الحسيب

الوصف: C:\Users\مسفر دماس\Pictures\تنزيل (1).jpg

بسم الله الرحمن الرحيم- المختصر-المقدمة:   

               إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا اله الا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ،قال تعالى :{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته،ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} آل عمران/ 120،وقال تعالى :  { يائها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ، وخلق منها زوجها ، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً ، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً }  النساء  / 1  ،وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً ، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً } الأحزاب /70 ، 71 وبعـــــد : فهذه الحلقة الأولى في موضوع (الحسيب ) وهي تتضمن المقدمة والتعريفات. 

    عندما بيّت أهل الكفر الخديعة لرسول الله –صلى الله عليه وسلم-، واستبطنوا له خلاف ما يظهرونه، طمأن الله سبحانه وتعالى نبيّه، فأنزل عليه: {وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله} (الأنفال: 62)، فبيّن سبحانه أنه حسيبٌ لنبيّه فلا ينشغل باله بما يكيدون.

وحسبي الله ونعم الوكيل :تقال هذه الكلمة المباركة في مقامين: مقام طلب المنافع ، ومقام دفع المضار :

فمن الأول: قول الله تبارك وتعالى {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} [التوبة: 59] .

ومن الثاني: قول الله تبارك وتعالى {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:173-174].

وجُمِعَ الأمران في قول الله عزَّ وجلَّ : {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} [الزمر:38]. أي: قل حسبي الله لجلب النعماء ، ولدفع الضرِّ والبلاء . [الأنترنت – موقع  الدكتور عبدالرزاق البدر]

معنى الحسيب : الأصل في الاشتقاق :

   الحسيب مأخوذٌ من الفعل: حسِبَ، يُقال: حسَبته أحسِبه حَسبا وحِسَابا وحُسبانا، وحِسابة، إذا عددته، وحاسبته من المحاسبة. يقول الكسائي: "ما أدري ما حَسَبُ حديثك، أي ما قَدْرُهُ".

والحَسَبُ يُطلق كذلك على ما يعدُّه الإنسان من مفاخر آبائه وأجداده، فيُقال: فلانٌ حسيب، أي كريم الأصل والمحْتَد، ويقال: حَسَبُهُ دينُهُ أو مالهُ، والحُسبان بالضم معناه: العذاب، ومثاله من كتاب الله تعالى قوله: { ويرسل عليها حسبانا من السماء} (الكهف:40)، ويُطلق كذلك على الحساب، وذلك كقوله تعالى: {الشمس والقمر بحُسبان} (الرحمن:5)، ومعناه كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: يجريان بعدد وحساب، وتقول العرب أن الحسبان، جمع حُسبانة، وهي الوسادة الصغيرة. وقد حسبت الرجل أحسبه، إذا أجلسته عليها ووسّدته إياها.

وجرى على الألسنة قولهم: احتسبَ فلان ابنه، وذلك أن يعدّ فقيده في الأشياء المذخورة له عند الله تعالى، ومن هذا الإطلاق قول رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً ) البخاري، أي مريداً وجه الله وثوابه.              والحسب هو الكفاية، ونحن نقول: حسبي الله ونعم الوكيل، ونقصد بأن الله هو كافينا من كلّ شيء، وقد خاطب أبو بكر رضي الله عنه النبي –صلى الله عليه وسلم- يوم أحد فقال: "حسبك يا رسول الله، فقد ألححت على ربك" رواه البخاري.

وأما قول الرجل للآخر: حسيبك الله،فله أربعة معانٍ، الأوّل: العالم، فيكون الكلام قد خرج مخرج التهديد، فهو كقوله: الله مطّلع وعالم بما تفعله، والثاني: الاقتدار، فكأنّه يقول: الله قديرٌ عليك، والثالث: الكفاية، فالله كافيك وناصرك، والرابع: المحاسبة، فيكون المقصود: الله محاسبك على أفعالك.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية في موضوع (الحسيب ) وهي تتضمن التعريفات. 

المعنى الاصطلاحي :

بالعودة إلى كلام العلماء في معنى اسم الله "الحسيب" نجد أنها تدور على أربعة معانٍ: الحفظ، والكفاية ، والشهادة، والمحاسبة، وما تستلزمه هذه الصفات من العلم الكامل.

يقول الشيخ السعدي في تعريف هذا الاسم: "الحسيب: هو العليم بعباده، كافي المتوكلين، المجازي لعباده بالخير والشر بحسب حكمته وعلمه بدقيق اعمالهم وجليلها".

والحسيب بمعنى الرقيب المحاسب لعباده المتولي جزاءهم بالعدل،

وبالفضل، وهوالذي يحفظ أعمال عباده من خير وشر، ثم يُحاسبهم عليها ويُجازيهم بها على حسب مقتضيات أعمالهم، قال الله تعالى: {فأما من أوتي كتابه بيمينه*فسوف يحاسب حسابا يسيرا*وينقلب إلى أهله مسرورا*وأما من أوتي كتابه وراء ظهره*فسوف يدعوا ثبورا*ويصلى سعيرا} (الانشقاق:8-12).

وتأتي بمعنى الكفاية، فالله هو الكافي عباده همومهم وغمومهم، وكفايته لعباده عامّة وخاصّة، فأما العامّة فهي التي تقتضي آثارها من الرزق والإمداد بالنعم، وتكون لجميع الخلائق، وأما الخاصة فهي للمؤمنين به، المتوكّلين عليه، قال تعالى: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} (الطلاق:3)، أي: يكفيه أمور دينه ودنياه.

قال ابن القيم: وهو الحسيب كفاية وحماية ... والحسب كافي العبد كل أوان

أدلة هذا الاسم من النصوص الشرعيّة :

ورد اسم الله "الحسيب" في ثلاث آيات :

الأولى قوله تعالى: {وكفى بالله حسيبا} (النساء: 6)، وبنفس اللفظ في (الأحزاب: 39) ثانيا

وثالثا  وردت في قوله تعالى: {إن الله كان على كل شيء حسيبا} (النساء: 86).

ومن السنّة  : ما ورد من حديث أبي بكرة رضي الله عنه أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: (إن كان أحدكم مادحا لا محالة؛ فليقل: أحسب كذا وكذا - إن كان يرى أنه كذلك- وحسيبه الله، ولا يزكي على الله أحد) متفق عليه.

وقد ورد هذا الاسم كذلك في حديث إحصاء التسعة والتسعين اسماً لله تبارك وتعالى، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وليس يصحّ عند المحدّثين.

آثار الإيمان بالاسم الحسيب :

   الله سبحانه وتعالى هو الكافي لجميع الخلائق ، وأما المخلوق فقد يكفي مؤونة أحد، لكنّه لا يكفي مؤونة كلّ أحد، وإذا استطاع مدّ يد المعونة فذلك لأجل معلوم ووقت محدود، أما الله فهو الكافي سبحانه لجميع الخلائق على وجه الدوام، يقول الغزالي: "الله سبحانه وتعالى حسيب كل أحد وكافيه، وهذا وصف لا تُتصور حقيقته لغيره، فإن الكفاية إنما يحتاج إليها المكفي لوجوده، ولدوام وجوده، ولكمال وجوده، وليس في الوجود شيء هو وحده كاف لشيء إلا الله عز وجل؛ فإنه وحده كاف لكل شيء لا لبعض الأشياء، أي هو وحده كاف ليحصل به وجود الأشياء، ويدوم به وجودها، ويكمل به وجودها".

ومن آثار الإيمان بهذا الاسم: الثقة بالله سبحانه وتعالى والركون إليه، واستشعار معيّة العبد للخالق في جميع الأوقات ومختلف الأحوال، بحيث يكفيه همّه كلّه، ولا يحوجه إلى أحدٍ غيره، كيف لا وهو سبحانه له مقاليد السماوات والأرض، وبيده الأمر كلّه؟[الأنترنت – موقع إسلام ويب  - أسماء الله الحسنى – الحسيب -اسم الكاتب: إسلام ويب] [ الأنترنت – موقع المنتدى الرسمي  – للدكتور / محمد العريفي  - الحسيب ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة في موضوع (الحسيب ) وهي بعنوان :

” حسبنا الله ونعم الوكيل ” ما حقها منك ؟ :”

انظر إلى قول الله تعالى لنبيه:{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } الأنفال : 64

لو تصورت الآن بخيالك وقع هذا الكلام على قلب النبيّ صلّ الله عليه وسلم وأصحابه !!

تخيل لو أنك في مشكلة كبيرة تسبب لك خوف وقلق بالغ ثم تجد إنسان له منزلة كبيرة  يأتي بجانبك ويربت على كتفك ويقول لك : لا تخاف أنا معك، أنت في حمايتي أنت في ضماني ..

كيف يكون أثره وقد ضاقت عليك الدنيا من كل مكان ؟ لا شك أنك ستشعر بالظفر وبكثير من الدفء والحنان والأمان .. أليس كذلك ؟

فحين يقول الله عزوجل:“يا أيها النبي حسبك الله” أدركها النبي صلى

 الله عليه وسلم ففرح واستبشر، فمن كان الله معه ماذا فقد ومن كان الله عزّ وجلّ بعيداً عنه فماذا وجد :””

وحقّ قول الله تعالى : { أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}

أن يكون ردك : بلى يارب ومن يكفيني غيرك؟

يقولها قلبك فتشعر بلذة تودده إليك وقربه منك، فتزداد بدورك حبا وقربا له سبحانه :

من المعاني التي ينبغي أن نتوقف عندها ملياً في اسم الله تعالى الحسيب هي مسألة المحاسبة :” أربع ورقات

فلابد أن يكون الإنسان دائماً وأبداً محاسباً لنفسه ” حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ” فمن حاسب نفسه بدقة في حياته خُفّف عليه من الحساب يوم القيامة.

فلا يمر بك يوم دون أن تنظر أين أنت من الطريق ؟

هل تقدمت أم تأخرت ؟

وقد تتسائل الآن: على أي شيء أُحاسب نفسي؟

أحسبها بحرص وعناية ابدأ أولاً بالأمور العظام الكبار وانظر فيها فإن وجدتها خفيفة عندك فاعلم أن هذا وزنك، يعني :ماشأن  الصلوات عندك؟ عظيمة هي عند الله، ما شأنها عندك وما وزنها ؟

هل هي عظيمة في قلبك ؟ :”

وانظر لـأخلاقك وسلوكياتك !

فالأخلاق عظيمة عند الله..

ألم يأتي في الحديث “الرجل يدرك بحسن خلقه منزلة الصائم القائم”

فهل للأخلاق مكانة عندك ؟ :”

وهكذا سلّ نفسك كثيراً  هذه الأسئلة، ابدأ بأعظم الأعمال عند الله ثم تدرج شيئا فشيئا إلى أن تصلي بالمحاسبة إلى خطرات النفوس

كذلك تحاسب نفسك على النواهي، فتعرف ما الكبائر التي تقع فيها فتسارع في التوبة منها والإقلاع عنها لعل الله يكفر عنك ما سواها،

قال الله عزّ وجلّ :{إن تجتنبوا كبائرما تنهون عنه نكفرعنكم سيئاتكم }  :”

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة في موضوع (الحسيب ) وهي بعنوان : أدب المؤمن مع ربه

واعلم أنه من أدب المؤمن مع ربه أن يعلم أن الله سبحانه وتعالى سيحاسبه غداً على الكبيرة والصغيرة، ويطالبه بالنقير والقطمير ومن وراء علم العبد بذلك عليه أن يحاسب نفسه قبل أن يحاسبه غيره، فيطالب قلبه بالقيام بالحقوق قبل أن يطالبه سواه، ومتى راقب العبد معنى الحسيب تجلّى له  نور  الله القريب،  فانبثق  في قلبه نور فإذا نفسه تحاسبه على  التقصير في الطاعة وتذكّره بحساب يوم القيامة :”

وختامًا : إذا ولّى الزمان، وجفا الإخوان، وأعرض القريب، وشمت العدو، وضعفت النفس، وأبطأ الفرج، فاثبت لأن حسبك الله :” إذا داهمتك المصائب، ونازلتك الخطوب، وحفّت بك النكبات، وأحاطت بِك الكوارث، فاثبت لأن حسبك الله :”” لا تلتفت إلى أحد من الناس، ولا تدعو أحداً من البشر، ولا تتجه لكائن من كان غير الله..

لأن حسبك الله. إذا ألمّ بك مرض، وأرهقك دين، وحلّ بك فقر، أو عرضت لك حاجة، فلا تحزن لأن حسبك الله. إذا أبطأ النصر، وتأخر الفتح، واشتد الكرب، وثقل الحمل، وأدلهمّ الخطب. فلا تحزن لأن حسبك الله إذا وقعت في ظلمٍ شديد وضاقت بك الأرض بما رحبت ولم تجد أحداً ينصفك ، لا تقلق لأن حسبك الله ، يكفيك ما أهمّك ، وينصرك على من ظلمك ، ويقيك كلّ ذي شرّ

جدد علاقتك مع الله ، كن منه أقرب .. استشعر هذا الاسم العظيم واربطه بجوانب حياتك ، علق قلبك بالله ، وانظر لازدهار حياتك حينها :” استيقن أنّ الله هو حسبك وكفى به حسيباً  [الأنترنت - نادي غَيْم الدعوي ]‏‏

ومن آثار الإيمان باسم الحسيب :

لا مفر من حساب الله: الله لا يشغله حساب أحد عن أحد، ولن يكون هناك دور تنتظر فيه ولن يكون هناك مفر من هذا الحساب، الكل سيحاسب وبدقة شديدة عن كل صغيرة وكبيرة،

قال جلّ في علاه :{الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ } [غافر : 17] وهو أسرع الحاسبين سبحانه وتعالى.

إن الحسيب معناه الكافي : انظر إلى هذا الدعاء الجميل الذي نردده كثيرا لكن نحتاج أن نستشعره بقلوبنا،

في البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال:                                                              "حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام-حين ألقي في النار وقالها محمّد -صل الله عليه وسلم - حين قالوا{ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُواحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ }(آل عمران173)" (صحيح البخاري) ما أحبّ هذا الدعاء إلى القلوب "حسبنا الله" تشعر بها بالسكينة على قلبك،الله يكفيني، يكفي قلبي فلا أقلق ولا أنزعج ولا أرتاب ولا تصيبني من جرّاء الخوف أي إساءة ولا أي إشكال كيف وقد أنزل ربي سبحانه وتعالى على قلبي برد الرضا فصرت ساكناً هادئاً مرتاحاً.

إذاً فمن حظ المؤمن أن يستشعر أن الله الحسيب هو الذي يكفيه لا غنىً له عنه بل لا يتصور العبد حياته دون ربه،

فيديم اتصاله به ويديم افتقاره له ويتجسد ذلك في دوام الدعاء.

 فتجد دائما العبد المنيب إلى ربه دائم الاتصال بربه وكلمة (يارب ) هذه لا تخلو منها ساعة من وقته " يارب" دائماً يارب اغفر لي ،يارب تب عليّ ،يارب استرني ،يارب يارب ليس لي سواك.. يارب يارب.. يتصل بالله سبحانه وتعالى في كل وقت وفي كل حين .

لاشك أن المعنى الثالث : الذي ينبغي أن نتوقف عنده ملياً في اسم الله تعالى الحسيب هي مسألة المحاسبة :

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة في موضوع (الحسيب ) وهي بعنوان : شروط وأركان المحاسبة

وضع العلماء للمحاسبة شروطاً وأركاناً ينبغي أن نفقهها :

أول الأمر : أن يكون الإنسان دائماً أبداً محاسباً لنفسه " حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا " فمن حاسب نفسه بدقه في حياته خُفّف عليه من الحساب يوم القيامة.

 ثم اعلم أنه من أدب المؤمن مع ربه أن يعلم أن الله سبحانه وتعالى سيحاسبه غداً على الكبيرة والصغيرة، ويطالبه بالنقير والقطمير ومن وراء علم العبد بذلك عليه أن يحاسب نفسه قبل أن يحاسبه غيره، فيطالب قلبه بالقيام بالحقوق قبل أن يطالبه سواه، ومتى راقب العبد معنى الحسيب تجلّى له نور الله القريب، فانبثق في قلبه نور فإذا نفسه تحاسبه على التقصير في الطاعة وتذكّره بحساب يوم القيامة. [سلسلة شرح الأسماء الحسنى - هاني حلمي ]

من آثار الإيمان باسم الله الحسيب ~ محاسبة النفس ، قال الماوردي في مـعـنـى المحاسبة: "أن يتصفّح الإنسان في ليله ما صدر من أفعال نهاره، فإن كان محموداً  أمـضـــــاه وأتبعه بما شاكله وضاهاه، وإن كان مذموماً استدركه إن أمكن، وانتهى عن مثله في المستقبل"

وقفة مختصرة مع أهمية المحاسبة وبعض الآثار الواردة فى ذلك :

قال ـ تعالى ـ:{قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا(9)وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} [الشمس: 9، 10]،

 وقال مالك بن دينار:"رحم الله عبداً قال لنفسه: ألستِ صاحبة كذا؟ ألستِ صاحبة كذا؟ ثم ذمّها، ثم خطمها، ثم ألزمها كتاب الله ـ عز وجل ـ فكان لها قائداً".

  ويـقــول الله ـ عزّ وجلّ ـ في وصف المؤمنين الذين يحاسبون أنفسهم عند الزلّة والتقصير ويرجعون عمّا كانوا عليه:

{إنَّ الَذِينَ اتَّقَوْا إذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإذَا هُم مُّبْصِرُونَ}.[الأعراف: 201].

 وروى الإمام أحمد في كتاب الزهد عن عمر بن الخطاب أنه قال: ( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غداً، أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزيّنوا للعرض الأكبر" يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ [الحاقة:18] )، .محاسبة النفس ضرورة ملحة- [محمد حسين يعقوب ]

قال ابن قدامة في منهاج القاصدين: "واعلم أن أعدى عدو لك نفسك التي بين جنبيك، وقد خلقت أمارة بالسوء، ميالة إلى الشر، وقد أمرت بتقويمها وتزكيتها وفطامها من مواردها وأن تقودها بسلاسل القهر إلى عبادة ربها، فإن أهملتها جمحت وشردت ولم تظفر بها بعد ذلك وإن لزمتها بالتوبيخ رجونا أن تصير مطمئنة، فلا تغفلن من تذكيرها." [صالح العليوي ]

 أركان المحاسبة :

 أحدها : أن تقايس بين نعمته وجنايتك .

يعني تقايس بين ما من الله وما منك ،فحينئذ يظهر لك التفاوت ، وتعلم أنه ليس إلا عفوه ورحمته ، أو الهلاك والعطب . وبهذه المقايسة تعلم أن الرب رب والعبد عبد ، ويتبين لك حقيقة النفس وصفاتها ، وعظمة جلال الربوبية ، وتفرد الرب بالكمال والإفضال ، وأن كل نعمة منه فضل ، وكل نقمة منه عدل ، وأنت قبل هذه المقايسة جاهل

بحقيقة نفسك ، وبربوبية فاطرها وخالقها ، فإذا قايست ظهر لك أنها منبع كل شر ، وأساس كل نقص، وأن حدها الجاهلة الظالمة ، وأنه لولا فضل الله ورحمته بتزكيته لها ما زكت أبدا ، ولولا هداه ما اهتدت ، فهناك تقول حقا:

" أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي "

 الثاني من أركان المحاسبة : وهي أن تميز ما للحق عليك من وجوب العبودية ، والتزام الطاعة ، واجتناب المعصية ، وبين ما لك وما عليك ، فالذي لك : هو المباح الشرعي ، فعليك حق ، ولك حق ،فأد ما عليك يؤتك ما لك . ولابد من التمييز بين ما لك وما عليك، وإعطاء كل ذي حق حقه

 الثالث : أن تعرف أن كل طاعة رضيتها منك فهي عليك، وكل معصية عيرت بها أخاك فهي إليك .

رضاء العبد بطاعته دليل على حسن ظنه بنفسه ، وجهله بحقوق العبودية ، وعدم عمله بما يستحقه الرب جل جلاله ويليق أن يعامل به . [مدارج السالكين لابن القيم ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة في موضوع (الحسيب ) وهي بعنوان : كيفية محاسبة النفس :

محاسبةِ النفس نوعـان : نوعٌ قَبلَ العمل ، ونوعٌ بعدَه .

 النوعُ الأول : محاسبة النفس قبل العمل : وهو أن ينظرَ العبدُ في هذا العمل ، هل هوَ مقدورٌ عليهِ فيعملَه؟

مثل الصيام والقيام . أو غيرَ مقدورٍ عليهِ فيتركَه. ثم ينظر هل في فعله خيرٌ في الدنيا والآخرة فيعملَه ، أو في عملِه شرٌ في الدنيا والآخرة فيتركَه . ثم ينظر هل هذا العمل للهِ تعالى أم هو للبشر ؟، فإن كان سيعملُه لله فعلَه ، وإن كانت نيتَهُ لغيرهِ ترَكه.  [مقال محاسبة النفس - صيد الفوائد ]

النوع الثاني : محاسبة النفس بعد العمل وهو ثلاثة أنواع : النوعُ الأول : محاسبة النفس على طاعاتٍ قصَّرتْ فيها . كتركها للإخلاصِ أو للمتابعة ،أو تركِ العمل المطلوب كترك الذكر اليومي ، أو تركِ قراءةِ القرآن ، أو تركِ الدعوة أو ترك صلاةِ الجماعة أو ترك السننِ الرواتب .  ومحاسبة النفس في هذا النوعِ يكون بإكمالِ النقص وإصلاح الخطأ ، والمسارعةِ في الخيرات وترك النواهي والمنكرات ، والتوبةِ منها ، والإكثارُ من الاستغفار ،ومراقبةُ اللهِ عز وجل ومحاسبة القلب والعمل على سلامتِه ومحاسبةُ اللسان فيمـا قالَه ، وإشغالِه إما بالخيرِ أو بالصمت ،وكذلك يكونُ بمحاسبة العين فيما نظرت ، فيطلقها في الحلالِ ويَغُضُّها عن الحرام ، وبمحاسبة الأُذن ما الذي سَمِعته ، وهكذا جميعِ الجوارح .

النوعُ الثاني من أنواع محاسبة النفس بعد العمل : أن يحاسبَ نفسَهُ على كلِّ عملٍ كانَ تركُهُ خيراً من فعله ؛

لأنهُ أطاعَ فيه الهوى والنفس ، وهو نافذةٌ على المعاصي ، ولأنهُ من المتشابه ،يقولُ صلى الله عليه وسلم :

(( إن الحلال بَيِّن ! وإن الحرام بَيِّن، وبينهما أمور مشتبهات ، لا يعلمهن كثيرٌ من الناس ، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقعَ في الشبهات وقع في الحرام )) .ويقولُ عليه الصلاة والسلام : (( دع ما يَريبُك إلى ما لا يَريبُك )).

والنوع الثالث : أن يُحاسبَ الإنسانُ نفسَه على أمرٍ مباح أو معتاد : لـمَ فعله ؟ وهل أرادَ به الله والدارَ الآخرة فيربح ، أم أرادَ به الناسَ والدنيا فيخسر ذلك الربح ويفوتَهُ الظَفَرُ به[مقال محاسبة النفس- صيد الفوائد ]

*إيمانًا واحتسابًا:

الاحتساب لغة: مصدر احتسب وهو من مادة (حَ سَ بَ) التي تدل في اللغة على معانٍ عديدةٍ منها:

العدُّ والكفاية. ومن المعنى الأول (العدُّ) قولهم: حسبت الشيء أحسبه حسباً وحسباناً، ومن الباب: الحِسبَةُ وهو الأجر أو احتساب الأجر، ويقال: أحتسب بكذا أجراً عند الله، وفي الحديث: "من صام رمضانَ إيماناً واحتساباً". أي طلباً لوجه الله تعالى وثوابه..

والاحتساب اصطلاحاً :

قال الكفوي: الاحتساب: هو طلب الأجر من الله تعالى بالصبر على البلاء مُطمئنةً نفس المحتسب غير كارهةٍ لما نزل بها من البلاء.

وقال ابن الأثير: الاحتساب في الأعمال الصالحة وعند المكروهات البِدار إلى طلب الأجر وتحصيله بالتسليم والصبر،

أو باستعمال أنواع البر والقيام بها على الوجه المرسوم فيها طلباً للثواب المرجو منها. ومن التعريفيين السابقين،

يكون الاحتساب ثلاثة أنواع هي:

1-احتساب الأجر من الله تعالى عند الصبر على المكاره، وخاصة فقد الأبناء إذا كانوا كباراً.

2- احتساب الأجر من الله تعالى عند عمل الطاعات يُبتغى به وجهه الكريم كما في صوم رمضان إيماناً واحتساباً، وكذا في سائر الطاعات.

3- احتساب المولى ـ عز وجل ـ ناصراً ومعيناً للعبد عند تعرضه لأنواع الابتلاء من نحو منع عطاء أو خوف وقوع ضرر، ومعنى الاحتساب في هذا النوع الثالث الاكتفاء بالمولى ـ عز وجل ـ ناصراً ومعيناً والرضا بما قسمه للعبد إن قليلاً وإن كثيراً. والأدلة عليه من الكتاب والسنة كثيرة، ومن قوله تعالى: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل}. [آل عمران: 173]. وهذه الآية في النوع الثالث من أنواع الاحتساب.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة في موضوع (الحسيب ) وهي بعنوان : الأدلة على الاحتساب:

ومن الأدلة على الاحتساب عند الطاعات قوله تعالى: {إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله والله غفور رحيم}. [البقرة: 218]. والآيات والأحاديث في الاحتساب كثيرة، قد يطول المقام بحصرها..  [موقع صيد الفوائد ]

الاحتساب تجارة المخلصين :

مما لا شك فيه أن ما عند الله خيرٌ وأبقى:  (وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)  [الشورى:36].

فما قدمه العبد لنفسه من الصالحات يجده عند الله تعالى كاملاً مضاعفًا:

 (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً)[المزمل:20].

من هنا تأتي أهمية الاحتساب،  إذا استحضر العبد هذا المعنى العظيم في نفسه عند قيامه بالطاعات فإنه سيدفع عن نفسه خواطر السوء من السمعة والرياء وطلبة المدح والثناء من الناس إلى غير ذلك من الآفات التي تحبط العمل أو تنقص الأجر؛ لأنه حصر همه في رضا الله وطلب الأجر منه.

وعندئذ يفوز بالأجر العظيم والثواب الجزيل، كما دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم:

 "من صام رمضان إيمانًا و احتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه".

بل إن العبد المسلم يؤجر على نفقته على أهله وهي واجبة عليه كأجر الصدقة إن هو احتسبها كما ورد في الحديث:

 "إن المسلم إذا أنفق على أهله نفقة وهو يحتسبها كانت له صدقة".  فانظر كيف عظم الأجر بسبب الاحتساب في الطاعات  فاحتسب أيها الحبيب في طاعاتك وعباداتك، واحتسب في البلايا والشدائد، يثبت الله قلبك ويعلي ذكرك ويضاعف أجرك. [الاحتساب تجارة المخلصين - إسلام ويب ]

من فوائد الاحتساب :

1- امتثال لأمر الله و متابعة لرّسول الكريم.

2- يزكّي العمل فيتضاعف رصيد الإيمان والحسنات

3- سبب للاخلاص والبعد عن شبهة الرياء فلا تريد من أحد جزاءا ولا شكورا لأن النية محلها القلب...فمن يطلع على القلب غير الله؟

4- من علامات حسن الظن بالله فأنا أعمل العمل الصالح وأنا أحسن الظن بربي الكريــم أنه سيقبل عملي مع تقصيري وجهدي

5- سبب لتقوية العزم فحتى لو كسلت في وسط العمل فمجرد ما اتذكر الثواب والأجر أرجع أنشط مرة اخرى

6- المداومة على الاحتساب تجعل الحياة كلها طاعات

فجميعنا نصوم رمضان كباقي الناس في كل عام لكن العاقل من يستفيد من كل لحظة فيه فيحتسبها طاعة فيأخذ الثواب على حسب عدد النوايا التي عددها في العمل الواحد

7- بالاحتساب توهب لك أعمالك عند طروء عذر شرعي منعك من القيام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا مرض العبدُ أو سافر ، كتب اللهُ تعالى له من الأجرِ  مثلَ  ما كان  يعملُ صحيحًا مُقيمًا "  -

8- الاحتساب يزيد العبد رفعة عند ربه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه :  "إنك لن تُخَلَّفَ، فتعمَلَ عملًا تبتغي به وجهَ اللهِ، إلا ازدَدتَ درجةً ورِفعَةً"  - صحيح البخاري

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة في موضوع (الحسيب ) وهي بعنوان :

  *وقفة مع "إيمانًا و احتسابًا" :

جاء في فتح الباري : والمراد بـِ " الإيمان " : الاعتقاد بحق فرضية صومه ، و المراد بـِ " الاحتساب " طلب الثواب من الله تعالى .

 وقال الخطابي " احتسابا " : أي عزيمة ،وهو أن يصومه على معنى الرغبة في ثوابه طيبة نفسه بذلك غير كارهة له ، ولا مستثقلة لصيامه ولا مستطيلة لأيامه .

وفي مثل هذا يقول ابن الجوزي : قوله صلى الله عليه وسلم : " إيمانا و احتسابا " أي

 تصديقا بالمعبود الآمر له ،وعلما بفضيلة القيام ووجوب الصيام ،وخوفا

من عقاب تركه،ومحتسبا جزيل أجره،وهذه صفة المؤمن.

وهذا الحديث دليل بيِّن على أن الأعمال الصالحة لا تزكو ولا تتقبل؛ إلا مع الايمان و الاحتساب و الإخلاص و صدق النيات والله أعلم

ومن لطائف هذا الحديث :

أنّ المعَوَّل على القبول لا على الاجتهاد وحده ، بل بـ "بـر القلوب" معه ، فرُب قائم حظه من قيامه السهر ،وكم من قائم محروم ، وكم من نائم مرحوم ؛ نام وقلبه ذاكر وذاك قام وقلبه فاجر!

لكنَّ العبد مأمور بالسعي في اكتساب الخيرات والاجتهاد في الأعمال الصالحات.

معنى الحسيب في حقّ الله تعالى :

 الكافي – سبحانه – جميع عباده كل ما يحتاجون إليه من المنافع، الدَّافع عنهم كل ما يكرهون من المساوئ

يقول الشيخ السعدي في تعريف هذا الاسم :

“الحسيب: هو العليم بعباده، كافي المتوكلين همومهم وغمومهم ، المجازي لعباده بالخير والشر بحسب حكمته وعلمه بدقيق أعمالهم وجليلها.

 والحسيب بمعنى الرقيب المحاسب لعباده المتولي جزاءهم بالعدل ، وبالفضل، و يحفظ أعمال عباده من خير وشر، فهو الذي يحاسب كل الخلائق، يوم يردون إليه، وقد أحصى منهم كلَّ شيءٍ عددًا، لا تخفى عليه خافية، ولا يعزب عن علمه مثقال ذرَّة، في الأرض ولا في السموات العلى يُحاسبهم عليها ويُجازيهم بها على حسب مقتضيات أعمالهم ()

قال تعالى: {وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين} الأنبياء.

و قال الله تعالى: {فأما من أوتي كتابه بيمينه*فسوف يحاسب حسابا يسيرا*وينقلب إلى أهله مسرورا*وأما من أوتي كتابه وراء ظهره*فسوف يدعوا ثبورا*ويصلى سعيرا} الانشقاق:8-12 :” أربع ورقات برسيم

 وهو الذي يُحصي أعداد المخلوقات، وهيئاتها، وما يميِّزها، ويضبط مقاديرها، وخصائصها، ويحصي أعمال المكلَّفين، في مختلف الدواوين. والله تعالى هو: {أسرع الحاسبين} الأنعام.

لا أحد أسرع حسابًا منه، فلا يشغله حساب أحدٍ عن أحد.

والحسب هو الكفاية، ونحن نقول: حسبي الله ونعم الوكيل، ونقصد بأن الله هو كافينا من كلّ شيء :”

و كفايته لعباده نوعان:

الأولى: كفاية عامّة

للخلائق كلها بإيجادها، وإرزاقها، وإمدادها، لكل ما خلقت له، وهيَّأ للعباد من جميع الأسباب ما يغنيهم، ويقنيهم

و الثانية: كفاية خاصة

لعباده الموحِّديـن، المخلصيـن لـه فـي العبوديـة ، بالنصر والتمكين، الدافع عنهم في كلِّ ما يكرهون، الكافي لكل أمورهم في الدنيا والدين، قال تعالى: {يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين} الأنفال ، أي كافيك، وكافي أتباعك ، فعلى قدر المتابعة تكون الكفاية والنصرة والعناية قلب أسود عريض

وأخَصّ من ذلك: أنه الحسيب للمتوكِّلين، قال تعالى: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} الطلاق: : 3

أي: كافيه كل أموره الدينية، والدنيوية، فيغنيه عن كلِّ ما سواه من البرية، فكفاية الله تعالى لعبده، بحسب ما قام به من متابعة الرسول، ظاهرًا، وباطنًا، وقيامه بعبودية الله تعالى .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة في موضوع(الحسيب)وهي بعنوان : *وقفة مع"إيمانًاواحتسابًا" :

قول الرجل للآخر :  (حسيبك الله ) له أربعة معان :”

الأوّل : العالِم  فيكون الكلام قد خرج مخرج التهديد، فهو كقوله: الله مطّلع وعالم بما تفعله.

والثاني : الاقتدار فكأنّه يقول: الله قديرٌ عليك.

 والثالث : الكفاية فالله كافيك وناصرك.

 والرابع: المحاسبة فيكون المقصود: الله محاسبك على أفعالك.

يُسمى الله بـ ” الحاسب ”

أورد بعض العلماء تسمية الله تعالى باسم “الحاسب”

واستدلّوا على هذا الاسم بقول الله تعالى: {وكفى بنا حاسبين} الأنبياء:47

وقوله تبارك وتعالى، {وهو أسرع الحاسبين} الأنعام:6 وعلى الرغم مما ذكروه إلا أنه لا يظهر مشروعية تسمية الله تعالى بهذا الاسم ، فلا ينبغي أن نثبته له ، فإن الأدلّة التي قاموا بإيرادها لا تدلّ صراحةً على هذه التسمية، وإنما استنبط العلماء هذا الاسم من الألفاظ القرآنيّة الدالة على الصفة فحسب، لذلك نجد أن أكثر العلماء من الذين اعتنوا بجمع أسماء الله وتحقيقها لم يوردوا هذا الاسم.

[الأنترنت - نادي غَيْم الدعوي‏‏ - نادي التوعية الدينية بكلية العلوم والدراسات الإنسانية بالجبيل .]

وقال الشيخ خالد السبت  : حديثنا عن اسم من أسماء الله -تبارك وتعالى- وهو (الحسيب) وسيكون هذا الحديث -بإذن الله- متضمناً لأربع قضايا:

الأولى: في بيان معنى هذا الاسم الكريم.

الثانية: في ذكر ما يدل عليه من الكتاب، والسنة.

الثالثة: في ذكر ما يدل عليه هذا الاسم.

الرابعة: في الكلام على آثار الإيمان بهذا الاسم الكريم.

أولا: ما يتصل بمعنى هذا الاسم الكريم:

الحسيب في لغة العرب يدل على معانٍ متعددة، والذي يناسب في هذا المقام من هذه المعاني فيما يتصل بأسماء الله –جل جلاله- قد لا يزيد عن ثلاثة.

المعنى الأول: من معاني (الحسيب) في لغة العرب هو: (الكافي)، تقول: حسبي، يعني: كفاني، حسبي كذا، حسبي منك كذا يعني: يكفيني كذا، إذا أعطاك أحد شيئاً،فاكتفيت،ثم قلت: حسبي، يعني: كفاني[انظ:جمهرة اللغة1/277]

المعنى الثاني: لـ(الـحسيب)، هو: أنه الذي يحاسب، فهي صيغة مبالغة، حسيب على وزن فعيل، يحاسب، فالذي يحاسب غيره يقال له: حسيب[انظر: تهذيب اللغة (4/192)، وانظر: الزاهر في معاني كلمات الناس (1/6).]

والمعنى الثالث -وهو قريب من المعنى الثاني- وهو المحصي، الذي يحصي الأشياء، لا يفوته منها شيء،[انظر: تفسير الطبري (20/278).كما سيأتي.]

فهذه المعاني الثلاثة صحيحة في حق الله -تبارك وتعالى-، وهي من جملة ما يفسر به هذا الاسم الكريم، فيقال: الله -تبارك وتعالى- هو الحسيب، يعني: الكافي من الحَسْب، بمعنى: الكفاية، وهذه الكفاية بنوعيها: الكفاية العامة لعموم الخلق، فالله -تبارك وتعالى- هو الذي يرزقهم، ويعطيهم، وهو الذي يخلقهم، وهو الذي يكفيهم كل ما يحتاجون إليه، فلا يفتقرون إلى أحد سواه؛ لأن الله -تبارك وتعالى- هو الذي خلق الناس، والخلائق، وخلق الأرض، وقدر فيها أقواتها، فكل ما يحصل للناس إنما هو من فضل الله جل جلاله- ، وكفايته، وهذه الكفاية قد جعل الله جل جلاله- سنته في هذا الكون أن جعل الأسباب، والمسببات، وهو جل جلاله- خالق الأسباب، كما أنه خالق المسببات، فينبغي أن ينظر إلى هذا المعنى بهذا الاعتبار، فهذه الوسائط التي يتحصلون بواسطتها على ما يحتاجون إليه من أرزاقهم، وأقواتهم هو الذي هيأها، وخلقها، وهداهم إليها، يعني: حينما خلق الله -تبارك وتعالى- الأرض، وهيأ فيها الأرزاق، والمعايش،وذللها هدى هذه المخلوقات إلى ما يكون به قوامها، وما يحصل به ما تتحقق به معايشها، علّمهم ذلك، وهداهم إليه هداية فطرية.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة العاشرة في موضوع(الحسيب)وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *المحصي

انظر إلى الجنين وهو في بطن أمه، كيف تكون حياته؟ وما الذي يقيمه؟ جعل الله جل جلاله- له من الأسباب ما لا يد له فيه، وما لا يد لأحد من الخلق فيه، حتى الأم فإنها لا تعطيه شيئاً، ولا تتمكن من ذلك، ثم انظر إليه حينما يخرج من بطن أمه فإنه يلتقم الثدي، وقبل ذلك لم يكن ثدي أمه دارًّا بالبن، فإذا خرج هذا المولود در ثديها، ثم هدى الله جل جلاله- هذا الصغير إلى التقام ذلك الثدي، فصار غذاؤه من هذا اللبن، وهكذا تستطيع أن تقيس على ذلك كل ما تشاهده في هذه الحياة، فالله -تبارك وتعالى- هو الذي يكفي الخلق؛ ولهذا يقول ربنا -تبارك وتعالى-: وَآتَاكُمْ مِنْ كل ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ إبراهيم:34.

حتى في حال المرض، فإن بعض أهل العلم يقولون: ينبغي أن يُترك المريض فيما يشتهيه من الطعام، فإن الله قد يلهمه ما تحصل به عافيته، ثم انظر إلى أهل البوادي حيث لا يجدون الأطباء، أهل القرى، والمدن، والأمصار عندهم أطباء، لكن حيث لا يوجد الأطباء في البوادي، فكما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وبعض أهل العلم -كابن خلدون- يقولون: "إن أهل البوادي لا يحتاجون إلى الأطباء كثيرًا"[ انظر: الفتاوى الكبرى لابن تيمية (3/7)، وتاريخ ابن خلدون (1/523).. ]، وإذا نظرت إلى حالهم، ومزاولاتهم في علاج الأمراض، والأدواء تجد أنهم يتوصلون إلى ذلك بأقرب طريق، وإذا نظرت إلى ما أعطاهم الله جل جلاله- من المنعة، والقوة، والقدرة على تحمل الأمراض وجدت ذلك يتناسب مع البيئة التي يعيشون فيها. 

بل لو سألتم من يتطببون، ويتعاطون طب الحيوان فإنهم يقولون: يوجد عند الحيوانات من المناعة أضعاف أضعاف ما عند الإنسان، كنت أتعجب! أسأل بعضهم حينما يجرون العمليات لهذه الحيوانات، ثم تخرج، فتتمرغ بالتراب، أمَا يحصل عندها تلوث، وتسمم، ومضاعفات، المريض يحتاج بعد العملية إلى مدة في المستشفى، يحتاج إلى معقمات، ومضادات وما أشبه ذلك؟، قالوا: هي لا تحتاج إلى شيء من هذا، عندها مناعة قوية جدًّا، تخرج من العملية، وتجدها رابضة في التراب، ولا يضرها ذلك شيئاً، من الذي هيأ هذا، وجعل لكل شيء ما يصلحه، ويناسبه؟، إنه الله -تبارك وتعالى- الذي كفى خلقه ما يحتاجون إليه، وأما الكفاية الخاصة فهي لأهل الإيمان، تكون لأوليائه، وأهل طاعته، أهل العبودية الخاصة الذين عرفوه، فتوجهوا إليه، وتعبدوا إليه عبودية الاختيار، فاشتغلوا بذكره، وشكره وعبادته، فهؤلاء الله -تبارك وتعالى- يكلؤهم، ويحوطهم، ويحفظهم، وينصرهم، كما قال الله -تبارك وتعالى-: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ  الزمر:36، و"العبد" هنا مفرد مضاف إلى المعرفة، الضمير (الهاء)، وذلك للعموم، بمعنى: أليس الله بكاف عباده؟ ويدل على ذلك القراءة الأخرى المتواترة، فذلك لا يختص بالنبي ﷺ، نعم هو -عليه الصلاة والسلام- أولى من يدخل في هذه الآية، ولكن الآية تشمل رسول الله ﷺ، وتشمل أهل العبودية الخاصة، بقدر ما يحققون من هذه العبودية بقدر ما يكون لهم من الكفاية؛ لأن الحكم المعلق على وصف يزيد بزيادته، وينقص بنقصانه، أليس الله بكافٍ عباده؟! على قدر ما يكون عندنا من العبودية على قدر ما يحصل لنا من الكفاية، إن زاد هذا زادت الكفاية، إن زاد الوصف زاد الحكم المرتب عليه، وهو الكفاية، وإن نقص الوصف وهو العبودية نقصت كفاية الله جل جلاله-  للعبد بحسب ما قصر، وفرط، ونقص من عبوديته، فمن أراد كفاية الله جل جلاله-  فليقبل عليه، ليتقرب إلى الله -تبارك وتعالى-، لا سيما عبادات السر، إذا كان للعبد خبيئة لا يطلع عليها إلا الله جل جلاله- ولو كانت يسيرة- فإنه يجد أثر ذلك في الملمات، والكروب، والشدائد حينما تداهمه (تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة)[ أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، برقم (11560)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير، برقم (2961). ]، (احفظ الله يحفظك)[ أخرجه أحمد في المسند، برقم (2669)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح، برقم (5302). ] ، فهذه أمور يحتاج المؤمن أن يربى عليها نفسه.  

وأكثر ما جاء وصف (الحَسْب) في القرآن إنما يراد به هذا النوع الخاص، وهو كفاية أهل الإيمان، الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُآل عمران:172-173، أي: أن الله يكفينا، ونعم الوكيل، فهذا كفاية لأهل الإيمان؛ ولهذا قال: فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍآل عمران:174، حصلت لهم الكفاية، لم يمسسهم سوء، انقلبوا بألطاف الله جل جلاله-.

وهكذا في قوله: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الأنفال:64، أي: أن حسبهم الله، وليس المعنى: أن حسبه الله، وأن حسبه من اتبعه من المؤمنين، أي: أن الله يكفيه بألطافه، وقوته، ومعونته، ويكفيه بأهل الإيمان، ليس هذا هو المعنى، وإنما المعنى: أن الله كافيك، وأنه يكفي من اتبعك من المؤمنين، فالله كافٍ أولياءه، هذا هو المعنى، حسبك الله، وحسب من اتبعك من المؤمنين، فهذا كله بهذا المعنى الخاص من الكفاية، هذا المعنى الأول للحسيب، يعني: الكافي الكفاية العامة، والكفاية الخاصة.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الحادية عشرة في موضوع ( الحسيب ) وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *المحصي

والمعني الثاني: وهو المحصي الذي يحفظ أعمال العباد من خير وشر، ويحفظها، لا يفوته من ذلك شيء، كما أنه يحاسبهم على ذلك، فهذا من معاني الحسيب، يحصي الأعمال، والآجال، وكل شيء، كما أنه أيضاً يحاسب عباده على أعمالهم، فهو حسيب بمعنى: محاسب، كما قال -تعالى-: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} النساء:6،على هذا المعنى، وسيأتي ما قاله ابن جرير-رحمه الله-في تفسيره.

وهكذا في قوله -تعالى-: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًاالنساء:86، ليس معناه: كان على كل شيء كافياً، وإنما يحصي الأعمال، ويحاسب عليها، ويجازي.

وهكذا في قوله –تعالى-: ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ الأنعام:62 ليس معناه: هو أسرع الكافين، وإنما ذلك من المحاسبة، أو الحَسْب بمعنى: الإحصاء، والعد، كما سيأتي.

وهكذا في قوله -تعالى-: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ الأنبياء:47.

وهكذا قوله -تعالى-: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًاالطلاق:8، فذلك كله يرجع إلى هذا المعنى الثاني، والثالث، والله تعالى أعلم.

فالله –جل جلاله- حسيب بمعنى: ضابط لأعداد المخلوقات، وهيئاتها، وخصائصها، وأوصافها، ومقاديرها، ويضبط مقادير الأشياء، لا يفوته منها شيء، ويحصي أعمال المكلفين، ويحصي أرزاقهم، وآجالهم، وأقدارهم، ومآلهم حال كونهم في هذه الحياة الدنيا، وبعد موتهم عند الحساب

الله - جل جلاله- - حسيب بمعنى: ضابط لأعداد المخلوقات، وهيئاتها، وخصائصها، وأوصافها، ومقاديرها، ويضبط مقادير الأشياء، لا يفوته منها شيء، ويحصي أعمال المكلفين، ويحصي أرزاقهم، وآجالهم، وأقدارهم، ومآلهم حال كونهم في هذه الحياة الدنيا، وبعد موتهم عند الحساب

، قال -تعالى-: اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ * عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِالرعد:8-9، لا يفوته شيء - جل جلاله- -، هذا الخلق الهائل بكل ذراته الله - جل جلاله- - قد أحصاه، وعده، ولا يغيب عنه قليل، ولا كثير، وعلى كثرة أفعال الناس، ومزاولاتهم، وعلى كثرة كلامهم الله -تبارك وتعالى- لا يفوته من ذلك شيء.

وهكذا جاءت عبارات المفسرين كما قال ابن جرير -رحمه الله- في قوله -تبارك وتعالى-: وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًاالنساء:6، هنا فسره بالكافي، أي: كافيًا من الشهود الذين يشهدون له أنه دفع مال اليتيم[انظر: تفسير الطبري (7/596).]

 ، كفى بالله كافياً، مع أن أكثر المفسرين لا يفسرونه هنا بالكافي، وإنما المحاسب، وهكذا في قوله -تبارك وتعالى-: وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًاالنساء:6، فسره ابن جرير -رحمه الله- بالحافظ لأعمال الخلق[المصدر السابق (20/278).]

وهكذا في قوله -تبارك وتعالى-: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا النساء: 86، يقول: "حفيظاً عليكم"[ المصدر السابق (8/591).]

فهنا يفسر ابن جرير -رحمه الله- مثل هذه المواضع في كتاب الله -تبارك وتعالى- تارة بـ(الكافي)، وتارة بـ(المحصي)، وتارة بـ(الحفيظ) الذي يحفظ أعمال العباد - جل جلاله- وتقدست أسماؤه-، وتجد في عبارات بعض أهل العلم كصاحب المنهاج في شعب الإيمان، حيث فسر الحسيب بأنه: "المدرك للأجزاء، والمقادير التي يعلم العباد أمثالها بالحساب من غير أن يحسب"، يعني العباد يحتاجون إلى عد، وعقد باليد، أو يحتاجون إلى آلة حاسبة، أو نحو ذلك، فالله يحسب ذلك جميعاً، من غير حاجة إلى ما يزاولونه من أجل أن يتوصلوا إلى النتيجة، ويقول: لأن الحاسب يدرك الأجزاء شيئاً، فشيئاً، ويعلم الجملة عند انتهاء حسابه، والله لا يتوقف علمه بشيء على أمر يكون، وحال يحدث"[انظر: الأسماء والصفات، للبيهقي (1/126). ]، يعني: لا يحتاج إلى مقدمات حتى يصل إلى النتائج، العمليات الطويلة، العمليات الصعبة في الرياضيات تحتاج إلى مقدمات أحياناً، وربما تحتاج إلى خطوات كثيرة، قد تحتاج إلى ساعات من أجل أن تحل المسألة الواحدة، وقد لا يصل إليها إلا النادر من الحذاق، لكن الله -تبارك وتعالى- لا يحتاج إلى شيء من ذلك، فهو العليم، الخبير، الحسيب.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية عشرة في موضوع ( الحسيب ) وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : * وفُسـر الحسيب بالكافي

وفسر الحافظ ابن القيم -رحمه الله- الحسيب بالكافي، كما قال في نونيته:

وهو الحسيبُ حمايةً وكفايةً *** والحَسْب كافي العبد كل أوانِ[ انظر: نونية ابن القيم (ص: 210).]

وهذا فيه شيء من الغرابة، حيث إن هذا من معناه، والمعنى أوسع من ذلك، كان من عادة ابن القيم -رحمه الله- أنه يذكر المعاني التي دل عليها الاسم الكريم، ويجمعها، ويؤلف بينها، ثم يعبر عنها بأحسن عبارة، بينما تجد في كلام الشيخ عبد الرحمن بن سعدي -رحمه الله- في مواضع متفرقة من تفسيره حينما يتعرض لهذا الاسم فإنه يفسره غالباً بما يجمع هذه المعاني، فهو يفسره في موضع: "بالعليم بعباده كافي المتوكلين، المجازي لعباده بالخير، والشر، بحسب حكمته، وعلمه بتدقيق أعمالهم، وجليلها"[ انظر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص: 947).]

ويقول في موضع آخر: "الحسيب بمعنى: الرقيب، المحاسب لعباده، المتولي جزاءهم بالعدل، وبالفضل، وبمعنى: الكافي عبده همومه، وغمومه، وأخص من ذلك أنه الحسيب للمتوكلين،وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ الطلاق:3؛ أي: كافيه أمور دينه، ودنياه"[ انظر: تفسير أسماء الله الحسنى (ص: 182).]

ويقول في موضع ثالث: "هو الذي يحفظ أعمال عباده من خير، وشر، ويحاسبهم إن خيراً فخير، وإن شرًّا فشر"، فهذا بحسب الموضع الذي فسره به.

وفي قوله -تبارك وتعالى-: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الأنفال:64، ذكر نحواً مما سبق، وبين أن هذه الكفاية تكون للعبد بحسب تحقيقه للإيمان، والعبودية، والمتابعة للنبي ﷺ ظاهراً، وباطناً"[المصدر السابق.]

وهكذا في قوله –تعالى-: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًاالنساء:86، أي: يحفظ على العباد أعمالهم، صغيرها وكبيرها، حسنها وسيئها، ثم يجازيهم عليها، فنخلص من هذا: أن الحسيب هو الكافي، وهو أيضاً الذي يحاسب عباده، وهو كذلك الذي يحصي أعمالهم، وأرزاقهم، وآجالهم إلى غير ذلك، فلا يفوته منه شيء.

ثانياً: ما يدل على هذا الاسم الكريم في الكتاب والسنة:

هذا الاسم يمكن أن يستدل عليه بـ خمس آيات، في آيتين منها جاء بصيغة الجمع، وفي الأولى منهما بصيغة أفعل التفضيل: أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ  الأنعام:62، وفي الثانية: وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ الأنبياء:47، ولهذا بعض أهل العلم عد من أسمائه الحسنى: سريع الحساب، وعد بعضهم من الأسماء: أسرع الحاسبين، وهذا بناءً على الأصول التي تقدمت في أول هذه الدروس، أن ذلك لا يكون من الأسماء إلا في حال الإطلاق كما في قوله -تبارك وتعالى- في الآيات الثلاث: وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَالأنبياء:47، وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا النساء:6، والأحزاب:39، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا النساء:86. 

ويمكن أن يستدل على ذلك من السنة بحديث أبي بكرة -  المشهور: (إن كان أحدكم مادحًا لا محالة فليقل: أحسب كذا وكذا، إن كان يرى أنه كذلك، وحسيبه الله، ولا يزكي على الله أحداً)[ أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب ما يكره من التمادح، برقم (6061)، ومسلم، كتاب الزهد، والرقائق، باب النهي عن المدح إذا كان فيه إفراط وخيف منه فتنة على الممدوح، برقم (3000)، واللفظ للبخاري.]

،(وحسيبه الله)، وإن كان هنا جاء بصيغة مقيدة، لكن لم يُثبَت هذا الاسم من هذا الحديث استقلالاً.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة عشرة في موضوع ( الحسيب ) وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : ثالثاً: ما يدل عليه هذا الاسم الكريم:

هذا الاسم يدل بدلالة المطابقة على الذات، وعلى هذه الصفات: (الكفاية، والمحاسبة)، محاسبة العباد، وإحصاء الأعمال، ويدل بدلالة التضمن على أحدهما، كما أنه يدل بدلالة اللزوم على جملة من صفات الله -تبارك وتعالى- كما لا يخفى، فإن الحسيب إذا كان بمعنى الكفاية فلابد أن يكون حيًّا، وقويًّا، وغنيًّا، وعليماً، وخبيراً، ولطيفاً، وما إلى ذلك من الأسماء، والصفات التي لابد منها من أجل أن تحصل الكفاية.

وهكذا أيضاً حينما يقال: إنه بمعنى المحصي، أو المحاسب لخلقه، فهذا يحتاج إلى علم العليم، الخبير، اللطيف الذي يعلم دقائق الأشياء في أحد معاني هذا الاسم، وهكذا القيوم الذي يقوم على خلقه، وكذلك أيضاً الصمد، فإن من معانيه: أنه تصمد إليه الخلائق بحاجاتها، وأقواتها، وأرزاقها، فتتوجه إليه وحده، دون ما سواه، وهكذا القدرة، والقوة، هذه الصفة التي تضمنها هذا الاسم أيًّا كان المعنى من هذه المعاني الثلاثة، هل هي صفة ذات، أو صفة فعل؟ هي من صفات الأفعال بمعنى الكفاية، أو الإحصاء، أو المحاسبة، هذه كلها من الصفات الفعلية.

رابعاً: أثر الإيمان بهذا الاسم الكريم:

يقول الله -تبارك وتعالى-: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَاالأعراف:180، وعرفنا أن الدعاء بهذه الأسماء يكون بنوعيه: دعاء المسألة، ودعاء العبادة، أما دعاء المسألة: فإنه كما قال الله -تبارك وتعالى-: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ آل عمران:173.

وهكذا أيضاً في حديث أبي هريرة -  المشهور، في قصة المرأة التي كانت ترضع صبيها، فتكلم في المهد، وفي الحديث: أنها رأت امرأة يضربونها، ويؤذونها في حال من المهانة، فقالت: "اللهم لا تجعل ابني مثلها، فقال: اللهم اجعلني مثلها"، ثم فسر ذلك، فقال: (أما المرأة فإنهم يقولون لها: تزني، فتقول: حسبي الله، ويقولون: تسرق، وتقول: حسبي الله)[ أخرجه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب حديث الغار، برقم (3466)، ومسلم، كتاب البر، والصلة، والآداب، باب تقديم بر الوالدين على التطوع بالصلاة وغيرها، برقم (2550).]

وإبراهيم ﷺ كان آخر ما قال حينما ألقي في النار: (حسبي الله ونعم الوكيل)[ أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب {إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم} [آل عمران: 173] برقم (4564).]

،هل هذا دعاء؟ النبي ﷺ لما قال: (كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن واستمع الإذن متى يؤمر بالنفخ فينفخ)، فكأن ذلك ثقل على أصحاب النبي ﷺ، فقالوا ما نقول؟ قال: (قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا)[ أخرجه الترمذي في السنن، كتاب أبواب صفة القيامة، والرقائق، والورع، باب ما جاء في شأن الصور، برقم (2431)، وقال الألباني: صحيح.]

فحينما يقول الإنسان: حسبي الله، ونعم الوكيل، هل هذا دعاء؟ بعض الناس يسأل، وبعض النساء تقول: أقول لأولادي: حسبي الله، ونعم الوكيل، أحياناً أُظلم، فأقول: حسبي الله، ونعم الوكيل، هل أكون قد انتقمت ممن ظلمني بالدعاء عليه، وأنا لا أريد أن أنتقم؟، ذلك قد يقوله الإنسان لمجرد الإخبار -والله تعالى أعلم-، يقصد به الإخبار أن الله جل جلاله يكفيني، يعني: تحصل له الكفاية، لا تصل إليه الشرور، والمخاوف وما إلى ذلك. 

وقد يقصد به أمراً زائداً على هذا القدر، وهو أن الله ينتصر له، وينتقم له، فيقول: حسبي الله، ونعم الوكيل، الله يكفيني، كأنه يقول: الله ينتصر لي منك، الله ينتقم لي ممن ظلمني، ونحو ذلك، فمثل هذا يكون من قبيل الدعاء عليه، أليس كذلك؟.

فهذا -والله تبارك وتعالى أعلم- تفصيل هذه الجملة أنه: تارة يقصد بها الدعاء، وتارة يقصد بها الإخبار عن كفاية الله جل جلاله، كفاية مجردة، أي أنه لا يصل إليه ما يتخوفه، ولا يصل إليه منهم مكروه، الله يكفيني شرهم، وأذاهم، ونحو ذلك، وقد يقصد ما هو أبعد من هذا، أن الله ينتصر له، وينتقم منهم.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة عشرة في موضوع ( الحسيب ) وهي بعنوان : دعاء العبادة

أما دعاء العبادة فهذا يمكن أن يفرع منه جملة من الأمور أذكر منها أربع قضايا:

الأولى: إذا عرف الإنسان أن الله هو الحسيب بمعنى: الكافي، فإنه يحصل عنده ثقة بالله جل جلاله- ، وركون إليه، وتوكل عليه، والله –تعالى- يقول: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الأنفال:64، ويقول: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ الزمر:36، فأهل الإيمان يثقون بكفاية الله جل جلاله-  لهم، فهو ناصرهم، ومؤيدهم، ومقويهم، فيصرف عنهم شر الأشرار، وكيد الفجار؛ ولهذا قال الله -تبارك وتعالى-: لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ آل عمران:111، لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى، فالاستثناء هنا استثناء منقطع؛ لأن الأذى ليس من الضرر؛ بدليل أن الله جل جلاله-  قال: (يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني)[ أخرجه مسلم، كتاب البر، والصلة، والآداب، باب تحريم الظلم، برقم (2577).] ، مع الحديث الآخر: (يؤذيني ابن ادم)

[ أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب وما يهلكنا إلا الدهرالجاثية: 24 الآية، برقم (4826)، ومسلم، كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها، باب النهي عن سب الدهر، برقم (2246).]

، فحينما يسب الإنسان الظالم الدهر يرجع ذلك إلى الله -تبارك وتعالى-؛ لأنه هو الذي يقلب الليل، والنهار، ويصرف الأمور، إلى غير ذلك مما يصدر من الناس من أذية الله جل جلاله ، فهذا غير الضرر، فالناس أقل من أن يضروا الله -تبارك وتعالى-، إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًاآل عمران:176، لكن الأذى يحصل، قال -تعالى-: لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَآل عمران:111، ويقول: وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِالزمر:36، ويقول: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ آل عمران:175، هذه الآية يجب أن نفهم معناها، فهي آية عظيمة، (يخوف أولياءه) ليس المعنى: أنه يوجِد الخوف في قلوب أوليائه. 

لا، "يخوف أولياءه" يعني: يخوفكم من أوليائه، يجعل لهم هيبة، يجعل لهم عظمة، يضخمهم، يكبرهم في نفوسكم من أجل أن تخافوهم، إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَآل عمران:175، ولهذا قال الله جل جلاله لنبيه ﷺ والخطاب لعموم الأمة-: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا * وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا الأحزاب:1-3، الكافرون، والمنافقون يطالبون المؤمن بأشياء من التنازلات، وأن يقدم، وأن يبذل لهم من دينه؛ من أجل أن يلتقوا معه في وسط الطريق، علهم أن يرضوا عنه، فالله يقول: اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَالأحزاب:1-3؛ لأنهم يشتركون في هذه الأشياء، يتواطئون عليها، ثم قال له: وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَالأحزاب:2، هذا هو الطريق، وإذا فعل ذلك -ترك طاعتهم، واتبع ما يوحى إليه من ربه- لن يدعوه من أذاهم، سيتسلطون عليه، وسيوجهون إليه سهامهم، وحربهم بكل ما استطاعوا، قال: وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًاالأحزاب:3، هذا منهج كبير في الحياة، وأصل عظيم، لو سارت عليه الأمة بكاملها في تعاملها مع المنافقين، والكافرين لما صارت حالهم إلى ما ترون.

فالله هو الكافي، يجب أن نثق به - جل جلاله- -: وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُالأنفال:62، الله معك في حال المعاهدات، وفي حال السلم، وفي حال الحرب، وفي حال المفاوضات إذا كنت على طريق الصراط المستقيم.

إذا كنتَ بالله مستعصمًا *** فماذا يضيرك كيدُ العبيد

لا تكترث بهم، وبقوتهم، ليست بشيء بإزاء قوة الله -تبارك وتعالى-، وجبروته، وإذا أردتم أن تعرفوا ضعف قوة الخلق انظروا إلى مدينة يضربها الزلزال بقوة، تراها صارت حصيداً، وانظروا إلى مدينة يجتاحها الطوفان تجدون عمرانها يتحول إلى قش، فقوة الله وبأسه عظيمة، لا يمكن للخلق أن يصلوا إلى حقيقتها.

يقول الله -تبارك وتعالى-: وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ الأنفال:62، فنلاحظ أن الحَسْب (الكفاية) إنما تكون مختصة بالله جل جلاله- ، لا يشاركه في هذا أحد، "فإن حسبك الله"، وأما التأييد: هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِين الأنفال:62، فالتأييد يكون بالمؤمنين، ولكن الكفاية لا تكون إلا بالله وحده، لا شريك له، فهي مختصة به، ولهذا التوكل يجب أن يكون على الله، ولا يتوكل على أحد سواه، وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُواالمائدة:23، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ آل عمران:122، الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ آل عمران:173.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة عشرة في موضوع ( الحسيب ) وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :مقام حسبنا الله ونعم الوكيل

هذا مقام تكثر فيه المخاوف، إذ  قيل لهم -بعد الجراح في أحد والهزيمة-: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ، فأصحاب القلوب الضعيفة، القلوب الخاوية من معرفة الله جل جلاله- ، الفارغة من الثقة به، والتوكل عليه، تجتاحها المخاوف؛ فيكون القلب كالريشة في مهب الريح في هذه المقامات، وهذا قد لا يتصوره الإنسان إلا في وقت المخاوف، هذه المعاني في حال الأمن لا يتصورها الإنسان، ولهذا نحن نقول: ينبغي أن تكون مثل هذه القضايا محل مدارسة دائمة، من أجل أن الإنسان يحتاج إليها.

قد لا أضيف علماً جديداً، وليس هذا هو الهدف، ولكن الهدف هو التربية الإيمانية، أن يبقى عند الإنسان رصيد يتجدد، ويثبت، وإذا حصل للإنسان المكروه، أو الشدة، أو الكرب، أيًّا كان هذا الكرب، سواء انقطع في برية، أو في لجج البحر، أو أشرف على الهلكة، حينما تصيبه الأوجاع، والأمراض التي لربما يفاجئه بها الطبيب فلربما لم تحمل الإنسان قدمه، فيبدأ في حال من الضعف، والانهيار.

الناس الذين يواجهون أنواع المكاره، في حوادث تقع لهم في الطرقات، ونحو ذلك، هؤلاء بحاجة إلى هذه المعاني، حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُآل عمران:173، أن يلجئوا إلى الله -تبارك وتعالى- وحده، لا شريك له، هذه لابد منها، وإلا ضعف الإنسان، وانهار، وانكسر، فالإنسان خلق في كبد، ولابد له أن يواجه المصاعب في هذه الحياة، فالله جل جلاله-  يسوق لعباده ألوان البلايا، ويقلبهم في ذلك، فلابد أن يواجه الإنسان أشياء مما يكره، فهو بحاجة إلى إيمانٍ راسخٍ يثبت معه؛ ولهذا لما خوف أهل الإيمان بهؤلاء قال الله: فَزَادَهُمْ إِيمَانًا آل عمران:173، لماذا زادهم إيماناً؟ يثقون بالله جل جلاله- كما قال الله جل جلاله-  في سورة الأحزاب: وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًاالأحزاب:22، ما الذي وعده الله، ورسوله؟، ماذا يقصدون بهذا؟ الأرجح: ما ذكره الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: "أن الله وعد بالابتلاء"[ انظر: تفسير ابن كثير (6/392).]

، أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُواالبقرة:214، هذا الذي وعدهم الله جل جلاله-  به، فلما رأوا الأحزاب قد تجمعوا، وحاصروا المدينة، مباشرة قالوا: هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًاالأحزاب:22، فالبلاء يزيد في الإيمان، والعبد يحتاج إلى أن يتذكر هذا دائماً، فإذا واجه الشدة قال: هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ الأحزاب:22، لا أنه ينهار، وينكسر، وتخور قواه، والإنسان قد لا يدرك هذه المعاني إلا في أوقات الشدائد.

وانظر إلى قوله -تبارك وتعالى-: وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ التوبة:59، قالوا: حَسْبُنَا اللَّهُ التوبة:59، الكفاية لهم منه وحده - جل جلاله- - والإيتاء: سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُالتوبة:59، كما قال الله جل جلاله-: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُالحشر:7، يشمل البلاغ -يعني: في الأحكام-، ويشمل أيضاً العطاء.

وهكذا في الرغبة: إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَالتوبة:59، فالرغبة تكون إلى الله وحده: وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْالشرح:8؛ ولهذا قدم المعمول على عامله؛ ليفيد: الاختصاص، أو الحصر، رغبة العبد تتوجه إلى الله كما سيأتي في الذي بعده كالتوكل، والإنابة، وقد تحدثت عن قضايا التوكل بحديث طويل في الأعمال القلبية.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة عشرة في موضوع ( الحسيب ) و هي بعنوان :

تحقيق عبودية التوكل :

فمن أراد الكفاية من الله جل جلاله-  فعليه أن يحقق العبودية، ومن العبودية: عبودية التوكل على الله -تبارك وتعالى- القلب الذي يلتفت يمنة، ويسرة، فيتعلق بالمخلوقين، ويرتبط بهم، ويؤملهم، أو يخافهم، أو نحو ذلك، ثم يقول: أنا أطلب الكفاية من الله جل جلاله- ، فهذا ما صدق مع الله - جل جلاله- -، فأهل العبودية يكون لهم من الكفاية بحسب عبوديتهم، ومن ثَمّ فإن العبد يرفع حوائجه إلى ربه - جل جلاله- -، فلا يستوحش من إعراض الخلق عنه، ولا يأنس بقبولهم، ثقة بأن الذي قُسم له لا يفوته، وأن ما لم يقسم له لا يمكن أن يحصله، وأن ما شاء الله، وأراد، وقضى، وقدر لابد أن يقع، وما لم يقضه - جل جلاله- - فلا سبيل إلى تحصيله.

وفي الصحيح: كان آخر قول إبراهيم ﷺ حين ألقي في النار: (حسبي الله، ونعم الوكيل)، وفي الحديث الآخر:(من استغنى أغناه الله، ومن استعف أعفه الله، ومن استكفى كفاه الله)[ أخرجه أحمد في المسند، برقم (11060)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير، برقم (6027).]

وفي الحديث الذي رواه ابن مسعود رضي الله عنه -: (من جعل الهموم همًّا واحدًا) يعني هم الآخرة (كفاه الله هم دنياه، ومن تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا لم يبالِ الله في أي أوديتها هلك)[ أخرجه ابن ماجه في السنن، كتاب الزهد، باب الهم بالدنيا، برقم (4106)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح، برقم (263).]

وفي الحديث الذي رواه أبو الدرداء –رضي الله عنه-: "من قال إذا

أصبح، وإذا أمسى: حسبي الله لا إله إلا هو، عليه توكلت وهو رب العرش العظيم سبع مرات كفاه الله ما أهمه"[ أخرجه أبو داود في السنن، أبواب النوم، باب ما يقول إذا أصبح، برقم (5081)، وقال الألباني: موضوع، وقال في موضع آخر: ضعيف موقوف، انظر: ضعيف الترغيب والترهيب، (1/97).]

وفي الحديث الذي رواه أنس بن مالك – رضي الله عنه -: (إذا خرج الرجل من بيته فقال: بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، فيقال له: حسبك، قد هديت، وكفيت، ووقيت، فيتنحى له الشيطان)[ أخرجه الترمذي في السنن، أبواب الدعوات، باب ما يقول إذا خرج من بيته، برقم (3426)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير، برقم (499).]

، كل هذا يحصل للمتوكلين، الواثقين بربهم -تبارك وتعالى.

الثاني من ثمرات الإيمان بهذا الاسم من جهة معناه الأول -وهو الكفاية-: الافتقار إلى الله جل جلاله: أن يكون فقر العبد إلى ربه؛ لأنه هو الذي يكفيه، ولا يمكن للعبد أن يستغني عن الله - جل جلاله-، وكل ما يتوهمه الإنسان من أن لوناً من الكفاية يحصل من أحد من المخلوقين فهو خطأ، باعتبار أن تلك الأسباب إنما هيأها الله - جل جلاله -، فهو الذي خلق الأسباب، وخلق المسببات، والله -تبارك وتعالى- يهيئ لعبده ما شاء، وتسمع أشياء عجيبة في أحوال هذا الخلق، وما يهيئ الله جل جلاله لهم من أسباب الرزق، والعافية، والسلامة من الآفات، والنكبات، والشرور في أمور عجيبة.

هذا رجل يريد أن يسافر، ثم بعد ذلك يحصل منه تصرف يسير، ما كان يحسب له حساباً فيما سمعته من بعض المشايخ، ممن سمع من هذا الرجل، يقطف زهرة عند المحطة، أو الميناء الذي يركب منه في السفن، ثم يؤخذ هذا الرجل ليحاسب، ويعاقب؛ لأنه قطع هذه الزهرة، وقد ابتُعث للدراسة، جاء إلى هذا المكان من أجل أن يتفرغ للدراسة، فانقطع عن الناس أسبوعاً؛ من أجل أن يذاكر، وأن يحصِّل، وقبل الاختبار بيوم يتوجه ليسافر إلى مدينته التي يدرس فيها، فيؤخذ بسبب زهرة، ويوضع في الحجز، ويكاد يموت من الحسرة، فلما جاء اليوم الثاني أفرجوا عنه، واكتفوا بهذا الإجراء، فلما خرج، وذهب ليبحث عن أمتعته التي قد سبقته -يفترض في السفينة-، وسأل، وإذا في الميناء حِداد، ونحو ذلك، وإذا بالسفينة التي كان سيركب فيها قد غرقت، وغرقوا جميعاً إلا راكب واحد تخلف، وتبين أنه هو هذا الراكب، انظر بهذا التصرف، وهو يتحسر على ما فاته من اختبار!.

فأقول: الله جل جلاله يهيئ لعبده أموراً لا تخطر له على بال، وإذا نظرتم في أحوال الناس فيما يهيئه الله من الأرزاق، ونحو ذلك تجدون أموراً عجيبة.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة عشرة في موضوع ( الحسيب ) و هي بعنوان :

الحسيب بمعنى المحاسب أو المحصي :

الثالث :مما يثمره هذا الاسم الكريم في معناه الآخر -وهو الحسيب بمعنى المحاسب، أو المحصي الذي يحصي الأعمال-:

أن يكون العبد محاسباً لنفسه، يحصي ما يصدر عنه؛ لأن الله سيحاسبه على جميع أعماله، وأقواله، فالله -تبارك وتعالى- كما يقول عن نفسه: وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا الجن:28، ويقول: إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا مريم:93-94، الله -تبارك وتعالى- كتب ذلك، قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات، والأرض بخمسين ألف سنة، وكتب كل شيء في اللوح المحفوظ، قال -تعالى-: وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ يس:12، وهو اللوح المحفوظ، ويقول: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌالحديد:22.

وقال -تعالى-: وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًاالنبأ:29، ومن جملة ذلك الأعمال، والآجال، والأرزاق، وقال –تعالى-: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ الأنبياء:47، وقال -تعالى-: أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُالمجادلة:6، على كثرته، وتفرقه، وكثرة الخلائق.

ويقول -تعالى-: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌق:18، حتى قال بعض السلف كابن عباس -رضى الله عنهما-: "إن الملك يكتب كل ما تكلم به من خير، أو شر، حتى إنه ليكتب قوله: أكلت، شربت، ذهبت، جئت، رأيت"[ انظر: تفسير ابن كثير (7/399).]

، ثم بعد ذلك يمحى ما لا يتعلق به الجزاء، ويبقى ما يتعلق به الحساب، فهذا كله يثمر في قلوبنا، فلابد من مراقبة الله جل جلاله والخوف منه، والمحاسبة لهذه النفوس على الأعمال؛ لأننا سنئول إلى الله -تبارك وتعالى- فيحاسبنا، قال -تعالى-: ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَالأنعام: 62، والله - جل جلاله - يقول: وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا الكهف: 49، فتصور هذه الأعمال القديم، والجديد، الجليل، والحقير أحصاه الله -تبارك وتعالى-، ينساه العبد، أو ينسى منه كثيراً، ولكن الله لا ينسى شيئاً من ذلك، فيصيرون إليه في يوم الحساب، ويجازيهم، إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِص:26، فلا يصح، ولا يليق بحال من الأحوال أن يكون المؤمن ممن نسي، وغفل عن يوم الحساب، وإلا فإن من غفل عن يوم الحساب فإنه لا يبالي بما صدر منه، ومن ثَمّ فإنه يقارف ألوان الإجرام، والمعاصي، والكبائر، ولا يرعوي عن شيء؛ ولهذا قال موسى ﷺ: إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ غافر:27، ولذلك حينما يأمر الله -تبارك وتعالى- أهل الإيمان، أو ينهاهم في كثير من المواضع، يقول: إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ النساء: 59، ويقول النبي ﷺ: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر...)[ أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب إكرام الضيف، وخدمته إياه بنفسه، برقم (6138)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الحث على إكرام الجار والضيف، ولزوم الصمت إلا عن الخير وكون ذلك كله من الإيمان، برقم (47).]

، فليفعل كذا، لماذا اليوم الآخر مع الإيمان؟ لأن العبد إذا علم أنه سيأتيه يوم يحاسب فيه على القليل والكثير فإنه يحاسب نفسه، ولا يقدم على شيء يمكن أن يلحقه به ضرر، أو معرّة، ومن ثَمّ يقدم على الله متخففاً من الذنوب؛ ولهذا يقول الله جل جلاله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ الحشر:18-19، (اتقوا الله) أمر بالتقوى عام، ثم قال: وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ الحشر:18، هذه المحاسبة، ثم قال: (واتقوا الله) أعادها ثانية، كأن ذلك -والله أعلم- يتعلق بما قبله مباشرة، وهو قوله: وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍالحشر:18؛ لأن العبد قد لا يتقي الله فلا يحاسب نفسه، وقد يحاسب نفسه محاسبة لا يتقي الله فيها، ربما يحاسب نفسه، ويقول: أنا ما شاء الله، ما ينقصني شيء، أنا أتقاكم لله جل جلاله هذا لا يصح أن يقوله أحد من الناس، هذا يصلح لمقام رسول الله ﷺ.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة عشرة في موضوع ( الحسيب ) و هي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

الحسيب بمعنى المحاسب أو المحصي :

بعض المقصرين حينما يُذكَّر بالله جل جلاله يكابر، ويزكي نفسه، وينفي ما نسب إليه من التقصير، فهذا مؤشر، ودلالة على وجود مشكلة في التقوى من أصلها؛ لأن الإنسان إذا وجدت عنده التقوى فإنه يحاسب نفسه، فإن لم يعرف عيوبه فإنه إذا عُرِّف بها أقر، أمّا أنه لا يتذكر، وإذا ذُكِّر يكابر، فمثل هذا كيف يستقيم؟ وكيف تصلح حاله؟ ولهذا يُخشى أن يطمس الله على قلوب بعض المنحرفين.

وكثيراً ما أسمع زوجة تشتكي من زوجها، تقول: كان صالحاً، كان من طلاب العلم، كان يحضر عندك الدروس، ثم بعد ذلك انحرف، تقول: إذا كلمناه، إذا نصحناه، إذا وعظناه؛ قال: إذا أردتم في هذه الجزئية ألقي عليكم محاضرات، ماذا بقي؟ يقول: أنا أعلم بهذا منكم، لا يقبل نصيحة من أحد، فهذا -نسأل الله العافية- يُخشى أن يكون ممن أضله الله على علم، ويُخشى أن يختم على قلب الإنسان كما قال الله جل جلاله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ الأنفال: 24، يحول بين المرء، وقلبه، هذا الإنسان الذي يقول: إذا أردتم ألقي عليكم محاضرات ما يخشى أن الله يحول بين قلبه وبين الهداية!.

تجد بعض الناس ضعيف الإرادة تماماً، قد تسلط عليه الشيطان، يقول: أعرف كل شيء، حتى إن أحدهم مرة سأل عن طريقة التخلص من ذنب من الذنوب الكبار، ثم ذكر لي قائمة طويلة من المراجع التي عالجت الموضوع، قال: كل هذا أعرفه، وقرأته، وألقيته، فقلت: والله ما عندي شيء، لا أملك لك الهداية، كنت أريد أن أدلك على بعض الأشياء، بحيث إذا نظر فيها الإنسان أفاق من غفلته، وتذكر، أمّا أنك تقول: إنك على هذا المستوى من المعرفة، والعلم، فإذن بقي أمر واحد وهو الهداية، فيحتاج الإنسان أن يتضرع بين يدي الله جل جلاله ، وينطرح بين يديه، ويكثر من الدعاء، ويلح على الله -تبارك وتعالى- بأن يهدي قلبه، وأن يثبته على الحق، والإيمان، وأن يحاسب نفسه قبل أن يحاسبه الله -تبارك وتعالى- كما جاء عن عمر جل جلاله: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وتزينوا للعرض الأكبر"[ أخرجه الترمذي في السنن، برقم (2459)، وضعفه الألباني.]

وكذلك جاء عن جماعة من السلف، كميمون بن مهران: "لا يكون العبد من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة الشريك لشريكه"[ انظر: الزهد لوكيع (ص: 501).  ، وقد قيل: "النفس كالشريك الخوان، إن لم تحاسبه ذهب بمالك"[ انظر: موارد الضمآن (1/190).]

وجاء عن الحسن عبارات متفرقة، نافعة في هذا الموضوع كقوله في قوله- تبارك وتعالى-: وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ القيامة: 2، يقول: "لا تَلقى المؤمن إلا يعاتب نفسه، ماذا أردت بكلمتي؟ ماذا أردت بأكلتي؟ ماذا أردت بشربتي؟ والفاجر يمضي قدماً لا يعاتب نفسه"[ انظر: تفسير ابن كثير (8/275).]

وكان يقول: "إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه، وكانت المحاسبة من همته"[ انظر: محاسبة النفس لابن أبي الدنيا (ص: 25).]

وكان يقول: "المؤمن قوام على نفسه لله، وإنما يخف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة" انظر: إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (1/79).]

