيتك ذاتها، وعليك أن تتقبَّل نفسك على حالاتها، وارضَ بها كما قسمها الله لك، وإلا ستُصبح مِن الذين يتمنون زوال النعمة لغيره ساخطًا على الناس، وَتشْعُرُ مِنْ جَرَّاءِ ذَلِكَ بِالحَسْرَةِ؛ "رجل ٌحاسد"، والحاسدعدوٌّ لنعمة الله.كما أن الحسد داء فتاك لا يوجد له دواء، إلابالعودة إلى صيدلية القرآن الكريم؛ لتأخذ منها الدواء، ويتم الشفاء بدون مقابل، مجَّانًا.
قال تعالى ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الإسراء: 82].﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ﴾ [الفلق: 1 - 5]. والله سبحانه وتعالى هو الوحيد الذي له القدرة على إبعاد شرِّ خلقِهِ وحِفْظِنا من شرِّ حسدِهِم، وبمعيَّة الله تكون قدرته وقوته فوق كل قدرة وأعلى مِن كل قوَّة، فتصْفو قلوبُنا، وتُبعَد عنا كل الوساوس التي تُفسِد علينا فطرتنا، وإذا صفيَتْ استقبلْنا فُيوضاتِه سبحانه وتعالى، التي تبعَث في النفس الرَّاحة والطمأنينة.
إذًا، تخلَّص مِن هُمُومك الدفينة، حسِّن وطوِّر قدراتك؛ لتتوافق مع الواقع العملي في ظل التطورات الكبيرة التي يشهدُها العالم، مع أهمِّيَّة الالتفات إلى ذاتك، واعلم أن تنمية شخصيتك لا تحتاج إلى مال، ولا إمكانات، ولا فكر مُعقد؛ وإنما إلى إرادة صلبة، وعزيمة قوية تصل بك إلى ردود أفعال إيجابية، فتحقِّق أقصى طموحاتك، وتتجاوز أكبر التحدِّيات التي تواجهك، وبهذا فإنك: "تحوِّل نفسك من إنسان سلبي إلى إنسان إيجابي".
فَلْنتعَلَّمْ من الماضي، ونُحوِّله إلى مهارة، ونرتِّب أفكارنا وقيمنا في الحاضر؛ لكي نبني مُسْتَقبلًا إيجابيًّا ومُشرِقًا بعون الله تعالى. فإذا كانت القراءة تصنع الإنسان الكامل فالكتابة تصنع الإنسان الدقيق
[الأنترنت – موقع الألوكة - كيف تحول نفسك من إنسان سلبي إلى إنسان إيجابي؟ -عبدالمجيد قناوي]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الرابعة عشرة بعد المئتين في موضوع
الشكور والتي هي بعنوان :
*ماهية العقل حتى نشكر الله عليه ( تعريف العقل عند العلماء المسلمين )
نورد آراء بعض العلماء السابقين لابن تيمية – رحمه
الله - في العقل، وبخاصة أولئك الذين نوَّه بآرائهم
أو ذكرهم في كتبه، منهم:
أ - الحارث المحاسبي : [الحارث بن أسد المحاسبي]
ألَّف كتابًا سماه: "مائية العقل ومعناه واختلاف الناس فيه"[ العقل وفهم القرآن، للمحاسبي ص 193.]
، يبيِّن فيه معنى العقل عنده، وينتقد معاني العقل عند بعض مَن سبقه.
يبين أن للعقل عند العلماء ثلاثةَ معانٍ:
أولها: أن العقل غريزة.
ثانيها: أن العقل فهم.
ثالثها: أن العقل بصيرة.
• ويؤكِّد أن العقل غريزة بقوله: "فالعقل غريزة
جعلها الله - عز وجل - في الممتحنين من عباده"
[ المرجع السابق، ص 203.]
وقال: "فهو غريزة لا يعرف إلا بفعاله في القلب والجوارح، لا يقدر أحدٌ أن يصفَه في نفسه ولا في غيره بغير أفعاله"[ المرجع السابق، ص 204.]
ورأى أن العقل غريزة،قال به الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله ومعظم السلف[ الرد على المنطقيين لابن تيمية، ص 94.]
، والإمام أحمد ممَّن عاصر المحاسبي، وقد أضاف المحاسبي إلى قوله: إن العقل غريزة كلمة "نور"، فقال لما سئل عن العقل:هو نورالغريزة،مع التجارب يزيد،ويقوى بالعلم وبالحِلْم[طبقات الشافعية للسبكي 2/41.]
ويعارض المحاسبي قولَ البعض: إن العقل معرفةٌ:
"وقد زعَم قومٌ أن العقل معرفةٌ نظمها الله ووضعها
في عباده، ويتَّسِع بالعلم المكتسب الدال على المنافع والمضار، والذي هو عندنا أنه غريزة، والمعرفة عنه تكون"[ العقل وفهم القرآن، ص 205.]
وكذلك سمَّى العربُ العقل فهمًا؛ "لأن ما فهِمْتَه فقد قيَّدْتَه بعقلك وضبَطْتَه كما البعير قد عُقِل؛ أي قد قيدت ساقه إلى فخذَيْه"[ المرجع السابق، ص 208.]
وكذلك قالوا عن العقل: إنه البصيرة، والبصيرة ظاهرة عقلية، وليست هي العقل عند المحاسبي؛ لأن البصيرة هي فهم حقائق معاني البيان، وتحصل بعد العقل عن الله -تعالى- وبعد أن تعظُم معرفته بعظيم قُدْرة الله وبقدر نعمِه وإحسانه[ المرجع السابق، ص 210.]
ب - قدامة بن جعفر: قال: "العقل قسمان: موهوب ومكسوب،فالموهوب خلقه الله، والمكسوب ما يستفاد من التجربة والعِبَر والأدب والنظر.
وقد شبَّه بعض القدماء العقل الغريزي بالبدن، وشبَّه المكتسب بالغذاء"[ العقل وفهم القرآن للمحاسبي، ص 186 - 187.]، ويُظهِر هذا القولُ أن قدامة متأثر بقول المحاسبي بأن العقل نور الغريزة يزيد ويقوى بالعلم[ المرجع السابق، ص 187.]
جـ - الجُوَيني (إمام الحرمين) : قال السبكي في كتابِه طبقات الشافعية الكبرى: "قال إمام الحرمين في البرهان عند الكلام في تعريف العقل: (وما حوَّم عليه أحدٌ من علمائنا غير الحارث، فإنه قال: العقل غريزة يتأتَّى بها درك العلوم وليست منها، وقد ارتضى الإمامُ كلامَ الحارث هذا كما ترى، وقال عقيبه: إنه صفة إذا ثبت بها التوصُّل إلى العلوم النظرية ومقدِّماتها من الضروريات التي هي مستند النظريات،وهي منه بناء على أن العقل ليس بعلم)" [ العقل وفهم القرآن، ص 187.]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الخامسة عشرة بعد المئتين في موضوع الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :*ماهية العقل حتى نشكر الله عليه ( تعريف العقل عند العلماء المسلمين )
د - أبو حامد الغزالي : قال في كتابه إحياء علوم الدين: "إن العقل يطلق على أربعة معانٍ:
فالأول: الوصف الذي يُفارِق الإنسان به سائرَ البهائم، وهو الذي استعدَّ به لقَبول العلوم النظرية، وتدبير الصناعات الخفية الفكرية، وهو الذي أراده الحارث بن أسد المحاسبي؛ حيث قال في حدِّ العقل: إنه غريزة يتهيَّأ بها إدراك العلوم النظرية.
الثاني: هي العلوم التي تخرج إلى الوجود في ذات
الطفل المميِّز بجواز الجائزات، واستحالة
المستحيلات، كالعلم بأن الاثنين أكثر من الواحد.
الثالث: علوم تستفاد من التجارب بمجاري الأحوال، فإن حنَّكَتْه التجارب، وهذَّبَتْه المذاهب يقال: إنه عاقل في العادة، ومَن لا يتصف بهذه الصفة، فيقال إنه غبي غُمْر جاهل، فهذا نوع آخر من العلوم يسمى عقلاً.
الرابع: أن تنتهي قوَّة هذه الغريزة إلى أن يعرف
عواقب الأمور، ويقمع الشهوة الداعية إلى اللذَّة العاجلة ويقهرها، فإذا حصلت هذه القوَّة سمِّي صاحبُها عاقلاً من حيث إقدامه وإحجامه، بحسب ما يقتضيه النظر في العواقب، لا بحكم الشهوة العاجلة، وهذه أيضًا من خواصِّ الإنسان التي بها يتميز عن سائر الحيوان"[ انظر: إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي 1/72.]
هـ - ابن الجوزي : ينقل في كتابيه: (الأذكياء)، و(ذم الهوى) ما قاله الغزالي، ويضيف مبيِّنًا ماهية العقل: "يعرف العقل بسكوتِه وسكونه ومراقبته للعواقب، وليس العقل محسوسًا، وإنما يدل عليه ظاهرُ قول العاقل وعمله".
ويقول: "إنما تتبيَّن فضيلة الشيء في ثمرته وفائدته، وقد عرَفْتَ ثمرة العقل وفائدته، فإنه هو الذي دلَّ على الإله، وأمر بطاعته وامتثال أوامره"[ ابن الجوزي: الأذكياء، ص 10 - 15، وذم الهوى، ص 805.]
و – النَّسَفي : يُعرِّف العقل بقوله: "هو قوَّة للنفس بها تستعدُّ للعلوم والإدراكات، وهو المَعْنِي بقوله: غريزة يتبعُها العلم بالضروريات عند سلامة الآلات، وقيل: هو جوهر تُدرَك به الغائبات والمحسوسات بالمشاهدة"[ العقائد النسفية للنسفي، ص 46 - 61.]
ويقسِّم النَّسَفي العقل إلى غريزي واستدلالي، وهو
في هذا متأثِّر بالمحاسبي أيضًا، والعقول عنده متفاوتة بحسب الفطرة :
• منها العقل البديهي، كالعلم بأن الكل أكبر من الجزء، وهذا العلم لا يحتاج إلى دليل أو تفكير.
• ومنها العقل الاستدلالي: كالعلم بأن الدُّخَان
علامة على وجود النار.
• ومنها العقل الاكتسابي، وهو أعمُّ من الاستدلالي، وهو يقوم على الاختبار بالحواس.
• ومنها يجيء بالإلهام، وهو ما يلقى في القلب مباشرة.
ز - أبو بكر الرازي : قال في كتابه "الطب
الروحاني" معدِّدًا منافع العقل: "إن الباري – عزَّ
اسمه - إنما أعطانا العقل وحبانابه لننالَ ونبلغ به من المنافع العاجلة والآجلة غايةَ ما في جوهر مثلِنا نَيْله وبلوغه، وأنه أعظم نِعَم الله عندنا، وأنفع الأشياء لنا وأَجْدَاها علينا...
فبالعقل فضَّلنا على الحيوان غير الناطق حتى
ملكناها وسُسناها، وذلَّلناها وصرفناها في الوجوه العائدة منافعها علينا وعليها، وبالعقل أدركنا جميع ما يرفعنا، ويحسن ويطيب به عيشنا، ونصل به إلى بُغْيَتنا ومرادنا، فإنا بالعقل نِلْنا صناعة الطب الذي فيه الكثير من مصالح أجسادنا، وسائر الصناعات العائدة علينا، النافعة لنا، وبه أدركنا الأمور الغامضة البعيدة المستورة عنا، وبه عرَفْنا شكل الأرض والفلك، وعظم الشمس، والقمر وسائر الكواكب وأبعادها وحركاتها، وبه وصلنا إلى معرفة الباري - عز وجل - الذي هو أعظم ما استدركنا، وأنفع ما أصبنا.
وبالجملة، فإنه الشيء الذي لولاه كانت حالتنا حالة البهائم والأطفال والمجانين"[ انظر: مقام العقل عند العرب؛ قدري حافظ طوقان، ص 10.]
هذه أقوال بعض العلماء في العقل ذكرتها على سبيل المثال لا الحصر، وبخاصة أولئك الذين تأثَّر بهم ابن تيمية - رحمه الله - في معاني العقل وذكر آراءهم، وكما رأينا أن رأي الحارث المحاسبي - رحمه الله - هو الأصل في آراء هؤلاء العلماء، وكلُّهم قد تأثر به، وكتابه "مائية العقل ومعناه، واختلاف الناس فيه" كان المرجع في عصره في هذا المجال...
إلا أن ابن تيمية - رحمه الله - يدرسُ العقل دراسة علمية دقيقة جدًّا، مبتدئًا بردِّ أقوال الفلاسفة اليونانية في العقل؛ أمثال أرسطو، وتلاميذ الفلسفة اليونانية من المسلمين؛ أمثال الفارابي والكندي، ومُبيِّنًا مكانةَ العقل في الإسلام وصلته بالنقل أو بالشريعة بعامة، فضلاً عن نقد المنطق الأرسطي الذي هو نتاج الحركة العقلية عند الإنسان .[الأنترنت – موقع الألوكة - ماهية العقل حتى نشكر الله عليه ( تعريف العقل عند العلماء المسلمين ) - د. فهمي قطب الدين النجار]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السادسة عشرة بعد المئتين في
موضوع الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي
هي بعنوان :
*تكريم الله للإنسان بالعقل يستحق شكره
جاء القرآن بتمجيد العقل وتعظيمه وبيان مكانته، فبين أن أهل العقول هم المتفكرون دائماً في عظمة
الله، وهم المقربون إلى ربهم، فهذه هي وظيفة العقل في القرآن، وأما السنة فقد علق النبي صلى الله عليه وسلم التكليف والمؤاخذة والعتاب والعقاب على وجود العقل واستقراره، لكن أهل البدع جعلوه حاكماً للشريعة قديماً وحديثاً، فما استساغه العقل قبلوه، وما لم يستسغه ويستوعبه ردوه؛ وبهذا تتميع أحكام الشريعة، فنعوذ بالله من
الخذلان! [ كتاب البدعة وأثرها في محنة المسلمين، المؤلف : أبو إسحاق الحويني الأثري، (ج1/ص4). ]
القرآن الكريم يدعو الإنسان دائماً إلى التفكر والى التأمل حتى يعي وحتى يفسر ما حوله ونجد عقيدة الروح هي إحدى العقائد الغيبية في الدين الإسلامي العظيم ولكن الفضيلة الأولى في هذه العقائد أنها لا تعطل عقول المؤمنين بها فالروح والجسد في القرآن الكريم هما ملاك الذات الإنسانية وتتم بهما الحياة ولا يجوز للإنسان أن يبخس للجسد حقاً ليوفي حقوق الروح وفي المقابل لا يبخس للروح حقاً ليوفي حقوق الجسد.
هذا هو القرآن الكريم وهذا هو الدين الإسلامي
الذي يعتبر مفخرة لكل مسلم على وجه الأرض حيث فضله ووضعه في مكانته اللائقة ومكنه في الأرض يبتغي فيها معايشه، يقول تعالى: ﴿ وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾ [ سورة الأعراف:10.]
هذه هي المكانة المتميزة للإنسان في القرآن الكريم ثم نجد أن هناك قوانين موضوعة للإنسان لكي يسمو بنفسه ولكي يعيش حياة منظمة لها أحكام وقوانين فهناك قوانين للأمانة: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ [ سورة البقرة:283.]
إن وثق بعضكم ببعض فلا حرج في ترك الكتابة والإشهاد والرهن، ويبقى الدَّين أمانة في ذمَّة المدين، عليه أداؤه، وعليه أن يراقب الله فلا يخون صاحبه. فإن أنكر المدين ما عليه من دين، وكان هناك مَن حضر وشهد، فعليه أن يظهر شهادته، ومن أخفى هذه الشهادة فهو صاحب قلب غادر فاجر. والله المُطَّلِع على السـرائر، المحيط علمه بكل أموركم، سيحاسبكم على ذلك[ التفسير الميسر (ج1/ص49).]
وجاء أيضاً في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ
تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ [ سورة النساء:58. ] هذه الآية من أمهات الآيات المشتملة على كثير من أحكام الشـرع، لأن الظاهر أن الخطاب يشمل جميع الناس في جميع الأمانات، وقد روي عن علي، وزيد بن أسلم، وشهر بن حوشب: أنها خطاب لولاة المسلمين، والأول أظهر، وورودها على سبب كما سيأتي لا ينافي ما فيها من العموم، فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، كما تقرر في الأصول وتدخل الولاة في هذا الخطاب دخولا أوليا، فيجب عليهم تأدية ما لديهم من الأمانات، ورد الظلامات، وتحري العدل في أحكامهم، ويدخل غيرهم من الناس في الخطاب، فيجب عليهم رد ما لديهم من الأمانات، والتحري في الشهادات والأخبار[ فتح القدير: محمد الشوكاني الناشر: دار ابن كثير، - دمشق، (ج1/ص555).]
إن الدين الإسلامي يحث المؤمنين على أداء الأمانة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى ﴿ وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا ﴾ [سورة الأحزاب:27.]
هذا هو الإنسان صاحب العقل والبصيرة الذي
يعي كيف يؤدي الأمانة وكيف يحافظ عليها لأنه أفضل مخلوق بين المخلوقات جميعها ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ [سورة الإسراء:70.]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السابعة عشرة بعد المئتين في
موضوع الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي
هي بعنوان :
*تكريم الله للإنسان بالعقل يستحق شكره
كرم الله الإنسان بالعقل وبين منزلته في القران الكريم وأهميته، فالعقل ميزة الإنسان لأنه منشأ الفكر وله القدرة على الإدراك والتدبر وتصريف الحياة وينحط ويطغى ويفسد باجتناب الحق وإتباع الهوى، العقل أداة وصل الدين بقضايا الواقع لأنه يملك طاقات إدراكية أودعها الله فيه بدور مهم في الاجتهاد والتجديد إلى يوم القيامة.
العقل مناط التكليف وأساسه لان التكليف خطاب من الله ولا يتلقى ذلك الخطاب إلا من يعقل، وترجع أهمية العقل في القرآن الكريم إلى :
* العقل أداة التمييز والفهم والإدراك وبه ميز الله الإنسان عن سائر الخلق.
* أداة الاجتهاد ووصل الدين بقضايا الواقع.
* العقل مناط التكليف.
* ومنهجية التفكير كما يبرزها القران الكريم.
أمرنا الله عز وجل بالتدبر في القران الكريم وفهم معانيه والتدبر في خلقه وكونه لقوله: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ﴾ [سورة النساء:82.]
فربط الحالة الإيمانية بالحالة الفكرية ويرد إليه
التفكر العقلي الخالص والتأمل ألذهني العميق
الذي يفضي إلى المعرفة الصحيحة.
وإذا قلنا العقل الإسلامي، قصدنا به العقل الذي يتخذ من الإسلام منهجًا له في تحركه وفعله واستنتاجه وحكمه، ومعلوم شـرعًا وعقلاً ومنطقًا وحسًّا أن الإسلام دين الفطرة السليمة ورسالة الإنسانية في اعتدالها وقيمها وإنسانيتها، فأحكامه وتوجيهاته مستساغة عقلاً، مبرهنة منطقًا، مقبولة طبعًا، مألوفة فطرة، مستحسنة عُرفًا وعادة، وهذا هو الذي عبر عنه قديمًا وحديثًا بتطابق المنقول مع المعقول. وما يظن أنه مخالف لذلك فهو راجع إلى أن الأمر بين الوحي والعقل في المناط والمحل الواحد لم يتحقق على الوجه المطلوب، كأن يرجع إلى الجهل بالعربية والمقاصد، أو يرجع إلى أن الوحي مما يعلو الفهم العقلي، أو أن يكون الوحي قد حمل على ظاهره وهو مما ينبغي أن يؤول لإزالة التناقض المتوهم بينه وبين العقل، أو أن العقل قد أخطأ فيما توصل إليه من نتائج، أو أن ما ظن من آحاد الأدلة وحيًا هو على غير ذلك.
إننا نقصد بالعقل الإسلامي في العصر الحالي كما ذكرنا عقل الفرد المكلف، وعقل الخاصة من العلماء
والمجتهدين، وعقل الجماعة والأمة المسلمة.
فعقل الفرد المكلف هو أداة فهمه للأحكام
والامتثال إليها، وهو مطالب شـرعًا بمزاولة أقدار عقلية تتناسب مع إمكاناته واستطاعته، ومحمول على لزوم بذل أكبر ما يمكن من حظوظ الفهم والاستيعاب، والتفكر في الشرع والكون والنفس، بهدف تقوية الإيمان، وتصحيح التعبد والتعامل، وترشيد السلوك، وتهذيب الأخلاق، حتى بلوغ درجات الكمال أو الاقتراب منه.
أما عقل الخاصة والنخبة والصفوة فهو عقل العلماء والمجتهدين والخبراء، الذين توافرت لهم حظوظ من الفهم والاستيعاب والتمييز لم تتوفر لغيرهم من العامة، وهي تتفاوت رسوخًا وعمقًا بتفاوت صلاح النفس، وعمق التحصيل، وطول الخبرة، وشدة الاستفراغ، وتدريب الملكة على البذل والنظر والتأمل والمراجعة وغير ذلك وواجب العلماء اليوم تشكيل عقل جماعي متخصص ينظر للواقع بشمول وإحاطة واستيعاب، ويزن الأمور بميزان الجماعية التي بارك الله فيها من جهة، والتي يتوقف فهم الواقع المعاصر عليها، لما بلغته قضاياه وأحواله من تشعب وتعقيد واختلاط وتداخل في صوابه وخطئه، في حلاله وحرامه من جهة أخرى، هذا فضلاً عما يتوقف فهمه على ذوي الاختصاص والخبرة لطبيعته وماهيته، وفضلاً أيضًا عما شاب العقل الإسلامي من اختلالات واهتزازات في الفهم والتمييز بسبب اختلاط الثقافة الإسلامية بثقافات أخرى، وليس مع ذلك الاختلاط من تحصين ووقاية وعمق في الأصالة والهوية والثقافة وتشبع بالمعرفة الإسلامية في جانبها العقدي والتشريع والأصولي، بل إن قلة ذلك التحصين أو انعدامه أحيانًا راجع إلى نفس سبب ذلك الاختلاط غير المتكافئ، والمقصود به التحامل والتآمر وتشويش العقل الإسلامي، وتشويه الممارسة وتحريفها عن منهج الصواب والصلاح والسداد والرشد.
إن التحديات الفكرية والاقتصادية والحضارية المعاصـرة التي تواجه الكيان العام، وتستهدف البناء القيمي التشـريعي الإسلامي لن يكون مقدورًا عليها إلا بتشكيل العقل العام والضمير الجماعي المتشبع بالروح العقدية والفكرية الأصيلة، والروح المعنوية والوجدانية العالية، والنفس الإصلاحي التعميري الشامل، والرغبة في الشهادة على العالم، وإحياء الخيرية والرحمة لكافة الناس
[ (الاجتهاد المقاصدي حجيته، ضوابطه، مجالاته) الجزء الثاني، للدكتور نور الدين بن مختار الخادمي، في سلسلة ( كتاب الأمة)، (ج1/ص149).][ الأنترنت – موقع الألوكة - تكريم الله للإنسان بالعقل - د. سمير مثنى علي الأبارة ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثامنة عشرة بعد المئتين في
موضوع الشكور والتي هي بعنوان :
*الحفاظ على نعمة العقل
إن العقل أساس الأعمال وينبوعها، والمميز بين الأشياء ومرجعها؛ ولذلك كان مناط التكليف الإلهي في الإنسان، فإذا وجد وجد التكليف وإذا انعدم انعدم به التكليف، فلا تكليف على قاصر حتى يبلغ، ولا على مجنون حتى يعقل.
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الغلام حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق) وإذا أردت أن تعرف -أيها الإنسان- فضل الله عليك بهذه النعمة فانظر إلى من فقدها كالمجنون أو أصحاب الأمراض العقلية، فالحمد لله على نعمته ونسأله المزيد من فضله، وأن تكون هبته سائقة لنا إلى شكره وحسن عبادته.
ومما يبين لنا عظم هذه النعمة وأهميتها في الشريعة الإسلامية: أن الجناية على العقل حتى يخرج عن حد التكليف توجب الدية كاملة كدية النفس؛ لأن العقل أشرف المعاني والأعضاء، وهو من أعظم آلات السعادة وصلاح الحياة.
إن العقل عند العقلاء ينقسم إلى قسمين:
الأول: العقل الغريزي، وهو العقل المشترك بين العقلاء.
والثاني: العقل الاكتسابي، وهو ما يكتسب من تجارب الزمان ووقائعه.
والعقل الغريزي لا يبلغ غاية الكمال إلا بمعاونة العقل المكتسب كالنار والحطب، وذلك أن العقل
الغريزي آلة، والمكتسب مادة، وإنما الأدب عقل غيرك تزيده إلى عقلك.
وأما العقل المكتسب فإنه لا ينفك عن العقل الغريزي، وقد ينفك العقل الغريزي عن المكتسب فيكون صاحبه مسلوب الفضائل موفور الرذائل، وبهذا يتمايز العقلاء، ويعرف الألباء من الجهلاء.
أيها العقلاء، إن العقل نور يهدي صاحبه إلى محاسن الأقوال والأفعال، وكم من إنسان يتصرف تصرف المجانين والبهائم، بحيث يعيش لشهواته ونزواته وأهوائه واعتداءاته.
قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف179].
ولقد خلق الله الإنسان وخلق له العقل ليتدبر الأمور ويحسن التصرفات، ويعرف قيمة الحياة الفانية وقيمة الحياة الباقية. قال تعالى: ﴿ وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النحل78].
وقد أدرك العقلاء فضل العقل وأهميته، فقال بعض السلف: " ما أوتي رجل بعد الإيمان بالله عز وجل خيراً من العقل.وقال بعضهم: مروءة الإنسان عقله"
وقال آخر :
يُعدُّ رفيعَ القوم من كان عاقلاً ***
وإن لم يكن في قومه بحسيب
وإن حلّ أرضاً عاش فيها بعقله ***
وما عاقل في بلدة بغريب
وقال بعضهم:
وأفضل قَسْم الله للمرء عقلُه ***
وليس من الخيرات شيء يقاربه
ويزري به في الناس قلةُ عقله ***
وإن كرمت أعراقه ومناسبه
إن العقل الصحيح النافع يقود صاحبه إلى معرفة خالقه والعمل بشرائعه، والسير على الطريق التي جعلها سبيلاً موصلة إليه، يعرف من أين جاء ولماذا جاء وإلى أين المصير.
والعقل الصحيح هو المستفيد من آيات الله تعالى المسطورة، وآياته المنشورة على هذا الكون؛ لتهديه -حينما يشاهدها ويتفكر فيها- إلى الصراط المستقيم.
وهذا العقل هو اللب والنُّهى الذي أثنى الله على أصحابه في كتابه العزيز، وبين أنهم هم المستفيدون من آيات الله ومن العظات والعبر في هذه الحياة.
قال تعالى: ﴿ يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 269]. وقال تعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 164]. وقال: ﴿ كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى ﴾ [طه: 54].
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة التاسعة عشرة بعد المئتين في
موضوع الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :*الحفاظ على نعمة العقل
هناك عقول ذكية وألباب مشرقة، لكن على مصالح الدنيا فحسب، فهذه عقول مظلمة في مصالح الآخرة ربحت في الدنيا لكنها خسرت الآخرة.
كم من ذكي ألمعي،ومخترع عبقري هداه عقله الفطري وذكاؤه الخارق إلى مجاهل ومسالك في الدنيا لم يصل إليها أحد قبله، فصار صاحب اكتشافات وحقائق ونظريات، وأوصله عقله وذكاؤه إلى مقامات رفيعة في الدنيا، لكنه لم يوصله إلى خالقه ويعرفه الدين الحق، فماذا استفاد من عقله وذكائه عند ربه؟!
وكم من إنسان مسلم بصير بمصالح الدنيا ذكي في تحصيل منافعها ودفع مضارها بعقله الخصب وذكائه الوقاد. غير أنه لم يستغل هذا الذكاء في جلب مصالح الآخرة والإكثار منها، ولعله قد يصرف هذا الذكاء وطاقته العقلية الجبارة في المكر وإضرار إخوانه المسلمين.
فماذا استفاد من هذا العقل الذي لم يصرف إلى مصالح دينه وأسباب نجاته بين يدي ربه؟!
عباد الله، إن العقل الممدوح في الشرع له نتائج حسنة ومظاهر منبئة عن كماله واستقامته، تظهر على صاحب هذا العقل الحصيف في أقواله وأعماله وأحواله، فمن تلك المظاهر الدالة على عقل صاحبها:
الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة؛ لأن الزاهدين الصادقين المتبعين عرفوا حقيقة الدنيا بحسن عقولهم
فلم يركنوا إليها، وعرفوا حقيقة الآخرة فاستعدوا لها ورغبوا فيها.
فالعاقل من عقل عن الله أمره ونهيه، والزهاد منهم؛ ولهذا قال بعض علماء الشافعية: إن من أوصى بثلث ماله لأعقل الناس فإنه يكون مصروفاً في الزهاد؛ لأنهم انقادوا للعقل ولم يغتروا بالأمل. فالزهاد أخذوا من الدنيا ما يكفيهم لبلوغ الآخرة، ولم تكن هذه الحياة هدفهم ومنتهى أمانيهم فيصرفوا الزمن والجهد كليهما في خدمتها والانشغال بها، وإنما بغيتهم الحياة الأبدية في جنة عرضها السموات والأرض، هؤلاء هم العقلاء الفطناء والأذكياء النبهاء:
إن لله عباداً فطناء ***
طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا
نظروا إليها فلما علموا ***
أنها ليست لحي وطنا
جعلوها لجة واتخذوا ***
صالح الأعمال فيها سفنا
ومن علامات وجود العقل الصحيح عند الإنسان: الإقبال على المنافع والبعد عن المضار في أمر الدين والدنيا. فالإنسان العاقل يحرص على ما ينفعه، ويستعين بالله على تحصيله، ولا يعجز، وأعظم ما ينفع الإنسان في عيشه الأخروي: الإيمان والعمل الصالح. قال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]. وأعظم ما ينفع الإنسان في عيشه الدنيوي: أن يكون معافى في بدنه آمناً في بيته عنده قوت يومه، فإذا نال ذلك فقد حيزت له الدنيا كما أخبر بذلك
نبينا عليه الصلاة والسلام.
فالعاقل من بني آدم يكدح في عمره كي يسلم من مضار الدنيا ويسلم من مضار الآخرة.
وكم من إنسان يجلب الشقاء على نفسه بجهله وحمقه، وتوانيه وغفلته، فلا يعود إليه عقله وصوابه إلا حين تنزل ببابه المكاره، وتحل عليه الخطوب، ويودع الدنيا ويتعلق بالأمل إلى الرجوع، ولكن ولات حين مناص، إذا هجم الأجل انقطع الأمل وذهب العمل.
ألا وإن مما ينفع الإنسان أن ينشغل كل امرئ بنفسه مما يعنيه في أمر دنياه ودينه، ويصرف الوقت والجهد في ذلك، دون أن يقحم نفسه في شؤون غيره مما لا يعنيه.
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (إن من حسن إسلام المرء: تركه ما لا يعنيه)
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة العشرون بعد المئتين في موضوع الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :*الحفاظ على نعمة العقل
ومما ينفع الإنسان: أن ينظم حياته الدينية والدنيوية،
وأن يسير على خطط واقعية مرسومة بعيدة عن الفوضى والعشوائية، وأن يستفيد من أخطاء الماضي؛ لئلا يعود إليها في المستقبل، وأن يستفيد من مواعظ الأيام ومرور الزمان ومن تجارب الآخرين وعقولهم؛ لتزداد فضائله وتنتظم أمور معاشه. وكتبُ المذكرات والذكريات الحياتية النافعة للشخصيات الصالحة، والتاريخ وأحداثه، والواقع ومجرياته معارف مغذية للعقول التي يريد أهلها أن تتشكل تشكلاً صحيحاً لتنتج نتائج صحيحة.
والعقل منظم الحياة، فإذا تشبع بمعارف صحيحة
وإضاءات سليمة كانت مخرجاته وآثاره كذلك،
والعكس بالعكس.
إن العقل إذا اكتمل واستنار عند صاحبه أثمر له معرفة استغلال الفرص وكيفية الاستفادة منها؛ فقد أدرك بتجاربه وبتجارب غيره التي أضافها إلى عقله أن الفرص أطياف تمر، وأنفاس تخرج وقد لا تعود مرة أخرى، فعندما يجد الفرصة أو يعيش فيها فإنه يستفرغ حاجته منها ولا تفارقه إلا وقد نال منها ما يريد.
فيا أيها المسلم العاقل عمرك فرصة، وفراغك فرصة، ورخاؤك فرصة، وأمنك فرصة، وقدرتك فرصة، وأمرك بيدك في بعض شؤونك فرصة، وامتلاك الوسائل الميسرة والمؤثرة فرصة؛ فلا تضيعن منك
هذه الغنائم وتمر عليك وأنت نائم غير مكترث بها.
يا أهل الحِجا، إن العقل إذا اكتمل واتسع عرف صاحبه كيف يخرج من المضائق، ويفك عنه قيد المآزق، وكيف يتعامل مع المواقف الشديدة التي تطيش فيها الأحلام، فينقُب عقله الوقاد جُدد الأزمات وحصونها العتيدة ليصل إلى مخارج من قبضتها وشقائها بالأسباب المباحة والوسائل الصحيحة المتاحة.
فقبيل غزوة بدر خرج رسول الله عليه الصلاة والسلام مع أبي بكر رضي الله عنه يستطلعان أمر قريش، حتى وقفا على شيخ من العرب، فسألاه عن قريش، وعن محمد وأصحابه وما بلغه عنهم فقال الشيخ: لا أخبركما حتى تخبراني ممن أنتما؟فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أخبرتنا أخبرناك، قال: أذاك بذاك؟ قال: نعم، قال الشيخ: فإنه بلغني أن محمداً وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان صدق الذي أخبرني، فهم اليوم بمكان كذا وكذا، للمكان الذي به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبلغني أن قريشاً خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان الذي أخبرني صدقني فهم اليوم بمكان كذا وكذا للمكان الذي فيه قريش. فلما فرغ من خبره قال: ممن أنتما؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن من ماء، ثم انصرف عنه.فظل الشيخ يقول: ما من ماء؟ أمن ماء العراق؟. فاستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم التورية خروجاً من الكذب، ومحافظة على الأسرار الحربية.
إن العقلاء من الناس: مسلمهم وكافرهم متفقون على وجوب حماية العقل من كل ما يخرجه عن الاستقامة الفطرية؛ حتى لا يصير سيء التصرف يجني به على نفسه وعلى غيره.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الواحدة والعشرون بعد المئتين في
موضوع الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :*الحفاظ على نعمة العقل
فلقد حافظ الإسلام على العقل البشري محافظة شديدة، واعتنى به اعتناء بالغاً؛ لأنه مناط استقامة دنيا الإنسان ودينه، وسبب للسلامة في المجتمعات.
فقد حرم على صاحبه كل المفسدات العقلية الحسية والمعنوية. فالمفسدات الحسية هي التي تؤدي إلى الإخلال بالعقل حتى يصبح الإنسان كالمجنون لا يعرف الضار من النافع، ولا الزوجة من الأم أو البنت. وهذه المفسدات العقلية الحسية هي الخمور و المخدرات وما قام مقامها. وقد جاء النص على تحريم الخمر ويقاس عليه ما ماثله في الإسكار أو زاد عليه أو نقص، جاء ذلك في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ﴾المائدة: 90-91].
وقال النبي صلى الله عليه و سلم: (كل مسكر خمر، وكل خمر حرام )
وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (إن الله
لعن الخمر وعاصرها، ومعتصرها وحاملها والمحمولة
إليه وشاربها، وبائعها ومبتاعها وساقيها ومسقاها)
عباد الله، إن آفة السكر هي أم الخبائث، ومفتاح كل شر، وبوابة الهلاك، فهل هناك إنسان عاقل يدخل نفسه إلى وادي الهلاك والخسارة؟.
هذه الآفة -معشر العقلاء- قد تقضي على الضرورات التي جاءت الشريعة لحمايتها. فكم حصل بسببها من سفك للدماء المعصومة، وانتهاك للأعراض المصونة-حتى على المحارم، وكم حصل بسببها من إتلاف للأموال الخاصة والعامة، وكم قضت على طاقات عقلية وعقول ناضجة، وأشقت من أسر سعيدة، وكم أذلت من عزيز، وأفقرت من غني، وأهانت من كريم، وصغرت من عظيم، وأمرضت من صحيح، وفرقت بين الأقارب والأحبة والأصدقاء.
إن السكر -أيها العقلاء- إهلاك للفرد والمجتمع: إهلاك ديني، وإهلاك أخلاقي،وإهلاك اقتصادي، وإهلاك صحي ونفسي.
يتحدث العقلاء كلهم عن أضرارها ووجوب تجنبها على اختلاف أديانهم وتخصصاتهم العلمية.
إن الدول العالمية الكبرى كأمريكا حاربت الخمر وأنفقت في سبيل ذلك أموالاً وقدرات كثيرة، لكنها لم تفلح.
لكن الإسلام حينما ربى أهله على أساس الدين
وغرس تعاليمه في نفوس معتنقيه لم يكن بحاجة إلى
تلك الجهود الضخمة التي بذلتها تلك الدول، فالمسلم الصادق عندما يعلم أن السكر حرام في الإسلام ينكف وينتهي دون أن يراجع أو يراوغ أو يتردد. فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (فإني لقائم أسقي أبا طلحة وفلاناً وفلاناً إذ جاء رجل فقال: وهل بلغكم الخبر؟ فقالوا: وما ذاك؟ قال: حرمت الخمر، فقالوا: أهرق هذه القلال يا أنس، قال: فما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرجل). وهكذا يصنع التسليم لحكم الله تعالى.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثانية والعشرون بعد المئتين في
موضوع الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :*الحفاظ على نعمة العقل
إن الدولة في بلاد المسلمين عليها واجب عظيم تجاه
هذه القضية الخطرة على أفرادها، وعلى استقرار شعبها يحتمه عليها الشرع الحنيف والمصلحة العامة. فمن مسؤوليتها: بث الوعي الديني والصحي والاجتماعي عن أخطار هذه الآفة عبر وسائل الإعلام المختلفة، وحجب كل الوسائل الإعلامية التي تسعى لترويجها ولتحسينها بين الناس.
ومن مسؤوليتها: منع التجارة بها: استيراداً وعصراً وتصنيعاً وبيعاً وشراء، وسن القوانين الرادعة للمخالفين ذلك.
ومن مسؤوليتها: مراقبة مظان وجودها وتعاطيها
كالفنادق والمتنزهات وغيرها، وفرض العقوبات
التعزيرية الصارمة على أصحاب هذه الأماكن التي تسهل للسكارى تناول السكر.
ومن مسؤوليتها: تطبيق حد الله تعالى على متناول المسكر: أربعين جلدة، وقد تزاد إلى ثمانين جلدة تعزيراً، وقد أقام هذا الحد على أهله رسولُ الله وخلفاؤه والأمراء العادلون بعد ذلك؛ فكان في ذلك ردع للناس عن أن يتناولوا هذه البلية. ولكن حينما عُطل هذا الحد كما عطل غيره من حدود الله انتشرت الجريمة وعظمت المصيبة واتسع الخرق على الراقع.
أيها العقلاء الكرام، وأما المفسدات المعنوية فهي
كل ما يطرأ على العقول من تصورات فاسدة في الدين أو السياسة أو الاجتماع أو غيرها، وهذه قد يكون بعضها أشد من الخمر والمخدرات.
فكل تصور يفسد العقل عن التفكير السليم، والفهم الصحيح، ويعكر تصوراته النقية التي يأمر بها دين الإسلام والخلق الكريم فإنه تصور يجب إبعاده عن العقول؛ لأنه داء قتال ومرض عضال.
وبسبب تطور وسائل التأثير والإعلام، ولجهل كثير من الناس بدين الإسلام وغلبة الشهوات على القلوب والشبهات على الأحلام انتشرت بعض الأفكار المشبوهة والآراء المسمومة في بعض العقول التي قلت أنوارها من مشكاة الشرع، فتقبلت الإلحاد والعلمنة، والرفض والزندقة، والشك والحيرة، فجانبت الحق عندما تشربت تلك المفاهيم الخاطئة، وأفسدت أعمالها حينما أصبحت أسيرة تلك التصورات الهدامة حتى صار حال أصحابها كما قال أحدهم:
نهاية إقدام العقول عقال ***
وغاية سعي العالمين ضلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا **
وحاصل دنيانا أذى ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا ***
سوى أن جمعنا فيه قيل وقالُ
نسأل الله أن ينير عقولنا بنور كتابه، وأن يرزقنا الهداية والرشاد إلى مرضاته.
إن العقول إذا أظلمت وفسدت خلَّفت آثاراً سيئة على أصحابها وعلى الناس.
فأصحاب العقول الناقصة المظلمة يتبعون أهواء
أنفسهم الأمارة بالسوء، ويلبون رغباتها دون نظر إلى قبح ما يفعلون وجُرم ما يرتكبون.واتباع الهوى وطاعة النفس في الشر من أعدى أعداء العقل.
إذا ما رأيت المرء يقتاده الهوى ***
فقد ثكلته عند ذاك ثواكله
وما يزع النفسَ اللجوج عن الهوى ***
من الناس إلا حازمُ الرأي كامله
وإذا صار للهوى على الإنسان سلطان فقد ذهب العقل واندحر؛ لأن الهوى ملك غشوم ومتسلط ظلوم.
وأصحاب العقول القاصرة لا يفكرون إلا بملذات أجسادهم وشهواتها العاجلة، ويقولون:
إنما الدنيا طعام *** وشراب ومُدام
فإذا فاتك هذا *** فعلى الدنيا السلام
وليس لديهم تفكير في أسباب النجاة في الآخرة،
فهم في سكر الهوى والشهوة، فإذا جاءهم ملك الموت صحوا!.
وأصحاب العقول الصغيرة يحبون أن يستمتعوا بالإضرار بالآخرين وإيذائهم، وبالإفساد في الأرض وإذهاب السكينة والطمأنينة في المجتمع، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثالثة والعشرون بعد المئتين في
موضوع الشكور والتي هي بعنوان :*ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله.
هناك صنف من الناس ينسبون أنفسهم إلى الثقافة والتنور والعقلانية، ويطلقون لعقولهم القاصرة العنان في شريعة الله فيعرضون ما جاء فيها على عقولهم فما قبلته أخذوه وما أبته رفضوه، فقدموا عقولهم الصغيرة الضعيفة على وحي الله: القرآن والسنة؟.
وأنتم تعلمون أن شرع الله معصوم، والعقول غير معصومة، وشرع الله واحد والعقول متعددة، والشرع متفق، والعقول مختلفة، فكيف تقدم العقول على المنقول بعد هذا؟!
ولهذا فإن الذين قدموا العقل على نص الشارع الحكيم ضلوا وانحرفوا عن الصراط المستقيم، ولو كانت عقولهم سليمة لما وجدوا في شرع الله مطعناً؛ لأن العقل الصحيح لا يعارضه النقل الصريح.
أيها المسلمون، أخيراً أقول: ما واجبنا تجاه نعمة العقل الذي وهبه الله لنا؟
إن من واجبنا: أن نشكر الله تعالى على هذه النعمة ونستعملها في الفضائل ودحر الرذائل، وأن تكون لنا نوراً يهدينا إلى سبيل الله الذي يسعد سالكه في الدنيا والآخرة. وأن نحاول أن ننمي عقولنا، ونزيدها بالمعارف النافعة، والتجارب المشرقة. وأن نحافظ على هذه النعمة من مفسداتها الحسية والمعنوية، وأن نحصنها بالثقافة النظيفة والوعي الصحيح ضد الشبهات والشهوات.
وأن نعلم علم اليقين أن العقل البشري له حدوده التي ينبغي أن لا يتجاوزها بتفكيره؛ لأنه إذا سبح في غيره جوه تاه وتحير. [الأنترنت – موقع الألوكة - الحفاظ على نعمة العقل - عبدالله بن عبده نعمان العواضي]
* الشكر لله وأثره في سعادة الأُمم
عرّف العلماء الشكر لله بأنّه: ظهور أثر نعمة الله
على لسان عبده ثناء واعترافاً، وعلى قلبه شهوداً ومحبة، وعلى جوارحه انقياداً وطاعة.
فالشاكر من يكون لسانه مشتغلاً بالثناء على ربه معترفاً له بنعمه، ويكون قلبه مملوءاً محبة لله على هذه النعم، وشهوداً بأنها منه فضل وإحسان، وتكون جوارحه مشتغلة بطاعة الله استسلاماً له وانقياداً.
لهذا كان الشكر من مظاهر العبادة التي التي دعا إليها القرآن، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (البقرة/ 172).
"وكلمة الشكر من الكلم الجوامع التي تنتظم كلّ
خير وتشمل كل ما يصلح به قلب الإنسان ولسانه وجوارحه. فالذي لا يحب الله ولا يشهد قلبه بأنّ ما فيه من النعم إنما هو من الله فضلاً وإحساناً ليس بشاكر. والذي لا يثني على ربه ولا يحمده بلسانه ويخوض في الباطل ويشتغل لسانه بلغو القول ولهو الحديث ليس بشاكر، والذي يعطيه الله من العلم شيئاً ولا يعمل به ولا يعلّمه الناس ليس بشاكر، والذي يعطيه من المال ما يستعين به على طاعته بصرفه في وجوه الخير والبر ويبخل به أو يصرفه في معاصي الله ليس بشاكر".
لهذا دعا الله إلى التخلق بالشكر في كثير من
الآيات مثل قوله:(بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (الزّمر/ 66).
ومدح الله نبيه إبراهيم لقيامه بواجب الشكر: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لأنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) (النحل/ 120-122).
كما تفضّل الله بعدم عذاب الشاكرين: (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ) (النساء/ 147).
ووعد الله الشاكرين بأن يزيد لهم النعم في الدنيا
ويحفظها لهم: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ
وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) (إبراهيم/ 7).
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الرابعة والعشرون بعد المئتين في
موضوع الشكور والتي هي بعنوان :
الشكر على نعم الله: وشكر الخالق واجب على الإنسان ؛ فإن لم يفعل كان بذلك مقترفاً أشنع أنواع الجحود والنكران. ألا ترى انّنا ننكر على الشخص الذي لا يُسدي الشكر لمن أحسن إليه من البشر فما بالك بمن لا يسدي الشكر لخالقه مصدر كلّ النعم، ولا يمكن أن نكون مقربين إلى الله من غير شكره، وهذا ما أمر به الله في آيات متعددة قال تعالى: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل/ 78).
(وَآيَةٌ لَهُمُ الأرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ) (يس/ 33-35).
(اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (الجاثية/ 12).
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ * وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (القصص/ 71-73). ولكن الناس أمام هذه النعم وغيرها قليلاً ما يشكرون، قال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ) (يونس/ 60).
ومنفعة الشكر لا تعود على الله فإنّه لا ينتفع بشكر
الشاكرين، ولا يتضرر بكفر الكافرين، وانّما منفعة الشكر تعود على الشاكر، فهو يطهّر النفوس، ويقربها من الله، ويوجه إرادتها إلى الوجهة الصالحة في إنفاق النعم في وجوهها المشروعة، ولهذا يقول سبحانه: (وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) (لقمان/ 12).
أمّا كفران النعم فيعرّضها للزوال لأنها تجعل المرء غير مبال بها، ويبددها بدون منفعة، ويتلف ما أنعم الله به عليه من نعم الصحة والعافية، ويسير على غير المنهج الذي رسمه له الخالق فيؤدي به إلى غضب الله والبعد عن رحمته.
والقرآن يخبر بأنّ خراب الأُمم كان سببه كفران النعم وعدم الشكر لله، قال سبحانه: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) (النحل/ 112).
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الخامسة والعشرون بعد المئتين في
موضوع الشكور والتي هي بعنوان : *قصة قوم سبأ وما حلّ بهم لكفرهم نِعَم ربهم
ذكر القرآن قصة قوم سبأ وما حلّ بهم لكفرهم نِعَم ربهم:(لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلا الْكَفُورَ) (سبأ/ 15-17).
فالشكر من دعائم سعادة الأُمم، والتنكب عنه لا يجلب غير الدمار والخراب. حبذا لو فهمت الشعوب الشكر وعملت به لتحصل على السعادة التي تنشدها وهي عنه غافلة. [المصدر: كتاب رُوح الدّين الإسلامي[الأنترنت – موقع البلاغ - الشكر لله وأثره في سعادة الأُمم - الکاتب : عفيف عبدالفتاح طبّارة ]
* شكر الآخرين.. ذوق وتقدير
إذا كنت تريد من الناس أن يقدّروك، فإن عليك أن تمنحهم تقديرك المخلص.
فالتقدير لا يمكن الحصول عليه إلا إذا كان متبادلاً، ومن هنا كان لابدّ أن تشكر الآخرين على ما يقدمونه إليك، كما تتوقع أن يشكروك على ما تقدمه إليهم. إنّ الشكر ليس مجرد تواضع مطلوب منك فحسب، بل هو حبل التواصل بينك وبين الآخرين، فالناس تقطع المعروف عمن لا يقدِّرهم ؛ ألست ممن يفعل ذلك؟ من هنا فإن الشكر ترجمان النيّة ولسان الطويّة، بينما اللؤم أن لا تشكر النعمة. إن شكرك لمن أنعم عليك، ليس معروفاً تؤديه له، بل واجب عليك، لأنه "حق" من حقوقه.
يقول الحديث الشريف: "أمّا حق ذي المعروف عليك فأن تشكره وتذكر معروفه، وتكسبه المقالة الحسنة، وتخلص له الدعاء، فيما بينك وبين الله عزّوجل، فإذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سرّاً وعلانية، ثم إن قدرت على مكافأته يوماً كافأته".
إن الناس مجبولون –مثلك- على التلهف إلى الشكر والتقدير وحبّ المجاملة. وكل مَن يعرف كيف يشبع هذا التلهف لديهم يكسبهم إلى جانبه، ومن الضروري أن نعرف كيف نغدق كلمات التقدير في كلّ المناسبات، وليس في مناسبات الأفراح أو الأتراح فقط.
ثمّ إنّه لأمر لازم أن نشكر الناس على ما يفعلونه بنا، لأن ذلك جزء من شكرنا لله تعالى.
وقد ورد في الحديث: "مَن لم يشكر المنعم من المخلوقين، لم يشكر الله عزّوجل".
وورد أيضاً: "يقول الله تبارك وتعالى لعبد من عبيده يوم القيامة: أشكرت فلاناً؟
فيقول: بل شكرتك يا ربّ. فيقول تعالى: "لم تشكرني إذ لم تشكره".
وهنا ملاحظة هامة، وهي أن كثيرين يرون من واجبهم أن يشكروا الغرباء، ولكنهم يهملون شكر الأقرباء عندما يسدي هؤلاء إليهم معروفاً.
مثلاً، قلّما يشكر الزوج زوجته على خدماتها، وقلّما يشكر الأب أولاده على أعمالهم، وقلّما يشكر الأولاد آباءهم على معروفهم، وقلّما يشكر الصديق صديقه على خدماته، في الوقت الذي لابدّ أن نضع القاعدة الذهبية التالية نصب أعيننا دائماً: "الأقربون أولى بالمعروف". أليس من الغريب إذن أن نندفع إلى شكر كلّ غريب عنّا إذا أبدى لنا شيئاً من اللطف، بينما نهمل الشكر على الخدمات المتوالية التي يقدمها لنا ذوونا وأقرباؤنا وزملاؤنا في البيت، ومحل العمل، وفي كلّ مكان. إن كلّ مَن يقدِّم لك معروفاً مهما كان صغيراً يتوق إلى أن يسمع منك كلمة شكر أو تقدير على ذلك، وإذا لم تفعل فأنت تخيّب أمله فيك. يقول الحديث الشريف: "إنّ الله أمر بالشكر له تعالى وللوالدين، فمن لم يشكر والديه لم يشكر الله"، ومَن لم يشكر الناس فهو يهدم شخصيته أمامهم.
[المصدر: كتاب كيف تكسب قوة الشخصية؟ لـ (هادي المدرسي) [الأنترنت – موقع البلاغ - شكر الآخرين.. ذوق وتقدير]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السادسة والعشرون بعد المئتين في
موضوع الشكور والتي هي بعنوان :
*واجب الإنسان تجاه نعم المولى عز وجل
نِعَمُ الله – تعالى – على العباد متوالية، وعطاؤه دائم لا ينقطع، والعبد – في جميع أحواله – يتقلب في هذه النعم، وينهل من معينها الفياض.
ولقد جلّت نعم الخالق – عزّ وجلّ – فلا يحاط بها حصر، وعظمت كثرة وتنوعاً فاستعصت على العقول إحصاءً وعداً: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (إبراهيم/ 34).
وأنى يمكن إحصاؤها وهي مبثوثة في كل ما نحس وندرك، وكل ما نفعل ونذر، نجدها أمامنا، أينما توجهنا، وحيثما تقلبنا: (.. فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ...) (البقرة/ 164).
في الليل إذا عسعس: موحياً بحياة ساكنة، هادئة، حالمة، في الصبح إذا تنفس: أنفاس النور والحركة، التي تشمل كل كائن حي، وتبعث فيه الهمة
والنشاط لاستئناف دورة الحياة.
في الروض جلله الحيا: فاخضر عشبه، ونور زهره، وأينع ثمره، وطاب جناه، (وَتَرَى الأرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) (الحج/ 5).
في جمال الخلق، وبديع الصنع، وإحكام الترتيب، وروعة الدقة، (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) (القمر/ 49)، (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنْسَانِ مِنْ طِينٍ) (السجدة/ 7).
في تسخير الكائنات وتذليلها للإنسان، لينعم بخيرها، ويُسر بجمالها، ومنها يستفيد: (وَالأنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلا بِشِقِّ الأنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ) (النحل/ 5-8).
في البحر: عذبه الفرات، وملحه الأجاج: (وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (فاطر/ 12).
في الرياح المرسلات بشرى بين يدي رحمته: (فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ * فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الروم/ 48-50).
في خطرات النفس تنزع إلى الخير، وخفقان القلب ينبض باليقين، وفي عمل الجوارح خاضعة مطيعة لرب العالمين: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل/ 78).
في المال والبنين، والسكن والاستقرار، والصحب والإخوان، والأمن والإيمان، والصحة والمعافاة.
وهكذا فإننا لو مضينا في السرد والتمثيل لوقف القلم عاجزاً، ولتقطعت به الأسباب، لأنّ الأمر فوق الحصر، وأكبر من التمثيل: (وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (إبراهيم/ 34).
واجب الإنسان تجاه نعم الله تعالى: جبلت النفوس على حب من أحسن إليها، وشكر أياديه، والثناء على عطاياه، والله تعالى المتفضل بكل نعمه – أحق بالثناء، وأولى بالشكر، إذ إنّ النعم جميعها من واسع كرمه، وعميم جوده: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ...) (النحل/ 53).
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السابعة والعشرون بعد المئتين في
موضوع الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: واجب الإنسان تجاه نعم المولى عز وجل
ففرض على كل مسلم أن يشكر الله تعالى ويحمده ويثني عليه الثناء الحسن، لما أعطى ووهب.
فما هو الشكر؟ ومتى يكون الإنسان شاكراً؟
تنوعت عبارات القوم وتعريفاتهم في تحديد الشكر وتعريفه، ونحن نذكر – هنا – نماذج من أقوالهم.
الشكر: عرفان الإحسان ونشره، وإظهار النعمة، والثناء على المحسن بما أولى من المعروف، هو كذلك عكوف القلب على محبة المنعم، وجريان اللسان بذكره، وخضوع الجوارح لطاعته، وقيل: الشكر مشاهدة المنة وحفظ الحرمة، وهو ضد الكفران والجحود، الذي هو: نسيان النعمة وسترها.
أسس الشكر: لكل مبنى ومعنى أسس يقوم عليها، وحدود ترسم معالمه وما ينتهي إليه، وأسس الشكر وقواعده خمس، لخصها صاحب بصائر
ذوي التمييز كما يلي:
1- خضوع الشاكر للمشكور.
2- حبه له.
3- الاعتراف بنعمه.
4- الثناء عليه بما أنعم.
5- استعمال النعمة فيما يحب دون ما يكره.
متى يكون الإنسان شاكراً؟ إذا تحققت في نفس العبد وسلوكه – تجاه نعمة الله عليه – هذه القواعد الخمس، كان شاكراً لأنعمه عزّ وجلّ، ويُقاس مقدار صدقه في شكر الله بمقدار صدقه في تمثل هذه القواعد والتزامه بها. [الأنترنت – موقع البلاغ - واجب الإنسان تجاه نعم المولى عز وجل - الکاتب : محمد يوسف الجاهو]
* لو عرف الإنسان كيف يسمع لسجد وحمد وشكر خالقه
لله في حاسة السمع آيات ومعجزات ، لو عرف الإنسان كيف يسمع لسجد وحمد وشكر خالقه .. ولله في حاسة السمع آيات ومعجزات.....
نعمة السمع هي إحدى أهم الحواس الخمسة التي أنعم الله بها على الإنسان لا يعرف قيمتها حقيقتها إلا من حُرمها، ونعمة السمع قد قدّمها سبحانه وتعالى في القرآن الكريم في مواضع كثيرة على نعمة البصر، وذلك يوضح مدى فضل هذه النعمة، كقوله تعالى في عدة آيات:(إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، فالحمد لله الذي عافانا مما ابتلى به كثيراً من العالمين وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلاً، والله سبحانه وتعالى منحنا هذه النعمة لنستعملها فيما يرضيه عنا .. فلا نسمع إلا ما يرضيه لا ما يسخطه ويغضبه.
*أبدع الخالقين :
الأُذن البشرية هي واحدة من قمم الإعجاز الإلهي، ولو عرف الإنسان كيف يسمع لسجد وحمد وشكر وقال سبحان الله العظيم، وإذا كان لله في كل شيء معجزة تدل علي أنه الخالق، فإن لله في الأذن البشرية وحاسة السمع آيات ومعجزات تدل على أنه أبدع الخالقين .. ولكن المحزن أن الإنسان ورغم ما فيه من نعمة لا يشكر الله .. قال تعالى:(وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون) .. فعلاً قليلاً ما تشكرون! لهذا اسمحوا لي أن أصحبكم في رحلة شكر لله على حاسة السمع وعلى كل شيء.
إن خلق الأذن البشرية لمن أروع معجزات الخالق في الإنسان، فهو عضو حيوي يعمل في غاية الدقة والإتقان، ويستحيل على البشر صنع مثلها أو تقليدها أو حتى محاولة محاكاتها، لأن تركيب الأذن البشرية الدقيق وإدراكها للذبذبات والأصوات من حولها لمعجزة تدير الرءوس وتأخذ بالعقول، والعجيب أن الناس يبهرهم جهاز صغير صنعه بشر ويعدونه من معجزات العلم الحديث، وهو في الحقيقة لا يقارن في شيء بجانب صنع الله، ولكن الناس للأسف الشديد يمرون بالبدائع الإلهية في الكون وهم غافلون لا يبصرون ولا يدركون .. ولا حول ولا قوة إلإبالله.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثامنة والعشرون بعد المئتين في
موضوع الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: *الإعجاز في خلق سمع الإنسان:
الأذن البشرية لها قدرة هائلة على سماع أضعف الأصوات وأرقها وأيضاً سماع الأصوات العالية والمرتفعة جداً، يقول الحق تبارك وتعالى:(والله أخرجكم من بطون أمهاتم لا تعلمون شيئاً، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون) .. وآية أخري:(ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون)، يؤكد العلم الحديث أن (السمع هي الحاسة الوحيدة عند الإنسان التي لا تنام مع نومه مهما كان في سبات عميق، حيث ذكر الله في سورة الكهف وهو يصف أصحاب الكهف (فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عدداً)، أي: أننا ألغينا حاسة السمع عندهم أثناء نومهم حتي يصير السبات كاملاً، وهي آية تؤكد الإعجاز في خلق الإنسان، وفي الآية ضرب الله على آذانهم في الكهف سنين عدداً ليظل أهل الكهف علي حالتهم من فقدان الوعي ثلاثمائة سنة وازدادوا تسعاً، ولذلك هو ليس بموت ولا نوم، قال تعالى:(تحسبهم أيقاظا وهم رقود، ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال) فهم ليسوا نياماً لأن النائم يتقلب من تلقاء نفسه .. وهكذا شاءت إرادة الله أن يحفظ أهل الكهف هذه السنين الطويلة حتى يبعثهم وتتم حكمته من الآية بانقطاع وانفصال كامل عما يدور حولهم بمجرد انفصال حاسة السمع عنهم.
والسمع مجاله واسع، ولذا فالواجب على المسلم ألا يعطي أذنه لكل أحد فيصدق كل ما يسمع، وما ينشر وما يروج .. لأن ذلك يعني سذاجة منه وقلة وعي، وكم من أشخاص صارت حياتهم مليئة بالمشاكل والمشاحنات لأنه أعطى أذنه لكل أحد، فيسمع من هذا ويسمع من هذا دون أن يتأكد ويتثبت مما سمع.
*صور كثيرة للسمع المحرم
والسمع المحرم له صور كثيرة منها: الاستماع لما يغضب الله تعالى كالغناء والتلذذ بسماعه .. والمسلم إذا تعود سماع ذلك وانسجم معه ولا سيما بصوت مرتفع ومزعج قد يضايق ذلك غيره، وإذا ألفت نفسه ذلك وارتاحت لذلك الفعل فيتولد لديه والعياذ بالله تعالى الإعراض عن سماع القرآن الكريم والتلذذ به، ويأنف عن سماع الخير والنصائح والأشرطة النافعة المفيدة، فيجازيه الله تعالى بالحرمان من الخير ويعاقبه بحب الحرام وإدمانه، ومن صور السمع المحرم الاستماع للغيبة والنميمة ونقل الكلام، والتكلم في أعراض الناس، ولوك سمعتهم، وما تحتويه المجالس من ذكر ذلك كله والتفكه به، حتى أن البعض لا يعجبه إلا ذكر الناس والانخراط في التقول فيهم وإبراز معائبهم وعثراتهم، ولا شغل له سوى ذلك العمل الرذيل والعياذ بالله تعالى، قال (صلى الله عليه وسلم): (أتدرون ما الغيبة؟ ذكرك أخاك بما يكره، فإن كان فيه فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته) ـ (مسلم)، وبهته من البهتان وهو الافتراء الكذب، وقال (صلى الله عليه وسلم):(لا يدخل الجنة قتَّات)، والقتات هو النمام، شبهه (صلى الله عليه وسلم) كالذي يقتات على أعراض الناس، ومن صور السماع المحرم الاستماع لأهل الباطل والشر، والرضا بما يقولون وعدم الاعتراض عليهم، وكذلك الاستماع للسب والشتم واللعن والقذف، وعدم الاكتراث بذلك وكأنه أمر لا يعنيه، وذلك خطأ، قال (صلى الله عليه وسلم):(ما من امرئ يخذل امرءاً مسلماً في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلماً في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب نصرته) ـ (أبو داود وأحمد)، وقال (صلى الله عليه وسلم):(من ذب عن لحم أخيه بالغيبة كان حقاً على الله أن يعتقه من النار) (أحمد والطبراني)، إذ الواجب على المسلم إذ سمع من يتكلم على غيره من الناس بسوء ككذب عليه وبهتان أو غيبة له أو نميمة أو .. أو ..، يجب عليه أن ينهاهم عن الخوض في ذلك وألا يُقرهم عليه في جلوسه معهم، فإن لم يستمعوا له فعليه أن يعتزل الجلوس معهم، ومن صور الاستماع المحرم التجسس على الناس والتسمع لما يقولون والتصنت عليهم، وربما وهم لا يرغبون في استماعه لهم، وقال (صلى الله عليه وسلم):(اياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً)، فالتجسس من أخبث الطبائع والعادات والعياذ بالله تعالى، وهو دليل على خبث النفس ولؤم الطباع وقلة الحياء، وهو أمر لا يرضاه أحد على نفسه فكيف يرضاه لغيره!. إن سماع الحرام والباطل والإدمان عليه يميت القلب ويُقسِّيه، ويجعله لا يستشعر الحق ولا يستطيع أن يفرق بينه وبين الباطل، وربما يورث القلب الاشمئزاز من سماع الحق والخير والبر والنصح، ويأنف من ذلك كله، وقد يتطور الأمر فيصبح القلب منكوس الفطرة والعياذ بالله تعالى، وكل ذلك سببه الرضا بسماع الباطل وعدم الاعتراض عليه، إذ الواجب على المسلم إحقاق الحق وإزهاق الباطل متى سمع ذلك.
[ الأنترنت – موقع جريدة الوطن - لو عرف الإنسان كيف يسمع لسجد وحمد وشكر خالقه - إعداد ـ مبارك بن عبدالله العامري ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة التاسعة والعشرون بعد المئتين في
موضوع الشكور والتي هي بعنوان:
* غض البصر شكر لله قبل أن أبدأ هذا الموضوع، لا بد من ملاحظة، لا تقل لي: ماذا أفعل ؟ مهمتي أن أنقل لك ما في الكتاب والسنة حول هذا الموضوع، مشكلتي أن أنقل لك هذه الحقائق، وتلك النصوص، وهذه التوجيهات، وكل إنسان يجب أن يتدبَّر أمره، وأن يرضي ربه، وأن يسعى لمصيره الأبدي.
نتائج إطلاق البصر:
1 – ذريعة للفساد:
إطلاق البصر سببٌ لأعظم الفِتَن، فكم فسد بسبب النظر من عابد، وكم انتكس بسببه من شابٍ كان طائعاً لله، وكم وقع بسببه أناس في الزنا والفاحشة، والعياذ بالله، العين مرآة القلب، فإذا غض العبد بصره، غض القلب شهوته وإرادته، وإذا أطلق العبد بصره، أطلق القلب شهوته وإرادته، ونُقِشَت فيه تلك المبصرات فشغل بها عن التفكر في رب الأرض والسماوات.
2 – وقوع الهوى في القلب:
لما كان إطلاق البصر سببا لوقوع الهوى في القلب، أمر الشارع الحكيم، في أعلى مرتبات النصوص في القرآن الكريم، بغض البصر، وحينما تجد في القرآن الكريم آيةً صريحة واضحة الدلالة قطعية المعنى، تأمر بغض البصر إطلاق البصر سبب لوقوع الهوى في القلب معنى ذلك أن الموضوع خطير جداً، وأنه موضوع فَيْصَل، إما أن تغض البصر فتكون مع الله عز وجل، وإما أن تطلق البصر فينشأ حجابٌ بينك وبين الله.
الأمربغض البصر:يقول الله عزوجل:﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾( سورة النور ) ﴿ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾ ( سورة النور ) خالق السماوات والأرض يقول:﴿ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾ ( سورة النور ) يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: " أمر الله نبيه أن يأمر المؤمنين بغض أبصارهم وحفظ فروجهم، وأن يُعْلِمَهم أنه مشاهدٌ لأعمالهم مطلع عليها ".
﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ
ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾
ولما كان مبدأ ذلك من قِبَلِ البصر، جعل الأمر بغضِّه مقدَّم على حفظ الفرج..﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾ ( سورة النور )
*كل الحوادث مبدؤها من النظر:
طريق حفظ الفرج غض البصر، فإن كل الحوادث مبدؤها من النظر، ومعظم النار من مستصغر الشرر، تكون نظرةٌ، ثم خطرةٌ، ثم خطوةٌ، ثم خطيئة، ولهذا قيل: " مَن حفظ هذه الأربع أحرز دينه ؛اللحظات،والخطرات،واللفظات،والخطوات .
وقال: النظر أصل عامة الحوادث التي تصيب
الإنسان، فإن النظرة تولِد الخطرة، ثم تولد الخطرة الفكرة، ثم تولد الفكرة الشهوة، ثم تولد الشهوة إرادة، ثم تقوى فتصير عزيمة، فيقع الفعل ولابد ما لم يمنع مانع من أن يقع هذا الفعل،ولهذا قيل، وهذه حكمة بالغة: " الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده "..
كل الحوادث مبدؤها من النـظر***
ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها ***
فتلك السهام بلا قوس ولا وتــر
والـعبد ما دام ذا عين يقلِّبها ***
في أعين الغيد موقوف على الخطـر
يصر مقلته ما ضر مـــهجته ***
لا مرحباً بسرورٍ عاد بالضــرر
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثلاثون بعد المئتين في موضوع الشكور والتي هي بعنوان:
*الأدلة النبوية على خطورة وفتنة إطلاق البصر:
كما تعوَّدنا جميعاً لا تقبل شيئاً إلا بالدليل، ولا
ترفض شيئاً إلا بالدليل، فماذا قال النبي عليه أتم
الصلاة والتسليم في موضوع غض البصر؟ يقول عليه الصلاة والسلام:( ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجل من النساء ) ( متفق عليه ) وقال عليه الصلاة والسلام:(( فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ) ( رواه مسلم ) وعن جرير بن عبد الله قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجاءة، فأمرني أن أصرف بصري)( رواه مسلم ) وعند أبي داود قال له:(اصرف بصرك )
وقال عليه الصلاة والسلام:(يا عليّ، لا تتبع النظرة النظرَة،فإن لك الأولى،وليست لك الآخرة )
رواه الترمذي وأبو داود، وحسنه علماء الحديث المعاصرون.
وقال صلى الله عليه وسلم:(العينان تزنيان وزناهما النظر) متفق عليه) ماذا بعد الحق إلا الضلال،ماذا بعد هذه الأحاديث الشريفة الصحيحة، في أعلى مراتبها ؟!!
*موقف السلف من إطلاق البصر وتحذيرهم منه:
كان السلف الصالح يبالغون في غض البصر حذر فتنته، وخوفاً من الوقوع في عقوبته.
قال ابن مسعودٍ رضي الله عنه: < ما كان من نظرة فإن للشيطان فيها مطمعاً >.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: < الشيطان من الرجل في ثلاثة منازل ؛ في بصره، وفي قلبه، وهو في المرأة في منازل ثلاث أيضاً >.
وقال تعالى:﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ﴾( سورة غافر: من آية " 19")
فُسِّرَت هذه الآية كما يلي: الرجل يكون في القوم، فتمر بهم المرأة، فيريهم أنه يغض بصره عنها، حفاظاً على سمعته الدينية،فإن رأى منهم غفلة،سرق النظرة إليها، فإن خاف أن يفطنوا إليه، غض بصره، وقد اطلع الله عز وجل من قلبه ويتمنى أن يراها كما خلقها الله.
﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ﴾( سورة غافر: من آية " 19" ) وقال بعضهم: " النظر يزرع في القلب الشهوة ". وقد ورد في بعض الأحاديث: ( إياك وفضول النظر، فإنه يبذر في القلب الهوى )[ ورد في الأثر ]
وقال أحد العلماء: " غضوا أبصاركم ولو عن شاة أنثى "، من باب المبالغة.
وقال بعضهم: " اللحظات تورث الحسرات، أولها أسف وآخرها تلف،فمن طاوع طرفه، تابع حتفه ".
وقال أحمد بن حنبل: " كم نظرة ألقت في قلب صاحبها البلابل ". البلابل جمع بَلْبَلَة لا جمع بُلْبُل، فرق كبير بين البلابل التي هي جمع بلبلة وبين البلابل التي هلي جمع بلبل.
*حكم النظر غب المحرمات:
إن الذي أجمعت عليه الأمة، واتفق على تحريمه علماء السلف والخلف من الفقهاء والأئمة، هو أن نظر الأجانب من الرجال والنساء بعضهم إلى بعض، وهم مَن ليس بينهم رحم من نَسب، ولا محرم من الرضاع، فهؤلاء حرام نظر بعضهم إلى بعض،فالنظر والخلوة محرَّم على هؤلاء عند كافة المسلمين،الموضوع ليس خلافيا بل هومن الموضوعات المتفق عليها.
أما من سنة النبي العملية..(لما نظر الفضل بن عباس إلى امرأة حوّل النبي عليه الصلاة والسلام، وجهه إلى الشق الآخر )( رواه أبو داود )
وقال أحد العلماء: " وهذا منع وإنكار للفعل، فلو كان النظر جائزاً لأقره النبي عليه ".
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الواحدة والثلاثون بعد المئتين في
موضوع الشكور والتي هي بعنوان:
*سد الذريعة إلى تعمد النظر إلى النساء:
1 – نهي النساء عن رفع الرؤوس في الصلاة قبل الرجال: النبي عليه الصلاة والسلام سد كل ذريعة تفضي إلى تعمُّد النظر إلى النساء، حرصاً منه على سلامة القلوب ونقاء النفوس، واستقامة المجتمع المسلم على تقوى الله ومخافته، نهى صلى الله عليه وسلم إذا صلَّى النساء مع الرجال أن يرفعن رؤوسهن قبل الرجال.
2 – نهي المرأة عن الخروج من البيت متعطّرة:
ونهى صلى الله عليه وسلم المرأة إذا خرجت إلى المسجد أن تتطيب، أو أن تصيب بخوراً نهيت المرأة عن التعطر في الطريق ذلك لأنه ذريعة إلى ميل الرجال وتشوقهم إليها..
3 – نهي المرأة عن وصف امرأة لزوجها: ونهى صلى الله عليه وسلم أن تنعت المرأة المرأةَ لزوجها، حتى كأنه ينظر إليها، سد للذريعة، وحماية عن مفسدة..
4 – النهي عن الجلوس في الطرقات:
ونهى صلى الله عليه وسلم عن الجلوس في الطرقات، وما ذلك إلا لأنه ذريعةٌ إلى النظر على المحرمات، ومن تنزَّه في
الطرقات جرحت عدالته، لأن التنزه في الطرقات
ذريعة إلى ملء العين من المحرمات، وقال عليه الصلاة والسلام: (أعطوا الطريق حقه،قالوا: وما حقه ؟قال:غض البصر،وكف الأذى،ورد السلام) متفق عليه
5 – نهي النساء عن الضرب بأرجلهن عند المشي: والله جل جلاله نهى النساء عن الضرب بأرجلهن عند السير، سداً لذريعة النظر إليهن، حتى لا ينظر الرجال إلى ما يخفين من الزينة والجمال، قال تعالى:﴿وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ﴾( سورة النور: من آية " 31" )
*عقوبات إطلاق البصر:
1 – فساد القلب: من عقوبات إطلاق البصر فساد القلب، فالنظرة تفعل في القلب ما يفعل السهم في الرَمِيَّة، فإن لم تقتله جرحته، فهي بمنزلة الشرارة من النار ترمى في الحشيش اليابس، فإن لم تحرقه كله أحرقت بعضه، وقد ورد في بعض الأحاديث: (( النظرة سهم مسموم من سهام إبليس )) ( من الجامع لأحكام القرآن )
2 – نزول البلاء: ومن عقوبات إطلاق البصر نزول البلاء، فقال بعضهم: " نظرت إلى امرأة فأعجبتني فكف بصري، فأرجو أن يكون ذلك جزائي ".
3 – إبطال الطاعات: من هذه العقوبات إبطال
الطاعات، فعن حذيفة أنه قال: " من تأمَّل خلق امرأة من وراء الثياب فقد أبطل صومه ".
4 – فساد القلب: الغفلة عن الله والدار الآخرة: ومن هذه العقوبات الغفلة عن الله والدار الآخرة فإن القلب إذا شغل بالمحرمات، أورثه ذلك كسلاً عن الطاعات،ولا أدل على ذلك من أن النبي صلى الله عليه وسلم: (لو اطلع أحد في بيتك، ولم تأذن له، فخذفته بحصاة ففقأت عينه، ما كان عليك من جناح )متفق عليه ، وقد شرح بعض علماء الحديث هذا الحديث، على أنه تبيانٌ من النبي صلى الله عليه وسلم لعِظم هذه الخطيئة، أن تنظر إلى امرأة في بيت جارك، من خلال ثقب تتلصص.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثانية والثلاثون بعد المئتين في
موضوع الشكور والتي هي بعنوان:
فوائد غض البصر:
1 – تخليص القلب من ألم الحسرة: ومن فوائد غض البصر تخليص القلب من ألم الحسرة، فإنه من أطلق نظره دامت حسرته.
2 – توريث القلب نوراً: ومن فوائد غض البصر أنه يورث القلب نوراً وإشراقاً يظهر في العين وفي الوجه وفي الجوارح، كما أن إطلاق البصر يورثه ظلمة تظهر في وجهه وجوارحه.
3 – توريث صحة الفراسة:ومن فوائد غض البصر أنه يورث صحة الفراسة، فإنها من النور ومن ثمراته، قال بعض العلماء: " من عمَّر ظاهره باتباع السنة، وباطنه بدوام المراقبة، وغض بصره عن المحارم، وكف نفسه عن الشهوات، وأكل من الحلال، لم تخطئ فراسته ".
4 – فتحُ طرق العلم وأبوابه:ومن فوائد غض البصر أنه يفتح لك طرق العلم وأبوابه، ويسهل عليك أسبابه، وذلك بسبب نور القلب فإنه إذا استنار القلب ظهرت فيه حقائق المعلومات، ومن أرسل بصره تكدَّر عليه قلبه وأظلم، والبيتان المشهوران اللذان تعرفوهما جميعاً:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي ***
فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأنبأني بأن العلم نــــورٌ ***
ونور الله لا يهدي لعاصـي
5 – توريث قلب المؤمن الثباتَ والشجاعة: وأنه من فوائد غض البصر أنه يورث في قلب المؤمن الثبات والشجاعة، قال بعضهم: " الناس يطلبون العز بأبواب الملوك، ولا يجدونه إلا في طاعة الله ".
6 – تخليص القلب من أثر الشهوة : ومن فوائد غض البصر أنه يخلص القلب من أثر الشهوة، فإن الأسير هو أسير شهوته وهواه، تعس عبد الدرهم والدينار، تعس عبد الفرج، تعس عبد البطن، تعس عبد الخميصة، بالمقابل وسعد عبد الله، ومتى أسرت الشهوة القلب تمكن منه عدوه، وسامه سوء العذاب، وصار.. كعصفورةٍ في كف طفل يسومها حياض الردى والطفل يلهو ويلعب
7 – تقوية العقل وتثبيته: ومن فوائد غض البصر، أنه يقوي العقل ويزيده ويثبته، فإن إطلاق البصر
وإرساله لا يحصل إلا من خفة العقل وطيشه، ولا
أدل على ذلك من قول ربنا جل جلاله على لسان سيدنا يوسف: ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ ( سورة يوسف )
8 – تخليص القلب من ذكر الشهوة: ومن فوائد غض البصر، أنه يخلِّص القلب من ذكر الشهوة ورقدة الغفلة، فإن إطلاق البصر يوجب استحكام الغفلة عن الله والدار الآخرة.
9 – توريث محبة الله: ومن فوائد غض البصر أنه يورث محبة الله، قال مجاهد: " غض البصر عن محارم الله يورث حب الله ".
10 – توريث الحكمة: ومن فوائد غض البصر أنه يورث الحكمة، من غض بصره عن محرم، أورثه الله بذلك حكمة على لسانه يهدي بها سامعيه.
11 – تفريغ القلب للاشتغال بالمصالح الدنيوية والأخروية: ومن فوائد غض البصر أنه يفرغ القلب للتفرغ في مصالحه الدنيوية والأخروية، قال أبو بكر المروزي: قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: رجل تاب وقال لو ضرب ظهري بالسياط ما دخلت في معصية الله إلا أنني لا أدع النظر، فقال: أي توبة هذه ؟ (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة فقال: اصرف بصرك )( رواه الإمام مسلم )
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثالثة والثلاثون بعد المئتين في
موضوع الشكور والتي هي بعنوان:
أسباب إطلاق البصر:
1 – اتباع الهوى وطاعة الشيطان: لعل من أسباب إطلاق البصر اتباع الهوى، وطاعة الشيطان، أو الجهل بعواقب النظر، وأنه قد يؤدِّي إلى الزنا، فقد ورد أن رجلاً نظر إلى امرأةٍ غير مسلمةٍ، فأعجب بها، فما زالت تحمله على أن ترك دينه.
2 – الاتكال على عفو الله: ومن أسباب إطلاق البصر الاتكال على عفو الله..﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ *وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ﴾( سورة الحجر )﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً﴾
( سورة الزمر: من آية " 53" ) ثم يقول الله عز وجل:﴿ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ﴾( سورة الزمر )
3 – انتشار الفضائيات: ومن أسباب إطلاق البصر أن ترى ما في العالم من فضائيات، وهذا ينقلك إلى النساء الكاسيات العاريات.
4 – العزوف عن الزواج: من أسباب إطلاق البصر العزوف عن الزواج، يقول عليه الصلاة والسلام: (يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج،فإنه أغض للبصر،وأحصن للفرج ) الدر المنثور
5 – ارتياد الأماكن المختلطة:ومن أسباب البصر كثرة التواجد ـ وإن كانت ليست صحيحة لغوياً ـ كثرة التواجد في الأماكن التي يختلط فيها الرجال بالنساء، كالأسواق وما تبع ذلك.
6 – وجود لذة كاذبة: من أسباب إطلاق البصر
وجود لذة كاذبة يشعر بها الناظر في نفسه، وهي
من آثار الغفلة عن الله عز وجل.
7 – تبرج النساء: من أسباب إطلاق البصر تبرج النساء في الشوارع والأسواق، وكثرة التعامل مع النساء، سواء أكان في بيع أو شراء أو عمل أو غيره.
هذه أسباب واقعية لإطلاق البصر، ولكنها ليست مبررةً شرعاً.
أسباب غض البصر:1 – تقوى الله: من أسباب غض البصر تقوى الله عز وجل والخوف من عقابه.
1 – التخلص من أسباب إطلاق البصر: التخلص من جميع الأسباب التي ذكرنا أنها تؤدي إلى إطلاق البصر، التخلص من كل هذه الأسباب.
3 – معرفة أن إطلاق البصر يؤدي إلى الأسف والحسرة:
عرفة أن إطلاق البصريؤدي إلى الأسف والحسرة، من أطلق طرفه، طال أسفه.
4 – معرفة أن زنى العين النظر:عرفة أن العينين تزنيان وزناهما البصر.
5 – القيام بحقيقة الشكر:لقيام بحقيقة الشكر لأنه من تمام شكر النعمة ألا تعصي الله بها، العين نعمة، من تمام شكرها ألا تعصي الله بها.
6 – الصوم:من أسباب غض البصر الصوم، سبب قويٌ في غض البصر بتوجيه النبي عليه الصلاة والسلام.
7 – التسلي عنه بالمباح:من أسباب غض البصر التسلي عنه فيما أباح الله لك..( إن المرأة تُقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته فليأت أهله، فإن ذلك يرد ما في نفسه ))( رواه مسلم )
يقول الإمام النووي: " المرأة تذكِّر بالهوى والفتنة والشهوة، لذلك لا ينبغي أن تختلط بالرجال إلا لضرورة، وينبغي للرجل أن يغض بصره عنها وعن ثيابها " هذا ورد في شرح صحيح مسلم.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الرابعة والثلاثون بعد المئتين في
موضوع الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: أسباب غض البصر
8 – الدعاء:ومن أسباب غض البصر الدعاء، يقول عليه الصلاة والسلام: الدعاء من أسباب غض البصر( اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي، ومن شر بصري، ومن شر لساني، ومن شر قلبي )( رواه أبو داود )
9 – الخوف من سوء الخاتمة:ومن أسباب غض البصر الخوف من سوء الخاتمة، والتأسُّف عند الموت.
10– صحبة الأخيار: من أسباب غض البصر
صحبة الأخيار وصحبة الصالحين، لأنك تتأثر بعفَّتهم، وتحب أن تكون مثلهم، فإن الطبع يُسْرَق من خصال المخالطين، والمرء على دين خليله، لو صاحبت من يطلق بصره لتدرَّجت شيئاً فشيئاً إلى هذه المعصية، ولو صاحبت من يغضُّ بصره، لتدرجت شيئاً فشيئاً إلى هذه الطاعة.
*شيوع معصية لا يجعلها مباحة ، هذا الذي ذكرته لكم في الكتاب والسنة الصحيحة، وأقول لكم هذه الحقيقة: شيوع معصيةٍ لا يقلبها إلى طاعة، شيوع معصية لا يجعلها مباحة، شيوع معصية لا يلغي عقابها، دققوا، شيوع المعصية لا يقلبها إلى مباحة، شيوع المعصية لا يقلبها إلى طاعة، شيوع المعصية لا يلغي عقابها، كما أن ندرة الطاعة لا تلغي فضلها، هذا أمر الله يقول الله عز وجل:﴿ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾( سورة الزمر )
*غض البصر حكم في استطاعة الإنسان: وحينما تقول: لا أستطيع، إنك ترد القرآن الكريم، لأن الله عز وجل يقول:﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾( سورة البقرة: من آية " 286" )
*شيوع معصية لا يلغي عقابها ، وخالق الإنسان، الخبير، هو الذي يعلم وسعك لا أنت، أنت إن قلت: لا أستطيع، كلامك مردود، ولكن الله يقول:﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾( سورة البقرة: من آية " 286" )
هذا من وسع النفس، وحينما تتلمس ثمرات غض البصر، وتعيش قريباً من الله، إنك في اليوم الواحد تصلي خمس أوقات، لكنك إن سرت في الطريق تعبد الله في كل غض بصر، وقد تغض بصرك في الطريق مئات المرات، بل عشرات مئات المرات هي عبادةٌ مستمرة، والله سبحانه وتعالى بطريقةٍ لا أعرفها، حينما تغض بصرك عن النساء اللواتي لا يحللن لك، يوفِّق الله بينك وبين زوجتك، وتراها في نظرك شيئاً ثميناً، هذا من فِعل الله الخفي الذي لا تعرفه، لا تعرف كيف يتم، ومن عقوبات إطلاق البصر، فساد العلاقة بين الزوجين، هذه من خَلق الله، ألم يقل أحد العلماء: " أعرف مقامي عند ربي من أخلاق زوجتي " يجعلها لينةً مطواعة، ويجعلها شرسة قاسية، فما دمت تطيع الله فيما بينك وبينه في شأن النساء، لابد من تكافأ، والله أعلم، ولكن الله يكافئك في أرجح الظن بشيء من جنس طاعتك، وهو حسن العلاقة مع الزوجة.
مقدمة عن غض البصر من الناحية العلمية:
هناك موضوع علمي شيءٌ واضحٌ جداً أن ترى أن الذي خلق الإنسان هو الذي أنزل القرآن، وكمثلٍ صارخ هذا الغشاء الذي تعرف به الفتاة ما إذا كانت طاهرةً عفيفة، أو ما إذا كانت زانية، ليس له أية وظيفةٍ فيزيولوجية إطلاقاً، إن مهمته اجتماعية، فالذي حرم الزنا هو الذي خلق هذا الغشاء، هذه واحدة.
بعض الغدد تلتهب، وتتضخم عند عدم الزواج، فكأن الذي خلق هذه الغدة وصممها تصميماً دقيقاً، هو الذي أمر بالزواج، هذه مقدمات.
الإنسان يأكل في اليوم ثلاث وجبات أو وجبتين فقط، أما هذا الذي يأكل باستمرار هذا نشأ عنده أمراضٌ لا حصر لها، لأن أصل هذا الجسم مصمم على أكل وجبتين أو ثلاث، فمَن أكل أكثر من ذلك تحمل من متاعب مرضية ما لا يعد ولا يحصى، هذه تمهيدات إلى موضوع الجنس.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الخامسة والثلاثون بعد المئتين في
موضوع الشكور والتي هي بعنوان:
*أثر النظرة على تبدلات الجسم:
الإنسان حينما ينظر إلى امرأةٍ، ويعيد النظر، هذه النظرة شبهها بعض الأطباء كالضغط على زناد السلاح، ضُغِطَ على الزناد النظرة كالسهم يقع في القلب ، الآن ستجري مجموعة أعمال، من هذه التبدلات سوف تنطلق هرمونات جنسية تجوب أنحاء الجسم، هذه الهرمونات الجنسية تبدِّل ضربات القلب، وتوسِّع الأوردة المُحيطة، وتضيِّق الشرايين المتوسطة والصغيرة، وترفع ضغط الدم، هذه الهرمونات الجنسية تصل إلى البروستاتة، فيغلق طريق البول، ويفتح طريق الخصيتين، وتنطلق مادةٌ مطهّرة، ومادةٌ معطرة، ومادةٌ مغذِّية هذا هو المذي، ثم يجري في تبدلٌ في كيمياء الدم، وهناك تغيرات لا مجال إلى ذكرها على هذا المنبر، يعني حينما يطلق الإنسان بصره النظرة تلو النظرة، تجري في جسمه تفاعلاتٌ معقدةٌ جداً، أحدها تبدُّل ضربات القلب، ثانيها ارتفاع الضغط، ثالثها توسع الأوردة المحيطية، رابعها تضيّق الشرايين المتوسطة والصغيرة، خامسها تبدل في كيمياء الدم، سادسها شيء متعلق بالبروستاتة، من أجل أن تتم هذه العملية ويتم اللقاء الزوجي، ويحافَظ على النوع البشري،هذا أصل التصميم.إلى هنا الأمرطبيعي جداً.
أما حينما يطلق الإنسان بصره طول النهار، ما الذي يحصل ؟ قال: يحصل أن هناك هرمونات جنسية تجوب أنحاء الجسم باستمرار، كمن يأكل باستمرار، فالذي يطلق بصره باستمرار عنده هرموناتٌ تجوب
أنحاء جسمه عبر الأوعية الدموية.
الآن يقول الله عزَّ وجل:﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾
*ماذا يفعل السهم المسموم في الجسم:
العلماء قالوا: أزكى أي أطهر، ويمكن أن يكون المعنى أنفع وأطيب، إما أن يكون أزكى لهم الطهر من الذنوب، أو الوقاية من الأمراض والعيوب. فعن حذيفة رضي الله عنه أنه قال: قال عليه الصلاة والسلام: (( النظرة سهمٌ مسموم من سهام إبليس، من تركها من خوف الله تعالى، أثابه الله إيماناً يجد حلاوته في قلبه ))هذا حديثٌ صحيح الإسناد.
وفي روايةٍ أخرى:(( النظر سهمٌ مسمومٌ من سهام الشيطان، من تركها مخافتي، أعقبته عليها إيماناً يجد حلاوته في قلبه )) السهم إذا دخل في الجسم خطرٌ جداً، أما إذا كان مسموماً فهوخطرٌ جداًجداً، فهذا السم يسري إلى كل أنحاء الجسم، أما إذا كان سهماً فقط قد يتلف مكاناً معيَّناً، أما حينما يكون السهم مسموماً يسري السم إلى كل أنحاء الجسم.
النبي قبل أربعة عشر قرناً عليه الصلاة والسلام بين مخاطر النظرة التي تتبع النظرة، فالنظرة بمثابة ضغطٍ على الزناد، الذي تبدأ بسببه سلسلةٌ من التفاعُلات، والإفرازات الهرمونية الجنسية المعقدة، التي لها تأثيراتها على كل عضوٍ بل على كل خلية، والتي تهيئ الجسم لعملية الاتصال الجنسي، لتؤدي مهمتها في استمرار النسل، كل هذا يجب أن يتم في وقتٍ محددٍ، أما إذا استمر انطلاق هذه الهرمونات في الجسم من دون تفريغٍ لهذه الشحنة، هذه تؤدي إلى مضاعفاتٍ خطيرةٍ في الجسم.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السادسة والثلاثون بعد المئتين في
موضوع الشكور والتي هي بعنوان:
*علاقة النظر بالهرمونات:
عثرت في موقعٍ معلوماتي على موقعٍ علمي يعبِّر عن خلاصة بحثٍ مضى على البدء به عشرون عاماً، وتوصَّل هذا البحث إلى هذه النتائج:
هذه الهرمونات التي تجري وتجول في جسم الإنسان طول النهار، لأن طول النهار يطلق بصره في الحرام، حتى إذا كان في مكتبٍ هناك امرأةٌ تعمل في المكتب، وهناك عريٌ، وهناك تفلتٌ، وهناك إبراز مفاتن، وهناك خلوةٌ، وهناك حديثٌ جنسيٌ، وهناك وهناك.. إلخ.
النبي الكريم لا ينطق عن الهوى، نهى عن إتباع النظرة النظرةَ، نهى عن تبرُّج النساء، نهى عن تعطُّر المرأة إذا خرجت من بيتها، نهى عن الخلوة بالأجنبية، نهى عن المصافحة، نهى أن تمتنع المرأة عن فراش زوجها، هذا كله من أجل الوقاية من أمراض لا تعد ولا تحصى.
الهرمونات سموم : الآن إلى التفصيلات:
كيف أن الأفعى إذا لدغت إنسان قد تميته، السبب العلمي أن هذا السم يوسع الأوعية إلى درجة غير مقبولة، فيهبط الضغط، فيموت الإنسان، الآن يؤخذ من سم الأفعى دواء فعَّال جداً لتوسيع الشرايين والأوردة، إذاً حينما تتوسع الأوردة والشرايين توسُّعاً غير مقبول هذا قد يؤدي إلى الموت، هذه الهرمونات سمَّاها الباحث ( سموماً )، السم بقدرٍ محدودٍ منه جيد، أما بقدرٍ واسعٍ خطير.
ما الذي يحدث ؟ أول ظاهرة أنه تظهر رائحةٌ كريهةٌ جداً في الإبطين والقدمين، من أثر دورة هذه السموم طول النهار، الأصل وجبة طعام، لها وقت محدد،أما مادام في إطلاق بصر،ومجلاَّت، ومشاهد ، وأفلام، وسكيرتيرات، ونساءٌ كاسياتٌ عاريات، وخلوةٌ بالأجنبيات، وحديثٌ جنسي، هذا يؤدِّي إلى دورة هذه الهرمونات التي هي سموم طوال النهار.
نتائج الإدمان على النظر:
1 – أعراض مرضية: أول ظاهرة: ظهور رائحةٍ كريهةٍ في الإبطين والقدمين، توسع فتحات الغدد العرقية والدهنية في الكعبين وأسفل القدمين وفي المؤخرة، وهذا يسبب بعض البواسير، توسع الفتحتات الدهنية في الوجه، وهذا يسبب حَب الشباب من دورة الهرمونات، دوران هذه الهرمونات الجنسية، وهي بمثابة السموم، ولا سيما عند تهيجها لحدٍ أكثر من المتوسط يسبب داء الشقيقة، أو الصداع النصفي الذي لم تعرف له أسبابٌ حتى اليوم فيما غير هذه الدراسة.
2- آلام المفاصل: أما الشيء الكبير آلامٌ في المفاصل عامة ً، وفي المفاصل الكبيرة خاصةً، مفصل الركبة ومفصل الورك، يبدو أن هذه الهرمونات تقلل من لزوجة السائل الذي بين العظام، وهذا يدعو إلى جفاف هذا السائل، ثم إلى احتكاك العظام، ثم إلى آلامٍ مفصليةٍ لا تحتمل.
مفصل الركبة مثلاً، ومفصل الورك بسبب جفاف السائل، وفي المجتمعات الغربية، وفي سنٍ مبكرة يعانون من هذه الظاهرة، بسبب دوران هذه السموم في الجسم طوال النهار، هناك موظفان في سيرك في بريطانيا، في الثلاثين أصيبا بحالاتٍ حادةٍ في مفاصلهما، وليس هناك سبب مقنع إلا الإثارة الجنسية المستمرة.
3 – آثار النظر على القلب والأوعية:
أما في مجال القلب والأوعية: هبوطٌ في ضربات القلب أو تسرعٌ بها، بطءٌ في الدوران، جلطةٌ وريديةٌ محتملة، وهذا منتشر في المجتمعات المتفلتة، في الشرايين ؛ تتوسع الشرايين توسعاً مستمراً، مما يفقدها مرونتها، وعندئذٍ ومع تبدُّل كيمياء الدم يؤدي هذا إلى تصلب الشرايين، وهو مرض العصر الأول، المرض المميت الأول تصلب الشرايين.
4 – خطر الجلطة الدهنية: ثم إن هذه السموم
التي تجوب في أنحاء الجسم، تسبب جلطةً دهنيةً، إذا ترسَّبت في مكان معين أورثت عمىً، أو كساحاً، أو شللاً، أو جنوناً، أو فقد ذاكرةٍ إلى ما هنالك، وهذه السموم إذا دارت طوال النهار في الجسم، تسبب ثقلاً في اللسان، وصعوبة في حركة اللسان داخل الفم، كما إنها تسبب إمساكاً، وهناك خمسون مرضا ينتج عن الإمساك من دورة هذه السموم طوال النهار. هذا الذي يطلق بصره طوال النهار في الحسناوات، وفي الغاديات الرائحات، ويتابع المسلسلات،ويقرأ المجلات،ويجلس جلساتٍ لا ترضي الله، هذه كلها أعراضٌ تصيبه.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السابعة والثلاثون بعد المئتين في
موضوع الشكور والتي هي بعنوان:
*علاقة النظر بالهرمونات:
5 – حصى المرارة: ثم إن هناك بعض النتائج في حصى المرارة، هذا أيضاً من نتائج دورة هذه السموم، وأيضاً في بعض الحالات التي تزداد عن الحد المعقول يكون هناك تضخم للبروستاتة كبير جداً.
هذه نتائج بحث طبيبٍ في مؤسسةٍ علميةٍ في دولةٍ
عربيةٍ، وجدتها في موقعٍ معلوماتي، ولكن هذا مصداق قول النبي عليه الصلاة والسلام:( النظرة سهمٌ مسموم من سهام إبليس،فمن تركها مخافة الله عز وجل أورثه الله حلاوته في قلبه إلى يوم يلقاه ) ( من الجامع لأحكام القرآن ) إن توجيه النبي عليه الصلاة والسلام ليس من عنده..﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾
*إنّ ربّك حكيم عليم :
مستحيل أن يشرِّع الله شيئاً أو أن يحرم شيئاً إلا وله نتائج مذهلة، عرفها من عرفها، وجهلها مَن جهلها، نحن كمؤمنين نطبق أمر الله من دون أن نعلق التطبيق على فهم الحكمة، لكن حينما تكشف لنا الحكمة يزداد إيماننا بعظمة هذا التشريع، قال تعالى:﴿ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ﴾( سورة الفتح من آية " 4 " )[الأنترنت – موقع النابلسي - غض البصر شكر لله - لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي]
*الشكر هو الغاية التى خلق الله عبيده لأجلها
أخبر سبحانه أن الشكر هو الغاية من خلقه وأمره بل هو الغاية التى خلق عبيده لأجلها والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والابصار والافئدة لعلكم تشكرون فهذه غاية الخلق وغاية الأمر فقال ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون ويجوز أن يكون قوله لعلكم تشكرون تعليلا لقضائه لهم بالنصر ولأمره لهم بالتقوى ولهما معا وهو الظاهر فالشكر غاية الخلق والامر وقد صرح سبحانه بأنه غاية أمره وارساله الرسول في قوله تعالى كما ارسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون فاذكرونى أذكركم واشكروا لى ولا تكفرون قالوا فالشكر مراد لنفسه والصبر مراد لغيره والصبر انما حمد لافضائه وايصاله إلى الشكر فهو خادم الشكر وقد ثبت في الصحيحين عن النبي أنه قام حتى تفطرت قدماه فقيل له أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال: "أفلا أكون عبدا شكورا" وثبت في المسند والترمذى أن النبي قال لمعاذ: "والله انى لأحبك فلا تنسى أن تقول دبر كل صلاة: اللهم أعنى على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك".
وروى ابن أبى الدنيا بسنده من حديث هشام بن عروة قال كان من دعاء النبي: "اللهم أعنى على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك".وروى عن طلق بن حبيب عن ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله قال: "أربع من أعطيهن فقد أعطى خير الدنيا والآخرة: قلبا شاكرا ولسانا ذاكرا وبدنا على البلاء صابرا وزوجة لا تبغيه خونا في نفسها ولا في ماله" وذكر ايضا من حديث القاسم بن محمد عن عائشة عن النبي قال: "ما أنعم الله على عبد نعمة فعلم أنها من عند الله الا كتب الله له شكرها وما علم الله من عبد ندامة على ذنب إلا غفر الله له قبل أن يستغفره وإن الرجل يشترى الثوب بالدينار فيلبسه فيحمد الله فما يبلغ ركبتيه حتى يغفر له".
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثامنة والثلاثون بعد المئتين في
موضوع الشكور والتي هي بعنوان:
رضوان من الله أكبر في مقابلة شكره بالحمد
ثبت في صحيح مسلم عنه أنه قال: "إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكله فيحمده عليها ويشرب الشربه فيحمده عليها" فكان هذا الجزاء العظيم الذى هو أكبر أنواع الجزاء كما قال تعالى ورضوان من الله أكبر في مقابلة شكره بالحمد
وذكر ابن أبى الدنيا من حديث عبد الله بن صالح حدثنا أبو زهير يحيى بن عطارد القرشى عن أبيه قال قال رسول الله: "لا يرزق الله عبدا الشكر فيحرمه الزيادة" لأن الله تعالى يقول لئن شكرتم لأزيدنكم وقال الحسن البصرى: "إن الله ليمتع بالنعمة ما شاء فإذا لم يشكر عليها قلبها عذابا" ولهذا كانوا يسمون الشكر الحافظ لأنه يحفظ النعم الموجودة والجالب لأنه يجلب النعم المفقودة وذكر ابن أبى الدنيا عن على بن أبى طالب رضى الله عنه أنه قال لرجل من همذان: "إن النعمة موصولة بالشكر والشكر يتعلق بالمزيد وهما مقرونان في قرن فلن ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العبد"
وقال عمر بن عبد العزيز قيدوا نعم الله بشكر الله وكان يقال الشكر قيد النعم وقال مطرف بن عبد الله "لأن أعافى فأشكر أحب إلى من أن ابتلى فأصبر" وقال الحسن "أكثروا من ذكر هذه النعم فإن ذكرها شكر" وقد أمر الله تعالى نبيه أن يحدث بنعمة ربه فقال وأما بنعمة ربك فحدث والله تعالى يحب من عبده أن يرى عليه أثر نعمته فإن ذلك شكرها بلسان الحال وقال على بن الجعدى سمعت سفيان الثورى يقول إن داود عليه الصلاة والسلام قال الحمد لله حمدا كما ينبغى لكرم وجهه وعز جلاله فأوحى الله اليه يا داود أتعبت الملائكة
وقال شعبة حدثنا المفضل بن فضالة عن أبى رجاء العطاردى قال خرج علينا عمران بن الحصين وعليه مطرف خز لم نره عليه قبل ولا بعد فقال ان رسول الله قال: "إذا أنعم الله على عبد نعمة يحب أن يرى أثر نعمته على عبده" وفي صحيفة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي قال: "كلوا
واشربوا وتصدقوا في غير مخيلة ولا سرف فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده".
وذكر شعبة عن أبى اسحاق عن أبى الأحوص عن أبيه قال: "أتيت رسول الله وأنا قشف الهيئة فقال هل لك من مال قال قلت نعم قال من أى المال قلت من كل المال قد آتانى الله من الابل والخيل والرقيق والغنم قال فإذا آتاك الله مالا فليرى عليك".
وفي بعض المراسيل "ان الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده في مأكله ومشربه" وروى عبد الله بن يزيد المقرى عن أبى معمر عن بكير بن عبد الله رفعه: "من أعطى خيرا فرؤى عليه سمى حبيب الله محدثا بنعمة الله ومن أعطى خيرا ولم ير عليه سمى بغيض الله معاديا لنعمة الله" وقال فضيل بن عياض كان يقال من عرف نعمة الله بقلبه وحمده بلسانه لم يستتم ذلك حتى يرى الزيادة لقول الله تعالى ولئن شكرتم لأزيدنكم وقال من شكر النعمة أن يحدث بها وقد قال تعالى: "يا ابن آدم إذا كنت تتقلب في نعمتى وأنت تتقلب في معصيتى فاحذرنى لأصرعك بين معاصى يا ابن آدم اتقنى ونم حيث شئت".
وقال الشعبى الشكر نصف الايمان واليقين الايمان كله وقال أبو قلابة لا تضركم دنيا شكرتموها وقال الحسن إذا أنعم الله على قوم سألهم الشكر فإذا شكروه كان قادرا على أن يزيدهم وإذا كفروه كان قادرا على أن يبعث نعمته عليهم عذابا وقد ذم الله سبحانه الكنود وهو الذى لا يشكر نعمه قال الحسن {إِنَّ الإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} يعد المصائب وينسى النعم وقد أخبر النبي إن النساء أكثر أهل النار بهذا السبب قال: "لو أحسنت إلى إحداههن الدهر ثم رأت منك شيئا قالت ما رأيت منك خيرا قط" فإذا كان هذا بترك شكر نعمة الزوج وهى
في الحقيقة من الله فكيف بمن ترك شكر نعمة الله
يا أيها الظا لم في فعله ***
والظلم مردود على من ظلم
إلى متى أنت وحتى متى***
تشكو المصيبات وتنسى النعم
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة التاسعة والثلاثون بعد المئتين في
موضوع الشكور والتي هي بعنوان:
التحدث بالنعمة شكر وتركها كفر
ذكر ابن أبى الدنيا من حديث أبى عبد الرحمن السلمي عن الشعبى عن النعمان بن بشير قال قال رسول الله: "التحدث بالنعمة شكر وتركها كفر ومن لا يشكر القليل لا يشكر الكثير ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله والجماعة بركة والفرقة عذاب" وقال مطرف بن عبد الله نظرت في العافية والشكر فوجدت فيهما خير الدنيا والآخرة ولأن أعافى أعافي فأشكر أحب إلى من أن أبتلى فأصبر ورأى بكر بن عبد الله المزنى حمالا عليه حمله وهو يقول الحمد الله أستغفر الله قال فأنتظرته حتى وضع ما على ظهره وقلت له أما تحسن غير هذا قال بلى أحسن خيرا كثيرا أقرأ كتاب الله غير أن العبد بين نعمة وذنب فأحمد الله على نعمه السابغة وأستغفره لذنوبى فقلت الحمال أفقه من بكر.
وذكر الترمذى من حديث جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال: "خرج رسول الله على أصحابه فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها فسكتوا فقال قرأتها على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن ردا منكم كنت كلما أتيت على قوله {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} قالوا لا بشئ من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد" وقال مشعر لما قيل لآل داود {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً} لم يأت على القوم ساعة الا وفيهم مصل
وقال عون بن عبد الله قال بعض الفقهاء انى رأيت في أمرى لم أر خيرا الا شر معه الا المعافاة والشكر فرب شاكر في بلائه ورب معافى غير شاكر فإذا سألتم الله فاسألوهما جميعا وقال أبو معاويه لبس عمر بن الخطاب قميصا فلما بلغ ترقوته قال الحمد لله الذى كسانى ما أوارى به عورتى وأتجمل به في حياتى ثم مد يديه فنظر شيئا يزيد على يديه فقطعه ثم أنشأ يحدث قال سمعت رسول الله يقول: "من لبس ثوبا أحسبه جديدا فقال حين يبلغ ترقوته أو قال قبل أن يبلغ ركبتيه مثل ذلك ثم عمد إلى ثوبه الخلق فكسا به مسكينا لم يزل في جوار الله وفي ذمة الله وفي كنف الله حيا وميتا ما بقى من ذلك الثوب سلك".
وقال عون بن عبد الله لبس رجل قميصا جديدا فحمد الله فغفر له فقال رجل ارجع حتى أشترى قميصا فألبسه وأحمد الله وقال شريح ما أصيب عبد بمصيبة الا كان لله عليه فيها ثلاث نعم ألا تكون كانت في دينه وألا تكون أعظم مما كانت وأنها لا بد كائنه فقد كانت
وقال عبد الله بن عمر بن عبد العزيز ما قلب عمر
بن عبد العزيز بصره إلى نعمة أنعم الله بها عليه الا قال اللهم انى أعوذ بك أن أبدل نعمتك كفرا وأن
أكفرها بعد أن عرفتها وأن أنساها ولا أثنى بها .
وقال روح بن القاسم تنسك رجل فقال لا آكل الخبيص لا أقوم بشكره فقال الحسن هذا أحمق وهل يقوم بشكر الماء البارد.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الأربعون بعد المئتين في موضوع
الشكور والتي هي بعنوان:
*كلما كان لسانك رطبا بذكر الله فأنت شاكر
في بعض الآثار الالهية يقول الله عزوجل: "ابن آدم خيرى اليك نازل وشرك إلى صاعد أتحبب اليك بالنعم وتتبغض إلى بالمعاصى ولا يزال ملك كريم قد عرج إلى منك بعمل قبيح".
قال ابن أبى الدنيا حدثنى أبو على قال كنت أسمع جارا لي يقول في الليل: "يا الهى خيرك على نازل وشرى اليك صاعد كم من ملك كريم قد صعد اليك منى بعمل قبيح وأنت مع غناك عنى تتحبب إلى بالنعم وأنا مع فقرى اليك وفاقتى أتمقت اليك بالمعاصى وأنت في ذلك تجبرنى وتسترنى وترزقنى وكان أبو المغيرة اذا قيل له كيف أصبحت يا أبا محمد أصبحنا مغرقين في النعم عاجزين عن الشكر يتحبب الينا ربنا وهو غنى عنا ونتمقت اليه ونحن اليه محتاجون وقال عبد الله بن ثعلبة الهى من كرمك أنك تطاع ولا تعصى ومن حلمك أنك تعصى وكأنك لا ترى وأى زمن لم يعصك فيه سكان أرضك وأنت بالخير عواد وكان معاوية بن قرة اذا لبس ثوبا جديدا قال بسم الله والحمد لله وقال أنس بن مالك ما من عبد توكل بعبادة الله الا عزم الله السموات والارض تعبر رزقه فجعله في أيدى بنى آدم يعملونه حتى يدفع عنه اليه فإن العبد قبله أوجب عليه الشكر وان أباه وجد الغنى الحميد عبادا فقراء يأخذون رزقه ويشكرون له".
وقال يونس بن عبيد: "قال رجل لأبى تميمة كيف أصبحت قال أصبحت بين نعمتين لا أدرى أيتهما أفضل ذنوب سترها الله فلا يستطيع أن يعيرنى بها أحد ومودة قذفها الله في قلوب العباد لا يبلغها عملى".
وروى ابن أبى الدنيا عن سعيد المقبرى عن أبيه عن عبد الله بن سلام أن موسى عليه السلام قال: "يارب ما الشكر الذى ينبغى لك قال لا يزال لسانك رطبا من ذكرى" وروى سهيل بن أبى صالح عن أبيه عن أبى هريرة رضى الله عنه قال دعا رجل من الأنصار من أهل قباء النبي فانطلقنا معه فلما طعم وغسل يديه قال الحمد لله الذى يطعم ولا يطعم من علينا فهدانا وأطعمنا وسقانا وكل بلاء حسن أبلانا الحمد لله غير مودع ربى ولا مكافأ ولا مكفور ولا مستغنى عنه الحمد لله الذى أطعم من الطعام وسقى من الشراب وكسى من العرى وهدى من الضلالة وبصر من العمى وفضل على كثير من خلقه تفضيلا الحمد لله رب العالمين.
وفي مسند الحسن بن الصلاح من حديث أنس بن مالك رضى الله عنه قال قال رسول الله:
"ما أنعم الله على عبد نعمة في أهل ولا مال أو
ولد فيقول ما شاء الله لا قوة إلا بالله فيرى فيه آفة دون الموت ويذكر عن عائشة رضى الله عنها أن النبي دخل عليها فرآى كسرة ملقاة فمسحها وقال يا عائشة أحسنى جوار نعم الله فإنها فلما نفرت عن أهل بيت فكادت أن ترجع اليهم" ذكره ابن أبى الدنيا.
وقال الإمام أحمد حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا صالح عن أبى عمران الجونى عن أبى الخلد قال قرأت في مسألة داود أنه قال: "يا رب كيف لى أن أشكر وأنا لا أصل إلى شكرك الا بنعمك" قال فأتاه الوحى: "يا داود أليس تعلم أن الذى بك من النعم منى قال بلى يا رب قال فإنى نرضى بذلك منك شكرا".
وقال عبد الله بن أحمد حدثنا أبو موسى الانصارى
حدثنا أبو الوليد عن سعيد ابن عبد العزيز قال كان من دعاء داود سبحان مستخرج الشكر بالعطاء ومستخرج الدعاء بالبلاء وقال الإمام أحمد حدثنا أبو معاوية حدثنى الأعمش عن المنهال عن عبد الله بن الحارث قال أوحى الله إلى داود أحبنى وأحب عبادتى وحببنى إلى عبادى قال يا رب هذا حبك وحب عبادتك فكيف أحببك إلى عبادك قال تذكرنى عندهم فإنهم لا يذكرون منى إلا الحسن فجل جلال ربنا وتبارك اسمه وتعالى جده وتقدست أسماؤه وجل ثناؤه ولا اله غيره
وقال أحمد حدثنا عبد الرزاق بن عمران قال
سمعت وهبا يقول وجدت في كتاب آل داود بعزتى ان من اعتصم بى فإن كادته السموات بمن فيهن والأرضون بمن فيهن فإنى أجعل له من بين ذلك مخرجا ومن لم يعتصم بى فإنى أقطع يديه من أسباب السماء وأخسف به من تحت قدميه الأرض فأجعله في الهواء ثم أَكِله إلى نفسه كفي بى لعبدى مالا اذا كان عبدى في طاعتى أعطيته قبل أن يسألنى وأجبته قبل أن يدعونى وإنى أعلم بحاجته التى ترفق به من نفسه.
وقال أحمد حدثنا يسار حدثنا حفص حدثنا ثابت قال كان داود عليه السلام قد جزأ ساعات الليل والنهار على أهله فلم يكن ساعة من ليل أو نهار الا وانسان من آل داود قائم يصلى فيها قال فعمهم تبارك وتعالى في هذه الآية {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الواحدة والأربعون بعد المئتين في موضوع الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:
*كلما كان لسانك رطبا بذكر الله فأنت شاكر
قال أحمد وحدثنا جابر بن زيد عن المغيرة بن عيينة قال داود يا رب هل بات أحد من خلقك الليلة أطول ذكرا لك منى فأوحى الله اليه نعم الضفدع وأنزل الله عليه {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} قال يا رب كيف أطيق شكرك وأنت الذى تنعم على ثم ترزقنى على النعمة الشكر ثم تزيدنى نعمة بعد نعمة فالنعم منك والشكر منك فكيف أطيق شكرك قال الآن عرفتنى يا داود قال أحمد وحدثنا عبد الرحمن حدثنا الربيع بن صبيح عن الحسن قال نبى الله داود: "الهى لو أن لكل شعرة منى لسانين يسبحانك الليل والنهار والدهر
ما وفيت حق نعمة واحدة".
وذكر ابن أبى الدنيا عن أبى عمران الجونى عن أبى الخلد قال قال موسى يا رب كيف لى أن أشكرك وأصغر نعمة وضعتها عندى من نعمك لا يجازى بها عملى كله قال فأتاه الوحى يا موسى الآن شكرتنى
قال بكر بن عبد الله ما قال عبد قط الحمد لله الا وجبت عليه نعمة بقوله الحمد لله فجزاء تلك النعمة أن يقول الحمد لله فجاءت نعمة أخرى فلا تنفد نعم الله وقال الحسن سمع نبى الله رجلا يقول الحمد لله بالاسلام فقال انك لتحمد الله على نعمة عظيمة وقال خالد بن معدان سمعت عبد الملك بن مروان يقول: "ما قال عبد كلمة أحب إلى الله وأبلغ في الشكر عنده من أن يقول الحمد لله الذى أنعم علينا وهدانا للإسلام".