وكان بعض الصالحين يقول: "لو أن الإنسان كلما وقع بذنب، أو معصية، سواء كانت مما يتصل باللسان، اغتاب، أو كذب، أو نحو ذلك، أو بأعمال الجوارح من ألوان المعاصي، يقول: لو أنه كلما فعل مخالفة ألقى في بيته حجراً، فكيف سيتحول هذا البيت فيما بعد؟، وجرب هذا لو أن الإنسان ألقى في غرفة، أو في فناء حجراً كلما عصى الله جل جلاله ، ثم بعد ذلك سيجد أنها تتراكم عليه، حتى لا يجد مكاناً يجلس فيه، سيكون هذا المكان مشوهاً، لا يصلح للإقامة، والسكنى، سيكون –أعزكم الله- مزبلة، منفى، فالقلب أشرف من ذلك، كيف تلقي فيه مثل هذه الجرائر، والجرائم، والذنوب، والمعاصي؟ كيف يكون حال القلب بعد هذا، إن لم يصقل بتوبة نصوح، توبة صادقة؟ كما قال النبي ﷺ: (إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه)[ أخرجه ابن ماجه في السنن، كتاب الزهد، باب ذكر الذنوب، برقم (4244)، وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه، برقم (4244).]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة عشرة في موضوع ( الحسيب ) و هي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :الحسيب بمعنى المحاسب أو المحصي :

تصور لو أن معك صبغة، وكلما وقعت في مخالفة، أو نحو ذلك قلت بالجدار هكذا، بعد مدة كيف ستجد لون هذا الجدار؟ في حال من السواد، والتشويه، فالقلب أشد تأثراً من الجدار بمثل هذه الممارسات.  

فالإنسان بحاجة إلى أن يراجع نفسه دائماً، وأن يحاسبها، ومن ثَمّ يستريح، ويستريح الناس من ظلمه، وشره، وعدوانه، تستريح زوجته، ويستريح أولاده، ويستريح جيرانه، ويستريح أقاربه، هناك مشكلة كبيرة نعاني منها، أحياناً الواحد يتحير كيف يستطيع أنه يعالج مشكلة بعض الناس واقعٌ فيها؟، حينما يذكر الإنسان مشكلة من المشكلات، وتبحث عن علاجات ما لك قريب؟ ما لك أخ؟ ما لك ابن عم؟ الأب هذا كيف نظره إلى الناس؟، تجد أنه لا يعترف بأحد، ولا يُذكر عنده أحد من أهل الفضل، أو الخير إلا شتمه، ولا أحد من جيرانه، ولا أحد من قرابته إلا ذمه، وعابه بأقبح الأوصاف، فمثل هذا كيف يمكن أن تصلح حاله؟ فنحن بحاجة إلى معالجة، وإلى محاسبة، والله –تعالى- يقول: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُالزلزلة:7-8، وما جرى لمعاوية بن قرة لما جيء له بطعام، فأكل منه، ثم بعد ذلك ترك بعضه، ونام، فلما أصبح وجده مسودًّا من الذر، فوزنه بالذر، ثم أزال الذر عنه، ووزنه من غير ذر فوجد أن وزنه لم يتغير[ انظر: كتاب الورع لأحمد بن حنبل، (ص: 20، 21).]، والله –تعالى- يقول: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُالزلزلة:7، يعني الوزن -الحساب- بمثاقيل الذر. 

وجاء أبو العباس الخطاب بحبة خردل، وجاء بمجموعة من الذر، ووضعها في كفة الميزان فوجد أن حبة الخردل أثقل من الذر[ انظر: المصدر السابق (ص: 20). ]، وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَالأنبياء:47، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ الزلزلة:7، فهل نحن نتعامل مع أنفسنا بهذه الأمور الدقيقة، ونحتاط، ونحترز فيما نأتي، وما نذر بهذه الطريقة؟.

انظر إلى حال بعض هؤلاء! هذا رجل يقال له: رياح القيسي، له ترجمة في "سير أعلام النبلاء"، أثنى عليه الذهبي كثيراً، هذا الرجل كان يمر بجوار رجل آخر، يقال له: معاذ بن عون الضرير، يقول: "يمر بعد المغرب قريباً من المقبرة، يقول: إذا خلت الطريق مر، فكنت أسمعه -ولا يشعر بي- وهو ينشج بالبكاء، ويقول: إلى كم يا ليل، وكم يا نهار تحطان من أجري وأنا غافل عما يراد بي؟! إنا لله، إنا لله، فهو كذلك يردد هذا الكلام حتى يغيب عني"[ انظر: كلام الليالي والأيام (32/41) ]. يقول: كل يوم يمر من هذا الدرب، إذا جاء المغرب، يردد مثل هذا الكلام، يعني: إذا غابت الشمس تذكر، وإذا أشرقت الشمس تذكر، واعتبر، وكم تمر علينا من الأيام، والشهور، والسنوات، ونحن لا نتعظ!. 

وكان هذا الرجل يقول: "لي نيف وأربعون ذنباً، قد استغفرت لكل ذنب مائة ألف مرة"[ انظر: صفة الصفوة (2/218). ]، نحن كم ذنبًا عندنا؟!، هو عدها فوجدها نيفًا وأربعين، واستغفر لكل واحد مائة ألف مرة.    

وجاء مرة يسأل عن رجل يقال له: ضيغم، كما يحكي ابنه مالك يقول: جاء بعد العصر، فسأل عن الوالد، فقلنا: نائم، فقال: أنوم في هذه الساعة؟!، كره النوم بعد العصر، أنوم في هذه الساعة؟!، ثم ولى منصرفاً، يقول: فأتبعناه رسولاً، يعني من أجل أن يقول له: ألا نوقظه لك؟، فتأخر الذي أرسلوه حتى غابت الشمس، فلما جاء قالوا: غبت عنا طويلاً، نحن أرسلناك عصراً من أجل أن نوقظه إذا رجع إلينا الرجل، فجئتنا بعد غروب الشمس، فقال: هو كان أشغل من أن يفهم عني شيئاً، يقول: أدركته وهو يدخل المقابر، فوجدته وهو يعاتب نفسه قائلاً: قلتِ: نوم هذه الساعة؟، أفكان هذا عليكِ؟! يقول: ما علاقتكِ أنتِ بالموضوع؟ لماذا تقولين هذا الكلام؟، يحاسب نفسه، يقول لماذا تقولين: نوم في هذه الساعة؟ ينام الرجل متى شاء، وقلتِ: هذا وقت نوم؟ وما يدريكِ أن هذا ليس بوقت نوم؟ تسألين عما لا يعنيك، وتتكلمين بما لا يعنيك، إلى أن قال: سوءة لكِ، سوءة لكِ، أما تستحين؟ كم توبخين، وعن غيك لا تنتهين؟، وجعل يبكي ويقول -وهو لا يشعر بمكاني-، فلما رأيت ذلك انصرفت، وتركته[انظر: محاسبة النفس لابن أبي الدنيا (ص: 93). ]، يقول: هذا الذي حبسني إلى المغرب، كنت أشاهد هذا الإنسان العجيب، على كلمة قالها: نوم في هذه الساعة؟ أينام الرجل بعد العصر؟ ثم جلس يوبخ نفسه، كيف تقول هذا الكلام؟ مع أن هذا الكلام لا إثم فيه فيما يبدو، لكنها المحاسبة الدقيقة، كيف قلت مثل هذا الكلام؟ وما شأنك بالرجل؟ ينام الرجل متى شاء، أما نحن فماذا نقول؟! وإذا قلنا كيف نتصرف؟!. 

لو أننا واجهنا أحداً في الطريق، وتصرف تجاهنا تصرفاً غير جيد، ونحن نمر بالسيارة، أو نحو ذلك، قد تصدر من الإنسان عبارات يبدي فيها امتعاضه من هذا الإنسان، وأن هذا الإنسان لم يحسن التصرف، ولم يحسن الأدب، أو نحو ذلك، أو أنه عجول، أو خلق الإنسان من عجل، أو نحو هذا، هنا نحاسب أنفسنا، بل ربما لا نفكر في الكلمة التي قلناها، نقول: إن شاء الله ما يصل هذا إلى شتم الناس، وإلى سب الناس، ولكن الإنسان يبدي أحياناً امتعاضه من بعض التصرفات التي يرى فيها بعض الرعونات من بعض الناس.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة  العشرون في موضوع ( الحسيب ) و هي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :الحسيب بمعنى المحاسب أو المحصي :

فأرباب القلوب، المحسون بأوجاع الذنوب، العالمون يقيناً بمحاسبة علام الغيوب، وإحصاء حسابه لجميع العيوب، أقاموا في الدنيا موازين القسط على أنفسهم، وأحصوا عليها بالحساب المحرر كل ما برز عنها وصدر، ثم حاسبوها محاسبة الشريك النحرير القائم بماله شريكَه الذي انفصل عن مشاركته بعداوة وقعت بينه وبينه، كيف يتحاسب، ويتعامل معه؟!. 

فينبغي على العبد أن يقف مع نفسه على الدوام؛ لمحاسبتها، فيميز حركات النفس، وسكناتها، ويقف عند همه، وخاطره، ماذا أردت بذلك؟، هل تريد وجه الله جل جلاله ، أو تريد وجوه الناس؟

ينبغي على العبد أن يقف مع نفسه على الدوام؛ لمحاسبتها، فيميز حركات النفس، وسكناتها، ويقف عند همه، وخاطره، ماذا أردت بذلك؟، هل تريد وجه الله جل جلاله ، أو تريد وجوه الناس؟

، هل هذا العمل تأتي به على الوجه المشروع، أو أنك تأتي به على وجه فيه مخالفة، أو نحو ذلك؟، تريد الحج، ماذا تريد؟ تريد أن تضيف في العداد رقماً جديداً في الحج؟تريد أن يقال: حاج، أوتريد ما عندالله جل جلاله ؟

ثم إذا أردت الحج، هل تريد أن تأتي بالحج على الوجه المشروع، على الأقل بالمحافظة على الواجبات، أو تريد حجة تخل بكثير فيها من الواجبات، والأعمال التي قد لا تبرأ الذمة بتركها؟.  

بعضهم يذهب يحج فيأتي في يوم عرفة في الليل، فيمر عليها، ويرجع إلى الطائف، أو إلى جدة، فقط يمر على عرفة، ثم بعد ذلك إذا ذهب الحجاج، وانتهت مثل هذه الأيام، وخف الزحام في الحرم ذهب، وطاف طواف الإفاضة، وسعى، وأما رمي الجمار، وما إلى ذلك فهو يذبح عن ذلك فدية، ويقول: الحج عرفة، والحمد لله أنا أحج كل سنة بهذه الطريقة، هذه حجة لم يُتقَ الله جل جلاله فيها، وليس من ضرورة تحمله على ذلك، والله المستعان.

الرابع من ثمرات هذا الاسم الكريم:

ومما يؤثره الإيمان بهذا الاسم بمعنى الإحصاء والعد، ونحو ذلك: هو أن يعظم الإنسان ربه -تبارك وتعالى-: ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَالأنعام:62 كما يقول ابن جرير -رحمه الله-: (وهو أسرع الحاسبين) أسرع مَن حَسَب عددَكم، وأعمالكم، وآجالكم، وغير ذلك من أموركم أيها الناس، وأحصاها، وعرف مقاديرها، ومبالغها؛ لأنه لا يحسب بعقد يد، ولكنه يعلم ذلك، ولا يخفى عليه منه خافية، { لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ } سبأ:3 [ انظر: تفسير الطبري (413). ] ، كل ذلك أحصاه الله جل جلاله في كتاب، فكما أن الله -تبارك وتعالى- خلقهم خلقاً لا مشقة فيه، وبعثهم بلا مشقة، كما قال -تعالى-:  {مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍلقمان:28؛ فكذلك حسابهم لا مشقة فيه، ولا تأخير، إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُون } يس:82. تصور لو أن أحداً من الناس أراد أن يجري مقابلات، تقدم مائة ألف طالب للجامعات، ووضعت لهم لجنة واحدة تقابلهم، كم يحتاجون من الوقت حتى يدركوا ذلك؟، فكيف بكل الخلائق من أولهم إلى آخرهم؟، الله يحاسبهم كنفس واحدة، هذا معنى المحاسبة.

ومن معنى الإحصاء: أن الله -تبارك وتعالى- أحصى كل ما في هذا الكون من الذرات، تصور ماذا يوجد في قعر البحار؟ وماذا يوجد من الهباء في الفضاء؟ وماذا يوجد من الكواكب، والنجوم، والأجرام العلوية، والسفلية؟ وما يوجد من البشر، من الأولين، والأخرين؟، وما صدر عنهم من الأقوال والأفعال؟، كل هذا أحصاه الله جل جلاله بلا حاجة إلى ما يحتاج إليه الخلق في الإحصاء، والعد، فعند ذلك إذا عرف العبد مثل هذا عظم الله التعظيم اللائق، فربنا بهذه المثابة من القدرة العظيمة، الباهرة، التي لا يمكن للخلق أن يقاربوها. 

 [الأنترنت – موقع د خالد السبت - الأسماء الحسنى ( الحسيب ) ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة  الواحدة والعشرون في موضوع ( الحسيب ) و هي بعنوان :

الحسيب يحاسب على خفايا نواياه :

   وقال أحمد محمد : «الحسيب» من أسماء الله الحسنى، معناه أنه يحاسب العبد على خفايا نواياه، وعلى أعماله الظاهرة، هو كافي المتوكلين، رفيع الشأن يعلم ويرزق ويكفي، يحفظ الأعمال، ثم يجازي عليها بحسب حكمته وعلمه، العليم الذي قدر أرزاق الخلائق قبل خلقهم ووعد باستكمال العباد لأرزاقهم وضمن ألا تنفد، يحصي أعداد المخلوقات وهيئاتهم، ويضبط مقاديرهم وخصائصهم، لا تخفى عليه خافية ولا يعزب عنه مثقال ذرة.

    فالله سبحانه من فوق عرشه حسيب باسمه وبصفته، له الكمال المطلق في محاسبته لخلقه، وفي علو شأنه، عظيم العطاء، يعطي فيكفي مؤونة الدنيا والآخرة، ويكفي كل الهم مهما ضاقت السبل ومهما أحكمت الحلقات.

ورد هذا الاسم في القرآن الكريم ثلاث مرات في قول الله تعالى: (...فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفى باللّه حسيبا)، «النساء: الآية 6»، وفي قوله: (الذين يبلغون رسالات اللَّه ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا اللَّه وكفى باللَّه حسيبا)، «الأحزاب: الآية 39»، وقوله: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أَو ردوها إن اللّه كان على كل ـشيء حـسيبا)، «النسـاء: الآية 86».

العليم بعباده:

وذكر الحليمي، معنى الحسيب المدرك للأجزاء والمقادير، حسيب من غير أن يحسب، يدرك هذه الأجزاء ومقاديرها لا يحتاج إلى أن يحسب أو يجند ملائكته لكي يحسبوا.

وقال الشيخ السعدي والحسيب بمعنى العليم بعباده الذي كفى المتوكلين عليه، المجازي بالخير والشر بحسب حكمته وعلمه بدقيق أعمالهم وجليلها، الرقيب الحاسب لعباده، المتولي جزاءهم بالعدل وبالفضل، وبمعنى الكافي عبده همومه وغمومه، وأخص من ذلك أنه الحسيب للمتوكلين، «ومن يتوكل على اللَّه فهو حسبه»، أي كافيه أمور دينه ودنياه، وهو الذي يحفظ أعمال عباده من خير وشر، ويحاسبهم إن خيرا فخير وإن شرا فشر.

وقال الخطابي، الحسيب هو المكافئ وبمعنى المحاسب، وقال أبو حامد الغزالي: الحسيب هو الكافي، وهو الذي من كان له كان حسبه، إذا كان الله لك فهو حسبك.

وقال ابن القيم، وهو الحسيب كفاية وحماية والله كافي العبد كل أوان، وكفايته عامة وخاصة، فالعامة للعباد جميع ما أهمهم من أمر دينهم ودنياهم من حصول المنافع ودفع المضار، والخاصة كفايته لعبده التقي المتوكل عليه كفاية يصلح بها دينه ودنياه ومن ذلك قوله تعالى: (يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين)، «الأنفال: الآية 64»، ويحسب ما يقوم به العبد من متابعة للرسول صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطناً وقيامه بعبودية الله تعالى تكون الكفاية والعزة والنصرة. وكلام العلماء في معنى اسم الله «الحسيب» يدور على أربعة معان هي الحفظ والكفاية والشهادة والمحاسبة، وما تستلزمه هذه الصفات من العلم الكامل.

هموم وغموم :

والحسيب بمعنى الرقيب المحاسب لعباده المتولي جزاءهم بالعدل وبالفضل، وهو الذي يحفظ أعمالهم من خير وشر، ثم يحاسبهم عليها ويجازيهم بها، وبمعنى الكفاية، فالله هو الكافي عباده همومهم وغمومهم، وكفايته لعباده عامة وخاصة، فأما العامة، فهي التي تقتضي آثارها من الرزق والإمداد بالنعم، وتكون لجميع الخلائق، وأما الخاصة فهي للمؤمنين به، المتوكلين عليه، قال تعالى: (ومن يتوكل على الله فهو حسبه)، «الطلاق: الآية 3»، أي يكفيه أمور دينه ودنياه.

وقالوا الحسيب بمعنى السيد الذي عليه الاعتماد وعلى هذا يكون ليس في الوجود حسيب سواه، هو القوي القادر على كل شيئ وفي نفس الوقت لطيف بعباده يلطف بهم ويعطيهم ما يريدون وفق حكمته.

وقالوا الحسيب هو الكريم العظيم المجيد الذي له علو الشأن ومعاني الكمال، الذي يحصي أعداد المخلوقات وهيئاتها وما يميزها ويضبط مقاديرها، وكل شيئ محسوب عنده بهذه الدقة وأعطى كل شيئ رزقه وأحصى أعمال المكلفين وأرزاقهم وأسبابهم وأفعالهم ومآلهم وحسابه واقع لا محالة لا يشغله حساب واحد عن الآخر، ولا يشغله سمع عن سمع، والكل سيحاسب بدقة عن كل صغيرة وكبيرة قال جل في علاه: (اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن اللَّه سريع الحساب)، «غافر: الآية 17».[الأنترنت – موقع الإتحاد -  أحمد محمد(القاهرة) -   -«الحسيب».. كافي المتوكلين يحصي المخلوقات ويرزقها]

  إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة  الثانية والعشرون في موضوع ( الحسيب ) و هي بعنوان :

الحسيب هو الكافي 

وقال الغزالي : الحسيب هو الكافي  ؛ وهوالذي من كان له كان حسبه واالله سبحانه وتعالى حسيب كل أحد وكافيه وهذاوصف لا تتصور حقيقته لغيره فإن الكفاية إنما يحتاج إليها المكفي لوجوده ولدوام وجوده ولكمال وجوده وليس في الوجود شيء هو وحده كاف لشيء إلا االله عز و جل فإن هوحده كاف لكل شيء لا لبعض الأشياء أي هو وحده كاف ليحصل به وجود الأشياء ويدوم به وجودها ويكمل به وجودها

ولا تظنن أنك إذا احتجت إلى طعام وشراب وأرض وسماء وشمس وغير ذلك فقد احتجت إلى غيره ولم يكن هو

حسبك فإنه هو الذي كفاك بخلق الطعام والشراب والأرض والسماء فهو حسبك ولا تظنن أن الطفل الذي يحتاج

إلى أم ترضعه وتتعهده فليس االله حسيبه وكافيه بل االله عز و جل

 حسيبه وكافيه إذ خلق أمه وخلق اللبن في ثديها

وخلق له الهداية إلى التقامه وخلق الشفقةوالمودة في قلب الأم حتى مكنته من الالتقام ودعته إليه وحملته عليه

فالكفاية إنما حصلت بهذه الأسباب واالله تعالى وحده هو المتفرد بخلقها لأجله ولو قيل لك إن الأم وحدها كافية

للطفل وهي حسبه لصدقت به ولم تقل إهنا لا تكفيه لأنه يحتاج إلى اللبن فمن أين تكفيه الأم إذا لم يكن لبن ولكنك

تقول نعم يحتاج إلى اللبن ولكن اللبن أيضا من الأم فليس محتاجا إلى غير الأم فاعلم أن اللبن ليس من الأم بل هو

والأم من االله سبحانه وتعالى ومن فضله وجوده فهو وحده حسب كل أحد وليس في الوجود شيء وحده هو

حسب شيء سواه بل الأشياء يتعلق بعضها ببعض وكلها تتعلق بقدرة االله سبحانه وتعالى تنبيه ليس للعبد مدخل في هذا الوصف إلا بنوع من اجملاز بعيد وبالإضافة إلى بادئ الرأي وسابق الظن العامي ، أما كونه مجازا فهو أنه إن كان كافيا لطفله في القيام بتعهده أولتلميذه في تعليمه حتى لم يفتقر إلى الاستعانة بغيره كان واسطة في الكفاية ولم يكن كافيا لأن االله سبحانه وتعالى هو الكافي إذ لا قوام له بنفسه ولا كفاية له بنفسه فكيف يكون هو كفايةغيره

وأما كونه بالإضافة إلى سابق الظن هو أنه وإن قدر أنه مستقل بالكفاية وليس بواسطة فهو وحده لا يكفي إذ يحتاج

إلى محل قابل لفعله وكفايته وهذا أقل الأمور فالقلب الذي هو محل العلم لا بد منه أولا ليكون هو كافيا في التعليم

والمعدة التي هي مستقر الطعام لا بد منها لتكون كافية بإيصال الطعام إلى بدنه وهذا مع ما يحتاج إليه من أمور

كثيرة لا يحصيها ولا يدخل شيء منها في اختياره فأقل درجات الفعل حاجته إلى فاعل وقابل فالفاعل لا يكفي دون

القابل أصلا وإنما صح هذا في حق االله عز و جل لأنه خالق الفعل وخالق المحل القابل وخالق شرائط قبوله وما

يكتنفه ولكن بادئ الرأي ربما يسبق إلى الفاعل ولا يخطر بالبال غيره فيظن أن الفاعل حسبه وحده وليس كذلك

نعم الحظ الذي منه للعبد أن يكون االله وحده حسبه بالإضافة إلى همته وإرادته وهو أنه لا يريد إلا االله عز و جل فلايريد الجنة ولا يشغل قلبه بالنار ليحذر منها  ، بل يكون مستغرق الهم باالله تعالى وحده  ، وإذا كاشفه بجلاله قال  : ذلك حسبي فلست أريد غيره ***ولا أبالي فاتني غيره أم لم يفت  [ الأنترنت – موقع المقصد الأسنى للغزالي ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة  الثالثة والعشرون في موضوع ( الحسيب ) و هي بعنوان :

وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيبٗا 

    نَعِيشُ الْيَوْمَ مَعَكُمْ مَعَ اسْمٍ مِنْ أَسْماءِ اللَّهِ تَعَالَى الْحُسْنَى، اسْمِ اللَّهِ (الحَسِيبُ) الَّذِي وَرَدَ فِي القُرآنِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: "وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيبٗا"، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: "إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا".. فاللهُ -سُبحانَهُ وتَعَالَى- كَافٍ مُقْتَدِرٌ، فَكَفَى بِاللهِ حَافِظًا لِعِبَادِهِ، وَحَافِظًا لِأَعْمَالِهِمْ، وَمُحَاسِبًا عَلَيْهَا، هُوَ الْحَفِيظُ عَلَى كُلِّ الْأَعْمَالِ، فَهُوَ الْمُكَافِئُ وَالْمُحَاسِبُ لَهُمْ، الْمُدْرِكُ لِلْأَجْزَاءِ وَالْمَقَادِيرِ الَّتِي لَا يُدْرِكُهَا الْعِبَادُ إلَّا بِحِسَابٍ، وَيُدْرِكُونَهَا شَيْئًا فَشَيْئًا، وَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ لَا يَتَوَقَّفُ عِلْمُهُ عَلَى أَمْرٍ يَكُونُ وَحَالٍ يَحْدُثُ، فَهُوَ الْعَلِيمُ بِعِبَادِهِ، الْمُجَازِي لَهُمْ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ، بِعِلْمِهِ بِدَقِيقِ أَعْمَالِهِمْ وَجَلِيلِهَا، وَاللهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - كَافِي الْمُتَوَكِّلِينَ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْحَسِيبُ؛ أَيْ: كِفَايَةً وحِمَايَةً، وَالْحَسِيبُ كَافِي الْعَبْدِ فِي كُلِّ أوَانٍ، هُوَ اللهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - الْحَسِيبُ الرَّقِيبُ، الْحَاسِبُ لِعِبَادِهِ، الْمُتَوَلِّي جَزَاءَهُمْ بِالْعَدْلِ وَالْفَضْلِ، الْكَافِي عَبْدَهُ هُمُومَهُ وَغُمُومَهُ، وَهُوَ الْحَسِيبُ لِلْمُتَوَكِّلِينَ، قَالَ تَعَالَى: "وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ" أَيْ: كَافِيهِ أُمُورَ دِينِهِ وَدُنْياهُ، فَاللهُ هُوَ الْكَافِي لِعِبَادِهِ، فَلَا غِنَى لَهُمْ عَنْهُ أَبَدًا، وَلَا يُشَارِكُهُ فِي هَذِهِ الْكِفَايَةِ أَحُدٌ قَطُّ، وَمَنْ ظَنَّ غَيْرَ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ، فَاللهُ لَهُ الْخَلْقُ وَلَهُ الْأَمْرُ، فَمَنْ كَانَ اللهُ حَسْبَهُ فَيَالَسَعَادَتِهِ وَيَالَهَنَائهِ! وَمَا فَعَلَ الْعِبَادُ لَكَ مِنْ نَفْعٍ فَإِنَّمَا هُوَ بِكِفَايَةِ اللهِ لَكَ، حَيْثُ سَخَّرَهُمْ لَكَ، فَمِنْ كِفَايَةِ اللهِ لَنَا أَنْ خَلَقَ الْعِبَادَ

وَسَخَّرَ بَعْضَهُمْ لِبَعْضٍ .

 إِنَّ مِنْ ثَمَرَاتِ مَعْرِفَةِ اسْمِ اللَّهِ الْحَسِيبِ أَنْ يَثِقَ الْإِنْسانُ بِاللهِ، وَيَخْشَى الله؛ حَتَّى يُثْمِرَ ذَلِكَ فِي الْقَلْبِ الْخَوْفَ وَالْوَجَلَ مِنْهُ، والِارْتِدَاعَ عَنِ الْمَعَاصِيْ، وَالِاسْتِعْدَادَ لِهَذَا الْحِسَابِ بِفِعْلِ الطَّاعَاتِ وَاجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَتَأَمَّلُوا هَذِهِ الْآيَةَ الْعَظِيمَةَ: "وَكَفَىٰ بِنَا حاسِبِينَ"، وَقَوْلَهُ تَعَالَى: "ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ".. فَعَلَيْنَا أَنْ نُحَاسِبَ أَنْفُسَنَا قَبْلَ أَنْ نُحَاسَبَ، وَأَنْ نَزِنَ أَعْمَالَنَا قَبْلَ أَنْ تُوزَنَ .

وَمِنْ آثَارِ هَذَا الِاسْمِ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ اللهَ حَسْبُكَ، وَحَسْبُ جَمِيعِ أهْلِ الْإِيمَانِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ"، فَاللهُ وَحْدَهُ كَافِيكَ وَحْدَهُ يَا مُحَمَّدُ - عَلَيْهِ أفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ - وَكَافِي أَصْحَابِكَ فَلَا تَحْتَاجُونَ مَعَهُ أحَدًا، فَاللهُ هُوَ الْحَسِيبُ وَحْدَهُ لَا يُشَارِكُهُ فِي ذَلِكَ أحَدٌ، وَمِمَّا يُؤَكِّدُ هَذَا الْمَعْنَى وَيَزِيدُ فِي التَّوْكِيدِ قَوْلُهُ تَعَالَى: "وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ راغِبُونَ" فَجَعَلَ الإِيتَاءَ للهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَعَلَ الْحَسْبَ لَهُ وَحْدَهُ، فَلَمْ يَقُلْ: وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، بَلْ جَعَلَ الرَّغْبَةَ لَهُ وَحْدَهُ، حَيْثُ قَالَ: "إِنَّا إِلَى اللَّهِ راغِبُونَ" فَالرَّغْبَةُ وَالْإِنَابَةُ وَالْحَسْبُ وَالْعِبَادَةُ وَالتَّقْوَى وَالسُّجُودُ وَالنَّذْرُ وَالْحَلِفُ وَسَائِرُ الْعِبَادَاتِ الْخَالِصَةِ تُقَدَّمُ إِلَى اللهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ .

عِبَادَ اللَّهِ.. إِنَّ مِنْ آثَارِ الْإِيمَانِ بِهَذَا الِاسْمِ الْعَظِيمِ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ اللهَ لَا يَغْفُلُ عَنْ صَغِيرَةٍ أَوْ كَبِيرَةٍ، حِينَمَا يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَسِيبُ تَرْتَعِدُ فَرَائِصُهُ، وَيَوْجَلُ قَلْبُهُ، وَتَهْتَزُّ أَرْكَانُهُ، وَيَقْشَعِرُّ بَدَنُهُ إِذَا قَالَ لَهُ مَظْلُومٌ: حَسْبِيَ اللهُ عَلَيكَ، فَيَجْتَنِبُ الظُّلْمَ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمَظْلُومَ فَوَّضَ اللهَ وَتَوَكَّلَ عَلَيْهِ، وَجَعَلَهُ حَسْبَهُ عَلَيْكَ؛ وَلِذَا قَالَ تَعَالَى: "الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ".. فَقَدْ تَوَعَّدَ أهْلُ الشِّرْكِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَوَعَّدُوا أَصْحَابَهُ - رِضْوانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - وَوَاعَدَتْهُمْ قُرَيْشٌ فِي حَمْرَاءِ الْأَسَدِ، فَلَمْ يَعْبَأْ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِهَذَا التَّهْدِيدِ وَالتَّخْوِيفِ بِكَثْرَةِ الْأَعْدَاءِ وَقُوَّتِهِمْ؛ بَلْ أَعْلَنُوا تَوَكُّلَهُمْ وَاسْتِعَانَتَهُمْ بِاللهِ وَبِأَنَّهُ حَسْبُهُمْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -: "حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ قَالَهَا إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَمَا أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالُوا: "إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ".. فَكَانَتِ النَّتِيجَةُ كَمَا قَالَ تَعَالَى "فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ" رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.. فَالْمُؤْمِنُ إِذَا وَقَعَ فِي الْأَمْرِ الْعَظِيمِ أَوِ الْيَسِيرِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، بِحَيْثُ يَمْتَلِئُ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ ثِقَةً بِأَنَّ اللهَ حَسْبُهُ عَلَى الظَّالِمِ إِذَا ظَلَمَهُ، وَهُوَ حَسْبُهُ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، وَحِينَمَا تَضِيقُ عَلَيْهِ دُنْياهُ يُفَوِّضُ الْأَمْرَ للهِ، وَيُبَشَّرُ بِسَعَةِ الرِّزْقِ وَالتَّوْفِيقِ، فَإِذَا جَعَلَ اللهَ حَسْبَهُ رَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ، فَاللهُ حَسِيبُ كُلِّ مُؤْمِنٍ؛ فَعَلَيْهِ الاعْتِمادُ، وَلَيْسَ فِي الْوُجُودِ حَسِيبٌ سِوَاهُ، فَكُلُّ الْأَقْوِيَاءِ أَمَامَ اللهِ الْحَسِيبِ ضُعَفَاءُ، وَكُلُّ الْأَغْنِيَاءِ أَمَامَ اللهِ فقراءُ .

فَمَنِ اعْتَمَدَ عَلَى غَيْرِ اللَّهِ ضَلَّ وَافْتَقَرَ وَذَلَّ، فَإِذَا قُلْتَ: حَسْبِيَ اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ مِنْ قَلْبٍ صَادِقٍ وَاثِقٍ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ كُلَّ الْهُمُومِ، وَمَؤُونَةَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ، وَيَكْفِيكَ كُلَّ الْهَمِّ، وَيُزِيلُ عَنْكَ الْغَمَّ مَهْمَا ضَاقَتْ عَلَيْكَ السُّبُلُ، وَأُحْكِمَتْ عَلَيْكَ الْقَبْضَاتُ.

وَلَرُبَّ نَازِلَةٍ يَضِيقُ بِهَا الْفَتَى     ذَرْعًا وَعِنْدَ اللهِ مِنْهَا مَخْرَجُ

ضَاقَتْ فَلَمَّا اسْتَحْكَمَتْ حَلْقَاتُها     فُرِجَتْ وَكُنْتُ أظُنُّهَا لَا تُفْرَجُ

فَإِذَا جَعَلْتَ اللهَ حَسْبَكَ رَاضِيًا بِقَضَائِهِ مُسَلِّمًا لِأَمْرِهِ فَأَبْشِرْ بِالْفَرَجِ. [الأنترنت – خطبة جمعة - القاها الدكتور / صالح مقبل العصيمي ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة  الرابعة والعشرون في موضوع ( الحسيب ) و هي بعنوان :

الحسيب هو الكافي الرفيع الشأن يعلم ويرزق ويكفي :

الآن " الحسيب " هو الكافي ، الكريم ، الرفيع الشأن ، الحسب في حقنا نحن البشر هو الشرف الثابت في الآباء ، فلان ذو حسب ، ينتمي إلى أرومة عالية .

الحسب هو العمل الصالح ، رُب حسيب الأصل غير حسيب ، له آباء أبرار لكن الابن ليس كذلك ، هذا في شأن اللغة .

أما إذا قلنا الله جلّ جلاله هو " الحسيب " هو العليم ، هو الكافي ، الذي قدر أرزاق الخلائق قبل خلقهم ، هو الحسيب ، ووعد باستكمال العباد لأرزاقهم على مقتضى حكمته ، فهو " الحسيب " وضمن ألا تنفذ أرزاقه ، فهو " الحسيـب " أليـس الله بكــافٍ عبــده ؟ وأنه سينـــال الأرزاق ،فهـو " الحسيــب " يعنـي الرازق،الكافــي" الحسيب" الرزاق .

قال أبو حامد الغزالي : " الحسيب " هو الكافي ، وهو الذي من كان له كان حسبه ، إذا كان الله لك فهو حسبك ، أحياناً إنسان يقدم لك خدمة ، لكن أنت بحاجة إلى خدمة أكبر ، يقدم لك معونة ، لكنك بحاجة إلى شفاء من مرض ، لكن الله سبحانه وتعالى إذا تولاك ، كن مع الله ترَ الله معك .

إذا كنت في كل حالٍ معي    فعن حمل زادي أنا في غنى

" الحسيب " الكافي ، يعلم ، ويرزق ، ويكفي ، والإنسان حينما يعرف الله منتهى طموحه أن يصل إليه .

والله سبحانه وتعالى حسيب كل أحد وكافيه ، كل شخص الله يحاسبه حساباً دقيقاً اطمأن .

" وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ " [إبراهيم:42] .

الحقيقة الذي يكفيه كفاية مطلقة ، لا يمكن أن ينال هذه الصفة إلا الله ، أي إنسان يقدم شيئاً لكنك تحتاج إلى أشياء ، الله يقدم لك الأمن ، يقدم لك الحكمة ، يقدم لك الصحة ، يقدم لك نجاح الزواج ، يقدم لك أولاداً أبرار ، يقدم لك كفاية تزيد عن حاجتك ، يقدم لك راحة نفسية ، يقدم لك رضا ، يقدم لك حياة نفسية رائعة جداً ، يقدم لك حياة مادية رائعة،الله عز وجل حسبك،يكفيك كل شيء النواحي المادية والمعنوية

الله عز وجل حسيب يكفي عباده إذا التجؤوا إليه واستعانوا به واعتمدوا عليه :

إذاً هو الله وحده كافٍ لكل شيء ، لا لبعض الأشياء ، كافٍ ليحصل به وجود الشيء ، واستمرار الشيء ، وكمال الشيء ، وجودك هو " الحسيب " استمرارك هو " الحسيب " كمال وجودك هو " الحسيب " .

" الحسيب " يكفي عباده إذا التجؤوا إليه ، واستعانوا به ، واعتمدوا عليه ، دققوا :الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا " [آل عمران:173] .

أحياناً تشعر في حالات معينة أن العالم كله يحارب الإسلام ، وكأن حرباً عالمية ثالثة معلنة على هذا الدين ، والعجيب أن هذا الدين ينمو ، ينمو في كل مكان .

أنا زرت فرنسا ، الخبر أن خمسين فرنسياً من أصول فرنسية يدخلون في الإسلام يومياً ، وأن في فرنسا ألفين وسبعمئة مسجد ، وأن الدين الثاني هو الإسلام ، والحرب على الإسلام جهاراً نهاراً معلنة وليست مبطنة .

الله عز وجل لا تحتاج معه إلى أحد إذا توكلت عليه :

" الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ " [آل عمران:173] .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

 الخامسة والعشرون في موضوع ( الحسيب ) و هي إستكمالا للماضية

 والتي هي بعنوان : والله كلمة رائعة : " حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ " .

" فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ "[آل عمران:173] .

لا تحتاج معه إلى أحد ، لا تحتاج معه إلى معين ، لا إلى قوي هو القوي ، هو الغني ، هو الموفق : " حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ، قالها إبراهيمُ حينَ أُلقِيَ فِي النَّارِ " [البخاري] يعني النار أُضرمت كنار عظيمة ليلقى بها هذا النبي الكريم ، فإذا قال حسبي الله ونعم الوكيل قال الله عز وجل : " يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ " [الأنبياء:69] .

وقد لا ننتبه لدقة هذا الكلام " كُونِي بَرْداً " لو لم يقل" وَسَلَاماً " لمات من البرد " كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً " ولو لم يقل " عَلَى إِبْرَاهِيمَ " لألغي مفعول النار إلى أبد الآبدين " كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ " بالذات .

" وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ " [الأنبياء:70] .

الله عز وجل حسيب حسابه واقع لا محالة :

الآن " الحسيب " يحصي أعداد المخلوقات وهيئاتها ، يضبط مقاديرها

وخصائصها ، يحصي أعمال المكلفين في مختلف الدواوين ، يحصي أرزاقهم ، أسبابهم ، أفعالهم ، مآلهم أحوالهم .

الله عز وجل حسيب بالمفهوم الشمولي ، عليم ، حسيب ، يحاسب ، قال حسابه واقع لا محالة .

" فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ " [الحجر:92-93] .

والله يا أخوان أتعجب ممن يترنم بكلمة مسؤول كبير ، والله لو علم معناها لارتعدت فرائصه ، مسؤول كبير ! .

يقول سيدنا عمر : والله لو تعثرت بغلة في العراق ( هو في المدينة ) لحاسبني الله عنها ، لِمَ لم تصلح الطريق لها يا عمر ؟ .

سيدنا عمر بن عبد العزيز دخلت عليه زوجته فاطمة بنت عبد الملك رأته يبكي قالت له : مالك تبكي ؟ قال لها : دعيني وشأني ، فلما ألحت عليه ، قال : ويحك يا فاطمة إني وليت أمر هذه الأمة ، فرأيت المريض الضائع ، والفقير الجائع ، والشيخ الكبير ، والأرملة الوحيدة ، وذي العيال الكثير ، والرزق القليل ، والمأسور ، والمظلوم ، وأمثالهم في أطراف البلاد ، فعلمت أن الله سيسألني عنهم جميعاً ، وأن خصمي دونهم رسول الله ، فخفت ألا تثبت حجتي فلهذا أبكي ، دعيني وشأني " فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ "لماذا طلقتها ؟ ماذا فعلت معك ؟ لماذا قبلت هذه الشراكة ؟ من أجل أن تأخذ خبرته ثم تطرده " فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ " أنا دائماً أقول إذا كنت بطلاً هيئ لربك جواباً يوم القيامة ، لكل ما تفعل ، حسابه واقع لا محالة ، لا يشغله حساب عن آخر ، كما لا يشغله سمع عن سمع .

الله تعالى سريع الحساب لا يشغله شأن عن شأن :

نحن ثبت علمياً لا تستطيع إطلاقاً أن تنتبه إلى صوتين في آن واحد ، ومن توهم أنه يستطيع هو في الحقيقة عنده ما يسمى سرعة التحول ، أما أنت في وقت واحد لا تسمع إلا صوتاً واحداً ، الدليل : ائتِ بمسجلة وضعها على النافذة ، واجلس مع صديق حميم ساعة ، ثم اسمع ما سجلته المسجلة ، كل هذه الأصوات التي سجلتها لم تسمعها أنت هنا، كنت غارقاً مع صديقك في حديث طويل .

فالإنسان يصطفي ، الله عز وجل لا يشغله سمع عن سمع ، ولا دعاء عن دعاء ، ولا شأن عن شأن ، فهو سريع الحساب .

" الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ " [غافر:17] أحياناً بالكمبيوتر تسأل السؤال وتطلب الجواب ، يأتي فوراً ، يقول لك : سرعته عالية جداً ، المعالج بمستوى عالٍ جداً ، إذا إنسان صنع شيئاً يعطيك الجواب سريع ، فكيف خالق الأكوان ؟ .

الله عز وجل سمح لذاته العلية أن توازن مع مخلوقاته كي نعرف من هو الله :

الله عز وجل سمح لذاته العلية أن يوازنها مع مخلوقاته قال : " وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ " [الأنعام:62] ." فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ " [المؤمنين:14]

كلية صغيرة لا صوت ، ولا ضجيج ، ولا ألم ، تعمل ليلاً نهاراً حينما لا سمح الله ولا قدر تفشل كلية الإنسان يضطر بالأسبوع ثلاث مرات ، وكل مرة ثماني ساعات ، وكل جلسة خمسة أو ستة آلاف ، معقدة ، وبالنهاية التصفية غير كاملة ، وازن بين كلية صناعية وبين طبيعية ، أحياناً نجد القلب الصناعي بغرف عمليات القلب خزانة ، أجهزة ، قلب يعمل ليلاً نهاراً ، بلا كلل ، وبلا ملل .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

 السادسة والعشرون في موضوع ( الحسيب ) و هي إستكمالا للماضية

 والتي هي بعنوان : الله عز وجل يعلم السر وما يخفى :

" الحسيب " هو الكريم ، العظيم ، المجيد ، الذي له علو الشأن ، ومعاني الكمال له في ذاته وصفاته مطلق الجمال والجلال .

" لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " [الشورى:11] هل تعلم له سمياً ، أي مشابهاً .

" لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ " [البقرة:284] أنت مع طبيب إن لم تقل أنا أحس بألم في هذا المكان لا يعلم ، الطبيب لا يعلم إن أخفيت عنه الألم لا يعلم ، لكنك إن أخفيت عن الله عيوبك فالله عز وجل سيعالجك بها ، إن أعلنتها أو لم تعلنها ، إن أبديتها أو أخفيتها " لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ " من شاء المغفرة غفر الله له ومن شاء العذاب عذبه الله : الآن دقق : " فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ " [البقرة:284]من شاء المغفرة غفر الله له ، ومن شاء العذاب عذبه الله ، كيف يعني ؟ يقول طبيب لمريضه : معك التهاب معدة حاد ، هذا الالتهاب يشفى قطعاً بحمية صارمة ، فإن لم تتقيد بهذه الحمية الصارمة لابدّ من عمل جراحي ، الأمر بيدك ، تطبق حمية صارخة وصارمة تشفى من دون عمل جراحي ، تتساهل ، الأكل غالٍ عليك ، لابدّ من عمل جراحي .

كلام دقيق ، وكأن الله عز وجل يقول لك : تتوب ، تمتنع ، تسلم ، تتابع هذا الخطأ وهذا التجاوز ، لابدّ من تأديب

" فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ "إما بالحمية ، أو بعمل جراحي ، إما من دون ألم أو مع ألم .

" أَثنى رجل على رَجُل عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، فقال : ويلك ، قطعتَ عُنق صاحبك - ثلاثا - ثم قال : مَنْ كان منكم مادحاً أخاه لا محالةَ ، فليقل : أَحْسِبُ فلاناً واللهُ حسيبه ، ولا يُزَكِّي على الله أحداً ، أَحْسِبُ كذا وكذا إن كان يعلم ذلك منه " [البخاري] .

على كل إنسان أن يكون متأدباً في تقييم الأشخاص :

يبدو أن سيدنا الصديق لما ولى سيدنا عمر بعده ، بعض الصحابة خافوا شدته ، وقلقوا على مصيرهم مع سيدنا عمر ، فجاؤوا وعاتبوا سيدنا الصديق ، وكأنهم خوفوه بالله عز وجل ، اتقِ الله يا رجل هذا شديد جداً ، فقال الصديق : تخوفونني بالله ؟ والله لو أن الله سألني يوم القيامة لقلت : يا رب وليت عليهم أرحمهم ، هذا علمي به ، فإن بدل وغير فلا علم لي بالغيب .

أحياناً إنسان يسألك على شخص ، والله أحسبه صالحاً ، لكني لست ضامناً ، هذا علمي به ، فقال سيدنا أبو بكر : فإن بدل وغير فلا علم لي بالغيب .

كن متأدباً في تقييم الأشخاص ، أحسبه صالحاً ولا أزكي على الله أحداً .

هذه التي قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد كان في زيارة أحد أصحابه ، وقد توفاه الله هنيئاً لك أبا السائب لقد أكرمك الله ، النبي قال لها : ومن أدراكِ أن الله أكرمه ؟ قولي : أرجو الله أن يكرمه ، وأنا نبي مرسل لا أدري ما يفعل بي ولا بكم ، سماه العلماء التألي على الله أن تحكم على مصير إنسان ، من أنت ؟ .

الترضي على معنيين إما التقرير أو الدعاء :

أيها الأخوة ، قال له : " قطعتَ عُنق صاحبك - ثلاثا - ثم قال : مَنْ كان منكم مادحاً أخاه لا محالةَ ، فليقل : أَحْسِبُ فلاناً ، واللهُ حسيبه ، ولا يُزَكِّي على الله أحداً ، أَحْسِبُ كذا وكذا إن كان يعلم ذلك منه " [البخاري] .

أيها الأخوة ، نحن نقول رضي الله عنه ، الحقيقة هذا الترضي على معنيين إما على معنى التقرير ، أو على معنى الدعاء ، فإذا قلت عن صحابي جليل بشره الله بالجنة تقول رضي الله عنه ، يعني لقد رضي الله عنه ، فإذا رضي الله عنه ، كيف أنت لا ترضى ؟ من أنت ؟ إذا كان خالق السماوات والأرض في عليائه رضي عن كل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين بايعوه تحت الشجرة ، من أنت حتى لا ترضى عنهم ؟ هذه رضية تقريرية ، أما إذا فيه عارف بالله ( عالم جليل ) إذا قلت رضي الله عنه هذه دعائية ، التقريرية شيء والدعائية شيء .

على الإنسان أن يكون قوياً ومتواضعاً في الوقت نفسه :

" جاء جبريل النبي صلى الله عليه وسلم : يا محمد أتحب أن تكون نبياً ملكاً أم نبياً عبداً ؟ قال : بل نبياً عبداً،أجوع يوماً فأذكره،وأشبع يوماً فأشكره" [ورد في الأثر]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

 السابعة والعشرون في موضوع ( الحسيب ) و هي إستكمالا للماضية

 والتي هي بعنوان :

العمل الصالح له مكافأة عند الله عز وجل ولو كان صغيراً :

الله سبحانه وتعالى يحب إجابة الدعوات ، تفريج الكربات ، إغاثة اللهفات مغفرة الذلات ، تكفير السيئات ، دفع البليات ، المؤمن مع المؤمن متذلل ، لكن مع غير المؤمن عزيز ، مع ربه يمرغ جبهته في أعتابه ، لكن مع غير المؤمن عنده عزة ، ولو وزعت على أهل بلد لكفتهم .

" اطلبوا الحوائج بعزة الأنفس فإن الأمور تجري بالمقادير " [ابن عساكر عن عبد الله بن بسر بسند ضعيف]  ولا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه .

اجعل لربك كل عزك يستقر ويثبت     فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك ميت                                                         

أيها الأخوة ، قال عليه الصلاة والسلام : " حُوسِبَ رَجُلٌ مِمَّن كان قبلكم ، فلم يوجد له من الخير شيءٌ ، إلا أنه كان يُخالِطُ الناسَ ، وكان موسِراً ، فكان يأمُرُ غِلْمَانَه أن يتجاوزا عن المُعْسِرِ ، قال : قال الله عز وجل : نحن أحق بذلك منه ، تجاوزوا عنه " [البخاري ومسلم] يعني أي عمل صالح عند الله له مكافأة .

الله عز وجل محاسب و مكافئ كل إنسان على عمله:

أيها الأخوة، "الحسيب" المحاسب، يوجد أخ مرة التقيت به في لقاء خاص فحدثني عن القصة التالية:

كان محامياً بجريمة قتل، قال لي: بعد سنوات عديدة صدر الحكم على هذا المتهم بالإعدام، قال لي: لما أبلغته الحكم تلقاه بأعصاب باردة، وهو يؤكد لي طوال هذه المحاكمة أنه بريء من هذه الجريمة، قال لي: هذا الوضع أثار فضولي، فأردت أن أحضر إعدامه، الآن بدأت القصة، صعد إلى الخشبة التي سوف يعدم عن طريقها، وقال: أنا بريء من هذه الجريمة، ولكني قتلت رجلاً قبل ثلاثين عاماً، كنت رئيس مخفر في أحد أحياء دمشق في الميدان، وجاء ضابط فرنسي أيام الاستعمار الفرنسي، أعطاني رجلاً ليحكم غداً بالإعدام، أودعته في الإسطبل وقفلت الباب، صباح ذلك اليوم افتقدته، هرب، من شدة خوفه من هذا الذي أعطاه 

هذا الإنسان، أخذ بدوياً من الطريق وباع ناقته، وأودع ثمنها في جيبه، ووضعه محل هذا الرجل، في اليوم الثاني أخذوه وأعدموه، مضى على هذه الحادثة ثلاثون عاماً، واتهم بجريمة هو منها بريء وانتهت هذه التهمة بإعدامه، والقصة طويلة. الله عز وجل حسيب أي محاسب، حسيب أي مكافئ، حسيب أي كافٍ.

من أكبر أفضال الله على الإنسان أنه سمح له أن ينتسب إليه:

الآن الله حسيب يعني ذو شرف، عظيم معنى رابع، لذلك من أكبر أفضال الله علينا أنه سمح لنا أن ننتسب إليه.

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ ﴾( سورة الزمر الآية: 53 ) أنت عبد من ؟ عبد خالق السماوات والأرض، ما قولك أن هناك أناساً في العالم يعبدون الشجر، وأن هناك أناساً يعبدون الشمس والقمر، وأن هناك أناساً يعبدون النار، وأن هناك أناساً يعبدون بعض الحيوانات، وهناك جماعات كثيرة جداً في آسيا يعبدون الجرذان والحديث طويل، وفي اليابان يعبدون ذكر الرجل، وقد شرفنا الله عز وجل بأن نعبده ، بأن نعبد خالق السماوات والأرض، بأن نعبد مالك كل شيء، أن نعبد من إليه يرجع الأمر كله، أن نعبد من هو في السماء إله وفي الأرض إله، أن نعبد خالقنا، الرحمن، الرحيم، القوي ، الغني، الحكيم. القهار الشكور:

أيها الأخوة، لذلك قال العلماء: فرق كبير بين العباد وبين العبيد، العبيد جمع عبد القهر، والعباد جمع عبد الشكر، العبد الذي عرف الله ابتداءً، وأقبل عليه، وأحبه ، واستسلم لأمره، وسعى لخدمة خلقه، وتقرب إليه بالعمل الصالح، ويجمع على عباد. ﴿ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ﴾( سورة الحجر الآية: 42 ) ، ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً ﴾( سورة الفرقان الآية: 63 )

أما العبد الذي قلبه بيد الله، وحركته بيد الله، وسمعه بيد الله، وبصره بيد الله ، ومن فوقه بيد الله، ومن تحته بيد الله، وهو في قبضة الله، وفي أية لحظة سكتة دماغية ، في أية لحظة احتشاء في القلب، في أية لحظة من أهل القبور، هذا العبد المقهور ببقائه ، وباستمرار بقائه، المقهور بصحته، المقهور بأجهزته، هذا اسمه عبد القهر ويجمع على عبيد. ﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾( سورة فصلت )

فشتان بين أن تكون عبد القهر، وبين أن تكون عبد الشكر، بين أن تكون عبداً أحبّ الله.

إرادة الله عز وجل في أن تكون العلاقة بيننا و بينه علاقة حب لا علاقة إكراه:

لذلك الذي يلفت النظر أن الله سبحانه وتعالى ما أراد أن تكون العلاقة بيننا وبينه علاقة قهر، ولا علاقة إكراه.

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾( سورة البقرة الآية: 256 ) أراد الله جل جلاله أن تكون العلاقة بيننا وبينه علاقة حب، قال: ﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾( سورة المائدة الآية: 54 )

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

 الثامنة والعشرون في موضوع ( الحسيب ) وهي بعنوان :

ثناء الله على نفسه بأنه الحاسب والحسيب :

لقد أثنى الله -تبارك وتعالى- على ذاته العلية، فوصف نفسه بأنه الحاسب والحسيب، قال -سبحانه-: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا) [الأحزاب: 39]، وقال -سبحانه-: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) [الأنبياء: 47].

وقد أرشدنا نبينا محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- إلى عدم الجرأة على الحسيب -سبحانه-، وأن نحكم على الناس بالظواهر، وأن نكل السرائر إلى الله -سبحانه- فهو أحسن حسيبٍ وأعظم رقيبٍ، فعن أَبِى بَكْرَةَ -رضي الله عنه- أنه قَالَ: أَثْنَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ -عليه الصلاة والسلام-: “وَيْلَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ، قَطَعْتَ عُنَقَ صَاحِبِكَ، قالها مِرَارًا، ثُمَّ قَالَ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَادِحًا أَخَاهُ لا مَحَالَةَ، فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ فُلاَنًا، وَاللَّهُ حَسِيبُهُ، وَلاَ أُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا، أَحْسِبُهُ كَذَا وَكَذَا، إِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهُ” (البخاري).

  والحسيب -سبحانه-: هو الكافي الذي كفى عباده جميع ما أهمّهم من أمور دينهم ودنياهم، الميسّر لهم كل ما يحتاجونه، الدافع عنهم كل ما يكرهونه، قال -سبحانه- لنبيه -عليه الصلاة والسلام-: (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ) [الحجر:95], وقال -جل وعلا-: (وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [البقرة:137]، وقال -تبارك وتعالى:(أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ)[الزمر: 36].

ويتجلَّى معنى الحسيب الكافي -سبحانه- الذي يكفي عباده ما أهمهم في قوله تعالى: (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) [الأنفال: 62]، فالله -سبحانه- حسبك يا محمد وسندك، وناصرك ومؤازرك، (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق: 3]، أي مَن سلَّم أمره لربه، فهو كافيه الأمرَ الذي توكل عليه فيه.

والحسيب يطلق أيضاً على الحسبان الذي يعني النظام والتدبير، يقول الحق -سبحانه-: (الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ * الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ) [الرحمن: 1 – 5]، أي بحساب ومنازلٍ لا يعدونها, فالشمس والقمر، يجريان بحساب مقنن، وتقدير مقدر، بحيث لا يشوب جرْيَهما اختلال أو اضطراب.

فالحسيب -سبحانه-: هو الحفيظ الذي أحصى كل شيء عددًا، لا يفوته مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، الضابط لأعداد المخلوقات، وهيئاتها وخصائصها، وأوصافها يضبط المقادير والموازين، ويحصي أرزاق الخلائق وأقدارهم، وأفعالهم ومآلهم، (يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ) [الرعد: 9].

فالحسيب -سبحانه- يعلم أدق الأعمال، وأدق الذرات، ويعلم النقير -أي رأس النواة المدبب- والقِطمير -أي الغشاء الرقيق على نواة التمر-، والفتيل –وهو الخيط بين فَلْقَتيْها-، فلا يُظلم الناسُ فتيلاً ولا قِطميرًا ولا نقيرًا ولا مِثقال ذرة.

والحسيب -سبحانه- هو المحاسب لخلقه يوم القيامة، فهو الذي أحصى على عباده كل ما عملوه ويجازيهم عليه، فقد أحصى جميع أقوال العباد وأفعالهم، وجميع حركاتهم وسكناتهم، فهي محفوظة مكتوبة لا يضيع منها شيء، ولا يُزاد عليها شيء، فيجازي بها العباد يوم القيامة عدلاً وفضلاً، بلا ظلم ولا بخس ولا نقص, قال الله: (وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) [الأنبياء: 47].

والله -سبحانه- سريع الحساب؛ وذلك لكمال علمه المحيط، وحفظه لأعمال العباد، فلا يحتاج إلى ما يحتاج إليه الخلائق من تفكر واشتغال بحساب عن حساب، قال تعالى: (وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) [الرعد: 41].

ومن سُرْعَة حِسابِه أَنه لا يَشْغَلُه حِسابُ واحد عَن مُحاسَبةِ الآخَر، ولاَ يَشْغَلُه سَمْع عن سمع، ولا شَأْنٌ عن شأْنٍ، ولهذا قال -سبحانه-: (وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ)، فهو عالم بما للعباد وما عليهم فلا يحتاج إلى تذكر وتأمل.

تذكروا -عباد الله- أن الحسيب -جلَّ جلاله- هو أسرع الحاسبين، فإذا رجع العباد إليه يوم القيامة حاسبهم في أسرع وقت على ضخامة أعمالهم، وكثرة اختلافهم، وزيادة أعدادهم، قال -سبحانه-: (ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ) [الأنعام: 62]، وحساب الخلائق كلها سهل لا مشقة فيه على الخالق، بل هو ذلك عليه يسير، فكما أنّ خلْقهم وبعْثهم كنفس واحدة، فكذلك رزقهم وحسابهم كنفس واحدة، قال -سبحانه-: (مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) [لقمان: 28], ولما سئل علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: كيف يحاسب الله العباد في يوم؟ قال: “كما يرزقهم في يوم“.

فكونوا على ثقة من عدل رب العالمين، فإن الله -عزَّ وجلَّ- إذا جمع عباده يوم القيامة للفصل والقضاء حكم بينهم بالحق والعدل، فوضع لهم الموازين العادلة التي يظهر فيها مثاقيل الذر، وتوزن بها الحسنات والسيئات، فلا تظلم نفس مسلمة أو كافرة شيئًا، ولن يفلت أحد من الموت، كما أنه لن يفلت أحد من الحساب، قال -سبحانه-: (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ) [الغاشية: 25-26].

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

 التاسعة والعشرون في موضوع ( الحسيب ) وهي بعنوان :

 لاسم الله “الحسيب” آثار إيمانية على العبد المسلم, منها:

=أن يلجأ إلى الله ويدعوه باسمه الحسيب -سبحانه- خاصة عند الشدائد، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه يُكثرون الالتجاء إلى الحسيب -سبحانه- ويفوضون أمورهم إليه، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قال: “(حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)، قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلَام- حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ قَالُوا: (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)”. (البخاري).

=فمن حظ المؤمن أن يستشعر أن الله الحسيب هو الذي يكفيه ولا غنىً له عنه، بل لا يتصور العبد حياته دون ربه، فيديم اتصاله به ويديم افتقاره له ويتجسد ذلك في دوام الدعاء, والركون والتفويض على الحسيب -سبحانه-، ولذلك كان قَوْل إِبْرَاهِيمَ -عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ- وَمُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- فِي الشَّدائدِ، (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ), دعا بها إبراهيم: (فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ), ودعا بها نبيّنا محمد وأصحابه: (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ).

وعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الْقَرْنِ -أيّ: إسرافيل- قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ، وَاسْتَمَعَ الإِذْنَ متى يُؤْمَرُ بِالنَّفْخِ فَيَنْفُخُ، فَكَأَنَّ ذَلِكَ ثَقُلَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ لَهُمْ: “قُولُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا” (الترمذي وصححه الألباني).

ومن الآثار الإيمانية: أن يقف المسلم مع نفسه على الدوام لمحاسبتها، فيميز حركاتها وسكناتها، فإن كان خاطر النفس عند الهمّ يقتضي نية أو عقدًا أو عزمًا، أو فعلاً أو سعيًا خالصًا لله أمضاه وسارع في تنفيذه، وإن كان لعاجل دنيا، أو عارض هوى، أو لهوٍ أو غفلة، تركه وسارع في نفيه وتقييده، ثم يذكر أنه ما من فعلة -وإن صغُرت- إلا حاسب نفسه لِمَ فعلت؟.

فإن سلِم من هذا الأمر، سأل نفسه كيف فعلت؟ أبعلم أم بجهل؟ فإن الله -تعالى- لا يقبل عملاً إلا إذا كان خالصًا لوجهه وعلى سُنَّة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، فإن سلم من هذا سأل نفسه لمن فعلت؟ هل أردت بذلك وجه الله تعالى أم للسمعة والرياء؟.

فالمحاسبة موازنة بين الحسنات والسيئات بميزان الشرع والأحكام، وتمييز الحلال والحرام، واتقاء الشبهات؛ حتى لا يقع في الحرام.

ومن الآثار الإيمانية: إذا أردت أن ييسر الله حسابك في الآخرة فلا تشدد على الناس في الدنيا فيما هو لك عندهم, فعن أَبِي مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “حُوسِبَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ شَيْءٌ، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ يُخَالِطُ النَّاسَ، وَكَانَ مُوسِرًا، فَكَانَ يَأْمُرُ غِلْمَانَهُ أَنْ يَتَجَاوَزُوا عَنِ الْمُعْسِرِ. قَالَ: قَالَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: نَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ، تَجَاوَزُوا عَنْهُ” (مسلم).

ومن الآثار الإيمانية: عندما يوقن المؤمن بأنه ربه -تبارك وتعالى- هو الحسيب، فإن هذا يثمر له مراقبة أحواله وجميع شؤونه، ومحاسبة نفسه في كل ما يقوله ويفعله، وهذا من مقتضى الإيمان بهذا الاسم أن يعلم المؤمن أن الله سريع الحساب، وأنه يحاسب خلقه، ويجازيهم على أعمالهم؛ فيكون دائم الاستعداد للآخرة, قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

 الثلاثون في موضوع ( الحسيب ) وهي بعنوان :

ومن الآثار الإيمانية: أن يوقن العبد أن الله -سبحانه- هو الكافي لعباده، الذي لا غنى لهم عنه أبداً، بل لا يتصور لهم وجود بدونه، فهو خالقهم وبارئهم ورازقهم وكافيهم في الدنيا والآخرة، لا يشاركه في ذلك أحد أبداً، فليقطع المؤمن أمله بالناس وليكن اعتقاده في الله وحده, فهو -سبحانه- كافيه, وبقدر ما يلتزم العبد بطاعة الله ورسوله، تكون الولاية والكفاية.

واعلموا -عباد الله- أن حساب الله عسير, فليحسِب العبد له حسابه، وليحسن الاستعداد له قبل أن يقدم عليه، ولات ساعة مندم، فعن عائشة -رضي الله عنها- أنها كَانَتْ لاَ تَسْمَعُ شَيْئًا لاَ تَعْرِفُهُ إِلاَّ رَاجَعَتْ فِيهِ حَتَّى تَعْرِفَهُ، وَأَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: “مَنْ حُوسِبَ عُذِّبَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: أَوَ لَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ -تَعَالَى-: (فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا)، فَقَالَ: “إِنَّمَا ذَلِكَ الْعَرْضُ، وَلَكِنْ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ يَهْلِكْ” (البخاري).

فسارع بالطاعة والخير قبل أن يأتي الأجل وينزل بك الموت. [الأنترنت – موقع الخطباء  ]

   وأفضل حالا منه حديث يرويه سَيْف ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ ، فَقَالَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ لَمَّا أَدْبَرَ : حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ ، فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ )  والحديث حسنه الحافظ ابن حجر في الفتوحات الربانية ، وصححه الشيخ أحمد شاكر في عمدة التفسير و ضعفه الألباني في ” ضعيف أبي داود “.

وحديث أَبِي سَعِيدٍ الخدري رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ القَرْنِ قَدِ التَقَمَ القَرْنَ وَاسْتَمَعَ الإِذْنَ مَتَى يُؤْمَرُ بِالنَّفْخِ فَيَنْفُخُ ، فَكَأَنَّ ذَلِكَ ثَقُلَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لَهُمْ : قُولُوا : حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ ، عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا )صححه الألباني في ” صحيح الترمذي .

وعَن أبي الدَّرداءِ رضيَ اللَّهُ عنه قالَ : “مَن قالَ إذا أصبحَ وإذا أَمسى : حَسبيَ اللَّهُ لا إلَهَ إلَّا هوَ عليهِ توَكَّلتُ وَهوَ ربُّ العرشِ العظيمِ . سَبعَ مرَّاتٍ كفاهُ اللَّهُ ما أَهَمَّهُ صادقًا كانَ أو كاذبًا”قال ابن باز رحمه الله : جاء موقوفا عن أبي الدرداء بسند جيد

وذكره ابن القيم رحمه الله في ” الفصل التاسع عشر في الذكر عند لقاء العدو ومن يخاف سلطاناً وغيره ” انتهى من ” الوابل الصيب ” (ص/114)

ونلاحظ مما سبق أن هذا الدعاء يمكن أن يقال في مواجهة المسلم الظالم ، وليس فقط الكافر ، كما يمكن أن يلجأ إليه المهموم أو المكروب أو الخائف بسبب تعدي أحد المسلمين .

وأما الظالم الذي قيل في حقه هذا الدعاء فليس له إلا التوبة الصادقة ، وطلب العفو ممن ظلمهم وانتهك حقوقهم ، ورد المظالم إلى أهلها ؛ وإلا فإن الله عز وجل سيكون خصمه يوم القيامة ، وغالبا ما يعجل له العقوبة في الدنيا ، فإن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب .                                        

حسبنا الله وحده :

أثنى الله سبحانه على أهل التوحيد والتوكل من عباده حيث أفردوه

بالحسب، فقال تعالى: “الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ” آل عمران: 173.

ولم يقولوا: حسبنا الله ورسوله، ونظير هذا قوله تعالى : ” وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَا آتَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ سَيُؤْتِينَا اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللّهِ رَاغِبُونَ ” [التوبة: 59].

فتأمل كيف جعل الإيتاء لله ولرسوله، كما قال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ [الحشر: 59]. وجعل الحسب له وحده، فلم يقل: وقالوا: حسبنا الله ورسوله، بل جعله خالص حقه، كما قال تعالى: إِنَّا إِلَى اللّهِ رَاغِبُونَ [التوبة: 59] ولم يقل: وإلى رسوله، بل جعل الرغبة إليه وحده.

و ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه قال : ( الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفاناوآوانا,فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي

والعبد لا غنى له عن ربه بأن يكون له حافظاً وكافياً ومسددا وهاديا ولذا شرع للمسلم في كل مرة يخرج من بيته أنه يقول: ( بسم الله توكلت على الله لاحول ولا قوة إلا بالله ) ليكفى همه وحاجته روى ابو داود والترمذي – وصححه الألباني لشواهده- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ قَالَ « يُقَالُ حِينَئِذٍ هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِينُ فَيَقُولُ لَهُ شَيْطَانٌ آخَرُ كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِىَ وَكُفِىَ وَوُقِىَ ) أي هديت إلى طريق الحق والصواب وكفيت من كل هم ديني ودنيوي .

وكثيرا ما يتنازل بعض الناس عن مثل هذه المعاني الجليلة إلى تذلل للمخلوقين وانكسار بين أيديهم وسؤالهم وتعلق قلبه بهم وكأن الأمور بأيديهم كل ذلك لينال بعض مآربه وحاجاته على حساب دينه ونيل رضا ربه عز وجا فيخسر كفاية الله للمتوكلين

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

 الواحدة والثلاثون في موضوع ( الحسيب ) وهي بعنوان :

ومن الآثار الإيمانية:

روى الترمذي – وصححه الألباني – عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من التمس رضاء الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس ومن التمس رضاء الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس ).

المعنى الثاني : (الحاسب) الذي أحصى كل شيء، لا يفوته مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.

قال تبارك وتعالى:”وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا[الجن: 28].

وقال : “إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا ” [مريم: 93-94].

وأعمالك كلها أيها الإنسان محسوبة محصية، لا يضيع منها شيء، ولا يزاد عليك شيء، فتجزى بها يوم القيامة ولا تظلم.

قال تعالى:” وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ” [الأنبياء: 47]. وقال سبحانه:” أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ ” [المجادلة: 6]. وقد أمر الله سبحانه الحفظة بذلك، أن يدونوا كل صغيرة وكبيرة. قال تعالى:” مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ” [ق: 18].

وهذا الحفظ والإحصاء الدقيق، والحساب الذي لا يفوته شيء، هو الذي يبهت أهل الأجرام، الذين لا يبالون بأعمالهم صلحت أو فسدت، يعملون السيئات بلا حساب ويظنون أنهم متروكون سدى، لا حساب ولا عذاب، قال تعالى عنهم : “وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ” [الكهف: 49].

المعنى الثالث : حسيب بمعنى المحاسب (وهو أسرع الحاسبين )

والله سبحانه وتعالى هو أسرع الحاسبين فحين يَرِدْ إليه العباد فيحاسبهم لا يشق عليه ذلك فهو سبحانه يعلم عددهم وأعمالهم وآجالهم وجميع أمورهم ، وقد أحصاها وعلم مقاديرها ومبالغها وهو لا يحسب بعقد يد ولكنه يعلم ذلك ولا يخفى عليه خافية ولا يعزب عنه مثقال ذرة ولا أصغر منها ولا أكبرإلا في كتاب مبين.

وحساب الخلق لا مشقة فيه على الخالق الحاسب، بل هو يسير عليه.

قال تعالى : “ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ” [الأنعام: 62].

قال ابن جرير: ثم ردت الملائكة الذين توفوهم فقبضوا نفوسهم وأرواحهم إلى الله سيدهم الحق، (ألا له الحكم) يقول: ألا له الحكم والقضاء دون من سواه من جميع خلقه، (وهو أسرع الحاسبين) يقول: وهو أسرع من حسب عددكم وأعمالكم وآجالكم وغير ذلك من أموركم أيها الناس، وأحصاها وعرف مقاديرها ومبالغها.

لأنه لا يحسب بعقد يد، ولكنه يعلم ذلك ولا يخفى عليه منه خافية، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين اهـ .

فكما أن خلقهم وبعثهم لا مشقة فيه كما قال سبحانه مَّا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ [لقمان: 28].

فكذلك حسابهم لا مشقة فيه ولا تأخير، إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس: 82].

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

 الثانية والثلاثون في موضوع ( الحسيب ) وهي بعنوان :

 خامسا / ثمار الإيمان بالاسم الجليل

1) إن الله سبحانه وتعالى هو الكافي لعباده الذي لا غنى لهم عنه أبدا بل لا يـُتـصور لهم وجود بدونه فهو خالقهم وبارئهم ورازقهم وكافيهم في الدنيا والآخرة لا يشاركه في ذلك أحد أبدا ، وإن ظن الناس أن غير الله يكفيهم فهو ظن باطل بل كل شيء بخلقه وأمره وتقديره فالله هو الذي كفانا بخلق الطعام والشراب والأرض والسماء فهو حسبنا.

2) لا تظن أن الطفل الذي يحتاج إلى أمه ترضعه وتتعهده أن الله ليس حسيبه وكافيه بل الله كفاه إذ خلق أمه وخلق اللبن في ثديها وخلق له الهداية إلى التقامه وخلق الشفقة والمودة في قلب الأم حتى مكنته من التقامه ودعته إليه وحملته إليه, فالكفاية إنما حصلت بهذه الأسباب والله وحده المتفرد بخلقها لأجله .

3) الله وحده حسيب كل أحد لا يشاركه في ذلك أحد وهذا هو معنى قوله تعالى:”يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين” أي الله وحده كافيك وكافي أتباعك فلا تحتاجون معه إلى أحد.

وبقدر ما يلتزم العبد بطاعة الله ورسوله تكون الولاية والكفاية ولذلك كان المقصود من الأية السابقة: أن بحسب متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم تكون العزة والكفاية والنصرة والفلاح والنجاة فالله سبحانه علق سعادة الدارين بمتابعته وجعل شقاوة الدارين في مخالفته.

4)  أن يكون المؤمن دائماً محاسباً لنفسه” حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا” فمن حاسب نفسه بدقه في حياته خُفّف عليه من الحساب يوم القيامة.

فلا يمر بك يوم دون أن تنظر أين أنت من الطريق ؟  هل تقدمت أم تأخرت ؟

5)الله سبحانه وتعالى “الحاسب” الذي أحصى كل شيء لا يفوته مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء قال تبارك وتعالى :”وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا”

 وكتب ذلك في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين الف سنة .”وكل شيء أحصيناه في إمام مبين” ” وما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير”

6) حساب الخلق لا مشقة فيه على الخالق الحاسب بل هو عليه يسير. قال تعالى “ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين” فهو أسرع من حسب عددكم وأعمالكم وآجالكم وغير ذلك من أموركم أيها الناس أحصاها وعرف مقاديرها ومبالغها. فكما أن خلقهم وبعثهم لا مشقة فيه فكذلك حسابهم لا مشقة فيه .“ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة ““إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون “ فسبحان الله العظيم ..الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. [الأنترنت - موقع الراشدون - شرح أسماء الله الحسنى – الحسيب ]

*فقهِ هذا الاسم المبارك "الحسيب":

اسمٌ جليلٌ يدلُّ على الكفاية من جهة، وعلى المحاسبة مِن جهة أخرى.

وتبيَّنَّا أن الله تعالى كافٍ مَن أخلَصَ التوكلَ عليه، فلا يحتاج إلى غيره، ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36]، وأنه مُحاسِبٌ عبادَه ﴿ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ﴾ [الأنعام: 62]، لا يُعجِزُه حسابُ أعمال الخلائق، بل يُوكِل حساب الحسنات والسيئات إلى العباد أنفسهم، فيقول المؤمن: ﴿ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ﴾ [الحاقة: 19، 20]، ويقول الكافر والمنافق: ﴿ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ ﴾ [الحاقة: 25، 26].

الذي سنتناوله من ثمانيةِ أوجهٍ:

1- العلم بأن كفاية الله لعباده عامةٌ وخاصةٌ (وقد تقدم)

ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أَوَى إلى فراشه قال: ((الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا، وَسَقَانَا، وَكَفَانَا، وَآوَانَا، فَكَمْ مِمَّنْ لا كَافِيَ لَهُ وَلا مُؤْوِيَ))؛ مسلم.

وعلَّمنا صلى الله عليه وسلم أن نقول عند الخروج من البيت: ((بِسْمِ الله، تَوَكَّلْتُ عَلَى الله، لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا باللهِ))، قال صلى الله عليه وسلم: ((يُقَالُ حِينَئِذٍ: هُدِيتَ، وَكُفِيتَ، وَوُقِيتَ، فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِينُ، فَيَقُولُ لَهُ شَيْطَانٌ آخَرُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ، وَكُفِيَ، وَوُقِيَ؟)).

وكتب معاويةُ إلى عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها: أنِ اكتُبِي إليَّ كتابًا توصيني فيه، ولا تُكثِري عليَّ، فكتبَتْ إليه: "سلامٌ عليك، أما بعد: فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَنِ التَمَس رضاء الله بسَخَط الناس، كَفَاه الله مُؤْنَة الناس، ومَن التَمَس رضاء الناس بسَخَط الله، وكَلَه الله إلى الناس))، والسلام عليك"؛ صحيح سنن الترمذي.

2- تحقيق اسم الله الحسيب يقتضي التوكلَ عليه، وصدقُ التوكل يدفعُ المضرَّة والأذى، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 2، 3]، قال بعض السلف: "جعل اللهُ تعالى لكلِّ عملٍ جزاءً مِن جنسه، وجعل جزاءَ التوكل عليه نفس كفايتِه لعبده، فقال: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3]، ولم يقل: نُؤتِه كذا وكذا من الأجر؛ كما قال في الأعمال، فلو توكَّل العبدُ على الله تعالى حقَّ توكُّله، وكادَتْه السموات والأرض ومَن فيهن، لجعل له مخرجًا من ذلك وكفَاه ونصره".

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

 الثالثة والثلاثون في موضوع(الحسيب)وهي بعنوان : مِن فقه "الحسيب"

3- الاعتقاد بأن الله يُحصِي كلَّ شيءٍ مِن أقوالنا وأفعالنا، وحركاتنا وسكناتنا، لا يغيب عنه من ذلك شيءٌ، قال تعالى: ﴿ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا ﴾ [الجن: 28]، وقال تعالى: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18].

4- مِن فقه "الحسيب" أن الحاكمَ يُجرِي القوانين الانضباطية بين الناس، ويُحاسِبهم على مخالفتهم لها، ولا حقَّ في الاعتراض عليها ما دامت مُوافِقةً لكتاب الله وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما أجمَعَت عليه الأمَّةُ، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إن أُناسًا كانوا يُؤخَذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخُذُكم الآن بما ظهَر لنا مِن أعمالكم، فمَن أظهر لنا خيرًا أَمِنَّاهُ وقرَّبناه، وليس إلينا من سريرته شيءٌ، الله يحاسبه في سريرته، ومَن أظهر لنا سوءًا لم نَأْمَنه ولم نُصدِّقه، وإن قال: إن سريرتَه حسنةٌ"؛ البخاري.

ولو سَرَتْ هذه المحاسبة على وجهِها الأكمل، لَمَا تفشَّت بيننا مظاهرُ الغش والرِّشوة والمحسوبية، ولكن الفَطِن منا مَن يُؤدِّي المظالم في الدنيا قبل يوم الحساب، فالله كفيلٌ بردِّ الحقوق إلى أصحابها، قال تعالى: ﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ﴾ [الغاشية: 25، 26].

5- الإيمان باسم الله "الحسيب" يُفضِي إلى استشعار معيَّة الخالق للعبد في كل زمان ومكان، وإذا كان الله معك، فمَن عليك؟ وإذا كان عليك، فمن معك؟

قال الإمام أحمد رحمه الله: "إذا أحببتَ أن يدومَ الله لك على ما تُحِب، فدُمْ له على ما يحب".

وقال سفيان الثوري رحمه الله: "أصلِحْ سريرتَك يُصلِحِ اللهُ علانِيَتَك، وأصلِحْ فيما بينك وبين الله يُصلِحِ اللهُ فيما بينك وبين الناس، واعمَلْ لآخرتك يكفلِ اللهُ أمرَ دنياك، وبِعْ دنياك بآخرتك تربَحْهما جميعًا، ولا تَبِعْ آخرتك بدنياك فتخسَرَهما جميعًا".

6- المؤمن يحسب حسناته وسيئاته، ويقوم مِن أعمال العبادة بما يُقوِّي به سِجلَّ حسناته، وأيسرُ ذلك مؤونةً أدعيةٌ خفيفة، وأعمالٌ يسيرة علَّمَنَاها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:

فمن الصِّنف الأول: ما رَوَتْه جُوَيرية رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرةً حين صلَّى الصبح وهي في مسجدِها، ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسةٌ، فقال: ((ما زلتِ على الحال التي فارقتُك عليها؟))، قالت: نعم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لقد قلتُ بعدَكِ أربعَ كلماتٍ ثلاثَ مراتٍ، لو وُزِنَت بما قلتِ منذ اليوم لوزنَتْهنَّ: سبحان الله وبحمده، عددَ خلقه، ورِضا نفسه، وزنة عرشه، ومدادَ كلماته))؛ مسلم.

ومن الصنف الثاني: ما رواه سعدُ بن أبي وقاص أن خبَّابًا قال لعبدِالله بن عمر رضي الله عنهما: ألا تسمَعُ ما يقول أبو هريرة؟ إنه سمِع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَن خرج مع جنازة مِن بيتها وصلى عليها ثم تبِعها حتى تُدفَنَ، كان له قيراطانِ مِن أجر، كلُّ قيراط مثلُ أُحُدٍ، ومَن صلى عليها ثم رجع، كان له من الأجر مثل أُحُدٍ))، فأرسل ابنُ عمرَ خبَّابًا إلى عائشة يسألُها عن قول أبي هريرة، ثم يرجع إليه فيخبره ما قالت، وأخذ ابن عمر قبضةً مِن حصى المسجد يُقلِّبُها في يده حتى رجع إليه الرسولُ، فقال: قالت عائشة: صدَقَ أبو هريرة، فضرب ابن عمر بالحصى الذي كان في يده الأرض، ثم قال: "لقد فرَّطنا في قراريطَ كثيرةٍ!"؛ مسلم.            إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

 الرابعة والثلاثون في موضوع(الحسيب)وهي بعنوان: مِن فقه "الحسيب"

7- عدم المبالغة في إصدار الأحكام، وإن كانت ثناءً ومدحًا؛ دفعًا للغرور أو التغرير؛ فعن أبي بكرةَ أن رجلًا ذُكِر عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأثنى عليه رجلٌ خيرًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(وَيْحَكَ، قطعتَ عُنُقَ صاحبِك - يقولُه مرارًا - إن كان أحدُكم مادحًا لا محالة، فليقل: أحسبُ كذا وكذا، إن كان يرى أنه كذلك، وحسيبُه الله، ولا يزكِّي على الله أحدًا))؛ البخاري.

إنَّا لنفرَحُ بالأيام نقطَعُها  ***** وكلُّ يومٍ مضى يُدنِي مِن الأجَلِ

فاعمَلْ لنفسِكَ قبلَ الموتِ مجتهدًا  *****فإنَّما الربحُ والخُسرانُ في العَمَلِ

8- ومِن أعظم ما يستوجبُه الإيمان باسم الله "الحسيب"، أن يُحاسِب المؤمنُ نفسَه عن أعماله قبل أن يُحاسَبَ عليها، فلا يُقدِّم رِجلًا ولا يخطو خُطوةً إلا على هُدًى مِن كتاب الله، أو تشريعٍ مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبذلك يكفيه اللهُ همَّ الدنيا والآخرة.

قال الحسن رحمه الله: "رحِم اللهُ عبدًا وقف عند همِّه، فإن كان لله مضى، وإن كان لغيره تأخَّر".

قال ميمون بن مِهران: "لا يكون العبد تقيًّا حتى يُحاسِبَ نفسَه كما يحاسب شريكه: مِن أين مطعمه وملبسه؟".

وقال الحسن: "كان عمر رضي الله عنه ربما تُوقَد له النارُ، ثم يُدنِي يدَيْه منها ثم يقول: يا بن الخطَّاب، هل لك على هذا صبرٌ؟".

ومن قصص السلف في ذلك: أن رجلًا مؤمنًا أرسل طعامًا إلى البصرة عن طريق وكيلٍ، وقال: "بِعِ الطعام بسعرِ يومِه"، فلما وصل هذا الوكيل إلى البصرة، استدعى التجَّار، ونصَحُوه أن يؤخر البيع أسبوعًا واحدًا ليرتفع السعرُ، ففعل، وربِح أرباحًا طائلة، وبشَّر موكله بهذه الأرباح، لكن المؤمن الذي يحتاط لدينه وماله قال له: "ادفَعِ الثمن كلَّه لفقراء البصرة،فقد دخل على مالي الشبهةُ"،وهو يرى أن ذلك احتكارٌ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:(لا يحتكِرُ إلا خاطئٌ) مسلم.

هي الدارُ دارُ الأذى والقذى   ******ودارُ الفناءِ ودارُ الغِيَرْ

ولو نِلْتَها بحذافيرِها  ******** لَمِتَّ ولم تقضِ منها الوَطَرْ

أَيَا مَن يُؤمِّلُ طولَ البقاءِ   ******وطولُ الخلودِ عليه ضَرَرْ

   إذا ما كبِرتَ وفات الشبابُ   ***** فلا خيرَ في العيشِ بعدَ الكِبَرْ

[الأنترنت – موقع الألوكة – سلسلة شرح أسماء الله الحسنى -  فقه اسم الله: الحسيب - د محمد ويلالي ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

 الخامسة والثلاثون في موضوع(الحسيب)وهي بعنوان: مِن فقه "الحسيب"

وقال الدكتور / محمد ويلالي أيضاً :

ففي سورة النساء يقول تعالى: ﴿ وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾ [النساء: 6].

قال ابن كثير رحمه الله: "وكفى بالله محاسبًا وشهيدًا ورقيبًا على الأولياء في حال نظرهم للأيتام، وحال تسليمهم للأموال: هل هي كاملة موفرة، أو منقوصة مَبْخوسة؟"، ولذلك استصعب النبي صلى الله عليه وسلم أمرَ تولِّي مال اليتيم؛ لخطورة ما يعقبه مِن محاسبة في الدنيا والآخرة، حتى قال صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه: ((يا أبا ذَرٍّ، إني أراكَ ضعيفًا، وإني أحبُّ لك ما أحبُّ لنفسي: لا تأمَّرَنَّ على اثنينِ، ولا تَوَلَّيَنَّ مال يتيمٍ))؛ مسلم.

فمال اليتيم إما أن يكون سبيلًا إلى الجنة، إن أحسن الوليُّ التصرف فيه، وحفظه لصاحبه؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ﴾ [الأنعام: 152]، وإما أن يكون قطعة من النار لمن لم يتقِ الله فيه، وجعله نهبة يتصرف فيها ذات اليمين وذات الشمال؛ يقول تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾ [النساء: 10]، مِن هنا نفهم السرَّ في تذييل الآية الكريمة السابقة بقوله تعالى: ﴿ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾؛ أي: احذروا من أكل مال اليتيم، ولا تعتقدوا أن اليتيم صغير لا ينتبه لماله، فإن الله حسيبه، أي: كافيه، وهو لحقِّه ضامن، وهو كذلك محاسبكم على تصرفكم في ماله، ومُوقفكم يوم القيامة بين يديه؛ قال الزمخشري: "أي: كافيًا في الشهادة عليكم بالدفع والقبض، أو محاسبًا، فعليكم بالتصادق، وإياكم والتكاذب".

ومثل مال اليتيم، كل مال، أو مسؤولية، أو وظيفة استؤمنَّا عليها؛ فالله تعالى محاسبنا عليها، ورقيب علينا، لا يغيب عنه شيء؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [يونس: 61]، ولذلك قال تعالى في سورة الأنعام: ﴿ ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ﴾ [الأنعام: 62]، فالله تعالى سيحاسب المخلوقات كلها في وقت واحد، لا يحتاج إلى من يحسب له؛ لأنه الحسيب، قال الحليمي: "الحسيب: المدرك للأجزاء والمقادير التي يعلم العباد أمثالها بالحساب من غير أن يحسب"، بل إن الله تعالى يجعل العبد يوم القيامة حسيبًا على نفسه، حاكمًا على أعماله، مقرًّا بذنوبه؛ قال تعالى: ﴿ وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴾ [الإسراء: 13، 14]، أي: محاسبًا، وقرأ مجاهد: ﴿ وَيَخْرُجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا ﴾؛ أي: يخرج له الطائر كتابًا، فيقيم ربنا عز وجل علينا الحجة، بأن يجعلنا نُحاسب أنفسنا بأنفسنا، حتى الذي لا يعرف منا القراءة والكتابة يقدره الله على ذلك، قال قتادة: "يقرأ يومئذ مَن لم يكن قارئًا في الدنيا"؛ قال تعالى: ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ [الأنبياء: 47]

ومِن شدة فرح المؤمن واستبشاره يقول: ﴿ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ﴾ [الحاقة: 19، 20]، يريد أن يظهر للناس مكانته عند الله، وأنه من الناجين؛ لأنه حُوسب حسابًا يسيرًا؛ ﴿ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [يونس: 64].

وأمَّا الكافرُ فيقول: ﴿ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ ﴾ [الحاقة: 25 - 27]، وفي الآية الأخرى: {فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا} [الانشقاق: 11]؛ أي: يدعو على نفسه بالهلاك، قال قتادة: "تمنى الموت، ولم يكن في الدنيا شيءٌ أكره عنده مِن الموت"﴿الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [غافر: 17].

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

 السادسة والثلاثون في موضوع(الحسيب)وهي بعنوان: مِن فقه "الحسيب"

فالتخويف في الدنيا أمن في الآخرة، والنَّصَب في الدنيا راحة في الآخرة، والعمل الصالح في الدنيا تيسير للحساب في الآخرة.

    بصُرْتَ بالرَّاحةِ الكُبرى فلمْ ترَها *** تُنالُ إلا على جسـرٍ مِنَ التَّعَبِ

والتوكل على الله كفاية في الدنيا والآخرة؛ ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3]، قال السعدي رحمه الله: "أي: كافيه أمور دينه ودنياه"، هؤلاء لا يخشون أحدًا إلا الله؛ لأنه وكيلُهم وحسيبُهم، لا يخافون حضارة أعدائهم، ولا تقنياتهم، ولا أسلحتهم؛ لأن معهم القوي الجبار، ولذلك قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾ [الأحزاب: 39].

وأما الغفلةُ في الدنيا، والذهول عن العبادة وأعمال الخير، والانشغال بالملذات، والإغراق في المسرَّات، فتورث مناقشة الحساب يوم القيامة، و((مَنْ نُوقِش الحساب يهلك))؛ متفق عليه، يقول تعالى: ﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 49]، قال ابن كثير رحمه الله: "﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ ﴾ ؛ أي: كتاب الأعمال الذي فيه الجليل والحقير، والفتيل والقطمير، والصغير والكبير، ﴿ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ ﴾، أي: من أعمالهم السيئة، وأفعالهم القبيحة؛ لأنَّ هذا الكتاب لم يغادرْ صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها".

   إذا كنتَ في كلِّ حالٍ معي *** فعن حملي زادي أنا في غِنى

ولقد ابتلي المسلمون في عَهْد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعداوة المشركين، وشوكة المُثبِّطين، الذين أرادوا الفَتَّ في عضدهم، فأشاعوا أن أبا سفيان خارج بجيش كبير في أعقاب معركة أُحُد، عازم على القضاء على المسلمين واستئصالهم، فكان سلاحهم أن قالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، خالصين من قلوبهم، مُستيقنين بنصر الله لهم؛ فأنزل الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ [آل عمران: 173]؛ أي: كافينا الله، ونعم المولى لمن وَلِيَهُ وكفله، فكانت النتيجة: ﴿ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ ﴾ [آل عمران: 174] ومِن ثم استحب أهل العلم أن يقال هذا الدعاء عند نزول المصائب الصعاب.

عن ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: "﴿ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾، قالها إبراهيمُ عليه السَّلام حين ألقي في النَّار، وقالها مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم حين قالوا: ﴿ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾"؛ البخاري.

فالمسلم لا يلتفت إلى أهل الخداع والمكر؛ لأن الله كافيه شرهم، وهو حسبُه من كيدهم؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنفال: 62].

هذا هو المؤمن، يفزع إلى الله في كلِّ شؤونه، ويعتمد عليه في كلِّ أموره.

     اللهُ يُحْدِثُ بعدَ العُسرِ مَيْسَرَةً  ***** لا تَجْزَعَنَّ فإنَّ القاسمَ اللهُ

    إذا بُلِيتَ فثقْ باللهِ وارْضَ بهِ  ***إنَّ الذي يَكْشِفُ البَلْوَى هو اللهُ

    واللهِ مَا لَكَ غيرُ اللهِ مِن أحَدٍ  *******فحَسْبُك اللهُ في كلٍّ لكَ اللهُ

[الأنترنت – موقع الألوكة - سلسلة شرح أسماء الله الحسنى - اسم الله: الحسيب د. محمد ويلالي ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

 السابعة والثلاثون في موضوع(الحسيب)وهي بعنوان: مِن فقه الحسيب

وكتب هاني حلمي عبد الحميد مقالا مهما عن الحسيب فقال :

لكي تعرف كم ذرة رمل في جبل فهذا أمر يعجز عنه البشر! اللهم إلا إذا وجدت تقنيات عالية تصنع مثل هذا الأمر، لكن إن صنعته ستصنعه عن حساب كالحاسوب أو غيره، أما الله عزّ وجلّ فيحسب دون حاجة إلى حساب، الله سبحانه وتعالى يدرك هذه الأجزاء ومقاديرها، هذا جبل الحسنات وهذا جبل السيئات لا يحتاج إلى أن يحسب أو يجند ملائكته لكي يحسبون، الله سبحانه وتعالى يدرك الأجزاء والمقادير التي يعلمها العباد بالحساب من غير أن يحسب.

ورود الاسم في القرآن الكريم: هذا الاسم ورد في القرآن الكريم في قول الله تعالى: {وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيبًا} [النساء:6]، وقوله تعالى في سورة الأحزاب: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} [الأحزاب:39] وقول الله تعالى أيضًا في سورة النساء: {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا}[النساء:86]، وقوله تعالى: {ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام:62]، وقوله تعالى: {نَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:47]

معنى الاسم في اللغة: الحسيب: يجوز أن يكون من: حسبت الحساب، ويجوز أن يكون من معنى: أحسبني الشيء إذ كفاني، فمعنى الحسيب: أي الكافي. من معاني الاسم في حق الله تعالى: أنه يحاسب العبد على خفايا نواياه وعلى أعماله الظاهرة قال أبو عبيدة: "{إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} أي كافيًا مقتدرًا". وقال ابن جرير: {وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيبًا} أي كفى بالله كافيًا من الشهود الذين يُشهدهم، أى جاء أيضًا بمعنى الكفاية". وقال في قوله تعالى: {وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيبًا}: "أي وكفاك يا محمد بالله حافظًا لأعمال خلقه ومحاسبًا لهم عليها".

إذًا أول معنى: الكفاية والاقتدار.

والمعنى الثاني: وهذا الذي اختاره ابن جرير الطبري: "أن حسيبًا أي حفيظًا يعني بذلك أن الله كان على كل شيء مما تعملون أيها الناس من الأعمال من طاعة أو معصية حفيظًا عليكم حتى يجازيكم بها جزاؤه".

يقول الخطابي: "الحسيب هو المكافيء وقيل: الحسيب أي المُحاسب ومنه قول الله تعالى: {اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء:14] أي محاسبًا".

الحليمي ذكر معنى آخر فقال: "الحسيب المدرك للأجزاء والمقادير التي يعلم العباد أمثالها بالحساب من غير أن يحسب" سبحانه حسيب من غير أن يحسب..

ويقول الشيخ السعدي رحمه الله: "المجازي لعباده بالخير والشر بحسب

 حكمته وعلمه بدقيق أعمالهم وجليلها"، فيتلخّص لنا من ذلك: أن اسم

 الله تعالى الحسيب يدور حول معاني:

(أولها: الكافي. الثاني: الحفيظ. الثالث: المحاسب). كل هذا في طيّات معاني هذا الاسم الشريف.

ذكروا أيضًا بعض المعاني الأخرى قالوا: "أن الحسيب بمعنى السيّد الذي عليه الاعتماد وعلى هذا فليس في الوجود حسيب سواه، فقد تعتمد على إنسان يحبّك لكنه ضعيف لا يستطيع أن ينجّيك مما أنت فيه وقد تعتمد على إنسان قوي ولكنه لا يحبّك، وقد تعتمد على إنسان قوي ويحبك ولكن لاتصل إليه". أما الله فهو قريب ودود قادر فيجعله هذا سبحانه وتعالى محل الإعتماد، هو لطيف بعباده يلطف بهم ويعطيهم ما يريدون على وفق حكمته سبحانه وتعالى، قال تعالى: {ِإن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر:14]، {إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم } لأنهم ضعفاء  {ولو سمعوا ما استجابوا لكم } لأنهم عجزة لا يستطيعون أن يقدروا على كل شيء، فمن اعتمد على غير الله ضلّ ومن اعتمد على غير الله ذُلّ ومن اعتمد على ماله افتقر، ومن اعتمد على عزّ الإنسان خُذل، فاللهمّ إنا نعوذ بك أن نَذلَّ أو نُذل أونضلّ أو نُضلّ أو نجهل أو يُجهل علينا، قيل كذلك إن الحسيب هو الكريم العظيم المجيد الذي له علو الشأن ومعاني الكمال.

وقيل: الحسيب جل شأنه هو الذي يحصي أعداد المخلوقات وهيئاتها وما يميزها ويضبط مقاديرها وأحصى أعمال المكلفين في مختلف الدواوين فأحصى أرزاقهم وأسبابهم وأفعالهم ومآلهم ثم كيف يكون حالهم بعد الموت وعند الحساب يوم يقوم الأشهاد فيجازيهم سبحانه وتعالى على حسناتهم وسيئاتهم وحسابه واقع لامحالة لايشغله حساب واحد عن الآخر كما لايشغله سمع عن سمع.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

 الثامنة والثلاثون في موضوع(الحسيب)وهي بعنوان:

تدبر الآيات التي ذكر فيها اسم الله الحسيب:

في ضوء هذه المعاني التي تقدمت سنتدبر الآيات التي ذكر فيها اسم الله الحسيب: قال تعالى:{وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} [النساء:86]، فمفهوم السياق في الآيات يتكلم عن بذل السلام وعن أدب السلام، إما أن تحييه بنفس هذه التحية أو تأتي له بالأفضل، فإذا مثلاً قال: السلام عليكم، قلت: وعليكم السلام ورحمة الله فزدته، أو إذا أبلغ فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، قلت: كذلك قلت وعليكم، ولكن ما الارتباط -في ضوء هذه المعاني- بين إفشاء السلام وتذييل الآية باسم الله الحسيب؟

أولاً: يدل ذلك ذكر الله لمسألة السلام في القرآن في آية تتلى إلى يوم

 القيامة على أهمية هذه العبادة بين المسلمين وأنها من أعظم القربات عند

 الله عزوجل. فالنبيّ صلّ الله عليه وسلم حين دخل المدينة كان أول مرسوم وأول قرار له: «يا أيها الناس أفشوا السلام بينكم وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام» (السلسلة الصحيحة:113/2)، وإفشاء السلام منك يجب أن يشمل الناس جميعًا.. كل المسلمين، حتى لمن تحمل في قلبك تجاهه عداوة أو بغض، فالله يذكرك أنه حسيب، فإن ألقيت علي مسلم السلام وأنت بداخلك فتور أو إعراض عنه، أو لو أفشيت السلام بغرض مصلحة لديك عنده، فالله يقول لك انتبه إلى نيتك حتى يؤتي العمل ثمرته من الألفة والمودة.

فبذل السلام جُعل سببًا عظيمًا للتواد بين البشر، قال النبي صلى الله عليه وسلم «ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم» (صحيح مسلم:54)، وهذه مسألة بناء مجتمع وبناء أمة.

وبناء هذه الأمة يجب أن يكون على روابط وثيقة فإذا كان النبي صلّ الله عليه وسلم يجعل المفتاح في هذا الأمر اليسير جدًا في بذل السلام وتنزل آية منزلة من قبل الله سبحانه وتعالى في هذا الأمر اليسير تتلى إلى يوم القيامة، إذًا فالأمر كبير.

 فكان ذكر اسم الله الحسيب تذكرة لك أنه سبحانه وتعالى يعلم بواطنك ومتى تفشي السلام عن بغض أو عن مصلحة وسيحاسبك على ذلك، فأصلح نيّتك وألقي السلام وابذله وأنت لا تريد إلا رضا رب العالمين، فإذا حسُنت نيتك في مثل ذلك سيجازيك الله عز وجل عن هذا أضعاف ما تتصور وسيعود ذلك بالنفع العميم على المجتمع الإسلامي كله. وانتبه إلى جرم قد يفعله الكثيرون وهم غافلون :  " أنه حين تقع خصومة بين اثنين ثم يهاتف أحدهما الآخر بادئًا بالسلام وإصلاح ذات البين.. فيرده الآخر ويغلق الهاتف في وجهه ويرفض مصالحته، سيحاسب عن هذا حسابًا مريرًا إذ أفسد ذات البين التي سعى صاحبه لإصلاحها، يقول النبي صل الله عليه وسلم: « ألا أدلكم على أفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟» - وهذه أعظم أعمال الإسلام- قالوا: "بلى يا رسول الله".

قال:« إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة.لا أقول:

 إنها تحلق الشعر ولكن تحلق الدين»(صححه الألباني)

لذلك يحث الله عزوجل مثل هذا بتذكيره بـ"الحسيب" أنه سيحاسبك، سيحفظ عليك ذلك الموقف وسيجازيك به حين تعرض عنه ثم تقبل عليه تناديه يارب فيعرض عنك ولا يقبل عذرك، من هنا تأتي خطورة اسم الله الحسيب. حظ المؤمن من اسم الله الحسيب : لا مفر من حساب الله: الله لا يشغله حساب أحد عن أحد، فأنت حينما كنت تلميذًا تنتظر حساب معلمك لك، وتصغي بأذنك لصوته وهو ينادي أسماء من حولك، تقول في نفسك لعل الوقت ينتهي وأنجو من هذه المواجهه، لعله ينشغل مع تلميذ قبلي، وتظل تحدث نفسك وتنظر في الوقت منتظرًا الجرس، وهكذا إلى أن يصل دورك أو أن تنجو.. الله سبحانه وتعالى لا يشغله حساب أحد عن أحد ولن يكون هناك دور تنتظر فيه، ولن يكون هناك مفر من هذا الحساب، الكل سيحاسب وبدقة شديدة عن كل صغيرة وكبيرة، قال جلّ في علاه: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [غافر:17]، وهو أسرع الحاسبين سبحانه وتعالى. أن الحسيب معناه (الكافي) انظر إلى هذا الدعاء الجميل الذي نردده كثيرًا لكن نحتاج أن نستشعره بقلوبنا، في البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: "حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام حين ألقي في النار وقالها محمّد صل الله عليه وسلم حين قالوا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُواحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران:173]، (صحيح البخاري).

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

 التاسعة والثلاثون في موضوع(الحسيب)وهي بعنوان:

تدبر الآيات التي ذكر فيها اسم الله الحسيب:

 ما أحبّ هذا الدعاء إلى القلوب "حسبنا الله" تشعر بها بالسكينة على قلبك، الله يكفيني، يكفي قلبي فلا أقلق ولا أنزعج ولا أرتاب ولا تصيبني من جرّاء الخوف أي إساءة ولا أي إشكال كيف وقد أنزل ربي سبحانه وتعالى على قلبي برد الرضا فصرت ساكنًا هادئًا مرتاحًا. كل هذا حين تقول: "حسبي الله" فيكفيك.. قد تبتلى ولكن هذا البلاء لا يؤثر على نفسيتك فلا تشعر به بلاءً وقد قلت هذا كثيرًا، وقد يحدث العكس فالبعض يُبتلى فيعيش في البلاء دون أن يمسّه البلاء، يكون دائمًا خائفًا، تحدّثه نفسه: سوف يحدث كذا، سأفقد فلانًا، سأخسر صفقة، سأتعرض لحادث.. فتصيبه الأمراض النفسية والقلق والاكتئاب والمشاكل من دون أن يمسه شيء، أو يحدث له أي مشكلة. إنما المؤمن موقفه حيال هذه الابتلاءات: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا} فلم يقعوا في شراك شرك الخوف بل اعتمدوا على ربهم، السيّد الذي لا يعتمد إلا عليه سبحانه: {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}، فكان هذا الرزق العميم {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ...} [آل عمران:174] وجاءت "فضل" نكرة في سياق الإثبات على اعتبار أن تكون مطلقة. وكان يمكن أن يقول: "فانقبلوا بنعمة وفضل" لكن أضاف من الله لكي يشعر قيمة هذه النعمة، فهي نعمة خاصة جدًا مميزة جدًا {..بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ..} [آل عمران:174]، أي كل سوء، سواء كان هذا السوء مشاكل نفسية سواء كانت ابتلاءات تصيبه بأذى في جسده أو بأذى في نفسيته أو في أهله في ماله، لم يقربه أدنى شيء {..لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيم} [آل عمران:174]، فرضي عنهم ربهم فأرضاهم، ولا شك هذا هو الفوز العظيم. إذًا فمن حظ المؤمن أن يستشعر أن الله الحسيب هو الذي يكفيه لا غنىً له عنه، بل لا يتصور العبد حياته دون ربه، فيديم اتصاله به ويديم افتقاره له ويتجسد ذلك في دوام الدعاء، فتجد دائما العبد المنيب إلى ربه دائم الاتصال بربه وكلمة يا رب هذه لا تخلو منها ساعة من وقته (يا رب) دائمًا يا رب اغفر لي يا رب تب عليّ يا رب، استرني يا رب، يا رب ليس لي سواك.. يا رب يا رب.. يتصل بالله سبحانه وتعالى. ويشير العلماء هنا إلى معنى دقيق من معانى الكفاية: فيقولون هل احتياج الإنسان لملاذ الحياة يقدح في شعوره بكفاية الله له؟ فأنت إذا احتجت إلى طعام وشراب وإلى شمس وإلى أرض وإلى مسكن وإلى زوجة وسعيت في تحصيل ذلك هل هذا يقدح في فهمك بأن الله هو كافيك؟ فقالوا: "الكفاية حصلت بهذه الأسباب لكن الله وحده المتفرد بخلقها للعبد فهذا لا يُسمى في الاعتبار إنشغالًا عن الله إلا إذا كان هذا قاطعًا عن الله، يعني العبد إذا خرج من بيته ليعمل متوكلاً على الله سائلاً منه الرزق والفتح، موقن بأن الله هو الفتاح الرزاق، يختلف عن عبد آخر خرج مشغولاً بالأسباب ناسيًا للاستعانة، معتمدًا على عقله وحوله وقوته ومهارته، فيأبى الله عزّ وجل إلا أن ينقض عزيمته ولا يحصل مراده، بل وقد يُفتن. إذًا فمتى استعان فلا قدح في سعيه إلا أن يتعلّق بالأسباب دون مسببهًا. حسبنا الله ونعم الوكيل.. ما حقها منك؟ انظر إلى قول الله تعالى لنبيه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال:64]، لو تصورت الآن بخيالك وقع هذا الكلام على قلب النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه! تخيل لو أنك في مشكلة كبيرة تسبب لك خوف وقلق بالغ ثم تجد إنسان له منزلة كبيرة يأتي بجانبك ويربت على كتفك ويقول لك: لا تخف أنا معك، أنت في حمايتي أنت في ضماني.. كيف يكون أثرها وقد ضاقت عليك الدنيا من كل مكان؟ لا شك أنك ستشعر بالظفر وبكثير من الدفء والحنان والأمان.. أليس كذلك؟ فحين يقول الله عزوجل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ} أدركها النبي صلى الله عليه وسلم ففرح واستبشر، فمن كان الله معه ماذا فقد ومن كان الله عزّ وجلّ بعيدًا عنه فماذا وجد، ولكن:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال:64]، ما حقها منك أنت؟ أعني ذلك الرجل الذي وقف معك ذلك الموقف وقت ضعفك، فحفظك وأمنك ونصرك على ظروفك، بماذا ستقابل فعله هذا معك؟ لعلك تريد أن تقبّل يديه وقدميه أو تفعل له أي جميل وخدمة جزاء وقوفه بجانبك في شدتك. فحق هذه الآية الجميلة، قول الله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر: 36]، أن يكون ردك: بلى يارب ومن يكفيني غيرك؟ يقولها قلبك فتشعر بلذة تودده إليك وقربه منك، فتزداد بدورك حبًا وقربًا له سبحانه. لا شك أن المعنى الثالث: الذي ينبغي أن نتوقف عنده مليًا في اسم الله تعالى الحسيب هي مسألة المحاسبة..

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

 الأربعون في موضوع(الحسيب)وهي بعنوان:

أمثلة من محاسبة السلف لأنفسهم: - أرسل رجل مؤمن طعامًا إلى البصرة عن طريق وكيل وقال: "بع الطعام بسعر يومه"، فلما وصل هذا الوكيل إلى البصرة استدعى التجار ونصحوه أن يؤخر البيع إسبوعًا فقط ليرتفع السعر، فأخّر إسبوع وربح أرباحًا طائلة وبشّر موكله بهذه الأرباح وجاء الجواب: "ادفع الثمن كله لفقراء البصرة فقد دخل على مالي الشبهة". القصة أن التاجر أمر وكيله أن يذهب إلى البصرة ويبيع الطعام فور وصوله بالسعر الذي يبيعون به، فالتجار قالوا له فقط انتظر أسبوع سترتفع الأسعار وستكسب أكثر، فانتظر الرجل وربح فعلاً، فلما بشّره بهذا امره أن يوزع الأرباح الزائدة على فقراء البصرة مخافة الشبهة، لأنه حبس الطعام ليزداد سعره فصار محتكرًا والنّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «المحتكر ملعون» (صحيح الجامع الصغير). إنما هكذا يحاسب الإنسان نفسه، على أدنى شيء، انظر كيف فكّر الرجل؟ فسبحان الله.. لو كان رجلاً من عصرنا بل ومن الملتزمين هل كان سيفعل فعلته؟ أم سيقول يا شيخ لم التشدد، هون على نفسك، الدين يسر إنما رزق وبركه! وغيره مما سيقال؟! - آخر جاءته رسالة أن قصب السكر قد تلف فذهب إلى السوق واشترى السّكر، وبعدها ربح ثلاثين ألف دينار، وبعد ربحه تذكّر أن هذا الذي اشترى منه السكر ما علم أن السّكر أصابته آفة فباعه بهذا السعر البخس فاعتبر أنه بهذا غرر به وخدعه فجاءه فقال: "يا هذا لقد جاءتني رسالة من غلامي أن قصب السّكر أصابته آفة، فأقل هذه البيعة، فقال له: أنت الآن قد بلّغتني قال: كان ينبغي أن أبلغك قبل هذا وبَطُل شرائي للبضاعة، فقال البائع: قد سامحتك على هذا، فقال: لن أقبل ولا أنام الليل إلاإذا أقلتني من هذه البضاعة"، أي أنه يطلب منه أن يأخذ ماله فيقول له: أني سامحتك، فيقول له: لا أنا الآن لن أستطيع أن أنام أو أن افعل أي شيء إلا إذا أنت أخذت حاجتك وأخذت أموالك وأنا لا أريد أن يدخل جيبي أي شيء من هذا! - وذاك الراعي قال له ابن عمر رضي الله عنهما: "بعني هذه الشاة! فقال: ليست لي، فقال له: قل له ماتت، قال له: والله إني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها ولو قلت له أنها ماتت أو أكلها الذئب لصدّقني فأنا أمين عند صاحب هذه الشاة ولكن أين الله"! - كان عمر ابن عبد العزيز إذا كلمه أحد بمسألة شخصية يطفأ السراج الذي يوقد من بيت المال. - وهذا عمر رضي الله عنه رأى إبلًا سمينة فقال: "لمن هذه الإبل؟ فقالوا: هي لابن عمر، قال: ائتوني به، فقال: لمن هذه الإبل؟ فقال: هي لي، اشتريتها بمالي الحلال وبعثت بها إلى المرعى لتسمن فماذا فعلت؟! قال عمر رضي الله عنه: ويقول الناس يا بنيّ: ارعوا هذه الإبل فهي لابن أمير المؤمنين اسقوا هذه الإبل فهي لابن أمير المؤمنين، وهكذا تسمن إبلك يا ابن أمير المؤمنين! هل علمت لماذا هي سمينة؟ لأنك ابني، بع هذه الإبل وخذ رأس مالك وردّ الباقي إلى بيت مال المسلمين". انظر كيف كان سلفنا الصالح يحاسبون أنفسهم حسابًا شديدًا على كل شيء، حتى إذا وقفوا أمام الله عزّ وجل وأمسكوا كتابًا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة خُفّف عليهم من هذا الحساب. يقول الأُقْليْشِيّ: "أرباب القلوب الذين يستشعرون بأوجاع الذنوب العالمون يقينًا بمحاسبة علّام الغيوب، وإحصاء حسابه لجميع العيوب أقاموا في الدنيا موازين القسط على أنفسهم وأحصوا عليها بالحساب المُحرِّر كل ما برز عنها وصدر، ثم حاسبوها محاسبة الشريك النّحرير القائم بمال شريكه، الذي انفصل عن شركته بعداوة وقعت بينه وبينه، فانظر هل يسمح له بأن يترك حبة أو يسقيه من مائه عند ظمأه عُبّة؟ فلذلك انتثرت ذنوب هؤلاء من الصحائف كما ينتثر ورق الشجر اليابس بالريح العاصف، فإذا قدموا قضاء الموقف برزت لهم تلك الصحائف منيرة، وقد استنارت فيها المعاني والأحرف لأنها مُمحّضة مُخلَّصة بدقيق المحاسبة وشديد المطالبة، فكان حسابهم عرضًا لا مناقشة فيه".

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

 الواحدة والأربعون في موضوع(الحسيب)وهي بعنوان:

أمثلة من محاسبة السلف لأنفسهم:

وروى عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت لا تسمع شيئًا لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه، وأنّ النّبيّ صل الله عليه وسلم قال: «من حوسب عُذّب»، قالت عائشة: "فقلت: أوليس يقول الله عزّوجلّ: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق:8]"، قال: «إنما ذلك العرض» -أي ذلك عرض الصحائف أي تُطوى من غير أن يُناقش في أي شيء- «لكن من نوقش الحساب يهلك» (صحيح البخاري). فائدة: روي أن رجلاً سأل أي الشهداء أفضل؟ قال: «الذين إن يلقوا في الصف لا يلفتون وجوههم حتى يقتلوا، أولئك ينطلقون في الغرف العلا من الجنة، ويضحك إليهم ربهم، وإذا ضحك ربك إلى عبد في الدنيا فلا حساب عليه» (صححه الألباني). وفي الحديث أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة يحبهم الله، ويضحك إليهم، ويستبشر بهم: الذي إذا انكشفت فئة قاتل وراءها بنفسه لله عز وجل، فإما أن يقتل، وإما أن ينصره الله ويكفيه، فيقول: انظروا إلى عبدي هذا كيف صبر لي بنفسه، والذي له امرأة حسنة وفراش لين حسن، فيقوم من الليل، فيقول: يذر شهوته ويذكرني، ولو شاء رقد والذي إذا كان في سفر، وكان معه ركب فسهروا، ثم هجعوا، فقام من السحر في ضراء وسراء» (صححه الألباني). هؤلاء الثلاثة عمل الأول منهم كان قيام الليل، كانوا في سفر ثم نام الناس جميعًا أما هو فقام يتملّق الله سبحانه وتعالى ويتلو آياته، والثاني الذي يدافع عن هذا الدّين بصدره، يفرّ الناس من المواجهة وهو يبقى ثابتًا إما أن يقتل وإما أن ينال من هؤلاء الأعداء فيردهم، والثالث رجل ينام مع زوجته الجميلة الوضيئة على فراش وطيئ جميل، فما يكون منه إلا أن يقوم فزعًا ليقف بين يدي الله سبحانه وتعالى ويدع شهوته من زوجته. وقياسًا على المعنى فكل موقف وقفته في حياتك نازعتك فيه نفسك على شهوة شديدة مباحة تداخل معها حق لله فآثرت الله على الحلال المباح إلا خفف عنك الحساب بإذن الله.

نسأل الله تعالى أن يمنّ علينا بمحاسبة دائمة لأنفسنا وأن نشهد اسم الله

 تعالى الحسيب هذا دائمًا أبدًا فلا يمر بنا يوم إلا وكنا مستشعرين لهذا المعنى، نسأل الله تعالى أن يدخلنا الجنّة بغير حساب ولا سابقة عذاب. [ المصدر: موقع الكلم الطيب (هاني حلمي عبد الحميد) ] [ الأنترنت – موقع شرح وأسرار الأسماء الحسنى - (اسم الله الحسيب )- هاني حلمي عبد الحميد]

كلمة حسْب: استخدمت في غزوة أحد عندما قال ابوبكر رضي الله عنه لمحمد صلى الله عليه و سلم: حسبك يا رسول الله لقد ألححت على ربك، و ذلك عندما أخذ النبي يدعو و يلح على الله في الدعاء حتى بان بياض إبطه ،من هذه المعاني، واحدة لا تنطبق على الله تعالى، و هي حَسِب اي ظنَّ.أما بقية المعاني فكلها تليق بالله جلّ و علا:

١-الله يحسب كل الاعمال الأصلية و المتولدة عنها و يحاسب على الحسنات و السيئات بما فيها من حسنات و سيئات جارية ( حَسَبَ) ، و بعد ان يحاسب يكافئ.

٢- و الشرف و الحسَبْ بحقه ( ذو حسب)،

٣- الله الحسيب هو الكافي : هو الكافي حقيقة و ليس مجازاً.

مثال: عندما ترضع الام طفلها حتى يشبع: من كفاه حقيقة؟ انه الله الذي رزقها الحليب و علمه كيف يرضع، فهو من كفاه، قد يكون لديها الحليب لكن الطفل لا يستطيع ان يرضع ! فالأم هي الكافية مجازاً.

مثال آخر: شخص غني يتكفل بتمويل عائله؛ هو الكافي مجازاً، لكن الله هو من رزقه المال ليتصدق و رقق قلبه لينفق؛ فالله هو الكافي حقيقة. قال تعالى( أليس الله بكافٍ عبده)؟

كفاية الله عبده تكون في الأشياء الملموسة و المعنوية، في الأشياء المعنوية لا يستطيع غير الله ان يكفينا.(أنه هوأضحك وأبكى) سورة النجم.

في غزوة بدر، قال تعالى: ( يا أيها النبي حسبك الله و من اتبعك من المؤمنين) الله يكفيك و يكفي المؤمنين معك.

في غزوة أحد: ( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم

فزادهم إيماناً و قالوا حسبنا الله و نعم الوكيل، فانقلبوا بنعمة من الله و

فضلٍ لم يمسسهم سوء)

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

 الثانية والأربعون في موضوع(الحسيب)وهي بعنوان:

*وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ نَصِيرًا :

قال تعالى { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَآئِكُمْ ۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ نَصِيرًا } (النساء - 45)

قال السعدى : وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَىٰ بِاللَّهِ نَصِيرًا

.ولكن لما كان الله ولي عباده المؤمنين وناصرهم، بيَّن لهم ما اشتملوا عليه من الضلال والإضلال، ولهذا قال: { وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا } أي: يتولى أحوال عباده ويلطف بهم في جميع أمورهم، وييسر لهم ما به سعادتهم وفلاحهم.  { وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا } ينصرهم على أعدائهم ويبين لهم ما يحذرون منهم ويعينهم عليهم. فولايته تعالى فيها حصول الخير، ونصره فيه زوال الشر.

وقال ا لطنطاوي : وقوله وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ جملة معترضة للتأكيد والتحذير.أى: والله- تعالى- أعلم بأعدائكم منكم- أيها المؤمنون- وقد أخبركم بأحوالهم وبما يبيتون لكم من شرور فاحذروهم ولا تلتفتوا إلى أقوالهم وأعدوا العدة لتأديبهم دفاعا عن دينكم وعقيدتكم.

وقوله وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً تذييل قصد به غرس الطمأنينة في نفوس المؤمنين بأن العاقبة لهم.

أى: وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا يتولى أموركم، ويصلح بالكم، وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً يدفع عنكم مكرهم وشرورهم وما دام الأمر كذلك فاكتفوا بولايته ونصرته. واعتصموا بحبله، وأطيعوا أمره، ولا تكونوا في ضيق من مكر أعدائكم فإن الله ناصركم عليهم بفضله وإحسانه. وقوله وَكَفى فعل ماض. ولفظ الجلالة فاعل والباء مزيدة فيه لتأكيد الكفاية. ووليا ونصيرا منصوبان على التمييز. وقيل على الحال.

وكرر- سبحانه- الفعل كفى لإلقاء الطمأنينة في قلوب المؤمنين، لأن التكرار في مثل هذا المقام يكون أكثر تأثيرا في القلب، وأشد مبالغة فيما سيق الكلام من أجله.

فكأنه- سبحانه- يقول لهم: اكتفوا بولاية الله ونصرته، وكفاكم الله الولاية والنصرة والمعونة. ومن كان الله كافيه نصره على عدوه فاطمئنوا ولا تخافوا.

وقال البغوى : ( والله أعلم بأعدائكم ) منكم فلا تستنصحوهم فإنهم أعداؤكم ، ( وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا ) قال الزجاج : معناه اكتفوا بالله وليا واكتفوا بالله نصيرا .

وقال ابن كثير : ( والله أعلم بأعدائكم ) أي : هو يعلم بهم ويحذركم منهم   ( وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا ) أي : كفى به وليا لمن لجأ إليه ونصيرا لمن استنصره .

وقال القرطبى :

قوله تعالى : والله أعلم بأعدائكم ،يريد منكم  فلا تستصحبوهم فإنهم أعداؤكم . ويجوز أن يكون أعلم بمعنى عليم ؛ كقوله تعالى : وهو أهون عليه أي هين . وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا الباء زائدة ؛ زيدت لأن المعنى اكتفوا بالله فهو يكفيكم أعداءكم . ووليا ونصيرا نصب على البيان ، وإن شئت على الحال .

وقال ابن عاشور : جملة { والله أعلم بأعدائكم } معترضة ، وهي تعريض؛ فإنّ إرادتهم الضلالة للمؤمنين عن عداوة وحسد .

وجملة { وكفى بالله ولياً وكفى بالله نصيراً } [ النساء : 45 ] تذييل لتَطْمئنّ نفوس المؤمنين بنصر الله ، لأنّ الإخبار عن اليهود بأنّهم يريدون ضلال المسلمين ، وأنّهم أعداء للمسلمين ، من شأنه أن يلقي الروع في قلوب المسلمين ، إذ كان اليهود المحاورون للمسلمين ذوي عَدد وعُدد ، وبيدهم الأموال ، وهم مبثوثون في المدينة وما حولها : من قينقاع وقريظة والنضِير وخِيْبر ، فعداوتهم ، وسوء نواياهم ، ليسا بالأمر الذي يستهان به؛ فكان قوله : { وكفى بالله ولياً } مناسباً لقوله : { ويريدون أن تضلوا السبيل } ، أي إذا كانوا مضمرين لكم السوء فاللَّه وليّكم يهديكم ويتولّى أموركم شأن الوليّ مع مولاه ، وكان قوله : { وكفى بالله نصيراً } مناسباً لقوله : { بأعدائكم } ، أي فاللَّه ينصركم .

وفعل ( كفى ) في قوله : { وكفى بالله ولياً وكفى بالله نصيراً } مستعمل في تقوية اتّصاف فاعله بوصف يدلّ عليه التمييز المذكورُ بعده ، أي أنّ فاعل ( كفى ) أجدر من يتّصف بذلك الوصف ، ولأجل الدلالة على هذا غلَب في الكلام إدخال باء على فاعل فعل كفى ، وهي باء زائدة لتوكيد الكفاية ، بحيث يحصل إبهام يشوّق السامع إلى معرفة تفصيله ، فيأتون باسم يُميّز نوع تلك النسبة ليتمكّن المعنى في ذهن السامع .

وقد يجيء فاعل ( كفى ) غير مجرور بالباء ، كقول عبدِ بني الحسحاس :

كفَى الشيبُ والأسلام للمرء ناهياً ...

وجعل الزجّاج الباء هنا غير زائدة وقال : ضُمّن فعل كفَى معنى اكتف ، واستحسنه ابن هشام .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

 الثالثة والأربعون في موضوع(الحسيب)وهي بعنوان:

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءَابَآءَنَآ ۚ أَوَلَوْ كَانَ ءَابَآؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْـًٔا وَلَا يَهْتَدُونَ (المائدة - 104)}

ورد في التفسير الميسر : وإذا قيل لهؤلاء الكفار المحرِّمين ما أحل الله: تعالوا إلى تنزيل الله وإلى رسوله ليتبين لكم الحلال والحرام، قالوا: يكفينا ما ورثناه عن آبائنا من قول وعمل، أيقولون ذلك ولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئًا أي: لا يفهمون حقًّا ولا يعرفونه، ولا يهتدون إليه؟ فكيف يتبعونهم،والحالة هذه؟ فإنه لا يتبعهم إلا من هو أجهل منهم وأضل سبيلا.

وقال السعدى :

فإذا دعوا { إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ } أعرضوا فلم يقبلوا، و { قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا } من الدين، ولو كان غير سديد، ولا دينًا ينجي من عذاب الله. ولو كان في آبائهم كفاية ومعرفة ودراية لهان الأمر. ولكن آباءهم لا يعقلون شيئا، أي: ليس عندهم من المعقول شيء، ولا من العلم والهدى شيء. فتبا لمن قلد من لا علم عنده صحيح، ولا عقل رجيح، وترك اتباع ما أنزل الله، واتباع رسله الذي يملأ القلوب علما وإيمانا, وهدى, وإيقانا.

وقال الطنطاوي : ثم حكى- سبحانه- ما كان عليه هؤلاء العوام المقلدون من جمود وخضوع للباطل فقال.

{وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا }

أى: وإذا قال قائل- على سبيل النصح والإرشاد إلى الخير- لهؤلاء المقلدين المنقادين انقيادا أعمى للأوهام إذا قال لهم هذا القائل: تعالوا أى: أقبلوا واستجيبوا لما أنزل الله في كتابه، ولما أنزل على رسوله من هدايات لتسعدوا وتفوزوا قالوا: بعناد وغباء- حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا: كافينا في هذا الشأن ما وجدنا عليه آباءنا من عقائد وتقاليد وعادات. فلا نلتفت إلى ما سواه.

وهذه حجة كل ضال مقلد لمن سبقوه بغير تعقل ولا تدبر. إنه يترك معاني العزة والكرامة وإعمال الفكر ليعيش أسير ذلته للأوهام التي شب عليها وسار خلفها مقلدا غيره ومنقادا له انقياد الخانعين الأذلاء.

ولم يذكر- سبحانه- القائل في قوله: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ للإشارة إلى أن الذين يدعونهم إلى طريق الحق متعددون، فالنبي صلى الله عليه وسلم يدعوهم، والمؤمنون يدعونهم. والأدلة الدالة على صدق هذا الدين تدعوهم. ومع كل ذلك فهم في ضلالهم سادرون، وتحت سلطان سادتهم خانعون.

وقوله- تعالى- {أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ } رد عليهم بأسلوب التأنيب والتعجيب من جهالاتهم وخضوعهم للباطل بدون مراجعة أو تفكير.

والواو في قوله {أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ} واو الحال. والهمزة التي دخلت عليها للإنكار والتعجب من ضلالهم.

والمعنى: أيقولون حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا. ويغلقون على أنفسهم باب الهداية ليبقوا في ظلمات الضلالة ولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا من الحق ولا يهتدون إليه لانطماس بصيرتهم.

وليس المراد أن آباءهم لو كانوا يعلمون شيئا أو يهتدون إلى شيء لجاز لهم ترك ما أنزل الله وإنما المراد هنا تسجيل الواقع المظلم الذي كانوا عليه وكان عليه آباؤهم من قبلهم. فآباؤهم كانوا كذلك يتبعون ما شرعه لهم آباؤهم بدون تأمل أو تفكير. فالآية الكريمة زيادة في توبيخهم وتوبيخ آبائهم لأنهم جميعا مشتركون في الانغماس في الضلال والجهل.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

 الرابعة والأربعون في موضوع(الحسيب)وهي بعنوان:

قوله تعالى : {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون}

فيه أربع مسائل :

الأولى : قال علماؤنا : وجه اتصال هذه الآية بما قبلها التحذير مما يجب أن يحذر منه ، وهو حال من تقدمت صفته ممن ركن في دينه إلى تقليد آبائه وأسلافه ، وظاهر هذه الآية يدل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس القيام به بواجب إذا استقام الإنسان ، وأنه لا يؤاخذ أحد بذنب غيره ، لولا ما ورد من تفسيرها في السنة وأقاول الصحابة والتابعين على ما نذكره بحول الله تعالى .

الثانية : قوله تعالى : عليكم أنفسكم معناه احفظوا أنفسكم من المعاصي ; تقول عليك زيدا بمعنى الزم زيدا ; ولا يجوز عليه زيدا ، بل إنما يجري هذا في المخاطبة في ثلاثة ألفاظ ; عليك زيدا أي : خذ زيدا ، وعندك عمرا أي : حضرك ، ودونك زيدا أي : قرب منك ; وأنشد :

يا أيها المائح دلوي دونكا ****** إني رأيت الناس يحمدونكا

الثالثة : روى أبو داود والترمذي وغيرهما عن قيس قال : خطبنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقال : إنكم تقرءون هذه الآية وتتأولونها على غير تأويلها {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعذاب من عنده . قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح ; قال إسحاق بن إبراهيم سمعت عمرو بن علي يقول : سمعت وكيعا يقول : لا يصح عن أبي بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا حديث واحد ، قلت : ولا إسماعيل عن قيس ، قال : إن إسماعيل روى عن قيس موقوفا . قال النقاش : وهذا إفراط من وكيع ; رواه شعبة عن سفيان وإسحاق عن إسماعيل مرفوعا ; وروى أبو داود والترمذي وغيرهما عن أبي أمية الشعباني قال : أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت له : كيف تصنع بهذه الآية ؟ فقال : أية آية ؟ قلت : قوله تعالى :{ يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} قال : أما والله لقد سألت عنها خبيرا ، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك ودع عنك أمر العامة فإن من ورائكم أياما ، الصبر فيهن مثل القبض على الجمر ، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم ، وفي رواية قيل : يا رسول الله أجر خمسين منا أو منهم ؟ قال : بل أجر خمسين منكم . قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب . قال ابن عبد البر قوله :    ( بل منكم ) هذه اللفظة قد سكت عنها بعض الرواة فلم يذكرها ، وقد تقدم ، وروى الترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إنكم في زمان من ترك منكم عشر ما أمر به هلك ثم يأتي زمان من عمل منهم بعشر ما أمر به نجا قال : هذا حديث غريب ، وروي عن ابن مسعود أنه قال : ليس هذا بزمان هذه الآية ; قولوا الحق ما قبل منكم ، فإذا رد عليكم فعليكم أنفسكم ، وقيل لابن عمر في بعض أوقات الفتن : لو تركت القول في هذه الأيام فلم تأمر ولم تنه ؟ فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا : ليبلغ الشاهد الغائب ونحن شهدنا فيلزمنا أن نبلغكم ، وسيأتي زمان إذا قيل فيه الحق لم يقبل . في رواية عن ابن عمر بعد قوله : ليبلغ الشاهد الغائب فكنا نحن الشهود وأنتم الغيب ، ولكن هذه الآية لأقوام يجيئون من بعدنا إن قالوا لم يقبل منهم ، وقال ابن المبارك قوله تعالى :  {عليكم أنفسكم } خطاب لجميع المؤمنين ، أي : عليكم أهل دينكم ; كقوله تعالى : ولا تقتلوا أنفسكم فكأنه قال : ليأمر بعضكم بعضا ; ولينه بعضكم بعضا ، فهو دليل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولا يضركم ضلال المشركين والمنافقين وأهل الكتاب ; وهذا لأن الأمر بالمعروف يجري مع المسلمين من أهل العصيان كما تقدم ; وروي معنى هذا عن سعيد بن جبير وقال سعيد بن المسيب : معنى الآية لا يضركم من ضل إذا اهتديتم بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقال ابن خويز منداد : تضمنت الآية اشتغال الإنسان بخاصة نفسه ، وتركه التعرض لمعائب الناس ، والبحث عن أحوالهم فإنهم لا يسألون عن حاله فلا يسأل عن حالهم وهذا كقوله تعالى : كل نفس بما كسبت رهينة ، ولا تزر وازرة وزر أخرى ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : كن جليس بيتك وعليك بخاصة نفسك ، ويجوز أن يكون أريد به الزمان الذي يتعذر فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ; فينكر بقلبه ، ويشتغل بإصلاح نفسه .

قلت : قد جاء حديث غريب رواه ابن لهيعة : قال حدثنا بكر بن سوادة الجذامي عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا كان رأس مائتين فلا تأمر بمعروف ولا تنه عن منكر وعليك بخاصة نفسك . قال علماؤنا : إنما قال عليه السلام ذلك لتغير الزمان ، وفساد الأحوال ، وقلة المعينين ، وقال جابر بن زيد : معنى الآية : يا أيها الذين آمنوا من أبناء أولئك الذين بحروا البحيرة وسيبوا السوائب ; عليكم أنفسكم في الاستقامة على الدين ، لا يضركم ضلال الأسلاف إذا اهتديتم ; قال : وكان الرجل إذا أسلم قال له الكفار سفهت آباءك وضللتهم وفعلت وفعلت ; فأنزل الله الآية بسبب ذلك وقيل : الآية في أهل الأهواء الذين لا ينفعهم الوعظ ; فإذا علمت من قوم أنهم لا يقبلون ، بل يستخفون ويظهرون فاسكت عنهم ، وقيل : نزلت في الأسارى الذين عذبهم المشركون حتى ارتد بعضهم ، فقيل لمن بقي على الإسلام : عليكم أنفسكم لا يضركم ارتداد أصحابكم ، وقال سعيد بن جبير : هي في أهل الكتاب - وقال مجاهد : في اليهود والنصارى ومن كان مثلهم ; يذهبان إلى أن المعنى لا يضركم كفر أهل الكتاب إذا أدوا الجزية ، وقيل : هي منسوخة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ; قاله المهدوي . قال ابن عطية : وهذا ضعيف ولا يعلم قائله .

قلت : قد جاء عن أبي عبيد القاسم بن سلام أنه قال : ليس في كتاب الله تعالى آية جمعت الناسخ والمنسوخ غير هذه الآية . قال غيره : الناسخ منها قوله : إذا اهتديتم والهدى هنا هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والله أعلم .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

 الخامسة والأربعون في موضوع(الحسيب)وهي بعنوان:

قوله تعالى : {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون}

الرابعة : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر متعين متى رجي القبول ،

 أو رجي رد الظالم ولو بعنف ، ما لم يخف الآمر ضررا يلحقه في خاصته ، أو فتنة يدخلها على المسلمين ; إما بشق عصا ، وإما بضرر يلحق طائفة من الناس ; فإذا خيف هذا فعليكم أنفسكم محكم واجب أن يوقف عنده ، ولا يشترط في الناهي أن يكون عدلا كما تقدم ; وعلى هذا جماعة أهل العلم فاعلمه .

وقال الطبرى : يقول تعالى ذكره: وإذا قيل لهؤلاء الذين يبحرون البحائر ويسيِّبون السوائب؟ الذين لا يعقلون أنهم بإضافتهم تحريم ذلك إلى الله تعالى ذكره يفترون على الله الكذب: تعالوا إلى تنـزيل الله وآي كتابه وإلى رسوله, ليتبين لكم كذبُ قيلكم فيم تضيفونه إلى الله تعالى ذكره من تحريمكم ما تحرِّمون من هذه الأشياء ، أجابوا من دعاهم إلى ذلك بأن يقولوا: حسبنا ما وجدنا عليه من قبلنا آباءَنا يعملون به, ويقولون: " نحن لهم تبع وهم لنا أئمة وقادة, وقد اكتفينا بما أخذنا عنهم، ورضينا بما كانوا عليه من تحريم وتحليل "قال الله تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: أوَ لو كان آباء هؤلاء القائلين هذه المقالة لا يعلمون شيئًا؟ يقول: لم يكونوا يعلمون أنّ ما يضيفونه إلى الله تعالى ذكره من تحريم البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، كذبٌ وفريةٌ على الله, لا حقيقة لذلك ولا صحة، لأنهم كانوا أتباع المفترين الذين ابتدءوا تحريم ذلك، افتراءً على الله بقيلهم ما كانوا يقولون من إضافتهم إلى الله تعالى ذكره ما يضيفون ، ولا كانوا فيما هم به عاملون من ذلك على استقامة وصواب, بل كانوا على ضلالة وخطأ.

وقال ابن عاشور : الواو للحال . والجملة حال من قوله : { الذين كفروا } [ المائدة : 103 ] ، أي أنّهم ينسبون إلى الله ما لم يأمر به كذباً ، وإذا دعوا إلى اتّباع ما أمر الله به حقّاً أو التدبّر فيه أعرضوا وتمسّكوا بما كان عليه آباؤهم . فحالهم عجيبة في أنّهم يقبلون ادّعاء آبائهم أنّ الله أمرهم بما اختلقوا لهم من الضلالات ، مثل البحيرة والسائبة وما ضاهاهما ، ويعرضون على دعوة الرسول الصادق بلا حجّة لهم في الأولى ، وبالإعراض عن النظر في حجة الثانية أو المكابرة فيها بعد علمها .

والأمر في قوله { تعالَوْا } مستعمل في طلب الإقبال ، وفي إصغاء السمع ، ونظر الفكر ، وحضور مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم وعدم الصدّ عنه ، فهو مستعمل في حقيقته ومجازه . وتقدّم الكلام على فعل ( تعالَ ) عند الكلام على نظير هذه الآية في سورة النساء .

و { ما أنزل الله } : هو القرآنُ . وعطف { والى الرسول } لأنّه يرشدهم إلى فهم القرآن . وأعيد حرف ( إلى ) لاختلاف معنيي الإقبال بالنسبة إلى متعلّقي { تعالوا } فإعادة الحرف قرينة على إرادة معنيي { تعالوا } الحقيقي والمجازي .

وقوله { قالوا حسبنا } أي كافينا ، إذا جُعلت ( حَسْب ) اسماً صريحاً و { ما وجدنا } هو الخبر ، أو كفانا إذا جُعلت ( حسب ) اسمَ فعل و { ما وجدنا } هو الفاعلَ . و ( على ) في قوله : ما وجدنا عليه ءاباءنا } مجاز في تمكّن التلبّس ، وقوله : { أو لو كان آباؤهم لا يعلمون } الخ ،

وليس لهذه الآية تعلّق بمسألة الاجتهاد والتقليد كما توهّمه جمع من المفسّرين ، لأنّ هذه الآية في تنازع بين أهل ما أنزل الله وأهل الافتراء على الله ، فأمّا الاجتهاد والتقليد في فروع الإسلام فذلك كلّه من اتّباع ما أنزل الله . فتحميل الآية هذه المسألة إكراه للآية على هذا المعنى .

[الأنترنت – موقع  {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءَابَآءَنَآ ۚ أَوَلَوْ كَانَ ءَابَآؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْـًٔا وَلَا يَهْتَدُونَ (المائدة - 104)} إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

 السادسة والأربعون في موضوع(الحسيب)وهي بعنوان:

*{لَا تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍۢ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (آل عمران - 188)                                                                                                                          

ورد في التفسير الميسر : ولا تظنن الذين يفرحون بما أَتَوا من أفعال قبيحة كاليهود والمنافقين وغيرهم، ويحبون أن يثني عليهم الناس بما لم يفعلوا، فلا تظننهم ناجين من عذاب الله في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب موجع. وفي الآية وعيد شديد لكل آت لفعل السوء معجب به، ولكل مفتخر بما لم يعمل، ليُثنيَ عليه الناس ويحمدوه.

وقال السعدى : ثم قال تعالى: { لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا } أي: من القبائح والباطل القولي والفعلي. { ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا } أي: بالخير الذي لم يفعلوه، والحق الذي لم يقولوه، فجمعوا بين فعل الشر وقوله، والفرح بذلك ومحبة أن يحمدوا على فعل الخير الذي ما فعلوه. { فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب } أي: بمحل نجوة منه وسلامة، بل قد استحقوه، وسيصيرون إليه، ولهذا قال: { ولهم عذاب أليم } ويدخل في هذه الآية الكريمة أهل الكتاب الذين فرحوا بما عندهم من العلم، ولم ينقادوا للرسول، وزعموا أنهم هم المحقون في حالهم ومقالهم، وكذلك كل من ابتدع بدعة قولية أو فعلية، وفرح بها، ودعا إليها، وزعم أنه محق وغيره مبطل، كما هو الواقع من أهل البدع. ودلت الآية بمفهومها على أن من أحب أن يحمد ويثنى عليه بما فعله من الخير واتباع الحق، إذا لم يكن قصده بذلك الرياء والسمعة، أنه غير مذموم، بل هذا من الأمور المطلوبة، التي أخبر الله أنه يجزي بها المحسنين له الأعمال والأقوال، وأنه جازى بها خواص خلقه، وسألوها منه، كما قال إبراهيم عليه السلام: { واجعل لي لسان صدق في الآخرين } وقال: { سلام على نوح في العالمين، إنا كذلك نجزي المحسنين } وقد قال عباد الرحمن: { واجعلنا للمتقين إماما } وهي من نعم الباري على عبده، ومننه التي تحتاج إلى الشكر.

وقال الطنطاوي في الوسيط  : لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ

ثم حكى - سبحانه - رذيلة أخرى من رذائل أهل الكتاب المتعددة ، وهى أنهم يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا ، ويفرحون بما أتوا ، وبين سوء عاقبتهم بسبب تلك الأخلاق القبيحة فقال : { لاَ تَحْسَبَنَّ الذين يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ العذاب وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } . والخطاب فى قوله { لاَ تَحْسَبَنَّ } موجه إلى النبى صلى الله عليه وسلم أو لكل من يصلح له الخطاب .

والنهى موجه إلى حسبان أن يكون فى هؤلاء الأشرار خير .

أى أن الله تعالى ، ينهى نبيه صلى الله عليه وسلم ، نهيا مؤكدا عن أن يظن خيرا فى هؤلاء الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا . و " المفازة " مصدر ميمى بمعنى الفوز . وقيل هى اسم مكان أى محل فوز ونجاة .

والمعنى : لا تظن يا محمد أن هؤلاء الأشرار { الذين يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ } أى يفرحون بما فعلوا من بيعهم الدين بالدنيا واستبدالهم الذى هو أدنى بالذى هو خير ، والذين { يُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ } أي يحبون أن يمدحهم الناس على ما لم يفعلوه من الوفاء بالعهود ، ومن إظهار الحق وعدم كتمانه ، فإنهم فعلوا الشرور والآثام . ثم لم يحاولوا أن يستروا ما اقترفوه من آثام ، بل يطلبون من الناس أن يمدحوهم على ما ارتكبوه من منكرات ، فهم ممن قال الله فيهم { أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سواء عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً } لا تحسبن هؤلاء الأشرار { بِمَفَازَةٍ مِّنَ العذاب } أى بمنجاة منه ، بل لهم عذاب مؤلم أشد الإيلام بسبب ما اجترحوه من سيئات .

وقوله { الذين يَفْرَحُونَ } هو المفعول الأول لتحسب ، والمفعول الثانى محذوف والتقدير : لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا موفقين . أو مهتدين ، أو صالحين .

وحذف هذا المفعول الثانى لدلالة ما بعده عليه وهو قوله { فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ } ولتذهب النفس كل مذهب فيما يتناسب مع الوصف الذى وصفهم به - سبحانه - ، وهو أنهم يفعلون القبيح ويحبون أن يحمدهم الناس عليه .

وقوله { فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ العذاب } بيان لسوء عاقبتهم بسبب أفعالهم السيئة وهو تأكيد لقوله { لاَ تَحْسَبَنَّ } .

قال الزجاج : جرت عادة العرب أنهم إذا طالت القصة أو الكلام أعادوا لفظ حسب وما أشبهه ، للإعلام بأن الذى جرى متصل بالكلام الأول والأول متصل به . فتقول . لا تظن زيدا إذا جاءك وكلمك بكذا وكذا فلا تظنه صادقا . فيفيد " لا تظنن " توكيدا وتوضيحا .

والتعبير عن النجاة من العذاب الأليم ، ولكنهم لن ينجوا منه أبدا ، ولذا أكد - سبحانه - عدم نجاتهم بقوله { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } .

فذكر - سبحانه - عذابهم الأليم بالسلب والإيجاب ، فنفى أولا أنهم بمنجاة منه ، وأخبر ثانيا أنهم واقعون فيه .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

 السابعة والأربعون في موضوع(الحسيب)وهي بعنوان:

*{لَا تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍۢ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (آل عمران - 188)                                                                                                                          

  وقد ذكر كثير من العلماء أن هذه الآية الكريمة نزلت فى شان أحبار اليهود فقد روى الشيخان والترمذى والنسائي ، وغيرهم عن حميد بن عبد الرحمن ابن عوف أن مروان قال لبوابه رافع : اذهب يا رافع إلى ابن عباس فقل له لئن كان كل امرىء منا فرح بما أوتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل لنعذ بن جميعا .

فقال ابن عباس : مالكم وهذه ، وإنما نزلت هذه فى أهل الكتاب ثم تلا ابن عباس : { وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ الذين أُوتُواْ الكتاب } إلى قوله { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } وقال ابن عباس : " سألهم النبى صلى الله عليه وسلم عن شىء فكتموه إياه وأخبروه بغيره ، ثم خرجوا وقد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه ،واستحمدوا بذلك إليه ،وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه ما سألهم عنه "

وذكر بعض العلماء أن هذه الآية نزلت فى شأن المنافقين ، فقد روى البخارى عن أبى سعيد الخدرى أن رجالا من المنافقين كانوا إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغزو وتخلفوا عنه ، وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم . فإذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغزو ، اعتذروا إليه وحلفوا وأحبو أن يحمدوا بما لم يفعلوا فنزت ، { لاَ تَحْسَبَنَّ الذين يَفْرَحُونَ } .

قال العلماء : ولا منافاة بين الروايتين ، لأن الآية عامة فى جميع ما ذكر . وبذلك نرى أن الآيات الكريمة قد حدثتنا عن جملة من رذائل أهل الكتاب ، فقد حكت قولهم { إِنَّ الله فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ } وحكت قولهم { أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حتى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النار } ووصفتهم بكتمان الحق ونبذه وراء ظهورهم ، كما وصفتهم بأنهم يفرحون بما أتوا وييحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا ، وردت على أكاذيبهم بما يدحضها وأنذرتهم بسوء مصيرهم ، وساقت للمؤمنين من ألوان التسلية ما يخفف عنهم مصابهم ، ويجعلهم يسيرون فى هذه الحياة بعزم ثابت ، وهمة عالية ، ونفس مطمئنة

ثم ختم - سبحانه - سورة آل عمران بالحديث عن مظاهر قدرته ، وأدلة وحدانيته ، وبشر أصحاب العقول السليمة - الذين يعتبرون ويتعظون ويتفكرون ويكثرون من ذكره - برضوانه وجنته ، وأمر عباده بألا يغتروا بما عليه الكافرون من سلطان وجاه فإنه - سبحانه - قد جعل العاقبة للمتقين ، كما أمرهم بالصبر والمصابرة والمرابطة ومداومة خشيته فقال - تعالى - : { وَللَّهِ مُلْكُ السماوات . . . } .

وقال البغوى : قوله : ( لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ) الآية قرأ عاصم وحمزة والكسائي ( لا تحسبن ) بالتاء ، أي : لا تحسبن يا محمد الفارحين وقرأ الآخرون بالياء " لا يحسبن " الفارحون فرحهم منجيا لهم من العذاب ( فلا يحسبنهم ) وقرأ ابن كثير وأبو عمرو : بالياء وضم الباء خبرا عن الفارحين ، أي فلا يحسبن أنفسهم ، وقرأ الآخرون بالتاء وفتح الباء أي : فلا تحسبنهم يا محمد وأعاد قوله ( فلا تحسبنهم ) تأكيدا وفي حرف عبد الله بن مسعود ( لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا بمفازة من العذاب ) من غير تكرار .

واختلفوا فيمن نزلت هذه الآية أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا سعيد بن أبي مريم ، أنا محمد بن جعفر ، حدثني زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن رجالا من المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغزو تخلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتذروا إليه وحلفوا ، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا ، فنزلت ( لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ) الآية .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا إبراهيم بن موسى ، أنا هشام ، أن ابن جريج أخبرهم : أخبرني ابن أبي مليكة أن علقمة بن وقاص أخبره أن مروان قال لبوابه : اذهب يا رافع إلى ابن عباس رضي الله عنهما فقل له : لئن كان كل امرئ فرح بما أوتي وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا لنعذبن أجمعون فقال ابن عباس : ما لكم ولهذه إنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم يهود فسألهم عن شيء فكتموه إياه فأخبروه بغيره فأروه أن قد استحمدوا إليه بما أخبروه عنه فيما سألهم ، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم ، ثم قرأ ابن عباس رضي الله عنهما ( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب) كذلك حتى قوله : (يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا )

قال عكرمة : نزلت في فنحاص وأشيع وغيرهما من الأحبار يفرحون بإضلالهم الناس وبنسبة الناس إياهم إلى العلم وليسوا بأهل العلم . وقال مجاهد : هم اليهود فرحوا بإعجاب الناس بتبديلهم الكتاب وحمدهم إياهم عليه .

وقال سعيد بن جبير : هم اليهود فرحوا بما أعطى الله آل إبراهيم وهم برآء من ذلك

وقال قتادة ومقاتل : أتت يهود خيبر نبي الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : نحن نعرفك ونصدقك وإنا على رأيكم ونحن لكم ردء ، وليس ذلك في قلوبهم فلما خرجوا قال لهم المسلمون : ما صنعتم؟ قالوا : عرفناه وصدقناه فقال لهم المسلمون : أحسنتم هكذا فافعلوا فحمدوهم ودعوا لهم فأنزل الله تعالى هذه الآية وقال : ( يفرحون بما أتوا ) قال الفراء بما فعلوا كما قال الله تعالى : " لقد جئت شيئا فريا " ( مريم - 27 ) أي : فعلت ، ( ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة ) بمنجاة ، ( من العذاب ولهم عذاب أليم ) .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

 الثامنة والأربعون في موضوع(الحسيب)وهي بعنوان:

*{لَا تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍۢ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (آل عمران - 188)                                                                                                                         

وقال ابن كثير : وقوله : ( فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ) يقرأ بالتاء على مخاطبة المفرد ، وبالياء على الإخبار عنهم ، أي : لا تحسبون أنهم ناجون من العذاب ، بل لا بد لهم منه ، ولهذا قال : ( ولهم عذاب أليم )

وقال القرطبى : أي بما فعلوا من القعود في التخلف عن الغزو وجاءوا به من العذر . ثبت في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري أن رجالا من المنافقين في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الغزو تخلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتذروا إليه وحلفوا ، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا ; فنزلت لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا الآية . وفي الصحيحين أيضا أن مروان قال لبوابه : اذهب يا رافع إلى ابن عباس فقل له : لئن كان كل امرئ منا فرح بما أوتي وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا لنعذبن أجمعون . فقال ابن عباس : ما لكم ولهذه الآية ! إنما أنزلت هذه الآية في أهل الكتاب . ثم تلا ابن عباس {وإذا أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه و لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا }. وقال ابن عباس : سألهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن شيء فكتموه إياه ، وأخبروه بغيره ; فخرجوا وقد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه واستحمدوا بذلك إليه ، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه ، وما سألهم عنه . وقال محمد بن كعب القرظي : نزلت في علماء بني إسرائيل الذين كتموا الحق ، وأتوا ملوكهم من العلم ما يوافقهم في باطلهم ، واشتروا به ثمنا قليلا أي بما أعطاهم الملوك من الدنيا ; فقال الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - : لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم . فأخبر أن لهم عذابا أليما بما أفسدوا من الدين على عباد الله . وقال الضحاك : إن اليهود كانوا يقولون للملوك إنا نجد في كتابنا أن الله يبعث نبينا في آخر الزمان يختم به النبوة ; فلما بعثه الله سألهم الملوك أهو هذا الذي تجدونه في كتابكم ؟ فقال اليهود طمعا في أموال الملوك : هو غير ذلك ، فأعطاهم الملوك الخزائن ; فقال الله تعالى : لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا الملوك من الكذب حتى يأخذوا عرض الدنيا . والحديث الأول خلاف مقتضى الحديث الثاني . ويحتمل أن يكون نزولها على السببين لاجتماعهما في زمن واحد ، فكانت جوابا للفريقين ، والله أعلم . وقوله : واستحمدوا بذلك إليه ، أي طلبوا أن يحمدوا . وقول مروان : لئن كان كل امرئ منا إلخ دليل على أن للعموم صيغا مخصوصة ، وأن " الذين " منها . وهذا مقطوع به من تفهم ذلك من القرآن والسنة . وقوله تعالى : ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا إذا كانت الآية في أهل الكتاب لا في المنافقين المتخلفين ; لأنهم كانوا يقولون : نحن على دين إبراهيم ولم يكونوا على دينه ، وكانوا يقولون : نحن أهل الصلاة والصوم والكتاب ; يريدون أن يحمدوا بذلك . و ( الذين ) فاعل بيحسبن بالياء . وهي قراءة نافع وابن عامر وابن كثير وأبي عمرو ; أي لا يحسبن الفارحون فرحهم منجيا لهم من العذاب . وقيل : المفعول الأول محذوف ، وهو أنفسهم . والثاني بمفازة . وقرأ الكوفيون تحسبن بالتاء على الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - ; أي لا تحسبن يا محمد الفارحين بمفازة من العذاب . وقوله فلا تحسبنهم بالتاء وفتح الباء ، إعادة تأكيد ، ومفعوله الأول الهاء والميم ، والمفعول الثاني محذوف ; أي كذلك ، والفاء عاطفة أو زائدة على بدل الفعل الثاني من الأول . وقرأ الضحاك وعيسى بن عمر بالتاء وضم الباء " فلا تحسبنهم " أراد محمدا - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه . وقرأ مجاهد وابن كثير وأبو عمرو ويحيى بن يعمر بالياء وضم الباء خبرا عن الفارحين ; أي فلا يحسبن أنفسهم ; " بمفازة " المفعول الثاني . ويكون " فلا يحسبنهم " تأكيدا . وقيل : " الذين " فاعل " بيحسبن " ومفعولاها محذوفان لدلالة " يحسبنهم " عليه ; كما قال الشاعر :

بأي كتاب أم بأية آية ****** ترى حبهم عارا عليّ وتحسبِ

استغنى بذكر مفعول الواحد عن ذكر مفعول ، الثاني ، و " بمفازة " الثاني ، وهو بدل من الفعل الأول فأغنى لإبداله منه عن ذكر مفعوليه ، والفاء زائدة . وقيل : قد تجيء هذه الأفعال ملغاة لا في حكم الجمل المفيدة نحو قول الشاعر :

وما خلت أبقى بيننا من مودة*** عراض المذاكي المسنفات القلائص

المذاكي : الخيل التي قد أتى عليها بعد قروحها سنة أو سنتان ; الواحد مذك ، مثل المخلف من الإبل ; وفي المثل جري المذكيات غلاب ، والمسنفات اسم مفعول ; يقال : سنفت البعير أسنفه سنفا إذا كففته بزمامه وأنت راكبه ، وأسنف البعير لغة في سنفه ، وأسنف البعير بنفسه إذا رفع رأسه ; يتعدى ولا يتعدى . وكانت العرب تركب الإبل وتجنب الخيل ; تقول : الحرب لا تبقي مودة . وقال كعب بن أبي سلمى :

أرجو وآمل أن تدنو مودتها ******** وما إخال لدينا منك تنويل

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

 التاسعة والأربعون في موضوع(الحسيب)وهي بعنوان:

*{لَا تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍۢ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (آل عمران - 188)                                                                                                                          

وقرأ جمهور القراء السبعة وغيرهم {أتوا} بقصر الألف ، أي بما جاءوا به من الكذب والكتمان . وقرأ مروان بن الحكم والأعمش وإبراهيم النخعي  {آتوا } بالمد ، بمعنى أعطوا : وقرأ سعيد بن جبير " أوتوا " على ما لم يسم فاعله ; أي أعطوا . والمفازة المنجاة ، مفعلة من فاز يفوز إذا نجا ; أي ليسوا بفائزين . وسمي موضع المخاوف مفازة على جهة التفاؤل ; قاله الأصمعي . وقيل : لأنها موضع تفويز ومظنة هلاك ; تقول العرب : فوز الرجل إذا مات . قال ثعلب : حكيت لابن الأعرابي قول الأصمعي فقال أخطأ ، قال لي أبو المكارم : إنما سميت مفازة ; لأن من قطعها فاز .  وقال الأصمعي : سمي اللديغ سليما تفاؤلا . قال ابن الأعرابي : لأنه مستسلم لما أصابه . وقيل : لا تحسبنهم بمكان بعيد من العذاب ; لأن الفوز التباعد عن المكروه ، والله أعلم .

وقال الطبرى : القول في تأويل قوله : لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (188)

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.

فقال بعضهم: عني بذلك قومٌ من أهل النفاق كانوا يقعدون خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا العدو، فإذا انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتذروا إليه، وأحبّوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا.

وقال آخرون: عني بذلك قوم من أحبار اليهود، كانوا يفرحون بإضلالهم الناس، ونسبة الناس إياهم إلى العلم.

وقال آخرون: بل عُني بذلك قومٌ من اليهود، فرحوا باجتماع كلمتهم على تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم، ويحبون أن يحمدوا بأن يقال لهم: أهل صلاة وصيام.

والصواب من المخطوطة.] =" ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا "، من الصلاة والصوم، فقال الله جل وعز لمحمد صلى الله عليه وسلم: " فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم ".

وقال آخرون: بل معنى ذلك: " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا "، من تبديلهم كتاب الله، ويحبون أن يحمَدهم الناس على ذلك.

وقال آخرون: معنى ذلك: أنهم فرحوا بما أعطى الله تعالى آل إبراهيم عليه السلام.

وقال آخرون: بل عُني بذلك قومٌ من اليهود، سألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه، ففرحوا بكتمانهم ذلك إياه.

وقال آخرون: بل عني بذلك قومٌ من يهود، أظهروا النفاق للنبي صلى الله عليه وسلم محبة منهم للحمد، والله عالم منهم خلاف ذلك.

قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب في تأويل قوله: " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا " الآية، قول من قال: " عني بذلك أهل الكتاب الذين أخبر الله جل وعز أنه أخذ ميثاقهم، ليبين للناس أمر محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يكتمونه "، لأن قوله: " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا " الآية، في سياق الخبر عنهم، وهو شبيه بقصتهم مع اتفاق أهل التأويل على أنهم المعنيون بذلك.

فإذْ كان ذلك كذلك، فتأويل الآية: لا تحسبن، يا محمد، الذين يفرحون بما أتوا من كتمانهم الناسَ أمرك، وأنك لي رسول مرسل بالحق، وهم يجدونك مكتوبًا عندهم في كتبهم، وقد أخذت عليهم الميثاق بالإقرار بنبوتك، وبيان أمرك للناس، وأن لا يكتموهم ذلك، وهم مع نقضهم ميثاقي الذي أخذت عليهم بذلك، يفرحون بمعصيتهم إياي في ذلك، ومخالفتهم أمري، ويحبون أن يحمدهم الناس بأنهم أهل طاعة لله وعبادة وصلاة وصوم، واتباع لوحيه وتنـزيله الذي أنـزله على أنبيائه، وهم من ذلك أبرياء أخلياء، لتكذيبهم رسوله، ونقضهم ميثاقه الذي أخذ عليهم، لم يفعلوا شيئًا مما يحبون أن يحمدهم الناس عليه=" فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم ".

وقوله: " فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب "، فلا تظنهم بمنجاة من عذاب الله الذي أعده لأعدائه في الدنيا، [ انظر تفسير"فاز" فيما سلف قريبا ص: 452.] من الخسف والمسخ والرجف والقتل، وما أشبه ذلك من عقاب الله، ولا هم ببعيد منه، [ انظر معاني القرآن للفراء 1: 250. ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

 الخمسون في موضوع(الحسيب)وهي بعنوان:

*{لَا تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍۢ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (آل عمران - 188)                                                                                                                         

   وقال ابن عاشور : تكملة لأحوال أهل الكتاب المتحدّث عنهم ببيان حالة خُلقهم بعد أن بيّن اختلال أمانتهم في تبليغ الدين ، وهذا ضرب آخر جاء به فريق آخر من أهل الكتاب فلذلك عبّر عنهم بالمَوصول للتوصّل إلى ذكر صلته العجيبة من حال من يفعل الشرّ والخسّة ثم لا يقف عند حدّ الانكسار لما فعل أو تطَلُّب الستر على شنعته ، بل يرتقي فيترقّب ثناء الناس على سوء صنعه ، ويتطلّب المحمدة عليه . وقيل : نزلت في المنافقين ، والخطاب لكلّ من يصلح له الخطاب ، والموصول هنا بمعنى المعرّف بلام العهد لأنّ أريد به قوم معيَّنون من اليهود أو المنافقين ، فمعنى { يفرحون بما أتوا } أنّهم يفرحون بما فعلوا ممّا تقدّم ذكره ، وهو نبذ الكتاب والاشتراء به ثمناً قليلاً وإنّما فرحهم بما نالوا بفعلهم من نفع في الدنيا

ومعنى : { يُحبّون أن يحمدوا بما لم يفعلوا } أنّهم يحبّون الثناء عليهم بأنّهم

 حفظة الشريعة وحُرّاسها والعالمون بتأويلها ، وذلك خلاف الواقع . هذا ظاهر معنى الآية . وهو قول مجاهد . وعن ابن عباس أنّهم أتوا إضلال أتباعهم عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وأحبّوا الحمد بأنّهم علماء بكتب الدين .