وقال سليمان التيمى ان الله سبحانه أنعم على عبده على قدره وكلفهم الشكر على قدرتهم وكان الحسن اذا ابتدأ حديثه يقول الحمد لله اللهم ربنا لك الحمد بما خلقتنا ورزقتنا وهديتنا وعلمتنا وأنقذتنا وفرجت عنا لك الحمد بالاسلام والقرآن ولك الحمد بالأهل والمال والمعافاة كبت عدونا وبسطت رزقنا وأظهرت أمننا وجمعت فرقتنا وأحسنت معافاتنا ومن كل ما سألناك ربنا أعطيتنا فلك الحمد على ذلك حمدا كثيرا لك الحمد بكل نعمة أنعمت بها علينا في قديم أو حديث أو سر أو علانية أو خاصة أو عامة أو حى أو ميت أو شاهد أو غائب لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد اذا رضيت.
وقال الحسن قال موسى يا رب كيف يستطيع آدم أن يؤدى شكرما صنعت اليه خلقته بيدك ونفخت فيه من روحك وأسكنته جنتك وأمرت الملائكة فسجدوا له ؟ فقال : يا موسى علم أن ذلك منى فحمدنى عليه فكان ذلك شكر ما صنعت اليه . وقال سعد بن مسعود الثقفي انما سمى نوح عبدا شكورا ؟ لأنه لم يلبس جديدا ولم يأكل طعاما الا حمد الله وكان على بن أبى طالب اذا خرج من الخلاء مسح بطنه بيده وقال يا لها من نعمة لو يعلم العباد شكرها؟
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثانية والأربعون بعد المئتين في موضوع الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:
*كلما كان لسانك رطبا بذكر الله فأنت شاكر
وقال مخلد بن الحسين كان يقال الشكرترك المعاصى.
وقال أبوحازم إذا كان نعمة لا تقرب من الله فهى بلية .
وقال سليمان : ذكر النعم يورث الحب لله . وقال حماد بن زيد حدثنا ليث عن أبى بردة قال :قدمت المدينة فلقيت عبد الله بن سلام فقال لى : ألا تدخل بيتا دخله النبي ونطعمك سويقا وتمرا ؟
ثم قال : ان الله اذا جمع الناس غدا ذكرهم بما أنعم عليهم فيقول العبد :ما آية ذلك ؟فيقول :آية ذلك انك كنت في كربة كذا وكذا قد دعوتنى فكشفتها وآية ذلك أنك كنت في سفر كذا وكذا فاستصحبتنى فصحبتك . قال يذكره حتى يذكر فيقول آية ذلك أنك خطبت فلانة بنت فلان وخطبها معك خطاب فزوجتك ورددتهم . يقف عبده بين يديه فيعدد عليه نعمه فبكى ثم بكى ثم قال :انى لأرجو الله أن لا يقعد الله عبدا بين يديه فيعذبه .
وروى ليث بن أبى سليم عن عثمان عن ابن سيرين عن أنس بن مالك قال :قال رسول الله : "يؤتى بالنعم يوم القيامة والحسنات والسيئات فيقول الله عزوجل لنعمة من نعمه :خذى حقك من حسناته
فما تترك له من حسنة الا ذهبت بها".
وقال بكر بن عبد الله المزنى ينزل بالعبد الامر فيدعو الله فيصرف عنه فيأتيه الشيطان فيضعف شكره يقول : ان الامر كان أيسر مما تذهب اليه قال أو لا يقول العبد كان الامر أشد مما أذهب اليه ولكن الله صرفه عنى .
وذكر ابن أبى الدنيا عن صدقة بن يسار قال بينا داود عليه السلام في محرابه اذ مرت به ذرة فنظر اليها وفكر في خلقها وعجب منها وقال ما يعبؤ الله بهذه فأنطقها الله فقالت : يا داود أتعجبك نفسك فو الذى نفسى بيده لأنا على ما آتانى الله من فضله أشكر منك على ما آتاك الله من فضله.
وقال أيوب ان من أعظم نعمة الله على عبده أن يكون مأمونا على ماجاء به النبي .
وقال سفيان الثورى :كان يقال ليس بفقيه من لم
يعد البلاء نعمة والرخاء معصيبة .
وقال زازان مما يجب لله على ذى النعمة بحق نعمته أن لا يتوصل بها إلى معصية .
قال ابن أبي الدنيا أنشدنى محمود الوراق:
اذا كان شكرى نعمة الله نعمة***
فكيف وقوع الشكر الا بفضله
على له في مثلها يجب الشكر***
اذا مس بالسراء عم سرورها
وان طالت الايام واتصل العمر***
وما منهما الا له فيه منة
وان مس بالضراء أعقبها الاجر***
تضيق بها الاوهام والبر والبحر
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثالثة والأربعون بعد المئتين في موضوع الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:
*كلما كان لسانك رطبا بذكر الله فأنت شاكر
وقد روى الدراوردى عن عمرو بن أبى عمرو عن سعيد المقبرى عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله : قال الله عز وجل: "ان المؤمن عندى بمنزلة كل خير يحمدنى وأنا أنزع نفسه من بين جنبيه .
ومر محمد بن المنكدر بشاب يغامز امرأة فقال يا فتى ما هذا جزاء نعم الله عليك .
وقال حماد بن سلمة عن ثابت قال :قال أبو العاليه: انى لأرجو أن لا يهلك عبد بين اثنتين نعمة يحمد الله عليها وذنب يستغفر منه .
وكتب ابن السماك إلى محمد بن الحسن حين ولى القضاء بالرقة : أما بعد فلتكن التقوى من بالك على كل حال وخف الله من كل نعمة أنعم بها عليك من قلة الشكر عليها مع المعصية بها فان في النعم حجة وفيها تبعة ؛ فأما الحجة بها فالمعصية بها وأما التبعة فيها فقلة للشكر عليها ، فعفى الله عنك كلما ضيعت من شكرأو ركبت من ذنب أو قصرت من حق .
ومر الربيع بن أبى راشد برجل به زمانة فجلس يحمد الله ويبكى قيل : له ما يبكيك ؟ قال ذكرت أهل الجنة وأهل النار فشبهت أهل الجنة بأهل العافية وأهل النار بأهل البلاء فذلك الذى أبكانى!!
وقد روى أبو هريرة رضى الله عنه عن النبي: "إذا أحب أحدكم أن يرى قدر نعمة الله عليه فلينظر إلى من تحته ولا ينظر إلى من فوقه"
وقال ابن المبارك حدثنا يزيد بن ابراهيم عن الحسن قال قال أبو الدرداء من لم يعرف نعمة الله عليه إلا في مطعمه ومشربه فقد قل عمله وحضر عذابه .
قال ابن المبارك أخبرنا مالك بن أنس عن اسحق بن عبد الله بن أبى طلحة عن أنس رضى الله قال : سمعت عمر بن الخطاب رضى الله عنه سلم على رجل فرد عليه السلام فقال عمر للرجل : كيف أنت؟ قال الرجل أحمد اليك الله . قال هذا أردت منك .
قال ابن المبارك وأخبرنا مسعود عن علقمة بن مرقد عن ابن عمر رضى الله عنهما قال : لعلنا نلتقى في اليوم مرارا يسأل بعضنا عن بعض ولم يرد بذلك إلا ليحمد الله عزوجل .
وقال مجاهد في قوله تعالى : {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} قال لا إله الا الله .
وقال ابن عيينة : ما أنعم الله على العباد نعمة أفضل من أن عرفهم لا إله إلا الله ، قال : وان لا اله الا الله لهم في الآخرة كالماء في الدنيا .
وقال بعض السلف في خطبته يوم عيد :أصبحتم زهرا وأصبح الناس غبرا أصبح الناس ينسجون وأنتم تلبسون واصبح الناس يعطون وأنتم تأخذون
وأصبح الناس ينتجون وأنتم تركبون واصبح الناس
يزرعون وأنتم تأكلون فبكى وأبكاهم.
وقال عبد الله بن قرط الأزدى وكان من الصحابة على المنبر وكان يوم أضحى ورأى على الناس ألوان الثياب يا لها من نعمة ما أشبعها ومن كرامة ما أظهرها ما زال عن قوم شيئا أشد من نعمة لا يستطيعون ردها وانما تثبت النعمة بشكر المنعم عليه للمنعم.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الرابعة والأربعون بعد المئتين في
موضوع الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:
*كلما كان لسانك رطبا بذكر الله فأنت شاكر
وجاء رجل إلى يونس بن عبيد يشكو ضيق حاله فقال له يونس : أيسرك ببصرك هذه مائة ألف درهم؟ قال الرجل : لا ، قال فبيديك مائه ألف قال :لا فبرجليك مائة الف قال : لا قال فذكره نعم الله عليه فقال يونس أرى عندك مئين الالوف وأنت تشكو الحاجه .
وكان ابو الدرداء يقول : الصحة الملك.
وقال جعفر بن محمد رضى الله عنه فقد ابى بغلة له
فقال ان ردها الله على لأحمدنه بمحامد يرضاها فما لبث أن أتى بسرجها ولجامها فركبها فلما استوى عليها وضم اليه ثيابه رفع رأسه إلى السماء فقال الحمد لله لم يزد عليها فقيل له في ذلك فقال هل تركت وأبقيت شيئا جعلت الحمد كله لله
وروى ابن أبى الدنيا من حديث سعد بن اسحاق بن كعب بن عجرة عن أبيه عن جده قال: "بعث رسول الله بعثا من الانصار وقال ان سلمهم الله وغنمهم فإن لله على في ذلك شكرا قال فلم يلبثوا أن غنموا وسلموا فقال بعض أصحابه سمعناك تقول ان سلمهم الله وغنمهم فإن لله على في ذلك شكرا
قال قد فعلت اللهم لك الحمد شكرا ولك المن فضلا".
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال محمد بن المنكدر لأبى حازم يا أبا حازم ما أكثر من يلقانى فيدعو لى بالخير ما أعرفهم وما صنعت اليهم خيرا قط فقال أبو حازم لا تظن أن ذلك من قبلك ولكن انظر إلى الذى ذلك من قبله فاشكره وقرأ أبو عبد الرحمن {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً} وقال على بن الجعد حدثنا عبد العزيز بن أبى سلمة الماجشون حدثنى من أصدقه أن أبا بكر الصديق رضى الله عنه كان يقول في دعائه أسألك تمام النعمة في الاشياء كلها والشكر لك عليها حتى ترضى وبعد الرضا والخيرة في جميع ما تكون فيه الخيرة بجميع ميسر الامور كلها لا معسورها يا كريم
وقال الحسن ما أنعم الله على عبد نعمة فقال الحمد لله الا كان ما أعطى أكثر مما أخذ قال ابن أبى الدنيا وبلغنى عن سفيان بن عيينة أنه قال هذا خطأ لا يكون فعل العبد أفضل من فعل الله ثم قال وقال بعض أهل العلم انما تفسير هذا أن الرجل اذا أنعم الله عليه نعمة وهو ممن يجب عليه أن يحمده عرفه ما صنع به فيشكر الله كما ينبغى له أن يشكره فكان الحمد له أفضل
قلت لا يلزم الحسن ما ذكر عن ابن عيينة فإن قوله الحمد لله نعمة من نعم الله والنعمة التى حمد الله عليها ايضا نعمة من نعم الله وبعض النعم أجل من بعض فنعمة الشكر أجل من نعمة المال والجاه والولد والزوجة ونحوها والله أعلم وهذا لا يستلزم أن يكون فعل العبد أفضل من فعل الله وان دل على أن فعل العبد للشكر قد يكون أفضل من بعض مفعول الله وفعل العبد هو مفعول الله ولا ريب أن بعض مفعولاته أفضل من بعض
وقال بعض أهل العلم لنعم الله علينا فيما زوى عنا من الدنيا أفضل من نعمه علينا فيما بسط لنا منها وذلك أن الله لم يرض لنبيه الدنيا فإن أكون فيما رضى الله لنبيه وأحب له أحب إلى من أن أكون فيما كره له وسخطه
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الخامسة والأربعون بعد المئتين في
موضوع الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:
*كلما كان لسانك رطبا بذكر الله فأنت شاكر
وقال ابن أبى الدنيا بلغنى عن بعض العلماء أنه قال
ينبغى للعالم أن يحمد الله على ما زوى عنه من شهوات الدنيا كما يحمده على ما أعطاه وأين يقع ما أعطاه الله والحساب يأتى عليه إلى ما عافاه الله ولم يبتله به فيشغل قلبه ويتعب جوارحه فيشكر الله على سكون قلبه وجمع همه
وحدث عن ابن أبى الحوارى قال جلس فضيل بن عياض وسفيان بن عيينة ليلة إلى الصباح يتذاكران
النعم فجعل سفيان يقول أنعم الله علينا في كذا وكذا أنعم الله علينا في كذا فعل بنا كذا وحدثنا عبد الله بن داود عن سفيان في قوله {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} قال يسبغ عليهم النعم ويمنعهم الشكر وقال غير سفيان كلما أحدثوا ذنبا أحدث لهم نعمة وسئل ثابت البنانى عن الاستدراج فقال ذلك مكر الله بالعباد المضيعين وقال يونس في تفسيرها ان العبد اذا كانت له عند الله منزلة فحفظها وبقى عليها ثم شكر الله بما أعطاه أعطاه أشرف منها واذا هو ضيع الشكر استدرجه الله وكان تضييعه الشكر استدراجا وقال أبو حازم نعمة الله فيما زوى عنى من الدنيا أعظم من نعمته فيما أعطانى منها انى رأيته أعطاها أقواما فهلكوا وكل نعمة لا تقرب من الله فهى بلية واذا رأيت الله يتابع عليك نعمه وأنت تعصيه فاحذره
وذكر كاتب الليث عن هقل عن الاوزاعى أنه وعظهم فقال في موعظته أيها الناس تقووا بهذه النعم التى أصبحتم فيها على الهرب من نار الله الموقدة التى تتطلع على الأفئدة فإنكم في دار الثوى فيها قليل وأنتم فيها مرجون خلائف من بعد القرون الذين استقبلوا من الدنيا أنفعها وزهرتها فهم كانوا أطول منكم أعمارا وأمد أجساما وأعظم آثارا فقطعوا الجبال وجابوا الصخور ونقبوا في البلاد مؤيدين ببطش شديد وأجسام كالعماد فما لبثت الايام والليالى أن طوت مددهم وعفت آثارهم وأخوت منازلهم وأنست ذكرهم فما تحس منهم من أحد ولا تسمع لهم ركزا كانوا يلهون آمنين لبيات قوم غافلين أو لصباح قوم نادمين ثم أنكم قد علمتم الذى نزل بساحتهم بياتا من عقوبة الله فأصبح كثير منهم في دارهم جاثمين واصبح الباقون ينظرون في آثارهم نقمة وزوال نعمة ومساكن خاويه فيها آية للذين يخافون العذاب الاليم وعبرة لمن يخشى وأصبحتم من بعدهم في أجل منقوص ودنيا مقبوضه وزمان قد ولى عفوه وذهب رخاؤه فلم يبق منه الا حماة شر وصبابة كدر وأهاويل عبر وعقوبات غير وارسال فتن وتتابع زلازل ورذلة خلف بهم ظهر الفساد في البر والبحر ولا تكونوا أشباها لمن خدعه الامل وغره طول الاجل وتبلغ بطول الامانى نسأل الله أن يجعلنا واياكم ممن وعى انذاره وعقل بشره فمهد لنفسه
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السادسة والأربعون بعد المئتين في
موضوع الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:
*كلما كان لسانك رطبا بذكر الله فأنت شاكر
وكان يقال الشكر ترك المعصيه وقال ابن المبارك
قال سفيان ليس بفقيه فمن لم يعد البلاء نعمه والرخاء مصيبه وكان مروان بن الحكم اذا ذكر الاسلام قال بنعمة ربى وصلت اليه لا بما قدمت يدى ولا بإرادتى انى كنت خاطئا
وكم من مدخل لو مت فيه *****
لكنت فيه نكالا في العشيرة
وقيت السوء والمكروه فيه *******
وظفرت بنعمة منه كبيرة
وكم من نعمة لله تمسى ****
وتصبح في العيان وفي السريرة
ودعى عثمان بن عفان رضى الله عنه إلى قوم على ريبة فانطلق ليأخذهم فتفرقوا قبل أن يبلغهم فأعتق رقبة شكرا لله أن لا يكون جرى على يديه خزى مسلم .
قال يزيد بن هرون أخبرنا أصبغ بن يزيد أن نوحا عليه السلام كان اذا خرج من الخلاء قال الحمد لله الذى أذاقنى لذته وأبقى منفته في جسدى وأذهب عنى أذاه فسمى عبدا شكورا وقال ابن أبى الدنيا حدثنى العباس بن جعفر عن الحارث بن شبل قال حدثتنا أم النعمان أن عائشة حدثتها عن النبي أنه لم يقم عن خلاء قط الا قاله وقال رجل لأبى حازم ما شكر العينين يا أبا حازم قال ان رأيت بهما خيرا أعلنته وان رأيت بهما شرا سترته قال فما شكر الاذنين قال ان سمعت بهما خيرا وعيته وان سمعت بهما شرا دفعته قال فما شكر اليدين قال لا تأخذ بهما ما ليس لهما ولا تمنع حقا لله هو فيهما قال فما شكر البطن قال أن يكون أسفله طعاما وأعلاه علما قال فما شكر الفرج قال قال الله {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} قال فما شكر الرجلين قال ان علمت ميتا تغبطه استعملت بهما عمله وان مقته رغبت عن عمله وأنت شاكر لله
وأما من شكر بلسانه ولم يشكر بجميع أعضائه فمثله كمثل رجل له كساء فأخذ بطرفه ولم يلبسه فما ينفعه ذلك من الحر والبرد والثلج والمطر
وذكر عبد الله بن المبارك أن النجاشى أرسل ذات يوم إلى جعفر وأصحابه فدخلوا عليه وهو في بيت عليه خلقان جالس على التراب قال جعفر فأشفقنا منه حين رأيناه على تلك الحال فلما رأى ما في وجوهنا قال انى أبشركم بما يسركم انه جاءنى من نحو أرضكم عين لى فأخبرنى أن الله قد نصر نبيه وأهلك عدوه وأسر فلان وفلان وقتل فلان وفلان التقوا بواد يقال له بدر كثير الاراك كأنى أنظر اليه كنت أرعى به لسيدى رجل من بنى ضمرة فقال له جعفر ما بالك جالسا على التراب ليس تحتك بساط وعليك هذه الاخلاق قال انا نجد فيما أنزل الله على عيسى عليه السلام ان حقا على عباد الله أن يحدثوا لله تواضعا عندما أحدث الله لهم من نعمه فلما أحدث الله لى نصر نبيه أحدثت لله هذا التواضع
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السابعة والأربعون بعد المئتين في
موضوع الشكور والتي هي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:
*كلما كان لسانك رطبا بذكر الله فأنت شاكر
وقال حبيب بن عبيد ما ابتلى الله عبدا ببلاء إلا كان له عليه فيه نعمة ألا يكون أشد منه وقال عبد الملك بن اسحاق ما من الناس إلا مبتلى بعافية لينظر كيف شكره أو بلية لينظر كيف صبره
وقال سفيان الثورى لقد أنعم الله على عبد في حاجة أكثر من تضرعه اليه فيها وكان رسول الله اذا جاءه أمر يسره خر لله ساجدا شكرا له عزوجل ذكره أحمد وقال عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه: "خرج علينا النبي فتوجه نحو صدقته فدخل فاستقبل القبلة فخر ساجدا فأطال السجود فقلت يا رسول الله سجدت سجدة حسبت أن يكون الله قد قبض نفسك فيها فقال ان جبريل أتانى فبشرنى أن الله عز وجل يقول لك من صلى عليك صليت عليه ومن سلم عليك سلمت عليه فسجدت لله شكرا" ذكره أحمد
وعن سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه قال خرجنا مع النبي من مكة نريد المدينة فلما كنا قريبا من عزور نزل ثم رفع يديه ودعا الله ساعة ثم خر ساجدا فمكث طويلا ثم قام فرفع يديه ساعة ثم خر ساجدا فعله ثلاثا وقال انى سألت ربى وشفعت لأمتى فأعطانى ثلث أمتى فخررت ساجدا شكرا لربى ثم رفعت رأسى فسألت ربى لأمتى فأعطانى ثلث أمتى فخررت ساجدا لربى ثم رفعت رأسى فسألت ربى ربى فأعطانى الثلث الآخر فخررت ساجدا لربى رواه أبو داود
وذكر محمد بن اسحاق في كتاب الفتوح قال لما جاء المبشر يوم بدر بقتل أبى جهل استحلفه رسول الله ثلاثة أيمان بالله الذى لا اله الا هو لقد رأيته قتيلا فحلف له فخر رسول الله ساجدا.
وذكر سعيد بن منصور أن ابى بكر الصديق رضى الله عنه سجد حين جاءه قتل مسيلمة وذكر أحمد أن عليا رضى الله عنه سجد حين وجد ذا الثدية في الخوارج وسجد كعب بن مالك في عهد النبي لما بشر بتوبة الله عليه والقصة في الصحيحين فإن قيل فنعم الله دائما مستمرة على العبد فما الذى اقتضى تخصيص النعمة الحادثة بالشكر دون الدائمة وقد تكون المستدامة أعظم قيل الجواب من وجوه : أحدها :أن النعمة المتجددة تذكر بالمستدامة والانسان موكل بالأدنى
الثاني :أن هذه النعمة المتجددة تستدعي عبودية مجددة وكان أسهلها على الانسان وأحبها إلى الله السجود شكرا له
الثالث :أن المتجددة لها وقع في النفوس والقلوب
بها أعلق ولهذا يهنى بها ويعزى بفقدها
الرابع : أن حدوث النعم توجب فرح النفس وانبساطها وكثيرا ما يجر ذلك إلى الأشر والبطر والسجود ذل لله وعبودية وخضوع فإذا تلقى به نعمته لسروره وفرح النفس وانبساطها فكان جديرا بدوام تلك النعمة وإذا تلقاها بالفرح الذى لا يحبه الله والاشر والبطر كما يفعله الجهال عندما يحدث الله لهم من النعم كانت سريعة الزوال وشيكة الانتقال وانقلبت نقمة وعادت استدراجا وقد تقدم أمر النجاشى فان الله اذا احدث لعبده نعمة أحب أن يحدث لها تواضعا وقال العلاء بن المغيرة بشرت الحسن بموت الحجاج وهو مختف فخر لله ساجدا
[الأنترنت – موقع معرفة الله - الشكر هو الغاية التى خلق الله عبيده لأجلها- فريق عمل الموقع ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثامنة والأربعون بعد المئتين في
موضوع الشكور والتي هي بعنوان:
* الشكر ثقافة وفن وقوة جذب
قام العلماء بتجارب كثيرة لدراسة تأثير الشكر على الدماغ ونظام المناعة والعمليات الدقيقة في العقل الباطن، ووجدوا أن للشكر تأثيراً محفزاً لطاقة الدماغ الإيجابية، مما يساعد الإنسان على مزيد من الإبداع وإنجاز الأعمال الجديدة. كما تؤكد بعض الدراسات أن الامتنان للآخرين وممارسة الشكر والإحساس الدائم بفضل الله تعالى يزيدان من قدرة النظام المناعي للجسم. وفي هذا الإطار يُعتبر الشكر فنا لا يجيده أي أحد، بل لا يتقنه كل المتعلمين، فالشكر فن وذوق وأدب وأسلوب.. هي كلمات وإن كانت عبارة تجعلك مديناً لقائلها بالامتنان، ما يدفعك لتصوغ أجمل عبارات الشكر وإن قصرت تلك العبارات يظل في النفوس وارف من ظلالها، ومن الأحاديث الصحيحة المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله «من لا يشكر الناس لا يشكر الله»، وهذا الحديث يلفت نظرنا إلى أن قيمة الشكر لها منزلة كبيرة وأهمية بالغة لدرجة أنها إذا لم تتحقق في علاقات الناس بعضهم مع بعض فإنها لا تتحقق في علاقة الإنسان بالله تعالى.. «الحواس الخمس»، ومن خلال تطرقه لهذا الموضوع يؤكد أن الشكر يعتبر فنا بل ثقافة من نوع آخر:
*رد الجميل :
الإعلامي عبدالله النجار يقول : إن الاعتراف بالشكر يعتبر في حد ذاته سلوكا حضاريا راقيا ينبغي أن يسود بين الناس، ولكن كثيراً ما يضن الناس حتى بكلمة الشكر التي لا تكلفهم شيئاً في مقابل ما يقدم لهم من خدمات، ويستخدمون بدلاً من ذلك كلمات لا تعبر عن الشكر والامتنان الذي يؤكد الصلات بين الناس، أو لا نسمع منهم شيئاً بالمرة، أو نسمع ما يدل على النكران وعدم الاعتراف بالجميل.
مؤكدا إذا أسدى إلينا أحد جميلاً أو قدم لنا خدمة معينة قولاً أو فعلاً فإن الواجب يقتضي أن نقدم له الشكر على ذلك أيضاً قولاً أو فعلاً، حتى لو كان ما يقدمه لنا يقع في دائرة مسؤوليته المباشرة، ولهذا تسمع كثيراً في مثل هذه المواقف رداً على كلمة الشكر عبارة «لا شكر على واجب»
*إنسان متحضر
تقول إحدى الموظفات : للأسف الشديد يجهل الكثير من الناس أن الشاكرين لنعمة الله يزيدهم الله من فضله كما وعد بذلك في القرآن الكريم: (لئن شكرتم لأزيدنكم)، فإن الشكر من جانب الإنسان للآخرين الذين أسدوا إليه جميلاً من شأنه أن يشجع هؤلاء ويجعلهم أكثر رغبة في فعل المزيد من الخير له ولأمثاله، والشكر لا يعني التقليل بأي حال من الأحوال من شأن الشاكر.
أو إشعاره بأنه أقل شأناً ممن يقدم لهم الشكر، إنه على العكس من ذلك يعني أن الشاكر إنسان متحضر يدرك أهمية القيم الإنسانية في حياة الناس وما لها من تأثير كبير في تقوية الروابط الإنسانية بين البشر، وبالتالي في تقدم المجتمع وازدهاره.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة التاسعة والأربعون بعد المئتين في
موضوع الشكور والتي هي بعنوان:
* الشكر ثقافة وفن وقوة جذب
؛علاقات اجتماعية سوية
يقول أحد المذيعين : إن الشُكر كلمة تأتي على وزنين، شُكر ثقيل الوزن وشُكر خفيف الوزن، فالإنسان الذي تنقصه كلمة الشكر في معجمه الذاتي دائما ما تكون كلمة الشكر بالنسبة له ثقيلة الوزن، ويرجع السبب في ذلك إلى أساس التنشئة الأسرية التي عاشها، وفي المقابل فإن الإنسان المُشبع بكلمات الشكر تكون هذه الكلمة بالنسبة له خفيفة الوزن، مضيفا: فكلمة شكرا تترك أثرا إيجابيا على نفسية الجميع، وتعمل على إيجاد علاقات اجتماعية سوية، وتترك شعورا بالرضا والاطمئنان.
*مفعول السحر
موظفة تقول : إن شكر المرأة زوجها والثناء عليه في حضوره وفي غيابه يزيده إعزازا لها، وفي كتمان الشكر جحود ودخول في كفر النعم، فالاعتراف بالجميل من المروءة والنبل ونكران الجميل من الجحود واللؤم. مضيفة ان البعض يستخف بكلمة الشكر وما لها من آثار اجتماعية كبيرة على العلاقات بين الأفراد، فكلمة شكرا من الزوج لزوجته تعني لديها الكثير، وقد لا يرى أثرها في حين إنما سيكون لها آثار تراكمية في علاقتهما كإشعارها بالرضا والطمأنينة.
كذلك الزوج الذي يكد في عمله ليوفر الحياة
الكريمة لأسرته رغم صعوبة ذلك على نفسه، إلا أنه بحاجة بأن تشكره زوجته، فبإمتنانها له بهذه الكلمة التي لها مفعول السحر فهي تجعله يشعر بأنه يُثاب على ما يفعله ولا يشعر وكأن ما يصنعه فرض عليه.
*في كل لغات العالم
ويؤكد عبدالرزاق أحمد الحجي - موظف : أن الشكر يعتبر ذوق الإقناع في فن الإبداع،ففي كل لغات العالم نجد كلمات الثناء والعرفان وإن اختلفت ألسنتها تعبيراً عن شعور وجداني هادر للمكافأة لقاء أي معروف أسدي، فكم من كلمات فجرت ينابيع لإرادة، وأخمدت براكين الإحباط ووارت جثث اليأس في غياهب النسيان من خلال كلمة شكرا.. مضيفا أن الشكر من إحدى أكثر المهارات أهمية في فن بناء العلاقات الإنسانية، فالشكر والامتنان يمدوننا بشعور كبير بالسعادة وبالتواصل مع الآخرين بكل مرونة وسهولة.
*هناك من لا يأبه بها
طالبة دراسات عليا تقول : هناك كثيرون لا يأبهون بهذه القيمة ولا يعيرونها كبير اهتمام، ولكنه من المعروف أن العلاقات بين البشر في حاجة ماسة إلى دعم متواصل وتنشيط مستمر لتقوية أواصرها وترسيخ أركانها من أجل المزيد من التعاون والتضامن لتحقيق الخير للمجتمع الإنساني، ولا يكلف هذا الدعم والتنشيط كثيراً في معظم الأحيان، فالكلمة الطيبة لها أثرها العميق والفعال في النفوس، والكلمة الخبيثة من جانب آخر لها أثرها السلبي في إحلال النفور بين الناس محل الحب والإخاء.
[الأنترنت – موقع البيان الصحي حياة - من المهارات المهمة في بناء العلاقات الإنسانية - الشكر ثقافة وفن وقوة جذب - دبي ــــ جميلة إسماعيل ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الخمسون بعد المئتين في موضوع الشكور والتي هي بعنوان:
* كيف نحول الشكر إلى الميادين العملية والحركة الواقعية؟
«شُكْرُ العمل»: هو حسن استعمال النعمة، والشكر عليها عمليًّا بالطاعة، والعبادة، والإنفاق لوجه الله تعالى، قال عز وجل: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13]
إنه شكر يتحول إلى ميادين العمل، ويحول كل من أنعم الله عليه إلى حركة في الواقع، ويتعاون مع الآخرين، ويضحي بكل ما هو متاح -لذا تراه يتصدق بماله، ويفعل الخير بكل طاقاته، ويحرص على هداية الناس بكل نصيحة، ويمشي معهم في حاجاتهم. عن محمد بن منصور أنه سئل: إذا أكلت وشبعت فما شكر تلك النعمة؟ قال: أن تصلي حتى لا يبقى في جوفك منه شيء. قال ذو النون المصري أبو الفيض: الشكر لمن فوقك بالطاعة، ولنظيرك بالمكافأة، ولمن دونك بالإحسان والإفضال.
وإذا كانت هذه الأنواع كلها واجبة ومطلوبة، فلا شك أن الشكر العملي هو جوهرها وعمادها؛ لأن العمل بالطاعة ينشأ عن إيمان القلب، والألفاظ عنوان ظاهري على الاعتقاد الداخلي. ولو اقتصر الإنسان على مُجرَّد التلفُّظ بكلمات تدُل على الشكر، دون وعْي لها أو تأثر بها، لمَّا كان ذلك كافيًا.
نصائح لاكتساب فضيلة الشكر والتحلي به:
1 – التفكر فيما أغدقه اللّه على عباده من صنوف النعم، وألوان الرعاية واللطف، وأن الإنسان في كل حالة من أحواله في نعمة، بل ولا يمكن أن يمر عليه لحظة في حياته إلا وهو يتقلب في نعم الله تعالى، وفي هذا استجابة لأمر الله تعالى بقوله: {وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ} [البقرة:231] وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر:3] والآيات في هذا المعنى كثيرة.
2-الضراعة إلى الله تعالى بأن يوزع عبده الضعيف شكر نعمته، والإعانة على القيام بهذه الوظيفة العظيمة التي لا قيام للعبد بها إلا بإعانة الله تعالى، والضراعة صفة أنبياء الله تعالى ورسله وعباده الصالحين. قال تعالى عن سليمان عليه الصلاة والسلام: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل:19].
وقال تعالى عن العبد الصالح: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الأحقاف:15].
وقد أوصى النبي-صلى الله عليه وسلم-معاذ بن جبل -رضي الله عنه-بهذا الدعاء العظيم فقال له وقد أخذ بيده: «يا معاذ، والله إني لأحبك، ثم أوصيك يا معاذ لا تدعن دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك».
وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-عن النبي-صلى الله عليه وسلم-قال: «أتحبون أن تجتهدوا في الدعاء؟ قولوا: اللهم أعنا على شكرك وذكرك وحسن عبادتك».
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الواحدة والخمسون بعد المئتين في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:
* كيف نحول الشكر إلى الميادين العملية والحركة الواقعية؟
3-أن يعلم الإنسان أن الله تعالى يسأله يوم القيامة عن شكر نعمه. هل قام بذلك أو قصّر، قال تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر:8]، قال ابن كثير رحمه الله: (أي: ثم لتسألن يومئذٍ عن شكر ما أنعم الله به عليكم من الصحة والأمن والرزق وغير ذلك، ماذا قابلتم به نعمه من شكر وعبادة).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن أول ما يسأل عنه يوم القيامة [يعني العبد] أن يقال: ألم نُصحَّ جسمك، ونرويك من الماء البارد».
4-أن يعلم الإنسان يقيناً أن النعم إذا شكرت قرت وزادت، وإذا كفرت فرت وزالت، قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7] فمتى أراد العبد دوام النعم وزيادتها فليلزم الشكر. وبدونه لا تدوم نعمة.
قال الفضيل بن عياض رحمه الله: عليكم بملازمة الشكر على النعم، فقلَّ نعمة زالت عن قوم فعادت إليهم.
فعلى ذي النعمة أن ينظر إليها وإن قلت بعين التعظيم وإظهار الفاقة لأنها من الله تعالى، وقليله لا يقال له قليل. وقد أوصلها إليك فضلاً منه وامتناناً لا باستحقاق منك.
ومن الجهل بالنعمة أن يراها الإنسان يسيرة لا تستحق الشكر وبإمكانه أن ينالها، وهذا فهم سقيم، فإن كل مطلوب يريده الإنسان لن يكون إلا بتيسير من الله مهما كان صغيراً، فإذا تحقق فهو من نعم الله عليه، لأن حصوله مصلحة لهذا المخلوق الضعيف الذي لا يملك لنفسه ضرَّا ولا نفعاً.
5-أن يفكر الإنسان في حاله، ويتأمل حياته قبل حصول هذه النعمة، وكيف كانت حاله آنذاك. وينظر إلى حاله لو كان فاقداً لها، فإن كان غنياً فإلى حال فقره، وإن كان صحيحاً فإلى حاله يوم كان مريضاً، وإن ملك بيتاً فإلى حاله يوم كان لا يملك بل كان يستأجر أو في بيت ضيق لا يرتضيه، وهكذا كل نعمة ينظر إلى وجود ضدها ليعرف بذلك قدرها فيشكرها.
[الأنترنت – موقع تبيان - كيف نحول الشكر إلى الميادين العملية والحركة الواقعية؟- د. خالد النجار]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثانية والخمسون بعد المئتين في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: *كيف يقوم العبد المسلم بشكر ربه تعالى على نعمِه الكثيرة ؟
السؤال : ما هو أفضل شيء يقوم به الإنسان لشكر الله على نعمه التي منّ بها علينا ؟ .
نص الجواب : الحمد لله ، أولاً: الشكر هو : المجازاة
على الإحسان ، والثناء الجميل على من يقدم الخير
والإحسان ، وأجل من يستحق الشكر والثناء على العباد هو الله جل جلاله ؛ لما له من عظيم النعَم والمنن على عباده في الدِّين والدنيا ، وقد أمرنا الله تعالى بشكره على تلك النعم ، وعدم جحودها ، فقال : ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ ) البقرة/ 152 .
ثانياً : أعظم من قام بهذا الأمر ، فشكر ربَّه ، حتى استحق وصف " الشاكر" و" الشكور" هم الأنبياء والمرسلون عليهم السلام : قال تعالى : ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . شَاكِراً لَأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) النحل/ 120 ، 121 .
وقال تعالى : ( ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً ) الإسراء:/ 3 .
ثالثاً : ذكر الله تعالى بعض نعمه على عباده ، وأمرهم بشكرها ، وأخبرنا تعالى أن القليل من عباده من قام بشكره عز وجل :
1. قال تعالى :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) البقرة/ 172
2. وقال تعالى : ( وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ ) الأعراف/ 10
3. وقال تعالى : ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ
مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ
وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) الروم/ 46 .
4. ومن النعم الدينية : قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) المائدة/ 6 .
وغير ذلك كثير ، وإنما ذكرنا هنا بعض تلك النِّعَم ،
وأما حصرها : فيستحيل،كما قال الله تعالى :( وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ) إبراهيم/ 34 ، ثم منَّ الله علينا فغفر لنا تقصيرها في شكر تلك النعم ، فقال : ( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) النحل/ 18 .
والمسلم دائم الطلب من ربِّه تعالى أن يعينه على شكره تعالى ؛ إذ لولا توفيق الله لعبده ، وإعانته : لما حصل الشكر ، ولذا شرع في السنَّة الصحيحة طلب الإعانة من الله على شكره تعالى :
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ وَقَالَ :(يَا مُعَاذُ ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ ، فَقَالَ : أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ : اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ ، وَشُكْرِكَ ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ ) [.رواه أبو داود ( 1522 ) والنسائي ( 1303 ) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود "]
وكان الشكر على النِّعَم سبباً في زيادتها ، كما قال تعالى : ( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ) إبراهيم/ 7 .
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثالثة والخمسون بعد المئتين في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: رابعاً : كيف يكون شكر العبد ربَّه على نعمه الجليلة ؟
يكون الشكر بتحقيق أركانه ، وهي شكر القلب ، وشكر اللسان ، وشكر الجوارح .
قال ابن القيم - رحمه الله : الشكر يكون : بالقلب : خضوعاً واستكانةً،وباللسان : ثناءً واعترافاً ، وبالجوارح : طاعةً وانقياداً ." مدارج السالكين " ( 2 / 246 ) .
وتفصيل ذلك :
1-أما شكر القلب : فمعناه : أن يستشعر القلب
قيمة النعم التي أنعمها الله على عبده ، وأن ينعقد
على الاعتراف بأن المنعم بهذه النعَم الجليلة هو الله وحده لا شريك له ، قال تعالى : ( وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ) النحل/ 53 .وليس هذا الاعتراف من باب الاستحباب ، بل هو واجب ، ومن نسب هذه النعم لغيره تعالى : كفر .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - : الواجب على الخلق إضافة النعم إلى الله قولاً ، واعترافاً،وبذلك يتم التوحيد،فمن أنكر نعَم الله
بقلبه،ولسانه : فذلك كافر،ليس معه من الدين شيء.
وهو بلسانه تارة يضيفها إلى الله ، وتارة يضيفها إلى نفسه ، وعمله ، وإلى سعي غيره - كما هو جارٍ على ألسنة كثير من الناس - : فهذا يجب على العبد أن يتوب منه ، وأن لا يضيف النعم إلا إلى موليها ، وأن يجاهد نفسه على ذلك ، ولا يتحقق الإيمان ، والتوحيد إلا بإضافة النعَم إلى الله ، قولاً ، واعترافاً .
فإن الشكر الذي هو رأس الإيمان مبني على ثلاثة أركان : اعتراف القلب بنعَم الله كلها عليه ، وعلى غيره ، والتحدث بها ، والثناء على الله بها ، والاستعانة بها على طاعة المنعم ، وعبادته ." القول السديد في مقاصد التوحيد " ( ص 140 ) .
وقال تعالى مبيناً حال من يجحد نسبة النعم لله تعالى : ( يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ ) النحل/ 83 . قال ابن كثير - رحمه الله - : أي : يعرفون أن الله تعالى هو المسدي إليهم ذلك ، وهو المتفضل به عليهم ، ومع هذا ينكرون ذلك ، ويعبدون معه غيره ، ويسندون النصر والرزق إلى غيره ." تفسير ابن كثير " ( 4 / 592 ) .
2. وأما شكر اللسان : فهو الاعتراف لفظاً – بعد عقد القلب اعتقاداً – بأن المنعَم على الحقيقة هو الله تعالى ، واشتغال اللسان بالثناء على الله عز وجل .قال تعالى في سياق بيان نعمه على عبد محمد صلى الله عليه وسلم : ( وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى ) الضحى/ 8 ، ثم أمره في مقابل ذلك بقوله : ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) الضحى/ 11 . قال ابن كثير – رحمه الله - :أي : وكما كنت عائلا فقيراً فأغناك الله : فحدِّث بنعمة الله عليك ." تفسير ابن كثير " ( 8 / 427 ) .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنْ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا ، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا ) .رواه مسلم ( 2734 ) .
قال أبو العباس القرطبي رحمه الله :
والحمد هنا بمعنى الشكر ، وقد قدمنا : أن الحمد يوضع موضع الشكر ، ولا يوضع الشكر موضع الحمد ، وفيه دلالة على أن شكر النعمة - وإن قلَّت - : سببُ نيل رضا الله تعالى ، الذي هو أشرف أحوال أهل الجنة ، وسيأتي قول الله عز وجل لأهل الجنة حين يقولون : " أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك ، فيقول : ( ألا أعطيكم أفضل من ذلك ؟ ) فيقولون : ما هو ؟ ألم تبيض وجوهنا ، وتدخلنا الجنة ، وتزحزحنا عن النار ؟ ، فيقول : ( أحلُّ عليكم رضواني ،فلا أسخط عليكم بعده أبداً ) .
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الرابعة والخمسون بعد المئتين في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: رابعاً : كيف يكون شكر العبد ربَّه على نعمه الجليلة ؟
وإنما كان الشكر سبباً لذلك الإكرام العظيم لأنَّه يتضمَّن معرفة المنْعِم ، وانفراده بخلق تلك النعمة ، وبإيصالها إلى المنعَم عليه ، تفضلاًّ من المنعِم ، وكرماً ، ومنَّة ، وأن المنعَم عليه فقيرٌ ، محتاجٌ إلى تلك النعَم ، ولا غنى به عنها ، فقد تضمَّن ذلك معرفة حق الله وفضله ، وحقّ العبد وفاقته ، وفقره ، فجعل الله تعالى جزاء تلك المعرفة : تلك الكرامة الشريفة ." المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم " ( 7 / 60 ، 61 ) .
ومن هنا قال بعض السلف : " مَن كتم النعمة : فقد كفَرها ،ومن أظهرها ونشرها : فقد شكرها ".
قال ابن القيم – تعليقاً على هذا - : وهذا مأخوذ من قوله : ( إن الله إذا أنعم على عبد بنعمة : أحب أن يَرى أثر نعمته على عبده ) ." مدارج السالكين " ( 2 / 246 ) .
ويروى عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله قوله : تذاكروا النِّعَم ، فإنَّ ذِكرها شكرٌ .
3. وأما شكر الجوارح : فهو أن يسخِّر جوارحه في طاعة الله ، ويجنبها ارتكاب ما نهى الله عنه من المعاصي والآثام .
وقد قال الله تعالى : ( اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً ) سـبأ/ من الآية 13 . عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى قَامَ حَتَّى تَفَطَّرَ رِجْلَاهُ قَالَتْ عَائِشَةُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَصْنَعُ هَذَا وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ؟ فَقَالَ : ( يَا عَائِشَةُ أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا ) .رواه البخاري ( 4557 ) ومسلم ( 2820 ) .
قال ابن بطَّال رحمه الله : قال الطبري : والصّواب في ذلك : أن شكر العبد هو : إقراره بأن ذلك من الله دون غيره ، وإقرار الحقيقة : الفعل ، ويصدقه العمل ،فأما الإقرار الذي يكذبه العمل،فإن صاحبه لا يستحق اسم الشاكر بالإطلاق ، ولكنه يقال شكر باللسان ، والدليل على صحة ذلك : قوله تعالى : ( اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ) سبأ/ 13 ، ومعلوم أنه لم يأمرهم ، إذ قال لهم ذلك ، بالإقرار بنعمه ؛ لأنهم كانوا لا يجحدون أن يكون ذلك تفضلاًّ منه عليهم ، وإنما أمرهم بالشكر على نعمه بالطاعة له بالعمل ، وكذلك قال صلى الله عليه وسلم حين تفطرت قدماه في قيام الليل :(أفلا أكون عبدًا شكوراً) شرح صحيح البخارى ( 10 / 183 ، 184 ) .
وقال أبو هارون : دخلتُ على أبي حازم ، فقلت له : يرحمك الله ، ما شكرُ العينين ؟ قال : إذا رأيتَ بهما خيراً : ذكرته ، وإذا رأيتَ بهما شرّاً : سترته ، قلت : فما شكر الأذنين ؟ قال : إذا
سمعتَ بهما خيراً : حفظته ، وإذا سمعتَ بهما شرّاً : نسيتَه .
قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله - :الشكر على درجتين : إحداهما واجب ، وهو أن يأتي بالواجبات ، ويتجنب المحرمات ، فهذا لا بد منه ، ويكفي في شكر هذه النعم ، ... .
ومن هنا قال بعض السلف:الشكر:ترك المعاصي "
وقال بعضهم : " الشكر أن لا يُستعان بشيءٍ من النعَم على معصيته " .
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الخامسة والخمسون بعد المئتين في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: رابعاً : كيف يكون شكر العبد ربَّه على نعمه الجليلة ؟
وذكر أبو حازم الزاهد شكرَ الجوارح كلها : " أن تكف عن المعاصي ، وتستعمل في الطاعات " ، ثم قال : " وأما مَن شكر بلسانه ولم يشكر بجميع أعضائه : فمثَلُه كمثل رجل له كساء فأخذ بطرفه ، فلم يلبسه ، فلم ينفعه ذلك من البرد ، والحر ، والثلج ، والمطر " .
الدرجة الثانية من الشكر : الشكر المستحب ،
وهو أن يعمل العبد بعد أداء الفرائض ، واجتناب المحارم : بنوافل الطاعات ، وهذه درجة السابقين المقربين ... ." جامع العلوم والحكم " ( ص 245 ، 246 ) .
والخلاصة :
أنه حتى تكون شاكراً لربك تعالى على ما أنعم عليك : فإنه يجب عليك الاعتراف بقلبك أن واهب هذه النعم ،ومسديها هو الله تعالى ، فتعظمه ، وتنسبها إليه ، وأن تعترف بذلك بلسانك ، فتشكره بعد الاستيقاظ من النوم أن وهب لك الحياة ، وبعد الطعام والشراب أن رزقك إياهما وتفضل بهما عليك ، وهكذا في كل نعمة تراها على نفسك .
وتشكره بجوارك بأن لا تجعلها ترى ، ولا تسمع ، معصية ، أو منكراً ، كغناء ، أو غيبة ، ولا تمش برجليك إلى أماكن محرَّمة ، ولا تستعمل يديك في منكر ، ككتابة محرمة في علاقة مع نساء أجنبيات ، أو كتابة عقود محرمة ، أو القيام بصنعة أو عمل محرَّم .
ومن شكر النعم بالجوارح : تسخيرها في طاعة الله تعالى ، بقراءة القرآن ، وكتب العلم ، وسماع النافع والمفيد ، وهكذا باقي الجوارح تسخرها في الطاعات المختلفة .
واعلم أن شكر النعَم نعمة تحتاج لشكر ، وهكذا يبقى العبد متقلباً في نعَم ربِّه ، وهو يشكر ربه على تلك النعم ، ويحمده أن وفقه إلى أن يكون من الشاكرين .
[الأنترنت – موقع الإسلام سؤال وجواب – كيف يقوم العبد المسلم بشكر ربه تعالى على نعمِه الكثيرة ؟ -المنجد ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السادسة والخمسون بعد المئتين في
موضوع الشكور وهي بعنوان:
*هل الشكر على المصيبة يزيد من المصائب ؟
السؤال : هل الشكر على المصيبة يزيد المصائب؟ لأن الله يقول : ( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ) ؟ وهل
الحمد في نفس معنى الشكر ؟
نص الجواب : الحمد لله : أولا :الشكر على المصيبة مستحب ، لأنه فوق الرضا بها .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى : "والمصائب التي تحل بالعبد ، وليس له حيلة في دفعها، كموت من يعزُّ عليه ، وسرقة ماله، ومرضه ، ونحو ذلك ، فإن للعبد فيها أربع مقامات:
أحدها : مقام العجز، وهو مقام الجزع والشكوى والسخط ، وهذا ما لا يفعله إلا أقل الناس عقلاً وديناً ومروءة .
المقام الثاني: مقام الصبر،إما لله،وإما للمروءة الإنسانية .
المقام الثالث : مقام الرضى وهو أعلى من مقام الصبر، وفي وجوبه نزاع ، والصبر متفق على وجوبه .
المقام الرابع : مقام الشكر ، وهو أعلى من مقام الرضى ؛ فإنه يشهدُ البليةَ نعمة ، فيشكر المُبْتَلي عليها " انتهى من "عدة الصابرين" (67) .
قال القاسمي رحمه الله : " اعْلَمْ أَنَّهُ مَا مِنْ نِعْمَةٍ مِنَ النِّعَمِ الدُّنْيَوِيَّةِ ، إِلَّا وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بَلَاءً بِالْإِضَافَةِ ، وَنِعْمَةً كَذَلِكَ، فَرُبَّ عَبْدٍ تَكُونُ لَهُ الْخَيْرَةُ فِي الْفَقْرِ وَالْمَرَضِ وَلَوْ صَحَّ بَدَنُهُ وَكَثُرَ مَالُهُ لَبَطِرَ وَبَغَى ، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ) [الشُّورَى: 27] وَقَالَ - تَعَالَى -: (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى) [الْعَلَقِ: 6 وَ 7] ، وَكَذَلِكَ الزَّوْجَةُ وَالْوَلَدُ وَالْقَرِيبُ وَأَمْثَالُهَا؛ فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - لَمْ يَخْلُقْ شَيْئًا إِلَّا وَفِيهِ حِكْمَةٌ وَنِعْمَةٌ أَيْضًا.
فَإِذَنْ ؛ فِي خَلْقِ اللَّهِ - تَعَالَى - الْبَلَاءُ : نِعْمَةٌ أَيْضًا ؛ إِمَّا عَلَى الْمُبْتَلَى ، أَوْ عَلَى غَيْرِ الْمُبْتَلَى، فَإِذَنْ كُلُّ حَالَةٍ لَا تُوصَفُ بِأَنَّهَا بَلَاءٌ مُطْلَقٌ، وَلَا نِعْمَةٌ مُطْلَقَةٌ فَيَجْتَمِعُ فِيهَا عَلَى الْعَبْدِ وَظِيفَتَانِ: الصَّبْرُ وَالشُّكْرُ جَمِيعًا.
فَإِنْ قُلْتَ: فَهُمَا مُتَضَادَّانِ ، فَكَيْفَ يَجْتَمِعَانِ ، إِذْ لَا صَبْرَ إِلَّا عَلَى غَمٍّ ، وَلَا شُكْرَ إِلَّا عَلَى فَرَحٍ؟
فَاعْلَمْ أَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ قَدْ يُغْتَمُّ بِهِ مِنْ وَجْهٍ ،
وَيُفْرَحُ بِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، فَيَكُونُ الصَّبْرُ مِنْ حَيْثُ
الِاغْتِمَامُ ، وَالشُّكْرُ مِنْ حَيْثُ الْفَرَحُ .
وَفِي كُلِّ فَقْرٍ وَمَرَضٍ وَخَوْفٍ وَبَلَاءٍ فِي الدُّنْيَا : خَمْسَةُ أُمُورٍ يَنْبَغِي أَنْ يَفْرَحَ الْعَاقِلُ بِهَا ، وَيَشْكُرَ عَلَيْهَا:
أَحَدُهَا: أَنَّ كُلَّ مُصِيبَةٍ وَمَرَضٍ : يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ أَكْبَرَ مِنْهَا، إِذْ مَقْدُورَاتُ اللَّهِ - تَعَالَى - لَا تَتَنَاهَى ، فَلَوْ ضَعَّفَهَا اللَّهُ وَزَادَهَا ، مَاذَا كَانَ يَرُدُّهُ وَيَحْجِزُهُ ؟ فَلْيَشْكُرْ إِذْ لَمْ تَكُنْ أَعْظَمَ مِنْهَا فِي الدُّنْيَا.
الثَّانِي : أَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ مُصِيبَتُهُ فِي دِينِهِ ، وَفِي الْخَبَرِ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا .
الثَّالِثُ : أَنَّهُ مَا مِنْ عُقُوبَةٍ إِلَّا وَيُتَصَوَّرُ أَنْ تُؤَخَّرَ إِلَى الْآخِرَةِ ، وَمَصَائِبُ الدُّنْيَا يُتَسَلَّى عَنْهَا بِأَسْبَابٍ أُخَرَ، تَهُونُ الْمُصِيبَةُ فَيَخِفُّ وَقْعُهَا، وَمُصِيبَةُ الْآخِرَةِ تَدُومُ ، فَلَعَلَّهُ لَمْ تُؤَخَّرْ عُقُوبَتُهُ إِلَى الْآخِرَةِ ، وَعُجِّلَتْ عُقُوبَتُهُ فِي الدُّنْيَا، فَلِمَ لَا يَشْكُرُ اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ ؟
الرَّابِعُ : أَنَّ هَذِهِ الْمُصِيبَةَ وَالْبَلِيَّةَ : كَانَتْ مَكْتُوبَةً عَلَيْهِ فِي أُمِّ الْكِتَابِ، وَكَانَ لَا بُدَّ مِنْ وُصُولِهَا إِلَيْهِ ، وَقَدْ وَصَلَتْ ، وَوَقَعَ الْفَرَاغُ ، وَاسْتَرَاحَ مِنْ بَعْضِهَا ، أَوْ مِنْ جَمِيعِهَا، فَهَذِهِ نِعْمَةٌ.
الْخَامِسُ: أَنَّ ثَوَابَهَا أَكْثَرُ مِنْهَا، فَإِنَّ مَصَائِبَ الدُّنْيَا طُرُقٌ إِلَى الْآخِرَةِ ، وَكُلُّ بَلَاءٍ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ : مِثَالُهُ الدَّوَاءُ الَّذِي يُؤْلِمُ فِي الْحَالِ ، وَيَنْفَعُ فِي الْمَآلِ .
فَمَنْ عَرَفَ هَذَا : تُصُوِّرَ مِنْهُ أَنْ يَشْكُرَ عَلَى
الْبَلَايَا، وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ هَذِهِ النِّعَمَ فِي الْبَلَاءِ لَمْ يُتَصَوَّرْ مِنْهُ
الشُّكْرُ؛ لِأَنَّ الشُّكْرَ يَتْبَعُ مَعْرِفَةَ النِّعْمَةِ بِالضَّرُورَةِ ، وَمَنْ لَا يُؤْمِنُ بِأَنَّ ثَوَابَ الْمُصِيبَةِ أَكْبَرُ مِنَ الْمُصِيبَةِ ، لَمْ يُتَصَوَّرْ مِنْهُ الشُّكْرُ عَلَى الْمُصِيبَةِ ..
ثُمَّ مَعَ فَضْلِ النِّعْمَةِ فِي الْبَلَاءِ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَعِيذُ فِي دُعَائِهِ مِنْ بَلَاءِ الدُّنْيَا ، وَعَذَابِ الْآخِرَةِ ، وَكَانَ يَسْتَعِيذُ مِنْ شَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ وَغَيْرِهَا ... وَفِي دُعَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَعَافِيَتُكَ أَحَبُّ إِلَيّ َ ..." انتهى، من " تهذيب موعظة المؤمنين" (287-288).
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السابعة والخمسون بعد المئتين في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:
*هل الشكر على المصيبة يزيد من المصائب ؟
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :" الناس إزاء
المصيبة على درجات: الأولى: الشاكر. الثانية: الراضي. الثالثة: الصابر. الرابعة: الجازع.
أمَّا الجازع : فقد فعل محرماً، وتسخط من قضاء
رب العالمين الذي بيده ملكوت السموات والأرض
، له الملك يفعل ما يشاء.
وأمّا الصابر: فقد قام بالواجب، والصابر: هو الذي يتحمل المصيبة، أي يرى أنها مرة وشاقة، وصعبة ، ويكره وقوعها، ولكنه يتحمل، ويحبس نفسه عن الشيء المحرم ، وهذا واجب.
وأمّا الراضي: فهو الذي لا يهتم بهذه المصيبة ، ويرى أنها من عند الله فيرضى رضاً تاماً، ولا يكون في قلبه تحسر، أو ندم عليها ؛ لأنه رضي رضاً تاماً، وحاله أعلى من حال الصابر.
والشاكر: هو أن يشكر الله على هذه المصيبة.
ولكن كيف يشكر الله على هذه المصيبة وهي مصيبة ؟
والجواب: من وجهين :
الوجه الأول: أن ينظر إلى من أصيب بما هو أعظم ، فيشكر الله على أنه لم يصب مثله .
الوجه الثاني: أن يعلم أنه يحصل له بهذه المصيبة تكفير السيئات ، ورفعة الدرجات إذا صبر، فما في الآخرة خير مما في الدنيا، فيشكر الله ، وأيضاً أشد الناس بلاءً الأنبياء ، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل ، فيرجو أن يكون بها صالحاً، فيشكر الله سبحانه وتعالى على هذه النعمة. والشكر على المصيبة مستحب ؛ لأنه فوق الرضا ؛ لأن الشكر رضا وزيادة " انتهى من الشرح الممتع (5/ 395-396) .
ثانيا : لا يؤدي الشكر على المصيبة إلى زيادتها ، لأن قول الله تعالى : ( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ )إبراهيم/ 7 ؛ إنما هو في شكر النعمة ، وليس في الشكر على المصيبة ، بدلالة قوله بعدها : ( وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ )
قال السعدي رحمه الله :" ( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ ) ؛ أي: أعلمَ ووعد ،(لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ ) من نعمي (وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ )،ومن ذلك : أن يزيل عنهم النعمة التي أنعم بها عليهم .
والشكر: هو اعتراف القلب بنعم الله ، والثناء على
الله بها ، وصرفها في مرضاة الله تعالى. وكفر
النعمة ضد ذلك "انتهى من " تفسير السعدي " (ص: 422) . والله أعلم .
[الأنترنت – موقع الإسلام سؤال وجواب – المنجد ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثامنة والخمسون بعد المئتين في
موضوع الشكور وهي بعنوان:
*فوائد مختارة من كتاب الوابل الصيب لابن القيم :
1 = ما أركان الشكر ؟ الشكر مبني على ثلاثة أركان: الاعتراف بالنعمة باطناً، والتحدث بها ظاهراً، وتصريفها في مرضات وليها ومسديها ومعطيها، فإذا فعل ذلك فقد شكرها مع تقصيره في شكرها.
2 = ما تعريف الصبر ؟ هو حبس النفس عن التسخط بالمقدور، وحبس اللسان عن الشكوى، وحبس الجوارح عن المعصية، كاللطم، وشق الثياب، ونتف الشعر ونحو ذلك.
3 = ما الحكمة من ابتلاء الله لعبده بالمحن ؟ إن الله تعالى لم يبتله ليهلكه، وإنما ابتلاه ليمتحن صبره وعبوديته، فإن لله تعالى على العبد عبودية في الضراء، كما له عليه عبودية في السراء، وله عليه عبودية فيما يكره كما له عليه عبودية فيما يحب، وأكثر الخلق يعطون العبودية فبما يحبون، والشأن في إعطاء العبودية في المكاره، ففيه تفاوتت مراتب
العباد، وبحسبه كانت منازلهم عند الله تعالى..
4 = ما علامة إرادة الله بعبده الخير ؟ إذا أراد الله بعبده خيراً فتح له من أبواب التوبة، والندم،
والانكسار، والذل، والافتقار، والاستعانة به، وصدق الملجأ إليه، ودوام التضرع، والدعاء، والتقرب إليه بما أمكن من الحسنات..
5 = ماذا جمع النبي صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث [ أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء بذنبي ] ؟
جمع بين مشاهدة المنة، ومطالعة عيب النفس والعمل. فمشاهدة المنة توجب له المحبة والحمد والشكر لولي النعم والإحسان. ومطالعة عيب النفس والعمل توجب له الذل والانكسار والافتقار والتوبة في كل وقت..
6 = ما أقرب باب دخل منه العبد على ربه ؟ أقرب باب دخل منه العبد على الله تعالى باب الإفلاس، فلا يرى لنفسه حالاً، ولا مقاماً، ولا سبباً يتعلق به، ولا وسيلة منه يمنّ بها.
7 = يستقيم القلب بشيئين، ما هما ؟ استقامة القلب بشيئين:
أحدهما: أن تكون محبة الله تعالى تتقدم عنده على جميع المحاب، فإذا تعارض حب الله وحب غيره، سبق حب الله حب ما سواه، وما أسهل هذا
بالدعوى، وما أصعبه بالفعل.
الثانية: تعظيم الأمر والنهي، وهو ناشئ عن تعظيم الآمر والناهي.
8 = ما مصير من أحب شيئاً سوى الله، ومن خاف غير الله ؟ قضى الله قضاء لا يرد ولا يدفع، أن من أحب شيئاً سواه عذب به ولا بد، وأن من خاف غيره سلط عليه، وأن من اشتغل بشيء غيره كان شؤماً عليه، ومن آثر غيره عليه لم يبارك فيه.
9 = ما أول مراتب تعظيم الله عز وجل ؟أول مراتب تعظيم الحق عز وجل: تعظيم أمره ونهيـه.
10 = ما علامة تعظيم الأوامر ؟ رعاية أوقاتها
وحدودها، والتفتيش على أركانها وواجباتها وكمالها، والحرص على تحسينها وفعلها في أوقاتها والمسارعة إليها عند وجوبها، والحزن والكآبـة والأسف عند فوت حق من حقوقها.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة التاسعة والخمسون بعد المئتين في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:
*فوائد مختارة من كتاب الوابل الصيب لابن القيم :
11 = بماذا تتفاضل الأعمال عند الله ؟ بتفاضــل
ما في القلـوب من الإيمان والإخلاص والمحبة وتوابعها.
12 = ما أهم شيء في العمل ؟ ليس الشأن في العمل، إنما الشأن كل الشأن في حفظ العمل مما يفسده ويحبطه.
13 = ما أهم شيء ينبغي على العبد أن يفتش عنه في عمله ؟معرفة ما يفسد الأعمال في حال وقوعها، ويبطلها ويحبطها بعد وقوعها من أهم ما ينبغي أن يفتش عليه العبد، ويحرص على عمله ويحذره.
14 = ما علامات تعظيم المنــاهي ؟ الحرص على التباعد من مظانها وأسبابها وما يدعو إليها، ومجانبة كل وسيلة تقرب منها. وأن يغضب لله عز وجل إذا انتهكت محارمــه، وأن يجد في قلبه حزناً وكسرة إذا عصى الله في أرضه. وأن لا يسترسل مع الرخصة إلى حد يكون صاحبه جافياً غير مستقيم على المنهج الوسط.
15 = ما أمر الله بأمر إلا كان للشيطان نزغتان ما هما ؟ إما تقصير وتفريط، وإما إفراط وغلو، فلا يبالي بما ظفر من العبد من الخطيئتين.
16 = ما علاج إذا ضعفت النفس عن ملاحظة قصر الوقت وسرعة انقضائه ؟ إن ضعفت النفس عن ملاحظة قصر الوقت وسرعة انقضائه، فليتدبر قوله عز وجل [ كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثــوا إلا ساعة من نهار ].وقوله عز وجل [ كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها ].
17 = إلى كم قسم ينقسم الالتفات في الصلاة ؟ الالتفات المنهي عنه في الصلاة قسمان:
أحدهما: التفات القلب عن الله عز وجل إلى غير الله تعالى. والثاني: التفات البصر، وكلاهما منهي عنه.
18 = ما مثل من يلتفت في صلاته ؟ مثل من يلتفت في صلاته ببصره أو بقلبه، مثل رجل استدعاه السلطان، فأوقفه بين يديه، وأقبل يناديه ويخاطبه، وهو في خلال ذلك يلتفت عن السلطان يميناً وشمالاً، وقد انصرف قلبه عن السلطان، فلا يفهم ما يخاطبه به، لأن قلبه ليس حاضراً معه، فما ظن هذا الرجل أن يفعل به السلطان، أفليس أقل المراتب في حقه أن ينصرف من بين يديه ممقوتاً مبعداً قد سقط من عينيه ؟
19 = ما تعريف الصوم الشرعي ؟ الصائم هو الذي صامت جوارحه عن الآثام، ولسانه عن الكذب والفحش وقول الزور، وبطنه عن الطعام والشراب، وفرجه عن الرفث، هذا هو الصوم المشروع، لا مجرد إمساك عن الطعام والشراب.
20 = هل للصدقة تأثير في دفع البلاء؟ إن
للصدقة تأثيراً عجيباً في دفع أنواع البلاء، ولو كانت من فاجر أو ظالم، بل من كافر، فإن الله تعالى يدفع بها عنه أنواعاً من البلاء، وهذا أمر معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم، وأهل الأرض كلهم مقرون به لأنهم جربوه.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الستون بعد المئتين في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:
*فوائد مختارة من كتاب الوابل الصيب لابن القيم :
21 = ما الفرق بين الشح والبخل ؟ الشح: هو شدة الحرص على الشيء والإحفاء في طلبه والاستقصاء في تحصيله، وجشع النفس عليه. والبخل: منع إنفاقه بعد حصوله وحبه وإمساكه.
22 = أذكر أنواع السخاء ؟ السخاء نوعــان: فأشرفهما: سخاؤك عما بيد غيرك. والثاني: سخاؤك ببذل ما في يدك. فقد يكون الرجل من أسخى الناس وهو لا يعطيهم شيئاً، لأنه سخا عما في أيديهم.
23 = ما أسباب صدأ القلب، وما جلاء ذلك ؟
صدأ القلب بأمرين: بالغفلة والذنب، وجلاؤه
بشيئين: بالاستغفار والذكر.
24 = كيف تنال محبة الله ؟ من أراد أن ينال محبة الله فليلهج بذكره.
25 = اذكر فضل عظيم من فضائل الذكر ؟ أنه يورثُهُ ذكرَ الله تعالى له، كما قال تعالى [ فاذكروني أذكركم ]. ولو لم يكن في الذكر إلا هذه وحدها لكفى بها فضلاً وشرفاً.
26 = الذكر سبب في اشتغال اللسان عن الغيبة كيف ذلك ؟ لأن العبد لا بد له من أن يتكلم، فإن لم يتكلم بذكر الله تعالى، وذكر أوامره، تكلم بهذه المحرمات أو بعضها، ولا سبيل إلى السلامة منها البتة إلا بذكر الله تعالى. وقال رحمه الله في موضع آخر: فإما لسان ذاكر، وإما لسان لاغ، ولا بد من أحدهما، فهي النفس إن لم تشغلها بالحق وإلا شغلتك بالباطل وهو القلب، إن لم تسكنه محبة الله سكنه محبة المخلوقين ولا بد، وهو اللسان، إن لم تشغله بالذكر شغلك باللهـو، وهو عليك ولا بد، فاختر لنفسك إحدى الخطتين، وأنزلها إحدى المنزلتين.
27 = اذكر بعض الأقوال التي ذكرها ابن القيم عن شيخه ابن تيمية ؟ قال سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة. وقال لي مرة: ما يصنع أعدائي بي ؟ أنا جنتي وبستاني في صدري، إن رحت فهي معي لا تفارقني، وإن حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحـة.
وكان يقول في محبسه في القلعة: لو بذلت لهم ملء هذه القلعـة ذهباً ما عدل عندي شكر هذه النعمـة.
وكان يقول في سجوده وهو محبوس: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
وقال لي مرة: المحبوس من حبس قلبه عن ربه تعالى، والمأسور من أسره هواه.
28 = كيف تذاب قسوة القلب ؟ فما أذيبت قسوة القلوب بمثل ذكر الله عز وجل.
29 = ما أفضل الذكر ؟ أفضل الذكر ما تواطأ عليه القلب واللسان.
30 = أيهما أفضل ذكر القلب وحده، أو ذكر اللسان وحده ؟ ذكر القلب وحده أفضل من ذكر اللسان وحده، لأن ذكر القلب يثمر المعرفة، ويهيج المحبة، ويثير الحياء، ويبعث على المخافة، ويدعو إلى المراقبة، ويزع عن التقصير في الطاعات، والتهاون في المعاصي والسيئات، وذكر اللسان لا يثمر شيئاً من ذلك الإثمار، وإن أثمر شيئاً منها فثمرة ضعيفة.
31 = أيهما أفضل الذكر أم الدعاء، مع بيان السبب ؟ الذكر أفضل من الدعاء، لأن الذكر ثناء على الله بجميل أوصافه وآلائه وأسمائه، والدعاء سؤال العبد حاجته فأين هذا من هذا ؟
32 = أيهما أفضل الدعاء الذي يتقدمه الذكر والثناء، أم الدعاء المجرد ؟ الدعاء الذي يتقدمـه الذكر والثناء، أفضل وأقرب إلى الإجابـة من الدعاء المجرد، فإن إنضاف إلى ذلك إخبار العبد بحاله ومسكنته وافتقاره واعترافه كان أبلغ في الإجابة وأفضل.
33 = ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم [ من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه ] ؟
الصحيح: أن معناها كفتاه من شر ما يؤذيه، وقيل: كفتاه من قيام الليل، وليس بشيء.
34 = ما صحة الأذكار التي يقولها العامة على الوضوء عند كل عضو ؟
لا أصل لها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من الصحابة والتابعين ولا الأئمة الأربعة.
35 = هل يكفي في التوبة من الغيبة الاستغفار للمغتاب، أم لا بد من إعلامه وتحليله ؟
في هذه المسألة قولان للعلماء: والصحيح أنه لا يحتاج إلى إعلامه، بل يكفيه الاستغفار له وذكره بمحاسن ما فيه في المواطن التي اغتابه فيها، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.
[ الأنترنت – موقع فوائد من كتاب الوابل الصيب لابن القيم ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الواحدة والستون بعد المئتين في موضوع الشكور وهي بعنوان:
*ذم التقصير في الشكر
أخبر الله في محكم كتابه أن الخلق عاجزون عن إحصاء نعم الله تعالى عليهم، فقال: { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا }[ النحل:18] وهذا يعني أنهم لن يقوموا بشكر نعم الله تعالى على الوجه المطلوب. لأن من لا يحصي نعمة الله عليه كيف يقوم بشكرها. ولعل العبد لا يكون مقصراً إذا بذل قصارى جهده في الشك بتحقيق العبودية لله رب العالمين على حدقوله تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ التغابن: 16].
إنما التقصير الذي نعنيه، أن يتقلب الإنسان في نعم الله تعالى ليلاً ونهاراً، ظاعناً ومقيماً نائماً ويقظانَ، ثم يصدر من أقواله وأفعاله أو اعتقاداته مالا يجامع الشكر بحال من الأحوال،فهذا التقصير الاختياري هو الذي نريد أن نعرف شيئاً عن أسبابه. ثم نأتي بعد ذلك بما فتح الله به من علاج.
فمن هذه الأسباب:
السبب الأول: الغفلة عن النعمة:
إن كثيراً من الناس يعيش في نعم عظيمة - عامة وخاصة - لكنه غافل عنها، لا يدري أنه يعيش في نعمة، ذلك لأنه ألفها ونشأ فيها. ولم يمرَّ عليه في حياته ضد لها، فهو يظن أن الأمر هكذا. والإنسان إذا لم يعرف النعمة ويشعر بها كيف يقوم بشكرها، قال بعض السلف : ( النعمة من الله على عبده مجهولة، فإذا فُقدت عُرفت ). إن كثيراً من الناس في زماننا هذا يتقلبون في نعم الله تعالى، يملأون بطونهم بالطعام والشراب،ويلبسون أحسن اللباس ، ويتدثرون بأنعم الغطاء، ويركبون أحسن المراكب، ثم يمضون لشأنهم، لا يتذكرون نعمة، ولا يعرفون لله حقاًّ! والنعم إذا كثرت بتوالي الخيرات وتنوعها غفل الإنسان عن الخالين منها، وظن أن غيره كذلك، فلم يصدر منه شكر للمنعم. ولهذا أمر الله تعالى عباده بأن يذكروا نعمه عليهم: { وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ } [ البقرة:231].
السبب الثاني: الجهل بحقيقة النعمة:
من الناس من يجهل النعمة، لا يعرف حقيقتها ولا يدرك كنهها، ولا يدري أنه في نعمة، لأنه لا يدري حقيقة النعم، بل قد يرى بعض إنعام الله عليه قليلاً لا يستحق أن يطلق عليه نعمة، ومن لم يعرف النعمة بل كان جاهلاً بها لم يشكرها.
إن من الناس من إذا رأى النعمة مبذولة له ولغيره لم ير أنه مختص بها، فلا يشكر الله، لأنه لا يرى أنه في نعمة ما دام غيره في هذه النعمة، فأعرض كثير عن شكر نعم الله العظيمة في النفس من الجوارح والحواس، وعن نعم الله العظيمة في هذا الكون.
خذ - مثلاً - نعمة البصر، فهي من نعم الله العظيمة التي يغفل عنها الناس فمن الذي يدرك هذه النعمة ويرعى حقها ويقوم بشكرها؟ إنهم قليلون. لو عمي إنسان فرد الله عليه بصره بسبب قدَّره الله. هل ينظر إلى بصره في الحالة الثانية كغفلته في الحالة الأولى؟!، لا، لأنه أدرك قيمة هذه النعمة بعد فقدها. فهذا قد يشكر الله على نعمة البصر، ولكنه سرعان ما ينسى ذلك، وهذا غاية الجهل إذ صار شكره موقوفاً على سلب النعمة ثم ردِّها مع أن الدائم أحق بالشكر من المنقطع أحياناً.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثانية والستون بعد المئتين في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي
بعنوان: *ذم التقصير في الشكر
السبب الثالث: نظر بعض الناس إلى من فوقه:
إذا نظر الإنسان إلى من فوقه ممن فُضِّل عليه احتقر ما أعطاه الله تعالى من فضله، فقصر في وظيفة الشكر؛ لأنه يرى أن ما أعطيه قليل، فيطلب الازدياد ليلحق بمن فوقه أو يقاربه. وهذا موجود في غالب الناس. فينشغل قلبه ويتعب جوارحه في طلب اللحاق بمن فضلوا عليه في متاع الحياة الدنيا. فيصير همه جمع الدنيا ويغفل عن الشكر والقيام بوظيفة العبودية التي خلق لأجلها.
السبب الرابع : نسيان الماضي: من الناس من
مرت به حياة البؤس والعوز، وعاش أيام الخوف والقلق، إما في مال أو معيشة أومسكن. ولما أنعم الله عليه وآتاه من فضله لم يشأ أن يعمل مقارنة بين ماضيه وحاضره ليتبين له فضل ربه عليه، لعل ذلك يكون عوناً له على شكر النعم، لكنه غرق في نعم الله الحاضرة ونسي حالته الماضية!
وعلى الإنسان أن يأخذ درساً مما ورد في الحديث الصحيح: أن ثلاثة من بني إسرائيل أراد الله أن يبتليهم أبرص وأقرع وأعمى، فأظهر الابتلاء حقائقهم التي كانت في عمله من قبل أن يخلقهم، فأما الأعمى فاعترف بإنعام الله عليه وأنه كان أعمى فقيراً فأعطاه لله البصر والغنى، وبَذلَ للسائل ما طلبه شكراً لله، وأما الأقرع والأبرص فكلاهما جحدا ما كانا عليه قبل ذلك من سوء الحال والفقر. وقالا في الغنى: إنما أوتيته كابراً عن كابر. وهذا حال أكثر الناس لا يعترف بما كان عليه أولاً من نقص أو جهل وفقر وذنوب، وأن الله سبحانه نقله من ذلك إلى ضد ما كان عليه وأنعم عليه بذلك.
*علاج التقصير في الشُّكر:
لعلنا إذا عرفنا شيئاً من أسباب التقصير في الشكر أن نشير هنا إلى نبذة مما نراه علاجاً للتقصير في الشكر. ولا سيما الشكر العملي شكر الجوارح.
ومن ذلك ما يلي:
1- التأمُّل في نعم الله تعالى واستحضارها وتذكرها. وأن الإنسان في كل حالة من أحواله في نعمة، بل ولا يمكن أن يمر عليه لحظة في حياته إلا وهو يتقلب في نعم الله تعالى، وفي هذا استجابة لأمر الله تعالى بقوله سبحانه: { وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ }[ البقرة:231] وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ } [ فاطر: 3] والآيات في هذا المعنى كثيرة.
2- الضَّراعة إلى الله تعالى بأن يوزع عبده
الضَّعيف شكر نعمته، والإعانة على القيام بهذه الوظيفة العظيمة التي لا قيام للعبد بها إلا بإعانة الله تعالى، والضراعة صفة أنبياء الله تعالى ورسله وعباده الصالحين. قال تعالى عن سليمان عليه الصلاة والسلام:{ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ }[ النمل:19]. وقال تعالى عن العبد الصالح: { وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ }[ الأحقاف:15]. وقد أوصى النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذ بن جبل - رضي الله عنه - بهذا الدعاء العظيم فقال له وقد أخذ بيده : ( يا معاذ، والله إني لأحبك، ثم أوصيك يا معاذ لا تدعن دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ).
3- أن يعلم الإنسان أن الله تعالى يسأله يوم القيامة عن شكر نعمه. هل قام بذلك أو قصّر، قال تعالى: { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}[ التكاثر: 8 ] قال ابن كثير - رحمه الله -: ( أي: ثم لتسألن يومئذٍ عن شكر ما أنعم الله به عليكم من الصحة والأمن والرزق وغير ذلك ماذا قابلتم به نعمه من شكر وعبادة ). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن أول ما يسأل عنه يوم القيامة - يعني العبد- أن يقال: ألم نًصحَّ جسمك، ونرويك من الماء البارد).
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثالثة والستون بعد المئتين في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي
بعنوان: *ذم التقصير في الشكر
4- أن يعلم الإنسان يقيناً أن النعم إذا شكرت قرت وزادت، وإذا كفرت فرَّت وزالت، قال تعالى: { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ }[ إبراهيم:7] فمتى أراد العبد دوام النعم وزيادتها فيلزم الشكر. وبدونه لا تدوم نعمة.
قال الفضيل بن عياض : ( عليكم بملازمة الشكر على النعم فقلَّ نعمة زالت عن قوم فعادت إليهم ).
5- على ذي النعمة أن ينظر إليها - وإن قلَّت –
بعين التعظيم وإظهار الفاقة لأنها من الله تعالى وقليله لا يقال له قليل. وقد أوصلها إليك فضلاً منه وامتناناً لا باستحقاق منك.
ومن الجهل بالنعمة أن يراها الإنسان يسيرة لا تستحق الشكر وبإمكانه أن ينالها، وهذا فهم سقيم، فإن كل مطلوب يريده الإنسان لن يكون إلا بتيسير من الله مهما كان صغيراً، فإذا تحقق فهو من نعم الله عليه لأن حصوله مصحلة لهذا المخلوق الضعيف الذي لايملك لنفسه ضراًّ ولا نفعاً.
6- أن يفكِّر الإنسان في حاله ويتأمل حياته قبل حصول هذه النعمة، وكيف كانت حاله آنذاك. وينظر إلى حاله لو كان فاقداً لها، فإن كان غنياً فإلى حال فقره، وإن كان صحيحاً فإلى حاله يوم كان مريضاً، وإن ملك بيتاً فإلى حاله يوم كان لا يملك بل كان يستأجر أو في بيت ضيق لا يرتضيه، وهكذا كل نعمة ينظر إلى وجود ضدها ليعرف بذلك قدرها فيشكرها.
7- أن ينظر الإنسان إلى من دونه في أمور الدنيا. فإذا فعل ذلك استعظم ما أعطاه الله تعالى وفضله به على غيره، فلم يعب نعمة ولم ينتقص عطية، فقام بمحبة الله تعالى وشكره، وتواضع لربه، وفعل الخير. فكان من الشاكرين. وهذا ما أرشد إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: ( انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم ).
فلينظر الإنسان إلى من دونه ممن ابتلي بالفقر المدقع أو الدين المفظع، ويعلم ما صار إليه من السلامة من الأمرين. فذلك نعمة عظيمة فيشكر ربه.وينظر إلى من ابتلي بالأسقام وينتقل منه إلى ما فُضِّل به عليه من العافية والصحة فيشكر مولاه ويستعمل ذلك في طاعته.
وينظر إلى من في خلقه نقص من عَمًى أو صَمَمٍ أو فَقْدِ عضو، وينتقل إلى ما هو فيه من السلامة من تلك العاهات التي تجلب الهم والغم وتعوق الإنسان عن كثير من التصرفات، فيشكر ربه وخالقه، ويعمل حواسه التي سلمها الله في طاعته وابتغاء مرضاته. وينظر إلى من ابتلي بجمع الدنيا وحطامها، والامتناع عما يجب عليه من حقوق، ويعلم أنه فُضل بالإقلال وأنعم عليه بقلة تبعة الأموال التي حلالها حساب وحرامها عقاب. فيشكر الله على سكون قلبه وجمع همه وحصول القناعة.
وما أحسن ما قاله بعض السلف: ( لَنِعمُ الله علينا فيما زوى عنا من الدنيا أفضل من نعمه علينا فيما بسط لنا منها، وذلك أن الله لم يرضَ لنبيه الدنيا، فلأَنْ أكون فيما رضي الله لنبيه وأحبَّ له أحبُّ من أن أكون فيما كرهه له وسخطه ).
8- ومما يساهم في علاج تقصير الناس في الشكر التواصي بشكر نعم الله والقيام بحقها، فإن تذكير الناس بالشكر أمر مطلوب، لا سيما من صاحب كلمة مسموعة، كخطيب جمعة وإمام مسجد وغيرهما من واعظ ومحاضر.قال عمر بن عبد العزيز- رحمه الله -: ( تذاكر النعم شكر ).
وقد كان السلف من هذه الأمة - من الصحابة والتابعين - يلهجون بشكر الله تعالى وحمده، والثناء عليه، عند كل لُقِيٍّ واجتماع. بل إن بعضهم كان يتقصد لقاء أخيه، ويسأله عن حاله مع قرب العهد بينهما وما مقصوده من سؤاله أو السلام عليه إلا أن يسمع منه حمد الله تعالى والثناء عليه سبحانه.
فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه- قال: ( سمعت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - سلم على رجل، فرد عليه السلام. وقال للرجل: كيف أنت؟ قال الرجل: أحمد الله إليك، قال عمر: هذه أردت منك ).
وعن علقمة بن مرثد، عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال ( إنْ كنا لعلنا أن نلتقي في اليوم مراراً، يسأل بعضنا بعضاً - عن حاله - وإنْ نريد بذلك - أي ما نريد بذلك - إلا الحمد لله عز وجل ).
وهذا العلاج الذي وصفناه إنما ينفع صاحب القلب المبصر الذي يتأمل في نعم الله تعالى. أما القلب البليد الذي لا يعد النعمة نعمة إلا إذا نزل به البلاء فسبيل صاحبه أن ينظر أبداً إلى من دونه لعل الله تعالى أن يوقظه من رقدة الغفلة فيرى نعم الله ويقوم بشكرها.
وأول مراتب سعادة العبد أن تكون له أذن واعية، وقلب يعقل ما تعيه الأذن، فإذا سمع وعقل تذكر فضل الله عليه. كلما تجددت له نعمة جدد لها شكراً. فهذا على خير وإلى خير.
[ الأنترنت – موقع دار الإسلام - المصدر: موقع الجمعية السعودية للسنة وعلومها.]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الرابعة والستون بعد المئتين في
موضوع الشكور وهي بعنوان:
*الفرق بين الحمد و الشكر
يقول شيخ الإسلام علم الهداة الأعلام مجدد دعوة التوحيد الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله :-
فاعلم أن الحمد هو الثناء باللسان على الجميل الاختياري، فأخرج بقوله الثناء باللسان الثناء بالفعل الذي يسمى لسان الحال، فذلك من نوع الشكر، وقوله :
على الجميل الاختياري أي الذي يفعله الإنسان بإرادته، وأما الجميل الذي لا صنع له فيه مثل الجمال ونحوه فالثناء به يسمى مدحا لا حمدا .
والفرق بين الحمد والشكر :
أن الحمد يتضمن المدح والثناء على المحمود بذكر محاسنه سواء كان إحسانا إلى الحامد أو لم يكن،
والشكر لا يكون إلا على إحسان المشكور، فمن
هذا الوجه الحمد أعم من الشكر، لأنه يكون على المحاسن والإحسان، فإن الله يحمد على ما له من الأسماء الحسنى وما خلقه في الآخرة والأولى، ولهذا قال :{ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً}سورة الإسراء آية: 111 الآية وقال : { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} سورة الأنعام آية: 1إلى غير ذلك من الآيات.
وأما الشكر فإنه لا يكون إلا على الإنعام; فهو أخص من الحمد من هذا الوجه، لكنه يكون بالقلب واليد واللسان، ولهذا قال تعالى:{اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً} سورة سبأ آية: 13
والحمد إنما يكون بالقلب واللسان، فمن هذا الوجه
الشكر أعم من جهة أنواعه،والحمد أعم من جهة أسبابه.
والألف واللام في قوله (الْحَمْدُ) للاستغراق،أي جميع أنواع الحمد لله لا لغيره فأما الذي لا صنع للخلق فيه مثل خلق الإنسان، وخلق السمع والبصر والسماء والأرض والأرزاق وغير ذلك فواضح، وأما ما يحمد عليه المخلوق مثل ما يثنى به على الصالحين والأنبياء والمرسلين، وعلى من فعل معروفا خصوصا إن أسداه إليك، فهذا كله لله أيضا بمعنى أنه، خلق ذلك الفاعل، وأعطاه ما فعل به ذلك، وحببه إليه وقواه عليه، وغير ذلك من أفضال الله الذي لو يختل بعضها لم يحمد ذلك المحمود، فصار الحمد لله كله بهذا الاعتبار. [الأنترنت- موقع التوحيد الخالص - الفرق بين الحمد و الشكر (لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب)]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الخامسة والستون بعد المئتين في
موضوع الشكور وهي بعنوان:
* الفرق بين الحمد والمدح و الصبر والشكر
قال ابن القيم قال تعالى:﴿ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ ﴾ [الفاتحة ٢] تجد تحت هذه الكلمة إثباتَ كل كمال للرب تعالى فعلًا ووصفًا واسمًا، وتنزيهه عن كل سوء وعيب فعلًا ووصفًا واسمًا، فهو محمود في أفعاله وأوصافه وأسمائه، منزَّهٌ عن العيوب والنقائص في أفعاله وأوصافه وأسمائه، فأفعاله كلها حكمة ورحمة ومصلحة وعدل لا تخرج عن ذلك، وأوصافه كلها أوصاف كمال ونعوت جلال، وأسماؤه كلها حسنى، وحمده قد ملأ الدنيا والآخرة والسماوات والأرض وما بينهما وما فيهما، فالكون كله ناطق بحمده، والخلق والأمر صادر عن حمده وقائم بحمده ووُجِد بحمده، فحمده هو سبب وجود كل موجود، وهو غاية كل موجود، وكلُّ موجود شاهد بحمده، وإرساله رسوله بحمده، وإنزاله كتبه بحمده، والجنة عُمرتْ بأهلها بحمده، والنار عُمرتْ بأهلها بحمده، وما أُطِيعَ إلا بحمده، وما عُصي إلا بحمده، ولا تسقط ورقة إلا بحمده، ولا يتحرك في الكون ذرة إلا بحمده.
وهو المحمود لذاته، وإن لم يحمده العباد، كما أنه هو الواحد الأحد ولو لم يُوحِّده العباد، والإله الحق وإن لم يُؤلِّهوه، وهو سبحانه الذي حَمِد نفسَه على لسان القائل: الحمد لله رب العالمين، كما قال النبي ﷺ: "إن الله تعالى قال على لسان نبيه: سمع الله لمن حمده". فهو الحامد لنفسه في الحقيقة على لسان عبده، فإنه الذي أجرى الحمد على لسانه وقلبه، وإجراؤه بحمده، فله الحمد كله، وله الملك كله، وبيده الخير كله، وإليه يرجع الأمر كله، فهذه المعرفة من عبودية الحمد. ومن عبوديته أيضًا أن يعلم أن حمده لربه سبحانه نعمة منه عليه، يستحق عليها الحمدَ، فإذا حمده على هذه النعمة استوجب عليه حمدًا آخر على نعمة حمده، وهلمَّ جرًّا. فالعبد ولو استنفد أنفاسَه كلَّها في حمده على نعمة من نعمه، كان ما يجب له من الحمد ويستحقه فوق ذلك وأضعافه، ولا يُحصِي أحد البتة ثناءً عليه بمحامده.
ومن عبودية العبد شهودُ العبد لعجزه عن الحمد، وأن ما قام به منه فالرب سبحانه هو المحمود عليه، إذ هو مُجرِيه على لسانه وقلبه.
ومن عبوديته تسليط الحمد على تفاصيل أحوال
العبد كلها ظاهرةً وباطنةً على ما يحب العبد وما يكرهه، فهوسبحانه المحمودعلى ذلك كله في الحقيقة ، وإن غاب عن شهود العبد.
ثم لقوله: ﴿رَبِّ العالَمِينَ﴾ من العبودية شهود تفرده سبحانه بالربوبية، وأنه كما أنه رب العالمين وخالقهم ورازقهم ومُدبِّر أمورهم ومُوجِدهم ومُفنِيهم، فهو وحده إلههم ومعبودهم وملجأهم ومفزعهم عند النوائب، فلا ربَّ غيره، ولا إلهَ سواه.
* لطيفة : قال جعفر بن محمد رضي الله عنه فقدَ أبي بغلة له فقال إن ردها الله عليَّ لأحمدنه بمحامد يرضاها، فما لبث أن أُتيَ بسرجها ولجامها فركبها، فلما
استوى عليها وضم إليه ثيابه رفع رأسه إلى السماء
فقال (الحمد لله) لم يزد عليها. فقيل له في ذلك، فقال هل تركت وأبقيت شيئا؟! جعلت الحمد كله لله.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السادسة والستون بعد المئتين في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي
بعنوان:*الفرق بين الحمد والمدح
والفرق بينهما أن حمد يتضمن الثناء مع العلم بما
يثنى به فإن تجرد عن العلم كان مدحا ولم يكن حمدا
فكل حمد مدح دون العكس ومن حيث كان يتضمن العلم بخصال المحمود جاء فعله على حمد بالكسر موازنا لعلم ولم يجئ كذلك مدح فصار المدح في الأفعال الظاهرة كالضرب ونحوه ومن ثم في الكتاب والسنة حمد: ربنا فلانا ويقول مدح الله فلانا وأثنى على فلان ولا تقول حمد إلا لنفسه ولذلك قال سبحانه: ﴿الحَمْدُ لِلَّهِ﴾ بلام الجنس المفيدة للاستغراق فالحمد كله له إما ملكا وإما استحقاقا فحمده لنفسه استحقاق وحمد العباد له وحمد بعضهم لبعض ملك له فلو حمد هو غيره لم يسغ أن يقال في ذلك الحمد ملك له لأن الحمد كلامه ولم يسغ أن يضاف إليه على جهة الاستحاق وقد تعلق بغيره.
فإن قيل: أليس ثناؤه ومدحه لأوليائه إنما هو بما علم، فلم لا يجوز أن يسمى حمدا؟
قيل لا يسمى حمدا على الإطلاق إلا ما يتضمن العلم بالمحاسن على الكمال وذلك معدوم في غيره سبحانه فإذا مدح فإنما يمدح بخصلة هي ناقصة في حق العبد وهو أعلم بنقصانها وإذا حمد نفسه حمد بما علم من كمال صفاته قلت: ليس ما ذكره من الفرق بين الحمد والمدح باعتبار العلم وعدمه صحيحا فإن كل واحد منهما يتضمن العلم بما يحمد به غيره ويمدحه فلا يكون مادحا ولا حامدا من لم يعرف صفات المحمود والممدوح فكيف يصح قوله: إن تجرد عن العلم كان مادحا بل إن تجرد عن العلم كان كلاما بغير علم فإن طابق فصدق وإلا فكذب وقوله: ومن ثم لم يجئ في الكتاب والسنة حمد ربنا فلانا يقال وأين جاء فيهما مدح الله فلانا وقد جاء في السنة ما هو أخص من الحمد وهو الثناء الذي هو تكرار المحامد كما في قول النبي ﷺ لأهل قباء: "ما هذا الطهور الذي أثنى الله عليكم به (صحيح)
فإذا كان قد أثنى عليهم والثناء حمد متكرر فما يمنع حمده لمن شاء من عباده.
ثم الصحيح في تسمية النبي ﷺ محمدا أنه الذي يحمده الله وملائكته وعباده المؤمنون.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السابعة والستون بعد المئتين في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي
بعنوان: *الفرق بين الحمد والمدح
وأما من قال: الذي يحمده أهل السماوات وأهل الأرض فلا ينافي حمد الله بل حمد أهل السماوات والأرض له بعد حمد الله له فلما حمده الله حمده أهل السماوات والأرض وبالجملة فإذا كان الحمد ثناء خاصا على المحمود لم يمتنع أن يحمد الله تعالى من يشاء من خلقه كما يثني عليه فالصواب في الفرق بين الحمد والمدح أن يقال: الإخبار عن محاسن الغير إما أن يكون إخبارا مجردا من حب وإرادة أو مقرونا بحبه وإرادته فإن كان الأول فهو المدح وإن كان الثاني فهو الحمد فالحمد إخبار عن محاسن المحمود مع حبه وإجلاله وتعظيمه ولهذا كان خبرا يتضمن الإنشاء بخلاف المدح فإنه خبر مجرد فالقائل إذا قال: الحمد لله أو قال: ربنا لك الحمد تضمن كلامه الخبر عن كل ما يحمد عليه تعالى باسم جامع محيط متضمن لكل فرد من أفراد الحمد المحققة والمقدرة وذلك يستلزم إثبات كل كمال يحمد عليه الرب تعالى ولهذا لا تصلح هذه اللفظة على هذا الوجه ولا ينبغي إلا لمن هذا شأنه وهو الحميد المجيد ولما كان هذا المعنى مقارنا للحمد لا تتقوم حقيقته إلا به فسره من فسره بالرضى والمحبة وهو تفسير له بجزء مدلوله بل هو رضاء ومحبة ومقارنة للثناء، ولهذا السر والله أعلم جاء فعله على بناء الطبائع والغرائز فقيل: (حمد) لتضمنه الحب الذي هو بالطبائع والسجايا أولى وأحق من فهم وحذر وسقم ونحوه بخلاف الإخبار المجرد عن ذلك وهو المدح فإنه جاء على وزن فعل فقالوا: مدحه لتجرد معناه من معاني الغرائز والطبائع فتأمل هذه النكتة البديعة وتأمل الإنشاء الثابت في قولك ربنا لك الحمد وقولك الحمد لله كيف تجده تحت هذه الألفاظ ولذلك لا يقال موضعها المدح لله تعالى ولا ربنا لك المدح وسره ما ذكرت لك من الأخبار بمحاسن المحمود إخبارا مقترنا بحبه وإرادته وإجلاله وتعظيمه.
فإن قلت: فهذا ينقض قولكم إنه لا يمتنع أن يحمد الله تعالى من شاء من خلقه فإن الله تعالى لا يتعاظمه شيء ولا يستحق التعظيم غيره فكيف يعظم أحدا من عباده قلت: المحبة لا تنفك عن تعظيم وإجلال للمحبوب ولكن يضاف إلى كل ذات بحسب ما تقتضيه خصائص تلك الذات فمحبة العبد لربه تستلزم إجلاله وتعظيمه وكذلك محبة الرسول تستلزم توقيره وتعزيزه وإجلاله وكذلك محبة الوالدين والعلماء وملوك العدل وأما محبة الرب عبده فإنها تستلزم إعزازه لعبده وإكرامه إياه والتنويه بذكره وإلقاء التعظيم والمهابة له في قلوب أوليائه فهذا المعنى ثابت في محبته وحمده لعبده سمي تعظيما وإجلالا أو لم يسم ألا ترى أن محبته سبحانه لرسله كيف اقتضت أن نوه بذكرهم في أهل السماء والأرض ورفع ذكرهم على ذكر غيرهم وغضب على من لم يحبهم ويوقرهم ويجلهم وأحل به أنواع العقوبات في الدنيا والآخرة وجعل كرامته في الدنيا والآخرة لمحبيهم وأنصارهم وأتباعهم أولا ترى كيف أمر عباده وأولياءه بالصلاة التي هي تعظيم وثناء على خاتمهم وأفضلهم صلوات الله عليه وسلامه أفليس هذا تعظيما لهم وإعزازا وإكراما وتكريما.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثامنة والستون بعد المئتين في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي
بعنوان: *الفرق بين الحمد والمدح
فإن قيل: فقد ظهر الفرق بين الحمد والمدح واستبان صبح المعنى وأسفر وجهه فما الفرق بينهما وبين الثناء والمجد الفرق بين الحمد والمدح وبين الثناء والمجد؟
قيل: قد تعدينا طورنا فيما نحن بصدده ولكن نذكر الفرق تكميلا للفائدة فنذكر تقسيما جامعا لهذه المعاني الأربعة أعني الحمد والمدح والثناء والمجد فنقول الإخبار عن محاسن الغير له ثلاث اعتبارات اعتبار من حيث المخبر به واعتبار من حيث الإخبار عنه بالخبر واعتبار من حيث حال المخبر فمن حيث الاعتبار الأول ينشأ التقسيم إلى الحمد والمجد فإن المخبر به إما أن يكون من أوصاف العظمة والجلال والسعة وتوابعها أو من أوصاف الجمال والإحسان وتوابعها فإن كان الأول فهو المجد وإن كان الثاني فهو الحمد وهذا لأن لفظ م ج د في لغتهم يدور على معنى الاتساع والكثرة فمنه قولهم أمجد الدابة علفا أي أوسعها علفا ومنه مجد الرجل فهو ماجد إذا كثر خيره وإحسانه إلى الناس قال الشاعر:
أنت تكون ماجد نبيل*** إذا تهب شمأل بليل
ومنه قولهم في شجر الغار واستمجد "المرخ" "والعفار" أي كثرت النار فيهما ومن حيث اعتبار الخبر نفسه ينشأ التقسيم إلى الثناء والحمد فإن الخبر عن المحاسن إما متكرر أو لا فإن تكرر فهو الثناء وإن لم يتكرر فهو الحمد فإن الثناء مأخوذ من الثني وهو العطف ورد الشيء بعضه على بعض ومنه ثنيت الثوب ومنه التثنية في الاسم فالمثنى مكرر لمحاسن من يثنى عليه مرة بعد مرة ومن جهة اعتبار حال المخبر ينشأ التقسيم إلى المدح والحمد فإن المخبر عن محاسن الغير إما أن يقترن بإخباره حب له وإجلال أو لا فإن اقترن به الحب فهو الحمد وإلا فهو المدح فحصل هذه الأقسام وميزها ثم تأمل تنزيل قوله تعالى فيما رواه عنه رسول الله ﷺ حين يقول العبد:(الحمد لله رب العالمين) فيقول الله حمدني عبدي فإذا قال (الرحمن الرحيم) قال أثنى علي عبدي لأنه كررحمده فإذا قال(مالك يوم الدين) قال مجدني عبدي فإنه وصفه بالملك والعظمة والجلال "رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
فاحمد الله على ما ساقه إليك من هذه الأسرار والفوائد عفوا لم تسهر فيها عينك ولم يسافر فيها فكرك عن وطنه ولم تتجرد في تحصيلها عن مألوفاتك بل هي عرائس معان تجلى عليك وتزف إليك فلك لذة التمتع بها ومهرها على غيرك لك غنمها وعليه غرمها.
[الأنترنت – موقع تفسير ابن قيّم الجوزيّة (الفرق بين الحمد والمدح) و (الصبر والشكر) ابن القيم ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة التاسعة والستون بعد المئتين في
موضوع الشكور وهي بعنوان:
* الله - عز وجل - هو المحمود المحبوب المعظم ذو الجلال والإكرام على كل ما قدره وخلقه، وعلى كل ما أمر به وشرعه.
ومن كان له نصيب من معرفة أسمائه الحسنى واستقرأ آثارها في الخلق والأمر، رأى الخلق والأمر منتظمين بها أكمل انتظام، ورأى سريان آثارها فيهما ، وعلم بحسب معرفته بها ما يليق بكماله وجلاله أن يفعله وما لا يليق، فاستدل بأسمائه على ما يفعله وما لا يفعله فإنه لا يفعل خلاف موجب حمده وحكمته، وكذلك يعلم ما يليق به أن يأْمر به ويشرعه مما لا يليق به، فيعلم أنه لا يأْمر بخلاف موجب حمده وحكمته. فإذا رأى بعض الأحكام جورًا وظلمًا أو سفهًا وعبثًا ومفسدة أو ما لا يوجب حمدًا وثناءً فليعلم أنه ليس من أحكامه ولا دينه، وأنه بريء منه ورسوله، فإنه إنما أمر بالعدل لا بالظلم وبالمصلحة لا بالمفسدة وبالحكمة لا بالعبث والسفه، وإنما بعث رسوله بالحنيفية السمحة لا بالغلظة والشدة، وبعثه بالرحمة لا بالقسوة، فإنه أرحم الراحمين، ورسوله رحمة مهداة إلى العالمين، ودينه كله رحمة، وهو نبي الرحمة وأُمته الأُمة المرحومة وذلك كله موجب أسمائه الحسنى وصفاته العليا وأًفعاله الحميدة، فلا يخبر عنه إلا بحمده ولا يثنى عليه إلا بأحسن الثناءِ كما لا يسمى إلا بأحسن الأسماءِ.
وقد نبه سبحانه على شمول حمده لخلقه وأمره بأن حمد نفسه في أول الخلق وآخره وعند الأمر والشرع وحمد نفسه على ربوبيته للعالَمين، وحمد نفسه على تفرده بالإلهية وعلى حياته، وحمد نفسه على امتناع اتصافه بما لا يليق بكماله من اتخاذ الولد والشريك وموالاة أحد من خلقه لحاجته إليه، وحمد نفسه على علوه وكبريائه، وحمد نفسه في الأُولى والآخرة، وأخبر عن سريان حمده في العالم العلوى والسفلى، ونبه على هذا كله في كتابه وحمد نفسه عليه، فتنوع حمده وأسباب حمده، وجمعها تارة وفرقها أُخرى ليتعرف إلى عباده ويعرفهم كيف يحمدونه وكيف يثنون عليه، وليتحبب إليهم بذلك ويحبهم إذا عرفوه وأحبوه وحمدوه. قال تعالى: ﴿الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرّحِيمِ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ وقال تعالى: ﴿الحَمْدُ للهِ الَّذِى خَلَقَ السَّمَواتِ والأرْضَ وجَعَلَ الظُّلُماتِ والنُّورِ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ [الأنعام: ١]، وقال تعالى: ﴿الحَمْدُ للهِ الَّذِى أنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الكِتابَ ولَمْ يَجْعَلْ لهُ عِوَجًا قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَدُنْهُ ويُبَشِّرَ المُؤْمِنِين﴾ [الكهف: ١-٢]، وقال: ﴿الحَمْدُ للهِ الَّذِى لَهُ ما فِى السَّمَواتِ وما فِى الأرْضِ ولَهُ الحَمْدُ فِى الآخِرَةِ وهو الحَكِيمُ الخَبِيرِ﴾ [سبأ: ١]، وقال تعالى: ﴿الحَمْدُ للهِ فاطِرِ السَّمَواتِ والأرْضِ جاعِلِ المَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِى أجْنَحَةٍ مَثْنى وثُلاثَ ورُباعَ يَزِيدُ فِى الخَلْقِ ما يَشاءُ إنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [فاطر: ١]، وقال: ﴿وَهُوَ اللهُ لا إلَهَ إلا هو لَهُ الحَمْدُ فِى الأُولى والآخِرَةِ ولَهُ الحُكْمُ وإلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [القصص: ٧٠]، وقال: ﴿هُوَ الحى لا إلَهَ إلا هو فادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالَمِينَ﴾ [غافر: ٦٥]، وقال: ﴿فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وحِينَ تُصْبِحُونَ ولَهُ الحَمْدُ فِى السّمَواتِ والأرْضِ وعَشِيًّا وحِينَ تُظْهِرُونَ﴾ [الروم: ١٧-١٨].
أخبر عن حمد خلقه له بعد فصله بينهم والحكم لأهل طاعته بثوابه وكرامته والحكم لأهل معصيته بعقابه وإهانته ﴿وَقُضِى بَيْنَهم بِالحَقِّ وقِيْلَ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالَمِينَ﴾ [الزمر: ٧٥].
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السبعون بعد المئتين في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:
* الله - عز وجل - هو المحمود المحبوب المعظم ذو الجلال والإكرام على كل ما قدره وخلقه، وعلى كل ما أمر به وشرعه.
وأخبر عن حمد أهل الجنة له وأنهم لم يدخلوها إلا بحمده، كما أن أهل النار لم يدخلوها إلا بحمده، فقال أهل الجنة: ﴿الحَمْدُ للهِ الَّذِى هَدانا لِهَذا وما كُنّا لِنَهْتَدِي لَوْلا أنْ هَدانا الله﴾ [الأعراف: ٤٣]، و ﴿دَعْواهم فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وتَحِيَّتُهم فِيها سلامٌ، وآخِرُ دَعْواهم أن الحَمْدُ لله رَبِّ العالَمِينَ﴾ [يونس: ١٠]، وقال عن أهل النار: ﴿وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أيْنَ شُرَكَآئِيَ الّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ونَزَعْنا مِن كُلّ أُمّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنا هاتُواْ بُرْهانَكم فَعَلِمُواْ أنّ الحَقّ لِلّهِ وضَلّ عَنْهم مّا كانُواْ يَفْتَرُونَ﴾ [القصص: ٧٤-٧٥]، وقال: ﴿فاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأصْحابِ السَّعِيرِ﴾ [الملك: ١١].
وشهدوا على أنفسهم بالكفر والظلم وعلموا أنهم كانوا كاذبين في الدنيا مكذبين بآيات ربهم مشركين به جاحدين لإلهيته مفترين عليه، وهذا اعتراف منهم بعدله فيهم وأخذهم ببعض حقه عليهم وأنه غير ظالم لهم وأنهم إنما دخلوا النار بعدله وحمده وإنما عوقبوا بأفعالهم وبما كانوا قادرين على فعله وتركه، لا كما تقول الجبرية.
وتفصيل هذه الحكمة مما لا سبيل للعقول البشرية إلى الإحاطة به ولا إلى التعبير عنه، ولكن بالجملة فكل صفة عليا واسم حسن وثناءٍ جميل وكل حمد ومدح وتسبيح وتنزيه وتقديس وجلال وإكرام فهو لله عز وجل على أكمل الوجوه وأتمها وأدومها، وجميع ما يوصف به ويذكر به ويخبر عنه فهو محامد له وثناءٌ وتسبيح وتقديس، فسبحانه وبحمده لا يحصى أحد من خلقه ثناءً عليه بل هو كما أثنى على نفسه وفوق ما يثنى عليه خلقه، فله الحمد أولًا وآخرًا حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، كما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله ورفيع مجده وعلو جده. فهذا تنبيه على أحد نوعي حمده، وهو حمد الصفات والأسماء.
والنوع الثاني حمد النعم والآلاءِ، وهذا مشهود للخليقة برها وفاجرها مؤمنها وكافرها، من جزيل مواهبه وسعة عطاياه وكريم أياديه وجميل صنائعه وحسن معاملته لعباده وسعة رحمته لهم وبره ولطفه وحنانه وإجابته لدعوات المضطرين وكشف كربات المكروبين وإغاثة الملهوفين ورحمته للعالمين وابتدائه بالنعم قبل السؤال ومن غير استحقاق بل ابتداءً منه بمجرد فضله وكرمه وإحسانه ودفع المحن والبلايا
بعد انعقاد أسبابها وصرفها بعد وقوعها.
ولطفه تعالى في ذلك بإيصاله إلى من أراده بأحسن الألطاف، وتبليغه من ذلك إلى ما لا تبلغه الآمال، وهدايته خاصته وعباده إلى سبل دار السلام، ومدافعته عتهم أحسن الدفاع وحمايتهم عن مراتع الآثام، وحبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم وكرَّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان، وجعلهم من الراشدين وكتب في قلوبهم الإيمان، وأيدهم بروح منه وسماهم المسلمين قبل أن يخلقهم، وذكرهم قبل أن يذكروه وأعطاهم قبل أن يسألوه وتحبب إليهم بنعمة مع غناه عنهم وتبغضهم إليه بالمعاصي وفقرهم إليه، ومع هذا كله فاتخذ لهم دارًا وأعد لهم فيها من كل ما تشتيهه الأنفس وتلذ الأعين، وملأها من جميع الخيرات وأودعها من النعيم والحبرة والسرور والبهجة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ثم أرسل إليهم الرسل يدعونهم إليها، ثم يسر لهم الأسباب التي توصلهم إليها وأعانهم عليها، ورضي منهم باليسير في هذه المدة القصيرة جدًا بالإضافة إلى بقاءِ دار النعيم، وضمن لهم إن أحسنوا أن يثيبهم بالحسنة عشرًا وإن أساؤوا واستغفروه أن يغفر لهم، ووعدهم أن يمحو ما جنوه من السيئات بما يفعلونه بعدها من الحسنات، وذكرهم بآلائه وتعرف إليهم بأسمائه، وأمرهم بما أمرهم به رحمة منه بهم وإحسانًا لا حاجة منه إليهم، ونهاهم عما نهاهم عنه حماية وصيانة لهم لا بخلًا منه عليهم وخاطبهم بألطف الخطاب وأحلاه ونصحهم بأحسن النصائح ووصاهم بأكمل الوصايا وأمرهم بأشرف الخصال ونهاهم عن أقبح الأقوال والأعمال.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الواحدة والسبعون بعد المئتين في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: * الله - عز وجل - هو المحمود المحبوب المعظم ذو الجلال والإكرام على كل ما قدره وخلقه، وعلى كل ما أمر به وشرعه.
وصرّف لهم الآيات وضرب لهم الأمثال ووسع لهم طرق العلم به ومعرفته وفتح لهم أبواب الهداية وعرفهم الأسباب التي تدنيهم من رضاه وتبعدهم عن غضبه، ويخاطبهم بألطف الخطاب ويسميهم بأحسن أسمائهم كقوله: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُواْ﴾، ﴿وَتُوبُوا إلى اللهِ جَمِيعًا أيُّها المُؤْمِنُونَ﴾ [النور: ٣١]، ﴿يا عِبادِي الَّذِينَ أسْرَفُوا عَلى أنْفُسِهِمْ﴾ [الزمر: ٥٣]، ﴿قَل لِعِبادِي﴾ [ابراهيم: ٣١]، ﴿وإذا سَألَكَ عِبادِي عَنِّى﴾ [البقرة: ١٨٦]، فيخاطبهم بخطاب الوداد والمحبة والتلطف كقوله: ﴿يَأيّها النّاسُ اعْبُدُواْ رَبّكُمُ الّذِي خَلَقَكم والّذِينَ مِن قَبْلِكم لَعَلّكم تَتّقُونَ الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ فِراشًا والسّماءَ بِنَآءً وأنزَلَ مِنَ السّمَآءِ مَآءً فَأخْرَجَ بِهِ مِنَ الثّمَراتِ رِزْقًا لّكم فَلاَ تَجْعَلُواْ للهِ أندادًا وأنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢١-٢٢]، ﴿ياأيّها النّاسُ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكم هَلْ مِن خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكم مّنَ السّمَآءِ والأرْضِ لاَ إلَهَ إلاّ هو فَأنّىَ تُؤْفَكُونَ﴾ [فاطر: ٣]، ﴿ياأيّها النّاسُ إنّ وعْدَ اللهِ حَقّ فَلاَ تَغُرّنّكُمُ الحَياةُ الدّنْيا ولاَ يَغُرّنّكم بِاللهِ الغَرُورُ﴾ [فاطر: ٥]، ﴿ياأيّها الإنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيم الَّذِى خَلَقَكَ فَسَوّاكَ فَعدَلَكَ﴾ [الانفطار: ٦-٧]، ﴿ياأيّها الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللهَ حَقّ تُقاتِهِ ولاَ تَمُوتُنّ إلاّ وأنْتُمْ مّسْلِمُونَ واعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا ولاَ تَفَرّقُواْ واذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكم إذْ كُنْتُمْ أعْدَآءً فَألّفَ بَيْنَ قُلُوبِكم فَأصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إخْوانًا وكُنْتُمْ عَلىَ شَفا حُفْرَةٍ مّنَ النّارِ فَأنقَذَكم مّنْها كَذَلِكَ يُبَيّنُ اللهُ لَكم آياتِهِ لَعَلّكم تَهْتَدُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٢-١٠٣]، ﴿ياأيّها الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتّخِذُواْ بِطانَةً مّن دُونِكم لاَ يَأْلُونَكم خَبالًا ودّواْ ما عَنِتّمْ قَدْ بَدَتِ البَغْضَآءُ مِن أفْواهِهِمْ وما تُخْفِي صُدُورُهم أكْبَرُ قَدْ بَيّنّا لَكُمُ الاَياتِ إنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [آل عمران: ١١٨] ﴿ياأيّها الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتّخِذُواْ عَدُوّي وعَدُوّكم أوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إلَيْهِمْ بِالمَوَدّةِ وقَدْ كَفَرُواْ بِما جَآءَكم مّنَ الحَقّ يُخْرِجُونَ الرّسُولَ وإيّاكم أن تُؤْمِنُواْ بِاللهِ رَبّكم إن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهادًا في سَبِيلِي وابْتِغَآءَ مَرْضاتِي تُسِرّونَ إلَيْهِمْ بِالمَوَدّةِ وأناْ أعْلَمُ بِمَآ أخْفَيْتُمْ ومَآ أعْلَنتُمْ ومَن يَفْعَلْهُ مِنكم فَقَدْ ضَلّ سَوَآءَ السّبِيلِ﴾ [الممتحنة:١]، ﴿ياأيّها الّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ للهِ ولِلرّسُولِ إذا دَعاكُم لِما يُحْيِيكم واعْلَمُواْ أنّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وقَلْبِهِ وأنّهُ إلَيْهِ تُحْشَرُونَ واتّقُواْ فِتْنَةً لاّ تُصِيبَنّ الّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكم خَآصّةً واعْلَمُواْ أنّ اللهَ شَدِيدُ العِقابِ واذْكُرُواْ إذْ أنتُمْ قَلِيلٌ مّسْتَضْعَفُونَ في الأرْضِ تَخافُونَ أن يَتَخَطّفَكُمُ النّاسُ فَآواكم وأيّدَكُم بِنَصْرِهِ ورَزَقَكم مّنَ الطّيّباتِ لَعَلّكم تَشْكُرُونَ﴾ [الأنفال: ٢٤-٢٦]، ﴿ياأيّها النّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فاسْتَمِعُواْ لَهُ إنّ الّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبابًا ولَوِ اجْتَمَعُواْ لَهُ وإن يَسْلُبْهُمُ الذّبابُ شَيْئًا لاّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنهُ ضَعُفَ الطّالِبُ والمَطْلُوبُ ما قَدَرُواْ اللهَ حَقّ قَدْرِهِ إنّ اللهَ لَقَوِيّ عَزِيزٌ﴾ [الحج: ٧٣-٧٤]، ﴿وَإذا قُلْنا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لاَدَمَ فَسَجَدُواْ إلاّ إبْلِيسَ كانَ مِنَ الجِنّ فَفَسَقَ عَنْ أمْرِ رَبّهِ أفَتَتّخِذُونَهُ وذُرّيّتَهُ أوْلِيَآءَ مِن دُونِي وهم لَكم عَدُوّ بِئْسَ لِلظّالِمِينَ بَدَلًا﴾ [الكهف: ٥٠] فتحت هذا الخطاب: إني عاديت إبليس وطردته من سمائى وباعدته من قربي إذ لم يسجد لأبيكم آدم، ثم أنتم يا بنيه توالونه وذريته من دوني وهم أعداءٌ لكم.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثانية والسبعون بعد المئتين في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: * الله - عز وجل - هو المحمود المحبوب المعظم ذو الجلال والإكرام على كل ما قدره وخلقه، وعلى كل ما أمر به وشرعه.