وفي «البخاري» ، عن أبي سعيد الخدْري : أنّها نزلت في المنافقين ، كانوا يتخلّفون عن الغزو ويعتذرون بالمعاذير ، فيقبل منهم النبي صلى الله عليه وسلم ويحبّون أن يحمدوا بأنّ لهم نية المجاهدين ، وليس الموصول بمعنى لام الاستغراق . وفي «البخاري» : أنّ مروان بن الحكم قال لِبَوّابِه : «اذهب يا رافع إلى ابن عباس فقل : لئِنْ كان كلّ امرىء فرح بما أتَى وأحَبّ أن يُحمد بما لم يفعل معذّباً لنعذّبَنّ أجْمعون» قال ابن عباس : «وما لكم ولهذه إنّما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودَ ، فسألهم عن شيء فأخبروه بغيره فأرَوْه أنّهم قد استحمدوا إليه بما أخبروه وفرِحوا بما أتوا من كتمانهم» ثم قرأ ابن عباس : { وإذ أخذ الله ميثاقَ الذين أوتوا الكتاب } [ آل عمران : 187 ] حتّى قوله : { لا تَحْسِبَنّ الذين يفرحون بما أتوا } [ آل عمران : 188 ] الآية . والمفازة : مكان الفوزَ . وهو المكان الذي مَن يحلّه يفوز بالسلامة من العدوّ سمّيت البيداء الواسعة مَفَازة لأنّ المنقطع فيها يفوز بنفسه من أعدائه وطلبة الوتر عنده وكانوا يتطلّبون الإقامة فيها . قال النابغة :

أوْ أضَعُ البيتَ في صَمَّاء مُظلمةٍ *****  تُقَيّدُ العَيْر لا يسري بها الساري

تُدافع الناس عنّا حين نركبها ******* من المظالم تُدْعَى أمّ صَبَّار

ولمّا كانت المفازة مجملة بالنسبة للفوز الحاصل فيها بيّن ذلك بقوله : { من العذاب } . وحرف ( مِن ) معناه البدلية ، مثل قوله تعالى : { لا يسمن ولا يغني من جوع } [ الغاشية : 7 ] ، أو بمعنى ( عن ) بتضمين مفازة معنى منجاة .

وقرأ نافع ، وابن كثير ، وابن عامر ، وأبو عمور ، وأبو جعفر : لا يحسبنّ الذين يفرحون بالياء التحتية على الغيبة ، وقرأه الباقون بتاء الخطاب .

وأمّا سين ( تحسبن ) فقرأها بالكسر نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، والكسائي ، وأبو جعفر ، ويعقوب . وقرأها بالفتح الباقون .

وقد جاء تركيب الآية على نظم بديع إذ حُذف المفعول الثاني لفعل الحسبان الأوّل لدلالة ما يدلّ عليه وهو مفعول { فلا تحسبنّهم } ، والتقدير : لا يحسبنّ الذين يفرحون إلخ أنْفسَهم . وأعيد فعل الحسبان في قوله : { فلا تحسبنهم } [ آل عمران : 188 ] مسنداً إلى المخاطب على طريقة الاعتراض بالفاء وأتي بعده بالمفعول الثاني : وهو { بمفازة من العذاب } [ آل عمران : 188 ] فتنازعه كلا الفعلين . وعلى قراءة الجمهور : { لا تَحسبنّ الذين يفرحون } [ آل عمران : 188 ] بتاء الخطاب يكون خطاباً لغير معيّن ليعمّ كلّ مخاطب ، ويكون قوله : { فلا تحسبنهم } اعتراضاً بالفاء أيضاً والخطاب للنبيء صلى الله عليه وسلم مع ما في حذف المفعول الثاني لفعل الحسبان الأول ، وهو محلّ الفائدة ، من تشويق السامع إلى سماع المنهي عن حسبانه . وقرأ الجمهور فلا تحسبنّهم : بفتح الباء الموحدة على أنّ الفعل لخطاب الواحد؛ وقرأه ابن كثير ، وأبو عمرو ، ويعقوب بضم الباء الموحدة على أنّه لخطاب الجمع ، وحيث إنّهما قرءا أوّله بياء الغيبة فضمّ الباء يجعل فاعل ( يحسبنّ ) ومفعوله متّحدين أي لا يحسبون أنفسهم ، واتّحاد الفاعل والمفعول للفعل الواحد من خصائص أفعال الظنّ كما هنا وألحقت بها أفعال قليلة ، وهي : ( وَجد ) و ( عَدِم ) و ( فَقَدَ ) .

وأمّا سين «تحسبنّهم» فالقراءات مماثلة لما في سين { يحسبنّ } .

[الأنترنت – موقع  لَا تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍۢ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (آل عمران - 188)] 

 إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

 الواحدة والخمسون في موضوع(الحسيب)وهي بعنوان:

*{لَا تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍۢ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (آل عمران - 188)                                                                                                                                                                                                                                                 

وقال د خالد السبت : يقول الله جل جلاله: لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا [آل عمران:188]،وفي القراءة الأخرى المتواترة:  { لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ } [آل عمران:188]، هذه الآية اشتهر فيها ما أخرجه الإمام أحمد -رحمه الله- في مسنده عن ابن عباس -ا: "أن مروان بن الحكم حينما كان أميراً على المدينة، أرسل مولاه أو بوابه واسمه رافع، وقال له: اذهب إلى ابن عباس فسأله عن هذه الآية: لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا [آل عمران:188]، وقال: قل له: لئن كان كل امرئ منا فرح بما أتى، وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذَّبًا، لنعذبن أجمعون، فقال ابن عباس: مالكم وهذه الآية؟ إنما نزلت هذه في أهل الكتاب، ثم تلا ابن عباس: وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ [آل عمران: 187]، هذه الآية، وتلا: لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا [آل عمران:188]، وقال: "سألهم النبي ﷺ عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره، فخرجوا قد أروه أنْ قد أخبروه بما سألهم عنه، واستحمدوا بذلك إليه، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه ما سألهم عنه"، يعني: أنهم قد أخبروه وأعلموه كأنهم تمدحوا بذلك، فهذا القول عن ابن عباس رضي الله عنهما مشهور غاية الشهرة في تفسير الآية، حتى إن الكثيرين لربما أخذوا بظاهر هذا الكلام وظنوا أن هذا الوعيد يختص باليهود، ولعل الأمر بخلاف ذلك، فهو لا يختص بهم، فالأمر كما قال حذيفة رضي الله عنه حينما ذُكر له قول كهذا فقال: "نعم بني العم -يعني اليهود- ما كان من بيضاء أو حسنة فهي لكم، وما كان من سوداء أو سيئة فهي لهم"، يعني: أن الأشياء الجيدة تقولون: هذه نزلت فينا،والأشياء السيئة تقولون: نزلت في اليهود، يعني: أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب،حتى لو كانت الآية نازلة في اليهود، مع أن قول ابن عباس - رضي الله عنهما - هذا ليس صريحاً في النزول، بل هو من قبيل التفسير، يقول: هذه الآية نزلت في نفر من اليهود، يعني: نزلت في هؤلاء،فهم داخلون في معناها، ولكنها تشمل هؤلاء وغيرهم.

وسبب نزولها هو ما أخرجه الشيخان من حديث أبي سعيد الخُدري : "أن جماعة من المنافقين تخلفوا عن رسول الله ﷺ في بعض مغازيه، فلما قفل"، لما رجع، طبعاً هم فرحوا بتخلفهم وقعودهم خلاف رسول الله ﷺ، "فلما رجع جاءوا إليه واعتذروا إليه، واستحمدوا عنده فنزلت هذه الآية"، هذا صريح في هذا الحديث المُخرج في الصحيحين أن سبب نزول هذه الآية ليس اليهود بل نزلت في هؤلاء المنافقين الذين يتخلفون عن رسول الله ﷺ ويفرحون بتخلفهم وقعودهم ثم بعد ذلك يتشبعون بما لم يعطوا، ولهذا قال النبي ﷺ: المتشبع بما لم يُعطَ كلابس ثوبي زور[4]، وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا [آل عمران:188]، ولذلك يقال في معناها -والله تعالى أعلم: إن هذه الآية -كما قال الحافظ ابن القيم وجماعة من المحققين- يدخل في معناها كل من أتى شيئاً مما حرمه الله عليه من الشرك، أو البدعة، أو المعصية، ثم بعد ذلك أيضاً يحب أن يُحمد بما لم يفعل، فهذه ليست من صفات أهل الإيمان، وإلا فإن المؤمن مَن سرته حسنته، كما أخبر النبي ﷺ، وساءته سيئته[5]، ولمّا سئل النبي ﷺ عن العمل الذي يعمله الرجل ثم يطلع عليه الناس بعد ذلك من غير قصد منه، فأخبر النبي  ﷺ بأن هذا: عاجل بشرى المؤمن والله جل جلاله يقول: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:58]، فالمؤمن يفرح بالعمل الطيب والعمل الصالح الذي يوفقه الله جل جلاله إليه ولا يكون معذباً بسبب هذا، ولكن هذه الآية فيمن فرح بالمخالفة، والمعصية، والذنب، أو الكفر أو الشرك، ويحب أن يُحمد بشيء ما فعله،يتشبع به وهو لم يفعل، يوهم الناس أنه فعل، وأنه بذل وأنه قدم،وليس كذلك، فهذا هو معنى الآية -والله تعالى أعلم، ولشهرة قول ابن عباس رضي الله عنهما حتى ظن الكثيرون أنها في اليهود، وأنه لا بأس عليهم إذا وقعوا في مثل هذا الصنيع، فمن أجل ذلك أدخلتها في الآيات التي نذكرها في هذه الليالي، وهي التي قد تُحمَل على غير مراد الله جل جلاله منها. إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

 الثانية والخمسون في موضوع(الحسيب)وهي بعنوان:

*{لَا تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍۢ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (آل عمران - 188)                                                                                                                                                                                                                                                 

أخرجه أحمد في المسند، برقم (2712)، وقال محققوه: "إسناده صحيح على شرط الشيخين"، ومسلم، في أوائل كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، برقم (2778)، ولفظه: "لئن كان كل امرئ منا فرح بما أتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا لنعذبن أجمعون، فقال ابن عباس -ا: ما لكم ولهذه الآية؟ إنما أنزلت هذه الآية في أهل الكتاب، ثم تلا ابن عباس: وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ [آل عمران:187]، هذه الآية، وتلا ابن عباس: لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا [آل عمران:188]، وقال ابن عباس: "سألهم النبي ﷺ عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره، فخرجوا قد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه، واستحمدوا بذلك إليه، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه ما سألهم عنه".

أخرجه عبد الرزاق في تفسيره، برقم (714)، عن أبي البختري، قال: سأل رجل حذيفة عن هؤلاء الآيات وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة: 44]، فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ البقرة:229، فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [آل عمران:82]، قال: فقيل: ذلك في بني إسرائيل؟، قال: "نعم الإخوة لكم بنو إسرائيل إن كانت لهم كل مُرة، ولكم كل حلوة، كلا والله لتسلكن طريقهم قد الشراك"، والحاكم في المستدرك، برقم (3218)، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، وأبو نعيم في الحلية (4/179).

أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب لا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا، برقم (4567)، ومسلم، في أوائل كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، برقم (2777)، عن أبي سعيد الخدري أن رجالا من المنافقين، في عهد رسول الله ﷺ، كانوا إذا خرج النبي ﷺ إلى الغزو تخلفوا عنه، وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله ﷺ، فإذا قدم النبي ﷺ اعتذروا إليه، وحلفوا وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فنزلت: لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ [آل عمران:188].

أخرجه البخاري، كتاب النكاح، باب المتشبع بما لم ينل، وما ينهى من افتخار الضرة، برقم (5219)، ومسلم، كتاب اللباس والزينة، باب النهي عن التزوير في اللباس وغيره والتشبع بما لم يعط، برقم (2129).

 أخرجه الترمذي، أبواب الفتن عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في لزوم الجماعة، برقم (2165)، وأحمد في المسند، برقم (114)، وقال محققوه: "إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير علي بن إسحاق -وهو المروزي- فقد روى له الترمذي، وهو ثقة"، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (2546).

أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب إذا أثني على الصالح فهي بشرى ولا تضره، برقم (2642).[الأنترنت – الموقع الرسمي للدكتور خالد السبت -  الآية 188 من سورة آل عمران  ]

 إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

 الثالثة والخمسون في موضوع(الحسيب)وهي بعنوان: من صفات المنافقين

*{لَا تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍۢ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (آل عمران - 188)                                                                                                                                                                                                                                                

   مِنْ طَبِيعَةِ الْإِنْسَانِ أَنَّهُ يُحِبُّ أَنْ يُحْمَدَ وَيُمْدَحَ، وَيَكْرَهُ أَنْ يُعَابَ وَيُذَمَّ، وَهَذَا أَمْرٌ فِطْرِيٌّ فِيهِ، يَرْغَبُهُ الطِّفْلُ الصَّغِيرُ، وَلَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ الشَّيْخُ الْهَرِمُ؛ وَلِذَا كَانَ التَّشْجُّعُ مِنْ مُحَفِّزَاتِ الْعَمَلِ وَالْإِنْجَازِ، وَمِنْ أَسْبَابِ النَّجَاحِ وَالْإِنْتَاجِ. وَلَا غَضَاضَةَ فِي ذَلِكَ؛ فَقَدْ أَثْنَى اللهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ عَلَى الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- فُرَادَى وَجَمَاعَاتٍ، وَتَنَزَّلَ الْقُرْآنُ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ وَهُمْ يَقْرَؤُونَهُ، وَمَدَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرًا مِنْهُمْ بِأَفْعَالٍ فَعَلُوهَا، أَوْ صِفَاتٍ تَخَلَّقُوهَا. وَلَكِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ لَا يَقُولُ إِلَّا حَقًّا.

وَإِنَّمَا المَحْذُورُ وَالمَمْنُوعُ أَنْ يُثْنَى عَلَى قَوْمٍ بِمَا لَيْسَ فِيهِمْ، وَأَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا، وَأَنْ يُوصَفُوا بِمَا لَا يَتَّصِفُونَ بِهِ، وَتِلْكَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ المُنَافِقِينَ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْكَذِبِ، وَالمُنَافِقُ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ. وَفِي الْقُرْآنِ تَهْدِيدٌ وَوَعِيدٌ لِمَنْ رَضِيَ أَنْ يُحْمَدَ بِمَا لَمْ يَفْعَلْ ﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ العَذَابِ وَلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [آل عمران: 188]، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: «أَنَّ رِجَالًا مِنَ المُنَافِقِينَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّـهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّـهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الغَزْوِ تَخَلَّفُوا عَنْهُ، وَفَرِحُوا بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللَّـهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا قَدِمَ رَسُولُ اللَّـهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَذَرُوا إِلَيْهِ، وَحَلَفُوا وَأَحَبُّوا أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا»، فَنَزَلَتْ: ﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ العَذَابِ﴾» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

وَلَا غَرَابَةَ فِي أَنْ يَتَخَلَّقَ المُنَافِقُ بِهَذَا الْخُلُقِ الرَّدِيءِ، وَأَنْ يُحِبَّ أَنْ يُحْمَدَ بِمَا لَمْ يَفْعَلْ؛ لِأَنَّ المُنَافِقَ وَقَعَ فِي شَرٍّ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ إِظْهَارُ الْإِيمَانِ وَإِبْطَانُ الْكُفْرِ؛ لِيَنَالَ بِذَلِكَ أَعْرَاضًا مِنَ الدُّنْيَا؛ وَلِذَا كَانَ المُنَافِقُونَ يَخْرُجُونَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَزْوِ وَهُمْ يَتَرَبَّصُونَ بِهِ، وَيَتَمَنَّوْنَ هَزِيمَتَهُ وَقَتْلَهُ، فَإِنِ انْتَصَرَ تَوَدَّدُوا لَهُ، وَاعْتَذَرُوا إِلَيْهِ؛ لِيُكْمِلُوا مُهِمَّتَهُمْ فِي النِّفَاقِ وَالْكَيْدِ لِلْإِسْلَامِ، وَلِيَكُونُوا مِمَّنْ يُنْسَبُ النَّصْرُ إِلَيْهِمْ وَهُمْ لَمْ يُقَاتِلُوا، وَلِيَظْفَرُوا بِشَيْءٍ مِنَ الْغَنِيمَةِ وَهُمْ لَمْ يُقَدِّمُوا شَيْئًا لِلْإِسْلَامِ سِوَى الصَّدِّ عَنْهُ، وَالْكَيْدِ لِلْمُؤْمِنِينَ. وَإِنْ غَلَبَ الْكُفَّارُ المُؤْمِنِينَ تَوَدَّدُوا لِلْكُفَّارِ زَاعِمِينَ أَنَّهُمْ بِتَخْذِيلِهِمْ وَإِرْجَافِهِمْ فِي أَوْسَاطِ المُؤْمِنِينَ، وَدَلَالَتِهِمْ عَلَى عَوْرَاتِهِمْ كَانُوا سَبَبَ نَصْرِ المُشْرِكِينَ؛ لِيَجْعَلُوا لَهُمْ أَيَادِيَ عِنْدَهُمْ؛ وَلِكَيْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا ﴿الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّـهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾ [النساء: 141].

وَإِنَّكَ لَتُبْصِرُ هَذَا المَشْهَدَ النِّفَاقِيَّ الَّذِي يَعْرِضُهُ الْقُرْآنُ ظَاهِرًا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْإِعْلَامِيِّينَ الْعَرَبِ فِي فَضَائِيَّاتِهِمْ وَصُحُفِهِمْ وَمَجَلَّاتِهِمْ؛ فَهُمْ يَتَقَلَّبُونَ مَعَ الْأَحْدَاثِ تَقَلُّبَ السَّفِينَةِ عَلَى الْأَمْوَاجِ، وَيَعُدُّونَ ذَلِكَ سِيَاسَةً وَهُوَ نِفَاقٌ؛ فَيَمْدَحُونَ الْيَوْمَ مَنْ كَانُوا يَذُمُّونَ بِالْأَمْسِ، وَيَقْدَحُونَ فِي مَنْهَجٍ كَانُوا مِنْ قَبْلُ يُبَشِّرُونَ بِهِ، وَيُغَيِّرُونَ انْتِمَاءَاتِهِمْ وَوَلَاءَاتِهِمْ بِحَسَبِ مَصَالِحهِمُ الشَّخْصِيَّةِ، وَيُخَوِّفُونَ المُسْلِمِينَ بِأَعْدَائِهِمْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَنْصَحُونَ لَهُمْ.

بَلْ إِنَّهُمْ يَقِفُونَ بِأَقْلَامِهِمْ وَإِعْلَامِهِمْ فِي خَنْدَقٍ وَاحِدٍ مَعَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالمَجُوسِ، وَمَعَ كُلِّ مِلَّةٍ وَنِحْلَةٍ وَطَائِفَةٍ تُحَارِبُ الْإِسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ. وَلَقَدْ فَضَحَتْ وَسَائِلُ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ كَثِيرًا مِنْهُمْ، وَكَمْ مِنْ مُغَرِّدٍ وَدَّ لَوْ غَيَّرَ مَا كَتَبَ مِنْ قَبْلُ؛ لِأَنَّهُ انْقَلَبَ رَأْسًا عَلَى عَقِبٍ، وَسَارَ عَكْسَ اتِّجَاهِهِ، وَلَكِنْ بَقِيَ مَا يَفْضَحُ تَوَجُّهَهُ وَانْتِمَاءَهُ. وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ يَفْرَحُ بِمَا فَعَلَ مِنْ تَقَلُّبِهِ، وَيُحِبُّ أَنْ يُحْمَدَ بِمَا لَمْ يَفْعَلْ وَبِمَا لَا يَدَ لَهُ فِيهِ.

وَإِذَا انْتَشَرَ فِي النَّاسِ دَاءُ المَدْحِ بِلَا حَقٍّ، وَأَحَبَّ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ أَنْ يُحْمَدَ بِمَا لَيْسَ فِيهِ؛ رَاجَتْ سُوقُ النِّفَاقِ، وَاضْمَحَلَّ الصِّدْقُ فِي الْأَوْصَافِ، فَصَارَ الْوَاحِدُ يَكْذِبُ فِي مَدْحِهِ، وَالمَمْدُوحُ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَكْذِبُ وَمَعَ ذَلِكَ يُصْغِي إِلَيْهِ وَيَبْتَسِمُ لَهُ، وَالْحُضُورُ يَعْلَمُونَ كَذِبَهُ وَمَعَ ذَلِكَ يُصَفِّقُونَ وَيُوَافِقُونَ، فَأَيُّ إِنْجَازَاتٍ سَتَكُونُ لِمَنْ هَذِهِ أَخْلَاقُهُمْ وَصِفَاتُهُمْ؟!

وَإِذَا وَصَلَ الْحَالُ بِالنَّاسِ إِلَى هَذَا الْحَدِّ فَإِنَّ السَّيِّئَاتِ تُصْبِحُ حَسَنَاتٍ، وَالْإِخْفَاقَاتِ سَتُعَدُّ إِنْجَازَاتٍ، وَيُصْبِحُ الْأَغْبِيَاءُ أَذْكِيَاءَ، وَيُصْبِحُ الْفَاشِلُونَ نَاجِحِينَ، فَتَنْقَلِبُ المَوَازِينُ، وَيَجْنِي الْجَمِيعُ كُلَّ النَّتَائِجِ المُرَّةِ لِهَذِهِ الْأَخْلَاقِ الْوَضِيعَةِ.

ولَوْلَا أَنَّ حُبَّ المَحْمَدَةِ بِالْحَقِّ عَلَى الْعَمَلِ النَّافِعِ مِنْ غَرَائِزِ الْفِطْرَةِ الَّتِي يُسْتَعَانُ بِهَا عَلَى التَّرْبِيَةِ الْعَالِيَةِ لَمَا قَيَّدَ اللهُ تَعَالَى الْوَعِيدَ عَلَى حُبِّ الْحَمْدِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا﴾ فَهَذَا الْقَيْدُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حُبَّ الثَّنَاءِ عَلَى الْعَمَلِ النَّافِعِ غَيْرُ مَذْمُومٍ، وَلَا مُتَوَعَّدٍ عَلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَلِيقُ بِدِينِ الْفِطْرَةِ، بَلْ جَاءَ فِي الْكِتَابِ الْحَكِيمِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَدْحِ هَذِهِ الْغَرِيزَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ: ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ [الشرح: 4]، وَقَوْلِهِ: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ﴾ [الزُّخرف: 44]. وَلَكِنَّ الْوَاجِبَ أَنْ لَا يَعْمَلَ المَرْءُ عَمَلًا لِأَجْلِ المَدْحِ؛ فَإِنَّ الْعَمَلَ لِأَجْلِ مَدْحِ النَّاسِ يُذْهِبُ الْأَجْرَ، وَيَمْحَقُ بَرَكَةَ الْعَمَلِ. وَإِنَّمَا يُنْجِزُ مَا يُنْجِزُ أَدَاءً لِلْأَمَانَةِ الَّتِي حُمِّلَهَا، وَرِعَايَةً لِلْمَسْئُولِيَّةِ الَّتِي تَقَلَّدَهَا، وَيَكُونُ دَافِعُهُ لِذَلِكَ رِضَا اللَّـهِ تَعَالَى بِمَا عَمِلَ، وَالسَّعْيَ فِي إِيصَالِ النَّفْعِ لِلنَّاسِ، وَرَفْعَ الضَّرَرِ عَنْهُمْ؛ فَإِنَّ «أَحَبَّ النَّاسِ إِلَى اللَّـهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ»، «وَخَيْرَ النَّاسِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ» كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

 الرابعة والخمسون في موضوع(الحسيب)وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: من صفات المنافقين

وَلِتَقْلِيلِ هَذِهِ الظَّاهِرَةِ السَّيِّئَةِ وَهِيَ أَنْ يُحِبَّ الْوَاحِدُ أَنْ يُحْمَدَ بِمَا لَمْ يَفْعَلْ، فَلَا بُدَّ مِنَ الِاقْتِصَادِ فِي المَدْحِ؛ لِأَنَّ الْإِكْثَارَ مِنَ المَدْحِ وَلَوْ كَانَ بِحَقٍّ يَقُودُ المَمْدُوحَ إِلَى الْعُجْبِ وَالْغُرُورِ وَفُتُورِ الْهِمَّةِ، وَتَرْكِ المُوَاظَبَةِ عَلَى الْعَمَلِ الَّذِي مُدِحَ لِأَجْلِهِ. كَمَا أَنَّهُ يُحَوِّلُ مُجْتَمَعَ المَدَّاحِينَ إِلَى قُطْعَانٍ بَشَرِيَّةٍ تَأْلَفُ بَذْلَ المَدْحِ لِمَنْ لَا يَسْتَحِقُّهُ، حَتَّى يَكُونَ مِنْ صِفَاتِهَا الرَّدِيئَةِ الَّتِي تُعِيقُهَا عَنِ الْعَمَلِ وَالْإِنْتَاجِ وَالتَّقَدُّمِ.

  لمَّا كَانَتْ مَحَبَّةُ الْحَمْدِ بِمَا لَمْ يَفْعَلِ الْإِنْسَانُ مِنْ أَخْطَرِ الْأَمْرَاضِ الْأَخْلَاقِيَّةِ الَّتِي تَفْتِكُ بِالمُجْتَمَعَاتِ؛ لِأَنَّهَا تُشِيعُ النِّفَاقَ فِي النَّاسِ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسَمَ ذَلِكَ بِالنَّهْيِ عَنْهُ؛ لِتَبْقَى أَخْلَاقُ النَّاسِ عَلَى فِطْرَتِهَا لَا تَتَلَوَّنُ لِأَجْلِ مَصَالِحهَا، وَلَا تَتَبَدَّلُ مَوَاقِفُهَا لِأَجْلِ دُنْيَا تَطْلُبُهَا، رَوَى ثَابِتُ بْنُ الضَّحَّاكِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «… مَنِ ادَّعَى دَعْوَى كَاذِبَةً لِيَتَكَثَّرَ بِهَا لَمْ يَزِدْهُ اللهُ إِلَّا قِلَّةً» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فَعَاقَبَهُ اللهُ تَعَالَى بِنَقِيضِ قَصْدِهِ، فَهُوَ مَا ادَّعَى إِلَّا يُرِيدُ كَثْرَةً فَزَادَهُ اللهُ تَعَالَى قِلَّةً، وَمَا ادَّعَى إِلَّا يُرِيدُ مَدْحًا فَيَزِيدُهُ اللهُ تَعَالَى ذَمًّا عُقُوبَةً لَهُ عَلَى كَذِبِهِ.

وعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّـهِ، إِنَّ لِي ضَرَّةً، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ إِنْ تَشَبَّعْتُ مِنْ زَوْجِي غَيْرَ الَّذِي يُعْطِينِي؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّـهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «المُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلاَبِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: «وَمَنْ تَحَلَّى بِمَا لَمْ يُعْطَ، كَانَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ». وَثُنِّيَ ثَوْبُ الزُّورِ فِي الْحَدِيثَيْنِ، فَجُعِلَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ كَذَبَ مَرَّتَيْنِ؛ فَكَذَبَ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا لَمْ يَأْخُذْ، وَكَذَبَ عَلَى غَيْرِهِ بِمَا لَمْ يُعْطَ، وَمِنْ حِكْمَةِ اللَّـهِ تَعَالَى أَنَّهُ يُرِينَا سُنَنَهُ فِي أَهْلِ النِّفَاقِ وَالتَّزَلُّفِ وَالتَّلَوُّنِ؛ فَيَلْفِظُهُمُ النَّاسُ وَيَمْقُتُونَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَفَضِيحَتُهُمْ فِي الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَنْكَى.

فَلْنَحْذَرْ مِنْ أَوْصَافِ المُنَافِقِينَ، وَلَا نَغْتَرَّ بِمَدْحِ المَدَّاحِينَ، وَلَا نَتَحَلَّ بِمَا لَمْ نُعْطَ، وَلَا نَدَّعِ مَا لَمْ نَفْعَلْ، وَلْنُخْلِصْ لِلَّـهِ تَعَالَى فِي كُلِّ شُئُونِنَا، فَلَا تَوْفِيقَ وَلَا عِزَّ وَلَا رِفْعَةَ إِلَّا مِنَ اللَّـهِ تَعَالَى ﴿أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ العِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلَّـهِ جَمِيعًا﴾ [النساء: 139] .[ الأنترنت – موقع الخطباء ]

قال تعالى: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآ ءَاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ} أي: لا يحسبن البخيل أن جمعه المال ينفعه، بل هو مضرة عليه في دينه، وربما كان في دنياه.

ثم أخبر بمآل أمر ماله يوم القيامة، فقال: {سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ}، قال البخاري: حدثنا عبد الله بن منير، سمع أبا النضر، حدثنا عبد الرحمن، هو ابن عبد الله بن دينار، عن أبيه، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من آتاه الله مالاً، فلم يؤد زكاته، مثل له شجاعاً أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة، يأخذ بلهزمتيه ـ يعني: بشدقيه ـ ثم يقول: أنا مالك، أنا كنزك

ثم تلا هذه الآية: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآ ءَاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ} إِلى آخر الآية، تفرد به البخاري دون مسلم من هذا الوجه، وقد رواه ابن حبان في صحيحه من طريق الليث بن سعد عن محمد بن عجلان، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، به.

(حديث آخر) قال الإِمام أحمد: حدثنا حجين بن المثنى، حدثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إِن الذي لا يؤدي زكاة ماله، يمثل الله له ماله يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبتان، ثم يلزمه يطوقه يقول: أنا كنزك أنا كنزك وهكذا رواه النسائي عن الفضل بن سهل عن أبي النضر هاشم بن القاسم عن عبد العزيز بن عبد الله ابن أبي سلمة، به. ثم قال النسائي: ورواية عبد العزيز عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أثبت من رواية عبد الرحمن عن أبيه عبد الله بن دينار، عن أبي صالح عن أبي هريرة.

(قلت): ولا منافاة بين الروايتين، فقد يكون عند عبد الله بن دينار من الوجهين، والله أعلم، ثم قرأ عبد الله مصداقه من كتاب الله: {سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ}، وهكذا رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث سفيان بن عيينة عن جامع بن أبي راشد، زاد الترمذي: وعبد الملك بن أعين، كلاهما عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن عبد الله بن مسعود، به، وقال الترمذي: حسن صحيح.

وقوله تعالى: {وَللَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ} أي:{وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ} [الحديد: 7] فإن الأمور كلها مرجعها إِلى الله عز وجل.

فقدموا من أموالكم ما ينفعكم يوم معادكم {وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} أي: بنياتكم وضمائركم.

[الأنترنت – موقع تفسير القرآن الكريم - قال تعالى: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآ ءَاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ} ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

 الخامسة والخمسون في موضوع(الحسيب)وهي بعنوان:

الحذر من سنة الاستدراج :

سُنَنُ اللَّهِ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ لَا تَتَبَدَّلُ، وَآثَارُهَا لَا تَتَقَدَّمُ وَلَا تَتَأَخَّرُ؛ فَلِأَهْلِ الثَّوَابِ ثَوَابُهُمْ بِإِيمَانِهِمْ وَشُكْرِهِمْ، وَلِأَهْلِ الْعِقَابِ عِقَابُهُمْ بِمَعْصِيَتِهِمْ وَكُفْرِهِمْ ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ [الْأَعْرَافِ: 34]، وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «إِذَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِقَوْمٍ عَذَابًا، أَصَابَ الْعَذَابُ مَنْ كَانَ فِيهِمْ ثُمَّ بُعِثُوا عَلَى أَعْمَالِهِمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَمِنْ سُنَنِ اللَّهِ تَعَالَى فِي عِبَادِهِ: اسْتِدْرَاجُهُمْ بِالنِّعَمِ، وَإِنْذَارُهُمْ بِالنُّذُرِ، ثُمَّ أَخْذُهُمْ بِالنِّقَمِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى هَذِهِ السُّنَّةِ الرَّبَّانِيَّةِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِيّ مَتِينٌ﴾ [الْأَعْرَافِ: 182- 183]، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: ﴿فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِيّ مَتِينٌ﴾ [الْقَلَمِ: 44- 45].

وَالِاسْتِدْرَاجُ الرَّبَّانِيُّ لِلْبَشَرِ يَقَعُ لِلْأَفْرَادِ وَلِلْأُمَمِ، وَقَدْ يَكُونُ نِعْمَةً إِذَا أَعْقَبَهُ تَوْبَةٌ، وَقَدْ يَكُونُ نِقْمَةً إِذَا خُتِمَ بِعَذَابٍ وَهَلَاكٍ، وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ عَلَى خَلْقِهِ، وَلَهُ الْحِكْمَةُ الْبَاهِرَةُ فِيهِمْ حِينَ يَسْتَدْرِجُهُمْ بِنِعَمِهِ، فَقَدْ أَرْسَلَ إِلَيْهِمُ النُّذُرَ، فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ عُذْرٌ.

وَيَكُونُ الِاسْتِدْرَاجُ لِلْكُفَّارِ: فَهُمْ فِي الدُّنْيَا مُسْتَدْرَجُونَ بِالنِّعَمِ لِعَذَابِ الْآخِرَةِ ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 178]، ﴿لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 196-197]، ﴿فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا﴾ [الطَّارِقِ: 17].

وَيَكُونُ الِاسْتِدْرَاجُ لِلظَّلَمَةِ: وَالْكُفْرُ أَعْظَمُ الظُّلْمِ، وَقَدْ يُسْتَدْرَجُ مَنْ بَغَى عَلَى النَّاسِ وَبَخَسَهُمْ حُقُوقَهُمْ، فَلَا يُعَجَّلُ عِقَابُهُ اسْتِدْرَاجًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: 42]، ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ [الْحَجِّ: 48]، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِيُ لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ [هُودٍ: 102]» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَيَكُونُ الِاسْتِدْرَاجُ لِلْمُنَافِقِينَ: كَمَا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ [التَّوْبَةِ: 126]، فَاللَّهُ تَعَالَى يَبْتَلِيهِمْ بِالْمَصَائِبِ وَالْبَلَايَا لِيُذَكِّرَهُمْ، ثُمَّ يُمْهِلُهُمْ لِيَسْتَدْرِجَهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ مَاضُونَ فِي عِنَادِهِمْ، مُنْغَمِسُونَ فِي نِفَاقِهِمْ؛ وَلِذَا خَاطَبَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ [التَّوْبَةِ: 55].

وَيَكُونُ الِاسْتِدْرَاجُ لِأَهْلِ الْفُسُوقِ وَالْمَعَاصِي وَالْفُجُورِ: كَمَا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ﴾ [الشُّعَرَاءِ: 205-207]، وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنَ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ، فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ، ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾ [الْأَنْعَامِ: 44]» رَوَاهُ أَحْمَدُ.

وَكُلُّ الْأُمَمِ السَّابِقَةِ الَّتِي عُذِّبَتْ قَدِ اسْتُدْرِجَتْ وَأُنْذِرَتْ قَبْلَ الْعَذَابِ ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ [الْحَجِّ: 48] وَهِيَ سُنَّةٌ عَامَّةٌ فِي كُلِّ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ؛ كَمَا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ * ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [الْأَعْرَافِ: 94- 95]. فَهَذَا هُوَ اسْتِدْرَاجُ الْأُمَمِ قَبْلَ عَذَابِهَا.

وَكَذَلِكَ الْأَفْرَادُ يُسْتَدْرَجُونَ بِالنِّعَمِ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ بِهِمُ النِّقَمُ ﴿فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الزُّمَرِ: 49].

وَمِمَّنِ اسْتُدْرِجُوا لِلْعَذَابِ: فِرْعَوْنُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ آتَاهُ الْمُلْكَ وَالْمَالَ، وَأَرْسَلَ لَهُ النُّذُرَ فَلَمْ يَعْتَبِرْ، بَلِ ازْدَادَ فِي اسْتِكْبَارِهِ وَطُغْيَانِهِ ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ﴾ [الْأَعْرَافِ: 133]. فَاكْتَمَلَتْ لِآلِ فِرْعَوْنَ النِّعَمُ؛ اسْتِدْرَاجًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي دُعَاءِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَيْهِمْ: ﴿وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ * قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [يُونُسَ: 88-89]، ثُمَّ كَانَ الْعَذَابُ بِالْغَرَقِ ﴿وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ﴾ [الْأَنْفَالِ: 54].

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

 السادسة والخمسون في موضوع(الحسيب)وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: وَمِمَّنِ اسْتُدْرِجُوا ....

وَمِمَّنِ اسْتُدْرِجُوا لِلْعَذَابِ قَارُونُ: ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ﴾ [الْقَصَصِ: 76]، فَكَانَ عَاقِبَةُ اسْتِدْرَاجِهِ مَعَ بَغْيِهِ: ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ﴾ [الْقَصَصِ: 81].

وَمِمَّنِ اسْتُدْرِجُوا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ: وَالِدُ سَيْفِ اللَّهِ الْمَسْلُولِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَهُوَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ، كَفَرَ النِّعْمَةَ، وَكَذَّبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآذَاهُ، وَكَانَ يُسَمَّى الْوَحِيدَ فِي قَوْمِهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «كَانَ الْوَلِيدُ يَقُولُ: أَنَا الْوَحِيدُ بْنُ الْوَحِيدِ، لَيْسَ لِي فِي الْعَرَبِ نَظِيرٌ، وَلَا لِأَبِي الْمُغِيرَةِ نَظِيرٌ»، فَنَزَلَ فِيهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا * سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا﴾ [الْمُدَّثِّرِ: 11 - 17].

نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَنَا مِمَّنْ إِذَا ذُكِّرُوا تَذَكَّرُوا، وَإِذَا وُعِظُوا اتَّعَظُوا، وَأَنْ يَجْعَلَ مَا أَعْطَانَا عَنْ رِضًا لَا عَنِ اسْتِدْرَاجٍ، وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِنَ التَّائِبِينَ الشَّاكِرِينَ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

   أَهْلُ الْإِيمَانِ وَالْخَشْيَةِ يَخَافُونَ الِاسْتِدْرَاجَ، وَيَنْتَهُونَ بِالْإِنْذَارِ، وَيَخْشَوْنَ الْعَذَابَ ﴿فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾ [يُونُسَ: 98].

وَأَمَّا أَهْلُ الْغُرُورِ وَالْفُجُورِ فَإِنَّهُمْ يَغْتَرُّونَ بِالِاسْتِدْرَاجِ، وَلَا تَزِيدُهُمُ النُّذُرُ إِلَّا عُتُوًّا وَنُفُورًا، كَمَا قَالَ قَوْمُ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَهُ: ﴿فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [الشُّعَرَاءِ: 187].

وَاسْتَبْطَأَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ الْعَذَابَ وَسَأَلُوهُ مُسْتَهْزِئِينَ ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ﴾ [ص: 16]؛ أَيْ: عَجِّلْ لَنَا نَصِيبَنَا مِنَ الْعَذَابِ. وَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [الْعَنْكَبُوتِ: 53]. بَلْ دَعَوُا اللَّهَ تَعَالَى يَسْأَلُونَهُ الْعَذَابَ اسْتِكْبَارًا وَتَكْذِيبًا: ﴿وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الْأَنْفَالِ: 32]. «وَكَانَ الْأَوْلَى لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَاهْدِنَا لَهُ، وَوَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِهِ. وَلَكِنِ اسْتَفْتَحُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَاسْتَعْجَلُوا الْعَذَابَ».

فَحَرِيٌّ بِأَهْلِ الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ أَنْ يَفْهَمُوا سُنَّةَ الِاسْتِدْرَاجِ الرَّبَّانِيِّ، وَأَنْ يَخْشَوْهَا، وَأَنْ يَتَلَمَّسُوا طُرُقَ النَّجَاةِ فِيهَا، بِالْإِقْبَالِ عَلَى الطَّاعَةِ، وَلُزُومِ التَّوْبَةِ، وَشُكْرِ النِّعَمِ، وَالْحَذَرِ مِنَ الْغَفْلَةِ وَالِاسْتِكْبَارِ وَالْغُرُورِ.

[الأنترنت – موقع سنن الله تعالى في خلقه - سنة الاستدراج - الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

 السابعة والخمسون في موضوع(الحسيب)وهي بعنوان:

{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ ٱلصَّٰبِرِينَ } :

ورد في التفسير الميسر : يا أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- أظننتم أن تدخلوا الجنة، ولم تُبْتَلوا بالقتال والشدائد؟ لا يحصل لكم دخولها حتى تُبْتلوا، ويعلم الله -علما ظاهرا للخلق- المجاهدين منكم في سبيله، والصابرين على مقاومة الأعداء.

وقال السعدى : أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ

ثم قال تعالى: { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا

 منكم ويعلم الصابرين } هذا استفهام إنكاري، أي: لا تظنوا، ولا يخطر ببالكم أن تدخلوا الجنة من دون مشقة واحتمال المكاره في سبيل الله وابتغاء مرضاته، فإن الجنة أعلى المطالب، وأفضل ما به يتنافس المتنافسون، وكلما عظم المطلوب عظمت وسيلته، والعمل الموصل إليه، فلا يوصل إلى الراحة إلا بترك الراحة، ولا يدرك النعيم إلا بترك النعيم، ولكن مكاره الدنيا التي تصيب العبد في سبيل الله عند توطين النفس لها، وتمرينها عليها ومعرفة ما تئول إليه، تنقلب عند أرباب البصائر منحا يسرون بها، ولا يبالون بها، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

وقال ا لطنطاوي في الوسيط: أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ

ثم بين- سبحانه- أن طريق الجنة محفوف بالمكاره، وأن الوصول إلى رضا الله- تعالى- يحتاج إلى جهاد عظيم، وصبر طويل فقال- تعالى-: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ وأَمْ هنا يرى كثير من العلماء أنها منقطعة، بمعنى بل الانتقالية، لأن الكلام انتقال من تسليتهم إلى معاتبتهم على ما حدث منهم في غزوة أحد من مخالفة

 بعضهم لأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وفرارهم عنه في ساعة الشدة.

والهمزة المقدرة معها للإنكار والاستبعاد.

وقوله{ أَمْ حَسِبْتُمْ } معطوف على جملة وَلا تَهِنُوا وذلك أنهم لما مسهم القرح فحزنوا واعتراهم شيء من الضعف، بين الله لهم أنه لا وجه لهذا الضعف أو الحزن لأنهم هم الأعلون، والأيام دول، وما أصابهم فقد سبق أن أصيب بمثله أعداؤهم، ثم بين لهم هنا: أن دخول الجنة لا يحصل لهم إذا لم يبذلوا مهجهم وأرواحهم في سبيل الله، فإذا ظنوا غير ذلك فقد أخطئوا.

والمعنى: بل أحسبتم أن تدخلوا الجنة، وتنالوا كرامة ربكم، وشرف المنازل عنده مع أنكم لم تجاهدوا في سبيل الله جهاد الصابرين على شدائده ومتاعبه ومطالبه، إن كنتم تحسبون هذا الحسبان فهو ظن باطل يحب عليكم الإقلاع عنه.

ويحتمل أن تكون أَمْ هنا للمعادلة بمعنى أنها متصلة لا منقطعة «ويكون المعنى عليه:

أعلمتم أن الله- تعالى- سننا في النصر والهزيمة، وأن الأيام دول. وأن الوصول إلى السنة يحتاج إلى إيمان وجهاد وصبر، أم حسبتم وظننتم أنكم تدخلون الجنة من غير مجاهدة واستشهاد؟.

وقوله وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ معناه: ولم تجاهدوا جهاد الصابرين فيعلم الله ذلك منكم.

وقال صاحب الكشاف: وقوله وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ بمعنى ولما تجاهدوا. لأن العلم متعلق بالمعلوم، فنزل نفى العلم منزلة نفى متعلقه، لأنه منتف بانتفائه. يقول الرجل:

ما علم الله من فلان خيرا، يريد ما فيه خير حتى يعلمه، و «لما» بمعنى ولم إلا أن فيها ضربا من التوقع، فدل على نفى الجهاد فيما مضى، وعلى توقعه فيما يستقبل. وتقول: وعدني أن يفعل كذا ولما يفعل، تريد: وأنا أتوقع فعله» .

وجملة وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ حالية من ضمير تَدْخُلُوا مؤكدة للإنكار، فإن رجاء الأجر من غير علم مستبعد عند ذوى العقول السليمة، ولذا قال بعضهم:

ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها ****** إن السفينة لا تجرى على اليبس

وقال بعض الحكماء «طلب الجنة من غير عمل ذنب من الذنوب، وانتظار الشفاعة بلا سبب نوع من الغرور.                                  وارتجاء الرحمة ممن لا يطاع حمق وجهالة» .

وقوله وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ أى ويتميز الصابرون في جهادهم عن غيرهم فالآية الكريمة تشير إلى أن الشدائد من شأنها أن تميز المجاهدين الصادقين في جهادهم، الثابتين في البأساء والضراء من غيرهم، وأن تميز الصابرين الذين يتحملون مشاق القتال وتبعاته بقلب راسخ، ونفس مطمئنة من الذين يجاهدون ولكنهم تطيش أحلامهم عند الشدائد والأهوال.

فالجهاد في سبيل الله يستلزم الصبر، لأن الصبر هو عدة المجاهد وأساس نجاحه، ولقد سئل بعضهم عن الشجاعة فقال: الشجاعة صبر ساعة.

وقال بعض الشعراء يعتذر عن انتصار أعدائهم عليهم.

سقيناهم كأسا سقونا بمثلها ******* ولكنهم كانوا على الموت أصبرا

ولقد كان عدم صبر الرماة في غزوة أحد، ومسارعتهم إلى جمع الغنائم، من أهم الأسباب التي أدت إلى هزيمة المسلمين في تلك المعركة.

والآية الكريمة كذلك تشير إلى أن الطريق إلى الجنة ليس سهلا يسلكه كل إنسان وإنما هو طريق محفوف بالمكاره والشدائد. ولا يصل إلى غايته إلا الذين جاهدوا وصبروا وصابروا، ولذا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات» .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

 الثامنة والخمسون في موضوع(الحسيب)وهي إستكمالا للماضية والتي بعنوان: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ ٱلصَّٰبِرِينَ } :

وقال البغوى : ( أم حسبتم ) أحسبتم؟ ( أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله)[ أي : ولم يعلم الله ]( الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين )

وقال ابن كثير : يقول تعالى مخاطباً عباده المؤمنين لما أصيبوا يوم أحد

 وقتل منهم سبعون: { قد خلت من قبلكم سنن} ، أي قد جرى نحو هذا على الأمم الذين كانوا من قبلكم من أتباع الأنبياء، ثم كانت العاقبة لهم والدائرة على الكافرين، ولهذا قال تعالى: { فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين} ، ثم قال تعالى: { هذا بيان للناس} يعني القرآن فيه بيان الأمور على جليتها وكيف كان الأمم الأقدمون مع أعدائهم، { وهدى وموعظة} يعني القرآن فيه خبر ما قبلكم وهدى لقلوبكم وموعظة أي زاجر عن المحارم والمآثم. ثم قال تعالى مسلياً للمؤمنين: { ولا تهنوا} أي لا تضعفوا بسبب ما جرى، { ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين} أي العاقبة والنصرة لكم أيها المؤمنون، { إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله} أي إن كنتم قد أصبتكم جراح وقتل منكم طائفة فقد أصاب أعدائكم قريب من ذلك من قتل وجراح، { وتلك الأيام نداولها بين الناس} أي نديل عليكم الأعداء تارة، وإن كانت لكم العاقبة لما لنا في ذلك من الحكمة، ولهذا قال تعالى: { وليعلم اللّه الذين آمنوا} قال ابن عباس: في مثل هذا لنرى من يصبر على مناجزة الأعداء { ويتخذ منكم شهداء} يعني يقتلون في سبيله ويبذلون مهجهم في مرضاته، { واللّه لا يحب الظالمين وليمحص اللّه الذين آمنوا} أي يكفِّر عنهم من ذنوبهم إن كانت لهم ذنوب، وإلا رفع لهم في درجاتهم بحسب ما أصيبوا به. وقوله تعالى: { ويمحق الكافرين} أي فإنهم إذا ظفروا بغوا وبطروا، فيكون ذلك سبب دمارهم وهلاكهم ومحقهم وفنائهم، ثم قال تعالى: { أم حسبتم أن تدخلو الجنة ولما يعلم اللّه الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين} ، أي أحسبتم أن تدخلوا الجنة ولم تبتلوا بالقتال والشدائد، كما قال تعالى في سورة البقرة: { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا} وقال تعالى: { أم حسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون} الآية، ولهذا قال ههنا: { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم اللّه الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين} أي لا يحصل لكم دخول الجنة حتى تبتلوا، ويرى اللّه منكم المجاهدين في سبيله، والصابرين على مقاومة الأعداء. وقوله تعالى: { ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون} أي قد كنتم أيها المؤمنون قبل هذا اليوم تتمنون لقاء العدو، وتحترقون عليه وتودون مناجزتهم ومصابرتهم، فها قد حصل لكم الذي تمنيتموه وطلبتموه فدونكم فقاتلوا وصابروا، وقد ثبت في الصحيحين أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا اللّه العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف)، ولهذا قال تعالى: { فقد رأيتموه} يعني الموت شاهدتموه وقت حدِّ الأسنة واشتباك الرماح، وصفوف الرجال للقتال، والمتكلمون يعبرون عن هذا بالتخييل، وهو مشاهدة ما ليس بمحسوس كالمحسوس، كما تتخيل الشاة صداقة الكبش، وعداوة الذئب.

ثم قال : ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ) أي : أحسبتم أن تدخلوا الجنة ولم تبتلوا بالقتال والشدائد ، كما قال تعالى في سورة البقرة : ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا [ حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ] ) [ البقرة : 214 ] وقال تعالى : ( الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ) [ العنكبوت : 1 - 3 ] ، ولهذا قال هاهنا : ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ) أي : لا يحصل لكم دخول الجنة حتى تبتلوا ويرى الله منكم المجاهدين في سبيله والصابرين على مقارنة الأعداء .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

 التاسعة والخمسون في موضوع(الحسيب)وهي إستكمالا للماضية والتي بعنوان: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ ٱلصَّٰبِرِينَ } :

وقال القرطبى :قوله تعالى : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}

" أم " بمعنى بل . وقيل : الميم زائدة ، والمعنى أحسبتم يا من انهزم يوم أحد أن تدخلوا الجنة كما دخل الذين قتلوا وصبروا على ألم الجراح والقتل من غير أن تسلكوا طريقهم وتصبروا صبرهم لا ; حتى يعلم الله الذين جاهدوا منكم أي علم شهادة حتى يقع عليه الجزاء . والمعنى : ولم تجاهدوا فيعلم ذلك منكم ; فلما بمعنى " لم " . وفرق سيبويه بين " لم " و " لما " فزعم أن " لم يفعل " نفي فعل ، وأن : " لما يفعل " . نفي قد فعل . ويعلم الصابرين منصوب بإضمار أن ; عن الخليل . وقرأ الحسن ويحيى بن يعمر " يعلم الصابرين " بالجزم على النسق . وقرئ بالرفع على القطع ، أي وهو يعلم . وروى هذه القراءة عبد الوارث عن أبي عمرو . وقال الزجاج . الواو هنا بمعنى حتى ، أي ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم حتى يعلم صبرهم كما تقدم آنفا .

وقال الطبرى : القول في تأويل قوله : أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: " أم حسبتم "، يا معشر أصحاب محمد، وظننتم =" أن تدخلوا الجنة "، وتنالوا كرامة ربكم، وشرف المنازل عنده =" ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم "، يقول: ولما يتبيَّن لعبادي المؤمنين، المجاهدُ منكم في سبيل الله، على ما أمره به.

وقد بينت معنى قوله: " ولما يعلم الله "، وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ ، وما أشبه ذلك،

 بأدلته فيما مضى، بما أغنى عن إعادته. [ انظر تفسير"لنعلم فيما سلف 3: 158 – 162]

وقوله: " ويعلم الصابرين "، يعني: الصابرين عند البأس على ما ينالهم في ذات الله من جرح وألم ومكروه.

وقال ابن عاشور : أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ

{ أم } هنا منقطعة ، هي بمعنى ( بل ) الانتقالية ، لأنّ هذا الكلام انتقال من غرض إلى آخر ، وهي إذا استعملت منقطعة تؤذن بأنّ ما بعدها استفهام ، لملازمتها للاستفهام ، حتَّى قال الزمخشري والمحقّقون : إنَّها لا تفارق الدلالة على الاستفهام بعدها ، وقال غيره : ذلك هو الغالب وقد تفارقه ، واستشهدوا على مفارقتها للاستفهام بشواهد تقبل التَّأويل . فقوله : { أم حسبتم } عطف على جملة { ولا تهنوا } [ آل عمران : 139 ] وذلك أنَّهم لمّا مسّهم القرح فحزنوا واعتراهم الوهن حيث لم يشاهدوا مثل النَّصر الَّذي شاهدوه يوم بدر ، بيّن الله أنّ لا وجه للوهن للعلل الَّتي تقدّمت ، ثُمّ بيّن لهم هنا : أن دخول الجنَّة الَّذي هو مرغوبهم لا يحصل إذا لم يبذلوا نفوسهم في نصر الدّين فإذا حسبوا دخول الجنَّة يحصل دون ذلك ، فقد أخطأوا .

والاستفهام المقدّر بعد ( أم ) مستعمل في التَّغليط والنَّهي ، ولذلك جاء ب ( أم ) للدلالة على التغليط : أي لا تحسبوا أن تدخلوا الجنَّة دون أن تجاهدوا وتصبروا على عواقب الجهاد .

وعقّب هذا النفي بقوله : { ويعلم الصابرين } معطوفاً بواو المعية فهو في معنى المفعول معه ، لتنتظم القيود بعضها مع بعض ، فيصير المعنى : أتحسبون أن تدخلوا الجنَّة في حال انتفاء علم الله بجهادكم مع انتفاء علمه بصبركم ، أي أحسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يجتمع العلمان . والجهاد يستدعي الصّبر ، لأنّ الصّبر هو سبب النَّجاح في الجهاد ، وجالب الانتصار ، وقد سئل عليّ عن الشَّجاعة ، فقال : صبر ساعة .

وقال زفر بن الحارث الكلابي ، يعتذر عن انتصار أعدائهم عليهم. ... سَقَيْنَاهُمُ كأْساً سَقَوْنا بمثلها

ولكنَّهم كانُوا على الموْتتِ أصبرا ... وقد تسبّب في هزيمة المسلمين يومَ أُحُد ضعفُ صبر الرماة ، وخفّتهم إلى الغنيمة ، وفي الجهاد يُتطلّب صبر المغلوب على الغلب حتَّى لا يهن ولا يستسلم .

الأنترنت – موقع { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ ٱلصَّٰبِرِينَ : }

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

 الستون في موضوع(الحسيب)وهي بعنوان:

*{وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }78 آل عمران

قال ابن كثير في تفسيره :

يخبر تعالى عن اليهود عليهم لعائن اللّه، أن منهم فريقاً يحرفون الكلم عن مواضعه، ويبدلون كلام اللّه ويزيلونه عن المراد به، ليوهموا الجهلة أنهم في كتاب اللّه كذلك، وينسبونه إلى اللّه وهو كذب على اللّه، وهم يعلمون من أنفسهم أنهم قد كذبوا وافتروا في ذلك كله، ولهذا قال تعالى: { ويقولون على اللّه الكذب وهم يعلمون} ، قال مجاهد والحسن: { يلوون ألسنتهم بالكتاب} يحرفونه، وهكذا روى البخاري عن ابن عباس أنهم يحرفون ويزيلون، وليس أحد من خلق اللّه يزيل لفظ كتاب من كتب اللّه، لكنهم يحرفونه يتأولونه على غير تأويله.

وقال الطبري في تفسيره : يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَإِنَّ مِنْ أَهْل الْكِتَاب , وَهُمْ الْيَهُود الَّذِينَ كَانُوا حَوَالَيْ مَدِينَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , عَلَى عَهْده مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل . وَالْهَاء وَالْمِيم فِي قَوْله : { مِنْهُمْ } عَائِدَة عَلَى أَهْل الْكِتَاب الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ فِي قَوْله : { وَمِنْ أَهْل الْكِتَاب مَنْ إِنْ تَأْمَنهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْك } . وَقَوْله : { لَفَرِيقًا } يَعْنِي : جَمَاعَة { يَلْوُونَ } يَعْنِي : يُحَرِّفُونَ { أَلْسِنَتهمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنْ الْكِتَاب } يَعْنِي : لِتَظُنُّوا أَنَّ الَّذِي يُحَرِّفُونَهُ بِكَلَامِهِمْ مِنْ كِتَاب اللَّه وَتَنْزِيله , يَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : وَمَا ذَلِكَ الَّذِي لَوَوْا بِهِ أَلْسِنَتهمْ , فَحَرَّفُوهُ وَأَحْدَثُوهُ مِنْ كِتَاب اللَّه , وَيَزْعُمُونَ أَنَّ مَا لَوَوْا بِهِ أَلْسِنَتهمْ مِنْ التَّحْرِيف وَالْكَذِب وَالْبَاطِل فَأَلْحَقُوهُ فِي كِتَاب اللَّه مِنْ عِنْد اللَّه , يَقُول : مِمَّا أَنْزَلَهُ اللَّه عَلَى أَنْبِيَائِهِ , وَمَا هُوَ مِنْ عِنْد اللَّه , يَقُول : وَمَا ذَلِكَ الَّذِي لَوَوْا بِهِ أَلْسِنَتهمْ , فَأَحْدَثُوهُ مِمَّا أَنْزَلَهُ اللَّه إِلَى أَحَد مِنْ أَنْبِيَائِهِ , وَلَكِنَّهُ مِمَّا أَحْدَثُوهُ مِنْ قِبَل أَنْفُسهمْ , اِفْتِرَاء عَلَى اللَّه . يَقُول عَزَّ وَجَلَّ : { وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّه الْكَذِب وَهُمْ يَعْلَمُونَ } يَعْنِي بِذَلِكَ : أَنَّهُمْ يَتَعَمَّدُونَ قِيلَ الْكَذِب عَلَى اللَّه , وَالشَّهَادَة عَلَيْهِ بِالْبَاطِلِ , وَالْإِلْحَاق بِكِتَابِ اللَّه مَا لَيْسَ مِنْهُ طَلَبًا لِلرِّيَاسَةِ وَالْخَسِيس مِنْ حُطَام الدُّنْيَا . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي مَعْنَى : { يَلْوُونَ أَلْسِنَتهمْ بِالْكِتَابِ }

قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 5764 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتهمْ بِالْكِتَابِ } قَالَ : يُحَرِّفُونَهُ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 5765 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتهمْ بِالْكِتَابِ } حَتَّى بَلَغَ : { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } هُمْ أَعْدَاء اللَّه الْيَهُود حَرَّفُوا كِتَاب اللَّه وَابْتَدَعُوا فِيهِ , وَزَعَمُوا أَنَّهُ مِنْ عِنْد اللَّه . 5766 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , مِثْله . 5767 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتهمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنْ الْكِتَاب } وَهُمْ الْيَهُود كَانُوا يَزِيدُونَ فِي كِتَاب اللَّه مَا لَمْ يُنَزِّل اللَّه . 5768 - عَنْ اِبْن جُرَيْج : { وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتهمْ بِالْكِتَابِ } قَالَ : فَرِيق مِنْ أَهْل الْكِتَاب يَلْوُونَ أَلْسِنَتهمْ , وَذَلِكَ تَحْرِيفهمْ إِيَّاهُ عَنْ مَوْضِعه . وَأَصْل اللَّيّ : الْفَتْل وَالْقَلْب , مِنْ قَوْل الْقَائِل : لَوَى فُلَان يَد فُلَان : إِذَا فَتَلَهَا وَقَلَبَهَا , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : لَوَى يَده اللَّه الَّذِي هُوَ غَالِبه يُقَال مِنْهُ : لَوَى يَده وَلِسَانه يَلْوِي لَيًّا , وَمَا لَوَى ظَهْر فُلَان أَحَد : إِذَا لَمْ يَصْرَعهُ أَحَد , وَلَمْ يَفْتِل ظَهْره إِنْسَان , وَإِنَّهُ لَأَلْوَى بَعِيد الْمُسْتَمَرّ : إِذَا كَانَ شَدِيد الْخُصُومَة صَابِرًا عَلَيْهَا لَا يُغْلَب فِيهَا

[الأنترنت – موقع {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } 78 آل عمران]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

 الواحدة والستون في موضوع ( الحسيب ) وهي بعنوان:

  عـظــات وعـبـرفي حياة النبي زكريا عليه السلام 

    جاء ذكر النبي زكريا عليه السلام في عدة سور في التنزيل الحكيم من بينها آل عمران، الأنعام، مريم، والأنبياء. هو نبي من أنبياء بني إسرائيل، ويتسلسل نسبه حتى يصل إلى نبي الله سليمان بن داوود عليه السلام. كما يرتبط زكريا عائليا مع نبي الله عيسى عليه السلام حيث إنَّ زوجته هي إيشاع بنت فاقوذ ابن قبيل أخت حنّة بنت فاقوذا، وحنّة هي زوجة عمران والد مريم، وبالتالي تكون زوجة زكريا هي خالة مريم.

ذكر الله زكريا ضمن جملة من الأنبياء المهديين المصطفين وجعله من الصالحين فقال جل شأنه «وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ(85)» الأنعام، وقد نال عليه السلام من ربه مرتبة العبودية لله سبحانه وتعالى عندما شهد الله له بهذا المقام في قوله تعالى «ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا(2)» مريم، فكان عليه السلام كثير الدعاء والعبادة لله والمسارعة في بذل الخيرات وقد أثنى الله عليه بقوله عنه وعن عائلته «.... إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ(90)» الأنبياء.

أكرم الله زكريا بأن وهبه ولدا اصطفاه نبيا وجعله من الصالحين، وقد أعطى الله لهذا الولد اسما لم يطلق مثله على أحد من قبل، عندما بشره الله بأن هذا الولد سيكون مباركًا له ورحمة لزوجته «يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسمهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا(7)» مريم، كما منحه الله صفات ورد ذكرها في آية واحدة في قوله تعالى «فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ(39)» آل عمران، لقد أنعم الله على يحيى ابن زكريا الحكمة قبل أن يبلغ الرشد، هذا ما جاء ذكره في القرآن الحكيم «يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا(12)» مريم، كما وهبه الله الحنان وتزكية النفس وجعله تقيا، وذلك بقوله تعالى «وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا(13)» مريم.

أكرم الله يحيى عليه السلام بأن جعله بارا بوالديه بعد أن حماه من التجبر والعصيان، فقال جل شأنه عنه «وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا(14)» مريم، كما أسبغ عليه نعمة السلام منذ ولادته وحتى موته وبعثه، فقال تعالى «وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15)» مريم.

عاش نبي الله زكريا عليه السلام حياته من دون أن يرزق بالذرية حتى بلغ به الكبر مبلغا، وقد وهن العظم منه واشتعل رأسه شيبا، وكان هذا الوصف الدقيق المعبر قد جاء ترتيله في التنزيل الحكيم في قوله تعالى «ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا(2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا(3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا(4)» مريم، كانت امرأة زكريا عاقرا لا تنجب وهي من أسرة طاهرة اصطفاها الله فيمن اصطفى على العالمين، فهي أخت زوجة عمران والدة مريم، وكان عمران من كبار الربانيين الذين كانوا يخدمون الهيكل فكان إمامهم ورئيسهم والكاهن الأكبر فيهم. وقد جاءت إحدى سور القرآن باسم آل عمران فقال فيها سبحانه وتعالى «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إبراهيم وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ(33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(34)» آل عمران.

بعد ولادة امرأة عمران بمريم استعاذت من الشيطان الرجيم، وقالت

 مخاطبة ربها «.... وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ(36)» آل عمران، فتقبل الله مريم وأنبتها نباتا حسنا وجعل نشأتها في طاعته وعبادته «فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا....» آل عمران/37، أقبل القوم يتهافتون على مريم كل واحد منهم يريد أن يحظى بشرف كفالتها والإنفاق عليها والتعهد بخدمتها ورعاية شؤونها «.... وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44)» آل عمران، فاتفق القوم على إجراء قرعة فيما بينهم لتحديد وتعيين من يكفل مريم، فكانت الكفالة من نصيب زوج خالتها زكريا عليه السلام «.... وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا....» آل عمران/37.

نشأت مريم منذ صغرها في بيت الطاعة والعبادة لله سبحانه وتعالى تصلي في المحراب وقد أنبتها الله نباتا حسنا، بعد أن صفت روحها الطاهرة إلى بارئها وكانت الملائكة تحفها من كل جانب ترعى شأنها وتحرسها من كل أذى قادم لها حتى ارتفعت بروحها إلى درجة ملائكية عالية ظهرت عليها، وكلما زارها زكريا وجد عندها الرزق الوفير «.... كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا....» آل عمران/37،

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

 الثانية والستون في موضوع ( الحسيب ) وهي إستكمالا للماضية والتي بعنوان:  عـظــات وعـبـرفي حياة النبي زكريا عليه السلام 

في الوقت الذي كان فيه زكريا يحمل بين يديه الطعام إليها فيجد بين يديها طعاما فيسألها «.... قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ(37)» آل عمران، وفي هذه اللحظة وعند سماعه قول مريم ورأى طيبتها وصلاحها وتقواها وعبادتها المتواصلة لله الواحد الأحد الذي يرزق من يشاء من عباده الصالحين بغير حساب، تأثر عليه السلام من قولها وانتابته قشعريرة إيمانية وروح تفاؤلية فتذكر الخلفة وتمنى أن يكون له الولد، فتوجه ضارعا إلى الله ليرزقه بالخلفة الصالحة كما يرزق مريم بغير حساب «هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ....» آل عمران/38، فماذا كان دعائه لربه؟ دعاه بنداء خفي في بضع كلمات جاءت في سورة آل عمران على النحو التالي «إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا(3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا(4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا(5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا(6)» مريم، ثم زاد من تضرعه وخشوعه لخالقه فقال «.... رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ(89)» الأنبياء، وكان كل أمله أن يهبه الله الذرية الطيبة الصالحة عندما تضرع إليه بقوله «.... قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ(38)» آل عمران.

استجاب الله لدعاء نبيه زكريا وأرسل إليه الملائكة تبشره بيحيى «فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى....» آل عمران/39، فاطمأن زكريا لبشارة ربه وأيقن أن المولود سيكون غلاما لأنّ اسمه سيكون يحيى «يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسمهُ يَحْيَى....» مريم/7، وسيكون من الذرية الصالحة، وسيحمل هذا الغلام صفات طيبة من بينها أن اسمه سيكون الأول من نوعه حيث لا مولود قبله سُمّي بهذا الاسم «.... لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا(7)» مريم، كما سيكون مصدّقا من الله «مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ.....» آل عمران/39، وسيكون سيدا «.... وَسَيِّدًا....» آل عمران/39، وحصورا «.... وَحَصُورًا....» آل عمران/39، وأخيرا سيكون نبيا ومن الصالحين «.... وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ(39)» آل عمران.[الأنترنت – موقع العـظـــات والـعـبـــرفي حياة النبي زكريا عليه السلام  - بقلم: حسن علي البنفلاح]

  وأيضاً من الفوائد على الآ ية : (...قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (37) آل عمران

وقوله تعالى : (وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (212) البقرة

وقوله تعالى : (وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (38) النور

وروى الحاكم في المستدرك بسند صحيح (عن ابن عباس رضي الله عنهما : في قوله عز و جل : { إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا } آل عمران 35، وتلا إلى قول : { وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا } آل عمران 37،

قال : كفلها زكريا فدخل عليها المحراب فوجد عندها عنبا في مكتل في غير حينه قال زكريا : أنى لك هذا ؟ قالت : (هو من عند الله إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) قال : إن الذي يرزقك العنب في غير حينه لقادر أن يرزقني من العاقر الكبير العقيم ولدا

{ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ } فلما بشر بيحيى {قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا } قال : يعتقل لسانك من غير مرض و أنت سوي )

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

 الثالثة والستون في موضوع ( الحسيب ) وهي بعنوان: 

   من أقوال العلماء والمفسرين في قوله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) :

قال الطبري : { إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }، فخبرٌ من الله أنه يسوق إلى من يشاء من خلقه رزقَه، بغير إحصاء ولا عدد يحاسب عليه عبدَه. لأنه جل ثناؤه لا ينقصُ سَوْقُه ذلك إليه كذلك خزائنَه، ولا يزيدُ إعطاؤه إياه، ومحاسَبته عليه في مُلكه، وفيما لديه شيئًا، ولا يعزب عنه علمُ ما يرزقه، وإنما يُحاسب مَنْ يعطي مَا يعطيه، مَنْ يخشى النقصانَ من ملكه، ودخولَ النفاد عليه بخروج ما خرج من عنده بغير حساب

معروف، ومن كان جاهلا بما يعطى على غير حساب ) .

وقيل : {إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} :أي: عطاء الله لا يدخل تحت عد أو حصر ، فهو بغير حساب أي لا يتناهى ،كما في قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ} (54) ص

وقيل :{ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }. أي: لا يحسب ما يعطي لأنه لا يخاف نفادها عنده، فيحتاج إلى حساب ما يخرج منه، لأن المعطي إنما يحاسب ليعلم مقدار ما يعطي وما يبقي، فلا يتجاوز في عطاياه إلى ما يجحف به، والله لا يحتاج إلى الحساب، لأنه عالم غني لا نهاية لمقدوراته. (الرازي) فتكون الآية مشيرة على الغنى المطلق.

وقيل : { إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } أي: أن بعضها ثواب وبعضها تفضيل محض، فهو بغير حساب،(أبو حيان). فتكون الآية مشيرة إلى كرم الله : فهو يعطي مقابل الشيء عدلا ويزيد ما لا مقابل له تفضلا

وقيل : { إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }. أي: يرزق من يشاء ولا يحاسب نفسه على كثرة ما أعطى لأنه كريم. أو: لا يحاسبه أحد على فعله ولا يوجد من يحاسبه لأنه هو العلي الأعلى ، قال تعالى : { لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} الانبياء (23) . فتكون الآية مشيرة إلى الربوبية المطلقة.

وقيل :{ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }. يعني أنه يعطي في الدنيا من يشاء من غير أن يكون ذلك منبئاً عن كون المعطي محقاً أو مبطلاً أو محسناً أو مسيئاً وذلك متعلق بمحض المشيئة، فقد وسع الله الدنيا على قارون، وضيقها على أيوب عليه السلام، فلا يجوز لكم أيها الكفار أن تستدلوا بحصول متاع الدنيا لكم وعدم حصولها لفقراء المسلمين على كونكم محقين وكونهم مبطلين، بل الكافر قد يوسع عليه زيادة في الاستدراج، والمؤمن قد يضيق عليه زيادة في الابتلاء والامتحان، ولهذا قال تعالى: { وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَـنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مّن فِضَّةٍ } [الزخرف: 33] (الرازي)

فتكون الآية تقريرا لقاعدة الأرزاق في الدنيا وأن نظامها لا يجري على حسب ما عند المرزوق من استحقاق بعلمه أو عمله، بل تجري وفقا لمشيئته وحكمته سبحانه في الابتلاء وفي ذلك ما فيه من التسلية لفقراء

المؤمنين ومن الهضم لنفوس المغرورين من المترفين

وقيل : { إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }. أي :طائفة من الموحدين الذين يدخلهم الله الجنة بدون حساب وهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب كما في البخاري « هُمُ الَّذِينَ لاَ يَتَطَيَّرُونَ ، وَلاَ يَسْتَرْقُونَ ، وَلاَ يَكْتَوُونَ ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ »

وقيل :{ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }. أي: من حيث لا يحتسب كما يقول الرجل إذا جاءه ما لم يكن في تقديره: لم يكن هذا في حسابي، فعلى هذا الوجه يكون معنى الآية: أن هؤلاء الكفار وإن كانوا يسخرون من الذين آمنوا لفقرهم، فالله تعالى قد يرزق من يشاء من حيث لا يحتسب، ولعله يفعل ذلك بالمؤمنين، قال القفال رحمه الله:

وقد فعل ذلك بهم فأغناهم بما أفاء عليهم من أموال صناديد قريش ورؤساء اليهود، وبما فتح على رسوله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته على أيدي أصحابه حتى ملكوا كنوز كسرى وقيصر. (الرازي)

 

فقوله تعالى:{ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }..فيها من المعاني أيضا بغير حساب :

وهذه الآية الكريمة تحتمل أيضا أن يكون المراد بها رزق الآخرة أيضاً .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

 الرابعة والستون في موضوع ( الحسيب ) وهي بعنوان:

معنى الآية على رزق الآخرة :

فإذا حملنا معنى الآية على رزق الآخرة احتمل المراد منها وجوهًا ، ومنها :

1– أن الله سبحانه وتعالى يرزق عباده المؤمنين في الآخرة رزقًا رغدًا واسعًا، لا فناء له ولا انقطاع، قال تعالى:

{فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} [غافر: 40] أي بدون تقدير ولا عدّ؛ لأن كل ما دخل تحت التقدير والعدّ والحساب متناه. وما لا يكون متناهيًا كان لا محالة خارجًا عن الحساب.

2– ويعطي الله المؤمن في الآخرة من النعيم أكثر مما يستحق أو يحسبه، كقوله تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّـهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [ الطلاق 2-3] أي بغير احتساب من المرزوقين، ويرزقه من حيث لا يتوقع الرزق.

3– أن المنافع الواصلة إليهم في الجنة بعضها ثواب وبعضها بفضل من الله، كما في قوله: {فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ} [النساء : 173] فالفضل منه بلا حساب.

4– وأن ثواب أهل الجنة ليس بمقدار أعمالهم؛ لأنه لو كان بمقدار أعمالهم لكان بحساب.

وإذا دققنا النظر في آيات الرزق في القرآن الكريم ، نلاحظ أن الله سبحانه وتعالى قد ربط الرزق بأشياء أساسية ، ومنها :

 أولا : ارتبط الرزق بمشيئة الله تعالى ، فقال سبحانه :(اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ ) الرعد 26 ،وقال تعالى : (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) الشورى 19

ثانيا : ربط الله الرزق بالتقوى ، قال تعالى : (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ

 مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ) الطلاق 2، 3 . وجميع الآيات التي تحدثت عن الرزق ربطت الرزق بالله تعالى مباشرة ، أي أن الله هو الذي يرزق فقط ، مهما اختلفت الأسباب ، لأنه هو مسبب الأسباب

وفي قوله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) ، بقيت طلاقة القدرة لتلفت الناس إلى أن الذي خلق الأسباب لا تقيده هذه الأسباب في قدرته ،وإنه يفعل ما يشاء ، عندما يشاء ، وقتما يشاء . ولذلك نجد إنسانا يعمل قليلا ومع ذلك فرزقه وفيرا ، وإنسانا ضعيفا ينتصر بقدرة الله على إنسان قوي.. وتلك ليست القاعدة ..فالقاعدة هي الأسباب .. ولكن طلاقة القدرة .. تأتي بشكل ظاهر لتلفت الناس إلى قوة الله وقدرته

ولذلك قال الله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) ..ولم يقل سبحانه وتعالى أرزق كل الناس بغير حساب .. لأن كل رزق على قدر ما أتاحه الله من الأسباب من علم ،وجهد ، و..ولكن هناك المشيئة .. أو طلاقة القدرة .. تعطي بغير حساب .. أو بغير أسباب

والسؤال : لماذا أبقى الله سبحانه وتعالى طلاقة القدرة في الكون ولم يتركه يتفاعل بالأسباب وحدها ؟

والاجابة : أن الأسباب .. أو المعطيات المادية .. تعطينا ظاهر الحياة .. وتنظم سيرها العادي .. ولكن إبقاء هذه الأسباب وحدها فيه بعيد عن الله سبحانه وتعالى ..ذلك أن الله قد مكن بعض خلقه من الأسباب في الأرض .. ليسير الكون وتمضي الحياة ..

وأبقى سبحانه على الرزق بغير حساب حتى لا يغتر الانسان بأسبابه وينسب الرزق إليها وينسى الله خالق الأسباب ، وهذا ما قال به قارون عن كثرة ماله ، فقال الله تعالى على لسانه : (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ) القصص 78،وفي الوقت الذي نؤمن فيه يقينا (وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) ، ومع ذلك فعلى المؤمن أن يعمل بالأسباب ، فالله سبحانه وتعالى هو القائل في محكم آياته ،(هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) (15) الملك وقال تعالى : (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (10) الجمعة

وقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (17) العنكبوت

فالرزق يحتاج إلى سعي وطلب عملا بالأسباب، وكذلك دعاء من بيده الرزق ، وتوكل على الله، فالجوارح تعمل بالأسباب ، والقلوب تتوكل على الله مسبب الأسباب

وفي مسند أحمد أنه(صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصاً وَتَرُوحُ بِطَاناً »،وإذا تخلف الرزق فإن السبب تخلف شيء من أسبابه.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

 الخامسة والستون في موضوع ( الحسيب ) وهي بعنوان:

آداب تُلازم العبد في طلبه للرزق ، ومنها :

1-أن يعلم العبد يقينا أن الرزق بيد الله وينزله بحكمة على من يشاء من عباده قال تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ

يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا) (30) الاسراء وفي سنن البيهقي وغيره (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« لاَ تَسْتَبْطِئُوا الرِّزْقَ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَبْدٌ يَمُوتُ حَتَّى يَبْلُغَهُ آخِرُ رِزْقٍ هُوَ لَهُ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ مِنَ الْحَلاَلِ وَتَرْكِ الْحَرَامِ ».

2-ومن الآداب : أن ينظر العبد إلى من هو دونه في الرزق ، ففي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-« انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلاَ تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لاَ تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ »

3-ومن الآداب : أن يبذل الإنسان ما في وسعه من الأسباب، ويعلم أن كثرة الرزق ليست دليلا على حب الله لعبده ، ولا قلته دليلا بغضه إياه ، بل ربما كان حظ الكافر أكثر من حظ المؤمن، فلا يعترض المؤمن ، قال تعالى : (فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا) (20) الفجر

4-وفي مسند أحمد ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم (وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُعْطِى الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لاَ يُحِبُّ وَلاَ يُعْطِى الدِّينَ إِلاَّ لِمَنْ أَحَبَّ فَمَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ الدِّينَ فَقَدْ أَحَبَّهُ ) [الأنترنت – موقع الخطباء ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

 السادسة والستون في موضوع ( الحسيب ) وهي بعنوان:

المنح الإلهية لمريم ابنت عمران :

وضعت امرأة عمران طفلتها الصغيرة المنذورة وقد سمتها مريم أي العابدة لتكون العبادة وظيفتها وديدنها وعلى الفور أرسلتها لبيت المقدس وفاءا لنذرها وقدمتها هدية طيبة بها نفسها بين يدي ربها فليس لها فيها شيء فقد وهبتها كلها لله في المقابل قبل الله منها هذه الهدية وأفاض عليها من خزائن رحمته ثلاث منح إلهية بعد ولادتها عبرت عنها أداة العطف الفاء التي تعني السرعة والمقاربة يقول تعالي "فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37) آل عمران. وبعد أن كبرت  أفاض عليها ثلاث منح أخري سنتناولها فيما بعد وحقا لقد كانت مولودة فريدة وعجيبة في ولادتها وفي نشأتها وفي حياتها لنري ذلك .

المنحة الأولى :- القبول الإلهي :-

يقول تعالي "فتقبلها ربها بقبول حسن " وللعلماء مباحث لغوية في تخريج هذه العبارة فلماذا لم يقل تقبلها ربها تقبلا حسنا إذا كانت قبولا مفعولا مطلقا ولهم فيها مشارب عديدة لا أري الخوض فيها الآن بل يحسن ان نتلمس آثارها الاجتماعية في النشأة الأولي لمريم  فالإنسان عند ولادته يولد في غاية الضعف لا يد تبطش ولا رجل تسعي ولا سن تقطع و الله من رحمته يعوض ضعفه هذا بقبول يلقيه في قلب أبويه فلا ينامان حتى ينام ولا يشبعان حتي يشبع رحمة من الله وفضل وهذه المولودة الصغيرة خرجت من حضن أمها فالقي الله قبولها ومحبتها لا في قلب أمها فقط بل في قلوب كل من أحاطوا بها أو شاهدوها فما أن يلقي احد نظره عليها إلا ويتعلق بها تعلق الأم بمولودها وأكثر وهذا هو القبول الحسن لمريم بين العالمين لقد تلهف كبار بني إسرائيل من أحبار ورهبان إلى هذه المولودة يريد كل منهم أن يتكفل برعايتها ويصور القران الكريم هذه الحالة بقوله " ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44) آل عمران. تأمل قوله تعالي " يختصمون" في ما ذا يختصمون ؟ يختصمون أيهم يكفل مريم ؟!!! لم يستطيعوا حسم هذه الخصومة إلا بالاقتراع " يلقون أقلامهم" وهذه طريقة من طرق القرعة فوقعت القرعة على نبي كريم هو زكريا .

المنحة الثانية :- وأنبتها نباتا حسنا:-

الإنسان عموما ينموا كالنبات يبدأ بالضعف ثم من بعد الضعف قوة ثم من بعد القوة ضعفا وشيبة والله يقول عن الإنسان عموما " والله أنبتكم من الأرض نباتا " لكن وفي حالة مريم  وصف إنباتها بالحسن فيمكن لنا ان نتصور النبتة الصغيرة وهي تنمو رويدا رويدا وفي كل يوم تزداد شيئا جميلا ورقة خضراء أو ساقا قوية او زهرة يانعة نشأت مريم في ظلال هذه المنحة كذلك فبدت جميلة في كل شيء في خلقتها وفي خُلقها مبرأة من العيوب في بدنها زاكية النفس طاهرة القلب هذا هو النبات الحسن

المنحة الثالثة :- وكفلها زكريا

أصحاب البيوت الراقية يختارون لأبنائهم أفخم المدارس وأكفأ المربين ولان مريم أصبحت في عهدة ربها فقد اختار لرعايتها والقيام بشأنها نبيا من أنبيائه وهل هناك في البشر من هو ارقي من الأنبياء ؟ واختار لها أفخم مكان في الأرض وهو المحراب فاطهر بقعة في الأرض هي المسجد وارقي ما في المسجد هو المحراب يقول تعالي" وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37)آل عمران .و"كفلها" قرئت بتخفيف الفاء وبتشديدها فقرأ الجمهور بتخفيف الفاء أي تولى كفالتها ، وقرأ حمزة ، وعاصم ، والكسائي ، وخلف " وكفلها" ، بتشديد الفاء أي أن الله جعل زكريا كافلا لها ، فعلي التخفيف يكون زكريا في محل رفع فاعل أي أن زكريا هو الذي طلب أن يكفلها وعلى التشديد يكون زكريا في محل نصب مفعول به ثاني أي أن الله ألزم زكريا بكفالتها ونظرا لان القراءتين في الآية كالآيتين كما يقول علماء القرآن فان الذي حدث هو أن زكريا طلب مع من طلب من كبراء بني إسرائيل كفالة مريم والله هو الذي الزم زكريا بكفالتها وكان  كلما دخل عليها وجد عندها رزقا وقد اشتهر القول بأنه كان يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف وليس في الآية ما يدل على ذلك وليس هناك رواية صحيحة بذلك واختزال الرزق في انه كان يجد فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف هو تقليل لما أراد الله له التكثير فقد جاءت كلمة رزق نكرة للدلالة على كثرته وفخامته ،كقوله تعالى : (...إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ) ((سورة الأعراف ٧/ ١١٣)) ومنه قول العرب : إن له لإبلاً , وإن له غنماً أي ابل كثيرة وغنم كثيرة . وترك كلمة رزق كما هي في الاية دون تحديد تعني الكثير ففكل مرة يدخل عليها زكريا المحراب يجد رزقا مختلفا عما رآه من قبل رزق كثير ومتنوع وشامل رزق مادي ومعنوي الى ابعد الحدود انه العطاء الالهي اللا محدود وكما قالت مريم  عندما سالها زكريا " ان الله يرزق من يشاء بغير حساب

إن هذه الألطاف والمنح الإلهية التي أحاطت بمريم كانت استجابةً لدعاء أمها الصالحة " فتقبل مني " وقابل تضحيتها بمولودتها بعطاء بلا حدود وألطاف إلهية واسعة وشاملة جعلت من مريم آية للعالمين وقد حدث ذلك مع آل إبراهيم كما رأينا وهو درس لنا ليفتح كل منا قلبه لله ويسلم أمر أولاده وأمواله وشئونه لله ويقف فيهم عند حدود ربه, ويكل إليه رعايتهم فيتولى الله رعايتهم وينبتهم النبات الحسن ويتقبلهم القبول الحسن ويعيذهم من الشيطان الرجيم فإن الله قد تكفّل لعباده المؤمنين باستجابة دعائهم بما فيه المصلحة لهم، الأمر الذي يدفعنا إلى أن نلجأ إليه في كل ما يتعلق بحياتنا وحياة أولادنا. وفي الحلقة القادمة ننتقل إلى المنح والألطاف الإلهية لمريم  بعد أن كبرت.

[الأنترنت – موقع ملتقى أهل الحديث - تأملات وعبر من قصة آل عمران في القران(6)" المنح الإلهية لمريم ابنت عمران - ابو العزايم عبد الحميد ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

 السابعة والستون في موضوع ( الحسيب ) وهي بعنوان:

{ لِّلَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ ۗ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِىٓ أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ ٱللَّهُ ۖ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ ۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ} :

   ورد في التفسير الميسر : لله ملك السماوات والأرض وما فيهما ملكًا وتدبيرًا وإحاطة، لا يخفى عليه شيء. وما تظهروه مما في أنفسكم أو تخفوه فإن الله يعلمه، وسيحاسبكم به، فيعفو عمن يشاء، ويؤاخذ من يشاء. والله قادر على كل شيء، وقد أكرم الله المسلمين بعد ذلك فعفا عن حديث النفس وخطرات القلب ما لم يتبعها كلام أو عمل، كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال السعدى : هذا إخبار من الله أنه له ما في السماوات وما في الأرض، الجميع خلقهم ورزقهم ودبرهم لمصالحهم الدينية والدنيوية، فكانوا ملكا له وعبيدا، لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، وهو ربهم ومالكهم الذي يتصرف فيهم بحكمته وعدله وإحسانه، وقد أمرهم ونهاهم وسيحاسبهم على ما أسروه وأعلنوه، { فيغفر لمن يشاء } وهو لمن أتى بأسباب المغفرة، ويعذب من يشاء بذنبه الذي لم يحصل له ما يكفره { والله على كل شيء قدير } لا يعجزه شيء، بل كل الخلق طوع قهره ومشيئته وتقديره وجزائه

    وقال الطنطاوي : وما دام الأمر كذلك فعليكم- أيها المؤمنون-

أن تبذلوا نهاية جهدكم في العمل الصالح الذي بين أيديكم إنما هو عارية مستردة، وأن المالك الحقيقي له إنما هو الله رب العالمين، فأنفقوا من هذا المال- الذي هو أمانة بين أيديكم- في وجوه الخير واجمعوه من طريق حلال، وكونوا من القوم العقلاء الصالحين الذين لم تشغلهم دنياهم عن أخراهم، بل كانوا كما قالوا: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ.

وقوله- سبحانه-: وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ بيان لشمول علم الله- تعالى- لما أظهره الإنسان أو أخفاه من أقوال وأعمال، وأنه سيحاسبه على ذلك بما يستحقه من خير أو شر.

والجملة الكريمة صريحة في أن الله- تعالى- يحاسب العباد على نياتهم وما تكسبه قلوبهم سواء أأخفوه أم أظهروه.

وقد بين المحققون من العلماء أن هذه المحاسبة إنما تكون على ما يعزم عليه الإنسان وينويه ويصر على فعله، سواء أنفذ ما اعتزم عليه أم حالت دونه حوائل خارجة عن إرادته: كمن عزم على السرقة واتخذ الوسائل لذلك ولكن لم يستطع التنفيذ لأسباب لم يتمكن معها من السرقة التي أصر عليها.

أما الخواطر النفسية التي تجول في النفس، وتعرض للإنسان دون أن يعزم على تنفيذها، فإنها ليست موضع مؤاخذة، بل إن التغلب عليها، وكفها بعد مكافحتها يجعله أهلا للثواب.

ففي الصحيحين عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قال الله- تعالى-: إذا هم عبدى بسيئة فلا تكتبوها عليه فإن عملها فاكتبوها سيئة، وإذا هم بحسنة فلم يعملها فاكتبوها حسنة، فإن عملها فاكتبوها عشرا .

وروى الجماعة في كتبهم عن أبى هريرة قال، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إن الله تجاوز لي عن أمتى ما وسوست به صدورها ما لم تعمل أو تتكلم» .

قال الفخر الرازي: الخواطر الحاصلة في القلب على قسمين: فمنها ما يوطن الإنسان نفسه عليه ويعزم على إدخاله في الوجود، ومنها ما لا يكون كذلك، بل تكون أمورا خاطرة بالبال مع أن الإنسان يكرهها ولكنه لا يمكنه دفعها عن النفس.

فالقسم الأول يكون مؤاخذا به.

والثاني لا يكون مؤاخذا به، ألا ترى إلى قوله- تعالى-: لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

 الثامنة والستون في موضوع ( الحسيب ) وهي بعنوان:

{ لِّلَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ ۗ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِىٓ أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ ٱللَّهُ ......}

وقال الآلوسى: المؤاخذة على تصميم العزم على إيقاع المعصية في الأعيان وهو من الكيفيات النفسانية التي تلحق بالملكات، وليس كذلك سائر ما يحدث في النفس- أى من خواطر لا تصميم ولا عزم معها- قال بعضهم:

مراتب القصد خمس هاجس ذكروا ... فخاطر فحديث النفس فاستمعا

يليه هم فعزم كلها رفعت ... سوى الأخير ففيه الأخذ قد وقعا

وقوله- تعالى-: فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء» بيان لنتيجة المحاسبة التي تكون من الخالق- عز وجل- لعباده.

أى: أنه- سبحانه- بمقتضى علمه الشامل، وإرادته النافذة، يحاسب عباده على ما أسروه وما أعلنوه من أقوال وأعمال، فيغفر بفضله لمن يشاء أن يغفر له، ويعذب بعدله من يشاء أن يعذبه، لا راد لمشيئته ولا معقب لحكمه.

وقوله: فَيَغْفِرُ ويعذب، قرأه عاصم وابن عامر ويعقوب وأبو جعفر برفع الراء والباء على الاستئناف أى فهو يغفر. وقرأ الباقون بإسكانهما عطفا على جواب الشرط وهو قوله: يُحاسِبْكُمْ.

وقوله: وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ تذييل مقرر لمضمون ما قبله فإن كمال قدرته- سبحانه- على جميع الأشياء موجب لقدرته على ما سبق ذكره من المحاسبة لعباده، وإثابة من يشاء إثابته وتعذيب من يشاء تعذيبه، فهو القاهر فوق عباده، وهو الحكيم الخبير.

ثم ختم- سبحانه- سورة البقرة بآيتين كريمتين في أولاهما أن رسالة النبي صلّى الله عليه وسلّم امتداد للرسالات السماوية السابقة وخاتمة لها ومهيمنة عليها، وبين في الثانية أنه- سبحانه- لم يكلف الناس إلا بما في قدرتهم، وأنهم سيحاسبون على أعمالهم، وأن من شأن الأخيار أن يكثروا من التضرع إليه بخالص الدعاء. قال- تعالى-:

وقال البغوى :( لله ما في السماوات وما في الأرض ) مَلِكًا  وأهلها له عبيد وهو مالكهم  ( وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير ) اختلف العلماء في هذه الآية فقال قوم: هي خاصة ثم اختلفوا في وجه[خصوصها] فقال بعضهم : هي متصلة بالآية الأولى نزلت في كتمان الشهادة أو تخفوا الكتمان يحاسبكم به الله وهو قول الشعبي وعكرمة وقال بعضهم : نزلت فيمن يتولى الكافرين دون المؤمنين يعني وإن تعلنوا ما في أنفسكم من ولاية الكفار أو تسروا يحاسبكم به الله وهو قول مقاتل كما ذكر في سورة آل عمران " لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين " إلى أن قال " قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله " ( 29 - آل عمران )

قال: اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بركوا على الركب فقالوا: أي رسول الله صلى الله عليه وسلم كلفنا من الأعمال ما نطيق: الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها قال رسول الله صلى الله عليه وسلمك أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا بل قولوا " سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير " فلما قرأها القوم وذلت بها ألسنتهم أنزل الله في أثرها " آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير "

فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى:" لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا " قال نعم " ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا " قال نعم " ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به " قال نعم " واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين " قال نعم"وفي رواية (وقال في كل ذلك: قد فعلت)

وروى بسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله عز وجل تجاوز عن أمتي ما وسوست به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به ".

وقال بعضهم الآية غير منسوخة لأن النسخ لا يرد على الأخبار إنما يرد على الأمر والنهي وقوله " يحاسبكم به الله " خبر لايرد عليه النسخ، ثم اختلفوا في تأويلها فقال قوم: قد أثبت الله تعالى للقلب كسباً فقال " بما كسبت قلوبكم " (225-البقرة) فليس لله عبد أسر عملاً أو أعلنه من حركة من جوارحه أو همسة في قلبه إلا يخبره الله به ويحاسبه عليه ثم يغفر ما يشاء ويعذب بما يشاء، وهذا معنى قول الحسن يدل عليه قوله تعالى {إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا {(36-الإسراء)

وقال الآخرون: معنى الآية أن الله عز وجل يحاسب خلقه بجميع ما أبدوا من أعمالهم أو أخفوه ويعاقبهم عليه، غير أن معاقبته على ما أخفوه مما لم يعملوه بما يحدث لهم في الدنيا من النوائب والمصائب والأمور التي يحزنون عليها وهذا قول عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية فقال: " يا عائشة هذه معاتبة الله العبد بما يصيبه من الحمى والنكبة حتى الشوكة والبضاعة يضعها في كمه فيفقدها فيروع لها حتى يخرج من ذنوبه كما يخرج التبر الأحمر من الكير ".

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

 التاسعة والستون في موضوع ( الحسيب ) وهي بعنوان:

{ لِّلَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ ۗ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِىٓ أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ ٱللَّهُ ......}

القرطبى : قوله تعالى : وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيه مسألتان :

الأولى : اختلف الناس في معنى قوله تعالى : وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله على أقوال خمسة :

( الأول ) أنها منسوخة ، قاله ابن عباس وابن مسعود وعائشة وأبو هريرة والشعبي وعطاء ومحمد بن سيرين ومحمد بن كعب وموسى بن عبيدة وجماعة من الصحابة والتابعين ، وأنه بقي هذا التكليف حولا حتى أنزل الله الفرج بقوله : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ....

 ( الثاني ) قال ابن عباس وعكرمة والشعبي ومجاهد : إنها محكمة

 مخصوصة ، وهي في معنى الشهادة التي نهى عن كتمها ، ثم أعلم في هذه الآية أن الكاتم لها المخفي ما في نفسه محاسب .

( الثالث ) أن الآية فيما يطرأ على النفوس من الشك واليقين ، وقاله مجاهد أيضا .

( الرابع ) أنها محكمة عامة غير منسوخة ، والله محاسب خلقه على ما عملوا من عمل وعلى ما لم يعملوه مما ثبت في نفوسهم وأضمروه ونووه وأرادوه ، فيغفر للمؤمنين ويأخذ به أهل الكفر والنفاق ، ذكره الطبري عن قوم ، وأدخل عن ابن عباس ما يشبه هذا .

روي عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قال : لم تنسخ ، ولكن إذا جمع الله الخلائق يقول : ( إني أخبركم بما أكننتم في أنفسكم ) فأما المؤمنون فيخبرهم ثم يغفر لهم ، وأما أهل الشك والريب فيخبرهم بما أخفوه من التكذيب ، فذلك قوله : يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وهو قوله عز وجل : ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم من الشك والنفاق . وقال الضحاك : يعلمه الله يوم القيامة بما كان يسره ليعلم أنه لم يخف عليه . وفي الخبر : ( إن الله تعالى يقول يوم القيامة هذا يوم تبلى فيه السرائر وتخرج الضمائر وأن كتابي لم يكتبوا إلا ما ظهر من أعمالكم وأنا المطلع على ما لم يطلعوا عليه ولم يخبروه ولا كتبوه فأنا أخبركم بذلك وأحاسبكم عليه فأغفر لمن أشاء وأعذب من أشاء ) فيغفر للمؤمنين ويعذب الكافرين ، وهذا أصح ما في الباب ، يدل عليه حديث النجوى على ما يأتي بيانه ، لا يقال : فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا به . فإنا نقول : ذلك محمول على أحكام الدنيا ، مثل الطلاق والعتاق والبيع التي لا يلزمه حكمها ما لم يتكلم به ، والذي ذكر في الآية فيما يؤاخذ العبد به بينه وبين الله تعالى في الآخرة . وقال الحسن : الآية محكمة ليست بمنسوخة . قال الطبري : وقال آخرون نحو هذا المعنى الذي ذكر عن ابن عباس ، إلا أنهم قالوا : إن العذاب الذي يكون جزاء لما خطر في النفوس وصحبه الفكر إنما هو بمصائب الدنيا وآلامها وسائر مكارهها . ثم أسند عن عائشة نحو هذا المعنى ، وهو ( القول الخامس ) : ورجح الطبري أن الآية محكمة غير منسوخة : قال ابن عطية : وهذا هو الصواب

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

 السبعون في موضوع ( الحسيب ) وهي بعنوان:

*الجمع بين قوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ ٱللَّهُ}

وحديث: (إن الله تجاوز عن أمة محمد ...) :

السؤال :  ما معنى قوله تعالى: { إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ } [البقرة:284]   وكيف نجمع بين معناها وبين الحديث الشريف الذي معناه:(أن الله تعالى تجاوز عن أمة محمد ما حدثت به أنفسها مالم تفعله أو تتكلم به ؟

الجواب: هذه الآية الكريمة قد أشكلت على كثير من الصحابة رضى الله عنهم  لما نزلت وهي قوله تعالى: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[البقرة:284]، شق عليهم هذا الأمر وجاءوا إلى النبي ﷺ وذكروا أن هذا شيء لا يطيقونه فقال لهم ﷺ: أتريدون أن تقولوا كما قال من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ قولوا: سمعنا وأطعنا، فقالوا: سمعنا وأطعنا، فلما قالوها وذلت بها ألسنتهم أنزل الله بعدها قوله سبحانه: { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ، لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا } [البقرة:286] الآية.

فسامحهم الله وعفا عنهم ، ونسخ ما دل عليه مضمون هذه الآية وأنهم لا يؤاخذون إلا بما عملوا وبما أصروا عليه وثبتوا

عليه، وأما ما يخطر من الخطرات في النفوس والقلوب فهذا معفو عنه، ولهذا صح عن رسول الله ﷺ أنه قال: إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تكلم فزال هذا الأمر والحمد لله، وصار المؤمن غير مؤاخذ إلا بما عمله، أو قاله، أو أصر عليه بقلبه عملًا بقلبه، كإصراره على ما يقع له من الكبر والنفاق ونحو ذلك.

أما الخواطر التي تعرض والشكوك التي تعرض ثم تزول بالإيمان واليقين فهذه لا تضر بل هي عارضة من الشيطان ولا تضر، ولهذا لما قال الصحابة: «يا رسول الله! إن أحدنا يجد في قلبه ما لئن يخر من السماء أسهل عليه من أن ينطق به - أو كما قالوا - قال: ذاك صريح الإيمان وفي لفظ: تلك الوسوسة فهي من الشيطان، إذا رأى من المؤمن الصدق والإخلاص وصحة الإيمان والرغبة فيما عند الله وسوس عليه بعض الشيء وألقى في قلبه خواطر خبيثة فإذا جاهدها وحاربها بالإيمان والتعوذ بالله من الشيطان سلم من شرها، ولهذا جاء في الحديث الآخر يقول عليه الصلاة والسلام: لا يزال الناس يتساءلون حتى يقولوا: هذا الله خلق كل شيء فمن خلق الله؟ فمن وجد ذلك فليقل: آمنت بالله ورسله وفي لفظ: فليستعذ بالله ولينتهي.

فهذا يدلنا على أن الإنسان عرضة للوساوس الشيطانية، فإذا عرض له وساوس خبيثة وخطرات منكرة فليبتعد عنها وليقل: آمنت بالله ورسله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ولينتهي ولا يلتفت إليها فإنها باطلة ولا تضره، وهي من الخطرات التي عفا الله عنها .

[الأنترنت – موقع ابن باز - الجمع بين قوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ...} وحديث: (إن الله تجاوز عن أمتي...)]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

 الواحدة والسبعون في موضوع(الحسيب)وهي بعنوان : بصمات الوجه

* لكل واحد منا بصمة وجه خاصة به ولا يمكن أن تتشابه بصمتان لوجهين على مستوى العالم..

سؤال يحير العلماء: كيف يتم تشكل وجه الإنسان عندما يكون جنيناً، ولماذا لا يوجد وجهين متشابهين في العالم؟

إن كل واحد منا له وجه يختلف عن الآخر مثل بصمة الإصبع.     ويكمن السر في الجينات الخاصة بكل واحد منا، حيث تقوم هذه الجينات بترتيب نفسها بطريقة تجعل لكل شخص وجه مميز عن غيره.

النتيجة التي وصل إليها العلماء تؤكد وجود برامج تشبه البرامج التي يستخدمها العلماء للتشفير في الكمبيوتر، ولذلك فمن الصعوبة أن نقبل أن الأمر يتم عن طريق المصادفة أو التطور الطبيعي، ولو كان خلق الإنسان قد تم بفعل التطور والانتقاء الطبيعي فإن احتمال تشابه الوجود يكون كبيراً، لأن الطبيعة تختار الأفضل كما يقول داروين!

ولذلك يعتقد العلماء اليوم بوجود برامج خاصة مخزنة في داخل خلايا كل منا تدفع جيناته للانتظام والعمل بطريقة محددة وليست طريقة عشوائية. وهذا يدل على قوة خفية وراء هذا الاختلاف في الوجوه.

الباحث Axel Visel يقوم بتجارب لإثبات أن لكل شخص في العالم بصمة وجه حاصه به لا يشاركه فيها أحد غيره، ويقوم العلماء بمحاولة لتطوير برامج تجعلنا قادرين على رؤية هذه البصمة والتعرف على الأشخاص من خلال وجوههم. (المرجع مختبرات بيركلي – جامعة كاليفورنيا)

ماذا عن حديث القرآن؟

لقد خص القرآن وجه الإنسان في كثير من الآيات وربطه بسمات محددة وبخاصة المسلم الذي يكثرمن السجود لله،قال تعالى: (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) [الفتح: 29]. فهذه آية تؤكد أن ملامح الوجه تتغير نتيجة تصرفات محددة يقوم بها الإنسان.

   وكم تمنيت لو يقوم أحد علماء المسلمين بتجربة لاختبار وجوه أناس ملحدين لم يسجدوا لله سجدة واحدة، ومقارنتها بوجوه مؤمنين يحافظون على الصلاة وقيام الليل والإكثار من السجود كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن القرب منه يوم القيامة: (فأعني على نفسك بكثرة السجود)!

لذلك فقد ركز القرآن على الوجه وأهميته وبخاصة في العبادة والتوجه والإخلاص لله تعالى.. قال تعالى: (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ)الأعراف: 29].

وهكذا يمكن القول إن بصمة الوجه تتغير نتيجة تصرفات البشر، ولكنها تبقى مميزة لكل واحد منهم ويبقى لكل إنسان بصمته الخاصة.           وقد عبر القرآن عن هذه البصمة بالسمة أو العلامة المميزة، وبالتالي فإن المجرم سوف يُعرف يوم القيامة بسماته أو بصمته في منطقة الناصية قال تعالى: (ُيعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ)الرحمن: 41

وكذلك هذه البصمة أو السمة سوف تكون واضحة يوم القيامة للمؤمنين، قال تعالى: (وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ) [الأعراف: 46].

   ولكن في الدنيا هناك سمات لمن يتعفف عن سؤال الناس أعطوه أو منعوه، قال تعالى: (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا) [البقرة: 273]، وقال أيضاً مخاطباً حبيبه محمداً صلى الله عليه وسلم: (وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ) [محمد: 30]. فلو شاء الله لجعل النبي يرى هذه السمات الخاصة بالمنافقين..

إذاً بصمة الوجه أو سمات الوجه تميز كل إنسان منا، والمنافق له سمات خاصة لا نستطيع رؤيتها، ولكن الله قادر على إظهارها.. واليوم سخر الله علماء وأعطاهم القدرة على اختراع أجهزة تستطيع أن تميز هذه البصمة..

والنتيجة أن القرآن يأتي دائماً مطابقاً وموافقاً للحقائق العلمية.. وهذا يشهد على أنه كتاب الحقائق وليس كتاب أساطير كما يدعي بعضهم.. والحمد لله على نعمة الإسلام. [ الأنترنت- موقع أسرار الإعجاز العلمي - لكل واحد منا بصمة وجه خاصة به ولا يمكن أن تتشابه بصمتان لوجهين على مستوى العالم - بقلم عبد الدائم الكحيل ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

 الثانية والسبعون في موضوع(الحسيب)وهي بعنوان : *ملامح الوجه هل يمكن لملامح الوجه أن تلعب دوراً أساسياً في تحديد مصير الإنسان ، وهل يمكن أن تعبر عن شخصية الإنسان وحقيقته؟ دعونا نتأمل ….

في مجموعة تجارب جديدة أجريت في فرنسا وبريطانيا وأمريكا، وجد العلماء أن ملامج الوجه تؤثر بشكل كبير على حياته ومستقبله ونظرة الآخرين له.. فالصادق يمكن معرفة صدقه أو التنبؤ بذلك من خلال النظرة الأولى لملامح وجهه.. وهكذا اللص والمجرم وحتى المؤمن والملحد…

إن الأحداث التي يمر بها الإنسان خلال حياته تترك آثاراً على وجهه يمكن اكتشافها وتمييزها بالدراسة والبحث، أي يمكن التمييز بين الملحد والمؤمن من خلال ملامح الوجه فقط، وهذا الأمر يحتاج لمزيد من الدراسة.

*كيف أشار القرآن إلى علاقة الوجه بشخصية الإنسان

القرآن الكريم يحوي الكثير من الحقائق العلمية التي لم يتم اكتشافها بعد، وهو كتاب غني جداً بالأفكار البحثية التي تحتاج من يدرسها ويكتشفها ويقوم بتجارب علمية من أجل ذلك. فالله تعالى أخبرنا ومن قبل أربعة عشر قرناً عن تغير ملامح الوجه تبعاً لأعمال الإنسان..

فالإنسان الذي عوّد نفسه على الترفع والتعفف والزهد يظهر ذلك على وجهه.. قال تعالى: (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا) [البقرة: 273]. وبالمقابل نجد الإنسان الذي يكثر السؤال ويستجدي الناس ويشكو لهم وينسى الله الكريم، يظهر ذلك على وجهه.

أيضاً الإنسان الذي يكثر من السجود يظهر ذلك على وجهه، قال تعالى: (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) [الفتح: 29]. وبالمقابل فإن الملحد الذي لم يسجد لله تعالى يظهر ذلك على وجهه.. سبحان الله!

هذه الملامح سوف تظهر على وجه الإنسان يوم القيامة أيضاً.. قال تعالى عن أولئك المجرمين (ليس المجرم الذي يرتكب جريمة قتل، بل المجرم من ينكر وجود خالقه ورازقه.. فجريمة الإلحاد هي أكبر جريمة على الإطلاق).. قال تعالى:(يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ)الرحمن: 41

إنه كتاب العجائب، كتاب الله تعالى،والذي يحوي كل شيء يخطر ببالك من العلوم، ولذلك هذه الآيات تؤكد أن القرآن لا يتناقض مع العلم.. [الأنترنت – موقع الإعجاز في الطب - ملامح الوجه - بقلم عبد الدائم الكحيل ] ‏

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

 الثالثة والسبعون في موضوع(الحسيب)وهي بعنوان :

* التعفف عما في أيدي الناس :

   وإذا كان الإسلام يطلب من المسلم أن يرضى بما قسمه الله له، ويقنع ويكتفي برزقه الحلال، فإنه يطلب منه كذلك أن يعف نفسه عما في أيدي غيره مما لا حق له فيه فيستغني بما أوتي، ولا يطمع في كسب غير مشروع ، أو زيادة من غير حلها؛ وبذلك يتحقق المطلوب من العفة وهو اليأس وقطع الطمع عما في أيدي الناس .

وقد مدح الله تعالى قومًا اتصفوا بالعفة في مظهرهم، مع فقرهم وحاجتهم، فقال :{لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا}البقرة: 273]

وفي الحديث عن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه أن رسول الله صلى

الله عليه وسلم قال : «.. ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه

الله» ( أخرجه الشيخان ومالك وأبو داود والترمذي والنسائي) .

وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : «اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى» (أخرجه مسلم والترمذي).

وقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم معياراً للمسلم إذا جعله نصب عينيه فسيكون قرير العين بما آتاه الله راضياً به عفيفاً عن التطلع والنظر إلى ما عند غيره .

عن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إذا نظر أحدكم إلى من فَضُلَ عليه في المال والخلق فلينظر إلى من هو أسفل منه»(أخرجه البخاري ومسلم والترمذي) .

وبهذا المعنى أمرنا رب العالمين فقال : " وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى " [طه: 131] .

كما أمر القرآن من لا يملكون نفقة الزواج أن يعفوا نفوسهم عن الحرام حتى يغنيهم الله من فضله فقال : " وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِه " [النور: 33] .

وهذا الغنى وهذه العفة عما في أيدي الناس رغب فيها الإسلام وحث عليها وجعلها سبباً موصلاً إلى الجنة بل إن المتصف بها يكون من أهلها .

عن عياض بن حمار قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أهل الجنة ثلاثة : ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رحيم رفيق القلب لكل مسلم، وعفيف متعفف ذو عيال..» (من حديث طويل أخرجه مسلم) .

وبعد : فهذه لمحة موجزة عن هدي الإسلام في طلب الكسب الحلال والاكتفاء به والقناعة برزق الله، والعفة عن الحرام، وهي حصن قوي ودرع واق للمسلم من الوقوع في الحرام أو التطلع إ

[الأنترنت – موقع  الكلم الطيب- " التعفف عما في أيدي الناس "]

وقال السعدى: ذكر مصرف النفقات الذين هم أولى الناس بها فوصفهم بست صفات أحدها الفقر، والثاني قوله: { أحصروا في سبيل الله } أي: قصروها على طاعة الله من جهاد وغيره، فهم مستعدون لذلك محبوسون له، الثالث عجزهم عن الأسفار لطلب الرزق فقال: {لا يستطيعون ضربا في الأرض } أي: سفرا للتكسب، الرابع قوله: { يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف } وهذا بيان لصدق صبرهم وحسن تعففهم. الخامس: أنه قال: { تعرفهم بسيماهم } أي: بالعلامة التي ذكرها الله في وصفهم، وهذا لا ينافي قوله: { يحسبهم الجاهل أغنياء } فإن الجاهل بحالهم ليس له فطنة يتفرس بها ما هم عليه، وأما الفطن المتفرس فمجرد ما يراهم يعرفهم بعلامتهم، السادس قوله: { لا يسألون الناس إلحافا } أي: لا يسألونهم سؤال إلحاف، أي: إلحاح، بل إن صدر منهم سؤال إذا احتاجوا لذلك لم يلحوا على من سألوا، فهؤلاء أولى الناس وأحقهم بالصدقات لما وصفهم به من جميل الصفات، وأما النفقة من حيث هي على أي شخص كان، فهي خير وإحسان وبر يثاب عليها صاحبها ويؤجر، فلهذا قال: { وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم }

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة الرابعة والسبعون في موضوع(الحسيب)وهي إستكمالا للماضية والتي بعنوان : * التعفف عما في أيدي الناس :

   وقال الطنطاوي في الوسيط على الآية: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ }

ثم بعد هذا التحريض الحكيم على بذل الأموال في وجوه الخير، خص- سبحانه- بالذكر طائفة من المؤمنين هي أولى الناس بالعون والمساعدة، ووصف هذه الطائفة بست صفات من شأنها أن تحمل العقلاء على المسارعة في إكرام أفرادها وسد حاجتهم استمع إلى القرآن الكريم وهو يصور حالة هذه الطائفة من المؤمنين تصويرا كريما نبيلا يستجيش المشاعر، ويحرك القلوب لمساعدة هذه الطائفة المتعففة فيقول: لِلْفُقَراءِ، الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ، يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ، تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ، لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً.

لقد وصفهم الله- تعالى- أولا بالفقراء، أى الذين هم في حاجة إلى العون والمساعدة لفقرهم واحتياجهم إلى ضرورات الحياة.

وقوله: لِلْفُقَراءِ متعلق بمحذوف يفهم من الكلام السابق والتقدير: اجعلوا نفقتكم وصدقتكم للفقراء لأن الكلام السابق موضوعه للإنفاق في سبيل الله، وما يتعلق بذلك من آداب وفوائد.

والجملة استئناف بيانى، فكأنهم لما أمروا بالصدقات سألوا لمن هي؟ فأجيبوا بأنها لهؤلاء الذين ذكرت الآية صفاتهم.

ومن فوائد الحذف هنا للمتعلق: تعليم المؤمنين الأدب في عطائهم للفقراء بأن لا يصرحوا لهم بأن ما يعطونه إياهم هو صدقة حتى لا يشعروهم بالمذلة والضعف، وأيضا ففي هذا الحذف لون من الإيجاز البليغ الذي قل فيه اللفظ مع الوفاء بحق المعنى.

وقال القرطبي: والمراد بهؤلاء الفقراء، فقراء المهاجرين من قريش وغيرهم ثم تتناول الآية كل من دخل تحت صفتهم غابر الدهر. وإنما خص فقراء المهاجرين بالذكر، لأنه لم يكن هناك سواهم، وهم أهل الصفة» وكانوا نحوا من أربعمائة رجل، وذلك أنهم كانوا يأتون فقراء وما لهم أهل ولا مال فبنيت لهم صفة في المسجد النبوي بالمدينة فقيل لهم: «أهل الصفة» .

أما الصفة الثانية من صفات هؤلاء الذين هم أولى الناس بالعون والمساعدة فهي قوله- تعالى-: الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. والإحصار في اللغة هو أن يعرض للرجل ما يحول بينه وبين ما يريده بسبب مرض أو شيخوخة أو عدو أو ذهاب نفقة أو ما يجرى مجرى هذه الأشياء.

والمعنى: اجعلوا الكثير مما تنفقونه- أيها المؤمنون- لهؤلاء الفقراء الذين حصروا أنفسهم ووقفوها على الطاعات المتنوعة التي من أعظمها الجهاد في سبيل الله،أو الذين منعوا من الكسب بسبب مرضهم أو شيخوختهم ، أو غير ذلك من الأسباب التي جعلتهم في حالة شديدة من الفاقة والاحتياج.

وعبر في الجملة الكريمة «بأحصروا» بالبناء للمجهول، للإشعار بأن فقرهم لم يكن بسبب تكاسلهم وإهمالهم في مباشرة الأسباب، وإنما كان لأسباب خارجة عن إرادتهم.

وقوله: فِي سَبِيلِ اللَّهِ تكريم وتشريف لهم، أى أن ما نزل بهم من فقر واحتياج كان بسبب إيثارهم إعلاء كلمة الله على أى شيء آخر، ففي سبيل الله هاجروا، وفي سبيل الله تركوا أموالهم فصاروا فقراء، وفي سبيل الله وقفوا أنفسهم على الجهاد، وفي سبيل الله أصابهم ما أصابهم وهم يطلبون أداء ما كلفهم- سبحانه- بأدائه.

أما الصفة الثالثة من صفاتهم فقال فيها لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ والضرب في الأرض هو السير فيها للتكسب والتجارة وغيرهما.

أى أنهم عاجزون عن السير في الأرض لتحصيل رزقهم بسبب اشتغالهم بالجهاد، أو بسبب ضعفهم وقلة ذات يدهم.

والصفة الرابعة من صفاتهم هي قوله- تعالى-: يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ.

والتعفف: ترك الشيء والتنزه عن طلبه، بقهر النفس والتغلب عليها. يقال عف عن الشيء يعف إذا كف عنه. والحسبان بمعنى الظن.

أى يظنهم الجاهل بحالهم، أو الذي لا فراسة عنده، يظنهم أغنياء من أجل تجملهم وتعففهم عن السؤال، أما صاحب الفراسة الصادقة، والبصيرة النافذة فإنه يرحمهم ويعطف عليهم لأنه يعرف ما لا يعرفه غيره.

ومِنَ في قوله: مِنَ التَّعَفُّفِ للتعليل، أو لابتداء الغاية لأن التعفف مبدأ هذا الحسبان.

أما الصفة الخامسة من صفاتهم فهي قوله- تعالى-: تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ والسيما والسيماء: العلامة التي يعرف بها الشيء،وأصلها من الوسم بمعنى العلامة. والمعنى: تعرف فقرهم وحاجتهم- أيها الرسول الكريم أو أيها المؤمن العاقل-

بما ترى في هيئتهم من آثار تشهد بقلة ذات يدهم.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة الخامسة والسبعون في موضوع(الحسيب)وهي إستكمالا للماضية والتي بعنوان : * التعفف عما في أيدي الناس :

قال الإمام الرازي ما ملخصه: قال مجاهد: «سيماهم» التخشع والتواضع. أى- تعرفهم بتخشعهم وتواضعهم- وقال السدى: - تعرفهم بسيماهم- أى بأثر الجهد من الفقر والحاجة. وقال الضحاك: أى بصفرة ألوانهم ورثاثة ثيابهم ... ثم قال- رحمه الله-: وعندي أن كل ذلك فيه نظر والمراد شيء آخر هو أن لعباد الله المخلصين هيبة ووقعا في قلوب الخلق، وكل من رآهم تأثر منهم وتواضع لهم، وذلك له إدراكات روحانية، لا علامات جسمانية. ألا ترى أن الأسد إذا مر هابته سائر السباع بطباعها لا بالتجربة، لأن الظاهر أن تلك التجربة ما وقعت، والبازي إذا طار تهرب منه الطيور الضعيفة وكل ذلك إدراكات روحانية لا جسمانية فكذا هنا ...

وقد ذكر- سبحانه- في الجملة السابقة أن الجاهل بحالهم يظنهم أغنياء من أجل تعففهم عن السؤال، وذكر هنا أنهم يعرفون بسيماهم، وذلك للإشعار بأن أنظار الناس تختلف باختلاف فراستهم ونفاذ بصيرتهم. فأصحاب الأنظار التي تأخذ الأمور بمظاهرها يظنونهم أغنياء، أما أصحاب البصيرة المستنيرة، والحس المرهف، والفراسة الصائبة، فإنهم يدركون ما عليه أولئك القوم من احتياج، بسبب ما منحهم الله من فكر صائب ونظر نافذ، وفي الحديث الشريف: «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله».

أما الصفة السادسة من صفاتهم فهي قوله- تعالى-: لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً والإلحاف- كما يقول صاحب الكشاف: هو الإلحاح بأن لا يفارق- السائل المسئول- إلا بشيء يعطاه. من قولهم: لحفني من فضل لحافه أى أعطانى من فضل ما عنده. ومعناه:

أنهم إن سألوا سألوا بتلطف ولم يلحفوا. وقيل هو نفى للسؤال والإلحاف».

والذي عليه المحققون من العلماء أن النفي منصب على السؤال وعلى الإلحاف أى أنهم لا يسألون أصلا تعففا منهم، لأنهم لو كانوا يسألون ما ظنهم الجاهل أغنياء من التعفف، ولو كانوا يسألون ما كانوا متعففين، ولو كانوا يسألون ما احتاج صاحب البصيرة النافذة إلى معرفة حالهم عن طريق التفرس في سماتهم لأن سؤالهم كان يغنيه عن ذلك.

قوله: يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ الغرض منه بيان مباينة أحد الجنسين عن الآخر في استيجاب المدح والتعظيم»

هذا وقد وردت أحاديث متعددة تمدح المتعففين عن السؤال، وتذم الملحفين فيه ومن ذلك ما جاء في الصحيحين عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان ولا التمرة والتمرتان إنما المسكين الذي يتعفف. اقرؤا إن شئتم: لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً.

وروى مسلّم في صحيحه عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مزعة لحم» .

وروى مسلّم- أيضا- في صحيحه عن عوف بن مالك قال: كنا تسعة أو ثمانية أو سبعة عند رسول الله فقال: «ألا تبايعون رسول الله؟ فقلنا علام نبايعك؟ قال: أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. والصلوات الخمس، وتطيعوا ولا تسألوا الناس. فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فلا يسأل أحدا يناوله إياه» .

والخلاصة أن السؤال إنما يجوز عند الضرورة، وأنه لا يصح لمؤمن أن يسأل الناس وعنده ما يكفيه، لأن السؤال ذل يربأ بنفسه عنه كل من يحافظ على مروءته وكرامته وشرفه.

[الأنترنت – موقع  { لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحْصِرُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِى ٱلْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَٰهُمْ لَا يَسْـَٔلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافًا ۗ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍۢ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٌ (البقرة - 273) } ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة السادسة والسبعون في موضوع(الحسيب)وهي إستكمالا للماضية والتي بعنوان : *{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ ۗ أَلَآ إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ (البقرة - 214)

قال البغوى : قوله تعالى : ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ) قال قتادة والسدي : نزلت هذه الآية في غزوة الخندق حين أصاب المسلمين ما أصابهم من الجهد وشدة الخوف والبرد وضيق العيش وأنواع الأذى كما قال الله تعالى : " وبلغت القلوب الحناجر " ( 10 - الأحزاب ) وقيل نزلت في حرب أحد .

وقال عطاء : لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة اشتد عليهم الضر لأنهم خرجوا بلا مال وتركوا ديارهم وأموالهم بأيدي المشركين وآثروا رضا الله ورسوله وأظهرت اليهود العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأسر قوم النفاق فأنزل الله تعالى تطييبا لقلوبهم ( أم حسبتم ) أي : أحسبتم والميم صلة قاله الفراء وقال الزجاج : بل حسبتم ومعنى الآية : أظننتم أيها المؤمنون أن تدخلوا الجنة ( ولما يأتكم ) وما صلة ( مثل الذين خلوا ) شبه الذين مضوا ( من قبلكم ) النبيين والمؤمنين ( مستهم البأساء ) الفقر والشدة والبلاء ) ( والضراء ) المرض والزمانة ) ( وزلزلوا ) أي حركوا بأنواع البلايا والرزايا وخوفوا ( حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ) ما زال البلاء بهم حتى استبطئوا النصر .

وقال ابن كثير : يقول تعالى : ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ) قبل أن تبتلوا وتختبروا وتمتحنوا ، كما فعل بالذين من قبلكم من الأمم ; ولهذا قال : ( ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء ) وهي : الأمراض ; والأسقام ، والآلام ، والمصائب والنوائب .

قال ابن مسعود ، وابن عباس ، وأبو العالية ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، ومرة الهمداني ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك ، والربيع ، والسدي ، ومقاتل بن حيان : ( البأساء ) الفقر . قال ابن عباس : ( والضراء ) السقم .

وقال الله تعالى : ( الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ) [ العنكبوت : 1 3 ] .

وقال الطبرى : القول في تأويل قوله تعالى : " أم حسبتم "، كأنه استفهم بـ " أم " في ابتداء لم يتقدمه حرف استفهام، لسبوق كلام هو به متصل، (26) ولو لم يكن قبله كلام يكون به متصلا وكان ابتداءً لم يكن إلا بحرف من حروف الاستفهام; لأن قائلا لو كان قال مبتدئًا كلامًا لآخر: " أم عندك أخوك "؟ لكان قائلا ما لا معنى له. ولكن لو قال: " أنت رجل مُدِلٌّ بقوتك أم عندك أخوك ينصرك ؟" كان مصيبًا. وقد بينَّا بعض هذا المعنى فيما مضى من كتابنا هذا بما فيه الكفاية عن إعادته.

فمعنى الكلام: أم حسبتم أنكم أيها المؤمنون بالله ورسله تدخلون الجنة، ولم يصبكم مثلُ ما أصاب مَن قبلكم مِن أتباع الأنبياء والرسل من الشدائد والمحن والاختبار، فتُبتلوا بما ابتُلوا واختبروا به من " البأساء "- وهو شدة الحاجة والفاقة " والضراء " -وهي العلل والأوصاب (27) - ولم تزلزلوا زلزالهم- يعني: ولم يصبهم من أعدائهم من الخوف والرعب شدة وجهدٌ حتى يستبطئ القوم نصر الله إياهم، فيقولون: متى الله ناصرنا؟ ثم أخبرهم الله أن نصره منهم قريبٌ، وأنه مُعليهم على عدوِّهم، ومظهرهم عليه، فنجَّز لهم ما وعدهم، وأعلى كلمتهم، وأطفأ نار حرب الذين كفروا.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة السابعة والسبعون في موضوع(الحسيب)وهي إستكمالا للماضية والتي بعنوان : *{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ ۗ أَلَآ إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ (البقرة - 214)

وقال ابن عاشور : قوله : { أم حسبتم } إضراباً عن قوله : { فهدى الله الذين آمنوا } وليكون ذلك تصبيراً لهم على ما نالهم يوم الحديبية من تطاول المشركين عليهم بمنعهم من العُمرة وما اشترطوا عليهم للعام القابل ، ويكون أيضاً تمهيداً لقوله : { كتب عليكم القتال } [ البقرة : 216 ] الآية ، وقد روي عن أكثر المفسرين الأولين أن هذه الآية نزلت في غزوة الخندق حين أصاب المسلمين ما أصابهم من الجَهد والشدائد فتكون تلك الحادثة زيادة في المناسبة .

و { أم } في الإضراب ك {بل} إلا أن {أَمْ} تؤذن بالاستفهام وهو هنا تقرير بذلك وإنكاره إن كان حاصلاً أي {بل أحسبتم أن تدخلوا } دون بلْوَى – من الإمتحان -وهو حسبان باطل لا ينبغي اعتقاده .

و{حَسِب} بكسر السين في الماضي : فعل من أفعال القلوب أخواتِ {ظن} ، وفي مضارعه وجهان كسر السين وهو أجود وفتحها وهو أقيس وقد قرىء بهما في المشهور ، ومصدره الحِسبان بكسر الحاء وأصله من الحساب بمعنى العد فاستعمل في الظن تشبيهاً لجولان النفس في استخراج علم ما يقع بجولان اليد في الأشياء لتعيين عددها ومثله في ذلك فعل عَدَّ بمعنى ظن .

والخطاب للمسلمين وهو إقبال عليهم بالخطاب بعد أن كان الكلام على غيرهم فليس فيه التفات ، وجعل صاحب الكشاف } التفاتا بناء على تقدم قوله{ فهدى الله الذي آمنوا لما اختلفوا فيه } [ البقرة : 213 ] وأنه يقتضي أن يقال أم حسبوا أي الذين آمنوا ، والأظهرُ أنه لما وقع الانتقال من غرض إلى غرض بالإضراب الانتقالي الحاصل بأم ، صار الكلام افتتاحاً محضاً وبذلك يُتأكد اعتبار الانتقال من أسلوب إلى أسلوب ، فالالتفات هنا غير منظور إليه على التحقيق .

ودخول الجنة هنا دخولها بدون سبق عناء وبلوى ، وهو دخول الذين استوفوا كل ما وجب عليهم ولم يقصروا في شيء منه ، وإلا فإن دخول الجنة محسوب لكل مؤمن ولو لم تأته البأساء والضراء أو أتتهُ ولم يصبر عليها ، بمعنى أن الصبر على ذلك وعدم الضجر منه موجب لغفران الذنوب ، أو المراد من ذلك أن تنالهم البأساء فيصبروا ولا يرتدوا عن الدين ، لذلك فيكون دخول الجنة متوقفاً على الصبر على البأساء والضراء بهذا المعنى ، وتطرقُ (هاته) – وهي بمعنى هذه للمؤنث ، ومثناها(هاتان ) - الحالة سنة من سنن الله تعالى في أَتْباع الرسل في أول ظهور الدين وذلك من أسباب مزيد فضائل اتباع الرسل ، فلذلك هُيِّءَ المسلمون لتلقيه من قبل وقوعه لطفاً بهم ليكون حصوله أهون عليهم .

وقد لقي المسلمون في صدر الإسلام من أذى المشركين البأساءَ والضراءَ وأخرجوا من ديارهم وتحملوا مضض الغربة ، فلما وردوا المدينة لقُوا من أذى اليهود في أنفسهم وأذى المشركين في قرابتهم وأموالهم بمكة ما كدر عليهم صفو حفاوة الأنصار بهم ، كما أن الأنصار لقُوا من ذلك شدة المضايقة في ديارهم بل وفي أموالهم فقد كان الأنصار يعرضون على المهاجرين أن يتنازلوا لهم عن حظ من أموالهم .

[الأنترنت – موقع { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ ۗ أَلَآ إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ (البقرة - 214)]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة الثامنة والسبعون في موضوع(الحسيب)وهي بعنوان :

* من هم الرازقون في قوله تعالى (خير الرازقين)؟وبيان الفروقات بين رزق الله ورزق خلقه :

السؤال : إذا كان الله " خير الرازقين " : من هم الرازقون ؟ .

نص الجواب : الحمد لله

أولاً : ذكر الله تعالى عن نفسه أنه ( خَيْر الرَّازِقين )في خمسة مواضع وهي :المائدة/ 114،الحج/ 58،المؤمنون/ 72، سـبأ/ 39،الجمعة/ 11

ثانياً : لم يمنع إطلاق صفة الرزق وفعلها على رب العالمين أن تُطلق على المخلوقين ، كما في قوله تعالى ( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ ) البقرة/ 233 ، وقوله ( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً ) النساء/ 5 ، وقوله ( وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً ) النساء/ 8 . ولذا تجد معنى " الرازق " في كتب التفسير : السلطان ، والسيد ، والوالد ، والقريب الغني .

وليس ذلك بمشكل عند أهل العلم ؛ لأننا نعتقد أن الفرق بين رزق العباد ورزق الله تعالى هو الفرق بين المخلوق والخالق ، والعبد والمعبود ، وهو كما وصف الله تعالى نفسه بالعلم ووصفه عباده بالعلم ، وعلم العباد سُبق بجهل ويلحقه نسيان ، وأما الرب تعالى فلا يضل ولا ينسى ، وهو – أيضاً - كما وصف الله تعالى نفسه بالخلْق ووصف عباده به ، وخلْق العبيد ليس من العدم إنما هو تحويل مادة لأخرى ، وهو خلق ناقص كنقصهم ، وقاصر كقصر أفهامهم ، وقابل للهلاك كقابليتهم –

ثالثاً : بتأمل يسير للفرق بين رزق الله تعالى لخلقه ورزق العباد تتبين فروقات عظيمة ، وبه يُعلم أنه إنما أُطلق على العباد لفظ " الرزق " وفعله بحسب حالهم اللائق بهم من الفقر والضعف والحاجة والعبودية .

ومن هذه الفروقات :

1. رزق الله تعالى لا ينفد ، وأما رزق العباد فمهما عظم فهو قابل للنفاد . قال تعالى ( مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ ) النحل/ 96 .

2. رزق الله تعالى لا يُقطع عن الكافر والفاجر ، والعباد لا يرزقون المخالف لهم فضلاً عن الشاتم لهم والكافر بهم .

قال تعالى ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) البقرة/ 126 .

وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ أبي موسى الأشعري قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( مَا أَحَدٌ أَصْبَرَ عَلَى أَذًى يَسْمَعُهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ لَهُ نِدًّا وَيَجْعَلُونَ لَهُ وَلَدًا وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَرْزُقُهُمْ وَيُعَافِيهِمْ وَيُعْطِيهِمْ ) .رواه مسلم ( 2804 ) . وقال تعالى ( كُلاًّ نُمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً ) الإسراء/ 20 .

قال الحسن البصري – رحمه الله - :كلاًّ نعطي من الدنيا : البرّ والفاجر ." تفسير الطبري " ( 17 / 411 ) .

3. رزق الله في الدنيا والآخرة ، ورزق العباد محدود بقدر يسير وفي الدنيا فقط .

قال تعالى ( وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) البقرة/ 25 .

4. رزق الله لكل مخلوقاته حتى البهائم ، والعباد لا يملكون ذلك مهما بلغت أموالهم .قال تعالى ( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) هود/ 6 ، وقال ( وَكَأَيِّن مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) العنكبوت/ 60 .

5. رزق الله مخلوق من عدم – ومنه المطر والذهب والثمر - ولم يكن بيد غيره قبله بلا شك ولا ريب ، ورزق العباد موروث عمن قبلهم وتتناقله الأيدي ، ولا يخلقون شيئاً من عدم ، ثم هو ـ فوق ذلك كله ـ مستفاد من خزائن الله تعالى وعطائه لعباده .

قال تعالى ( أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ) الرعد/ 16 ، وقال ( أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ . أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ ) الواقعة/ 68 ، 69 .

6. رزق الله تعالى مملوك له لا يشاركه فيه أحد ، ورزق العباد ملَّكهم

الله تعالى إياه ، ولولا تسخير الله تعالى لهم أسبابه ما ملكوه .

قال تعالى ( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ ) النحل/ 7 ، وقال ( وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ) النور/ 33 ، وقال ( وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ) الحديد/ 7 ، وقال ( وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ ) فاطر/ 13 .

7. رزق الله لكماله وعظمته ورحمته ، ورزق المخلوق لفعل واجب أو تحصيل ثناء أو رجاء ثواب ، ولو ملك الإنسان خزائن الرزق لبخل بالإعطاء . قال تعالى ( قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْأِنْفَاقِ وَكَانَ الْأِنْسَانُ قَتُوراً ) الإسراء/ 100 .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة التاسعة والسبعون في موضوع(الحسيب)وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

* من هم الرازقون في قوله تعالى (خير الرازقين)؟وبيان الفروقات بين رزق الله ورزق خلقه :

8. رزق الله مادي ومعنوي ، فهو يرزق الخلق المطر والثمر ويرزقهم الإيمان والقناعة والسعادة ، وإذا ملك العباد بعض الرزق المادي فأنَى لهم رزق غيرهم الرزق المعنوي ؟! . قال تعالى ( زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) البقرة/ 212 .

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - : قال تعالى ( وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) فالرزق الدنيوي يحصل للمؤمن والكافر ، وأما رزق القلوب من العلم والإيمان ومحبة الله وخشيته ورجائه ، ونحو ذلك : فلا يعطيها إلا من يحب ." تفسير السعدي " ( ص 95 ) .

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعود قَالَ : حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ ( إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ) .رواه البخاري ( 3036 ) ومسلم ( 2643 ) .

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله - :(رِزْقه) الرزق هنا: ما ينتفع به الإنسان وهو نوعان: رزق يقوم به البدن، ورزق يقوم به الدين.

والرزق الذي يقوم به البدن : هو الأكل والشرب واللباس والمسكن والمركوب وما أشبه ذلك.

والرزق الذي يقوم به الدين : هو العلم ، والإيمان ، وكلاهما مراد بهذا الحديث ." شرح الأربعين النووية " ( ص 101 ، 102 ) طبعة الثريا .      ولهذا فإن الرازق والرزاق على الحقيقة هو الله وحده لا شريك له ، وقد استدل الله برزقه للعباد على إبطال الشرك وتسفيه المشركين ، فقال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ) فاطر/ 3 .

رابعاً : ونختم جوابنا هذا برائعة جامعة في الموضوع :

قال الدكتور عبد الله دراز - رحمه الله - : اقرأ قوله تعالى ( وَاللَّهُ يَرْزُقُ

 مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) البقرة/ 222 ، وانظر هل ترى كلاماً أبين من هذا في عقول الناس ، ثم انظر كم في هذه الكلمة من مرونة :

فإنك لو قلت في معناها :

1. إنه سبحانه يرزق من يشاء بغير محاسب يحاسبه ولا سائل يسأله لماذا يبسط الرزق لهؤلاء ويقْدِره على هؤلاء : أصبتَ

2. ولو قلت : إنه يرزق بغير تقتير ولا محاسبة لنفسه عند الإنفاق خوف النفاد : أصبتَ .

3. ولو قلتَ : إنه يرزق من يشاء من حيث لا ينتظر ولا يحتسب : أصبت

4. ولو قلت إنه يرزقه بغير معاتبة ومناقشة له على عمله : أصبتَ .

5. ولو قلتَ : يرزقه رزقا كثيراً لا يدخل تحت حصر وحساب : أصبتَ

فعلى الأول : يكون الكلام تقريراً لقاعدة الأرزاق في الدنيا ، وأن نظامها لا يجري على حسب ما عند المرزوق من استحقاق بعلمه أو عمله ، بل تجري وفقاً لمشيئته وحكمته سبحانه في الابتلاء ، وفي ذلك ما فيه من التسلية لفقراء المؤمنين ، ومن الهضم لنفوس المغرورين من المترفين .

وعلى الثاني : يكون تنبيهاً على سعة خزائن الله وبسطة يده جل شأنه .

وعلى الثالث : يكون تلويحاً للمؤمنين بما سيفتح لهم من أبواب النصر والظفر حتى يبدل عسرهم يسراً ، وفقرهم غنًى ، من حيث لا يظنون .

وعلى الرابع والخامس : يكون وعداً للصالحين : إما بدخولهم الجنة بغير حساب ، وإما بمضاعفة أجورهم أضعافا كثيرة لا يحصرها العد . ومن وقف على علم التأويل واطلع على معترك أفهام العلماء في آية رأى من ذلك العجب العجاب .[" النبأ العظيم " ( ص 147 ، 148 ) .

[الأنترنت – موقع الإسلام سؤال وجواب - من هم الرازقون في قوله تعالى (خير الرازقين)؟وبيان الفروقات بين رزق الله ورزق خلقه]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة الثمانون في موضوع(الحسيب)وهي بعنوان :

* أسرار الإعجاز في قوله تعالى : {والله يرزق من يشاء بغير حساب }

إن من معجزة هذا الكتاب العظيم أنه مع قلة الحجم متضمن للمعنى الجم،

 الذي تقصر الألباب البشرية عن إحصائه، والآلآت الدنيوية عن استيفائه، مصداقًا لقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [سورة لقمان، الآية: 27].

ومن معجزة هذا الكتاب العظيم كذلك أنه لو نزعت منه لفظة واحدة، ثم أدير على لسان العرب في أن يوجد خير منها لم يوجد. ونحن قد تبين لنا البراعة في بعض آياته، ولكن الذي يخفى علينا أكثر بكثير؛ وذلك لقصور علمنا، وكثرة ذنوبنا وجهلنا، نسأل الله تعالى العفو والعافية.

والأمثلة التي تبين هذا الكلام لا تعد ولا تحصى، منها ما نجده في أسرار قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [سورة البقرة، الآية: 212]. فإن هذه الآية الكريمة تحمتل أن يكون المراد بها رزق الدنيا ورزق الآخرة أيضاً. فإذا حملنا معناها على رزق الآخرة احتمل المراد منها وجوهًا:

- أحدها: أنه يرزق عباده المؤمنين في الآخرة رزقًا رغدًا واسعًا، لا فناء له ولا انقطاع، فهو كقوله تعالى: {فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} [سورة غافر، الآية: 40] أي بدون تقدير ولا عدّ؛ لأن كل ما دخل تحت التقدير والعدّ والحساب متناه. وما لا يكون متناهيًا كان لا محالة خارجًا عن الحساب.

- ثانيها: قيل في تفسيره: يعطيه عطاء كثيرًا لا يمكن للبشر احصاؤه؛ لأن ما دخل تحت الحساب كان قليلًا.

- ثالثها: يعطيه أكثر مما يستحق أو يحسبه، كقوله تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّـهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [سورة الطلاق، الآيات: 2-3] أي بغير احتساب من المرزوقين، ويرزقه من حيث لا يتوقع الرزق.

- رابعها: يعطيه ولا يحاسبه عليه.

- خامسها: يعطيه ولا يأخذه منه.

- سادسها: يعطيه بحسب ما يعرفه من مصلحته لا حسب حسابهم وتقديرهم.

- سابعها: أن المنافع الواصلة إليهم في الجنة بعضها ثواب وبعضها بفضل من الله، كما في قوله: {فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ} [سورة النساء، الآية: 173] فالفضل منه بلا حساب.

- ثامنها: أنه لا يخاف نفادها من عنده، فيحتاج إلى حساب ما يخرج

منه؛ لأن المعطي إنما يحاسب ليعلم مقدار ما يخرج وما يبقى، فلا يتجاوز في عطاياه حتى لا ينقص عليه شيء، والله لا يحتاج إلى الحساب؛ لأنه غني حميد ولا نهاية لغناوه أو لمقدوراته.

- تاسعها: أن ثواب أهل الجنة ليس بمقدار أعمالهم؛ لأنه لو كان بمقدار أعمالهم لكان بحساب.

- عاشرها: بغير استحقاق، يقال: لفلان على فلان حساب، أي حق أو دين، وهذا يدل على أن ثواب أهل الجنة فضل من الله تعالى، وليس لأحد معه حساب.

وهذه الوجوه كلها صحيحة ومحتملة، ولا تعارض بينها، فيجوز أن يكون جميعها مراد الآية الكريمة.

أما إذا كان المراد بالآية حساب الدنيا، فتحتمل وجوهًا أخرى أيضًا، نذكر منها وجهين:

- الأول : أن الكفار كانوا يسخرون من فقراء المسلمين؛ لأنهم كانوا يستدلون بحصول السعادات الدنيوية على أنهم على حق، فأبطل الله تعالى هذا الاعتقاد بقوله: {وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [سورة البقرة، الآية: 212] يعني أنه تعالى يعطي في الدنيا من يشاء من غير أن يكون ذلك منبئًا عن كون المعطى محقًا أو محسنًا أو غير ذلك، وإنما ذلك متعلق بمحض مشيئتة سبحانه، فقد يوسع على العاصي أو الفاجر كما وسع على قارون، ويضيق على المؤمنين والصالحين زيادة في الابتلاء والامتحان، ولهذا قال: {وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ} [سورة الزخرف، الآية: 33]

- الثاني : جائز أن يكون المعنى: أنه يرزق في الدنيا عباده المؤمنين من حيث لا يحتسبون. فإن قيل: قد قال الله تعالى في وصف المتقين وما يصل إليهم: {جَزَاءً مِّن رَّبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا} [سورة النبأ، الآية: 36] أليس ذلك مناقضًا لما في هذه الآية؟ والجواب: لا؛ لأن المقصود بقوله سبحانه {عَطَاءً حِسَابًا} أقوال، منها:

- أولًا: أن يكون بمعنى كافيًا، من قولهم: حسبي كذا، أي يكفيني. والمعنى: أن الله تعالى يكرمه ويعطيه حتى يقول: حسبي حسبي.

- ثانيًا: قوله سبحانه {حِسَابًا} مأخوذ من حسبت الشيء إذا أعددته

وقدرته، أي: بقدر ما وجب له فيما وعده الله تعالى به من الأضعاف المضاعفة، للحسنة عشرًا أو سبعمائة أو بدون مقدار، كقوله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [سورة الزمر، الآية: 10].

- ثالثًا: أنه كثيرًا، فيقال: أحسبت فلانًا، أي: أكثرت له العطاء.

- رابعًا: أنه حسب أعمالهم.

- خامسًا: أنه تعالى لما ذكر في وعيد أهل النار {جَزَاءً وِفَاقًا} [سورة النبأ، الآية: 26] قال في وعد أهل الجنة {عَطَاءً حِسَابًا} [سورة النبأ، الآية: 36] كأنه يقول: راعيت في ثواب أعمالكم الحساب؛ لألا يقع في ثواب أعمالكم بخس أو نقصان.

فانظر إلى عظمة هذا الكتاب وكثرة معانيه:

كالبدر من حيث التفت رأيته *** يهدي إلى عينيك نورًا ثاقبًا

كالشمس في كبد السماء وضوئها *** يغشى البلاد مشارقًا ومغاربًا

بيد أن محاسن أنوار هذا الكتاب العظيم لا يمكن أن تثقفها إلا البصائر الجلية، وأطايب ثمره لا تقطفها إلا الأيادي الزكية، ومنافع شفائه لا تنالها إلا النفوس الزكية النقية، كما صرح في وصفه سبحانه: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ * لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [سورة الواقعة، الآيات: 77-79]، وقوله عَزَّ وجَلَّ: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ۖ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} [سورة فصلت، الآية: 44].[الأنترنت – موقع مركز تفسير للدراسات القرآنية - أسرارالإعجاز في قوله تعالى :{والله يرزق من يشاء بغير حساب }

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة الواحدة والثمانون في موضوع(الحسيب)وهي بعنوان :

*وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ

(البقرة - 206) العزة بالحق والعزة بالإثم 

    العزة في الحق جهاد، والعزة في الباطل نفاق، والإنسان أي إنسان يحب العزة لنفسه، ويكره الذل لها.. والناس يتلمسون مواطن العزة ويطلبونها لأنفسهم؛ ولذا يسعون للجاه؛ لما فيه من عزة على من يعرفونهم، ويكدحون في جمع المال لنيل العزة به، يستوي في ذلك المؤمن والكافر والبر والفاجر، إلا أن المؤمن قوي بإيمانه، عزيز بدينه، قد ذل لله تعالى فأعزه الله سبحانه، فلا يذل لسواه، ولا يخشى غيره..

إن العزة قد تكون في الحق، فيكون صاحبها عزيزا ولو كان ضعيفا مستضاما، لا يذل للخلق، ولا يتنازل عن شيء من دينه.. عزيز بعزة الله تعالى؛ لأنه قد شرف بعبوديته له، والانتساب لدينه، والفخر بإسلامه، وتطبيق شريعته، ولو سخر منه الساخرون، واستهزأ به المنافقون.. فهذه هي العزة بالحق؛ لأنها اعتزاز بمن يملك العزة، وانتساب لدينه، وتطبيق لشريعته، والله تعالى متصف بالعزة الكاملة التي لا نقص فيها، ولا أحد أعز منه سبحانه وتعالى، بل لا عزة لمخلوق إلابه عزوجل (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ) [الصَّفات:180] (مَنْ كَانَ يُرِيدُ العِزَّةَ فَللهِ العِزَّةُ جَمِيعًا) [فاطر:10]

ومن أوصاف أهل هذه العزة أنهم (أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) [الفتح:29] ونعتهم الله تعالى بقوله سبحانه (أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ) [المائدة:54] فلا يلينون في الحق، ولا يداهنون الخلق، ولا يستكينون للعدو، ولا يتنازلون عن شيء من دينهم مهما رُغبوا أو رُهبوا، قال الله تعالى في وصفهم في الأمم السابقة (فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ الله وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا) [آل عمران:146] وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن: " لم يكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متحزقين ولا متماوتين، وكانوا يتناشدون الشعر في مجالسهم ويذكرون أمر جاهليتهم فإذا أريد أحدهم على شيء من دينه دارت حماليق عينيه كأنه مجنون" أي غيرة لله تعالى، ونصرة لدينه، واعتزازا بالحق.

وعلى المؤمن أن لا ييأس لما يرى من عزة الكافرين والمنافقين وقوتهم وغلبتهم؛ لأنه معتز بالله تعالى وهو سبحانه فوقهم؛ ولأن الأيام دول والعاقبة للتقوى (وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ العِزَّةَ لله جَمِيعًا) [يونس:65]. إن أهل الكفر والنفاق تغرهم قوتهم، وتعجبهم كثرتهم، فيعتزون بها، ومن أمثال العرب في ذلك قولهم: "وإنما العزة للكاثر"، وقولهم: "لن نغلب من قلة" فيكون إعجابهم بقوتهم أو كثرتهم باعثا لهم على رفض الحق، والعلو في الأرض. والضعيف منهم يعتز بالقوي كما اعتز السحرة بفرعون؛ لأنه أقوى منهم (وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الغَالِبُونَ) [الشعراء:44].

وأما أهل النفاق فهم معتزون بالكفار يذلون لهم، ويسارعون فيهم،

ويطبقون مناهجهم، ويتبعونهم في ضلالهم؛ طلبا

للعزة منهم، كما حكى الله تعالى عنهم فقال سبحانه (بَشِّرِ المُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ المُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ العِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لله جَمِيعًا) [النساء:138-139].

ومن اعتز بغير الله تعالى فإن عاقبته إلى ذل، وانظروا إلى حال بعض طغاة العصر كيف هووا من ذرى العلياء والمجد إلى أسفل دركات الذل؛ لأنهم اعتزوا بغير الله تعالى فأذلهم الله تعالى، وتخلى عنهم من اعتزوا بهم.. وجميل في هذا قول عبيدة بن أبي لبابة رحمه الله تعالى: "من طلب عزاً بباطل وجور أورثه الله ذلاً بإنصاف وعدل".

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة الثانية والثمانون في موضوع(الحسيب)وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

*وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ

(البقرة - 206) العزة بالحق والعزة بالإثم 

وكثيرا ما تمنع العزة بالإثم أصحابها من قبول الحق سواء كانوا من الكفار أم من المنافقين أم من عصاة المسلمين.. فإذا دعي الواحد منهم إلى الإيمان والتقوى أخذته العزة بالإثم، فرفض الانصياع للحق، واستكبر عن قبول النصح، وما منعهم من ذلك إلا عزتهم بالإثم قال الله تعالى (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ العِزَّةُ بِالإِثْمِ) [البقرة:206] وفي آية أخرى (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ) [ص:2] أي: ما يحسونه من عزة بالباطل وحمية له يمنعهم من الخضوع للحق.

وعزتهم بالإثم جعلتهم يكذبون النبي صلى الله عليه وسلم ويعادونه، ويصدونه عن البيت لما جاء معتمرا، وقالوا في تعليل ذلك: "قد قتلوا أبناءنا وإخواننا ثم يدخلون علينا فتتحدث العرب أنهم دخلوا علينا على رغم أنفنا" وفي هذا يقول الله تعالى (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الجَاهِلِيَّةِ)[الفتح:26].

وإذا ذكروا بالقرآن، ووعظوا بآياته، وقرعهم وعده ووعيده؛ منعتهم عزتهم بالإثم من التأثر بالقرآن ومواعظه، وأصروا على ضلالهم أنفةً وعزة وحمية وكبرا (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا المُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا) [الحج:72] .

ويجري ذلك على بعض عصاة المسلمين، فيرفضون الحق؛ عزة وكبرا، ويُخشى على من كان كذلك أن يهوي إلى درك النفاق؛ لأن الأصل في المؤمن خضوعه للحق، ولين قلبه للذكر، وتأثره بالموعظة، وفي قول الله تعالى (إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) [الأنفال:2] قال السدي: "إذا أراد أن يظلم مظلمة قيل له اتق الله كف ووجل قلبه".

وعلى العكس منه أهل الاستكبار فإن الواحد منهم إذا قيل له (اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ العِزَّةُ بِالإِثْمِ) [البقرة:206] قال قتادة رحمه الله تعالى: "المعنى إذا قيل له مهلا ازداد إقداما على المعصية".

وإذا أمر المؤمن بالتقوى وجب عليه الخضوع والقبول، ولو كان هو محقا، وكان آمره مبطلا، فإنه ما أمره إلا بحق. وأتقى الناس وأعبدهم محتاج إلى التذكير بالتقوى، ولا يلزم لقبول التذكرة أن يكون من يذكره تقياً، فوجب أن يقبلها منه ولو كان فاسقا أو كافرا؛ لعظيم ما ذُكر به، وفي هذا يقول ابن مسعود رضي الله عنه: "كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا إذا قِيلَ له اتَّقِ الله غَضِبَ"، وفي رواية: "كفى بالرجل إثما أن يقول له أخوه اتق الله فيقول: عليك نفسك أأنت تأمرني؟!" وتالله ما أكثر من يرد بهذا الرد إن وعظ أو ذكر بالتقوى!!

بل إن القاضي في مجلس الحكم بين الخصمين إذا حكم على أحدهما فقال المحكوم عليه للقاضي: اتق الله، فلا يغضب ولا يعاقبه، ويرد عليه بقوله: رزقني الله التقوى، أو ما أمرتَ إلا بخير، أو نحو ذلك، ويبين له وجه الحكم عليه.. نص على ذلك بعض فقهاء المالكية.

أيها الناس: حفل تاريخ البشر بقوم ذُكروا بالله تعالى فتذكروا، ودعوا إلى تقواه فاستجابوا، وخوفوا به فخافوا، فكان خيرا لهم..

كما وجد في تاريخ البشر أقوام ذكروا فلم يتذكروا، ودعوا إلى التقوى فلم يستجيبوا، وخوفوا بالله تعالى فلم يرتدعوا، بل أخذتهم العزة بالإثم، وأصروا على الذنب، فكان ذلك شؤما عليهم..

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة الثالثة والثمانون في موضوع(الحسيب)وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

*وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ

(البقرة - 206) العزة بالحق والعزة بالإثم 

وممن تذكروا واستجابوا: ذلك الرجل الذي كان يحب ابنة عمه حبا شديدا، وراودها فأبت حتى إذا احتاجت إلى المال شارطها على عرضها فوافقت مضطرة فلما تمكن منها، وجلس بين رجليها وعظته فقالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فاستجاب لداعي التقوى، وأسعفه خوفه من الله تعالى في تلك اللحظة، فقام عنها وهي أحب الناس إليه، ولم يأخذ مما أعطاها شيئا، فلما حُصر هو وأصحابه في الغار فرج الله تعالى عنه بهذا العمل الجليل، مع ما ادخر له من ثواب الآخرة وجزائها..

ومن مشاهير المستجيبين للتذكير بالتقوى في هذه الأمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، مع قوته وعدله وجاهه فهو خليفة المسلمين، روى الحسن أن رجلا قال لعمر : اتق الله، قال : "وما فينا خير إن لم يقل لنا، وما فيهم خير إن لم يقولوا لنا".

وكان رضي الله عنه يقبل التذكير من أي أحد؛ كما روى عمر بن شبَّةَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: "خَرَجَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ الْجَارُودُ الْعَبْدِيُّ، فَإِذَا بِامْرَأَةٍ بَرْزَةٍ عَلَى ظَهْرِ الطَّرِيقِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَرَدَّتْ عَلَيْهِ، أَوْ سَلَّمَتْ عَلَيْهِ، فَرَدَّ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَتْ: هِيهْ يَا عُمَرُ، عَهِدْتُكَ وَأَنْتَ تُسَمَّى عُمَيْرًا فِي سُوقِ عُكَاظٍ تُصَارِعُ الصِّبْيَانَ، فَلَمْ تَذْهَبِ الْأَيَّامُ وَاللَّيَالِي حَتَّى سُمِّيتَ عُمَرَ، ثُمَّ لَمْ تَذْهَبِ الْأَيَّامُ حَتَّى سُمِّيتَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَاتَّقِ اللَّهَ فِي الرَّعِيَّةِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ مَنْ خَافَ الْوَعِيدَ قَرُبَ مِنْهُ الْبَعِيدُ، وَمَنْ خَافَ الْمَوْتَ خَشِيَ الْفَوْتَ، فَبَكَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ الْجَارُودُ: هِيهْ، فَقَدْ أَكْثَرْتِ وَأَبْكَيْتِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَنْهَا: أَوَمَا تَعْرِفُ هَذِهِ؟ هَذِهِ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ امْرَأَةُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ الَّتِي سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَهَا مِنْ سَمَائِهِ فَعُمَرُ وَاللَّهِ أَجْدَرُ أَنْ يَسْمَعَ لَهَا".

وغضب محمد بن سليمان في دولة بني العباس على رجل فأمر أن يطرح من القصر، فقال الرجل: "اتق الله. فقال: خلوا سبيله؛ فإني كرهت أن أكون من الذين قال الله تعالى فيهم (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ العِزَّةُ بِالإِثْمِ) [البقرة:206]".

وفي مقابل ذلك فإن قوما أنفوا من الموعظة، ولم يستجيبوا للتذكرة، وأخذتهم العزة بالإثم فبؤسا لهم، مرَّ مالك بن دينار على رجل فرآه على بعض ما يكره فقال: "يا هذا، اتق الله، قال: يا مالك، دعنا ندق العيش دقا، فلما حضرت الرجل الوفاة قيل له: قل لا إله إلا الله، قال: إني أجد على رأسي ملكا يقول: والله لأدقنك دقا".

وقال رجل لأحد الكبراء: "اتق الله، قال أومثلك يأمر مثلي بتقوى الله؟! فرد عليه قائلا: لا أحد فوق أن يُوصَى بتقوى الله، ولا دون أن يوصِي بتقوى الله".

أيها الإخوة: إن من الناس من إذا أمر بمعروف أو نهي عن منكر؛ أسرع إليه الغضب، وعظم عليه الأمر، فأخذته الكبرياء والأنفة، وتخطفته العزة والحمية، وسيطر عليه طيش السفه، فيكون كالمأخوذ بالسحر، لا يستقيم له فكر؛ لأنه يتخيل النصح والإرشاد ذلة تنافي العزة المطلوبة. فحذار حذار عباد الله من ذلك؛ فإن صاحب العزة بالإثم موعود بالعذاب (فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ المِهَادُ) [البقرة:206].[ الأنترنت – موقع الخطباء -العزة بالحق والعزة بالإثم  - الشيخ د. : إبراهيم بن محمد الحقيل خطيب]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة الرابعة والثمانون في موضوع(الحسيب)وهي بعنوان :

*" عظم جرم الذي إذا أمر بتقوى الله أخذته العزة بالإثم "

ذمَّ الله – عز وجل - صنفاً من عباده إذا قيل له : اتق الله، أخذته العزة بالإثم، وهؤلاء حسبهم جهنم وبئس المهاد، قال تعالى : " وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ " [البقرة: 206] ولا شك أن هذا الصنف من الناس صنف باغ طاغ متجبر، ولذا فإنه إذا قيل للواحد منهم: اتق الله، تجده بغى، وطغا، وثار، وأرغى وأزبد، وقد يؤذي مخاطبه، وقد يقتله، ويفتك به .

وحسبك أن تعلم أن الله تعالى قال لرسوله صلى الله عليه وسلم : " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ " [الأحزاب: 1] وقد سقت النصوص الكثيرة القرآنية والنبوية الآمرة بالتقوى، كقوله تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ " [البقرة: 278] .

وتقوى الله وصية الله للأولين والآخرين من البشر، والمؤمن إذا قيل له : اتق الله، تواضع لها، وأخبت، ورقَّ قلبه، وإذا كان قد زلَّ وأخطأ، فإنك تجده قد ارعوى، واستغر وتاب، وأناب .

" تأسيس الأعمال على التقوى "

ينبغي أن تؤسس الأعمال على التقوى، ومن ذلك بناء المساجد، ودور الأيتام، والمدارس، والجامعات، وقد ذمَّ الله

تعالى في العهد النبوي الذين بنوا في المدينة في منطقة قباء مسجداً ضراراً، أرادوا من ورائه أن يتخذوه موضعاً للتآمر على رسول الله وعلى المؤمنين معه، فنهى الله رسوله صلى الله عليه وسلم عن افتتاحه والصلاة فيه، وكان بناته قد دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة فيه، فكشف الله سترهم، فضح أسرارهم، وأنزل فيهم قرآناً يتلى تحذيراً من كلِّ من فعل مثل فعلهم، ورغَّب الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقوم في المسجد الذي بني على التقوى، وهو الذي بني لعبادة الله، وفيه الذين يحبُّون أن يتظهروا، قال تعالى : " وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ * أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرُ أَمْ مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمْ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمُ حَكِيمُ " [التوبة: 107- 110] .