فليتأمل اللبيب مواقع هذا الخطاب وشدة لصوقه بالقلوب والتباسه بالأرواح وأكثر القرآن جاء على هذا النمط من خطابه لعباده بالتودد والتحنن واللطف والنصيحة البالغة، وأعلم سبحانه عباده أنه لا يرضى لهم إلا أكرم الوسائل وأفضل المنازل وأجل العلوم والمعارف.
قال تعالى: ﴿إن تَكْفُرُواْ فَإنّ اللهَ غَنِيّ عَنكم ولاَ يَرْضىَ لِعِبادِهِ الكُفْرَ وإن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ﴾ [الزمر: ٧]، وقال تعالى: ﴿اليَومَ أكْمَلْتُ لَكم دِيْنَكم وأتْمَمْتُ عَلَيْكم نِعْمَتِى ورَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا﴾ [المائدة: ٣]، وقال: ﴿يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ اليُسْرَ ولا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥]، وقال: ﴿يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيّنَ لَكم ويَهْدِيَكم سُنَنَ الّذِينَ مِن قَبْلِكم ويَتُوبَ عَلَيْكم واللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ واللهُ يُرِيدُ أن يَتُوبَ عَلَيْكم ويُرِيدُ الّذِينَ يَتّبِعُونَ الشّهَواتِ أن تَمِيلُواْ مَيْلًا عَظِيمًا يُرِيدُ اللهُ أن يُخَفّفَ عَنْكم وخُلِقَ الإنسانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء: ٢٦-٢٨].
ويتنصل سبحانه إلى عباده من مواضع الظنة والتهمة التي نسبها إليه من يعرفه حق معرفته ولا قدره حق قدره : من تكليف عباده ما لا يقدرون عليه ولا طاقة لهم بفعله ألبتة، وتعذيبهم إن شكروه وآمنوا به، وخلق السماوات والأرض وما بينهما لا لحكمة ولا لغاية، وأنه لم يخلق خلقه لحاجة منه إليهم، ولا ليتكثر بهم من قلة ولا ليتعزز بهم كما قال: ﴿وَما خَلَقْتُ الجِنَّ والإنْسَ إلا لِيَعْبُدُونِ ما أُرِيدُ مِنهم مِن رِزقٍ وما أُرِيدُ أنْ يُطْعِمُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦-٥٧]، فأخبر أنه لم يخلق الجن والإنس لحاجة منه إليهم، ولا ليربح عليهم، لكن خلقهم جودًا وإحسانًا ليعبدوه فيربحوا هم عليه كل الأرباح كقوله: ﴿إنْ أحْسَنْتُمْ أحْسَنْتُمْ لأنْفُسِكُمْ﴾ [الإسراء: ٧]، ﴿وَمَن عَمِلَ صالِحًا فَلأنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ﴾ [الروم: ٤٤]، ولما أمرهم بالوضوءِ وبالغسل من الجنابة الذي يحط عنهم أوزارهم ويدخلون به عليه ويرفع به درجاتهم، قال تعالى: ﴿ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكم مِن حَرَجٍ ولَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكم ولِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكم لَعَلَّكم تَشْكُرُونَ﴾ [المائدة: ٦]، وقال في الأضاحى والهدايا: ﴿لَنْ يَنالَ الله لُحُومُها ولا دِماؤُها ولَكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنكُمْ﴾ [الحج: ٣٧]، وقال عقيب أمرهم بالصدقة ونهيهم عن إخراج الرديء من المال: ﴿وَلاَ تَيَمّمُواْ الخَبِيثَ مِنهُ تُنْفِقُونَ ولَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إلاّ أن تُغْمِضُواْ فِيهِ واعْلَمُواْ أنّ اللهَ غَنِيّ حَمِيدٌ﴾ [البقرة: ٢٦٧].
يقول سبحانه: إني غنى عما تنفقون أن ينالني منه شيء، حميد مستحق المحامد كلها، فإنفاقكم لا يسد منه حاجة ولا يوجب له حمدًا، بل هو الغني بنفسه الحميد بنفسه وأسمائه وصفاته وإنفاقكم إنما نفعه لكم وعائدته عليكم.
ومن المتعين على من لم يباشر قلبه حلاوة هذا الخطاب وجلالته ولطف موقعه، وجذبه للقلوب والأرواح ومخالطته لها أن يعالج قلبه بالتقوى، وأن يستفرغ منه المواد الفاسدة التي حالت بينه وبين حظه من ذلك، ويتعرض إلى الأسباب التي يناله بها، من صدق الرغبة واللجإ إلى الله أن يحيى قلبه ويزكيه ويجعل فيه الإيمان والحكمة، فالقلب الميت لا يذوق طعم الإيمان ولا يجد حلاوته ولا يتمتع بالحياة الطيبة لا في الدنيا ولا في الآخرة ومن أراد مطالعة أُصول النعم فليسم سرح الذكر في رياض القرآن، وليتأمل ما عدد الله فيه من نعمه وتعرف بها إلى عباده من أول القرآن إلى آخره حين خلق أهل النار وابتلاهم بإبليس وحزبه وتسليط أعدائهم عليهم وامتحانهم بالشهوات والإرادات والهوى لتعظم النعمة عليهم بمخالفتها ومحاربتها، أعداء الله على أوليائه وعباده أتم نعمة وأكملها في كل ما خلقه من محبوب ومكروه، ونعمة ومحنة وفي كل ما أحدثه في الأرض من وقائعه بأعدائه وإكرامه لأوليائه، وفي كل ما قضاه وقدره، وتفصيل ذلك لا تفى به أقلام
الدنيا وأوراقها ولا قوى العباد، وإنما هو التنبيه والإشارة.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثالثة والسبعون بعد المئتين في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: * الله - عز وجل - هو المحمود المحبوب المعظم ذو الجلال والإكرام على كل ما قدره وخلقه، وعلى كل ما أمر به وشرعه.
ومن استقرئ الأسماء الحسنى وجدها مدائح وثناءً
تقصر بلاغات الواصفين عن بلوغ كنهها، وتعجز
الأوهام عن الإحاطة بالواحد منها ومع ذلك فالله سبحانه محامد ومدائح وأنواع من الثناء لم تتحرك بها الخواطر ولا هجست في الضمائر ولا لاحت لمتوسم ولا سنحت في فكر.
ففي دعاء أعرف الخلق بربه تعالى وأعلمهم بأسمائه وصفاته ومحامده:"أسْألُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هو لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أوْ أنْزَلْتَهُ فِى كِتابِكَ أوْ عَلَّمْتَهُ أحَدًا مِن خَلْقِكَ أوْ اسْتأْثَرْتَ بِهِ في عِلْمِ الغَيْبِ عِنْدَكَ أن تَجْعَلَ القُرْآن رَبِيع قَلْبِى ونُورَ صَدْرِى وجَلاءَ حُزْنِي وذَهابَ هَمِّي وغَمِّي".
وفى الصحيح عنه ﷺ في حديث الشفاعة لما
يسجد بين يدي ربه قال: "فَيَفْتَحُ قَلبِى مَن مَحامِدهِ بِشَيْءٍ لا أُحْسِنُهُ الآن"، وكان يقول في سجوده: "أعوذ برضاك من سخطك وبعفوك من عقوبتك أعُوذُ بِكَ مِنكَ، لا أُحْصِي ثَناءً عَلَيْكَ أنْتَ كَما أثْنَيْت عَلى نَفْسِكِ "، فلا يحصى أحد من خلقه ثناءً عليه ألبتة، وله أسماءٌ وأوصاف وحمد وثناءٌ لا يعلمه ملك مقرب ولا نبي مرسل، ونسبة ما يعلم العباد من ذلك إلى ما لا يعلمونه كنقرة عصفور في بحر.
فإن قيل: فكيف تصنعون بما يشاهد من أنواع الابتلاءِ والامتحان والآلام للأطفال والحيوانات ومن هو خارج عن التكليف ومن لا ثواب ولا عقاب عليه؟ وما تقولون في الأسماءِ الدالة على ذلك من المنتقم والقابض والخافض ونحوها؟
قيل: قد تقدم من الكلام في ذلك ما يكفى بعضه لذى الفطرة السليمة والعقل المستقيم وأما من فسدت فطرته وانتكس قلبه وضعفت بصيرة عقله فلو ضرب له من الأمثال ما ضرب فإنه لا يزيده إلا عمى وتحيرًا ونحن نزيد ما تقدم إيضاحًا وبيانًا إذ بسط هذا المقام أولى من اختصاره فنقول:
قد علمت أن جميع أسماء الرب سبحانه حسنى وصفاته كمال وأفعاله حكمة ومصلحة، وله كل ثناءٍ وكل حمد ومدحه وكل خير فمنه وله وبيده، والشر ليس إليه بوجه من الوجوه. لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ولا في أسمائه، وإن كان في مفعولاته فهو خير بإضافته إليه وشر بإضافته إلى من صدر عنه ووقع به. فتمسك بهذا الأصل ولا تفارقه في كل دقيق وجليل، وحكمه على كل ما يرد عليك، وحاكم إليه واجعله آخرتك التي ترجع إليها وتعتمد عليها.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الرابعة والسبعون بعد المئتين في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: * الله - عز وجل - هو المحمود المحبوب المعظم ذو الجلال والإكرام على كل ما قدره وخلقه، وعلى كل ما أمر به وشرعه.
واعلم أن لله خصائص في خلقه ورحمة وفضلًا يختص به من يشاءُ، وذلك موجب ربوبيته وإلهيته وحمده وحكمته، فإياك ثم إياك أن تصغى إلى وسوسة شياطين الإنس والجن والنفس الجاهلة الظالمة إنه هلاّ سوّى بين عباده في تلك الخصائص وقسمها بينهم على السواءِ ؟، فإن هذا عين الجهل والسفه من المعترض به، وقد بينا فيما تقدم أن حكمته تأْبى ذلك وتمنع منه.
ولكن اعلم أن الأمر قسمة بين فضله وعدله، فيختص برحمته من يشاء ُ ويقصد بعذابه من يشاءُ وهو المحمود على هذا، فالطيبون من خلقه مخصوصون بفضله ورحمته، والخبيثون مقصودون بعذابه، ولكل واحد قسطه من الحكمة والابتلاءِ والامتحان، وكل مستعمل فيما هو له مهيأ وله مخلوق، وكل ذلك خير ونفع ورحمة للمؤمنين فإنه تعالى خلقهم للخيرات فهم لها عاملين، واستعملهم فيها فلم يدركوا ذلك إلا به ولا استحقوه إلا بما سبق لهم من مشيئته وقسمته، فكذلك لا تضرهم الأدواءُ ولا السموم، بل متى وسوس لهم العدو واغتالهم بشيء من كيده أو مسهم بشيء من طيفة تذكروا فإذا هم مبصرون، وإخوانهم يمدونهم في الغى ثم لا يقصرون وإذا واقعوا في معصية صغيرة أو كبيرة عاد ذلك عليهم رحمة وانقلب في حقهم دواء وبدل حسنة بالتوبة النصوح والحسنات الماحية، لأنه سبحانه عرفهم بنفسه وبفضله وبأن قلوبهم بيده وعصمتهم إليه حيث نقض عزماتهم وقد عزموا أن لا يعصوه، وأراهم عزته في قضائه، وبره وإحسانه في عفوه ومغفرته، وأشهدهم نفوسهم وما فيها من النقص والظلم والجهل، وأشدهم حاجتهم إليه وافتقارهم وذلهم، وأنه إن لم يعف عنهم ويغفر لهم فليس لهم سبيل إلى النجاة أبدًا، فإنهم لما أعطوا من أنفسهم العزم أن لا يعصون وعقدوا عليه قلوبهم ثم عصوه بمشيئته وقدرته، عرفوا بذلك عظيم اقتداره وجميل ستره إياهم وكريم حلمه عنهم وسعة مغفرته لهم برد عفوه وحنانه وعطفه ورأْفته، وأنه حليم ذو أناة لا يعجل ورحيم سبقت رحمته غضبه، وأنهم متى رجعوا إليه بالتوبة وجدوه غفورًا رحيمًا، حليمًا كريمًا، يغفر لهم السيئات ويقيلهم العثرات ويودهم بعد التوبة ويحبهم.
فتضرعوا إليه حينئذ بالدعاء وتوسلوا إليه بذل العبيد وعزا الربوبية فتعرف سبحانه إليهم بحسن إجابته وجميل عطفه وحسن امتنانه في أن ألهمهم دعاءه ويسرهم للتوبة والإنابة وأقبلوا بقلوبهم إليه بعد إعراضها عنه، ولم تمنعه معاصيهم وجناياتهم من عطفه عليهم وبره لهم وإحسانه إليهم فتاب عليهم قبل أن يتوبوا إليه، وأعطاهم قبل أن يسألوه فلما تابوا إليه واستغفروه وأنابوا إليه تعرف إليهم تعرفًا آخر: فعرفهم رحمته وحسن عائدته وسعة مغفرته وكريم عفوه وجميل صفحه وبره وامتنانه وكرمه وشرعه، ومبادرته قبولهم بعد أن كان منهم ما كان من طول الشرور وشدة النفور والإيضاع في طرق معاصيه، وأشهدهم مع ذلك حمده العظيم وبره العميم، وكرمه في أن خلى بينهم وبين المعصية فنالوها بنعمته وإعانته، ثم لم يخل بينهم وبين ما توجبه من الإهلاك والفساد الذي لا يرجى معه صلاح، بل تداركهم بالدواء الشافى فاستخرج منهم داء لو استمر معهم لأفضى إلى الهلاك، ثم تداركهم بروح الرجاء فقذفه في قلوبهم وأخبر أنه عند ظنونهم به، ولو أشهدهم عظم الجناية وقبح المعصية وغضبه ومقته على من عصاه فقط لأورثهم ذلك المرض القاتل أو الداء العضال من اليأْس من روحه والقنوط من رحمته، وكان ذلك عين هلاكهم، ولكن رحمهم قبل البلاء وفي حشو البلاء وبعد البلاء وجعل تلك الآثار التي توجبها معصيته من المحن والبلاء والشدائد رحمة لهم وسببًا إلى علو درجاتهم ونيل الزلفى والكرامة عنده، فأشهدهم بالجناية عزة الربوبية وذل العبودية، ورقاهم بآثارها إلى منازل قربه ونيل كرامته، فهم على كل حال يربحون عليه يتقلبون في كرمه وإحسانه، وكل قضاءٍ يقضيه للمؤمن فهو خير به يسوقه إلى كرامته وثوابه، وكذلك عطاياه الدنيوية نعم منه عليهم، فإذا استرجعها أيضًا منهم وسلبهم إياها انقلبت من عطايا الآخرة ما قيل: إن الله ينعم على عباده بالعطايا الفاخرة، فإذا استرجعها كانت عطايا الآخرة، والرب سبحانه قد تجلى لقلوب المؤمنين العارفين وظهر لها بقدرته وجلاله وكبريائه ومضى مشيئته وعظيم سلطانه وعلو شأْنه وكرمه وبره وإحسانه وسعة مغفرته ورحمته وما ألقاه في قلوبهم من الإيمان بأسمائه وصفاته إلى حيث احتملته القوى البشرية ووراءه مما لا تحتمله قواهم ولا يخطر ببال ولا يدخل في خلد مما لا نسبة لما عرفوه إليه.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الخامسة والسبعون بعد المئتين في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: * الله - عز وجل - هو المحمود المحبوب المعظم ذو الجلال والإكرام على كل ما قدره وخلقه، وعلى كل ما أمر به وشرعه.
واعلم أن الذين كان قسمهم أنواع المعاصي والفجور، وفنون الكفر والشرك والتقلب في غضبه وسخطه وقلوبهم وأرواحهم شاهدة عليهم بالمعاصي والكفر مقرة بأن له الحجة عليهم وأن حقه قبلهم، ولا يذكر أحد منهم النار إلا وهو شاهد بذلك مقر به معترف اعتراف طائع لا مكره مضطهد، فهذه شهادتهم على أنفسهم وشهادة أوليائه عليهم والمؤمنون يشهدون فيهم بشهادة أخرى لا يشهد بها أعداؤه، ولو شهدوا بها وباؤا بها لكانت رحمته أقرب إليهم من عقوبته، فيشهدون أنهم عبيده وملكه وأنه أوجدهم ليظهر بهم مجده وينفذ فيهم حكمه ويمضى فيهم عدله، ويحق عليهم كلمته ويصدق فيهم وعيده ويبين فيهم سابق علمه، ويعمر بهم ديارهم ومساكنهم التي هي محل عدله وحكمته، وشهد أولياؤه عظيم ملكه وعز سلطانه وصدق رسله وكمال حكمته وتمام نعمته عليهم وقدر ما اختصهم به.
ومن أي شيء حماهم وصانهم، وأي شيء صرف عنهم، وأنه لم يكن لهم إليه وسيلة قبل وجوده يتوسلون بها إليه أن لا يجعلهم من أصحاب الشمال وأن يجعلهم من أصحاب اليميني، وشهدوا له سبحانه بأن ما كان منه إليهم وفيهم مما يقتضيه إتمام كلماته الصدق والعدل قوله وتحقق مقتضى أسمائه فهو محض حقه. وكل ذلك منه حسن جميل له عليه أتم حمد وأكمله وأفضله، وهو حكم عدل وقضاءٌ فصل، وأنه المحمود على ذلك كله فلا يلحقه منه ظلم ولا جور ولا عبث، بل ذلك عين الحكمة ومحض الحمد وكمال أظهره في حقه وعز أبداه وملك أعلنه ومراد له أنفذه كما فعل بالبدن وضروب الأنعام أتم بها مناسك أوليائه وقرابين عباده، وإن كان ذلك بالنسبة إلى الأنعام هلاكًا وإتلافًا، فأعداؤه الكفار المشركون به الجاحدون أولى أن تكون دماؤهم قرابين أوليائه وضحايا المجاهدين في سبيله، كما قال حسان بن ثابت:
يتطهرون - يرونه قربانهم ∗∗∗
بدماءِ من علقوا من الكفار
وكذلك لما ضحى خالد بن عبد الله القسري بشيخ المعطلة الفرعونية جعد بن درهم، فإنه خطبهم في يوم أضحى، فلما أكمل خطبته قال: أيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضح بالجعد بن درهم، إنه زعم أن الله لم يكلم موسى تكليمًا، ولم يتخذ إبراهيم خليلًا، تعالى عما يقول الجعد علوًا كبيرًا، ثم نزل فذبحه، فكان ضحيته.
وذكر ذلك البخاري في كتاب خلق الأفعال، فهذا شهود أوليائه من شأن أعدائه، ولكن أعداؤه في غفلة عن هذا لا يشهدونه ولا يقرون به، ولو شهدوه وأقروا به لأدركهم حنانه ورحمته، ولكن لما حجبوا عن معرفته ومحبته وتوحيده وإثبات أسمائه الحسنى وصفاته العليا ووصفه بما يليق به وتنزيهه عما لا يليق به صاروا أسوأ حالًا من الأنعام وضربوا بالحجاب، وأبعدوا عنه بأقصى البعد وأخرجوا من نوره إلى الظلمات، وغيبت قلوبهم في الجهل به وبكماله وجلاله وعظمته في غابات، ليتم عليهم أمده، وينفذ فيهم حكمه، والله عليم حكيم، والله أعلم.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السادسة والسبعون بعد المئتين في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: * الله - عز وجل - هو المحمود المحبوب المعظم ذو الجلال والإكرام على كل ما قدره وخلقه، وعلى كل ما أمر به وشرعه.
*فائِدَة : تأمّل خطاب القُرْآن تَجِد ملكا لَهُ الملك كُله
وله الحَمد كُله، أزِمَّة الأُمُور كلها بِيَدِهِ، ومصدرها مِنهُ، ومردها إلَيْهِ، مستويا على سَرِير ملكه، لا تخفى عَلَيْهِ خافية في أقطار مَمْلَكَته، عالما بِما
في نفوس عبيده، مطّلعا على أسرارهم وعلانيتهم، مُنْفَردا بتدبير المملكة، يسمع ويرى ويُعْطِي ويمْنَع، ويثيب ويعاقب، ويكرم ويهين، ويخلق ويرزق، ويُمِيت ويحيي، ويقدر ويَقْضِي ويدبّر، الأُمُور نازلة من عِنْده دقيقها وجليلها وصاعدة إلَيْهِ لا تتحرك فيه ذرّة إلّا بِإذْنِهِ ولا تسْقط ورقة إلّا بِعِلْمِهِ.
فتأمّل كَيفَ تَجدهُ يثني على نَفسه ويمجّد نَفسه ويحمد نَفسه وينْصَح عباده ويدلّهم على ما فِيهِ سعادتهم وفلاحهم ويرغّبهم فِيهِ ويحذّرهم مِمّا فِيهِ هلاكهم ويتعرّف إلَيْهِم بأسمائه وصِفاته ويتححب إلَيْهِم بنعمه وآلائه فيذكّرهم بنعمه عَلَيْهِم ويَأْمُرهم بِما يستوجبون بِهِ تَمامها ويحذّرهم من نقمه ويذكّرهم بِما أعد لَهُم من الكَرامَة إن أطاعوه وما أعد لَهُم ما العقُوبَة إن عصوه ويخبرهم بصنعه في أوليائه وأعدائه وكَيف كانَت عاقِبَة هَؤُلاءِ وهَؤُلاء ويثني على أوليائه بِصالح أعْمالهم وأحسن أوصافهم ويذم أعداءه بسيئ أعْمالهم وقبيح صفاتهم ويضْرب الأمْثال وينوّع الأدلّة والبراهين ويجيب عَن شبه أعدائه أحسن الأجْوِبَة ويصدق الصّادِق ويكذب الكاذِب ويَقُول الحق ويهْدِي السَّبِيل ويَدْعُو إلى دار السَّلام ويذكر أوصافها وحسنها ونَعِيمها ويحذّر من دار البَوار ويذكر عَذابها وقبحها وآلامها ويذكر عباده فَقرهمْ إلَيْهِ وشدّة حاجتهم إلَيْهِ من كل وجه وأنَّهم لا غنى لَهُم عَنهُ طرفَة عين ويذكر غناهُ عَنْهُم وعَن جَمِيع الموجودات، وأنه الغَنِيّ بِنَفسِهِ عَن كل ما سواهُ، وكل ما سواهُ فَقير إلَيْهِ بِنَفسِهِ، وأنه لا ينال أحد ذرة من الخَبَر فَما فَوْقها إلّا بفضله ورَحمته ولا ذرّة من الشَّرّ فَما فَوْقها إلّا بعدله وحكمته، ويشْهد من خطابه عتابه لأحبابه ألطف عتاب، وأنه مَعَ ذَلِك مقيل عثراتهم وغافر زلاتهم ومقيم أعذارهم ومصلح فسادهم، والدافع عَنْهُم والمحامي عَنْهُم والناصر لَهُم، والكَفِيل بمصالحهم، والمنجي لَهُم من كل كرب، والموفي لَهُم بوعده، وأنه وليّهم الَّذِي لا ولي لَهُم سواهُ فَهو مَوْلاهُم الحق ونصيرهم على عدوهم فَنعم المولى ونعم النصير.
فَإذا شهِدت القُلُوب من القُرْآن ملكا عَظِيما رحِيما جوادا جميلا هَذا شَأْنه فَكيف لا تحبّه وتنافس في القرب مِنهُ وتنفق أنفاسها في التودد إلَيْهِ ويكون أحب إلَيْها من كل ما سواهُ ورضاهُ آثر عِنْدها من رضا كل ما سواهُ وكَيف لا تلهج بِذكرِهِ ويصير حبه والشوق إلَيْهِ والأنس بِهِ هو غذائها وقوتها ودواؤها
بِحَيْثُ إن فقدت ذَلِك فَسدتْ وهَلَكت ولم تَنْتفَع بحياتها.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السابعة والسبعون بعد المئتين في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: * الله - عز وجل - هو المحمود المحبوب المعظم ذو الجلال والإكرام على كل ما قدره وخلقه، وعلى كل ما أمر به وشرعه.
* تأمل أسرار كلام الرب تعالى وما تضمنته آيات الكتاب المجيد من الحكمة البالغة الشاهدة بأنه
كلام رب العالمين والشاهدة لرسوله بأنه الصادق المصدوق، وهذا كله من مقتضى حكمته وحمده تعالى وهو معنى كونه خلق السماوات والأرض وما بينهما بالحق، ولم يخلق ذلك باطلا بل خلقه خلقا صادرا عن الحق آيلا إلى الحق مشتملا على الحق فالحق سابق لخلقها مقارن له غاية له، ولهذا أتى بالباء الدالة على هذا المعنى دون اللام المفيدة لمعنى الغاية وحدها فالباء مفيدة معنى اشتمال خلقها على الحق السابق والمقارن والغاية فالحق السابق صدور ذلك عن علمه وحكمته فمصدر خلقه تعالى وأمره عن كمال علمه وحكمته، وبكمال هاتين الصفتين يكون المفعول الصادر عن الموصوف بهما حكمه كله ومصلحة وحقا ولهذا قال تعالى: ﴿وَإنَّكَ لَتُلَقّى القُرْآنَ مِن لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ﴾ فأخبر أن مصدر التلقي عن علم المتكلم وحكمته وما كان كذلك كان صدقا وعدلا وهدى وإرشادا.
وكذلك قالت الملائكة لامرأة إبراهيم حين قالت: أألد وأنا عجوز عقيم ﴿قالُوا كَذَلِكِ قالَ رَبُّكِ إنَّهُ هو الحَكِيمُ العَلِيمُ﴾ وهذا راجع إلى قوله وخلقه وهو خلق الولد لها على الكبر.
وأما مقارنة الحق لهذه المخلوقات فهو ما اشتملت من الحكم والمصالح والمنافع والآيات الدالة للعباد على الله ووحدانيته وصفاته وصدق رسله وأن لقاءه حق لا ريب فيه ومن نظر في الموجودات ببصيرة قلبه رآها كالأشخاص الشاهدة الناطقة بذلك بل شهادتها أتم من شهادة الخبر المجرد لأنها شهادة حال لا يقبل كذبا فلا يتأمل العاقل المستبصر مخلوقا حق تأمله إلا وجده دالا على فاطره وبارئه وعلى وحدانيته وعلى كمال صفاته وأسمائه وعلى صدق رسله وعلى أن لقاءه حق لا ريب فيه وهذه طريقة القرآن في إرشاده الخلق إلى الاستدلال بأصناف المخلوقات وأحوالها على إثبات الصانع وعلى التوحيد والمعاد والنبوات فمرة يخبر أنه لم يخلق خلقه باطلا ولا عبثا ومرة يخبر أنه خلقهم بالحق ومرة يخبرهم وينبههم على وجوه الاعتبار والاستدلال بها على صدق ما أخبرت به رسله حتى يبين لهم أن الرسل إنما جاؤوهم بما يشاهدون أدلة صدقة وبما لو تأملوه لرأوه مركوزا في فطرهم مستقرا في عقولهم وأن ما يشاهدونه من مخلوقاته شاهد بما أخبرت به رسله عنه من أسمائه وصفاته وتوحيده ولقائه ووجود ملائكته وهذا باب عظيم من أبواب الإيمان إنما يفتحه الله على من سبقت له منه سابقة السعادة وهذا أشرف علم يناله العبد في هذه الدار.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثامنة والسبعون بعد المئتين في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: * الله - عز وجل - هو المحمود المحبوب المعظم ذو الجلال والإكرام على كل ما قدره وخلقه، وعلى كل ما أمر به وشرعه.
وقد بينت في موضع آخر أن كل حركة تشاهد على اختلاف أنواعها فهي دالة على التوحيد والنبوات والمعاد بطريق سهلة واضحة برهانية وكذلك ذكرت في رسالة إلى بعض الأصحاب بدليل واضح أن الروح مركوز في أصل فطرتها وخلقتها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأن الإنسان لو استقصى التفتيش لوجد ذلك مركوزا في نفس روحه وذاته وفطرته فلو تأمل العاقل الروح وحركتها فقط لاستخرج منها الإيمان بالله تعالى وصفاته والشهادة بأنه لا إله إلا هو والإيمان برسله وملائكته ولقائه، وإنما يصدق بهذا من أشرقت شمس الهداية على أفق قلبه وانجابت عنه سحائب غيبه وانكشف عن قلبه حجاب ﴿إنّا وجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وإنّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ﴾ فهنالك يبدو له سر طال عنه اكتتامه ويلوح له صباح هو ليله وظلامه فقف الآن عند كل كلمة من قوله تعالى: ﴿إنَّ في السَّماواتِ والأرْضِ لآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ وفي خَلْقِكم وما يَبُثُّ مِن دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ... وتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾
ثم تأمل وجه كونها آية وعلى ماذا جعلت آية أعلى مطلوب واحد أم مطالب متعددة وكذلك سائر ما في القرآن الكريم من هذا النمط كآخر سورة آل عمران وقوله في سورة الروم: ﴿وَمِن آياتِه﴾ إلى آخرها وقوله في سورة النمل: ﴿الحَمْدُ لِلَّهِ وسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى﴾ إلى آخر الآيات وأضعاف ذلك في القرآن الكريم وكقوله في سورة الذاريات ﴿وَفِي الأرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ وفي أنْفُسِكم أفَلا تُبْصِرُونَ﴾ ﴿وَكَأيِّنْ مِن آيَةٍ في السَّماواتِ والأرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وهم عَنْها مُعْرِضُونَ﴾ فهذا كله من الحق الذي خلقه به السماوات والأرض وما بينهما وهو حق لوجود هذه المخلوقات مسطور في صفحاتها يقرؤه كل موفق كاتب وغير كاتب كما قيل:
تأمل سطور الكائنات فإنها ∗∗∗
من الملأ الأعلى إليك رسائل
وقد خط فيها لو تأملت خطها ∗∗∗
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
وأما الحق الذي هو غاية خلقها فهو غاية تراد من العباد وغاية تراد بهم فالتي تراد منهم أن يعرفوا الله تعالى وصفات كماله عز وجل وأن يعبدوه لا يشركوا به شيئا فيكون هو وحده إلههم ومعبودهم ومطاعهم ومحبوبهم قال تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ ومِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وأنَّ اللَّهَ قَدْ أحاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ فأخبر أنه خلق العالم ليعرف عباده كمال قدرته وإحاطة علمه وذلك يستلزم معرفته ومعرفة أسمائه وصفاته وتوحيده .
وقال تعالى: ﴿وَما خَلَقْتُ الجِنَّ والإنْسَ إلاّ لِيَعْبُدُونِ﴾ فهذه الغاية هي المرادة من العباد وهي أن يعرفوا ربهم ويعبدوه وحده.
وأما الغاية المرادة بهم فهي الجزاء بالعدل والفضل والثواب والعقاب قال تعالى:﴿وَلِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أساءُوا بِما عَمِلُوا ويَجْزِيَ الَّذِينَ أحْسَنُوا بِالحُسْنى﴾ وقال تعالى: ﴿إنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ أكادُأُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى﴾
وقال تعالى: ﴿لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ ولِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أنَّهم كانُوا كاذِبِينَ﴾ وقال تعالى: ﴿إنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ في سِتَّةِ أيّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلى العَرْشِ يُدَبِّرُ الأمْرَ ما مِن شَفِيعٍ إلاّ مِن بَعْدِ إذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكم فاعْبُدُوهُ أفَلا تَذَكَّرُونَ إلَيْهِ مَرْجِعُكم جَمِيعًا وعْدَ اللَّهِ حَقًّا إنَّهُ يَبْدأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ بِالقِسْطِ والَّذِينَ كَفَرُوا لَهم شَرابٌ مِن حَمِيمٍ وعَذابٌ ألِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ﴾
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة التاسعة والسبعون بعد المئتين في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي
بعنوان: * الله - عز وجل - هو المحمود المحبوب المعظم ذو الجلال والإكرام على كل ما قدره وخلقه، وعلى كل ما أمر به وشرعه.
فتأمل الآن كيف اشتمل خلق السماوات والأرض وما بينهما على الحق أولا وآخرا ووسطا وأنها خلقت بالحق، وللحق، وشاهدة بالحق.
وقد أنكر تعالى على من زعم خلاف ذلك فقال: ﴿أفَحَسِبْتُمْ أنَّما خَلَقْناكم عَبَثًا وأنَّكم إلَيْنا لا تُرْجَعُونَ﴾ ثم نزه نفسه عن هذا الحسبان المضاد لحكمته وعلمه وحمده فقال ﴿فتعالى الله الملك الحق﴾ وتأمل ما في هذين الاسمين وهما الملك الحق من إبطال هذا الحسبان الذي ظنه أعداؤه إذ هو مناف لكمال ملكه ولكونه الحق إذ الملك الحق هو الذي يكون له الأمر والنهي فيتصرف في خلقه بقوله وأمره وهذا هو الفرق بين الملك والمالك إذ المالك هو المتصرف بفعله والملك هو المتصرف بفعله وأمره والرب تعالى مالك الملك فهو المتصرف بفعله وأمره فمن ظن أنه خلق خلقه عبثا لم يأمرهم ولم ينههم فقد طعن في ملكه ولم يقدره حق قدره كما قال تعالى: ﴿وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إذْ قالُوا ما أنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِن شَيْءٍ﴾ فمن جحد شرع الله وأمره ونهيه وجعل الخلق بمنزلة الأنعام المهملة فقد طعن في ملك الله ولم يقدره حق قدره وكذلك كونه تعالى إله الخلق يقتضي كمال ذاته وصفاته وأسمائه ووقوع أفعاله على أكمل الوجوه وأتمها فكما أن ذاته الحق فقوله الحق ووعده الحق وأمره الحق وأفعاله كلها حق وجزاؤه المستلزم لشرعه ودينه ولليوم الآخر حق فمن أنكر شيئا من ذلك فما وصف الله بأنه الحق المطلق من كل وجه وبكل اعتبار فكونه حقا يستلزم شرعه ودينه وثوابه وعقابه فكيف يظن بالملك الحق أن يخلق خلقه عبثا وأن يتركهم سدى لا يأمرهم ولا ينهاهم ولا يثيبهم ولا يعاقبهم كما قال تعالى: ﴿أيَحْسَبُ الإنْسانُ أنْ يُتْرَكَ سُدىً﴾ قال الشافعي رحمه الله: "مهملا لا يؤمر ولا ينهى " وقال غيره: "لا يجزي بالخير والشر ولا يثاب ولا يعاقب" والقولان متلازمان فالشافعي ذكر سبب الجزاء والثواب والعقاب وهو الأمر والنهي والآخر ذكر غاية الأمر والنهي ذكر سبب الجزاء والثواب والعقاب ثم تأمل قوله تعالى بعد ذلك: ﴿ألَمْ يَكُ نُطْفَةً مِن مَنِيٍّ يُمْنى ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوّى﴾ فمن لم يتركه وهو نطفة سدى بل قلب النطفة وصرفها حتى صارت أكمل مما هي وهي العلقة ثم قلب العلقة حتى صارت أكمل مما هي حتى خلقها فسوى خلقها فدبرها بتصريفه وحكمته في أطوار كمالاتها حتى انتهى كمالها بشرا سويا فكيف يتركه سدى لا يسوقه إلى غاية كماله الذي خلق له.
فإذا تأمل العاقل البصير أحوال النطفة من مبدئها إلى منتهاها دلته على المعاد والنبوات كما تدله على إثبات الصانع وتوحيده وصفات كماله فكما تدل أحوال النطفة من مبدئها إلى غايتها على كمال قدرة فاطر الإنسان وبارئه، فكذلك تدل على كمال حكمته وعلمه وملكه وأنه الملك الحق المتعالى عن أن يخلقها عبثا ويتركها سدى بعد كمال خلقها.
وتأمل كيف لما زعم أعداؤه الكافرون أنه لم يأمرهم ولم ينههم على ألسنة رسله وأنه لا يبعثهم للثواب والعقاب كيف كان هذا الزعم منهم قولا بأن خلق السماوات والأرض باطل فقال تعالى: ﴿وَما خَلَقْنا السَّماءَ والأرْضَ وما بَيْنَهُما باطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النّارِ﴾
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثمانون بعد المئتين في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: * الله - عز وجل - هو المحمود المحبوب المعظم ذو الجلال والإكرام على كل ما قدره وخلقه، وعلى كل ما أمر به وشرعه.
فلما ظن أعداؤه أنه لم يرسل إليهم رسولا ولم يجعل لهم أجلا للقائه كان ذلك ظنا منهم أنه خلق خلقه باطلا ولهذا أثنى تعالى على عباده المتفكرين في مخلوقاته بأن أوصلهم فكرهم فيها إلى شهادتهم بأنه تعالى لم يخلقها باطلا وأنهم لما علموا ذلك وشهدوا به علموا أن خلقها يستلزم أمره ونهيه وثوابه وعقابه فذكروا في دعائهم هذين الأمرين فقالوا ﴿رَبَّنا ما خَلَقْتَ هَذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النّارِ رَبَّنا إنَّكَ مَن تُدْخِلِ النّارَ فَقَدْ أخْزَيْتَهُ وما لِلظّالِمِينَ مِن أنْصارٍ﴾ ، فلما علموا أن خلق السماوات والأرض يستلزم الثواب والعقاب تعوذوا بالله من عقابه، ثم ذكروا الإيمان الذي أوقعهم عليه فكرهم في خلق السماوات والأرض فقالوا ﴿رَبَّنا إنَّنا سَمِعْنا مُنادِيًا يُنادِي لِلإيمانِ أنْ آمِنُوا بِرَبِّكم فَآمَنّا﴾ فكانت ثمرة فكرهم في خلق السماوات والأرض الإقرار به تعالى وبوحدانيته وبدينه وبرسله وبثوابه وعقابه فتوسلوا إليه بإيمانهم الذي هو من أعظم فضله عليهم إلى مغفرة ذنوبهم وتكفير سيئاتهم وإدخالهم مع الإبرار إلى جنته التي وعدهموها وذلك تمام نعمته عليهم فتوسلوا بإنعامه عليهم أولا إلى إنعامه عليهم آخرا وتلك وسيلة بطاعته إلى كرامته وهو إحدى الوسائل إليه وهي الوسيلة التي أمرهم بها في قوله: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وابْتَغُوا إلَيْهِ الوَسِيلَةَ﴾ وأخبر عن خاصة عبادهم أنهم يبتغون الوسيلة إليه إذ يقول تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبِّهِمُ الوَسِيلَةَ أيُّهم أقْرَبُ﴾
على أن في هاتين الآيتين أسرارا بديعة ذكرتها في كتاب (التحفة المكية في بيان الملة الإبراهيمية)
فأثمر لهم فكرهم الصحيح في خلق السماوات والأرض أنه لم يخلقها باطلا وأثمر لهم الإيمان بالله ورسوله ودينه وشرعه وثوابه وعقابه والتوسل إليه بطاعته والإيمان به.
وهذا الذي ذكرناه في هذا الفصل قطرة من بحر لا
ساحل له فلا تستطله فإنه كنز من كنوز العلم لا يلائم كل نفس، ولا يقبله كل محروم، والله يختص برحمته من يشاء.
[الأنترنت – موقع تفسير ابن قيّم الجوزيّة (الفرق بين الحمد والمدح) و (الصبر والشكر) ابن القيم]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الواحدة والثمانون بعد المئتين في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: *في بيان تنازع الناس في الأفضل من الصبر والشكر
حكى أبو الفرج ابن الجوزي في ذلك ثلاثة أقوال:
أحدها :أن الصبر أفضل.
والثاني :أن الشكر أفضل.
والثالث :أنهما سواء، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه "لو كان الصبر والشكر بعيرين ما باليت أيهما ركبت"ونحن نذكر ما احتجت به كل فرقة وما لها وعليها في احتجاجها بعون الله وتوفيقه.
* فصل: قال الصابرون قد أثنى الله سبحانه على الصبر وأهله ومدحه وأمر به وعلق عليه خير الدنيا والآخرة وقد ذكره الله في كتابه في نحو تسعين موضعا وقد تقدم من النصوص والأحاديث فيه وفي فضله ما يدل على أنه أفضل من الشكر ويكفي في فضله قوله "الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر" فذكر ذلك في معرض تفضيل الصبر ورفع درجته على الشكر فإنه ألحق الشاكر بالصابر وشبهه به ورتبة المشبه به أعلى من رتبة المشبه وهذا كقوله:
"مدمن الخمر كعابد وثن " ونظائر ذلك قالوا وإذا وازنا بين النصوص الواردة في الصبر والواردة في الشكر وجدنا نصوص الصبر أضعافها ولهذا لما كانت الصلاة والجهاد أفضل الأعمال كانت الأحاديث فيهما في سائر الابواب فلا تجد الأحاديث النبوية في باب أكثر منها في باب الصلاة والجهاد قالوا وأيضا فالصبر يدخل في كل باب بل في كل مسئلة من مسائل الدين ولهذا كان من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد قالوا وأيضا فالله سبحانه وتعالى علق على الشكر الزيادة فقال ﴿وإذ تأذن ربكم لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأزِيدَنَّكُمْ﴾ وعلق على الصبر الجزاء بغير حساب وأيضا فإنه سبحانه أطلق جزاء الشاكرين فقال وسيجزى الله الشاكرين وقيد جزاء الصابرين بالإحسان فقال ﴿ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون﴾ قالوا وقد صح عن النبي أنه قال: يقول الله تعالى: " كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزى به ".
وفي لفظ:" كل عمل ابن آدم يضاعف له
الحسنة بعشر أمثالها قال الله تعالى إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به" وما ذاك إلا لأنه صبر النفس ومنعها من شهواتها كما في الحديث نفسه يدع شهوته وطعامه وشرابه من أجلي ولهذا قال النبي لمن سأله عن أفضل الأعمال: " عليك بالصوم فإنه لا عدل له"ولما كان الصبر حبس النفس عن إجابة داعي الهوى وكان هذا حقيقة الصوم فإنه حبس النفس عن إجابة داعي شهوة الطعام والشراب والجماع فسر الصبر في قوله تعالى ﴿واستعينوا بالصبر والصلاة﴾ أنه الصوم وسمى رمضان شهر الصبر. وقال بعض السلف الصوم نصف الصبر وذلك أن الصبر حبس النفس عن إجابة داعي الشهوة والغضب فإن النفس تشتهى الشيء لحصول اللذة بإدراكه وتغضب لنفرتها من المؤلم لها والصوم صبر عن مقتضى الشهوة فقط وهي شهوة البطن والفرج دون مقتضى الغضب ولكن من تمام الصوم وكماله صبر النفس عن إجابة داعي الأمرين وقد أشار إلى ذلك النبي في الحديث الصحيح وهو قوله:"إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يجهل ولا يصخب فإن أحد سابه أو شاتمه فليقل إني صائم " فأرشد إلى تعديل قوى الشهوة والغضب وأن الصائم ينبغي له أن يحتمى من إفسادهما لصومه فهذه تفسد صومه وهذه تحبط أجره كما قال في الحديث الآخر:"من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ".
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثانية والثمانون بعد المئتين في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: *في بيان تنازع الناس في الأفضل من الصبر والشكر
قالوا ويكفي في فضل الصبر على الشكر قوله تعالى
إنى جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون فجعل فوزهم جزاء صبرهم وقال تعالى {والله مع الصابرين} لا شيء يعدل معيته لعبده، كما قال بعض العارفين ذهب الصابرون بخير الدنيا والآخرة، لأنهم نالوا معية الله. وقال تعالى {واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا) وهذا يتضمن الحراسة والكلاءة والحفظ للصبر لحكمه وقد وعد الصابرين بثلاثة أشياء كل واحد خير من الدنيا وما عليها وهي : صلواته تعالى عليهم ، ورحمته لهم ، وتخصيصهم بالهداية ؛ في قوله تعالى أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون وهذا مفهم لحصر الهدى فيهم وأخبر أن الصبر من عزم الأمور في آيتين من كتابه وأمر رسوله أن يتشبه بصبر أولى العزم من الرسل وقد تقدم ذكر ذلك ، قالوا وقد دل الدليل على أن الزهد في الدنياوالتقلل منهامهما أمكن من الاستكثار منها والزهد فيها حال الصابر والاستكثار منها حال الشاكرقالوا وقدسئل المسيح صلوات الله وسلامه عليه عن رجلين مرا بكنز فتخطاه أحدهما ولم يلتفت إليه وأخذه الآخر وأنفقه في طاعة الله تعالى أيهما أفضل فقال الذي لم يلتفت إليه وأعرض عنه أفضل عند الله .
قالوا ويدل على صحة هذا أن النبي عرضت عليه
مفاتيح كنوز الأرض فلم يأخذها وقال : (بل أجوع يوما وأشبع يوما ) ولو أخذها لأنفقها في مرضاة الله وطاعته، فآثر مقام الصبر عنها والزهد فيها.
قالوا وقد علم أن الكمال الإنساني في ثلاثة أمور : علوم يعرفها ، وأعمال يعمل بها، وأحوال ترتب له على علومه وأعماله.
وأفضل العلم والعمل والحال : العلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله ، والعمل بمرضاته ، وانجذاب القلب إليه بالحب والخوف والرجاء ، فهذا أشرف ما في الدنيا ، وجزاؤه أشرف ما في الآخرة ، وأجل المقاصد معرفة الله ومحبته والأنس بقربه والشوق إلى لقائه والتنعم بذكره ، وهذا أجل سعادة الدنيا والآخرة وهذا هو الغاية التي تطلب لذاتها، وإنما يشعر العبد تمام الشعور بأن ذلك عين السعادة إذا انكشف له الغطاء وفارق الدنيا ودخل الآخرة وإلا فهو في الدنيا وإن شعر بذلك بعض الشعور فليس شعوره به كاملا للمعارضات التي عليه والمحن التي امتحن بها وإلا فليست السعادة في الحقيقة سوى ذلك، وكل العلوم والمعارف تبع لهذه المعرفة مرادة لأجلها وتفاوت العلوم في فضلها بحسب إفضائها إلى هذه المعرفة وبعدها فكل علم كان أقرب افضاء إلى العلم بالله وأسمائه وصفاته فهو أعلى مما دونه وكذلك حال القلب فكل حال كان أقرب إلى المقصود الذي خلق له فهو أشرف مما دونه وكذلك الأعمال فكل عمل كان أقرب إلى تحصيل هذا المقصود كان أفضل من غيره ولهذا كانت الصلاة والجهاد من أفضل الأعمال وأفضلها لقرب إفضائها إلى المقصود وهكذا يجب أن يكون فإن كل ما كان الشيء أقرب إلى الغاية كان أفضل من البعيد عنها فالعمل المعد للقلب المهيئ له لمعرفة الله وأسمائه وصفاته ومحبته وخوفه ورجائه أفضل مما ليس كذلك وإذا أشتركت عدة أعمال في هذا الافضاء فأفضلها أقربها إلى هذا المفضى ولهذا اشتركت الطاعات في هذا الإفضاء فكانت مطلوبة لله واشتركت المعاصي في حجب القلب وقطعه عن هذه الغاية فكانت منهيا عنها وتأثير الطاعات والمعاصي بحسب درجاتها
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثالثة والثمانون بعد المئتين في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: *في بيان تنازع الناس في الأفضل من الصبر والشكر
وها هنا أمر ينبغي التفطن له وهو أنه قد يكون العمل المعين أفضل منه في حق غيره فالغنى الذي بلغ له مال كثير ونفسه لا تسمح ببذل شيء منه فصدقته وإيثاره أفضل له من قيام الليل وصيام النهار نافلة والشجاع الشديد الذي يهاب العدو سطوته وقوفه في الصف ساعة وجهاده أعداء الله أفضل من الحج والصوم والصدقة والتطوع والعالم الذي قد عرف السنة والحلال والحرام وطرق الخير والشر مخالطته للناس وتعليمهم ونصحهم في دينهم أفضل من اعتزاله وتفريغ وقته للصلاة وقراءة القرآن والتسبيح وولى الأمر الذي قد نصبه الله للحكم بين عباده جلوسه ساعة للنظر في المظالم وانصاف المظلوم من الظالم واقامة الحدود ونصر المحق وقمع المبطل أفضل من عبادة سنين من غيره ومن غلبت عليه شهوة النساء فصومه له أنفع وأفضل من ذكر غيره وصدقته وتأمل تولية النبي لعمرو بن العاص وخالد بن الوليد وغيرهما من أمرائه وعماله وترك تولية أبي ذر بل قال له:
"إني أراك ضعيفا وإنى أحب لك ما أحب لنفسي لا تؤمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم" وأمره وغيره بالصيام وقال:"عليك بالصوم فانه لا عدل له" وأمر آخر بأن لا يغضب وأمر ثالثا بأن لا يزال لسانه رطبا من ذكر الله ومتى أراد الله بالعبد كمالا وفقه لاستفراغ وسعه فيما هو مستعد له قابل له قد هيئ له فإذا استفرغ وسعه على غيره وفاق الناس فيه كما قيل :
ما زال يسبق حتى قال حاسده ∗∗∗
هذا طريق إلى العلياء مختصر
وهذا كالمريض الذي يشكو وجع البطن مثلا إذا استعمل دواء ذلك الداء انتفع به وإذا استعمل دواء وجع الرأس لم يصادف داءه فالشح المطاع مثلا من المهلكات ولا يزيله صيام مائة عام ولا قيام ليلها وكذلك داء اتباع الهوى والاعجاب بالنفس لا يلائمه كثرة قراءة القرآن واستفراغ الوسع في العلم والذكر والزهد وإنما يزيله اخراجه من القلب بضده ولو قيل ايما أفضل الخبز أو الماء لكان الجواب أن هذا في موضعه أفضل وهذا في موضعه أفضل .
وإذا عرفت هذه القاعدة فالشكر ببذل المال عمل صالح يحصل به للقلب حال فهو دواء للداء الذي في القلب يمنعه من المقصود وأما الفقير الزاهد فقد استراح من هذا الداء والدواء وتوفرت قوته على استفراغ الوسع في حصول المقصود .
ثم أوردوا على أنفسهم سؤالا فقالوا : فإن قيل
فقد حث الشرع على الأعمال وانفصلوا عنه بأن
قالوا الطبيب إذا أثنى على الدواء لم يدل على أن الدواء يراد لعينه ولا أنه أفضل من الشفاء الحأصل به ولكن الأعمال علاج لمرض القلوب ومرض القلوب مما لا يشعر به غالبا فوقع الحث على العمل المقصود وهو شفاء القلب فالفقير الآخذ لصدقتك يستخرج منك داء البخل كالحجام يستخرج منك الدم المهلك .
قالوا وإذا عرف هذا عرف أن حال الصابر حال المحافظ على الصحة والقوة وحال الشاكر حال المتداوي بأنواع الأدوية لإزالة مواد السقم
(فصل ) قال الشاكرون لقد تعديتم طوركم وفضلتم مقاما غيره أفضل منه وقدمتم الوسيلة على الغاية والمطلوب لغيره على المطلوب لنفسه والعمل الكامل على الأكمل والفاضل على الأفضل ولم تعرفوا للشكر حقه ولا وفيتموه مرتبته وقد قرن تعالى ذكره الذي هو المراد من الخلق بذكره وكلاهما هو المراد بالخلق والأمر والصبر خادم لهما ووسيلة إليهما وعونا عليهما قال تعالى (اذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون) وقرن سبحانه الشكر بالإيمان وأخبر أنه لا غرض له في عذاب خلقه إن شكروا وآمنوا به فقال ﴿ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكم إنْ شَكَرْتُمْ وآمَنتُمْ﴾ أي إن وفيتم ما خلقتم له وهو الشكر والإيمان فما أصنع بعذابكم.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الرابعة والثمانون بعد المئتين في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: *في بيان تنازع الناس في الأفضل من الصبر والشكر
هذا وأخبر سبحانه أن أهل الشكر هم المخصوصون بمنته عليهم من بين عباده فقال {وَكَذَلِكَ فَتَنّا بَعْضَهم بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِن بَيْنِنا ألَيْسَ اللَّهُ بِأعْلَمَ بِالشّاكِرِينَ} وقسم الناس إلى شكور وكفور فأبغض الأشياء إليه الكفر وأهله وأحب الأشياء إليه الشكر وأهله قال تعالى في الإنسان ﴿إنّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إمّا شاكِرًا وإمّا كَفُورًا﴾
وقال نبيه سليمان ﴿هَذا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أأشْكُرُ أمْ أكْفُرُ ومَن شَكَرَ فَإنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ومَن كَفَرَ فَإنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾ وقال تعالى ﴿وَإذْ تَأذَّنَ رَبُّكم لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكم ولَئِنْ كَفَرْتُمْ إنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ﴾ وقال تعالى ﴿إنْ تَكْفُرُوا فَإنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكم ولا يَرْضى لِعِبادِهِ الكُفْرَ وإنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ﴾ وهذا كثير في القرآن يقابل سبحانه بين الشكروالكفر فهو ضده قال تعالى ﴿وَما مُحَمَّدٌ إلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أفَإنْ ماتَ أوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أعْقابِكم ومَن يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وسَيَجْزِي اللَّهُ الشّاكِرِينَ﴾ والشاكرون هم الذين ثبتوا على نعمة الإيمان فلم ينقلبوا على أعقابهم وعلق سبحانه المزيد بالشكر والمزيد منه لا نهاية له كما لا نهاية لشكره وقد وقف سبحانه كثيرا من الجزاء على المشيئة كقوله ﴿فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إنْ شاءَ﴾ وقوله في الإجابة ﴿فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إلَيْهِ إنْ شاءَ﴾ وقوله في الرزق ﴿يَرْزُقُ مَن يَشاءُ﴾ وفي المغفرة ﴿يَغْفِرُ لِمَن يَشاءُ﴾ والتوبة ﴿وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَن يَشاءُ﴾ وأطلق جزاء الشكر إطلاقا حيث ذكر كقوله وسنجزى الشاكرين وسيجزى الله الشاكرين ولما عرف عدو الله ابليس قدر مقام الشكر وأنه من أجل المقامات وأعلاها جعل غايته أن يسعى في قطع الناس عنه فقال ﴿ثُمَّ لآتِيَنَّهم مِن بَيْنِ أيْدِيهِمْ ومِن خَلْفِهِمْ وعَنْ أيْمانِهِمْ وعَنْ شَمائِلِهِمْ ولا تَجِدُ أكْثَرَهم شاكِرِينَ﴾ ووصف الله سبحانه الشاكرين بأنهم قليل من عباده فقال تعالى ﴿وَقَلِيلٌ مِن عِبادِيَ الشَّكُورُ﴾.
وذكر الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع رجلا يقول: اللهم اجعلني من الأقلين. فقال ما هذا؟ فقال يا أمير المؤمنين إن الله قال ﴿وما آمن معه إلا قليل﴾، وقال تعالى ﴿وَقَلِيلٌ مِن عِبادِيَ الشَّكُورُ﴾ وقال ﴿إلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ وقَلِيلٌ ما هُمْ﴾ فقال عمر صدقت.
وقد أثنى الله سبحانه وتعالى على أول رسول بعثه إلى أهل الأرض بالشكر فقال ﴿ذرية من حملنا مع
نوح إنه كان عبدا شكورا﴾ وفي تخصيص نوح هاهنا بالذكر وخطاب العباد بأنهم ذريته إشارة إلى الاقتداء به فإنه أبوهم الثاني فإن الله تعالى لم يجعل للخلق بعد الغرق نسلا إلا من ذريته كما قال تعالى ﴿وجعلنا ذريته هم الباقين﴾ فأمر الذرية أن يتشبهوا
بأبيهم في الشكر فإنه كان عبدا شكورا
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الخامسة والثمانون بعد المئتين في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: *في بيان تنازع الناس في الأفضل من الصبر والشكر
وقد أخبر سبحانه إنما يعبده من شكره فمن لم
يشكره لم يكن من أهل عبادته فقال ﴿واشْكُرُوا
لِلَّهِ إنْ كُنْتُمْ إيّاهُ تَعْبُدُونَ (١٧٢)﴾
وأمر عبده موسى أن يتلقى ما آتاه من النبوة والرسالة والتكليم بالشكر فقال تعالى ﴿يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين﴾
وأول وصية وصى الله بها الإنسان بعد ماعقل عنه بالشكر له وللوالدين فقال ﴿ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلى المصير﴾
وأخبر أن رضاه في شكره فقال تعالى ﴿وإن تشكروا يرضه لكم﴾ وأثنى سبحانه على خليله إبراهيم بشكر نعمه فقال ﴿إنَّ إبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا ولَمْ يَكُ مِنَ المُشْرِكِينَ (١٢٠) شاكِرًا لِأنْعُمِهِ اجْتَباهُ وهَداهُ إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٢١)﴾ فأخبر عنه سبحانه بأنه أمة أي قدوة يؤتم به في الخير وإنه قانتا لله والقانت هو المطيع المقيم على طاعته والحنيف هو المقبل على الله المعرض عما سواه ثم ختم له بهذه الصفات بأنه شاكر لأنعمه فجعل الشكر غاية خليله.
وأخبر سبحانه أن الشكر هو الغاية من خلقه وأمره بل هو الغاية التي خلق عبيده لأجلها { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والافئدة لعلكم تشكرون}
فهذه غاية الخلق وغاية الأمر فقال { ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون }
ويجوز أن يكون قوله لعلكم تشكرون تعليلا لقضائه لهم بالنصر ولأمره لهم بالتقوى ولهما معا وهو الظاهر فالشكر غاية الخلق والأمر وقد صرح سبحانه بأنه غاية أمره وإرساله الرسول في قوله تعالى ﴿كَما أرْسَلْنا فِيكم رَسُولًا مِنكم يَتْلُو عَلَيْكم آياتِنا ويُزَكِّيكم ويُعَلِّمُكُمُ الكِتابَ والحِكْمَةَ ويُعَلِّمُكم ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (١٥١) فاذْكُرُونِي أذْكُرْكم واشْكُرُوا لِي ولا تَكْفُرُونِ (١٥٢)﴾
قالوا فالشكر مراد لنفسه والصبر مراد لغيره
والصبر إنما حمد لإفضائه وإيصاله إلى الشكر فهو خادم الشكر وقد ثبت في الصحيحين عن النبي أنه قام حتى تفطرت قدماه فقيل له أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال:"أفلا أكون عبدا شكورا"
وثبت في المسند والترمذي أن النبي قال لمعاذ: "والله إني لأحبك فلا تنسى أن تقول دبر كل صلاة: اللهم أعنى على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك".
وقال ابن أبي الدنيا حدثنا إسحاق بن إسماعيل حدثنا أبو معاويه وجعفر بن عون عن هشام بن عروة قال كان من دعاء النبي:"اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك".
وقال عن طلق بن حبيب عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله قال:"أربع من أعطيهن فقد أعطي خير الدنيا والآخرة: قلبا شاكرا ولسانا ذاكرا وبدنا على البلاء صابرا وزوجة لا تبغيه خونا في نفسها ولا في ماله" وذكر أيضا من حديث القاسم بن محمد عن عائشة عن النبي قال: "ما أنعم الله على عبد نعمة فعلم أنها من عند الله إلا كتب الله له شكرها وما علم الله من عبد ندامة على ذنب إلا غفر الله له قبل أن يستغفره وإن الرجل يشترى الثوب بالدينار فيلبسه فيحمد الله فما يبلغ ركبتيه حتى يغفر له".
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السادسة والثمانون بعد المئتين في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: *في بيان تنازع الناس في الأفضل من الصبر والشكر
وقد ثبت في صحيح مسلم عنه أنه قال: "إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكله فيحمده عليها ويشرب الشربه فيحمده عليها" فكان هذا الجزاء العظيم الذي هو أكبر أنواع الجزاء كما قال تعالى ورِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أكْبَرُ في مقابلة شكره بالحمد وذكر ابن أبي الدنيا من حديث عبد الله بن صالح حدثنا أبو زهير يحيى بن عطارد القرشي عن أبيه قال قال رسول الله:لايرزق الله عبدا الشكرفيحرمه الزيادة
لأن الله تعالى يقول ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأزِيدَنَّكُمْ﴾ .
وقال الحسن البصري: "إن الله ليمتع بالنعمة ما شاء فإذا لم يشكر عليها قلبها عذابا" ولهذا كانوا يسمون الشكر الحافظ لأنه يحفظ النعم الموجودة والجالب لأنه يجلب النعم المفقودة .
وذكر ابن أبي الدنيا عن على بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال لرجل من همذان: "إن النعمة موصولة بالشكر والشكر يتعلق بالمزيد وهما مقرونان في قرن فلن ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العبد"
وقال عمر بن عبد العزيز:"قيدوا نعم الله بشكر الله" وكان يقول: الشكر قيد النعم.
وقال مطرف بن عبد الله "لأن أعافى فأشكر أحب إلي من أن ابتلى فأصبر"
وقال الحسن "أكثروا من ذكر هذه النعم فإن ذكرها شكر" وقد أمر الله تعالى نبيه أن يحدث بنعمة ربه فقال ﴿وأما بنعمة ربك فحدث﴾ والله تعالى يحب من عبده أن يرى عليه أثر نعمته فإن ذلك شكرها بلسان الحال.
وقال على بن الجعدي سمعت سفيان الثوري يقول إن داود عليه الصلاة والسلام قال الحمد لله حمدا كما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله فأوحى الله إليه يا داود أتعبت الملائكة .
وقال شعبة حدثنا المفضل بن فضالة عن أبي رجاء العطاردي قال خرج علينا عمران بن الحصين وعليه مطرف خز لم نره عليه قبل ولا بعد فقال أن رسول الله قال: "إذا أنعم الله على عبد نعمة يحب أن يرى أثر نعمته على عبده"
وفي صحيفة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن
النبي قال: "كلوا واشربوا وتصدقوا في غير مخيلة ولا
سرف فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده".
وذكر شعبة عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن أبيه قال: "أتيت رسول الله وأنا قشف الهيئة فقال هل لك من مال قال قلت نعم قال من أي المال قلت من كل المال قد آتانى الله من الابل والخيل والرقيق والغنم قال فإذا آتاك الله ما لا فليرى عليك".
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السابعة والثمانون بعد المئتين في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: *في بيان تنازع الناس في الأفضل من الصبر والشكر
وفي بعض المراسيل "إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده في مأكله ومشربه" وروى عبد الله بن يزيد المقري عن أبي معمر عن بكير بن عبد الله رفعه:"من أعطي خيرا فرؤي عليه سمي حبيب الله محدثا بنعمة الله، ومن أعطي خيرا ولم ير عليه سمي بغيض الله معاديا لنعمة الله"
وقال الفضيل بن عياض "كان يقال من عرف نعمة الله بقلبه وحمده بلسانه لم يستتم ذلك حتى يرى الزيادة، لقول الله تعالى ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأزِيدَنَّكُمْ﴾ وقال "من شُكْر النعمة أن يحدث بها.
وقد قال تعالى:"يا ابن آدم إذا كنت تتقلب في نعمتي وأنت تتقلب في معصيتي فاحذرني لأصرعك بين معاصي يا ابن آدم اتقني ونم حيث شئت".
وقال الشعبي الشكر نصف الإيمان واليقين الإيمان كله وقال أبو قلابة لا تضركم دنيا شكرتموها
وقال الحسن إذا أنعم الله على قوم سألهم الشكر فإذا شكروه كان قادرا على أن يزيدهم وإذا كفروه كان قادرا على أن يبعث نعمته عليهم عذابا وقد ذم الله سبحانه الكنود وهو الذي لا يشكر نعمه .
قال الحسن ﴿إنَّ الإنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ﴾ يعد المصائب وينسى النعم .
وقد أخبر النبي إن النساء أكثر أهل النار بهذا السبب قال: "لو أحسنت إلى إحداههن الدهر ثم رأت منك شيئا قالت ما رأيت منك خيرا قط" فإذا كان هذا بترك شكر نعمة الزوج وهي في الحقيقة من الله فكيف بمن ترك شكر نعمة الله :
يا أيها الظالم في فعله ∗∗∗
والظلم مردود على من ظلم
إلى متى أنت وحتى متى ∗∗∗
تشكو المصيبات وتنسى النعم
ذكر ابن أبي الدنيا من حديث أبي عبد الرحمن السلمي عن الشعبي عن النعمان بن بشير قال قال
رسول الله: "التحدث بالنعمة شكر، وتركها كفر، ومن لا يشكر القليل لا يشكر الكثير، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله، والجماعة بركة والفرقة عذاب"
وقال مطرف بن عبد الله "نظرت في العافية والشكر فوجدت فيهما خير الدنيا والآخرة، ولأن أعافى فأشكر أحب إلي من أن أبتلى فأصبر"
ورأى بكر بن عبد الله المزني حمالا عليه حمله وهو يقول الحمد الله أستغفر الله. قال فانتظرته حتى وضع ما على ظهره، وقلت له: أما تحسن غير هذا؟ قال بلى أحسن خيرا كثيرا أقرأ كتاب الله غير أن العبد بين نعمة وذنب فأحمد الله على نعمه السابغة، وأستغفره لذنوبي. فقلت الحمال أفقه من بكر.
وذكر الترمذي من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "خرج رسول الله على أصحابه فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها فسكتوا فقال قرأتها على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن ردا منكم كنت كلما أتيت على قوله ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ قالوا لا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد"
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثامنة والثمانون بعد المئتين في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:
*في بيان تنازع الناس في الأفضل من الصبر والشكر
وقال مشعر لما قيل لآل داود ﴿اعْمَلُوا آلَ داوُودَ شُكْرًا﴾ لم يأت على القوم ساعة إلا وفيهم مصل
وقال عون بن عبد الله قال بعض الفقهاء إني رأيت في أمري لم أر خيرا إلا شر معه إلا المعافاة والشكر، فرب شاكر في بلائه، ورُب معافى غير شاكر، فإذا سألتم الله فاسألوهما جميعا.
وقال أبو معاوية: لبس عمر بن الخطاب قميصا فلما
بلغ ترقوته قال الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمل به في حياتي ثم مد يديه فنظر شيئا يزيد على يديه فقطعه ثم أنشأ يحدث قال سمعت رسول الله يقول: "من لبس ثوبا أحسبه جديدا فقال حين يبلغ ترقوته أو قال قبل أن يبلغ ركبتيه مثل ذلك ثم عمد إلى ثوبه الخلق فكسا به مسكينا لم يزل في جوار الله وفي ذمة الله وفي كنف الله حيا وميتا ما بقي من ذلك الثوب سلك".
وقال عون بن عبد الله لبس رجل قميصا جديدا فحمد الله فغفر له فقال رجل ارجع حتى أشتري قميصا فألبسه وأحمد الله.
وقال شريح ما أصيب عبد بمصيبة إلا كان لله عليه فيها ثلاث نعم ألا تكون كانت في دينه، وألا تكون أعظم مما كانت وأنها لا بد كائنة فقد كانت.
وقال عبد الله بن عمر بن عبد العزيز ما قلب عمر بن عبد العزيز بصره إلى نعمة أنعم الله بها عليه إلا قال اللهم إني أعوذ بك أن أبدل نعمتك كفرا وأن أكفرها بعد أن عرفتها وأن أنساها ولا أثنى بها
وقال روح بن القاسم تنسك رجل فقال لا آكل الخبيص لا أقوم بشكره فقال الحسن هذا أحمق وهل يقوم بشكر الماء البارد
وفي بعض الآثار الإلهية يقول الله عز وجل:"ابن
آدم خيرى إليك نازل وشرك إلى صاعد أتحبب إليك بالنعم وتتبغض إلى بالمعاصي ولا يزال ملك كريم قد عرج إلى منك بعمل قبيح".
قال ابن أبي الدنيا حدثني أبو على قال كنت أسمع جارا لي يقول في الليل:"يا إلهي خيرك على نازل وشري إليك صاعد كم من ملك كريم قد صعد إليك مني بعمل قبيح وأنت مع غناك عني تتحبب إلى بالنعم وأنا مع فقري إليك وفاقتي أتمقت إليك بالمعاصي وأنت في ذلك تجبرني وتسترني وترزقني وكان أبو المغيرة إذا قيل له كيف أصبحت يا أبا محمد أصبحنا مغرقين في النعم عاجزين عن الشكر يتحبب الينا ربنا وهو غني عنا ونتمقت إليه ونحن إليه محتاجون.
وقال عبد الله بن ثعلبة إلهي من كرمك أنك تطاع ولا تعصى، ومن حلمك أنك تعصى وكأنك لا ترى ، وأي زمن لم يعصك فيه سكان أرضك وأنت بالخير عواد.
وكان معاوية بن قرة إذا لبس ثوبا جديدا قال: بسم الله والحمد لله.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة التاسعة والثمانون بعد المئتين في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي
بعنوان: *في بيان تنازع الناس في الأفضل من الصبر والشكر
وقال أنس بن مالك ما من عبد توكل بعبادة الله إلا عزم الله السماوات والأرض تعبر رزقه فجعله في أيدي بني آدم يعملونه حتى يدفع عنه إليه فإن العبد قبله أوجب عليه الشكر وأن أباه وجد الغني الحميد عبادا فقراء يأخذون رزقه ويشكرون له".
وقال يونس بن عبيد:"قال رجل لأبي تميمة كيف أصبحت قال أصبحت بين نعمتين لا أدري أيتهما أفضل ذنوب سترها الله فلا يستطيع أن يعيرني بها أحد ومودة قذفها الله في قلوب العباد لا يبلغها عملي".
وروى ابن أبي الدنيا عن سعيد المقبري عن أبيه عن عبد الله بن سلام أن موسى عليه السلام قال:"يارب ما الشكر الذي ينبغي لك؟ قال لا يزال لسانك رطبا من ذكري"
وروى سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال دعا رجل من الأنصار من أهل قباء النبي فانطلقنا معه فلما طعم وغسل يديه قال الحمد لله الذي يطعم ولا يطعم من علينا فهدانا وأطعمنا وسقانا وكل بلاء حسن أبلانا الحمد لله غير مودع ربى ولا مكافأ ولا مكفور ولا مستغنى عنه الحمد لله الذي أطعم من الطعام وسقى من الشراب وكسى من العرى وهدى من الضلالة وبصر من العمى وفضل على كثير من خلقه تفضيلا الحمد لله رب العالمين.
وفي مسند الحسن بن الصلاح من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله:"ما أنعم الله على عبد نعمة في أهل ولا مال أو ولد فيقول ما شاء الله لا قوة إلا بالله فيرى فيه آفة دون الموت"
ويذكر عن عائشة رضي الله عنها أن النبي دخل عليها فرآى كسرة ملقاة فمسحها وقال "يا عائشة أحسني جوار نعم الله فإنها فلما نفرت عن أهل
بيت فكادت أن ترجع إليهم" ذكره ابن أبي الدنيا.
وقال الإمام أحمد حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا صالح عن أبي عمران الجوني عن أبي الخلد قال قرأت في مسألة داود أنه قال:"يا رب كيف لي أن أشكر وأنا لا أصل إلى شكرك إلا بنعمك"
قال فأتاه الوحي: "يا داود أليس تعلم أن الذي بك من النعم مني قال بلى يا رب قال فإني أرضى بذلك منك شكرا".
وقال عبد الله بن أحمد حدثنا أبو موسى الأنصاري حدثنا أبو الوليد عن سعيد بن عبد العزيز قال : كان من دعاء داود سبحان مستخرج الشكر
بالعطاء ومستخرج الدعاء بالبلاء
وقال الإمام أحمد حدثنا أبو معاوية حدثني الأعمش عن المنهال عن عبد الله بن الحارث قال أوحى الله إلى داود أحبني وأحب عبادتى وحببني إلى عبادي قال يا رب هذا حبك وحب عبادتك فكيف أحببك إلى عبادك قال تذكرني عندهم فإنهم لا يذكرون مني إلا الحسن فجل جلال ربنا وتبارك اسمه وتعالى جده وتقدست أسماؤه وجل ثناؤه ولا إله غيره
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة التسعون بعد المئتين في موضوع
الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي
بعنوان: *في بيان تنازع الناس في الأفضل من الصبر والشكر
وقال أحمد حدثنا عبد الرزاق بن عمران قال سمعت وهبا يقول وجدت في كتاب آل داود بعزتي أن من اعتصم بي فإن كادته السماوات بمن فيهن والأرضون بمن فيهن فإني أجعل له من بين ذلك مخرجا ومن لم يعتصم بي فإني أقطع يديه من أسباب السماء وأخسف به من تحت قدميه الأرض فأجعله في الهواء ثم أكله إلى نفسه كفي بي لعبدي ما لا إذا كان عبدي في طاعتي أعطيته قبل أن يسألني وأجبته قبل أن يدعونى وإني أعلم بحاجته التي ترفق به من نفسه.
وقال أحمد حدثنا يسار حدثنا حفص حدثنا ثابت قال كان داود عليه السلام قد جزأ ساعات الليل والنهار على أهله فلم يكن ساعة من ليل أو نهار إلا وإنسان من آل داود قائم يصلى فيها قال فعمهم تبارك وتعالى في هذه الآية ﴿اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْرًا وقَلِيلٌ مِن عِبادِيَ الشَّكُورُ﴾
قال أحمد وحدثنا جابر بن زيد عن المغيرة بن عيينة قال داود يا رب هل بات أحد من خلقك الليلة أطول ذكرا لك مني فأوحى الله إليه نعم الضفدع وأنزل الله عليه ﴿اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْرًا وقَلِيلٌ مِن عِبادِيَ الشَّكُورُ﴾ قال يا رب كيف أطيق شكرك وأنت الذي تنعم على ثم ترزقني على النعمة الشكر ثم تزيدني نعمة بعد نعمة فالنعم منك والشكر منك فكيف أطيق شكرك قال الآن عرفتني يا داود قال أحمد وحدثنا عبد الرحمن حدثنا الربيع بن صبيح عن الحسن قال نبي الله داود:
" إلهي لو أن لكل شعرة مني لسانين يسبحانك الليل والنهار والدهر ما وفيت حق نعمة واحدة".
وذكر ابن أبي الدنيا عن أبي عمران الجوني عن أبي الخلد قال قال موسى يا رب كيف لي أن أشكرك وأصغر نعمة وضعتها عندي من نعمك لا يجازى بها عملي كله قال فأتاه الوحي يا موسى الآن شكرتني
قال بكر بن عبد الله ما قال عبد قط الحمد لله إلا وجبت عليه نعمة بقوله الحمد لله فجزاء تلك النعمة أن يقول الحمد لله فجاءت نعمة أخرى فلا تنفد نعم الله
وقال الحسن سمع نبي الله رجلا يقول الحمد لله بالإسلام فقال انك لتحمد الله على نعمة عظيمة وقال خالد بن معدان سمعت عبد الملك بن مروان يقول: "ما قال عبد كلمة أحب إلى الله وأبلغ في الشكر عنده من أن يقول الحمد لله الذي أنعم علينا وهدانا للإسلام".
وقال سليمان التيمى أن الله سبحانه أنعم على عبده على قدره وكلفهم الشكر على قدرتهم وكان الحسن
إذا ابتدأ حديثه يقول الحمد لله اللهم ربنا لك الحمد بما خلقتنا ورزقتنا وهديتنا وعلمتنا وأنقذتنا وفرجت عنا لك الحمد بالإسلام والقرآن ولك الحمد بالأهل والمال والمعافاة كبت عدونا وبسطت رزقنا وأظهرت أمننا وجمعت فرقتنا وأحسنت معافاتنا ومن كل ما سألناك ربنا أعطيتنا فلك الحمد على ذلك حمدا كثيرا لك الحمد بكل نعمة أنعمت بها علينا في قديم أو حديث أو سر أو علانية أو خاصة أو عامة أو حي أو ميت أو شاهد أو غائب
لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت
وقال الحسن قال موسى يا رب كيف يستطيع ابن آدم أن يؤدي شكر ما صنعت إليه خلقته بيدك ونفخت فيه من روحك وأسكنته جنتك وأمرت الملائكة فسجدوا له فقال يا موسى علم أن ذلك مني فحمدني عليه فكان ذلك شكر ما صنعت إليه وقال سعد بن مسعود الثقفي إنما سمى نوح عبدا شكورا لأنه لم يلبس جديدا ولم يأكل طعاما إلا حمد الله وكان على بن أبي طالب إذا خرج من الخلاء مسح بطنه بيده وقال يا لها من نعمة لو يعلم العباد شكرها
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الواحدة والتسعون بعد المئتين في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي
بعنوان: *في بيان تنازع الناس في الأفضل من الصبر والشكر
وقال مخلد بن الحسين كان يقال الشكر ترك المعاصي ، وقال أبو حازم كان نعمة لا تقرب من الله فهى بلية وقال سليمان ذكر النعم يورث الحب لله وقال حماد بن زيد حدثنا ليث عن أبي بردة قال قدمت المدينة فلقيت عبد الله بن سلام فقال لي ألا تدخل بيتا دخله النبي ونطعمك سويقا وتمرا ثم قال أن الله إذا جمع الناس غدا ذكرهم بما أنعم عليهم فيقول العبد ما آية ذلك فيقول آية ذلك انك كنت في كربة كذا وكذا قد دعوتنى فكشفتها وآية ذلك أنك كنت في سفر كذا وكذا فاستصحبتنى فصحبتك قال يذكره حتى يذكر فيقول آية ذلك أنك خطبت فلانة بنت فلان وخطبها معك خطاب فزوجتك ورددتهم يقف عبده بين يديه فيعدد عليه نعمه فبكى ثم بكى ثم قال إني لأرجو الله أن لا يقعد الله عبدا بين يديه فيعذبه
وروى ليث بن أبي سليم عن عثمان عن ابن سيرين عن أنس بن مالك قال قال رسول الله:
"يؤتى بالنعم يوم القيامة والحسنات والسيئات فيقول الله عز وجل لنعمة من نعمه خذى حقك من حسناته فما تترك له من حسنة إلا ذهبت بها".
وقال بكر بن عبد الله المزني ينزل بالعبد الأمر فيدعو الله فيصرف عنه فيأتيه الشيطان فيضعف شكره
يقول : أن الأمر كان أيسر مما تذهب إليه قال أو لا يقول العبد كان الأمر أشد مما أذهب إليه ولكن الله صرفه عني .
وذكر ابن أبي الدنيا عن صدقة بن يسار قال بينا
داود عليه السلام في محرابه إذ مرت به ذره فنظر إليها وفكر في خلقها وعجب منها وقال ما يعبؤ الله بهذه فأنطقها الله فقالت يا داود أتعجبك نفسك فو الذي نفسي بيده لأنا على ما آتانى الله من فضله أشكر منك على ما آتاك الله من فضله
وقال أيوب أن من أعظم نعمة الله على عبده أن يكون مأمونا على ماجاء به النبي وقال سفيان الثوري كان يقال ليس بفقيه من لم يعد البلاء نعمة والرخاء معصيبة وقال زازان مما يجب لله على ذى النعمة بحق نعمته أن لا يتوصل بها إلى معصية قال ابن أبي الدنيا أنشدنى محمود الوراق:
إذا كان شكرى نعمة الله نعمة ∗∗∗ فكيف وقوع الشكر إلا بفضله
على له في مثلها يجب الشكر ∗∗∗
إذا مس بالسراء عم سرورها
وان طالت الايام واتصل العمر ∗∗∗
وما منهما إلا له فيه منة
وان مس بالضراء أعقبها الأجر ∗∗∗
تضيق بها الاوهام والبر والبحر
وقد روى الدراوردي عن عمرو بن أبي عمرو عن سعيد المقبرى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله يعني قال الله عز وجل:"إن المؤمن عندي بمنزلة كل خير يحمدنى وأنا أنزع نفسه من بين جنبيه" ومر محمد بن المنكدر بشاب يغامز امرأة فقال يا فتى ما هذا جزاء نعم الله عليك .
وقال حماد بن سلمة عن ثابت قال قال أبو العاليه إني لأرجو أن لا يهلك عبد بين اثنتين نعمة يحمد الله عليها وذنب يستغفر منه
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثانية والتسعون بعد المئتين في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي
بعنوان: *في بيان تنازع الناس في الأفضل من الصبر والشكر
وكتب ابن السماك إلى محمد بن الحسن حين ولى القضاء بالرقة أما بعد فلتكن التقوى من بالك على كل حال وخف الله من كل نعمة أنعم بها عليك من قلة الشكر عليها مع المعصية بها فإن في النعم حجة وفيها تبعة فأما الحجة بها فالمعصية بها وأما التبعة فيها فقلة للشكر عليها فعفى الله عنك كلما ضيعت من شكر أو ركبت من ذنب أو قصرت من حق ومر الربيع بن أبي رأشد برجل به زمانة فجلس يحمد الله ويبكى قيل له ما يبكيك قال ذكرت أهل الجنة وأهل النار فشبهت أهل الجنة بأهل العافية وأهل النار بأهل البلاء فذلك الذي أبكانى .
وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي:"إذا أحب أحدكم أن يرى قدر نعمة الله عليه فلينظر إلي من تحته ولا ينظر إلي من فوقه" قال عبد الله بن المبارك أخبرني يحيى بن عبد الله قال سمعت أبي هريرة فذكره
وقال ابن المبارك حدثنا يزيد بن إبراهيم عن الحسن قال قال أبو الدرداء من لم يعرف نعمة الله عليه إلا في مطعمه ومشربه فقد قل عمله وحضر عذابه قال ابن المبارك أخبرنا مالك بن أنس عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس رضى الله قال سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه سلم على رجل فرد عليه السلام فقال عمر للرجل كيف أنت قال الرجل أحمد إليك الله قال هذا أردت منك قال ابن المبارك وأخبرنا مسعود عن علقمة بن مرقد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال لعلنا نلتقى في اليوم مرارا يسأل بعضنا عن بعض ولم يرد بذلك إلا ليحمد الله عز وجل وقال مجاهد في قوله تعالى ﴿وَأسْبَغَ عَلَيْكم نِعَمَهُ ظاهِرَةً وباطِنَةً﴾ قال لا إله إلا الله
وقال ابن عيينة ما أنعم الله على العباد نعمة أفضل
من أن عرفهم لا إله إلا الله قال وأن لا إله إلا الله لهم في الآخرة كالماء في الدنيا وقال بعض السلف في خطبته يوم عيد أصبحتم زهرا وأصبح الناس غبرا أصبح الناس ينسجون وأنتم تلبسون وأصبح الناس يعطون وأنتم تأخذون وأصبح الناس ينتجون وأنتم تركبون وأصبح الناس يزرعون وأنتم تأكلون فبكى وأبكاهم
وقال عبد الله بن قرط الأزدي وكان من الصحابة على المنبر وكان يوم أضحى ورأى على الناس ألوان الثياب يا لها من نعمة ما أشبعها ومن كرامة ما أظهرها ما زال عن قوم شيئا أشد من نعمة لا يستطيعون ردها وإنما تثبت النعمة بشكر المنعم عليه للمنعم
وقال سلمان الفارسى رضي الله عنه أن رجلا بسط له من الدنيا فانتزع ما في يديه فجعل يحمد الله ويثنى عليه حتى لم يكن له فراش إلا بارية قال فجعل يحمد الله ويثنى عليه حتى لم يكن له فراش إلا بارية قال فجعل يحمد الله ويثني عليه وبسط لآخر من الدنيا فقال لصاحب البارية أرأيتك أنت على ما تحمد الله قال أحمده على ما لو أعطيت به ما أعطى الخلق لم أعطهم إياه قال وما ذاك قال أرأيتك بصرك أرأيتك لسانك أرأيتك يديك أرايتك رجليك وجاء رجل إلى يونس بن عبيد يشكو ضيق حاله فقال له يونس أيسرك ببصرك هذه مائة ألف درهم قال الرجل لا قال فبيديك مائه ألف قال لا فبرجليك مائة الف قال لا قال فذكره نعم الله عليه فقال يونس أرى عندك مئين الألوف وأنت تشكو الحاجة وكان ابو الدرداء يقول الصحة الملك
وقال جعفر بن محمد رضي الله عنه فقد أبي بغلة له فقال إن ردها الله عليَّ لأحمدنه بمحامد يرضاها فما لبث أن أتى بسرجها ولجامها فركبها فلما استوى عليها وضم إليه ثيابه رفع رأسه إلى السماء فقال الحمد لله لم يزد عليها. فقيل له في ذلك فقال هل تركت وأبقيت شيئا جعلت الحمد كله لله.
وروى ابن أبي الدنيا من حديث سعد بن إسحاق
بن كعب بن عجرة عن أبيه عن جده قال:
"بعث رسول الله بعثا من الأنصار وقال إن سلمهم الله وغنمهم فإن لله على في ذلك شكرا قال فلم يلبثوا أن غنموا وسلموا فقال بعض أصحابه سمعناك تقول إن سلمهم الله وغنمهم فإن لله على في ذلك شكرا قال قد فعلت اللهم لك الحمد شكرا ولك المن فضلا".
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثالثة والتسعون بعد المئتين في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي
بعنوان: *في بيان تنازع الناس في الأفضل من الصبر والشكر
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال محمد بن المنكدر لأبي حازم يا أبا حازم ما أكثر من يلقانى فيدعو لي بالخير ما أعرفهم وما صنعت إليهم خيرا قط فقال أبو حازم لا تظن أن ذلك من قبلك ولكن انظر إلى الذي ذلك من قبله فاشكره وقرأ أبو عبد الرحمن ﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾
وقال علي بن الجعد حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون حدثني من أصدقه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان يقول في دعائه "أسألك تمام النعمة في الأشياء كلها، والشكر لك عليها حتى ترضى، وبعد الرضا، والخيرة في جميع ما تكون فيه الخيرة، بجميع ميسر الأمور كلها، لا معسورها يا كريم.
وقال الحسن ما أنعم الله على عبد نعمة فقال الحمد لله إلا كان ما أعطى أكثر مما أخذ.
قال ابن أبي الدنيا وبلغني عن سفيان بن عيينة أنه قال هذا خطأ لا يكون فعل العبد أفضل من فعل الله ثم قال وقال بعض أهل العلم إنما تفسير هذا أن الرجل إذا أنعم الله عليه نعمة وهو ممن يجب عليه أن يحمده عرفه ما صنع به فيشكر الله كما
ينبغي له أن يشكره فكان الحمد له أفضل
قلت لا يلزم الحسن ما ذكر عن ابن عيينة فإن قوله الحمد لله نعمة من نعم الله والنعمة التي حمد الله عليها أيضا نعمة من نعم الله وبعض النعم أجل من بعض فنعمة الشكر أجل من نعمة المال والجاه والولد والزوجة ونحوها والله أعلم وهذا لا يستلزم أن يكون فعل العبد أفضل من فعل الله وأن دل على أن فعل العبد للشكر قد يكون أفضل من بعض مفعول الله وفعل العبد هو مفعول الله ولا ريب أن بعض مفعولاته أفضل من بعض
وقال بعض أهل العلم لنعم الله علينا فيما زوى عنا
من الدنيا أفضل من نعمه علينا فيما بسط لنا منها وذلك أن الله لم يرض لنبيه الدنيا فإن أكون فيما رضى الله لنبيه وأحب له أحب إلي من أن أكون فيما كره له وسخطه
وقال ابن أبي الدنيا بلغني عن بعض العلماء أنه قال ينبغي للعالم أن يحمد الله على ما زوى عنه من شهوات الدنيا كما يحمده على ما أعطاه وأين يقع ما أعطاه الله والحساب يأتي عليه إلى ما عافاه الله ولم يبتله به فيشغل قلبه ويتعب جوارحه فيشكر الله على سكون قلبه وجمع همه
وحدث عن ابن أبي الحوارى قال جلس فضيل بن
عياض وسفيان بن عيينة ليلة إلى الصباح يتذاكران النعم فجعل سفيان يقول أنعم الله علينا في كذا وكذا أنعم الله علينا في كذا فعل بنا كذا وحدثنا عبد الله بن داود عن سفيان في قوله
﴿سَنَسْتَدْرِجُهم مِن حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ﴾
قال يسبغ عليهم النعم ويمنعهم الشكر وقال غير سفيان كلما أحدثوا ذنبا أحدث لهم نعمة وسئل ثابت البنانى عن الاستدراج فقال ذلك مكر الله بالعباد المضيعين وقال يونس في تفسيرها أن العبد إذا كانت له عند الله منزلة فحفظها وبقى عليها ثم شكر الله بما أعطاه أعطاه أشرف منها وإذا هو ضيع الشكر استدرجه الله وكان تضييعه الشكر استدراجا وقال أبو حازم نعمة الله فيما زوى عني من الدنيا أعظم من نعمته فيما أعطاني منها إني رأيته أعطاها أقواما فهلكوا وكل نعمة لا تقرب من الله فهى بلية وإذا رأيت الله يتابع عليك نعمه وأنت تعصيه فاحذره
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الرابعة والتسعون بعد المئتين في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي
بعنوان: *في بيان تنازع الناس في الأفضل من الصبر والشكر
وذكر كاتب الليث عن هقل عن الأوزاعي أنه وعظهم فقال في موعظته أيها الناس تقووا بهذه النعم التي أصبحتم فيها على الهرب من نار الله الموقدة التي تتطلع على الأفئدة فإنكم في دار الثوى فيها قليل وأنتم فيها مرجون خلائف من بعد القرون الذين استقبلوا من الدنيا أنفعها وزهرتها فهم كانوا أطول منكم أعمارا وأمد أجساما وأعظم آثارا فقطعوا الجبال وجابوا الصخور ونقبوا في البلاد مؤيدين ببطش شديد وأجسام كالعماد فما لبثت الايام والليالي أن طوت مددهم وعفت آثارهم وأخوت منازلهم وأنست ذكرهم فما تحس منهم من أحد ولا تسمع لهم ركزا كانوا يلهون آمنين لبيات قوم غافلين أو لصباح قوم نادمين ثم إنكم قد علمتم الذي نزل بساحتهم بياتا من عقوبة الله فأصبح كثير منهم في دارهم جاثمين وأصبح الباقون ينظرون في آثارهم نقمة وزوال نعمة ومساكن خاويه فيها آية للذين يخافون العذاب الاليم وعبرة لمن يخشى وأصبحتم من بعدهم في أجل منقوص ودنيا مقبوضه وزمان قد ولى عفوه وذهب رخاؤه فلم يبق منه إلا حماة شر وصبابة كدر وأهاويل عبر وعقوبات غير وإرسال فتن وتتابع زلازل ورذلة خلف بهم ظهر الفساد في البر والبحر ولا تكونوا أشباها لمن خدعه الامل وغره طول الاجل وتبلغ بطول الأماني نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن وعى انذاره وعقل بشره فمهد لنفسه
وكان يقال الشكر ترك المعصية
وقال ابن المبارك قال سفيان ليس بفقيه فمن لم يعد البلاء نعمه والرخاء مصيبة وكان مروان بن الحكم إذا ذكر الإسلام قال بنعمة ربى وصلت إليه لا بما قدمت يدى ولا بإرادتي إني كنت خاطئا
وكم من مدخل لو مت فيه ∗∗∗
لكنت فيه نكالا في العشيرة
وقيت السوء والمكروه فيه ∗∗∗
وظفرت بنعمة منه كبيرة
وكم من نعمة لله تمسى ∗∗∗
وتصبح في العيان وفي السريرة
ودعى عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى قوم على ريبة فانطلق ليأخذهم فتفرقوا قبل أن يبلغهم فأعتق رقبة شكرا لله أن لا يكون جرى على يديه خزى مسلم قال يزيد بن هرون أخبرنا أصبغ بن يزيد أن نوحا عليه السلام كان إذا خرج من الخلاء قال الحمد لله الذي أذاقني لذته وأبقى منفته في جسدي وأذهب عني أذاه فسمى عبدا شكورا.
وقال ابن أبي الدنيا حدثني العباس بن جعفر عن الحارث بن شبل قال حدثتنا أم النعمان أن عائشة حدثتها عن النبي أنه لم يقم عن خلاء قط إلا قاله وقال رجل لأبي حازم ما شكر العينين يا أبا حازم قال أن رأيت بهما خيرا أعلنته وأن رأيت بهما شرا سترته قال فما شكر الاذنين قال أن سمعت بهما خيرا وعيته وأن سمعت بهما شرا دفعته قال فما شكر اليدين قال لا تأخذ بهما ما ليس لهما ولا تمنع حقا لله هو فيهما قال فما شكر البطن قال أن يكون أسفله طعاما وأعلاه علما قال فما شكر الفرج قال قال الله ﴿والَّذِينَ هم لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إلاَّ عَلى أزْواجِهِمْ أوْ ما مَلَكَتْ أيْمانُهم فَإنَّهم غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغى وراءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ العادُونَ﴾ قال فما شكر الرجلين قال أن علمت ميتا تغبطه استعملت بهما عمله وأن مقته رغبت عن عمله وأنت شاكر لله
وأما من شكر بلسانه ولم يشكر بجميع أعضائه فمثله كمثل رجل له كساء فأخذ بطرفه ولم يلبسه فما ينفعه ذلك من الحر والبرد والثلج والمطر
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الخامسة والتسعون بعد المئتين في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي
بعنوان: *في بيان تنازع الناس في الأفضل من الصبر والشكر
وذكر عبد الله بن المبارك أن النجاشي أرسل ذات يوم إلى جعفر وأصحابه فدخلوا عليه وهو في بيت عليه خلقان جالس على التراب قال جعفر فأشفقنا منه حين رأيناه على تلك الحال فلما رأى ما في وجوهنا قال إني أبشركم بما يسركم إنه جاءنى من نحو أرضكم عين لي فأخبرني أن الله قد نصر نبيه وأهلك عدوه وأسر فلان وفلان وقتل فلان وفلان التقوا بواد يقال له بدر كثير الاراك كأنى أنظر إليه كنت أرعى به لسيدى رجل من بني ضمرة فقال له جعفر ما بالك جالسا على التراب ليس تحتك بساط وعليك هذه الاخلاق قال إنا نجد فيما أنزل الله على عيسى عليه السلام أن حقا على عباد الله أن يحدثوا لله تواضعا عندما أحدث الله لهم من نعمه فلما أحدث الله لي نصر نبيه أحدثت لله هذا التواضع
وقال حبيب بن عبيد ما ابتلى الله عبدا ببلاء إلا كان له عليه فيه نعمة ألا يكون أشد منه وقال عبد
الملك بن إسحاق ما من الناس إلا مبتلى بعافية
لينظر كيف شكره أو بلية لينظر كيف صبره
وقال سفيان الثوري لقد أنعم الله على عبد في حاجة أكثر من تضرعه إليه فيها وكان رسول الله إذا جاءه أمر يسره خر لله ساجدا شكرا له عز وجل ذكره أحمد وقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه:"خرج علينا النبي فتوجه نحو صدقته فدخل فاستقبل القبلة فخر ساجدا فأطال السجود فقلت يا رسول الله سجدت سجدة حسبت أن يكون الله قد قبض نفسك فيها فقال أن جبريل أتانى فبشرني أن الله عز وجل يقول لك من صلى عليك صليت عليه ومن سلم عليك سلمت عليه فسجدت لله
شكرا" ذكره أحمد
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال خرجنا مع النبي من مكة نريد المدينة فلما كنا قريبا من عزور نزل ثم رفع يديه ودعا الله ساعة ثم خر ساجدا فمكث طويلا ثم قام فرفع يديه ساعة ثم خر ساجدا فعله ثلاثا وقال إني سألت ربى وشفعت لأمتي فأعطاني ثلث أمتي فخررت ساجدا شكرا لربي ثم رفعت رأسى فسألت ربى لأمتي فأعطاني ثلث أمتي فخررت ساجدا لربي ثم رفعت رأسى فسألت ربى ربى فأعطاني الثلث الآخر فخررت ساجدا لربي رواه أبو داود
وذكر محمد بن إسحاق في كتاب الفتوح قال لما جاء المبشر يوم بدر بقتل أبي جهل استحلفه رسول الله ثلاثة أيمان بالله الذي لا إله إلا هو لقد رأيته قتيلا فحلف له فخر رسول الله ساجدا.
وذكر سعيد بن منصور أن أبي بكر الصديق رضي الله عنه سجد حين جاءه قتل مسيلمة وذكر أحمد أن عليا رضي الله عنه سجد حين وجد ذا الثدية في الخوارج وسجد كعب بن مالك في عهد النبي لما بشر بتوبة الله عليه والقصة في الصحيحين
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السادسة والتسعون بعد المئتين في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي
بعنوان: *في بيان تنازع الناس في الأفضل من الصبر والشكر
فإن قيل فنعم الله دائما مستمرة على العبد فما الذي
اقتضى تخصيص النعمة الحادثة بالشكر دون
الدائمة وقد تكون المستدامة أعظم؟
قيل الجواب من وجوه: أحدها أن النعمة المتجددة تذكر بالمستدامة والإنسان موكل بالأدنى
الثاني أن هذه النعمة المتجددة تستدعي عبودية مجددة وكان أسهلها على الإنسان وأحبها إلى الله
السجود شكرا له
الثالث أن المتجددة لها وقع في النفوس والقلوب بها أعلق ولهذا يهنى بها ويعزى بفقدها
الرابع أن حدوث النعم توجب فرح النفس وانبساطها وكثيرا ما يجر ذلك إلى الأشر والبطر والسجود ذل لله وعبودية وخضوع فإذا تلقى به نعمته لسروره وفرح النفس وانبساطها فكان جديرا بدوام تلك النعمة وإذا تلقاها بالفرح الذي لا يحبه الله والاشر والبطر كما يفعله الجهال عندما يحدث الله لهم من النعم كانت سريعة الزوال وشيكة الانتقال وانقلبت نقمة وعادت استدراجا وقد تقدم أمر النجاشي فإن الله إذا احدث لعبده نعمة أحب أن يحدث لها تواضعا وقال العلاء بن المغيرة بشرت الحسن بموت الحجاج وهو مختف فخر لله ساجدا.
* ومن دقيق نعم الله على العبد التي لا يكاد يفطن لها أنه يغلق عليه بابه فيرسل الله إليه من يطرق عليه الباب يسأله شيئا من القوت ليعرفه نعمته عليه.
وقال سلام بن أبي مطيع دخلت على مريض أعوده فإذا هو يئن ، فقلت له أذكر المطروحين على الطريق أذكر الذين لا مأوى لهم ولا لهم من يخدمهم قال ثم دخلت عليه بعد ذلك فسمعته يقول لنفسه اذكري المطروحين في الطريق اذكري من لا مأوى له ولا له من يخدمه
وقال عبد الله بن أبي نوح قال لي رجل على بعض السواحل كم عاملته تبارك اسمه بما يكره فعاملك بما تحب؟ قلت ما أحصى ذلك كثرة قال فهل قصدت إليه في أمر كربك فخذلك؟
قلت لا والله ولكنه أحسن إلى وأعاننى قال فهل سألته شيئا فلم يعطكه؟
قلت وهل منعني شيئا سألته ما سألته شيئا قط إلا أعطاني ولا استعنت به إلا أعاننى قال أرأيت لو أن بعض بني آدم فعل بك بعض هذه الخلال ما كان جزاؤه عندك قلت ما كنت أقدر له مكافأة ولا جزاء قال فربك أحق وأحرى أن تدأب نفسك له في أداء شكره وهو المحسن قديما وحديثا إليك والله لشكره أيسر من مكافأة عباده إنه تبارك وتعالى رضى من العباد بالحمد شكرا وقال سفيان الثوري ما كان الله لينعم على عبد في الدنيا فيفضحه في الآخرة ويحق على المنعم أن يتم النعمة على من أنعم عليه
وقال ابن أبي الحوارى قلت لأبي معاوية ما أعظم النعمة علينا في التوحيد نسأل الله أن لا يسلبنا إياه قال يحق على المنعم أن يتم النعمة على من أنعم عليه والله أكرم من أن ينعم بنعمة إلا أتمها ويستعمل بعمل إلا قبله
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السابعة والتسعون بعد المئتين في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي
بعنوان: *في بيان تنازع الناس في الأفضل من الصبر والشكر
وقال ابن أبي الحوارى قالت لي امرأة أنا في بيتى قد
شغل قلبى قلت وما هو قالت أريد أن أعرف نعم الله على في طرفة عين أو أعرف تقصيرى عن شكر النعمة على في طرفة عين قلت تريدين ما لا تهتدى إليه عقولنا ، وقال ابن زيد إنه ليكون في المجلس الرجل الواحد يحمد الله عز وجل فيقضى لذلك المجلس حوائجهم كلهم قال وفي بعض الكتب التي أنزلها الله تعالى أنه قال:
"سروا عبدي المؤمن فكان لا يأتيه شيء إلا قال الحمد لله ما شاء الله قال روعوا عبدي المؤمن فكان لا يطلع عليه طليعة من طلائع المكروه إلا قال الحمد لله الحمد لله فقال الله تبارك وتعالى إن عبدي يحمدنى حين روعته كما يحمدنى حين سررته أدخلوا عبدي دار عزى كما يحمدنى على كل حالاته".
وقال وهب عبد الله عابد خمسين عاما فأوحى الله إليه إني قد غفرت لك قال أي رب وما تغفر لي ولم أذنب فأذن الله لعرق في عنقه يضرب عليه فلم ينم ولم يصل ثم سكن فنام ثم أتاه ملك فشكا إليه فقال ما لقيت من ضربان العرق فقال الملك أن ربك يقول أن عبادتك خمسين سنة تعدل سكون العرق
وذكر ابن أبي الدنيا أن داود قال يارب أخبرني ما أدنى نعمك على فأوحى الله إليه يا داود تنفس فتنفس قال هذا أدنى نعمى عليك
* فصل: وبهذا يتبين معنى الحديث الذي رواه أبو داود من حديث زيد ابن ثابت وابن عباس "إن الله لو عذب اهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم ولو رحمهم لكانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم" والحديث الذي في الصحيح "لن ينجي أحدا منكم عمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدنى الله برحمة منه وفضل فإن أعمال العبد لا توافي نعمة من نعم الله عليه".
أما قول بعض الفقهاء أن من حلف أن يحمد الله بأفضل أنواع الحمد كان بر يمينه أن يقول الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده
فهذا ليس بحديث عن رسول الله ولا عن أحد من الصحابة وإنما هو إسرائيلى عن آدم وأصح منه الحمد لله غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا.
ولا يمكن حمد العبد وشكره أن يوافي نعمة من نعم الله فضلا عن موافاته جميع نعمه ولا يكون فعل العبد وحمده مكافئا للمزيد ولكن يحمل على وجه يصح وهو أن الذي يستحقه الله سبحانه من الحمد حمدا يكون موافيا لنعمه ومكافئا لمزيده وأن لم يقدر العبد أن يأتي به كما إذا قال الحمد لله ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد وعدد الرمال والتراب والحصى والقطر وعدد أنفاس الخلائق وعدد ما خلق الله وما هو خالق فهذا أخبار عما يستحقه من الحمد لا عما يقع من العبد من الحمد.
[الأنترنت – موقع تفسير ابن قيّم الجوزيّة (الفرق بين الحمد والمدح) و (الصبر والشكر) ابن القيم]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثامنة والتسعون بعد المئتين في
موضوع الشكور وهي بعنوان: أفضل الشكر؟
* وقال أبو المليح قال موسى يا رب ما أفضل الشكر؟قال أن تشكرني على كل حال وقال بكر بن عبد الله قلت لأخ لي أوصنى فقال ما أدرى ما أقول غير أنه ينبغي لهذا العبد أن لا يفتر من الحمد والاستغفار فإن ابن آدم بين نعمة وذنب ولا تصلح النعمة إلا بالحمد والشكر ولا يصلح الذنب إلا بالتوبة والاستغفار فأوسعنى علما ما شئت
وقال عبد العزيز بن أبي داود رأيت في يد محمد بن واسع قرحة فكأنه رأى ما شق على منها فقال لي أتدرى ماذا لله على في هذه القرحة من نعمة حين لم يجعلها في حدقتى ولا طرف لساني ولا على طرف ذكرتى فهانت على قرحته
وروى الجريري عن أبي الورد عن الحلاج عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله أتى على رجل وهو يقول:" اللهم إني أسألك تمام النعمة فقال ابن آدم هل تدرى ما تمام النعمة قال يارسول الله دعوت دعوة أرجو بها الخير فقال أن تمام النعمة فوز من النار ودخول في الجنة".
وقال سهم بن سلمة حدثت أن الرجل إذا ذكر اسم الله على أول طعامه وحمده على آخره لم يسأل عن نعيم ذلك الطعام
* ويدل على فضل الشكر على الصبر أن الله سبحانه يحب أن يسأل العافية وما يسأل
شيئا أحب إليه من العافية ؛ كما في المسند عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قام أبو بكر رضي الله عنه على المنبر ثم قال:"سلوا الله العافية فإنه لم يعط عبدا بعد اليقين خيرا من العافية".
وفي حديث آخر إن الناس لم يعطوا في هذه الدنيا شيئا أفضل من العفو والعافية فسلوهما الله عز وجل وقال لعمه العباس يا عم أكثر من الدعاء بالعافية وفي الترمذي قلت يا رسول الله علمني شيئا أسأله الله قال سل الله العافية فمكثت أياما ثم جئت فقلت علمني شيئا أسأله الله فقال لي يا عباس يا عم رسول الله سل الله العافية في الدنيا والآخرة وقال في دعائه يوم الطائف أن لم يكن بك على غضب فلا أبالي غير أن عافيتك أوسع لي فلاذ بعافيته كما استعاذ بها في قوله أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك
وفي حديث آخر "سلوا الله العفو والعافية والمعافاة" وهذا السؤال يتضمن العفو عما مضى والعافية في الحال والمعافاة في المستقبل بدوام العافية واستمرارها وكان عبد الأعلى التيمى يقول أكثروا من سؤال الله العافية فإن المبتلى وأن اشتد بلاؤه ليس بأحق بالدعاء من المعافي الذي لا يأمن البلاء وما المبتلون اليوم إلا من أهل العافية بالأمس وما المبتلون بعد اليوم إلا من أهل العافية اليوم ولو كان البلاء يجر إلى خير ما كنا من رجال البلاء إنه رب بلاء قد أجهد في الدنيا وأخزى في الآخرة فما يؤمن من أطال المقام على معصية الله أن يكون قد بقي له في بقية عمره من البلاء ما يجهده في الدنيا ويفضحه في الآخرة ثم يقول بعد ذلك الحمد لله الذي إن نعد نعمه لا نحصيها وإن ندأب له عملا لا نجزيها وإن نعمر فيها لا نيليها ومر رسول الله برجل يسأل الله الصبر فقال لقد سألت البلاء فاسأل العافية وفي صحيح مسلم أنه عاد رجلا قد هفت أي هزل فصار مثل الفرخ فقال هل كنت تدعو الله بشيء أو تسأله إياه قال نعم كنت أقول اللهم ما كنت معاقبني به في الآخرة فعجله لي في الدنيا فقال رسول الله سبحانه لا تطيقه ولا تستطيعه أفلا قلت اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار فدعا الله له فشفاه وفي الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال دعاء حفظته من رسول الله لا أدعه: "اللهم اجعلني أعظم شكرك وأكثر ذكرك وأتبع نصيحتك وأحفظ وصيتك".
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة التاسعة والتسعون بعد المئتين في
موضوع الشكور وهي بعنوان: أفضل الشكر؟
وقال شيبان كان الحسن إذا جلس مجلسا يقول لك الحمد بالإسلام ولك الحمد بالقرآن ولك الحمد بالأهل والمال بسطت رزقنا وأظهرت أمننا وأحسنت معافاتنا ومن كل ما سألناك أعطيتنا فلك الحمد كثيرا كما تنعم كثيرا أعطيت خيرا كثيرا وصرفت شرا كثيرا فلوجهك الجليل الباقي الدايم الحمد.
وكان بعض السلف يقول اللهم ما أصبح بنا من نعمة أو عافية أو كرامة في دين أو دنيا جرت علينا فيما مضى وهي جارية علينا فيما بقي فإنها منك وحدك لا شريك لك فلك الحمد بذلك علينا ولك المن ولك الفضل ولك الحمد عدد ما أنعمت به علينا وعلى جميع خلقك لا إله إلا أنت.
وقال مجاهد إذا كان ابن عمر في سفر فطلع الفجر رفع صوته ونادى سمع سامع بحمد الله ونعمه وحسن بلائه علينا ثلاثا اللهم صاحبنا فأفضل علينا عائذ بالله من النار ولا حول ولا قوة إلا بالله ثلاثا
وذكر الإمام أحمد أن الله سبحانه أوحى إلى موسى بن عمران عليه السلام يا موسى كن يقظان مرتادا لنفسك أخدانا وكل خدن لا يواتيك على مسرتى فلا تصحبه فإنه عدو لك وهو يقسى قلبك وأكثر من ذكري حتى تستوجب الشكر وتستكمل المزيد
وقال الحسن خلق الله آدم حين خلقه فأخرج أهل الجنة من صفحته اليمني وأخرج أهل النار من صفحته اليسرى فدبوا على وجه الأرض منهم الأعمى والأصم والمبتلى فقال آدم يا رب إلا سويت بين ولدي قال يا آدم إني أريد أن أشكر
وفي السنن عنه من قال حين يصبح:"اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر إلا أدى شكر ذلك اليوم ومن قال ذلك حين يمسى فقد أدى شكر ليلته" ويذكر عن النبي من ابتلى فصبر وأعطى فشكر وظلم فغفر وظلم فاستغفر أولئك لهم الامن وهم مهتدون ويذكر عنه أنه أوصى رجلا بثلاث فقال أكثر من ذكر الموت يشغلك عما سواه وعليك بالدعاء فإنك لا تدرى متى يستجاب لك وعليك بالشكر فإن الشكر زيادة
ويذكر عنه أنه كان إذا أكل قال:
"الحمد لله الذي أطعمني وسقانى وهدانى وكل بلاء حسن أبلانى الحمد لله الرازق ذى القوة المتين اللهم
لا تنزع منا صالحا أعطيتنا ولا صالحا رزقتنا واجعلنا لك من الشاكرين"
ويذكر عنه أنه إذا أكل قال:"الحمد لله الذي أطعم وسقى وسوغه وجعل له مخرجا"
وكان عروة بن الزبير إذا أتى بطعام لم يزل مخمرا حتى يقول هذه الكلمات:"الحمد لله الذي هدانا وأطعمنا وسقانا ونعمنا الله أكبر اللهم ألفتنا نعمتك ونحن بكل شر فأصبحنا وأمسينا بخير نسألك تمامها وشكرها لا خير إلا خيرك ولا إله غيرك إله الصالحين ورب العالمين الحمد لله لا إله إلا الله ما شاء الله لا قوة إلا بالله اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وقنا عذاب النار".
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثلاثمائة في موضوع الشكور وهي
إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: أفضل الشكر؟
وقال وهب بن منبه رءوس النعم ثلاثة :
فأولها : نعمة الإسلام التي لا تتم نعمه إلا بها
والثانية : نعمة العافية التي لا تطيب الحياة إلا بها
والثالثة : نعمة الغنى التي لا يتم العيش إلا به
وقدم سعيد الجريري من الحج فجعل يقول: "أنعم الله علينا في سفرنا بكذا وكذا ثم قال تعداد النعم من الشكر" ومر وهب بمبتلى أعمى مجذوم مقعد عريان به وضح وهو يقول "الحمد لله على نعمه فقال رجل كان مع وهب أي شيء بقي عليك من النعمة تحمد الله عليها فقال له المبتلى ارم ببصرك إلى أهل المدينة فانظر إلى كثرة أهلها أفلا أحمد الله أنه ليس فيها أحد يعرفه غيرى".
ويذكر عن النبي أنه قال:"إذا أنعم الله على عبد نعمة فحمده عندها فقد أدى شكرها"
وذكر على بن أبي طالب رضي الله عنه أن بختنصر أتى بدانيال فأمر به فحبس في جب وأضرى أسدين ثم خلى بينهما وبينه ثم فتح عليه بعد خمسة أيام فوجده قائما يصلى والأسدان في ناحية الجب لم يعرضا له فقال له ما قلت حين دفع عليك قال قلت الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره والحمد الله الذي لا يخيب من رجاه، والحمد لله الذي لا يكل من توكل عليه إلى غيره والحمد لله الذي هو ثقتنا حين تنقطع عنا الحيل والحمد لله الذي هو رجاؤنا حين يسوء ظننا بأعمالنا والحمد لله الذي يكشف عنا ضرنا بعد كربتنا والحمد لله الذي يجزي بالإحسان إحسانا، والحمد لله الذي يجزي بالصبر نجاة.
ويذكر عنه أنه كان إذا نظر في المرآة قال:"الحمد لله الذي أحسن خلْقي وخلُقي وزان مني ما شان من غيري"
وقال ابن سيرين:"كان ابن عمر يكثر النظر في المرآة وتكون معه في الاسفار فقلت له ولم قال أنظر فما كان في وجهى زين فهو في وجه غيرى شين أحمد الله عليه" وسئل أبو بكر بن أبي مريم ما تمام
النعمة قال أن تضع رجلا على الصراط ورجلا في الجنة
وقال بكر بن عبد الله: يا ابن آدم إن أردت أن تعرف قدر ما أنعم الله عليك فغمض عينيك
وقال مقاتل في قوله ﴿وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة﴾ قال أما الظاهرة فالإسلام وأما الباطنة فستره عليكم بالمعاصي
وقال ابن شوذب قال عبد الله يعني ابن مسعود رضي الله عنه "إن لله على أهل النار منة لو شاء أن يعذبهم بأشد من النار لعذبهم"
وقال أبو سليمان الدارانى جلساء الرحمن يوم القيامة
من جعل فيه خصالا الكرم والسخاء والحلم والرأفة
والرحمة والشكر والبر والصبر وقال أبو هريرة رضي الله عنه من رأى صاحب بلاء فقال الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني عليك وعلى جميع خلقه تفضيلا فقد أدى شكر تلك النعمة وقال عبد الله بن وهب سمعت عبد الرحمن بن زيد يقول الشكر يأخذ بجذم الحمد وأصله وفرعه قال ينظر في نعم الله في بدنه وسمعه وبصره ويديه ورجليه وغير ذلك ليس من هذا شيء إلا فيه نعمه من الله حق على العبد أن يعمل في النعمة التي هي في بدنه لله في طاعته ونعمة أخرى في الرزق وحق عليه أن يعمل لله فيما أنعم عليه به من الرزق بطاعته فمن
عمل بهذا كان قد أخذ يجذم الشكر وأصله وفرعه
وقال كعب:"ما أنعم الله على عبد من نعمة في الدنيا فشكرها لله وتواضع بها لله إلا أعطاه الله نفعها في الدنيا ورفع له بها درجة في الأخرى وما أنعم الله على عبد نعمة في الدنيا فلم يشكرها لله ولم يتواضع بها إلا منعه الله نفعها في الدنيا وفتح له طبقات من النار يعذبه إن شاء أو يتجاوز عنه".
وقال الحسن من لا يرى لله عليه نعمة إلا في مطعم أو مشرب أو لباس فقد قصر علمه وحضر عذابه
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الواحدة بعد الثلاثمائة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: أفضل الشكر؟
وقال الحسن يوما لبكر المزني هات يا أبا عبد الله دعوات لإخوانك فحمد الله وأثنى عليه وصلى على
النبي ثم قال والله ما أدرى أي النعمتين أفضل على وعليكم أنعمة المسلك أم نعمة المخرج إذا أخرجه منا قال الحسن إنها لمن نعمة الطعام
وقالت عائشة رضي الله عنها ما من عبد يشرب الماء القراح فيدخل بغير أذى ويخرج الاذى إلا وجب عليه الشكر قال الحسن يالها من نعمة تدخل كل لذة وتخرج مسرخا لقد كان ملك من ملوك هذه القرية يرى الغلام من غلمانه يأتي الحب فيكتال منه ثم يجرجر قائما فيقول يا ليتنى مثلك ما يشرب حتى يقطع عنه العطش فإذا شرب كان له في تلك الشربة موتات يا لها من نعمة
وكتب بعض العلماء إلى أخ له أما بعد فقد أصبح بنا من نعم الله ما لا نحصيه مع كثرة ما نعصيه فما يدرى أيهما نشكر أجميل ما يسر أم قبيح ما ستر وقيل للحسن ها هنا رجل لا يجالس الناس فجاء إليه فسأله عن ذلك فقال إني أمسى وأصبح بين ذنب ونعمة فرأيت أن أشغل نفسي عن الناس بالاستغفار من الذنب والشكر لله على النعمة فقال له الحسن أنت عندي يا عبد الله أفقه من الحسن فالزم ما أنت عليه
وقال ابن المبارك سمعت عليا بن صالح يقول في قوله تعالى﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ﴾ قال أي من طاعتي.
والتحقيق أن الزيادة من النعم وطاعته من أجل نعمه.
وذكر أبن أبي الدنيا أن محارب بن دثار كان يقوم بالليل ويرفع صوته أحيانا أنا الصغير الذي ربيته فلك الحمد، وأنا الضعيف الذي قويته فلك الحمد وأنا الفقير الذي أغنيته فلك الحمد وأنا الصعلوك الذي مولته فلك الحمد وأنا العزب الذي زوجته فلك الحمد وأنا الساغب الذي أشبعته فلك الحمد وأنا العارى الذي كسوته فلك الحمد وأنا المسافر الذي صاحبته فلك الحمد وأنا الغائب الذي رددته فلك الحمد وأنا الراجل الذي حملته فلك الحمد وأنا المريض الذي شفيته فلك الحمد وأنا السائل الذي أعطيته فلك الحمد وأنا الداعي الذي أجبته فلك الحمد ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا.
وكان بعض الخطباء يقول في خطبته اختط لك الأنف فأقامه وأتمه فأحسن تمامه ثم أدار منك الحدقة فجعلها بجفون مطبقة وبأشفار معلقة ونقلك من طبقة إلى طبقة وحنن عليك قلب الوالدين برقة ومقة فنعمه عليك مورقة وأياديه بك محدقة.
وكان بعض العلماء يقول في قوله تعالى ﴿وَإنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها﴾ سبحان من لم يجعل لحد معرفة نعمه إلا العلم بالتقصير عن معرفتها، كما لم يجعل لحد إدراكه أكثر من العلم أنه لا يدرك فجعل معرفة نعمه بالتقصير عن معرفتها شكرا، كما شكر علم العالمين أنهم لا يدركونه فجعله إيمانا علما منه أن العباد لا يتجاوزون ذلك
وقال عبد الله بن المبارك أخبرنا مثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال سمعت رسول الله يقول :خصلتان من كانتا فيه كتبه الله صابرا شاكرا ومن لم يكونا فيه لم يكتبه الله صابرا شاكرا ؛من نظر في دينه إلي من هو فوقه فاقتدى به، ومن نظر في دنياه إلي من هو دونه.
فحمد الله على ما فضله به عليه كتبه الله صابرا شاكرا ، ومن نظر في دينه إلي من هو دونه ونظر في دنياه إلي من هو فوقه فأسف على ما فاته منه لم يكتبه الله صابرا شاكرا.
وبهذا الإسناد عن عبد الله ابن عمرو موقوفا عليه أربع خصال من كن فيه بني الله له بيتا في الجنة : 1-من كان عصمة أمره لا إله إلا الله 2-وإذا أصابته مصيبه قال إنا لله وإنا إليه راجعون 3-وإذا أعطى شيئا قال الحمد لله 4-وإذا أذنب قال استغفر الله
[الأنترنت – موقع تفسير ابن قيّم الجوزيّة (الفرق بين الحمد والمدح) و (الصبر والشكر) ابن القيم]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثانية بعد الثلاثمائة في موضوع
الشكور وهي بعنوان: * ولله تبارك وتعالى على عبده نوعان من الحقوق لا ينفك عنهما:
أحدهما : أمره ونهيه اللذين هما محض حقه عليه.
والثاني : شكر نعمه التي أنعم بها عليه فهو سبحانه يطالبه بشكر نعمه وبالقيام بأمره فمشهد الواجب عليه لا يزال يشهده تقصيره وتفريطه وأنه محتاج إلى عفو الله ومغفرته فإن لم يداركه بذلك هلك وكلما كان أفقه في دين الله كان شهوده للواجب عليه أتم وشهوده لتقصيره أعظم وليس الدين بمجرد ترك المحرمات الظاهرة بل بالقيام مع ذلك بالأوامر المحبوبة لله وأكثر الديانين لا يعبأون منها إلا بما شاركهم فيه عموم الناس.
وأما الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحه لله ورسوله وعباده ونصرة الله ورسوله ودينه وكتابه فهذه الواجبات لا تخطر ببالهم فضلا عن أن يريدوا فعلها وفضلا عن أن يفعلوها وأقل الناس دينا وأمقتهم إلى الله من ترك هذه الواجبات وإن زهد في الدنيا جميعها وقل أن ترى منهم من يحمر وجهه ويمعره لله ويغضب لحرماته ويبذل عرضه في نصرة دينه وأصحاب الكبائر أحسن حالا عند الله من هؤلاء وقد ذكر أبو عمر وغيره أن الله تعالى أمر ملكا من الملائكة أن يخسف بقرية فقال يا رب أن فيهم فلانا العابد الزاهد قال به فابدأ وأسمعنى صوته إنه لم يتمعر وجهه في يوم قط.
* وأما شهود النعمة فإنه لا يدع له رؤية حسنة من
حسناته أصلا ولو عمل أعمال الثقلين فإن نعم الله سبحانه أكثر من أعماله وأدنى نعمه من نعمه تستنفذ عمله فينبغي للعبد ألا يزال ينظر في حق الله عليه
قال الإمام أحمد حدثنا حجاج حدثنا جرير بن حازم عن وهب قال بلغني أن نبي الله موسى عليه السلام مر برجل يدعو ويتضرع فقال يا رب ارحمه فإني قد رحمته فأوحى الله إليه لو دعانى حتى تنقطع قواه ما استجبت له حتى ينظر في حقى عليه فمشاهدة العبد النعمه والواجب لا تدع له حسنة يراها ولا يزال مزريا على نفسه ذاما لها وما اقربه من الرحمه إذا أعطى هذين المشهدين
حقهما والله المستعان.
[الأنترنت – موقع تفسير ابن قيّم الجوزيّة (الفرق بين الحمد والمدح) و (الصبر والشكر) ابن القيم]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثالثة بعد الثلاثمائة في موضوع
الشكور وهي بعنوان:
* فكل من الصبر والشكر داخل في حقيقة الآخر
لا يمكن وجوده إلا به وإنما يعبر عن أحدهما باسمه الخاص به باعتبار الاغلب عليه والأظهر منه وإلا فحقيقة الشكر إنما يلتئم من الصبر والإرادة والفعل فإن الشكر هو العمل بطاعة الله وترك معصيته والصبر أصل ذلك فالصبر على الطاعة وعن المعصية هو عين الشكر وإذا كان الصبر مأمورا به فأداؤه هو الشكر ، فإن قيل فهذا يفهم منه اتحاد الصبر والشكر وإنهما اسمان لمسمى واحد وهذا محال عقلا ولغة وعرفا وقد فرق الله سبحانه بينهما؟ ، قيل بل هما معنيان متغايران وإنما بينا تلازمهما وافتقار كل واحد منهما في وجود ماهيته إلى الآخر ومتى تجرد الشكر عن الصبر بطل كونه شكرا وإذا تجرد الشكر عن الصبر بطل كونه صبرا أما الأول فظاهر وأما الثاني إذا تجرد عن الشكر كان كافورا ومنافاة الكفور للصبر أعظم من منافاة السخوط .
فإن قيل بل ها هنا قسم آخر وهو أن لا يكون كفورا ولا شكورا بل صابرا على مضض وكراهة شديدة فلم يأت بحقيقة الشكر ولم يخرج عن ماهية الصبر قيل: كلامنا في الصبر المأمور به الذي هو طاعة لا في الصبر الذي هو تجلد كصبر البهائم وصبر الطاعة لا يأتي به إلا شاكر ولكن اندرج شكره في صبره فكان الحكم للصبر كما اندرج صبر الشكور في شكره فكان الحكم للشكر فمقامات الإيمان لا تعدم بالتنقل فيها بل تندرج وينطوى الادنى في الاعلى كما يندرج الإيمان في الإحسان وكما يندرج الصبر في مقامات الرضا لا أن الصبر يزول ويندرج الرضا في التفويض ويندرج الخوف والرجاء في الحب لا أنهما يزولان فالمقدور الواحد يتعلق به الشكر والصبر سواء كان محبوبا أو مكروها فالفقر مثلا يتعلق به الصبر وهو أخص به لما فيه من الكراهة ويتعلق به الشكر لما فيه من النعمة فمن غلب شهود نعمته وتلذذ به واستراح واطمأن إليه عده نعمة يشكر عليها ومن غلب شهود ما فيه من الابتلاء والضيق والحاجة عده بلية يصبر عليها وعكسه الغنى على أن الله سبحانه ابتلى العباد بالنعم كما ابتلاهم بالمصائب وعد ذلك كله ابتلاء فقال ﴿وَنَبْلُوكم بِالشَّرِّ والخَيْرِ فِتْنَةً﴾ وقال ﴿فَأمّا الإنْسانُ إذا ما ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأكْرَمَهُ ونَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أكْرَمَنِ وأمّا إذا ما ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أهانَنِ﴾
وقال { إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا } وقال ﴿الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ والحَياةَ لِيَبْلُوَكم أيُّكم أحْسَنُ عَمَلًا﴾ وقال وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة ايام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا فأخبر سبحانه أنه خلق العالم العلوي والسفلى وقدر أجل الخلق وخلق ما على الأرض للابتلاء والاختبار وهذا الابتلاء إنما هو ابتلاء صبر العباد وشكرهم في الخير والشر والسراء والضراء فالابتلاء من النعم من الغنى والعافية والجاه والقدرة وتأتي الأسباب أعظم الابتلائين والصبر على طاعة الله أشق الصبرين كما قال الصحابة رضي الله عنهم ابتلينا بالضراء فصبرنا وابتلينا بالسراء فلم نصبر والنعمة بالفقر والمرض وقبض الدنيا وأسبابها وأذى الخلق قد يكون أعظم النعمتين وفرض الشكر عليها أوجب من الشكر على أضدادها فالرب تعالى يبتلي بنعمه وينعم بابتلائه غير أن الصبر والشكر حالتان لازمتان للعبد في أمر الرب ونهيه وقضائه وقدره لا يستغنى عنهما طرفة عين والسؤال عن أيهما أفضل كالسؤال عن الحس والحركة أيهما أفضل وعن الطعام والشراب أيهما أفضل وعن خوف العبد ورجائه أيهما أفضل فالمأمور لا يؤدى إلا بصبر وشكر والمحظور لا يترك إلا بصبر وشكر وأما المقدور الذي يقدر على العبد من المصائب فمتى صبر عليه اندرج شكره في صبره كما يندرج صبر الشاكر في شكره
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الرابعة بعد الثلاثمائة في موضوع
الشكور وهي بعنوان:
* فكل من الصبر والشكر داخل في حقيقة الآخر
ومما يوضح هذا أن الله سبحانه امتحن العبد بنفسه وهواه وأوجب عليه جهادهما في الله فهو في كل وقت في مجاهدة نفسه حتى تأتي بالشكر المأمور به ويصبر عن الهوى المنهي عن طاعته فلا ينفك العبد عنهما غنيا كان أو فقيرا معافى أو مبتلى وهذه هي مسألة الغني الشاكر والفقير الصابر أيهما أفضل وللناس فيها ثلاثة أقوال وهي التي حكاها أبو الفرج ابن الجوزي وغيره في عموم الصبر والشكر أيهما أفضل وقد احتجت كل فرقة بحجج وأدلة على قولها
والتحقيق : أن يقال أفضلهما أتقاهما لله تعالى فإن فرض استوائهما في التقوى استويا في الفضل فإن
الله سبحانه لم يفضل بالفقر والغنى كما لم يفضل بالعافية والبلاء وإنما فضل بالتقوى كما قال تعالى ﴿إنَّ أكْرَمَكم عِنْدَ اللَّهِ أتْقاكُمْ﴾
وقد قال لا فضل لعربي على عجمي ولا فضل لعجمي على عربي إلا بالتقوى الناس من آدم وآدم من تراب والتقوى مبنيه على أصلين الصبر والشكر وكل من الغني والفقير لا بد له منهما فمن كان صبره وشكره أتم كان أفضل
فإن قيل فإذا كان صبر الفقير أتم وشكر الغني أتم
فأيهما أفضل؟
قيل أتقاهما لله في وظيفته ومقتضى حاله ولا يصح التفضيل بغير هذا ألبتة فإن الغنى قد يكون أتقى لله في شكره من الفقير في صبره وقد يكون الفقير أتقى لله في صبره من الغنى في شكره فلا يصح أن يقال هذا بغناه أفضل ولا هذا بفقره أفضل ولا يصح أن يقال هذا بالشكر أفضل من هذا بالصبر ولا بالعكس لأنهما مطيتان للإيمان لا بد منهما بل الواجب أن يقال أقومهما بالواجب والمندوب هو الأفضل فإن التفضيل تابع لهذين الأمرين كما قال تعالى في الأثر الإلهي:
"ما تقرب إلى عبدي بمثل مداومة ما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه" فأي الرجلين كان أقوم بالواجبات وأكثر نوافل كان أفضل
فإن قيل: فقد ثبت عن النبي أنه قال " يدخل فقراء أمتي الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم وذلك خمسمائة عام" قيل هذا لا يدل على فضلهم على الأغنياء في الدرجة وعلو المنزلة وأن سبقوهم بالدخول فقد يتأخر الغنى والسلطان العادل في الدخول لحسابه فإذا دخل كانت درجته أعلى ومنزلته أرفع كسبق الفقير القفل في المضائق وغيرها ويتأخر صاحب الاحمال بعده فإن قيل فقد قال النبي للفقراء لما شكوا إليه زيادة عمل الأغنياء عليهم بالعتق والصدقه:"ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه أدركتم به من سبقكم"فدلهم على التسبيح والتحميد والتكبيرعقب كل صلاة فلما سمع الأغنياء ذلك عملوا به فذكروا ذلك للنبي فقال:
"ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء" وهذا يدل على ترجيح حال الغنى الشاكر قيل هذا حجة للقول الذي
نصرناه وهو أن أفضلهما أكثرهما نوافل فإن استويا استويا وها هنا قد ساوى الأغنياء الفقراء في أعمالهم المفروضه والنافلة وزادوا عليهم بنوافل العتق والصدقه وفضلوهم بذلك فساووهم في صبرهم على الجهاد والأذى في الله والصبر على المقدور وزادوا عليهم بالشكر بنوافل المال فلو كان للفقراء بصبرهم نوافل تزيد على نوافل الأغنياء لفضلوهم بها فإن قيل: إن النبي عرضت عليه مفاتيح كنوز الدنيا فردها وقال: "بل اشبع يوما وأجوع يوما"
[الأنترنت – موقع تفسير ابن قيّم الجوزيّة (الفرق بين الحمد والمدح) و (الصبر والشكر) ابن القيم]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الخامسة بعد الثلاثمائة في موضوع
الشكور وهي بعنوان: * الله سبحانه كما هو خالق الخلق فهو خالق ما به غناهم وفقرهم.
فخلق الغنى والفقر ليبتلي بهما عباده أيهم أحسن عملا وجعلهما سببا للطاعة والمعصية والثواب والعقاب قال تعالى ﴿وَنَبْلُوكم بِالشَّرِّ والخَيْرِ فِتْنَةً وإلَيْنا تُرْجَعُونَ﴾ قال ابن عباس رضي الله عنهما بالشدة والرخاء والصحة والسقم والغنى والفقر والحلال والحرام وكلها بلاء
وقال ابن يزيد : نبلوكم بما تحبون وما تكرهون لننظر كيف صبركم وشكركم فبما تحبون وما تكرهون وقال الكلبى بالشر بالفقر والبلاء والخير بالمال والولد فأخبر سبحانه أن الغنى والفقر مطيتا الابتلاء والامتحان وقال تعالى ﴿فَأمّا الإنْسانُ إذا ما ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأكْرَمَهُ ونَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أكْرَمَنِ وأمّا إذا ما ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أهانَنِ كَلاَّ﴾ فأخبر سبحانه أنه يبتلي عبده بإكرامه له وبتنعيمه له وبسط الرزق عليه كما يبتليه بتضييق الرزق وتقديره عليه وأن كليهما ابتلاء منه وامتحان ثم أنكر سبحانه على من زعم أن بسط الرزق وتوسعته إكرام من الله لعبده وأن تضييقه عليه اهانة منه له فقال كلا أي ليس الأمر كما يقول الإنسان بل قد أبتلى بنعمتي وأنعم ببلائى
وإذا تأملت ألفاظ الآية وجدت هذا المعنى يلوح
على صفحاتها ظاهرا للمتأمل وقال تعالى وهو الذي
جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم وقال تعالى ﴿إنّا جَعَلْنا ما عَلى الأرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهم أيُّهم أحْسَنُ عَمَلًا﴾ فأخبر سبحانه أنه زين الأرض بما عليها من المال وغيره للابتلاء والامتحان كما أخبر أنه خلق الموت والحياة لذلك وخلق السماوات والأرض لهذا الابتلاء أيضا فهذه ثلاثة مواضع في القرآن يخبر فيها سبحانه أنه خلق العالم العلوي والسفلي وما بينهما وأجل العالم وأجل أهله وأسباب معائشهم التي جعلها زينة للأرض من الذهب والفضة والمساكن والملابس والمراكب والزروع والثمار والحيوان والنساء والبنين وغير ذلك كل ذلك خلقه للابتلاء والامتحان ليختبر خلقه أيهم أطوع له وارضى فهو الأحسن عملا
وهذا هو الحق الذي خلق به وله السماوات والأرض وما بينهما وغايته الثواب والعقاب وفواته وتعطيله هو العبث الذي نزه نفسه عنه وأخبر أنه يتعالى عنه وأن ملكه الحق وتفرده بالإلهية وحده وبربوبية كل شيء ينفى هذا الظن الباطل والحساب الكاذب كما قال تعالى ﴿أفَحَسِبْتُمْ أنَّما خَلَقْناكم عَبَثًا وأنَّكم إلَيْنا لا تُرْجَعُونَ فَتَعالى اللَّهُ المَلِكُ
الحَقُّ لا إلَهَ إلّا هو رَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ﴾
فنزه سبحانه نفسه عن ذلك كما نزهها عن الشريك والولد والصاحبة وسائر العيوب والنقائص من السنة والنوم واللغوب والحاجة واكتراثه بحفظ السماوات والأرض وتقدم الشفعاء بين يديه بدون إذنه كما يظنه أعداؤه المشركون يخرجون عن علمه جزئيات العالم أو شيئا منها فكما أن كماله المقدس وكمال أسمائه وصفاته يأبى ذلك ويمنع منه فكذلك يبطل خلقه لعباده عبثا وتركهم سدى لا يأمرهم ولا ينهاهم ولا يردهم إليه فيثيب محسنهم بإحسانه ومسيئهم باساءته ويعرف المبطلون منهم إنهم كانوا كاذبين ويشهدهم أن رسله وأتباعهم كانوا أولى بالصدق والحق منهم فمن أنكر ذلك فقد انكر إلهيته وربوبيته وملكه الحق وذلك عين الجحود والكفر به سبحانه كما قال المؤمن لصاحبه الذي حاوره في المعاد وأنكره ﴿أكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرابٍ ثُمَّ مِن نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوّاكَ رَجُلًا﴾ فأخبر أن إنكاره للمعاد كفر بذات الرب سبحانه وقال تعالى وأن تعجب فعجب قولهم أإذا كنا ترابا إنا لفى خلق جديد أولئك الذين كفروا بربهم وذلك أن إنكار المعادي يتضمن إنكار قدرة الرب وعلمه وحكمته وملكه الحق وربوبيته والهيته كما أن تكذيب رسله وجحد رسالتهم يتضمن ذلك أيضا فمن كذب رسله وجحد المعاد فقد أنكر ربوبيته سبحانه ونفى أن يكون رب العالمين
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السادسة بعد الثلاثمائة في موضوع
الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: * الله سبحانه كما هو خالق الخلق فهو خالق ما به
غناهم وفقرهم :
والمقصود أنه سبحانه وتعالى خلق الغنى والفقر مطيتين للابتلاء والامتحان ولم ينزل المال لمجرد
الاستمتاع به كما في المسند عنه قال: يقول الله تعالى: "إنا نزلنا المال لاقام الصلاة وإيتاء الزكاة، ولو كان لابن آدم واد من مال لابتغى إليه ثانيا، ولو كان له ثان لابتغى له ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب "
فأخبر سبحانه إنه أنزل المال ليستعان به على إقامة حقه بالصلاة واقامة حق عباده بالزكاة لا للاستمتاع والتلذذ كما تأكل الأنعام فإذا زاد المال عن ذلك أو خرج عن هذين المقصودين فإن الغرض والحكمة التي أنزل لها كان التراب أولى به فرجع هو والجوف الذي امتلأ به بما خلق له من الإيمان والعلم والحكمة فانه خلق لان يكون وعاء لمعرفة ربه وخالقه والإيمان به ومحبته وذكره وانزل عليه من المال ما يستعين به على ذلك فعطل الجاهل بالله وبأمر الله وبتوحيد الله وبأسمائه وصفاته جوفه عما خلق له وملأه بمحبة المال الفانى الذاهب الذي هو ذاهب عن صاحبه أو بالعكس وجمعه والاستكثار منه ومع ذلك فلم يمتلئ بل ازداد فقرا وحرصا إلى أن امتلأ جوفه بالتراب الذي خلق منه فرجع إلى مادته الترابية التي خلق منها هو وماله ولم تتكمل مادته بامتلاء جوفه من العلم والإيمان الذي بهما كماله وفلاحه وسعادته في معاشه ومعاده فالمال إن لم ينفع صاحبه ضره ولا بد وكذلك العلم والملك والقدرة كل ذلك إن لم ينفعه ضره فإن هذه الأمور وسائل لمقاصد يتوسل بها إليها في الخير والشر فإن عطلت عن التوسل بها إلى المقاصد والغايات المحمودة توسل بها إلى أضدادها.
فأربح الناس من جعلها وسائل إلى الله والدار الآخرة وذلك الذي ينفعه في معاشه ومعاده، وأخسر الناس من توسل بها إلى هواه ونيل شهواته وأغراضه العاجلة فخسر الدنيا والآخرة، فهذا لم يجعل الوسائل مقاصد ولو جعلها كذلك لكان خاسرا لكنه جعلها وسائل إلى ضد ما جعلت له فهو بمثابة من توسل بأسباب اللذة إلى أعظم الآلام أدوائها.
فالأقسام أربعة لا خامس لها :
أحدها : معطل الأسباب معرض عنها
الثاني : مكب عليها واقف مع جمعها وتحصيلها
الثالث : متوصل بها إلى ما يضره ولا ينفعه في معاشه ومعاده ؛فهؤلاء الثلاثة في الخسران
الرابع : متوصل بها إلى ما ينفعه في معاشه ومعاده وهو الرابح قال تعالى ﴿مَن كانَ يُرِيدُ الحَياةَ الدُّنْيا وزِينَتَها نُوَفِّ إلَيْهِمْ أعْمالَهم فِيها وهم فِيها لا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهم في الآخِرَةِ إلّا النّارُ وحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ وقد أشكل فهم هذه الآية على كثير من الناس حيث فهموا منها أن من كان له إرادة في الدنيا وزينتها فله هذا الوعيد ثم اختلفوا في معناها ؛ فقالت طائفة منهم : ابن عباس من كان يريد تعجيل الدنيا فلا يؤمن بالبعث ولا بالثواب ولا بالعقاب قالوا والآية في الكفار خاصة على قول ابن عباس.
وقال قتادة : من كانت الدنيا همه وسدمه ونيته وطلبه جازاه الله في الدنيا بحسناته ثم يفضي إلى الآخرة وليس له حسنة يجازى بها.
وأما المؤمن فيجزى في الدنيا بحسناته ويثاب عليها في الآخرة قال هؤلاء : فالآية في الكفار بدليل قوله ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهم في الآخِرَةِ إلّا النّارُ وحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ قالوا المؤمن من يريد الدنيا والآخرة فأما من كانت إرادته
مقصورة على الدنيا فليس بمؤمن.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السابعة بعد الثلاثمائة في موضوع
الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: * الله سبحانه كما هو خالق الخلق فهو خالق ما به
غناهم وفقرهم :
وأما من لم يرد بعمله وجه الله وإنما أراد به الدنيا وزينتها فهذا لا يدخل في دائرة أهل الإيمان، وهذا هو الذي فهمه معاوية من الآية واستشهد بها على حديث أبي هريرة الذي رواه مسلم في صحيحه في الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار يوم القيامة : القارئ الذي قرأ القرآن ليقال فلان قارئ، والمتصدق الذي أنفق أمواله ليقال فلان جواد، والغازي الذي قتل في الجهاد ليقال هو جريء.
وكما أن خيار خلق الله هم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون فشرار الخلق من تشبه بهم وليس منهم فمن تشبه بأهل الصدق والإخلاص وهو مراءٍ كمن تشبه بالأنبياء وهو كاذب.
وقال ابن أبي الدنيا حدثني محمد بن ادريس قال
أخبرني عبد الحميد بن صالح حدثنا قطن بن
الحباب عن عبد الوارث عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله:
"إذا كان يوم القيامة صارت أمتي ثلاث فرق : فرقة يعبدون الله عز وجل للدنيا ، وفرقة يعبدون رياء وسمعة ، وفرقة يعبدونه لوجهه ولداره ؛ فيقول للذين كانوا يعبدونه للدنيا : بعزتي وجلالي ومكانى ما أردتم بعبادتى ؟ فيقولون : بعزتك وجلالك ومكانك الدنيا ، فيقول : إني لم أقبل من ذلك شيئا إذهبوا بهم إلى النار ، ويقول للذين كانوا يعبدون رياء وسمعة : بعزتي وجلالي ومكانى ما أردتم بعبادتى ؟ فيقولون : بعزتك وجلالك ومكانك رياء وسمعة ، فيقول : إني لم أقبل من ذلك شيئا إذهبوا بهم إلى النار ، ويقول للذين كانوا يعبدونه لوجهه وداره : بعزتي وجلالي ومكانى ما أردتم بعبادتى ؟ فيقولون : بعزتك وجلالك وجهك ودارك ، فيقول : صدقتم إذهبوا بهم إلى الجنة"
هذا حديث غنى عن الإسناد والقرآن والسنة شاهدان بصدقه ويدل على صحة هذا القول في الآية قوله تعالى ﴿نُوَفِّ إلَيْهِمْ أعْمالَهم فِيها﴾ وذلك على أنها في قوم لهم أعمال لم يريدوا بها وجه الله وإنما أرادوا بها الدنيا ولها عملوا فوفاهم الله ثواب أعمالهم فيها من غير بخس وأفضوا إلى الآخرة بغير عمل يستحقون عليه الثواب وهذا لا يقع ممن يؤمن بالآخرة إلا كما يقع منه كبائر الأعمال وقوعا عارضا يتوب منه ويراجع التوحيد.
وقال ابن الأنباري : فعلى هذا القول المعنى في قوم من أهل الإسلام يعملون العمل الحسن لتستقيم به دنياهم غير متفكرين في الآخرة وما ينقلبون إليه فهؤلاء يجعل لهم جزاء حسناتهم في الدنيا فإذا جاءت الآخرة كان جزاؤهم عليها النار إذ لم يريدوا بها وجه الله ولم يقصدوا التماس ثوابه وأجره
ثم أورد صاحب هذا القول على أنفسهم سؤالا
قالوا فإن قيل : الآية الثانية على هذا القول توجب
تخليد المؤمن المريد بعمله الدنيا في النار؟
وأجابوا عنه بأن ظاهر الآية يدل على أن من راءى بعمله ولم يلتمس به ثواب الآخرة بل كانت نيته الدنيا فإن الله يبطل إيمانه عند الموافاة فلا يوافى ربه بالإيمان قالوا ويدل عليه قوله ﴿وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ وهذا يتناول أصل الإيمان وفروعه.
وأجابت فرقة أخرى بأن الآية لا تقتضى الخلود الأبدي في النار وإنما تقتضى أن الذي يستحقونه في الآخرة النار وأنهم ليس لهم عمل صالح يرجون به النجاة فإذا كان مع أحدهم عمود التوحيد فإنه يخرج به من النار مع من يخرج من أصحاب الكبائر الموحدين وهذا هو جواب ابن الأنباري وغيره
والآية بحمد الله لا إشكال فيها والله سبحانه ذكر جزاء من يريد بعمله الحياة الدنيا وزينتها وهو النار وأخبر بحبوط عمله وبطلانه فإذا أحبط ما ينجو به وبطل لم يبق معه ما ينجيه فإن كان معه إيمان لم يرد به الدنيا وزينتها بل أراد الله به والدار الآخرة لم يدخل هذا الإيمان في العمل الذي حبط وبطل وأنجاه إيمانه من الخلود في النار وإن دخلها بحبوط عمله الذي به النجاة المطلقة.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثامنة بعد الثلاثمائة في موضوع
الشكور وهي بعنوان: *الإيمان إيمانان :
1-إيمان يمنع من دخول النار وهو الإيمان الباعث على أن تكون الأعمال لله يبتغي بها وجهه وثوابه
2-وإيمان يمنع الخلود في النار وإن كان مع المرائي شيء منه وإلا كان من أهل الخلود
فالآية لها حكم نظائرها من آيات الوعيد والله الموفق وذلك قوله ﴿مَن كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ في حَرْثِهِ ومَن كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنها وما لَهُ في الآخِرَةِ مِن نَصِيبٍ﴾ ومنه قوله ﴿مَن كانَ يُرِيدُ العاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَن نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُومًا مَدْحُورًا﴾
فهذه ثلاث مواضع من القرآن يشبه بعضها بعضا ويصدق بعضها بعضا وتجتمع على معنى واحد وهو أن من كانت الدنيا مراده ولها يعمل في غاية سعيه لم يكن له في الآخرة نصيب ومن كانت الآخرة مراده ولها عمل وهي غاية سعيه فهى له .
بقى أن يقال: فما حكم من يريد الدنيا والآخرة فانه داخل تحت حكم الإرادتين فبأيهما يلحق قيل من ها هنا نشأ الإشكال وظن من ظن من المفسرين أن الآية في حق الكافر فانه هو الذي يريد الدنيا دون الآخرة وهذا غير لازم طردا ولا عكسا فإن بعض الكفار قد يريد الآخرة وبعض المسلمين قد لا يكون مراده إلا الدنيا والله تعالى قد علق السعادة بإرادة الآخرة والشقاوة بإرادة الدنيا فإذا تجردت الإرادتان تجرد موجبهما ومقتضاهما وأن اجتمعتا فحكم اجتماعهما حكم اجتماع البر والفجور والطاعة والمعصية والإيمان والشرك في العبد وقد قال تعالى لخير الخلق بعد الرسل ﴿مِنكم مَن يُرِيدُ الدُّنْيا ومِنكم مَن يُرِيدُ الآخِرَة﴾ وهذا خطاب للذين شهدوا معه الوقعة ولم يكن فيهم منافق ولهذا قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ما شعرت أن أحد أصحاب رسول الله يريد الدنيا حتى كان يوم أحد ونزلت هذه الآية.
والذين أريدوا في هذه الآية هم الذين أخلوا مركزهم الذي أمرهم رسول الله بحفظه وهم من خيار المسلمين ولكن هذه إرادة عارضة حملتهم على ترك المركز والاقبال على كسب الغنائم بخلاف من كان مراده بعمله الدنيا وعاجلها فهذه الإرادة لون وإرادة هؤلاء لون .
وها هنا أمر يجب التنبيه له وهو: أنه لا يمكن إرادة الدنيا وعاجلها بأعمال البر دون الآخرة مع الإيمان بالله ورسوله ولقائه أبدا فإن الإيمان بالله والدار الآخرة يستلزم إرادة العبد لرحمة الله والدار الآخرة بأعماله فحيث كان مراده بها الدنيا فهذا لا يجامع الإيمان أبدا وأن جامع الإقرار والعلم فالإيمان وراء ذلك والإقرار والمعرفة حاصلان لمن شهد الله سبحانه له بالكفر مع هذه المعرفة كفرعون وثمود واليهود الذين شاهدوا رسول الله وعرفوه كما عرفوا أبناءهم وهم من أكفر الخلق بإرادة الدنيا وعاجلها بالأعمال قد تجامع هذه المعرفة والعلم ولكن الإيمان الذي هو وراء ذلك لا بد أن يريد صاحبه بأعماله الله والدار الآخرة والله المستعان.
[الأنترنت – موقع تفسير ابن قيّم الجوزيّة (الفرق بين الحمد والمدح) و (الصبر والشكر) ابن القيم]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة التاسعة بعد الثلاثمائة في موضوع
الشكور وهي بعنوان:
*الله جعل الغنى والفقر ابتلاءا وامتحانا للشكر والصبر، والصدق والكذب والإخلاص والشرك:
قال تعالى ﴿لِيَبْلُوَكم في ما آتاكُمْ﴾ وقال تعالى ﴿الم أحَسِبَ النّاسُ أنْ يُتْرَكُوا أنْ يَقُولُوا آمَنّا وهم لا يُفْتَنُونَ ولَقَدْ فَتَنّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا ولَيَعْلَمَنَّ الكاذِبِينَ﴾ وقال تعالى ﴿إنَّما أمْوالُكم وأوْلادُكم فِتْنَةٌ واللَّهُ عِنْدَهُ أجْرٌ عَظِيمٌ﴾ فجعل الدنيا عرضا عاجلا ومتاع غرور وجعل الآخرة دار جزاء وثواب وحف الدنيا بالشهوات وزينها بها كما قال تعالى ﴿زُيِّنَ لِلنّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ والبَنِينَ والقَناطِيرِ المُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ والخَيْلِ المُسَوَّمَةِ والأنْعامِ والحَرْثِ ذَلِكَ مَتاعُ الحَياةِ الدُّنْيا واللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ المَآبِ﴾
فأخبر سبحانه أن هذا الذي زين به الدنيا من ملاذها وشهواتها وما هو غاية أماني طلابها ومؤثريها على الآخرة وهو سبعة أشياء النساء اللاتى هن أعظم زينتها وشهواتها وأعظمها فتنة والبنين الذين بهم كمال الرجل وفخره وكرمه وعزه والذهب والفضة اللذين هما مادة الشهوات على اختلاف أجناسها وأنواعها والخيل المسومة التي هي عز أصحابها وفخرهم وحصونهم وآلة قهرهم لأعدائهم في طلبهم وهربهم والأنعام التي منها ركوبهم وطعامهم ولباسهم وأثاثهم وأمتعتهم وغير ذلك من مصالحهم والحرث الذي هو مادة قوتهم وقوت أنعامهم ودوابهم وفاكهتهم وأدويتهم وغير ذلك
ثم أخبر سبحانه أن ذلك كله متاع الحياة الدنيا ثم شوق عباده إلى متاع الآخرة وأعلمهم أنه خير من هذا المتاع وأبقى فقال ﴿قُلْ أؤُنَبِّئُكم بِخَيْرٍ مِن ذَلِكم لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ خالِدِينَ فِيها وأزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ ورِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ واللَّهُ بَصِيرٌ بِالعِبادِ﴾
ثم ذكر سبحانه من يستحق هذا المتاع ومن هم أهله الذين هم أولى به فقال ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إنَّنا آمَنّا فاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وقِنا عَذابَ النّارِ الصّابِرِينَ والصّادِقِينَ والقانِتِينَ والمُنْفِقِينَ والمُسْتَغْفِرِينَ بِالأسْحارِ﴾ فأخبر سبحانه أن ما أعد لأوليائه المتقين من متاع الآخرة خير من متاع الدنيا وهو نوعان ثواب يتمتعون به وأكبر منه وهو رضوإنه عليهم قال تعالى ﴿اعْلَمُوا أنَّما الحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ ولَهْوٌ وزِينَةٌ وتَفاخُرٌ بَيْنَكم وتَكاثُرٌ في الأمْوالِ والأوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أعْجَبَ الكُفّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطامًا﴾ فأخبر سبحانه عن حقيقة الدنيا بما جعله مشاهدا لأولي البصائر وإنها لعب ولهب تلهو بها النفوس وتلعب بها الأبدان واللعب واللهو لا حقيقة لهما وأنهما مشغلة للنفس مضيعة للوقت يقطع بها الجاهلون فيذهب ضائعا في غير شيء ثم أخبر أنها زينة زينت للعيون وللنفوس فأخذت بالعيون والنفوس استحسانا ومحبة ولو باشرت القلوب معرفة حقيقتها ومآلها ومصيرها لأبغضتها ولآثرت عليها الآخرة ولما آثرتها على الآجل الدائم الذي هوخير وأبقى .
قال الإمام حدثنا وكيع حدثنا المسعودي عن عمرو بن مرة عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي قال:"مالي وللدنيا إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب قال في ظل شجرة في يوم صائف ثم راح وتركها".
وفى جامع الترمذي من حديث سهل بن سعد قال قال رسول الله لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء قال الترمذي حديث صحيح.
وفى صحيح مسلم من حديث المستورد بن شداد قال رسول الله: "ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بم يرجع وأشاربالسبابة".
وفى الترمذي من حديثه قال: "كنت مع الركب الذين وقفوا مع رسول الله على السخلة الميتة فقال رسول الله أترون هذه هانت على أهلها حتى ألقوها قالوا ومن هوانها ألقوها يا رسول الله قال فالدنيا أهون على الله من هذه على أهلها"
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة العاشرة بعد الثلاثمائة في موضوع
الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: *الله جعل الغنى والفقر ابتلاءا وامتحانا للشكر
والصبر، والصدق والكذب والإخلاص والشرك:
وفي الترمذي أيضا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله : "الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالما أو متعلما" والحديثان حسنان قال الإمام أحمد حدثنا هيثم بن خارجة أنبأنا إسماعيل بن عياش بن عبد الله بن دينار النهرانى قال قال عيسى عليه السلام للحواريين بحق أقول لكم إن حلاوة الدنيا مرارة الآخرة وإن مرارة الدنيا حلاوة الآخرة وأن عباد الله ليسوا بالمتنعمين بحق أقول لكم إن شركم عملا عالم يحب الدنيا ويؤثرها على الآخرة إنه لو يستطيع
جعل الناس كلهم في عمله مثله.
وقال أحمد حدثنا يحيى بن إسحاق قال أخبرني سعيد بن عبد العزيز عن مكحول قال قال عيسى ابن مريم عليه السلام يا معشر الحواريين أيكم يستطيع أن يبني على موج البحر دارا قالوا يا روح الله ومن يقدر على ذلك قال إياكم والدنيا فلا تتخذوها قرارا.
وفى كتاب الزهد لأحمد أن عيسى ابن مريم عليه السلام كان يقول بحق أقول لكم أن أكل الخبز وشرب الماء العذب ونوما على المزابل مع الكلاب كثير لمن يريد أن يرث الفردوس .
وفى المسند عنه: "إن الله ضرب طعام ابن آدم مثلا للدنيا وأن قزحه وملحه فلينظر إلى ماذا يصير".
ثم أخبر سبحانه وتعالى عنها إنها يفاخر بعضنا بعضا بها فيطلبها ليفخر بها على صاحبه وهذا حال كل من طلب شيئا للمفاخرة من مال أو جاه أو قوة أو علم أو زهد والمفاخرة نوعان مذمومة ومحمودة فالمذمومة مفاخرة أهل الدنيا بها والمحمودة أن يطلب المفاخرة في الآخرة فهذه من جنس المنافسة المأمور بها وهي أن الرجل ينفس على غيره بالشيء ويغار أن يناله دونه ويأنف من ذلك ويحمى أنفه له يقال نفست عليه الشيء أنفسه نفاسة إذا ضننت به ولم تحب أن يصير إليه دونك والتنافس تفاعل من ذلك كأن كل واحد من المتنافسين يريد أن يسبق صاحبه إليه وحقيقة المنافسة الرغبة التامة والمبادرة والمسابقة إلى الشيء النفيس.
ثم أخبر تعالى عنها أنها تكاثر في الأموال والأولاد فيحب كل واحد أن يكاثر بني جنسه في ذلك ويفرح بأن يرى نفسه أكثر من غيره مالا وولدا وأن يقال فيه ذلك وهذا من أعظم ما يلهي النفوس عن الله والدار الآخرة كما قال تعالى ﴿ألْهاكُمُ التَّكاثُرُ حَتّى زُرْتُمُ المَقابِرَ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ والتكاثر في كل شيء فكل من شغله وألهاه التكاثر بأمر من الأمور عن الله والدار الآخرة فهو داخل في حكم هذه الآية فمن الناس من يلهيه التكاثر بالمال ومنهم من يلهيه التكاثر بالجاه أو بالعلم فيجمعه تكاثرا وتفاخرا وهذا أسوأ حالا عند الله ممن يكاثر بالمال والجاه فإنه جعل أسباب الآخرة للدنيا وصاحب المال والجاه استعمل أسباب الدنيا لها وكاثر بأسبابها .
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الحادية عشرة بعد الثلاثمائة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: *الله جعل الغنى والفقر ابتلاءا وامتحانا للشكر والصبر، والصدق والكذب والإخلاص والشرك:
ثم أخبر سبحانه عن مصير الدنيا وحقيقتها وأنها بمنزلة غيث أعجب الكفار نباته ، والصحيح إن شاء الله أن الكفار هم الكفار بالله وذلك عرف القرآن حيث ذكروا بهذا النعت في كل موضع ولو أراد الزراع لذكرهم باسمهم الذي يعرفون به كما ذكرهم به في قوله {يعجب الزراع } وإنما خص الكفار به لأنهم أشد اعجابا بالدنيا فإنها دارهم التي لها يعملون ويكدحون فهم أشد اعجابا بزينتها وما فيها من المؤمنين.
ثم ذكر سبحانه عاقبة هذا النبات وهو اصفراره ويبسه وهذا آخر الدنيا ومصيرها ولو ملكها العبد من أولها إلى آخرها فنهايتها ذلك فإذا كانت الآخرة انقلبت الدنيا واستحالت إلى عذاب شديد أو مغفرة من الله وحسن ثوابه وجزائه كما قال على بن أبي طالب الدنيا دار صدق لمن صدقها ودار عافية لمن فهم عفها ومطلب نجح لمن سالم فيها مساجد أنبياء الله ومهبط وحيه ومصلى ملائكته ومتجر أوليائه فيها اكتسبوا الرحمة وربحوا فيها العافية فمن ذا يذمها وقد آذنت بنيها ونعت نفسها وأهلها فتمثلت ببلائها وشوقت بسرورها إلى
السرور تخويفا وتحذيرا وترغيبا فذمها قوم غداة
الندامة وحمدها آخرون ذكرتهم فذكروا ووعظتهم فاتعظوا فيا أيها الذام للدنيا المغتر بتغريرها متى استذمت إليك بل متى غرتك أبمنازل آبائك في الثرى أم بمضاجع أمهاتك في البلاء كم رأيت موروثا كم عللت بكفيك عليلا كم مرضت مريضا بيديك تبتغى له الشفاء وتستوصف له الأطباء ثم لم تنفعه شفاعتك ولم تسعفه طلبتك مثلت لك الدنيا غداة مصرعه مصرعك ومضجعه مضجعك ثم التفت إلى المقابر فقال يا أهل الغربة ويا أهل التربة أما الدور فسكنت وأما الأموال فقسمت وأما الأزواج فنكحت فهذا خبر ما عندنا فهاتوا خبر ما عندكم ثم التفت الينا فقال أما لو أذن لهم لأخبروكم أن خير الزاد التقوى .
فالدنيا في الحقيقة لا تذم وإنما يتوجه الذم إلى فعل العبد فيها وهي قنطرة أو معبر إلى الجنة أو إلى النار ولكن لما غلبت عليها الشهوات والحظوظ والغفلة والإعراض عن الله والدار الآخرة فصار هذا هو الغالب على أهلها وما فيها وهو الغالب على اسمـها صـار لهـا اسـم الذم عند الإطـلاق وإلا فهـى مبني الآخرة ومزرعتها ومنها زاد الجنة وفيها اكتسبت النفوس الإيمان ومعرفة الله ومحبته وذكره ابتغاء مرضاته وخير عيش ناله أهل الجنة في الجنة إنما كان بما زرعوه فيها وكفى بها مدحا وفضلا لأولياء الله فيها من قرة العيون وسرور القلوب وبهجة النفوس ولذة الارواح والنعيم الذي لا يشبهه نعيم بذكره ومعرفته ومحبته وعبادته والتوكل عليه والإنابة إليه والإنس به والفرح بقربه والتذلل له ولذة مناجاته والاقبال عليه والاشتغال به عمن سواه وفيها كلامه ووحيه وهداه وروحه الذي ألقاه من أمره فأخبر به من شاء من عباده ولهذا فضل ابن عقيل وغيره هذا على نعيم الجنة ، وقالوا هذا حق الله عليهم وذاك حظهم ونعيمهم وحقه أفضل من حقهم قالوا والإيمان والطاعة أفضل من جزائه.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثانية عشرة بعد الثلاثمائة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: *الله جعل الغنى والفقر ابتلاءا وامتحانا للشكر والصبر، والصدق والكذب والإخلاص والشرك:
والتحقيق أنه لا يصح التفضيل بين أمرين في دارين مختلفين ولو أمكن اجتماعهما في دار واحدة لأمكن طلب التفضيل والإيمان والطاعة في هذه الدار أفضل ما فيها ودخول الجنة والنظر إلى وجه الله جل جلاله وسماع كلامه والفوز برضاه أفضل ما في الآخرة فهذا أفضل ما في هذه الدار وهذا أفضل ما في الدار الأخرى ولا يصح أن يقال فأي الأمرين أفضل فهذا أفضل الأسباب وهذا أفضل الغايات.
ولما وصف سبحانه حقيقة الدنيا وبين غايتها ونهايتها وانقلابها في الآخرة إلى عذاب شديد ومغفرة من الله وثواب أمر عباده بالمسابقة والمبادرة إلى ما هو خير وأبقى وأن يؤثروه على الفانى المنقطع المشوب بالانكاد والتنغيص ثم أخبر أن ذلك فضله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم وقال تعالى ﴿واضْرِبْ لَهم مَثَلَ الحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الأرْضِ فَأصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّياحُ وكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا﴾
ثم ذكر سبحانه أن المال والبنين زينة الحياة الدنيا وأن الباقيات الصالحات وهي الأعمال والأقوال الصالحة التي يبقى ثوابها ويدوم جزاؤها خير ما يؤمله العبد ويرجو ثوابه وقال تعالى ﴿إنَّما مَثَلُ الحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الأرْضِ مِمّا يَأْكُلُ النّاسُ والأنْعامُ حَتّى إذا أخَذَتِ الأرْضُ زُخْرُفَها وازَّيَّنَتْ وظَنَّ أهْلُها أنَّهم قادِرُونَ
عَلَيْها أتاها أمْرُنا لَيْلًا أوْ نَهارًا فَجَعَلْناها حَصِيدًا كَأنْلَمْ تَغْنَ بِالأمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾
ولما أخبر عباده عن آفات هذه الدار دعا عباده إلى دارالسلام التي سلمت من التغيروالاستحالة والزوال والفناء وعم عباده بالدعوة إليها عدلا وخص من شاء بالهداية إلى طريقها فضلا
وأخبر سبحانه أن الأموال والأولاد لا تقرب الخلق إليه وإنما يقربهم إليه تقوى الله ومعاملته فيهم وحذر سبحانه عباده أن تلهيهم أموالهم وأولادهم عن ذكره وأخبر أن من ذلك فعل فهو الخاسر حقيقة لا من قل ماله وولده في الدنيا ونهى نبيه أن يمد عينيه إلى ما متع به أهل الدنيا فيها فتنة لهم واختبارا وأخبر أن رزقه الذي أعده له في الآخرة خير وأبقى من هذا الذي متعوا به .
وأخبر سبحانه إنه آتاه السبع المثاني والقرآن العظيم وذلك خير وأفضل مما متع به أهل الدنيا في دنياهم وجعل ما آتاه مانعا له من مد عينيه إلى ذلك فهذا العطاء في الدنيا وما ادخر له من رزق الآخرة خير مما متع به أهل الدنيا فلا تمدن عينيك .
[الأنترنت – موقع تفسير ابن قيّم الجوزيّة (الفرق بين الحمد والمدح) و (الصبر والشكر) ابن القيم]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثالثة عشرة بعد الثلاثمائة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: *الله جعل الغنى والفقر ابتلاءا وامتحانا للشكر والصبر، والصدق والكذب والإخلاص والشرك:
وإذا عرف أن الغنى والفقر والبلاء والعافية فتنة وابتلاء من الله لعبده تمتحن بها صبره وشكره
علم أن الصبر والشكر مطيتان للإيمان لا يحمل إلا عليهما ولا بد لكل مؤمن منهما وكل منهما في موضعه أفضل فالصبر في مواطن الصبر أفضل والشكر في مواضع الشكر أفضل هذا إن صح مفارقة كل واحد منهما للآخر وأما إذا كان الصبر جزء مسمى الشكر والشكر جزء مسمى الصبر وكل منهما حقيقة مركبة من الأمرين معا كما تقدم بيانه فالتفضيل بينهما لا يصح إلا إذا جرد أحدهما عن الآخر وذلك فرض ذهنى يقدره الذهن ولا يوجد في الخارج ولكن يصح على وجه وهو أن العبد قد يغلب صبره على شكره الذي هو قدر زائد على مجرد الصبر من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة فلا يبقى فيه اتساع لغير صبر النفس على ما هو فيه لقوة الوارد وضيق المحل فتنصرف قواه كلها إلى كف النفس وحبسها لله وقد يغلب شكره بالأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة على قوة كفه لنفسه وحبسها لله فتكون قوة إرادته وعمله أقوى من قوة امتناعه وحبس نفسه .
واعتبر هذا بشخصين أحدهما حاكم على نفسه متمكن من حبسها عن الشهوات قليل التشكى للمصيبات وذلك جل عمله وآخر كثير الإعطاء لفعل الخير القاصر والمتعدى سمح النفس ببذل المعروف وآخر ضعيف النفس عن قوة الصبر فللنفس قوتان قوة الصبر والكف وامساك النفس وقوة البذل وفعل الخير والاقدام على فعل ما تكمل به وكمالها باجتماع هاتين القوتين فيها والناس في ذلك أربع طبقات فأعلاهم من اجتمعت له القوتان وسفلتهم من عدم القوتين، ومنهم من قوة صبره أكمل من قوة فعله وبذله ومنهم من هو بالعكس في ذلك، فإذا فضل الشكر على الصبر فإما أن يكون باعتبار ترجيح مقام على مقام.
وأما أن يكون باعتبار تجريد كل من الأمرين عن الآخر وقطع النظر عن اعتباره وتمام إيضاح هذا بمسالة الغني الشاكر والفقير الصابر فلنذكر لها بابا يخصها ويكشف عن الصواب فيها.
[الأنترنت – موقع تفسير ابن قيّم الجوزيّة (الفرق بين الحمد والمدح) و (الصبر والشكر) ابن القيم]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الرابعة عشرة بعد الثلاثمائة في موضوع الشكور وهي بعنوان: *طاقة الشكر:
اشكر ، استمتع ، وانعم بالخير من كل اتجاه للشكر طاقة . وأي طاقة ما أروع أن تشعر بأسمى مشاعر الامتنان والشكر تجاه كل شيء إيجابي من حولك شعور سيزداد وينمو يوما بعد يوم شعور سيقلص الأمور الغير مرغوب فيها ، وستفاجأ بأن كل ما تريده وتتمناه يزداد وينمو بسرعة وروعة جرب أن تشكر كل من حولك على أي شيء تستفيده منهم اشكر الجميع ، الجماد والنبات والأجهزة والبشر والكون والخالق وكل شيء جرب أن تعيش بالشكر بأعمق درجاته عندما تستيقظ نشيطا اشكر ربك على الصحة والعافية والنشاط اشكر والدتك ووالدك وزوجتك وكل من حولك عندما يقدمون لك أي شيء ، ولو بسيط .
اشكرهم بابتسامة رائعة ممتنة صافية اشكر سريرك أنه أتاح لك نوما مريحا هادئا نعم .. بل اشكر موبايلك حيث يسهل لك عملية الاتصال بالناس ويوفر الكثير من الوقت والجهد واشكر الكمبيوتر لأنه يتيح لك قراءة هذا المقال ويتيح لك الاستفادة من كل مجالات التكنولوجيا اشكر الهواء العليل ، اشكر الشمس ، اشكر الكون لا تتعجب ولا تسمح لأحد أن يشوه لك هذا المعنى العميق بمفاهيم دينية مغلوطة شكر المخلوق هو من صميم شكر الخالق بل لقد قال رسولنا الكريم "من لا يشكر الناس لا يشكر الله"
والعلم الحديث أثبت أن كل المخلوقات تتأثر بطاقة الشكر فتزداد سعادة وتعمل بصورة رائعة في زيادة الشيء الذي شكرتها من أجله.
النعمة لو كانت ملقاة على الأرض فانتشلتها بامتنان ووضعتها في مكان لائق فسوف تستغفر لك وتشكر لك تأكد أن كل من تشكره سوف يزداد الشيء الذي تشكره من أجله تأكد أن موبايلك كلما تشكره فستقل أعطاله ، وسيارتك كلما تشكرها فستقل مشاكلها . كل هذه حقائق علمية حديثة وكلها تؤكد وتفسر عمق الآية الربانية الكريمة القائلة "لئن شكرتم لأزيدنكم" فالله سوف يزيد أي شيء تشكر من أجله ، تشكر المخلوق ، وتشكر الخالق .. تمتن للمخلوق وتمتن للخالق ، سيزداد كل شيء ، بمعنى الكلمة تذكر أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم احتضن جذع الشجرة عندما أن ليشكره على طول الفترة التي تحمله فيها عندما كان يقف عليه
في خطب الجمعة . احتضنه حتى توقف أنينه .
لاحظ أن الله سبحانه وتعالى في هذه الآية تحديدا ترك الشكر مطلقا لم يربطه بشكره تعالى ، ليترك المجال للمتعمقين المتأملين في معاني القرآن أن يغوصوا في أعماق الآية الرهيبة
تأمل معي مرة أخرى . {لئن شكرتم لأزيدنكم }. لئن شكرت الله ، فسيزيد الله ما شكرته من أجله
لئن شكرت الناس ، سيزيد الله ما شكرتهم من أجله ، لئن شكرت كل من حولك وما حولك من أدوات سخرها الله لك فسيزيد الله ما شكرتهم من أجله ، لئن شكرت الكون فسيزيد الله من تفاعل الكون معك فالله سخر السماوات والأرض لخدمتك وتحت أمرك وهي تنفذ ذلك كل يوم بلا كلل ولا ملل ، الأبحاث النفسية في طاقة الشكر تخرج لنا المفاجآت يوما بعد يوم ، الزوجة كلما ازداد شكرها لزوجها على أقل الأمور ؛ فسيزداد تدريجيا كل ما تشكره عليه وتصبح حياتهم أسعد ، الأبناء الذين يشكرون آباءهم يوميا ، تقل المشاكل بينهم إلى حد كبير جدا ...
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الخامسة عشرة بعد الثلاثمائة في موضوع الشكور وهي بعنوان: *طاقة الشكر:
جرب أن تشكر ربك على إحساس رائع ، سيزداد هذا الإحساس وسيتكرر في حياتك نعم ، حتى مجرد الإحساس ، فالآية واضحة ، كل ما تشكر عليه سيزداد ..
تمعن وانطلق لتزيد كل ما تريد في حياتك ، كلما ضحكت اشكر الله واشكر من أضحكك ، كلما أحسست بسعادة ، اشكر الله على هذه المشاعر ، وتأكد أنها ستزداد ، كلما شاهدت مريضا ، اشكر الله على النعمة والعافية وتأكد أنه لن يصيبك هذا المرض ما حييت ، وهذا وعد من الله ، بل والأكثر من ذلك ، كلما أردت أن يزيد أي شيء في حياتك ، قم بشكر الله عليه وتأمل روعة زيادته في حياتك ، اذهب الآن واشكر ربك على ما لديك من مال مهما قل ، وتأكد من أن الزيادة قادمة ، اذهب الآن واشكر ربك على أي شيء تريد زيادته ، وانتظر روعة النتائج بل وتعمق أكثر وأكثر ، إذا أردت أن يحدث شيء ما سعيد في حياتك فقم بالاسترخاء ، وتخيل براحة وسعادة أنه حصل ، واستشعر هذه السعادة ثم اشكر الله بقوة على حصوله،وعلى هذه المشاعر وستذهل من النتائج،فالله غاية في الرحمة وغاية في الكرم والعطاء ،أكرم وأكثر رحمة بك مما تتخيل مهما
وصل تخيلك....
اشكر ، امتن ، عش بطاقة الشكر المريحة الرائعة ،استشعر روعتها دائما في قلبك .. فجر الجذب داخلك بطاقة الامتنان والتقدير ، اشكر الخالق على الدوام ، في سرك وعلانيتك ، تحدث مع الناس عن نعم الله عليك ،، تحدث باستفاضة وبأحاسيس رائعة ، تحدث بالتفصيل ونفذ أمر الله تعالى "وأما بنعمة ربك فحدث ، حاشاك أن تلتفت إلى المخوفين المرعوبين الذين يخافون الحسد ،، فهو لا يصيب شاكرا ولا يصيب إلا من يخشاه ويخافه ، منذ الآن عش بالشكر ،، نم بالشكر ، استمتع بالشكر ، كن كنبي الله نوح فقد قال الله عنه "إنه كان عبدا شكورا"
الشكر سر النجاح ، الشكر سر الإبداع والإتقان ، الشكر سر السعادة والرضى والراحة والمتعة
اعلم أن الشكر هو لب العبادة ، فالله خلقنا في الأصل لنستمتع ونشكر
قال الله تعالى "وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون" . إذن هذا ينطبق على سيدنا آدم والسيدة حواء هما كانا في الجنة ، في الجنة لا توجد عبادة بالمفهوم الذي نعرفه من صلاة وصوم وزكاة وغيرها
إذن العبادة هنا يقصد بها أن تطلب فيأتيك ما طلبت فتشكر آدم وحواء كانا في الجنة يتنعمان ويستمتعان ، ويشكران الله سبحانه وتعالى على هذا النعيم وهذه هي أعظم عبادة.
بالشكرتستشعرطعما رائعا لكل العبادات والفروض ، لأن الله لم يأمرك بها ليضايقك ، وإنما أمرك بها ليفيدك ولمصلحتك أنت ، فالشاكر ، لن يصلي غصب عنه ليؤدي واجبا عليه ، بل سيصلي بشكر وبراحة وسعادة واطمئنان فستزداد متعته وسيزداد اطمئنانه ، وهكذا في باقي العبادات ، بالشكر يصفو كل شيء وبالشكر ينصلح كل شيء ، بل لا أبالغ لو قلت أن الشكر فقط كفيل بجعل حياة الإنسان في قمة السعادة والراحة والهدوء.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السادسة عشرة بعد الثلاثمائة في موضوع الشكور وهي بعنوان: *طاقة الشكر:
*من يترك الشكر تنهال عليه المشاكل والضغوطات في الحياة ، جرب وأنت في قلب هذه المشاكل أن تبدأ بالشكر .. بالشكر بمفهومه العميق لكل شيء ولكل شخص ولخالق الكون الكريم الحليم الرحيم
جرب ولا تذهل من النتائج ، فهي ستكون خرافية ، كلما مررت بأزمات وضوائق ، تفنن في شكر الله على أقل شيء محبب أو جميل ، مهما كان بسيطا ، وتأكد أنه سيزداد تدريجيا إلى أن تصبح حياتك كلها أشياء محببة وستختفي الأزمات والضوائق للأبد (نصيحة مجرب بعمق)
الشكر تحدثت عنه كل الكتب السماوية ....
العهد القديم : التوراة ....
العهد الجديد : الإنجيل
العهد الأخير : القرآن....
وهذه مقتطفات من الكتب الثلاث :
- ما دمت حيا معافى تحمد الرب وتفتخر بمراحمه"
(سفر يشوع بن سيراخ 17: 27)
- "إذا كنتم في سلامة، وكان أولادكم وكل شيء لكم على ما تحبون، فإني أشكر الله شكراً جزيلاً" (سفر المكابيين الثاني 9: 20)
- "مَتَى ذَبَحْتُمْ ذَبِيحَةَ شُكْرٍ لِلرَّبِّ، فَلِلرِّضَا عَنْكُمْ تَذْبَحُونَهَا" (سفر اللاويين 22: 29)
- "لاَ تَهْتَمُّوا بِشَيْءٍ، بَلْ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِالصَّلاَةِ وَالدُّعَاءِ مَعَ الشُّكْرِ، لِتُعْلَمْ طِلْبَاتُكُمْ لَدَى اللهِ" (رسالة بولس الرسول إلى أهل فيلبي 4: 6)
- "اشكروا له كلكم، لأنه صالحٌ، لأن رحمته إلى
الابد" (سفر يهوديت 13: 21)
- "فَأَطْلُبُ أَوَّلَ كُلِّ شَيْءٍ، أَنْ تُقَامَ طَلِبَاتٌ وَصَلَوَاتٌ وَابْتِهَالاَتٌ وَتَشَكُّرَاتٌ لأَجْلِ جَمِيعِ النَّاسِ، لأَجْلِ الْمُلُوكِ وَجَمِيعِ الَّذِينَ هُمْ فِي مَنْصِبٍ، لِكَيْ نَقْضِيَ حَيَاةً مُطْمَئِنَّةً هَادِئَةً فِي كُلِّ تَقْوَى وَوَقَارٍ، لأَنَّ هذَا حَسَنٌ وَمَقْبُولٌ لَدَى مُخَلِّصِنَا اللهِ، الَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ"(رسالة بولس الرسول الأولى إلى تيموثاوس 2: 1-4)
- "نَشْكُرُكَ أَيُّهَا الرَّبُّ الإِلهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، الْكَائِنُ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي، لأَنَّكَ أَخَذْتَ قُدْرَتَكَ الْعَظِيمَةَ وَمَلَكْتَ" (سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 11: 17)
- "اشكري لله نعمته عليكِ، وباركي إله الدهور. حتى يعود فَيُشَيِّدَ مَسكنهُ فيكِ، ويَرُدَّ إليكِ جميع أهل الجلاء، وتبتهجي إلى دهر الدهور" (سفر طوبيا 13: 12)
- "فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ" (القرآن الكريم - البقرة : 152)
- "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ"(البقرة : 172)
- "وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ
قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ" (الأعراف : 10)
- "وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ" (لقمان :14)
- "اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ" (سبأ : 13)
- "نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ"(القمر :35)
في النهاية أريدك أن تحذر ، لأن من لا يشكر فهو في حقيقة الأمر يكفر بنعم الله عليه ، فالكفر عكس الشكر قال تعالى {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}(إبراهيم : 7)
وقال أيضا "قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ" (النمل : 40) .
وقال أيضا "وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ" (لقمان :12)وقال : "إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا" (الإنسان :3)
بل إن من لا يشكر فهو دون أن يدري ينفذ أمر الشيطان الذي جاء صريحا في الآية الكريمة "ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ" (الأعراف : 17)
ترى هل ستكون شاكرا ؟ أم ستكون كفورا ؟!!!! أشكركم جميعا على تفضلكم بقراءة هذا المقال : دمتم شاكرين متنعمين ممتنين سعدا متمتعين بنعم الله عليكم أجمعين [الأنترنت – موقع الفيس بوك]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السابعة عشرة بعد الثلاثمائة في موضوع الشكور وهي بعنوان:
*الشكر يجلب النعم ويدفع النقم
قال تعالى : {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}. بهذه الوصية الربانية وهذه الكلمات القرآنية ختم الله آيات الصيام، وختم بها العديد من آيات الفرقان، فقد ذكر الشكر أكثر من سبعين مرة في القرآن الكريم، وهذا إشارة واضحة على عظيم هذه العبادة، وجليل قدرها وكبير أجرها، فأكثروا عباد الله من شكر الله فقد قال لكم آمراً ومذكراً: {وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}، ورددوا بعد كل صلاة: (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك).
فلك المحامد والمدائح كلها ********
بخواطري وجوارحي ولساني
ولك المحامد ربنا حمًدا كما *********
يرضيك لا يفنى على الأزمان
1- فضيلة الشكر
جعلني الله وإياكم من الشاكرين إن الشكر عبادة نادرة جميلة، عظيمة جليلة، عزيزة نبيلة، أجرها عند الله جزيل، وقرنها الله بالزيادة في محكم التنزيل فقال: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}، مدح الله بها إبراهيم الخليل: {شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ}، وأمر بها الأنبياء والمرسلين ومنهم الكليم: {يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ}، وجعل الله الشكر قسيمي السبيل فقال: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا}، وجعل الشكر الغاية من الإيجاد والإمداد فقال: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ? لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، ولعلكم تستغربون أن الله اشتق الشكر من اسم من أسمائه الحسنى: (الشكور)، {إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ}. فيا الله ما أعظمها من عبادة وما أجلها من طاعة، اللهم اجعلنا ممن قلت فيهم: {وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ}.
ألا فاشكر لربك كل وقت******
على الآلاء والنعم الجسيمة
إذا كان الزمان زمان سوء*******
فيوم صالح منه غنيمة
نحن اليوم بحاجة ماسة لإحياء الشكر فيما بيننا، شكر الخالق وشكر المخلوق، كما قال الله: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}. وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لم يشكر الناس لم يشكر الله).
فبالشكر تزيد أواصر المحبة والإخاء، وتنتهي العداوة والبغضاء، وبالشكر نصل لمرضاة رب الأرض والسماء قال الله تعالى: {وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ}.
الشكر أفضل ما حاولت ملتمسابه******
الزيادة عند الله والناس
واعلموا إخوتي: أن من أعظم أنواع الظلم والجهالة كفران نعم الخالق ونكران إحسان المخلوق قال الله تعالى: {وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّار}.
وقد ذم الله الإنسان الجحود فقال: {إِنَّ الإنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ}، والكنود هو ذاك الإنسان الذي يذكر النقم وينسى النعم وهذا من أشنع الظلم كما قال الشاعر:
يَا أَيُّهَا الظَّالِمُ فِي فِعْلِهِ *******
وَالظُّلْمُ مَرْدُودٌ عَلَى مَنْ ظَلَمْ
إِلَى مَتَى وَأَنْتَ وَحَتَّى مَتَى******
تَشْكُو الْمُصِيبَاتِ وَتَنْسَى النِّعَمْ
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثامنة عشرة بعد الثلاثمائة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي بعنوان: *الشكر يجلب النعم ويدفع النقم
2- الشكر سبيل النصر والنجاة من العذاب
يا أهل الإسلام عامة ويا أهل الإيمان خاصة:
علينا إن نكثر الشكر رغم كل الظروف القاسية والأزمات الخانقة، نعم علينا أن نديم الشكر على نعم الله رغم ما يحيطنا من كروب وينزل بنا من خطوب، وربما يسأل سائل لماذا نشكر والحال هذا؟ فأقول مجيباً للسائل ولغيره: اعلموا أخوتي أن النجاة من العذاب والوقاية من الهلاك والدافع للعقاب والجالب للأمان يكون بالشكر لله وللناس كما قال الله تعالى: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا}.
يتوقف العذاب ويذهب الوباء والبلاء، وتنتهي أنواع البأساءِ والضرّاء، وأنواع الهموم والأحزان، فإن أردنا زوال النقم والبلاء فعلينا بالشكر، وإن أردنا النصر والظفر على الأعداء فعلينا بالشكر، قال الله حاكيا عن نصر نبي الله لوط على قومه: {نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ}.
فالشكر يا أهل الشام يغير حياتنا إلى الأسعد والأفضل والأجمل، يحول حياتنا من الفرقة إلى الجماعة، ومن الضيق إلى السعة، ومن الانكسار إلى الانتصار، فبالشكر نحقق كل الغايات في الدنيا، ونبلغ كل الدرجات في الجنة، قال الله تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ
وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
لهذا كان رسول الله يردد صباحاً ومساءً هذا الدعاء: (اللهُمَّ مَا أَصْبَحَ ما أمسى بِي مِنْ نِعْمَةٍ أَوْ بِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ، فَمِنْكَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، فَلَكَ الْحَمْدُ وَلَكَ الشُّكْرُ) ويقول: (من قالها فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ ذَلِكَ الْيَوْمَ).
فلو كان يستعلي عن الشكر ماجد ******
لعزة نفس أو علو مكان
لما أمر الله الحكيم بشكره********
فقال اشكروا لي أيها الثقلان
3- كيف نشكر؟
ولعلنا: بعد أن علمنا أهمية الشكر وعظيم فوائده على العباد والبلاد، لعلكم تسألون كيف نصل لهذه المنزلة الرفيعة والمكانة العالية فأقول لكم بعد هذه القصة اليسيرة، سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلاً يقول :اللهم اجعلني من القليل؟؟ فقال عمر: ما هذا الدعاء؟؟!! فقال الرجل: أردت قوله تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}، فقال عمر: كل الناس أعلم منك يا عمر.
والسؤال المهم الآن أيها الأخوة : هل نحن من القليل الذاكر الشاكر أم من الكثير الغافل الناكر؟ لا شك ولا ريب أنكم من أهل الهمم العالية والعزائم القوية، تطلبون منزلة الشكر.
فإن شهد التاريخ أوساً وخزرجا ******
فأنتم أوس قادمون وخزرج
فما هو سبيل الوصول لنكون من عباد الله الشاكرين؟
أولاً : لا بد أن نعلم أن للشكر معان كثيرة منها الاعتراف بحق المنعم والثناء عليه بنعمه قليلها وكثيرها، من معاني الشكر الزيادة في العبادة، ومن معانيه أنه قيد للموجود وصيد للمفقود فبالشكر تدوم النعم وتزول النقم.
قال ابن القيم رحمه الله: "الشكر ظهور أثر نعمة
الله على لسان عبده: ثناء واعترافا، وعلى قلبه شهودا ومحبة، وعلى جوارحه انقيادا وطاعة".
ثانياً: اعلموا أن أبواب الشكر وأنواعه كثيرة ومنتشرة بعدد نعم الله التي لا تعد ولا تحصى، فلكل نفس من أنفاسنا، ولكل طرفة من أعيننا، ولكل خفقة من خفقات قلوبنا لله علينا فيها نعمة ومنة: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}.
إِذَا كَانَ شُكْرِي نِعْمَةَ اللَّهِ نِعْمَةٌ *******
عَلَيَّ وَفِي أَمْثَالِهَا يَجِبُ الشُّكْرُ
فَكَيْفَ وُقُوعُ الشُّكْرِ إِلَّا بِفَضْلِهِ********
وَإِنْ طَالَتِ الْأَيَّامُ وَاتَّصَلَ الْعُمْرُ
إِذَا مَسَّ بِالسَّرَّاءِ عَمَّ سُرُورُهَا*********
وَإِنْ مَسَّ بِالضَّرَّاءِ أَعْقَبَهَا الْأَجْرُ
وَلَا مِنْهَـــا إِلَّا لَهُ فِيـــهِ مِنَّـــة******
تَضِيقُ بِهَا الْأَوْهَامُ وَالْبَرُّ وَالْبَحْرُ
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة التاسعة عشرة بعد الثلاثمائة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي بعنوان: *الشكر يجلب النعم ويدفع النقم
4- أنواع الشكر
لهذا حسبنا من القلادة ما أحاط بالعنق، فأكتفي من أنواع الشكر بقلائده المكنونة وفرائده المصونة، وهي ثلاثة أنواع: بالقلب اعترافاً وقبولاً، وباللسان ثناءً وقولاً، وبالجوارح عملاً وفعلاً، على حد قول الشاعر:
أفَادَتْكُمُ النّعْمَاء منِّي ثَلاثةً********
يدِي، ولَسَاني، وَالضَّمير المُحَجَّبَا
لعلنا بهذه الأنواع الثلاثة نصل لمنازل الشاكرين، وننال رضا رب العالمين ونحقق أمره تعالى : {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ}.
النوع الأول: شكر الله على جلاله وجماله : فهو
المستحق للشكر بكل أنواعه وأشكاله، وإن أظهره وأوجبه الإقرار له بالوحدانية والربوبية، والاعتراف له بالحاكمية والعبودية، فإن من تمام شكر الله أن لا يعبد غير الله، ولا يشكر سواه، ولا يرضى بحكم غير حكم الله، لهذا جمع الله بينهما في قوله تعالى: {وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}، وجعل ضد الشكر وعكسه ونقيضه الكفر فقال: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ}، وهذا شكر القلب والجنان.
إليك وإلا لا تشد الركائب *********
ومنك وإلا فالمؤمل خائب
وفيك وإلا فالكلام مضيع*******
وعنك وإلا فالمحدث كاذب
النوع الثاني للشكر: شكر الله بالنطق واللسان: قال الله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}، فشكر الله على نعمه بعد الاعتراف بأنه المنعم هو الثناء على الله تعالى وحمده وشكره الدائم باللسان وهذا بابه واسع وأجره نافع فإن الله ليرضى على العبد إن أكل الأكلة فحمده وشرب الشربة فحمده، وإنه تعالى ليعطي على حمد باللسان والشكر باللسان، الأجر العظيم والثواب العميم، فكن دائماً لله حامداً دائماً لله شاكراً، وتذكر نعم الله عليه في بدنك وولدك وصحتك وعافيتك، وردد قول الله في القرآن على لسان سليمان وهو يشكر الله الملك الديان: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى? وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}. واصدح بقول القائل:
الحمدُ لله مَوْصُــــولا كمـــا وجبــا *******
فهو الذي برداء العِزّة احْتَجَبــا
والشُّكـــــرُ للهِ في بــــدْءٍ ومُخْتَتَــــم****
فالله أكرَمُ من أعْطى ومَنْ وَهَبــا
أخي أنا وأنت نتقلب بنعم لا يعلم عدها ولا حصرها إلا الله، وغيرنا يتمنى لو كان عنده من النعم معشار ما عندنا، فتعالوا نردد قول حبيبنا صلى الله عليه وسلم: (الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا)، وهلا نظرت أخي المؤمن إلى من هو أدنى منك في النعم، كما أوصاك الحبيب حتى تكون دائما لله شاكراً ولنعمه ذاكراً: (انْظُرُوا إِلَى مَنْ هو أَسفَل مِنْكُمْ وَلا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوقَكُم، فهُوَ أَجْدَرُ أَن لا تَزْدَرُوا نعمةَ اللَّه عَلَيْكُمْ)، وقال ناصحاً لأبي هريرة: (وكن قَنِعاً تكن أشكر الناس).
إذا كنـت فـي نعمـة فارعهـا ****
فـإن المعاصـي تزيـل النعـم
وداوم عليهــا بشكـر الإلــه ****
فشـكـر الإلـه يزيـل النقـم
واحذروا إخوتي من نكران النعم وكفرانها باللسان فقد جرت عادة كثير من الناس على استقلال نعم الله، وازدراء آلاء الله، فزالت عنهم وصاروا مضرب مثل في ذهاب النعم، وحلول النقم، قال الله متحدثاً عنهم: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}، فحافظوا على نعم الله بقبولها من الله، والثناء عليها قليلة كانت أو كثيرة، وليس
في نعم الله قليل.
رُبَّ قومٍ قد غَدَوْا في نَعْمةٍ ****
زَمَناً والدهرُ رَيَّانٌ غَدَقْ
سَكَتَ الدهرُ زَمَاناً عنهمُ****
ثم أبكاهُمْ دَماً حِينَ نَطَقْ!
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة العشرون بعد الثلاثمائة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي بعنوان: *الشكر يجلب النعم ويدفع النقم
النوع الثالث للشكر: الشكر بالجوارح والأركان: كما أمر الله به آل داود عليه السلام فقال: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا}، هذا معناه أن تستخدم كل نعمة في طاعة المنعم، وأن تصرف كل عطية من الله في طاعة رب البرية، فإن كنت صحيحاً قوياً فكن مجاهداً في سبيل الله تكن شاكراً لله، وإن كان لك مال وثروة فأنفق منها للفقراء والمساكين تكن شاكراً الله، وإن كان لك علم ومعرفة فعلم العلم ولا تكتمه عن أحد من خلق الله تكن شاكراً لله، وإن كنت ذا جاه ومنزلة بين الناس فاشفع بها لقضاء حوائج عباد الله تكن شاكراً لله، وهكذا في كل نعمة قلت أو كثرت اجعلها لله وفي سبيل عباد الله تكن بحق شاكراً لأنعم الله، وهذا من معاني قول الله تعالى: {هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ}.
النَّاسُ بالنَّاس ِ ما دامَ الحـياءُ بــهمْ ***
والسـعدُ لا شــكَّ تاراتٌ وهـبَّاتُ
وأفضَلُ الناس ِما بين الوَرَى رَجُلٌ***
تُقْضَى على يَدهِ للنَّاس ِحَـاجَــات
لا تَمنعَـنَّ يدَ المعــروفِ عن أَحــَد ٍ****
ما دُمـْتَ مُـقْتَدِرًا فالسَّــعْـدُ تاراتُ
واشْكُرْ فَضَائِلَ صُنعِ اللهِ إذْ جَعَلَتْ****
إليكَ، لا لكَ، عِـنْدَ النَّاسِ ِحـاجَـاتُ
قد ماتَ قـومٌ ومَا مَاتَتْ مـكـارِمُهم*****
وعَاشَ قومٌ وهُم فِي النَّاس ِأمْواتُ
5- مظاهر الشكر العملية
واعلموا إخوتي: أن لهذا النوع من الشكر مظاهر عملية وشعائر تعبدية ومشاهد أخلاقية، أذكر بعضها لعلنا نكون من الشاكرين قلباً وقولاً وعملاً:
المظهر الأول: الصلاة الصلاة فهي عنوان شكر
العبد لله وهذا ما كان يفعله رسول الله في ليله
ونهاره يشكر الله بالصلاة والاتصال بالله، وها هي قصة رائعة من سيرته العطرة تظهر شكره لله بالصلاة يقول عطاء قال: دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة رضي الله عنها، فقال عبد الله بن عمير: حدثينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكت، وقالت: قام ليلة من الليالي فقال: (يا عائشة ذريني أتعبد لربي)، قالت: قلت: والله إني لأحب قربك، وأحب ما يسرك، قالت: فقام فتطهر، ثم قام يصلي، فلم يزل يبكي حتى بل حجره، ثم بكى، فلم يزل يبكي حتى بل الأرض، وجاء بلال يؤذن بالصلاة، فلما رآه يبكي قال: يا رسول الله تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: (أفلا أكون عبدا شكوراً؟)
فمن ترك الصلاة فقد وقع من مصايد الشيطان وحبائل إبليس عندما قال: {ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}.
بُني توضأ وقم للصلاة *****
وصل لربك تكسب رضاه
إذا رضي الله عن مسلم****
ينال السعادة طوال الحياة إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الواحدة والعشرون بعد الثلاثمائة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي بعنوان: *الشكر يجلب النعم ويدفع النقم
وسجود الشكر جزء عظيم من الصلاة شكراً لله وقد سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم شكراً لله عند جلب النعم واندفاع النقم، فسجد صلى الله عليه وسلم شكراً لله عندما رأى مصرع أبي جهل اللعين، وسجد أبو بكر شكراً لله عندما علم بمقتل مسيلمة الكذاب، وسجد علي بن أبي طالب عندما شاهد مقتل ذو الثديين، وهذا وعيد الله للظالمين: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ}. ووعد الله للمؤمنين: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}.
المظهر العملي الثاني للشكر: الصيام فقد ختم الله آيات الصيام بالشكر ليعلمنا أن الصيام لله شكر له على نعمه وهذا ما فعله نبي الله موسى، وأكده رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم فقد جاء في الصحيح: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَهُ؟) فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، أَنْجَى اللهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ، وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا؛فَنَحْنُ نَصُومُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ)؛ فَصَامَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.
المظهر الثالث والأخير للشكر: إنه شكر الإنسان للإنسان على صنيعه وإحسانه، وأولى الناس به الوالدين فقد قرن الله شكرهما بشكره فقال: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}. إن نسيان فضل الوالدين عليك، ونكران إحسانهما لك، من أعظم العقوق وأقبح الذنوب، وإن شكر الناس على إحسانهم باب من أبواب شكر الله، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أشكر الناس لله عز وجل أشكرهم للناس). وكان من هديه عليه الصلاة والسلام أنه يقول: (من أسدى إليكم معروفاً فكافئوه). وهو هدي قرآني فريد قال الله حاكياً عن مكافأة المحسن بإحسانه: {إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا}. فشكر المحسن من محاسن الأخلاق والفعال، وجميل الطباع والخصال.
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه****
لا يذهب العرف بين الله والناس
إخوتي: وإنه من العيب والعار، ما وصل إليه حال بعض الناس مقابلة إحسان المحسن بالإساءة
والنكران، وخصوصاً في اقتراض المال والديون،
وهذا من أعجب العجب حتى صار شائع بين الناس، إذا أردت أن تخسر صديقك فأقرضه مالك، فتذهب الصداقة والمال معاً، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وهذا وايم الله خلافاً تاماً لهدي سيد الشاكرين محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، حين اقترض رسول الله صلى الله عليه وسلم من عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي قبل حنين رد إليه القرض بعد الغزوة، وقال له: (بارك الله لك في أهلك ومالك، إنما جزاء السلف الوفاء والحمد).
فاللهم لك الشكر العظيم لذاتك شكراً وليس لأحد
سواك، شكراً يوافي نعمك ويدفع نقمك ويكافئ
مزيدك، أخي الحبيب اجعل الشكر برنامجك القولي والفعلي بينك وبين الله بطاعته وحمده، وبينك وبين عباد الله بالإحسان إليهم والثناء على جميل فعالهم، واعلم أخي:أن الله تعالى جعل الشكر منهج عباده المستقيمين على طاعته، والمحافظين على عبادته، وجعل الشاكرين من أصحاب جنته وأهل مودته ومحبته، فقال في سورة الأحقاف: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ}. [ الأنترنت – موقع رابطة العلماء السوريين ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثانية والعشرون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: * لغة الشكر خير من لغة الشكوى
شكر الله تعالى ... هو عرفان النعمة من المنعم، وحمده عليها، واستعمالها في مرضاته.
وهو من خلال الكمال، وسمات الطِّيبَة والنبل، وموجبات ازدياد النِّعم واستدامتها.
والشكر واجب مقدس للمنعم المخلوق، فكيف بالمنعم الخالق، الذي لا تحصى نَعماؤه ولا تُعدّ آلاؤه.
والشكر بعد هذا من موجبات الزلفى والرضا من المولى عز وجل، ومضاعفة نعمه وآلائه على الشكور.
والشكر لا يجدي المولى عز وجل، لاستغنائه المطلق عن الخلق، وإنما يعود عليهم بالنفع، لإعرابه عن تقديرهم للنعم الإلهية واستعمالها في طاعته ورضاه، وفي ذلك سعادتهم وازدهار حياتهم.
عن مضارب بن حزن قال: بينا أنا أسير من الليل إذا رجل يكبر، فألحقته بعيري، فقلت: من هذا المكبر؟ قال: أبو هريرة، قلت: ما هذا التكبير؟ قال: شكرا. قلت: على مه؟ قال: على أني كنت أجيرا لبُسرة بنت غزوان بعقبة رجلي وطعام بطني، فكان القوم إذا ركبوا سقت لهم، وإذا نزلوا خدمتهم، فزوجنيها الله فهي امرأتي اليوم، فإذا ركب القوم
ركبت، وإذا نزلوا خُدمت.
ومَن قرأ كتابَ الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بروحِ الشكر العارِفةِ بالله المعترفةِ بفضلِه ورحمتِه؛ كان أسعدَ الناسِ قلباً وأقواهم يقيناً وأعظمهم ثناءً وحمداً.
يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: (الشاكرون أطيب الناس نفوساً،وأشرحهم صدوراً، وأقرهم عيوناً ، فإن قلوبهم ملآنة من حمده والاعتراف بنعمه، والاغتباط بكرمه، والابتهاج بإحسانه، وألسنتهم رطبة في كل وقت بشكره وذكره، وذلك أساس الحياة الطيبة، ونعيم الأرواح، وحصول جميع اللذائذ والأفراح، وقلوبهم في كل وقت متطلعة للمزيد، وطمعهم ورجاؤهم في كل وقت بفضل ربهم يقوى ويزيد)
قال بن عيينة: كان لابن المنكدر جار مبتلى، فكان محمد إذا رفع جاره صوته بالبلاء، رفع صوته بالحمد.
وقال غسان بن المفضل الغلابي: حدثني بعض أصحابنا قال: جاء رجل إلى يونس بن عبيد فشكا إليه ضيقا من حاله ومعاشه واغتماما بذلك، فقال: أيسرك ببصرك مائة ألف؟ قال: لا. قال: فبسمعك؟ قال: لا. قال: فبلسانك؟ قال: لا. قال: فبعقلك؟ قال: لا. في خلال، وذكره نعم الله عليه،
ثم قال يونس أرى لك مائين ألوفا وأنت تشكو الحاجة؟!
ولله دَرُّ صاحبِ الظِّلالِ حينَ قال: «مِنْ رَحمةِ الله أنْ تُحِسَّ بِرَحمةِ الله؛ فرحمةُ اللهِ تَضُمُّك وتَغْمُرُك وتَفِيضُ عَلَيْك؛ولَكِنْ شُعُورُك بِوُجودِها هو الرَّحمةُ، ورَجاؤك فيها وتَطَلُّعُك إليها هو الرَّحمةُ، وثِقَتُك بها وتَوَقُّعُها في كلِّ أمْرٍ هو الرَّحمة... ورَحمةُ اللهِ لا تَعِزُّ على طالبٍ في أيِّ مكانٍ وفي أيِّ حالٍ؛ وَجَدَها إبراهيمُ –عليه السلام- في النارِ، ووَجَدَها يوسف -عليه السلام- في الْجُبِّ كما وَجَدَها في السِّجن. ووَجَدَها يونسُ -عليه السلام- في بطنِ الْحُوتِ في ظُلُماتٍ ثلاث. وَوَجَدَها موسى -عليه السلام- في اليَمِّ وهو طِفْلٌ مُجَرَّدٌ مِنْ كلِّ قُوةٍ ومِن كلِّ حِراسةٍ، كما وَجَدَها في قَصرٍ فرعون وهو عَدُوٌّ له مُتَرَبِّصٌ به ويَبحثُ عنه. ووَجَدَها أصْحابُ الكهفِ في الكهفِ حين افْتَقَدُوها في القُصُورِ والدُّورِ، فقال بعضُهم لِبَعضٍ: {فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته}[الكهف:16] ووَجَدَها رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وصاحبُه في الغارِ والقومُ يتبعونَهما ويَقُصُّون الآثار، ووَجَدَها كلُّ مَن آوَى إليها يائساً مِن كلِّ مَنْ سِواها؛ مُنقطِعاً مِن كلِّ شُبْهَةٍ في قُوةٍ ومِن كلِّ مَظِنَّةٍ في رَحمةٍ؛ قاصِداً بابَ اللهِ وَحْدَه دُونَ الأبواب».
رأى بكر بن عبد الله المزني حمالاً عليه حمله وهو يقول: الحمد لله، استغفر الله، قال: فانتظرته حتى وضع ما على ظهره وقلت له: أما تحسن غير هذا؟ قال: بلى أحسن خيراً كثيرا،ً أقرأ كتاب الله، غير أن العبد بين نعمة وذنب، فأحمد الله على نعمه السابغة واستغفره لذنوبي. فقلت: الحمال أفقه من بكر.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الرابعة والعشرون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي بعنوان: أقوال في الشكر:
· قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: «النعمة موصولة بالشكر، والشكر يتعلق بالمزيد، وهما مقرونان في قرن، فلن ينقطع المزيد من الله، حتى ينقطع الشكر من العبد».
·قال الحسن البصري: «إذا أنعم الله على قوم سألهم الشكر، فإذا شكروه كان قادراً على أن يزيدهم، وإذا كفروه كان قادراُ على أن يبعث نعمته عليهم عذاباً».
·قال مطرف بن عبد الله: «نظرت في العافية والشكر فوجدت فيهما خير الدنيا والآخرة، ولأن أعافى فأشكر أحب إلي من أن أبتلى فأصبر».
·قال عون بن عبد الله: «قال بعض الفقهاء: إني
نظرت في أمري، لم أر خيرا ً إلا شرا معه، إلا المعافاة والشكر، فرٌب شاكر في بلائه، ورُب معافى غير شاكر، فإذا سألتم الله فاسألوهما جميعا».
·قال مخلد بن الحسين:«كان يقال:الشكرترك المعاصي
·قال ابن رجب: «كل نعمة على العبد من الله في دين أو دنيا يحتاج إلى شكر عليها، ثم التوفيق للشكر عليها نعمة أخرى تحتاج إلى شكر ثان، ثم التوفيق للشكر الثاني نعمة أخرى يحتاج إلى شكر آخر، وهكذا أبدا فلا يقدر العباد على القيام بشكر النعم، وحقيقة الشكر الاعتراف بالعجز عن الشكر».
كفران النعم: أما كفران النعم، فإنه من سمات
النفوس اللئيمة الوضيعة، ودلائل الجهل بقيمة النعم وأقدارها، وضرورة شكرها. وهذه صفة أكثر الخلق،كما قال جل جلاله في ثلاثة مواضع من كتابه: {وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ}، وفي موضعين: {وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ}.
وهذا التصوير الرباني لواقع الناس يشعر بالحسرة الشديدة على العباد المنكرين الجاحدين، وحقاً إن الإنسان لظلوم كفار،يلبس ثياب النعمة فتكسوه من شعره إلى أخمص قدميه: صحة وعافية ومالاً وولداً وأمناً،ثم لا يلوي على صاحبها ومسبغها بالشكر والعرفان.
عن سفيان: {نستدرجهم} قال: نسبغ عليهم النعم،
ونمنعهم الشكر.
والجاحِدُ.. لا يهدأ له بالٌ.. ولا يرتاحُ له قلبٌ ولا ذِهنٌ؛ لأنَّه يشعرُ بألَمِ المعصيةِ وعُقدةِ الذنبِ ووَخزِ الضميرِ؛ ولأنه كذلك يرى نفسَه أهلاً لأن يُنعِمَ الله عليه بأكثرَ من هذه النعم! فكلُّ ذلك يُنغِّصُ عليه حياتَه ويُفسِد عليه سَعادتَه، ويُشعره دائماً بقلةِ ما هو فيهِ وانعِدامِ السعادة والهناء. ولو أُعطِيَ الدنيا كلَّها لم يُرضِه ذلك؛ كما قال -صلى الله عليه وسلم-: «ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع»!.
وكذلك مَن يجحد نِعَمَ الله عليه؛ يُحْرَم نعمةَ
الطمأنينة ولذةَ الشعورِ بالسعادة الحقيقية التي لا
تكتمل إلا برضوانِ اللهِ عن العبدِ وإقبالِ العبدِ على ربِّه بالمحبة والرضا والذل والطاعة.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الخامسة والعشرون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي بعنوان: *شكر الناس:
ومن نعم الله تعالى على العبد نِعمٌ يسوقها له بواسطة عباد الله تعالى، كما أجرى إِحسانه تعالى إلينا على يد رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وكما ساق خيره لنا بواسطة والدَيْنَا ومربِّينا من المرشدين العارفين بالله تعالى.
فعلى المؤمن أن يشكر الله تعالى لأنه المنعم الحقيقي الذي سخر الناس لجلب الخير إليه، قال تعالى: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ}[النحل: 53].
وعلى المؤمن أن يشكر أيضاً من جعله الله تعالى سبباً لنعمه، لذا قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: «لا يشكر الله من لا يشكر الناس».
وقال العلامة الخطابي رحمه الله تعالى، شارحاً لهذا الحديث: (هذا الكلام يتأول على وجهين: أحدهما: أن مَنْ كان من طبعه وعادته كفران نعمة الناس، وتركُ الشكر لمعروفهم كان من عادته كفران نعمة الله وتركُ الشكر له سبحانه. الوجه الآخر: أن الله سبحانه لا يقبل شكر العبد على إحسانه إليه إذا كان العبد لا يشكر إحسان الناس، ويكفر معروفهم، لاتصال أحد الأمرين بالآخر).
فأيسر الشكرين شكر العباد، فمَنْ ضيَّع شكر العباد، كان لشكر الله عز وجل أضيع.
إن الحياة قائمة على الأخذ والعطاء، فكما نأخذ لابد وأن نعطي، وكما نعطي لابد وأن نأخذ، لنحظى بـ (الشكر) على ما أقدمنا عليه، فنحن وحين نأخذ لابد وأن (نَشكُر)، وحين نعطي فلاشك بأننا سـوف (نُشكر)، وما أجمل الشكر الذي يعرب معنى التقدير خير إعراب، ويوضح موقع ووقع الفعل الذي أقدمنا عليه، فيعزز رغبتنا بامتداد رقعة الإقدام على الفعل الذي سبق وأن فعلناه، فللشكر قيمة تسحر النفوس وتذيب كل الكتل الثلجية التي تُعسر المعاملات اليومية التي تفرزها حياتنا اليومية كل يوم، قيمة تبث في نفس مرسلها ونفس مستقبلها الفرحة التي تُلزم الابتسامة على البحث عن سكن تسكن من خلاله ذاك الوجه وكل وجه يستقبلها.
إن العلاقات التي توجد بين البشر يجب تتويجها ببعض اللمسات الرقيقة والتي من المستحيل أن تحكمها أية قواعد، فهي تنبع من داخل الإنسان، والإكثار من ممارستها يجعلها من إحدى سمات الشخصية، بل وجزءاً لا يتجزأ منها، ويصبح كل شخص مديراً للعلاقات العامة.
ولكي لتستطيع إيصال الشكر بفعالية عليك إتباع الخطوات التالية:
1- انطق كلمة «شكراَ» بصوت واضح ومسموع: هذا من شأنه أن لا يدع أي مجال للشك في عقل المستمع أنك تعني شكره حقاَ. كن سعيدا بأنك تقولها. عندما يسمعك الآخرون تعبر عن شكرك، فإن هذا يضاعف من قوة تأثير عبارة الشكر.
2- انظر إلى الشخص: فالتواصل البصري مع
الشخص الآخر يؤكد إخلاصك له، وأن تربت بيدك خفيفاَ على مرفق الشخص الآخر سوف يؤكد ذلك شكرك، ويجعل من السهل تذكره أكثر.
3- استخدم اسم الشخص عند شكره: إضافة صيغة شخصية على شكرك أشد تأثيرا من جملة «إنني أشكرك» مجردة.
4- أرسل رسالة شكر مكتوبة: تعد هذه الطريقة أفضل طريقة للشكر، عندما يسمح الموقف بذلك، ويليها في قوة التأثير تقديم الشكر وجها لوجه، ثم الشكر عن طريق الهاتف. كن صادقاَ عندما تشكر شخصاَ ما، وابحث عن فرص لشكر الآخرين ولو كان على أمور بسيطة، ولا تنس أن تكون مخلصاَ في تعبيرك عن الامتنان.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السادسة والعشرون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي بعنوان:
*الشكر يعزز الصحة
لغة الشكر تعزز الصحة وتريح الأعصاب وتزيد من مناعة الجسم... كذلك قال «روبرت إيمونسن» الباحث في علم النفس في جامعة كاليفورنيا: أن الشعور المتواصل بالامتنان والتقدير لدى الإنسان، يحقق نتائج مفيدة له من الناحية الجسدية والنفسية. وأن الأشخاص الذين يشعرون بالامتنان، عادة ما يتمتعون بصحة أفضل من غيرهم، كما تقل لديهم الأعراض المرضية، ولديهم طاقة كبيرة، ولهم علاقات اجتماعية أوسع، إضافة إلى تمتعهم بروابط زوجية أقوى، وربما بمدخول مادي أكبر، مقارنة بأشخاص من غير الشاكرين!
وأضاف الباحث - وفقاً لما نقلته صحيفة «ماكلاتشي تريبيون» الأميركية-: إن الشاكرين يخلدون إلى النوم
بسهولة،وينامون بعمق ولفترات أطول،ويستيقظون
هانئي البال.ونوه الباحث بأن زيادة مستويات الشعور بالشكر والامتنان تزيد من مستويات «إميونوجلوبولين أimmunoglobulin A » في الحنجرة والأنف، الأمر الذي يزيد من مقدرة الجسم على مقاومة العدوى الخبيثة. كما أشار إلى دور الامتنان في تقليل هرمون التوتر في الجسم.
[ الأنترنت – موقع مداد - لغة الشكر خير من لغة الشكوى - خالد سعد النجار ]
* شكر الخالق والمخلوق
قال تعالى في الآية 14 من سورة لقمان : { أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ } [لقمان: 14] .وفي الحديث : « لايشكر اللَّه من لا يشكرالناس ،وفي حديث آخر
:« من أسدى معروفا إلى انسان ، فشكر الخالق ، وقال : الشكر للَّه . وتجاهل صاحب المعروف ، فان اللَّه سبحانه لا يقبل منه الشكر ، حتى يشكر من أجرى المعروف على يده . . » ومن هنا اشتهر : من لا يشكر المخلوق لا يشكر الخالق ، ولهذه الملازمة أسرار :
1 - ان العقل والشرع يحكمان بوجوب شكر المنعم ، أي منعم كان ، ومن ترك هذا الشكر فقد عصى اللَّه سبحانه ، والعصيان كفر وجحود لأنعمه جل وعلا .
2 - ان كرامة الإنسان من كرامة اللَّه ، وفي الحديث : « ان اللَّه يقول يوم القيامة لعبد من عباده : ما منعك إذا مرضت أن تعودني ؟ . فيقول العبد :سبحانك أنت رب العباد ، لا تألم ولا تمرض . . فيقول اللَّه : مرض أخوك المؤمن ، فلم تعده ، فوعزتي وجلالي لو عدته لوجدتني عنده ، ثم لتكفلت بحوائجك ، وقضيتها لك ، وذلك من كرامة عبدي ، وأنا الرحمن الرحيم » .
3 - ان شكر المحسن من الوفاء ، والوفاء دليل الصدق والإيمان ، بل هو أصل الفضائل ، فحيث
يوجد الوفاء يوجد الصدق والإخلاص والأمانة والتضحية . .
والوفاء لا يتجزأ ، فمن يفي لمن أحسن إليه فإنه
يفي أيضا للأهل والأصدقاء والوطن ، وللإنسانية جمعاء ، ومن غدر بمن أحسن إليه ، أو تجاهله ، فإنه يتجاهل ويغدر أيضا بأهله وأصدقائه ووطنه ، ومن هنا قيل بحق : من لا وفاء عنده لا دين له .
وأروع ما يكون الوفاء في وقت المحنة وساعة العسرة ، لأن الوفاء في وقت النعمة والميسرة وفاء للمال ، لا لصاحبه ، وللدنيا ، لا لمن هي في يده .
{فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} [البقرة: 282] . السفيه المبذر الذي لا يحسن التصرف في المال ، والضعيف الصبي ، ومن لا يستطيع الإملاء المجنون ، كل هؤلاء لا يصح منهم الإملاء والإقرار ، فلا بد أن يقوم مقامهم من يتولى شؤونهم ، ويقوم بعنايتهم . .
وتجمل الإشارة إلى أن الولي على قسمين : ولي خاص ، وهو الأب والجد للأب ، وولي عام ، وهو الحاكم الشرعي الجامع بين الاجتهاد والعدالة ، ولا ولاية له إلا مع فقد الأب والجد
[الأنترنت – موقع المرجع الأكتروني - شكر الخالق والمخلوق - المؤلف : محمد جواد مغنية الكتاب أو المصدر : تفسير الكاشف ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السابعة والعشرون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي بعنوان: *وجوب شكر النعم والحذر من صرفها في غير مصارفها
فقد يبتلي الله، عباده بالفقر والحاجة كما حصل لأهل هذه البلاد في أول القرن الرابع عشر قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}[سورة البقرة الآيتان 155-156.]
كما يبتليهم بالنعم وسعة الرزق كما هو واقعنا اليوم
ليختبر إيمانهم وشكرهم قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}[سورة التغابن الآية 15.]، والعاقبة الحميدة في كل ذلك للمتقين الذين تكون أعمالهم وفق ما شرع الله كالصبر والاحتساب في حال الفقر وشكر الله على النعم وصرف المال في مصارفه في حال الغنى. ومن الاقتصاد صرف المال في مصارفه في المأكل والمشرب من غير تقتير على النفس والأهل، ولا إسراف في تضييع المال من غير حاجة وقد نهى الله عن ذلك كله قال تعالى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا
مَحْسُوراً}[ سورة الإسراء الآية 29.]
، وقال تعالى في النهي عن إضاعة المال: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً}[ سورة النساء الآية 5.]الآية. نهى الله جل وعلا في هذه الآية عن إعطاء الأموال للسفهاء لأنهم يصرفونها في غير مصارفها فدل ذلك على أن صرفها في غير مصارفها أمر منهي عنه، وقال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}[ سورة الأعراف الآية 31.] وقال سبحانه: {وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ}[ سورة إبراهيم الآية 7.] والإسراف هو: الزيادة في صرف الأموال على مقدار الحاجة، والتبذير: صرفها في غير وجهها، وقد ابتلي الناس اليوم بالمباهاة في المآكل والمشارب خاصة في الولائم وحفلات الأعراس فلا يكتفون بقدر الحاجة وكثير منهم إذا انتهى الناس من الأكل ألقوا باقي الطعام في الزبالة والطرق الممتهنة. وهذا من كفر النعمة وسبب في تحولها وزوالها، فالعاقل من يزن الأمور بميزان الحاجة وإذا فضل شيء عن الحاجة بحث عمن هو في حاجته وإذا تعذر ذلك وضعه في مكان بعيد عن الامتهان لتأكله الدواب ومن شاء الله ويسلم من الامتهان، والواجب على كل مسلم أن يحرص على تجنب ما نهى الله عنه وأن يكون حكيما في تصرفاته مبتغيا في ذلك وجه الله شاكرا لنعمه، حذرا من التهاون بها وصرفها في غير مصارفها قال تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}[ سورة سبأ الآية 13] وقال عز وجل: { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ }[ سورة الإسراء الآيتان 26-27.] وأخبر سبحانه أن الشكر يكون بالعمل لا بمجرد القول فقال سبحانه: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}[ سورة البقرة الآية 152. ] الآية. ، فالشكر لله سبحانه يكون بالقلب واللسان والعمل، فمن شكر الله قولا وعملا زاده من فضله وأحسن له العاقبة ومن كفر بنعم الله ولم يصرفها في مصارفها فهو على خطر عظيم وقد توعده الله بالعذاب الشديد
[ الأنترنت – موقع ابن باز - وجوب شكر النعم والحذر من صرفها في غير مصارفها ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثامنة والعشرون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي بعنوان:
* ابيات قيلت في الشكر
-فلو كان يستغنى عن الشكر *** لعزة ملك أوعلو مكان
-لما أمرالله العباد بشكره *** فقال اشكروا لي أيها الثقلان
كلثوم بن عمر العتتابي
-واشكر فإن الشكر من*** حق على الإنسان واجب
- لا ترج من لا يشكر *** العمى ويصبر في العوا قب
صالح عبد القدوس
- فلو كان للشكر شخص يبين *** إذا ما تأمله الناظر
- لبينته لك حتى تراه *** فتعلم أني امرؤ شاكر
- ولكنه ساكن في الضمير *** يحركه الكلم السائر
البحتري
- والناس في هذه الدنيا على رتتب **** هذا يحط وذا يعلو فيرتفع
- فأخلص الشكر فيما قد حبيت *** به واثر الصبر كل سوف ينقطع
محمد بن اسحق الواسطي
- الشكر أفضل ماحاولت ملتمسا *** به الزيادة عندالله والناس
رجل من غطفان
- ولم أر مثل جنة غارس *** ولا مثل حسن الصبر جبة
لابس البستي
- إذا الشافع استقصى لك الجهد كله ***
وإن لم تنل نجحا فقد وجب الشكر
شاعر
- فمن شكر المعروف يوما فقد أتى ****
أخا العرف من حسن المكافأة من عل
شاعر
- الشكر يفتح أبوابا مغلقة *** لله فيها على من رامه نعم
- فبادر الشكر واستغلق وثائقه ***
واستدفع الله ما تجري به النقم
الأبرش
- لاتكفرن طوال عيشك نعمة ***
لؤما تجاحدها امرأ أولاكها
ابن أذينة الليثي
- ألا فاشكر لربك كل وقت ***
على الالاء والنعم الجسيمة
- إذا كان الزمان زمان سوء ***
فيوم صالح منه غنيمة
أسعد الزوزني
- شكرت جميل صنعكم بدمعي ***
ودمع العين مقياس الشعور
- لأول مرة قد ذاق جفني ***
على ما ذاقه دمع السرور
حافظ إبراهيم
- إذا أنا لم أشكر على الخير أهله ***
ولم أذمم الجبس اللئيم المذمما
- ففيم عرفت الخير والشر باسمه ***
وشق لي الله المسامع والفما
[الأنترنت – موقع ابيات قيلت في الشكر]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة التاسعة والعشرون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي بعنوان:
*من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير
عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير ، و من لم يشكر الناس ، لم يشكر الله ، و التحدث بنعمة الله شكر ، وتركها كفر ، و الجماعة رحمة ، و الفرقة عذاب ) ، قال الألبانى فى صحيح الترغيب :حسن صحيح
شرح الحديث :
لا يشكر الله من لا يشكر الناس: قال في النهاية : معناه أن الله تعالى لا يقبل شكر العبد على إحسانه إليه إذا كان العبد لا يشكر إحسان الناس ويكفر أمرهم ; لاتصال أحد الأمرين بالآخر ، وقيل معناه : أن من كان عادته وطبعه كفران نعمة الناس وترك شكره لهم كان من عادته كفر نعمة الله عز وجل وترك الشكر له ، وقيل معناه أن من لا يشكر الناس كان كمن لا يشكر الله عز وجل وأن شكره كما تقول لا يحبني من لا يحبك أي : أن محبتك مقرونة بمحبتي فمن أحبني يحبك ، ومن لا يحبك فكأنه لم يحبني . وهذه الأقوال مبنية على رفع اسم الله عز وجل ونصبه
التحدث بنعمة الله شكر ، وتركها كفر: كفـر النعمة والحقوق، وذلك بأن لا يعترف العبد بنعمة الله تعـالى عـليه ، ومنه أن ينكر معروفًا أسداه إليه أحد المخلوقين ، ومـن أوضـح الأدلـة عـلى هـذا المثال ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس - رضي الله عنهما- في ذكـر صـلاة الكسوف، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: وأُريت النار، فلم أرَ منظرًا كاليوم قط أفظع، ورأيت أكثر أهلها النساء. قـالوا: بم يـا رسـول الله؟ قال: "بكفرهن"، قيل: يكفـرن بـالله؟ قـال: يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله، ثم رأت منك شيئًا، قالت: ما رأيت منك خيرًا قط
الجماعة رحمة ، و الفرقة عذاب: لقد أمر الله عباده المؤمنين أن يلزموا الجماعة ويلتزموا السمع والطاعة, وبين سبحانه أن النجاة تكون بالتمسك والاعتصام بحبله سبحانه الذي هو الجماعة ) هذه أحد المعاني الواردة (لحبل الله) انظر ((زاد المسير في علم التفسير)) لابن الجوزي (1/ 433). كما قال سبحانه:وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران:103]. ومتى ما عملت الأمة بأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم عاشت بخير واستطاعت أن تبلغ دينها وتعلي كلمته واستطاعت أن تقود البشرية إلى كل خير في الدنيا والآخرة.
والمتأمل للقرون الماضية في تاريخ الأمة الإسلامية
يجد هذا الأمر جلياً واضحاً أنه متى ما تمسكت الأمة بكتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم واجتمعت على الحق وائتلفت قلوبها قويت هذه الجماعة وسادت وقادت وهذا رحمة من الله بها وما إن تدب الفرقة في صفوف الأمة وتتخلى عن بعض ما أمرت به وتتهاون في تطبيق سنة نبيها صلى الله عليه وسلم تضعف وتهون وتصبح لقمة سائغة في أيدي الأعداء وما ذاك إلا لأن الجماعة رحمة من الله بالأمة أما الفرقة فهي عذاب وعقوبة من الله عز وجل يعاقب بها الأمة حينما تعصيه ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الجماعة رحمة والفرقة عذاب)) رواه عبد الله بن أحمد في ((زوائد المسند)) (4/278) (18472). من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه. قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (8/182): رواه عبد الله، وأبو عبد الرحمن راويه عن الشعبي لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات. وحسنه الألباني في ((صحيح الجامع)) (3109).
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثلاثون بعد الثلاثمائة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:
*من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير
وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((سألت ربي ثلاثا فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة, سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها, وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها, وسألته أن لا يجعل
بأسهم بينهم فمنعنيها)) ) رواه مسلم (2890).
من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
وفي الحديث عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أنه قال: ((لما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا } قال : أعوذ بوجهك. {أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ } قال أعوذ بوجهك. فلما نزلت: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ } قال: هاتان أهون أو أيسر)) رواه البخاري (7313). من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
قال علي بن خلف بن بطال رحمه الله: "أجاب الله دعاء نبيه في عدم استئصال أمته بالعذاب ولم يجبه في أن لا يلبسهم شيعا أي فرقا مختلفين وأن لا يذيق بعضهم بأس بعض أي : بالحرب والقتل بسبب ذلك وإن كان ذلك من عذاب الله لكنه أخف من الاستئصال وفيه للمؤمنين كفارة ((شرح
صحيح البخاري)) لابن بطال (10/360). .
ويقول عبدالله بن عباس رضي الله عنهما في قوله: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً} قال:الأهواء والاختلاف" وقال في قوله:{وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ} قال: يسلط بعضكم على بعض بالقتل والعذاب.
[الأنترنت - أحاديث نبوية – الفيس بوك]
*قال رسول الله (من أتى إليكم معروفاً فكافئوه)
إنه لمن القبيح أن ينتظر المحسن من الناس جزاء أو شكورا ، وأقبح منه اللئيم الكنود الذي لا يستشعر فضل المحسن إليه ولا يقابله بالحسنى ، وأشد قبحا مَن قابل الإحسان بالإساءة والإكرام بالجحود.
*شكر المحسن من محاسن الأخلاق:
وإن مكافأة المحسن خلق فطري ينشأ من خلق الوفاء ؛ إذ أن القلوب مجبولة على حب من أحسن إليها . والمؤمن المستقيم لا يكون شاكرا لله حتى يكون معترفا بالفضل لأهل الفضل ، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يشكر الله من لا يشكر الناس). ( صحيح سنن أبي داود ). وفي رواية المسند:
(إن أشكر الناس لله عز وجل أشكرهم للناس).
وبهذا نرى أن أخلاق المؤمن لا تكتمل بحسن علاقته بربه تعالى فحسب وإنما لابد أن يكون على نفس المستوى من الأخلاق في التعامل مع الناس.
وليس المؤمن بالجشع الذي لا يهزه إلا فيض الإكرام والإنعام، بل إن نفحة من الإحسان كافية لأن تثير فيه دواعي الشكر والمكافأة. وقد وضح رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المعنى بقوله : (من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير). (رواه أحمد ).
*من صور المكافأة والشكر: والشكر اللساني أقل ما يقدمه المرء مكافأة لمن أحسن إليه ووفاء لمن وقف بجانبه ؛ لكيلا يتعلم أبناء الأمة الكفران والجحود ، ولئلا يتخلقوا بنكران الجميل ونسيان المعروف ، وحتى لا تموت المروءة في الناس. ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (... ومن أتى إليكم معروفا فكافئوه ، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه). (أحمد وأبو داود وصححه الألباني).
ولكي تبقى دافعية الإحسان قائمة بين الناس فإن البشر يؤثر فيهم المكافأة على إحسانهم ، ومن صور المكافأة المقابلة بالمثل ، أو الدعاء لصاحب المعروف ، أو الثناء على فعله : (ومن لم يجد فليثن ؛ فإن من أثنى فقد شكر ومن كتم فقد كفر). ( أبو
داود والترمذي وصححه الألباني)
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الواحدة والثلاثون بعد الثلاثمائة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: *من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير
ومقابلة إحسان الناس ببرود ولا مبالاة يقتل فيهم المبادرة للإحسان ، ويضعف عندهم التفكير في الآخرين ، ويقتل المروءة والنجدة والنخوة ، ويفشي السلبية والأثرة ؛ لأن من طبيعة الإنسان أن تقوى اندفاعته بالشكر ، وإن كان الأصل فيه ألا يبتغي شكرا ولا جزاء.
وحين ظن المهاجرون أن الأنصار قد ذهبوا بالأجر كله لما جادت به نفوسهم من الإنفاق على المهاجرين بيَّن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بابا من الخير يقربهم من أجر الأنصار ، فعن أنس رضي الله عنه أن المهاجرين قالوا : (يا رسول الله ذهبت الأنصار بالأجر كله ، قال : لا، ما دعوتم الله لهم وأثنيتم عليهم ). (صحيح سنن أبي داود).
فعلمهم أن يكافئوا إحسان المحسن بالدعاء له ، أو
بالثناء عليه ، وليس أمام الفقير من وسيلة لمكافأة
المحسن غير هاتين.
وقد كان من خلق الرسول صلى الله عليه وسم أنه يقبل الهدية ويثيب عليها ، وذلك ضمن الاستطاعة، فإذا غدا التهادي نوعا من التكلف والتقاليد الاجتماعية المرهقة ، أو أصبح المهدي يمن أو يعتب على من لا يقدر على مكافأته فقد خرجت هذه الأخلاق عن حد الحسن ، ودخلت في حيز المادية وعدم الإعذار وعدم خلوص العمل بانتظار الجزاء عليه. وهذا من ومفاسد التعاملات الاجتماعية حين تفقد الروح الشرعية وإخلاص القصد.
وحين اقترض رسول الله من عبد الله بن أبي
ربيعة المخزومي قلب حنين رد إليه القرض بعد الغزوة وقال له : " بارك الله لك في أهلك ومالك ، إنما جزاء السلف الوفاء والحمد". ( رواه أحمد والنسائي وغيرهما). وكلمة شكر وعبارة حمد لا يخسر قائلها شيئا ولا تكلفه جهدا ، ولكنها تعود عليه بكسب ود المحسن ، وائتلاف قلبه ، وتحريضه على مزيد من الخير.
وإن سيدنا موسى عليه السلام حين سقى للمرأتين ثم تولى إلى الظل لم يلبث كثيرا حتى لقي جزاء إحسانه من والد المرأتين الذي أوتي الحكمة ويدرك ضرورة مكافأة المحسن ، فجاءت إحداهما تقول: (إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا) (القصص: من الآية25) ، وإن عروة بن مسعود الثقفي – قبل أن يسلم- حين أغلظ له أبو بكر رضي الله عنه بكلمة قاسية في مفاوضات صلح الحديبية لم يزد في تعليقه على كلمة أبي بكر بأكثر من قوله : " أما والله لولا يد كانت لك عندي لكافأتك بها ، ولكن هذه بها". واعتبر إساءة أبي بكر رضي الله عنه مغفورة بسابق إحسانه إليه. ولعل هذه الاعتبارات تشيع وتحيا في معاملات المسلمين اليوم.