قال ابن كثير في تفسير هذه الآيات : " سبب نزول هذه الآيات الكريات أنه كان بالمدينة قبل مقدم رسول الله  صلى الله عليه وسلم إليها رجل من الخزرج يقال له : أبو عامر الراهب، وكان قد تنصّر في الجاهلية، وقرأ علم أهل الكتاب، وكان فيه عبادة في الجاهلية، وله شرفٌ في الخزرج كبير .

فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم  مهاجراً إلى المدينة، واجتمع المسلمون عليه، وصارت للإسلام كلمة عالية، واظهرهم الله يوم بدر، شرق اللعين أبو عامر بريقه، وبارز بالعداوة، وظاهر بها، وخرج فارّاً إلى كفار مكة من مشركي قريش، فألَّبهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاجتمعوا بمن وافقهم من أحياء العرب، وقدموا عام أحدٍ، فكان من أمر المسلمين ما كان، وامتحنهم الله، وكانت العاقبة للمتقين .

وكان هذا الفاسق قد حفر حفائر فيما بين الصَّفين، فوقع في إحداهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأصيب ذلك اليوم، فجرح في وجهه، وكسرت رباعيته اليمنى السفلى، وشجّ رأسه صلوات الله وسلامه عليه، وتقدم أبو عامر في أول المبارزة إلى قومه من الأنصار، فخاطبهم واستمالهم إلى نصره وموافقته، فلما عرفوا كلامه قالوا : لا أنعم الله بك عيناً يا فاسق ، يا عدوَّ الله ! ونالوا منه وسبّوه ، فرجع وهو يقول : والله لقد أصاب قومي بعدي شرّ

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعاه إلى الله قبل فراره، وقرأ عليه من القرآن، فأبى أن يسلم وتمرد، فدعى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يموت بعيداً طريداً، فنالته هذه الدعوة، وذلك أنه لما فرغ الناس من أحدٍ، ورأى أمر الرسول صلى الله عليه وسلم في ارتفاع وظهور، ذهب إلى هرقل ملك الروم يستنصره على النبي صلى الله عليه وسلم ، فوعده ومنَّاه، وأقام عنده، وكتب إلى جماعة من قومه من الأنصار من أهل النفاق والريب يعدهم ويمنَّيهم أنه سيقدم بجيش يقاتل به رسول لله صلى الله عليه وسلم ، ويغلبه ويردُّه عما هو فيه، وأمرهم أن يتخذوا له معقلاً يقدم عليهم فيه من يقدم من عنده لأداء كتبه، ويكون مرصداً له إذا قدم عليهم بعد ذلك، فشرعوا في بناء مسجد مجاور لمسجد قباء، فبنوه وأحكموه، وفرغوا منه قبل خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى تبوك، وجاؤوا فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي إليهم فيصلِّي في مسجدهم، ليحتجوا بصلاته عليه السلام فيه على تقريره وإثباته، وذكروا أنهم إنما بنوه للضعفاء منهم وأهل العلة في الليلة الشاتية. فعصمه الله من الصلاة فيه، فقال : «إنا على سفر، ولكن إذا رجعنا إن شاء الله» فلما قفل صلى الله عليه وسلم راجعاً إلى المدينة من تبوك، ولم يبق بينه وبينها إلا يوم أو بعض يوم، نزل عليه الوحي بخبر مسجد الضّرار، وما اعتمده بانوه من الكفر والتفريق بين جماعة المؤمنين في مسجدهم مسجد قباء، الذي أسس من أول يوم على  التقوى .

فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك المسجد من هدمه قبل مقدمه المدينة؛ كما قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله " وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا " : وهم أناس من الأنصار، ابتنوا مسجداً، فقال لهم أبو عامر : ابنوا مسجداً واستعدُّوا بما استطعتم من وقوة ومن سلاح، فإني ذاهب إلى قيصر ملك الروم، فآتي بجند من الروم، وأخرج محمداً وأصحابه، فلما فرغوا من مسجدهم، أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : قد فرغنا من بناء مسجدنا، فنحبّ أن تصلي  فيه وتدعو لنا بالبركة، فأنزل الله تعالى : " لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدُ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ " إلى " وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ " وكذا روي عن سعيد بن جبير، ومجاهد، وعروة بن الزبير، وقتادة، وغير واحد من العلماء .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة الخامسة والثمانون في موضوع(الحسيب)وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

*" عظم جرم الذي إذا أمر بتقوى الله أخذته العزة بالإثم "

وقال محمد بن إسحاق بن يسار، عن الزهري، ويزيد بن رومان، وعبد الله ابن أبي بكر، وعاصم بن عمر بن قتادة، وغيرهم، قالوا : أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني من تبوك – حتى نزل بذي أوان – بلدٍ بينه وبين المدينة ساعةٌ من نهار، وكان أصحاب مسجد الضِّرار قد كانوا أتوه وهو يتجهز إلى تبوك، فقالوا : يا رسول الله، إنا قد بنينا مسجداً لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية، وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه، فقال : «إني على جناح سفر وحال شغل» أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ولو قدمنا – إن شاء الله تعالى – أتيناكم فصلينا لكم فيه» .

فلما نزل بذي أوان أتاه خبر المسجد، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك ابن الدُّخشم أخا بني سالم بن عوف، ومعن بن عديٍّ – أو : أخاه عامر بن عديٍّ – أخا بلعجلان، فقال : «انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله، فاهدماه وحرقاه» فخرجا سريعين حتى أتيا بني سالم بن عوف، وهم رهط مالك بن الدُّخشم، فقال مالك لمعن : انظرني حتى أخرج إليك بنار من أهلي، فدخل أهله فأخذ سعفاً من النخل، فأشعل فيه ناراً، ثم خرجا يشتدَّان حتى دخلا المسجد وفيه أهله، فحرَّقاه وهدماه وتفرقوا عنه، ونزل فيهم من القرآن مانزل:وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا "إلى آخر القصة

وقوله : " وَلَيَحْلِفُنَّ " أي : الذين بنوه " إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى " أي : ما أردناه ببنيانه إلا خيراً ورفقاً بالناس، قال الله تعالى : " وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ " أي : فيما قصدوا وفيما نووا، وإنما بنوه ضراراً لمسجد قباء، وكفراً بالله، وتفريقاً بين المؤمنين، وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله، وهو أبو عامر الفاسق، الذي يقال له : الراهب، لعنه الله .

وقوله : " لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا " نهي من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم والأمة تبع له في ذلك، عن أن يقوم فيه، أي : يصلي فيه أبداً، ثم حثَّه على الصلاة في مسجد قباء الذي أسس من أول يوم بنائه على التقوى، وهي طاعة الله، وطاعة رسوله، وجمعاً لكلمة المؤمنين ومعقلاً وموئلاً للإسلام وأهله. ولهذا قال تعالى : " لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ " والسياق إنما هو في معرض مسجد قباء .

ولهذا جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «صلاة في مسجد قباء كعمرة» [الترمذي، ابن ماجه] .وفي الصحيح : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يزور مسجد قباء راكباً وماشياً [البخاري ومسلم] .

وقد ورد في الحديث الصحيح أن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو في جف المدينة، هو المسجد الذي أسس على التقوى، وهذا صحيح،ولا منافاة بين الآية وبين هذا، لأنه إذا كان مسجد قباء قد أسس على التقوى من أول يوم، فمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق الأولى والأحرى .

ولهذا روى الإمام أحمد بن حنبل في مسنده بسنده من حديث أبيّ بن كعب : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «المسجد الذي أسس على التقوى مسجدي هذا» تفرد به أحمد [مسند أحمد، صحح متنه محقق ابن كثير] .

وروى الإمام أحمد بسنده من حديث سهل بن سعد الساعدي قال : اختلف رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد الذي أسس على التقوى، فقال أحدهما: هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الآخر : هو مسجد قباء ، فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فسألاه، فقال : «هو مسجدي هذا» تفرد به أحمد أيضاً [قال محقق ابن كثير: أخرجه أحمد وابن أبي شيبة في مصنفه والطبري في تفسيره والطبراني في الكبير وقال الهيثمي في مجمع الزوائد : رجال أحمد والطبراني رجال الصحيح. ابن كثير] .

وروى الإمام أحمد بسنده من حديث سعيد بن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه قال : تمارى رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى، فقال أحدهما : هو مسجد قباء، وقال الآخر: هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «هو مسجدي هذا» تفرد به أحمد [قال محقق ابن كثير : صحيح، أخرجه أحمد] .

وروى الإمام أحمد بسنده من حديث ابن أبي سعيد، عن أبيه أنه قال : تمارى رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم، فقال رجل : هو مسجد قباء، وقال الآخر : هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،  فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «هو مسجدي» [وكذا رواه الترمذي والنسائي عن قتيبة، عن  الليث – وصححه الترمذي – ورواه مسلم كما سيأتي [وصححه محقق ابن كثير، أخرجه أحمد] .

 [تفسير ابن كثير، بشيء من الاختصار] .[الأنترنت – موقع الكلم الطيب- تأسيس الأعمال على التقوى - عظم جرم الذي إذا أمر بتقوى الله أخذته العزة بالإثم]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة السابعة والثمانون في موضوع(الحسيب)وهي بعنوان :

* من فوائد الآية: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة : 206]

1- أن هذا الرجل الموصوف بهذه الصفات يأنف أن يؤمر بتقوى الله؛ لقوله تعالى: { أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ } فهو يأنف، كأنه يقول في نفسه: أنا أرفع من أن تأمرني بتقوى الله عزّ وجلّ؛ وكأن هذا الجاهل تعامى عن قول الله تعالى لأتقى البشر: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ } [الأحزاب: 1] ؛ وقال تعالى في قصة زينب: { وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ } [الأحزاب: 37] .

2- ومنها: البلاغة التامة في حذف الفاعل في قوله تعالى: { وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ }؛ ليشمل كل من يقول له ذلك؛ فيكون رده لكراهة الحق.

3- ومنها: التحذير من رد الناصحين؛ لأن الله تعالى جعل هذا من أوصاف هؤلاء المنافقين؛ فمن رد آمراً بتقوى الله ففيه شبه من المنافقين؛ والواجب على المرء إذا قيل له: « اتق الله » أن يقول: «سمعنا، وأطعنا» تعظيماً لتقوى الله.

4- ومنها: أن الأنفة قد تحمل صاحبها على الإثم؛ لقوله تعالى: { أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ }.

5- ومنها: أن هذا العمل موجب لدخول النار؛لقوله تعالى:{فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ }.

6- ومنها: القدح في النار، والذم لها؛ لقوله تعالى: { وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ }؛ ولا شك أن جهنم بئس المهاد.[ الأنترنت – موقع الآجري - قال الشيخ العلامة الفقيه محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في فوائد الآية:{وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة : 206] ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة الثامنة والثمانون في موضوع(الحسيب)وهي بعنوان :

*"أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب "

قال الطبري: القول في تأويل قوله تعالى ( أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب } فيه ثلاث مسائل :

الأولى : قوله تعالى : أولئك لهم نصيب مما كسبوا هذا يرجع إلى الفريق الثاني فريق الإسلام ، أي لهم ثواب الحج أو ثواب الدعاء ، فإن دعاء المؤمن عبادة ، وقيل : يرجع أولئك إلى الفريقين ، فللمؤمن ثواب عمله ودعائه ، وللكافر عقاب شركه وقصر نظره على الدنيا ، وهو مثل قوله تعالى : ولكل درجات مما عملوا .

الثانية : قوله تعالى : والله سريع الحساب من سرع يسرع - مثل عظم

 يعظم - سرعا وسرعة ، فهو سريع . " الحساب " : مصدر كالمحاسبة ، وقد يسمى المحسوب حسابا ، والحساب العد ، يقال : حسب يحسب حسابا وحسابة وحسباناوحسبانا وحسبا،أي عد،وأنشد ابن الأعرابي :

يا جمل أسقاك بلا حسابه سقيا ****مليك حسن الربابه قتلتني بالدل والخلابه

 ولهذا قال وقوله الحق : وكفى بنا حاسبين ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم منزل الكتاب سريع الحساب الحديث ، فالله جل وعز عالم بما للعباد وعليهم فلا يحتاج إلى تذكر وتأمل ، إذ قد علم ما للمحاسب وعليه ; لأن الفائدة في الحساب علم حقيقته ، وقيل : سريع المجازاة للعباد بأعمالهم وقيل : المعنى لا يشغله شأن عن شأن ، فيحاسبهم في حالة واحدة ، كما قال وقوله الحق : ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة . قال الحسن : حسابه أسرع من لمح البصر ، وفي الخبر إن الله يحاسب في قدر حلب شاة ، وقيل : هو أنه إذا حاسب واحدا فقد حاسب جميع الخلق ، وقيل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه : كيف يحاسب الله العباد في يوم ؟ قال : كما يرزقهم في يوم ! ، ومعنى الحساب : تعريف الله عباده مقادير الجزاء على أعمالهم ، وتذكيره إياهم بما قد نسوه ، بدليل قوله تعالى : يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه ، وقيل : معنى الآية سريع بمجيء يوم الحساب ، فالمقصد بالآية الإنذار بيوم القيامة .

قلت : والكل محتمل فيأخذ العبد لنفسه في تخفيف الحساب عنه بالأعمال الصالحة ، وإنما يخف الحساب في الآخرة على من حاسب نفسه في الدنيا

الثالثة : قال ابن عباس في قوله تعالى : أولئك لهم نصيب مما كسبوا هو الرجل يأخذ مالا يحج به عن غيره ، فيكون له ثواب ، وروي عنه في هذه الآية أن رجلا قال : يا رسول الله ، مات أبي ولم يحج ، أفأحج عنه ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لو كان على أبيك دين فقضيته أما كان ذلك يجزي . قال نعم . قال : فدين الله أحق أن يقضى . قال : فهل لي من أجر ؟ فأنزل الله تعالى : أولئك لهم نصيب مما كسبوا يعني من حج عن ميت كان الأجر بينه وبين الميت . قال أبو عبد الله محمد بن خويز منداد في أحكامه : قول ابن عباس نحو قول مالك ; لأن تحصيل مذهب مالك أن المحجوج عنه يحصل له ثواب النفقة ، والحجة للحاج ، فكأنه يكون له ثواب بدنه وأعماله ، وللمحجوج عنه ثواب ماله وإنفاقه ; ولهذا قلنا : لا يختلف في هذا حكم من حج عن نفسه حجة الإسلام أو لم يحج ; لأن الأعمال التي تدخلها النيابة لا يختلف حكم المستناب فيها بين أن يكون قد أدى عن نفسه أو لم يؤد ، اعتبارا بأعمال الدين والدنيا . ألا ترى أن الذي عليه زكاة أو كفارة أو غير ذلك يجوز أن يؤدي عن غيره وإن لم يؤد عن نفسه ، وكذلك من لم يراع مصالحه في الدنيا يصح أن ينوب عن غيره من مثلها فتتم لغيره وإن لم تتم لنفسه ، ويزوج غيره وإن لم يزوج نفسه .

[الأنترنت – موقع إسلام ويب  - تفسير الطبري » تفسير سورة البقرة » القول في تأويل قوله تعالى "أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة التاسعة والثمانون في موضوع(الحسيب)وهي بعنوان :

*{الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا }39 الأحزاب

قال ابن كثير :  يمدح تبارك وتعالى { الذين يبلغون رسالات اللّه}

أي إلى خلقه ويؤدونها بأماناتها { ويخشونه} أي يخافونه ولا يخافون أحداً سواه، فلا تمنعهم سطوة أحد عن إبلاغ رسالات اللّه تعالى { وكفى باللّه حسيباً} أي وكفى اللّه ناصراً ومعيناً، وسيد الناس في هذا المقام، بل وفي كل مقام محمد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فإنه قام بأداء الرسالة وإبلاغها إلى أهل المشارق والمغارب، ثم ورث مقام البلاغ عنه أمته من بعده، فكان أعلى من قام بها بعده أصحابه رضي اللّه عنهم، بلغوا عنه كما أمرهم به في جميع أقواله وأفعاله وأحواله، في ليله ونهاره، وحضره وسفره، وسره وعلانيته، فرضي اللّه عنهم وأرضاهم، ثم ورثه كل خلف عن سلفهم إلى زماننا هذا، فبنورهم يقتدي المهتدون، وعلى منهجهم يسلك الموفقون، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (لا يحقرن أحدكم نفسه أن يرى أمر اللّه فيه مقال ثم لا يقوله، فيقول اللّه: ما يمنعك أن تقول منه، فيقول رب خشيت الناس فيقول فأنا أحق أن يخشى) ""أخرجه أحمد ورواه ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري"". وقوله تعالى: { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم} نهى أن يقال بعد هذا زيد بن محمد أي لم يكن أباه وإن كان قد تبناه، فإنه صلى اللّه عليه وسلم لم يعش له ولد ذكر حتى بلغ الحلم، فإنه صلى اللّه عليه وسلم ولد له القاسم والطيب والطاهر من خديجة رضي اللّه عنها فماتوا صغاراً، وولد له صلى اللّه عليه وسلم إبراهيم من مارية القبطية، فمات أيضاً رضيعاً، وكان له صلى اللّه عليه وسلم من خديجة أربع بنات: زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة رضي اللّه عنهم أجمعين، فمات في حياته صلى اللّه عليه وسلم ثلاث، وتأخرت فاطمة رضي اللّه عنها حتى أصيبت به صلى اللّه عليه وسلم ثم ماتت بعده لستة أشهر، وقوله تعالى: { ولكن رسول اللّه وخاتم النبيين وكان اللّه بكل شيء عليماً} فهذه الآية نص في أنه لا نبي بعده، وإذا كان لا نبي بعده فلا رسول بعده بالطريق الأولى والأحرى، لأن مقام الرسالة أخص من مقام النبوة. وبذلك وردت الأحاديث المتواترة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. روى الإمام أحمد عن أبي بن كعب عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (مثلي في النبيين كمثل رجل بنى داراً فأحسنها وأكملها وترك فيها موضع لبنة لم يضعها فجعل الناس يطوفون بالبنيان ويعجبون منه ويقولون: لو تم موضع هذه اللبنة؟ فأنا في النبيين موضع تلك اللبنة) ""أخرجه الإمام أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح"".            حديث آخر: روى الإمام أحمد عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (إن الرسالة والنبوة قد انقطعت فلا رسول بعدي ولا نبي) قال فشق ذلك على الناس فقال: (  ولكن المبشرات) قالوا: يا رسول اللّه وما المبشرات؟ قال: (رؤيا الرجل المسلم وهي جزء من أجزاء النبوة) ""أخرجه أحمد والترمذي"".           حديث آخر: روى أبو داود الطيالسي عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجل بنى داراً فأكملها وأحسنها إلا موضع لبنة فكان من دخلها فنظر إليها قال: ما أحسنها الإ موضع هذه اللبنة، فأنا موضع اللبنة ختم بي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام) ""أخرجه الطيالسي ورواه البخاري ومسلم والترمذي بنحوه"".                

حديث آخر: عن جبير بن مطعم رضي اللّه عنه قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (إن لي أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو اللّه تعالى به الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب الذي ليس بعده نبي) ""أخرجاه في الصحيحين عن طريق الزهري"".

فمن رحمة اللّه تعالى بالعباد إرسال محمد صلى اللّه عليه وسلم إليهم، ثم من تشريفه لهم ختم الأنبياء والمرسلين به، وإكمال الدين الحنيف له، وقد أخبر تبارك وتعالى في كتابه العزيز أنه لا نبي بعده ليعلموا أن كل من ادعى هذا المقام بعده فهو كذاب أفاك دجال، ضال مضل

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة التسعون في موضوع(الحسيب)وهي بعنوان :

*{الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا }39 الأحزاب

قال الطبري

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَات اللَّه وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّه وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : سُنَّة اللَّه فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْل مُحَمَّد مِنْ الرُّسُل , الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَات اللَّه إِلَى مَنْ أُرْسِلُوا إِلَيْهِ , وَيَخَافُونَ اللَّهَ فِي تَرْكهمْ تَبْلِيغَ ذَلِكَ إِيَّاهُمْ , وَلَا يَخَافُونَ أَحَدًا إِلَّا اللَّه , فَإِنَّهُمْ إِيَّاهُ يَرْهَبُونَ إِنْ هُمْ قَصَّرُوا عَنْ تَبْلِيغهمْ رِسَالَةَ اللَّه إِلَى مَنْ أُرْسِلُوا إِلَيْهِ . يَقُول لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد : فَمِنْ أُولَئِكَ الرُّسُل الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتهمْ , فَكُنْ وَلَا تَخْشَ أَحَدًا إِلَّا اللَّه , فَإِنَّ اللَّهَ يَمْنَعك مِنْ جَمِيع خَلْقه , وَلَا يَمْنَعك أَحَد مِنْ خَلْقه مِنْهُ , إِنْ أَرَادَ بِك سُوءًا . " وَالَّذِينَ " مِنْ قَوْله : { الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَات اللَّه } خَفَضَ رَدًّا عَلَى " الَّذِينَ " الَّتِي فِي قَوْله : { سُنَّةَ اللَّه فِي الَّذِينَ خَلَوْا } ,

وَقَوْله : { وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَكَفَاك يَا مُحَمَّد بِاللَّهِ حَافِظًا لِأَعْمَالِ خَلْقه , وَمُحَاسِبًا لَهُمْ عَلَيْهَا.

وقال القرطبي

قوله تعالى: { سنة الله في الذين خلوا من قبل} هذه مخاطبة من الله تعالى لجميع الأمة. أعلمهم أن هذا ونحوه هو السنن الأقدم في الأنبياء أن ينالوا ما أحله لهم، أي سن لمحمد صلى الله عليه وسلم التوسعة عليه في النكاح سنة الأنبياء الماضية، كداود وسليمان. فكان لداود مائة امرأة وثلاثمائة سرية، ولسليمان ثلاثمائة امرأة وسبعمائة سرية. وذكر الثعلبي عن مقاتل وابن الكلبي أن الإشارة إلى داود عليه السلام، حيث جمع الله بينه وبين من فتن بها. و { سنة} نصب على المصدر، أي سن الله له سنة واسعة و { الذين خلوا} هم الأنبياء، بدليل وصفهم بعد بقوله: { الذين يبلغون رسالات الله} .[الأنترنت – موقع {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا }39 الأحزاب]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة الواحدة والتسعون في موضوع(الحسيب)وهي بعنوان :

*{ ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا }(الإسراء - 14)

ورد في التفسير الميسر : يقال له: اقرأ كتاب أعمالك، فيقرأ، وإن لم يكن يعرف القراءة في الدنيا، تكفيك نفسك اليوم محصية عليك عملك، فتعرف ما عليها من جزاء. وهذا من أعظم العدل والإنصاف أن يقال للعبد: حاسِبْ نفسك، كفى بها حسيبًا عليك.

وقال السعدى : يقال له:{اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا } وهذا من أعظم العدل والإنصاف أن يقال للعبد: حاسب نفسك ليعرف بما عليه من الحق الموجب للعقاب.

وقال الطنطاوي :  بين - سبحانه - ما يخاطب به الإِنسان بعد أن فتح كتابه أمامه،فقال تعالى ( اقرأ كتابك كفى بِنَفْسِكَ اليوم عَلَيْكَ حَسِيباً ) .

أى : ويقال له بعد أن وجد كتابه منشورا أمامه ، اقرأ كتابك هذا ،

 وما اشتمل عليه من أعمال صدرت عنك فى الدنيا ، كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا .أى : محاسبا ، كجليس بمعنى مجالس ، أو حاسبا وعادًّا كصريم بمعنى صارم يقال حسب فلان على فلان قوله ، إذا عده عليه . ولفظ ( كفى ) هنا لازم ، ويطرد فى هذه الحالة جر فاعله بالباء المزيدة لتوكيد الكفاية و ( حسيبا ) تمييز ، وعليك متعلق به . وتارة يأتى لفظ ( كفى ) متعديا ، كما فى قوله - تعالى - : ( وَكَفَى الله المؤمنين القتال ).

البغوى : اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا

( اقرأ كتابك ( أي : يقال له : اقرأ كتابك . قوله تعالى : ( كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ( محاسبا . قال الحسن : لقد عدل عليك من جعلك حسيب نفسك . قال قتادة : سيقرأ يومئذ من لم يكن قارئا في الدنيا .

وقال ابن كثير : أي : إنك تعلم أنك لم تظلم ولم يكتب عليك غير ما عملت ؛ لأنك ذكرت جميع ما كان منك ، ولا ينسى أحد شيئا مما كان منه ، وكل أحد يقرأ كتابه من كاتب وأمي .

وقوله [ تعالى ] ( ألزمناه طائره في عنقه ) إنما ذكر العنق ؛ لأنه عضو لا

نظير له في الجسد ، ومن ألزم بشيء فيه فلا محيد له عنه ، كما قال الشاعر : اذهب بها اذهب بها *** طوقتها طوق الحمامة

قال قتادة ، عن جابر بن عبد الله ، رضي الله عنه عن نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا عدوى ولا طيرة وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه " . كذا رواه ابن جرير .

وقد رواه الإمام عبد بن حميد ، رحمه الله ، في مسنده متصلا فقال : حدثنا الحسن بن موسى ، حدثنا ابن لهيعة ، عن أبي الزبير ، عن جابر [ رضي الله عنه ] قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " طير كل عبد في عنقه " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا علي بن إسحاق ، حدثنا عبد الله ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثني يزيد : أن أبا الخير حدثه : أنه سمع عقبة بن عامر [ رضي الله عنه ] يحدث ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ليس من عمل يوم إلا وهو يختم عليه ، فإذا مرض المؤمن قالت الملائكة : يا ربنا ، عبدك فلان ، قد حبسته ؟ فيقول الرب جل جلاله : اختموا له على مثل عمله ، حتى يبرأ أو يموت " .إسناده جيد قوي ، ولم يخرجوه .

وقال معمر ، عن قتادة : ( ألزمناه طائره في عنقه ) قال : عمله . ( ونخرج له يوم القيامة ) قال : نخرج ذلك العمل ( كتابا يلقاه منشورا ) قال معمر : وتلا الحسن البصري ( عن اليمين وعن الشمال قعيد ) [ ق : 17 ] يا ابن آدم ، بسطت لك صحيفتك ووكل بك ملكان كريمان ، أحدهما عن يمينك والآخر عن يسارك فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك ، وأما الذي عن يسارك فيحفظ سيئاتك ، فاعمل ما شئت ، أقلل أو أكثر ، حتى إذا مت طويت صحيفتك فجعلت في عنقك معك في قبرك ، حتى تخرج يوم القيامة كتابا تلقاه منشورا ( اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ) قد عدل - والله - عليك من جعلك حسيب نفسك . هذا من حسن كلام الحسن ، رحمه الله .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة الثانية والتسعون في موضوع(الحسيب)وهي بعنوان :

*حظ المؤمن من اسم الله "الحسيب"

لا مفر من حساب الله:

الله لا يشغله حساب أحد عن أحد، فأنت حينما كنت تلميذا تنتظر حساب معلمك لك وتصغى بأذنك لصوته وهو ينادي أسماء من حولك، تقول في نفسك لعل الوقت ينتهى وأنجو من هذه المواجهه، لعله ينشغل مع تلميذ قبلي، وتظل تحدث نفسك وتنظر في الوقت منتظرا الجرس، وهكذا إلى أن يصل دورك أو أن تنجو..

الله سبحانه وتعالى لا يشغله حساب أحد عن أحد ولن يكون هناك دور تنتظر فيه ولن يكون هناك مفر من هذا الحساب، الكل سيحاسب وبدقة شديدة عن كل صغيرة وكبيرة، قال جلّ في علاه :{الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ } [غافر : 17] وهو أسرع الحاسبين سبحانه وتعالى.

  إن الحسيب معناه الكافي انظر إلى هذا الدعاء الجميل الذي نردده كثيرا لكن نحتاج أن نستشعره بقلوبنا،  في البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: "حسبنا الله ونعم الوكيل قالها  إبراهيم -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام-حين ألقي في النار وقالها محمّد -صل الله عليه وسلم - حين قالوا{  إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُواحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } ( آل عمران173)" (صحيح البخاري)

ما أحبّ هذا الدعاء إلى القلوب "حسبنا الله" تشعر بها بالسكينة على قلبك، الله يكفيني، يكفي قلبي  فلا أقلق ولا أنزعج ولا أرتاب ولا تصيبني من جرّاء الخوف أي إساءة ولا أي إشكال كيف وقد أنزل ربي سبحانه وتعالى على قلبي برد الرضا فصرت ساكناً هادئاً مرتاحاً.                                              

 كل هذا حين تقول : "حسبي الله" فيكفيك..قد تبتلى ولكن هذا البلاء لا يؤثر على نفسيتك فلا تشعر به بلاءا وقد قلت هذا كثيراً، وقد يحدث العكس فالبعض يُبتلى فيعيش في البلاء دون أن يمسّه البلاء، يكون دائما خائفا، تحدّثه نفسه: سوف يحدث كذا، سأفقد فلانا، سأخسر صفقة، سأتعرض لحادث..فتصيبه الأمراض النفسية والقلق والإكتئاب والمشاكل من دون أن يمسه شيء، أو يحدث له أي مشكلة.             

إنما المؤمن موقفه حيال هذه الإبتلاءات { إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فزادهم إيمانا} فلم يقعوا في شراك شرك الخوف بل اعتمدوا على ربهم ، السيّد الذي لا يعتمد إلا عليه سبحانه ..{ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ }، فكان هذا الرزق العميم {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ } وجاءت "فضل" نكرة في سياق الاثبات على اعتبار أن تكون مطلقة. وكان يمكن أن يقول فانقبلوا "بنعمة وفضل" لكن أضاف من الله لكي يشعر قيمة  هذه النعمة، فهى نعمة خاصة جدا مميزة جدا { بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ } أي كل سوء، سواء كان هذا السوء مشاكل نفسية  سواء كانت ابتلاءات تصيبه  بأذى في جسده أو بأذى في نفسيته أو في أهله في ماله، لم يقربه أدنى شئ {لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيم } فرضى عنهم ربهم فأرضاهم ولا شك هذا هو الفوز العظيم                                                                       

إذاً فمن حظ المؤمن أن  يستشعر أن الله الحسيب هو الذي يكفيه لا غنىً له عنه بل لا يتصور العبد حياته دون ربه، فيديم اتصاله به ويديم افتقاره له ويتجسد ذلك في دوام الدعاء.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة الثالثة والتسعون في موضوع(الحسيب)وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

*{ ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا }(الإسراء - 14)

ويشير العلماء هنا إلى معنى دقيق من معانى الكفاية: فيقولون هل احتياج الإنسان لملاذ الحياة يقدح في شعوره بكفاية الله له؟ فأنت إذا احتجت إلى طعام وشراب وإلى  شمس وإلى أرض وإلى مسكن وإلى زوجة وسعيت في تحصيل ذلك هل هذا يقدح في فهمك بأن الله هو كافيك؟

فقالوا: الكفاية حصلت بهذه الأسباب لكن الله وحده المتفرد بخلقها للعبد فهذا لا يُسمى في الاعتبار إنشغالاً عن الله إلا إذا كان  هذا قاطعاً عن الله، يعنى العبد إذا خرج من بيته ليعمل متوكلا على الله سائلا منه الرزق والفتح موقن بأن الله هو الفتاح الرزاق يختلف عن عبد آخر خرج مشغولا بالأسباب ناسيا للاستعانة معتمدا على عقله وحوله وقوته ومهارته فيأبى الله عزّ وجل إلا أن ينقض عزيمته ولا يحصل مراده، بل  وقد  يُفتن. إذاً  فمتى استعان فلا قدح في سعيه إلا أن يتعلّق بالأسباب دون مسببها.

" حسبنا الله ونعم الوكيل " ما حقها منك؟:

   أعني ذلك الرجل الذي وقف معك ذلك الموقف وقت ضعفك فحفظك وأمنك ونصرك على ظروفك، بماذا ستقابل فعله هذا معك ؟ لعلك تريد أن تقبّل يديه وقدميه أو تفعل له أي جميل وخدمة جزاء وقوفه بجانبك في شدتك.

فحق هذه الآية الجميلة، قول الله تعالى: { أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر : 36] أن يكون ردك : بلى يارب ومن يكفيني غيرك؟  يقولها قلبك فتشعر بلذة تودده إليك وقربه منك، فتزداد بدورك حبا وقربا له سبحانه.

  لاشك أن المعنى الثالث :الذي ينبغي أن نتوقف عنده ملياً في اسم الله تعالى الحسيب هي مسألة المحاسبة : وضع العلماء للمحاسبة شروطاً وأركاناً ينبغي أن نفقهها.

أول الأمر : أن يكون الإنسان دائماً أبداً محاسباً لنفسه " حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا " فمن حاسب نفسه بدقه في حياته خُفّف عليه من الحساب يوم القيامة.

يقول الله سبحانه وتعالى :{ فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى،وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}[الليل : 5، 6،7] فيكون حسابه يسيراً وهو مجرد العرض كما أخبر النبيّ صلّ الله عليه وسلم. فلا يمر بك يوم دون أن تنظر أين أنت من الطريق ؟  هل تقدمت أم تأخرت ؟

وقد تسأل الآن: على أي شيئ أحاسب نفسي؟

-   حاسبها كما يحاسبك ربك، إبدأ أولاً بالأمور العظام الكبار وانظر فيها فإن وجدتها خفيفة عندك فاعلم أن هذا وزنك، يعني  ماشأن  الصلوات عندك؟ عظيمة هي عند الله، ما شأنها عندك وما وزنها ؟هل هي عظيمة في قلبك ؟

  ماذا عن انظر أخلاقك وسلوكياتك ! فالأخلاق عظيمة عند الله..ألم يأتي في الحديث "الرجل يدرك بحسن خلقه منزلة الصائم القائم" فهل للأخلاق مكانة عندك..؟

وهكذا سل نفسك كثيراً  هذه الأسئلة، ابدأ بالعظام من الأعمال عند الله ثم تدرج شيئا فشيئا إلى أن تصل بالمحاسبة إلى خطرات النفوس.

فمثلا تضع جدولا أسبوعيا للمحاسبة ولو ابتداءا لكي تضبط أمورك، فتحاسب نفسك مثلا على إدراك تكبيرة الإحرام، وتحدد مدة للثبات أسبوعين أوثلاثة حتى ينضبط حالك في هذا الأمر، ثم تركز على غيره.

وهكذا تتدرج في الأقل فالأقل، فتبحث عن الأعمال التي لم تفعلها من قبل إذ يجب ان تضرب فيها بسهم، وضع لك قائمة بمثل هذه الأعمال تراجعها كل فترة لتعرف أي الأبواب لم تدقها بعد فتسعى لها. هذا مثال للمحاسبة على الأوامر

- كذلك تحاسب نفسك على النواهي، فتعرف ما الكبائر التي تقع فيها فتسارع في التوبة والإقلاع عنها لعل الله يكفر عنك ما سواها، قال الله عزّ وجلّ :{إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم}..

واحذر من بعض الكبائر المغفول عنها، كالغيبة والكبر والعجب وآفات النفوس بشكل عام، ويساعدك في هذا كتاب "الزواجر عن اقتراف الكبائر" لابن حجر الهيثمي، فأنصحك بطبعة محققة له تعينك. تقرأ فيه وتحاسب نفسك على كل كبيرة من  هذه الكبائر وتسعى للتنزه منها، حتى تصل إلى باقي الذنوب واللمم الأخرى.

وأقول لك استعن وابدأ وتدرج، وكل أسبوع خصص له أمرا ونهيا تحاسب نفسك عليه، أو أكثر إن استطعت إلى أن يصل بك الأمر إلى أن تحاسب نفسك  على الكلمة، " إن الرجل ليتفوه بالكلمة لا يعطي لها بالا  يهوي بها في النار سبعين خريفا  " فتصبح الكلمة عندك بميزان، وهذه أحوال المحسنين، أحوال عباد الله تعالى المقربين إلى الله.

واعلم أنك لو فعلت هذا سيتبين لك أنك لا تعمل إلا على عدة ذنوب مكررة لا تحاسب نفسك إلا عليها، وسيتكشف لك أمور أعظم وأخطر أنت غافل عنها تماما، مما يجعلك على خطر عظيم. فغالبا ما تجد الشباب لا يؤرقه إلا ذنوب مثل إطلاق البصر، العادة السرية، مقدمات الزنا بشكل عام من حب وعشق محرم وغيره. وهو يرتكب أمور أشد وأخطر لكنه لا يعتبرها ذنباً أو غافل عن خطرها..فأنت في حاجة شديدة لتفقد ذلك. 

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة الرابعة والتسعون في موضوع(الحسيب)وهي بعنوان :

* {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ۝ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}

      فلشدة الحاجة إلى التقوى ولعظم شأنها، ولكون كل واحد منا، بل كل واحد من المسلمين في أشد الحاجة إلى التقوى والاستقامة عليها، رأيت أن أكتب فيها كلمة موجزة عسى الله أن ينفع بها المسلمين فأقول: كل من تدبر موارد التقوى في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسوله محمد عليه الصلاة والسلام، علم أنها سبب كل خير في الدنيا والآخرة.

فأنت يا عبد الله إذا قرأت كتاب ربك من أوله إلى آخره، تجد التقوى رأس كل خير، ومفتاح كل خير، وسبب كل خير في الدنيا والآخرة، وإنما تأتي المصائب والبلايا والمحن والعقوبات بسبب الإهمال أو الإخلال بالتقوى وإضاعتها، أو إضاعة جزء منها، فالتقوى هي سبب السعادة والنجاة وتفريج الكروب والعز والنصر في الدنيا والآخرة.

ولنذكر في هذا آيات من كتاب الله، ترشد إلى ما ذكرنا، من ذلك قوله جل وعلا: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ۝ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3] قال بعض السلف: هذه الآية أجمع آية في كتاب الله، أو قال: من أجمع آية في كتاب الله، وما ذاك إلا لأن الله رتب عليها خير الدنيا والآخرة، فمن اتقى الله جعل له مخرجا من مضائق الدنيا ومضائق الآخرة، والإنسان في أشد الحاجة، بل في أشد الضرورة إلى الأسباب التي تخلصه من المضائق في الدنيا والآخرة، ولكنه في الآخرة أشد حاجة وأعظم ضرورة، وأعظم الكربات وأعظم المضائق كربات يوم القيامة، وشدائدها، فمن اتقى الله في هذه الدار فرج الله عنه كربات يوم القيامة، وفاز بالسعادة والنجاة في ذلك اليوم العظيم العصيب، فمن وقع في كربة من الكربات فعليه أن يتقي الله في جميع الأمور، حتى يفوز بالفرج والتيسير، فالتقوى باب لتفريج كربة العسر وكربة الفقر وكربة الظلم وكربة الجهل وكربة السيئات والمعاصي وكربة الشرك والكفر إلى غير ذلك، فدواء هذه الأمور وغيرها أن يتقي الله بترك الأمور التي حرمها الله ورسوله، وبالتعلم والتفقه في الدين حتى يسلم من داء الجهل، وبالحذر من المعاصي والسيئات حتى يسلم من عواقبها في الدنيا والآخرة.

فالسيئات لها عواقب في الدنيا من عقوبات قدرية، أو عقوبات شرعية،

من الحدود والتعزيرات والقصاص، ولها عقوبات في الآخرة، أولها عذاب القبر، ثم بعد الخروج من المقابر بعد البعث والنشور عقوبات وشدائد يوم القيامة، ومن عقوباتها أيضا أن الإنسان يخف ميزانه بسبب إضاعة التقوى ويرجح ميزانه بسبب استقامته على التقوى، ويعطى كتابه بيمينه إذا استقام على التقوى، وبشماله إذا انحرف عن التقوى، ويدعى إلى الجنة إذا استقام على التقوى، ويساق إلى النار إذا ضيع التقوى، وخالف التقوى ولا حول ولا قوة إلا بالله.

والإنسان محتاج أيضا إلى الرزق الحلال الطيب في هذه الدار، وإلى النعيم المقيم في الآخرة، وهو أحسن نعيم وأعظم النعيم ولا نعيم فوقه، ولا طريق إلى ذلك ولا سبيل إلا بالتقوى، فمن أراد عز الدنيا والرزق الحلال فيها، والنعيم في الآخرة، فعليه بالتقوى.

والإنسان محتاج إلى العلم، والبصيرة والهدى، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالتقوى، كما قال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا [الأنفال:29] والفرقان كما قال أهل العلم: هو: النور الذي يفصل به بين الحق والباطل، وبين الهدى والضلال. الاجتهاد في طلب العلم والتفقه في الدين من جملة التقوى، وبذلك يحصل النور والهدى، وهما الفرقان. فالتقوى كلمة جامعة حقيقتها الإيمان والعمل الصالحولا يخفى على من تأمل أن الاجتهاد في طلب العلم والتفقه في الدين من جملة التقوى، وبذلك يحصل النور والهدى، وهما الفرقان. فالتقوى كلمة جامعة حقيقتها الإيمان والعمل الصالح كما قال الله جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ [لقمان:8] وكما قال عز وجل: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُواا يَعْمَلُونَ [النحل:97] فالتقوى حقيقتها إيمان صادق بالله ورسوله، وبما أخبرت به الرسل عما كان وعما يكون، ثم عمل صالح وهو مقتضى الإيمان وموجبه، ومن ذلك التعلم والتفقه في الدين وهما من التقوى كما تقدم ولذلك رتب الله على التقوى الفرقان، لأن من شعبها التعلم والتفقه في الدين والتبصر في ما جاء به المصطفى عليه الصلاة والسلام.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة الخامسة والتسعون في موضوع(الحسيب)وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

* {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ۝ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}

فالإنسان قد تضيق أمامه الدروب وتسد في وجهه الأبواب في بعض حاجاته، فالتقوى هي المفتاح لهذه المضائق وهي سبب التيسير لها، كما قال عز وجل: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4] وقد جرب سلفنا الصالح وهم الصحابة رضي الله عنهم وأتباعهم بإحسان، كما جرب قبلهم رسل الله عليهم الصلاة والسلام الذين بعثهم الله لهداية البشر، وحصلوا بالتقوى على كل خير، وفتحوا بها باب السعادة وانتصروا بها على الأعداء، وفتحوا بها القلوب، وهدوا بها البشرية إلى الصراط المستقيم.

وإنما حصلت لهم القيادة للأمم والذكر الجميل والفتوحات المتتابعة بسبب تقواهم لله، وقيامهم بأمره، وانتصارهم لدينه، وجمع كلمتهم على توحيده وطاعته، كما أن الناس في أشد الحاجة إلى تكفير السيئات وحط الخطايا وغفران الذنوب وسبيل هذا هو التقوى، كما قال عز وجل: إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ [الأنفال:29] وقال عز وجل: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا [الطلاق:5] ومن أعظم الأجر الفوز بالجنة والنجاة من النار، وهكذا المسلمون في أشد الحاجة إلى النصر على أعدائهم والسلامة من مكايد الأعداء ولا سبيل إلى هذا إلا بالتقوى، كما قال عز وجل: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [آل عمران:120].

فالمسلمون إذا صبروا في طاعة الله وفي جهاد أعدائه واتقوا ربهم في ذلك بإعداد العدة المستطاعة: البدنية والمالية والزراعية والسلاحية وغير ذلك، نصروا على عدوهم. لأن هذا كله من تقوى الله، ومن أهم ذلك إعداد العدة المستطاعة من جميع الوجوه، كالتدريب البدني والمهني والتدريب على أنواع الأسلحة، ومن ذلك إعداد المال وتشجيع الزراعة والصناعة وغير ذلك مما يستعان به على الجهاد، والاستغناء عما لدى الأعداء، وكل ذلك داخل في قوله سبحانه: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60] ولا يتم ذلك إلا بالصبر.

والصبر من أعظم شعب التقوى وعطفها عليه في قوله سبحانه: وَإِنْْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا [آل عمران:120] من عطف العام على الخاص، فلابد من صبر في جهاد الأعداء، ولابد من صبر في الرباط في الثغور، ولابد من صبر في إعداد المستطاع من الزاد والبدن القوي المدرب، كما أنه لابد من الصبر في إعداد الأسلحة المستطاعة التي تماثل سلاح العدو أو تفوقه حسب الإمكان، ومع هذا الصبر لابد من تقوى الله في أداء فرائضه وترك محارمه والوقوف عند حدوده والانكسار بين يديه والإيمان بأنه الناصر وأن النصر من عنده لا بكثرة الجنود ولا بكثرة العدة ولا بغير ذلك من أنواع الأسباب، وإنما النصر من عنده سبحانه وإنما جعل الأسباب لتطمين القلوب وتبشيرها بأسباب النصر، كما قال جل وعلا: وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [الأنفال:10] الآية وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7] وقال عز وجل: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ۝ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [الحج:40، 41] الآية.

وهذه الأعمال من شعب التقوى، وبهذا يعلم معنى قوله سبحانه: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا [آل عمران:120] فإذا أراد المسلمون النصر والعزة والنجاة في الدنيا والآخرة وتفريج الكروب وتيسير الأمور وغفران الذنوب وتكفير السيئات والفوز بالجنات إلى غير هذا من وجوه الخير فعليهم بتقوى الله عز وجل، والله وصف أهل الجنة بالتقوى فقال: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ [الذاريات:15] وقال عز وجل: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ [الطور:17] وقال تعالى: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ [القلم:34] فبين سبحانه أنه أعد الجنة لأهل التقوى، فعلمت يا أخي أنك في أشد الحاجة إلى أن تتقي ربك، ومتى اتقيته سبحانه حق التقوى فزت بكل خير ونجوت من كل شر، وليس المعنى أنك لا تبتلى، بل قد تبتلى وتمتحن، وقد ابتلي الرسل وهم أفضل الخلق وأفضل المتقين حتى يتبين للناس صبرهم وشكرهم وليقتدي بهم في ذلك، فبالابتلاء يتبين صبر العبد وشكره ونجاته وقوته في دين الله عز وجل، كما قال سبحانه: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ [العنكبوت:2]

وقال تعالى: وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:3]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة السادسة والتسعون في موضوع(الحسيب)وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

* {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ۝ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}

فلا بد من الامتحان والفتنة كما تقدم، وكما قال جل وعلا: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ [محمد:31] وقال سبحانه: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:35] وقال سبحانه: وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الأعراف:168] فالاختبار لابد منه، فالرسل وهم خير الناس امتحنوا بأعداء الله. نوح ما جرى عليه من قومه وهكذا هود وصالح وغيرهم وعلى رأسهم نبينا محمد ﷺ خاتم النبيين وإمام المتقين وأفضل المجاهدين ورسول رب العالمين، قد علم ما أصابه بمكة وفي المدينة وفي الحروب، ولكنه صبر صبرا عظيما حتى أظهره الله على أعدائه وخصومه، ثم ختم له سبحانه وتعالى بأن فتح عليه مكة ودخل الناس في دين الله أفواجا، فلما أتم الله النعمة عليه وعلى أمته وأكمل لهم الدين اختاره إلى الرفيق الأعلى وإلى جواره عليه الصلاة والسلام بعد المحنة العظيمة والصبر العظيم والبلاء الشديد، فكيف يطمع أحد بعد ذلك أن يسلم أو يقول متى كنت متقيا أو مؤمنا فلا يصيبني شيء ليس الأمر كذلك بل لابد من الامتحان، ومن صبر حمد العاقبة، كما قال الله جل وعلا: فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ [هود:49] وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه:132] فالعاقبة الحميدة لأهل التقوى، متى صبروا واحتسبوا وأخلصوا لله وجاهدوا أعداءه وجاهدوا هذه النفوس، فالعاقبة لهم في الدنيا والآخرة، كما قال عز وجل: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69] فأنت يا عبد الله في أشد الحاجة إلى تقوى ربك ولزومها والاستقامة عليها ولو جرى ما جرى من الامتحان، ولو أصابك ما أصابك من الأذى أو الاستهزاء من أعداء الله، أو من الفسقة والمجرمين فلا تبالي، واذكر الرسل عليهم الصلاة والسلام، واذكر أتباعهم بإحسان، فقد أوذوا واستهزئ بهم وسخر بهم

ولكنهم صبروا فكانت لهم العاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة.

فأنت يا أخي كذلك اصبر وصابر فإن قلت ما هي التقوى؟ فقد سبق لك شيء من بيانها، وقد تنوعت عبارات العلماء في التقوى، وروي عن عمر بن عبدالعزيز أمير المؤمنين رضي الله عنه ورحمه أنه قال: (ليس تقوى الله بقيام الليل وصيام النهار والتخليط فيما بين ذلك، ولكن التقوى أداء فرائض الله وترك محارمه، فمن رزق بعد ذلك خيرا فهو خير إلى خير) ا. هـ. فمن رزق بعد أداء الفرائض وترك المحارم نشاطا في فعل النوافل وترك المكروهات والمشتبهات فهو خير إلى خير.

وقال طلق بن حبيب التابعي المشهور رحمه الله: (تقوى الله أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تدع معاصي الله على نور من الله تخاف عقاب الله) وقال بعضهم في تفسيرها التقوى طاعة الله ورسوله، وقال آخرون: التقوى: أن تجعل بينك وبين غضب الله وعقابه وقاية تقيك ذلك بفعل الأوامر وترك النواهي، وكل هذه العبارات معانيها صحيحة ، فالتقوى حقيقتها هي : دين الإسلام، وهي :  الإيمان  والعمل  الصالح، وهي: العلم النافع والعمل به، وهي: الصراط المستقيم،              وهي: الاستسلام لله والانقياد له جل وعلا بفعل الأوامر، وترك النواهي عن إخلاص كامل له سبحانه وعن إيمانه به ورسله، وعن إيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله، إيمانا صادقا يثمر أداء الخير والحذر من الشر والوقوف عند الحدود، وإنما سمى الله دينه تقوى لأنه يقي من استقام عليه عذاب الله وغضبه، ويحسن لربه العاقبة جل وعلا، وسمى هذا الدين إسلاما، لأن المسلم. يسلم نفسه لله وينقاد لأمره، يقال أسلم فلان لفلان أي انقاد له، ولهذا سمى الله دينه إسلاما في قوله: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ [آل عمران:19] وغيرها من الآيات، لأن المسلم انقاد لأمر الله وذل لعظمته، فالمسلم حقا ينقاد لأمر الله، ويبتعد عن نهيه ويقف عند حدوده، قد أعطى القيادة لربه فهو عبد مأمور، رضاه وأنسه ومحبته ونعيمه في امتثال أمر الله وترك نهيه، هذا هو المسلم الحق.

ولهذا قيل له مسلم، يعني منقادا لأمر الله تاركا لمحارمه واقفا عند حدوده، يعلم أنه عبد مأمور عليه الامتثال، ولهذا سمي الدين عبادة كما سمي إسلاما، سمي عبادة كما في قوله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21] وفي قوله عز وجل: وَمَا خَلَقْتُُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] فسمي عبادة. لأن العباد يؤدون أوامر الله ويتركون نواهيه عن ذل وخضوع وانكسار، وعن اعتراف بالعبودية وأنهم مماليك لله وأنه سيدهم، وأنه القاهر فوقهم، وأنه العالم بأحوالهم وأنه المدبر لشؤونهم، فهم عبيد مأمورون ذليلون منقادون لأمره سبحانه وتعالى، فلهذا سمى الله دينه عبادة؛ لأن العبادة عند العرب هي: التذلل والخضوع والانكسار، يقولون طريق معبد، يعني مذلل قد وطأته الأقدام.

 ويقولون أيضا: بعير معبد، يعني قد شد ورحل حتى ذل للركوب والشد عليه، فسميت طاعاتنا لله عباده؛ لأننا نؤديها بالذل والخضوع لله جل وعلا، وسمي العبد عبدا، لأنه ذليل بين يدي الله مقهور مربوب للذي خلقه وأوجده، وهو المتصرف فيه سبحانه وتعالى.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة السابعة والتسعون في موضوع(الحسيب)وهي بعنوان :

وسمي هذا الدين إيمانا

وسمي هذا الدين أيضا إيمانا؛ لأن العباد يؤدونه عن إيمان بالله وتصديق به ورسله، فلهذا سمي دين الله إيمانا لهذا المعنى كما في الحديث الصحيح من قول النبي ﷺ: الإيمان بضع وسبعون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان أخرجه الشيخان واللفظ لمسلم، فبين عليه الصلاة والسلام أن الدين كله إيمان وأن أعلاه قول لا إله إلا الله، فعلمنا بذلك أن الدين كله عند الله إيمان، ولهذا قال سبحانه: وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ [التوبة:72] فسماهم بذلك، لأنك أيها المؤمن بالله واليوم الآخر تؤدي أعمالك وطاعتك وتترك المحارم عن إيمان وتصديق بأن الله أمرك بذلك ونهاك عن المحارم وأنه يرضى منك هذا العمل ويثيبك عليه وأنه ربك ولم يغفل عنك وأنت تؤمن بهذا، ولهذا فعلت ما فعلت فأديت الفرائض وتركت المحارم ووقفت عند الحدود وجاهدت نفسك لله عز وجل. سُمِّي الدين برًّا لأن خصاله كلها خير، وسمى هذا الدين هدى لأن من استقام عليه فقد اهتدى إلى خير الأخلاق وإلى خير الأعمالوسمى الدين برًّا لأن خصاله كلها خير، وسمى هذا الدين هدى لأن من استقام عليه فقد اهتدى إلى خير الأخلاق وإلى خير الأعمالسُمِّي الدين برًّا لأن خصاله كلها خير، وسمى هذا الدين هدى لأن من استقام عليه فقد اهتدى إلى خير الأخلاق وإلى خير الأعمالوسمى الدين برًّا لأن خصاله كلها خير، وسمى هذا الدين هدى لأن من استقام عليه فقد اهتدى إلى خير الأخلاق وإلى خير الأعمال، لأن الله بعث نبيه ﷺ ليكمل مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، كما في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: إنما بعثت لأتممم مكارم الأخلاق وفي حديث أنيس أخي أبي ذر قال: سمعت رسول الله ﷺ يدعو إلى مكارم الأخلاق فهذا الدين سمي هدى، لأنه يهدي من استقام عليه إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، كما قال عز وجل: وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى [النجم:23] وقال في أهله: أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ [البقرة:5] وقال في أهله أيضا: وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:157] وبهذا تعلم يا أخي معنى هذه الألفاظ (الإسلام)، (الإيمان) (التقوى)، (الهدى) (البر): العبادة، إلى غير ذلك.

وتعلم أيضا أن هذا الدين الإسلامي قد جمع الخير كله فمن استقام عليه وحافظ عليه وأدى حقه وجاهد نفسه بذلك فهو متق لله، وهو موعود بالجنة والكرامة، وهو موعود بتفريج الكروب وتيسير الأمور، وهو الموعود بغفران الذنوب وحط الخطايا، وهو الموعود بالنصر على الأعداء والسلامة من مكائدهم إذا استقام على دين الله وصبر عليه وجاهد نفسه لله وأدى حق الله وحق عباده، فهذا هو المتقي وهو المؤمن، وهو البر، وهو المفلح، وهو المهتدي والصالح، وهو المتقي لله عز وجل، وهو المسلم الحق.

وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا وجميع المسلمين للتقوى، وأن يأخذ بأيدينا جميعا لما يرضيه وأن يجعلنا جميعا من عباده الصالحين ومن حزبه المفلحين، وأن يمن علينا بالاستقامة على تقواه في كل أقوالنا وأعمالنا والدعوة إلى ذلك والصبر عليه إنه سبحانه جواد كريم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين

[نشرت بمجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة العدد الثاني السنة التاسعة ذو الحجة سنة ١٣٩٦ هـ، (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 2/ 283). [الأنترنت – موقع ابن باز - التقوى سبب كل خير]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة الثامنة والتسعون في موضوع(الحسيب)وهي بعنوان :

*{إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} أي "في أوقات محددة " (النساء 103)

   لقد ظن الكثير أن عمر الإنسان ورزقه وعمله مكتوب عليه سلفا، والمكتوب جاءت بمعنى المقدر عليه سلفا، وبذلك يصبح الإنسان فاقد الإرادة والخيار له في أعماله وأرزاقه ويصبح الطب والعلاج والعمليات الجراحية بدون معنى وكذلك يصبح دعاء الإنسان لله تعالى ضربا من ضروب العبث واللهو.

أما رأي القرآن فهو غير ذلك، ففي بحثنا عن القرآن والكتاب عرفنا أن فعل “كتب” تعني تجميع الأشياء بعضها إلى بعض لإخراج موضوع معين محدد. ومن هنا جاءت كلمة الكتاب وهو مجموعة المواضيع التي جاءت إلى محمد صلى الله عليه وسلم وحيا، والتي جمع فيها نبوته ورسالته معاً.

فعندما تأتي لفظة “كتاب” في مواضيع أم الكتاب كقوله: {كتب عليكم الصيام} (البقرة 183). فهذا يعني أن الصوم هو أحد المواضيع التعبدية التي فرضها الله عليكم كما فرضها على الذين من قبلكم، وقوله: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} (النساء 103) أي أن الصلاة هي أحد المواضيع التعبدية التي تؤدي في أوقات محددة سلفا، وهي (أي هذا الكتاب “الموضوع التعبدي”) مؤلف من عناصر الطهارة والوضوء والقيام والركوع والسجود…الخ أي أن مجموعة هذه المواضيع بعضها مع بعض تؤلف كتاب الصلاة.

أما عندما تأتي لفظة “كتاب” في القرآن فهي تعني مجموعة الشروط الموضوعية التي إذا اجتمعت بعضها مع بعض يخرج منها ظاهرة موضوعية ما.

هكذا يجب أن نفهم كلمة “كتاب” عندما تأتي في القرآن، فمثلا كتاب الموت هو مجموعة الشروط الموضوعية بحيث إذا اجتمعت بعضها مع بعض “كتبت” وقع الموت لا محالة. وكذلك كتاب النصر وهو مجموعة الشروط الموضوعية التي إذا اجتمعت بعضها مع بعض وقع النصر، وكذلك كتاب الهزيمة.

وعندما حاضت عائشة رضي الله عنها عند خروجها مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحج فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم “مالك أنفست؟ قالت: نعم. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم”. هنا سمى الدورة الشهرية للمرأة كتابا أي هو إحدى الظواهر الطبيعية للمرأة. وإذا أردنا أن ندرس كتاب الحيض فعلينا أن نراجع الطب النسائي لمعرفة تفاصيل هذا الكتاب.

إن علاقة الإنسان بكتب الطبيعة والتي هي “القدر” هي علاقة دراسة ومعرفة، فكلما زادت معلومات الإنسان عن كتاب الموت استطاع أن يؤجل وقوعه ولكنه لا يلغيه.

بعد هذه المقدمة لندخل إلى صلب البحث:

الفرع الأول: الأعمار:

لنقارن بين الآيتين التاليتين:

{وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين} (آل عمران 145).

{فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} (النساء 103).

الآية الأولى في آل عمران هي من القرآن “نبوة” أما الآية الثانية من سورة النساء فهي من أم الكتاب “رسالة” وقلنا إن النبوة فيها قوانين القدر، والرسالة فيها القضاء الإنساني. فعندما قال إن الموت كتاب مؤجل أي إن كتاب الموت هو مجموعة الشروط الموضوعية التي تؤدي إلى الموت، وإن الموت مؤجل حتى تتحقق شروط هذا الكتاب. وعندما يدرس الإنسان كتاب الموت وتزيد معرفته به يستطيع أن يؤجل هذه الشروط ويطيل الأعمار.

فمثلا عندما تقدم طب الأطفال والنظافة العامة، خفت وفيات الأطفال بشكل ملحوظ وألغيت بعض الأمراض السارية.

وعندما تقدم طب القلب والعمليات الجراحية أصبحت فرص النجاة من أمراض كانت سابقا لا أمل من النجاة منها كثيرة، وهذا ما أدى إلى ارتفاع متوسط الأعمار في هذا المضمار، فكلما زاد تقدم البلد في الطب وفي النظافة وفي تطبيق قواعد السلامة في العمل وفي الحياة العامة، ارتفع متوسط الأعمار فيه، لذا قال عن الموت {كتابا مؤجلا}. أما إذا اجتمعت الشروط الموضوعية التي تؤدي إلى الموت فالأجل لا محالة حاصل،ولذلك قال:{فإذا جاء أجلهم لايستأخرون ساعة ولا يستقدمون} (الأعراف 34).

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة التاسعة والتسعون في موضوع(الحسيب)وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *{إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} أي "في أوقات محددة " (النساء 103)

ولكنه ربط أي أجل بكتاب بقوله: {لكل أجل كتاب} (الرعد 38) أي أن الواقع الحتمي لأي حدث “أجله” لابد أن يسبقه كتاب هذا الحدث وهو مجموعة الشروط الموضوعية التي تؤدي حتما إليه والتي تخضع للدراسة من قبل الإنسان فكلما زادت معرفة الإنسان بالكتب الطبيعية زادت إمكانيته لتسخيرها لمصلحته والمناورة بها وقد خبرنا الله سبحانه وتعالى أن كل شيء له كتاب بقوله: {وكل شيء أحصيناه كتابا} (النبأ 29)

. أما الآية الثانية من سورة النساء فهي من أم الكتاب وهي من قضاء الإنسان لذا قال عنها أي الصلاة هي من المواضيع التي تؤدي في أوقاتها المحددة والمعروفة سلفا. لذا فإن كتاب الصلاة هو من أم الكتاب وكتاب الموت هو من القرآن فالأول كتاب قضاء والثاني كتاب قدر.

من هذا المنطلق نفهم أن أعمار الإنسان غير ثابتة. بل متغيرة لقوله: {كتابا مؤجلا}. وجاء هذا البلاغ بشكل صريح في قوله تعالى: {والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجا وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير} (فاطر 11). لاحظ في هذه الآية كيف صرح أن نقصان العمر أو زيادته لا تكون إلا في كتاب، أي أن هناك مجموعة ما لشروط الموضوعية تؤدي إلى نقصان العمر أو زيادته لا تكون إلا في كتاب، أي أن هناك مجموع من الشروط الموضوعية تؤدي إلى نقصان الأعمار، وأخرى تؤدي إلى زيادتها، وما اختصاص علم الطب إلا في هذه الكتب، وإن الأموال المصروفة على الأبحاث الطبية في العالم لا تصرف هدرا وبدون فائدة لأن هذه الأموال تصرف على البحث في شروط طول العمر وقصره.

أما ما جاء من اللف والدوران في بعض كتب التفسير بأن الضمير في “ينقص من عمره” تعود على شخص آخر فهذا ما لا تحتمله اللغة لأنه لو كان يريد ذلك لقال “ولا ينقص من عمر آخر” ولكن الفكرة المسبقة عن الأعمار وأنها ثابتة أدت إلى هذا المخرج الساذج.

لقد آن لنا نحن المسلمين أن نفهم أن الأعمار غير ثابتة، وآن لأطبائنا أن يفهموا أن الأعمار غير ثابتة ويتحملوا مسؤولياتهم الكاملة تجاه المرضى، وآن للمسؤولين في البلاد العربية والإسلامية أن يفهموا ذلك ويتحملوا مسؤولياتهم تجاه حياة الناس في دولهم.

إن عدم ثبات الأعمار يوضح لنا لماذا كانت عقوبة القاتل هي القتل، لأن القاتل قد نقص من عمر المقتول فكانت عقوبته إنقاص عمره.

وإن عدم ثبات الأعمار يوضح لنا لماذا أعز الله الشهيد وأعطاه المرتبة العالية، لأنه تبرع بأغلى ما عنده وهو الحياة، ولأنه وافق طوعاً على إنقاص عمره في سبيل الله.

وهذا أيضا يبين لنا لماذا كان النبي صلى الله عليه وسلم من أحرص الناس على حياة أصحابه وعلى حياة العرب وكان يعدهم بأجر الشهادة عند الله، ولكنه لم يأمر أحدا منهم بأن يذهب في مهمة انتحارية لقتل نفسه، ونرى هذا أيضاً في تحريم الله تعالى للانتحار بأمره {ولا تقتلوا أنفسكم} (النساء 29). ونرى أيضا كيف أجل الهلاك على قوم يونس بقوله: {فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي. في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين} (يونس 98).

لنشرح الآن قوله تعالى في الآيات التالية: {قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا} (التوبة 51). إن هذه الآية تفهم في ضوء قوله تعالى: {وكل شيء أحصيناه كتابا} (النبأ 29). هذا يعني أن كل شيء في الطبيعة عبارة عن شروط مجتمعة بعضها مع بعض “كتب”.

فلا يمكن لأي إنسان أن يصيبه شيء غلا من خلال هذه الكتب.

فإذا مرض فإنه لن يمرض إلا بمرض من الأمراض الموجودة في الطبيعة والموجودة ضمن الشروط التي يعيشها، أي تنطبق عليه، لذا وضع {لن يصيبنا}. جمعا ولم يضعها مفردة. -{ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسهم إلا في كتاب من قبل أن نبرأهاإن ذلك على الله يسير}(الحديد 22

{لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور} (الحديد 23).

في هاتين الآيتين يتبين أن كل المصائب التي تحصل في الأرض من زراعة

 وأملاك وهلاك دول وقيامها والزلازل والمصائب التي تحصل في الأنفس لا تكون إلا في كتاب، أي من خلال الشروط الموضوعية الموجودة فعلا.

ففي حالة الهزيمة مثلا، فهذا يعني ن هناك شروطا موضوعية وجدت نتج عنها الهزيمة “كتاب الهزيمة”، وفي حال النصر يعني وجود شروط موضوعية اجتمعت مع بعضها أدت إلى النصر “كتاب النصر”. وبالتالي فيجب على المنتصر أن لا يفرح بنصره، وعلى المهزوم أن لا ييأس من هزيمته بحيث إذا درسا كتاب النصر وكتاب الهزيمة فيمكن أن يتبادلا الأدوار، فالمنتصر يمكن أن يهزم والمهزوم يمكن أن ينتصر لذا قال: {لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم}.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة المائة في موضوع(الحسيب)وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *{إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} أي "في أوقات محددة " (النساء 103)

أما قول النبي صلى الله عليه وسلم “إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة ومثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد… إلى أخر الحديث” “انظر صحيح مسلم ج4 ص 2036”

إن قول النبي هذا يبين لنا الأمور التالية:

1 – إن الروح ليس لها علاقة بالحياة لأن المَلك عندما ينفخ الروح في الجنين وهو كائن حي، فالحيوان المنوي كائن حي والبويضة كذلك وبعد اللقاح يحصل التكاثر، وهذه كلها ظواهر كائن حي، أما الروح فهي شيء آخر تماما وليست سر الحياة، كما سبق لنا أن بينا.

2 – بعد أن يتحول الكائن البشري في الرحم إلى كائن إنسان يبدأ التسجيل عليه في ثلاثة فروع:

أ‌ – تسجيل الحياة العضوية أثناء الحياة “تجميع وهذا يعني يكتب”.

ب‌ – تسجيل الأعمال حين وقوعها.

ج – تسجيل الأرزاق حين وقوعها.

وبعد أن يموت ينتهي عمره ورزقه وعمله فيمكن أن يعمل له كشف بأعماله فتظهر نتيجة ذلك الكشف بأنه شقي أم سعيد.

إن هذا الحديث متطابق تماما مع النص القرآني، فقد بينا أن الروح في النص القرآني ليست سر الحياة، وأن أعمال الإنسان في النص القرآني إنما تسجل عليه حين وقوعها لا قبل وقوعها وذلك واضح في قوله تعالى: {هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون} (الجاثية 29). وقوله تعالى: {كراما كاتبين * يعلمون ما تفعلون} (الانفطار 11 و12) فنحن نعلم أن النسخ لا يكون إلا من أصل، فأصل الأعمال هو أعمالنا نحن، أي النسخة الأصلية لأعمالنا هي أعمالنا حين وقوعها وحين نقوم بها يؤخذ نسخة عنها(صوت وصورة) لذا قال: {ينطق عليكم بالحق).

لقد فهم كثير من الناس هذا الحديث فهما معاكسا تماما حيث ظنوا أن الجنين في بطن أمه يكتب عليه سلفا عمره ورزقه وعمله وشقي أو سعيد. لقد أخطأوا هنا بفهم كلمة “كتب”.

وقد أكدت الآيات التالية أن الأساس هو أعمالنا والله ينسخها ويجمعها لنا حين وقوعها وذلك في قوله تعالى: {فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون} (الأنبياء 94). وقوله: {وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا قل الله أسرع مكرا إن رسلنا يكتبون ما تمكرون} (يونس 21).

وقوله: {كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا} (مريم 79).

هنا لاحظ قوله: (له كاتبون، سنكتب، يكتبون) كلها للدلالة على أن أساس الأعمال هو نحن وتسجل علينا وتجمع وتصنف حين وقوعها.

الفرع الثاني: الأرزاق:

{وفي السماء رزقكم وما توعدون} (الذاريات 22).

{وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم} (الزخرف 31).

{أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمت ربك خير مما يجمعون} (الزخرف 32).

لقد ظن الكثير أن أرزاق الناس محددة سلفا.

هذا صحيح إذا فهمناها على معنى الجمع الكلي الاحتمالي وغير صحيح إذا

فهمناها على معنى الإفراد.

فإذا فهمناها على معنى الجمع فهذا يعني أن أرزاق الناس لا تأتي إلا من خيرات الطبيعة ومن العمل هذان هما المصدران الوحيدان للرزق لقوله: {ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون} (يس 35). هنا “ما” اسم موصول بمعنى الذي، أي والذي عملته أيديهم.

أما خيرات الطبيعة من طعام وشراب وأنعام فأساسها الماء لذا سمي ماء المطر “الرزق” لقوله تعالى: { واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من   ا لسماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون} (الجاثية 5). لاحظ كيف سمى الماء من السماء رزقا، أما قوله: {وما توعدون}. بمعنى والذي توعدون، فإن كل وعود رب العالمين تأتي من السماء لقوله: {يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه} (السجدة 5).

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة الواحدة بعد المائة في موضوع(الحسيب)وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *{إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} أي "في أوقات محددة " (النساء 103)

أما قوله تعالى: {نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا…الآية}. فهذه الآية تعطينا قواعد التنظيم الاجتماعي المتحضر بأن الناس تمارس عملا واحدا في معاشها فهناك مجال الزراعة وهناك مجال الصناعة وهناك مجال الخدمات، كل هذه الأعمال هي مجالا لحياة ولا خروج عنها لذا قال: {قسمنا بينهم معيشتهم}.

وهنا جاء مفهوم التسخير: {ليتخذ بعضهم بعضا سخريا}. فالذي يزرع مسخر لإطعام الذي يعمل في المصانع والطبيب مسخر لكي يعالج العامل والفلاح، والعامل مسخر لكي ينتج للفلاح والطبيب، والمعلم مسخر لكي يعلم أبناء هؤلاء… وهكذا دواليك حيث لا يمكن لأي تجمع حضاري متقدم أن يعيش إلا على أساس تخصص المهن وطرق المعاش بحيث أن كل صاحب عمل مسخر لخدمة الباقين، وقد أكدنا أن التسخير لا يكون دون مقابل أي أن السخرة هي عمل له مقابل لذا قال: {ليتخذ بعضهم بعضا سخريا}.

أي أن هذه الآية ليس لها علاقة بالتحديد المسبق لأرزاق الأفراد كل على حدة. أما التحديد المسبق للرزق فهو الطبيعة وخيراتها وعمل الإنسان ثم إنه في عمل الإنسان هناك القسمة في المهن بين الناس التي تعتبر قانونا لا مناص منه.

أما قوله تعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا…الآية} (الطلاق 2)، {ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا} (الطلاق 3). فعلينا هنا أن نُعرف التقوى أولا، فالتقوى الاجتماعية هي اتباع وصايا أم الكتاب حصرا. {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلك وصاكم به لعلكم تتقون} (الأنعام 153).

هذه هي الوصية العاشرة في الفرقان. فعندما يتبع الإنسان الوصايا فإن الله يسهل له عمله ورزقه ولكن هذا التسهيل لا يكون إلا من خلال الكتب أي من خلال الشروط الموضوعية التي يعيشها هذا الإنسان لا من خراجها أي من خلال المقدرات الموجودة فعلا، لذا أنهى الآية بأهم شرط بقوله {قد جعل الله لكل شيء قدرا}. فإذا أراد الله أن يرزق إنسانا يعمل في حقل الهندسة المدنية “كتاب الهندسة” فلا يرزقه من حقول القمح والبطاطا إلا إذا غير مهنته إلى حقل الزراعة “كتاب الزراعة”. أي عندما يريد الله سبحانه وتعالى أن يرزق إنسانا ما يجعل كل الظروف الموضوعية التي يعيشها تعمل لصالحه. والله أعلم.

الفرع الثالث: الأعمال:

ما هي الأعمال؟ وهل أعمال الإنسان مقدرة عليه سلفا؟ وما هو المقدر عليه سلفا من أعماله؟ وما هو الشيء المفتوح؟ قبل أن نخوض في هذا البحث علينا أن نعرف المصطلحات التالية:

“العمل”، “الفعل”، “الصنع”، “الكسب”:

– العمل: هو حركة واعية يقوم بها الإنسان على وجه العموم (WORK).

– الفعل: هو عمل معرف محدد (do) فنقول “ضرب” فعل ماض أي عمل معرف بالضرب، و”أكل” فعل ماض أي عمل معرف بالأكل، ولا نقول عمل ماض. فإذا أخذنا كل آيات الكتاب المذكور فيها “فعل وعمل” رأيناها لا تخرج عن هذين المعنيين. فالله سبحانه وتعالى يعلم ماذا يفعل فقال: {فعال لما يريد} (البروج 16). ولم يقل عمال لما يريد.

وعندما تسجل الملائكة أعمال الإنسان فإنها تعلمها وتسجلها لذا قال: {كراما كاتبين * يعلمون ما تفعلون} (الانفطار 11، 12). وعندما كسر إبراهيم الأصنام وجاء قومه يسألونه عمن كسرها: {قالوا من فعل هذا بآلهتنا} (الأنبياء 59). كانوا يسألون عن الكسر فأجابهم إبراهيم: {بل فعله كبيرهم} (الأنبياء 63). أي كسره. وعندما رأى إبراهيم في المنام أنه يذبح ابنه: {قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك} (الصافات 102). فأجابه ابنه قائلا: {قال يا أبت افعل ما تؤمر} (الصافات 102). هنا قال “افعل” أي اذبح.

وعندما أمر الله النبي صلى الله عليه وسلم بتبليغ الرسالة: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته} (المائدة 67). هنا قال: {وإن لم تفعل}. أي لم تبلغ.

وعندما قال: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون} (الأنعام 112). هنا جاء قوله: {ولو شاء ربك ما فعلوه}. تعليقاً على قوله: {يوحي بعضهم إلى بعض}. وعندما قال: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون} (البقرة 278، 279) هنا قال: {فإن لم تفعلوا}. أي لم تذروا ما بقي من الربا، أي جاءت لشيء محدد معرف.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة الثانية بعد المائة في موضوع(الحسيب)وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *{إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} أي "في أوقات محددة " (النساء 103)

وبما أن الله يعلم أفعال الإنسان تحديدا عندما يقوم بها فقد قال: {إن الله يعلم ما تفعلون} (النحل 91). هنا جاءت معرفة الله بأفعال الإنسان بصفتين: الصفة الأولى وهي إثبات المعرفة بقوله: {إن الله يعلم ما تفعلون}. والثانية نفيا لجهل بقوله: {وما ربك بغافل عما تعملون} (النمل 93) ولو قال “ليس الله بغافل عما تفعلون” فالفعل أصلا معرف محدد فلا داعي أن يقول ليس بغافل ولا تأتي الصفة قبلها إلا بصيغة يعلم.   وبما أن العمل منكر أي على وجه العموم لا التحديد جاءت الصيغة قبله بنفي الجهل بقوله تعالى: {ليس بغافل} ولا نجد في الكتاب أبدا صيغة “وليس الله بغافل عما تفعلون”.

أما قوله: {إنه خبير بما تفعلون} (النمل 88). فالخبرة تسبقها معرفة، أي أن الخبرة معرفة وممارسة معا لذا نقول إن الله عليم خبير. ولا نجد في الكتاب أبدا صيغة “إن الله يعمل ما يشاء” بل نجد صيغة {إن الله يفعل ما يريد} (الحج 14)، وصيغة {ويفعل الله ما يشاء} (إبراهيم 27) لأن إرادة الله وأفعاله كلها معرفة له. فعندما قال: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا} (الكهف 107) لم يحدد ما هي الصالحات، قالها على وجه العموم لأن الصالحات متغيرة مع تغير الزمن، وعندما قال: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} (الزلزلة 7، 8) قالها على وجه العموم لأنه لو قال “ومن يفعل مثقال ذرة خيرا يره” لقالت له العرب ما هو الفعل الذي إذا فعلناه

لكان مثقال ذرة من الخير أي لوجب عليه تعريفه تحديدا.

ولو قال “إن الذين آمنوا وفعلوا الصالحات” لأتبعها بتحديد الصالحات حصرا، أو لسأله العرب ما هي هذه الصالحات؟ ومثال على ذلك قوله: {ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل}. إذ أتبعها مباشرة بتحديد هذا الفعل بقوله: {ألم يجعل كيدهم في تضليل * وأرسل عليهم طيرا أبابيل}. حتى آخر السورة. وهكذا نرى عندما يقول {عملوا الصالحات}. تأتي على وجه العموم لا على وجه الخصوص دون أن تعرف ما هي هذه الصالحات ، لأنها متغيرة حسب الزمان والمكان وتطور التاريخ فيبقيها دون تعريف.

فالعمل عام، والفعل خاص ومعرف. فنقول إن زيدا من الناس يعمل نجارا ولا نقول يفعل نجارا، فيقول بالأفعال التالية: ينشر الخشب ويدقا لمسامير ويلصق الألواح الخشبية بعضها ببعض. أي أن العمل بشكل عام والعمل الإنتاجي بشكل خاص يمكن أن يقسم إلى أفعال أولية معرفة كل على حدة.

الآن بعد أن عرفنا الفعل والعمل نرى أن حالة إثبات المعرفة لله سبحانه وتعالى جاءت في الكتاب على ثلاث حالات:

الحالة الأولى:حالة إثبات المعرفة على وجه الخصوص أي جاءت المعرفة

 للحدث المعروض في الآية وقد جاءت على وجهين:

أ- تقديم العلم على الفعل: {إن الله يعلم ما تفعلون} (النحل 91).

{إنه خبير بما تفعلون} (النمل 88) “الخبرة = العلم + الممارسة”.

{ويعلم ما تفعلون} (الشورى 25).

{ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون} (الأنعام 159).

{إن الله عليم بما يفعلون} (يونس 36).

ب- تقديم الفعل على العلم:

{وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما} (النساء 127).

{وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم} (البقرة 215).

{وما تفعلوا من خير يعلمه الله} (البقرة 197).

هنا قدم الفعل على العلم بصيغة واحدة فقط هي {من خير}. حيث ذكر الخير في حالة التبعيض في بداية الآيات، وبما أن علم الله يحمل كل الاحتمالات وضع العلم بعد صيغة “من خير”.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة الثالثة بعد المائة في موضوع(الحسيب)وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *{إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} أي "في أوقات محددة " (النساء 103)

الحالة الثانية: حالة إثبات المعرفة على وجه العموم أي أن المعرفة لم تقتصر على الأحداث المذكورة في الآية بل معرفة عامة كاملة وجاءت في صيغتين:

أ- حالة تقديم العلم على العمل: وقد جاءت هذه الصيغة في الكتاب/36/مرة بالأشكال التالية:

{والله خبير بما تعملون} (آل عمران 153).

{والله بصير بما يعملون} (البقرة 96).

{والله عليم بما يعملون} (يوسف 19).

{والله شهيد على ما تعملون} (آل عمران 98).

{فينبئهم بما عملوا} (النور 64).

{فينظر كيف تعملون} (الأعراف 129).

{إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون} (الجاثية 29).