ولقد كانت المكافأة بالسوء مستنكرة حتى مع
البهائم ؛ إذ حينما فرت امرأة مسلمة من العدو على ناقة مسلوبة كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم نذرت إن وصلت للمدينة ناجية أن تنحرها ، فلما ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (بئسما جزيتيها). ( رواه أحمد وحسنه الألباني في الصحيحة). ومنعت من نحرها لهذا المعنى ولعدم جواز نذرها بما لا تملك.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثانية والثلاثون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي بعنوان:
*بيان تمييز ما يحبه الله تعالى عن ما يكرهه
اعلم أن فعل الشكر وترك الكفر لا يتم إلا بمعرفة ما يحبه الله تعالى عما يكرهه اذ معنى الشكر استعمال نعمه تعالى في محابة ومعنى الكفر نقيض ذلك اما بترك الاستعمال او باستعمالها في مكارهه ولتمييز ما يحبه الله تعالى مما يكرهه مدركان احدهما السمع ومستنده الآيات والاخبار والثاني بصيرة القلب وهو النظر بعين الاعتبار وهذا الاخير عسير وهو لاجل ذلك عزيز فلذلك ارسل الله تعالى الرسل وسهل بهم الطريق على الخلق ومعرفة ذلك تنبني على معرفة جميع احكام الشرع في افعال العباد فمن لا يطلع على احكام الشرع في جميع افعاله لم يمكنه القيام بحق الشكر اصلا واما الثاني وهو النظر بعين الاعتبار فهو ادراك حكمة الله تعالى في كل موجود خلقه اذ ما خلق شيئا في العالم الا وفيه حكمة وتحت الحكمة مقصود وذلك المقصود هو المحبوب وتلك الحكمة منقسمة الى جلية وخفية اما الجلية فكالعلم بان الحكمة في خلق الشمس ان يحصل بها الفرق بين الليل والنهار فيكون النهار معاشا والليل لباسا فتتيسر الحركة عند الابصار والسكون عند الاستتار فهذا من جملة حكم الشمس لا كل الحكم فيها بل فيها حكم اخرى كثيرة دقيقة وكذلك معرفة الحكمة في الغيم ونزول الأمطار وذلك لانشقاق الارض بأنواع النبات مطعما للخلق ومرعي للأنعام وقد انطوى القرآن على جملة من الحكم الجليلة التي تحتملها افهام الخلق دون الدقيق الذي يقصرون عن فهمه اذ قال تعالى أنا صببنا الماء صبا ثم شققنا الارض شقا فأنبتنا فيها حبا وعنبا الآية وأما الحكمة في سائر الكواكب السيارة منها والثوابت فخفية لا يطلع عليها كافة الخلق والقدر الذي يحتمله فهم الخلق انها زينة للسماء لتستلذ العين بالنظر اليها وأشار اليه قوله تعالى إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب فجميع اجزاء العالم سماؤه وكواكبه ورياحه وبحاره وجباله ومعادنه ونباته وحيواناته وأعظاء حيواناته لا تخلو ذرة من ذراته عن حكم كثيرة من حكمة واحدة الى عشرة الى الف الى عشرة آلاف وكذا اعضاء الحيوان تنقسم الا ما يعرف حكمتها كالعلم بان العين للإبصار لا للبطش واليد للبطش لا للمشي والرجل للمشي لا للشم فاما الاعضاء الباطنة من الامعاء والمرارة والكبد والكلية وآحاد العروق والاعصاب والعضلات وما فيها من التجاويف والالتفاف والاشتباك والانحراف والدقة والغلظ وسائر الصفات فلا يعرف الحكمة فيها سائر الناس والذين يعرفونها لا يعرفون منها إلا قدرا يسيرا بالاضافة الى ما في علم الله تعالى وما أوتيتم من العلم الا قليلا فإذن كل من استعمل شيئا في جهة غير الجهة التي خلق لها ولا على الوجه الذي اريد به فقد كفر فيه نعمة الله تعالى فمن ضرب غيره بيده فقد كفر نعمة اليد اذ خلقت له اليد ليدفع بها عن نفسه ما يهلكه ويأخذ ما ينفعه لا ليهلك بها غيره ومن نظر الى وجه غير المحرم فقد كفر نعمة العين ونعمة الشمس اذ الابصار يتم بهما وانما خلقتا ليبصر بهما ما ينفعه في دينه ودنياه ويتقي بهما ما يضره فيهما فقد استعملها في غير ما اريد به وهذا لان المراد من خلق الخلق وخلق الدنيا وأسبابها ان يستعين الخلق بهما على الوصول الى الله تعالى ولا وصول اليه الا بمحبته والانس به في الدنيا والتجافي عن غرور الدنيا ولا انس إلا بدوام الذكر ولا محبة إلا بالمعرفة الحاصلة بدوام الفكر ولا يمكن الدوام على الذكر والفكر إلا بدوام البدن ولا يبقى البدن إلا بالغذاء ولا يتم الغذاء إلا بالأرض والماء والهواء ولا يتم ذلك إلا بخلق السماء والأرض وخلق سائر الأعضاء ظاهرا وباطنا فكل ذلك لأجل البدن والبدن مطية النفس والراجح إلى الله تعالى هى النفس المطمئنة بطول العبادة والمعرفة فلذلك قال تعالى {وما خلقت الجن
والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق }الآية
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثالثة والثلاثون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:
*بيان تمييز ما يحبه الله تعالى عن ما يكرهه
فكل من استعمل شيئا فى غير طاعة الله فقد كفر نعمة الله فى جميع الأسباب التى لا بد منها لإقدامه على تلك المعصية ولتذكر مثالا واحدا للحكم الخفية التى ليست فى غاية الخفاء حتى تعتبر بها وتعلم طريقة الشكر والكفران على النعم فنقول من نعم الله تعالى خلق الدراهم والدنانير وبهما قوام الدنيا وهما حجران لا منفعة فى أعيانهما ولكن يضطر الخلق إليهما من حيث إن كل إنسان محتاج إلى أعيان كثيرة فى مطعمه وملبسه وسائر حاجاته وقد يعجز عما يحتاج إليه ويملك ما يستغنى عنه كمن يملك الزعفران مثلا وهو محتاج إلى جمل يركبه ومن يملك الجمل ربما يستغنى عنه ويحتاج إلى الزعفران فلا بد بينهما من معاوضة ولا بد فى مقدار العوض من تقدير إذ لا يبذل صاحب الجمل جمله بكل مقدار من الزعفران ولا مناسبة بين الزعفران والجمل حتى يقال يعطى منه مثله فى الوزن أو الصورة وكذا من يشترى دارا ثياب أو عبدا بخف أو دقيقا بحمار فهذه الأشياء لا تتناسب فيها فلا يدرى أن الجمل كم يسوى بالزعفران فتتعذر المعاملات جدا فافتقرت هذه الأعيان المتنافرة المتباعدة إلى متوسط بينها يحكم بينهما بحكم عدل فيعرف من كل واحد رتبته ومنزلته حتى إذا تقررت المنازل وترتبت الرتب علم بعد ذلك المساوى من غير المساوى فخلق الله تعالى الدنانير والدراهم حاكمين ومتوسطين بين سائر الأموال حتى تقدر الأموال بهما فيقال هذا الجمل يسوى مائة دينار وهذا القدر من الزعفران يسوى مائة فهما من حيث إنهما مساويان بشىء واحد إذن متساويان وإنما أمكن التعديل بالنقدين إذ لا غرض فى أعيانهما ولو كان فى أعيانهما غرض ربما اقتضى خصوص ذلك الغرض فى حق صاحب الغرض ترجيحا ولم يقتض ذلك فى حق من لا غرض له فلا ينتظم الأمر فإذن خلقهما الله تعالى لتتداولهما الأيدى ويكونا حاكمين بين الأموال بالعدل ولحكمة أخرى وهى التوسل بهما إلى سائر الأشياء لأنهما عزيزان فى أنفسهما ولا غرض فى أعيانهما ونسبتهما إلى سائر الأحوال نسبة واحدة فمن ملكهما فكأنه ملك كل شىء لا كمن ملك ثوبا فإنه لم يملك إلا الثوب فلو احتاج إلى طعام ربما لم يرغب صاحب الطعام فى الثوب لأن غرضه فى دابة مثلا فاحتيج إلى شىء وهو فى صورته كأنه ليس بشىء وهو فى معناه كأنه كل الأشياء والشىء إنما تستوى نسبته إلى المختلفات إذا لم تكن له صورة خاصة يفيدها بخصوصها كالمرآة لا لون لها وتحكى كل لون فكذلك النقد لا غرض فيه وهو وسيلة إلى كل غرض وكالحرف لا معنى له نفسه وتظهر به المعانى فى غيره فهذه هى الحكمة الثانية وفيهما أيضا حكم يطول ذكرها فكل من عمل فيهما عملا لا يليق بالحكم بل يخالف الغرض المقصود بالحكم فقد كفر نعمة الله تعالى فيهما فإذن من كنزهما فقد ظلمهما وأبطل الحكمة فيهما وكان كمن حبس حاكم المسلمين فى سجن يمتنع عليه الحكم بسببه لأنه إذا كنز فقد ضيع الحكم ولا يحصل الغرض المقصود به وما خلقت الدراهم والدنانير لزيد خاصة ولا لعمرو خاصة إذ لا غرض للآحاد فى أعيانهما فإنهما حجران وإنما خلقا لتتداولها الأيدى فيكونا حاكمين بين الناس وعلامة معرفة المقادير مقومة للراتب فأخبر الله تعالى الذين يعجزون عن قراءة الأسطر الإلهية المكتوبة فى صفحات الموجودات بخط إلهى لا حرف فيه ولا صوت الذى لا يدرك بعين البصر بل بعين البصيرة أخبر هؤلاء العاجزين بكلام سمعوه من رسوله صلى الله عليه وسلم حتى وصل اليهم بواسطة الحرف والصوت المعنى الذى عجزوا عن إدراكه فقال تعالى {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها فى سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم }
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الرابعة والثلاثون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي
بعنوان:
*بيان تمييز ما يحبه الله تعالى عن ما يكرهه
وكل من اتخذ من الدراهم والدنانير آنية من ذهب أو فضة فقد كفر النعمة وكان أسوأ حالا ممن كنز لان مثال هذا مثال من استسخر حاكم البلد فى الحياكة والمكس والأعمال التى يقوم بها أخساء الناس والحبس أهوك منه وذلك أن الخزف والحديد والرصاص والنحاس تنوب مناب الذهب والفضة فى حفظ المائعات عن أن تتبدد وإنما الأوانى لحفظ المائعات ولا يكفى الخزف والحديد فى المقصود الذى أريد به النقود فمن لم ينكشف له هذا انكشف له بالترجمة الإلهية وقيل له من شرب فى آنية من ذهب أو فضة فكأنما يجرجر فى بطنه نار جهنم وكل من عامل معاملة الربا على الدراهم والدنانير فقد كفر النعمة وظلم لأنهما خلقا لغيرهما لا لنفسهما إذ لا غرض فى عينهما فإذا اتجر فى عينهما فقد اتخذهما مقصودا على خلاف وضع الحكمة إذ طلب النقد لغير ما وضع له ظلم ومن معه ثوب ولا نقد معه فقد لا يقدر على أن يشترى به طعاما ودابة إذ ربما لا يباع الطعام والدابة بالثوب فهو معذور فى بيعه بنقد آخر ليحصل النقد فيتوصل به إلى مقصوده فانهما وسيلتان إلى الغير لا غرض فى أعيانهما وموقهما فى الأموال كموقع الحرف من الكلام كما قال النحويون إن الحرف هو الذى جاء لمعنى فى غيره وكموقع المرآة من الألوان فأما من معه نقد فلو جاز له أن يبيعه بالنقد فيتخذ التعامل على النقد غاية عمله فيبقى النقد مقيدا عنده وينزل منزلا المكنوز وتقييد الحاكم والبريد الموصل إلى الغير ظلم كما أن حبسه ظلم فلا معنى لبيع النقد بالنقد إلا اتخاذ النقد مقصودا للادخار وهو ظلم فإن قلت فلم جاز بيع أحد النقدين بالآخر ولما جاز بيع الدرهم بمثله فاعلم أن أحد النقدين يخالف الآخر فى مقصود التوصل إذ قد يتيسر التوصل بأحدهما من حيث كثرته كالدراهم تتفرق فى الحاجات قليلا قليلا ففى المنع منه ما يشوش المقصود الخاص به وهو تيسر التوصل به إلى غيره وأما بيع الدرهم بدرهم يماثله فجائز من حيث إن ذلك لا يرغب فيه عاقل مهما تساويا ولا يشتغل به تاجر فإنه عبث يجرى مجرى وضع الدرهم على الأرض وأخذه بعينه ونحن لا نخاف على العقلاء أن يصرفوا أوقاتهم إلى وضع الدرهم على الأرض وأخذه بعينه فلا نمنع مما لا تتشوق النفوس إليه إلا أن يكون أحدهما أجود من الآخر وذلك أيضا لا يتصور جريانه إذ صاحب الجيد لا يرضى بمثله من الردىء فلا ينتظم العقد وإن طلب زيادة فى الردىء فذلك مما قد يقصده فلا جرم نمنعه منه ونحكم بأن جيدها ورديئها سواء لأن الجودة والرداءة ينبغى أن ينظر إليهما فيما يقصد فى عينه وما لا غرض فى عينه فلا ينبغى أن ينظر إلا مضافات دقيقة فى صفاته وإنما الذى ظلم هو الذى ضرب النقود مختلفة فى الجودة والرداءة حتى صارت مقصودة فى أعيانها وحقها أن لا تقصد وأما إذا باع درهما بدرهم مثله نسيئة فإنما لم يجز ذلك لأنه لا يقدم على هذا إلا مسامح قاصد الإحسان فى القرض وهو مكرمة مندوحة عنه لتبقى صورة المسامحة فيكون له حمد وأجر والمعاوضة لاحمد فيها ولا أجر فهو أيضا ظلم لأنه إضاعة خصوص المسامحة وإخراجها فى معرض المعارضة
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الخامسة والثلاثون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي
بعنوان:
*بيان تمييز ما يحبه الله تعالى عن ما يكرهه
وكذلك الأطعمة خلقت ليتغذى بها أو يتداوى بها فلا ينبغى أن تصرف على جهتها فإن فتح باب المعاملة فيها يوجب تقييدها فى الأيدى ويؤخر عنها الأكل الذى أريدت له فما خلق الله الطعام إلا ليؤكل والحاجة إلى الأطعمة شديدة فينبغى أن تخرج عن يد المستغنى عنها إلى المحتاج ولا يعامل على الأطعمة إلا مستغن عنها إذ من معه طعام فلم لا يأكله إن كان محتاجا ولم يجعله بضاعة تجارة وإن جعله بضاعة تجارة فليبعه ممن يطلبه بعوض غير الطعام يكون محتاجا إليه فأما من يطلبه بعين ذلك الطعام فهو أيضا مستغن عنه ولهذا ورد فى الشرع لعن المحتكر وورد فيه من التشديدات ما ذكرناه فى كتاب آداب الكسب نعم بائع البر بالتمر معذور إذ أحدهما لا يسد مسد الآخر فى الغرض وبائع صاع من البر بصاع منه غير معذور ولكنه عابث فلا يحتاج إلى منع لأن النفوس لا تسمح به إلا عند التفاوت فى الجودة ومقابلة الجيد بمثله من الردىء لا يرضى بها صاحب الجيد وأما جيد برديئين فقد يقصد ولكن لما كانت الأطعمة من الضروريات والجيد يساوى الردىء فى أصل الفائدة ويخالفه فى وجوه التنعم أسقط الشرع غرض التنعم فيما هو القوام فهذه حكمه الشرع فى تحريم الربا وقد انكشف لنا هذا بعد الإعراض عن فن الفقه فلنلحق هذا بفن الفقهيات فإنه أولى من جميع ما أوردناه فى الخلافيات وبهذا يتضح رجحان مذهب الشافعى رحمه الله فى التخصص بالأطعمة دون المكيلات إذ لو دخل الجص فيه لكانت الثياب والدواب أولى بالدخول ولولا الملح لكان مذهب مالك رحمه الله أقوم المذاهب فيه إذ خصصه بالأوقات ولكن كل معنى يرعاه الشرع فلا بد أن يضبط بحد وتحديد هذا كان ممكنا بالقوت وكان ممكنا بالمطعوم فرأي الشرع التحديد بجنس المطعوم أخرى لكل ما هو ضرورة البقاء وتحديدات الشرع قد تحيط بأطراف لا يقوى فيها أصل المعنى الباعث على الحكم ولكن التحديد يقع كذلك بالضرورة ولو لم يحد لتحير الخلق فى أتباع جوهر المعنى مع اختلافه بالأحوال والأشخاص فعين المعنى بكمال قوته يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص فيكون الحد ضروريا فلذلك قال الله تعالى {ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه } ولأن أصول هذه المعانى لا تختلف فيها الشرائع وإنما تختلف فى وجوه التحديد كما يحد شرع عيسى ابن مريم عليه السلام تحريم الخمر بالسكر وقد حده شرعنا بكونه من جنس المسكر لأن قليله يدعو إلى كثير والداخل فى الحدود داخل فى التحريم بحكم الجنس كما دخل أصل المعنى بالجملة الأصلية فهذا مثال واحد لحكمه خفية من حكم النقدين فينبغى أن يعتبر شكر النعمة وكفرانها بهذا المثال فكل ما خلق لحكمة فينبغى أن يصرف عنها ولا يعرف هذا إلا من قد عرف الحكمة ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السادسة والثلاثون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي
بعنوان:
*بيان تمييز ما يحبه الله تعالى عن ما يكرهه
ولكن لا تصادف جواهر الحكم فى قلوب هى مزابل الشهوات وملاعب الشياطين بل لا يتذكر إلا أولوا الألباب ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بنى آدم لنظروا إلى ملكوت السماء حديث لولا أن الشياطين يحومون على بنى آدم لنظروا إلى ملكوت السماء تقدم فى الصوم وإذ عرفت هذا المثال فقس عليه حركتك وسكونك ونطقك وسكوتك وكل فعل صادر منك فإنه إما شكر وإما كفر إذ لا يتصور أن ينفك عنهما وبعض ذلك نصفه فى لسان الفقه الذى تناطق به عوام الناس بالكراهة وبعضه بالخطر وكل ذلك عند أرباب القلوب موصوف بالخطر فأقول مثلا لو أستنجيت باليمنى فقد كفرت نعمه اليدين إذ خلق الله لك اليدين وجعل إحداهما أقوى من الأخرى فاستحق الأقوى بمزيد رجحانه فى الغالب التشريف والتفضيل وتفضيل الناقص عدول عن العدل والله لا يأمر بالعدل ثم أحوجك من أعطاك اليدين إلى أعمال بعضها شريف كأخذ المصحف وبعضها خسيس كإزالة النجاسة فإذا اخذت المصحف باليسار وأزلت النجاسة باليمين فقد خصصت الشريف بما هو خسيس فغضضت من حقه وظلمته وعدلت عن العدل وكذلك إذا بصقت مثلا فى جهة القبلة أو استقبلتها فى قضاء الحاجة فقد كفرت نعمة الله تعالى فى خلق الجهات وخلق سعة العالم لأنه خلق الجهات لتكون متسعك فى حركتك وقسم الجهات إلى ما لم يشرفها وإلى ما شرفها بأن وضع فيها بيتا أضافة إلى نفسه استمالة لقلبك إليه ليتقيد به قلبك فيتقيد بسببه بدنك فى تلك الجهة على هيئة الثبات والوقار إذا عبدت ربك وكذلك انقسمت أفعالك إلى ما هى شريفة كالطاعات وإلى ما هى خسيسة كقضاء الحاجة ورمى البصاق فإذا رميت بصاقك إلى الجهة القبلة فقد ظلمتها وكفرت نعمة الله تعالى عليك بوضع القبلة التى بوضعها كمال عبادتك وكذلك إذا لبست خفك فابتدأت باليسرى فقد ظلمت لأن الخف وقاية للرجل فللرجل فيه حظ والبداءة فى الحظوظ ينبغى أن تكون بالأشرف فهو العدل والوفاء بالحكمة ونقيضه ظلم وكفران لنعمة الخف والرجل وهذا عند العارفين كبيرة وإن سماه الفقيه مكروها حتى إن بعضهم كان قد جمع إكرارا من الحنطة وكان يتصدق بها فسئل عن سببه فقال لبست المداس مرة فابتدأت بالرجل اليسرى سهوا فأريد أن أكفره بالصدقة نعم الفقيه لا يقدر على تفخيم الأمر فى هذه الأمور لأنه مسكين بل بإصلاح العوام الذين تقرب درجتهم من درجة الإنعام وهم مغموسون فى ظلمات أطم وأعظم من أن تظهر أمثال هذه الظلمات بالإضافة إليها فقبيح أن يقال الذى شرب الخمر وأخذ القدح بيساره قد تعدى من وجهين أحدهما الشرب والآخر الآخذ باليسار ومن باع خمرا فى وقت النداء يوم الجمعة فقبيح أن يقال خان من وجهين أحدهما بيع الخمر والآخر البيع فى وقت النداء ومن قضى حاجته فى محراب المسجد مستدبر القبلة فقبيح أن يذكر تركه الأدب فى قضاء الحاجة من حيث إنه لم يجعل القبلة عن يمينه فالمعاصى كلها ظلمات بعضها فوق بعض في محق بعضها فى جنب البعض فالسيد قد يعاقب عبده إذا استعمل سكينه بغير إذنه ولكن لو قتل بتلك السكين أعز أولاده لم يبق لاستعمال السكين بغير إذنه حكم ونكاية فى نفسه فكل ما راعاه الأنبياء والأولياء من الآداب وتسامحنا فيه فى الفقه مع العوام فسببه هذه الضرورة وإلا فكل هذه المكاره عدول عن العدل وكفران للنعمة ونقصان عن الدرجة المبلغة للعبد إلى درجات القرب بعضها يؤثر فى العبد بنقصان القرب وانحطاط المنزلة وبعضها يخرج بالكلية عن حدود القرب إلى عالم البعد الذى
هو مستقر الشياطين
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السابعة والثلاثون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي
بعنوان:
*بيان تمييز ما يحبه الله تعالى عن ما يكرهه
وكذلك من كسر غصنا من شجرة من غير حاجة ناجزة مهمة ومن غير حاجة غرض صحيح فقد كفر نعمة الله تعالى فى خلق الأشجار وخلق اليد أما اليد فإنها لم تخلق للعبث بل للطاعة والأعمال المعينة على الطاعة وأما الشجر فإنه خلقه الله تعالى وخلق له العروق وساق إليه الماء وخلق فيه قوة الاغتذاء والنماء ليبلغ منتهى نشوه فينتفع به عباده فكسره قبل منتهى نشوة لا على وجه ينتفع به عباده مخالفة لمقصود الحكمة وعدول عن العدل فإن كان له غرض صحيح فله ذلك إذ الشجر والحيوان جعلا فداء لأغراض الإنسان فإنهما جميعا فانيان هالكان فإفناء الأخس فى بقاء الأشرف مدة ما أقرب إلى العدل من تضييعهما جميعا وإليه الإشارة بقوله تعالى وسخر لكم ما فى السموات وما فى الأرض جميعا منه نعم إذا كسر ذلك من ملك غيره فهو ظالم أيضا وإن كان محتاجا لأن كل شجرة بعينها لاتفى بحاجات عباد الله كلهم بل تفى بحاجة واحدة ولو خصص واحد بها من غير رجحان واختصاص كان ظلما فصاحب الاختصاص هو الذى حصل البذر ووضعه فى الأرض وساق إليه الماء وقام بالتعهد فهو أولى به من غيره فيرجع جانبه بذلك فإن نبت ذلك فى موات الأرض لا بسعى آدمى اختص بمغرسة أو بغرسه فلا بد من طلب اختصاص آخر وهو السبق إلى أخذه فللسابق خاصية السبق فالعدل هو أن يكون أولى به وعبر الفقهاء عن هذا الترجيح بالملك وهو مجاز محض إذ لا ملك إلا لملك الملوك الذى له ما فى السموات والأرض وكيف يكون العبد مالكا وهو فى نفسه ليس يملك نفسه بل هو ملك غيره ؛ نعم الخلق عباد الله والأرض مائدة الله وقد أذن لهم فى الأكل من مائدته بقدر حاجتهم كالملك ينصب مائدة لعبيده فمن أخذ لقمة بيمينه واحتوت عليها براجمه فجاء عبد آخر وأراد انتزاعها من يده لم يمكن منه لا لأن اللقمة صارت ملكا له بالأخذ باليد فإن اليد وصاحب اليد أيضا مملوك ولكن إذا كانت كل لقمة بعينها لا تفى بحاجة كل العبيد فالعدل فى التخصيص عند حصول ضرب من الترجيح والاختصاص والأخذ اختصاص ينفرد به العبد فمنع من لا يدلى بذلك الاختصاص عن مزاحمته فهكذا ينبغى أن تفهم أمر الله فى فى عباده ولذلك نقول من أخذ من أموال الدنيا أكثر من حاجته وكنزه وأمسكه وفى عباد الله من يحتاج إليه فهو ظالم وهو من الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها فى سبيل الله وإنما سبيل الله طاعته وزاد الخلق فى طاعته أموال الدنيا إذ بها تندفع ضروراتهم وترتفع حاجاتهم نعم لا يدخل هذا فى حد فتاوى الفقة لأن مقادير الحاجات خفية والنفوس فى استشعار الفقر فى الاستقبال مختلفة وأواخر الأعمار غير معلومة فتكليف العوام ذلك يجرى مجرى تكليف الصبيان الوقار والتؤدة والسكوت عن كلام غير مهم وهو بحكم نقصانهم لا يطيقونه فتركنا الاعتراض عليهم فى اللعب واللهو وإباحتنا ذلك إياهم لا يدل على أن اللهو واللعب حق فكذلك إباحتنا للعوام حفظ الأموال والاقتصار فى الإنفاق على قدر الزكاة لضرورة ما جبلوا عليه من البخل لا يدل على أنه غاية الحق وقد أشار القرآن إليه إذ قال تعالى { إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا } بل الحق الذى لا كدورة فيه والعدل الذى لا ظلم فيه أن لا يأخذ أحد من عباد الله من مال الله إلا بقدر زاد الراكب فكل عباد الله ركاب لمطايا الأبدان إلى حضرة الملك الديان فمن أخذ زيادة عليه ثم منعه عن راكب آخر محتاج إليه فهو ظالم تارك للعدو وخارج عن مقصود الحكمة وكافر نعمة الله تعالى عليه بالقرآن والرسول والعقل وسائر الأسباب التى بها عرف ان ما سوى زاد الراكب وبال عليه فى الدنيا والآخرة فمن فهم حكمة الله تعالى فى جميع أنواع الموجودات قدر على القيام بوظيفة الشكر واستقصاء ذلك يحتاج إلى مجلدات ثم لا تفى إلا بالقليل وإنما أوردنا هذا القدر ليعلم علة الصدق فى قوله تعالى {وقليل من عبادى الشكور }وفرح إبليس لعنه الله بقوله {ولا تجد أكثرهم شاكرين }فلا يعرف معنى هذه الآية من لم يعرف معنى هذا كله وأمورا أخر وراء ذلك تنقضى الأعمار دون استقصاء مباديها
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثامنة والثلاثون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي
بعنوان:
*بيان تمييز ما يحبه الله تعالى عن ما يكرهه
فأما تفسير الآية ومعنى لفظها فيعرفه كل من يعرف اللغة وبهذا يتبين لك الفرق بين المعنى والتفسير فإن قلت فقد رجع حاصل هذا الكلام إلى أن الله تعالى حكمه فى كل شىء وأنه جعل بعض أفعال العباد سببا لتمام الحكمة وبلوغها غاية المراد منها وجعل بعض أفعالها مانعا من تمام الحكمة فكل فعل وافق مقتضى الحكمة حتى انساقت الحكمة إلى غايتها فهو شكر وكل ما خالف ومنع الأسباب من أن تنساق إلى الغاية المرادة بها فهو كفران وهذا كله مفهوم ولكن الإشكال باق وهو أن فعل العبد المنقسم إلى ما يتمم الحكمة وإلى ما يرفعها هو أيضا من فعل الله تعالى فاين العبد فى البين حتى يكون شاكرا مرة وكافرا أخرى فاعلم أن تمام التحقيق فى هذا يستمد من تيار بحر عظيم من علوم المكاشفات وقد رمزنا فيما سبق إلى تلويحات بمباديها ونحن الآن نعبر بعبارة وجيزة عن آخرها وغايتها يفهمها من عرف منطق الطير ويجحدها من عجز عن الإيضاع فى السير فضلا عن أن يجول فى جو الملكوت جولان الطير فنقول أن الله عز وجل فى جلاله وكبريائه صفة عنها يصدر الخلق والاختراع وتلك الصفة أعلى وأجل من أن تلمحها عين واضع اللغة حتى يعبر عنها بعبارة تدل على كنه جلالها وخصوص حقيقتها فلم يكن لها فى العالم عبارة لعلو شأنها وانحطاط رتبة واضعى اللغات عن أن يمتد طرف فهمهم إلى مبادى إشراقها فانخفضت عن ذروتها أبصارهم كما تنخفض أبصار الخفافيش عن نور الشمس لا لغموض فى نور الشمس ولكن لضعف فى أبصار الخفافيش فاضطر الذين فتحت أبصارهم لملاحظة جلالها إلى أن يستعيروا من حضيض عالم المتناطقين باللغات عبارة تفهم من مبادى حقائقها شيئا ضعيفا جدا فاستعاروا لها اسم القدرة فتجاسرنا بسبب استعارتهم على النطق فقلنا لله تعالى صفة هى القدرة عنها يصدر الخلق والاختراع ثم الخلق ينقسم فى الوجود إلى أقسام وخصوص صفات ومصدر انقسام هذه الأقسام واختصاصها بخصوص صفاتها صفة اخرى استعير لها بمثل الضرورة التى سبقت عبارة المشيئة فهى توهم منها أمرا محملا عند المتناطقين باللغات التى هى حروف وأصوات المتفاهمين بها وقصور لفظ المشيئة عن الدلالة على كنه تلك الصفة وحقيقتها كقصور لفظ القدر ثم انقسمت الأفعال الصادرة من القدرة إلى ما ينساق إلى المنتهى الذى هو غاية حكمتها وإلى ما يقف دون الغاية وكان لكل واحد نسبة إلى صفة المشيئة لرجوعها إلى الاختصاصات التى بها تتم القسمة والاختلافات فاستعير لنسبة البالغ غايته عبارة المحبة واستعير لنسبة الواقف دون غايته عبارة الكراهة وقيل إنهما جميعا داخلان فى وصف المشيئة ولكن لكل واحد خاصية أخرى فى النسبة يوهم لفظ المحبة والكراهة منهما أمرا مجملا عند طالبى الفهم من الألفاظ واللغات
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة التاسعة والثلاثون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي
بعنوان:
*بيان تمييز ما يحبه الله تعالى عن ما يكرهه
ثم انقسم عباده الذين هم أيضا من خلقه واختراعه إلى من سبقت له المشيئة الأزلية أن يستعمله لاستيقاف حكمته دون غايتها ويكون ذلك قهرا فى حقهم بتسليط الدواعى والبواعث عليهم وإلى من سبقت لهم فى الأزل أن يستعملهم لسياقة حكمته إلى غايتها فى بعض الأمور فكان لكل واحد من الفريقين نسبة إلى المشيئة خاصة فاستعير لنسبة المستعملين فى إتمام الحكمة بهم عبارة الرضا واستعير للذين استوقف بهم أسباب الحكمة دون غايتها عبارة الغضب فظهر على من غضب عليه فى الأزل فعل وقفت الحكمة به دون غايتها فاستعير له الكفران وأردف ذلك بنقمة اللعن والمذمة زيادة فى النكال وظهر على من ارتضاه فى الأزل فعل انساقت بسببه الحكمة إلى غايتها فاستعير له عبارة الشكر وأردف بخلعة الثناء والإطراء زيادة فى الرضا والقبول والإقبال فكان الحاصل أنه تعالى أعطى الجمال ثم أثنى وأعطى النكال ثم قبح وأردى وكان مثاله أن ينظف الملك عبده الوسخ عن أوساخه ثم يلبسه من محاسن ثيابه فإذا تمم زينته قال يا جميل ما أجملك وأجمل ثيابك وأنظف وجهك فيكون بالحقيقة هو المجمل وهو المثنى على الجمال فهو المثنى عليه بكل حال وكأنه لم يثنى من حيث المعنى إلا على نفسه وإنما العبد هدف الثناء من حيث الظاهر والصورة فهكذا كانت الأمور فى الأزال وهكذا تتسلسل الأسباب والمسببات بتقدير رب الأرباب ومسبب الأسباب ولم يكن ذلك على اتفاق وبحث بل عن إرادة وحكمة وحكم حق وأمر جزم استعير له لفظ القضاء وقيل إنه كلمح بالبصر أو هو أقرب لفاضت بحار المقادير بحكم ذلك القضاء الجزم بما سبق به التقدير فاستعير لترتب آحاد المقدورات بعضها على بعض لفظ القدر فكان لفظ القضاء بإزاء الآمر الواحد الكلى ولفظ القدر بإزاء التفصيل المتمادى إلى غير نهاية وقيل إن شيئا من ذلك ليس خارجا عن القضاء والقدر فخطر لبعض العباد أن القسمة لماذا اقتضت هذا التفصيل وكيف انتظم العدل مع هذا التفاوت والتفضيل وكان بعضهم لقصوره لا يطيق ملاحظة كنه هذا الأمر والاحتواء على مجامعه فألجموا عما لم يطيقوا خوض غمرته بلجام المنع وقيل لهم اسكنوا فما لهذا خلقتم لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون وامتلأت مشكاة بعضهم نورا مقتبسا من نور الله تعالى فى السموات والأرض وكان زيتهم أولا صافيا يكاد يضىء ولو لم تمسسه نار فمسته نار فاشتعل نورا على نور فأشرقت أقطار الملكوت بين أيديهم بنور ربها فأدركوا الأمور كلها كما هى عليه فقيل لهم تأدبوا بآداب الله تعالى واسكنوا وإذا ذكر القدر فأمسكوا حديث إذا ذكر القدر فأمسكوا رواه الطبرانى من حديث ابن مسعود وقد تقدم فى العلم ولم يصرح المصنف بكونه حديثا فإن للحيطان آذانا وحواليكم ضعفاء الإبصار فسيروا بسير أضعفكم ولا تكشفوا حجاب الشمس لأبصار الخفافيش فيكون ذلك سبب هلاكهم فتخلقوا بأخلاق الله تعالى وانزلوا إلى سماء الدنيا من منتهى علوكم ليأنس بكم الضعفاء ويقتبسوا من بقايا أنواركم المشرقة من وراء حجابكم كما يقتبس الخفافيش من بقايا نور الشمس والكواكب فى جنح الليل فيحيا به حياة يحتملها شخصه وحاله وإن كان لا يحيا به حياة المترددين فى كمال نور الشمس
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الأربعون بعد الثلاثمائة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:
* حياة السائرين إلى الله.. بين الشكر والصبر
*الايمان والصبر
لعل ما يضفي على حياة السائرين إلى الله جمالاً يسمو بمعانيها، وجلالاً يرتقي بدلالاتها، وثقة ربما وضعتها على ضفاف الكمال، أن العبد السائر إلى الله يراوح بين مقامين جليلين عظيمين، كل مقام منهما يمثل عبادة عظيمة، ودرجة رفيعة، لا يفتأ العبد السائر يحط رحاله مرة هنا، ومرة هناك، وهما مقامان يحتلان مرتبة في السمو واحدة، فهو لا ينزل من مرتبة إلى مرتبة، بل ينتقل من مرتبة إلى مرتبة، إنهما مقاما عبادة الصبر وعبادة الشكر.
عبادة الصبر تصقل النفس وتروضها، وعبادة الشكر
تهذب الروح وتسجدها في محراب الإيمان الخالص..
كم تبدو حياة السائرين يباباً لا زرع فيها، وجدباً لا ماء فيها، وظلمة لا نور يشع في نواحيها.
حين يتضاءل مقام من هذين المقامين العظيمين في حياة السائرين إلى الله، نعم، حين لا يأخذ كلا المقامين نصيبهما، ويحتلان المساحة اللازمة لهما، في حياة السائرين، فإن موازين السير تختل، كما أن الإيمان سيعتوره نقص واهتزاز.
غياب الصبر يعني الضجر وربما الخروج عن مقتضيات أدب السائرين، في حظرة رب العالمين، كما أن غياب الشكر يضعك على حافة فقدان
النعم، لأنها تدوم بالشكر، وتزول بزواله.
بين الصبر الذي يشكل قاعدة صلبة من قواعد النجاة، وبين الشكر الذي يشكل ذروة في عبودية خالصة- لا ترى نفسك في نعمة أنعم بها المولى- سبحانه وتعالى- عليك، فترى الشاكر ساجد اللسان والجبين في محراب العبودية، بين الصبر والشكر تستشعر لذة المسير إليه، وحلاوة الطاعة بين يديه، وتأنس في القرب منه، وتشتاق لمناجاتهومجالسته.
نعم إنهما مقامان يجعلان من حياتك حياة، ومن مسيرك جنة، ألم تقف على خبر الأول الذي أخبرنا عن حاله في مسيره، حين جلس مع أصحابه على ضفاف نهر دجلة، وقد اغترفوا منه بعض مائه، وغمسوا فيها كسيرات من خبز بين أيديهم أكلوها.. فقال بعدها: لو يعلم الملوك ما نحن فيه من سعادة لجالدونا عليها بالسيوف.
سعادة تملأ النفس، وطمأنينة تملأ القلب، وهناءة تملأ العين. لا تُشترى بأموال أو بملك، ولا بجاه أو سلطان.. لا سبيل إلى سعادة النفس وطمأنينة القلب إلا بالتقلب بين هذين المقامين الجليلين، مقام الصبر وهو شطر الإيمان، ومقام الشكر.
ما أريد تأكيده أن الحالة التي يعيشها كثير من الناس في أيامنا هذه، من شدة وضيق وضنك، إنما هي ثمار مرة لخلو مقام الصبر ومقام الشكر من الماكثين بهما، أو حتى الزائرين لهما، فلن تستقيم لنا حياة، حتى تعود الحياة لهذين المقامين العظيمين. فعن أي صلاة مقبولة نتحدث وقد غاب عن الصبر بكل معانيه ودلالته، والشكر بكل أحواله، وكذا الأمر مع الصيام والحج والزكاة وغيرها من الأركان والطاعات والعبادات.
صيامنا بدون الصبر مصيبة عظيمة، تتحول من مدرسة للطاعة والعبادة وسمو الإيمان، إلى حلبة صراع وحدة وغضب، فيا للهول إن كان الطعام ينقصه ملح، أو أن أحدهم أزعج قيلولته.
باختصار غير مخل لا معنى لكل عباداتك إن أديتها وأنت خارج مقام الصبر، ولا معنى لمسيرك كله إن سرته غير متفيئ ظلال مقام الشكر.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الواحدة والأربعون بعد الثلاثمائة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:
* حياة السائرين إلى الله.. بين الشكر والصبر
*الايمان والصبر
إن الصبر من جهة، والشكر من جهة أخرى، يشكلان حصانة حقيقية لحفظ مسير السائرين، وصيانة إيمانهم، لأن العبد السائر لا يخلو في حياته وفي كل أحواله من أحد أمرين، إما نعمة
تستوجب شكراً، أو ابتلاء يستوجب صبراً.
لن تكون خارج هذين الإطارين أبداً. وهذه هي طبيعة الحياة التي أخرجنا إليها، لا بل هبطنا إليها، فإما أن تحمل لك نعمة تسرك، في ظاهرها، أو تسوق لك مصيبة تضرك، في ظاهرها. وقصدت في ظاهرها مع النعمة والمصيبة، أن أصل الشقاء والسعادة في هذه الحياة ليس مبعثه النعم التي نراها، ولا المصائب التي تمر بها، بل الأمر فيها أنهما سر من أسرار الخلق والروح التي جهلنا أمرها. فأثبتت الحياة التي نعرف أنه ليس كل صاحب نعمة سعيداً، وليس كل صاحب مصيبة شقياً.. بل الأمر جاء على غير ما تحمله لنا أوهامنا وأنفسنا الضعيفة، فنظن خطأ أن صاحب النعمة سعيد، فإذا ما اطلع على بعض أسراره، حمدنا الله على أحوالنا. ولما كان الشكر مقاماً يتجاوز حد اللسان في أقواله وترديداته الظاهرية، التي اعتاد الناس على تكرارها، إلى ما هو أكبر من ذلك كله وأعظم، ليشمل كل شيء في حياتك، كانت الحقيقة المرعبة التي أخبرنا عنها المولى- سبحانه وتعالى- {وقليل من عبادي الشكور}
وحتى تكون من هذا القليل عليك أن تنتبه جيداً، بل ربما عليك أن تمسك لسانك أحياناً إلى حين، كرياضة تحد فيها من سيطرته، وتفسح المجال لغيره، فتطلق العنان لقلبك، وليديك ولرجليك ولعينيك وأنفك وكل أعضائك كي تسجد شكراً لله سبحانه وتعالى. ذكراً ووصلاً وعطاءً وإحساناً وأمراً ونهياً وصفحاً وحلماً. فترى في طي النعمة المنعم نفسه- جل جلاله- فتأخذك النعمة من ظلالها الزائلة إلى ظلاله الخالدة. يا الله.. كم تبدو النعمة عظيمة وهي تدلك على عظمة المنعم. فإذا كانت الهدية ليست بقيمتها إنما بمنزلة مهديها، فكيف نرى النعم التي أنعم بها
المولى علينا، ونحن لا نحصى لها عداً؟!
وحين ينزل بك البلاء، فتراه رسالة تحذيرية من رب يحبك،حتى يصحح خللاً في مسيرك، أو يقوم اعوجاجاً ألم فيك، أو حين تراه اختباراً في دار هي دار امتحان واختبار، يسوقك هذا الفهم الجميل الرائع للضراء التي أصابتك، لأن تنظر في أمرك، وتسجد في محرابك، وتسأله العفو والصفح.
وهكذا نجد أن الخير كله مكنون في طيات ما يمر بنا من أحوال السراء التي تقتضي شكراً، أو الضراء التي تستوجب صبراً، وحين تعلم أن لا نعمة بلا شكر، وأن لا مصيبة مع الصبر. ستنطلق في
مسيرك إليه سبحانه صابراً شاكراً.
[الأنترنت – موقع بصائر - حياة السائرين إلى الله.. بين الشكر والصبر - د. عبد الله فرج الله]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثانية والأربعون بعد الثلاثمائة في موضوع الشكور وهي بعنوان:
*فــوائــد الشكــر لله تعالى :
وهي كثيرة إلا أننا نوجز بعضها بشكل مختصر مع
الأدلة الشرعية وهي:
1-أنه صفة من صفات المولى جل وعلا التي يحبها
ويرضاها ويثب عليها لعباده قال تعالى:
"إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ ...سورة الشورى الأية 23.
2-أنه سبب للنجاة من عذاب الله جل وعلا قال تعالى: :"مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِراً عَلِيماً "سورةالنساء:الأية147.
3-أنه سبب لنيل الجزاء العظيم من الله تعالى فقال:"وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ"سورة آل عمران:145.
4-أنه إستجابة لله تعالى وإمتثال لأمره فهو الذي
أمر عباده بالشكر.قال تعالى: "فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ " سورة البقرة الآية:152
5-أنه سبب لحفظ النعم وزيادتها، وعظيم بركتها، وجميل نفعها قال تعالى:{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}سورة إبراهيم الأية7.
6-أنه سمة من سمات أولي الألباب قال تعالى: "إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ"سورة إبراهيم:5.
7-أن الشاكر إنما يشكر لنفسه، ويرفع من درجاته: قال تعالى:"وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ
فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ "سورة النمل:40.
8-أن شكر الناس يعتبر شكرًا لله تعالى: قال صلى الله عليه وآله وسلم : "لا يشكر الله من لا يشكر الناس ".
9-إنه إتباع لسبيل المرسلين، والسير في ركاب الشاكرين من الأنبياء والصالحين.
جاء بالحديث:«قَامَ النّبِــيّ صلى الله عليه وسلم حَتّى تَوَرّمَتْ قَدَمَاهُ فَقِيلَ لَهُ قَدْ غَفَرَ اللّهُ لَكَ مَا تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخّرَ قَالَ:«أَفَلاَ أَكُونُ عَبْداً شَكُوراً».
10-أنه أمر يرضاه الله ويرضى عن أهله: "وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ "الزمر:7.
11-أنه تحدٍّ للشيطان، وإخزاءٌ له، ودحرٌ لمكره وكيده،فهو حريص على صرف الناس عن الشكر قال تعالى: "قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ الأعراف:16ـ17.
12-أنه النصف الآخر من الإيمان، فمن كمال الإيمان الشكر للديان، فإن الإيمان نصفان:
نصف صبر، ونصف شكر.
13-أنه دليل على كمال العقل، ونقاء الفكر، وصفاء النفس؛ لأن من عرف قدر المنعم جل وعلا،
وتأمل بديع كرمه، وعظيم عطائه، فالأجدر به أن يترنم بشكره، ويشدوا بذكره.
[المراجع : من تفسير القرطبي ومختصر الصابوني و من الدرر المباحة، للنحلاوي]
[الأنترنت – موقع منتديات دنقلا - فــوائــد الشكــر لله تعالى ... جمال دنقلى ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثالثة والأربعون بعد الثلاثمائة في موضوع الشكور وهي بعنوان:
*الاعتراف بالفضل بين العرفان والنكران
الاعتراف بالفضل خلق رفيع تعرفه النفوس الكريمة، وتنكره الطبائع المتمردة اللئيمة، فهو لون بهي من ألوان الحياة الهانئة المستقرة، من دونه ستظل أيامنا وليالينا كلها سوداء قاتمة مكفهرة، فلا مكان فيه للأخضر والأزرق والأحمر، فالكل فيها شيء واحد، لونه واحد، وشكله واحد، وطعمه واحد، يتساوى فيه الأبيض بالأسود، والشجاع بالجبان، والجواد بالبخيل، وبناء عليه فلا قيمة إذن للجمال، ولا معنى حينئذ للجلال، ولا فائدة في معرفة معادن الرجال! وهنا يحق لنا أن نتساءل: ما هو الاعتراف بالفضل وما هي منزلته؟! وكيف نرسخه في سلوكياتنا اليومية؟
إن الاعتراف بالفضل هو الإقرار بفضل من يصدر منه الفضل دون جحود أو نسيان، جحود يغمط الحق، أو نسيان يستر الإحسان، ويكون الاعتراف بالفضل قلبًا وقالبًا، فهو أشبه بوردة سقيت بماء العيون، وتفنن خادمها في العناية بها، ثم أهداها لحبيب له، فازدانت الوردة وتعطرت وتجملت أملًا في شكر جميل صاحب الصنائع!
يا خلان: كونوا ورودًا ورياحيًنا لمن ملأ قلوبكم وعقولكم، ووقف معكم وأخذ بأيدكم زمن الأزمات والملمات التي كادت تعصف بكم وتقصم ظهوركم!
كيف ننسى فضل من أحسن إلينا يومًا، ولله در القائل:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم ******** فلطالما استعبد القلب إحسان
الاعتراف يكون ثناء عاطرًا باللسان، وعرفانًا للجهود المبذولة بالجنان، وحفظًا للجميل بالأركان على مدى الدهور والأزمان.
*الاعتراف لصاحب الفضل في الأولى والآخرة
الاعتراف بالفضل هو معرفة صاحب الفضل في الأولى والآخرة، وهو المولى-تبارك وتعالى-فهو الممتن على الجميع، مسلمهم وكافرهم بما أسدى من نعم، وأولى من كرم، فنعمه لا تعد ولا تحصى، و كرمه لا يجحد ولا ينسى، قال سبحانه وتعالى: (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)
والله-سبحانه وتعالى-يدخل عباده الصالحين دار
المقامة، ويسبغ عليهم من الخلد والكرامة، وهذا تفضل منه وكرم، فهو ذو الآلاء والنعم!
والدليل ما قاله صاحب الفضل الجزيل: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ
لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا ۖ وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ۖ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35))
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الرابعة والأربعون بعد الثلاثمائة في موضوع الشكور وهي بعنوان:
*الاعتراف بالفضل هو سمة رجال الآخرة ممن يرجون اليوم الموعود، فهم-حقيقة-أهل المروءة والجود، بخلاف ما يقوم به أضدادهم من الأعراض والصدود، وهم دعاة النكران و الجحود، من انكار للنعمة، وتناسٍ للفضل، ألم يقل الله تعالى عنهم: (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا) ولا أبشع من أن يتنكر الإنسان لعطاء خالق الأكوان!
*الاعتراف بفضل الآخر
بهذه السجية الكريمة عُرف الفضل بالمكانة الشامخة ونفاسة القيمة، وفًهمت العلائق التي تجمع المتفضل
والمتفضل عليه بالنوايا السليمة. مجتمع يترابط أفراده بالتعارف والتآخي والتعاون، والتناصر في غير تباهي ولا تهاون، مجتمع يعترف كل فرد فيه بقيمة الآخر، وينزله منزلته، فهو مجتمع مؤمن، تعيش بين أحضانه العفة وتتربى فيه الفضيلة، وتهرب منه الفحشاء وتموت عنده الرذيلة.
فكيف لو اعترف بعضنا بفضل البعض الآخر، ماذا يحدث؟! إنه سؤال وجيه، ولا يطرحه إلا لبيب نبيه! فبالاعتراف بالفضل نقوم ونرتقي، ومن دونه نقعد وننحني. بالاعتراف بالفضل يزيد العطاء ويكثر البذل، وبالنكران تنكمش الأيادي ويسود الجفاء والعذل.
بالاعتراف بالفضل يسمو الإنسان إلى درجات الإحسان، وكتوضيح مهم، لأجل الفهم الملم، فإن الاعتراف بالفضل يبدأ من شهود النعمة وذكرها، ورؤية التقصير في حق شكرها،فيستحي الانسان من نفسه ويخجل، فيعترف-أولًا-بنعم الله-عز وجل-التي لا حد لها ولا مد، قال عز من قائل: (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) ثم يتجه العبد بعدها إلى شكر ربه-سبحانه وتعالى-بقلبه ولسانه وجوارحه، ولا ريب فالرب هو المنعم الأول، ثم يشكر بعد ذلك من يستحق الشكر من البشر، إذ المؤمن الحقيقي لا تبطره النعمة ولا تطغيه، بل هو عبد شكر من الطراز الأول، ويهش ويبش لمن أسدوا له معروفا، ويحمد صنيعهم ما عاش في الدنيا ولهذا قال الله تبارك وتعالى: ( ولا تنسوا الفضل بينكم )،وقال النبي صلى الله عليه وسلم-: من لايشكرالناس لا يشكرالله بالاعتراف بالفضل يتشجع كل ذي فضل، فيستمر عطاؤه، ويزداد نماؤه، وتتواصل بذلك حركة المتطوعين والمبدعين والمنتجين في حياتنا، فالشكر لهم أعظم محرك ودافع، وغمطهم حقهم قد يكون أكبر مثبط و مانع! وفي الآونة الأخيرة ظهر على الساحة أقوام سذج في فكرهم و سوقة في تعاملهم ورعاع في منهجهم، قد تنكروا لأولي الفضل الكرام، وجحدوا مكانة السابقين الأعلام، فناصبوا هؤلاء النخبة-جهلا وحقدا-العداء، ورموهم بمنجنيق الغدر، فضاع بذلك عقد الوفاء، فلا حول ولا قوة إلا بالله، وإلى الله المشتكى!
إخواني الكرام، فلنتأمل هذا الإرشاد النبوي إذ فيه مكافئة لأصحاب الصنائع على ما تقدم من إحسانهم، فلقد روى النسائي وأبو داوود عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم -: ‹من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سأل بالله أعطوه، ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه به، فادعوا له حتى تروا أنكم كافأتموه ›
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الرابعة والأربعون بعد الثلاثمائة في موضوع الشكور وهي بعنوان:
*وللاعتراف بالفضل أقسام:
منها ما كان من العبد لربه، وهذا أعظم الاعتراف بالفضل، قال الله تعالى: (ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين وهديناه النجدين)
إلهي أنت للإحسان أهـــل
فمنك الجود والفضل الجزيــل
إلهي بات قلبي في هموم
وحالي لا يسر به خليــــل
إلهي جد وتب وارحم عبيدا
من الأوزار مدمعه يسيــل
إلهي خانني جلدي وصبري
وحان الموت واقترب الرحيل
وعلى العبد أن يملأ قلبه بشعور الشكر والامتنان، ويكثر من الاعتراف بالفضل لصاحب الإحسان،
وذلك بالقلب والجوارح واللسان، لما رواه مسلم عن عبد الله بن الزبير – رضي الله عنه- أنه كان يقول في دبر كل صلاة حين يسلم: ‹لا إله إلا الله له الملك والحمد وهو على كل شيء قدير، لاحول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون› و قال: ‹ كان يهلل بها رسول الله دبر كل صلاة ›
ومنها ما كان من العبد للعبد، وهو على درجات بحسب درجة المتفضل عليك، وقربه منك، من ذلك فضل الوالدين على الولد عموما، وفضل الأم الرؤوم، والقلب الحنون بصفة خاصة، ولله در القائل:
لأمك حق لو علمت كثــــيــــــر كثيرك يا هذا لديه يسيــــــر
فكم ليلة باتت بثقلك تشتكــــــي
لها من جواها أنة وزفيـــــــر
وفي الوضع لو تدري عليها مشقة
فمن غصص منها الفؤاد يطير
وكم غسلت عنك الأذى بيمينها
وما حجرها إلا لديك سريـــــر
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الخامسة والأربعون بعد الثلاثمائة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:* للاعتراف بالفضل أقسام:
ولما كان النبي – صلى الله عليه وسلم – الأسوة في الأقوال والأفعال والأحوال، سأحاول أن ألتقط لكم مشاهد رائعة ومواقف ماتعة من السيرة النبوية العطرة تدلل للاعتراف بالفضل، وتحث الناس عليه، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر :
#ما كان في حق الزوجة، ومنها ما كان في مقابلة الأصحاب ، بل وصل الأمر حتى مع الأعداء من الكفار .
فقد اعترف النبي – بفضل زوجه خديجة بنت خويلد في حياتها، وحتى بعد مماتها، فكان يكثر من ذكرها وشكرها والاستغفار لها، ويقول:إنها كانت وكانت، وربما ذبح الشاة فقطعها ثم أرسلها في صدائق خديجة .
ومن الأحاديث التي تدل على فضل خديجة بنت خويلد المثير ما رواه الطبراني في المعجم الكبير عن عائشة – رضي الله عنها-قالت:‹ استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله فعرف استئذان خديجة، فارتاع لذلك وقال: اللهم هالة، قالت: فغرت، وقلت ما تذكر من عجوز من عجائز قريش، حمراء الشدقين، قد هلكت في الدهر، قد أبدلك الله خيرا منها، فتمعر وجهه ما كنت أراه إلا عند نزول الوحي أو عند المخيلة، فقال: ما أبدلني الله –عزوجل- خيرا منها، قد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله ولدها إذ حرمني أولاد النساء ›، فقالت
عائشة: ‹والذي بعثك بالحق لا أذكرها إلا بخير ›
وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – يحفظ الجميل لأصحابه، و يعترف بالفضل لأهله، إذ ثمن النبي – صلى الله عليه وسلم – جهد جميع أصحابه المهاجرين منهم والأنصار، فقد روى أبو داوود والنسائي عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أنه قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فو الذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه )
وبين أيدينا وثيقة حب نادرة فيها اعتراف نبوي بالفضل الكبير لأحد المهاجرين الكرام،و شيخ الصحابة العظام أبي بكر الصديق – رضي الله عنه – البطل الهمام، فقد روى البخاري في صحيحه عن أبي الدرداء – رضي الله عنه- أنه قال: كنت جالسا عند النبي – صلى الله عليه وسلم – إذ أقبل أبو بكر آخذا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته،فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -:‹أما صاحبكم فقد غامر› فسلم وقال يا رسول الله: إنه كان بيني وبين ابن الخطاب شيء فأسرعت إليه ثم ندمت، فسألته أن يغفر لي، فأبى علي، فأقبلت إليك، فقال رسول الله: يغفر الله لك يا أبا بكر( ثلاثا)، ثم إن عمر ندم، فأتى منزل أبي بكر فسأل: أثم أبو بكر؟ فقالوا: لا فأتى إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فجعل وجه النبي يتمعر، حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه، فقال يا رسول الله : إني كنت أظلم (مرتين )، فقال رسول الله: إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت، وقال أبو بكر صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي (مرتين ) فما أوذي بعدها ›
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السادسة والأربعون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي
بعنوان:* للاعتراف بالفضل أقسام:
ومما يدل على اعترافه- صلى الله عليه وسلم – بفضل الأنصار ما قد رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن زيد بن عاصم المازني– رضي الله عنه- أنه لما أفاء الله على رسوله يوم حنين، قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم ، ولم يعط للأنصار شيئا، فكأنهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس، فخطبهم فقال:يا معشر الانصار أم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي، وكنتم متفرقين فألفكم الله بي، عالة فأغناكم الله بي، كلما قال شيئا قالوا: الله ورسوله أمن، قال:ما يمنعكم أن تجيبوا رسول الله! ثم قال: ‹ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون بالنبي – صلى الله عليه وسلم – في رحالكم؟ لولا الهجرة لكنت امرئا من الأنصار، ولو سلك الناس واديا وشعبا لسلك وادي الأنصار وشعبها، الأنصار شعار، والناس دثار،إنكم ستلقون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض› يا له من كرم نبوي! وياله خطاب عاطفي! رسم فيه الرسول النبي – صلى الله عليه وسلم- معالم المنهج في الاعتراف بأصحاب الفضل والكرم الجلي.
ومما يدل على حفظه الجميل للكفا،ما رواه البخاري عن جبير بن مطعم بن عدي – رضي الله عنه- أنه قال: إن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال في أسارى بدر: ‹ لو كان المطعم بن عدي حيا، ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له › وهذا الحديث يشير إلى اعتراف النبي –صلى الله عليه وسلم- بجميله لما أدخله في جواره بعد أن رده أهل الطائف.
ومن يسد إليك معروفا فكن لــــه
شكورا يكن معروفه غير ضائع
ولا تبخلن بالشكر والقرض فاجزه
تكن خير مصنوع إليه وصانع
وفي الختام: فلنرسخ هذا السلوك القويم في أنفسنا وأزواجنا وأولادنا وأصحابنا وجيراننا على أنه عبادة جليلة القدر هي الشكر للصنائع، والسعي في التعبير عنها بالذكر والثناء الحسن و التقدير والتبجيل، وذلك من باب إنزال الناس منازلهم، بإرضاء الله – تبارك وتعالى- أولا وآخرا، ونسأل الله أن يجعل لنا ولكم لسان صدق للآخرين! وصدق من قال:
دقات قلب المرء قائلــــــــــة له
إن الحياة دقائق وثــــــوان
فاجعل لنفسك قبل موتك ذكرها
فالذكرى للإنسان عمر ثان
اخوتاه: ما أحوجنا إلى الاعتراف بالفضل وحفظ الجميل!
وما أمس الحاجة إلى السير على نهج محمد – صلى الله عليه وسلم -المؤيد بجبريل، صاحب الغرة والتحجيل، المذكور في التوراة والإنجيل!
آيها الناس: اعرفوا لأهل الفضل مكانتهم، واشكروا لهم جميل صنيعهم وفعلتهم، تفوزوا وتنجحوا في العاجل، ويكرمكم الله بالثواب الجزيل في الآجل .
[الأنترنت – موقع تبيان - الاعتراف بالفضل بين العرفان والنكران - عبد الغني حوبة]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السابعة والأربعون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي بعنوان:
*الشكر : أهميته - أنواعه - درجاته - ثماره .
(أهمية الشكر) أحد أسس الدين: مما يدل على أهمية الشكر أنه أحد الأسس التي بني عليها الدين.
يقول ابن القيم -رحمه الله-: مبنى الدين على قاعدتين الذكر والشكر ثم يدلل -رحمه الله- على ذلك بقوله تعالى:{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ}[البقرة: 152] وبقوله-صلى الله عليه وسلم- لمعاذ- رضي الله عنه- «والله إني لأحبك فلا تنسى أن تقول دبر كل صلاة اللهم أعني علي ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» ويقول: وليس المراد بالذكر مجرد الذكر اللسان بل الذكر القلبي واللساني وذكره يتضمن ذكر أسمائه وصفاته، وذكر أمره ونهيه وذكره بكلامه، وذلك يستلزم معرفته والإيمان به وبصفات كماله ونعوت جلاله والثناء عليه بأنواع المدح وذلك لا يتم إلا بتوحيده فذكره الحقيقي يستلزم ذلك كله ويستلزم ذكر
نعمه وآلائه وإحسانه إلي خلقه.
ويقول -رحمه الله-: وأما الشكر فهو القيام بطاعته والتقرب إليه بأنواع محابه ظاهرا وباطنا وهذان الأمران هما جماع الدين فذكره مستلزم لمعرفته وشكره متضمن لطاعته وهذان هما الغاية التي خلق لأجلها الجن والإنس والسموات والأرض ووضع
لأجلها الثواب والعقاب وأنزل الكتب وأرسل الرسل....
* يرضاه الله تعالى:
ومما يدل على أهمية الشكر أن الشكر من أهم الأسباب لحصول رضا الرب تبارك وتعالى فالشكر يرضاه الله سبحانه وتعالى: { إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ
تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ}[الزمر: 7].
فالشكر يرضاه الله- عز وجل- لعباده لأن النفع حاصل لهم بالشكر، فقوله تعالى: {وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} أي يرض الشكر لآجلكم ومنفعتكم لأنه سبب لفوزكم بسعادة الدارين لا لانتفاعه تعالى به،
وإنما قيل لعباده لا لكم لتعميم الحكم.
* الأمن من عذاب:
قال تعالى:{مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً}[النساء: 147].
فالشكر آمان من عذاب الله، فالشاكر يحصل له الآمان من عذاب الله تعالى بخلاف المنافق المعرض لعذاب الله-عز وجل-
يقول بن جرير-رحمه الله- في معنى الآية: ما يصنع الله أيها المنافقون بعذابكم إن أنتم تبتم إلى الله ورجعتم إلى الحق الواجب لله عليكم فشكرتموه على ما أنعم عليكم من نعمه في أنفسكم وأهاليكم وأولادكم بالإنابة إلى توحيده والاعتصام به وإخلاصكم أعمالكم لوجهه، والإيمان برسوله-صلى الله عليه وسلم- فإن أنتم شكرتم له على نعمه وأطعتموه في أمره ونهيه فلا حاجة به إلى تعذيبكم بل يشكر لكم ما يكون منكم من طاعة له، وشكر بمجازاتكم على ذلك بما تقصر عنه أمانيكم ولم تبلغه آمالكم
* مبنى الشكر: يبنى الشكر على خمسة قواعد يدور عليها الكلام في الشكر:
وأول هذه القواعد هي : خضوع الشاكر للمشكور.
والثانية: الحب للمشكور.
والثالثة: اعتراف الشاكر بنعمة المشكور.
الرابعة: ثناء الشاكر عليه.
والخامسة: استعمال هذه النعم فيما يرضيه، وعدم استعمالها فيما يكره
جاء في تاج العروس: الشكر مبني على خمس قواعد :خُضُوع الشاكرِ للمَشْكُورِ ، وحُبه له ، واعترافه بنعمتهِ ، والثناء عليه بها ، وأن لا يَسْتَعْمِلها فيما يكره هذه الخمسة هي أساسُ الشُّكْرِ وبناؤه عليها فإن عَدمَ منها واحدة اختلت قاعدةٌ من قواعد الشُّكرِ
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثامنة والأربعون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:
*الشكر : أهميته - أنواعه - درجاته - ثماره .
* درجات الشكر : والشكر على ثلاث درجات
ذكرها العلامة ابن القيم -رحمه الله- نوجزها بما يلي:
* الدرجة الأولى: الشكر على المحاب
وهذا شكر تشاركت فيه المسلمون واليهود والنصارى والمجوس ومن سعة رحمة -الباري سبحانه-: أن عده شكرا ووعد عليه الزيادة وأوجب فيهالمثوبة
وحقيقة هذا الشكر: الاستعانة بنعم المنعم على طاعته ومرضاته: ومن خلال هذا تعلم أن هذه الدرجة من درجات الشكر أختص بها أهل الإسلام، وأن حقيقة الشكر على المحاب ليست لغيرهم.
نعم لغيرهم منها بعض أركانها وأجزائها كالاعتراف بالنعمة والثناء على المنعم بها فإن جميع الخلق في نعم الله، ولا شك أن كل من أقر بالله ربا، وتفرده بالخلق، والإحسان فإنه يضيف نعمته إليه، لكن الشأن في تمام حقيقة الشكر وهو الاستعانة بها
على مرضاته، وهذا مما أختص به أهل الإسلام
* الدرجة الثانية: الشكر في المكاره:
وهذا الشكر أشد وأصعب من الشكر على المحاب، وهذا الشاكر أول من يدعى إلى الجنة، ولهذا كان فوقه في الدرجة وهذا الشكر لا يكون إلا من أحد رجلين: إما رجل لا يميز بين الحالات بل يستوي عنده المكروه والمحبوب فشكر هذا: إظهار منه للرضى بما نزل به وهذا مقام الرضى.
الرجل الثاني: من يميز بين الأحوال فهو لا يحب المكروه ولا يرضى بنزوله به، فإذا نزل به مكروه شكر الله تعالى عليه فكان شكره كظما للغيظ الذي أصابه، وسترا للشكوى، ورعاية منه للأدب وسلوكا لمسلك العلم فإن العلم والأدب يأمران بشكر الله على السراء والضراء فهو يسلك بهذا الشكر مسلك العلم، فشكره لله شكر من رضي بقضائه كحال الذي قبله فالذي قبله أرفع منه.
وإنما كان هذا الشاكر أول من يدعى إلى الجنة: لأنه قابل المكاره التي يقابلها أكثر الناس بالجزع والسخط وأوساطهم بالصبر وخاصتهم بالرضى فقابلها هو بأعلى من ذلك كله وهو الشكر فكان أسبقهم دخولا إلى الجنة وأول من يدعى منهم إليها
* الدرجة الثالثة: أن لا يشهد العبد إلا المنعم.
فإذا شهد المنعم عبودية: استعظم منه النعمة، وإذا شهده حبا: استحلى منه الشدة، وإذا شهده تفريدا: لم يشهد منه نعمة ولا شدة، يستغرق صاحبها بشهود المنعم عن النعمة فلا يتسع شهوده للمنعم ولغيره وهم على ثلاثة أقسام: 1- أصحاب شهود العبودية: وهي مشاهدة العبد للسيد بحقيقة العبودية والملك له 2- وأصحاب شهود الحب 3- وأصحاب شهود التفريد، ولكل قسم من هذه الأقسام حكم وتفاصيل، تنظر في موطنها حتى لا يطول بنا المقام.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة التاسعة والأربعون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:
*الشكر : أهميته - أنواعه - درجاته - ثماره .
*ثمار الشكر:
وثمار الشكر التي يجنيها الشاكر في الدنيا والآخرة كثيرة، ولعل من أهمها:
1- الشكر من كمال الإيمان وحسن الإسلام فهو نصف الإيمان.
2- الشكر اعتراف بالمنعم والنعمة.
3- سبب من أسباب حفظ النعمة بل من الزيادة فيها.
4- لا يكون الشكر باللسان فقط بل يكون بالجوارح والأركان.
5- من أسباب كسب المؤمن رضا الرب تبارك وتعالى.
6- فيه دليل على سمو النفس وعلوها.
7- الشكور قرير العين، يحب الخير للآخرين، ولا يحسد من كان في نعمة
* ومن فوائد وثماره أيضاً:
8- أن الشكر يجعل صاحبه من أهل خواص عباد
الله وقليل ما هم.
9- الجزاء الحسن على الشكر.
10- الاعتبار بآيات الله، والانتفاع بها.
11- حصول الآمان من عذاب الله-عز وجل-.
12- الاقتداء بالأنبياء الكرام فهم أهل الشكر، وغير ذلك من الفوائد والثمار.
ومن خلال ما سبق بيانه نعلم أن الشكر من أهم أعمال القلوب، التي هي محل نظر الله تعالى، فالشكر عندما يملأ القلب، يجعل هذا القلب عامراً بالإيمان وعمل الصالحات.
والله نسأل أن يجعلنا من الشاكرين الذاكرين الحامدين له سبحانه وتعالى، الفائزين في الدنيا والآخرة
[أخوات طريق الإسلام - الشكر | أهميته - أنواعه - درجاته - ثماره | - شامخة بإيماني]
*الشكر... قيد النعم
أوليتـني نعماً أبـوح بشكرها*****
وكفيتني كُلَّ الأمـور بأسرها
فلأشكرنك ما حييتُ وإن أمُت *****
فلتشكرنك أعظُمي في قبرها
يا مَن عزم على السفر إلى الله والدار الآخرة، وقد رُفع لك علم فشمّر إليه فقد أمكن التشمير، واجعل سيرَك بين مطالعة منَّته ومشاهدة عيب النفس والعمل والتقصير، فما أبقى مشهد النعمة والذنب للعارف من حسنة، يقول: هذه منُجيتي من عذاب السعير. ما المعوَّل إلاَّ على عفوه ومغفرتهº فكلٌّ أحدٍ, إليها فقير. أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء بذنبي فاغفر لي.
ما تساوي أعمالك - لو سَلِمَت ممَّا يُبطلها - أدنى نعمة عليك، وأنت مُرتَهن بشكرها من حين أرسل بها إليك، فهل رعيتها بالله حقَّ رعايتها وهي في تصريفك وطوع يديك؟! فتعلَّق بحبل الرجاء، وادخل من باب العمل الصالح إنه غفور شكور.
نهج للعبد طريق النجاة وفتح له أبوابها، وعرَّفه
طُرُق تحصيل السعادة وأعطاه أسبابها، وحذَّره من وبال معصيته وأشهده على نفسه وعلى غيره شؤمها وعقابها، وقال: إن أطعت فبفضلي وأنا أشكر، وإن عصيت فبقضائي وأنا أغفر{إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ) [فاطر:34[
أزاح عن العبد العلل، وأمره أن يستعيذ من العجز والكسل، ووعده أن يشكر له القليل من العمل، ويغفر له الكثير من الزلل { إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ}
أعطاه ما يُشكر عليه، ثم يشكُرُه على إحسانه إلى نفسه لا على إحسانه إليه، ووعده على إحسانه لنفسه أن يُحسن جزاءَه ويقرِّبه لديه، وأن يغفر له خطاياه إذا تاب منها ولا يفضحَه بين يديه { إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} وثقت بعفوه هفوات المذنبين فوسعتها، وعكفت بكرمه آمال المحسنين فما قطع طمعها، وخرقت السَّبعَ الطِّباق دعواتُ التائبين والسائلين فسمعها، ووسع الخلائق عفوُه ومغفرتُه ورزقُه فما من دابة في الأرض إلاَّ على الله رزقها ويعلم مستقرّهَا ومستودعها { إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} يجودُ على عبيده بالنوافل قبل السؤال، ويُعطي سائله ومؤمِّله فوق ما تعلَّقت به منهم الآمال، ويغفر لمن تاب إليه ولو بلغت ذنوبُه عدد الأموال والحصى والتراب والرمال (إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ). إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الخمسون بعد الثلاثمائة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:
*الشكر... قيد النعم
الله أرحمُ بعباده من الوالدة بولدها، وأفرحُ بتوبة التائب من الفاقد لراحلته - التي عليها طعامه وشرابه في الأرض المهلكة - إذا وجدها، وأشكرُ للقيل من جميع خلقهفمن تقرَّب إليه بمثقال ذرَّة من الخير شكرها وحمدها (إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ). أفاض على خلقه النعمة، وكتب على نفسه الرحمة، وضمن الكتاب الذي كتبه: أنَّ رحمته تغلب غضبه(إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ) يُطاع فيشكر، وطاعته من توفيقه وفضله، ويُعصى فيحلُم ، ومعصية العبد من ظلمه وجهله، ويتوب إليه فاعل القبيح فيغفر له، حتى كأنه لم يكن قطٌّ من أهله (إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ) الحسنة عنده بعشر أمثالها أو يضاعفها بلا عددٍ, ولا حسبان، والسيئة عنده بواحدة ومصيرها-إن شاء ربنا- إلى العفو والغفران، وباب التوبة مفتوح لديه منذ خلق السموات والأرض إلى آخر الزمان (إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ)
بابه الكريم مناخ الآمال ومحطٌّ الأوزار، وسماء عطاه لا تقلع عن الغيث، بل هي مدرار، ويمينه ملأى لا تغيضها نفقة، سحَّاء الليل والنهار {إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ}. [عن:صلاح الأمة للعفاني]
*الله - عز وجل - هو الشكور على الحقيقة:
"والله - عز وجل - أولى بصفة الشكر من كلِّ شكور، بل هو الشكور على الحقيقة فإنه يعطي العبد ويوفِّقه لما يشكره عليه، ويشكر القليل من العمل والعطاء فلا ييستقلّه أن يشكره، ويشكر الحسنة بعشر أمثالها إلى أضعافٍ, مضاعفة، ويشكر عبده بقوله بأن يُثني عليه بين ملائكته وفي مَلَئه، ويُلقي له الشكر بين عباده ويشكره بفعله، فإذا ترك له شيئًا أعطاه أفضل منه، وإذا بذل له شيئًا ردَّه عليه أضعافًا مضاعفة، وهو الذي وفَّقه للترك والبذل وشكره على هذا وذاك.
ولمَّا عقر نبيٌّه سليمان الخيل غضبًا له إذ شغلته عن ذكره، فأراد أن لا تشغله مرة أخرى، أعاضه عنها متن الريح. ولما ترك الصحابة ديارهم وخرجوا منها في مرضاته أعاضهم عنها أن ملّكهم الدنيا وفتحها عليهم. ولما احتمل يوسف الصديق ضيق السجن، شكر له ذلك بأن مكَّن له في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء.
ولما بذل الشهداء أبدانهم له حتى مزَّقها أعداؤه شكر لهم ذلك بأن أعاضهم منها طيرًا خضرًا أقرَّ أرواحهم فيها، تَرِدُ أنهارَ الجنة، وتأكل من ثمارها إلى يوم البعث، فيردٌّها عليهم أكمل ما تكون وأجمله وأبهاه.
ولما بذل رُسُلُه أعراضهم فيه لأعدائهم فنالوا منهم وسبٌّوهم أعاضهم من ذلك بأن صلَّى عليهم هو وملائكته، وجعل لهم أطيب الثناء في سماواته وبين خلقه، فأخلصهم بخالصةٍ, ذكرى الدار.
ومن شكره - سبحانه -: أنه يجازي عدوَّه بما يفعله من الخير والمعروف في الدنيا، ويخفِّف به عنه يوم القيامة فلا يُضيِّع عليه ما يعمله من الإحسان، وهو من أبغض خلقه إليه!!
ومن شكره: أنه غفر للمرأة البغي بسقيها كلبًا كان
قد جهده العطش حتى أكل الثرى، وغفر لآخر بتنحيته غصن شوكٍ, عن طريق المسلمين.
فهو - سبحانه - يشكر العبد على إحسانه لنفسه، والمخلوق إنما يشكرُ من أحسن إليه. وأبلغ من ذلك أنه - سبحانه - هو الذي أعطى العبد ما يُحسن به إلى نفسه، وشكره على قليله بالأضعاف المضاعفة
التي لا نسبة لإحسان العبد إليها. فهو المحسن بإعطاء الإحسان وإعطاء الشكر. فمن أحقٌّ باسم الشكور منه - سبحانه -؟! ومن شكره - سبحانه -: أنه يُخرج العبد(المؤمن) من النار بأدنى ذرَّة من خير، ولا يُضيِّع عليه هذا القدر.
ومن شكره - سبحانه -: أن العبد من عباده يقوم له مقامًا يُرضيه بين الناس فيشكر له، ويُنَوِّه بذكره، ويُخبر به ملائكته وعباده المؤمنين. كما شكر لمؤمن آل فرعون ذلك المقام، وأثنى عليه، ونوَّه بذكره بين عباده. وكذلك شكره لصاحب يس مقامه ودعوته إليه، فلا يهلك عليه بين شكره ومغفرته إلا هالك".[عُدَّة الصابرين وذخيرة الشاكرين لابن القيم، ص279 – 280]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الواحدة والخمسون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي بعنوان:
*من آثار السلف وأقوالهم في الشكر:
قال الحسن: "أكثروا من ذكر هذه النعم، فإن ذكرها شكر، وقد أمر الله نبيه أن يحدث بنعمة ربه
فقال: (وَأَمَّا بِنِعمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّث)[الضحى:11[، والله - تعالى - يحب أن يرى أثر نعمته على عبده
فإن ذلك شكرها بلسان الحال.
وكان أبو المغيرة إذا قيل له: كيف أصبحت يا أبا محمد؟ قال: "أصبحنا مغرقين في النعم، عاجزين عن الشكر، يتحبب إلينا ربنا وهو غني عنَّا، ونتمقت إليه ونحن إليه محتاجون".
وقال شريح: "ما أصيب عبد بمصيبة إلا كان لله عليه فيها ثلاث نعم: ألا تكون كانت في دينه، وألا تكون أعظم مما كانت، وأنها لابد كائنة فقد كانت".
وعن سفيان في قوله - تعالى -: (سَنَستَدرِجُهُم مِن حَيثُ لا يَعلَمُونَ)[القلم:44] قال: "يسبغ عليهم النعم ويمنعهم الشكر". وقال غيره: "كلما أحدثوا ذنبًا أحدث لهم نعمة".
وكتب بعض العلماء إلى أخٍ, له: "أما بعد فقد أصبح بنا من نعم الله ما لا نحصيه مع كثرة ما نعصيه، فما ندري أيهما نَشكر أجميل ما يَسَّرَ أم قبيح ما سَتَرَ".
وقال يونس بن عبيد: "قال لرجل لأبي تميمة: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت بين نعمتين لا أدري أيتهما أفضل: ذنوب سترها الله علي فلا تستطيع أن يعيرني بها أحد، ومودة قذفها الله في قلوب العباد لا يبلغها عملي".
وقال الحسن: ما أنعم الله على عبد نعمة فقال الحمد لله إلا كان ما أعطي أكثر مما أخذ".
قال ابن القيم - رحمه الله -: "قوله: (الحَمدُ للهِ) نعمة من نعم الله، والنعمة التي حمد الله عليها أيضًا من نعم الله، وبعض النعم أجل من بعض، فنعمة الشكر أجلّ من نعمة المال والجاه والولد والزوجة ونحوها
قال محمود الوراق - رحمه الله -:
إذا كان شكري نعمةَ الله نعمةً
علي له في مثلها يجب الشكـرُ
فكيف وقوع الشكر إلا بفضله
وإن طالت الأيام واتَّصل العمرُ
إذا مسَّ بالسراء عمَّ سرورُها
وإن مس بالضراء أعقبها الأجرُ
وما منهما إلا له فيـه مـنة
تضيق بها الأوهام والبر والبحرُ
[الأنترنت – موقع مداد - الشكر... قيد النعم - عيد الجيلاني]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثانية والخمسون بعد الثلاثمائة في موضوع الشكور وهي بعنوان:*من أنواع الشكر لله
من أنواع الشكر لله الشكر بالقلب و الخوف من الله ورجاؤه ومحبته حبا يحملك على أداء حقه وترك معصيته وأن تدعو إلى سبيله وتستقيم على ذلك .
ومن ذلك الإخلاص له والإكثار من التسبيح والتحميد والتكبير .
ومن الشكر أيضا الثناء باللسان وتكرار النطق
بنعم الله والتحدث بها والثناء على الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن الشكر يكون باللسان والقلب والعمل . وهكذا شكر ما شرع الله من الأقوال يكون باللسان .
وهناك نوع ثالث وهو الشكر بالعمل . . .
بعمل الجوارح والقلب ؛ ومن عمل الجوارح أداء الفرائض والمحافظة عليها كالصلاة والصيام والزكاة وحج بيت الله الحرام والجهاد في سبيل الله بالنفس والمال كما قال تعالى :{ انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ... } الآية .
ومن الشكر بالقلب الإخلاص لله ومحبته والخوف
منه ورجاؤه كما تقدم والشكر لله سبب للمزيد من النعم كما قال سبحانه : { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ } ، ومعنى تأذن : يعني أعلم عباده بذلك وأخبرهم أنهم إن شكروا زادهم وإن كفروا فعذابه شديد ، ومن عذابه أن يسلبهم النعمة ، ويعاجلهم بالعقوبة فيجعل بعد الصحة المرض وبعد الخصب الجدب وبعد الأمن الخوف وبعد الإسلام الكفر بالله عز وجل وبعد الطاعة المعصية .
فمن شُكْرِ الله عز وجل أن تستقيم على أمره وتحافظ على شكره حتى يزيدك من نعمه ، فإذا أبيت إلا كفران نعمه ومعصية أمره فإنك تتعرض بذلك لعذابه وغضبه ، وعذابه أنواع؛ بعضه في الدنيا وبعضه في الآخرة .
ومن عذابه في الدنيا : سلب النعم كما قال تعالى : { فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ }، وتسليط الأعداء وعذاب الآخرة أشد وأعظم كما قال سبحانه : { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ } وقال تعالى : { اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } فأخبر سبحانه أن الشاكرين قليلون وأكثر الناس لا يشكرون فأكثر الناس يتمتع بنعم الله ويتقلب فيها ولكنهم لا يشكرونها بل هم ساهون لاهون غافلون كما قال تعالى : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ } فلا يتم الشكر إلا باللسان واليد والقلب جميعا . وبهذا المعنى يقول الشاعر :
أفادتكم النعماء مني ثلاثة ***يدي ولساني والضمير المحجبا
والمؤمن من شأنه أن يكون صبورا شكورا كما قال تعالى : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } فالمؤمن صبور على المصائب شكور على النعم ، صبور مع أخذه بالأسباب وتعاطيه الأسباب ، فإن الصبر لا يمنع الأسباب ، فلا يجزع من المرض ولكن لا مانع من الدواء .
فلا يجزع من قلة المزرعة أو ما يصيبها ولكن يعالج
المزرعة بما يزيل من أمراضها ،فالصبر لازم وواجب ،ولكن لا يمنع العلاج والأخذ بالأسباب .
فالمؤمن يصبر على ما أصابه ويعلم أنه بقَدَرِ الله وله فيه الحكمة البالغة ويعلم أن الذنوب شرها عظيم وعواقبها وخيمة فيبادربالتوبة من الذنوب والمعاصي .
فعليك أيها المسلم أن تتوب إلى الله عز وجل حتى يصلح لك ما كان فاسدا ويرد عليك ما كان غائبا . وقد صح في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ) ، فقد يفعل الإنسان ذنبا يحرم به من نعم كثيرة . قال تعالى : { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ } وقال جل وعلا : { مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ... } الآية ، وقال سبحانه : { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } فالمصائب فيها دعوة للرجوع إلى الله وتنبيه للناس لعلهم يرجعون إليه .
فالعلاج الحقيقي للذنوب يكون بالتوبة إلى الله وترك المعاصي والصدق في ذلك ، ومن جملة ذلك
العلاج : ما شرع الله من العلاج الحسي فإنه من
طاعة الله ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : « عباد الله
تداووا ولا تتداووا بحرام » فالمؤمن صبور عند البلايا في نفسه وأهله وولده شكور عند النعم بالقيام بحقه والتوبة إليه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : « عجبا لأمر المؤمن فإن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له » رواه مسلم في الصحيح من حديث صهيب ابن سنان رضي الله عنه . [ الأنترنت – موقع الشيخ ابن باز - أنواع الشكر لله ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثالثة والخمسون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي بعنوان:
الشكر ينظم من علم وحال وعمل"
قال الغزالي رحمه الله في الإحياء: "واعلم أن الشكر من جملة مقامات السالكين وهو ينظم من علم وحال وعمل".
قال: فالعلم هو الأصل، وهو يُورث الحال، والحال يُورث العمل، أما العلم فمعرفة النعمة من المنعم وأما الحال فهو الفرح الحاصل بإنعامه وأما العمل فالقيام بما هو مقصود المنعم ومحبوبه.
ودعونا نفصل هذا الكلام الماتع:
1-العلم: "معرفة النعمة من المنعم"، معرفة أن
هذه النعمة ليست من أحد سوى الله، ولا تلتفت للأسباب مطلقاً بل ترى نجاحك وتوفيقك في شتى أمورك محض فضل من ربك.
والحقيقة أننا ننسب الحسنة لأنفسنا وننسب السيئة إلى الله عياذاً بالله، إذا وفقت في شيء تجد نفسك تقول: لولا أني فعلت كذا ما فلحت، ولأني قمت بكذا نجحت، أما لو لمناك على شر وقلنا لك: لمَ فعلت ذلك؟تقول والله لم أكن أريد لكن الشيطان شاطر، لكن قدر الله، لكن.. لكن، فانتبه لهذا وانسب النعمة لصاحبها.
2. الحال: "هو الفرح الحاصل بإنعامه" وإن لم تجد
هذا الفرح فاعلم أنك لم تعرف نعمة الله من الأساس.
لذا دائماً أقول اكتبوا نعم الله، تفكروا فيها، وانظروا لمن حرمها.
انظر لمن فقد بصره حتى تفرح ببصرك، وانظر لمن حرم الأولاد وينفق الآلاف لكي يرزق بطفل واحد وأنت عندك ثلاثة وأربعة، انظر له لتفرح بنعمة ربك. إذا فقدت إحساسك بالنعمة فابحث عن من فقدها، فإذا استشعرتها وشعر قلبك بالفضل والفرح والانشراح بها فهنا يتولد عن هذا الحال العمل. تجدك تريد أن تبذل لله.. تصلي أو تتصدق أو تكشف كربة أو تعين أحداً.. تفعل أي شيء يرضي الله فتفعل "ما هو مقصود المنعم ومحبوبه"، لذلك الشكر بالقلب والجوارح واللسان، فلا يكون شاكر إلا إذا كان قلبه مخبت، ولسانه ذاكر، وكذلك جوارحه منقاده بالطاعة لله سبحانه وتعالى.
يقول الأصفهاني في المفردات: "الشكر تصور النعمة وإظهارها وهو ثلاثة أدرب: - شكر القلب: وهذا بتصور النعمة ودوام رؤيتها. -وشكر اللسان: بالثناء على المنعم. - وشكر سائر الجوارح: وهو مكافأة النعمة بقدر إستحقاقها، وهو أن كل شيء بك يذعن لله سبحانه وتعالى".
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الرابعة والخمسون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: الشكر يُنظم من علم وحال وعمل"
الفرق بين الشكر والحمد قالوا : الشكر مثل الحمد إلا أن الشكر أخص، فإنك تحمد الإنسان على صفاته الجميلة وعلى معروفه ولا تشكره إلا على معروفه دون صفاته. فمثلاَ الرجل الخلوق المهذب، أنت تحمد له أدبه بالثناء عليه وإنما تشكر له فعل الأدب نفسه إن وقع.
فالحمد يكون على الصفات وعلى المعروف، أما الشكر فيكون على المعروف دون الصفات، قال ثعلب وهو أحد أئمة اللغة: "الشكر لا يكون إلا عن يد، أما الحمد فيكون عن يد أو عن غير يد"، سواء أعطاك أو لم يعطك.
قال القرطبي: "وتكلم الناس في الحمد والشكر هل هو بمعنى واحد أم بمعنيين فذهب الطبري والمبرد إلى أنهما في معنى واحد وهذا غير مرضي! والصحيح أن الحمد ثناء على الممدوح بصفاته من غير سابق إحسان، والشكر ثناء على المشكور بما أولى من الإحسان". لذا قال الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّـهِ} [الفاتحة من الآية:2] ابتداءً سواء أسدى إليك أم لم يسد فهو محمود سبحانه وتعالى لذاته بجميل صفاته بجميل أفعاله.
يقول ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين: "الفرق بين الشكر والحمد أن الشكر أعم من جهة أنواعه وأسبابه وأخص من جهة متعلقاته.
فالشكريكون بالقلب خضوعاً وإستكانة،وباللسان ثناءً واعترافاً، وبالجوارح طاعة وانقيادا". قلبك ينكسر بشهود النعمة، فشهود النعم أحد مرققات القلوب ومن أعظم أسباب علاج قسوة القلب، تقول: قلبي قاسي جداً لا يشعر بشيء؟ اجلس اذا وعدد النعم.
اذكر كيف منّ الله عليك بالتوبة، حلم عليك
وأعطاك ما لم تكن تعلم وما لم تكن تأمل و أسبغ
عليك نعمه الظاهرة والباطنة.
منّ عليك بالإسلام إبتداءً وبالالتزام بعد ذلك وأذن لك بذكره وأذن لك بمعرفته.
فكل نعمة منها تكسر القلب، هذا غير النعم الخاصة لكل شخص، كمحنة نجاه الله منها أو كرب كشفه عنه أو ستر اسدله عليه، عدد النعم ينكسر قلبك.
من حيث المتعلقات: أي أن الشكرمتعلق بالنعم دون الأوصاف.
فأنت تشكر على النعم ولا تشكر على الصفة، يعني لا تشكر الله أنه تواب وإنما تحمده أنه تواب وتشكره أنه تاب عليك.
لذلك لا يُقال شكرنا الله على حياته وسمعه وبصره وعلمه إنما يقال حمدنا الله فهو المحمود عليها كما هو محمود على إحسانه وعدله.
معنى اسمه تعالى الشكور في حقه سبحانه وتعالى ماذا يعني أن ربنا شكور؟ قالوا: شكور للحسنات يضاعفها، شكور على يسير الطاعات فيثيب عليها جزيل الحسنات، كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم «ما تصدَّقَ أحدٌ بصدَقَةٍ منْ طيِّبٍ، ولا يقبَلُ اللهُ إلَّا الطيبَ، إلَّا أخذَها الرحمنُ بيمينِهِ، وإِنْ كانتْ تَمْرَةً، فتربُو في كفِّ الرَّحمنِ حتى تَكونَ أعظمَ مِنَ الجبلِ، كما يُرَبِّي أحدُكم فَلُوَّهُ أوْ فَصيلَهُ»
(صحيح، الألباني، صحيح الجامع [5600]).
قالوا ومن معنى الشكور أنه سبحانه يرغب الخلق في الطاعة قلّت أو كثرت لئلا يستقلوا القليل من العمل، لذا كانت عائشة رضي الله عنها عندما تقرأ {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ . وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:7-8]، تأتي بشطر تمرة وتتصدق به وتتأول الآية وتقول : مثقال ذرة إذا تمرة خيراً يره.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الخامسة والخمسون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: الشكر يُنظم من علم وحال وعمل"
*إذا أثنى الرب على عبده فقد شكره
قالوا :وإذا أثنى الرب على عبده فقد شكره، والثناء يكون في الملأ الأعلى كما ورد في حديث ثناء الله على عبده وهو يقرأ الفاتحة.
فإذا قالَ العبدُ: { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } ،
قالَ اللهُ تعالى: حمدني عبدي، وإذا قالَ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، قالَ اللهُ تعالى: أثنى عليَّ عبدي، وإذا قالَ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}،قالَ: مجَّدني عبدي. (رواه مسلم). فيثني عليه في الملأ الأعلى ربنا سبحانه وتعالى بذلك، وحين تصلي على النبي صل الله عليه وسلم يثني عليك في الملأ الأعلى،«من صلَّى عليَّ واحدةً، صلَّى اللهُ عليه عشرَ صلواتٍ، و حطَّ عنه عشرَ خطيئاتٍ، و رفعَ له عشرَ درجاتٍ» (صحيح، الألباني، صحيح الجامع [6359]).
وثناء الله غير ذكره لعبده {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُم} [البقرة من الآية:152]، جميل أن يذكرك، لكن هذه يثني عليك.
قال الغزالي في المقصد: "الرب تعالى إذا أثنى على أعمال عباده فقد أثنى على فعل نفسه لأن أعمالهم من خلقه فإن كان الذي أعطى فأثنى شكور، فالذي أعطى وأثنى على المعطي هو أحق
بأن يكون الشكور.
مر أحد الصالحين على قارىء يقرأ قول الله تعالى {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص:30]، قال: "سبحان الله يعطي ويثني!!"، فالغزالي رحمه الله يشير إلى هذا المعنى أن الأعمال أصلاً منه.
قال موسى عليه السلام: "يا رب إن أنا بلغت رسالاتك فمن عندك وإن أنا صليت فمن عندك وإن أنا فعلت كذا وكذا من أفعال الطاعات فمن عندك ومن قبلك فكيف أشكرك؟،قال:"الآن شكرتني"، فالعجز عن الشكر تمام الشكر.
*أثر الإيمان بهذا الاسم الشريف :
أولاً: إذا كان الله سبحانه وتعالى الشكور الشاكر على الإطلاق يقبل القليل من العمل ويعطي الكثير من الثواب مقابل هذا العمل القليل، فإن حظ المؤمن من هذا ألا يستصغر شيء من أعمال البر ولا يحقر من المعروف شيئاً، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «لا تحْقِرَنَّ من المعرُوفِ شيْئًا، ولوْ أنْ تلْقَى أخاكَ بوجْهٍ طلْقٍ» (صحيح، الألباني، صحيح الجامع[7245]). حتى تبسمك في وجه أخيك قربى، وصدقتك ولو بشق تمرة قربى، والكلمة الطيبة منك قربى، «اتّقُوا النّارَ ولَو بشِقّ تَمرَة فمَن لم يجِدْ شِقّ تَمرَة فبكَلِمةٍ طيّبَة» (صحيح البخاري [3595])، فلا تحتقر من العمل شيئًا مهما صغر.
ثانياً: مما يجب معرفته أن ما يقدمه المسلم في تقربه إلى الله تعالى من صلاة أو صيام أو حج لا يخلو من التقصير والسهو و النسيان، فلا يظن أنها الثمن المطلوب للجنة، ولا ينظر لها من الأساس بل ينظر ويتعلق برحمة الله وفقط.
لأن هذه الأعمال في الأساس لن تدخلك الجنة، فالجنة هي سلعة الله الغالية، ولكن لأن الله شكور عظم من شأنها وأعطاك بها على صغرها وعيبها هذه المنة العظيمة.. سلعة الله الغالية.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السادسة والخمسون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: *أثر الإيمان بهذا الاسم الشريف :
ثالثاً: وهو الأهم: هو تحقيق الشكر، وهو واجب على كل مكلف.
فكيف نشكر الله تعالى، يقول ابن القيم رحمه الله: "الشكر مبني على خمس قواعد، سأذكرها لك وأذكر حظك منها فانتبه:
1. خضوع الشاكر للمشكور، وحظها منك الذل والانكسار لله تعالى.
2. حبه له، أن يزداد المؤمن في حبه لله تعالى.
3. اعترافه بنعمته، فيكثر من قوله: أبوء لك بنعمتك علي، ويكثر من التحدث بنعم الله تعالى. يتحدث بالنعمة لذكر المنعم وبيان فضله لا لبيان النعمة والزهو بها.
4. ثناؤه عليه بها.
5. وألا يستعملها فيما يكره، لا يعصي الله ويبارزه بها.
* إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور
يقول الله سبحانه :{إن في ذلك لآيات لكل صبار
شكور}، ونفهم من هذا أن لو كان للصبر معنى
يختلف عن معنى الشكر لجاء بواو العطف، ولكن قال :صبار شكور مما يدل أن الصبر هو عين الشكر، فتكاليف الدين كلها مبنية على الصبر، فلو كان الثناء باللسان هو الشكر لكان ما أسهله. وإنما الثناء باللسان يسمى حمدا،والثناء بالأفعال يسمى شكرا،والثناء بالأفعال هو الصبر، فحينما يقول تعالى: {أشكر لي ولوالديك } فهذا لا يعني قل فقط في والديك قولا كريما . ولقد وصف الله نوحا بالشكر فقال عنه { إنه كان عبدا شكورا } ،وذلك لأن مدة صبره على قومه أكبر من أية مدة قضاها رسول آخر مع قومه، لقد صبر 950 سنة فاستحق أن يلقب بالشكور.
الصبر لا يقال إلا لشيء فيه عناء ومشقة ، والإنسان لا يصبر على شيء إلا لأنه يعلم أنه سيجني من وراء صبره خيرا ، والإنسان لا يغامر ويعرض نفسه للمشقة والعناء إلا إذا كان متأكدا وعنده من اليقين ما يطمئنه أن ذلك سيعود عليه بالفائدة، والله عليم بخواطر النفس البشرية،فكلما أمر الإنسان بالصبر إلا ويطمئنه أن صبره سيجني منه خيرا والله منزه أن تأتي النتائج على خلاف ما يقول،ولذلك نجد في القرآن يأتي دائما التسبيح بعد الأمر بالصبر ،فكأنه تعالى يقول: يا عبدي إذا قلت لك اصبر فذلك هو الحق والصواب وأنا منزه عن الخطأ، ويمكن أن آتي بأمثلة من القرآن تؤيد ما أقول.
(فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها) 130 طه.
(فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب) 39 ق
سورة الإسراء بدأت بالتسبيح لأنها تلت سورة النحل التي ختمت بالأمر بالصبر.
وإذا تأملنا السور التي ابتدأت بالتسبيح فإننا نرى
أنها كانت كذلك إما بعد تأكيد للحق كقوله تعالى:إن هذا لهو حق اليقين، فكان من الحكمة أن يأتي التنزيه بعد ذلك لأن حق اليقين لا يأتي إلا من العزيز الحكيم،فقال بعدها: فسبح باسم ربك العظيم.وتلتها سورة الحديد مبتدأة بالتسبيح للعزيزالحكيم.
ونجد السور الأخرى التي تبتدأ بالتسبيح تأتي بعد سور فيها أمر الله للذين آمنوا ،وآمر الله ( افعل أو لا تفعل) يعتبر أمرا بالصبر.
و قد يُطمئن الله من أمره بالصبر بأن يقول له : إن وعد الله حق.
إذن الصبر هو الشكر. [ الأنترنت – موقع - ملتقى أهل التفسير - {إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور} - أبو علي]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السابعة والخمسون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي بعنوان:
* من لم يشكر العبد لا يشكر الله
"من لم يشكر العبد لا يشكر الله".. حديث صحيح وكلمات قالها خير البرية النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ليوضح أهمية الشكر وفضله بين الناس.. والله عز وجل يذكرنا دائما بنعمِه العامة والخاصَّة، لنحمده عليها، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ [فاطر: 3]، وقال تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [المائدة: 7]، وقال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾ [لقمان: 20].
وأخبرَنا – عزَّ وجل – أن النعمَ كلَّها مِنه؛ لنقوم بحقِّه – تبارك وتعالى – في العبادة والشُّكر، ونرغبَ إليه في الزِّيادة، قال الله تعالى: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾ [النحل: 53]، وقال تعالى:﴿مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ﴾ [النساء: 79].
فالحسنات تُصيبُ الإنسانَ تفضُّلٌ مِن الله ورحمةٌ مِن جميعِ الوُجُوه، والسيئاتُ بسببٍ مِن الإنسان، والله كتبَها وقدَّرَها، ولا يظلِمُ الربُّ – عزَّ وجل – أحدًا مِثقالَ ذرَّةٍ، وقال تعالى: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [البقرة: 251].
والناسُ يعلَمُون كثيرًا مِن النعم، ويجهَلُون أكثرَ النعَم. فكَم مِن نعمةٍ ساقَها الله إليك – أيها الإنسان – ومتَّعَك بها وأنت لا تشعُرُ بها؟! وكَم مِن شرٍّ
ومُصيبةٍ دفعَها الله عنك وأنت لا تعلَمُها؟!
قال الله تعالى في حفظِ الإنسان: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾[الرعد: 11]، وقال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الجاثية: 13].
والكثيرُ مِن أعضاء البدَن تقومُ بعملها لنفعِ البدَن وحياتِه، بغير إرادةٍ مِن الإنسان، قال الله تعالى:
﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ [الذاريات: 21]، وقال تعالى: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النحل: 18].
ومَن لا يقدِرُ أن يُحصِيَ النعَم، فهو يجهلُ أكثرَها، ومَنَّ الله تعالى بالنِّعَم لتُسخَّرَ في طاعةِ الله وعبادتِه، وعِمارةِ الأرض وإصلاحِها، قال الله تعالى: ﴿كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ﴾[النحل: 81]، وقال تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [النحل: 78].
فشُكرُ النِّعَم هو باجتِماع أمورٍ: بمحبَّة المُنعِم – جلَّ وعلا – على نعمِه، والخُضُوع لله – سبحانه وتعالى – لما أنعمَ عليك، مع تيقُّن القلبِ أن كل نعمةٍ تفضُّلٌ وإحسانٌ على العبدِ مِن جميعِ الوُجُوه، لا يستحِقُّها العبدُ على الله، والثناءِ على الربِّ باللسانِ بهذه النِّعَم، والقَبُول لها بتلقِّيها بالفاقَةِ والفقرِ إلى الله، وتعظيمِ النِّعمة، واستِعمال النِّعَم فيما يُحبُّ الله – تبارك وتعالى – ويرضَى.
فمَن استخدمَ آلاءَ الله فيما يُحبُّ الله ويرضَى، وجعلَها عونًا على إقامة الدينِ في نفسِه، وأدَّى بها الواجِبات المفروضة عليه فيها بالإحسانِ إلى الخلقِ مِنها، فقد شكرَها. ومَن استخدمَ نعمَ الله فيما يُبغِضُ الله، أو منَعَ الحُقُوقَ الواجِبةَ فيها، فقد كفرَ النِّعَم.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثامنة والخمسون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي بعنوان:
* من لم يشكر العبد لا يشكر الله
وألا تُبطِرَه النِّعَم، ويُداخِلَه الغُرُور، ويُوسوِسَ له الشيطانُ بأنه أفضلُ مِن غيرِه بهذه النِّعَم، وأنه ما خُصَّ بها إلا لمزِيَّةٍ على مَن سِواه. وليعلَم أن الله يبتَلِي بالخيرِ والشرِّ؛ ليعلمَ الشاكِرين والصابِرِين، والإيمانُ نِصفُه شُكرٌ، ونِصفُه صبرٌ، قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ [لقمان: 31].
وكتبَت عائشةُ – رضي الله عنها – لمُعاوية – رضي الله عنه -: “إن أقلَّ ما يجِبُ للمُنعِم على مَن أنعمَ عليه ألا يجعلَ ما أنعَمَ عليه سبِيلًا إلى معصِيَتِه”.
وفوقَ مرتبة الشُّكر على النِّعَم: الشُّكرُ على المصائِبِ والشُّرور، والحمدُ لله على المكرُوهات التي تُصيبُ المُسلم، والتي لا يقدِرُ على دفعِها.
وأهلُ هذه المنزِلة أولُ مَن يُدعَى لدخول الجنة؛ لأنهم حمَّادُون على كل حالٍ، وقد أمرَنا ربُّنا – عزَّ وجل – بشُكرِه فقال: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ [البقرة: 152]، وقال تعالى: ﴿وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [المائدة: 6]، وقال تعالى: ﴿وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ [البقرة: 172].
وقال النبيُّ – صلى الله عليه وسلم -: «أحِبُّوا اللهَ لما يغذُوكم به مِن نعمِه»؛ رواه الترمذي وصحَّحه مِن حديثِ ابن عباسٍ – رضي الله عنهما -.
وأعظمُ الشُّكر: الإيمانُ بربِّ العالمين؛ فهو شُكرُ نعمة رسالةِ مُحمدٍ – صلى الله عليه وسلم -، التي أرسلَه بها رحمةً للناس، ويأتي بعدَها شُكرُ كل نعمةٍ بخصُوصِها إلى أصغَر نعمةٍ، وليس في نعمِ الله صغِير.
وأعظمُ كُفرٍ للنِّعَم: الكُفرُ بالقرآن والسنة، ولا ينفعُ شُكرٌ لأي نعمةٍ مع الكُفر بالإسلام، قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [المائدة: 5].
وقد وعدَ الله الشاكِرين بدوامِ النِّعَم وزيادتها وبركاتها، قال تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم: 7].
والشاكِرُون هم الفائِزُون بخَيرَي الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: ﴿وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ [آل عمران: 144]، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ﴾
[آل عمران: 145].
والشاكِرُون هم النَّاجُون مِن عقوباتِ الدنيا وشُرُورها، ومِن كُرُبات الآخرة، قال الله تعالى في قصةِ قوم لُوط: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (34) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ﴾ [القمر: 34، 35]
والشُّكرُ مقامُ الأنبِياء والمُرسَلين – عليهم الصلاة والسلام – وعبادِ الله المُؤمنين، قال تعالى عن نُوحٍ – عليه الصلاة والسلام -: ﴿إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا﴾ [الإسراء: 3]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [النحل: 120، 121]، وقال تعالى: ﴿يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ [الأعراف: 144].
وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: كان النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – يقومُ مِن الليل حتى تتفطَّر قدَمَاه، فقالت: يا رسولَ الله! تقومُ مِن الليل حتى تتفطَّر قدَمَاك، وقد غفرَ الله لك ما تقدَّمَ مِن ذنبِك وما تأخَّرَ؟! قال: «أفلا أكونُ عبدًا شَكُورًا؟!»؛ رواه البخاري ومسلم.
والشاكِرُون هم أهل نعمِ الله الذين يخُصُّهم بما لا يخُصُّ غيرَهم، قال الله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ
بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ﴾ [الأنعام: 53]. والشاكِرُون هم خاصَّةُ الله مِن خلقِه، لذلك كانُوا قليلًا، قال الله تعالى: ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾[سبأ: 13].
أيها الشاكِر! دُم على الشُّكر والاستِقامة؛ فمَن وفَّى مع الله وفَّى الله له، قال الله تعالى: ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ [البقرة: 40].
[الأنترنت – موقع - أعظم الشكر ما كان لله.. "وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ"]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة التاسعة والخمسون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي بعنوان:
*{ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ۚ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُور} قال ابن كثير في تفسيره : يخبر تعالى عن عباده المؤمنين، الذين يتلون كتابه ويؤمنون به، ويعلمون بما فيه من إقام الصلاة، والإنفاق مما رزقهم اللّه تعالى سرا وعلانية بأنهم { يرجون تجارة لن تبور} أي يرجون ثواباً عند اللّه لا بد من حصوله، ولهذا قال تعالى: { ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله} أي ليوفيهم ثواب ما عملوه ويضاعفه لهم بزيادات لم تخطر لهم، { إنه غفور} أي لذنوبهم، { شكور} للقليل من أعمالهم، قال قتادة: كان مطرف
رحمه اللّه إذا قرأ هذه الآية يقول: هذه آية القرآء.
وقال الطبري في تفسيره : وَقَوْله : { لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ } يَقُول : وَيُوَفِّيهِمْ اللَّه عَلَى فِعْلهمْ ذَلِكَ ثَوَاب أَعْمَالهمْ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي الدُّنْيَاوَقَوْله : { لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ } يَقُول : وَيُوَفِّيهِمْ اللَّه عَلَى فِعْلهمْ ذَلِكَ ثَوَاب أَعْمَالهمْ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي الدُّنْيَا' { وَيَزِيدهُمْ مِنْ فَضْله } يَقُول : وَكَيْ يَزِيدهُمْ عَلَى الْوَفَاء مِنْ فَضْله مَا هُوَ لَهُ أَهْل , وَكَانَ مُطَرِّف بْن عَبْد اللَّه يَقُول : هَذِهِ آيَة الْقُرَّاء . 22170 -حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَاصِم , قَالَ : ثنا مُعْتَمِر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : كَانَ مُطَرِّف إِذَا مَرَّ بِهَذِهِ الْآيَة : { إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّه } يَقُول : هَذِهِ آيَة الْقُرَّاء -حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ يَزِيد , عَنْ مُطَرِّف بْن عَبْد اللَّه , أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّه } إِلَى آخِر الْآيَة , قَالَ : هَذِهِ آيَة الْقُرَّاء - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : كَانَ مُطَرِّف بْن عَبْد اللَّه يَقُول : هَذِهِ آيَة الْقُرَّاء { لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْله } { وَيَزِيدهُمْ مِنْ فَضْله } يَقُول : وَكَيْ يَزِيدهُمْ عَلَى الْوَفَاء مِنْ فَضْله مَا هُوَ لَهُ أَهْل , وَكَانَ مُطَرِّف بْن عَبْد اللَّه يَقُول : هَذِهِ آيَة الْقُرَّاء . وعَنْ قَتَادَة , قَالَ : كَانَ مُطَرِّف إِذَا مَرَّ بِهَذِهِ الْآيَة : { إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّه } يَقُول : هَذِهِ آيَة الْقُرَّاء -حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ يَزِيد , عَنْ مُطَرِّف بْن عَبْد اللَّه , أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّه } إِلَى آخِر الْآيَة , قَالَ : هَذِهِ آيَة الْقُرَّاء - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : كَانَ مُطَرِّف بْن عَبْد اللَّه يَقُول : هَذِهِ آيَة الْقُرَّاء { لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْله } ' وَقَوْله : { إِنَّهُ غَفُور شَكُور } يَقُول : إِنَّ اللَّهَ غَفُور لِذُنُوبِ هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتهمْ , شَكُور لِحَسَنَاتِهِمْ , و عَنْ قَتَادَة { إِنَّهُ غَفُور شَكُور} :إِنَّهُ غَفُور لِذُنُوبِهِمْ ,شَكُور لِحَسَنَاتِهِمْ وَقَوْله : { إِنَّهُ غَفُور شَكُور } يَقُول : إِنَّ اللَّهَ غَفُور لِذُنُوبِ هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتهمْ , شَكُور لِحَسَنَاتِهِمْ , كما عَنْ قَتَادَة { إِنَّهُ غَفُور شَكُور } : إِنَّهُ غَفُور لِذُنُوبِهِمْ , شَكُور لِحَسَنَاتِهِمْ '
وقال القرطبي في تفسيره : قوله تعالى: { إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية} هذه آية القراء العاملين العالمين الذين يقيمون الصلاة الفرض والنفل، وكذا في الإنفاق. وقد مضى في مقدمة الكتاب ما ينبغي أن يتخلق به قارئ القرآن. { يرجون تجارة لن تبور} قال أحمد بن يحيى : خبر "إن" "يرجون". { ويزيدهم من فضله} قيل : الزيادة الشفاعة في الآخرة. وهذا مثل الآية الأخرى: { رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله} إلى قوله { ويزيدهم من فضله} النور : 37 - 38]، وقوله في آخر النساء { فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله} النساء : 173] وهناك بيناه. { إنه غفور} للذنوب. { شكور} يقبل القليل من العمل الخالص، ويثيب عليه الجزيل من الثواب.
[الأنترنت -موقع قوله تعالى { لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ۚ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُور}30 فاطر]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الستون بعد الثلاثمائة في موضوع الشكور وهي بعنوان: *لآيات لكل صبار شكور
هناك أربع آيات في القرآن الكريم خُتمت بقوله تعالى: { إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور}، الأولى: قوله تعالى: {ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبارشكور} (إبراهيم:5).
والثانية: قوله سبحانه: {ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله ليريكم من آياته إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور} (لقمان:31).
والثالثة: قوله تبارك وتعالى: {فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور} (سبأ:19)،
والرابعة: قوله عز وجل: {إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور} (الشورى:33).
والملاحظة الأولى التي نسجلها قبل تحليل قوله تعالى: {صبار شكور}، أن ثلاث آيات من هذه الآيات الأربع، جاءت في سياق النعم التي أنعم الله بها على عباده، في حين أن الآية الرابعة - وهي آية سورة سبأ - جاءت في سياق الحديث عن قوم سبأ الذين كفروا بأنعم الله، وجحدوا فضله.
والملاحظة الثانية التي تستدعي نفسها في هذا المقام، هي أن هاتين الصفتين: {صبار شكور}، من صيغ المبالغة، التي تفيد المبالغة في فعل شيء ما، كقولنا: فلان حماد، أي: كثير الحمد.
والملاحظة الثالثة هنا، ما روي عن عون بن عبد الله، قوله: فكم من مُنْعَمٍ عليه غير شاكر، وكم من مبتلى غير صابر. وقال قطرب - وهو أحد أئمة اللغة -: نعم العبد الصبار الشكور، الذي إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر.
وأقوال المفسرين من المراد من هاتين الصفتين متقاربة غير متباعدة، ومتكاملة غير متنافرة؛ فالإمام البغوي يقول:و(الصبار): الكثيرالصبر، و(الشكور) : الكثير الشكر، والمراد من هذين الوصفين كل مؤمن؛ لأن الصبر والشكر من خصال المؤمنين.
و القرطبي يقول: صبار على البلوى، شكور على النعماء. وقال ابن كثير : صبار في الضراء، شكور في السراء. والآلوسي يقول: صبار في الشدة، شكور في الرخاء؛ لأن حال المؤمن، إما أن يكون حال محنة وبلية، أو حال منحة وعطية؛ فإن كان الأول، كان المؤمن صباراً، وإن كان الثاني كان شكوراً. وهذا تنبيه على أن المؤمن يجب أن لا يخلو زمانه عن أحد هذين الأمرين، فإن جرى الوقت على ما يلائم طبعه ويوافق إرادته، كان مشغولاً بالشكر، وإن جرى ما لا يلائم طبعه كان مشغولاً بالصبر.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الواحدة والستون بعد الثلاثمائة في موضوع الشكور وهي بعنوان:
*لآيات لكل صبار شكور
أما ابن عاشورفيقول: والجمع بين{صبار} و{شكور} في الوصف؛ لإفادة أن واجب المؤمن التخلق بهذين الخُلقين:الصبرعلى المكاره،والشكر على النعم.
والشيخ السعدي يقول: صبار على الضراء، شكور على السراء، صبار على طاعة اللّه، وعن معصيته، وعلى أقداره،شكور للّه،على نعمه الدينية والدنيوية.
ثم وراء ما ذكره المفسرون من المراد من هاتين الصفتين، يذكر بعض أهل العلم كلاماً لا ينبغي أن يغفل عنه في هذا المقام، وهو أن سبحانه قد أنعم على الإنسان بنعم كثيرة، بحيث إنه لو أراد أن يحصي هذه النعم لما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وقد قال تعالى: { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } (إبراهيم:34). وذلك أن الإلفة والعادة التي يعيش في ظلها الإنسان تجعله لا يحس بقدر هذه النعم التي أنعم الله بها عليه، ولا يعرف قيمتها إلا إذا فقدها. والأصل هو معرفة الإنسان بنعم الله عليه قبل فقدها، والتوجه إليه بكل جوارحه شاكراً
لأنعمه، منيباً إليه.
وعندما تسلب هذه النعم من الإنسان - لحكمة يريدها الله - تفرض العبودية عليه أن يلتزم بالصبر الجميل، ويلجأ إلى الله طالباً كشف الضر عنه، وعليه أن لا يتصرف تصرفاً ينافي العبودية لله،
والاستسلام لقضائه وقدره.
وقد جاء في الحديث الصحيح: ( عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له ) رواه مسلم ، فهذا الحديث نابع من مشكاة هذين الوصفين اللذين ذكرهما القرآن الكريم.
وحُقَّ لك أن تسأل هنا: لماذا ذكر القرآن الكريم هاتين الصفتين بصيغة المبالغة؟ وفي الجواب يقال:
لما كانت لا توجد نعمة من النعم التي أنعم الله بها على الإنسان صغيرة، بل كل نعمه سبحانه عظيمة وكبيرة، فأقل عضو من أعضائه يقوم من المهام التي لا يمكن إحصائها، ويحمل من النعم التي لا سبيل إلى إدراكها، وإذ الأمر كذلك، فقد استدعى من المُنْعَم عليه أن يكون كثير الشكر، عظيم الصبر.
والنبي أيوب عليه السلام (بطل الصبر) - كما يقول الشيخ بديع الزمان النورسي -، بعد أن أخذ الله منه جميع النعم الدنيوية التي أنعمها عليه، لم تتغير حاله ولا أطواره، ولم ينحرف إلى اليأس أمام المحن والشدائد التي واجهته، بل تصدى لها بعزم وثبات ورباطة جأش؛ لأنه كان يدرك المعنى الحقيقي لأسباب المحن والمشقات؛ ولأنه أيضاً كان يدرك جيداً أن وراء كل محنة منحة، وخلف كل مصيبة لطيفة؛ لذا كان قلبه مفعماً بالإيمان، ولم ينزلق إلى القلق، بل توجه إلى ربه بالشكر والصبر، { إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب } (ص:44).
ونختم الحديث بما روي عن قتادة أنه قال: نِعْم العبد، عبد إذا ابتلي صبر، وإذا أعطي شكر.
[الأنترنت – موقع إسلام ويب - القرآن الكريم في ظلال آية - لآيات لكل صبار شكور]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثانية والستون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي بعنوان:
*القليل و الشكور في القران الكريم
يقول اللّه سبحانه وتعالى : {وقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ} [13 من سورة سبأ] وتتفرق مشتقات القلة.. وكذلك مشتقات الشكر في آيات القرآن الكريم المختلفة ولكنها تظل في مجموعها متساوية فلقد وردت مشتقات القلة 75 مرة إذ ذكرت بلفظ قليلا 56 مرة في مثل النص الشريف :{فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ}[249 من سورة البقرة]
ووردت بلفظ قليل 13 مرة في مثل النص الكريم :{مَتاعٌ قَلِيلٌ ولَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ}[117 من سورة النحل]
ومرتين بلفظ أقل في مثل قوله تعالى :{فَسَيَعْلَمُونَ
مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وأَقَلُّ عَدَداً}[24 من سورة الجن]
ومرة واحدة بالمشتقات في النصوص الكريمة :{وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ والْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ}[7 من سورة النساء] ،{وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا}[44 من سورة الأنفال]
{إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ}[54 من سورة الشعراء] ،{كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ}[249 من البقرة]
وبنفس العدد أي 75 تتكرر كل مشتقات الشكر
إذ وردت بلفظ تشكرون 19 مرة في مثل النص الشريف :{فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[123 من سورة آل عمران]
و9 مرات بلفظ يشكرون في مثل النص الكريم
:{وَ لَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ}[73 من سورة النمل] وأيضا 9 مرات بلفظ الشاكرين في مثل قوله تعالى :{وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ}[17 من سورة الأعراف] وكذلك 9 مرات بلفظ شكور في مثل النص الشريف :{إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [5 من سورة إبراهيم] و5 مرات بلفظ اشكروا في مثل النص الكريم :{كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ واشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ ورَبٌّ غَفُورٌ} [15/ من سورة سبأ] و3 مرات بلفظ اشكر في مثل قوله تعالى :{قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعَلى والِدَيَ } [15 / من سورة الأحقاف] وكذلك 3 مرات بلفظ يشكر في مثل النص الشريف :{لِيَبْلُوَنِي أَ أَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ومَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} [40 / من سورة النمل] أيضا 3 مرات بلفظ شاكرا في مثل النص الشريف :{إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وإِمَّا كَفُوراً}[3 / من سورة الإنسان] ومرتين بلفظ شكر في مثل قوله تعالى :{نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ}[25 /من سورة القمر] وكذلك مرتين بلفظ شكرتم في مثل النص الشريف :{وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ }[7 /من سورة إبراهيم]
وأيضا مرتين بلفظ أشكر في مثل النص الكريم : {وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ}[12 من سورة لقمان]
وكذلك مرتين بلفظ شكورا في مثل قوله تعالى
:{إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً ولا شُكُوراً}[9 من سورة الإنسان] وأيضا مرتين بلفظ مشكورا في مثل النص الشريف :{فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً}[19 من سورة الإسراء] ومرة واحدة بالمشتقات في النصوص الشريفة :{وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى}[7 من سورة الزمر]، {اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً} [13 من سورة سبأ] ، {وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ} [158 من سورة البقرة] ، {فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ} [80 من سورة الأنبياء] ، {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً}[3 من سورة الإسراء] وهكذا يتساوى جميع ما ورد في القرآن الكريم من ألفاظ القلة ومشتقاتها بكل ألفاظ الشكر ومشتقاته إذ ورد كل منهما 75 مرة.
[الأنترنت – موقع القليل و الشكور في القران الكريم - المؤلف : عبد الرزاق نوفل ، الكتاب أو المصدر : الاعجاز العددي للقران الكريم ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثالثة والستون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي بعنوان:
*كيف يشــكرالله عبده ؟
واسم الله الشكور ورد في القرآن الكريم 4 مرات يكون في معظمها مقترن بالغفور يقول عز وجل (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ )
واسم الله الشكور هي صيغة مبالغة لاسم الشاكر الذي ورد في القرآن الكريم مرتين اذ قال الله تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ)
فالله سبحانه وتعالى هو الشكور والعظمة في اسم الله الشكور انه عز وجل مع كل العطاء والرزق والهبات التي وهبها للإنسان يكون هو الشكور فملك الملوك سبحانه اغني الأغنياء هو الذي يشكر العبد الفقير على طاعته على الرغم من انه هو الذي أعانه ووفقه لذلك .فالله أعانك وألهمك وأمدك بأسباب الخير وعندما تفعل هذا الخير يشكرك عليه ولكن شكر الله للبشر مختلف عن شكر البشر لربهم ، يقول عز من قائل : (لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) فعمل المؤمن مهما بلغ فيه من الإخلاص والخشوع لابد أن يشوبه بعض التقصير ولكن الله يفغر لعبده أولا ما كان في عمله من التقصير ثم يجزيه ويكرمه على عمله ويقول سبحانه وتعالى : (إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ)
فالإنسان عندما يعمل الخير يجب أن لا ينتظر من غيره الشكر والامتنان حتى لا يضيع اجر العمل بمجرد إن تشكر بالضيق لان من عملت له المعروف لم يشكرك أو لم يرد لك المعروف يدخل الشيطان في العمل وينقص إخلاصك فيه فأنت لم تعمل هذا المعروف لوجه الله وابتغاء مرضاته ولكنك كنت تنتظر مقابل لهذا المعروف . وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يحرصون على السرية الشديدة في إعمالهم وكانوا ينسون أو يتناسون المعروف الذي يعملونه ولكنهم في المقابل كانوا يحفظون المعروف لأهل المعروف اقتداء بحبيبهم محمد صلى الله عليه وسلم وعلى المسلم أن لا يتوقف عن العمل الصالح ويستشعر دائما أن الله هو الذي سيشكرك ويثني عليك وياله من شكر وثناء
وقد قال ابن القيم رحمه الله : ( شكور صبور وهو أولى بصفة الشكر من كل شكور فهو يعطي العبد ويوفقه لشكره ثم يشكره على ما وفقه إليه )
والله هو الشكور الذي يرضى بالقليل ويجازي بالكثير فالله سبحانه وتعالى يعطي عطاء يليق بعظمته وبملكه الذي ليس له حد ولا عد فالدينار ب 700 دينار والحسنة بعشرة أمثالها وهذا العرض والعطاء لا يوجد إلا عند مالك الملك
سبحانه والله هو الشكور الذي يرزق وينعم دون منة ولا عوض فلا يطلب منك مقابل والدليل على ذلك انه يرزق البر والفاجر وانه ينعم على العبد ويتم إنعامه عليه وان عصاه أما البشر فيعطونك ثم يمنون عليك وإذا عصيتهم منعوك .
فالنملة يكفيها حبتين طوال السنة وفي قصة لنبي الله سليمان عليه السلام انه راقب نمله حتى إذا جمعت قوتها ووضعته في بيتها أمر جنوده فأغلقوا باب البيت وبعد سنة أمر بفتح الباب فإذا بالنملة وقد اكتفت بحبة واحدة وادخرت الأخرى فقال لها سليمان لماذا لم تأكل الحبة الأخرى فقالت له عندما كان رزقنا في السماء لم نكن نخشى الجوع فكنا نأكل كل ما جمعناه لأننا نعرف بان الله يرزقنا ، أما عندما أصبح الرزق بيدك خشينا الجوع فادخرناها لفاقتنا )
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الرابعة والستون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي بعنوان:
*ولكن كيف يشكر الله عبده؟
1- يثني الله على عبده عند ملائكته فقد ذكر الله
عز وجل في الحديث القدسي من ذكرني في نفسه ذكرته
في نفسي ومن ذكري في ملأ ذكرته في ملأ خير منه
2- يلقي له الشكر بين عباده فيكون ذا سيرة عطرة بين الناس فقد قيل ( ألسنة الخلق أقلام الحق )
3- يجزيك في الدنيا خير الجزاء عن تعبك وجهدك في سبيله فعندما سجن يوسف عليه السلام إرضاء لله عوضه الله في الدنيا بان جعله على خزائن الأرض وعوض الصحابة رضوان الله عليهم عندما تركوا ديارهم وأموالهم وهاجروا في سبيل الله بان ملكهم الدنيا وملك كسرى وقيصر وامتد ملكهم غالى الهند والصين وجاهد حبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام ولقي ما لقي من أذى الكفار فأثابه الله
صلاة وسلام دائمين من البشر والملائكة.
4- إن الله عز وجل يشكر حتى العصاة المذنبين فكل عمل فيه خير للبشرية يجازي به الله في الدنيا او الآخرة فالله لا يظلم أحدا فالمخترعون الذي خدموا البشرية بالاختراعات والاكتشافات كالكهرباء والهاتف والطائرة وغيرها وهو عصاة كافرين نرى أن الله لم يبخسهم حقهم وهو العادل سبحانه فخلد ذكرهم وأغناهم وأعزهم في الدنيا لان عملهم كان لغرض دنيوي وليس لوجه الله فان عملت للدنيا تنال أجرك كاملا في الدنيا ونرى ذلك واضحا فأهل السيادة والسيطرة في زمننا هذا هم
السياسة والمال والأسلحة وهذا من شكر الله لهم
5- ومن صور شكر الله لعبده أن يطوع قلوب الناس لحبه فالله إذا أحب العبد أمر جبريل أن ينادي في الخلائق إن الله يحب فلان فأحبوه فقد يري الإنسان شخصا لأول مرة ولكنه يشعر بالألفة والمحبة نحوه وهذا من عطاءات الله وشكره
6- وقد يكون شكر الله عونا على الطاعة فقد أعان الله عبده ايوب على الصبر على البلاء ثم شكره على ذلك فقال : (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)
7- وشكر الله كذلك يكون حماية وحفظ ورعاية
والهام للخير والصواب واجتناب للحرام فقد قال عليه الصلاة والسلام : ( من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب والله لا يقبل الا الطيب فان الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي احكم فلوة حتى تكون كالجمل )
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الخامسة والستون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:*ولكن كيف يشكر الله عبده؟
8- أما الشكر الأعظم فهو عندما يتجلى الله بعظمته وجلاله ويكشف عن وجهه الغطاء لأهل الجنة ويقول لهم : يا أهل الجنة هل رضيتم ؟ فيقولوا : يا رب كفيت ووفيت فكيف لا نرضى فيرد عليهم عز وجل : ( وعندي لكم المزيد اليوم احل عليكم رضاي وأكرمك بالنظر إلى وجهي الكريم وأي شكر أعظم من ذلك كل هذه من صور الله للعبد ولكن كيف يكون شكر العبد لخالقه ؟
قال أحد الصالحين:(الشكر ثلاثة أركان :إقرار النعمة والاعتراف بأنها من الله وحده
والاستعانة بالنعمة على طاعة المنعم وشكر من
أجرى الله النعمة على يديه كالمعلم والطبيب )
وقال ابن القيم : ( الشكر يبنى على خضوع الشاكر للمشكور الذي يورث حبا لله فإذا أحببته اعترفت بنعمته ثم أثنيت عليه فإذا أثنيت عليه لم تستعمل نعمته فيما يكره )
فإخفاء النعمة جحود وكفر وكثيرا من الناس يخفون نعم الله عليهم خوفا من الحسد فالله عز وجل قال
ك (وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ
الصُّدُورِ) كما قال : (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) ومعرفة النعمة جزء من الشكر فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من صنع إليه معروف فليجزي به فان لم يجد ما يجزي به فليثني فإذا أثنى فقد شكر وإذا كتم فقد كفر )وقال الله في كتابه العزيز : (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ) وقال الرسول عليه الصلاة والسلام : ( من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير ومن لم يشكر الناس لو يشكر الله والتحدث بنعمة الله شكر وتركه كفر والجماعة رحمة والفرقة عذاب )
وقد يكون المرض نعمة إذا ما وجدت به زيادة في إيمانك وتقربا من خالقك ووقوف على بابه ففي الأخذ نعمة وفي القبض نعمة كما إن في العطاء نعمة ولعل أعظم نعمة أنعمها الله علينا هي نعمة الإيمان والهداية والطاعة فكما يتباهى البشر بالمال والحسب ولقصور يجب على المسلم أن يتباهى بطاعته وان تكون نيته في ذلك حث الناس على الاقتداء والعمل الصالح .
وإذا ما استيقن العبد بان الله وهو أغنى الأغنياء هو الشكور فيجب عليه أن يبادر وهو العبد الفقير إلى شكر الله وحمده ويلتزم الاستغفار على ذنبه فالدين نصفه شكر ونصفه الآخر استغفار فإذا أذنب العبد سارع بالاستغفار وإذا عمل صالحا أو رزق طيبا سارع بالحمد والشكر وقد قال الله تعالى
:(مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا)وقال عزمن قائل (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) ولكن عبادة الشكر من العبادات الصعبة على الإنسان وهذا يوضحه قول الله تعالى : (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) (فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ)
كما أن الله سبحانه وتعالى يهدد من لا يشكره على النعم بإزالتها أو محق بركتها فيقول : (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ) ويثني على الشكور ويجازيه بزيادة النعم فيقول : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)
[ الأنترنت – موقع الحب الالاهى ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السادسة والستون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي بعنوان:
*كيف يغيّر الشكر اليومي حياتك ؟
نِعَمٌ تتوالى علينا بحمد الله .. وقد أصيب أقوامٌ بالخوف والقلق والقتال، نِعَمٌ وأرزاقٌ تأتينا رغدًا من كل مكان وإخوانٌ لنا لا يجدون لقمة العيش إلا بتعب وعناء، وربما ماتوا من الجوع والإقلال، وإن لم يكن فالقتال وتسلط الضُّلال.
فالحمد لله على نعمة التوحيد والحمد لله على نعمة الأمن والإيمان والرزق والصحة.
كثيراً ما يتحدث علماء التنمية البشرية عن أنّ: ممارسة الحمد و الشكر لله في الحياة اليومية له تأثير عجيب يبعث طمأنينة وسعادة وسكينة وتوفيقاً ،
[ راجع في ذلك: أسرار "قوة الشكر" ل عبد الدائم الكحيل.]
والحقيقة أنّ الكتاب والسنة تثبت ذلك، بل الأمر أعم وأشمل من هذا، فالله تعالى يقول ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [ إبراهيم الآية 7.]
فالشكر يزيد النعم.. كما أن الكفر يذهبها، هكذا كانت نصوص المفسرين إنها صريحة الدلالة... إنها عامة.. إن الزيادة في كل شيء.. في الصحة... في المال.. في الجاه..في النصر.. في العز والرفعة.. في كل شيء.
قال ابن القيم رحمه الله: قرن الله سبحانه الشكر
بالإيمان، وأخبر أنه لا غرض له في عذاب خلقه إن شكروا وآمنوا به فقال: ﴿ مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ﴾ [النساء الآية 147.] إلى أن قال رحمه الله: وعلّق الله سبحانه المزيد بالشكر والمزيد منه لا نهاية له كما لا نهاية لشكره ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [ إبراهيم الآية 7. ][ عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين ص98 وما بعدها.] ا.هـ.
كثيرةٌ هي آيات الشكر في القرآن تزيد على الخمسين آية، ويكفي أن الله تعالى وصف العظماء من خلقه بأنهم من الشاكرين.فنوح عليه السلام ﴿ كَانَ عَبْدًا
شَكُورًا ﴾ [ الإسراء الآية 3.]
وإبراهيم عليه السلام ﴿ شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [ النحل الآية 121.]
وأوصى الله موسى عليه السلام بقوله ﴿ قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي
فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ ﴾ [ الأعراف الآية 144.]
بعد المحافظة على الفرائض والواجبات تكون ممارسة الشكر اليومية بما يلي:
1-أذكار الصباح و المساء وأدبار الصلوات و النوم والتي منها التسبيح بحمد الله تعالى كما جاء عَنْ جُوَيْرِيَةَ بنت الحارث، أم المؤمنين رضي الله عنها؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً، حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ وَهِيَ فِي مَسْجِدِهَا، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى، وَهِيَ جَالِسَةٌ، فَقَالَ: ((مَا زِلْتِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا؟)) قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:((لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ)) رواه مسلم [ رواه مسلم ج4ص2092 برقم2726.] أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة، حطت عنه خطاياه، ولو كانت مثل زبد البحر) متفق عليه [ صحيح البخاري ج 8 ص 86 برقم6405، صحيح مسلم ج4ص2071برقم2691.،]
ومنها: ماجاء عن ومنها كذلك: ماروي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ غَنَّامٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ: اللهُمَّ مَا أَصْبَحَ بِي مِنْ نِعْمَةٍ أَوْ بِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ، فَمِنْكَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، فَلَكَ الْحَمْدُ وَلَكَ الشُّكْرُ، فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ ذَلِكَ الْيَوْمَ)). رواه النسائي[ رواه النسائي ج9ص8برقم9750. وضعفه الألباني.]
2- الصدقة اليومية ولو بشئ يسير، والأصل في ذلك مارواه أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ، إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا" متفق عليه[ صحيح البخاري ج2ص115برقم1442، صحيح مسلم ج2ص700 برقم1010]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السابعة والستون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي بعنوان:
*كيف يغيّر الشكر اليومي حياتك ؟
3- صلاة الضحى عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه عَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنْ الضُّحَى) رواه مسلم[ صحيح مسلم ج1ص498 برقم 720.]
4- الشكر عند ممارسة النعم كالأكل والشرب واللبس ونحو ذلك، فعن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أكل طعاما ثم قال الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ومن لبس ثوبا فقال الحمد لله الذي كساني هذا الثوب ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر) رواه أبوداود[ روا أبوداود ج4ص42برقم4023. وحسنه الألباني دون زيادة ما تأخر.]
وأمّا سجود الشكر فيكون عند تجدد نعمة أو حدوثها، كان صلى الله عليه وسلم إذا جاءه أمر يسرُّه خر ساجداً [ رواه ابن ماجه ج1ص446 برقم1394 وحسنه الألباني.]
يقول البهوتي الحنبلي رحمه الله:" تستحب سجدة الشكر عند تجدد نعمة ظاهرة، أو دفع نقمة ظاهرة عامتين له وللناس، أو في أمر يخصه نصا، كتجدد ولد أو مال أو جاه، أو نصرة على عدو، وإن لم تشترط في النعمة الظهور فنعم الله في كل وقت لا تحصى، والعقلاء يهنئون بالسلامة من العارض، ولا يفعلونه في كل ساعة [ كشاف القناع (1/449-450).] أهـ
5- الشكر المطلق في أي وقت، إذ كما أنّ الشكر يكون عند تناول النعم، فيكون أيضاً في أي حال وأي وقت قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [ سورة البقرةآية 172]
6- شكر من أسدى لك خدمةً أو معروفاً من
الناس: فقد روى الترمذي عن أسامة بن زيد - رضي الله تعالى عنهما - أن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ)[ رواه الترمذي ج4ص380 برقم2035 وحسنه الألباني.]
وعن النعمان بن بشير قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله، التحدث بنعمة الله شكر، وتركها كفر) [ رواه الإمام أحمد ج30ص390برقم18449 وحسنه الألباني صحيح الجامع ج1ص579.]
7- المحافظة على النعم بعدم كفرها، ومن كفرها وعدم شكرها الإسراف، ﴿ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [ سورة الأعراف آية (31) ] فلا تأخذ ما هو زائد عن حاجتك، وإن فضل شيء فأعطه من هو محتاج وإياك ورميها فقد تضيع منك وقت ماتكون أشد حاجةً إليها، ومن أخطر كفران النعم ارتكاب ما يغضب الله تعالى إذ كيف ينعم عليك وأنت تعصيه !! وهذا مؤذن بزوال النعمة، كما قال الله.. ﴿ وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ ﴾ [ سورة النحل آية(112)]
هذه النقاط إذا مارستها بشكلٍ يومي أخي الكريم
وحافظت عليها، فستجد أن حياتك تغيّرت تغيّراً جذرياً نحو الأفضل، لقد قام العلماء بتجارب كثيرة لدراسة تأثير الشكر على الدماغ ونظام المناعة والعمليات الدقيقة في العقل الباطن، ووجدوا أن للشكر تأثيراً محفزاً لطاقة الدماغ الإيجابية، مما يساعد الإنسان على مزيد من الإبداع وإنجاز الأعمال الجديدة. كما تؤكد بعض الدراسات أن الامتنان للآخرين وممارسة الشكر والإحساس الدائم بفضل الله تعالى يزيد من قدرة النظام المناعي للجسم!
يقوم الدكتور Robert Emmon وفريق البحث
في جامعة كاليفورنيا بدراسة الفوائد الصحية للشكر، وقد وجد بنتيجة تجاربه على الطلاب أن الشكر يؤدي إلى السعادة، وإلى استقرار الحالة العاطفية وإلى صحة نفسية وجسدية أفضل. فالطلاب الذين يمارسون الشكر كانوا أكثر تفاؤلاً وأكثر تمتعاً بالحياة ومناعتهم أفضل ضد الأمراض، وحتى إن مستوى النوم لديهم أفضل
[ من مقال أسرار "قوة الشكر" ل عبد الدائم الكحيل منشور عبر الشبكة.][الأنترنت – موقع الألوكة - كيف يغير الشكر اليومي حياتك؟ - د. صغير بن محمد الصغير]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثامنة والستون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي بعنوان:
*انواع الشكر ولماذا الشكر مصفاة القلوب
ما اجمل الانسان الذى يشكر دائماً ؛لان الشكر مصفاة القلوب وهو لغة المؤمنيين. فما احوجنا فى
هذة الايام الى الشكر والرضا فالمرأة كثيرة الشكوى تصبح عبء على زوجها وتحول البيت الى جحيماً اما المرأة الشاكرة القنوعة تحول البيت الى جنة على الارض . فلنتعرف معا ما هو الشكر و ما هي انواع الشكر :
– الشكر عبادة .عندما ترفعى عينك لتقدمى
الشكر لله فكأنكِ تقولين انى اثق بك واعرف ان امورى كلها فى يدك.
– الشكر نعمة . فنجد من هو ناقم على ظروفه ومن هو حاقد على الاخرين لكنها بالفعل نعمة لمن يدرك قيمتها. الشكر قرار ارادى لا ينتظر اموراً مفرحة تحدث. فما اجمل اللسان الممتلئ بكلمات الشكر و القلب الذى يغمره الامتنان والعرفان بالجميل.
وللشكر انواع كثيرة نذكر منها :
1- شكر بديهى :
وهو الشكر على الامور البديهية البسيطة التى فى
معظم الاحيان لا نلاحظها او نعير لها اهتماماً مثال
:هل جربتى ان تستيقظى ذات يوم وتشكرى الله سبحانه على اشراقة الشمس فى الصباح او ان تقدمى الشكر من اجل يوم جديد منحك الله اياه.
كما يمكنك ان تجربى أو تجرب هذا النوع من الشكر مع زوجك أو زوجك فيكون له آثر رائع على علاقتكما لانه من الطبيعى ان تشكر على الامور الكبيرة لكن الشكر على الامور البديهية البسيطة يعطى انطباع اكثر بالتقدير والامتنان.
2- شكر ملموس :
وهو الشكر على الامور المحسوسة والملموسة مثال
: اشكر ربنا على أهلك ،زوجتك ،اولادك ،
منزلك ، اصدقائك ،عملك ،اشكرالله على الطعام والملبس،الخ ..... من الامور الملموسة فى حياتنا اليومية.
كما يمكن ان تشارك من معك دائما بالقول ” انا أشكر ربنا عليك ؛فعلا انت الانسان المناسب الخ من العبارات التى لها آثر طيب فى النفس.
3- شكر معنوى :
وهو الشكر على الامور المعنوية مثل الشعور بالراحة والسلام والشكر على مشاعر الفرح . ايضاً هذا النوع من الشكر اذا تم تطبيقة فى العلاقات الزوجية يكون له انعكاس رائع ،فحسسى زوجك أو زوجتك دائما انك تشعر بالراحة والفرح معه .
4- شكر رغم الظروف :
وهو ما يُسمى شكر التسليم..هل جربتم ذات يوم ان تشكروا الله على ظروف لم تتعدل بعد ؟ او على تأخير امر ما ؛ مثل ترقية او علاوة ؟ او على امور سلبية غير قادرين عليها ؛ تشكروا الله عليها وكأنكم تقولون اننى اثق بك يا مبدع الكون واسلم كل امورى فى يدك واشكرك عليها حتى قبل ان تتغير للافضل
5- شكر على اشياء لم تشكر عليها من قبل :
امعنوا التفكير فى الامور التى كانت تستحق منكم
التأمل ولكن مرت عليكم مرور الكرام وتذكروا
الاشياء التى لم تشكروا عليها الله من قبل .
6- شكر على ما هو آتى : هل جربتم ان تشكروا الله على الامور التى فى علم الغيب .
شكر على امور لم تحدث بعد .وهو ما يُسمى شكر العشم وعندما تقوموا بهذا النوع من الشكر كأنكم تقولون لله سبحانه انه جدير بالثقة.
مما يبعث الاطمئنان فى القلوب ويقلل الخوف من المستقبل ومما تخبئه لنا الايام فنحن لا نعلم ماذا تحمل لنا الايام لكن نعلم جيداً من يحمل ايامنا فهى فى يد مالك الكون القوى الجبار العليم بكل شئ.
7- شكر على امور لم تحدث للشاكر نفسه :
فمن وجهه نظرى هو افضل انواع الشكر ان تشكر الله على امور حدثت مع غيرك سواء فرد من افراد عائلتك او احد اخوتك او اصدقائك او جيرانك او زملائك فى العمل مثال؛ ان تشكر الله على انه رزق جارتك أو جارك مولوداً جديداً او انه اعطى أحد الأصدقاء عملاً أفضل مما كان فيه لتساعده مثلا على غلاء المعيشة. وهكذا فهذا النوع من الشكر يبعث فينا الفرح بطريقة غير مباشرة لانه يحمل فى طياته اخباراً سارة مفرحة. فعندما افرح لفرح غيرى اتجنب اى شعور بالحقد او الحسد يمكن ان يتسلل الى قلبى.
[ الأنترنت – موقع - انواع الشكر ولماذا الشكر مصفاة القلوب ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة التاسعة والستون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي بعنوان:
* ما هي نعم الله على الإنسان
إنّ الله تبارك وتعالى خلق الإنسان، والحيوان والنَّبات، وخلق الجانَّ والملائكة، وخلق كلَّ العوالم، وأنعم على مخلوقاته بنِعمٍ لا تُعدّ ولا تُحصى، حيثُ قال في مُحكَم التنزيل: (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) سورة النَّحل، 18. وقال في آية أُخرى: (وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِ*نسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) سورة إبراهيم، 34. ففي تلكما الآيتين دعوةٌ من الله سُبحانه وتعالى للعبدِ أن يتفكّر في نِعم الله تعالى عليه، ويتذكرها ولا ينساها، ويؤدي حقّ شكر الله تعالى على هذه النِّعَم، قولاً وفعلاً وحالاً واستشعارًا، قال سُبحانه وتعالى مُحذرًا من نسيان النِّعَم وكفرانها وإنكارها: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) سورة البقرة، 152.
والنِّعَم هي كلُّ خيرٍ ولذَّة وسعادة، وكلُّ مطلوب
ومُؤثَر، والنِّعَم الحقيقيّة هي التي تكونُ في الدَّار الآخرة، وما يُطلق في الحياة الدُّنيا على النَّعَم فإنّما هي على سبيل المجاز، فكلُّ سبب يُوصِل إلى سعادة الآخرة ويعين عليها هي النِعمة الحقيقيّة. ولو جلس الإنسان مع نفسه يتفكّر في نِعَم الله سُبحانه وتعالى على العبد، لأمضى الساعات الطويلة بدون إحصاء، قال الله سُبحانه وتعالى: (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) سورة لقمان، 20.
أنواع النِّعم : بعض أهم تلك النَّعم يُمكن تقسيمها إلى ما يأتي:
النعم الحاصلة للعبد من أمور الدنيا أنعم الله على
عباده من بني البشر بنعم كثيرة لا تعدّ ولا تحصى، وهناك الكثير من النعم التي يتمتّع بها بني آدم، منها:
نِعمة القوّة الجسديّة، والصحّة والعافية. نِعمة السَّمع، والبصر. نِعمة الكلام واللسان.
نِعمة التذوّق والشمّ. نِعمة العقل والتفكير السليم.
نِعمة الماء والطعام. نِعمة الذريّة الصالحة من بنين وبنات.
نِعمة الزوجة الصّالحة، قال النَّبي صلّى الله عليه وسلّم: (ما استفَادَ مؤمنٌ من بعدِ تقوَى اللَّهِ خيرًا لهُ من زوجَةٍ صالِحةٍ إن أمرَها أطاعَتهُ وإن نظرَ إليها سرَّتهُ) [رواه الزرقاني في مختصر المقاصد، رقم: 872، وقال عنه: حسن لغيره.]
نِعمة الجيران الصالحين، والصّحبة الصّالحة الطّيبة.
نِعمة الأمن والطمأنينة، قال تعالى: (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ). سورة قريش، 4.
* نِعمة الراحة والسعادة.
النعم الحاصلة للعبد من أمور الآخرة من نِعم الله علينا وما يتعلق بأمور الآخرة:
الإسلام، وهي من أعظم النِّعم على الإنسان. إرسال النَّبي محمّد صلّى الله عليه وسلّم، قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) سورة الأنبياء، 107.
تقوى الله تعالى ، الخشوع والخضوع في الصَّلاة ، الإعانة على الصِّيام، الحفظ والعِصمة من الذنوب والمعاصي ، الإعانة على برّ الوالدين ، توفّر العلم النافع الشرعي وسهولة التعلّم ، إجابة الله سُبحانه وتعالى للدُّعاء في كلّ أحوال المسلم ، رحمة الله سُبحانه وتعالى بالعباد، وكرمه عليهم.
نعم الله التي ننتظرها نحن المسلمين وعد الله عباده المؤمنين بالعديد من النعم جزاءً لإيمانهم وطاعتهم وصبرهم.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السبعون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي بعنوان:
* النعم التي وعد الله بها عباده المؤمنين
ومن تلك النعم التي وعد الله بها عباده المؤمنين:
*الحياة الطيّبة، فقد وعد الله عباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات بالحياة الطيبة، الحياة الهنيئة المبنيّة على الالتزام بمنهج الله القويم، وصراطه المستقيم. الأمن والنجاة في الدنيا والآخرة، فقد وعد الله عباده المؤمنين بالنجاة في الدنيا والأمن في الآخرة من الفزع الأكبر.
*المغفرة، فقد وعد الله عباده المؤمنين بالمغفرة والأجر والثواب، فيغفر الله زلّاتهم، وكلّ ذلك برحمته تعالى. النصر على الأعداء، فكم من فئة قليلة غلبت فئةً كثيرة بأمر الله، فلابدّ للإسلام أن
ينتصر على أعدائه، طال الزمن أم قصر.
التمكين والاستخلاف في الأرض، فقد وعد الله الذين آمنوا بالخلافة في الأرض والتمكين لهم، وستعود للإسلام هيبته، ويعود له عزّه بإذن الله. فهذه بعض الوعود التي وعد الله بها عباده المؤمنين،
وهي من نعم الله التي ننتظرها بإذن الله تعالى.
وممّا سبق نجد أنّ النعم التي أنعم الله بها على عباده أكثر من أن تعدّ، فهل هناك ما يجب فعله للحفاظ على هذه النعم؟ وهل هناك ما يزيل النعم؟ نعمة الإسلام إنّ أفضل النعم التي أنعم الله بها علينا هي أن خلقنا مسلمين، فنعمة الإسلام هي نعمة عظيمة جداً، بل هي أعظم النعم على الإطلاق، فيا لحظِّ من خلقه الله مسلماً في بيئةٍ مسلمةٍ.
أمّا المسلمون فلهم حظٌّ عظيم من نعم الله سبحانه في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا هم في عناية الله ورحمته، وسيبقون كذلك إلى أن يحقق الله لهم النصر والتمكين ويستخلفنّهم في الأرض، هذا وعد الله لهم، والله محقّقٌ وعده، وفي الآخرة لهم:
(ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر) رواه البُخاري في صحيحه، عن أبي هريرة، رقم: 4779. لهم الجنّة، فالمسلمون أكثر أهل الجنّة على الإطلاق، فهم يعادلون نصف أهل الجنّة، وربّما الثلثين، حتى العصاة منهم الذين يعذّبون في جهنم، فلسوف يخرجون من جهنّم ويدخلون الجنّة، وحينئذٍ يتمنّى كل أهل النار أن لو كانوا مسلمين.
*أسباب حفظ النعم إنّ النعمة إذا أراد العبد أن
تحفظ من الزوال، عليه بالشكر، فبالشكر تحفظ
النعمة من الزوال، بل وتزداد النعم، قال الله تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) سورة إبراهيم، 7..
فالشكر هو السبب الأول والرئيس لحفظ النعمة من الزوال، أمّا الأمور الأخرى التي تساعد العبد في زيادة النعم، فهي كثرة الاستغفار، والدعاء الكثير، فمن عرف الله وقت الرخاء، عرفه الله وقت الشدّة، فبالدعاء تزداد النعم ويزول البلاء، كيف لا والله سبحانه يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ
فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) سورة البقرة، 186..
*أسباب زوال النعم إنّ عدم شكر النعمة، وتجاهلها، يؤدّي إلى زوال النعمة، بل وإنّ المعاصي تمحق النعم، فالعاصي يعصي الله بنعمته، فاليد نعمة، والبصر نعمة، والسمع نعمة، وكم من عاصي عصى الله بنعمه، فليس غريباً أن تزول النعمة بسبب المعاصي، بل إنّ كثرة التذمّر والشكوى من ضيق الحال يؤدّي إلى زوال النعم أيضاً، لكن كلّ بني آدم يذنبون ويخطئون، وعلى العبد أن يسارع إلى التوبة والاستغفار من ذنبه، فمن تاب من ذنبه كمن لا ذنب له. خاتمة لابدّ لكلّ مسلم أن يتذكّر نعم الله عليه، وأن يشكره عليها، فإن استحضرنا نعم الله علينا، عرفنا رحمة الله بنا، وإن عرفنا رحمة ربّنا بنا، طمعنا في رضاه وحبّه، فوالله الذي لا إله إلّا هو ما شكر عبدٌ ربّه إلّا زاده من فضله، فالله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، فلا نشكو ونتذمّر، بل نشكر ونصبر، فكمّ من غنيٍّ أعطاه الله نعمة المال يشكو ضيق الحال، وكم من فقير لا يجد قوت يومه، يحمد الله تعالى ليل نهار، فلابدّ من القناعة لكلّ مسلم، فالقناعة حقّاً كنزٌ لا يفنى. [الأنترنت – موقع موضوع - ما هي نعم الله على الإنسان - بواسطة: Ahmed Helo - مراجع / إحياء علوم الدين، أبو حامد الغزالي، ج4، ص99، دار الكتب العلمية، بيروت.]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الواحدة والسبعون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي بعنوان:
*أسرار قوة الشكر
للشكر والامتنان طاقة غريبة تمنح صاحبها النجاح والشفاء، هذا ما يقوله الخبراء اليوم وهذا ما قاله النبي الكريم قبل ذلك....
كنتُ أتأمل سيرة بعض الناجحين على مر التاريخ ولفت انتباهي أمر مهم ألا وهو أنهم يستخدمون التقنيات ذاتها في سبيل النجاح وتحقيق ما يطمحون إليه بسهولة. ومن الأشياء الملفتة أنهم يستخدمون "قوة الشكر" فالشكر والامتنان له سحر غريب وتأثير عجيب في حياة الإنسان، ولكن كيف؟
*الشكر طريق سهل للنجاح
يؤكد الدكتور جون غراي وهو طبيب نفسي
وأحد المبدعين الذين بيعت ملايين النسخ من كتبه، يؤكد على أهمية الشكر في حياة الإنسان الناجح، فالزوجة مثلاً التي تشكر زوجها على ما يقوم به، فإن هذا الشكر يحفزه للقيام بمزيد من الإبداعات والنجاح. فالامتنان يقدم لك المزيد من الدعم والقوة.
ويوضح الخبير "جيمس راي" هذه الحقيقة بقوله: إن قوة الشكر كبيرة جداً فأنا أبدأ يومي كلما استيقظت صباحاً بعبارة "الحمد لله" لأنني وجدتها مفيدة جداً وتمنحني طاقة عظيمة! ليس هذا فحسب بل إنني أشكر الله على كل صغيرة وكبيرة وهذا سرّ نجاحي
أنني أقول "الحمد لله" وأكررها مراراً طيلة اليوم!!
*الشكر طريق سهل للإبداع
للشكر تأثير مذهل في حياة معظم المبدعين، فالامتنان والشكر للآخرين هو أسهل الطرق للنجاح، والشكر طريقة قوية ومؤثرة حتى عندما يقدم لك أحد معروفاً صغيراً فإنك عندما تشكره تشعر بقوة في داخلك تحفزك للقيام بالمزيد من الأعمال الخيرة. وفي دراسة حديثة تبين أن الامتنان والشكر يؤدي إلى السعادة وتقليل الاكتئاب وزيادة المناعة ضد الأمراض!
لقد قام العلماء بتجارب كثيرة لدراسة تأثير الشكر
على الدماغ ونظام المناعة والعمليات الدقيقة في العقل الباطن، ووجدوا أن للشكر تأثيراً محفزاً لطاقة الدماغ الإيجابية، مما يساعد الإنسان على مزيد من الإبداع وإنجاز الأعمال الجديدة. كما تؤكد بعض الدراسات أن الامتنان للآخرين وممارسة الشكر والإحساس الدائم بفضل الله تعالى يزيد من قدرة النظام المناعي للجسم!
يقوم الدكتور Robert Emmon وفريق البحث في جامعة كاليفورنيا بدراسة الفوائد الصحية للشكر، وقد وجد بنتيجة تجاربه على الطلاب أن الشكر يؤدي إلى السعادة وإلى استقرار الحالة العاطفية وإلى صحة نفسية وجسدية أفضل. فالطلاب الذين يمارسون الشكر كانوا أكثر تفاؤلاً وأكثر تمتعاً بالحياة ومناعتهم أفضل ضد الأمراض. وحتى إن مستوى النوم لديهم أفضل!
*الشكر لعلاج المشاكل اليومية
يؤكد الباحثون في علم النفس أن الشكر له قوة هائلة في علاج المشاكل، لأن قدرتك على مواجهة الصعاب وحل المشاكل المستعصية تتعلق بمدى امتنانك وشكرك للآخرين على ما يقدمونه لك. ولذلك فإن المشاعر السلبية تقف حاجزاً بينك وبين النجاح، لأنها مثل الجدار الذي يحجب عنك
الرؤيا الصادقة، ويجعلك تتقاعس على أداء أي عمل ناجح.
عندما تمارس عادة "الشكر" لمن يؤدي إليك معروفاً فإنك تعطي دفعة قوية من الطاقة لدماغك ليقوم بتقديم المزيد من الأعمال النافعة، لأن الدماغ مصمم ليقارن ويقلّد ويقتدي بالآخرين وبمن تثق بهم.
ولذلك تحفز لديك القدرة على جذب الشكر لك من قبل الآخرين، وأسهل طريقة لتحقيق ذلك أن تقدم عملاً نافعاً لهم.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثانية والسبعون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي بعنوان:
*فن ممارسة الشكر
الاختصاصي "لي برو" مؤسس شركة تفعيل الطاقة لإحراز الثروة، ينصح بأن تمارس الشكر والامتنان باستمرار بل أن تقنع نفسك بذلك من خلال الكلام، أي لا يكفي الاعتقاد أو الامتنان إنما يجب أن تقول وتكتب ذلك على ورقة مثلاً: إنني سعيد جداً ... لأنني أشكر الناس على معروفهم... وهذا الشكر سيقدم لي النجاح والإبداع...
ويقول هذا الخبير المتخصص بجمع الثروات: اجعل الشكر عادة تمارسها كل صباح، أن تبدأ بشكر الله، ثم تشكر الناس خلال ممارسة أعمالك اليومية لكل عمل أو معروف يقدّم لك... وخلال أيام قليلة ستشعر بقوة غريبة وجديدة من نوعها تسهل طريقة النجاح لك.
*آلية عمل الشكر
بعد دراسات طويلة لعدد من الباحثين في البرمجة اللغوية العصبية وعلم النفس تبين أن معظم المبدعين والأثرياء كانوا يشكرون الناس على أي عمل يقدمونه لهم، وكانوا كثيري الامتنان والإحساس بفضل الآخرين عليهم، ولا ينكرون هذا الفضل حتى بعد أن جمعوا ثروات طائلة.
ولو تساءلنا: كيف يقوم هذا "الشكر" بعمله، وكيف يمكن أن يصبح الإنسان ناجحاً، وما علاقة ممارسة الشكر بالإبداع مثلاً؟ إن الجواب يكمن في عقلك الباطن!
يؤكد العلماء أن كل تصرف تقوم به أو حركة تعملها أو كلمة تنطق بها... إنما تصدر نتيجة برامج معقدة موجودة في داخل الدماغ في منطقة تسمى العقل الباطن (وهي منطقة مجهولة حتى الآن). وهناك تفاعلات يقوم عقلك الباطن في كل لحظة مع الأحداث التي تمر بك، وعند ممارستك لأي عمل هناك عمليات معقدة
*الشكر يحدث في دماغك تحديث لا تشعر به.
فكثير منا يحاول حفظ القرآن مثلاً ولا يستطيع بل يجد ثقلاً وكأن شيئاً يبعده عن هذا الحفظ. وكثير منا يحاول أن ينجز عملاً فلا يجد رغبة في ذلك فيتقاعس وتجده كئيباً منعزلاً لا يجد لذة في هذا العمل فلا يقدم عليه.
وكثير أيضاً لديهم طموحات في مجال الدراسة أو العمل أو العاطفة... ولكن لا ينجزون أي شيء!
هل تعلمون ما هو سبب هذه الظاهرة الخطيرة؟
إنه عقلك الباطن الذي امتلأ بالأفكار السلبية وتمَّ حشوه بالمعلومات الخاطئة عن الآخرين وفقد التوجه الصحيح، وبالتالي لابد من إعادة شحنه وبرمجته وتنشيطه.
للشكر طاقة هائلة تظهر بعد فترة من ممارسته، فالمبدعون الذين كانوا يشكرون الآخرين ويعبرون عن امتنانهم بشتى الطرق، أدركوا فوائد هذا العمل وبالتالي أكثروا منه واستثمروه وحصدوا نتائجه من خلال ما قدموه من إبداع واكتشاف.
والآن يأتي دور الشكر والامتنان، حيث أنك عندما تشكر الناس وتشكر الله فإن كل عملية شكر تقوم بها تشكل في عقلك الباطن معلومة جديدة تحفزه ليدفعك للعمل أكثر، لأنك ستعتقد أن الناس سيقدرون عملك ويهتمون به ويشكرونك عليه، وهذا يقودك لمزيد من العمل.
بينما نجد الإنسان الذي لا يشكر الناس يظن بأن الآخرين لن يشكروه على أي عمل يقدمه مهما كان مهماً،وبالتالي يختفي الحافز والدافع لأي عمل جديد، فتجده يفقد الرغبة في الإنجاز ومع الزمن يتطور الأمر فيصاب باكتئاب خفيف وقد يتطور إلى اضطراب مزمن...
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثالثة والسبعون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي بعنوان:
*الشكر... صفة لله تعالى
يقول تعالى: (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا) [النساء: 147].
فشكر الله عز وجل يكون من خلال كرمه وفضله ورزقه لنا، وشكرنا لله تعالى يكون من خلال التزامنا بتعاليمه وطاعة أوامره والانتهاء عما نهى عنه. ولذلك فإن الله جعل الشكر صفة له فقال: (وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا). وكذلك جعل الشكر صفة لأنبيائه عليهم السلام فقال في حق سيدنا إبراهيم: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [النحل: 121].
وقال تعالى عن نفسه: (لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) [فاطر: 30]. وحتى يوم القيامة فإن المؤمن يحمد الله تعالى وهو في الجنة، ويشكر الله الغفور الشكور على هذه النعم، يقول تعالى: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ) [فاطر: 34].
الشكور من أسماء الله الحسنى وهذا الاسم يحمل
إشارة مهمة وهي: أيها الإنسان! أنت لست أفضل من الخالق تبارك وتعالى، فإذا كان الله تعالى هو "الشكور" فماذا عنك أيها الإنسان؟ وسبحان الله، كلما ازداد المؤمن إيماناً ازداد شكراً للناس.
*الشكر يقابل الكفر
هل تتصورون أن عدم الشكر يؤدي إلى الكفر! بل إن الله تعالى جعل للإنسان طريقين: الشكر والكفر، يقول تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) [الإنسان: 3]. وهكذا ندرك أن الشكر فريضة على المسلم، وليس مجرد عادة تهدف لجلب الثرة أو النجاح أو الشهرة!
ولذلك قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7]. تأملوا معي المنزلة التي يحتلها الشكر في الإسلام، إذا لم تشكر الله فإن عذاب الله شديد! ولكن عندما تشكر الله تعالى فإن الله سيرزقك ويزيدك مالاً ونجاحاً وقوة: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)، أليس هذا ما يؤكده الخبراء من غير المسلمين؟
حتى إننا نجد الدراسات العلمية الجديدة تؤكد على فوائد الامتنان والشكر ولكن ما علاقة الإيمان
بذلك؟ يقول العلماء: إن الإيمان بالله والصلاة
تساعد كثيراً على الشكر للناس وبالتالي كسب
فوائده،ولذلك ينصحون بمزيد من الإيمان بالله!
*حتى البهائم تشكر الله تعالى!
ربما نتذكر قصة ذلك الرجل الذي وجد في الصحراء كلباً يلهث يأكل الثرى من العطش فذهب إلى البئر ونزع خفّه فملأها ماءً حتى روي الكلب، قال النبي صلى الله عليه وسلم:(فشكرالله له فغفر له) [البخاري ومسلم].
فالحيوانات والنباتات تشكر الله وتسبحه حمداً له على أن أوجدها وسخر لها أسباب الرزق. فعندما تحسن إلى حيوان تجده يتقرب منك ويشمك ويحني رأسه أمامك تعبيراً منه عن امتنانه لك! ففي رواية البخاري ومسلم أن رجلاً وجد "غصن شوك" يؤذي الناس فنزعه فشكر الله له، فغفر له!
هذه الطيور تشكر الله تعالى باستمرار وتسبحه على نعمه عز وجل، فقد خلقها ورزقها وسخر لها أسباب المعيشة، ولذلك نجدها تتعاون وتضحي من أجل الآخرين كما أثبت العلماء مؤخراً، فقد وجد العلماء أن عالم الحيوان والحشرات مليء بالتضحية والإيثار، فماذا عنا نحن البشر العقلاء؟!
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الرابعة والسبعون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي بعنوان:
*شكر الزوجة لزوجها فريضة عليها
إن معظم المشاكل الزوجية التي تنتهي بالطلاق تكون ذات أسباب تافهة جداً، ويقول الباحثون إن حياتك الزوجية تكون سعيدة وهانئة بمجرد أن تمارس الشكر لزوجتك وتشعرها بامتنانك لها...
وتؤكد دراسة جديدة للبروفسور Todd Kashdan في جامعة George Mason
أن النساء اللواتي يشكرن أزواجهن يكنّ أكثر سعادة ويعشن عمراً أطول!
وتؤكد الدراسة أن النساء أكثر قدرة على التعبير
من الرجال، وأكثر قدرة على منح مشاعر الامتنان.
وتقول الدراسة التي نشرت في مجلة الشخصية
Personality أن المرأة يمكن أن تعيش حياة
هانئة ومطمئنة بمجرد أن تقدم الشكر لزوجها.
سبحان الله، رسولنا الكريم لم يترك هذا الأمر جانباً بل نبَّه عليه قبل 1400 سنة، فقد اعتبر النبي الكريم أن شكر المرأة لزوجها عبادة لله تعالى، وأن الله لا ينظر للمرأة التي تنكر الجميل، قال صلى الله عليه وسلم: (لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر لزوجها وهي لا تستغني عنه) [السلسلة الصحيحة للألباني].
تصوروا أن كلمات بسيطة تقولها لزوجتك كل يوم تشكرها وتشعرها بقيمة عملها وتقدر لها مجهودها في البيت وفي تربية الأولاد، هذه الكلمات قد تكون سبباً في درء الكثير من المشاكل وجلب الكثير من السعادة... إنها قوة الشكر!
*الشكر جزء من العبادة
إن الإسلام جعل من الشكر عبادة لله تعالى، يقول عز وجل: (فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [النحل: 114]. إنها آيات عظيمة سوف تكون سبباً في سعادتك ونجاحك، لأن الله هو الذي يرسم لك طريق الخير، ويهيء لك أسباب النجاح ولكن ينبغي أن تتذكره في كل لحظة وتحمده على نعمه حتى يعطيك ما تريد.
لنتأمل هذه الآية التي تصور لنا حال المؤمن يوم القيامة: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ) [الأعراف: 43]، وآخر دعوة للمؤمن يوم القيامة هي الحمد والشكر لله تعالى: (دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [يونس: 10].
*الأنبياء مارسوا عبادة الشكر
هذا هو سيدنا سليمان عليه السلام يشكر الله
ويقدر نعمه... يقول تعالى على لسان سليمان: (قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) النمل: 4 ، وكذلك سيدنا لقمان شكر الله تعالى، فقد علمه الله الحكمة وأول قواعد الحكمة الشكر لله، يقول تعالى: (وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) [لقمان: 12]. وكأن الله يريد أن يعطينا إشارة قوية لأهمية الشكر وأنه جزء من الحكمة بل هو الحكمة: (وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ)...
وقال الله في حق سيدنا نوح عليه السلام: (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا)الإسراء: 3]... انظروا كيف يركز القرآن على الشكر ويجعله صفة لأنبياء الله سبحانه وتعالى لنقتدي بهم وهذا هو النجاح الحقيقي وليس نجاح الثروة والمال!
*الشكر للوالدين
شكر الله أولاً ثم الوالدين، يقول تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) [لقمان: 14]. وتأملوا معي هذا الأمر الإلهي: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ)، لأن الإنسان عندما لا يقدر قيمة الأبوين ولا يشعر بحنانهما وما بذلاه في تربيته، فلا يمكن أن يشكر الناس ولا يشكر الله تعالى.
فالشكر ليس مجرد عادة تمارسها بل هو عبادة لله تعالى يرافقك في كل أعمالك، ومعظم الناجحين والمبدعين كانوا يرافقون عملهم بالشكر للنا ولله، وهذا ما أمر الله به. فعلى سبيل المثال أمر الله آل داوود بالشكر أثناء العمل فقال: (اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ: 13]. فالعمل هو نوع من أنواع الشكر أيضاً!
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الخامسة والسبعون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي بعنوان:
* بالشكر تستطيع جذب الآخرين
ينظر العلماء إلى الشكر على أنه أسهل طريق للوصول لما تطمح إليه. فأنت بالشكر تستطيع جذب الآخرين إليك وكسب ثقتهم وإيصال رسالة لعقلهم الباطن تؤكدلهم تقديرك ومودتك وإخلاصك ، وبالتالي تستطيع استثمار من حولك وتحفيزهم للتعامل معك، وبالتالي كسب المزيد من العلاقات الناجحة وإنجاز العمل بسرعة وإتقان.
*الشكر ينجي من المهالك
الذي يشكر الله سوف ينجيه من المواقف الصعبة، فهذا هو سيدنا لوط عليه السلام أنجاه الله من العذاب الذي أهلك قومه بسبب شكره لله، يقول تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آَلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ * نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ) [القمر: 34-35]. تأملوا معي هذه العبارة: (كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ)...
فإذا كانت الهموم تحيط بك والمشاكل تلفّك من كل جانب، وتريد حلاً بسيطاً ومجانياً، إذاً احمد الله تعالى وأكثر من الشكر، وحاول أن تقدم عملاً نافعاً للآخرين، وبخاصة أقاربك وأهلك وجيرانك، فالحمد سر لا يعلمه إلا من يمارسه.
إن الشكر يتم بالقول والفعل، وهو أمر يسهل لك كسب علاقات ناجحة كل يوم، فأنت عندما تمد يدك إلى الآخرين مع كلمة شكر وابتسامة فإن هذه الأشياء الثلاثة مجتمعة تقودك لكسب ثقة الآخرين وكسب محبتهم لك وضمان مساعدتهم لك فيما تحتاج... ولذلك فإن للشكر "قوة جذب" خاصة تجذب بها الآخرين وتوصل إليهم رسائل إيجابية تخلق علاقات طيبة معهم، وهذا ينعكس على استقرار شخصيتك وزيادة قدرتك على حل
المشاكل والصعوبات.
وفي النهاية نقول: نحن نمارس الشكر لله كل يوم استجابة لنداء الحق عز وجل واستجابة لأمر النبي الكريم، فالشكر جزء من عقيدتنا ومنهج مهم نسلكه في حياتنا، ولكن الغرب اكتشف قوة الشكر وتأثيره بعد تجربة ومعاناة ولو أنهم درسوا تعاليم الإسلام واستفادوا منه، لوفروا على أنفسهم عناء البحث.
إن ممارسة الشكر دواء مجاني لك عزيزي القارئ لعلاج أمراضك ومشاكلك النفسية! إنك لن تشتري أي دواء ولن تنفق أي نقود، ولن تجهد نفسك بممارسة الرياضة أو اتباع نظام غذائي... فقط مارس الشكر وتمتع بصحة أفضل.
إن الأشياء التي رأيناها في هذا البحث تؤكد أن تعاليم الإسلام صحيحة وليس كما يدعي بعض المشككين، فالإسلام يريد لنا أن نشكر الله ويشكر بعضنا بعضاً، ويسود العدل والسلام والمحبة في أرجاء الأرض... فهل تقبلون معي هذه التعاليم الرائعة وتبدأون منذ هذه اللحظة بممارسة الشكر والاستفادة من طاقته الرائعة؟! [ الأنترنت – موقع اسرار الإعجاز العلمي -بحث رائع: أسرار "قوة الشكر" د عبد الدايم الكحيل]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السادسة والسبعون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي بعنوان:
* الآثار الإيمانية لاسم الله الشاكر و الشكور
أولاً: إن العبد من حين استقر في الرحم إلى وقته، يتقلب في نعم الله ظاهراً وباطناً ليلاً ونهاراً، ويقظة ومناماً، سراً وعلانية ، في كل الآنات،وفي جميع اللحظات. وتواتر إحسان الله إليه على مدى الأنفاس.
قال ابن القيم رحمه الله:
يكفيك رب لم تزل في فضله ***
متقلباً في السر والإعلان
جل وعلا لا تنفد عطاياه، ولا تنقطع آلاؤه، ولا تنتهي نعماؤه، قال جل جلاله: { أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً } [لقمان: 20]. والنعم الظاهرة بعضها وقع، وبعضها منتظر وقوعه. والنعم الباطنة بعضها نعلمه، وبعضها نحاول أن نعلمه، وبعضها لا نعلمه أبداً.
فلو اجتهد العبد في إحصاء أنواع النعم لما قدر، كما قال الله تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا
[إبراهيم: 34] (أي وإن تتعرضوا لتعداد النعم التي أنعم الله تعالى بها عليكم إجمالاً، فضلاً عن التفصيل، لا تطيقوا إحصاءها بوجه من الوجوه، ولا تقوموا بحصرها على حال من الأحوال.
ومن المعلوم أنه لو رام فرد من أفراد العباد أن يحصي ما أنعم الله به عليه في خلق عضو من أعضائه, أو حاسة من حواسه لم يقدر على ذلك قط، ولا أمكنه أصلاً، فكيف بما عدا ذلك من النعم في جميع ما خلقه الله في بدنه؟! فكيف بما عدا ذلك من النعم الواصلة إليه في كل وقت على تنويعها واختلاف أجناسها؟!
وإن كل جزء من أجزاء الإنسان لو ظهر فيه أدنى خلل وأيسر نقص، لنغص النعم على الإنسان, وتمنى أن ينفق الدنيا لو كانت في ملكه حتى يزول عنه ذلك الخلل، فهو سبحانه يدبر هذا الإنسان على الوجه الملائم له، مع أن الإنسان لا علم له بوجود ذلك، فكيف يطيق حصر بعض نعم الله عليه, أو يقدر على إحصائها, أو يتمكن من شكر أدناها؟ وأي شكر يقابل هذا الإنعام؟ فما الظن بما فوق ذلك وأعظم منه، هذا إلى ما يصرف عنه من المضرات وأنواع الأذى التي تقصده، ولعلها توازن النعم في الكثرة، والعبد لا شعور له بأكثرها أصلاً، والله سبحانه يكلؤه منها بالليل والنهار؛ كما قال تعالى: {قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ [الأنبياء: 42]، فهو سبحانه منعم عليهم بكلاءتهم وحفظهم وحراستهم مما يؤذيهم بالليل والنهار وحده، لا حافظ لهم غيره. هذا مع غناه التام عنهم وفقرهم التام إليه من كل وجه .
ولو عمل العبد من الصالحات أعمال الثقلين، فإن نعم الله عليه أكثر، وأدنى نعمة من نعم الله تستغرق جميع أعماله.
ما ثم إلا العجز عن شكر ربنا***
كما ينبغي سبحانه متفضلا
فينبغي على العبد أن يكون عبداً شكوراً, يشكر الله على وافر نعمه، وجميل إحسانه، ويبالغ في الشكر، (على النعم الدنيوية، كصحة الجسم وعافيته، وحصول الرزق وغير ذلك. ويشكره ويثني عليه، بالنعم الدينية، كالتوفيق للإخلاص، والتقوى، بل نعم الدين، هي النعم على الحقيقة) . فلله الحمد والمنة، الذي أنعم على عباده بهذه النعم التي لا يقدرون لها على جزاء ولا شكور .
فعلى العبد أن يكثر من الشكر،بالقلب واللسان، والعمل بالجوارح. لعله يشكر الله على بعض مننه العظيمة، وآلائه الجسيمة، وإحسانه التام، وخيره المدرار، وعطائه العظيم، وإكرامه الجليل.
[ الأنترنت - موقع الآثار الإيمانية لاسم الله الشاكر و الشكور]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السابعة والسبعون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي بعنوان:
* وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم
أحبتي في الله أردت من خلال هذا الجهد المتواضع أن أذكر بموضوع ذو أهمية بالغة في حياتنا حيث أمر الله تعالى أن يشتغل العبد به في سائر أحواله ويكون ديدنه في جل أوقاته وهذا الأمر هو شكر النعم.
والمتمعن في قول الباري سبحانه وتعالى يجد أن
الشكر عليه مدار التكليف، فالعبد إذا امتثل لأمر ربه واجتنب نهيه فقد شكر لله، لذلك نجد أن إبليس لما توعد ابن آدم بالغواية قال (وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ.)،وقال الله تعالى : {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} وهذه الفئة القليلة هي التي أذعنت لله تعالى وخالفت ظن إبليس قال الله تعالى : {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.} سبأ20. فكل عمل خير يصدر من العبد مع النية الطيبة لله تعالى فهو شكر، وكل شر يصدر من العبد فهو كفر، والناس
يتفاوتون في درجة الشكر، وفي دركة الكفر.
فواجبنا كمسلمين أن نشكر لله على ما أنعم علينا من نعم وما أولانا به من منن لا تعد ولا تحصى، ونحن على يقين أن الله تعالى قد من علينا بهذه المنن لينظر أنشكر أم نكفر، فمن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم.
والشكر لا يكون إلا بما بينه الله ووضحه رسوله ومصطفاه عليه أفضل وأزكى صلاة الله، فنعم المولى مولانا الذي ينعم ويبين سبيل المحافظة على النعم، فينبغي لنا أن نقابل آلاء الله علينا بالشكر والعرفان.
*تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة :
الجزاء من جنس العمل.
الرخاء: سعة العيش و طيبه وهنائه , ولا يكون العيش هنيئاً طيباً إلا بتوفر أسبابه من صحة ومال وأمن وعافية. روى الإمام أحمد في مسنده عن إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ ثَلَاثَةٌ وَمِنْ شِقْوَةِ ابْنِ آدَمَ ثَلَاثَةٌ مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ وَالْمَسْكَنُ الصَّالِحُ وَالْمَرْكَبُ الصَّالِحُ وَمِنْ شِقْوَةِ ابْنِ آدَمَ الْمَرْأَةُ السُّوءُ وَالْمَسْكَنُ السُّوءُ وَالْمَرْكَبُ السُّوءُ ) إسناده صحيح.
إن الله عز وجل يريد لعباده الحياة الطيبة , يريد لهم الصحة والعافية يريد لهم رغد العيش وسعته، ولكن سن سننا لا تتبدل ولا تتغير، ومنها أن حفظ هذه النعم لا يكون إلا بشكره وذكره فيها وتسخيرها في مرضاته، بل جعل لمن اتبع رضوانه فيها الجزاء العظيم، وما دام الجزاء من جنس العمل فمن تعرف إلى الله بهذه النعم في حال رخائه أولاه الله بحفظها عليه وزاده خيرا منها وهو أن الله يطلع على هذا العبد حين تحل به ضائقة, في وقت يكون فيه العبد أحوج ما يكون إلى الفرج.
*كيف يتعرف العبد لربه بهذه النعم ؟
أولا نعمة المال : فنعمة المسكن والمركب وغيرها من متطلبات الحياة لا تتوفر إلا بالمال، فالمال قوام هذه الحياة كما قال الباري سبحانه وتعالى : {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا} النساء 5، ومعنى قياماً: القيام: ما يقوم به الشيء فالأموال جعلها الله تعالى تقوم عليها معايش الناس الدنيوية والدينية، لذلك المولى تبارك وتعالى حث على الكسب والتكسب فقال: { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} الملك 15، فطلب الله من عباده أن يسيروا في أرجاء هذا الكون الفسيح ويبحثوا ويخرجوا ما أودع الله فيه من نعم، والتسابق اليوم في هذا المجال بلغ أوجه حيث جعل الذين لا يحركون له سكنا ضعفاء متأخرين، والله عز وجل يلوم على الكسل الذي كان يتعوذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم صباحا مساء.
العلم والعمل: وقال جل وعلا: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ } الأنبياء80، علمناه: ضرورة العلم، صنعة: المهنة والعمل، فمن لوازم شكر النعم تعلم الصناعات والمهن التي لا بد منها لحياة البشر، بل من الواجب إتقانها والتفنن فيها قال جل وعلا : { وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ ، أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} سبأ11
قدر: ضرورة إتقان العمل بلا زيادة ولا نقصان تخرجه عن جماله وكماله، فالله جميل يحب الجمال في كل شيء مشروع، وهو تعالى بصير بما يصنع عباده رقيب على أعمالهم فينبغي على العامل أن يستشعر هذه الرقابة من الله تعالى حتى يؤدي عمله على أكمل وأحسن وجه فيكون صاحبه صالحاً مصلحاً.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثامنة والسبعون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي
بعنوان: * وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم
تحري الطيبات: أمر الله تعالى أن يتبع العبد طريق الحلال وينأى عن طرق الحرام، وليس ذلك إلا لمصلحة تعود على العبد ذاته لينال الحفظ من الله، فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال : (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} وقال : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} رواه مسلم، فأمر بأن يسلك العبد مسلك الطيبات ليطيب عيشه وينال بذلك السعادة والهناء التي نالها أنبياء الله، وقال الباري سبحانه : {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً.} النحل97، هو وعد من الله بالحياة الطيبة لكل من اقتفى أثر الصالحين في المجالين الديني والدنيوي إلتفاتة: صلاح المجتمع بصلاح الأسرة التي قوامها رجل وامرأة، وإذا طابت فعال وأقوال الناس وطابت نياتهم طاب ما حولهم {بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} والأعظم من ذلك قبول أعمالهم وأقوالهم متعلق باتباعهم طريق الطيبات كما ذكر الله سبحانه وتعالى : {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} فاطر10.فالعمل الصالح يرفع الكلم الطيب، والعمل الصالح الذي يشمل مصالح العباد العاجلة والآجلة وهي العبادة الحقة ودين القيمة.ولا يطيب مقال العبد وفعاله، إلا إذا كان كسبه من صالح أعماله.
الإنفاق : لقد منّ الله على عباده بوافر النعم وأوسع عليهم في الأرزاق والمنن، وفتح لهم من أبواب رزقه ما امتلأت به القرى والمدن , ومن أسع عطائه أن فرض عليهم زكاة في أموالهم يطهر بها أموالهم ويزكي بها أنفسهم , وحثهم بعد ذلك على عمل البر والإحسان ومجاهدة النفس والشيطان , ورغبهم في المبادرة والمسارعة في الخيرات، بأن فتح أبواب جنة عرضها السماوات والأرض للذين ينفقون في السراء والضراء، قال الله تعالى :{ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } آل عمران 133-134. ثم أوصاهم على التزام الحكمة في صرف هذا المال وجعل ذلك من لوازم الشكر والعرفان.
الوسطية والإعتدال : ومن الحكمة التي هي ضالة المؤمن ضرورة التوسط والاعتدال في إنفاق المال، بل إن الله تعالى لما أثنى على صنف من عباده الحكماء الذين هم أقرب الخلق لرحمته ولواسع منه وعطائه،وصفهم بالاعتدال في حياتهم المادية، قال الله تعالى : {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} الفرقان67، والإنفاق سواء كان في أمور الدين أو الدنيا، فلابد من الاستقامة والاعتدال فيه دون إفراط ولا تفريط، قال الله تعالى : {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} الإسراء 29، معنى الآية: لا تبخل بما أتاك الله فتمنع ذوي الحقوق حقوقهم فيلومك سائلوك، ولا تفتح يديك بالعطاء فتخرج كل ما تملك فلا يبق لك شيء ولا لأهلك فتنقطع بك الحياة ولم تجد ما تواصل به مسيرك، فكن بين ذلك قواما عدلا وسطا. والخطاب هنا موجه لصفوة الخلق عليه الصلاة والسلام، ففيه من الشأن ما لهذا النبي والرسول الكريم، وفيه من الفضل ما ينبغي التمسك به والعمل به، كفضل سنته صلى الله عليه وسلم في التمسك بها والعمل بمقتضاها .
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة التاسعة والسبعون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: * وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم
مجانبة الإسراف : في الحقيقة هو من أعظم الشكر الذي يزيد في النعم ويحفظها للفرد والجميع، وبالمقابل ففي الإسراف والترف والبذخ خراب الديار وفناء الأعمار، ولقد بين الله تعالى أن من أسباب غضبه وفي غضبه زوال النعم وحلول النقم هو : التعدي والطغيان ومجاوزة الحد والإسراف، قال الباري سبحانه وتعالى : { كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى} طه 81، وقال سبحانه وتعالى محذرا من حياة الترف والبذخ: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} الإسراء16، مترفيها : أي منعميها من الأغنياء والرؤساء والأمراء، فطغيانهم في النعم وإسرافهم فيها ساقهم إلى التعدي والطغيان والفسوق والعصيان.
فالحياة تطيب باتباع هذه التعاليم الربانية، من ضرورة الإنفاق في مجال الدنيا والدين بالعدل والمساواة، دون تقتير ولا تبذير، فاجعل من مالك نصيبا لنفسك ولأهلك ولدينك، وذخر لوقت الحاجة حتى لا تضيق عليك الضائقة وربما تكففت
الناس أأعطوك أم منعوك.
فإذا اتبع العبد هذا السبيل بارك الله له في رزقه وماله وحفظه عليه، فإن أكل أكل طيباً وإن أنفق أنفق طيباً، والله طيب لا يقبل إلا طيباً , ولله المزيد: فإن حل بالعبد فقر وفاقة وربما اشتدت به الحاجة إلى المال الذي به قوام حياته , فالله عز وجل وعده بالفرج، فلا يلبث ويوفقه إلى مخرج يجد فيه ضالته، والله لا يخلف الميعاد، فما دام العبد عرف ربه عند غناه وسعته وسخر هذه النعمة في مرضاته وعرف بين الخلق بالجود والكرم والإنفاق , فقد قدم ما عليه بأن تعرف لربه بهذه النعمة قبل حلول النقمة، فتتدخل سنة الله بالحفظ والولاء وعظيم الجزاء , فيخفف على عبده هذه الشدة ويسخر له من يعينه عليها، فلا يلبث إلا وتنجلي عنه الشدة، وربما وهب له مثلها أو خيرا منها , وهي ذكرى للعابدين في كتابه المبين، قال الرزاق ذو القوة المتين :{وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} الأنبياء 84. هذه في الدنيا أما في الآخرة فالعبد يسير تحت ظل صدقته من قبره إلى نشره وحشره وكلما تكفأ به الصراط ثبته ماله حتى يعبر هذه المحنة التي مقدارها ألف سنة.
والله جل وعلا قد اشترى من المؤمنين أنفسهم
وأموالهم بأن لهم الجنة، وفيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، نسأل الله أن يجعلنا ممن عرفوه في رخائهم بأموالهم فتاجروا بها مع الله بصالح أعمالهم. [الأنترنت – موقع إمام المسجد - شكر النعم - *وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم *أبو أنفال الجزائري]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثمانون بعد الثلاثمائة في موضوع الشكور وهي بعنوان:
* شكر النعم خطوة في طريق السعادة
أنت في نعم عميمة وأفضال جسيمة ولكنك لا
تدري، تعيش مهمومًا وعندك الخير الدافئ والماء البارد والنوم الهانئ.. لا تشعر بلذة ولا ترى متعة أتدري لماذا؟ لأنك تفكر في المفقود ولا تشكر الموجود.
نعمة الإيمان وايْمُ الله ما بعدها نعمة، هل فكرت يومًا أن ملايين البشر من حولك في بحار الكفر غارقون، وفي النار هم خالدون.. تأمل في نظرك وقد سلمت من العمى، وانظر إلى جلدك وقد نجوت من البرص، والمح عقلك وقد أنعم الله عليك بحضوره فلم تفجع بجنون أو ذهول..
أيها العاقل الأبيّ: أتبيع بصرك بجبل أحد ذهباً، أتبيع
سمعك بقصور الزهراء، هل تقايض بيديك مقابل
عقود اللؤلؤ والياقوت؟ ولو فعلت فماذا ينفعك هذا وذاك؟
• هل فكرت أن تذهب إلى المستشفيات لترى المقعدين الذين لا يملكون حراكاً؟ ولترى في قسم الحرائق ماذا فعلت النيران بالوجوه؟ لترى في قسم العيون من فقدوا أعينهم؟ هل رأيت أصحاب المحاليل المعلقة؟! هل رأيت من عاشوا حياتهم في المستشفيات ثم فيها ماتوا؟
• كان بكر بن عبد الله المزني يقول: يا ابن آدام إذا أردت أن تعرف قدر ما أنعم الله عليك فأغمض عينيك. كل هذه النعم التي فقدها الآخرون وملكتها أنت هل شكرت الله عليها؟
• وإلى كل مبتلى: هل شكرت الله على أن ابتلاك في جسدك وحفظ لك قلبك فملأه بالإيمان.
• دخل رجل على سهل بن عبد الله فقال: اللص دخل دارى وأخذ متاعي فقال: اشكر الله فلو دخل اللص قلبك وأدخل عليك الشرك وأفسد عليك التوحيد ماذا تصنع؟
• وسُئل بعض الصالحين كيف أصبحت؟ قال أصبحت وبي نعم لا تُحصى مع كثير ما يُعصى، فلا ندرى علام نشكر؟ أعلى جميل ما نشر أم على قبيح ما ستر؟
• أعلمت أنك في نعم إن لم تدم وتزد وتبارك كان
النكوص والارتداد والسلب والحرمان. ولا سبيل قط إلى حراسة النعم وحمايتها وزيادتها إلا بالشكر...
والشكر: منحة إلهية وعبادة قلبية ما منحها الله عبداً إلا فاز بالمزيد من خيرى الدنيا والأخرة، قال
تعالى:﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [إبراهيم:7] ولعلو رتبة الشكر طعن اللعين إبليس في الخلق قائلاً ﴿ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾ [الأعراف:17] وصدق وهو كذوب قال تعالى ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ:13] لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لمعاذ " إني أحبك فلا تنس أن تقول دبر كل صلاة اللهم أعنى على ذكرك وشكرك وحسن
عبادتك " [أخرجه أحمد وأبو داود وصححه الألباني].
وحقيقة الشكر عمل: لذلك لما أمر الله آل داود أن يشكروه قال:﴿اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا﴾ [سبأ:13] أي اعملوا عملاً تكونون به قد أديتم شكر الله عليكم.
قال ابن القيم: " وحقيقته، ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده ثناء واعترافاً وعلى قلبه شهوداً ومحبة وعلى جوارحه انقياداً وطاعة "..
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الواحدة والثمانون بعد الثلاثمائة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: * شكر النعم خطوة في طريق السعادة
*وهو مبني على خمس قواعد حتى تعلم هل أنت من الشاكرين أم لا:
القاعدة الأولى: خضوع الشاكر للمشكور وهذا الخضوع مقتضاه أن تمتثل أوامره وتجتنب وتفعل ما يرضيه.
القاعدة الثانية: حبك له. فالنفس مجبولة على حب من أعطاها، فهل أعطاك أحداً مثل ما أعطاك الله؟ هل أنعم عليك أحد بمثل ما أنعم عليك الله؟ هل تفضل عليك أحد بمثل ما تفضل عليك الله؟
فأحبه وبجله وعظمه ولا تعصه.
القاعدة الثالثة: اعترافك بنعمته وهذا الاعتراف اعتقاد يعتقده العبد بقلبه أنه لا حول ولا قوة إلا بالله، ولا يستطيع أن يقدم لنفسه أو يؤخر أو يملك ذلك نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، ولا يستطيع أن يملك ذلك لنفسه فضلاً عن غيره لا يستطيع أن يرزق نفسه فضلاً عن غير " اعتراف لله بنعمه ".
القاعدة الرابعة: ثناؤك على الله بها فلا تقدم قدماً ولا تؤخر قدماً ولا تفتح عينك إلا وأنت تلهج بذكر الله وحمده والثناء عليه. كان نبي الله داود عليه الصلاة والسلام يقول: ( إلهى لو أن لسانين يسبحانك بالليل والنهارماوفيت حق نعمة واحدة.
القاعدة الخامسة: ألا تعصيه بنعمه: فعينك نعمة لا تنظر بها إلى محرم. لا تنظر بها إلى الفتيات في الشوارع أو على الشاشات وفي المحلات. وسمعك نعمة فلا تستمع به إلى غيبة أو نميمة أو كذب أو غناء ولسانك نعمة فلا تلفظ به إلا بالخير، لا تكذب ولا تنم ولا تغتاب ولا تهزأ ويدك ورجلك وقلبك نعم لا تستعملها في معصيته.
وخلاصة القول: أن شكر اللسان الثناء والإقرار،
وشكر الجوارح الطاعة والانقياد وشكر القلب
التوحيد " المحبة والخوف والرجاء ".
أُأكد على ما ذكرته بأنه لا سبيل قط إلى حراسة النعم وحمايتها إلا بالشكر.
• لما جاء وفد اليمن إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان فيهم رجل يسمى حديراً فلما أرادوا الانصراف – وكان من هديه عليه الصلاة والسلام أن يعطى كل ضيف هدية – فأعطى لكل فرد منهم، وكان حديراً مشغولاً بذكر الله بعيداً عن عين رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستحى حدير أن يطلب جائزته، فانصرفوا وانصرف معهم حدير – فإذا بجبريل ينزل على النبي الأمين ويقول: ربك يقرئك السلام
ويذكرك حدير.
• إن هذا الموقف ليذكرنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم لحنظلة " والذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عليه عندي لصافحتكم الملائكة في طرقكم وعلى فرشكم " فإذا نسى الإنسان لم ينس الملك الديان.
قال جبريل: ربك يقرئك السلام ويذكرك بحدير فطلب رسول الله فارساً وأعطاه هدية وقال " الحق القوم فاسأل عن حدير وأعطه هديته وأقرئه منى السلام، فلما أدركهم قال: أين حدير؟ قالوا له هذا. فقال له رسول الله يقرئك السلام ويقول لك " إنه نسيك، فذكره الله بك، فقال حديراً اللهم كما لم تنس حديراً فاجعل حديراً لا ينساك " فكان أكثر الناس ذكراً.
هذا هو الشاهد: شكر حديراً، النعمة، وسأل الله ألا ينسه ذكره، لو أني أنا الذى جاؤوني بالهدية لشغلني فرحى بها عن ذكر الله - واقع مر - كثير من المسلمين مشغول بالبلية عن المبتلى، مشغول بالنعمة عن المنعم، مشغول بغير الله عن الله.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثانية والثمانون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي بعنوان:
* لماذا انصرف الناس عن الشكر؟
لم ينصرف الناس عن الشكر إلا بسبب جهلهم بربهم وغفلتهم عنه وانغماسهم في الدنيا، حتى صارت
همهم، فغاصوا في شعابها وهلكوا في أوديتها....
ولو أن العبد استشعر عظمة ربه وأيقن أنه واقع تحت نظره وتذكر قدرته وأن بطشه شديد لو استشعر ذلك كله لأقبل على شكره وطاعته.. قال صلى الله عليه وسلم: (من أصبح آمنا في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها) (ت، جه).
وفي صحيح الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نظر إلى من هو دونه في الدنيا ومن هو فوقه في الآخرة كتبه الله صابراً شاكراً ).
• ولو أن الناس انصرفوا عن الشكر لسامهم الله سوء العذاب: فهم بين أمرين إما أن تزال نعمتهم أو يستدرجوا وكلا الأمرين أشر من الآخر.
إذا كنت في نعمة فارعها
فإن المعاصي تزيل النعمْ
وحافظ عليها بشكر الإله
فإن الإله سريع النقمْ
• قال " فالعبد يحرم الرزق بالذنب يصيبه ".
• قال الحسن: " إن الله عز وجل ليمتع بالنعمة من شاء فإذا لم يشكر قلبها عليك عذاباً ".
• فإذا لم تزل النعم حال عدم شكرها كان وجودها استدراجاً.... وهذا هو واقع الكثيرين مستدرجون مغترون بالنعم مفتونون بزيادتها معتقدون أن كثرتها دليل كرم الله للعبد بل قال الله تعالى ﴿ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾ [القلم].. وفي الصحيحين " إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته " فرب مستدرج بنعم الله وهو لا يعلم، ورب مفتون بثناء الناس عليه وهو لا يعلم مغرور بستر الناس عليه وهو لا يعلم. وأختم بقول أبى العتاهية:
رغيف خبز يابس تأكله في زاوية ***
وكوز ماء بارد تشربه من ساقية
وزوجة مطيعة عينك عنها راضية ***
وغرفة ضيقة نفسك فيها خالية
ومسجد بمعزل عن الورى في ناحية ***
تدرس فيه دفتراً مستنداً لسارية
معتبراً بما مضى من القرون الخالية ***
خير من الساعات في القصور العالية
فهذه وصيتي مخبرة بحاليه طوبى ****
لمن يسمعها تلك لعمرى كافية
[الأنترنت – موقع الألوكة _ شكر النعم خطوة في طريق السعادة - د. شريف فوزي سلطان]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثالثة والثمانون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي بعنوان: *وصف القرآن الكريم لحال أكثر الناس بأنهم لا يشكرون
تمهيد : إن من نعم الله تعالى وإفضاله على العبد أن يلهمه الشكر والثناء على نعمه؛ ففي ذلك صلاح له وطريق خير وفلاح، وبه يتحقق للإنسان المسلم زيادة النعم من جهة وتقييد النعم من جهة ثانية، قال تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7]، وجاء في تفسير الإمام البغوي - رحمه الله - عند معنى الشكر أنه: قيد الموجود وصيد المفقود (البغوي، معالم التنزيل، ج 4، ص 337).
والشكر من الأخلاق الكريمة التي أتصف بها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم سيد الشاكرين، فكان يقوم الليل حتى تتورم قدماه، فقد ورد في الحديث الشريف عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى حَتَّى انْتَفَخَتْ قَدَمَاهُ فَقِيلَ لَهُ أَتَكَلَّفُ هَذَا وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ فَقَالَ: " أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا " (صحيح مسلم، حديث رقم: 5044، صحيح البخاري، حديث رقم: 1062).
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير الشكر لربه، وقد علَّمنا أن نقول بعد كل صلاة كما ورد في الحديث: عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ وَقَالَ: " يَا مُعَاذُ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ فَقَالَ أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى
ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ}(سنن أبي داود، حديث رقم: 1301).
وقال الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [النحل: 120-21].
ووصف الله عز وجل نوحًا عليه السلام بأنه كان عبداً شكوراً، فقال تعالى: ﴿ ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا ﴾ [الإسراء: 3]، وقال الله تعالى عن سليمان عليه السلام: ﴿ قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ﴾ [النمل: 40].
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الرابعة والثمانون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: *وصف القرآن الكريم لحال أكثر الناس بأنهم لا يشكرون يجب على المسلم أن يشكر ربه على نعمه الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى، والتي منَّ وأنعم بها عليه، ولا يكفر بنعم الله إلا جاحد قال تعالى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 152]. ويقول تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [البقرة: 172]. وأوضح الخازن - رحمه الله - في تفسيره عند هذه الآية: أي: اشكروا الله تعالى الذي رزقكم هذه النعم إن كنتم تخصونه بالعبادة وتقرون أنه إلهكم لا غيره، وقيل إن كنتم عارفين بالله عز وجل وبنعمه فاشكروه عليها (الخازن، لباب التأويل في معاني التنزيل، ج 1، ص 133).
وعلق سيد عند هذه الآية فقال : بأن الله تعالى
ينادي الذين آمنوا بالصفة التي تربطهم به سبحانه، وتوحي إليهم أن يتلقوا منه الشرائع وأن يأخذوا عنه الحلال والحرام ويذكرهم بما رزقهم فهو وحده الرازق، ويبيح لهم الطيبات مما رزقهم فيشعرهم أنه لم يمنع عنهم طيباً من الطيبات، وأنه إذا حرم عليهم شيئاً فلأنه غير طيب لا لأنه يريد أن يحرمهم ويضيق عليهم، وهو الذي أفاض عليهم الرزق ابتداء ويوجههم للشكر إن كانوا يريدون أن يعبدوه وحده بلا شريك فيوحي إليهم بأن الشكر عبادة وطاعة يرضاها الله تعالى من العباد (قطب، في ظلال القرآن، ج 1، ص 127).
والإنسان الذي حُرم الشكر فقد حرم خيراً كثيراً،
وقد عاب القرآن الكريم على أكثر الناس بإعراضهم عن الله عز وجل وقلة شكرهم للمنعم سبحانه وتعالى وذلك في عدد من الآيات الكريمات وجاءت أكثرها بعبارة قوله تعالى: ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ ﴾.
وإن شاء الله تعالى في الصفحات القادمة نستعرض هذه الآيات الكريمات ثم نعرض لبعض المضامين التربوية التي حوتها.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الخامسة والثمانون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي بعنوان: *وصف القرآن الكريم لحال أكثر الناس بأنهم لا يشكرون
أ- الآيات التي وردت فيها حال أكثر الناس بأنهم لا يشكرون.
وردت عشر آيات كريمات تشير إلى أن أكثر الناس لا يشكرون، وهي:
1- قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 243].
2- قال تعالى: ﴿ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَظْلِمُونَ * وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾ [الأعراف: 9-10].
3- قال تعالى: ﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾ [الأعراف: 16- 17].
4- قال تعالى: ﴿ وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ ﴾ [يونس: 60].
5- قال تعالى: ﴿ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ ﴾ [يوسف: 38].
6- قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾ [النحل: 78].
7- قال تعالى: ﴿ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ ﴾ [النمل: 71 – 73].
8- قال تعالى:﴿ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ
الرَّحِيمُ*الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ*ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ،ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾ [السجدة 6 - 9].
9- قال تعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لايَشْكُرُونَ﴾غافر: 61].
10- قال تعالى:﴿قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَوَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ﴾[الملك: 23].
ب– المضامين التربوية للآيات الكريمات المشار إليها.
بعد الإطلاع على بعض كتب التفسير لمعرفة أقوال العلماء وتأويلاتهم وما خلصوا إليه في فهم الآيات المشار إليه، وبالنظر والتأمل في هذه الأقوال وجدتها تضمنت مجموعة من المضامين التربوية، ومن أهمها ما يلي:
أولاً: أهمية الحرص على شكر الله تعالى على نعمه الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى، والعاقل الفطين هو الذي يعرف نعم الله تعالى عليه ويشكره، أما العاصي والغافل فقد يتخد هذه النعم في مزيد من المعاصي والذنوب والعياذ بالله.
وأشار السعدي - رحمه الله - عند تفسير قوله
تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 243] أي: فلا تزيدهم النعمة شكراً بل ربما استعانوا بنعم الله تعالى على معاصيه، وقليل منهم الشكور الذي يعرف النعمة ويُقِر بها ويصرفها في طاعة المنعم عز وجل (السعدي، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ج 1، ص 106).
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السادسة والثمانون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي بعنوان: *وصف القرآن
الكريم لحال أكثر الناس بأنهم لا يشكرون
ثانياً: وصف الكثرة من الناس بأنهم لا يشكرون هو مدح للقلة على شكرهم لله تعالى، وهو أيضاً فضل ومنة من الله سبحانه عليهم بأن استحقوا مدح الله عز وجل لهم، وحول ذلك قال محمد سيد طنطاوي - يحفظه الله - في تفسيره عند قول الله تعالى: ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 243] هو إنصاف للقلة الشاكرة منهم ومديح لهم على استقامتهم وقوة إيمانهم وعلى نعمه الجزيلة وآلائه التي لا تحصى (طنطاوي، التفسير الوسيط، ج 1، ص 448).
ثالثاً: يجب وجوباً لازماً على كل أحد إخلاص التوحيد لله تعالى شكراً على فضله وإحسانه ونعمه
العديدة التي لا تعد ولا تحصى، وقال أبو السعود - رحمه الله - عند تفسير قوله تعالى: ﴿ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ ﴾يوسف: 38] : ذلك التوحيدُ من فضل الله عز وجل علينا حيث أعطانا عقولاً ومشاعرَ نستعملها في دلائلِ التوحيد التي مهدها في الأنفس والآفاقِ، وقد أعطى سائرَ الناس أيضاً مثلها ولكن أكثرَهم لا يشكرون، أي: لا يصرِفون تلك القُوى والمشاعرَ إلى ما خُلقت له، ولا يستعملونها فيما ذكر من أدلة التوحيدِ الآفاقيةِ والأنفُسية والعقليةِ والنقلية (أبو السعود، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم، ج 3، ص 436).
رابعاً: الكثير من الناس يغفل عن نعم الله تعالى التي يرفل بها في كل لحظة وحين، ولذلك يجب على الإنسان أن يتذكر دائماً وأبداً وفي كل حين نعم الله تعالى عليه لأن تذكر هذه النعم دافع قوي لشكر المنعم سبحانه وتعالى.
خامساً: إن من النعم العظيمة التي أنعم الله تعالى على الإنسان بها نعمة تعاقب الليل والنهار، وقد تمت الإشارة إليها في القرآن الكريم أكثر من مرة قال تعالى: ﴿ فَمَحَوْنَا آيَةَ الليل وَجَعَلْنَا آيَةَ النهار مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ ﴾ [الإسراء: 12]، وقال تعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ ﴾ [غافر: 61]، ولأهل التفسير حول هذه الآيات كلام جميل يؤكد على عظمة الخالق وقدرته وتدبيره وسعة رحمة الله تعالى وجزيل فضله وكمال قدرته وعظيم سلطانه وسعة ملكه ووجوب شكره.
ومن ذلك ما بينه ابن عاشور - رحمه الله - حيث قال: فهما تكوينان عظيمان دالاّن على عظيم قدرة مُكونهما ومنظِّمهما، وجاعلهما متعاقبين فنيطت بهما أكثر مصالح هذا العالم ومصالح أهله؛ فمن هذه المصالح:
أولها: حصول التعادل بين الضياء والظلمة والحرارةِ والبرودة لتكون الأرض لائقة بمصالح مَن عليها فتنبت الكلأ وتنضج الثمار.
ثانيها: سكون الإِنسان والحيوان في الليل لاسترداد النشاط العصبي الذي يُعييه عمل الحواس والجسد في النهار؛ فيعود النشاط إلى المجموع العصبي في الجسد كله وإلى الحواس، ولولا ظلمة الليل لكان النوم غير كامل فكانَ عود النشاط بطيئاً وواهناً ولعاد على القوة العصبية بالانحطاط والاضمحلال
في أقرب وقت فلم يتمتع الإنسان بعمر طويل.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السابعة والثمانون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي بعنوان:
نعمة تعاقب الليل والنهار
ثالثها: انتشار الناس والحيوان في النهار وتبيّن الذوات بالضياء، وبذلك تتم المساعي للناس في أعمالهم التي بها انتظام أمر المجتمع من المدن والبوادي والحضر والسفر؛ فإن الإنسان مدني بالطبع وكادح للعمل والاكتساب؛ فحاجته للضياء ضرورية، ولولا الضياء لكانت تصرفات الناس مضطربة مختبطة
(ابن عاشور، التحرير والتنوير، ج 12، ص 467).
وأوضح سيد بقوله: والليل والنهار ظاهرتان كونيتان والأرض، والسماء خَلْقَان كونيان كذلك، وتعرض كلها في معرض نعم الله تعالى وفضله على الناس، وفي معرض الوحدانية وإخلاص الدين لله تعالى، فيدل هذا على ارتباط هذه الظواهر والخلائق والمعاني وعلى وجود الصلة بينها ووجوب تدبرها في محيطها الواسع وملاحظة الارتباط بينها والاتفاق.
وأضاف بأن بناء الكون على القاعدة التي بناه الله
تعالى عليها ثم سيره وفق الناموس الذي قدره الله عز وجل له هو الذي سمح بوجود الحياة في هذه الأرض ونموها وارتقائها كما أنه هو الذي سمح بوجود الحياة الإنسانية في شكلها الذي نعهده ووافق حاجات هذا الإنسان التي يتطلبها تكوينه وفطرته، وهو الذي جعل الليل مسكناً له وراحة واستجماماً، والنهار مبصراً معيناً على الرؤية والحركة، والأرض قراراً صالحاً للحياة والنشاط، والسماء بناء متماسكاً لا يتداعى ولا ينهار ولا تختل نسبه وأبعاده ولو اختلت لتعذر وجود الإنسان على هذه الأرض وربما وجود الحياة! وهو الذي سمح بأن تكون هناك طيبات من الرزق تنشأ من الأرض وتهبط من السماء فيستمتع بها هذا الإنسان الذي صوره الله سبحانه فأحسن صورته وأودعه الخصائص والاستعدادات المتسقة مع هذا الكون الصالحة للظروف التي يعيش فيها مرتبطاً بهذا الوجود الكبير (قطب، في ظلال القرآن، ج 6، ص 267).
سادساً: معرفة شدة عداوة إبليس للإنسان، والحرص كل الحرص على اتخاذ كافة السبل والطرق لإغوائه وإبعاده عن شكر الله تعالى، قال عز وجل: ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ*ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلاتَجِدُأَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾ [الأعراف: 16- 17]. ولا شك أن هذا تنبيه من الله تعالى للإنسان للتوقي والحذر من إبليس ووسائله التي يصد بها الناس عن الصراط المستقيم، ومن هذا التنبيه شكر الله تعالى على نعمه وآلائه.
ويعلق سيد حول هذه الآية فيقول: وهنا يعلن إبليس في تبجح خبيث، وقد حصل على قضاء بالبقاء الطويل أنه سيرد على تقدير الله تعالى له الغواية وإنزالها به بسبب معصيته وتبجحه بأن يغوي ذلك المخلوق الذي كرمه الله عز وجل، والذي بسببه كانت مأساة إبليس ولعنه وطرده! ويجسم هذا الإغواء بقوله الذي حكاه القرآن الكريم عنه: ﴿ لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ ﴾ إنه سيقعد لآدم وذريته على صراط الله المستقيم يصد عنه كل من يهم منهم باجتيازه والطريق إلى الله عز وجل لا يمكن أن يكون حساً فالله سبحانه جل عن التحيز فهو إذن طريق الإيمان والطاعات المؤدي إلى رضى الله تعالى، وإنه سيأتي البشر من كل جهة: ﴿ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ ﴾ للحيلولة بينهم وبين الإيمان والطاعة، وهو مشهد حي شاخص متحرك لإطباق إبليس على البشر في محاولته الدائبة لإغوائهم فلايعرفون الله تعالى ولا يشكرونه؛ اللهم إلا القليل الذي يفلت ويستجيب: ﴿ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾ ويجيء ذكر الشكر تنسيقاً مع ما سبق في مطلع السورة: ﴿ وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾ لبيان السبب في قلة الشكر وكشف الدافع الحقيقي الخفي من حيلولة إبليس دونه، وقعوده على الطريق إليه! ليستيقظ البشر للعدو الكامن الذي يدفعهم عن الهدى وليأخذوا حذرهم حين يعرفون من أين هذه الآفة التي لا تجعل أكثرهم شاكرين! (قطب، في ظلال القرآن، ج 3، ص 198).
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثامنة والثمانون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:* وصف القرآن الكريم لحال أكثر الناس بأنهم لا يشكرون
سابعاً: الحذر الشديد من مغبة الكذب والافتراء على الله تعالى؛ فعاقبة ذلك بدون شك وخيمة للغاية، قال تعالى: ﴿ وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى
النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ ﴾ [يونس: 60].
ثامناً: قد لا يعرف الكثير من الناس أن من نعم الله تعالى عدم التعجيل بالعقوبة نظير ما يرتكبه الإنسان من قصور وأخطاء، ولذلك قال الألوسي - رحمه الله - عند تفسير قوله تعالى: ﴿ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ ﴾ [النمل: 71 – 73]: ومن جملة إفضاله عز وجل وإنعامه تعالى تأخير عقوبة هؤلاء على ما يرتكبونه من المعاصي، [ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ] أي: لا يشكرونه جل
وعلا على إفضاله سبحانه عليهم ومنهم هؤلاء
(الألوسي، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، ج 15، ص 31).
وعلق التستري - رحمه الله - في تفسيره على ذلك فقال: منعه فضل كما أن عطاءه فضل، ولكن لا يعرف مواضع فضله في المنع إلا خواص الأولياء (التستري، تفسير التستري، ج 1، ص 387).
الخلاصة : من خلال ما سبق عرضه، والذي تضمن وصف القرآن الكريم لحال أكثر الناس بأنهم لا يشكرون؛ يمكن استخلاص أهم النقاط التالية:
أولاً: الشكر من الأخلاق الكريمة التي أتصف بها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في مقدمتهم وهو سيد الشاكرين فكان يقوم الليل حتى تتورم قدماه.
ثانياً: الحرص على شكر الله تعالى على نعمه الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى، والعاقل الفطين هو الذي يعرف نعم الله تعالى عليه ويشكره عليها.
ثالثاً: وصف الكثرة من الناس بأنهم لا يشكرون هو مدح للقلة على شكرهم لله تعالى، وهو أيضاً فضل ومنة من الله عليهم بأن استحقوا مدح الله لهم.
رابعاً: الكثير من الناس يغفل عن نعم الله تعالى التي يرفل بها في كل لحظة وحين، ولذلك يجب على الإنسان أن يتذكر دائماً وأبداً لأن تذكر هذه
النعم دافع قوي لشكر المنعم سبحانه وتعالى.
خامساً: الحذر الشديد من عداوة إبليس ووسائله التي تصد الإنسان عن طاعة ربه وشكره على نعمه، قال تعالى: ﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾ [الأعراف: 16- 17]. [الأنترنت – موقع الألوكة - وصف القرآن الكريم لحال أكثر الناس بأنهم لا يشكرون - د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة التاسعة والثمانون بعد الثلاثمائة في
موضوع الشكور وهي بعنوان :*قالوا في الشكر
• قال ابن عطاء رحمه الله تعالى في حكمه: (مَن لم يَشْكُرِ النّعمَ فقد تَعَرَّضَ لِزَوالِها، ومَن شَكَرها فقد قَيّدَها بِعِقَالِهَا).
• دخل ابن السماكِ الواعظُ على هارون الرشيدِ، فوعظه فبكى هارونُ وطلب شرْبةَ ماءٍ، فقال ابنُ
السماكِ: لو مُنِعْتَ هذهِ الشربَة يا أمير المؤمنين، أتفتديها بنصفِ مُلْكِك؟ قال: نَعم. فلمّا شَرِبَها، قال: لو مُنعتَ إخراجَها، أتدفعُ نصفَ مُلْكِكَ لتخرُجَ؟ قال: نعم. قال ابنُ السَّماكِ: فلا خير في مُلْكٍ لا
يساوي شربةَ ماءٍ.
• قال سيدنا الحسن رضي الله عنه: (مَن لا يَرى لله عليهِ نِعْمَة إلّا في مطعمٍ أو مشربٍ أو لباسٍ، فقد قَصُرَ عِلْمُه وحَضَرَ عَذَابُه).
• قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: (مَا مِنْ رَجُلٍ يَرَى نِعْمَةَ الله عَلَيْهِ فَيَقُوْلُ: الحَمْدُ لله الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ، إِلَّا أَغْنَاهُ اللهُ تَعَالَى وَزَادَهُ).
• قال عبد الأعلى بن حماد: [من البحر البسيط]
لأشكرن لكَ مَعروفاً هَمَمتَ به
إنّ اهتمامَك بالمعروفِ مَعْرُوفُ
ولا ألومُكَ إن لم يُمْضِهِ قدرٌ
فالشَّرُ بالقَدَرِ المحتومِ مَصْرُوفُ
• وقال غيره: [من البحر البسيط]
لو كنتُ أعلمُ فَوقَ الشُّكْرِ مَنْزِلَةً
أَعْلَى مِنَ الشُّكْرِ عندَ الله بالثَّمَنِ
إذاً مَنَحْتُكَهَا منّي مجلَّلة شكراً
على صُنعِ ما أوليتَ مِن حَسَنِ
• قال كعب رحمه الله تعالى: (ما أنعمَ اللهُ على عبدٍ مِن نِعْمة في الدنيا فَشَكَرها لله وتواضعَ بها لله إلّا أعطاه الله نَفْعَها في الدنيا، ورَفَع له بها درجةً في الأخرى، وما أنعمَ الله على عبدٍ نعمةً في الدنيا، فلم يشكرْها لله ولم يتواضعْ بها إلّا منعهُ الله نَفْعَها في الدنيا وفتحَ لهُ طبقاتٍ مِن النّار يُعَذّبهُ إن شاءَ أو يَتَجَاوزُ عَنهُ).
• قال بعض الحكماء: (إذا قَصُرَتْ يَدُك عن المكافأة فَلْيَطُلْ لِسانُكَ بالشكر).
• قال الحسن بن عليٍّ: (نِعَمُ الله أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُشْكَرَ إلَّا مَا أَعَانَ عَلَيْهِ، وَذُنُوبُ ابْنِ آدَمَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُغْفَرَ إلَّا مَا عَفَا عَنْهُ).
• قال بعض الحكماء: (أَقَلُّ مَا يَجِبُ لِلْمُنْعِمِ بِحَقِّ نِعْمَتِهِ أَلَّا يَتَوَصَّلَ بِهَا إلَى مَعْصِيَتِهِ).
• قال الجنيد رحمه الله تعالى: (الشُّكْرُ: أَلَّا يَعْصِيَ
الإِنْسَانُ اللهَ بِنِعَمِهِ).
• قال بعض الصالحين: (قَدْ أَصْبَحَ بِنَا مِنْ نِعَمِ الله تَعَالَى مَا لَا نُحْصِيهِ، مَعَ كَثْرَةِ مَا نَعْصِيهِ، فَلَا نَدْرِي أَيَّهُمَا نَشْكُرُ، أَجَمِيلَ مَا يَنْشُرُ، أَمْ قَبِيحَ مَا يَسْتُرُ!).
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة التسعون بعد الثلاثمائة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :*قالوا في الشكر
• قال سليمان التيمي رحمه الله تعالى: (إنَّ اللهَ أنعمَ
عَلَى العِبَادِ بِقَدْرِ قُدْرَتِهِ، وَكَلَّفَهُم مِنَ الشُّكْرِ بِقَدْرِ طَاقَتِهِم).
• جاء رجل إلى يونس بن عبيد يشكو له فَقْرَهُ وضِيْقَ حَالهِ ومَعاشِهِ، وكَثْرَةَ الغُمُوم التي تُحِيط به حتّى وصل إلى اليَأسِ مِن حَياتِهِ، فقال له يونس:
• أَيَسُرُّكَ ببصرك الذي تُبْصِر به مئة ألف؟ قال: لا.
• قال: هذا سمعك الذي تَسْمَع به؟ أَيَسُرُّكَ به مئة ألف؟ قال: لا.
• قال: فلسانك هذا الذي تَنْطِق به، أَيَسُرُّكَ به مئة ألف؟ قال: لا.
• قال: فعقلك الذي تَعْقِل وتُفَكّر به، أَيَسُرُّكَ به مئة ألف؟ قال: لا.
• قال: فيداك اللتان تَبْطِشُ بهما، أَيَسُرُّكَ بهما مئة ألف؟ قال: لا.
• قال: فرجلاك اللتان تَمْشِي عليهما، أَيَسُرُّكَ بهما مئة ألف؟ قال: لا.
وما زالَ يَذكُرُ نِعَمَ الله تعالى عليه حتّى قال له: مئات الآلاف.. وأنت تشكو الحاجة والضّيقَ!!
• قال بعض الحكماء: (مَن أُعْطِيَ أربعاً لم يمنعْ مِن أربعٍ: مَن أُعْطِيَ الشُّكْرَ لم يمنعِ المَزِيد، ومَن أُعْطِيَ التّوبةَ لم يُمنعِ القَبولَ، ومَن أُعْطِيَ الاستخارةَ لم يُمنع الخِيْرَة، ومَن أعطي المشورةَ لم يُمْنَع الصَّوابَ).
[الأنترنت – موقع الألوكة - قالوا في الشكر- ملهم دوبان ]
*﴿ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ قرن الله جل جلاله بموته صلى الله عليه وسلم الشكر دون الصبر
قد تقصر أحيانًا العبارات، وتُصم الإشارات، ولم يبق إلا أحوال مستشعرات،تُنبيك عن مشاعرَ ثائرات؛ أن يُفقَد الحبيب فلا يَملأ الفراغَ صديقٌ ولا قريب، مَن كان حياته رحمات فموته أكبر المصيبات، ومن سبقه أمانًا لذي العاهات فحريٌّ بالسابق أناس الغربات، من هنا كان في الموت عزاء وفي الذهاب بلاء، لكنْ في البِدَار إعفاء، كذا قضى القضاء، فما أعظمه من رسول رحمة في القضاء والبقاء!
ما أصعبَ الامتحانَ على الشعور؛ أن تقضيَ
نفسُ الحبيب وتهجر الأوطان؛ كيف للعين أن ترى العيان؟ بعد ذاك المحيا والتباشير الحسان، بعد تبسُّمٍ يورِث الخائفَ الأمل، ويمنح الحزين الجذَل، كيف لآذانٍ أن تسمع - بعد حُلو المنطق ونغماته، من إيجاز وإطناب أعجَز هُواته - مزاميرَ داود في أصواته، وترانيمَ الجمال في نبراته؟
مضَت كفٌّ وضعَت بين صدر الشباب؛ ليعود من الخنا إلى مَتاب، وأخرى بين ثديَيْ مرتاب؛
ليجد البرد واليقين فلا ارتياب، وأخرى تُواسي الحزين بمُصاب، فيكون أبًا وحبيبًا بل الآباء والأحباب، أم من يعزي الحجَر؟ فقد سلامَه والشجر، ورده الرخيم المنتظَر: وعليك السلام كما البشر.
أيا جذعُ؛ أبيتَ الصمت لبعد ساعة وموقف الخطاب، أيا جذع؛ عُزِّيت بيد ووعد غير كذاب، أيا جذع؛ ماذا يقول المسكينُ منهم وقد وارى بيده التراب؟ أينفجر صراخًا فقد نُهي عن الانتحاب! أم يمضي صامتًا؟ لعَمرك قد أحرق الجوى من نار ولهاب، ولكن لأجله، من أجله، وفي أجَله أبكي وأفرح وأحزن وأشكر بمصاب وليس فوقه مصاب.
ليس بِدعًا من القول: إن الموت مصيبة؛ قال
تعالى: ﴿ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ ﴾ [المائدة: 106]،
وأخبرنا عن ثواب الصبرعندها فقال:﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 - 157].
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الواحدة والتسعون بعد الثلاثمائة في موضوع الشكور وهي بعنوان :
*﴿ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ قرن الله جل جلاله بموته صلى الله عليه وسلم الشكر دون الصبر
ومِن أعظم مصائب الموت موتُ الحبيب الشفيع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فعن عائشة رضي الله عنها: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أقبَل على الناس، فقال: (يا أيها الناس، مَن أُصيب منكم بمصيبةٍ من بعدي فليتَعزَّ بمصيبته بي عن مصيبته التي تصيبه؛ فإنه لن يُصاب أحدٌ من أمتي بعدي بمثل مصيبته بي)["المعجم الصغير"؛ للطبراني (1/ 366)، رقم (612)، قال المناوي: رمز المؤلف لضعفه لكن له شواهد. [يُنظر: التيسير بشرح الجامع (1/ 148).]
وفي رواية: (إذا أصاب أحدَكم مصيبةٌ فليَذكُر مصيبته بي؛ فإنها من أعظم المصائب)[ سنن الدارمي (1/ 53)، رقم (84)، قال حسين سليم أسد: إسناده صحيح وهو مرسل] ، وفي رواية: (إذا أصابَت أحدَكم مصيبة فليذكر مصابه بي، وليُعزِّه ذلك من مصيبته بي) [الزهد؛ لابن المبارك (1/ 77)، رقم (271).]
قال ابن عبدالبر: ونعم العزاءُ فيه لأمته صلى الله عليه وسلم، فما أصيب المسلمون بعدَه بمثل المصيبة به، وفيه العزاء والسلوى، وأي مصيبة أعظمُ من مصيبةِ مَن انقطع بموته وحيُ السماء، ومَن لا عِوَض منه رحمة للمؤمنين وقضاءً على الكافرين والمنافقين ونهجًا للدين؟! ولأبي العتاهية شعرٌ يقول[ يُنظر: الاستذكار (3/ 80).]
وإذا ذكَرتَ محمدًا ومُصابَه ***
فاجعَل مصابَك بالنبيِّ محمدِ
وله أيضًا:
لكلِّ أخي ثُكلٍ عزاءٌ وأُسوةٌ ***
إذا كان مِن أهل التُّقى في محمدِ
وعن أنسٍ قال: "لَمَّا ثقُل النبيُّ صلى الله عليه وسلم جعل يتغشَّاه، فقالت فاطمةُ عليها السلام: واكرب أباه! فقال لها: ((ليس على أبيك كربٌ بعد اليوم))، فلما مات قالت: يا أبتاه؛ أجاب ربًّا دعاه، يا أبتاه؛ مَن جنَّةُ الفردوس مأواه، يا أبتاه؛ إلى جبريل ننعاه! فلما دُفن قالت فاطمةُ رضي الله عنها : يا أنسُ؛ أطابت أنفُسُكم أن تَحْثُوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التُّراب؟!"[ صحيح البخاري (10/ 554)، رقم (4462).]
قال ابن حجر: وأشارت رضي الله عنها بذلك إلى عتابهم على إقدامهم على ذلك؛ لأنه يدل على خلاف ما عرَفَته منهم من رقة قلوبهم عليه؛ لشدة محبتهم له، وسكَت أنس عن جوابها رعايةً لها، ولسانُ حاله يقول: لم تطب أنفسنا بذلك، إلا أنا قهَرناها على فعله؛ امتثالًا لأمره[ يُنظر: فتح الباري (8/ 149).]
يقول سيدنا أنس: "لما كان اليوم الذي قدم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينةَ أضاء منها كلُّ شيء، فلما كان اليوم الذي مات فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أظلم منها كل شيء"، قال: "وما نفَضْنا أيديَنا من تراب قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنكَرْنا قلوبَنا" [ مسند أبي يعلى (6/ 110)، رقم (3378)، قال حسين سليم أسد: إسناده صحيح.]
ومع ذلك عندما حدثنا القرآن عن موته صلى الله عليه وسلم أمرَنا أن نشكر، لا أن نصبر فحَسْب؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 144]، فلم يقل: وسيَجزي الله الصابرين، وإنما قال: ﴿ الشَّاكِرِينَ ﴾.
قال الزمخشري (538هـ): وسمَّاهم شاكرين؛ لأنهم شكَروا نعمة الإسلام فيما فعلوا؛ المعنى: أن موت الأنفس محال أن يكون إلا بمشيئة الله، فأخرَجه مخرج فعلٍ لا ينبغي لأحد أن يُقدِم عليه إلا أن يأذن الله له فيه تمثيلًا، ولأن ملَك الموت هو الموكل بذلك، فليس له أن يقبض نفسًا إلا بإذنٍ من الله، وهو على معنيين: أحدهما: تحريضهم على الجهاد وتشجيعهم على لقاء العدو؛ بإعلامهم أن الحذر لا ينفع، وأن أحدًا لا يموت قبل بلوغ أجله وإن خاض المهالك واقتحم المعارك، والثاني: ذِكر ما صنع اللهُ برسوله عند غلبة العدو والتفافِهم عليه، وإسلام قومه له نهزة للمختلس من الحفظ والكلاءة وتأخير الأجل[ يُنظر: تفسير الكشاف (1/ 450).]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثانية والتسعون بعد الثلاثمائة في موضوع الشكور وهي بعنوان :
*﴿ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ قرن الله جل جلاله بموته صلى الله عليه وسلم الشكر دون الصبر
قال الرازي (604هـ): لما وقعَت الشبهة في قلوب بعضهم بسبب تلك الهزيمة ولم تقع الشبهة في قلوب العلماء الأقوياء من المؤمنين، فهم شكَروا الله على ثباتهم على الإيمان وشدة تمسكهم به، فلا جرَم مدَحَهم الله تعالى بقوله:﴿وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ ، وروى محمد بن جرير الطبري عن علي رضي الله عنه أنه قال: المراد بقوله:﴿ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ أبو بكر وأصحابه،وروي عنه أنه قال: أبو بكر من الشاكرين ، وهو من أحبَّاء الله، والله
أعلم بالصواب[ يُنظر: مفاتيح الغيب (9/ 19).]
قال الخازن (741): يعني الثابتين على دينهم الذين لم ينقَلِبوا عنه؛لأنهم شكروانعمة الله عليهم بالإسلام وثباتِهم عليه، فسماهم الله شاكرين لِمَا فعلوا؛ والمعنى: وسيُثيب الله مَن شكَره على توفيقه وهدايته[ يُنظر: تفسير الخازن (1/ 430).]
قال أبو حيان (754هـ): ﴿ الشَّاكِرِينَ ﴾ هم الذين صبروا على دينه، وصدَقوا الله فيما وعَدوه، وثبَتوا،
شكَروا نعمة الله عليهم بالإسلام، ولم يكفروها، والشاكرون لفظ عامٌّ يندرج فيه كلُّ شاكر فعلًا وقولًا، وظاهر هذا الجزاء أنه في الآخرة، وقيل: في
الدنيا؛ بالرزق،والتمكين في الأرض[تفسير البحر المحيط (3/ 54).]
قال أبو السعود (982هـ): أي: الثابتين على دين الإسلام الذي هو أجلُّ نعمة وأعزُّ معروف، سمُّوا بذلك؛ لأن الثبات عليه شكر له وعرفان لحقه، وفيه إيماءٌ إلى كفران المنقلبين، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن المراد بهم الطائعون لله تعالى من المهاجرين والأنصار، وعن عليٍّ رضي الله عنه: أبو بكر وأصحابه رضي الله عنهم، وعنه رضي الله عنه أنه قال: أبو بكر من الشاكرين ومن أحبَّاء الله تعالى، وإظهار الاسم الجليل في موقع الإضمار؛ لإبراز مَزيدِ الاعتناء بشأن جزائهم[تفسير أبي السعود (2/ 94).]
قال ابن عجيبة (1224هـ):﴿وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 145] الذين ذكَروا نِعمَ الله، فلم يَشغَلهم شيء عن الجهاد في سبيل الله، بل كان همُّهم رضا اللهِ ورسوله دون شيء سواه.
والإشارة: ينبغي للمريد أن يستغنيَ بالله، فلا يَركن إلى شيء سواه، وتكون بصيرته نافذة حتى يغيب عن الواسطة بشهود الموسوط؛ فإن مات شيخُه لم ينقلب على عَقِبيه؛ فإن تمكَّن من الشهود فقد استغنى عن كل موجود، وإن لم يتمكَّن نظَر من يُكْمله، فالوقوف من الوسائط وقوفٌ مع النِّعم دون شهودِ المنعم، فلا يكون شاكرًا للمُنعم حتى لا يحجبه عنه شيء، ولما مات عليه الصلاة والسلام دُهِشَت الناس، وتحيَّرت لوقوفهم مع شهود النعمة، إلاَّ الصدِّيق؛ كان نَفذ من شهود النعمة إلى شهود المُنعم، فخطَب حينئذٍ على الناس، وقال: "مَن كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌّ لا يموت"، ثمَّ قرأ: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ ﴾، إلى قوله: ﴿ وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 144، 145]، وهم الذين نفذوا إلى شهود المنعم، ولم يقفوا مع النعمة[البحر المديد (1/ 516).]
قال الشوكاني (1250هـ): أي: الذين صبَروا وقاتَلوا واستُشهدوا؛ لأنهم بذلك شكروا نعمة الله عليهم بالإسلام، ومَن امتثل ما أُمر به فقد شكَر النعمة التي أنعَم الله بها عليه[فتح القدير (1/ 580).]
قال الألوسي (1270هـ): أي: سيُثيب الثابتين على دين الإسلام، ووضَع الشاكرين موضع الثابتين؛ لأن الثبات عن ذلك ناشئٌ عن تيقُّن حقيَّته، وذلك شكرٌ له، وفيه إيماء إلى كفران المنقلبين.
وإلى تفسير الشاكرين بالثابتين ذهَب عليٌّ رضي الله تعالى عنه، وقد رواه عنه ابنُ جرير، وكان يقول: الثابتون هم أبو بكر وأصحابه، وأبو بكر رضي الله تعالى عنه أمير الشاكرين، وعن ابن عباس: أن المراد بهم الطائعون من المهاجرين والأنصار، وإظهار الاسم الجليل في موضع الإضمار للإعلان بمزيد الاعتناءِ بشأن جزائهم، واتصال هذا بما قبله اتصال الوعد بالوعيد[روح المعاني (4/ 75).]