ب- حالة تقديم العمل على العلم: وقد جاءت هذه الصيغة في الكتاب/37/ مرة بالأشكال التالية:

{إن الله بما تعملون بصير} (البقرة 110).

{والله بما تعملون خبير} (البقرة 234).

{ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا} (يونس 61).

{إن ربي بما تعملون محيط} (هود 92).

{إني بما تعملون عليم} (المؤمنون 51).

الحالة الثالثة:

حالة نفي الجهل جاءت حصرا على وجه العموم أي وردت كلمة “عمل” ولا نجد في الكتاب صيغة “فعل” مع نفي الجهل وذلك لنفي الجهل على العموم لا لنفي الجهل بالموضوع المذكور بالآية ولو جاء نفي الجهل مع “يفعلون” لنفي جهله في الفعل المعرف مع زمن حدوثه بالآية فقط مع إمكانية جهله بمواضيع أخرى وفي أزمنة أخرى:

{وما الله بغافل عما تعلمون} (البقرة 74).

{وما الله بغافل عما تعملون} (البقرة 85).

{وما الله بغافل عما تعلمون} (البقرة 149).

{وما ربك بغافل عما يعملون} (الأنعام 132).

{وما الله بغافل عما تعملون} (آل عمران 99).

{وما ربك بغافل عما تعلمون} (هود 123).

{وما ربك بغافل عما تعملون} (النمل 93).

{ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون} (فصلت 22).

{ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون} (إبراهيم 42).

إرادة الله وأفعاله كلها مُعرفة له:

{ولكن الله يفعل ما يريد} (البقرة 253).

{كذلك الله يفعل ما يشاء} (آل عمران 40).

{ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم} (النساء 147).

{ويفعل الله ما يشاء} (إبراهيم 27).

{لا يسأل عما يفعل وهم يسألون} (الأنبياء 23).

{إن الله يفعل ما يريد} (الحج 14).

{إن الله يفعل ما يشاء} (الحج 18).

{فعال لما يريد} (هود 107).

{فعال لما يريد} (البروج 16).

{وكان أمر الله مفعولا} (النساء 47).

{ليقضي الله أمرا كان مفعولا} (الأنفال 42).

{ليقضي الله أمرا كان مفعولا} (الأنفال 44).

{وكان وعدا مفعولا} (الإسراء 5).

{إن كان وعد ربنا لمفعولا} (الإسراء 108).

{وكان أمر الله مفعولا} (الأحزاب 37).

{كان وعده مفعولا} (المزمل).

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة الرابعة بعد المائة في موضوع(الحسيب)وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *{إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} أي "في أوقات محددة " (النساء 103)

شرح قوله تعالى:

{أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون} (يس 71).

هنا لو قال “مما فعلت أيدينا أنعاما” فهذا يعني أن المخاطب وهو الإنسان يعلم كل الأفعال المتتالية والمتوازية المعرفة التي تمت في خلق الأنعام ابتداء من أول خلية حية حتى الوصول إلى الأنعام أو لذكر ما هي كل الأفعال التي نفذت حتى تم خلق الأنعام، ولو كانت هذه الأفعال مُعرفة للمخاطب لاستطاع هذا المخاطب أن يخلق أنعاما بنفسه. وهنا يجب أن نشرح كلمة {أيدينا}: فالأيدي جاءت من فعل “أيد” ومنه جاءت الأيدي والأيادي والتأييد، فنقول إن فلانا أيد فلانا في موقفه فهذا يعني أنه وافقه وبالتالي مد له يد المساعدة “دعمه” وهكذا نفهم قوله تعالى: {يد الله فوق أيديهم} (الفتح 10).

إن الله سبحانه وتعالى أيد الصحابة في بيعة الرضوان في موقفهم هذا ومد لهم يد المساعدة وكذلك نفهم قوله تعالى : { والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون} (الذاريات 47) فالآية تدل على القدرة والحفظ على وجه العموم لا الحصر.

وإذا جاءت من “يد” فهي تعني المنعة والقوة والإصلاح “ضرب بيد من حديد” أي ضرب بمنعة وقوة، أي اتخذ موقفا منيعا وقويا.

– معنى فعل “صنع”:

استعمل الفعل صنع في الكتاب للدلالة على تاج عمل كقوله لنوح {واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون} (هود 37). وقوله: {فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا} (المؤمنون 27). وبما أن السحر كان مهنة أيام موسى قال: {وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر} (طه 69). وفي قوله عن داوود قال: {وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم} (الأنبياء 80). وعن الطبيعة التي هي من صنع الله قال: {وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون} (النمل 88). أما قوله تعالى عن قوم هود {وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون} (الشعراء 129). هنا بما أن قوم هود كانوا يبنون بيوتهم في الأماكن العالية لقوله: {تبنون بكل ريع آية تعبثون} (الشعراء 128).

والريع هو المكان العالي، وبما أن هذا المكان العالي بحاجة إلى مياه فقد صنعوا أيضا حفرا لتجميع المياه، سميت مصانع، وإلى الآن تستعمل في بعض البلاد العربية كلمة “مصنع مياه” أي خزان ماء. وعندما قال: {إن الله خبير بما يصنعون} (النور 30} {إن الله عليم بما يصنعون} (فاطر8)، {والله يعلم ما تصنعون} (العنكبوت 45). فالصناعة تحتاج إلى علم وخبرة ومؤلفة من مجموعة من الأفعال المحددة لإنتاج شيء ما لذا رافعه: عليم وخبير بما يصنعون فوضع “عليم وخبير” قبل “يصنعون” لا بعدها لأنه قالها على وجه الخصوص لا على وجه العموم. أما قوله لموسى {وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني} (طه 39). حيث تربى في بيت فرعون وقام فرعون بتربيته وتنشئته والله يرعاه قال: {ولتصنع على عيني} لذا فقولنا “الجامعة هي مصنع العلماء” يعتبر قولا عربيا صحيحا أي لتحويل الجاهل إلى متعلم.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة الخامسة بعد المائة في موضوع(الحسيب)وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *{إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} أي "في أوقات محددة " (النساء 103)

ولنشرح الآن الآيتين التاليتين:

1 – {وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون} (النحل 112). إذ أن آيات الأمثال هيمن على القرآن دائما لقوله {ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل} (الكهف 54). ففي هذه الآية قانون موضوعي، هذا القانون هو أن كل مجتمع إنساني مستقر “قرية” كفر بأنعم الله فهناك عقابان هما نتيجة صنع الإنسان نفسه، هنا “الباء” في “بما” هي باء الاستعانة كقولنا “ضربتك بيدي” العقاب الأول هو الجوع، والعقاب الثاني هو الخوف. وسببهما هو صناعة الإنسان نفسه. فإذا نظرنا الآن مثلا إلى العالم رأينا أنه يصنع القنابل الذرية وحاملات الطائرات والغواصات والصواريخ فإذا عرفنا الآن أن حاملة طائرات واحدة مع ملحقاتها تكلف حوالي/20/مليار دولار لعرفنا النفقات الهائلة الأسطورية التي تنفق على سباق التسليح.

هذا السباق ينتج عنه مشكلتان:

الأولى: الجوع حيث أن هذه النفقات تذهب على حساب متطلبات الإنسان ورفاهيته.

والثانية: الخوف حيث أن هذه الأسلحة تسبب الدمار الهائل فأصبحت تشكل كابوسا على الإنسان، وهذه الأسلحة هي من صناعة الإنسان أصلا أي من نتاج عمله لذا قال: {فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون}. وهذا أيضا يدل على أن القرية عندما تكفر بالله لا يقطع الله عنها الرزق من ماء وشجر وزراعة…الخ، لأنه ربها. فسباق التسلح هو عذاب الله على الكفر بنعمته في العصر الحديث. فعلى الإنسانية المؤمنة أن تسعى لوضع حد لهذا العذاب. إن مقياس إخلاص الإنسان تجاه الإنسانية هو موقفه من سباق التسلح وهدر المليارات من النقود على آلة الرعب وسبب الجوع.

وهكذا نفهم قوله تعالى: {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون} (هود 15} (أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون} (هود 16).

هذه الآيات تقول للذين لا يؤمنون إلا بالحياة الدنيا ويظنون أنها نهاية المطاف وأنه لا آخرة بعدها فالله يوف إليهم أعمالهم فيها ولا يبخسهم فيها شيئا. أما في الآخرة فلا تفيدهم كل صناعاتهم المنتجة في الدنيا لذا قال: {وحبط ما صنعوا فيها}. يظن بعضهم أن الدنيا للكافر والآخرة للمؤمن! وهذا غير صحيح. فالدنيا للكافر والمؤمن على حد سواء، والمؤمن له ثواب الآخرة بالإضافة إلى الدنيا. أما الكافر فلا يوجد له ثواب في الآخرة.

2 – {ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به

الموتى بل لله الأمر جميعا أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد} (الرعد 31).

تدل هذه الآية على أن مواضيع القرآن هي العلم فقط لذا قال {قطعت به الأرض أو كلم به الموتى… الخ) وإن العلم متاح لكل إنسان لذا قال عن القرآن: {هدى للناس}. هذه العلوم متاحة للمؤمن والكافر على حد سواء لذا قال للمؤمن إن قوانين الجدل هي قوانين موضوعية وإنه لا مناص من وجود الكفر والإيمان معا وإن الكفر لا ينتهي والإيمان لا ينتهي بل هما في علاقة جدلية مادامت الإنسانية موجودة.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة السادسة بعد المائة في موضوع(الحسيب)وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *{إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} أي "في أوقات محددة " (النساء 103)

أما الذين كفروا فيصيبهم {بما صنعوا} فالباء هنا باء الاستعانة أي بصناعتهم التي هي نتاج عملهم ستصيبهم {قارعة} وهي من فعل “قرع” وهي الضربة القاصمة القوية {أو تحل قريبا من دارهم} وهنا يجب أن نميز بين الدار والديار، فالدار هي قطعة من الأرض تسمى الوطن، فالأرض التركية هي دار الأتراك، أما الديار فهي أبنية لها جدران لذا قال {أو تحل قريبا من دارهم} أي مجاورة لحدودهم وهذا المعنى جاء في قوم ثمود فهناك فئتان من لناس في ثمود، الفئة الأولى تسكن البيوت المنحوتة في الجبال وهذه البيوت لها أبواب وجدران ولكنها دون نوافذ فهلك سكانها بالصيحة “الموجة الصوتية” لذا قال: {وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين} (هود 67).

أما الفئة الثانية من الناس فكانت تعيش خارج البيوت المنحوتة في السهول ولا تؤثر فيها الموجة الصوتية وكانوا يعيشون على قطع من الأرض لها حدود فيها بينها لقوله: {تتخذون من سهولها قصورا} (الأعراف 74). والقصور جاءت من “قصر” أي أن إنسانا ما أخذ قطعة من الأرض ووضع لها حدودا وأصبحت هذه الأرض مقتصرة له، وبدون أن يبني عليها مبنى له جدران فهؤلاء أهلكهم الله بالزلزال، لذا قال: {فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين} (الأعراف 78).

– الكسب: هو المردود الإيجابي للعمل لذا قال: {لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت…الآية} (البقرة 286). أما الاكتساب فهو المردود السلبي للعمل لذا قال عن الكسب لها وعن الاكتساب عليها.

الآن لنلخص معاني المفردات الأربع بالمفهوم الإنساني العاقل، لا بالمفهوم الطبيعي:

– العمل: حركة واعية يبذلها الإنسان العاقل ويحمل معنى العموم هنا وقلنا الإنسان العاقل لنميزها عن العمل الناتج عن الحركة الميكانيكية للأجسام أي المعنى الفيزيائي البحت.

الفعل: هو عمل مُعرف محدد ويحمل معنى الخصوص “أكل، شرب، ضرب، نام”.

الصنع: هو نتاج العمل “أو نتاج تربية”.

الكسب: هوا لمردود الإيجابي للعمل.

الأجر: هو ما يعطيه رب العمل للإنسان مقابل عمل هو للمأجور كسب.

فنقول إن زيدا من الناس يعمل نجارا ويقوم بالأفعال التالية: يقطع الخشب ويدق المسامير ويلصق الخشب ثم يدهنه فيصنع كرسيا ويكسب نقودا. ونقول ضرب زيد عمرا فاكتسب إثما، فالضرب فعل والإثم اكتساب. فهل هذه المعاني تنطبق على الزراعة؟ لا تنطبق كليا لأنه إذا قلنا إن زيدا من الناس يعمل في الزراعة فإنه يقوم بالأفعال التالية: يشق الأرض ويبذر البذر ويذر السماد ويقوم هو بعدة أفعال لكي تنتج الأرض المحصول فالإنسان يعمل في الأرض، والأرض هي التي تنتج المحصول لذا قال الله تعالى: {أفرأيتم ما تحرثون * أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون} (الواقعة 63-64) فالحرث هو غلة الأرض الزراعية لا شق الأرض الزراعية، لذا فحرث الأرض هو كسب لمن عمل فيها وهو كسب.

فالمزارع يقوم بالأفعال المذكورة لكي تنتج الأرض، لأن الأرض يمكن أن تنتج دون تدخل الإنسان كما نرى في الغطاء النباتي الطبيعي للكرة الأرضية وفي ا لبحار. لقد ذكر تدخل الإنسان “بالعمل بالأرض وفي الحرث” لا في الزراعة نفسها. وأن مصطلح الزراعة والصناعة مفصولان عن بعضهما وهذا صحيح، فالإنسان يعمل في الزراعة ويجني الحرث، والأرض تنتج. ويعمل في الصناعة وهو ينتج لذا قال في سورة يس عن خيرات الأرض من النبات: {ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم} (يس 35). هنا قال عن النبات: {ليأكلوا من ثمره}. ومن عمل الإنسان {وما عملته أيديهم}. أي والذي عملته أيديهم.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة السابعة بعد المائة في موضوع(الحسيب)وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *{إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} أي "في أوقات محددة " (النساء 103)

لنشرح الآن لماذا فصل القول ولم يعتبره فعلا حيث قال {لم تقولون مالا تفعلون} (الصف 2)، أليس القول فعل يقوم به الفم واللسان والجهاز الصوتي؟ أقول لا ليس هذا بالقول، وإنما هو الكلام. فالكلام فعل وليس قولا فعندما يتكلم الإنسان فيصدر أصواتا هي الكلام وهذا الإصدار حقيقة موضوعية لأنه صوت وهذا ما نسميه بالنطق، فالنطق فعل وحقيقة لذا قال: {فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون} (الذاريات 23)

ولم يقل مثلما أنكم تقولون، فالنطق للكلمات لا للأقوال لذا قال سليمان: {يا أيها الناس علمنا منطق الطير} (النمل 16) ولم يقل قول الطير.

أما القول فهو عندما تصل الكلمات إلى ذهن السامع فتتحول إلى معنى في الذهن فهذا المعنى هو القول، فالإنسان نطقه حق وليس من الضروري أن يكون قوله حقا. أما الله سبحانه وتعالى فالقول والوجود بالنسبة له واحد لذا قال: {قوله الحق)، وإن الكون كله ما هو إلا عين كلمات رب العالمين لذا قال: {إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون} (يس 82).

هل أعمال الإنسان محددة سلفا؟ وما معنى قوله تعالى: {والله خلقكم وما تعملون} (الصافات 96).

لاحظ أنه قال “وما تعملون” ليضعها على وجه العموم علما بأن الأفعال هي أعمال معرفة.

ولنأخذ الآن أعمال الإنسان على العموم لنحولها إلى أفعال على الخصوص،

 ولكن بعد شرح معاني الأفعال التالية في اللسان العربي:

– خلق، سوى، جعل:

1- خلق: فعل خلق في اللسان العربي له أصلان صحيحان، الأول يعني التقدير قبل التنفيذ كقولنا خلق الخياط القميص من القماش أي قدره قبل القطع. فعندما يأخذ الخياط قطعة القماش ويضع عليها علامات تبين الأكمام والصدر والظهر…الخ قبل القص فهذا يعني أنه يخلق قميصا، وهذا ما نقول عنه في اللغة المعاصرة “التصميم” فعندما نخلق سيارة “نصمم” نخلق الأسطوانة والمكبس وكل قطع المحرك وبقية السيارة، كل هذا الخلق يتم على المخططات طبقا لقوانين الميكانيك والترموديناميك، فكل ما تقوم به السيارة من عمل هو طبقا للتصميم الموضوع “

الخلق” مؤلف من أفعال أولية موجودة في بنية التصميم.

وعندما نقول خلق المهندس بيتا أي وضع له مخططات معماري وإنشائي وصحي وكهربائي قبل التنفيذ، فالله يخلق والإنسان يخلق، ولكن الله أحسن الخالقين كما في قوله تعالى: {فتبارك الله أحسن الخالقين) وذلك لأنه بكل خلق عليم، فالله هو خالق السموات والأرض ولكن الخلق يمكن أن يكون منقولا فليس من الضروري أن كل بيت يخلقه مهندس هو تصميم لا سابق له فإذا كان لا سابقة له فهذا يسمى الإبداع لذا قال: {بديع السموات والأرض} (البقرة 117) أي أن السموات والأرض التي نراها حاليا ليس لها سابقة فالله هو خالق السموات والأرض وهو بديع السموات والأرض.

وهنا يجب أن نفهم بشكل واضح وجلي أن الخلق لا يعني الإيجاد من العدم كما يظن البعض فنرى أنه لا توجد آية واحدة في الكتاب تقول إن الخلق من العدم وإنما من شيء كقوله: {خلق الإنسان من علق} (العلق 2)، فهل العلق عدم؟! وقوله: {إني خالق بشرا من طين} (ص 71). وقوله: {خلقتني من نار وخلقته من طين} (الأعراف 12) وقوله: {ثم كان علقة فخلق فسوى} (القيامة 38) وقوله: {وهو الذي خلق من الماء بشرا} (الفرقان 54) وقوله: {خلقتني من نار وخلقته من طين} (الأعراف 12) وقوله: {ثم كان علقة فخلق فسوى} (القيامة 38) وقوله: {وهو الذي خلق من الماء بشرا} (الفرقان 54) وقوله: {وبدأ خلق الإنسان من طين} (السجدة 7).

فعندما يذكر فعل خلق فإما أن يقول: من ماذا؟ كالآيات السابق ذكرها، أو لا يقول شيئا كقوله: {الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} (الأنعام 1). أما لماذا سميت بعض النواحي في السلوك الإنساني أخلاقا وهي من فعل “خلق” هذا فلأن الإنسان في تصميمه “خلق” مهيأ لهذا السلوك فنقول: خلق سيء وخلق حسن، وجاءت في هذا المعنى “الخلاق” وهو ما يستحقه الإنسان نتيجة لسلوك معين فنقول أن زيدا من الناس خليق بكذا وكذا كقوله تعالى: {ما له في الآخرة من خلاق} (البقرة 102). وقوله: {وإنك لعلى خلق عظيم} (القلم4). أما المعنى الثاني لفعل “خلق” هوا لتمليس فنقول صخرة خلقاء أي صخرة ملساء.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة الثامنة بعد المائة في موضوع(الحسيب)وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *{إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} أي "في أوقات محددة " (النساء 103)

2- سوى: وله في اللسان العربي عدة أصول صحيحة:

أولها: المساواة فنقول أن 3+1=4، ثلاثة مضاف إليها واحد تساوي الأربعة. وفي هذا المعنى جاءت في قوله تعالى: {وقدر فيه أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين} (فصلت 10) أي أن الأرض تعطي أقواتها وخيراتها للذي يعمل فيها ويأخذها كافر أو مؤمن على حد سواء. وقوله: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون} (البقرة 6).          وبما أن المساواة في المعادلة تكون في الوسط وعلى طرفيها حدود المعادلة فيستنتج منها المعنى الثاني وهو الوسط كقوله تعالى: {فاطلع فرآه في سواء الجحيم} (الصافات 55) هنا سواء الجحيم أي في وسط الجحيم.

أما المعنى الثالث فهو بعد التصميم نقوم بما نسميه بالتسوية فإن أي تصميم “خلق” يحتاج بعده إلى عملية تنفيذ فعلية لتحويل المخطط المخلوق إلى شيء واقعي منفذ على أرض الحقيقة لذا فإن أي تصميم يعقبه تنفيذ مباشر لذا قال: {سبح اسم ربك الأعلى * الذي خلق فسوى} (الأعلى 1، 2) فالخلق يعقبه تسوية ولاحظ أن “فاء” التعقيب والسببية جاءت بين فعلين “خلق، سوى”.

والتسوية هي التنفيذ الكامل للتصميم بدون أي نقصان أو عيب فعندما نقول إن زيدا من الناس “إنسان غير سوي”: فيه عيب ونقص. وهكذا نفهم: {فتمثل لها بشرا سويا} (مريم 17) أي أن جبريل تمثل لمريم بصورة بشر سوي لا عيب فيه ولا نقص. ولم تلاحظ مريم أي شيء غير بشري. لاحظ قوله: {بشرا سويا}. ولم يقل إنسانا سويا للتأكيد على كمال الناحية الفيزيولوجية.

وعندما قال الله للملائكة عن خلق البشر أعقبه مباشرة بالتسوية بقوله: {إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين * فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين} (ص 71، 72) فلاحظ كيف أن الخلق هو التصميم الذي أعقبه التسوية “التنفيذ”.

أما المعنى الأخير لفعل “سوى” فهو الاستقرار والتحكم كقوله تعالى: {لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه} (الزخرف 13). فالاستواء على ظهور الأنعام هو عملية الاستقرار عليها، فيمكن للإنسان أن يركب على ظهر الجواد ثم يقع عن ظهره أثناء التذليل.       أما الاستواء فهو الاستقرار والتحكم وهكذا نفهم قوله تعالى:

 {الرحمن على العرش استوى} (طه 5).

3- جعل: وتعني في اللسان العربي انتقالا من حالة إلى حالة أو تغيرا في الصيرورة لشيء موجود فعلا كقوله تعالى: {إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون} (الزخرف 3). فهنا “جعل” تدل على أن القرآن كان موجودا فأخذت منه نسخة مترجمة إلى العربية لذا قال: {إنا جعلناه}. ولم يقل “إنا خلقناه” فالجعل يمكن أن يتم بتغيرات أثناء عملية التسوية أو بعدها كقوله عن أحد مراحل التسوية في لأرض {وجعل فيها رواسي من فوقها} (فصلت 10). أي أن الأرض كانت كرة ملتهبة سائلة وتجمد قسم منها وهو القشرة الخارجية لذا قال: {رواسي من فوقها} (فصلت 10).

أي أن الأرض كانت كرة ملتهبة سائلة وتجمد قسم منها وهو القشرة الخارجية لذا قال: {رواسي من فوقها}.

 وقال الله سبحانه وتعالى لإبراهيم: {إني جاعلك للناس إماما} (البقرة 124) أي أن إبراهيم لم يكن إمام للنسا فأصبح إماما لهم، أي أضيفت له صفة صار بها إماما للناس. وقوله تعالى: {وجعلنا منا لماء كل شيء حي} (الأنبياء 30) أي أن الماء يغير في صيرورة الأشياء من كائن غير حي إلى كائن حي وقوله: {ثم كان علقة فخلق فسوى * فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى} (القيامة 38، 39) لاحظ كيف جاءت الأفعال الثالثة متتالية “خلق، سوى، جعل” هنا جاء التصميم ثم التنفيذ ثم تغير من صيرورة إلى صيرورة أخرى.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة التاسعة بعد المائة في موضوع(الحسيب)وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *{إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} أي "في أوقات محددة " (النساء 103)

ولنعد الآن إلى الموضوع الأساسي وهو قوله تعالى: {والله خلقكم وما تعملون) (الصافات 96). ولنأخذ أعضاء الحركة عند الإنسان:

1 – اليد: تألف من الكف والزند والذراع وفيها عدة مفاصل فإذانظرنا إلى اليد من حيث البنية فنرى أن الأفعال التالية موجودة في تصميم هذه البنية “الخلق”. فنرى أن الكف يحوي في بنيته “خلقه” على إمكانية الحركة باتجاهين متضادين، القبض والبسط وكذلك الأصابع مع مفاصلها تحتوي في بنيتها على مجموعة منالأفعال. وكذلك الذراع والزند يحتويان في بنيتهما على مجموعة من الأفعال، وكل هذه الأفعال الموجودة ضمن مجال حركتها البنيوي عبارة عن أضداد قاليد اليمنى واليد اليسرى أزواج والحركات ضمن اليد اليمنى واليسرى أضداد، فالقبض والبسط في الكف وعملية الكب والاستلقاء في الزند وعملية الرفع والتنزيل في الزند وفي الذراع وعملية الحركة إلى الأمام والخلف في الذراع… وهكذا دواليك وكذلك الأرجل ففي بنيتها تحوي أفعالا وتوجد فيها أفعال على شكل أضداد “الوقوف والمشي” وفي الحوض والأرجل “الجلوس والنهوض”.

وكذلك الأعين عين يمنى وعين يسرى “أزواج” فيها تدخل إمكانية العمى والبصر “أضداد” والأذن فيها إمكانية الصمم والسمع واللسان فيه إمكانية البكامة والكلام والبلعوم فيه إمكانية التقيؤ والبلع.

فإذا أراد الإنسان أن يقوم بعمل ما على وجه العموم فإن هذا العمل يتألف من مجموعة من الأفعال الأولية على وجه الخصوص وإمكانية هذه الأفعال موجودة في بنيته فلا يستطيع أي إنسان أن يمضغ الطعام برجليه ويمشي بأسنانه.

فكل أفعال الإنسان التي يقوم بها على وجه الخصوص للقيام بعمل على وجه العموم هي ممكنة التنفيذ في بنيته “خلقه” وعلى هذا فالإنسان لا يخلق ولا يستطيع أن يخلق أي فعل غير موجود في بنيته أو في الطبيعة. فرب سائل يقول إن الإنسان صنع السيارة والصاروخ والغواصة والرافعة والطائرة والأدوية. أقول إن الإنسان صنع هذه الأشياء من قوانين موجودة في الطبيعة، فالإنسان صنع الطائرة نتيجة استيعابه لقوانين الطيران الموجودة فعلا في الطبيعة والتي شاهدها أولا من خلال الطيور والحشرات الطائرة لذا فقد سمى القرآن ظواهر الطبيعة {آيات الله}. فالإنسان بعد أن عرف هذه الأفعال الموجودة بالإدراك الفؤادي أولا، ثم بالتجريد العقلي “القوننة” وصل إلى ظاهرة الإبتكار والتخيل فقلد أفعال الطبيعة وأبدع فيها وسخرها لمصلحته “للإعمار أو الدمار” وابتكر آلاف الأدوات والتجهيزات الجديدة، لذا لم يقل أبدا في الكتاب “والله خلقكم وما تصنعون” بل قال: {إن الله عليم بما يصنعون} (فاطر 8).

وقال: {إن الله خبير بما يصنعون} (النور 30). فكل ما ذكر سابقا عن

 الأفعال ووجودها في الطبيعة هي حقيقة موضوعية موجودة خارج الوعي

 الإنساني “حق” وهي تعتبر من قوانين القدر “الوجود”.

والسؤال الذي يطرح نفسه: ما هو دور الإنسان في هذا وأين الخيار والحرية للإنسان؟ أي أين قضاء الإنسان؟ وما علاقة الإنسان بقوانين القدر القائمة في ظواهرها على الأضداد وفي ذاتها على المتناقضات الأزواج “التأثير والتأثر المتبادل”؟

الجواب هو أن العلاقة تتحدد حصرا بالمعرفة فعندما عرف الإنسان قوانين القدر في الدورة الدموية وفي دورة الدم في القلب والشرايين استطاع أن يقضي فيها وذلك بالعمليات الجراحية وبالتالي زادت حريته فيما يتعلق بهذا الموضوع. وعندما عرف قوانين الطيران استطاع أن يصمم الطائرة وينتجها وبالتالي ازدادت درجة حريته في التنقل، وعندما عرف قوانين الكيمياء زادت درجة حريته في اختراع الأدوية… وهكذا دواليك، فالإنسان يتعلم ظواهر الطبيعة والأفعال المقدرة فيها لكي يمارس القضاء من خلالها حيث أن حريته تكمن فيهما معا.

فالموت قدر والقتل قضاء ولولا الموت لما كان هناك قتل. ووجود إمكانية الضرب باليد قدر والقيام بعملية الضرب قضاء وهذا نراه في قوله تعالى: {هو يحي ويميت} (يونس 56). “قدر إلهي”. وقوله: {لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك} (المائدة 28) “قضاء إنساني”.

فكلما زاد جهل الإنسان بالمقدرات زاد شعوره بالجبرية، فالإنسان يطلب الأشياء حسب معرفته لها، والذي لا يعرف شيئا لا يطلب شيئا لذا قال: { إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون} (الأنفال 22) فمثلا كان الإنسان سابقا يظن أن وجوده على الأرض وجود جبري، ولكن عندما عرف قوانين الجاذبية وقوانين الطيران والدفع الصاروخي تخطى هذه الجبرية فأصبح يخرج من الأرض ثم يعود إليها.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة العاشرة بعد المائة في موضوع(الحسيب)وهي بعنوان : * تعريف القضاء والقدر والحرية

لنضع الآن تعريفا للقضاء والقدر والحرية:

القدر: هو الوجود الموضوعي للأشياء وظواهرها خارج الوعي الإنساني.

القضاء: هو ظاهرة تتمثل في السلوك الواعي “إرادة إنسانية” قائم على

الحركة بين الأضداد، أي سلوك بين نفي وإثبات في ظواهر الوجود “القدر”.

فالقضاء الإنساني المتحرك دائما يتولد من القدر من خلال المعرفة المتحركة دائما “والتي تعتبر المقادير أعلى شكل للتعبير عنها”.

وبما أن المعرفة الإنسانية لظواهر الوجود متحركة دائما إلى الأعلى وبالتالي فالقضاء الإنساني متحرك دائما إلى الأعلى.

هذه التعاريف يمكن أن نمثلها بالشكل الرمزي التالي:

   فكلما زادت معرفة الإنسان بالقدر زاد قضاؤه وبالتالي زادت حريته وانخفض مفهوم الجبرية عنده. فالقضاء دون قدر وهم وأحلام يقظة “لا موضوعية”، والقدر دون قضاء جهل ورجعية أو رجوع إلى المملكة الحيوانية.

من هذا التعريف للقضاء والقدر نستطيع ن نضع تعريفا جامعا مانعا للحرية والتقدمية:

1 – الحرية: هي إرادة إنسانية واعية دائمة الحركة بين النفي والإثبات في الأضداد “ظواهر الوجود”.

فالسؤال الآن: كيف بدأت حرية الإنسان “الومضة الأولى للحرية”؟ بدأت هذه الومضة الأولى مع بداية المعرفة الإنسانية وهذه الومضة جاءت مع نفخة الروح وهي الحلقة المفقودة بين البشر “المملكة الحيوانية” والإنسان وقد تم شرحها في مقال سابق.

ولنعبر عن هذا الانتقال بالمعادلات التالية:

  من هذا التعريف نرى أن ظاهرة الحرية لها مركبتان: المركبة الأولى موضوعية وهي الوجود الموضوعي للأشياء وظواهرها.

والمركبة الثانية ذاتية وجاءت من نفخة الروح وهي المعرفة التي نتج عنها إرادة واعية. فأول شيء مارسه آدم بعد المعرفة مباشرة هو الحرية، وكانت هذه الحرية في معصية أمر الله. لذا فإن الذي يطلب الحرية لا يطلب وهما ولا يعيش في وهم، وإن أحد الأسباب الرئيسية لمعاداة العرب للنبي صلى الله عليه وسلم هو الجهل لذا كان الني صلى الله عليه وسلم يدعو بقوله “اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون”.

أما التعريف القائل إن الحرية هي “وعي الضرورة” فهو تعريف ناقص، فوعي الضرورة لا يكفي لممارسة الحرية حيث أن هذا الوعي والذي أطلقنا عليه مصطلح المعرفة بالموجودات هو شرط لازم غير كاف لممارسة الحرية حيث قلنا إن الحرية ظاهرة وليست شيئا. لذا فإنها تقوم على الأضداد.

فحتى يمارس الإنسان حريته يجب ن يكون هناك مجال للاختيار بين ضدين أي مجال للنفي والإثبات وهنا يكمن سر جدل الإنسان في الظواهر الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية. فحتى يتحقق جدل الإنسان في الفكر يجب أن يكون هناك الفكر والفكر المضاد والرأي والرأي المضاد “جدل غير متخاصم” وهذه الخاصية تعتبر أهم خاصية في المجتمعات الإنسانية الحرة المتحضرة.

وإذا سأل سائل: ما هي وحدة الفكر والفكر المضاد في المجتمعات المتحضرة؟ أقول: وحجتهما هي البحث عن الحقيقة في المعرفة والوطنية في السياسة والاقتصاد.

2 – التقدمية: بما أن المعرفة الإنسانية هي معرفة صاعدة إلى الأعلى وغير ثابتة وتحمل مفهوم النسبية، لذا فإن التقدمية

هي الانتقال من درجة في الحرية كيفا وكما إلى درجة أعلى في كل نواحي الحياة. وإذا فقدت هذه الخاصية في رفع الحرية كما وكيفا للناس فقد فقدت أهم مبررات وجودها.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة الحادية عشرة بعد المائة في موضوع(الحسيب)وهي بعنوان :

* ومن يتوكل على الله فهو حسبه :

    في سورة الطلاق أو سورة النساء الصغرى - كما تسمى - وردت أربع آيات كريمة، ربطت بين الفعل والجزاء، ورتبت النتيجة على أسبابها ومقدماتها؛ الآية الأولى، قوله تعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجًا * ويرزقه من حيث لا يحتسب} (الطلاق:2-3) والثانية، قوله سبحانه: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} (الطلاق:3) والثالثة، قوله عز وجل: {ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرًا} (الطلاق:4) والرابعة، قوله تعالى: {ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرًا} (الطلاق:5). ولنا مع هذه الآيات بضع وقفات:

الأولى: أن الجزاء في ثلاث من هذه الآيات رُتب على تقوى الله؛ وتقوى الله في معهود الشرع، فعل ما أمر الله به واجتناب ما نهى عنه، وهي رأس الأمر كله، وفي وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض صحابته، قوله عليه الصلاة والسلام: (اتق الله حيثما كنت) رواه أحمد والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.

الثانية: جاء قوله تعالى: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} تكملة لأمر التقوى؛ فإذا كانت تقوى الله سبب لتفريج الكربات، ورفع الملمات، وكشف المهمات، فإن في توكل المسلم على ربه سبحانه، ويقينه أنه سبحانه يصرف عنه كل سوء وشر، ما يجعل له مخرجًا مما هو فيه، وييسر له من أسباب الرزق من حيث لا يدري؛ وأكد هذا المعنى ما جاء في الآية نفسها، وهو قوله تعالى: {إن الله بالغ أمره} أي: لا تستبعدوا وقوع ما وعدكم الله حين ترون أسباب ذلك مفقودة، فإن الله إذا وعد وعدًا فقد أراده، وإذا أراد أمرًا يسر وهيأ أسبابه.

وقد وردت عدة أحاديث تشد من أزر هذا المعنى؛ من ذلك ما رواه أبو ذر رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إني لأعلم آية لو أخذ بها الناس لكفتهم، ثم تلا قوله تعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب} فما زال يكررها ويعيدها ). رواه أحمد والحاكم وغيرهما.

وروى الإمام أحمد في "مسنده" عن ثوبان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ولا يرد القدر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر).

الثالثة: أن الله سبحانه وعد عباده المتقين الواقفين عند حدوده، بأن يجعل لهم مخرجًا من الضائقات والكربات التي نزلت بهم؛ وقد شبَّه سبحانه ما هم فيه من الحرج بالمكان المغلق على المقيم فيه، وشبَّه ما يمنحهم الله به من اللطف وتيسير الأمور، بجعل منفذ في المكان المغلق، يتخلص منه المتضائق فيه.

الرابعة: في قوله تعالى سبحانه: {من حيث لا يحتسب} احتراس ودفْعٌ لما قد يُتوهم من أن طرق الرزق معطلة ومحجوبة، فأعْلَم سبحانه بهذا، أن الرزق لطف منه، وأنه أعلم كيف يهيئ له أسبابًا، غير مترتبة ولا متوقعة؛ فمعنى قوله تعالى: {من حيث لا يحتسب} أي: من مكان لا يحتسب منه الرزق، أي لا يظن أنه يُرزق منه.

الخامسة: تفيد الآيات المتقدمة، أن الممتثل لأمر الله والمتقي لما نهى الله عنه، يجعل الله له يسرًا فيما لحقه من عسر؛ واليسر انتفاء الصعوبة، أي: انتفاء المشاق والمكروهات؛ والمقصود من هذا تحقيق الوعد باليسر، فيما شأنه العسر.

السادسة: في قوله تعالى: {ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا} أعيد التحريض هنا على التقوى مرة أخرى، ورتَّب عليه الوعد بما هو أعظم من الرزق، وتفريج الكربات، وتيسير الصعوبات، وذلك بتكفير السيئات، وتعظيم الأجر والثواب.

وبعد: فإن للتقوى أثرًا أي أثر في حياة المؤمن، فهي مفتاح كل خير، وهي طريق إلى سعادة العبد في الدنيا والآخرة، يكفيك في ذلك، قول الله عز وجل: {ولو أن أهل القرى أمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض} (الأعراف:96) وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى) رواه مسلم، نسأل الله أن يجعلنا من الملتزمين بشرعه، ومن المتقين لأمره ونهيه.

[الأنترنت – موقع إسلام ويب  - ومن يتوكل على الله فهو حسبه - اسم الكاتب: إسلام ويب]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة الثانية عشرة بعد المائة في موضوع(الحسيب)وهي بعنوان :

* قال تعالى : {ومن يتوكل على الله فهو حسبه } :

*قال الدكتور:عمر المقبل على الآية :

إنّ التّوكّل على اللّه عزّ وجلّ مطلوب في كلّ شئون الحياة، بيد أنّ هناك مواطن كثيرة ورد فيها الحضّ على التّوكّل والأمر به للمصطفى صلى الله عليه وسلم والمؤمنين!

1- إن طلبت النّصر والفرج فتوكّل عليه: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (آل عمران/ 160).

2- إذا أعرضتَ عن أعدائك فليكن رفيقك التّوكّل: {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا} (النساء/ 81).

3- إذا أعرضَ عنك الخلقُ، فتوكّل على ربك: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} (التوبة/ 129).

4- إذا تلي القرآن عليك، أو تلوته فاستند على التّوكّل: {وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (الأنفال/ 2 مدنية).

5- إذا طلبت الصّلح والإصلاح بين قوم لا تتوسّل إلى ذلك إلّا بالتّوكّل: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ}(الأنفال/ 61).

6- إذا وصلت قوافل القضاء فاستقبلها بالتّوكّل: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}(التوبة/ 51).

7- وإذا نصبت الأعداء حبالات المكر فادخل أنت في أرض التّوكّل: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ} (يونس/ 71).

8- وإذا عرفت أنّ مرجع الكلّ إلى اللّه وتقدير الكلّ فيها للّه فوطّن نفسك على فرش التّوكّل: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} (هود/ 123).

9- وإذا علمت أنّ اللّه هو الواحد على الحقيقة، فلا يكن اتّكالك إلّا عليه: {قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ} (الرعد/ 30).

10- وإذا كانت الهداية من اللّه، فاستقبلها بالشّكر والتّوكّل: {وَما لَنا أَلَّا

نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ}(إبراهيم/ 12).

11- وإذا خشيت بأس أعداء اللّه والشّيطان والغدّار فلا تلتجئ إلّا إلى باب اللّه: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (النحل/ 99).

12- وإذا أردت أن يكون اللّه وكيلك في كلّ حال، فتمسّك بالتّوكّل في كلّ حال: {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا}(النساء/ 81).

13- وإذا أردت أن يكون الفردوس الأعلى منزلك فانزل في مقام التّوكّل: {الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (النحل/ 42).

14- وإن شئت أن تنال محبّة اللّه فانزل أوّلا في مقام التّوكّل: {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (آل عمران/ 159).

15- وإذا أردت أن يكون اللّه لك، وتكون للّه خالصا فعليك بالتّوكّل: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ (الطلاق/ 3)، {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ}(النمل/ 79)" [ جميع ما تقدم من 1 – 15 من كلام الإمام اللغوي المفسر الفيروز آباديّ:، في كتابه: بصائر ذوي التمييز 2/313-315.]

وقبل أن نختم حديثنا عن هذه القاعدة القرآنية: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} أود أن أنبه إلى ما ذكره العلامة ابن القيم رحمه الله من أن كثيراً من المتوكلين يكون مغبوناً في توكله!

وبيان ذلك ـ كما يقول رحمه الله ـ: أنك ترى بعض الناس يصرف توكله إلى حاجة جزئية استفرغ فيها قوة توكله، مع أنه يمكنه نيلها بأيسر شيء، وفي المقابل ينسى أو يغفل عن تفريغ قلبه للتوكل في: زيادة الإيمان، والعلم، ونصرة الدين، والتأثير في العالم خيراً، فهذا توكل العاجز القاصر الهمة، كما يصرف بعضهم همته وتوكله ودعاءه إلى وجع يمكن مداواته بأدنى شيء، أو جوع يمكن زواله بنصف رغيف، أو نصف درهم، ويدع صرفه إلى نصرة الدين، وقمع المبتدعين، وزيادة الإيمان ومصالح المسلمين" [  ينظر: المصدر السابق 2/225 بتصرف.]

وههنا ملحظ مهم يستفاد من كلامه رحمه الله، وهو: أن الواحد منا ـ في حال نشاطه وقوة إيمانه ـ قد يقع منه نسيان وغفلة عن التوكل على الله، اعتماداً على ما في القلب من قوة ونشاط، وهذا غلط ينبغي التنبه إليه، والحذر منه، ومن تأمل في أدعية النبي صلى الله عليه وسلم وجده دائم الافتقار إلى ربه، ضارعاً إلى ربه أن لا يكله إلى نفسه طرفة عين، حتى ربى أمته على هذا المعنى في شيءٍ قد يظنه البعض بسيطاً أو سهلاً، وهو أن يقولوا: "لا حول ولا قوة إلا بالله" عند سماع المؤذن في الحيعلتين! [ أخرجه الشيخان: البخاري ح (588) ومسلم ح (385) ]

وقد أجمع العلماء على أن التوفيق، ألّا يكل اللّه العبد إلى نفسه، وأن الخذلان كل الخذلان أن يخلي بينه وبين نفسه!

اللهم إنا نبرأ من كل حول وقوة إلا من حولك وقوتك، اللهم إنا نعوذ بك أن نوكل إلى أنفسنا طرفة، وإلى هنا أضع القلم، وإلى أن ألقاكم في حلقة قادمة بإذن الله.[الأنترنت – موقع المسلم -  (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) د .عمر بن عبد الله المقبل]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة الثالثة عشرة بعد المائة في موضوع(الحسيب)وهي بعنوان :

*الحسبة في الإسلام( مفهومها ، أدلتها ، حكمها ، مكانتها ، أهميتها ، الحكمة من مشروعيتها ، تاريخ نشأتها )

تعريف الحسبه

في اللغه: هي في اللغة من العد والحساب وتأتي بمعنى طلب الأجر والمثوبة من الله عز وجل .

أما في الإصطلاح فقد عرفها جمهور الفقهاء بأنها :

ولاية دينية يقوم ولي الأمر - الحاكم - بمقتضاها بتعيين من يتولى مهمة الأمر بالمعروف إذا أظهر الناس تركه، والنهي عن المنكر إذا أظهر الناس فعله، صيانة للمجتمع من الانحراف، وحماية للدين من الضياع، وتحقيقا لمصالح الناس الدينية والدنيوية وفقا لشرع الله تعالى.

أدلة مشروعيتها: مشروعيتها في الكتاب الكريم :

دلت نصوص عدة من القرآن الكريم على مشروعية الحسبة ، ونصت على ذلك بشكل واضح وصريح ، ومن تلك النصوص الكريمة :

1 – قوله تعالى : وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ .

2 – وقوله سبحانه : كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ

 وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ .

3 – وقوله تعالى : وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ .

4 – وقوله عز وجل : الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ .

5 – وقوله تعالى : يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ

مشروعيتها في السنة المطهرة :

جاء عدد من أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم تنص بشكل واضح وصريح على مشروعية الحسبة ، وتأمر بالقيام بها على أفراد المجتمع المسلم ، ومن تلك الأحاديث :

قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان ) .وقوله صلى الله عليه وسلم : ( ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون ، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل ) .

وقوله صلى الله عليه وسلم : ( إياكم والجلوس في الطرقات ) فقالوا : ما لنا بد ، إنما هي مجالسنا نتحدث فيها ، قال : ( فإذا أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقها ) قالوا : وما حق الطريق ؟ قال : ( غض البصر ، وكف الأذى ، ورد السلام ، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر )

مشروعيتها من الإجماع :

أجمعت الأمة الإسلامية ممثلة بعلماء السلف المعتبرين على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، استنادا منهم لنصوص الكتاب والسنة .

ومن أقوال بعض هؤلاء العلماء التي توضح إجماع الأمة على مشروعية الحسبة ووجوبها : قول النووي رحمه الله : ( وقد تطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - الكتاب والسنة وإجماع الأمة . . ) .

وقال أبو بكر الجصاص - رحمه الله - : ( أكد الله تعالى فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مواضع من كتابه ، وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أخبار متواترة عنه فيه ، وأجمع السلف وفقهاء الأمصار على وجوبه . . . ) .

وقال ابن حزم رحمه الله :( اتفقت الأمة كلها على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بلا خلاف

وبهذا يتضح أن الحسبة تقوم على أسس وركائز متينة في الإسلام هي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة ، وهذا كله مما يؤكد على أهميتها وفضلها .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة الرابعة عشرة بعد المائة في موضوع(الحسيب)وهي بعنوان :

حكم الحسبة :

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل مسلم قادر، وهو

فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين، ويكون فرض عين على القادر إذا لم يقم به غيره، ومناط الوجوب هو القدرة، فيجب على كل إنسان بحسب قدرته كما قال الله تعالى: { فاتقوا الله ما استطعتم } والقدرة والسلطان والولاية، فذووا السلطان أقدر من غيرهم؛ فعليهم من الوجوب ما ليس عل غيرهم، والقرآن قد دل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يجب على كل أحد بعينه بل هو على الكفاية كما قال تعالى: { ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} والجهاد من تمام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا لم يقم به أحد أثم كل قادر بحسب ما أوتي من قدرة، كما قال صلى الله عليه وسلم { مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلَسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ

مسألة في شَرْط سقوط الحرج عن الباقين

شَرْط سقوط الحرج عن الباقين، إذا قام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من يكفي هو أن يكون سكوته لعلمه أن هذا الواجب قد قام به من يكفي.

قال ابن النحاس في كتابه "تنبيه الغافلين ص15 -16": "واعلم أن مقتضى فرض الكفاية، أنه إذا قام به البعض حاز الأجر الجزيل من الله تعالى، وسقط الحرج عن الباقين، ولكن يشترط في سقوط الحرج هنا أن يكون الساكت عن الأمر والنهي إنما سكت لعلمه بقيام من قام عنه بالغرض، فإن سكت ولم يعلم بقيامه، فالظاهر -والله أعلم- أنه لا يسقط عنه الحرج؛ لأنه أقدم على ترك واجب عمدًا، كما لو أقدم على الفطر في رمضان؛ ظانًّا منه النهار باقٍ وكان ليلًا، أو جامع ظانًّا أن الفجر قد طلع وكان ليلًا، فإنه يأثم بذلك. ا هـ.

مسألة في الحالتين اللتين يصير فيهما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الكفاية إلى الفرض العين

الأصل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنه فرض كفاية ولكنه يصير فرض عين في حالتين:

الأولى: أن لا يعلم به إلا هو. الثانية: أن لا يتمكن من إزالته إلا هو. قال أبو زكريا النووي -رحمه الله- في شرح صحيح مسلم: "وقد يتعين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يعني يصير فرض عين، كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو، أو لا يتمكن من إزالته إلا هو، وكمن يرى زوجته أو غلامه أو ولده على منكر أو تقصير في المعروف".

فائـدة في ميزة القائم والمؤدي لفرض الكفاية على القائم بفرض العين

القائم والمؤدي لفرض الكفاية، له ميزة على القائم بفرض العين، تلك هي أن القائم بفرض العين أسقط الحرج عن نفسه فقط، والقائم بفرض الكفاية أسقط الحرج عن نفسه وعن المسلمين وفرض العين إذا ترك.

وقد قال اختص هو بالإثم، وفرض الكفاية إذا ترك أثم الجميع.

قال ابن النحاس في كتابه "تنبيه الغافلين" ص 17-18 وقد قال النووي -رحمه الله- في "زوايد الروضة": للقائم بفرض الكفاية مزية على القائم بفرض العين، من حيث إنه أسقط الحرج عن نفسه وعن المسلمين

وقد قال إمام الحرمين -رحمه الله- في "الغياث": "والذي أراه أن القيام بفرض الكفاية أفضل من فرض العين؛ لأنه لو ترك المتعين لاختص هو بالإثم، ولو فعله اختص بسقوط الفرض، وفرض الكفاية لو ترك أَثِمَ الجميع، ولو فعله سقط الحرج عن الجميع، ففاعله ساع في صيانة الأمة عن الإثم، ولا يشك في رجحان من حل محل المسلمين أجمعين في القيام بمهمة من مهمات الدين والله أعلم" اهـ.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة الخامسة عشرة بعد المائة في موضوع(الحسيب)وهي بعنوان :

مكانة الحسبة :

لقد جاءت الشريعة الإسلامية بتحصيل المصالح وتكميلها ، وتعطيل المفاسد وتقليلها ، وأنها ترجح خير الخيرين ، وتدفع شر الشرين ، وتحصل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما ، وتدفع أعظم المفسدين باحتمال أدناهما . وقد أمر الله تعالى عباده بأن يبذلوا غاية وسعهم في التزام الأصلح فالأصلح – واجتناب الأفسد فالأفسد ،وهذا هو الأساس الأكبر في التشريع الإسلامي : فإن مدار الشريعة على قوله تعالى : ((فاتقوا الله ما استطعتم )) ، المفسر لقوله تعالى : ((اتقوا الله حق تقاته )) وعلى قول النبي صلى الله عليه وسلم : (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم )

وعلى أن الواجب تحصيل المصالح وتكميلها ، وتعطيل المفاسد وتقليلها ، فإذا تعارضت كان تحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما ، ودفع أعظم المفسدين مع احتمال أدناهما هو المشروع . ثم إن مقصد الولايات الشرعية من خلافه وقضاء وحسبة وغيرها :

أن يكون الدين كله لله ، وأن تكون كلمة الله هي العليا ، فولاية الحسبة إنما جعلت لإصلاح دين الخلق الذي متى فاتهم خسروا خسرانا مبيناُ ، ولم ينفعهم ما نعموا به في الدنيا ، ولإصلاح ما لا يقوم الدين إلا به من أمر دينهم .

والشريعة إنما جاءت بأحكام تحفظ على الناس الكليات الخمس أو المصالح العليا الخمس وهى : الدين والنفس والعقل والنسل والمال .

فكل الأحكام الشرعية في هذا الخصوص إنما هي أوامر ونواهي للحفاظ على هذه الكليات، والحسبة إنما تسعى للتحقق من تطبيق هذه الأوامر والالتزام بالنواهي .

ويمكن أن نفصل هذه الناحية للحسبة في أهداف أساسية فيما يلي :

1- حماية دين الله تعالى بضمان تطبيقه في حياة الناس الخاصة والعامة وصيانته من التعطيل أو التبديل أو التحريف . فقد وكل إلى المحتسب حث الناس على الالتزام بأداء عبادتهم بكيفياتها الشرعية ومنعهم من التبديل والتحريف فيها ، كما أنه يمنع البدع في الدين ويحاربها ويوقع العقاب على مرتكبيها . فالمحتسب يهتم بكل ما يتعلق بالدين ويسعى لإحيائه وتمكينه .

2- تهيئة المجتمع الصالح بتدعيم الفضائل وأنمائها ، ومحاربة الرذائل وإخمادها . فالمحتسب يمنع المنكرات الظاهرة ويعاقب مرتكبيها إن كان مما يوكل إليه العقاب فيه ، أو يرفعه إلى القضاء إن كان مما يختص القاضي بالفصل فيه

كما أنه يتتبع مواطن الريب والشبهة فيمنع وقوع المنكرات فيها مثل مواطن اختلاط الرجال بالنساء ، والأماكن التي يرتادها أهل الشك والريب .

3- إعداد المؤمن الصالح المهتم بقضايا مجتمعه ، وحماية مصالحه. ذلك أن الإسلام جعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجباً على كل مسلم ، حتى لا يرى منكراً قد ارتكب فيسكت عنه، أو يرى معروفاً ترك فيتواطأ على الترك .

فإذا قام بذلك كان أدعى إلى أن يأتي هو ذاته المعروف الذي أمر به وينتهى عن المنكر الذي نهى عنه غيره ، لذا قال الله تعالى : (( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون )) ومن جانب آخر فإن الحسبة- وهي الحد الرسمي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – تؤمن لأفراد المجتمع المتابعة الدائمة لأنشطتهم بتدعيم الصالح منهما وتعزيزه ، ومحاربة الفاسد منها والزجر منه .

4- بناء الضمير الاجتماعي – الوازع الجماعي – الذي يحول دون هتك مبادئ المجتمع المسلم وقواعده وآدابه العامة وأعرافه ، ذلك أن للبيئة الاجتماعية أهمية قصوى في سلوك أفراد المجتمع ، فإذا كان للمجتمع قواعد مرعية وآداب محفوظة ومبادئ محمية من سلطاته صعب على العصاة الخروج عليها ، وتربي في أنفسهم الحياء من مخالفة المجتمع والخروج عليه .

أما إن كانت هذه المبادئ والقواعد منتهكة من غالب أفراد المجتمع ، ولم تكن هناك سلطة تسعى للحفاظ عليها ، بحجة أن تلك الأمور من الشئون الخاصة ، سهل على الأفراد الخوض في المنكرات ، بل إن العصاة يغرون الصالحين بسلوك نهجهم ، لأن الناس يحبون التشبه ببعضهم بعضاً ، لذا قال الله تعالى : (( إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة ، والله يعلم وأنتم لا تعلمون )) وأمر الله تعالى أن تكون العقوبات الشرعية علنية حتى يتعظ الناس بعذاب غيرهم ، فقال بعد أن ذكر عقاب الزناة : (( وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين )) كما أمر النساء بالحجاب وعدم إبداء الزينة لغير المحارم ، بل وأمرهن بعدم التلين في الكلام بما يثير الرجال ، ثم بعد ذلك كله أمر كلا من الرجال والنساء بغض البصر منعاً للفتنة المثيرة للشهوة

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة السادسة عشرة بعد المائة في موضوع(الحسيب)وهي إستكمالا للماضية والتي بعنوان : مكانة الحسبة :

5- استقامة الموازين الاجتماعية واتزان المفاهيم واستقرارها حتى لا ينقلب المنكر معروفاً والمعروف منكراً. لذا نجد أن من أشد الأمور خطورة انتشار المنكرات ثم تواطؤ المجتمع على السكوت عنها ثم قبولها أخيرا! فإذا بلغت المنكرات درجة القبول عند الناس ، وذللك بأن يروها أموراً معتادة لا حاجة لاستنكارها فضلاً عن الإنكار على مرتكبيها ، إذا بلغ الحال إلى هذا الحد ، فإن المجتمع يفقد موازينه المستقيمة وتذوب مفاهيمه الصحيحة لكل القيم الفضيلة ، وعندئذ يعجز كل قانون عن التأثير في الناس ولا سيما القوانين الوضعية التي تقوم على مبدأ عدم التدخل في الحريات الشخصية .فلو نظرنا إلى كثير من المجتمعات الإباحية نجد أن الأمور قد انفلتت من يد السلطات إذ أصبح المجتمع لا يستنكر سلوك الانحراف والشذوذ، والسلطة لا تقدر على محاربة الرذائل والمخدرات والجرائم التي يعتدى فيها على حرمات الناس .

بينما نجد المجتمعات الإسلامية –على وجه العموم- لا تزال تحتفظ بأصولها ومبادئها ، مما يجعل السلوك الانحرافي والشذوذ والخروج على قيم المجتمع أموراً مستقبحة ومستنكرة من عامة الناس .

6- دفع العقاب العام من الله تعالى ، ومنع حالات الفساد الجماعي . ذلك أن فشو المنكرات وظهور الفساد يستحق العقاب من وجهين:

الأول : أن ارتكاب تلك المنكرات موجب للعقاب .

الثاني : إن السكوت عن هذه المنكرات من غير أصحابها موجب أخر للعقاب ، لذا قال الله تعالى محذراً هذه الأمة أن تسكت عن المنكر : (( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة )) وذلك حتى لا يقع لهم مثل ما وقع لمن قبلهم ، الذين حكى الله تعالى حالهم في قوله : (( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون . كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون )) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون أن يغيروا ولا يغيرون إلا يوشك أن يعمهم الله بعقاب )

7- تحقيق وصف الخيرية للأمة، كما قال الله تعالى : (( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله )) وذلك لأن صلاح المعاش والمعاد إنما يكون بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك لا يتم إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبه صارت هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس . وما تمت هذه الخيرية إلا بعد تحقيق الصفات المذكورة في الآية وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله ، فمن اتصف بهذه الصفات من هذه الأمة دخل في هذا المدح ، كما قال عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه في حجة حجها فرأى من الناس منكراً فقرأ { كنتم خير أمة أخرجت للناس } ثم قال : { من سره أن يكون من هذه الأمة فليؤد شرط الله فيها }

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة السابعة عشرة بعد المائة في موضوع(الحسيب)وهي إستكمالا للماضية والتي بعنوان : أهمية الحسبة :

يهدف الإسلام إلى خلق مجتمع آمن مستقر تسوده المحبة ويجتمع أفراده في التعاون على البر والتقوى، حتى يتمكن الجميع من القيام بواجب الخلافة في الأرض وتحقيق الغاية الأساسية من خلق الإنسان وهي عبادة الله تعالى، كما قال تعالى: (وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون) ولأن الناس محتاجون دائما إلى نظام يسيرون على هديه، وسلطة تحرص على تحقيق هذا النظام في حياة الناس، لزم أن يكون هناك من يذكر الناس بذلك ويتابع التزامهم به، ومن هنا جاءت أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

الحكمة من مشروعيتها:1- إقامة حجة الله على خلقه:

كما قال تعالى: { رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} وقال تعالى: {يأهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ونذير} وقال تعالى: { وكذلكم جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا }

2- خروج الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر من عهدة التكليف والمسئولية: كما قال تعالـى في قصة أصحاب السبت عن الفرقة الناهية أنهم قالوا لمن قال لهم: {وإذا قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم او معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة الى ربكم } وقال تعالى: { فتول عنهم فما انت بملوم } دلت الآية بمفهومها على أنه لو لم يخرج من العهدة -بأمرهم ونهيهم- لكان ملومًا.

قال صلى الله عليه وسلم { الدِّينُ النَّصِيحةُ -ثلاثًا-، قُلْنَا: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ } فمن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فقد أدى النصيحة التي هي الدين، بعد استقامته هو على ما يأمر به وينهى عنه وامتثاله لذلك.

3- رجاء انتفاع المأمور والمنهي بتقوى الله تعالى باجتناب المنهيات وفعل المأمورات:كما قال تعالى عن الفرقة الناهية في قصة أصحاب السبت {معذرة الى ربكم ولعلهم يتقون } وقال تعالى: {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين } وقال تعالى في بيان من ينتفع { سيذكر من يخشى}

نبذه عن تاريخ الحسبة:

إن أول من مارس الحسبة في التاريخ الإسلامي هو رسول الله صلى الله علية وسلم فكان يمشي في الأسواق وينهى عن الغش والتطفيف في الكيل والوزن وسار على دربه أصحابة وعلى رأسهم الخلفاء الراشدين وعندما توسعت رقعة الدولة الإسلامية صار يتوجب على ولاة أمور المسلمين تعيين من يروه أهلاً للقيام بالحسبة ويمدونه بما يحتاج إليه من الأعوان والوسائل اللازمة لذلك ويفضونه صلاحية البحث عن المنكرات في الأسواق والطرقات وفي أماكن تجمعات الناس فيؤدب مرتكبيها ويحذرهم من اقترافها ويحمل الناس على المصالح العامة في المدينة مثل منعهم من المضايقة في الطرقات ومنع الحمالين وأهل السفن من الإكثار في الحمل والحكم على أهل المباني المتداعية للسقوط بهدمها وإزالة مايتوقع من ضررها على السابلة والضرب على أيدي المعلمين في المكاتب وغيرها عند المبالغة في ضربهم للصبيان المتعلمين ولا يتوقف حكمة على تنازع أو استعداء بل له النظر والحكم فيما يصل إلى علمه من ذلك ويرفع إليه وليس له إمضاء الحكم في الدعاوي مطلقاً بل في ما يتعلق بالغش والتدليس في المعايش وغيرها في المكاييل والموازين وله أيضاًحمل المماطلين على الإنصاف وأمثال ذلك مما ليس فيه سماع بينة ولا إنفاذ حكم ينزه القاضي عنها لعمومها وسهولة أغراضها فتدفع إلى صاحب هذه الوظيفة ليقوم بها فوضعها على ذلك أن تكون خادمة لمنصب القضاء وقد كانت في كثير من الدول الإسلامية مثل العبيديين بمصر والمغرب والأمويين بالأندلس داخلة في عموم ولاية القاضي يولي فيها باختياره ثم لما انفردت وظيفة السلطان عن الخلافة وصار نظره عاماً في أمور السياسة اندرجت في وظائف الملك وانفردت بالولاية.

تشير العديد من المصادر التاريخية أن الحاضرة اليونانية قد عرفت نظاماً

اقتصادياً انتشر مع انتشار السيطرة اليونانية بالبلدان تضمن تعيين مايدعى (اغورانوموس ) أي صاحب السوق والواقع أن هذا النظام قد اتسم بطابع مادي صرف تحدد بالإشراف على أمور السوق والتأكد (من صحة المكاييل وجودة المتاجر والبضاعة المعروضة للبيع وسلامة المعاملات التجارية ) كما أن اليونان قد قاموا بتطبيق هذه الصيغة بعد تحديدها في المدن التي سيطروا عليها ثم احتفظ الرومان والبيزنطينيون بها وطوروها فكانت تلك المدن تخضع لسلطان صاحب السوق بشكل او بآخر دونها تبديلات جوهريه تذكر بتفاصيل العمل وأداء الواجبات الخاصة بنشاط السوق ولكن نظاماً مثل هذا يعد قائماً بذاته آنذاك في حين نجد إن نظام الحسبة العربي الإسلامي يشمل جوانب عديدة من ضمنها مسألة السوق وإن كانت بداية الحسبة قد نشأت لضرورات اقتصادية وبذلك لايمكن عد نظام السوق اليوناني أساساً لفكرة الحسبة في الإسلام لأن الحسبة في المجتمع العربي الإسلامي تتضمن جانبين أحدهما مادي (مايتعلق بالسوق) والآخر معنوي(أخلاقي) ففكرة الحسبة في المجتمع العربي الإسلامي أعمق منها في تلك المجتمعات .فإن الأسواق قد نشأت في المنطقة العربية قبل نشوئها في المجتمعات الرومانية والبيزنطية وغيرها فكما هو معروف أن لموقع شبه الجزيرة العربية أهمية كبيرة في تجارة العالم منذ العصور القديمة وكانت اليمن أكبر سوق لتبادل السلع الهندية والحبشية وشرق أفريقيا وأسيا وجنوب أوروبا إن نفس الذين يدعون تسرب علوم اليونان إلى العرب يؤكدون دور الأسواق العربية وليس الأوروبية في ذلك كما يؤكدون تطورها وحسن نظامها أو أثرها الفاعل في ألتماس بين الشعوب حتى (خيل لبعض القدماء أن هناك قارة تمتد من افريقيا إلى الهند وأن بلاد العرب فيها بمثابة بيت في الوسط على الساحل الشمالي من المياه الواقعة جنوب باب المندب).

ولعل مدينة (جرها) التي أسسها العرب بعد الغزو الفارسي لبابل خير مثال على الأسواق الكبيرة والتجارة المزدهرة للعرب . ومن هنا نجد أن بداية التطور التجاري وبداية تطور الأسواق التجارية كانت من نتائج أنشطة وأجدادهم فإذا كانت التجارة عربية والأسواق عربية فإن ذلك لا يحتم أن تكون أنظمتها قد أخذت عن الغير بل إن كل المبادرات المبكرة تشير إلى أن العرب هم المبادرون علماً وعملاً يحملون شعلة الحضارة الإنسانية الأصيلة للعالم أجمع ويضمن ذلك كله نظام الحسبة العربي الإسلامي ذلك النظام الرائد في مجال تنظيم العمل الاقتصادي وإدارته على نحو متطور ورصين بما يضمن تحقيق مبادئ العرب والإسلام في إشاعة الحق والمساواة وسيادة الأخلاق والمثل والقيم السامية زد على ذلك ما أكدته كل الصادر التاريخية من أن نظام الحسبة قد جاء أثر التطور الاقتصادي والتوسع في الأعمال التجارية في المجتمع العربي الإسلامي وازدهار المدن والتجارة والصناعة والصيرفة وان بداية ظهور الاحتساب مع مبادرة للرسول العربي صلى الله عليه وسلم وبهذا فلا مجال للشك في أصالة الحسبة العربية الإسلامية.

[الأنترنت – موقع صيد الفوائد - الحسبة في الإسلام ( مفهومها ، أدلتها ، حكمها ، مكانتها ، أهميتها ، الحكمة من مشروعيتها ، تاريخ نشأتها ) عبدالقادر بن فالح الحجيري السلمي]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة الثامنة عشرة بعد المائة في موضوع(الحسيب)وهي إستكمالا للماضية والتي بعنوان :

*{قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ }  [الزمر 10] {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ} :

    نداء من الملك سبحانه إلى أهل الإيمان من عباده الذين هم أشرف الخلق و أطهرهم , يذكرهم ربهم بتقواه التي تتمثل في إطاعة الأمر واجتناب النهي , وأن أجره موفور لمن آمن منهم و أطاع فهم الأولياء بين خلقه و لهم الحسنى في الدنيا و الآخرة , و إن تعرضوا للتضييق في أرض فليفروا بدينهم إلى أخرى يستطيعون فيها إقامة أمر الله و ليعلموا أن جزاء صبرهم على أوامر الله وطاعته موفور بغير حساب أعده الملك سبحانه للصابرين من عباده المحتسبين ما يصيبهم في سبيل الله من لأواء أو ضرر .

قال السعدي في تفسيره: أي: قل مناديا لأشرف الخلق، وهم المؤمنون، آمرا لهم بأفضل الأوامر، وهي التقوى، ذاكرا لهم السبب الموجب للتقوى، وهو ربوبية اللّه لهم وإنعامه عليهم، المقتضي ذلك منهم أن يتقوه، ومن ذلك ما مَنَّ اللّه عليهم به من الإيمان فإنه موجب للتقوى، كما تقول: أيها الكريم تصدق، وأيها الشجاع قاتل.

وذكر لهم الثواب المنشط في الدنيا فقال: { {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا} } بعبادة ربهم { {حَسَنَة } } ورزق واسع، ونفس مطمئنة، وقلب منشرح، كما قال تعالى:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} }

{ {وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ} } إذا منعتم من عبادته في أرض، فهاجروا إلى غيرها، تعبدون فيها ربكم، وتتمكنون من إقامة دينكم. ولما قال: { {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ } } كان لبعض النفوس مجال في هذا الموضع، وهو أن النص عام، أنه كل من أحسن فله في الدنيا حسنة، فما بال من آمن في أرض يضطهد فيها ويمتهن، لا يحصل له ذلك، دفع هذا الظن بقوله: { {وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ } } وهنا بشارة نص عليها النبي صلى اللّه عليه وسلم، بقوله ( لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر اللّه وهم على ذلك ) تشير إليه هذه الآية، وترمي إليه من قريب، وهو أنه تعالى أخبر أن أرضه واسعة، فمهما منعتم من عبادته في موضع فهاجروا إلى غيرها، وهذا عام في كل زمان ومكان ، فلابد أن يكون لكل مهاجر، ملجأ من

المسلمين يلجأ إليه، وموضع يتمكن من إقامة دينه فيه.

{ {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } } وهذا عام في جميع أنواع الصبر، الصبر على أقدار اللّه المؤلمة فلا يتسخطها، والصبر عن معاصيه فلا يرتكبها، والصبر على طاعته حتى يؤديها، فوعد اللّه الصابرين أجرهم بغير حساب، أي: بغير حد ولا عد ولا مقدار، وما ذاك إلا لفضيلة الصبر ومحله عند اللّه، وأنه معين على كل الأمور.

[الأنترنت   - موقع طريق الإسلام { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } أبو الهيثم محمد درويش]

وقال البغوي : ( قل ياعباد الذين آمنوا اتقوا ربكم ) بطاعته واجتناب معصيته ، ( للذين أحسنوا في هذه الدنيا ) أي : آمنوا وأحسنوا العمل ، ) ( حسنة ) يعني : الجنة ، قاله مقاتل . وقال السدي : في هذه الدنيا حسنة يعني : الصحة والعافية ، ( وأرض الله واسعة ) قال ابن عباس : يعني ارتحلوا من مكة . وفيه حث على الهجرة من البلد الذي يظهر فيه المعاصي . وقيل : نزلت في مهاجري الحبشة .

وقال سعيد بن جبير : من أمر بالمعاصي فليهرب . ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) الذين صبروا على دينهم فلم يتركوه للأذى .

وقيل : نزلت في جعفر بن أبي طالب وأصحابه ، حيث لم يتركوا دينهم لما اشتد بهم البلاء وصبروا وهاجروا .

قال علي - رضي الله عنه - : كل مطيع يكال له كيلا ويوزن له وزنا إلا الصابرون ، فإنه يحثى لهم حثيا .

ويروى : " يؤتى بأهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان ولا ينشر لهم ديوان ، ويصب عليهم الأجر صبا بغير حساب ، قال الله تعالى : ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) حتى يتمنى أهل العافية في الدنيا أن أجسادهم تقرض بالمقاريض مما يذهب به أهل البلاء من الفضل . [الأنترنت – موقع تفسير البغوي]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة التاسعة عشرة بعد المائة في موضوع(الحسيب)وهي إستكمالا للماضية والتي بعنوان :

*{قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ }  [الزمر 10] {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ} :

 وقال القرطبي : قوله تعالى : قل يا عبادي الذين آمنوا أي قل يا محمد لعبادي المؤمنين " اتقوا ربكم " أي اتقوا معاصيه ، والتاء مبدلة من واو ، وقد تقدم . وقال ابن عباس : يريد جعفر بن أبي طالب والذين خرجوا معه إلى الحبشة . ثم قال : للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة يعني بالحسنة الأولى الطاعة وبالثانية الثواب في الجنة . وقيل : المعنى للذين أحسنوا في الدنيا حسنة في الدنيا ، يكون ذلك زيادة على ثواب الآخرة ، والحسنة الزائدة في الدنيا الصحة والعافية والظفر والغنيمة . قال القشيري : والأول أصح ; لأن الكافر قد نال نعم الدنيا .

قلت : وينالها معه المؤمن ويزاد الجنة إذا شكر تلك النعم . وقد تكون الحسنة في الدنيا الثناء الحسن ، وفي الآخرة الجزاء ." وأرض الله واسعة " فهاجروا فيها ولا تقيموا مع من يعمل بالمعاصي . وقد مضى القول في هذا مستوفى في [ النساء ] وقيل : المراد أرض الجنة ، رغبهم في سعتها وسعة نعيمها ، كما قال : " وجنة عرضها السماوات والأرض " والجنة قد تسمى أرضا ، قال الله تعالى : وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء والأول أظهر ، فهو أمر بالهجرة . أي : ارحلوا من مكة إلى حيث تأمنوا . الماوردي : يحتمل أن يريد بسعة الأرض سعة الرزق ; لأنه يرزقهم من الأرض فيكون معناه : ورزق الله واسع ، وهو أشبه ; لأنه أخرج سعتها مخرج الامتنان .قلت : فتكون الآية دليلا على الانتقال من الأرض الغالية ، إلى الأرض الراخية ، كما قال سفيان الثوري : كن في موضع تملأ فيه جرابك خبزا بدرهم .

إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب أي بغير تقدير . وقيل : يزاد على الثواب ; لأنه لو أعطي بقدر ما عمل لكان بحساب . وقيل : بغير حساب أي : بغير متابعة ولا مطالبة كما تقع المطالبة بنعيم الدنيا . و " الصابرون " هنا الصائمون ، دليله قوله عليه الصلاة والسلام مخبرا عن الله - عز وجل - : ( الصوم لي وأنا أجزي به " قال أهل العلم : كل أجر يكال كيلا ويوزن وزنا إلا الصوم فإنه يحثى حثوا ويغرف غرفا ، وحكي عن علي - رضي الله عنه - . وقال مالك بن أنس في قوله : إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب قال : هو الصبر على فجائع الدنيا وأحزانها . ولا شك أن كل من سلم فيما أصابه ، وترك ما نهي عنه ، فلا مقدار لأجرهم . وقال قتادة : لا والله ما هناك مكيال ولا ميزان ، حدثني أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : تنصب الموازين فيؤتى بأهل الصدقة فيوفون أجورهم بالموازين ، وكذلك الصلاة والحج ، ويؤتى بأهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان ، ولا ينشر لهم ديوان ، ويصب عليهم الأجر بغير حساب . قال الله تعالى : إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب حتى يتمنى أهل العافية في الدنيا أن أجسادهم تقرض بالمقاريض مما يذهب به أهل البلاء من الفضل . وعن الحسين بن علي - رضي الله عنهما قال : سمعت جدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : أد الفرائض تكن من أعبد الناس ، وعليك بالقنوع تكن من أغنى الناس ، يا بني إن في الجنة شجرة يقال لها شجرة البلوى ، يؤتى بأهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان ، ولا ينشر لهم ديوان ، يصب عليهم الأجر صبا . ثم تلا النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب . ولفظ صابر يمدح به ، وإنما هو لمن صبر عن المعاصي ، وإذا أردت أنه صبر على المصيبة

قلت : صابر على كذا ، قاله النحاس . [الأنترنت –موقع تفسير القرطبي]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة العشرون بعد المائة في موضوع(الحسيب)وهي بعنوان :

*جَزَاء مِّن رَّبِّكَ عَطَاء حِسَابًا:

قال: ((جَزَاء مِّن رَّبِّكَ عَطَاء حِسَابًا))[النبأ:36]، بخلاف أولئك، قال: ((جَزَاء وِفَاقًا))[النبأ:26]، وهذا دليل على أن هذا من الله تعالى فضل، ومنه سبحانه بالنسبة للكافرين عدل، فللمؤمنين فضل، ولاحظ أنه قال في البداية: (جَزَاءً). إذاً: هم عملوا أو ما عملوا؟ عملوا، ولهذا أثبت عملهم، وأن ما أعطوه هو في البداية جزاء، ليس اعتباطاً، وإنما هم استحقوا هذه الرحمة ((إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ))[الأعراف:56]، ولذلك سماه: (جَزَاءً)، للمؤمنين (بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ). ثم قال: ((مِنْ رَبِّكَ))[النبأ:36]، هذا مصدر الجزاء أنه من عند الله.

إذاً: فالله هو المجازي، ولكن أيضاً لما قال: ((مِنْ رَبِّكَ))[النبأ:36]، دليل على الفضل والعطاء، وأن الله تعالى أعطاهم هذا الأمر، ولهذا قال: (عَطَاء)، ((جَزَاء مِّن رَّبِّكَ عَطَاء))[النبأ:36].

فليس هو محض جزاء لهم، يعني: لو جوزوا بأعمالهم ما وصلوا إلى هذا، وإنما ربما استنفدت أعمالهم النعم التي أعطوها في الدنيا، ولهذا قال: (عَطَاء)، يعنى: فضل وتكرم من الله تعالى، وقال: (مِّن رَّبِّكَ) إشارة إلى أن من معاني ربوبيته سبحانه رحمته بخلقه ومجازاته لهم، ولهذا لم يذكر هذا بالنسبة للكافرين؛ لأن المقام مقام توبيخ وتقريع وتخويف.

ثم قال: ((عَطَاءً حِسَاباً))[النبأ:36]، مع أنهم أعطوا بغير حساب، كما قال: ((إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ))[الزمر:10]، فلماذا قال هنا: ((عَطَاء حِسَابًا))[النبأ:36]؟ يقول أهل اللغة: إن (حِسَاباً) هنا ليس معناها محاسبة، أنهم حوسبوا على أعمالهم وجوزوا عليها، لا. وإنما: (عَطَاء حِسَابًا)، يعني: عطاءً كبيراً بغير عد ولا إحصاء، حتى يقول القائل: حسبي حسبي، هذا معنى (حساباً)، ومنه لما يقول الإنسان: حسبي الله، يعني: يكفيني الله.

فلما قال: ((حِسَابًا))[النبأ:36]، يعني: كافياً، فيعطى الواحد منهم ثم يعطى ثم يعطى، حتى يقول: حسبي.

ويكفيك في عطاء أهل الجنة أن لهم كل ما تمنوا، تخيل كل ما يخطر على البال، بغير استثناء، لا مثنوية ولا رجعة فيه، كل ما تمنوا: ((لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا))[ق:35]، كل ما تريد، تريد قصوراً، تريد أفلاكاً، كواكب، دنيا، أهلاً، مالاً، ولداً ((لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا))[ق:35]، كل ما يخطر على بالك، وكل ما لا يخطر على بالك أيضاً، ولهذا بعدما قال سبحانه: ((لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا))[ق:35]، ماذا قال؟ ((وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ))[ق:35]، يعني: ممن لم يشاءوا ولم يخطر على بالهم، ومن هنا قال: ((عَطَاء حِسَابًا))[النبأ:36]، يعني: كافياً لهم.

وكيف لا يكون العطاء بهذا القدر، وهذا الفضل، وهذه السعة، وهذه الرحمة، وهو عطاء من رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن، فهو مالك كل شيء، وهو القادر على كل شيء، وعطاؤه كلام، وأمره كلام، وعقابه كلام، وإذا أراد شيئاً قال له: كن، فيكون، هذا معنى كون عطائه كلاماً، ومنعه كلاماً، فإذا أراد شيئاً قال له: كن فكان، فهذا عطاؤه سبحانه، أن يخلق لهم بكلامه ما يتنعمون به. [الأنترنت – موقع موسوعة د سلمان العودة –  اشراقات]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة الواحدة والعشرون بعد المائة في موضوع(الحسيب)وهي استكمالا للماضية والتي بعنوان :*جَزَاء مِّن رَّبِّكَ عَطَاء حِسَابًا:

وقال الرازي : ثم إنه تعالى لما عدد أقسام نعيم أهل الجنة قال : ( جزاء من ربك عطاء حسابا ) وفيه مسائل :

المسألة الأولى : قال الزجاج : المعنى جازاهم بذلك جزاء، وكذلك عطاء ؛ لأن معنى جازاهم وأعطاهم واحد .

المسألة الثانية : في الآية سؤال وهو أنه تعالى جعل الشيء الواحد جزاء وعطاء، وذلك محال ؛ لأن كونه جزاء يستدعي ثبوت الاستحقاق، وكونه عطاء يستدعي عدم الاستحقاق، والجمع بينهما متناف . والجواب عنه لا يصح إلا على قولنا وهو أن ذلك الاستحقاق إنما ثبت بحكم الوعد، لا من حيث إن الفعل يوجب الثواب على الله، فذلك الثواب نظرا إلى الوعد المترتب على ذلك الفعل يكون جزاء، ونظرا إلى أنه لا يجب على الله لأحد شيء يكون عطاء .