قال ابن القيم (751هـ): وهي من أعلى المنازل،
وهي فوق منزلة الرضا وزيادة؛ فالرضا مندرجٌ في الشكر؛ إذ يستحيل وجود الشكر بدونه، وهو نصف الإيمان كما تقدم، والإيمان نصفان: نصفٌ شكر، ونصفٌ صبر، وقد أمر الله به ونهى عن ضده، وأثنى على أهله ووصف به خواصَّ خلقِه، وجعله غاية خلقه وأمره، ووعَد أهله بأحسن جزائه، وجعله سببًا للمزيد من فضله وحارسًا وحافظًا لنعمته، وأخبر أن أهله هم المنتفِعون بآياته، واشتق لهم اسمًا من أسمائه؛ فإنه سبحانه هو الشَّكور، وهو يوصل الشاكر إلى مشكوره، بل يعيد الشاكر مشكورًا، وهو غاية الرب من عبده،
وأهله هم القليل من عباده؛
[الأنترنت – موقع الألوكة - وسيجزي الله الشاكرين.. قرن الله جل جلاله بموته صلى الله عليه وسلم الشكر دون الصبر - أ. د. فهمي أحمد عبدالرحمن القزاز]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثالثة والتسعون بعد الثلاثمائة في موضوع الشكور وهي بعنوان :
* العبيد بين الشكران والجحود
فإنَّ الله تعالى أكْرَمَنَا - نحن معاشر بني آدم - وفضَّلنا على سائر المخلوقات؛ قال - جل في علاه -: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء: 70].
وسَخَّر لنا ما في السموات وما في الأرض، وأسبغ علينا نعِمَه الظاهرة والباطنة؛ قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾ [لقمان: 20].
وآتانا مِنْ كل ما سألناه، ومن كل خير لَم نسأله؛ قال سبحانه:﴿ وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ﴾ [إبراهيم: 34].
وتكرَّم علينا بالعقل الذي هو مناط التكليف، وهدانا النجدَيْن، ويسرنا لأحد السبيلَيْن، وتفضَّل علينا نحن المسلمين - بنِعمة الهداية للدين الحق من غير أن نسأله، وأعطانا النِّعم التي نرفل فيها صباح مساء، بل في كل طرفة عين وانتباهتها، وأقل من ذلك.
فنعمُه علينا لا تزال تترى، وأفضاله سبحانه علينا تغمرنا، ولن نستطيع لها إحصاءً؛ قال سبحانه: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 18]، ومع ذلك لا نقدرها قدرها، ولا يشكره عليها منَّا إلا القليل، كما قال سبحانه: ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13].
مع أنَّه - جلَّ في عُلاه - وَعَد الشاكر بالمزيد، فلن يشكر مجانًا، بل إن مَن أحب النِّعمة وتعلَّق بها، وخاف زوالها عنه، فما عليه إلا أن يشكره سبحانه عليها ليزيده مِنْ فَضْله؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [إبراهيم: 7]. والمتدبر في الآيتين اللتين تُعلمانا أننا لا نستطيع إحصاء نعَم الله علينا، يجد أن الله تعالى يقول في الآية الأولى: ﴿ وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم: 34].
أما الثانية فيقول فيها الحق سبحانه: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾النحل: 18].
وفي ذلك يقول العلامة الشنقيطي - رحمه الله -: "قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ
اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾، ذكر - جل وعلا - في هذه
الآية الكريمة أن بني آدم لا يقدرون على إحصاء نعَم الله لكثْرتها عليهم، وأتْبع ذلك بقوله:﴿إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾، فدلَّ ذلك على تقصير بني آدم في شُكر تلك النِّعم، وأن الله يغفر لمن تاب منهم، ويغفر لمن شاء أن يغفر له ذلك التقصير في شكر النِّعم، وبين هذا المفهوم المشار إليه هنا بقوله: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم: 34]"[ "أضواء البيان" 2/ 362.] ولا يظنن ظانٌّ أن شكره سبحانه عسيرٌ، ويحتاج إلى العمل الكثير والذكر الطويل، بل هو من أيسر ما يكون، ومع يُسره فرِضا الله متعلِّق به؛ قَالَ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنْ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فيحمده عليها، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَة فيحمده عليها [ أخرجه مسلم 4915 من حديث أنس - رضي الله عنه.]
قال المُناوي - رحمه الله -: "عبَّر بالمرَّة إشعارًا بأنَّ الأكل والشرب يستحقُّ الحمد عليه وإنْ قلَّ، وهذا تنويهٌ عظيم بمقام الشكر[ "التيسير بشرح الجامع الصغير" 1/ 528.]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الرابعة والتسعون بعد الثلاثمائة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :* العبيد بين الشكران والجحود
وقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - عند شرحه لهذا الحديث: "ففي هذا دليلٌ على أن رضا الله - عز وجل - قد يُنال بأدنى سبب، قد يُنال بهذا السبب اليسير ولله الحمد، يرضى الله عن الإنسان إذا انتهى من الأكْل قال: الحمد لله، وإذا انتهى من الشرب قال: الحمد لله"["شرح رياض الصالحين" 1/ 157.]
فلله الحمد على هذا التيسير الفضْل والمنَّة؛ إذ جعل شكره يسيرًا، وجعل رضاه في الاعتراف لصاحب الفضل بفضله، وتعظيم النعمة وإن دقَّت، كما كان هذا وصف الحبيب - صلى الله عليه وسلم -: (يُعَظِّمُ النِّعْمَةَ وَإِنْ دَقَّتْ ) [أخرجه الطبراني في "الكبير" 22/ 155 حديث 18265، والبيهقي في "شُعَب الإيمان" 2/ 154 حديث 1430.]
وقد رُوي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: مَنْ أَكَلَ طَعَامًا فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنِي هذا ورزقنيه من غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ [ أخرجه الترمذي 3380، وحسنه الألباني في "صحيح الترمذي" 3458.]
ألا فليعلم العبدُ أن أغنى الناس الراضي بما قَسَمه الله له؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: (وارضَ بما قسم الله لك تكنْ أغنى الناس) [أخرجه الترمذي 2227 من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" 100.]
وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ) [ أخرجه مسلم 1746 من حديث عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما.] ،فهذا هو الفالح على الحقيقة.
وأن الدُّنيا ما هي إلا أكلة ونومة وعافية بدن؛
مصداقًا لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (مَن أصبح منكم آمنًا في سرْبه، مُعافًى في جسده، عنده قوتُ يومه؛ فكأنما حِيزت له الدنيا بحذافيرها) [ حسنه الألباني في "الصحيحة" 2318.] ومَن نظر لأحوالنا ووازنها بحال النبي - صلى الله عليه وسلم - وجُلِّ أصحابه، يعلم يقينًا أننا - بالنسبة لهم فيما خوَّلنا الله من متاع الدنيا - ملوكٌ، بلا أدنى مبالغة؛ فمَنْ مِنَّا بات طاويًا، ومن منا ربط على بطنه حجرًا أوحجرين من الجوع، ورضي بذلك، ولم يسخط، وأحب ذلك وطلبه، ودعا به: اللَّهُمَّ ارْزُقْ آلَ مُحَمَّدٍ قُوتًا[ أخرجه مسلم 5979 من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه.]
فسبب البلاء الذي نحياه سخطُنا على خالقنا، مع ما
منَّ به علينا من نعَم نعجز عن حصرها، وشكايتنا إياه لمن لا يملك لنفسه - فضلاً عن أن يملك لغيره - نفعًا ولا ضرًّا ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا، وصار هذا السخط والضجر من الحياة ومن فيها وما فيها لا يكاد يخلو منه مجلس.
الكل يعترض ويسخط، ويدَّعي أنه يستحق أكثر مما أوتي، إلا من رحم ربك - وقليل ما هم - كأنه يُطالب الله بما وجب له عنده - والعياذ بالله.
ولم يعلم أن الله لا يجب عليه شيء إلا ما أوجبه بنفسه على نفسه - جل في علاه - وأن الله قد زكَّى ومدح مَن رضي به وعنه، ورضي عنهم، وقرن الزيادة بالشكر، ولا يكون هذا إلا بعد اعتراف لله بالجميل، ونسبة التقصير للعبد في أداء ما عليه وجب، والعجز عن شكر ما له وُهِب.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الخامسة والتسعون بعد الثلاثمائة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :* العبيد بين الشكران والجحود
قال أبو عبيدة الخواص - رحمه الله -:
سُبْحَانَ مَنْ لَوْ سَجَدْنَا بِالعُيُونِ لَهُ ***
عَلَى حِمَى الشَّوْكِ وَالمَحْمِي مِنَ الإِبَرِ
لَمْ نَبْلُغِ العُشْرَ مِنْ مِعْشَارِ نِعْمَتِهِ ***
وَلا العَشِيرَ وَلا عُشْرًا مِنَ العُشُرِ
[ "لطائف المعارف" ص 310.]
وقد صاغ هذه المعاني شيخُ الإسلام - طيَّب الله ثراه - في أبيات رقيقة رقراقة، تفيض ذُلاًّ واطِّراحًا بين يدي الوهَّاب سبحانه، فقال:
أَنَا الفَقِيرُ إِلَى رَبِّ البَرِيَّاتِ ***
أَنَا المُسَيْكِينُ فِي مَجْمُوعِ حَالاَتِي
أَنَا الظَّلُومُ لِنَفْسِي وَهْيَ ظَالِمَتِي ***
وَالخَيْرُ إِنْ يَأْتِنَا مِنْ عِنْدِهُ يَاتِي
لَا أَسْتَطِيعُ لِنَفْسِي جَلْبَ مَنْفَعَةٍ ***
وَلاَ عَنِ النَّفْسِ لِي دَفْعَ المَضَرَّاتِ
وَلَيْسَ لِي دُونَهُ مَوْلًى يُدَبِّرُنِي ***
وَلاَ شَفِيعٌ إِذَا حَاطَتْ خَطِيئَاتِي
إِلاَّ بِإِذْنٍ مِنَ الرَّحْمَنِ خَالِقِنَا ***
إِلَى الشَّفِيعِ كَمَا قَدْ جَا فِي الاَيَاتِ
وَلَسْتُ أَمْلِكُ شَيْئًا دُونَهُ أَبَدًا ***
وَلاَ شَرِيكٌ أَنَا فِي بَعْضِ ذَرَّاتِي
وَلاَ ظَهِيرَ لَهُ كَيْ يَسْتَعِينَ بِهِ ***
كَمَا يَكونُ لِأَرْبَابِ الوَلايَاتِ
وَالفَقْرُ لِي وَصْفُ ذَات لازِمٍ أَبَدًا ***
كَمَا الغِنَى أَبَدًا وَصْفٌ لَهُ ذَاتِي
وَهَذِه الحَالُ حَالُ الخَلْقِ أَجْمَعِهِمْ ***
وَكُلُّهُمْ عِنْدَهُ عَبْدٌ لَهُ آتِي
فَمَنْ بَغَى مَطْلبًا مِنْ غَيْرِ خَالِقِهِ ***
فَهْوُ الجَهُولُ الظَّلُومُ المُشْرِكُ العَاتِي
وَالحَمْدُ لِلَّهِ مِلْءَ الكَوْنِ أَجْمَعِهِ ***
مَا كَانَ مِنْهُ وَمَا مِنْ بَعْدُ قَدْ يَاتِي
[ "المستدرك على مجموع فتاوى شيخ الإسلام" 1/ 144.]
فالاعترافُ بالنِّعم مع العجز عن شكرها هو عينُ
شكرها؛ يقول الإمام ابن كثير: وقد روي في الأثر: أن داود - عليه السلام - قال: يا ربّ، كيف أشكرك وشكري لك نعمةٌ منك عليَّ؟ فقال الله تعالى: الآن شكَرْتني يا داود، أي: حين اعترفتَ بالتقصير عن أداء شكر النِّعَم.
وقال الشافعي - رحمه الله -: الحمد لله الذي لا يُؤدى شكرُ نعمة من نعمه إلا بنعمة تُوجِب على مُؤدي ماضي نِعَمه بأدائها نعمة حادثة توجب عليه شكره بها.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السادسة والتسعون بعد الثلاثمائة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :* العبيد بين الشكران والجحود
وقال القائل في ذلك:
لَوْ كُلُّ جَارِحَةٍ مِنِّي لهَا لُغَةٌ ***
تُثْنِي عَلَيكَ بِمَا أَوْلَيْتَ مِنْ حَسَنِ
لَكَانَ مَا زَادَ شُكْرِي إِذْ شَكَرْتُ بِهِ ***
إِلَيْكَ أَبْلغَ فِي الإِحْسَانِ وَالمِنَنِ
[ "تفسير ابن كثير" 4/ 512.]
هذا، وقد أعلمنا سيد الخلق - صلى الله عليه وسلم - : (أن ما عند الله مِنْ خير وبركة لا يُنال إلا بطاعته؛ إذ قال: ليس من عمل يقرب من الجنة إلا قد أمرتكم به، ولا عمل يقرِّب من النار إلا وقد نهيتكم عنه؛ فلا يستبطئن أحدٌ منكم رزقَه، فإن جبريل ألقى في رُوعي أن أحدًا منكم لن يخرجَ من الدنيا حتى يستكملَ رزقه؛ فاتَّقوا الله - أيها الناس - وأجملوا في الطلَب؛ فإن استبطأ أحد منكم رزقه فلا يطلبه بمعْصية الله؛ فإنَّ الله لا يُنال فضلُه بمعصيته)
[ أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 13/ 227 حديث 35473 من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" 1700.]
ألا فلنفتش في أنفسنا وجناياتنا؛ فإنه لَم ينزل بلاءٌ
من السماء إلا بذنبٍ، ولا يُكشف إلا بتوبة، ولنعلم أن ما وقع من غلاءٍ ووباء وبلاء هو بسبب إعراضنا وجحودنا؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30]، وقال: ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 165].
يقول ابن عجيبة في تفسيره: "يقول الحقُّ - جلَّ جلاله -: أَحِينَ أصابتكم مصيبة يوم أُحُد بقتْل سبعين منكم، وقد أصبتم مثليها يوم بدْر، فقتلتم سبعين وأسرْتم سبعين، قُلتم: أنَّى هذا؟ أي: من أين أصابنا هذا البلاء، وقد وُعِدنا النصر؟! قل لهم: هو من عند أنفسكم؛ أي: مما اقترفتْه أنفسكم من مخالفة المركز، والنصر الموعود كان مشروطًا بالثبات والطاعة، فلما اختل الشرط اختل المشروط، إن الله على كل شيء قدير؛ فيَقدِر على النصر بشرْط وبغيره، لكن حكمته اقتضتْ وُجُود الأسباب والشروط[إحياء علوم الدين 4/ 186.]
فإذا كان بسبب مُخالفة واحدةٍ تحولتْ نعمة النَّصْر إلى مصيبة الهزيمة، وتحوَّلتْ نعمة العافية إلى قتْل سبعين مِنْ خيرة الأصحاب - عليهمُ الرِّضوان - على رأسهم سيد الشهَداء حمزة - رضي الله عنه - وخرج الرسول - صلى الله عليه وسلم - من المعركة جريحًا، وقد كسرتْ رباعيته، وشُج وجهُه، ودخلتْ حلقتان من حلقات المغفر في وجنتيه - صلى الله عليه وسلم - فماذا نستحقُّ نحن مع الموبقات التي تُقْتَرف كل لحظة؟!
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السابعة والتسعون بعد الثلاثمائة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :* العبيد بين الشكران والجحود
لذلك لو عامَلَنَا الله بما نستحقُّ لأَخَذَنا مع أول
مُخالفة: ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ ﴾ [النحل: 61].
إِذَا كُنْتَ فِي نِعْمَةٍ فَارْعَهَا ***
فَإِنَّ المَعَاصِي تُزِيلُ النِّعَمْ
وَدَاوِمْ عَلَيْهَا بِشُكْرِ الإِلَهِ ***
فَإِنَّ الإِلَهَ سَرِيعُ النِّقَمْ
قال ابن القيم رحمه الله: "وقال تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الأنفال: 53]، فأخْبَر سبحانه أنَّه لا يُغيِّر نعمَه التي أنعم بها على أحدٍ حتى يكون هو الذي يُغيِّر ما بنَفْسه، فيُغيِّر طاعةَ الله بمعصيته، وشكرَه بكُفره، وأسبابَ رضاه بأسباب سخطه، فإذا غيَّرَ غُيِّر عليه جزاء وفاقًا، وما ربُّك بظلاَّم للعبيد؛ فإن غيَّر المعصية بالطاعة غيَّر اللهُ عليه العقوبة بالعافية، والذُّلَّ بالعزِّ؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ﴾ [الرعد: 11]"[ "الجواب الكافي" ص 29.]
فعلينا ألا نُزكِّي أنفسنا، بل نقول كما قال عطاء - رحمه الله - وكان إذا أصابتهم ريح أو برق أو غلاء طعام، قال: "هذا من أجلي يصيبهم؛ لو مات عطاء لاسْتراح الناس"[ البحر المديد 1/ 360.]
كلٌّ يصرخ على نفسه، قائلاً:
ويحك يا نفسُ! أنتِ سببُ البلاء ***
الحَالِّ بأرض المسلمين من غلاءٍ ووباء.
ويحك يا نفسُ! أنتِ سبب ضياع ***
مقدساتنا، وانتقاص أرضنا، وانتهاك حُرُماتنا.
ويحك يا نفسُ! لا تعترفين بالفضْل لواهبه.
ويحك يا نفسُ! لا تشكرين الله على نعَمِه الكثيرة الجليلة، وإن حدث فنَزْر يسير لا يكافئ عشير عشر معشار ما به عليَّ تفضل.
ويحك يا نفسُ! لا تستعملين المستحفَظ فيما استحفظ له.
ويحك يا نفسُ! لا تدْعِين الله أن يحفظ عليكِ نعمه، وأن يمتعكِ بها ما بقيتِ.
ويحك يا نفسُ! بماذا ستجيبين ربَّك إذا سألك عما لم تستطيعى عدَّه من نعَمه عليكِ.
بَادِرْ فَقَدْ أَسْمَعَكَ الصَّوْتُ ***
إِنْ لَمْ تُبَادِرْ فَهوُ الفَوْتُ
مَنْ لَمْ تَزُلْ نِعْمَتُهُ قَبْلَهُ ***
أَزالَ عَنْهُ النِّعْمَةَ المَوْتُ
﴿ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴾ [النمل: 19] ﴿ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأحقاف: 15].[ الأنترنت – موقع الألوكة - العبيد بين الشكران والجحود - عراقي محمود حامد ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثامنة والتسعون بعد الثلاثمائة في موضوع الشكور وهي بعنوان :
*فهم الآخرين وقيمة الشكر
من البدهيِّ أنَّنا نعيشُ في مجتمعٍ، وهذا الأمر لا
يخفى على أحدٍ، ومن البدهي أيضًا أنَّنا نتعامَل يوميًّا مع الآخَرين بشتَّى وسائل التعامُل، ونتواصَل معهم بمختلف وسائل الاتِّصال، وكما يقول ابن خلدون في مقدمته: الإنسان اجتماعيٌّ بطبعه.
فلا بُدَّ أنْ نحسن التعامُل مع الآخَرين، أو إنْ شئت: نتفهَّم التصرُّفات التي يتصرَّفونها في مختلف الأحوال والظروف والأوقات، فإذا ما تحقَّق هذا الأمر وركَّزنا في داخِلنا وعرفنا قانون (الدافع) الذي جعَل شخصًا ما يتصرَّف بطريقةٍ ما لا تُعجِبنا - إذا تحقَّق ذلك نكون إذ ذاك قد وسَّعنا مَداركنا وخريطتنا عن العالم الخارجي، ونصبح أيضًا نعذر
هذا، ونُسامِح هذا، ونتجاوَز عن هفوات هذا.
ولكن قد نجدُ طوائف كثيرةً من الناس هم في غِطاءٍ عن هذا القانون الذي به نُهوِّن الأمور ونسخِّرها ونُذلِّلها ونُسوِّي بها الأرض، بل نتَّخِذ منه راحة ذاتيَّة داخليَّة؛ إذ نحن أيقنّا أنَّ الآخرين يتَّصفون بصفاتٍ أزليَّة معروفة من مثل صفة النقص والتسرُّع؛ قال تعالى: ﴿ خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ﴾ [الأنبياء: 37] قد نجدُ طوائفَ من الناس مثلاً يُساعِدون الآخَرين ويُعاوِنونهم، ويتصدَّقون على الفقراء والمحتاجين، ويتعهَّدون أحوالهم، ويحنون عليهم حنوَّ الأم على طِفلها، ولكن قد يتذمَّرون لأنهم لم يجدوا صدى هاتيك الأعمال الخيِّرة التي تتمثَّل بشُكرِ صنيعهم ذاك.
من هنا كان لزامًا علينا إمَّا أنْ نُوجِّههم إلى ذاك القانون، وإمَّا أنْ نتوجَّه إلى الناس جميعًا لنشرح لهم فائدةَ الشكر وقيمته في دخيلة الذين يُساعِدونهم ويهبُّون لنجدتهم ويلبُّون طلباتهم.
ولكنَّا آثَرْنا أنْ نبيِّن الأمرَيْن معًا، ونُوضِّح قيمتهما ونكشفهما للناس؛ عساهم ينتفعون بها ويستفيدون منها؛ إذ إنهما أمران لا بُدَّ من تطبيق أحدهما لكي ننعم بالراحة والهدوء.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة التاسعة والتسعون بعد الثلاثمائة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :*فهم الآخرين وقيمة الشكر
في البرمجة اللغويَّة العصبيَّة ثَمَّ ما يسمى بالفرضيَّات
التي تعني بكلِّ سهولة: المبادئ أو القوانين التي ينبغي لك أنْ تتمثَّلها حتى تفهَمَ السلوك الإنساني وتصرُّفات الآخرين على ما هم عليه.
ومن هذه الفرضيات أو الافتراضات افتراض يقول: الخريطة ليست هي الواقع The map is not the territory، أو بأسلوب منطقي: عدم الوجدان للشيء لا يستلزم عدم وجوده في الواقع، ولنوضِّح هذا المفهوم أضرب مثالاً حصل معي شخصيًّا وهو: أنَّني أردت التحقُّق من صحَّة حديث نبويٍّ معيَّن، وقد توجَّهت لموقعٍ إلكتروني يقدِّم هاذه الخدمة، ولكنِّي لم أجد نصَّ هذا الحديث إطلاقًا، فقلت إذ ذاك في نفسي: هذا ليس حديثًا، ثم حدث بعد ذلك أنْ كنت أقرأ في كتابٍ لعالمٍ ثقةٍ، وإذا هو يستَشهِد بهذا الحديث، وإذا هو يضع في الحاشية تخريجه (حديث قدسي صحيح)، وإذا أنا أتذكَّر تلك الحادثة، وإذا أنا أتذكَّر أيضًا تلك المقولة المنطقيَّة التي ذكرتها آنفًا.
إنَّ هذا الأمر يعني أنَّ لكلِّ واحد منَّا خريطته عن العالم الخارجي، وهاذه الخريطة تُفسِّر الأحداث والوقائع والتصرُّفات التي يقوم بها الآخَرون وفق خبراتنا المتعلِّقة بها، ولكلٍّ منَّا معلومات يستمدُّها من الحواس الخمس واللغة والفكر والقيم والمعتقدات
الثاوية في الذات.
ولا ضير إنْ قلنا: إنَّ المعلومات التي نستقبلها من العالم الخارجي وحتى الأحكام التي نسوقُها عنه إنما هو مثل الجملة الخبريَّة في البلاغة العربيَّة، حيث إنها تحتمل الصواب والخطأ، ولكن رؤية الناس تختلف حسب إدراكاتهم.
ماذا يحدث لو آمنَّا بهذا الافتراض وجعَلناه قانونًا لنا في مختلف ظروف حَياتنا وأحوالها؟
بلا شكٍّ أنَّ خريطتنا ستتوسَّع، وتصوُّرنا عن الآخَرين سيختلف بطريقةٍ إيجابيَّة، ونصبح متفهِّمين
وعاذرين، وغير ساخطين أو متذمِّرين.
لو حدث لك موقفٌ مثلاً أنَّ صديقك قال لك: مشكلتي ليس لها حلٌّ إطلاقًا، ما أوَّل شيء ينبغي لك أنْ تقوله له؟! أفضل كلمة تقولها له بادئ الأمر هو موافقتك له، قل له: حقًّا مشكلتك لا حلَّ لها؛ إذ إنَّك تتعامَل مع خريطة مغايرة لخريطتك؛ إذ إنَّه لا يستطيع أنْ يحلها، أو أنَّ خريطته لم تتعامَل مع هذا النوع من المشكلات، مع أنَّك لو مررت بهذه المشكلة نفسها لأمكنك أنْ تحلها بطريقةٍ سهلة.
ولكنَّ الشخص الآخَر قد لا يملك خريطة متشعِّبة مثلك.
عرفت إذًا فائدة توسيع خريطتك أولاً، وفهم
خريطة الآخرين ثانيًا، ومحاولة تطبيق هذا الأمر ثالثًا.
سيحدث أنْ ستساعد أحدهم، وسيحدث ألاَّ يشكرك، أو إنْ شئت سيهجم عليك؛ إذ إنَّك - حسب خريطته - لم تُساعِده! وسيحدث أنَّك ستتفهَّم وضعه وتصوُّره، وتحاول قدْر الإمكان أنْ تشرح له الأمر، أو إنْ شئت تبيِّن له أهميَّة إعذار الناس.
كلُّ ما حولك من آراء بشريَّة إنما قابلة للصدق
والكذب، أو الحقيقة وغيرها؛ ولذا ألحُّ عليك مرَّة أخرى بضرورة اتِّباع هذا الافتراض الجميل. [ الأنترنت – موقع الألوكة - فهم الآخرين وقيمة الشكر - محمد حمدان الرقب ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الأربعمائة في موضوع الشكور وهي بعنوان :*من ديوان الإيمان .. الشكر
قرين الصبر عند المؤمن الشكرُ؛ كما قال - صلى الله عليه وسلم -: (عجبًا لأمر المؤمن؛ إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن؛ إن أصابتْه سرَّاءُ شكَر، فكان خيرًا له، وإن أصابتْه ضرَّاءُ
صبَر، فكان خيرًا له)
فتقدير النعمة الربانية، ومعرفة باعثها، وشُكره عليها - دليلٌ على إيمانٍ حي، يَنبض بالإقرار والاعتراف بالرب - سبحانه - في نَعمائه ورحمائه ولُطفه بعبادة، ومن ثَمَّ يَلهج بالاعتراف به وبتقديره حقَّ قدره وشكره على ذلك!
فإن الإنسان مُثقل بالنِّعم الإلهية والمِنَح الربانية، حتى إنه لو ذهَب يُحصيها، لما استطاع إلى ذلك سبيلاً؛﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَاتُحْصُوهَا﴾النحل: 18].
فإن أقل ما يقدِّمه الإنسان - عِرفانًا بالنعم - أن يشعر بالمنعم، ويُقر له بالفضل، ثم يَشكره على هذه النِّعم، وهذا ما تَقتضيه الفطرة النقيَّة للإنسان دائمًا، غير أن هذه الفطرة قد تَفسُد أحياناً ويحيطها الشيطان بشِباكه وقدراته المُخولة له، فيَصرف شُكْرَه وحمْده إلى غير الله - سبحانه - وقد قال المولى - عز وجل - في الحديث القدسي: ((إني والجن والإنس في نبأ عظيم: أَخلق ويُعبَد غيري، وأَرزق ويُشكَر سواي)). فإن الأجدر بالعبادة، الأحق بالشكر والحمد، هو الخالق المُنعم؛ ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162، 163].
والشكر نوعان: شكر قلبي، وشكر بالجوارح.
فمتى عرَف القلب نعمة المنعم وذاقها وشهِدها، تحدَّث عنها شاكرًا للمنعم نعمتَه، وانساقَت الجوارح كلُّها مع القلب تَشكر المربي والمنعم!
وشكر القلب هو إقراره بخالقه ومعرفة نَعمائه، التي ليس العبد أهلاً لها؛ لأنه لم يقم نظيرها الواجب للمنعم، مع أنه يشعر - بالفطرة النقيَّة - أنه محتاج إلى الرب، وأن بشريَّته تكون ناقصة لا تَكتمل إلا باتِّصالها به، وباستمدادها منه، ولن تبلغ الكمال يومًا؛ وإنما هي تَنشده بطبيعتها، والكمال المطلق لله وحده، ومن هنا تلتقي الحاجة بطبيعتها والكمال المطلق لله وحده، ومن هنا تلتقي الحاجة البشرية بالدائرة الربانية دائمًا.
وإذا كان القلب شاكرًا، عبَّرت الجوارح عن شكره، وأوَّلها اللسان الذي يعبِّر عما يَجيش في هذا القلب من معانٍ، فمما طلَبه الإيمان: أن يكون الحمد أول الكلام، بل أول الأعمال؛ حيث يقول النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -: ((كل أمرٍ ذي بالٍ، لا يبدأ فيه بحمْد الله، فهو أجذم))[ رواه مسلم، 1/43، وهو حسن روي موصولاً ومرسلاً، ورواية الموصول إسنادها جيد.] ؛ أي: أقطع؛ أي: مقطوع الأجر.
ومن هنا كان الحمد واجبًا لله - سبحانه – فطرةً
وطبعًا، قبل أن يكون دينًا وشريعة، وقد قال الله - تبارك وتعالى -: ﴿ وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ ﴾ [القصص: 70].
ثم إنه يُرضي الله - سبحانه وتعالى - فيُحبه، وهذا معنى ما رواه النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: ((ليس شيء أحب إليه الحمد من الله تعالى)). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيَحمده عليها، ويشرب الشربة فيَحمَده عليها)). فكان الشكر تعبيرًا عن إيمان نقي، وعبودية صادقة، وفطرة صافية؛ ولهذا فالشاكرون قليلون في كل عهد وزمان؛ لأن مخلصي العبودية لله سبحانه قليلون أيضًا بين البشر؛فقد قال الله تبارك وتعالى:﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ: 13].
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الواحدة بعد الأربعمائة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضيةوالتي هي بعنوان :*من ديوان الإيمان .. الشكر
وتعهَّد الشيطان أن يضلَّ الناس عن واجب الشكر، ويُنسيهم المنعم، فقال: ﴿ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾ [الأعراف: 17]. ووضَعه الله - سبحانه وتعالى - في مقابل الكفر في قوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ﴾ [النمل: 40].
فالأمر بين العبد وربه؛ إما جحود وكُفران، وإما إسلام وشكران، وقد ناشد الله - سبحانه وتعالى - عباده أن يُبصروا ما خلَق لهم، وهيَّأ لهم رزقهم من الطيِّبات، وأَوْلى بهم أن يشكروه على هذه النعم، بدلاً من جحْد النعم وكفران المنعم، ويكرِّر لهم هذا النداء في آيات كثيرة في القرآن الكريم؛ كقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النحل: 78]، ﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾ [الإنسان: 3]،﴿ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ ﴾ [الواقعة: 68 - 70]، ﴿ اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [الجاثية: 12].
والآيات عديدة تحمل هذا النداء الذي يحتاج إلى تدبُّر وحُكم موضوعي بلُغة أهل العصر!
ولا شك أن الشكر شعور فطري كما قلتُ، يَحكم
كلَّ قلبٍ نقي، ويَسوس كل خالصي الإيمان، وهذا ما ظهر كسمةٍ بارزة في أسلوب قادة البشرية وأقمارها؛ من النبيين والصديقين، والشهداء والصالحين، وحَسُن أولئك رفيقًا، كلهم يَنطق بلسان هذا الرجل المؤمن الذي قال: ﴿ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأحقاف: 15]. وأيضًا كلهم ينطق بلسان محمد بن عبدالله - صلى الله عليه وسلم - وما روَته عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم من الليل حتى تَنفطر قَدماه، فقلت له: لِم تَصنع هذا يا رسول الله، وقد غفر لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخر؟ قال:(أفلا أكون عبدًا شكورًا؟!)
إنها عبودية الحمد التي يُعلِّمنا الإسلام إياها؛ حتى نكون من أولئك القليل، نَعرف النعمة للمُنعم ونُقِرها، ثم نَشكره عليها، وهكذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُعلمنا في كل موقفٍ، كيف يكون شاكرًا لله حقَّ الشكر، مع تقديم قاعدة أصلية، وهي أننا مهما بالَغنا في الشكر، فلن نفيَ الله حقَّه، وكما قال أحد الصالحين: إن شكرك لله يحتاج منك إلى شُكره؛ لأنه وفَّقك إلى شكره؛ لأن الشكر في ذاته عبادة، فكونه وفَّقك إلى عبادة، فقد أنعَم عليك نعمة تحتاج منك إلى شكره عليها!
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثانية بعد الأربعمائة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضيةوالتي هي بعنوان :*من ديوان الإيمان .. الشكر
وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: خرَجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكة نريد المدينة، فلما كنا قريبًا من (عَزْوَرَا)، نزل ثم رفَع يديه، فدعا الله ساعة، ثم خرَّ ساجدًا، فمكث طويلاً، ثم قام فرفَع يديه ساعة، ثم خرَّ ساجدًا، (فعله ثلاثًا)، وقال: (إني سألت ربي لأُمتي، فأعطاني ثُلُث أُمتي، فخرَرت ساجدًا لربي شكرًا، ثم رفعت رأسي، فسألت ربي لأُمتي، فأعطاني ثُلُث أُمتي، فخرَرت ساجدًا لربي شكرًا،ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأُمتي،فأعطاني الثُّلث الأخير،فخرَرت ساجدًا لربي)).
فكلما منَّ الله عليه بنعمة، اجتَهد في شكره عليها، وعبَّر عن امتنانه وسعادته بها بالفعل وبالقول، ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، فكثيرًا ما كان - صلى الله عليه وسلم - يدخل المسجد أول دخوله إلى المدينة مباشرة، عند عودته من غزواته؛ ليعبِّر عن شكره وحمْده لربه، فيصلي لربه شكرًا، قبل أن يكلِّم أحدًا من الناس، وقد روى أبو بكر - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جاءه أمر سرورٍ، أو شيء يُسَرُّ به، خرَّ ساجدًا؛ شكرًا لله.
والأبلغ في الفضل والنعمة، أن يجعل الله - سبحانه وتعالى - الشكر مقدمة للزيادة في النعمة، فقد قال
تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7]، ورُوِي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله: ((إذا قلت: الحمد لله رب
العالمين، فقد شكَرت الله، فزادَك)).
وإن كلمة قالها العبد حمدًا لله، أعجَزت الملائكة عن كتابتها؛ لفرْط مَثوبتها، وعِظَم جزائها؛ فقد روى ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله: ((إن عبدًا من عباد الله قال: يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، فعضلَت بالمَلكينِ أن يكتباها، فلم يَدْريا كيف يَكتبانِها، فصعدوا إلى الله، فقالا: يا ربنا، إن عبداً قال مقالة لا ندري كيف نكتبها، قال الله - وهو أعلم بما قال عبده -: وما الذي قال عبدي؟، قالا: يا ربنا، إنه قال: لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، فقال لهما: اكْتُباها كما قال عبدي حتى يلقاني، فأَجزيه بها)).
إذًا فجزاء الحمد لا يُقدَّر، وثوابه تَعجِز الملائكة عن تقديره، وكان الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - لا يَفتُر عن شيئين: الاستغفار، والشكر!
فاستفتاح صلاته بالحمد، واستفتاح خطبته بالحمد، وإذا استيقَظ من نومه حمِد الله، وإذا ركِب حمد الله، وإذا طعِم حمد الله، وإذا شرِب حمد الله، وإذا تخلَّى حمد الله على ذَهاب الأذى وبقاء العافية، إذا أتى نساءَه حمد الله، وهكذا يحمد الله على كل حال، ويَشكُره على كل نعمة!
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثالثة بعد الأربعمائة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضيةوالتي هي بعنوان :*من ديوان الإيمان .. الشكر
وإن لكل عضو في جسم الإنسان شكرًا، كُتِب عليه أن يؤديه للخالق - جل وعلا - بعد أن يقدِّم شكره بمعرفة المُنعم على وجه الخضوع، وتقدير المنعم، وحين يقوم بالتصديق والإقرار بحقائق الإيمان، ويظل عامرًا بذكر الله، فحين يخصُّ الله - سبحانه - وحده بحبِّه والرضا عنه، ويخصه دون غيره بخشيته والخوف منه، والخشوع له وتَقواه، والتوكُّل عليه، والإنابة إليه وحده، ويُوقِّره وحده، ويصبر على أمره، ويَصبر عن نهْيه، أو على قضاه - يكون شاكرًا لربه، وحين يتخلَّص من كل حقدٍ وحسد وغِلٍّ، ولا يتمنَّى ولا يشتهي ما حرَّم الله، ويرضى بما رزَقه الله وأحلَّه له - يكون شاكرًا لله شُكر القلب المؤمن!
• والعين تؤدي شكرها حين لا ترى عيوب الناس؛ وإنما ترى عيب صاحبها وتقصيره قبل عيب الناس، ولا تَنظر إلى ما متَّع الله به غيرَها، فربما كان الله - سبحانه وتعالَت حكمته - قد وهب الغير نعمةً للابتلاء والفتنة؛ وإنما يجب أن تَنظر إلى ما فضَّل الله به عليها من نعمة الإيمان، وما هي مهيِّئة له من بلوغ العلم النافع والقرب من الله، ولا تَنظر إلى المحارم وتَنتهك الحُرمات، فذلك زنا العين الذي جاء في الحديث: ((والعين تزني وزناها النظر)) وإن رأت منكرًا احْتَقرته وتجافَت عنه، ولم ترَ زينته وبَهْرجته، وهذا معنى أن تكون شاكرة لخالقها ومُصوِّرها!
• والأُذن تؤدي شكرها، فلا تتجسَّس على عورات المسلمين ولا تتبعها، ولا تُكثر سماع اللفظ واللغو الزُّور، ولا تُلقي سمْعها للسخرية بالإسلام وحقائقه، أو بالله - عز وجل - أو برسوله - صلى الله عليه وسلم - ولا تَسمح لنفسها بسماع الخوض في أعراض المسلمين، وإن تبادَرَ إليها شيء من ذلك، استَنكرتْه واستقبَحته، ولفَظَتْه كأن لم تَسمعْه، أو ستَرتَه إن كان مما لا يَحسُن نشره بين الناس، أو كان سبيلاً صحيحًا لإرشاده إلى موطن خطئه وشُبهة عيبه، وحتى تكون شاكرة، يَحسُن لها أن تسمع كل ما هو مشروع مُذَكِّر بالله وآياته؛ من ذكرٍ، أو دعاءٍ، أو استغفار، أو كل ما يُذكِّر بنِعَم الله في الكون والحياة!
• واليد لها شُكر تؤديه، حين لا تُغضب ربها ولا
تزني، وزناها لَمْس المحرَّمات؛ حتى لا تجد الشهوة سبيلاً إلى الفؤاد، فبُعدها عن الحرام شكر، وتغييرها المنكر شُكر، وحمْلها السلاح في سبيل الله شكر، ومسْحها على المسكين واليتيم شكر، وحمْلها الصدقة إلى الفقراء شكر، ومصافحتها في الله شكر، وتأْدِيتها الفرائضَ والعباداتِ شكر، ومنْعها الأذى شكر، وحملها أدوات العلم شكر، وسَعْيها في سبيل الرزق - طلبًا للعون على العبادة - شكر، وحين تجد طريقها إلى ما خوَّلها الله من عملٍ، تكون شاكرة حقَّ الشكر، فيُبارك الله فيها وما تأتيه بعونه!
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الرابعة بعد الأربعمائة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضيةوالتي هي بعنوان :*من ديوان الإيمان .. الشكر
• والقدَم لها شكر تؤدِّيه إلى واهبها الحياة - عز وجل - حين لا تَعرف طريقها إلى فاحشة، فلا تَزني وزناها السعي؛ وإنما يجب أن يكون سعيها إلى المساجد ودُور العلم، والبيت الحرام وحَلبات الجهاد، ومواقع العمل والسعي على الرزق، وصلة الرحم، وعيادة المرضى، وزيارة الإخوة، ونُصرة المظلوم، وشهادة الحق، وإغاثة الملهوف، وتكون شاكرة حين تَحفظ ما بينها من عورات من اقتراف الآثام، بل تحمل صاحبها إلى مواطن الشرف والفَخار، لا إلى أماكن الفِسق والفجور!
• واللسان له شكر يُؤديه، حين لا يذكر أعراض الناس، ولا يخوض في عيوبهم ونقائصهم، وحين لا يَجرح مسلمًا، ولا يَهجوه ولا يَطعنه ولا يَلعنه؛ ((المسلم مَن سلِم المسلمون من لسانه ويده))، وحين يعفُّ عن تذوُّق الحرام، ويجد لذاته في الحلال.
ودعاؤه لله شكر، وأمْره بالمعروف شكر، ونَهيه عن المنكر شكر، وذِكره لله تعالى شكر، وقوله للخير شكر، وشهادته للحق شكر، والحديث عن نِعَم الله وفضْله شكر، ومذاكرة آيات الله المقروءة والمنظورة في الكون شكر، وتعلُّم العلم شكر، كلمته الطيبة للناس شكر، كلمته الرقيقة المواسية لليتامى والمساكين شكر، وقبل كل ذلك يكون شاكرًا بترديده الشكر والحمد، والثناء والذكر اللفظي؛ فقد قال تعالى: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 152].
والفَرْج له شكر يؤديه لربه بارئه ومُسَوِّيه، حين لا يجد لذته وهواه في حرامٍ يَبحث عنه، ولا يعرف طريقًا إلى منكر، بل يتَّخذ العِفة حصنًا، والنقاء والطهارة سبيلاً، وإذا كان الفرْج أصل الشهوة، فإنه يكون عند شكره آية العِفة ورمزها، ومِفتاح طهارة الأصلاب ومِغلاق اللذة البهيميَّة، وهو الذي يُصدِّق هوى الأعضاء أو يُكذبها، فإذا كان بالقلب شهوة محرَّمة، تطلَّع الفرج لتصديقها وغلَبته الشهوة إليها، وإن كان القلب نظيفًا بريئًا، خالصًا عامرًا بذِكر الله وشكره، عمِي الفرج عن الحرام، وعفَّ بالحلال، وهذا شكره وحمده الذي يرضاه له الله ويَطلبه منه! وهكذا يكون الإنسان بكِيانه كله شاكرًا لربه، عارفًا لقدْره، مؤمنًا بنِعَمه، مقرًّا بحاجته إليه، وفضْله عليه؛ ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 18] [الأنترنت – موقع الألوكة - من ديوان الإيمان .. الشكر - علي عيد]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الخامسة بعد الأربعمائة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضيةوالتي هي بعنوان :
* عبودية الشكر
لَكَ الْحَمْدُ وَالنَّعْمَاءُ وَالْمُلْكُ رَبَّنَا ***
فَلاَ شَيْءَ أَعْلَى مِنْكَ مَجْدًا وَأَمْجَدُ
مَلِيكٌ عَلَى عَرْشِ السَّمَاءِ مُهَيْمِنٌ ***
لِعِزَّتِهِ تَحْنُو الْوُجُوهُ وَتَسْجُدُ
كثيرًا ما يتحدَّثُ الناس اليومَ بسُرعةِ مرور الأيام، وانطواء الأعوام، ولا شكَّ أنَّ هذا مع كثرة النِّعَم والراحة، ورغَد العيش والأمْن، فلله الحمدُ مِلْءَ السماء والأرض.
إِذَا اجْتَمَعَ الْإِسْلاَمُ وَالْقُوتُ لِلْفَتَى ***
وَكَانَ صَحِيحًا جِسْمُهُ وَهْوَ فِي أَمْنِ
فَقَدْ مَلَكَ الدُّنْيَا جَمِيعًا وَحَازَهَا ***
وَحَقَّ عَلَيْهِ الشُّكْرُ لِلَّهِ ذِي الْمَنِّ
وفي الحديث: ((مَن أصْبح آمنًا في سِرْبه، معافًى في
بدنه، عندَه قُوتُ يومِه، فكأنَّما حِيزتْ له الدنيا
بحذافيرها))؛ حسَّنه الألباني.
ولله الفضلُ والْمِنَّة، كثير عنده الآن قوت يومه وشَهْره وعامه.
لقدْ أجزلَ الله على عباده من نِعَمِه العظيمة، وأغْدق عليهم من آلائه الجسيمة - نِعَمًا ظاهرةً وباطِنة، وفي التنزيل:﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا﴾ [النحل: 18]
قال الحسن: "ما نرفع طرْفًا ولا نردُّه إلا وقَع على نِعمة"؛ اهـ، وواجب ذلك كلِّه الشكر.
لقدْ أمدَّنا الله بالنِّعم، وأمرنا بالتمتُّع بها وشكرها؛
﴿ فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلاَلًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [النحل: 114].
وقال: ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ [الأعراف: 32]. وقال سبحانه آمرًا عبادَه بذِكْره وشُكْره: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 152].
قال ابن القيِّم رحمه الله : "مبنَى الدِّين على قاعدتَين: الذكْر والشكر، وهذان الأمران هما جِماعُ الدِّين، فذِكْره مستلزم لمعرفته، وشُكْره متضمنٌ لطاعته، وهذان هما الغاية التي خلق لأجلها الجِن والإنس... فثبت بما ذُكِر أنَّ غايةَ الخلق والأمر أن يُذكَر وأن يُشكَر، يُذكر فلا يُنسى، ويُشكر فلا يُكفر، وهو - سبحانه - ذاكرٌ لِمَن ذكرَه، شاكرٌ لمَن شَكَره، فذِكْره سبب لذكْره، وشُكره سبب لزيادته مِن فضْله"؛ اهـ
الشُّكْر صفةٌ من صِفات الأنبياء والمرسَلين، ومِن صفات عباد الله الصالحين، قال سبحانه عن نوح - عليه السلام -: ﴿ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا ﴾ [الإسراء: 3]، وقال عن إبراهيم الخليل - عليه السلام -: ﴿ شَاكِرًا لأنْعُمِهِ ﴾ [النحل: 121]. وكذلك أثْنى على غيرِهم.
الشكر عبادة ترفع الشاكرَ عند ربِّه - سبحانه –
وتقربه إليه؛ ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النحل: 78].
الشكر سببٌ في بقاء النِّعم وزيادتها؛ ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7].
الشُّكر أمانٌ من العذاب؛ ﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾ [النساء: 147].
الشُّكر سبب للنجاة من العذاب حين يحلُّ ويقع؛ ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ * نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ ﴾
[القمر: 34 - 35].
جعلَنا الله وإيَّاكم من الشاكرين الذاكرين، وعفَا عما سلف من التقصير في جَنْبه الكريم، واستغفروا الله، إنَّه هو الغفور الرحيم.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السادسة بعد الأربعمائة في موضوع الشكور وهي بعنوان :
*الشكر اعترافٌ بالقلْب، يَصحَبُه عمل صالح فبعد أن مررْنا بشيء من فضائلِ الشكر، فإنَّ مِن المهم أن نتذكَّر أن الشُّكْر ليس حمدًا باللسان فقط، بل هو مع ذلك اعترافٌ بالقلْب، يَصحَبُه عمل صالح، جاء في البخاري عن عائشة - رضي الله عنها - أنَّ نبيَّ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يقوم مِن الليل حتى تتفطَّر قدماه، فقالت عائشة: لِمَ تصنعُ هذا يا رسول الله، وقد غفر الله لك ما تَقدَّم من ذنبك وما تأخَّر؟! قال: ((أفلا أُحبُّ أن أكونَ عبدًا شكورًا))، وقال الله - تعالى -: ﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13].
والاعتراف بالنِّعْمة ونِسْبتها للمنعِم من الشُّكر،
فنبيُّ الله سليمان لمَّا طلَب عرْش ملِكة سبأ، وأتاه به الذي عندَه عِلْم من الكتاب قبل أن يرتدَّ إليه طرْفُه، نَسَب الفضل لله؛ ﴿ قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ﴾ [النمل: 40].
على خلاف الطاغية قارون، الذي آتاه الله مِن الكنوزِ الشيءَ العظيم، حتى إنَّ مفاتيحَ كنوزه يُثْقِل حملُها الجماعةَ من الرجال الأقوياء، فقال هذا الهالك: ﴿ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ﴾ [القصص: 78]
طلب الشُّكْر مِن الله وصيةٌ من وصايا النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقد قال - عليه الصلاة والسلام -:(يا مُعاذُ، إنِّي أحبُّك، فلا تَدَعَنَّ أن تقول دُبرَ كلِّ صلاة: اللهم أَعنِّي على ذِكْرك وشُكْرك وحُسْن عبادتك)[ أخرجه أبو داود والنسائي، وصحَّحه الألباني.]
وفي التنزيل: ﴿ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴾ [النمل: 19].
إنَّ عدوَّ الله إبليس لمَّا طُرِد من الجنة قال: ﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ
شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾ [الأعراف: 16 - 17]
إنَّ شُكْر النعم ألاَّ يُستعان بها إلا على طاعةِ الله - عزَّ وجلَّ - وما أباحه، وأن يَحْذر مِن استعمالها في شيءٍ مِن معاصيه، وأن يبادرَ بالتوبة إلى مولاه عند الزَّلَل، اللهمَّ اجعلْنا من عبادك المخلصين الشاكرين.
إِذَا كَانَ شُكْرِي نِعْمَةَ اللَّهِ نِعْمَةً ***
عَلَيَّ لَهُ فِي مِثْلِهَا يَجِبُ الشُّكْرُ
فَكَيْفَ بُلُوغُ الشُّكْرِ إِلاَّ بِفَضْلِهِ ***
وَإِنْ طَالَتِ الْأَيَّامُ وَاتَّصَلَ الْعُمْرُ
إِذَا سَرَّ بِالسَّرَّاءِ عَمَّ سُرُورُهَا ***
وَإِنْ مَسَّ بِالضَّرَّاءِ أَعْقَبَهَا الْأَجْرُ
[الأنترنت – موقع الألوكة - عبودية الشكر - حسام بن عبدالعزيز الجبرين ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السابعة بعد الأربعمائة في موضوع الشكور وهي بعنوان :
*الشكر من صفات المؤمنين:
فعَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ؛ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ". صحيح مسلم. الله سبحانه يُذَكِّركُم بنعمه العامة والخاصة لتشكروه؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ﴾ [فاطر: 3].
فلماذا تصرفون العبادة لغيره؟!، وهو الذي خلقكم ورزقكم وأنعم عليكم بنعم عظيمة، هل هناك خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض؟!، فإذا كانت الإجابة بلا، فلماذا تشكرون غيره؟!، لماذا تصرفون العبادة لغيره؟ فهو وحده سبحانه الذي يستحق الحمد والشكر والخضوع والتذلل والسمع والطاعة؛ قال تعالى: ﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [المائدة: 7]، وقال سبحانه: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ [لقمان: 31] وقال سبحانه وتعالى: ﴿ أوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ﴾يس: 71 - 73].
عباد الله: من الذي خلقكم ثم يتوفاكم؟ إنه الله.
من الذي أخرجكم من بطون أمهاتكم، ولا تعلمون
شيئا؟ إنه الله.. من الذي جعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون؟ إنه الله.. من الذي فضّل بعضكم على بعض في الرزق؟ الله.. من الذي جعل لكم من أنفسكم أزواجا، وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة، ورزقكم من الطيبات؟ إنه الله.. من الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم؟ إنه الله.. من الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته، فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله؟ إنه الله..
من الذي أنبتكم من الأرض نباتا؟ من الذي جعل لكم الأرض بساطا؟ إنه الله، من....، ومن....آيات لا تعد ولا تحصى، ﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [المائدة: 89].
*من أراد النجاة من عذاب الله فليشكر الله:
قال سبحانه وتعالى: ﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ﴾ [النساء: 147].
قال - عليه الصلاة والسلام -: "إذا رأيتَ اللهَ يُعطِي العبدَ من الدنيا على معاصِيه ما يُحبُّ فإنما هو استِدراجٌ"، ثم تلا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾ [الأنعام: 44]. رواه أحمد.
والنِّعَمُ بذاتِها لا تُقرِّبُ من الله، وإنما يُستعانُ بها على طاعته؛ قال سبحانه: ﴿ وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ ﴾ [سبأ: 37].
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثامنة بعد الأربعمائة في موضوع الشكور وهي بعنوان :
*الشكر مفتاح كلام أهل الجنة:
فقد جعل الله الشكر مفتاح كلام أهل الجنة؛ قال تعالى: ﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ ﴾ [الزمر:74]، وقال ﴿ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [يونس:10].
الله سبحانه وتعالى يعد الشاكرين بأحسن الجزاء وأوفاه: يطلق - سبحانه - جزاء الشاكرين إطلاقاً، ويعدهم بأحسن الجزاء وأوفاه، ويجعل أجرهم وجزاءهم عليه - سبحانه - فقال: ﴿ وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 144]، وقال: ﴿ وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ﴾ [آل عمران:145].
فأوصيكم وإياي عباد الله بتقوى الله، والشكر عند
النعماء، وليحذر المؤمن من نسبة النعم إلى غير الله، قال تعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ، وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا، إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم:32 - 34].
أيها الأحبة الكرام في الله: كيف نصل إلى منزلة الشاكرين، وكيف نحقق خلق الشكر في أنفسنا؟
بتقوى الله وطاعته سبحانه وتعالى، قال تعالى:
﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ
تَشْكُرُونَ ﴾ [آل عمران: 123].
نحقق خلق الشكر، بالقناعة والرضا بما قسم الله لنا،قال صلى الله عليه وسلم:كن قنعا تكن أشكر الناس"ابن ماجة".
نحقق خلق الشكر معاشر المسلمين بالدعاء؛ لأن التوفيق بيد الله سبحانه، فبدون المعونة من الله لا يصل العبد المسلم إلى منزلة الشكر، فالنبي - عليه الصلاة والسلام - علم معاذاً دعاءً عظيماً، فقال: "يا معاذ! والله إني لأحبك، أوصيك يا معاذ! لا تدع في دبر كل صلاة أن تقول: "اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك [رواه أبو داود، قال
النووي في الأذكار: إسناده صحيح، وصححه الألباني في صحيح أبي داود.]
نصل كذلك إلى منزلة الشاكرين بحفظ النعم، قال عمر بن عبد العزيز: "قيدوا نعم الله بشكر الله".
ومن الأشياء التي يبلغ بها العبد درجة الشكور: أن يحدث بنعم الله عليه، قال الله عز وجل: ﴿ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾ [الضحى:11].
عباد الله : اتقوا الله واعرفوا مقدار نعمه، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: " لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن خمس، عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما علم"[رواه الترمذي وصححه الألباني]
يكفي العبد العاقل موعظة ما حل بقارون الطاغية لما تكبر واغتر بما منحه الله من النعم العظيمة والأموال الجسيمة فلم يقم بشكرها، بل تطاول وقال: ﴿ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ﴾ [القصص: 78]، كفر وغرور، وعتو ونفور، فماذا كانت النتيجة بعد أن خرج مغتراً على قومه في زينته؟ واغتر به من اغتر من ضعاف الإيمان؟ ما نفعه ماله ولا جاهه، قال سبحانه وتعالى: ﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ * فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ ﴾ [القصص: 79 - 81].
[الأنترنت – موقع الألوكة - الشكر خلق اتصف به الخالق سبحانه - ياسر عبدالله محمد الحوري]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة التاسعة بعد الأربعمائة في موضوع الشكور وهي بعنوان :
* الوسائل المعينة على شكر النعم:
1- النظر إلى أهل الفاقة والبلاء :
فإن ذلك يوجب احترام النعمة وعدم احتقارها، ولذلك قال النبي: "إذا نظر أحدكم إلى من فُضّل عليه في المال والخلق فلينظر إلى من هو أسفل منه ممن فَضُل عليه" [متفق عليه].
قال النووي: قال ابن جرير وغيره: هذا حديث جامع لأنواع الخير، لأن الإنسان إذا رأى من فُضّل عليه في الدنيا طلبت نفسه مثل ذلك، واستصغر ما عنده من نعمة الله تعالى، وحرص على الازدياد ليلحق بذلك أو يقاربه، هذا هو الموجود في غالب الناس، وأما إذا نظر في أمور الدنيا إلى من هو دونه فيها، ظهرت له نعمة الله عليه وشكرها،
وتواضع وفعل فيه الخير.
2- معرفة أن الإنسان بمنزلة العبد المملوك لسيده:
وأنه لا يملك شيئاً على الإطلاق، وأن كلّ ما لديه إنما هو محض عطاء من سيده ولذلك ثبت في الصحيحين أن النبي قام حتى تقطرت قدماه. فقيل له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال عليه الصلاة والسلام: "أفلا أكون عبداً شكوراً".أي أن كل ما فعله الله تعالى بي من الاصطفاء والهداية والمغفرة هو محض عطاء منه سبحانه يستحق عليه الحمد والشكر، فما أنا إلا عبد له سبحانه.
3- الانتفاع بالنعم وعدم كنزها : فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي قال: "كلوا واشربوا وتصدّقوا من غير مبخلة ولا سرف، فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده" [أحمد والنسائي والترمذي وصححه الحاكم]. تحقيق الألباني: حسن، المشكاة (4381).
4- ذكر الله عز وجل : فالشكر في حقيقته هو ذكر لله عز وجل.
وورد عن مجاهد في قوله تعالى: ﴿ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً ﴾ [الإسراء: 3]. قال: (لم يأكل شيئاً إلا حمد الله عليه، ولم يشرب شراباً إلا حمد الله عليه، ولم يبطش بشيء قط إلا حمد الله عليه، فأثنى الله عليه أنه كان عبداً شكوراً. وقال النبي: "إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشرية فيحمده عليها" [مسلم].
5- التواضع وترك الكِبر: فالكبر يضاد الشكر، لأن حقيقة الكبر هو ظن العبد أنه المالك المتصرف، والشكر هو الاعتراف لله عز وجل بذلك.
6- شهود مشهد التقصير في الشكر:
وذلك بأن يعرف العبد أنه مهما بالغ في الشكر، فإنه لن يوفى حق نعمة واحدة من نعم الله تعالى عليه، بل إن الشكر نفسه نعمة تحتاج إلى شكر.
ولذلك قيل:
إن كان شكري نعمةُ الله نعمةً ***
عليّ له في مثلها يجب الشكر
فكيف وقوع الشكر إلا بفضله ***
وإن طالت الأيام واتصل العمر
7- مجاهدة الشيطان والاستعاذة بالله منه : قال ابن القيّم: (ولما عرف عدو الله إبليس قدر مقام الشكر وأنه من أجل المقامات وأعلاها، جعل غايته أن يسعى في قطع الناس عنه فقال: ﴿ ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾ [الأعراف:17].
8- ترك مخالطة أهل الغفلة : فإن مخالطتهم تنسي الشكر وتقطع العبد عن التفكر في النعم.
قيل للحسن: هاهنا رجل لا يجالس الناس، فجاء إليه فسأله عن ذلك، فقال: إني أمسي وأصبح بين ذنب ونعمة، فرأيت أن أشغل نفسي عن الناس بالاستغفار من الذنب، والشكر لله على النعمة، فقال له الحسن: أنت عندي يا عبد الله أفقه من الحسن!!
9- الدعاء : بأن يجعلك الله تعالى من الشاكرين، وأن يوفقك لطريق الشكر ومنزلته العالية.
قال النبي لمعاذ رضي الله عنه: "والله إني لأحبك، فلا تنسى أن تقول دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك" [أحمد وأبو داود والنسائي وهو صحيح].
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة العاشرة بعد الأربعمائة في موضوع الشكور وهي بعنوان :
*الترهيب من الجحود وعدم الشكر:
1-كفران النعمة مذهبة لها:قال تعالى:﴿وَمَنْ شَكَرَ
فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ﴾ [النمل: 40].
2- بين الله طبيعة الانسان الماكرة الخبيثة التي لا تشكر: قل تعالى: ﴿ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ ﴾ [فصلت:51].
وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ ﴾ [الأعراف: 10].
قال تعالى: ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سورة سبأ: 13].
3- احذر الاستدراج:
عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا رأيت الله تعالى يعطي العبد من الدنيا ما يحب و هو مقيم على معاصيه فإنما ذلك منه استدراج" صحيح الجامع.
ذلك حين ترى زيادة النعم و إسباغها بدون شكر لله عز وجل. فهذه علامة خطر ينبغي الوقوف عندها،كما قال الله عز وجل ﴿ أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [المؤمنون: 55، 56] ولذا فسر سفيان ابن عيينة قول الله عز وجل: ﴿ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ قال: "نسبغ عليهم النعم ونمنعهم الشكر". نعوذ بالله من ذلك.
4- تبديل النعم الي نقم:
قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ﴾ [سبأ: 16-17].
العرم: الماء الغزير، وهذا من باب إضافة الاسم إلى صفته. وخمط: مر، وأثل: لا ثمر فيه.
إذا كنت في نعمة فارعها فإن الذنوب تزيل النعم
وحطها بطاعة رب العباد فرب العباد سريع النقم
5- الجوع والخوف: قال تعالى: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا
قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل: 112].
وعبر باللباس لملازمته صاحبه، فالجوع والخوف لا يبرحان ساحتهم، وهما لهم كاللباس الذي يباشر صاحبه ولا فكاك عنه.
وذكر الله عزّ وجلّ قصة قارون في سورة القصص، وما حصل له من النعم العظيمة التي توالت عليه؛ حتى إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة، وقال إن ما أوتيه من هذه النعم لكونه حقيقًا بذلك وأنه أهل لذلك؛ فكَفَر هذه النعم ولم يشكرها، ولم يضفها إلى المنعِم بها، ولم يصرفها في طاعة الله عزّ وجلّ.
قال تعالى: ﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ.. ﴾ حتى قال: ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ ﴾.
هذه نتيجة كفران النعم، أن الله خسف به وبداره الأرض، فهذه النعم التي أنعم الله تعالى بها عليه، لما لم يشكرها صارت وبالاً عليه، وذهبتْ وذهب معها من غير أن يستفيد، بل تضرر وخسر الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين.
[الأنترنت – موقع الألوكة - فضل الشكر وجزاء الشاكرين - الشيخ أحمد أبو عيد]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الحاديةعشرة بعد الأربعمائة في موضوع الشكور وهي بعنوان :
*العلاقة بين الشكر والصبر ورمضان
يقول الله تبارك وتعالى: { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ
عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [البقرة:185] ففي سياق
الكلام عن فرضية صيام هذا الشهر الكريم، وإنزال القرآن فيه؛ أمرنا الله بشكره والتكبير عند انتهائه.
وأما الصبر؛ فقد سمي رمضان بشهر الصبر لاشتماله على أنواع الصبر الثلاثة – الصبر على طاعة الله، وعن معصية الله، وعلى أقدار الله – لذلك قال الله في الحديث القدسي: " كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به "
*على ماذا نشكر ونصبر؟
اشكر الله : على ما أنعم به عليك من بلوغ مواسم الخيرات فقد منَّ عليك بنعمة يجب الفرح بها..
{ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ } [ يونس: 58 ] .
وفي حديث الثلاثة الذين استشهد منهم اثنان وبقي الثالث بعدهما، ومات على فراشه، فرُئِيَ سابقًا لهما فتعجب الناس من ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أليس عاش بعدهما وصلى كذا وكذا ؟ وأدرك شهر رمضان فصامه ؟! والذي نفسي بيده إنَّ بينهما كما بين السماء والأرض) .
وتأمل.. كم من شخص في قبره يتمنى أن يصوم يومًا واحدًا يتقي به عذاب النار فإن" الصيام جُنة " فالمطلوب من العبد الفرح وليس الشكر فحسب،
فإن لم تفرح برمضان فاعلم أن في النفس غبشاً.
واعلم أنه بمجرد وجودك في شهر رمضان وقد مضت عليك هذه الأيام هذا في حد ذاته نعمة تحتاج إلى لهج بالشكر إذ لا زلنا على وجه الأرض وما دخلنا باطنها.
ومن الناس من تكون عنده حالة من الحزن والرفض عند دخول رمضان – والعياذ بالله- ليس لأجل الإمساك عن الطعام فقط بل لأجل الحرمان من شهوات النفس والبدن، وامتناع المحيطين به عن مجاراته في شهواته.
واعلم أن الفرح بهذا الشهر وفعل الطاعات فيه
يحتاج إلى صبر . فاصبر: على فعل الطاعات فيه .
بعد الفرح بهذا الموسم لا يجدي الحماس فقط بل لابد من الصبر على مداومة الفعل، فما هو إلا زمن
وينتهي، وربما يأتي العام المقبل وأنت في عداد الموتى، أو موجود وأصابك المرض، أو موجود -نسأل الله السلامة- وقد ضعف إيمانك، واعلم أن تتابع فرص الطاعات على الإنسان مع تتابع تضييعها يؤدي إلى ضعف الإيمان.
لذا.. على الإنسان شكر الله على بلوغ هذا الشهر والصبر على اغتنامه.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثانية عشرة بعد الأربعمائة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
*العلاقة بين الشكر والصبر ورمضان
*اشكر الله: على عظيم أجر الصيام.
يقول الله تعالى في الحديث القدسي " كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به ".متفق عليه. وما ذاك إلا لما اشتمل عليه الصوم من أنواع الصبر الثلاثة:
1- صبر على طاعة الله.
2- صبر عن معصية الله.
3- صبر على أقدار الله.
فكان أجرالصبر بغير حساب، قال تعالى:{ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[الزمر: 10 ].
فالصوم يختص من بين باقي الأعمال بأنه سر بين العبد وربه والمطلب مراقبة الله، وهذه المراقبة ماهي إلا صبر على تحري مايرضي الله فيقبل عليه العبد، وعلى تحري مايغضب الرب فينفر منه العبد.
فاصبر: على مراقبة الله.واعلم أن الرجل يصيب الذنب في السر فيصبح وعليه مذلته.
قال ابن الجوزي : إن للخلوة تأثيرات تبين في
الجلوة. كم من مؤمن لله عز وجل يحترمه عند الخلوات، يترك ما يشتهي حذارًا من عقابه أو رجاءً لثوابه أو إجلالاً له، فيكون بذلك الفعل كأنه طرح عودًا هنديًا على مجمر فيفوح طيبه فيستنشقه الخلائق ولا يدرون أين هو. وعلى قدر المجاهدة في ترك ما يهوى تقوى محبته، وعلى قدر زيادة دفع ذلك المحبوب المتروك يزيد الطيب، ويتفاوت تفاوت العود. اهـ
فأنت تحب الأكل في النهار، وفي رمضان ستدفع هذا المحبوب المتروك لأجل امتثال أمر الله، والسنة تأخير السحور وأنت في وقت النوم أطيب لك من الأكل لكنك تركت المحبوب في الوقت المحبوب لما هو أحب منه، وهذا من معاني المراقبة.
*اشكر الله:على عظيم أجر الأعمال في رمضان
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه} متفق عليه.
فالعبد قد يصوم طيلة العام من النوافل كيومي الاثنين والخميس، والأيام البيض وله في ذلك أجر، لكن صيام رمضان كان جزاؤه أن يغفر له ما تقدم من ذنبه. كذلك القيام، قد يقوم العبد طيلة العام وله في ذلك أجر لكن قيام رمضان جزاؤه أن يغفر
له ما تقدم من ذنبه.
فالأعمال في رمضان لها ميزان مختلف وأجر مختلف فاشكر الله.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثالثة عشرة بعد الأربعمائة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
*العلاقة بين الشكر والصبر ورمضان
واصبر: على تحصيل الإخلاص، فالإخلاص عزيز.. وتنبه هنا إلى أن المضاعفة ليست لكل أحد ولا تكون بمجرد القيام بالعمل، بل يعمل العمل وفي قلبه " إيمانٌ واحتسابٌ" إيمانٌ: أي امتثال لأمر الله ، وتصديق بوعده. واحتسابٌ: بطلب الأجر من الله تعالى، والناس يتفاوتون في الأجر على حسب ما قام في قلوبهم من الإيمان والتقوى.
اشكر الله: أن يسر للأمة طريقة العلم بدخول الشهر. ففي الحديث: { صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته} رواه البخاري.
والرؤية تكون بالعين المجردة، فهل أحسسنا بهذه النعمة ؟!كثير هم أولئك الذين يدخلون الشك في الناس فتراهم يقولون: وصل الناس إلى القمر ونحن
لازلنا ننظر إلى القمر بالعين المجردة !! فما الموقف في مثل هذه الحالات؟
اصبر: على الشائعات المشككة، ثم إن الدليل جاء فيه (لرؤيته) أي بالعين المجردة.
فإن الناس لو كلفوا الحساب لضاق عليهم لأنه لا يعرفه إلا أفراد، والشرع إنما يعرف الناس بما يعرفه
جماهيرهم. فلو كان أحدهم في صحراء لعلم بدخول الشهر وصام فرضه.
اشكر الله: على ما تفضل به على هذه الأمة فأعطاها خمس خصال لم تعطها أمة من الأمم:
1. خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.
2. تستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا.
3. يزين الله في كل يوم جنته ويقول: {يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤونة والأذى ويصيروا إليك} رواه أحمد.
فالله يعلم أننا في هذه الحياة الدنيا في أذى، وكل ما معنا ما هو إلا مجرد مؤونة، ستأتي لحظة قريبا جدا "يوشك " أن ننفض عنا هذه المؤونة وهذا الأذى، ويصير العبد الصالح إلى جنات النعيم.
4. تصفد فيه مردة الشياطين فلا يخلصون فيه إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره.
5. يغفر الله لهذه الأمة في آخر ليلة منه .
يغفر لمن كان متعبدًا .. ولنسأل أنفسنا ما حالنا في آخر ليلة من ليالي رمضان؟!
واصبر:حتى تلقي عنك المؤونة وهذا الأذى وتصير إلى الجنة ونعيمها..
اشكر الله: أن جعل الصوم جنة. جنة: حصن حصين من النار. فالصوم حفظ من المعاصي، وردء من السيئات، وحجاب من النار، وجنة من غضب الجبار.
عن أبي هريرة رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : {الصيام جنة، فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم }
رواه البخاري.اصبر: حتى يكون الصوم كذلك.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: { إذا كان صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل : إني صائم} رواه البخاري.
وقل بصوت: إني صائم.. فالنبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى من الدنيا ما يعجبه وخاف أن تتعلق نفسه قال: {لبيك إن العيش عيش الآخرة} مسند الإمام الشافعي .
فالشاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بصوت :" لبيك إن العيش عيش الآخرة " مذكرًا نفسه ومزهدًا إياها في الدنيا. قال السعدي: فقول الصائم بصوت " إني صائم " فيه فائدة فكأنه يريد قول : اعلم أنه ليس بي عجز عن مقابلتك على ما تقول، ولكني صائم، أحترم صيامي وأراعي كماله، وأمر الله ورسوله، واعلم أن الصيام يدعوني إلى ترك المقابلة ويحثني على الصبر، فما عملته أنا خير وأعلى مما عملته معي أيها المخاصم " أ.هـ.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الرابعة عشرة بعد الأربعمائة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :*العلاقة بين الشكر والصبر ورمضان
واعلم أن للصوم ثلاث مراتب : صوم العموم: وهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة..
وهذا كل الناس يقوم به.
صوم الخصوص: وهو كف النظر، واللسان، واليد، والسمع عن الآثام.
صوم خصوص الخصوص: وهو صوم القلب عن الهمم الدنية، والأفكار المبعدة عن الله تعالى، وكفه عما سوى الله بالكلية. وهذا لا يبلغه العبد إلا بجهد وصبر.
اشكر الله: على زوال المعوقات لفعل القربات قال الرسول صلى الله عليه وسلم: { إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب جهنم،وسلسلت الشياطين } رواه البخاري. فالإنسان مبتلى بالشيطان وهوى النفس. وفي رمضان زال أحد هذه المعوقات وهو الشيطان "سلسلت الشياطين " أي : حبست . فاشكر الله على زوال هذا المعوق.. وبقي عائق هوى النفس فاصبر عليه واطلب القبول وضاعف شكرك.
اصبر: على طلب القبول من الله بعد انقياد نفسك للطاعات .وتذكر أن إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام كانا يرفعان القواعد من البيت و يقولان:
{ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } [ البقرة: 127].
يسألان الله القبول برغم شرف عملهما وهم من هم . فكن بين أمرين؛ طلب الإعانة على الطاعات
وطلب القبول من الله.. فكم من مستكثر من الخير في الدنيا ليس له في الآخرة من نصيب، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم المفلس حقيقة فقال: {المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصيام وصدقة وصلاة وزكاة ويأتي قد شتم هذا وسفك دم هذا وأكل مال هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه وطرح في النار} رواه مسلم.
اشكر الله: على أن أعطاك أجر صيام من تدرب من أبناءك وأعلم أن لك أجر صيامهم لا ينقص من أجورهم شيئاً. والدال على الخير كفاعله.
اصبر: على تدريبك لأولادك وصغار بيتك على الصيام .
عن الربيع بنت معوذ- رضي الله عنها – قالت: { كنا نصومه بعد ونصوّم صبياننا، ونجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكي أحدهم على الطعام أعطيناه ذلك حتى يكون عند الإفطار} رواه البخاري.
فابذل جهودك واصبر على تدريبهم فإنك مأجور.
اشكر الله: على أن دعوة الصائم لا ترد.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {ثلاثة لا ترد دعوتهم الصائم حتى يفطر، الإمام العادل، ودعوة المظلوم} رواه أحمد والترمذي وابن ماجة.
قال: " الصائم حتى يفطر" أي: من الفجر إلى غروب الشمس له دعوة لا ترد. فتأمل،،
بل ربما ضيقنا على أنفسنا ساعة الإفطار فقط وهذا خطأ في التصوّر.. إذ للصائم دعوة مستجابة مادام أنه صائم حتى يفطر.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الخامسة عشرة بعد الأربعمائة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :*العلاقة بين الشكر والصبر ورمضان
اصبر:على الاجتهاد في الدعاء والتأدب بأدبه.
ومن بينها مسألة الإلحاح في الدعاء فإنه مطلوب، لأن البعض قد يسول له الشيطان يقول له: بما أن دعاء الصائم مقبول فلا حاجة إلى الإلحاح.
ولننتبه إلى أن يكون الدعاء بخيري الدنيا والآخرة { وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي
الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ{ [ البقرة : 201].
فيا من يرقب ساعات الإجابة ويطلب من غيره الدعاء له ،، هاهي الفرص بين يديك ..
اشكر الله : على أنه سبحانه الشكور يعطي على العمل القليل الأجر الكثير.
فرمضان ما هو إلا أيام قلائل قال الله تعالى { أَيَّامًا
مَعْدُودَاتٍ } [ البقرة :184]
قال السعدي: ولما ذكر أنه فرض عليهم الصيام, أخبر أنه أيام معدودات, أي: قليلة في غاية السهولة.اهـ
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من قام رمضان إيماناً واحتساباً، غُفر له ما تقدم من ذنبه} متفق عليه. فيا لها من فرصة لا تضيعها.
اصبر: واصبر على المداومة على هذا العمل، فلما سئلت عائشة رضي الله عنها عن أحب الأعمال لرسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: أدومها وإن قل.[ رواه البخاري.]
وهناك فهم خاطئ لهذه المسألة فالبعض يظن أن
القليل هو المطلوب والصواب: أن الكثير مطلوب أيضًا مع المداومة، فالشرط في العمل مع المداومة قلّ العمل أو كثر.
اسأل نفسك: من رمضان الماضي إلى رمضان هذا كم مرة صليت القيام؟؟ نسأل الله المغفرة.
لذلك اسأل الله طيلة هذا الشهر الدوام على الطاعة. واحذر أن تقع فيما يضيع عملك {رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر} [أخرجه ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه .]
اشكر الله: على نعمه بكثرة الجود والصدقة.
روى البخاري : حدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا
بن سعد: أخبرنا ابن شهاب عن عُبيد ِالله بن عبد الله بن عُتبة: أن ابن عباس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاهُ جبريلُ، وكان جبريلُ يلقاه كل ليلة في رمضان حتى يَنسَلِخَ، يعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم القُرآن، فإذا لقيه جبريلُ ، كان أجود بالخير من الريح المُرسَلة.
يقول السندي في شرح هذا الحديث:
(أنه كان صلى الله عليه وسلم يختار الإكثار من الجود في رمضان لفضله، أو لشكر نزول جبريل عليه كل ليلة) أي: لما كان نزول جبريل على الرسول صلى الله
عليه وسلم نعمة؛ كان صلى الله عليه وسلم يشكرها بكثرة الجود،
ومن صور شكر النعم الجود.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السادسة عشرة بعد الأربعمائة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :*العلاقة بين الشكر والصبر ورمضان
اصبر:على صد قطاع الطريق.خاصة في مسألة الجود، فمن الناس من يخذل ويقول: هؤلاء ليسوا محتاجين، أو الجمعية الفلانية لا توصل الصدقات
وغير ذلك من التخذيل.
وتذكر أن الرسول أخبر عمن تصدق على زانية وعلى غني وعلى سارق فقال: اللهم لك الحمد على سارق وعلى زانية وعلى غني فأتي فقيل له: أما صدقتك على سارق فلعله أن يستعف عن سرقته وأما الزانية فلعلها أن تستعف عن زناها وأما الغني فلعله أن يعتبر فينفق مما أعطاه الله.(زيادة الجامع الصغير للسيوطي). ولا يعني هذا عدم التحري، بل ذلك مطلوب لكن بعد التحري قم بالعمل واصبر على صد قطاع الطريق.
اشكر الله:على يسر الشريعة وإشباعها لحاجات
الإنسان. فالشرع لم يتجاهل أن الإنسان يفرح بفطره وأكله وشربه ولا يعاب ذلك مادام في الحد الطبيعي.
قال رسول الله {وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه} متفق عليه.
واصبر:على البعد عن تحكيم العقل في الأوامر الشرعية.
فلا تؤخر الإفطار على اعتبار أن في زيادة الصوم
زيادة في الأجر.. لا، فالأجر في اتباع السنة من
تعجيل الفطر ونحوها من السنن.
واصبر عن الاستجابة للإغراءات فتغرق في ألوان الطعام والشراب، فتـثقل عن العبادات والطاعات.
اشكر الله: على أن شرع لنا الأكل في الليل إلى الفجر بعد أن كان النوم يمنعهم من ذلك .
قال تعالى: { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ } [ البقرة : 187].
قال ابن كثير في تفسيره للآية : هَذِهِ رُخْصَة مِنْ اللَّه تَعَالَى لِلْمُسْلِمِينَ وَرَفْع لِمَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَمْر فِي اِبْتِدَاء الإِسْلام فَإِنَّهُ كَانَ إِذَا أَفْطَرَ أَحَدهمْ إِنَّمَا يَحِلّ لَهُ الْأَكْل وَالشُّرْب وَالْجِمَاع إِلَى صَلاة الْعِشَاء أَوْ يَنَام قَبْل ذَلِكَ فَمَتَى نَامَ أَوْ صَلَّى الْعِشَاء حَرُمَ عَلَيْهِ الطَّعَام وَالشَّرَاب وَالْجِمَاع إِلَى اللَّيْلَة الْقَابِلَة فَوَجَدُوا
مِنْ ذَلِكَ مَشَقَّة كَبِيرَة.
واصبر: على تأخير أكلة السحور وأنت محتسب.
قال صلى الله عليه وسلم: {لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الإفطار وأخروا السحور} رواه أحمد. متبعا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، فالمحتسب يغير حياته كلها لأجل الله، فهو يأكل في وقت محبوب فيه النوم ،ويمسك في وقت محبوب فيه الأكل ،فيترك المحبوب في الوقت المحبوب لما هو أحب منه.
اشكر الله: على عظيم فضله في هذا الشهر بإنزال القرآن ،وقد ذكر الله ذلك في ثنايا الكلام عن الصوم قال تعالى : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [ البقرة : 185]
وقال صلى الله عليه وسلم {اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه} رواه أحمد في مسنده.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السابعة عشرة بعد الأربعمائة في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :*العلاقة بين الشكر والصبر ورمضان
واصبر: على ملازمة قراءته وفهم معانيه.
واحرص على تدبره بأن تختار لنفسك جزءًا معينًا وتقرأ تفسيره مع مداومة قراءة كتاب الله، أو كلما قرأت آية ولم تفهمها فاقرأ تفسيرها، والأنفع الجمع بين الطريقتين.
اشكر الله :على ما شرع من أنواع القربات وتعدد طرق الوصول إلى رضاه. واغتنم شهر رمضان لطرق أبواب الطاعات.
{تعين الرجل على دابته فتحمله عليها صدقة}،
{إماطة الأذى صدقة}، {تبسمك في وجه أخيك صدقة} متفق عليه.
اصبر: على تدريب النفس والجوارح لتكون لك كما
يريد الله.قال تعالى في الحديث القدسي: {ما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها} رواه البخاري.
اشكر الله: أن جعل ليلة القدر خير من ألف شهر
{ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ }[ القدر: 3]
ما هي إلا أيام معدودة تتحرى فيها مثل هذه الليلة
المباركة، هذا وفي الحديث {إن الشهر قد حضركم وفيه ليلة خير من ألف شهر من حرمها فقد حرم الخير كله، ولا يحرم خيرها إلا محروم} أخرجه ابن ماجة.
اصبر: على مدافعة الهوى والمشاغل والتفرغ في هذه العشر.عن مسروق قال: قالت عائشة رضي الله عنها { كان إذا دخلت العشر أحيا رسول الله صلى الله عليه وسلم الليل وأيقظ أهله وشد المئزر} أخرجه النسائي في سننه.
فالمسألة تحتاج إلى جد وصبر.
وما هي إلا أيام وسوف تنقضي
ويدرك غبّ السير من هو صابر
و أخيرًا احذر من أن تكون من القوم الذين لا
يقدرون الله حق قدره
قيل للحسن:يا أبا سعيد من أين أتى هذا الخلق؟
قال :-من قلة الرضا عن الله ، قيل :- ومن أين أتي قلة الرضا عن الله ؟ قال :من قلة المعرفة بالله؟
[الأنترنت – موقع صيد الفوائد – رمضان بين الصبر والشكر - أناهيد بنت عيد السميري]
[المصدر : موقع مسلمات ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثامنة عشرة بعد الأربعمائة في
موضوع الشكور وهي بعنوان :
*الشكر بعد العبادة :
حقيق بالعباد أن يشكروا الله تعالى على ما هداهم لدينه، وعلى ما علمهم من شرائعه وشعائره، وعلى ما وفقهم من تعظيمها وأدائها؛ فإن الهداية نعمة، والعلم نعمة، والتوفيق للعمل نعمة، وكل نعمة تستوجب الشكر، والشكر نعمة تستوجب الشكر؛ حتى لا ينفك العبد في كل أحيانه عن شكر الله تعالى. والإنسان -أي إنسان- إما أن يشكر وإما أن يكفر، ولا ثالثة بين الاثنتين، {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الإنسان:3].
ومن قرأ القرآن بفهم وجد أنه يُعلِّم قارئه شكر الله تعالى على نعمه، ولا سيما نعمة الهداية للحق، والتوفيق له، والعمل به، وذلكم هو منهج الأنبياء عليهم السلام كما عرضه القرآن.. ابتلي يوسف عليه السلام بالسجن فلم يلتفت لهذا الابتلاء العظيم في مقابل نعمة هي أعظم منه، وهي نعمة الهداية فقال في سجنه: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} [يوسف:38].
ولاحظ نبي الله تعالى سليمان عليه السلام أن ما هدي إليه من دين الله سبحانه هو بسبب هداية الله تعالى والديه للإسلام؛ فسأل الله تعالى أن يلهمه شكر هذه النعمة العظيمة فقال: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ} [النمل:19]. ولما كانت العبادات بأنواعها، والشرائع بأحكامها نعم من الله تعالى على عباده، تقربهم إليه، ويجزون عليها في الآخرة أعلى الدرجات، وينعمون بسببها في الدنيا بصلاح قلوبهم وأحوالهم ومعايشهم؛ كان لا بد من شكر الله تعالى عليها. ولما منح الله تعالى لقمان الحكمة طالبه بالشكر؛ لأنه هُدي بما أعطاه الله تعالى من الحكمة للتي هي أقوم، فصلحت أمور دينه ودنياه: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [لقمان:12]. ولولا رحمة الله تعالى عبادَه بإنزال الشرائع وهدايتهم لها واتباعهم إياها لضاعوا وضلوا وأثموا وخسروا الدنيا والآخرة؛ ففي العلم بالشريعة: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النساء:176] وفي الهداية لها واتباعها: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء:83].
ويتكرر في القرآن ختم آيات الشرائع والأحكام بذكر الله تعالى وشكره عليها؛ ففي آية التيمم: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة:6]. وفي آيات الصيام: {وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة:185]. وفي آيات الحج: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} [البقرة:198]. وفي آيات كفارة اليمين: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة:89] وفي بيان الحلال والحرام: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ . وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ} [يونس:59-60]. ولما كانت منافع المناسك كثيرة، وكانت شعائرها كبيرة؛ جاء القرآن بتكرار الشكر في آياتها؛ فالبيت الحرام موضع المناسك والمشاعر قد كلف ببنائه عبد من عباد الله القانتين الشاكرين، وهو الخليل عليه السلام؛ إذ وصفه الله تعالى فقال: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ} [النحل:120-121].
والغرض من بناء البيت أداء العبادة فيه شكرا لله تعالى، كما يدل عليه دعوة بانيه عليه السلام: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم:37].
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة التاسعة عشرة بعد الأربعمائة في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :*الشكر بعد العبادة :
وفي أيام الحج شرع الله تعالى التقرب إليه بذبح الأنعام وهو واهبها ومسخرها، ويأجرهم عليها، وعللت نعم تذليلها وتسخيرها بالشكر: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ . وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ . وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ} [يس:71-73].
كما عللت نعم التقرب إلى الله تعالى بذبحها ونحرها بالشكر: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الحج:36].
فهي من الله تعالى وإليه، ونتقرب بها إلى الله تعالى وتعود إلينا، فننتفع بها: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ
لِتُكَبِّرُوااللَّهَ عَلَى مَاهَدَاكُمْ وَبَشِّرِالْمُحْسِنِينَ} [الحج:37].
فحري بنا -عباد الله- ونحن نودع هذه المواسم الكبيرة، أن نلحظ نعم الله تعالى علينا فيها، وفيما شرع فيها من الشعائر والمناسك، وفي كل أحكام الشريعة وأبوابها وتفصيلها؛ فإننا إذا استشعرنا ذلك لهجنا لله تعالى حامدين شاكرين، وأتينا مواطن الحمد الشكر، وجانبنا مواضع الجحود والكفر.. {إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} [غافر:61].
حين يدرك المؤمن ما منَّ الله تعالى به على البشرية
من نعمة بيان الدين، وإنزال الشرائع يمتلئ قلبه
بمحبة الله تعالى، ويلهج لسانه بذكره وشكره.
وحين يستشعر نعمته سبحانه عليه بالهداية للدين الحق، وتوفيقه إياه لأداء شرائع هذا الدين، والتمتع في رياضه، يكثر من حمد الله تعالى وشكره؛ لأنه يرى من صرفت قلوبهم عن الدين كله أو بعضه من الكفار والمنافقين وأهل الكبائر من المسلمين؛ ولذا كان النبي عليه الصلاة والسلام في حفر الخندق يرتجز قائلا: «وَاللهِ لَوْلَا اللهُ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلَا تَصَدَّقْنَا، وَلَا صَلَّيْنَا».
فيا أيها المهديون للدين الحق.. ويا من عظمتم شعائر الله تعالى، وأديتم فرائضه، وفارقتم محارمه، ووقفتم عند حدوده؛ اشكروه سبحانه على ما هداكم، وكرروا الشكر مع تكرار مواسمه العظيمة؛ فإن مواسمه سبحانه نِعَمٌ، وما فيها من الشعائر نعم، وما يكتب فيها من الأجر نعم، وما يتنزل فيها من العفو والمغفرة والرحمة نعم. كل أولئك نعم أنعم بها على العباد، فحري بهم أن يشكروا الله تعالى ويحمدوه ويكبروه عليها وعلى ما هداهم لها، ووفقهم لأدائها.. يا من صمتم عشر ذي الحجة اشكروا الله تعالى على ذلك، ويا من صمتم يوم عرفة وهو يوم يكفر ذنوب سنتين اشكروا الله تعالى حين هداكم له، وأعانكم على صيامه.. ويا من ذبحتم أضاحيكم اشكروا الله تعالى على ما وسع عليكم ورزقكم من أثمانها، وما هداكم لتعظيمه سبحانه بذبحها، وما تمتعتم به من لحمها.. ويا من أقمتم أيام العشر ترتعون في طاعة الله تعالى اشكروا الله تعالى إذ هداكم وأعانكم على الصوارف والشواغل، وعلى النفس الأمارة بالسوء.. ويا من حججتم بيت الله الحرام اشكروا الله تعالى حين اختاركم لحج بيته، ووفقكم لأداء فرضه، وقد حُرم ذلك ملايين المسلمين، ومليارات البشر. وكل عمل صالح نوفق إليه فهو بعون الله تعالى وهدايته وتوفيقه، وهذا هو معنى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] أي: نستعين بك ربنا في كل أمورنا حتى في ما أمرتنا به من عبادتك، ولولا عونك لما عبدناك، ومن ذلك وصية النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه حين قال له: «يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ»، فَقَالَ: «أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ،وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ» (رواه أبو داود) . [الأنترنت- موقع طريق الإسلام - مجلة البيان إبراهيم بن محمد الحقيل ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة العشرون بعد الأربعمائة في موضوع
الشكور وهي بعنوان :*قواعد في الشكر
هذا من فضل الله ورحمته، فالشكر يحافظ على بقاء النعم، ثم لا يكتفي بذلك فقط بل يزيدها، فهل بعد هذا البيان عذر في التقصير؟! أم هل هناك مُبرِّر للتقاعس وعدم النفير؟! فإن هذا مما يستنهض الهمم، ويجعلها تعرف قدر عبادة الشكر وتقدِّره قدره. يقول الله عز وجل: {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [النحل من الآية:18]، فلو مكث أحدنا عُمره ليَعدَّ نعم الله عداً فقط بدون أن يشكرها فإنه لا يُحصيها فمتى وكيف يشكرها؟! ونظراً لأهمية هذا الموضوع وتقصيرنا فيه، فالواجب أن يتكاتف الجميع بالحض والتذكير، ويتسابقون نحوه بالجد والتشمير، فالشكر عبادة جليلة قال الله عن أهلها: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ من الآية:13]. فهلّا حدثت نفسك بأن تكون من هذا القليل! لم لا! والله جلّ جلاله هو الغني الحميد، المستحق للحمد والثناء والتمجيد، جلّ ثناؤه وتقدست أسماؤه. لذا فقد جمعت هنا طائفة من الآيات والآثار، ونتف من الأقاويل والأخبار، في شكل يسير ومبسط، ليسهل حفظها وتذكرها وتطبيقها بشكل عملي، علنا أن نشكر الله عز وجل بقدر ما نستطيع كما قال سليمان التيمي: "إن الله أنعم على العباد على قدره، وكلفهم الشكر على قدرهم" ا.هـ.
القاعدة الأولى: الشكر قيد النعم. فمن كان ذا مال أو صحة أو مكانة أو نحوها، فليُحِطْها بسياج الشكر، وليدفع عن حياضها بسلاحه، وليعلم بأنها لن تبقى إذا لم يُؤدِّ حق الله فيها، فإذا أردنا المحافظة على نعمة وبقاؤها، فعلينا بالشكر فإنه "قيدُ النعم" كما قال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله. القاعدة الثانية: {لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم من الآية:7]. وهذا من فضل الله ورحمته، فالشكر يحافظ على بقاء النعم، ثم لا يكتفي بذلك فقط بل يزيدها، فهل بعد هذا البيان عذر في التقصير؟! أم هل هناك مُبرِّر للتقاعس وعدم النفير؟! فإن هذا مما يستنهض الهمم، ويجعلها تعرف قدر عبادة الشكر وتقدِّره قدره. قال ابن القيم: "والشكر معه المزيد أبداً لقوله تعالى: {لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}، فمتى لم تر حالك في مزيد فاستقبل الشكر" ا. هـ. فمن لم يلمس الزيادة في إيمانه وعبادته، فليُراجع نفسه، ومن لم ير البركة في ماله وعياله، فليًراجع نفسه، فإن الله وعد الشاكر بالمزيد، والله لا يُخلِف الميعاد. القاعدة الثالثة: احذر الاستدراج. قال أبو حازم: "إذا رأيتَ الله عز وجل سابغ نعمه عليك وأنتَ تعصيه فاحذره" ا. هـ.
وذلك حين ترى زيادة النعم وإسباغها بدون شكر
لله عز وجل. فهذه علامةُ خطرٍ ينبغي الوقوف عندها، كما قال الله عز وجل: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ . نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ ۚ بَل لَّا يَشْعُرُونَ} [المؤمنون:55-56]. ولذا فسّر سفيان ابن عيينه قول الله عز وجل: {سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} [الأعراف من الآية:182]، قال: "نُسبغ عليهم النعم ونمنعهم الشكر ا. هـ ، نعوذ بالله من ذلك.
القاعدة الرابعة: "كل نعمة لا تقرب من الله فهي بلية". كما قال ذلك أبو حازم رحمه الله تعالى، وقال الحسن رحمه الله: "إن الله ليُمتِّع بالنعمة ما
شاء فإذا لم يشكر قلبها عليهم عذابًا". هـ.
وانقلاب النعمة عذاباً مما نراه في واقعنا، فكم رأينا صاحب المال يعذب بماله، وذا العيال يشتكي من عقوق أبنائه، وصاحب المنصب والجاه ينكوي بلظى النعيم الذي يراه الناس يتقلَّب فيه.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الواحدة والعشرون بعد الأربعمائة في موضوعالشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :*قواعد في الشكر
خامساً: لا تعصيه بنعمه. وهذه قاعدة متينة من قواعد الباب، لذا عرف كثير من السلف الشكر بذلك، فقد سُئِل الجنيد عن الشكر فقال: "أن لا يُستعان بشيءٍ من نعم الله على معاصيه" ا. هـ. وكتبت عائشة رضي الله عنها إلى معاوية رضي الله عنه: "إن أقل ما يجب للمنعم على من أنعم عليه: أن لا يجعل ما أنعم عليه سبيلًا إلى معصيته" ا. هـ. وكان مخلد بن الحسين يقول: "كان يقال: الشكر ترك المعاصي" ا. هـ. فهل من الأدب أن نستعين بنعم الله على معصيته! فنعمة البصر ينظر بها للحرام، ونعمة السمع لا تَسمع الذكر والقرآن، والمال لا يُزكَّى ولا يُنفق منه في سبيل الرحمن، وتُستغل المناصب والجاهات والقدرات والمواهب في غير ما يُحب واهب النعمة، فلنسأل أنفسنا إذاً: هل نحن ممن يشكر الله أم ممن يعصيه بنعمه؟! سادساً: الشكر بالعمل. وذلك بالعبودية لله عز وجل والتقرب إليه بأداء الفرائض أولاً، فلم يشكر الله عز وجل من لم يُؤدِّ فرائضه، ثم بأداء النوافل والقربات، ثم بحسن التعامل مع خلقه ولين الجانب لهم والبُعد عن ما يُضاد ذلك من سوء الأخلاق والظلم والشطط. ثم بصرف النعم في مصارفها، واستغلالها فيما يناسبها، فكيف يكون شاكراً من يلهج لسانه بالحمد والشكر على نعمه ثم تُرمى بعد ذلك النعم في النفايات! أو يَصرف نعمة البصر والمال والصوت والسمع... إلخ، في غير ما يُحب الله عز وجل ثم يحمده ويشكره عليها بعد ذلك. ولذا قام النبي صلى الله عليه وسلم الليل حتى تفطَّرت قدماه فقيل له: "أتفعل هذا وقد غَفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخّر؟!" قال: «أفلا أكون عبداً شكورًا» (متفقٌ عليه واللفظ للبخاري). فيجب أن يتواطأ القلب واللسان والجوارح بالشكر، فهي منظومة متكاملة، آخذ بعضها بآخية بعض، ولهذا جاء الحض عليها في القرآن {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا} [سبأ من الآية:13]. سابعاً: لا يشكر الله من لا يشكر الناس. فمن قواعد الشكر أن تكافئ من أسدى لك معروفاً أو خدمة ومعونة، مهما كان حجمها وقدرها، فإن لم تستطع مكافأته حسياً، فلتشكره بلسانك وتثني عليه خيراً بما قدَّم لك، كما في حديث جابر مرفوعاً: «من صُنع إليه معروفٌ فليجز به، فإن لم يجد ما يجزي به فليثن فإنه إذا أثنى عليه فقد شكره وإن كتمه فقد كفره». وهذا هو التوازن المطلوب من المسلم، الذي حين فقدناه سقطنا في قاع الانفصام النكد، فتجد من يتورع عن الربا ولكن لا يبالي بمال اليتيم. ومن تورَّع عن الكذب وهو يفري أعراض الناس، والتوازن هو منح الناس حقهم من الشكر والإحسان "لأن الله تبارك وتعالى نظم الشكر له بالشكر لذي النعمة من خلقه وأبى أن يقبلهما إلا معاً لأن أحدهما دليلٌ على الآخر وموصولٌ به فمن ضيع شكر ذي نعمةٍ من الخلق فأمر الله ضيَّع وبشاهده استخف ولعمري إن ذلك لموجودٌ في الفطرة قائم في العقل: أن من كفر نِعم الخلق كان لنِعم الله أكفر؛ لأن الخلق يُعطي بعضهم بعضاً بالكلفة والمشقة وثقل العطية على القلوب والله يُعطي بلا كلفة ولهذه العلة جمع بين الشكر له والشكر لذوي النعم من خلقه".
تاسعا: {لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر من الآية:8]. فهذه الآية فيها ما يكفي من الحث على الشكر والاهتمام به، لأنها تشمل كل نعمة على العبد قد تمتع بها كما قال الطبري رحمه الله: "فالله أخبر أنه سائل هؤلاء القوم عن النعيم، ولم يُخصِّص في خبره أنه سائلهم عن نوع من النعيم دون نوع، بل عمّ بالخبر في ذلك عن الجميع، فهو سائلهم كما قال عن جميع النعيم، لا عن بعض دون بعض". وقال ابن كثير: "أي ثم لتُسألنَّ يومئذٍ عن شكر ما أنعم الله به عليكم من الصحة والأمن والرزق وغير ذلك ما قابلتم به نعمه من شكره وعبادته" ا. هـ. فيا لله ما أعظم غفلتنا عما يُراد بنا! فإن كان ربنا يقول: {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا}، فلو مكث أحدنا عمره ليعد نعم الله عداً فقط بدون أن يشكرها فإنه لا يحصيها فمتى وكيف يشكرها. ثم ما من نعمة إلا ونحن نتمتع بها وإن لم نعلم بها أو نستشعرها، ثم بعد هذا التمتُّع السؤال عن هذا النعيم، فهل أعددنا لهذا الموقف جواباً، وهل نبدأ بمراجعة أنفسنا ومحاسبتها لنذوق بعد طعم المزيد الذي وعدنا به لنُدرِك بعد ما فاتنا من خير ونعيم: {وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ} [البقرة من الآية:272]. [الأنترنت – موقع طريق الإسلام - قواعد في الشكر - فرحان العطار]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثانية والعشرون بعد الأربعمائة في موضوعالشكور وهي بعنوان :
*ما قل ودل من كتاب " الشكر لله عز وجل " لابن أبي الدنيا
قال الْحَسَنُ: إِنَّ اللَّهَ لَيُمَتِّعُ بِالنِّعْمَةِ مَا شَاءَ، فَإِذَا لَمْ يُشْكَرْ قَلَبَهَا عَلَيْهِمْ عَذَابًا.
قَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ: إِنَّ اللَّهَ أَنْعَمَ عَلَى الْعِبَادِ عَلَى قَدْرِهِ، وَكَلَّفَهُمُ الشُّكْرَ عَلَى قَدْرِهِمْ. ص7.
قال الْحَسَنُ: إِنَّ اللَّهَ لَيُمَتِّعُ بِالنِّعْمَةِ مَا شَاءَ، فَإِذَا لَمْ يُشْكَرْ قَلَبَهَا عَلَيْهِمْ عَذَابًا.
قال مَخْلَدُ بْنُ حُسَيْنٍ: الشُّكْرُ تَرْكُ الْمَعَاصِي.
قَالَ أَبُو حَازِمٍ: كُلُّ نِعْمَةٍ لَا تُقَرِّبُ مِنَ اللَّهِ فَهِيَ بَلِيَّةٌ.
قال أبو سُلَيْمَانَ الْوَاسِطِيَّ: ذِكْرُ النِّعْمَةِ يُوَرِّثُ الْحُبَّ لِلَّهِ. ص11.
قَالَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِلَهِي، لَوْ أَنَّ لِكُلِّ شَعْرَةٍ مِنِّي لِسَانَيْنِ يُسَبِّحَانِكَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ مَا قَضَيْتُ نِعْمَةً مِنْ نِعَمِكَ. قال عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: قَيِّدُوا النِّعَمَ بِالشُّكْرِ. ص13.
قال مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: لَأَنْ أُعَافَى فَأَشْكُرَ أَحَبُّ
إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُبْتَلَى فَأَصْبِرَ. ص14.
قال أبو حَازِمٍ: إِذَا رَأَيْتَ سَابِغَ نِعَمِهِ عَلَيْكَ وَأَنْتَ تَعْصِيهِ، فَاحْذَرْهُ. ص15. قال الْحَسَنُ: أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَذِهِ النِّعْمَةِ، فَإِنَّ ذِكْرَهَا شُكْرٌ. ص16.
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ لُوطٍ: كَانَ يُقَالُ: الشُّكْرُ تَرْكُ الْمَعْصِيَةِ. ص19. قال الْمُغِيرَةُ بْنُ عَامِرٍ: الشُّكْرُ نِصْفُ الْإِيمَانِ، وَالصَّبْرُ نِصْفُ الْإِيمَانِ، وَالْيَقِينُ الْإِيمَانُ كُلُّهُ. قال أبو قِلَابَةُ: لَا تَضُرُّكُمْ دُنْيَا إِذَا شَكَرْتُمُوهَا. قال أبو الدرداء: رُبَّ شَاكِرٍ نِعْمَةَ غَيْرِهِ وَمُنْعَمٍ عَلَيْهِ وَلَا يَدْرِي، وَيَا رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرُ فَقِيهٍ. ص24.
عَنْ مِسْعَرٍ، قَالَ: لَمَّا قِيلَ لَهُمُ: اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا، قَالَ: لَمْ تَأْتِ عَلَى الْقَوْمِ إِلَّا وَفِيهِمْ مُصَلٍّ.
قال سُفْيَانُ الثَّوْرِيَّ: السِّتْرُ مِنَ الْعَافِيَةِ.
قال أيوب: إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَكُونَ مَأْمُونًا عَلَى مَا جَاءَ بِهِ.
قال سفيان: لَيْسَ بِفَقِيهٍ مَنْ لَمْ يَعُدَّ الْبَلَاءَ نِعْمَةً، وَالرَّخَاءَ مُصِيبَةً. ص30.
قَالَ زِيَادٌ: إِنَّ مِمَّا يَجِبُ لِلَّهِ عَلَى ذِي النِّعْمَةِ بِحَقِّ نِعْمَتِهِ أَلَّا يَتَوَصَّلَ بِهَا إِلَى مَعْصِيَتِهِ. ص31.
قَالَ أَعْرَابِيٌّ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا يُحْمَدُ عَلَى مَكْرُوهٍ سِوَاهُ.
مَرَّ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ بِشَابٍّ يُقَاوِمُ امْرَأَةً، فَقَالَ:
يَا بُنَيَّ، مَا هَذَا أَجْرُ أَنْعُمِ اللَّهِ عَلَيْكَ. قَالَ رُفَيْعٌ أَبُو الْعَالِيَةِ: إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا يَهْلِكَ عَبْدٌ بَيْنَ اثْنَتَيْنِ: نِعْمَةٍ يَحْمَدُ اللَّهَ عَلَيْهَا، وَذَنْبٍ يَسْتَغْفِرُ مِنْهُ.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثالثة والعشرون بعد الأربعمائة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :*ما قل ودل من كتاب " الشكر لله عز وجل " لابن أبي الدنيا
قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: مَنْ لَمْ يُعْرَفْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِلَّا فِي
مَطْعَمِهِ وَمَشْرَبِهِ فَقَدْ قَلَّ عِلْمُهُ، وَحَضَرَ عَذَابُهُ.
قَالَ ابن عمر: لَعَلَّنَا نَلْتَقِيَ فِي الْيَوْمِ مِرَارًا نَسْأَلُ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ، وَأَنْ نَتَقَرَّبَ بِذَلِكَ إِلَّا لِنَحْمَدَ اللَّهَ.
عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لقمان: 20] قَالَ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ». ص34.
قال أبو الدرداء: الصِّحَّةُ غِنَى الْجَسَدِ. ص36.
يُقَالُ: إِنَّ الْحَمْدَ أَكْثَرُ الْكَلَامِ تَضْعِيفًا. ص37.
قَالَ أَبُو حَازِمٍ: نِعْمَةُ اللَّهِ فِيمَا زَوَى عَنِّي مِنَ الدُّنْيَا أَعْظَمُ مِنْ نِعْمَتِهِ عَلَيَّ فِيمَا أَعْطَانِي مِنْهَا، إِنِّي رَأَيْتُهُ أَعْطَاهَا قَوْمًا فَهَلَكُوا. كَانَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ إِذَا ذَكَرَ الْإِسْلَامَ قَالَ: بِنِعْمَةِ رَبِّي، لَا بِمَا قَدَّمَتْ يَدَايَ، وَلَا بِإِرَادَتِي، إِنَّنِي كُنْتُ خَاطِئًا.
قال وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: مَكْتُوبٌ فِي حِكْمَةِ آلِ دَاوُدَ: الْعَافِيَةُ الْمُلْكُ الْخَفِيُّ. ص43.
قال حَبِيبُ بْنُ عُبَيْدٍ: مَا ابْتَلَى اللَّهُ عَبْدًا ابْتِلَاءً إِلَّا كَانَ لِلَّهِ عَلَيْهِ فِيهِ نِعْمَةٌ أَلَّا يَكُونَ ابْتَلَاهُ بِأَشَدَّ مِنْهُ.
قال عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبْجَرَ: مَا مِنَ النَّاسِ إِلَّا مُبْتَلًى بِعَافِيَةٍ لِيَنْظُرَ كَيْفَ شُكْرُهُ؟ وَيَبْتَلِيهِ لِيَنْظُرَ كَيْفَ صَبْرُهُ؟ قال وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: يَنْزِلُ الْبَلَاءُ لِيَسْتَخْرِجَ الدُّعَاءَ.
قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: لَقَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ فِي حَاجَتِهِ أَكْثَرَ مِنْ تَضَرُّعِهِ إِلَيْهِ فِيهَا. ص46.
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَجَدَ وَأَلْقَى رِدَاءَهُ إِلَى الَّذِي بَشَّرَهُ.
قال عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: إِنَّهُ لَيَكُونُ فِي الْمَجْلِسِ الرَّجُلُ الْوَاحِدُ يَحْمَدُ اللَّهَ فَتَنْقَضِي لِأَهْلِ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ حَوَائِجُهُمْ كُلِّهُمْ.
قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: رَبِّ، مَا أَفْضَلُ الشُّكْرِ؟ قَالَ: أَنْ تَشْكُرَنِي عَلَى كُلِّ حَالٍ. ص52.
قال سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: عَمِلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ بِخُلُقٍ دَنِيءٍ فَأَعْتَقَ جَارِيَةً لَهُ إِذْ عَافَاهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْخُلُقِ. سأل رَجُلٌ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ: مَا تَمَامُ النِّعْمَةِ؟ قَالَ: أَنْ تَضَعَ رِجْلًا عَلَى الصِّرَاطِ وَرِجْلًا فِي الْجَنَّةِ.
قال بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيَّ: يَا ابْنَ آدَمَ، إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ قَدْرَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْكَ فَغَمِّضْ عَيْنَيْكَ.
قَالَ الْحَسَنُ: مَنْ لَا يَرَى لِلَّهِ نِعْمَةً إِلَّا فِي مَطْعِمٍ، أَوْ مَشَرْبٍ، أَوْ لِبَاسٍ، فَقَدْ قَصُرَ عِلْمُهُ، وَحَضَرَ عَذَابُهُ. قالت عَائِشَةُ: مَا مِنْ عَبْدٍ يَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ الْقَرَاحَ، فَيَدْخُلُ بِغَيْرِ أَذًى، وَيَخْرُجُ بِغَيْرِ أَذًى، إِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ الشُّكْرُ.
عن عَلِيَّ بْنَ صَالِحٍ، فِي قَوْلِهِ: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7] قَالَ: أَيْ مِنْ طَاعَتِي. ص67.
قال صَالِحُ بْنُ مِسْمَارٍ: مَا أَدْرِي أَنِعْمَتُهُ عَلَيَّ فِيمَا
بَسَطَ عَلَيَّ أَفْضَلُ،أَمْ نِعْمَتُهُ فِيمَا زَوَى عَنِّي. ص69.
قال بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: لَوْ لَمْ يُعَذِّبِ اللَّهُ عَلَى مَعْصِيَتِهِ، لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْصَى لِشُكْرِ نِعْمَتِهِ. ص71.
[الأنترنت – موقع طريق الإسلام - أيمن الشعبان داعية إسلامي، ومدير جمعية بيت المقدس، وخطيب واعظ في إدارة الأوقاف السنية بمملكة البحرين.]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الرابعة والعشرون بعد الأربعمائة في موضوع الشكور وهي بعنوان :
*الشكرنصف العبادة
قال ابن القيم: "الدين نصفان، نصف شكر ونصف صبر، فهو قاعدة كل خير، والشكر مما يحبه الله فهو يحب أن يُشكر عقلاً وشرعاً وفطرةُ" ، من الأشياء التي تؤدي إلى الشكر:
1-أنك تنظر إلى من هو دونك، قال صلى الله عليه وسلم: «انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فإنه أجدر ألا تزدروا نعمة الله» (صحيح الترمذي:2513) فمما يحفظ العبد من ترك الشكر عندما ينظر إلى من هو فوقه أن هذه قسمة الله {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ} [الأنعام:165].
2- أن يعلم العبد أنه مسئول عن النعمة {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر:8]، ومحاسب عليها حتى الماء البارد، ومن نوقش الحساب عُذِّب. والله رضي لنا أن نستمتع وأن نشكر{كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [البقرة:60]، {كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة:172]، فلا يمكن أن يكون الشكر بتحريم الحلال وهذا من مباديء الصوفية، فالله رضي لنا أن نستخدم النعم المباحات ونشكره عليها سبحانه وتعالى، ولو كان شرطًا في الانتفاع بالنعمة أداء ثمنها شكرًا؛ ما وفّت كل أعمال العباد ولا على نعمة واحدة «أبوء بنعمتك علي وأبوء بذنبي» (صحيح البخاري:6306)، فتشكر الله وتعترف بالنعم وتستغفر من التقصير بشكر النعمة.
فالحل أن نستخدم النعم فيما يرضي الله ونثني عليه ونشكره ونستغفره من التقصير في الشكر وهو تعالى رضي منا بهذا، وقد جاء في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام حتى تفطرت قدماه وتشققت قيل له أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟قال: «أفلا أكون عبدًا شكورًا» (صحيح البخاري :6471). فتشكر الله على المغفرة.
ومن الوسائل أن ندعو الله أن يعيننا على الشكر «اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» (صحيح ابن حبان:2020)، قالها لمعاذ، وسئل الرسول صلى الله عليه وسلم: أي المال نتخذ؟ فلفت نظرهم صلى الله عليه وسلم فقال: «ليتخذ أحدكم قلبًا شاكرًا ولسانًا ذاكرًا وزوجة مؤمنة تعين أحدكم على أمر دينه ودنياه» (صحيح الجامع:5355).
قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليرضى على العبد أن يأكل الاكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها» (صحيح مسلم:2734).
قال الحسن البصري رحمه الله: "إن الله ليمتع بالنعمة ماشاء، فإذا لم يشكر عليها قلبها عذابًا ولهذا كانوا يسمون الشكر(الحافظ) لأنه يحفظ النعم
الموجودة و(الجالب) لأنه يجلب النعم المفقودة".
هكذا يحفظ ويحصّل من علو منزلة الشكر وعظمه عند الله، ولا ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العبد قيد النعم، فهو يقيد النعمة ألا تنقلب ولا تهرب.
قال عمر بن عبد العزيز: "قيدوا نعم الله بشكر الله"، والشكر مع المعافاة عند بعض أهل العلم أعظم من الصبر على الابتلاء. فقال مطرف بن عبد الله: "لأن أعافي فأشكر أحبُّ إليّ من أن أُبتلى فأصبر". فإذا رزقت الشكر على النعمة فإن هذا لا يقل عن الصبر على المصيبة.
وقال الحسن:" أكثروا من ذكر هذه النعم فإن ذكرها شكر، وقد أمر الله تعالى نبيه أن يحدث بنعمة ربه {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى:11]، والله يحب من عبده أن يرى عليه أثر نعمته، فإن ذلك شكرها بلسان الحال".
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الخامسة والعشرون بعد الأربعمائة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :*الشكرنصف العبادة
وقال أبو رجاء العطاردي خرج علينا عمران بن حصين وعليه معطف من خزّ لم نره عليه من قبل ولا من بعد فقال: "إن رسول الله قال إذا أنعم الله على عبد نعمة يحب أن يرى أثر نعمته على عبده".
وقال صلى الله عليه وسلم: «كلوا واشربوا وتصدقوا في غير مخيلة ولا سرف فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده» (مسند أحمد:10/178)، وهنا الضابط والحد الشرعي، فإذا أردت أن تظهر نعم الله عليك فإن ذلك مقيد في عدم الخيلاء والإسراف.
عن أبي الأحوص عن أبيه قال: "أتيت رسول الله وأنا قشف الهيئة، فقال هل لك من مال؟ قلت: نعم، قال: من أي المال؟ قلت: من كل المال، الإبل، الرقيق، النعم، الخيل.. قال: «إذا آتاك الله مالاً فليرَ عليك» (صحيح ابن حبان:5416).
وقال الحسن: "إذا أنعم الله على قوم سألهم الشكر، فإذا شكروه كان قادرًا على أن يزيدهم، وإذا كفروه كان قادرًا على أن يبعث عليهم عذابًا".
وقد ذم الله الكنود وهو الذي لا يشكر نعمه، قال الحسن: "{إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} [العاديات:6] أي يعد المصائب وينسى النعم". وفي النساء أظهر، فلو أحسنت إلى إحداهن الدهر وطيلة العمر ثم رأت منك تقصيرًا قالت مارأيت منك خيرًا قط!، وهذا ظلم، والنساء أكثر أهل النار لأنهم يكفرن العشير، وإذا كان ترك شكر نعمة الزوج يؤدي إلى جهنم فما حال من يكفر نعمة الله..؟!!
يا أيها الظالم في فعله ***
والظلم مردود على من ظلم
إلى متى أنت وحتى متى ***
تشكو المصيبات وتنسى النعم
والتحدث بالنعم شكر وتركها كفر ومن لا يشكر القليل لا يشكر الكثير ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله.قرأ الرسول صلى الله عليه وسلم على أصحابه سورة الرحمن من أولها إلى آخرها فسكتوا، فقال لقد قرأتها على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن مردودًا منكم فلما قرأت {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} قالوا: لا شيء من نعمك ربنا نكذب ربنا ولك الحمد.
وقال شُريح: "وما أصيب عبد بمصيبة إلا كان لله عليه فيها ثلاث نعم:
1-ألا تكون في دينك. 2- أنها لا تكون أعظم مما كانت. 3- أنها لابد كائنة فقد كانت". {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد:22].
إن عمر بن عبد العزيز إذا قلّب بصره في نعمة أنعمها الله عليه قال: "اللهم إني أعوذ بك أن أبدّل نعمتك كفرًا وأن أكفرها بعد أن عرفتها وأن أنساها ولا أثني بها"، لأن الله ذم الذين بدلوا نعمة الله كفرًا وأحلوا قومهم دار البوار.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السادسة والعشرون بعد الأربعمائة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :*الشكرنصف العبادة
النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رُفعت مائدته قال: «الحمد لله الذي كفانا وأروانا غير مكفيٍّ ولا مكفور، الحمد لله ربنا غير مكفي ولا مودّع ولا مستغنٍ ربنا» (صحيح البخاري:5459).
وكذلك من شكر النعم المتجددة أنك تسجد سجود الشكر، وفي ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه أمر فسرّ به فخرّ لله ساجدًا، وأبو بكر لما جاءه قتل مسيلمة المرتد الذي ألب عليه العرب وأشد الناس على المسلمين خرّ لله ساجدًا، وعلي رضي الله عنه لما رأى ذا الثدية في الخوارج أسود مخدّج مقطوع اليد عند العضد مثل حلمة المرأة، وأنه علامة وآية أنه سيقاتل الخوارج أمرهم فبحثوا في جثث القتلى وأخرجوه؛ سجد علي رضي الله عنه شكرًا لله. وكعب بن مالك سجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لما بشر بتوبة الله عليه.
والسنة لم ترد بسجود الشكر يوميًا لكنها وردت في النعم المتجددة والتي تذكر بالنعمة المستديمة، ولأن هذه النعم المتجددة العظيمة لها وقع في النفوس والقلوب أعلق بها وأهنأ، والإنسان يُعزّى بفقدها فإن ما توجبه من فرح النفس وانبساطها والذي يدفع الأشر والبطر عند نزول النعمة فجأة. ومن النعم المتجددة كما يقول أحد السلف: "بشّرت الحسن بموت الحجاج وهو مختفٍ فخرّ لله ساجدًا،فموت ظالم نعمة و ولادة مولود، وجاء الخبر في الانتصار".
قال ابن القيم: "الدين نصفان، نصف شكر ونصف صبر، فهو قاعدة كل خير، والشكر مما يحبه الله فهو يحب أن يُشكر عقلاً وشرعاً وفطرةُ"، فوجوب شكره أظهر من كل واجب، وقد فاوت الله بين عباده بالنسبة للنعم الظاهرة والباطنة وفي خلقهم وأخلاقهم و أديانهم وأرزاقهم ومعايشهم. لذلك فقد روى الإمام أحمد في كتاب الزهد: "قال موسى هلاّ سويت بين عبادك قال إني أحببت أن
أشكر"، فالتفاوت بين العباد يؤدي إلى الشكر.
وقد تنازع أهل العلم بين الفقير الصابر والغني الشاكر، أيهما أفضل في كلام طويل، والظاهر أن كل واحد في حق صاحبه أفضل، فالشطر في حق الغني أفضل والصبر في حق الفقير أفضل.
خالد أبو شادي طبيبٌ صيدليّ ، و صاحبُ صوتٍ شجيٍّ نديّ. و هو صاحب كُتيّباتٍ دعويّةٍ مُتميّزة[ الأنترنت – موقع أعمال القلوب - الشكر]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السابعة والعشرون بعد الأربعمائة في موضوع الشكور وهي بعنوان :
*أقسام الخلق في شكر النعمة ثلاثة:
1-شاكر للنعمة مثني بها.
2- جاحد لها كاتم لها.
3- مظهر أنه من أهلها وهو ليس من أهلها.
وكما في الحديث فالمتشبع بما لم يعطَ كلابس ثوبي زور. وقد روى النعمان بن بشير: «من لم يشكر القليل؛ لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس؛ لم يشكر الله» (الفتح الرباني:11/5462). والتحدث بنعمة الله شكر وتركها كفر والجماعة رحمة والفرقة عذاب. والتحدث بالنعمة المأمور به ينبغي أن يكون ذلك في النفس وعند الآخرين ولكن إذا كان عند حاسديها فإن كتم ذكرها ليس من كفرها فهو لم يكتم ذكر النعمة شحًا بذلك وتقصيرًا في حق الله لكن لدرء مفسدة وهي حسد صاحب العين وكيده وضرره ودفع الضرر من المقاصد الشرعية. أما مقابلة النعمة فلايمكن في حق الله {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا} [الحج:37]، فلا سبيل إلى المجازاة ويبقى في قضية الثناء عليه استعمالها فيما يرضيه، أما المجازاة فلا سبيل إليها ولا ينتفع الله بخلقه شيء.
و واجبنا نحو الله في النعم: 1- الخضوع له، خضوع الشاكر للمشكور. 2- حبه له، حب الشاكر للمشكور. 3- اعترافه بنعمته عليه ( الإقرار). 4- الثناء عليه بها. 5- أن لا يستعملها فيما يكره بل يستعملها فيما يرضيه. وإذا كانت النعم تتفاضل فهل يتفاضل الشكر؟ نعم. والشكر لله يكون بالقلب واللسان والجوارح.
الشكر بالقلب: علم القلب وذلك بأن يعلم أن الله هو المنعم بكل النعم التي يتقلب فيها (الناس يشكرون المعبر ولا يشكرون المصدر!)، وهذا مهم في تربية الأطفال، أن يُعرَّف من أين جاءت النعم {يأَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ} [فاطر:3]، أول نعمة؛ نعمة الخلق والإيجاد، ورصد النعم والتعرف إليها مرحلة تمهيدية للشكر، وجاءت كثير من الآيات بإحصاء النعم ليكتشف الإنسان كثرتها فيعلم أن النعم لا يمكن حصرها {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [النحل:18].
ولكن ذُكِر لنا أشياء فرعية وأصلية، والفروع نردها إلى أصولها، كالصحة فهي نعمة أصلية وما يتفرع منها من النعم ( الحركة - المشي - العمل – الرياضة - النوم - الأكل – الشرب - السفر)،
كذلك المال والوقت والعلم كلها نعم أصلية.
وتستطيع أن تضم النعم إلى ما يحاذيها ويشابهها، أنعم علينا بوصفنا مخلوقات بعد الخلق والإيجاد ثم نعمة الآدمية والإنسانية وأنعم علينا بوصفنا مسلمين من نعمة الهداية والإيمان.
ونعمة التربية التي ترتقي بالفرد درجة بعد درجة وتعلم علمًا بعد علم حتى يبلغ كماله، وفوق كل ذلك نعمة النبوة للذين اصطفاهم الله، والصديقين والشهداء و الصالحين. إن عرض النعم على العامة أمر مهم جدًا وهو قضية في الدعوة، فالله عزوجل خص الآدمي أنه خلقه {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:75]، {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لقمان:20]، {وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ. وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ. وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَاإِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم:32-34] وذكر في سورة النحل (سورة النعم): {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ* وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ . وَعَلَامَاتٍ ۚ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ . أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لَّا يَخْلُقُ ۗ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ .} ، {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيم} [النحل:14-18]، {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} [النحل:81] هذه المنة للإيمان بعد الإسلام أو الإسلام أولاً {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات:17]، {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة:3]،
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثامنة والعشرون بعد الأربعمائة في موضوع الشكور وهي بعنوان :
*أقسام الخلق في شكر النعمة ثلاثة:
ومن نعمة الهداية يكون الأمن والسكينة والفرج والمغفرة والرحمة والبركة والتيسير وسعة الرزق.
ومن مقاصد ووسائل الدعوة أنك تحدث المدعوين بنعم الله عليهم ليحصل الشكر {إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَىالنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَالنَّاسِ لَايَشْكُرُونَ} [البقرة:243].
فبعض الناس اتجهوا إلى أشياء غريبة في تفسير النعم أو نسبتها إلى مصادر باطلة ليست هي، مثل الذي فعله قارون لما ذكر بنعمة الله عليه فقال {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي} [القصص:78]، فالغرور يجعلهم ينسبون النعمة إلى غير المنعم، وهذا فعل الأشقياء فالله تعالى يقول: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل:53] {فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ} [الطارق:5]، {فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ} [عبس:24]، {أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ} [الواقعة:69]، {وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ} [الحجر:22] {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ . أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ .لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ}[الواقعة:68-70]
الشكر باللسان: لسان المرء يعرب عما في قلبه، فإذا امتلأ القلب بشكر الله لهج اللسان بحمده والثناء عليه، وتأمل ما في أذكار النبي صلى الله عليه وسلم من الحمد والشكر لرب العالمين.
1- كان لما يفيق من نومه يقول: «الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور» (صحيح مسلم:2711)، «الحمد لله الذي عافاني في جسدي ورد
علي روحي وأذن لي بذكره» (صحيح الترمذي:3401).
وإذا أوى إلى فراشه لينام يقول: «الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وآوانا فكم ممن لا كافي له وما لا مؤوي» (صحيح مسلم:2475).
2-ومن أذكار الصباح والمساء «اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد والشكر» (صحيح ابن حبان:861) من قالها حين يصبح فقد أدى شكر ليله.
3-سيد الاستغفار «أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي» (صحيح البخاري:6306)، اعتراف بالنعمة واعتراف بالتقصير في شكرها لأنه يذنب.
يفتتح الأدعية بحمد الله والثناء عليه بما هو أهله.
في كل خطبة أو نكاح أو أمر ذي بال يحمد الله.
دعاء الاستفتاح – سورة الفاتحة – الرفع من الركوع – أذكار ما بعد السلام – ربنا ولك الحمد – أدعية التهجد – اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن – الله أكبر كبيرًا والحمد لله كثيرًا وسبحان الله بكرة وأصيلًا.
4-إذا أكل أو شرب أو سئل عن حال أو سافر أو عطس.
5-في أي ساعة يحمد ربه من ليل ونهار، له في كل تحميدة صدقة.
وقعت يد عائشة على يد النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد
في بطن الليل وقدماه منصوبتان يقول: «اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك» (صحيح النسائي:1099).
قال صلى الله عليه وسلم: «يا معاذ إني أحبك فلا تدع أن تقول دبر كل صلاة اللهم أعنّي على ذكرك و شكرك و حسن عبادتك» (صحيح النسائي:1302)
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة التاسعة والعشرون بعد الأربعمائة في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
*أقسام الخلق في شكر النعمة ثلاثة:
الشكر بالجوارح: وهي ما سوى القلب واللسان من جوارح، فما من عمل يعمله ابن آدم من الطاعات والعبادات إلا وهو شاكر فيه لنعم ربه سبحانه وتعالى. والخلاصة في الشكر بالجوارح؛ العمل الصالح، فعند بلوغ الأربعين {حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَأَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ} [الأحقاف:15]، فسأل الله العمل الصالح عقب سؤاله التوفيق على شكر نعمته يعني أن الشكر باللسان وحده لا يكفي.
ومن وسائل الشكر بالجوارح «إنَّه خُلِقَ كلُّ إنسانٍ من بَني آدمَ على ستِّينَ وثلاثِمائةِ مِفصَلٍ. فمَن كبَّرَ اللهَ، وحَمِدَ اللهَ، وهَلَّلَ اللهَ، وسَبَّحَ اللهَ، واستَغفرَ اللهَ، وعزَلَ حَجرًا عَن طريقِ النَّاسِ، أو شَوكةً أو عَظمًا من طريقِ النَّاسِ، وأمرَ بمَعروفٍ، أو نَهي عن منكرٍ، عدَدَ تلكَ السِّتِّينَ والثلاثمائةِ السُّلامَى. فإنَّه يَمشي يومَئذٍ وقد زَحزَحَ نفسَه عنِ النَّارِ» (صحيح مسلم:1007)، فكيف يؤدي شكر 360 مفصل؟، كل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، وإماطة الأذى عن الطريق صدقة، وعدد المفاصل 360 إذا شكرها المرء، والصدقات كثيرة جمعها ابن رجب في شرحه الأربعين النووية [الصدقات البدنية - المالية - الخبرة من تعليم صنعة أو تصنع لأخرق - التفهيم – التعليم – الوقت – الجاه...]، فذو القرنين مثلًا علم شعبًا جاهلً صناعة السدود حتى تقيهم شر أعدائهم.
المقصود أن المسلم عليه أن يشكر ربه بجوارحه بسائر أنواع الصدقات وكل معروف صدقة ولا يغني شكر يوم عن يوم آخر.
وليس هناك تعارض بين شكر الله وشكر الناس، لأن الله أمر بشكر الناس، وهو سبحانه الذي أرشدنا إلى شكر الناس إذا صنعوا لنا معروفًا أن نكافئهم وأولهم الوالدين {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان:14]، «لا يشكر الله من لا يشكر الناس» [صحيح ابن حبان:3407]، فليس شكر المخلوق قادحًا في شكر الخالق بل المشكلة فيمن يشكر المخلوق ولا يشكر الخالق وهذه هي المصيبة، وهناك فرق بين شكر العبد وشكر الرب، فشكر الرب فيه خضوع وذل وعبودية ولا يجوز لشكر العبد أن تعبده وإنما تعطيه شيء مقابل شيء، وتدعو له وتثني عليه. شكر الله أيضًا يختلف عن شكر الناس من جهة العبودية والدرجة ومافيه من أنواع الطاعات له سبحانه وتعالى، والإنسان الذي لا يشكر الناس إنسان لئيم وحريٌ به أن لا يشكر الله. والنعم تزيد بالشكر وتحفظ من الزوال بالشكر {لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم:7]، {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ} [النساء:32].[ الأنترنت – موقع أعمال القلوب – الشكر - خالد أبو شادي]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثلاثون بعد الأربعمائة في موضوع الشكور وهي بعنوان :
* الشكر خير عيش السعداء
الشكر خير عيش السعداء، لم يترقوا إلى أعلى المنازل إلا بشكرهم، ولمّا كان الإيمان نصفين، نصفٌ شكر ونصفٌ صبر، كان حقيقًا على من نصح نفسه وآثر نجاتها وسعادتها. الشكر خير عيش السعداء، لم يترقوا إلى أعلى المنازل إلا بشكرهم، ولمّا كان الإيمان نصفين، نصفٌ شكر ونصفٌ صبر، كان حقيقًا على من نصح نفسه وآثر نجاتها وسعادتها.
تعريف الشكر الشكر لغةً: الاعتراف بالإحسان، شكرت الله- شكرت لله- شكرت نعمة الله. فالشكر في اللغة هو ظهور أثر الغذاء في جسم الحيوان، والشكور من الدواب ما يكفيه العلف القليل أو الذي يسمن على العلف القليل. والشكر خلاف الكفر.
والشكر: الثناء على المحسن بما أولاه من معروف، والشكران خلاف الكفران. اشتكرت السماء أي اشتد وقع مطرها. واشتكر الضرع أي امتلأ لبنًا. والشكر الزيادة والنماء. والشكر في الاصطلاح: ظهور أثر النعم الإلهية على العبد في قلبه إيمانًا، وفي لسانه حمدًا وثناءً، وفي جوارحه عبادة وطاعة، ويكون القليل من النعمة مستوحيًا الكثير من الشكر فكيف إذا كانت النعم كثيرة؟، ومن العباد من هو شاكر ومنهم من هو كافر. شكرت له، يتعدى باللام، وكفرت به؛ يتعدى بالباء!، ولابن القيم نكتة طريفة في هذا فيقول: "المشكور في الحقيقة هي النعمة وهي مضافة إلى المنعم لذلك تقول شكرت له فيتعدى باللام، أما الكفر ففيه تكذيب وجحد بالنعمة لذلك قالوا كفر بالله وكفر بنعمته وكفر بآلائه فلذلك تعدى بالباء". هذا الشكر له مقامات عظيمة في الدين:
1-قرن الله ذكره بشكره وكلاهما المراد بالخلق، والأمر والصبر خادم لهما ووسيلة إليهما وعونًا عليهما، فقد قرن الله الشكر بالذكر فقال: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة:152].
2- قرن الشكر بالإيمان، وأنه لا غرض له في عذاب الخلق إذا قالوا آمنا {مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا} [النساء:147]، أي وفيتم حقه وما خلقتم من أجله وهو الشكر بالإيمان.
3- أهل الشكر هم المخصوصين بمنته عليهم من بين عباده فقال تعالى: {وَكَذَٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولُوا أَهَٰؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} [الأنعام:53].
4- قسم الناس إلى شكور وكفور فأبغض الأشياء إليه الكفر وأهل الكفر وأحب الأشياء إليه الشكر وأهل الشكر {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الإنسان:3]
5- يبتلي عباده ليستخرج الشكور فقال تعالى على لسان سليمان عليه السلام: {هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل:40]
6- وعد الشاكرين بالزيادة {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} {إبراهيم:7].
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الواحدة والثلاثون بعد الأربعمائة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :* الشكر خير عيش السعداء
7- الله يرضى عمل الشاكرين ويرضى الشكر {إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ ۖ وَلَا يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ۖ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر:7]. فيقارن الله بين الشكر والكفر وأنهما ضدّان {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144]. والشاكرون في هذه الآيات الذين ثبتوا على نعمة الإيمان ولم ينقلبوا على أعقابهم. فمن الناس من لا يصمد عند الابتلاء والمحنة فيكفر ولا يثبت، ومنهم من يظهر لربه حقيقة ما في قلبه عند المحنة والابتلاء، فيتعالى لسانه بذكر ربه وحمده فيثبت ويشكر شكرًا عمليًا بالقلب واللسان والجوارح.
8- علّق الله المزيد بالشكر والمزيد من لا نهاية له، كما أن الشكر لا نهاية له، ووقف الله الكثير من الجزاء على المشيئة: {فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ} [التوبة:28]، في الإجابة {فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِن شَاءَ} [الأنعام:41]، في المغفرة {فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ} [البقرة:284]، في الرزق {يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ} [البقرة:212]، في التوبة {وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ} [التوبة:15]، أما الشكر فإنه أطلقه {وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ} [آلعمران:145].
9-أخبر سبحانه وتعالى أن إبليس من مقاصده أن يمنع العباد من الشكر، فتعهد إبليس بأشياء {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف:17]، فإبليس يريد حرمانهم من الشكر والقعود بينهم وبينه.
10-وصف الله الشاكرين بأنهم قليل من عباده {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13]، وذكر الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع رجلًا يقول: "اللهم اجعلني من الأقلين" فقال: ما هذا؟ قال: "يا أمير المؤمنين: الله تعالى يقول {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [هود:40]، ويقول {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13]، ويقول {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواالصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ} [ص:24]، قال عمر: صدقت! وإذا كان الشكر من صفات الأنبياء والمؤمنين فإنه ليس كذلك عند كل الناس فإن كثيرًا منهم يتمتعون بالنعم ولا يشكرونها.
11-أثنى الله على أول رسول بعثه إلى أهل الأرض بالشكر وهو نوح عليه السلام {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} [الإسراء:3] إشارة إلى الاقتداء به.
12- أخبر الله أنه يعبده من شكره وأن من لم يشكره فإنه ليس من أهل عبادته: {وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة:172].
13- أمر سبحانه وتعالى عبده موسى أن يتلقى
ما آتاه من النبوة والرسالة والتكليف بالشكر {يامُوسَىٰ إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ} [الأعراف:144].
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثانية والثلاثون بعد الأربعمائة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :* الشكر خير عيش السعداء
14- أول وصية أوصى بها الإنسان بعدما عقل أن
يشكر له ثم لوالديه {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان:14].
15- أخبر الله أن رضاه في شكره {وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر:7].
16- أخبر عن خليله إبراهيم بشكر نعمته {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ ۚ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [النحل:120-121]. فمن صفات الأمة القدوة الذي يؤتم به بالخير يعدل مثاقيل من أهل الأرض أنه كان قانتًا لله شاكرًا لأنعمه فجعل الشكر غاية خليله.
17- الشكر هو الغاية من الخلق {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل:78]. فهذه غاية الخلق، أما غاية الأمر {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [آل عمران:123]، فكما قضى الله لهم بالنصر فليشكروا هذه النعمة.
والخلاصة أن الشكر غاية الخلق، وغاية الأمر فخلق ليشكر وأمر ليشكر {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة:152]، والشكر مراد لنفسه والصبر مراد لغيره، أنت تصبر لأجل أن يحدث ما يترتب عليه وما يؤدي إليه من الأشياء، والشكر غاية في نفسه والصبر وسيلة إلى غيره وإلى ما يحمد وليس مقصودًا لنفسه.
وفي منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ذكر ابن القيم في الشكر أيضًا سبعة عشر وجهًا وهي:
1-أنه من أعلى المنازل. 2- فوق منزلة الرضا والزيادة، فالرضا مندرج في الشكر ويستحيل وجود الشكر بدونه. 3- نصف الإيمان شكر ونصفه صبر. 4- أمر الله به ونهى عن ضده. 5- أثنى على أهله ووصفهم بخواص خلقه. 6- جعله غاية خلقه وأمره. 7- وعد أهله بأحسن الجزاء. 8- جعله سببًا للمزيد من فضله. 9- حارسًا وحافظًا للنعمة. 10- أهل الشكر هم المنتفعون بآياته. 11- اشتق لهم اسمًا من أسمائه (الشكور) وهو يوصل الشاكر إلى مشكوره بل يعيد الشاكر مشكورًا. 12- غاية الرب من عبده. 13- سمى نفسه شاكرًا وشكورًا، وسمى الشاكرين بهذا الاسم فأعطاهم من وصفه وسماهم باسمه وحسبك بهذا محبة للشاكرين وفضلًا. 14- أخبر الله عن قلة الشاكرين في عباده. 15- الشكر لابد معه من مزيد. 16-الشكر عكوف القلب على محبة المنعم، والجوارح على طاعته 17-وجريان اللسان بذكره والثناء عليه.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثالثة والثلاثون بعد الأربعمائة في موضوع الشكور وهي بعنوان :
*إذا لم تشكر النعمة قلبها الله عذابا
قال الحسن البصري: "إن الله ليمتع بالنعمة ما شاء، فإذا لم يشكر عليها قلبها عذابا، ولهذا كانوا يسمون الشكر: الحافظ، لأنه يحفظ النعم الموجودة، والجالب، لأنه يجلب النعم المفقودة".
من العبادات العظيمة التي ينعم الناس بثمرتها في
العاجل والآجل: شكر الله تعالى على ما أولى من نعم، والشكر نصف الدين كما قال جماعة من السلف، وقد امتلأ كتاب ربنا بالأمر به، فما من آية ختمت بقول منزلها: {لعلكم تشكرون} أو: {ولعلكم تشكرون}، إلا وهي آمرة به. وهذه رسالة في بعض المسائل المتعلقة به. معنى الشكر: خير ما قيل في تعريف الشكر: عرفان الإحسان. وقيل: الاعتراف بنعمة المنعم على وجه الخضوع. وقال ابن القيم: الشكر ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده: ثناء واعترافا، وعلى قلبه شهودا ومحبة، وعلى جوارحه انقيادا وطاعة (مدارج السالكين [2/ 244]).
وهذا يدل على أن للشكر ثلاثة أركان وهي :
أ- الاعتراف بالنعمة بقلبه. فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "مطر الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر»، قالوا: هذه رحمة الله. وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا" (مسلم).
ب- التحدث بها والثناء على المنعم. قال تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى:11]. ت- تسخيرها في طاعة مسديها والمنعم بها. قال تعالى: {اعملوا آل داود شكر} [سبأ من الآية:13]. ومعنى الآية: يا آل داود: اعملوا شكرًا لله على ما أعطاكم، وذلك بطاعته وامتثال أمره ولذا قال الشاعر:
أفَادَتْكُمُ النّعْمَاء منِّي ثَلاثةً ***
يدِي، ولَسَاني، وَالضَّمير المُحَجَّبَا
قال أبو عبد الرحمن الحُبلي: "الصلاة شكر، والصيام شكر، وكل خير تعمله لله شكر. وأفضل الشكر الحمد" (رواه ابن جرير).
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الرابعة والثلاثون بعد الأربعمائة في
موضوع الشكور وهي بعنوان :*التحذير من السآمة من النعم والتسبب بتبدلها بأضدادها
أحسنوا جوار نعم الله تعالى بذكرها وشكرها، والاعتراف له سبحانه بها، واستعمالها فيما يرضيه، والنأي بها بالصبر والحذرمن استعمالها في معاصيه، فإنه قلما نفرت النعم وفرت من أهل بيت ومجتمع فعادت إليه، وتلكم سنة لله تعالى في الأمم والشعوب مطردة لا تتأخر ولا تتبدل، قال تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم:7]، وكم ذكر الله تبارك وتعالى في محكم تنزيله، وصادق قيله، من أمة أنعم الله عليها بجلائل من نعمه وسوابغ من فضله، فلم يعترفوا لله بها، ولم يحسنوا جوارها، بل سئموها وملوها، وتعاطوا أسباب زوالها، وفرارها، إذ لم يصبروا عليها ويشكروها، قال تعالى: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ * وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ﴾ [النحل:112،113]، وفي نبأ عاد وثمود ومدين وبني إسرائيل وسبأ معتبر ومزدجر لمن إدكر.
واعتبروا بحال أمم معاصرة، ولدياركم مجاورة،
وأبصاركم إليهم ناظرة، كانوا في نعم أمان واجتماع، وسداد أو قوام من العيش من غير انقطاع كيف تسببوا في إسقاط ولايتهم، وتفرق كلمتهم، وزوال أمنهم، ونغص معيشتهم، فصاروا بين تقتيل وتشريد، وتحزب وتشرذم، وفتنة تموج بهم كما يموج البحر، حتى صاروا في غابة من البلاء وشماتة الأعداء، حتى تراحم عليهم الأعداء، ولم يتراحم منهم الفرقاء، فصاروا في كل لحظة في فاجعة، وفي كل يوم يترقبون مصيبة موجعة، فاعتبروا يا أولي الألباب والنهى، واتعظوا بما وعظكم الله به من نبأ الكافرين للنعم من المتقدمين، وبما تشاهدون من زوال النعم عن المتسببين في زوالها من المعاصرين، فإن السعيد من وعظ بغيره، وإن الشقي من وعظ بنفسه، وقد أبلغ في الإعذار من تقدم بالإنذار.
كم في أبدانكم من نعم العقول والأسماع والأبصار، وكم في بيوتكم وبين ظهرانيكم من نعم الله السابغة الغزار، وكم في مرابعكم من خدمات الماء والصرف، والإنارة والاتصال، والأمن على الأنفس، والأعراض، والثروات، والوظائف والممتلكات، أمن في البيوت، وأمن في الطرق، وأمن في المنتجعات، وأمن في مواضع العبادات والاجتماعات، واجتماع الكلمة، وتوفر أسباب التواصل والمودة، كل أحد منكم في شأنه، وفي أنس مع أحبابه وإخوانه، فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون، واشكروا نعمة الله عليكم إن كنتم إياه تعبدون.
أكثروا من حمد الله وشكره على نعمه، فإنه سبحانه يحب أن يشكر ويحمد، فإنكم إن شكرتم الله فزاكم، فقولوا: اللهم لك الحمد شكراً، ولك المن فضلاً، ألا إنه ما أنعم الله على عبد نعمة فعلم أنها من الله، إلا كتب الله له شكرها قبل أن يحمده عليها، وما أنعم الله على عبد نعمة فحمد الله عليها إلا كان حمده لله عليها أعظم منها، وأبقى ذخراً للعبد كائنة ما كانت، ومن أنعم الله عليه نعمة فأراد بقاءها ونماءها فليقل: ما شاء الله تبارك الله، لا قوة إلا بالله، قال تعالى: ﴿ وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ﴾ [الكهف:39] الآية.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الخامسة والثلاثون بعد الأربعمائة في
موضوع الشكور وهي بعنوان :*التحذير من السآمة من النعم والتسبب بتبدلها بأضدادها
اعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، واذكروا واشكروا نعمة الله عليكم، واتقوا وأمروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، واصبروا، وناصحوا من ولاه الله أمركم، وادعوا له توفقوا، وتعاونوا على البر والتقوى، وتناهوا عن الإثم والعدوان، وتناصحوا فيما بينكم، وتسامحوا وتصافحوا، ترحموا وتنصروا وتجبروا وتخصبوا وترزقوا.
فإن أصابكم شيء من هم أو نقص في رزق، أو فوات محبوب، أو تعسر مطلوب، فاصدقوا التوبة، والهجوا بالاستغفار، وأكثروا وأخلصوا لله تعالى في الدعاء من غير إثم ولا اعتداء، فإنه ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة، وإن لله تعالى الحكمة فيما يجريه على عبده من القدر والقضاء، فإنه تعالى يقضي بالحق، ويفعل ما يشاء، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، ذلكم لأن قدره وقضاءه سبحانه في ملكه وعباده كله حق، وهو دائر بين الفضل على من أطاعه واتقاه، والعدل فيمن كذبه وعصاه، فإن
الله لا يظلم مثقال ذرة، وإن تك حسنة يضاعفها ويؤتي من لدنه أجراً عظيماً.
إنه مهما ينزل بالعبد المؤمن أو المجتمع المسلم من شدة أو نكبة، فإن الله تبارك وتعالى قد ابتلى من نزلت له ليظهر صبره وشكره، وإن الله تبارك وتعالى جاعل بعدها فرجاً، فإنه لن يغلب عسر يسرين، فإنه ما من عسر ينزل بأحد إلا وهو مسبوق يسر وملحوق بيسر فاصبروا عند النكبات، واحتسبوا عند المصيبات، وانتظروا الفرج عند الشدائد، قال تعالى في محكم الآيات: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران:200].
إن للنكبات نهايات، وإن في المصيبات خلفاً وتعويضات، وإن للنوازل والشدات بعد نزولها إقلاعات، فينبغي لكل مؤمن من شخص أو جماعة إذا أصيب بشيء من هذه الأمور أن يسلم لله في القدر، ويصبر على المقدور، وأن يفعل ما أمره الله به عند ذلك، وأن يحسن الظن بالله تعالى عند ذلك، فإن حسن الظن بالله عند هذه الأحوال من عزائم الأمور، وأن يلح على الله تعالى بالدعاء، ويعظم الرجاء، بأن يعقب اللطف القضاء، فذلكم شأن كل صبار شكور، وأن ينتظر أوان اليسر والفرج مما نزل من المكروه، فإن للنوازل نهايات لابد أن تنقضي مدتها حتى يفلح العبد بالمحبوب عند نهايتها، وإن في استعجال رفعها أو المبادرة إلى دفعها قبل انقضاء مدتها زيادة في مكروهها وثقل تبعتها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا*وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا*وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا*وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا*ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا ﴾ [النساء:66-70].
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السادسة والثلاثون بعد الأربعمائة في
موضوع الشكور وهي بعنوان :*التحذير من
السآمة من النعم والتسبب بتبدلها بأضدادها
وعظ أبو أمامة فقال: عليكم بالصبر فيما أحببتم أو كرهتم، فنعم الخصلة الصبر، ولقد أعجبتكم الدنيا، وجرت لكم أذيالها، ولبست ثيابها وزينتها.
عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من خدش عود ولا عثرة قدم، ولا اختلال عرق إلا بذنب، وما يعفوا الله عنه أكثر، ثم قرأ: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى:30])).
إذا كثرت ذنوب العبد فلم يكن له من العمل ما يكفرها، ابتلاه الله بالحزن ليكفرها، روى أحمد والحاكم عن عائشة رضي الله عنها: ((إذا قصر العبد في العمل ابتلاه الله بالهم، إن الرجل ليكون له المنزلة عند الله فما يبلغها بعمل، فلا يزال الله يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها)).
ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله، حتى يلقي الله وما عليه خطيئة، روى أحمد والترمذي عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلي الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلباً اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد
حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة)).
وللبلاء بالمكاره حكم كثيرة، ففي المسند والصحيحين عن أبي سعيد وأبي هريرة معاً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه))، وفي الترمذي عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يصيب المؤمن شوكة فما فوقها إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة، إن الله ليتعاهد عبده المؤمن بالبلاء، وإن الله ليحمي عبده المؤمن من الدنيا كما يحمى المريض أهله من الطعام، إن عظم الجزاء من عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط)) ورواه الترمذي عن أنس رضي الله عنه.
وروى أحمد ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((قاربوا واسددوا ففي كل ما يصاب المسلم كفارة، حتى النكبة أو الشوكة يشاكها، ما ضرب من مؤمن عرق قط إلا حط الله عنه به خطيئة، وكتب له به حسنة، ويرفع له به درجة)) ورواه الحاكم عن عائشة رضي الله عنها. وعن أبي فاطمة الضمري قال صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده إن الله ليبتلي المؤمن بالبلاء وما يبتليه إلا لكرامته عليه))، وفي لفظ: ((إن العبد لتكون له الدرجة في الجنة فما يبلغها بشيء من عمله، فيبتليه الله بالبلاء ليبلغ تلك الدرجة، وما يبلغها بشيء من عمله)). روى الترمذي والبيهقي عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((ولكن الزهادة في الدنيا أن لا تكون بما في يدك أوثق منك بما في يد الله، ولا أن تكون في ثواب المصيبة إذا أنت أصبت بها أرغب منك فيها لو أنها أبقيت لك)). [الأنترنت – موقع الألوكة- التحذير من السآمة من النعم والتسبب بتبدلها بأضدادها - الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السابعة والثلاثون بعد الأربعمائة في
موضوع الشكور وهي بعنوان :
*فوائد مستنبطة من قول الله عز وجل: (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) [إبراهيم: 34]، وقوله عزَّ وجل: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 18].
في هاتين الآيتَين الكريمتين تَنبيهٌ على جملة من الفوائد، كما ذكَر أهلُ العلم رحمهم الله، ومنها:
1) أنَّ النِّعَم كلها هي من الله عزَّ وجلَّ وحده لا أحد سواه.
2) إرشاد العِباد إلى طلَب النِّعَم والتزوُّد منها من الله عزَّ وجلَّ لا من أحدٍ سواه.
3) أنَّ الله عزَّ وجلَّ قد أسبغ على جميع خلقه وعباده هذه النِّعَم ظاهرةً وباطنة.
4) أنَّه لا سبيل له إلى ضَبط أجناس هذه النِّعم، فضلًا عن أنواعها أو عن أفرادها، ويَكفي أنَّ مِن بعض أنواعه نِعمة النَّفَس التي لا تَكاد تَخطر ببال العبد؛ فإنَّ له عليه في كل يوم وليلة: أربعة وعشرين ألف نِعمة، فإنَّه يتنفَّس في اليوم والليلة أربعة وعشرين ألف نفَسٍ، وكل نفَس نِعمةٌ منه عزَّ وجلَّ، فإذا كان أدنى نِعمة عليه في كلِّ يوم أربعة
وعشرين ألف نِعمة؛ فما الظنُّ بما فوق ذلك وأعظم منه؟!
5) أنَّ النِّعمة من جِنس الإحسان؛ بل هي الإحسانُ، والله عزَّ وجلَّ إحسانه على البَرِّ والفاجِر، والمؤمِن والكافِر، وأمَّا الإحسان المطلَق، فهو للَّذين: ﴿ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ [النحل: 128]
6) أنَّ هذه النِّعَم ليس لأحدٍ - كائنًا مَن كان - أن يحصيها غير اللهِ؛ لكثرتها عليهم، وجهلِهم بها.
7) أنَّ دخول الجمْعِ يشعِر بالتحديد والتقييد بعدَد، وإفرادُه يشعِر بالمسمَّى مطلقًا من غير تحديدٍ؛ فالإفرادُ هنا أكمَل وأكثر معنًى من الجمْع، وهذا بَديع جدًّا؛ أن يكون مدلول المفرد أكثر من مدلول الجمْعِ؛ ولهذا كان قوله عزَّ وجل: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾ أعمَّ وأتمَّ معنًى من أن يقال: وإن تَعدوا نِعَم الله لا تُحصوها.
8) أنَّ هذه النِّعَم غير متناهية؛ ومنها الظَّاهرة ومنها الباطِنة، ومنها الجليَّة ومنها الخفيَّة، ومنها المجملة ومنها المفصَّلة.
9) أنَّ هذه النِّعمة عامَّة ليس لأحد أن ينزِلَها على نِعمةٍ دون الأخرى؛ لأنَّ {نِعْمَة} هنا مُفرد، والمفرد إذا كان اسمَ جنسٍ وأُضيف إلى معرفة فإنَّه يعمُّ؛ كما قرَّر ذلك أهلُ الأصول وغيرهم.
10) وبهذا نَعلم أنَّ كلَّ ما ذكَره أهلُ العلم، أو قاله
المفسِّرون، هو من قَبيل التمثيل لا الحصر.
11) تدبير بدَن الإنسان على الوجْه الملائمِ؛ ليتسنَّى له التنعُّم بهذه النِّعم؛ لأنَّه لو ظهَر في بدَنه أدنى خلَل وأيسَر نقص، لنغَّص عليه هذه النِّعَم، وتمنَّى أن ينفِق الدنيا - لو كانت في ملكِه - حتى يَزول عنه ذلك الخلَل.
12) الحثُّ على التفكُّر والتدبُّر في تلك النِّعَم الكثيرة والمتنوعة، التي لا نَستطيع إحصاءها، ولا نطيق عدَّ أنواعها، فضلًا عن أفرادها
13) التنبيه إلى الشُّكر وبيان أهميَّتِه، وأنَّه من أعظم الأسباب - إن لم يكن أعظمها - لاستدامَةِ النِّعَم.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثامنة والثلاثون بعد الأربعمائة في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :*فوائد مستنبطة من قول الله عز وجل: (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها)
14) ذَمُّ الإنسان بكونه كَفورًا غير شكور.
15) الحثُّ على شُكر الله عزَّ وجلَّ على نِعَمه التي لا تُعدُّ ولا تُحصى؛ لأنَّه متى تعسَّر على الإنسان الوقوف عليها، فلا بدَّ عليه أن يَجتهد بالحمد والشُّكر والثَّناء اللائق بها، وإن كان لن يَقوم بالواجب عليه في هذه الأبواب.
16) أنَّ هذا الوصف: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ متعلِّق بالإنسان؛ حتى يؤمِن ويَستقيم على أمر الله عزَّ وجلَّ ورسولِه صلى الله عليه وآله وسلم والإسلامِ كما يجِب.
17) التنبيه مع هذا الفَيض المتدفِّق من الإنعام، وأنَّه كما يستدلُّ على الخالق بالخلق، فإنه يستدلُّ على المنعِم بالنِّعَم؛ إلَّا أنَّه لا يزال هناك مَن يجادِل بالباطِل، ويتعلَّق بالهوى، ويتشبَّث - زعَمَ بالعقل - في القرآن والسنَّة وما يدلَّان عليه من أمورِ العقيدةِ والتوحيد، ووجوب طاعته عزَّ وجلَّ وطاعةِ رسوله صلى الله عليه وآله وسلم - بغير علمٍ من وحْيٍ، ولا استدلالٍ من عقل سَليم، ولا كتابٍ مُنير واضح بيِّن يَحتجُّون به ويجادِلون بأدلَّته.
18) التنبيه على أنَّ الإنسان في محلِّ التقصير في شُكر تلك النِّعم.
19) أنَّ الله يَغفر له تقصيرَه في أداء شُكر نِعَمه، ويَرحمه ببقائها، مع تَقصيره في شُكرها.
20) أنَّه بمقدار كَثرة النِّعَم يَكثر كُفر الكافرين بها؛ إذ أعرضوا عن عِبادة المنعِمِ، وعبَدوا ما لا يُغني عنهم شيئًا، فأمَّا المؤمنون، فلا يَجحدون نِعَمَ الله، ولا يَعبدون غيرَه.
21) عِظَم رحمة الله عزَّ وجل، وسَعَة فضلِه؛ فهو ينعِم على المطيع والعاصي، والمؤمنِ والكافر، ومع ذلك تُنسب إلى غيره، وهو المستحقُّ وحده دونما سواه لذلك.
22) تَجلِّي آثار كمال رَحمته عزَّ وجل في خلقه وهدايتهم وإنعامه عليهم؛ وهذا يَقودنا بالتالي إلى فَهْم ولو شيئًا يسيرًا قليلًا من معنى قوله عزَّ وجل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 18].
23) أنَّ المنعِم عزَّ وجلَّ علينا بكل هذه النِّعَم هو الموصوف بصِفات العظمة والكمال، والعزَّةِ والجلال.
24) أن المنعِم عزَّ وجلَّ لم يطالِبنا بشكر جميع
نِعَمه؛ لِعجزِنا عن القيام بذلك، ولم يأمُرنا به؛ لضعفِنا وعدم المواظبة عليه، ولو أنَّه عزَّ وجلَّ عذَّبَنا لعذَّبنا وهو غير ظالمٍ لنا، ولكنَّه عزَّ وجلَّ غفور رحيم؛ يَغفر الكثيرَ،ويجازي على اليسير.
25) أنَّ طبيعة الإنسان من حيث هو ظالِمٌ متجرِّئ على المعاصي، مقصِّر في حقوق ربِّه، كفَّارٌ لنِعَم الله، لا يَشكرها ولا يَعترف بها إلَّا مَن هداه اللهُ؛ فشَكَر نعَمَه، وعرف حقَّ ربه وقام به.
26) أنَّ على الإنسان استِحضار ما أنعَم الله به عليه؛ لأنَّ ذلك يكون باعثًا له على الشُّكر.
27) أنَّ مُطالعة الآلاء والنِّعَم تورِث محبَّةَ الله عزَّ
وجلَّ؛ لأنَّ القلوب جُبلَت على حبِّ مَن أنعَم أو أحسَن إليها، وبُغض مَن أساء إليها، ولا أحد أعظَم نعمًا وإحسانًا من الله عزَّ وجل؛ فإنَّ نعَمَه وإحسانه على عبده في كلِّ نفَسٍ ولحظة، وهو يتقلَّب فيها في جميع أحواله.
28) أنَّ النِّعَم ليست فقط فيما يوهَب للإنسان؛ بل قد تكون - أيضًا - فيما يُصرَف عنه من المضرَّات وأنواعِ الأذى وغيرِ ذلك من الأمور التي تَقصده، والتي لعلَّها توازن النِّعَم في الكثرة.
[الأنترنت – موقع الألوكة - فوائد مستنبطة من قول الله عز وجل: (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) [البعداني ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة التاسعة والثلاثون بعد الأربعمائة في
موضوع الشكور وهي بعنوان :
*وجوب شكر النعم
معرفةُ الله بأسمائه وصفاته وأفعاله تُوجِبُ محبَّتَه وتعظيمَه وإفرادَه، ومن أسمائِه: الوهَّاب، ومن صفاته: الكرَم، ومن كرمِه: ما امتنَّ به على عباده من النِّعَم، فأسبغَ عليهم منها ما لم يسألُوه إياها، ومنَحَ لهم منها ما سألُوه، ﴿ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ﴾ [إبراهيم: 34].
وفتحَ عليهم نِعَمًا من السماءِ والأرض؛ ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا
نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾ [إبراهيم: 34].
وتذكُّرُ نعَمِ الله داعِيةٌ لشُكرِه وتوحيده وكثرةِ عبادته، وهي من أسبابِ الفَلَاح؛ قال - جل وعلا -: ﴿ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الأعراف: 69].
واللهُ أمرَ رُسُلَه بتذكُّر نعَمِه عليهم، فقال لعيسى بن مريم - عليه السلام -: ﴿ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾ [المائدة: 110].
وقال لنبيِّنا محمد - صلى الله عليه وسلم -: ﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى ﴾ [الضحى: 6- 8].
وأمر الرُّسُلُ أقوامَهم بتذكُّر أفضالِ الله عليهم؛ فقال هودٌ لقومه: ﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً ﴾ [الأعراف: 69]، وقال صالحٌ لقومه: ﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا ﴾ [الأعراف: 74]، وقال شعيبٌ لقومه: ﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ ﴾ [الأعراف: 86]، وقال موسى لقومه: ﴿ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُم ﴾ْ [إبراهيم: 6].
وقال - سبحانه - مُمتنًّا على الأوسِ والخَزرَج: ﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ﴾ [آل عمران: 103]، وقال لعباده المؤمنين:﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ﴾ [الأنفال: 26].
ولما إنقضَت غزوةُ الأحزابِ قال: ﴿ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا ﴾ [الأحزاب: 9].
وقال نبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - للأنصار: «ألم أجِدكم ضُلَّالًا فهداكم الله بي، وكُنتم مُتفرِّقين فألَّفَكم الله بي، وعالةً فأغناكم الله بي»؛ متفق عليه.
وكان الصحابة - رضي الله عنهم - يتذاكَرون نعَمَ الله عليهم، فخرجَ عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فسألَهم فقالوا: جلَسنا نذكُر الله ونحمدُه على ما هدانا للإسلام ومنَّ به علينا؛ رواه مسلم. وجلسَ الفُضيلُ وابنُ عُيينة رحمهما الله يتَذَاكران النِّعَمَ إلى الصباح.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الأربعون بعد الأربعمائة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :*وجوب شكر النعم
والله - سبحانه - بفضله نوَّعَ النِّعَمَ لعباده؛ منها ما هو نازلٌ من السماء، ومنها ما هو خارجٌ من الأرض، ومنها ما هو في جوفِها، والبحارُ المُتلاطِمةُ الأمواجِ مُذلَّلةٌ للإنسان، الفُلكُ تمخُرُ في أعلاها، وما في بطنِها من الصيدِ والطعام بما فيه مَيتَتُه حلالٌ لهم، وجواهِرُها من اللؤلؤ والمَرجان ونفائِسَ أُخَر حِليَةٌ لهم ومال.
والنجومُ والكواكبُ من فوقِهم منها الجواري ومنها الكُنَّس، وفيها الوهَّاج وفيها ما هو زينة، منها ما يُبصَر ومنها ما لا يُبصَر، وما بين السماء والأرض رياحٌ بُشرى بين يدَي رحمته.
والزمانُ خُلِق ودُبِّر؛ فلا نهار سرمَدٌ ولا ليل بَهِيم؛ بل هذا وذاك.
والأرض مدَّها فلا تضيقُ بالخلق، وبالجبال أرساها وأنبتَ فيها من كل زوجٍ بهيجٍ.
والإنسان خلقَه وركَّبَه وفي أحسن صُورةٍ صوَّرَه،
وأمرَه بالتفكُّر بما في جسدِه من الآيات، وقال لعباده: ﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ﴾ [لقمان: 11].
بل كل ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما فهي هبةٌ من الله للإنسان يستعينُ بها على طاعته، قال - سبحانه -: ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ ﴾ [الجاثية: 13].
ولا تتمُّ على العبد النِّعَمُ إلا بالدين: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3].
ومن المِنَّة على هذه الأمة أن بعَثَ فيها أفضلَ
رُسُله، قال سبحانه :﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾[آل عمران: 164].
وأمرَ الله بالفرح بنعمة نُزول القرآن: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ قال ابن عبَّاس: "أي: بالقرآن" ﴿ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ﴾ [يونس: 58].
ولعظيم منَّة الهداية أمرَ الله عبادَه أن يسألُوه الثباتَ عليها والزيادة في كل ركعةٍ من صلاتهم، فكان من دُعائِهم: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الفاتحة: 6]. ومن رأى أن الله هداه وأدخَلَه الجنةَ، وأضلَّ غيرَه وأدخلَه النار عظُمَت نعمةُ الله عليه في قلبه؛ قال تعالى إخبارًا عن المؤمن الذي رأى قرينَه في النار:﴿تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ*وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾ [الصافات: 56، 57].
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الواحدة والأربعون بعد الأربعمائة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :*وجوب شكر النعم
والعافيةُ أعظمُ نعمةٍ دُنيوية؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «سلُوا اللهَ العافِيَة» - أي: السلامةَ من الآفات والمصائب والشرور - «فإنه لم يُعطَ
عبدٌ شيئًا أفضلُ من العافِية»؛ رواه أحمد.
والفراغُ كالصحةِ في قدر النعمة؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «نِعمتان غبونٌ فيهما كثيرٌ من الناسِ: الصحةُ والفراغُ»؛ رواه البخاري.
وكرمُ الله وافِرٌ وعطاؤُه جَزيل، ونِعمُه تزيدُ بالشُّكر، ومن شُكرِها الإقرارُ بأنها منَ الله؛ ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ﴾ [النحل: 53].
وكان - عليه الصلاة والسلام - يقول في صباحه ومسائه: «اللهم ما أصبحَ بي من نعمةٍ أو بأحدٍ من خلقِك فمنك وحدَكَ لا شريكَ لك، فلك الحمدُ ولك الشُّكرُ»؛ رواه أبو داود.
ومن شُكرِها: حمدُ الله عليها؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «إن اللهَ ليرضَى عن العبد أن يأكلَ الأكلَةَ فيحمَده عليها، أو يشربَ الشربةَ فيحمدَه عليها»؛ رواه مسلم.
والتحدُّثُ بها من شُكرها؛ ﴿ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾ [الضحى: 11]، فمن شُكر نعمة الهداية: الفرحُ بأن الله هداه وثبَّتَه، ومن شُكر نعمة المال: التحدُّثُ بفضل الله عليك به، والتواضُع لعباده والإنفاق مما أعطاك الله ابتغاءَ وجهه، والمُعافَى يتحدَّثُ بعافيةِ الله له، ويُعمِلُ جوارِحَه في طاعته.
وتذكُّر المحرومين من النِّعَم يزيدُ من قدرها، وكان
عليه الصلاة والسلام - إذا أوَى إلى فراشه يحمدُ ربَّه على النِّعَم، ويتذكَّرُ من حُرِمَها؛ قالت عائشة - رضي الله عنها -: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أوَى إلى فراشِه قال: «الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، فكم ممن لا كافِيَ له ولا مُؤوِي»؛ رواه مسلم.
والنظرُ إلى من هو دونَه في الدنيا يفتَحُ بابَ القناعة؛ قال عليه الصلاة والسلام:«انظُروا إلى من هو أسفلَ منكم، ولا تنظُروا إلى من هو فوقَكم؛ فهو أجدرُ ألا تزدَروا نعمةَ الله عليكم»؛ متفق عليه.
والطاعةُ تحفظُ النعمةَ وتزيدُها، ومن أسباب دوامِها: دعاء الله ليُبقِيَها، ومن دُعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم إني أعوذُ بك من زوال نعمَتك، وتحوُّل عافيتك، وفُجاءة نقمتِك، وجميع سخَطك»؛ رواه مسلم.
وبقاءُ النعمةِ مقرونٌ بالشُّكر، فإن لم تُشكَر زالَت؛ قال سبحانه :﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7].
والمعاصِي تدفَعُ حُلولَ نعمةٍ نازِلَة، أو ترفَعُ نعمةً حادِثة، وقد لا ترفَعُها ولكن تُنزَعُ البركةُ منها، أو تكون عذابًا لصاحبها، وما أذنبَ عبدٌ ذنبًا إلا زالَت عنه نعمةٌ بحسب ذلك الذنبِ
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثانية والأربعون بعد الأربعمائة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :*وجوب شكر النعم
قال ابنُ القيم - رحمه الله -: "المعاصِي نارُ النعَم تأكلُها كما تأكُلُ النارُ الحَطَبَ".
وإذا رأيتَ نعَمَه سابِغةً عليك وأنت تعصِيه، فاحذَره فقد يكون استِدراجًا لك؛ قال سبحانه : ﴿ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾ [الأعراف: 182، 183].
قال - عليه الصلاة والسلام -: «إذا رأيتَ اللهَ يُعطِي العبدَ من الدنيا على معاصِيه ما يُحبُّ فإنما هو استِدراجٌ»، ثم تلا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾ [الأنعام: 44]؛ رواه أحمد.
وإذا حلَّت بك نعمةٌ وإن قلَّت فكن حذِرًا منها فقد تكونُ سببَ هلاكِك إذا لم تُشكَر؛ في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - لما نزلَت قطَرَاتٌ من السماء قال - عليه الصلاة والسلام -: «قال الله تعالى: أصبحَ من عبادي مُؤمنٌ بي وكافِر»؛ متفق عليه.
وكل نعمةٍ وإن كانت يسيرةً سيُسألُ عنها العبدُ هل شكرَها أم جحَدَها؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «إن أولَ ما يُسألُ عنه العبدُ يوم القيامةِ - أي: من النِّعَم -: أن يُقال له: ألم نُصِحَّ لك جسمَك ونرويكَ من الماء البارِد؟»؛ رواه الترمذي.
والنِّعَمُ بذاتِها لا تُقرِّبُ من الله، وإنما يُستعانُ بها على طاعته؛ قال - سبحانه -: ﴿ وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ ﴾ [سبأ: 37].
وقد يُعذَّبُ المرءُ بالنعمةِ إذا لم يتَّقِ اللهَ فيها؛
قال سبحانه :﴿ فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾ [التوبة: 55].
قال الحسن - رحمه الله -: "إن الله ليُمتِّعُ العبدَ بالنعمةِ ما شاءَ، فإذا لم يشكُر ربَّه عليها قلَبَها عذابًا".فاللهُ وهَّابٌ كريمٌ يدُه ملأى سحَّاءُ الليل والنهار، وهو عليمٌ حكيمٌ يُعطِي كلَّ عبدٍ ما يُلائِمُه من النِّعَم؛ قال – سبحانه -: ﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ ﴾ [الشورى: 27].
وهو - سبحانه - لطيفٌ رحيمٌ يحرمُ العبدَ نعمةً
يتمنَّاها، أو يُنزِلُ عليه نعمةً في لباسِ مُصيبةٍ ليرفَعَ درجتَه، والمؤمنُ يتقلَّبُ في حياته بين الشُّكرِ والرضا، والصبر والاستغفار.
قال تعالى : ﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ ﴾ [لقمان: 20].
أيها المسلمون: جُبِلَت القلوب على حبِّ من أحسنَ إليها، ولا أحدَ أعظمُ إحسانًا من الله؛ فالمخلوقُ يتقلَّبُ في جميع أحواله في نعَمِ الله، ومن استعانَ بها على معصية الله فقد جحدَها، ومع كثرة النِّعَم وتوارُدِها على العبادِ قلَّ من يشكُرُها؛ قال - سبحانه :﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾سبأ: 13].
والمُفلِحُ من تذكَّر نعَمَ الله عليه في القليل والكثير وشكرَها. [الأنترنت – موقع الألوكة - خطبة المسجد النبوي 13/6/1433 هـ - وجوب شكر النعم-الشيخ عبدالمحسن بن محمد القاسم ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثانية والأربعون بعد الأربعمائة في موضوع الشكور وهي بعنوان :
*أسباب استمرار النعم
نِعَم الله كثيرة، وخيراته متعدِّدة، وفيوضاته مُتنوِّعة، وعطاءاته مُستمِرة، غير أن استمرار تلك النِّعَم مَرهونٌ بشُكرها، وحسْن استغلالها، ودقَّة صَرفِها في مساربها الحقيقيَّة، فمَن أراد أن تُلاحِقه النِّعم، وتُحيطه المِنَح، فليُقدِّم شُكرها، وقانون السماء قانونٌ لا يتخلف، وضابطها ضابط لا يتبدَّل؛ يقول الله - جل في علاه -: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [إبراهيم: 7]، إذنٌ إلهي، ووعْد رباني بأن مَن شكَر زادَت في يدَيه النِّعم، ومَن حَمِد ربَّ النِّعم، أفاض عليه من أبواب العطاء، وألوان المِنَح التي تَفيض، ولا تَغيض، والناظر في القول الكريم مُحلِّلاً متأمِّلاً يَجد عجبًا؛ حيث يَرى أن الفعل ﴿ تَأَذَّنَ ﴾ ورَد بصيغة الماضي، الذي يَعني أن هذا الوعد وعد تفضَّل الله - تعالى - به مِن قديم الأزل، وقانون مِن قوانين السماء، وأن الإذن به والإعلام بمَضمونه، قد لمَس كل أُذن، وطرَقَ كلَّ مسمَع في هذي الحياة، ثم يأتي القسم ﴿ لَئِنْ ﴾؛ أي: وعزَّتي وجَلالي، وقدرتي وقُدسيتي، ثم يأتي الشرط ﴿ إن شَكَرْتُمْ ﴾، وتُرك المفعول به أو حُذف؛ لأن العاقل يعلَم أن الله - عزَّ وجلَّ - هو صاحِب الفضل الذي يتوجَّب علينا جميعًا شُكرُه وحَمده وتَمجيده والسجود بين يدَيه - جل جلاله - فلا مَجال لحَمد غيره، وشُكرِ سِواه؛ لأنه أصل كل نِعمة، وباعِث كل خير ومنَّة، فتقدير المَفعول: لئن شَكرتُم مولاكم ربَّكم المُمتنَّ عليكم صاحب كل فضل، وحذْفُ المفعول يُسمَّى إيجازًا بالحَذف، لكنَّه يَعني أن المشكور معلوم، وأن الشُّكرَ لا يتوقَّف عند عطاء مُعيَّن، وإنما يَنال كل عطاء، ويتوجَّب عند كل نِعمة، بدءًا من نعمة الخلق والإيجاد، إلى الرزق والصحة، والمال والولد، وغيرها من النعم، ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾ [النحل: 18]، ثم يأتي جواب القسم واضحًا صريحًا، مؤكَّدًا باللام والنون: ﴿ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾، فاللام هي الواقعة في جواب القسَم، وتُفيد التأكيد، وترسيخ المعنى في دواخل النفوس؛ بحيث تتشرَّبه الجَوارح، ويُغمر به الإحساس والشعور، والفعل (أزيد) ورَد بصيغة الفعل المضارع الذي يُفيد الاستمرار والدوام، وبدأ الفِعل بالهمزة التي تعني إسناد الزيادة إلى الله؛ أي: أزيد أنا، وكل نعمة مَرهونة بصاحبها ومدى عطائه، والله هو صاحب العطاء الأوفى: ﴿ هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [ص: 39]، ويقول - سبحانه -: ﴿ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 261]، وفي القرآن الكريم: ﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾ [الضحى: 5]، والنون نون التوكيد التي تُفيد هي الأُخرى رسوخ المعنى، وتعميقَه في النفْس، وترسيخه في الحسِّ، وتَغلغُله في الحنايا، وتملأ به الضلوع، والضمير (كم) يُفيد سعة العطاء الذي يتَّسع ليشمل كل مَن في الأرض من الشاكرين، لا يُحرم منه أحد، ولا يُمنَعه إنسان، وجملة جواب القسم فيها وعدٌ أكيد بمَزيد المزيد: ﴿ وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴾ [ق: 35]،ويقول جل جلاله:﴿وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾[الزخرف: 71].
نعم؛ فإن هذه النِّعم حتى تستمر في النزول هي
رهينة بتقديم الشكر؛ ولذلك أوضحَت تلك
النواميسَ آياتٌ كُثر في القرآن الكريم.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثالثة والأربعون بعد الأربعمائة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :*وجوب شكر النعم
إن تلك النعم استمرَّت مع أصحابها مع الشكر، وزالت وانطمسَت مع الكفر والنسيان والفُجْر؛ يقول الله - تعالى -: ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ﴾ [سبأ: 15 - 17].
وما أصحاب الجنتين وقصتهم مِنا ببعيد، إنهم أُناس لم يُؤدُّوا شُكرَ النِّعمة، وبيَّتوا بليلٍ أن يَمنعوا الفضلَ أهلَه ومُستحقِّيه، ومنَعوا زكاة أرضهم، بعدما كان يؤديها أبوهم الطيِّب، فكان جزاء الكفْر هو زوال النِّعمة بالكلية، وبقاء الحسرة والندامة: ﴿ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلَا يَسْتَثْنُونَ * فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ * فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ * أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ * فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ * أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ * وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ * فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ * قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ * قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ * عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ ﴾ [القلم: 17 - 32].
ثم قال - تعالى - في ختام القصة: ﴿كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ القلم: 33].
ويقول الله - سبحانه -: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل: 112].
الشُّكر جالب للنِّعم، مُنزل للعَطايا، مُديم للهِبات، ونَقيضُه مُزيل للنِّعم، مُدمِّر للحضارات، ناسِف للأمم، حتى إن الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - علَّمنا أن نَشكُر الله في السراء والضراء، وذلك عندما كان يقوم الليل، حتى تورَّمت قَدماه الشريفتان، وسألتْه السيدة عائشة - رضي الله عنها - سؤالاً مشروعًا وواردًا: يا رسول الله، أوَليس الله قد غفَر لك ما تقدَّم من ذنبِك وما تأخَّر؟! فردَّ الرسول ردًّا حازمًا: ((يا عائشة، أفلا أكون عبدًا شكورًا))، إن استدامة الشكر، واستمرار الحَمد هو سبب استمرار النِّعم، واستِدامة الفضل، ﴿ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا ﴾ [الإسراء: 3]، لا بدَّ مِن الحمد، ولا بد من الشكر، واستعمال النِّعمة فيما خُلقت له، وإخراج زكاة كل فضل، والمسارعة في مساعدة كل مَن يَحتاج إلى مُساعدة: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾ [الأنبياء: 90]، ولذلك فإن تذييل الآية بقوله - تعالى -: ﴿ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7]، فنقيض الشكر لله ليس عدم الشُّكر؛ وإنما نقيضُه الكفْر، ومِن ثم يَحلُّ العذاب الشديد الذي لا طاقة لأحد به.
اللهم ألهمْنا شُكرك، ولا تَحْرِمْنا ذِكرَك، وأدِمْ علينا حمدك، وارزقنا حسن التوجُّه، ورقَّة القلوب، وسخاء الأيدي، وسُرعة الشكر العمَلي، وكثرة الصدقات [الأنترنت – موقع أسباب استمرار النعم - د. جمال عبدالعزيز أحمد ،المصدر: جريدة الوطن - الجمعة من جمادى الأولى 1434 هـ- العدد 10832 - السنة 43]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الرابعة والأربعون بعد الأربعمائة في موضوع الشكور وهي بعنوان :
* خذوا العبرة من أصحاب الجنة
نقِف اليومَ مع قصَّة من قَصص القرآن العظيم، مع قصَّة تُحدِّثنا عن خُلُق من أخلاق أهل النار، عن خلُق تَدعو الملائكة على أهله كلَّ صباح، فضلاً عما يجلبه لأهله مِن اللَّوم والحسْرة في الدنيا، والعقاب الأليم في الآخرة، ألا وهو البُخل.
هذه القصة تُعلِّمنا درسًا عظيمًا؛ أنَّ مِن أسباب دوام النِّعم وازديادها، ونموِّها والبرَكة فيها - الإحسانَ إلى خَلْق الله، ومن أسباب زَوال النعم وحلول النِّقم في الدنيا، فضلاً عن العذاب الشديد في الآخرة - الإساءة إلى خَلْق الله وظُلمهم.
مع قصة يُواسِي الله بها نبيَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - ويُذكِّر بها القُرشيِّين ويُحذِّرهم من مغَبَّة أمرهم الذي هم فيه مِن شِرْك وضلال، وكفر وعناد، إنها قصة أصحاب الجنَّة، الذين ابتلاهم الله بالخيرات والنِّعم.
أيها المسلم: إنَّ في قصة أصحاب الجنة عِبرةً ضربَها الله لأهل قريش، الذين كفروا برسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - مع أنَّ الله - تعالى - أنعم عليهم ببَعثته - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيهم هاديًا ومبشِّرًا ونذيرًا، وأنعم عليهم بالمال والجاه، والولَد والسِّيادة، وأطعمهم مِن جوع، وآمنَهم من خوف، لكنهم لم يُقدِّموا لذلك شُكرًا؛ لذلك قال الله - تعالى -: ﴿ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ ﴾ [القلم: 17]؛ أي: يا محمد، إنا بلَوْنا أهل قريش كما بلوْنا أصحاب الجنة.
فيا تُرى، ما هي قصَّة أصحاب الجنة الذين وسَّعَ الله عليهم؟ وماذا كان موقِفُهم مِن الفقراء والمساكين؟
تعالَ معي؛ لنتعرَّفَ على هذه القصة العظيمة، والتي تَحمل في طِيَّاتها معانِيَ ساميةً، وعِبرًا عظيمة، ولْنَسمع إليها : في أرْض اليمن، بالتحديد في قرية يُقال لها: "ضَرَوان" على سِتَّة أميال من صَنعاء، عاش أحدُ الصالحين الأغنياء، وكان على دِينِ أهل الكتاب، وكانت له جَنَّة فيها أنواع من الأشجار المثمِرة، وجداوِلُ الماء العَذْب تسقيها، فتُعطي تلك الأشجارُ فواكهَ لذيذةً، وكثيرةً ومتنوِّعة.
وكان هذا الرجلُ الصالح لا يُدخِل بيتَه ثمرةً منها حتى يقسمَ الثمار ثلاثة أقسام: قسم للفقراء والمساكين، وقسم لأهل بيته، وقسم يردُّه في المحصول؛ لِيزرعَ به الأرض؛ لذلك بارك الله له في رِزْقه وعياله.
فلمَّا مات الشيخ ووَرِثه بَنُوه - وكان له خمسة من
البنين - فحَملت جنَّتُهم في تلك السَّنة التي هلَك فيها أبوهم حملاً لم تكن حملَتْه مِن قبل ذلك، فراح الفِتية إلى جنَّتهم بعدَ صلاة العصر، فأشرفوا على ثمرٍ ورِزق فاضل، لم يُعايِنوا مِثلَه في حياة أبيهم.
فلمَّا نظروا إلى الفضل طَغَوا وبَغَوا، وقال بعضُهم لبعض: لقد كان أبونا أحْمَق؛ إذْ كان يَصرِف من هذه الثمار للفقراء، دَعُونا نتعاهد فيما بيننا ألاَّ نُعطيَ أحدًا من فقراء المسلمين في عامِنا هذا شيئًا؛ حتى نَستَغنِيَ وتَكثر أموالنا.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الخامسة والأربعون بعد الأربعمائة في موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :* خذوا العبرة من أصحاب الجنة
فرضِي بذلك منهم أربعة، وسَخِط الخامس، ونصَحَهم أن يَسيروا على ما سار عليه أبوهم؛ حتى يبارِكَ الله لهم في رِزقهم وجنَّتهم، لكنَّهم بَطَشوا به، فضربوه ضرْبًا مبرحًا.
فلمَّا أيقن الأخُ أنهم يريدون قتْلَه، دخل معهم في مَشُورتهم كارِهًا لأمرهم، غيرَ طائع، فراحوا إلى منازلهم، ثم أقْسموا على قَطْف ثمارِ مزرعتهم دون إعطاء الفقراء شيئًا منها، وتعاهَدُوا على ذلك، ورَفَعوا شعارًا: "لا للفقراء بعدَ اليوم، لا للمساكين بعدَ اليوم، لا للمحتاجين بعدَ اليوم".
لقد غفَل أصحاب الجَنَّة عن أنَّ الله يَسمع سِرَّهم ونجواهم، وأنَّ الله علاَّمُ الغيوب، لقد غاب عنهم أنَّ الله - سبحانه - يُثِيب أصحابَ القلوب الطيِّبة، الذين في قلوبهم رِقَّة ورَأفة ورحمة للمؤمنين، ويرْحم الله من عباده الرُّحماءَ ويثيبهم.
لقد غاب عن أصحابِ الجنة الذين يُدبِّرون ويُخطِّطون لحرمان الضعفاء والمساكين - أنَّ الجزاء مِن جنس العمل؛ فمَن أكرَمَ الناس أكرَمه الله، ومَن حرَمَهم حرَمه الله، ومَن منعهم الخير منعه الله،
فجزاءُ سيِّئةٍ سيئةٌ مثلُها.
تعالَ لنرى الذين أضمروا الشرَّ، وعزَموا على حرْمان المساكين؛ ما الذي حدَث لجنَّتهم وبُستانهم وحديقتهم؟ ﴿ وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ ﴾ [الأعراف: 4]، ﴿ أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ ﴾ [الأعراف: 97].
يَا رَاقِدَ اللَّيْلِ مَسْرُورًا بِأَوَّلِهِ ***
إِنَّ الْحَوَادِثَ قَدْ يَطْرُقْنَ أَسْحَارَا
لاَ تَفْرَحَنَّ بِلَيْلٍ طَابَ أَوَّلُهُ ***
فَرُبَّ آخِرِ لَيْلٍ أَجَّجَ النَّارَا
واسمع إلى كتاب الله وهو يُحدِّثنا عنهم:
﴿ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ *وَلاَ يَسْتَثْنُونَ﴾القلم: 17 - 18].
حتى كلمة "إن شاء الله" لم يقولوها.
وهم نائمون جاء القرارُ الإلهي بتدمير جميع ثمار ذلك البُستان، ﴿ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ﴾ [القلم: 19 - 20].
قيل: إنَّ سيدنا جبريل - عليه السلام - اقتلعها، وقيل: أصابتها آفةٌ سماوية، وقيل: إنَّ الله أرسل عليها نارًا من السماء فاحترقت. قال ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - عن ﴿ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ﴾: "صارتِ الجنة محترقةً كالليل المظلِم". يا الله! أيُّ كارثةٍ هذه؟! الإنسان ينام وهو يملك الملايين، ويستيقظ في الصباح ليجد نفسه لا يملك شيئًا! كم مِن إنسان في دنيا الناس اليوم كان يَملِك ما يملِك، لكن بسبب الذنوب ضاع كلُّ شيء، وكم من إنسان كان يملِك العقاراتِ والسيارات، وبسبب الرِّبا ضاع كلُّ شيء، وكم من إنسانٍ كان يملك الملايين، فعندما رفَض إخراج الزكاة من ماله،ضاع هذا المال!
أخرج ابنُ أبي حاتم وابن مردويه عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: (إيَّاكم والمعاصي، إنَّ العبد لَيُذنب فيَنسى به البابَ من العِلم، وإنَّ العبد ليذنب الذنب فيُحرَم به قيام اللَّيْل، وإن العبد ليذنب الذنب فيَنسى فيُحرَم به رزْقًا قد كان هُيِّئ له، ثم تلا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ﴿ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ﴾ [القلم: 19 - 20] قد حُرِموا خيرَ جنَّتهم بذنبهم))؛ الدر المنثور الجزء: 8 صفحة 251.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السادسة والأربعون بعد الأربعمائة في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :* خذوا العبرة من أصحاب الجنة
وفي الصباح الباكر نادَى بعضُهم على بعضٍ أنْ هلُمُّوا لتنفيذ المخطَّط الذي أجمعوا كلمتَهم عليه، ثم تحرَّكوا في تسَتُّر وصمت كاملَيْن؛ حتى لا يُدرِكَهم أحد من الفقراء والمساكين، فيتبعهم إلى البستان؛ أمَلاً في الحصول على شيء مما يجمعون، كما كانوا ينالُون ذلك على زمان أبيهم مِن قَبلُ.
وفي ذلك يقول الله - تعالى -: ﴿ فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ * أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ * فَانْطَلَقُوا
وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ * أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ
* وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ ﴾ [القلم : 21 - 25].
يتنادون فيما بينهم ﴿ أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ ﴾: اخْرُجوا إلى جنَّتكم صباحًا مبكِّرين، ﴿ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ ﴾: إن كنتم تريدون اجتناءَ الثَّمر.
﴿ فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ ﴾: وبعضهم يُحدِّث بعضًا في السِّر والخفاء؛ حتى لا يَسمع بهم أحد، انطلَقوا فَرِحين مسرورين مستبشِرين، يُوصي بعضُهم بعضًا ﴿ أَنْ لاَ يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ ﴾!
الآن سنجتني ثمرةَ جنتنا ونستحوذ عليها، الآن لن يشارِكَنا فيها أحد. ﴿ وَغَدَوْا ﴾: انطلقوا في الصباح الباكِر ﴿ عَلَى حَرْدٍ ﴾: على جِدٍّ وحرْص وتعمُّدٍ
لحِرْمان الفقراء والمساكين.
﴿ فَلَمَّا رَأَوْهَا ﴾: لمَّا سلكوا الطريقَ، طريق جنَّتهم، ووجدوها قد حلَّ بها ما حلّ، ونزل بها ما نزل، ظَنُّوا أنهم أخطَؤوا الطريق، وأنَّ هذه الجنة ليست بجنتهم.﴿ قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ ﴾:إنا لتائهون،لقد أخطأنا الطريق، ولكنَّهم أعادوا النظر وأعادوا،فإذا بالطريق هو الطريق، وإذا بالجنة هي جنَّتُهم وقد احترقَتْ، وقد حلَّ بها ما حلّ.
فاستفاقوا فقالوا: ﴿ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ﴾: فالجنة
جنتنا، ولكنَّا حُرِمنا لِعَزمنا على حرمان الفقراء
المساكين، فالجزاء مِن جنس العمل.
نعم، ﴿ وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ﴾ [فاطر: 43]، ﴿ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا ﴾ [النساء: 123].
فحينئذٍ ﴿ قَالَ أَوْسَطُهُمْ ﴾ تكلَّم العاقل فيهم الذي نصَحَهم في بداية الأمر، ولكنَّهم لم يستجيبوا له، فقال مذكِّرًا: ﴿ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ ﴾: ألم أذكِّرْكم من قَبل بقولي لكم: ﴿ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ ﴾: هلاَّ قُلتم: "إن شاء الله".
ألم أقلْ لكم: اتَّقوا عذاب الله، ألم أقلْ: لا تحرموا
الفقراء والمساكين من حقِّهم، ألم أقل لكم: تَصدَّقوا
على الفقراء كما كان يفعل أبونا؟!
وحينئذٍ عرَفوا أنَّ أباهم كان يَحمي أموالهم بالصَّدقات على الفقراء والمساكين، وعرَفوا أنَّ الله بارك لأبيهم في هذه الجنة؛ لإخراجه حقَّ الفقراء، وهم بسبب بُخْلهم ومَنْعهم حقَّ الفقراء والمساكين، عاقَبهم الله - تعالى - بهذه العقوبة.
فراح بعضهم يَلوم بعضًا: أنت الذي كنتَ صاحبَ هذه الفِكرة، والآخَر يقول: وأنت الذي وافقتَ عليها، والثالث يقول: وأنتَ الذي شجَّعْتنا عليها.
﴿ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ * قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ * قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ * عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ * كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [القلم : 26 - 33].
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السابعة والأربعون بعد الأربعمائة في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :* خذوا العبرة من أصحاب الجنة
واللهِ، إنها قصَّة تستحقُّ التأمُّل والتدبُّر، فالله –
تعالى - أراد مِن خلال هذه القِصَّة أن يقول: يا أهل قريش، مثلما جرَى العذاب على أصحاب الجنة، سيَجري عليكم، وعلى كلِّ أمَّة من الأمم تتكبَّر وتَمنع حقوق الفقراء والمساكين - سيكون مَصِيرها كمصير أصحاب الجنَّة، هكذا يعاقِب الله - عزَّ وجلَّ - مَن بَخِل واستغنى، وكلَّ مَن أضمر الشرَّ ونوى السوء.
أن من يتهرَّب مِن إخْراج الزكاة: هل سمعتَ برجل تَدعو عليه الملائكةُ كلَّ صباح ومساء؟ وبماذا تدعو عليه؟ تدعو عليه بتَلَف ماله، ولماذا؟ لأنَّه لم يُخرِج زكاةَ ماله، ولم يُنفِق منه في سبيل الله.
اجعلْ في بالك تلك الساعةَ التي ستفارق فيها الدُّنيا، وستترك أموالك كلَّها، وستتمنَّى ساعتَها لو ترجع إلى الدُّنيا؛ مِن أجْل أن تفعل شيئًا واحدًا، وهو أن تتصدَّق في سبيل الله:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ
عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلاَ أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ*وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾المنافقون : 9 - 11].
قصَّة أصحاب الجنة ما هي إلا رسالة من الله –
تعالى - يُذكِّر الناس فيها:
إنَّ كلَّ مَن ينفق مالَه في سبيل الله، ويعطي حقَّ الفقراء والمساكين، فإنَّ الله سيبارك له في ماله ونفسه وعِياله، كما فعَل مع الرجل الصالح صاحبِ الجنة.
وإنَّ كل أمَّة تَمنع الزكاة، وكلَّ غنِيٍّ يَبخل بأمواله
عن الفقراء، وكل مَن يتفَنَّن في الهروب مِن إخراج الزكاة، فعقوبتُه الهلاك والدَّمار، وضياعُ المال - كما حصل لأصحاب الجنة.
فيا أهلَ الأموال، ويا أهلَ الثِّمار، ويا أهلَ الكنوز، ويا من ملَكْتُم الدنيا، تذَكَّروا أنَّ الله أنعَم عليكم بهذه النِّعم، فإيَّاكم وكُفرانَ هذه النِّعمة، اشكروا الله، وأدُّوا ما فَرض عليكم، وتذكَّروا قوله - تعالى -: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل: 112].
أخطرُ لِباسين هما "الجوع والخوف"؛ لذلك قال - تعالى - لأهل قريش مذكِّرًا لهم بنِعمَتَين عظيمتين: ﴿ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ [قريش : 3 - 4].
وأختم كلامي بهذه القِصَّة الرائعة، ولَيْتنا نَستلهِم
منها الدروس والعِبَر، فالسعيد مَنِ اتَّعظ بغيره.
يُحكَى أنَّ رجلاً كان يجلس مع زوجته ذاتَ يوم يأكلان الطعام، وإذا بالباب يَطرُق، وإذا بالطَّارق مسكين، وكان أمامَ الرجل دَجاجة، فقالت له زوجتُه: ألا أتصدَّق بها على هذا المسكين؟ فقال لها: بل اذهَبي، واطرديه عن الباب.
ومرَّتِ الأيام، وأُصيب الرجل بالفقر، فطلَّق زوجتَه، وبعدما طلَّقها تزوَّجَتْ برجل آخَرَ، وجلسَتْ مع زوجها الثاني يأكلان الطعام، وكان أمامَهما دَجاجة.
فطرَق البابَ طارقٌ مسكين، فقال لها الرجل:
خُذِي هذه الدجاجة، وتصدَّقي بها على هذا
المسكين، فأخذَتْها وأعطَتْها للمسكين، ورجَعَتِ المرأة تبكي إلى زوجها.
فقال لها زوجُها: لماذا تبكين؟ أتبكين لأنَّنا تصدَّقنا بدجاجة؟! فقالت له: لا، إنني أبْكي لشيء عجيب؛ أتَدرِي مَنِ السائل؟ إنَّه زوْجي الأول، فقال لها:
أتعْلمين مَن أنا؟ أنا السائل الأوَّل!
[الأنترنت – موقع الألوكة - خذوا العبرة من أصحاب الجنة - د. محمد جمعة الحلبوسي]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثامنة والأربعون بعد الأربعمائة في موضوع الشكور وهي بعنوان :
*حال الناس مع النعم ،كلمات من القلب إلى القلب
الصنف الأول: من لا يعرفون النعمة بوجودها، ويعرفونها بزوالها : كالذين لا يعرفون ولا يدركون مدى نعمة البصر والسمع والمشي والكلام، إلا بعد فقْد أحدها، أو لا يعرفون نعمة الوالدين، أو نعمة القناعة، أو نعمة الراحة النفسية، والطمأنينة والمال، وغيرها من النعم، إلا بعد فقدهاكما قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف: 179].
الصنف الثاني: من يعرفون النعمة بوجودها، ولكن لا يعرفون من أين أتت:حالهم حال قارون في هذا، يعرفون أن السمع والبصر وغيرَها هي من النعم، وإذا رأوا أعمى أو أصمّ، قالوا: نحن بخير، ويعرفون أن الراحة نعمة، وأن المال نعمة
الصنف الثالث: من يعرفون النعمة بوجودها،
ويعرفون أنها من عند الله وبتوفيقه - سبحانه وتعالى - ولكنهم مشغولون بها عن شكر الله - سبحانه وتعالى - أو قد يصرفونها في أمر منكر:
كالذين يشكرون الله على نعمة البصر والسمع والحركة وغيرها باللسان فقط، ولكنهم يستعملونها في معصية الله، ولا يتورَّعون عن سماع الأغاني، والغِيبة والمحرمات، ولا يتورعون عن النظر إلى الحرام وهكذا، أو كأصحاب المال والشركات والعقارات، يشكرون الله قولاً ويعصونه فعلاً، فتجدهم ينشغلون بتنميتها ليلَ نهارَ، وبمتابعة البورصة، أو بالسعي وراءَ فلان وعلان، والوزارة الفلانية لإجراء المعاملة الفلانية؛ لتحسين المنصب أو الشركة، فتجدهم ينشغلون عن أداء الصلاة في وقتها، وعن حقوق الأزواج والأبناء والأهل، وعن حقوق الله - تعالى - بل وربما صرفوا هذه النعمة وسخروها لشيء يغضب الله - تعالى - كالفتاة الجميلة تحمَد الله على الجمال، ولكنها تخرج متبرجة، ولا تتورع عن الرجال، أو كصاحب الوظيفة والمنصب الحسن يحمَد الله عليها، ولكنه يصرف راتبه فيما يغضب الله.
وقد يقول أحدهم: الحمد لله، وفقني الله لكذا وكذا، وهو لا يعلم أن قوله منكر عظيم والعياذ بالله، كالمغنية والراقصة والمغني، أعطاه الله حسن الصوت والجمال، وهو يعلم أنه من نعم الله، ولكنه يسخره لأمر يُنزل غضب الله عليه
الصنف الرابع: هم الذين يعرفون النعمة بوجودها، ويعرفون أنها من عند الله - تعالى - ولا ينشغلون بها عن شكر الله، بل يسخرونها في طاعته - سبحانه وتعالى -: وهؤلاء يحمدون الله ويشكرونه قولاً وفعلاً، كالذين يحفظون فروجهم وأبصارهم، ولا ينظرون إلى حرام، ولا يسمعون حرامًا ولا يقولون حرامًا، ولا يأكلون حرامًا، ولا يسعَون إلى حرام، بل يسمعون القرآن ويتلونه، ويتحدثون فيما يرضي الله، ويسعَون إلى طاعة الله، وعبادته وحده، والدعوة إليه والجهاد في سبيله، والإنفاق في سبيله، والصلاة والذكر، وبرّ الوالدين، وصلة الرحم، والأخلاق الحميدة، وإكرام الضيف، والإحسان للناس، وغيرها من أمور يزدادون بها شكرًا لله تعالى وهؤلاء هم الصنف القليل،الذين قال الله فيهم:﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ: 13].
فلننظر يا إخواني حالنا مع نِعم الله التي لا تحصى ولا تعد، ولا نجري وراءَ الدنيا وقضاء الأوطار
قَدْ هَيَّئُوكَ لِأَمْرٍ لَوْ فَطِنْتَ لَهُ
فَارْبَأْ بِنَفْسِكَ أَنْ تُرْعَى مَعَ الهَمَلِ
[الأنترنت – موقع الألوكة - حال الناس مع النعم - فادي نضال عمر ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة التاسعة والأربعون بعد الأربعمائة في
موضوع الشكور وهي بعنوان :
* الشكر يزيد النعم ويرفع النقم
الشكر هو الاعتراف بنعمة الله المنعم، والثناء بالنعم وذكرها وإظهارها، هو من العبادات العظيمة التي ينعم الناس بثمرتها في العاجل والآجل، فضيلة جميلة من أعلى المنازل وأرقى المقامات، وهو نصف الإيمان، فالإيمان نصفان، نصف شكر ونصف صبر.
وأعظم سورة في القرآن هي الفاتحة تبدأ بعد البسملة بـ “الحمد لله رب العالمين”، فالحمد كلمة عظيمة لا يدرك أسرارها إلا من يكررها ويستشعرها، والشكر يكون بالجوارح وعند البلاء، والحمد يكون باللسان
وبالقلب، على كل حال.
*النضوج الفكري
ووصف الله تعالى الإِنسان العاقل الذي يتمتع بالنضوج الفكري والكمال الإِنساني، ويبلغ سن الأربعين، بأنه يرى نعم الله المحيطة به، ويشهد بفضله عليه، فيلجأ إليه أن يوفقه للشكر قال تعالى: {حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه} “الأحقاف:15”.
كما أن عدم الشكر ومقابلة النعم بالكفر والجحود يورث غضب الله وعقابه وسلب نعمته، كما قال تعالى: “وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون” “النحل:112”.
وقد وعد الله تعالى المؤمنين أن يزيد نعمه عليهم إِذا هم قابلوها بالشكر فقال: “لئن شكرتم لأزيدنكم”، “إبراهيم:7”، ودعانا إلى شكره وشكر الوالدين اللذين جعلهما سببا في إيجادنا، فقال: “أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير” “لقمان: 14”، والشاكر يجلب الخير لنفسه، إِذ يغنم بشكره المزيد من نعم الله، واستمرار فضله، وعظيم حبه، قال تعالى: “ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم” “النمل: 40”، ولا يخفى أن نعم الله تعالى على عباده أعظم من أن تحصى، وأكثر من أن تعد، قال الله تعالى: “وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها”، “إبراهيم:34”، وأجل النعم التي يتأكد الشكر عليها نعم الإِسلام والإِيمان والمعرفة بالله، وليست النعم مقصورة على الطعام والشراب كما يظن كثير من الناس، بل هي لا تعد تحصى.
[الأنترنت – موقع الإتحاد - الشكر يزيد النعم ويرفع النقم - أحمد محمد(القاهرة) ]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الخمسون بعد الأربعمائة في موضوع الشكور وهي بعنوان :
*شكر النعمة حقيقته وعلاماته
فمن المعلوم أن الله جل وعلا أسبغ علينا نعما كثيرة، ولم يزل يسبغ على عباده النعم الكثيرة، وهو المستحق لأن يشكر على جميع النعم. والشكر قيد النعم، إذا شكرت النعم اتسعت وبارك الله فيها وعظم الانتفاع بها، ومتى كفرت النعم زالت وربما نزلت العقوبات العاجلة قبل الآجلة.
فالنعم أنواع منوعة: نعمة الصحة في البدن والسمع
والبصر والعقل وجميع الأعضاء، وأعظم من ذلك وأكبر: نعمة الدين والثبات عليها والعناية بها والتفقه فيها، قال تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3] فأعظم النعم نعمة الدين، وقد أرسل الله الرسل وأنزل الكتب حتى أبان لعباده دينه العظيم، ووضحه لهم، ثم وفقك أيها المسلم وهداك حتى كنت من أهله.
فهذه النعمة العظيمة التي يجب أن نشكر الله عليها غاية الشكر، وإنما يعرف قدرها وعظمتها من نظر
في حال العالم، وما نزل بهم من أنواع الكفر
والشرك والضلال، وما ظهر بين العالم من أنواع الفساد والانحراف، وإيثار العاجلة والزهد في الآجلة، وما انتشر أيضا من أضرار الشيوعية والعلمانية وأفكار الدعاة لهما، ومعلوم ما تشتمل عليه هذه الأفكار من الكفر بالله وبجميع الأديان والرسالات والكتب المنزلة من السماء. وهكذا ما ابتلي به الكثير من الناس من عبادة أصحاب القبور والأوثان والأصنام وصرف خالص حق الله إلى غيره.
وكذلك ما ابتلي به الكثير من البدع والخرافات وأنواع الضلال والمعاصي، وإنما تعرف النعم وعظم شأنها وما لأهلها من الخير عندما يعرف ضدها في هذه الشرور الكثيرة وما لأهلها من العواقب الوخيمة، فنعمة الإسلام عاقبتها الجنة والكرامة والوصول إلى دار النعيم بجوار الرب الكريم في دار لا يفنى نعيمها ولا يبلى شباب أهلها ولا تزول صحتهم ولا أمنهم، بل هم في صحة دائمة وأمن دائم وشباب لا يبلى وخير لا ينفد وجوار للرب الكريم كما قال الله سبحانه وتعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [الدخان:51-57] والآيات في هذا المعنى كثيرة.
وأما أهل الكفر والضلال فمصيرهم إلى دار الهون... إلى عذاب شديد وإلى جحيم وزقوم، في دار دائمة لا ينتهي عذابها ولا يموت أهلها، كما قال الله سبحانه: وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ [فاطر:36]. فمن فكر في هذا الأمر وعرف نعمة الله عليه فإن الواجب عليه أن يشكر هذه النعمة بالثبات عليها، وسؤال الله سبحانه أن يوفقه للاستمرار عليها حتى الموت، والحفاظ عليها بطاعة الله وترك معصيته، والتعوذ بالله من أسباب الضلال والفتن ومن أسباب زوال النعم.
وعليه أيضا شكر النعم الأخرى غير نعمة الإسلام مما يحصل للعبد من الصحة والعافية وغير ذلك من نعم الله عز وجل الكثيرة كالأمن في الوطن والأهل والمال. وقد يكون سوقها إليك أيها العبد من أسباب إسلامك وإيمانك بالله، وقد يكون ذلك ابتلاء وامتحانا مع كفرك وضلالك. قد تمتحن بوجودك في محل آمن وصحة وعافية ومال كثير، وأنت مع ذلك منحرف عن الله وعن طاعته فهذا يكون من الابتلاء والامتحان وإقامة الحجة عليك
ليزيد في عذابك يوم القيامة إذا مت على هذه الحالة السيئة.
فالشكر حقيقته أن تقابل نعم الله بالإيمان به وبرسله، ومحبته عز وجل والاعتراف بإنعامه، وشكره على ذلك بالقول الصالح والثناء الحسن، والمحبة للمنعم وخوفه ورجائه والشوق إليه، والدعوة إلى سبيله والقيام بحقه.
ومن الإيمان بالله ورسله الإيمان بأفضلهم وإمامهم نبينا محمد ﷺ والتمسك بشريعته.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الواحدة والخمسون بعد الأربعمائة في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :*شكر النعمة حقيقته وعلاماته
فمن شُكْر الله: أن تؤمن بالله إلها ومعبودا حقا، وأنه الخلاق والرزاق العليم، وأنه المستحق لأن يعبد وحده، وتؤمن بأنه رب العالمين وأنه لا إله غيره ولا معبود بحق سواه، وتؤمن بأسمائه وصفاته عز وجل وأنه كامل في ذاته وأسمائه وصفاته لا شريك له ولا شبيه له ولا يقاس بخلق جل وعلا، كما قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11] وقال تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ
كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:1-4].
ومن الإيمان بالله سبحانه أن تؤمن بأنه هو المستحق للعبادة كما تقدم، كما قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ }[الإسراء:23] وقال تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] إلخ، وقال سبحانه: فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [غافر:14] وقال عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ [البقرة:21] إلخ، وقال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] إلخ، وقال سبحانه: وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5] إلخ، فالله هو المستحق لأن يعبد وحده بدعائنا ورجائنا وخوفنا وصلاتنا ونذورنا وذبحنا وغير ذلك من أنواع العبادة.
وبهذا تعلم أن ما يفعله الجهلة حول القبور من الدعاء والخوف والرجاء والذبح والنذر لأهلها أن هذا هو الشرك الأكبر وأنه يناقضه قول لا إله إلا الله.
وتعرف أيضا أن من أنكر اليوم الآخر والبعث والنشور والجنة والنار فهو من أكفر خلق الله ولم يؤمن بالله سبحانه وتعالى،بل كافربالله ودينه... إلخ.
والشيوعيون الملحدون قد توافرت فيهم أنواع الكفر والضلال، كما توافرت فيمن عبد غير الله وأشرك معه غيره من عبَّاد القبور والأوثان وعباد الأنبياء والصالحين وعباد الأصنام والكواكب والشمس والقمر ونحو ذلك، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا إلخ [البقرة:21، 22] وقال تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ } [الأعراف:54-56].
ومن صرف العبادة لغير الله كمن صرفها للجن أو الملائكة أو للبدوي أو للحسين أو غيرهم من الخلق فقد أشرك بالله غيره، وعبد مع الله سواه، ونقض بذلك قوله: (لا إله إلا الله) وكفر بنعم الله التي أنعم بها عليه بالصحة والعافية، وبالرسل وبرسولنا محمد ﷺ، وهذا أعظم كفر للنعم: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ }إلخ [الحج:62].
وهذه العقيدة الصحيحة هي التي جاءت بها الرسل
عليهم الصلاة والسلام، وجاء بها أكملهم وإمامهم وأفضلهم ونصيبنا منهم محمد ﷺ جاء يدعو إلى توحيد الله والإخلاص له، وأرسل رسله إلى القبائل تدعوهم إلى توحيد الله عز وجل، وإلى البلدان كذلك كما بعث عليا ومعاذا وأبا موسى الأشعري رضي الله عنهم إلى اليمن، وأقام في مكة ثلاث عشرة سنة يدعو إلى توحيد الله عز وجل، وأقام في المدينة عشر سنين يدعو إلى توحيد الله واتباع شريعته، وإنما بدأ بالدعوة إلى التوحيد لأنه هو الأساس، فهو أساس الإيمان والدين وأساس الشكر لله المنعم، وبه بدأ الرسل كلهم كما قال الله سبحانه: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ الآية [النحل:36].
فمن فاته توحيد الله والإخلاص له عز وجل فإن جميع أعمالهم كلها باطلة لا تنفعه بشيء، كما قال تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:88] وقال تعالى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65].
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثانية والخمسون بعد الأربعمائة في
موضوع الشكور وهي بعنوان :
يشكرك حتى على نيتك
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الدنيا لأربع نفر: الأول آتاه الله مالاً وعلماً فهو ينفق هذا المال في سبيل الله، ورجل آتاه الله علما ولم يؤته مالا، فهو يقول لو أن لي من المال مثل فلان لأنفقته في سبيل الله، يقول النبي: فهما في الأجر سواء) لما لا تنوي؟ تنوي أن تعبد وتصلي تراويح وتختم ختمتين. تخيل أن أحدهم يسمعنا ويتمنى لو أنه عند الكعبة الآن، لأخذ الأجر.
يشكرك على الشهامة. تحكي السيدة أم سلمة
فتقول: أن قريش فرقت بينها وبين زوجها وابنها،
وهاجر أبو سلمة وهي في بيتها وابنها محبوس، وبعد عام تركها أهلها لتذهب لزوجها فقررت الذهاب للمدينة وحدها بدون ناقة، فقابلها عثمان ابن طلحة عند التنعيم، وكان كافر ومعادى للمسلمين، ولكن تحركت في قلبه الشهامة، فقال: إلى أين يا أم سلمة ؟ قالت: أفر بديني منكم وألحق بزوجي في المدينة، فقال: وحدك ؟! قالت: نعم، قال: ما معك أحد ؟ قالت: لا والله، قال: ما ينبغي لك أن تسافري وحدك، اركبي يا أم سلمة على ناقتي. وأوصلها للمدينة وهو يسير على قدميه. تخيل إذا طلب منك أحد توصيله للأسكندرية !
تقول أم سلمة: فقلت والله ليشكرنه الله على ما فعل، تقول: ما وجدت رجل أكرم منه.. ما نظر إلي نظرة ولا كلمني كلمة حتى اقتربنا من المدينة، فقال : هنالك زوجك انزلي فاذهبي إليه، ثم أخذ الناقة وعاد. ظل كافر بعدها ثمان سنوات. أسلم يوم فتح مكة.. تقول أم سلمة: فوالله يوم أسلم قلت في نفسي مازلت أظن أن الله سيشكره عليها.
انظر للقصة التالية، السيدة أسماء بنت أبي بكر يوم الهجرة هي الوحيدة التي كانت تعرف مكان النبي، وكانت تذهب لهم بالطعام، أبو جهل شعر بذلك، فذهب لها وقال: أين أبوك؟ قالت: لا أدري، فلطمها لطمة أسقطت القرط من أذنها وشقت شفتها، فسالت الدماء، فذهب أبو سفيان يسترضيها - موقف إنساني وهو على الكفر - و ظل يراضيها حتى هدأت. ولما علم أبو بكر قال: اللهم ادخرها لأبي سفيان. واسلم بعد عشرين سنة، لعل الله نجاه بهذا الموقف. الأجمل من أي عطاء حلاوة شعورك بأنه سيشكرك.
السيدة خديجة بفطرتها قبل الإسلام كانت تعرف الشكور. أحيانا نمر على أسماء الله الحسنى ونشرد بفكرنا.. تقول السيدة خديجة للنبي وهو عائد من غار حراء وهو يقول: زملوني زملوني، دثروني دثروني، فقالت له: مالك يا ابن العم، فقال لها لقد خشيت على نفسي، فقالت: كلا والله لا يخزيك الله أبدا، انك لتصل الرحم، وتقري الضيف وتكسب المعدوم وتعين على نوائب الدهر. يا جماعة أكثروا من الخير والعبادة، فقد يشكرك الله فيعتقك، أو يكتبك من أهل الجنة أو يحفظ أولادك أو يميتك ميتة جميلة. يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث (صنائع المعروف تقي مصارع السوء).
لن يشكرك شكر عادي فيجب أن يكون الشكر
أضعافا مضاعفة {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن
فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ } (فاطر30)، فطالما هناك كلمة شكور يجب أن تجد كلمة زيادة مع القرآن، {...وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ } (الشورى23)، {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ...} (يونس26)، أهل الجنة {لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } (ق35 )، {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً...} (البقرة 245)، {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ...} (البقرة 261)، {إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً } (النساء40)، الجميل انك لا يمكن أن تقوم بشيء إلا ويشكرك الله ويزيدك كثيرا لأنه شكور، وهو سبحانه وتعالى عطاء فوق عطاء ليزيد من طموحك لتسعى لنيل العطاء أكثر فأكثر، يقول النبي (من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب والله لا يقبل إلا طيب فان الله يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوّه حتى يلقى الله يوم القيامة والتمرة كجبل أحد) الفلو هو المهر، إذن ما حال العشر تمرات؟!
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الثالثة والخمسون بعد الأربعمائة في
موضوع الشكور وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :يشكرك حتى على نيتك
ذهب إعرابي إلى النبي ومعه ناقة مخطومة (أي ممسوكة من زمامها) فقال: يا رسول الله هذه في سبيل الله فقال له النبي: لك بها سبعين ناقة في الجنة كلها مخطومة. يعني حتى هذه لن تضيع!. وهناك قصة كلما اقرأها أتأثر جدا: (أن امرأة بغي سقت كلبا فغفر الله لها فشكرها فدخلت الجنة). لو أحضرنا ألف عالم دين ليشكر امرأة بغي لأنها سقت كلبا، فهل سيفعلوا ؟ لا، لكن الله تبارك وتعالى هو الشكور. يطمئنك الحديث إذا كانت البغي شُكر لها فما بالك بك أنت.. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أيعجز أحدكم أن يكسب في يوم ألف حسنة، قالوا: كيف يكسب ألف حسنة؟ قال: يسبح مئة تسبيحة فيعطيه الله عليها ألف حسنة)، وكذلك يقول النبي: (صيام يوم عرفة يكفر سنة ماضية و سنة قادمة)، يشكرك على صيام يوم وهو الشيء القليل فيعطيك الثواب الكثير.
شكر لسعد بن معاذ لما جاهد مع النبي، فاهتز لموته عرش الرحمن و تنزل الملائكة تشيع جنازته، يقول النبي (أرى سبعين ألف ملك يحملون جنازة سعد بن معاذ). شكر لسيدنا جعفر بن أبي طالب بعد قطع يديه في غزوة مؤتة، يقول النبي: (أراه الآن في الجنة، أبدله الله بذراعيه جناحين من ياقوت، يطير في الجنة يأكل من ثمارها ويشرب من أنهارها).
لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أن أبو بكر قد أعطى الكثير، فقال قبل موته: أيها الناس ما منكم من أحد كان له عندنا فضل إلا كافأناه به إلا أبو بكر لم استطع مكافأته فتركت مكافأته إلى الله عز وجل. لقد اهتز عرش الرحمن لموت سعد، فكيف يكافئ الله نبيه صلى الله عليه وسلم وهو الشكور..؟! أعرفتم لماذا ظل يقول " بل الرفيق الأعلى" ؟ لأنه رأى ما أعد له الشكور. هل تخطط الآن لعمل صدقة أو تقبيل يد أبويك أو إدخال البسمة على شفاه أرملة أو سجود الليل وعبادة رمضان وأنت منتظر عطاء الشكور؟؟
قصة جميلة لتعرف الشكور، ترويها كتب التاريخ الإسلامي. رجل اسمه أبو نصر الصياد شديد الفقر جلس يبكي في المسجد فجاءه إمام المسجد، قال له: ما بك يا أبو نصر؟ قال له: هموم وديون، فأخذه للبحر وقال له: صلي ركعتين وأدعو الله سبحانه، ففعل ثم رمى الشبكة فإذا بها تصطاد سمكة عظيمة. يقول: فأخذتُها وبعتُها في السوق واشتريت بها رُقاقة أطعم بها زوجتي وابني، فإذا أنا عائد فإذا بامرأة وابنها حالهم كحال امرأتي وابني، فنظرت المرأة إلى الرقاقة ونظر الطفل إليها، فقلت لنفسي أعطيهم أم أعطي امرأتي وابني، فقلت ما عند الله خير لن يضيعني، فابتسم الصغير وبكت المرأة، ودخلت البيت وليس عندي شيء، وما هي إلا ساعات حتى وجدت من يطرق الباب، يقول: أهذا بيت أبو نصر الصياد؟ فقلت: نعم، فقال: أبوك قبل أن يموت أعطاني مالا، خذ المال الذي أعطانيه أبوك.. يقول أبو نصر: فظللت أتاجر وزادت أموالي وصرت ثريا، فكنت أتصدق بالألف درهم دفعة واحدة وكأني فرحت بصدقاتي وعطائي، فبت ليلة فرأيت في الرؤيا كأنني في يوم القيامة واسمع المنادي يقول: أين فلان بن فلان؟ زنوا حسناته وسيئاته، حتى جاء دوري، فوقفت على الميزان وجاء الملك فوضع السيئات فرجحت ووضعت الحسنات فلم تزن كأنها لفافة قطن وضعت أمام جبال من السيئات. يقول: أين الأموال الضخمة التي تصدقت بها؟ فإذا تحت الأموال شهوة أو عُجب أو رياء، فاسمع الملك يقول: هل بقي له شيء؟ قيل: نعم بقي له شيء، وانظر لأرى ما هذا الذي بقي، فإذا هي الرقاقة! فوضعت في كفة الحسنات فرجحت ورجحت، ولكن مازالت كفة السيئات، يقول الملك: هل بقي من شيء؟ فقيل: نعم، فإذا بها ابتسامة الطفل فوضعت كأنها شيء يوزن، ووضعت في كفة الحسنات، فتساوت الكفتان، قيل أبقي له شيء؟ فإذا بدموع المرأة، فوضعت في كفة الحسنات وكأنها بحر من الدموع فثقلت الحسنات، فاسمع الملك يقول لقد نجا لقد نجا، فأفقت من نومي وأنا أقول سبحان الشكور الذي شكر الرقاقتين الصغيرتين.
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الرابعة والخمسون بعد الأربعمائة في
موضوع الشكور وهي بعنوان :
*كيف نتعبد الله تعالى باسمه الشكور؟
لم يرد الدعاء باسم الله الشكور، لكن ورد الدعاء بمقتضاه كما في قوله تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ) فأمرنا الله عز وجل بالشكر . ومنه قول إبراهيم عليه وعلى نبينا السلام: (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)
وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه و سلم
أرشدنا إلى طريقة جميلة في الاجتهاد في الدعاء يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم في الحديث الذي رواه الامام أحمد و الحاكم و صححه الألباني: (أتحبون أن تجتهدوا في الدعاء قولوا اللهم أعنا على ذكرك شكرك و حسن عبادتك) والدعاء هو العبادة فالاجتهاد في الدعاء اجتهاد في العبادة.
*الشكر خير من الذهب والفضة :
ففي سنن الترمذي و صححه الألباني من حديث ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما نَزَلَتْ : {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ .}
قال : كنا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في
بَعْضِ أسفارِه ، فقال بعضُ أصحابِه : أُنْزِلَت في الذهبِ والفِضَّةِ لو عَلِمْنا أَيُّ المالِ خيرٌ فنتخذَه .
فقال : أَفْضَلُه لسانٌ ذاكِرٌ، وقلبٌ شاكرٌ، وزوجةٌ مؤمنةٌ تُعِينُه على إيمانِه) .
فانظرن ماذا يسألونه وبماذا يجيب؟
تقول الأستاذة أمل الغفيلي : أصيبت إمرأة بمرض نفسي، فقال لها الطبيب : أكتبي المنح وَالمحن عندك، تقول : أخذت القلم ثم خجلت..ياترى كم (المنح) لا تُحصى، وكم (المحن) لا تتجاوز الصفحة؟
- كل ما يأتيك من ربك من نعمة ينبغي أن تقدرها
وتحفظها وتعظمها، فيكفيك شرفا أنها من الله وقد
اختصك وذكرك بهامن بين الناس،فاحفظها بالشكر من الزوال
- ربما أعطيت نعمة ورزقًا لم يعطه غيرك فاذكر اختصاص الله لك بها من دون الناس وليلهج لسانك بالشكر مع الإخبات فقد تسلب النعم بقلة شكر النعم وذكر فضله عليك.
- أحياناً يوفق الله العبد لأن يقول كلمة ترضيه عنه أويكتب كلاما عن دينه وشرعه يعلي به مقامه في الدنيا والآخرة وهذا الإعلاء من شكرالله له : (إنه غفور شكور)
- إياك أن تمل نعمة الله التي أنعم بها عليك من ولد
وعلم واذكر فإن هذا الملل ربما يسلبك إياها؛
فتنقل من يدك إلى يد غيرك ممن يفرح بها
ويشكرها شكراً عظيماً.
- كم هي النعم التي نعيش فيها ولانشعر بها بل وننسى شكر الله عليها لأننا لا نعدها أصلاً نعما طيلة ما أننا نبصر متاعبنا فقط فيظهر التذمر منا عليها.
- كم مرة أغدق عليك ربك من النعم فامتلأ قلبك فرحاً بها، فلما منع عنك بعض مطلوبك حزنت وغضبت! مع أنه ربما اختبر رضاك عنه بالمنع كما رضيت منه العطاء .
- إذا أقبلت عليك نعمة مهما كان حجمها فافرح
بهاواحمدالله عليهاواقبلها ولوكانت قليلة؛ فإن شعورك بأنها هبة من ربك تجعلك أسعد الناس.
- سمع سليمان عليه السلام مقال النملة لقومهاوانذارها لهم"فتبسم ضاحكا" فرحاً بنعمةالله لفهمه مقالها ثم قال شاكراً ربه : (رب أوزعني أن أشكر نعمتك).
- لقد قام رسول الله من الليل حتى تفطرت قدماه مع أن الله غفر له ماتقدم من ذنبه وما تأخر ولما سألته عائشة -رضي الله عنها- عن ذلك قال : (أفلا أكون عبدا شكوراً)
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة الخامسة والخمسون بعد الأربعمائة في
موضوع الشكور وهي بعنوان :
*أثر الإيمان بهذين الاسمين : إذا كان الله سبحانه وتعالى الشكور الشاكر على الإطلاق يقبل القليل من العمل ويعطي الكثير من الثواب مقابل هذا العمل القليل، فإن حظ المؤمن من هذا ألا يستصغر شيء من أعمال البر ولا يحقر من المعروف شيئا.كما قال النبي صل الله عليه وسلم" لا تحْقِرَنَّ من المعرُوفِ شيْئًا ، ولوْ أنْ تلْقَى أخاكَ بوجْهٍ طلْقٍ" حتى تبسمك في وجه أخيك قربى، وصدقتك ولو بشق تمرة قربى، والكلمة الطيبة منك قربى "اتّقُوا النّارَ ولَو بشِقّ تَمرَة فمَن لم
يجِدْ شِقّ تَمرَة فبكَلِمةٍ طيّبَة"
*فلا تحتقر من العمل شيئا مهما صغر.
مما يجب معرفته أن ما يقدمه المسلم في تقربه إلى الله تعالى من صلاة أو صيام أو حج لا يخلو من التقصير والسهو و النسيان، فلا يظن أنها الثمن المطلوب للجنة، ولا ينظر لها من الأساس بل ينظر ويتعلق برحمة الله وفقط.لأن هذه الأعمال في الأساس لن تدخلك الجنة، فالجنة هي سلعة الله الغالية، ولكن لأن الله شكور عظم من شأنها وأعطاك بها على صغرها وعيبها هذه المنة العظيمة.. سلعة الله الغالية. [الأنترنت – موقع علم ينتفع به - اسم الله (الشكور) إخاءٌ - سماوي ]
* السجود أكثر دلالة على الشكر من الركوع
السؤال : توجد آية قرآنية تقول (يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين) مع أن السجدة فى الصلاة قبلها ركعة، أفيدوني أفادكم الله؟
الإجابــة : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن الآية التي ذكرت هي قوله تعالى: يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ [آل عمران:43]. والحكمة من تقديم الأمر بالسجود على الأمر بالركوع، أن السجود أكثر دلالة على الشكر والمقام يقتضي ذلك، قال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير: وقدم السجود لأنه أدخل في الشكر، والمقام هنا مقام شكر. انتهى. فالسجود يشتمل على مزيد من التواضع لله تعالى، لأن الإنسان أثناءه يكون ملصقاً أشرف أعضائه بالأرض وهو الوجه، فلذلك يعتبر من المواضع الذي يظن فيها استجابة الدعاء، كما في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم. والله أعلم.[الأنترنت - موقع اسلام ويب - السجود أكثر دلالة على الشكر من الركوع – المنجد]
إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
: فهذه الحلقة السادسة والخمسون بعد الأربعمائة في
موضوع الشكور وهي بعنوان :
*شكر النعم ومنها نعمة الامن
اشكروا الله على نعمه الكثيرة فقد امرنا الله بذلك فقال( فاذكروني اذكركم واشكروالي ولاتكفرون) هذه النعم التي لانستطيع ان نقوم بحصرها فضلا عن شكرها وكما قال تعالى ( وان تعدوانعمة الله لاتحصوها ) واجل تلك النعم نعمة الإيمان ونعمة الصحة في الأبدان ونعمةالامن في الأوطان ونعمة الرزق الذي يأتينا من كل مكان هذه النعم
لايشعربهاكثير من الناس لأنهم ماعرفوا ضدها
فنعمة الإسلام لايعرف قدرها كثير من الناس اليوم لأنهم ولدوا في ديار الإسلام وبين أبوين مسلمين كما قال عمر رضي الله عنه لايعرف الإسلام من لم يعرف الجاهلية وانظروا إلى حال بعض الناس ممن ذهب الى بلاد الغرب الكافر وليس الكل لان بعضهم رجع متنكرا لدينه والعياذ بالله أقول: ان البعض ممن ذهب إلى هناك لما رأى قوما يعيشون حياة أشبه بحياة البهائم وذلك من ناحية الأخلاق وفسادها حيث الفجور والخمور رجع وعرف قدر نعمة الله عليه وتمسك بدين الإسلام اكثرمن ذي قبل وكذلك نجد ان بعض من اسلم حديثا من نصارى وغيرهم اشد تمسكا بالإسلام من ابناء المسلمين لأنه أحس بان الله قد اخرجه من ظلمات الكفر الى نور الإسلام فنحمد الله ان جعلنا من عباده المؤمنين ولم بجعلنا ممن يعبد البشركاليهود والنصارى الذين اتخذوا احبارهم ورهبانهم اربابا من دون الله اوممن يعبدالحجر اوالشمس والقمر او البقر كبقية المشركين
واما نعمة الصحة في الأبدان فهي اجل النعم بعد الايمان وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم (سلوا الله العفو والعافية فإن أحدا لم يعط بعد اليقين خيرا من العافية)
[الراوي: أبو بكر الصديق المحدث: المنذري - المصدر: الترغيب والترهيب - الصفحة أو الرقم: 4/217]
خلاصة حكم المحدث: [فيه] عبد الله بن محمد بن عقيل [روي] من طرق عن جماعة من الصحابة ، وأحد أسانيده صحيح
فانظر إلى ماحولك من الناس فهذا مريض بالقلب واخر بالكبد وآخر بالكلى وآخر بالسكر وأخر بالسرطان وآخر مشلول وأنت قد عافاك الله من هذا كله
اخي الكريم يقول بعض السلف مذكرا لشخص بنعمة الجوارح
ايسرك ان تقطع يدك وتعطى مائة الف درهم ؟؟قال :لا ، قال ان تقطع رجلك وتعطى مائة الف درهم ؟؟ قال: لا ، قال ان تفقأ عينك وتعطى
مائة الف درهم ؟؟قال لا فاشكر الله على نعمته بالصحة
وامانعمة الرزق فانظر إلى طعامك وشرابك وانظر الى مايسر الله لنا من كثرة المواد الغذائية وتنوعها والفواكه والخضار وغيرها التي تاتي من كل مكان عبر البر والبحر والجو
ثم انظر الى نعمة الأمن الذي نعيشه بحمد الله في هذه البلاد حيث يسافر الانسان من اقصى الجنوب الى الشمال ومن الشرق الى الغرب ويقطع الاف الكيلومترات وهوامن بينما الحروب والاضطرابات حولنا وصدق الله اذيقول (اولم يروا اناجعلناحرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم ) وتذكر دعوة الخليل عليه السلام (رب اجعل هذا بلدا امنا وارزق اهله من الثمرات من امن منهم بالله واليوم الاخر ) قال بعض العلماء حول الاية قدم الدعاء بنعمة الأمن على نعمة الرزق لانه بدون الامن وفي حال الخوف لايهنا الإنسان لابطعام ولا بشراب ولابمنام
اقول : واذا ذهب الامن في بلد ما وحلت الفتن
والحروب هل يستطيع الانسان ان يؤدي عبادة ربه ؟هل يستطيع ان يخرج للمسجدلاداء الصلاة ؟هل يستطيع الخروج الى عمله لطلب لقمة العيش اويذهب الى مدرسته اوجامعته وزيارة قرابته اويذهب للحج والعمرة ويسافر من مدينة إلى أخرى واسألوا الآباء والأجداد كيف كانوا يعانون في الماضي من قطاع الطرق واعلموا وفقكم الله ان شكر النعم ليس باللسان فحسب بل هو كذلك بالقلب والجوارح وذلك بفعل الطاعات وفي مقدمتها الفرائض من صلاة وزكاة وصيام وحج ويكون ايضا بتر ك المحرمات وفي مقدمتها كبائر الذنوب كالشرك وترك الصلاة والقتل والعقوق والزنا واكل الربا وشرب الخمور والسرقة والرشوة واكل مال اليتيم وتعلم السحر او العمل به فاذا شكر التاس ربهم سبحانه زادهم من فضله واحسانه واذا كفروا بالنعم سلبهم تلك النعم قال تعالى (وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ، وقال عزوجل (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد)). ...
واخيرا نذكر بالحديث الذي يرويه سَلَمَةُ بْنُ عُبَيْدِ
اللهِ بْنِ مِحْصَنٍ الخَطْمِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ - وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا)
[رواه البخاري في "الأدب المفرد" (رقم/300) والترمذي في "السنن" (2346) وقال : حسن غريب ، وقال الشيخ الألباني رحمه الله بعد تخريجه الحديث عن جماعة من الصحابة : " وبالجملة ، فالحديث حسن إن شاء الله بمجموع حديثي الأنصاري وابن عمر . "السلسلة الصحيحة" (رقم/2318 [الأنترنت – موقع مُنْتَدَيَاتُ مِشْكَاة - شكر النعم ومنها نعمة الامن - ابو محمد الغامدي مشرف مشكاة العلوم الشرعية ]
الخاتمة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، والشكر لله على ما أولى وأسدى من أنواع النعم والفضائل والتوفيق والحفظ والصحة والخيرات... الظاهرة والباطنة الأولى والآخرة ....
انتهيت من هذا الكتاب بعد العصر من يوم الجمعة الرابع عشر من الشهر المحرم من العام الهجري 1441هـ في منزلي بآل دماس بقرية عراء في منطقة الباحة بالمملكة العربية السعودية ،وهو بحث عظيم ، وهو أشبه ما يكون بالتفسير الموضوعي ، وقد بذلت فيه جهدي وطاقتي ، واستفدت منه الشيء الكثير في علمي وعقيدتي وعبادتي وأخلاقي
ومعاملاتي مع الله والناس ، اسأل الله أن يجعله علما نافعاً وعملا صالحاً متقبلاً ، والحمد لله والشكر لله أولا وآخراً وظاهراً وباطناً على نعمه وآلائه وفضله وحفظه { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال تعالى : {وَإِذ تَأَذَّنَ رَبّكم لَئِن شَكَرتم لَأَزِيدَنَّكم
وَلَئِن كَفَرتم إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم :7]
جمع وتأليف : دمسفر بن سعيد دماس الغامدي