المسألة الثالثة : قوله : ( حسابا ) فيه وجوه :

الأول : أن يكون بمعنى كافيا مأخوذ من قولهم : أعطاني ما أحسبني أي ما كفاني، ومنه قوله : حسبي من سؤالي علمه بحالي، أي كفاني من سؤالي، ومنه قوله : [ ص: 21 ]

فلما حللت به ضمني فأولى جميلا وأعطى حسابا

أي أعطى ما كفى . والوجه الثاني : أن قوله : ( حسابا ) مأخوذ من حسبت الشيء إذا أعددته وقدرته، فقوله : ( عطاء حسابا ) أي بقدر ما وجب له فيما وعده من الإضعاف؛ لأنه تعالى قدر الجزاء على ثلاثة أوجه، وجه منها على عشرة أضعاف، ووجه على سبعمائة ضعف، ووجه على ما لا نهاية له، كما قال : ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) [الزمر : 10] . الوجه الثالث : وهو قول ابن قتيبة : ( عطاء حسابا ) أي كثيرا، وأحسبت فلانا أي أكثرت له، قال الشاعر :

ونقفي وليد الحي إن كان جائعا     ونحسبه إن كان ليس بجائع

الوجه الرابع : أنه سبحانه يوصل الثواب الذي هو الجزاء إليهم ، ويوصل التفضل الذي يكون زائدا على الجزاء إليهم، ثم قال : ( حسابا ) ثم يتميز الجزاء عن العطاء حال الحساب . الوجه الخامس : أنه تعالى لما ذكر في وعيد أهل النار : ( جزاء وفاقا ) [النبإ : 26] ذكر في وعد أهل الجنة جزاء ( عطاء حسابا ) أي راعيت في ثواب أعمالكم الحساب، لئلا يقع في ثواب أعمالكم بخس ونقصان وتقصير، والله أعلم بمراده .

المسألة الرابعة : قرأ ابن قطيب : " حسابا " بالتشديد على أن الحساب بمعنى المحسب كالدراك بمعنى المدرك، هكذا ذكره صاحب الكشاف .

[الأنترنت – موقع إسلام ويب  - التفسير الكبير » سورة النبأ » قوله تعالى {جزاء من ربك عطاء حسابا }]

  وقال ابن كثير في تفسيره : يقول تعالى مخبراً عن السعداء، وما أعد اللّه تعالى لهم من الكرامة والنعيم المقيم، فقال تعالى: { إن للمتقين مفازاً} قال ابن عباس متنزهاً، وقال مجاهد: فازوا فنجوا من النار، والأظهر ههنا قول ابن عباس لأنه قال بعده { حدائق} والحدائق البساتين من النخيل وغيرها، { وأعناباً وكواعب أتراباً} أي وحوراً كواعب، قال ابن عباس ومجاهد: { كواعب} أي نواهد، يعنون أن ثديهن نواهد لم يتدلين، لأنهن أبكار (عرب أتراب) أي في سن واحد، كما تقدم بيانه في سورة الواقعة، روى ابن أبي حاتم، عن ابن أبي القاسم الدمشقي، عن أبي أمامة، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: (إن قمص أهل الجنة لتبدو من رضوان اللّه، وأن السحابة لتمر بهم فتناديهم: يا أهل الجنة ماذا تريدون أن أمطركم؟ حتى إنها لتمطرهم الكواعب الأتراب) ""رواه ابن أبي حاتم"". وقوله تعالى: { وكأساً دهاقاً} قال ابن عباس: مملوءة متتابعة، وقال عكرمة: صافية، وقال مجاهد والحسن { دهاقاً} الملأى المترعة، وقال سعيد بن جبير: هي المتتابعة، وقوله تعالى: { لا يسمعون فيها لغواً ولا كذاباً} كقوله: { لا لغو فيه ولا تأثيم} أي ليس فيها كلام لاغ عار عن الفائدة ولا إثم كذب، بل هي دار السلام وكل ما فيها سالم من النقص، وقوله: { جزاء من ربك عطاء حساباً} أي هذا الذي ذكرناه، جازاهم اللّه به بفضله ومنّه وإحسانه { عطاء حساباً} أي كافياً وافياً سالماً كثيراً، ومنه حسبي اللّه، أي اللّه كافيَّ.

وقال الطبري :الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى :{جَزَاء مِنْ رَبّك عَطَاء حِسَابًا } يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { جَزَاء مِنْ رَبّك عَطَاء } أَعْطَى اللَّه هَؤُلَاءِ الْمُتَّقِينَ مَا وَصَفَ فِي هَذِهِ الْآيَات ثَوَابًا مِنْ رَبّك بِأَعْمَالِهِمْ , عَلَى طَاعَتهمْ إِيَّاهُ فِي الدُّنْيَا . وَقَوْله : { عَطَاء } يَقُول : تَفَضُّلًا مِنْ اللَّه عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ الْجَزَاء , وَذَلِكَ أَنَّهُ جَزَاهُمْ بِالْوَاحِدِ عَشْرًا فِي بَعْض , وَفِي بَعْض بِالْوَاحِدِ سَبْع مِائَة , فَهَذِهِ الزِّيَادَة وَإِنْ كَانَتْ جَزَاء فَعَطَاء مِنْ اللَّه . وَقَوْله : { حِسَابًا } يَقُول : مُحَاسَبَة لَهُمْ بِأَعْمَالِهِمْ لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا [ الأنترنت – موقع  {جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا }36 النبأ ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة الثانية والعشرون بعد المائة في موضوع(الحسيب)وهي بعنوان

* إثبات أن كل إنسان يقرأ كتابه في يوم القيامة والأدلة على ذلك

المطلب الأول: الأدلة من القرآن الكريم على ذلك

- قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم: وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ

وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ اليوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا[ الإسراء:13-14]

يخبر سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة أنه ما من إنسان إلا وسيجد كتاب أعماله ملازماً له، ينشر عليه في يوم القيامة، ويقال له: اقرأ كتابك وأنت حسيب نفسك، بعد أن تقف على كل أعمالك التي عملتها في الدنيا، وهذا هو العدل التام, والإنصاف الكامل.

(عن أنس رضي الله عنه في قوله: طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ [ الإسراء:13] قال: كتابه) 

وعن السدي رضي الله عنه في الآية قال: الكافر يخرج له يوم القيامة كتاب، فيقول: رب إنك قد قضيت أنك لست بظلام للعبيد, فاجعلني أحاسب نفسي، فيقال: اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ اليوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا

وفي قراءة أبي بن كعب رضي الله عنه: (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه يقرؤه يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً).

وعن مجاهد رضي الله عنه أنه قرأ: (ويخرج له يوم القيامة كتاباً. بفتح الياء: يعني يخرج الطائر كتاباً).

وعن قتادة في قوله تعالى: اقْرَأْ كَتَابَكَ [ الإسراء:14] قال:) يقرأ يومئذ من لم يكن قارئاً في الدنيا). وقد عبر الله عن كتاب الأعمال بالطائر: أي عمله الذي طار عنه من خير وشر 

2ـ وقال تعالى: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيه فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَة فِي جَنَّةٍ عَاليةٍ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌكُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَاليةِ وأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ مَا أَغْنَى عَنِّي مَاليهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ [ الحاقة:19-29 ]

وهذا وصف من الله جل وعلا، وتقسيم كذلك لحال الناس بالنسبة لإيتائهم كتبهم: قسم يأخذه بيمينه، ثم يعبر عن سروره وغبطته, وما يصير إليه حاله من النعيم العظيم, والفوز الكبير.

وقسم آخر يأخذه بشماله، ثم يعبر عن حسرته وندامته وتمنيه أنه لم يكلف بقراءة كتاب ولم يوقف لحساب، أو تمنيه كذلك لأن تكون موتته التي ماتها هي القاضية فلا يبعث ولا يحاسب، ثم يتذكر بعض الأسباب التي كانت تحول بينه وبين السعادة في الآخرة، والتي منها اغتراره بالمال

والسلطان، وهما آفة الكثير ممن يقع عليهم شدة الحساب ووقوع العذاب.

قال ابن جرير رحمه الله في معنى الآية:

(يقول تعالى ذكره: فأما من أعطي كتاب أعماله بيمينه فيقول: تعالوا اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ [الحاقة: 19]، وأخرج عن ابن زيد في قول الله: هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ [الحاقة: 19] قال: تعالوا، وأخرج عن قتادة أنه قال: (كان بعض أهل العلم يقول: وجدت أكيس الناس من قال: هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ. [ الحاقة: 19 ])

ومعنى قوله: إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ [الحاقة: 20] يقول: إني علمت أني ملاق حسابيه إذا وردت يوم القيامة على ربي.

قال ابن عباس في معنى الظن المذكور في الآية: (أي أيقنت)، وقال قتادة: (ظن ظناً يقيناً فنفعه الله بظنه)، وقال ابن زيد: (إن الظن من المؤمن يقين)، وعن مجاهد قال: (كل ظن في القرآن إِنِّي ظَنَنتُ [الحاقة: 20] يقول: أي علمت).

وأما الكافر الذي أعطي كتابه بشماله فقال: يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ [ الحاقة: 25 - 26 ] يقول: ولم أدر أي شيء حسابيه.

يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ [ الحاقة: 27 ] يقول: يا ليت الموتة التي متها في الدنيا كانت هي الفراغ من كل ما بعدها، ولم يكن بعدها حياة ولا بعث.

قال قتادة: تمنى الموت ولم يكن في الدنيا شيء أكره عنده من الموت. 

- وقال تعالى: وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:49]

وهذا تصوير بديع لحالة وقوف الناس على كتبهم خائفين وجلين، وكأنهم قد اطلعوا على ما فيها من تسجيل كامل لجرائمهم التي كانوا يتفننون في ارتكابها، ومع هذا الخوف الشديد, والرهبة الكاملة فهم لا يخفون انزعاجهم من دقة هذا الكتاب، الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها, ووضحها تمام الوضوح، ولكن هذا صنع من يريد العدل – سبحانه وتعالى -بعباده، فليس هناك خوف من الظلم، فليطمئن كل مخلوق إلى أنه سوف لا يقع عليه إلا ما قدم لنفسه.

قال ابن كثير عن معنى الآية: وَوُضِعَ الْكِتَابُ [الكهف:49] أي كتاب الأعمال الذي فيه الجليل والحقير، والفتيل والقطمير، والصغير والكبير، فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ [الكهف:49] أي من أعمالهم السيئة, وأفعالهم القبيحة، لأن هذا الكتاب لم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.

قال سعد بن جنادة رضي الله عنه: ((لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة حنين، نزلنا قفراً من الأرض ليس فيه شيء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اجمعوا من وجد عوداً فليأت به، ومن وجد حطباً أو شيئاً فليأت به، قال: فما كان إلا ساعة حتى جعلناه ركاماً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أترون هذا؟ فكذلك تجمع الذنوب على الرجل منكم كما جمعتم هذا، فليتق الله رجل, ولا يذنب صغيرة ولا كبيرة، فإنها محصاة عليه))  وكان الفضيل بن عياض إذا قرأ هذه الآية يقول: (يا وليتنا: ضجوا إلى الله من الصغائر قبل الكبائر) 

- وقال تعالى: يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً [الإسراء: 71]يخبر سبحانه وتعالى أنه في يوم القيامة، في موقف فصل القضاء، يدعو كل أمة بإمامهم، ثم يعطون كتب أعمالهم، على ما سبق وصفه، إما باليمين أو بالشمال، وأخبر سبحانه أنه لا يقع على أي مخلوق ظلم أو نقص من عمل، حتى وإن كان

 شيئاً تافهاً لا يسترعي الانتباه، كالفتيل ومثقال الذرة وما إلى ذلك.

وفي قوله تعالى: يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ [الإسراء: 71] خلاف بين العلماء في المراد بالإمام المذكور وهل هو: أ- كتاب الأعمال.

ب_ أو هو النبي في كل أمة. ج _ أو هو الكتاب الذي أنزل على كل أمة تشريعاً لهم. د- أو المراد به من كان إماماً لكل قوم.

هـ-أو المراد به الأمهات، أي ندعو كل إنسان بأمه، فيقال: يا فلان ابن فلانة.

أقوال لأهل العلم، أما القول الأول فهو لابن عباس واختاره ابن كثير، وأما الأقوال الأخرى: فإن أضعفها القول بأن الإمام المذكور الأمهات، وقد قال الشنقيطي عنه بأنه: (باطل بلا شك)  .

(5) وقال تعالى: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا وَيَنقَلِبُ إلى أَهْلِهِ مَسْرُورًا وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاء ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا وَيَصْلَى سَعِيرًا[ الانشقاق: 7-12]  [الأنترنت – موقع الدرر السنية - إثبات أن كل إنسان يقرأ كتابه في يوم القيامة والأدلة على ذلك]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة الثالثة والعشرون بعد المائة في موضوع(الحسيب)وهي بعنوان

*{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }64 الأنفال

 قال ابن كثير في تفسيره :

يحرض تعالى نبيه صلى اللّه عليه وسلم والمؤمنين على القتال، ومناجزة الأعداء، ومبارزة الأقران، ويخبرهم أنه حسبهم: أي كافيهم ومؤيدهم على عدوهم، وإن كثرت أعدادهم وترادفت أمدادهم، ولو قل عدد المؤمنين. قال ابن أبي حاتم عن الشعبي في قوله: { يا أيها النبي حسبك اللّه ومن اتبعك من المؤمنين} قال: حسبك اللّه وحسب من شهد معك، ولهذا قال: { يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال} أي حثهم وذمرهم عليه، ولهذا كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يحرض على القتال عند صفهم ومواجهة العدو، كما قال لأصحابه يوم بدر حين أقبل المشركون في عدَدَهم وعُدَدهم: (قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض) فقال عمير بن الحمام عرضها السموات والأرض؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم (نعم)، فقال: بخ بخ، فقال: (ما يحملك على قولك بخ بخ)؟ قال: رجاء أن أكون من أهلها، قال: (فإنك من أهلها)، فتقدم الرجل فكسر جفن سيفه، وأخرج تمرات فجعل يأكل منهن، ثم ألقى بقيتهن من يده، وقال: لئن أنا حييت حتى آكلهن إنها لحياة طويلة، ثم تقدم فقاتل حتى قتل رضي اللّه عنه. ثم قال تعالى مبشراً للمؤمنين وآمراً: { إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا} كل واحد بعشرة، ثم نسخ هذا الأمر وبقيت البشارة، قال عبد اللّه بن المبارك عن ابن عباس لما نزلت { إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} شق ذلك على المسلمين حين فرض اللّه عليهم ألا يفر واحد من عشرة، ثم جاء التخفيف، فقال: { الآن خفف اللّه عنكم} إلى قوله { يغلبوا مائتين} قال: خفف اللّه عنهم من العدة ونقص من الصبر بقدر ما خفف عنهم. وروى البخاري نحوه، وعن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية ثقل على المسلمين وأعظموا أن يقاتل عشرون مائتين، ومائةٌ ألفاً، فخفف اللّه عنهم فنسخها بالآية الأخرى فقال: { الآن خفف اللّه عنكم وعلم أن فيكم ضعفا} الآية، فكانوا إذا كانوا على الشطر من عدوهم لم يسغ لهم أن يفروا من عدوهم، وإذا كانوا دون ذلك لم يجب عليهم قتالهم وجاز لهم أن يتحرزوا عنهم وروي عن مجاهد وعطاء وعكرمة والحسن وزيد ين أسلم وغيرهم ونحو ذلك . وروى الحافظ ابن مردويه عن ابن عمر رضي اللّه عنهما في قوله: { إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} قال: نزلت فينا أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم.

وقال الطبري في تفسيره :

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ حَسْبك اللَّه وَمَنْ اِتَّبَعَك مِنْ الْمُؤْمِنِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا أَيّهَا النَّبِيّ حَسْبك اللَّه , وَحَسْب مَنْ اِتَّبَعَك مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اللَّه . يَقُول لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : نَاهِضُوا عَدُوّكُمْ , فَإِنَّ اللَّه كَافِيكُمْ أَمْرهمْ , وَلَا يَهُولَنكُمْ كَثْرَة عَدَدهمْ وَقِلَّة عَدَدكُمْ , فَإِنَّ اللَّه مُؤَيِّدكُمْ بِنَصْرِهِ . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل .

وقال القرطبي في تفسيره :

ليس هذا تكريرا، فإنه قال فيما سبق: { وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله} وهذه كفاية خاصة. وفي قوله: { يا أيها النبي حسبك الله} أراد التعميم، أي حسبك الله في كل حال وقال ابن عباس : نزلت في إسلام عمر فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان أسلم معه ثلاثة وثلاثون رجلا وست نسوة، فأسلم عمر وصاروا أربعين. [الأنترنت – موقع { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }64 الأنفال]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة الرابعة والعشرون بعد المائة في موضوع(الحسيب) وهي بعنوان : *الحاسوب مزايا وعيوب :

    الحاسوب يتم تعريف الحاسوب على أنه آلة أو جهاز يقوم بتنفيذ سلسلة من العمليات والحسابات بناءً على الأوامر المعطاة له من البرنامج والمعدات، وقد صمّم جهاز الحاسوب من أجل تشغيل التطبيقات المختلفة وتوفير مجموعة متنوعة من الحلول من خلال الجمع بين معدات الجهاز والبرامج المتكاملة، ويتكون جهاز الحاسوب من عدة أجزاء ومكونات تعمل على تسهيل وظائف المستخدم، بحيث يتكون جهاز الحاسوب من مكونين رئيسين وهما المعدات التي تمثل الهيكل المادي للحاسوب والتي تضم معالج الجهاز والذاكرة ووحدات التخزين ومنافذ الاتصالات والأجهزة الطرفية، أما المكون الثاني فهي البرمجيات والتي تتضمن نظام التشغيل والتطبيقات المختلفة، بحيث يعمل جهاز الحاسوب باستخدام مكونيه الرئيسين على القراءة والتنفيذ وحل المعادلات، ويستعرض هذا المقال أهم فوائد الحاسوب. بدايات الحاسوب كانت أجهزة الحاسوب البدائية لا تشبه بأي شكل من الأشكال الحواسيب المستخدمة في الوقت الحالي، حيث تكونت غالبيتها من هياكل معدنية ضخمة بحجم يصل إلى حجم غرفة كاملة كما كانت تستهلك كميات هائلة من الطاقة، ونظرًا لأنّ أجهزة الحاسوب البدائية كانت تعمل بواسطة أنابيب تفريغ ضخمة فإنّه كان يتعين على المطورين الذين يريدون تحسين سرعات المعالجة إما العثور على غرف أكبر أو التوصل إلى حلول بديلة، ولحسن الحظ ثمثل الحل البديل في الاختراع الذي ظهر عام 1947، حيث طوّر مجموعة من العلماء تقنية جديدة تسمى ترانزستورات نقطة الاتصال، حيث تعمل هذه الترانزستورات على تضخيم التيار الكهربائي ويمكن استخدامها كمفاتيح كما أنّها كانت أصغر بكثير وأكثر موثوقية من أنابيب التفريغ بالإضافة إلى استهلاكها لكمية أقل من الطاقة، كما كان لاختراع الدوائر المتكاملة دور مهم في تمهيد الطريق لعصر جديد من الحواسيب الشخصية، وبمرور الوقت أتاح ذلك إمكانية تشغيل معدات مدعومة بملايين الدوائر على رقاقة بحجم طابع بريدي.

 فوائد الحاسوب لا يمكن لأي شخص إنكار فوائد الحاسوب خاصة في الوقت الحالي، حيث توفر الحواسيب الدعم المتكامل في كل جانب من جوانب الحياة، كما أنّها تتيح أداء الأعمال اليومية بسرعة ودقة أكبر من أي وقت مضى بالإضافة إلى قيامها بعمليات معقّدة تستعصي على البشر، وتلخص النقاط الآتية أهم فوائد الحاسوب:

 السرعة العالية: يعد الحاسوب أسرع جهاز في العالم وتتمثل أهم فوائد الحاسوب في القدرة على إجراء حسابات معقدة على كميات كبيرة من البيانات، كما يمكن للحاسوب القيام بهذه الحسابات خلال أجزاء قليلة من الثانية.

الدقة الفائقة: إذا تم الحديث عن الدقة فليس هناك جهاز مثل جهاز الحاسوب يعطي دائمًا إجابات دقيقة صحيحة، وهنا تظهر فوائد الحاسوب من خلال قيامه بحسابات معقدة بسرعة وبنسبة دقة فائقة تصل الى 100٪. الاستخدامات المتعددة: تتمثل أهم فوائد الحاسوب في تعدد استخداماته حيث تستخدم أجهزة الحاسوب في جميع جوانب الحياة مثل جوانب العلوم والتكنولوجيا والتعليم والتجارة بالإضافة إلى استخدامه في مجالات الصحة والطب.

زيادة الإنتاجية: تتمثل أبرز فوائد الحاسوب بأنه يعمل على زيادة الإنتاجية للأفراد والشركات حيث تزيد أجهزة الحاسوب من إنتاجية مستخدميها، كما أنّ الفهم الجيد لطبيعة البرامج المستخدمة يعطي نتائج أكثر إيجابية. الاتصال بالإنترنت: إنّ توصيل جهاز الحاسوب بالإنترنت يعطيه مزايا إضافية ويمكن من استغلال قدراته بشكل كامل، فبمجرد الاتصال بالإنترنت تكون الخيارات والاختيارات المتاحة بلا حدود تقريبًا. التعلم عن بعد: تعد ميزة التعلم عن بعد واحدة من أهم مزايا وفوائد الحاسوب بالنسبة للطلاب، حيث يمكن جهاز الحاسوب المتصل بالإنترنت الطلاب من الحصول على كل ما يحتاجونه عن طريق ربطهم بمواقع تزخر بالمعرفة. التنبؤ بالطقس والزلازل: تستخدم أجهزة الكمبيوتر الفائقة القدرة في التنبؤ بحالات الطقس في جميع المناطق بالإضافة إلى قدرتها على التنبؤ بالزلازل وثورات البراكين وبالتالي يمكن إنقاذ الناس من هذه الكوارث الطبيعية. مضار استخدام الحاسوب بالرغم من جميع مزايا وفوائد الحاسوب التي تم ذكرها في الفقرة السابقة الا أن الإفراط في استخدام أجهزة الحاسوب قد ينطوي على عدد من المضار والمخاطر، حيث يمكن أن يؤدي الاستخدام المفرط لأجهزة الحاسوب إلى جعل الاشخاص كسالى وضعيفين جسديًا، كمان أن القيام بأنشطة غير مرغوب فيها على أجهزة الكمبيوتر يمكن أن يضيع الكثير من الوقت، بالإضافة إلى أن استخدام أجهزة الحاسوب لفترة طويلة يمكن أن يؤثر على الدورة الدموية للأشخاص بسبب قلة الأنشطة التي يقومون بها، كما يمكن أن يؤدي إلى تهيج العينين وآلام الرقبة، كما أظهرت الدراسات أنّ ازدياد استخدام الحواسيب يقلّل من التواصل وجهًا لوجه بين أفراد الأسرة ويؤدي إلى تفاعل أقل مع الآخرين.

 شبكة الإنترنت تم استخدام أجهزة الحاسوب لإدارة المعلومات بين المواقع المختلفة منذ الخمسينيات، حيث مثل نظام SAGE التابع للجيش الأمريكي أول مثال حي لمثل هذا النظام، بعدها بدأ مهندسو الحاسوب داخل المؤسسات في جميع أنحاء الولايات المتحدة في ربط أجهزة الحاسوب الخاصة بهم مع بعضها البعض باستخدام تكنولوجيا الشبكات والاتصالات، وفي الوقت المناسب انتشرت هذه الشبكات خارج المؤسسات الأكاديمية والعسكرية وأصبحت تعرف باسم الإنترنت، وينطوي ظهور الشبكات على إعادة تصور لطبيعة وحدود جهاز الحاسوب، حيث تم تعديل أنظمة تشغيل الحاسوب والتطبيقات التابعة له لتشمل القدرة على تحديد إمكانيات الأجهزة الأخرى على الشبكة والوصول إليها، مثل الأجهزة الطرفية ووسائط التخزين وما شابه ذلك من ملحقات أجهزة الحاسوب الفردية، وفي البداية كانت هذه التقنيات متاحة في المقام الأول للأشخاص الذين يعملون في بيئات التكنولوجيا الفائقة، ولكن في التسعينيات من القرن الماضي انتشرت تطبيقات مثل البريد الإلكتروني وشبكة الويب العالمية، بالإضافة إلى تطوير تقنيات شبكات سريعة ذات تكلفة معقولة مثل Ethernet وADSL مما أتاح انتشار واسع لشبكة الإنترنت لتصبح في كل مكان في العالم تقريبًا.

[الأنترنت – موقع موضوع  - مزايا وعيوب  - فوائد الحاسوب بواسطة: الكاتب وزي وزي] إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة الخامسة والعشرون بعد المائة في موضوع(الحسيب) وهي بعنوان : *الواسطة والمحسوبية وأثرها على الفرد والمجتمع :

الواسطة في اللغة: "مشتقة من الفعل (و س ط)، والوسط من كل شيء أعدله، ومنه قوله تعالى:﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ﴾[البقرة: 143

الواسطة في الاصطلاح الشرعي: تُعَرَّف الواسطة بأنها "طلب العون والمساعدة من شخص ذي نفوذٍ وحظوةٍ لدى من بيده القرار لتحقيق مصلحة معينة لشخصٍ لا يستطيع تحقيقها بمفرده".

المحسوبية في اللغة: حسبه؛ أي: عدَّه، وبابه نَصَرَ، وكتب حسابًا وحُسبانًا، والمعدود محسوب، والحسَب: ما يعُدُّهُ الإنسان من مفاخر آبائه.

في الاصطلاح: هي اعتبار القرابة العائلية أو السياسية أو المذهبية في تحقيق مصلحة ما؛ كإسناد الوظائف أو الترقيات أو غيرها، وجعل الحسب أو النسب في المقام الأول

الفرق بين الواسطة والمحسوبية.

يجد المدقق أن مفهوم الواسطة يختلف عن مفهوم المحسوبية، وإن كان كل من الواسطة والمحسوبية لا يوجد إلا بوجود سلطة أو نفوذ، ويهدف إلى تحقيق نفس الهدف.

أطراف الواسطة: للواسطة ثلاثة أطراف، هي:

أ- طالب التوسُّط أو المتوسَّط له. ب- المتوسِّط. جـ- المتوسَّط لديه.

موقف الإسلام من الواسطة:

أوجب الإسلام نفع الناس والسعي في حاجة الآخرين وقضائها، بل جعل نفعهم من أحب الأعمال إلى الله تعالى، فقد سُئل الرسول - صلى الله عليه وسلم -: أي الناس أحب إلى الله يا رسول الله؟ فقال: ((أحب الناس إلى الله أنفعُهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله - عز وجل - سرور تدخله على مسلم؛ تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا...)

ومن هذا النفع المحمود والمطلوب التوسُّط لدى الناس لقضاء حوائج

الآخرين، هذه "الواسطة" أسماها القرآن الكريم (الشفاعة)، وذلك في

قوله تعالى :﴿مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا ﴾[النساء: 85].

فالشفاعة هي الواسطة، وقد قسمها القرآن الكريم إلى قسمين، حسنة وسيئة، أما "الشفاعة الحسنة فهي كل شفاعة لرفع الظلم، أو لإيصال الحق لصاحبه، أو العفو عما رغَّب الإسلام فيه بالعفو، أو الإحسان في كل ما رغَّب الإسلام فيه بالإحسان، أو الإصلاح بين متخاصمين، أو نحو ذلك، وهذا له صور وأشكال كثيرة جدًّا؛ كالشفاعة في الدَّين والزواج وفي حقوق الآخرين، كما أن لها شروطًا، هي:

• أن يكون ذلك ابتغاء مرضاة الله - عز وجل، وألا تكون الشفاعة والواسطة على حساب الآخرين، وأن تشفع لمن تعلم أحقيته بذلك الأمر، وأن تكون ناصحًا له، وألا تكون الشفاعة فقط لصاحب جاه أو مال أو القريب، بل يجب أن يحظى الفقير والمنقطع والمحتاج بها، وألا يتبع الإنسان شفاعته ومعروفه بالمن والأذى، وألا يغضب الشافع ويُعَنِّف ويَتَّهِم إذا لم تقبل شفاعته.

أما الشفاعة السيئة فهي التي يترتب عليها ضرر أو ظلم أو هضم لحق إنسان - أيًّا كان - وإعطاء هذا الحق لغير مُستحِقه؛ قال - تعالى -: ﴿ وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا ﴾ [النساء: 85]، وهي محرمة شرعًا؛ لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((لا ضرر ولا ضرار))، وفي قصة المخزومية التي سرقت خير دليل على تحريمها؛ فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأسامة: ((أتشفع في حد من حدود الله؟ وايم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)).

وهذه أيضًا لها صور وأشكال متنوعة كثيرة، كالشفاعة في الحدود، أو ما يترتب عليها ضرر للآخرين، أو التي تؤدي إلى جر الأبرياء إلى مقام الحكم، لتولية القريب، مع علمه أن غيره أحق منه.

إن مما يؤسف له أن الكثير من الناس قد عدلوا عن الواسطة أو الشفاعة الحسنة إلى السيئة، فأصبحت كلمة "واسطة" في المجتمع تعني الظلم والجَور، وأَخْذ حقوق الآخرين، وقد انتشرت في مجتمعاتنا حتى أصبحت من المظاهر التي نراها في كل مكان، وثقافة تربى عليها أجيال منا.

وقد انتشرت هذه الواسطة السيئة لعدة أسباب تتمحور حول محورين، هما: ضعف الوازع الديني في المجتمع، وضعف القوانين والأنظمة، ولكل منها مظاهرها وأمور تترتب عليها؛ فضعف الوازع الديني والتقوى يؤدي إلى الجور والظلم، وإلى تقصير الموظفين في عملهم المنوط به، والتفاخر والتكبر على الناس، مما يدفع المواطن إلى اللجوء إلى الواسطات لحل مشاكله.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة السادسة والعشرون بعد المائة في موضوع(الحسيب) وهي إستكمالا للماضية والتي بعنوان :

 *الواسطة والمحسوبية وأثرها على الفرد والمجتمع :

أما ضعف القوانين والأنظمة، فإنه سهل لبعض الناس اختراقه وتجاوزه؛ لهذا فإنه ينبغي وضع قوانين قوية وصريحة للثواب والعقاب، ومراقبة تطبيق هذه القوانين ومتابعتها بشكل دقيق وحازم دون تفريق بين مواطن ومسؤول، فالعدل هو الأساس، فلا محاباة عند القانون، كذلك تعيين من يُطبقون هذه القوانين ممن شُهد لهم بالدين والخوف من الله ربهم الذي يدفعهم دفعًا نحو النزاهة والصلاح والعدل، فإنه سيغضب لله، لا لنفسه؛ لذا فإنه لن يُعاقِب إلا على ما لا يُرضي الله، وبخوف من الله، كما أنهم لن يقبلوا أن يعصوا الله - تعالى - في واسطة أو شفاعة سيئة محرمة، فإن أمام عينيه مكتوبًا كلام ربه - تبارك وتعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18].

كما أنه ينبغي معاقبة كل من يثبت تجاوزه للقانون الإلهي، أو الذي وضعه ثقات من أهل الدين والصلاح والاختصاص، وكذلك العدل وتطبيقه على كل من يُخالف، أيًّا كان، ثم إن مراقبة الموظف لرئيسه أيضًا مسؤولية عليه، حتى لا يبقى أحد يتجاوز القوانين ويخترقها.

ثم إن مراقبة الموظفين والعمال ليس الهدف منها معاقبة العمال أو الموظفين وذلهم والتجسس عليهم، بل تصحيح الأخطاء التي يقعون فيها، كونهم بشرًا، سواء كان الخطأ مقصودًا أو غير مقصود.

ينبغي للمسؤولين في الدولة أن يوظفوا الرجل المناسب الكفء في المكان المناسب، هذه القاعدة التي سار عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفاؤه من بعده، حتى نستطيع أن نحصل على الآثار الإيجابية للشفاعة أو الواسطة الحسنة، فإن لها آثارًا إيجابية كبيرة على جميع المستويات، الدينية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها.

كما أن للواسطة السيئة آثارًا سلبية تؤثر على الفرد والمجتمع وتدفعه نحو الفشل والانحدار والتخلف، فإن من زاغ عن شرع الله، وعن أمر الله فإن عاقبته وخيمة، في الدنيا والآخرة، ومن خان الله - تعالى - وخان رسوله - صلى الله عليه وسلم - وخان المؤمنين، فإنه بلا شك سيكون في طريقه نحو الدمار والهلاك والفساد؛ لهذا فإن للواسطة والمحسوبة السيئة - وهي معصية لله تعالى، وثبت في الحديث أنها خيانة لله وللرسول وللمؤمنين - آثارًا سلبية عديدة مدمرة للفرد والمجتمع، وعلى جميع الأصعدة، وفي كل الاتجاهات، وهي تتمحور حول محورين، الأول: الخلل في النظام المالي، والثاني: انتشار بعض المعاملات المحرمة؛ كالرشوة والاحتكار.

لهذا كله، يوصَى بـ:

أولاً: على المستوى الديني، بزيادة التوعية الدينية في المجتمع كله، وتعريفهم بعظمة ربهم جل جلاله، حتى يقدروا له قدره، فإذا قدروا له قدره أطاعوه وامتثلوا أمره، فإذا فعلوا ذلك، فإنه - جل جلاله - سيعصمهم من الوقوع في المعاصي التي منها الواسطات والشفاعات السيئة والمحسوبيات والرشاوى، وقد وصف الله - تعالى - من لم يُطيعوا أمره بقوله: ﴿ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [الحج: 74]، وهذه مسؤولية كل الأمة، الدولة والدعاة والأفراد.

ثانيًا: على المستوى القانوني، يوصى بـ:

1- مراجعة القوانين المعمول بها في الدولة من قِبل أهل الاختصاص وتحديد الصالح منها من غير الصالح، وما يوافق الشرع وما يُخالفه، وغربلتها.

2- تعيين أهل الاختصاص والقدرة لأجل تطبيق هذه القوانين، فالقوانين وُجدت لتُطبق، وليس لتبقى حبرًا على ورق.

3- تعيين مراقبين لتطبيق القوانين، من أهل الدين والصلاح؛ فإن التساهل يؤدي إلى التحايل، فإذا وُجد التراخي في تطبيق القوانين فمن الممكن أن يدخل الفساد بين الموظفين أو العمال أو حتى بين المواطنين أنفسهم.

4- توعية الناس بمدى أهمية هذه القوانين، وأهمية وتطبيقها، بكل وسائل الإعلام التوعوية، وأهم هذه الوسائل وأفضلها وأكثرها نجاحًا وأسرعها تأثيرًا على العامة القدوة الحسنة.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة السابعة والعشرون بعد المائة في موضوع(الحسيب) وهي إستكمالا للماضية والتي بعنوان :

 *الواسطة والمحسوبية وأثرها على الفرد والمجتمع :

ثالثًا: على المستوى الإداري.

وهي توصيات للمديرين والمسؤولين على اختلاف درجاتهم ومستويات إداراتهم، من رئيس الدولة إلى أصغر موظف، ومن هذه التوصيات:

1- كلكم ستقفون أمام الله - تعالى - لِتُسألوا عن رعيتكم، قال الله - تعالى -: ﴿ وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ﴾ [مريم: 95]، ويقول - جل وعلا -: ﴿ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ ﴾ [الصافات: 24]، وهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لكم: ((إن الله سائل كلَّ راعٍ عما استرعاه، أحفِظ ذلك أم ضيَّع، حتى يسأل الرجلَ عن أهل بيتِه)).

2- أن تتقوا اللهَ في إداراتكم ومسؤولياتكم، فإن الله - تعالى - قد حرَّم على كل إنسان ولِيَ ولاية - وهي أي مسؤولية صغرت أو كبرت - ولم يقم بحقها، وغَش فيها، ولم ينصح لها، ففي الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما من والٍ يلي رعية من المسلمين فيموت وهو غاش لهم إلا حرم الله عليه الجنة)).

3- إن الواسطة والمحسوبية والشفاعة السيئة من أشر الأبواب التي تفسد على المسؤول والإداري دينه ودُنياه، فلا

تغرنكم الدنيا، ولا يغرنكم أهلوكم ولا عائلاتكم ولا حزبكم ولا أصدقاؤكم، فإنهم لن يغنوا عنكم من الله شيئًا؛ ﴿ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ عبس: 34 - 37].

4- فالرشوة تؤدي إلى الطرد من رحمة الله - تعالى - ولعنته وغضبه، هذا في الآخرة، أما في الدنيا فهي طريق الفساد وانهيار المؤسسة أو الدولة، لذا حذركم منها حبيبكم - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((من استعملناه على عمل فرزقناه رزقًا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول)).

5- احذروا تعيين الموظفين أيًّا كانت وظيفتهم لأنهم أقارب أو لأنهم أصدقاء، فينطبق عليكم حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يُروى عنه: (من استعمل رجلاً من عصابة وفيهم من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين)

6- اطلبوا النصيحة من أهل الخبرات والاختصاص، ومن العلماء، فهذا دأب الصالحين من الولاة والمسؤولين، فكم في تاريخنا من المواعظ للعلماء أسدوها للمسؤولين بناءً على طلبهم، فكانت لهم نبراسًا يُنير لهم الطريق إلى العدل والحق، كما فلتشاوروا مرؤوسيكم، فلعل عند أحدهم رأيًا مفيدًا يُنقذكم من أزمة.

7- اطلبوا مساعدين من أهل الدين وأهل الصدق، لأنهم لن يخدعوكم بكلمة: (كله تمام يا سيدي)، يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من أمير إلا وله بطانتان من أهله، بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، وبطانة لا تألوه خبالاً، فمن وُقِي شرَّها فقد وقي، وهو مِن التي تغلِبُ عليه منهما).

8- العدل بين الموظفين أو المرؤوسين، فالتفريق بينهم له سلبيات كبيرة، وأن تُشعرهم بعدلك دائمًا حتى يقنعوا بعدالتك، فترتفع معنوياتهم، وفي نفس الوقت يمنحونك ثقتهم؛ قال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 8].

كما يُقترح ما يلي:

1- عزم وحزم في تطبيق القوانين، وخاصة مع المسؤولين الذين يُخالفون القوانين لكونهم قُدوة لغيرهم، وكذا عدم التساهل أو التهاون مع المقصرين في واجباتهم أيًّا كانوا.

2- إجراء تغييرات في القوانين حتى تتلاءم مع هذا الحزم.

3- تشديد الرقابة وخاصة في الأماكن أو الأزمنة التي تؤثر فيها الواسطات أكثر على الدولة أكثر من غيرها، كالمنح الدراسية المحلية والخارجية، واللجان المختصة في تقييم أو امتحان الموظفين في المقابلات الشخصية.

4- إيجاد فرص عمل للعاطلين عن العمل، فهذا يدفعهم إلى عدم اتخاذ واسطات لأجل التوظيف.

5- اعتماد مبدأ العدل في التوزيع، أقصد توزيع أي شيء، الوظائف والثروة وغيرها.

6- تشجيع العمل في مرافق أخرى غير الوظائف، كالزراعة والأعمال الحرة، وتشجيع المشاريع المنتجة الصغيرة ودعمها.

7- تشجيع الدراسات القليلة النادرة وذلك حتى لا تتكدس أعداد كبيرة من الخريجين في مجال تخصص واحد.

8- إشراك المواطنين أو المجتمع في مكافحة الواسطة السيئة، عن طريق نشر ثقافة القانون وبلورة رأي عام مجتمعي رسمي وشعبي لمحاصرة هذه الظاهرة، وبذل مجهود وطني مشترك من جميع الأطراف المعنية الرسمية والأهلية.

9- إدراج ثقافة احترام القانون وتحريم الواسطات السيئة ضمن المناهج الدراسية ابتداءً من أي فصل يراه التربويون مناسبًا لذلك؛ حتى تتأصل هذه الثقافة عند الأطفال من صغرهم.

10- العمل على دورات تدريبية للموظفين الذين يتعاملون مع الجمهور، فإذا كانت طريقة تعاملهم غير لائقة فإن هذا يدفع المواطن إلى البحث عن واسطات لإنجاز معاملاته.

11- توفير عدد الكوادر المناسب في المؤسسات لإنجاز معاملات

الجمهور، فتأخير معاملاتهم بسبب قلة الموظفين وعدم مقدرتهم على تقديم الخدمة في الوقت المناسب يدفع لذلك أيضًا.

12- كل ما سبق لا يتم إلا بمبادرة جادة وصادقة من الحكومات بالتعاون مع المؤسسات المجتمعية.[الأنترنت – موقع الألوكة  - ملخص بحث: الواسطة والمحسوبية وأثرها على الفرد والمجتمع]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة الثامنة والعشرون بعد المائة في موضوع(الحسيب) وهي بعنوان :* اسم الله الكافي :

  إِنَّ مَعْرِفَةَ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَتَدَبُّرَهَا، تَبْعَثُ الثِّقَةَ والاطْمِئْنَانَ وَالرَّاحَةَ وَالْيَقِينَ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ، وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ أَسْمَاءَهُ إِلَّا لِيْعرِفَ عِبَادُهُ من خِلَالِهَا، أنْ يَلْجَؤُوا إِلَيْهِ وَيَدْعُوُهُ بِهَا، لِقَوْلِهِ -تَعَالَى-: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)[الأعراف:180]، وَمِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى الْكَافِي الَّذِي وَرَدَ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ -تَعَالَى-: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ)[الزمر:36]، وَوَرَدَ بِصِيغَةِ الفِعْلِ فِي قَوْلِهِ -تَعَالَى-: (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ)[البقرة:137]، وَقَوْلِهِ -تَعَالَى-: (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ)[الحجر:95]؛ فَاللَّهُ كَافٍ عِبَادَهُ وَهُوَ رَازِقُهُمْ وَحَافِظُهُمْ وَمُصْلِحُ شُؤُونِهِم،ْ وَهُوَ الْكَافِي الَّذِي يَكْفِي عِبَادَهُ آلَامَهُمْ، وَيَدْفَعُ عَنْهُمُ الْهُمُومَ والظُّلْمَ والشُّرُورَ، وهُوَ الَّذِي يَكْفِي بِمَعُونَتِهِ عَنْ غَيْرِهِ، وَيَسْتَغْنِي بِهِ عَمَّنْ سِوَاهُ.

فَاللَّهُ كَافٍ عِبَادَهُ بِكُلِّ مَا يَحْتَاجُونَ، وَيُضْطَرُّونَ إِلَيْه،ِ وَيَكْفِي عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ كِفَايَةً خَاصَّةً حِينَمَا يَتَوَكَّلُونَ عَلَيْهِ، وَيَسْتَمِدُّونَ حَوَائِجَهُمْ مِنْهُ، فَلَا مَنْجَى وَلَا مَلْجَأَ مِنْهُ إِلَّا إِلَيْهِ، فَهُوَ الْإِلَهُ الْوَاحِدُ الَّذِي لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا نِدَّ، فَالْكِفَايَاتُ كُلُّهَا وَاقِعَةٌ بِهِ وَحْدَهُ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْعِبَادَةُ إِلَّا لَهُ، وَلَا الرَّغْبَةُ إِلَّا إِلَيْهِ، وَلَا الرَّجَاءُ إِلَّا مِنْهُ، فَاللَّهُ كَفَى عِبَادَهُ الرِّزْقَ والْمَعاشَ والنَّصْرَ والْعِزَّة.

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ -سُبْحَانَهُ وتَعَالَى- الَّذِي كَفَى بِأَلْطَافِهِ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ، فَوَفَّقَهُمْ لِعِبَادَتِهِ، وَنَصَرَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَعَلَى شَيْطَانِهِمْ، وَعَلَى أَعْدَائِهِمْ، فَاللَّهُ هُوَ الَّذِي يَكْفِيكَ الْهُمُومَ وَالشُّرُورَ، فَهُوَ قاضِي حَاجَاتِكَ، وَمُفَرِّجُ كُرْبَاتِكَ.

إِنَّ لِلْإِيمَانِ بِاسْمِ اللَّهِ الْكَافِي أَثَرًا عَظِيمًا فِي تَسْكِينِ قَلْبِ الْمُؤْمِنِ عِنْدَ الْمَصَائِبِ، وَإِنَّ الْفَرَجَ آتٍ لَهُ لَا مَحَالَةَ. إنَّ الْإِيمَانَ بِاسْمِ اللَّهِ الْكَافِي يَنْزِعُ مِنْ قَلْبِ الْمُؤْمِنِ الْخَوْفَ مِنْ آثَارِ الْمَصَائِبِ وَالشَّدَائِدِ، وَالْهَلَعِ مِنْ الْمَخْلُوقِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ سَبَبًا لِأَمْنِكَ واسْتِقْرَارِكَ، أَوْ يَخْلُقُ سَبَبًا يُنْجِيكَ مِنْهُ؛ فَعَلَيْكَ أَنْ تُقَوِّيَ إِيمَانَكَ بِاللَّهِ؛ لِتَنَالَ وِلَايَةَ اللَّهِ وَكِفَايَتَهُ، فَلا كَافِيَ إلا هُوَ -سُبْحَانَهُ-، وَلَا حَافِظَ سِوَاهُ، فَتَأَمَّلْ هَذَا الدُّعَاءَ الْعَظِيمَ الَّذِي يَقُولُهُ الْمُؤْمِنُ عِنْدَ نَوْمِهِ: “الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَكَفَانَا وَآوَانَا فَكَمْ مِمَّنْ لَا كَافِيَ لَهُ وَلَا مُؤْوِيَ” فَثِقُوا بِاللَّهِ فِي كُلِّ أُمُورِ حَيَاتِكِمُ، فَهُو كَافِيكُمْ وَحَامِيكُمْ، فَكَفَى بِهِ حَسِيبًا، وَكَفَى بِهِ وَكِيلًا ،وَكَفَى بِهِ ظَهِيرًا وَنَصِيرًا.

إِنَّ الْعَبْدَ لَا غِنَى لَهُ عَنْ رَبِّهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ حَافِظًا وَكَافِيًا وَمَدَدًا، وَلِذَا يَشْرُعُ لِلْمُسْلِمِ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ أَنْ يَقُولَ: “بِاسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ؛ فَيُقَالُ لَهُ حِينَئِذٍ هُدِيتَ وكُفِيتَ ووُقِيتَ، فَيَتَنَحَّى عَنْهُ الشَّيْطَانُ، فَيَقُولُ شَيْطَانٌ آخَرُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ“(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ لَا يَقِلُّ عَنِ الْحَسَن).

عِبَادَ اللَّهِ: فَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّهُ كَافِيهِ، وَمَنْ وَثِقَ بأنَّ اللَّهُ كَافِيهِ وَوَاقِيهِ، فَلَا مَطْمَعَ لِأَعْدَائِهِ فِيهِ، وَلَا يَضُرُّهُ إِلَّا أَذًى لَا يُدَنِّسُهُ كَأَمْرٍ طَبِيعِيٍّ جِبِلِّيٍّ مِنْ حَرٍّ أَوْ جُوعٍ أَوْ عَطَشٍ.

عِبَادَ اللَّهِ: إنَّ كِفَايَةَ اللَّهِ لِعَبْدِهِ لَا تَكُونُ إِلَّا بِالتَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ، وَكُلَّمَا كَانَ الْعَبْدُ حَسَنَ الظَّنِّ بِاللَّه، عَظِيمَ الرَّجَاءِ فِيمَا عِنْدَهُ، صَادِقَ التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُخَيِّبُ أَمَلَهُ فِيهِ البَتَّةَ. وَعَلَيْهِ أَلَّا يَسْتَعْجِلَ لِقَوْلِهِ -تَعَالَى-: (قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)[الطلاق:3]؛ أَيْ: وَقْتًا لَا يَتَعَدَّاهُ، فَهُوَ يَسُوقُهُ لِوَقْتِهِ الَّذِي قَدَّرَهُ لَهُ، فَلَا يَسْتَعْجِلِ الْمُتَوَكِّلُ عَلَى اللَّهِ وَيَقُولُ: قَدْ تَوَكَّلْتُ وَدَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَلَمْ تَحْصُلْ لِي الْكِفَايَةُ.

فَيُقَالُ لَهُ: إِنَّ عَلَيْكَ أَنْ تَثِقَ فِي اللَّهِ، وَإِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي قَدَّرَهُ لَهُ عَنْ حِكْمَةٍ بَالِغَةٍ وَخِبْرَةٍ وَعِلْمٍ، فَمَنِ اشْتَغَلَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ عَنْهُ نَفْسِهِ، كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ نَفْسِهِ، وَمَنِ اشْتَغَلَ بِاللَّهِ عَنِ النَّاسِ، كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ، وَمَنِ اشْتَغَلَ بِالنَّاسِ عَنِ اللَّهِ، وَكَّلَهُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ.

رَوَى ابْنُ أبَيِ شَيْبَةَ عَنْ أَبِي عَوْنٍ قَالَ: “كَانَ أَهْلُ الْخَيْرِ إِذَا الْتَقَوْا يُوصِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِثَلَاثٍ، وَإِذَا غَابُوا َكَتَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ بِثَلَاثٍ كَلِمَاتٍ: مَنْ عَمِلَ لِآخَرَتِهِ كَفَاهُ اللَّهُ دُنْيَاهُ، وَمَنْ أَصْلَحَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْن اللَّهِ كَفَاهُ اللَّهُ النَّاسَ، وَمَنْ أَصْلَحَ سَرِيرَتَهُ أَصْلَحَ اللَّهُ عَلَانِيَتَهُ”؛ فاللَّهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- هُوَ الرَّجَاءُ، وَهُوَ كَافِينَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، فَنَسْأَلُهُ أَنْ يَكْفِيَنَا شَرَّ كُلِّ مَنْ بِهِ شَرٌّ، وَيحفَظَنَا بحِفْظِه، وَيَكْلأنَا بعِنَايَتِه [الأنترنت – موقع ملتقى الخطباء- عنوان الخطبة :اسم الله الكافي - الشيخ د. : صالح بن مقبل العصيمي خطيب]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة التاسعة والعشرون بعد المائة في موضوع(الحسيب) وهي بعنوان :

*(تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ).

   ومن هذه الأحاديث الشريفة الجَامعة، التي حوت عجائب الحكم البالغة، وأصول القيم الرفيعة، والأسرار النفسيّة والاجتماعيّة البديعة: قولُ المصطفى صلى الله عليه وسلم: (تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ).

وأحبّ في هذه العجالة الموجزة أن أقف على بعض أسرار الموازنة التي يعقدها هذا الحديث الصحيح بين طلب ذات الدين، الذي يحثّ عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم، ويوصي بالحظوة به، وبين طلب ذات الجمال، وما يتصل به من المعاني الأخرى أو يشبهه. فأقول وبالله التوفيق:

1 ـ وقفة مع معاني الحَديث عند شُرّاحه: قال الإمام ابن حجر: " وَالحَسَب فِي الأَصْل الشَّرَف بِالآبَاءِ وَبِالأَقَارِبِ، مَأْخُوذ مِنْ الحِسَاب، لأَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا تَفَاخَرُوا عَدُّوا مَنَاقِبهمْ وَمَآثِر آبَائِهِمْ وَقَوْمهمْ وَحَسَبُوهَا فَيُحْكَم لِمَنْ زَادَ عَدَده عَلَى غَيْره. وَقِيلَ الْمُرَاد بِالحَسَبِ هُنَا الْفِعَال الحَسَنَة. وَيُؤْخَذ مِنْهُ أَنَّ الشَّرِيف النَّسِيب يُسْتَحَبّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّج نَسِيبَة إِلاّ إِنْ تَعَارَضَ نَسِيبَة غَيْر دَيِّنَة وَغَيْر نَسِيبَة دَيِّنَة فَتُقَدَّم ذَات الدِّين، وَهَكَذَا فِي كُلّ الصِّفَات .

قَوْله: (وَجَمَالهَا) يُؤْخَذ مِنْهُ اِسْتِحْبَاب تَزَوُّج الجَمِيلَة إِلاَّ إِنْ تُعَارِض الجَمِيلَةُ غَيْر الدَيِّنَة وَغَيْرُ الجَمِيلَة الدِّينَةَ، نَعَمْ لَوْ تَسَاوَتَا فِي الدِّين فَالجَمِيلَة أَوْلَى، وَيَلْتَحِقُ بِالحَسَنَةِ الذَّات الحَسَنَة الصِّفَات، وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ تَكُون خَفِيفَة الصَّدَاق..

قَوْله: (فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّين) فِي حَدِيث جَابِر: (فَعَلَيْك بِذَاتِ الدِّين)، وَالمَعْنَى أَنَّ اللاَّئِق بِذِي الدِّين وَالمُرُوءَة أَنْ يَكُون الدِّين مَطْمَح نَظَرِهِ فِي كُلّ شَيْء، لا سِيَّمَا فِيمَا تَطُول صُحْبَته، فَأَمَرَهُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِتَحْصِيلِ صَاحِبَة الدِّين، الَّذِي هُوَ غَايَة الْبُغْيَة.

وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيث عَبْد الله بْن عَمْرو عِنْد اِبْن مَاجَهْ رَفَعَهُ: (لا تَزَوَّجُوا النِّسَاء لِحُسْنِهِنَّ فَعَسَى حُسْنهنَّ أَنْ يُرْدِيَهُنَّ ـ أَيْ يُهْلِكهُنَّ ـ وَلا تَزَوَّجُوهُنَّ لأَمْوَالِهِنَّ فَعَسَى أَمْوَالهنَّ أَنْ تُطْغِيَهُنَّ، وَلَكِنْ تَزَوَّجُوهُنَّ عَلَى الدِّين، وَلأَمَة سَوْدَاء ذَات دِين أَفْضَل).

قَوْله: (تَرِبَتْ يَدَاك): أَيْ لَصِقَتَا بِالتُّرَابِ، وَهِيَ كِنَايَة عَنْ الْفَقْر، وَهُوَ خَبَر بِمَعْنَى الدُّعَاء، لَكِنْ لا يُرَاد بِهِ حَقِيقَته، وَبِهَذَا

جَزَمَ صَاحِب " الْعُمْدَة "، زَادَ غَيْره أَنَّ صُدُور ذَلِكَ مِنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي حَقّ مُسْلِم لا يُسْتَجَاب لِشَرْطِهِ ذَلِكَ عَلَى رَبّه، وَقِيلَ: فِيهِ تَقْدِير شَرْط، أَيْ: وَقَعَ لَك ذَلِكَ إِنْ لَمْ تَفْعَل، وَرَجَّحَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ.

قَالَ الْقُرْطُبِيّ: " مَعْنَى الحَدِيث أَنَّ هَذِهِ الخِصَال الأَرْبَع هِيَ الَّتِي يُرْغَب فِي نِكَاح المَرْأَة لأَجْلِهَا، فَهُوَ خَبَر عَمَّا فِي الْوُجُود مِنْ ذَلِكَ، لا أَنَّهُ وَقَعَ الأَمْر بِذَلِكَ، بَلْ ظَاهِره إِبَاحَة النِّكَاح لِقَصْدِ كُلّ مِنْ ذَلِكَ، لَكِنَّ قَصْدَ الدِّين أَوْلَى، قَالَ: وَلا يُظَنّ مِنْ هَذَا الحَدِيث أَنَّ هَذِهِ الأَرْبَع تُؤْخَذ مِنْهَا الْكَفَاءَة أَيْ تَنْحَصِر فِيهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَد فِيمَا عَلِمْت، وَإِنْ كَانُوا اِخْتَلَفُوا فِي الْكَفَاءَة مَا هِيَ " .

وقال الإمام النووي: " الصَّحِيح فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيث أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَ بِمَا يَفْعَلهُ النَّاس فِي الْعَادَة، فَإِنَّهُمْ يَقْصِدُونَ هَذِهِ الخِصَال الأَرْبَع، وَآخِرهَا عِنْدهمْ ذَات الدِّين، فَاظْفَرْ أَنْتَ أَيّهَا المُسْتَرْشِد بِذَاتِ الدِّين ".

" وَفِي هَذَا الحَدِيث الحَثّ عَلَى مُصَاحَبَة أَهْل الدِّين فِي كُلّ شَيْء، لأَنَّ صَاحِبهمْ يَسْتَفِيد مِنْ أَخِلاقهمْ وَبَرَكَتهمْ، وَحُسْن طَرَائِقهمْ، وَيَأْمَن المَفْسَدَة مِنْ جِهَتهمْ ".

2 ـ إلى مَن يَتَوَجّهُ هذا الحديث: ولعلّ بعض الناس يظنّ أنّ هذا الحديث موجّه إلى طالبي الزواج من الشباب فحسب، ولكنّه في حقيقته ومراميه موجّه إلى فئات المجتمع كافّة، بما يناسب موقع كلّ فئة ومسئوليّتها:

ـ فهو موجّه إلى الشباب ليُحسنوا النظر، ويُحكموا الموازين في أنفسهم، وفي اختيار شريكة حياتهم، فلا يؤخّروا ما حقّه التقديم، ولا يغفلوا ما حقّه الاهتمام والتعظيم، ولا يغترّوا بمظاهر خادعة، ليس وراءها ما يسعد وينجد..

ـ وهو موجّه إلى كلّ فتاة، هي محطّ أنظار الخاطبين والخاطبات، لتعْرف ما يطلبه الجنس الآخر فيها، وما تملكه من مواهب، وما ينبغي عليها أن تملك، وتتحقّق به من مزايا وصفات..

ـ وهو موجّه إلى أولياء أمور المسلمين، ليضعُوا بناء الأسرةِ موضعها في سلّم الأولويّات من خطط التنمية البشريّة، لخدمة الإنسان ذكراً كان أو أنثى، وليقفوا من الأعراف الطاغية، والعادات الجائرة موقف التقويم الجادّ، فلا يتركوها تعيث فساداً في حياة الناس وعلاقاتهم، إذ إنّ بناء الأسرةِ على الأسس الصحيحة أصل التنمية البشريّة القويمة.

ـ وهو موجّه إلى أولياء أمور النساء بوجه خاصّ، كيلا تذهب بهم رياح الأعراف والتقاليد عن الموازين القسط، ولا تشتطّ بهم الأعراض عن الجواهر، ويخدعوا عن الحقائق بالمظاهر. والمجتمع أيّ مجتمع لا يخرج في جملته عن هذه الفئات. ولاشكّ أنّ معرفة المقصود بخطاب التكليف لها أهمّيّة كبيرة في تحديد المسئوليّة وطبيعتها وآثارها، فليس هذا الحديث إذن موجّهاً إلى فئة الشباب من كلا الجنسين فحسب..

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة الثلاثون بعد المائة في موضوع(الحسيب) وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

*(تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ).

3 ـ يجمع هذا الحديث بين عالم القيم وعالم الأشياء، ويتحدّث عنهما، ويوازن بينهما: وإذا كان الإنسان مخلوقاً من روح وجسد، فكذلك هذه الحياة يتوزعها عالمان: عالم القيم، وعالم الأشياء ؛ فعالم القيم يعود إلى عالم الروح وطبيعتها وأشواقها، وعالم الأشياء يعود إلى عالم الجسد وطبيعته ومتطلّباته.

وطبيعة عالم الأشياء تفرض عليه أن يكون من الوسائل، ممّا يجعله وسيلة لعالم القيم، يُتّخَذُ لبلوغها، ويُبذَل لأجلها، وهو عالم متطوّر متجدّد، متغيّر النوع والملامح بين جيل وجيل، ومجتمع وآخر.

وأمّا عالم القيم فهو عالم المبادئ والمقاصد، فهو على وجه العموم عالم الاستقرار والثبات والرسوخ.

وما أكثر الناس الذين يقفون أمام عالم الثبات والرسوخ عاجزين عن الالتزام به، والثبات عليه، ويفتنون بعالم الأشياء، فلا يفكّرون إلاّ به، ولا يزالون يلهثون وراء مظاهره ومتغيّراته، ويكونون من عبيده وأسراه.. فهو مطمح أبصارهم، وغاية أمنياتهم.!

وما أحوجنا إلى فقه الوسائل وفقه المقاصد، ودقّة التمييز بينهما، لتستبين معانيَها، وتُوضّح حدودَها ومعالمها. وكيلا تلتبس عَلينا بعض الأنواع ببعضها الآخر، وليُوضَع كلّ قصد وعمل في موقعه الصحيح، وسيلةً كان أم مقصداً.. وإنّ من أهمّ ما يستفاد من التمييز بين هذين العالمين:

أ ـ أنّ صورة الجمال الظاهرَة لا يدَ للإنسان في صُنعها، ولا قدرةَ له على تَغييرها وتبديلها، وربّما كان له قدرَة محدودة على تحسينها وتجميلها..

فهل من العقل وَحُسنِ التدبير لمصلحتك ـ أيّتها الفتاة ـ ألاّ تقفي إلاّ عندَها، ولا تفكّري إلاّ بِها.؟! وتسوء نظرتك إلى نفسك وإلى الحياة كلّها، أن كان حظّك من الجمال الظاهر ضعيفاً محدوداً.؟!

وهل من العقل والحكمة ـ أيّها الرجل ـ وَحُسنِ التدبير لأمرك ألاّ يهمّك في المرأة إلا هذا الأمر، الذي لا يكشف لك عن معدن الجنس الآخر وقيمته، بل يقدّم لك بهرجاً وزيفاً، وتغفل من رغباتك ما هو أهمّ وأعلى، وأولى بالاعتبار وأجدى.؟!

ب ـ وأنّ جمالَ القيم وسموّها لا حدّ لهُ ولا غاية، ولا أمد له ولا نهاية، أفما يحسن بكلا الجنسين إذن أن يوجِّه كُلّ عنايته إلى الاهتمام بجوانبه التي لا يحيط بها أحد، ولا ينقطع عن بحبوحَة ساحَاتها المدد، وهيَ تزداد مع الأيّام وتنمو، بينمَا تتناقص الأخرى وتضعف، وتسير في طريقها نحو التلاشي والزوال.. كما تذبلُ الوردة المتفتّحة التي تَخلب الأنظار، بعد أيّامٍ معدودة.. وتفقد أريجها المتضوّع، ثمّ تَكون هشيماً يابساً، ليس له من الوردة إلاّ اسمها ورسمها..

ج ـ إنّ عالم الأشياء إن لم يهيمن عليه عالم القيم ويقُدُهُ كان أشبهَ بالمالِ في يد السفيه، أو السلاح في يد المجنون.

4 ـ تأرجح الإنسان ـ ذكراً كان أو أنثى ـ بين عالم القيم وعالم الأشياء:

والإنسان تبعاً لذلك يتنازعه عالم الأشياء، وعالم القيم، عالم الدنيا، وعالم الآخرة ؛ فإمّا أن يغلبه هذا، أو يغلبه ذاك، وهو في صراع دائم، ومكابدة دائبة، حتّى يستقر أمره على أحد الاتّجاهين، فينحاز إليه، ويسير في سبيله، أو يبقى في تجاذبٍ مدى حياته، وصراع في كلّ مواقفه وحركاته، فأولى له ثمّ أولى، فلا اقتحم العقبة، وما أدراك ما العقبة.؟!

ولو نظرنا إلى العلاقة بين هذين العالمين من الوجهات النفسيّة والاجتماعيّة والواقعيّة لرأينا أنّ ميزان عالم القيم عندما يثقل يخفّ في مقابله ميزان عالم الأشياء، وعندما يثقل ميزان عالم الأشياء في اعتبارات الناس يكون ميزان قيمهم طائشَ الكِفةِ مختلَّ الكيانِ، ولا تخرج عن هذه المعادلة إلاّ نوادر الأحوال والظروف التي لا يقاس عليها، والإسلام يطلب منا الموازنة الصحيحة بين العالمين، التي تعطي كلّ ذي حقّ حقّه، وتقوم على المبدأ القرآنيّ: { وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِين }[القصص].

وإذا كانت الموازنة الصحيحة بين عالم القيم وعالم الأشياء، والانحياز إلى عالم القيم، يدلّ على كمال عقل الإنسان ومبلغ رشده ؛ فإنّ لنا أن نلحظ: أنّ الأصل في الرجل أن ينحاز إلى عالم القيم، فيعيش لها، ويجتهد في نصرتها، ويضحّي في سبيلها، وهذا من بعض الحكم الإلهيّة في تحريم الحلي عليه والزينة والتشبّه بالنساء.

كما أنّ المرأة تميل بفطرتها إلى عالم الأشياء، فتُعنى بها، وتحرص عليها، وتعجب ببهارجها، وتتطلّبها وتتطلّع إليها، وقد أشار الله تعالى إلى ذلك بقوله: {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِين} [الزُّخرُف]

. وقد عبر الشاعر عن شيء من هذه الطبيعة أو الخليقة بقَوله:

إذا شابَ رأسُ المرءِ أو قلَّ مالُه*** فليسَ له في وُدِّهِنَّ نَصِيبُ

وليس إلحاقنا للمرأة بالميل إلى عالم الأشياء وإيثاره نوعاً من التحكّم لا مبرّر له، وإنّما هو نظر فطريّ أغلبيّ، تحكم به سنن الفطرة، ويؤيّده الواقع، ولا ينكره إلاّ ذو نظر قاصر، ولا يكابر فيه إلاّ ذو هوىً متعصّب..

وهذا الحديث يشير إلى هذا الواقع، واقع نظرة الناس وتعاملهم، كما الإشارة إلى ذلك، وليس المطلوب رفض هذا الواقع وإلغاءه، وإنّما التسامي فيه، ووضع الأمور مواضعها، ليكون الإنسان والواقع محكومَين بعالم القيم، تابعين لها.. ولاشكّ أنّ مراعاة الواقع وتقديره مطلب شرعيّ مؤكّد، على ألا يخلّ بما هو أجلّ وأعظم، وأولى وأرجح..

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة الواحدة والثلاثون بعد المائة في موضوع(الحسيب) وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

*(تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ).

ومن حكمة الله تعالى في ميل الرجل إلى عالم القيم، وميلِ المرأة إلى عالم الأشياء: وهذا التوزع بين الرجل والمرأة، هو من بديع فطرة الله تعالى في خلقه، التي قدرها بحكمته تقديراً، ليعمر هذا الكون، ولتكتمل سنة الله في الابتلاء، ويؤهّل كلّ مخلوق لأداء وظيفته في هذه الحياة، فتأخذ الدنيا حظّها من الفتنة والابتلاء، فيبتلى الإنسان بها ذكراً كان أو أنثى، كلّ بحسب موقعه واهتمامه، حتّى يرث الله الأرض ومن عليها.

ولا يعني ذلك، أن أحد الجنسين إذا انحاز إلى عالم، أو غلب عليه أن يُلغَى العالم الآخر من كيانه وحياته، وأن يكون بعيداً عنه كلّ البعد، ولكنّنا نتحدث عن حالة الترجيح والإيثار، والانحياز والانسياق بنسب متفاوتة راجحة أو مرجوحة، وراء هذا العالم أو ذاك، وعن واقع الصراع الذي يعيشه الأفراد والمجتمعات في التجاذب بين هذين العالمين، والميل إلى أحدهما، والدوران في فلكه، وحمل لواء نصرته والدفاع عنه.

5 ـ ولعل قائلاً يقول: ومن أين لك هذا التقسيم والتفصيل، وتوزيع الميول والاتّجاهات.؟ وما دليلك عليه ؟

أفما يكفيه دليلاً أن يرى فطرة الله في خلقه أنّ الأنثى هي محلّ الزينة وموضع النظر والفتنة، ومتغنّى الشعراء، ومدار فنّ الأدباء، ومهوى أفئدة الرجال.؟ وأنّ قصد الزينة في حياتها، وحبّها والتعلّق بها، مما تنشأ عليه، ويملأ عِطفيها.؟ ويزداد تعلّقها به على تقدّم الأيام بها في الأعمّ الأغلب، وقد قال الحقّ تبارك وتعالى:{أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِين}[الزُّخرُف].

وقال سبحانه: { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ

الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآب(13)قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَاد } [آل عمران].

ويعلّق سيّد قطب رحمه الله على هاتين الآيتين، فيقارب المعنى الذي نحن فيه بقوله: " وفي مجال التربية للجماعة المسلمة يكشف لها عن البواعث الفطرية الخفية التي من عندها يبدأ الانحراف، إذا لم تضبط باليقظة الدائمة، وإذا لم تتطلع النفس إلى آفاق أعلى، وإذا لم تتعلق بما عند الله، وهو خير وأزكى

إنّ الاستغراق في شهوات الدنيا، ورغائب النفوس، ودوافع الميول الفطرية هو الذي يشغل القلب عن التبصر والاعتبار، ويدفع بالناس إلى الغرق في لجة اللذائذ القريبة المحسوسة، ويحجب عنهم ما هو أرفع وأعلى، ويغلظ الحسّ، فيحرمه متعة التطلع إلى ما وراء اللذة القريبة، ومتعة الاهتمامات الكبيرة اللائقة بدور الإنسان العظيم في هذه الأرض، واللائقة كذلك بمخلوق يستخلفه الله في هذا الملك العريض.

ولمّا كانت هذه الرغائب والدوافع مع هذا طبيعية وفطرية، ومكلّفة من قبل البارئ جلّ وعلا أن تؤدي للبشرية دوراً أساسيّاً في حفظ الحياة وامتدادها، فإن الإسلام لا يشير بكبتها وقتلها، ولكن إلى ضبطها وتنظيمها، وتخفيف حدّتها واندفاعها، وإلى أن يكون الإنسان مالكاً لها متصرفاً فيها، لا أن تكون مالكة له متصرفة فيه، وإلى تقوية روح التسامي فيه، والتطلع إلى ما هو أعلى.

ومن ثمّ يعرض النصّ القرآنيّ الذي يتولّى هذا التوجيه التربويّ.. هذه الرغائب والدوافع، ويعرض إلى جوارها على امتداد البصر ألواناً من لذائذ الحسّ والنفس في العالم الآخر، ينالها من يضبطون أنفسهم في هذه الحياة الدنيا عن الاستغراق في لذائذها المحبّبة، ويحتفظون بإنسانيّتهم الرفيعة.

وفي آية واحدة يجمع السياق القرآنيّ أحبّ شهوات الأرض إلى نفس الإنسان: النساء والبنين والأموال المكدسة والخيل والأرض المخصبة والأنعام.. وهي خلاصة للرغائب الأرضية ؛ إمّا بذاتها، وإمّا بما تستطيع أن توفّره لأصحابها من لذائذ أخرى.. وفي الآية التالية يعرض لذائذ أخرى في العالم الآخر: جنّات تجري من تحتها الأنهار، وأزواج مطهّرة، وفوقها رضوان من الله.. وذلك كلّه لمن يمدّ ببصره إلى أبعد من لذائذ الأرض، ويصل قلبه بالله على النحو الذي تعرضه هاتان الآيتان ".

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة الثانية والثلاثون بعد المائة في موضوع(الحسيب) وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

*(تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ).

والعجب بعد ذلك كلّ العجب من مؤمن يرى زينة الدنيا الظاهرة، ويعلم أنّها محدودة زائلة، معلولة منغّصة، ويؤمن بنعيم الآخرة، ويعلم أنّه باق لا يزول، دائم لا يفنى، لا غمّ فيه ولا كدر.. ثمّ يتعلّق قلبه بالدنيا ويؤثرها، ويغفل عن الآخرة، ولا يستعدّ لها، ولا يجتهد في طلبها.؟!

وقدعبّر الشاعر عمر بن أبي ربيعة عن اختلاف الاهتمامات بين الرجال والنساء، وتوزّع الأدوار بينهما بقوله:

كُتبَ القتلُ والقِتَالُ عَلينا***وعَلى الغانِيَاتِ جَرُّ الذيُولِ

وإذا كان هذا الحديث يذكر أربع خصال قد تُطلَبُ إحداها في المرأة، بحكم دوافع الرجال ورغباتهم، فإنّ التأمل في هذه الخصال يردّها إلى التقسيم الذي ذكرناه، لأنّ الحسب والمال هما من نوع عالم الأشياء، وهما ملحقان بالجمالِ، وتبع له.

وجمال المرأة من جهةٍ أخرى يعود إلى ذاتها وفطرتها، بخلاف الحسب والمال فإنّهما يفدان إليها، ويأتيانها من أسرتها أو البيئة المحيطة بها، فلا يد لها فيه ولا اختيار، ولا أثر لها في اصطناعه ولا اقتدار.

وأمّا الدين فهو الذي يمثّل عالمَ القيم الثابتة الراسخة بأجلى صورها، وأجمل معانيها، وأرقى اعتباراتها.

6 ـ مثلٌ بليغ من بيت النبوّة: ولنا من واقع السيرة النبويّة وسيرة أمّهات المؤمنين في بيت النبوّة درس بليغ، مليء بالعبر والعظات ؛ فعندما لجّت تلك الدوافع بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، نتيحة ضيق النفس بشدّة العيش، والنظر في حياة مثيلاتهنّ، وما يتمتّعن به من نعمة ورخاء، وهنّ زوجات سيّد الخلق والرسل يعانين من شدّة العيش وشظفه، فاجتمعن على النبي صلى الله عليه وسلم، يطلبن زيادة النفقة، وأن يوسّع عليهنّ فيما أباح الله له، وتكرّر منهنّ الطلب، ولم يَكُنّ في ذلك متخلّياتٍ عن قيم الدين ومبادئه وآدابه.. وإنّما هي الرغْبة بعالم الأشياء، والمَيل إلى شيء من المباح، والحرص على الأخذ منه بحظٍّ، دونَ التخلّي عن عالم القيم، وماله من منزلة الصدارة في حياتهنّ.. فلمّا فعلن ذلك، وآذين مشاعر النبيّ صلى الله عليه وسلم بإلحاحهنّ هجرهنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم شهراً، إذ إنّ حال البيت النبويّ من جهة يأبى أن يكون لعالم القيم ما ينازعه وينافسه.. كما أنّ استجابة النبيّ صلى الله عليه وسلم لطلبهنّ ـ لو كانت ـ ربّما أدّت مع الأيّام إلى التمادي في الحرص على التوسّع والازدياد من بسطة العيش وعالم الأشياء، حتّى يكون ذلك على حساب تألّقهنّ في عالم القيم والسمو فيه، فتبهت صورة الأسوة العظمى في تصوّر الأمّة عن حياتهنّ، وعن بيت النبوّة، وكلّ ما يتّصل به.. فإن لم تكن حياتهنّ هي الأسوة الحسنة لنساء الأمّة من بعدهنّ، في الصبر على شظف العيش، والتقلّل من الدنيا، فحياة مَن مِن النساء تكون كذلك.؟! ثمّ تنزلت آيات كريمات، بصورة حازمة صارمة، تخيرهنّ بين مثل هذه الحياة المثاليّة الكريمة في ظلّ النبوة، وإيثار الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والدار الآخرة، وبين إيثار الدنيا وزهرتها، ولا يكون لهنّ ذلك إلاّ بفراق النبيّ صلى الله عليه وسلم، والخروج من هذا الظلّ الكريم، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً(28) وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً} [الأحزاب] فاخترن جميعاً بإيمانهنّ وعظيم يقينهنّ: اللهَ ورسولَه صلى الله عليه وسلم والدارَ الآخرةَ، وكان لهذه الحادثة دلالات عميقة، في التعريف بنفوس النساء، والأسلوب الأمثل في التعامل معهن، وما ينبغي من الحكمة والحزم أحياناً في سياستهن وحسن رعايتهن.

7 ـ وتقودنا هذه الواقعة إلى السؤال عن موقف الإسلام من هذا التباين والصراع، والتنازع والاختلاف بين عالم القيم، وعالم الأشياء.؟ وأين يريد لنا أن نكون من هذين الاتجاهين، وكيف نختاربينهما.؟ وهل يسعنا أن نجمع بينهما.؟!

فأقول: إنّنا نعلم أوّلاً أنّ الإسلام يحلّ لنا التمتّع بالطيّبات، ولا يرضى لنا تحريمها على أنفسنا، وهو دين المثاليّة الواقعيّة، الإيجابيّة البنّاءة، لم يهمل عالم الأشياء، ولم يتنكر لها، ولكنّه في الوقت نفسه لم يسمح لها أن تتمادى على عالم القيم أو تطغى، بل جعلها محكومة بعالم القيم مقودة له، وهل الحياة كلّها في مفهوم الإسلام إلاّ القيم تُستخدَم الأشياء وسائل لإقامتها وتحقيقها، وتسخيرها لإسعاد الإنسان بها.؟

ومن هنا فإنّ الانحياز لعالم الأشياء كما هي، تفكيراً واهتماماً وتحكيماً، يجعلها تطوّع القيم الصالحة، وتحرّفها لتخدمها، وتسخّرها لتبرّر اتّجاهها، كما يتيح لها أن تفرض القيم الفاسدة المُفسدة، الهابطة المُنحطّة، التافهة العابثة، على حياة الإنسان وسلوكه، ممّا يحجّم عالم القيم السامية في الإنسان، ويقتله أو يكبته، أو يجعله مظهراً لا قيمة له، وصورةً لا حقيقة لها.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة الثالثة والثلاثون بعد المائة في موضوع(الحسيب) وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

*(تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ).

وإن من واقعيّة الإسلام وإيجابيّته، واعتداله واتّزانه أنّه لم يرفض " عالم الأشياء " ولم يحاربه، وإنّما قدره بحدود تحمي القيم وتصونها، ولا تفرط بحقائقها ومثلها، ففرض فيما نحن فيه من هذا الباب ـ على سبيل المثال ـ تقديم المهر للمرأة، الذي يُعَدُّ رمزاً لتكريمها، وحفظ حقوقها، وتقدير الزوج لعالمها الذي تنتمي إليه بفطرتها، وتحرص على إعطائه حقّه من العناية والاهتمام، وجعل الإسلام للمهر حدّاً أدنى، ولم يجعل له حداً أعلى، ليكون بذلُ الزوج المقتدر للمرأة تعبيراً عن رغبته الصادقة بها، وإعلاءً لقيمة الزهد بعالم الأشياء في سبيل القيم التي يسعى الرجل لإقامتها وتحصينها، وإثباتاً عمليّاً أنّ " عالم الأشياء " تبع لعالم القيم وخادم لها.

8 ـ خطر تمادي المرأة في عَالم الأَشياء، وقصورها عن عالم القيم:

ولكي تستقيم الحياة الإنسانيّة بين الجنسين لابدّ أن يكون عالم القيم هو الذي يحكم تصوّراتهما واهتماماتهما، وأن يكون عالم الأشياء تبعاً له، ومحكوماً به، وإذا لم يكن للمرأة حظّها المعقول المقبول، الراجح الثابت من عالم القيم، فإنّها لا تزال تتمادى بها الأيام في عالم الأشياء إيثاراً لها، وتعلّقاً بها، وسعياً لجمعها والتفاخر بها.. كما أن الرجل إذا كان ميّالاً للعالم الأليق به فإنّه لا يزال يزداد على الأيام رغبة بقيمه، وتعلّقاً بها، وحرصاً على الاستزادة منها، فمن هنا تبدأ شقّة الخلاف بين الزوجين، وتظهر زاوية البعد، وتتّسع المفارقة بينهما، وهي التي تشكو كثير من الأسر من آثارها، وقد بدأت أيامها الأولى بودّ ووئام، وتفاهم وتحابّ، ثمّ وهت العلاقة بين الزوجين مع مرور الأيام، حتّى آل الأمر إلى عقليتين متباينتين مختلفتين، تبحث كلّ منهما عن ذاتها في عالم بعيد عن عالم الأول واهتماماته واتّجاهه، ويعيش كلٌّ من الطرفين في فلكه الخاصّ، بعيداً عن الطرف الآخر وفلكه، ويؤثر كثير من الأزواج الصمت كلّما دخل بيته ويعتصم به.. لأنّه لا يرى جدوى من الكلام مع الطرف الآخر، وهو يراه يعيش في عالم غير عالمه، ومفاهيم واهتمامات تختلف كلّيّاً عن مفاهيمه واهتماماته، ولا يزال اختلاف الرؤى والمواقف يتمادى بكلا الطرفين، حتّى يئول الأمر بهم أخيراً إلى الفراق وانفصام عرا الزوجية، أو ما يسمّيه بعضهم بالطلاق العاطفيّ..

ويعجز عن اكتشاف أسباب هذه الظاهرة وتحليلها أكثرُ من كان على

 معرفة بهذه الأسرة، أو اتّصالٍ بها.. وربما يعزو بعض الناس ذلك إلى

العين، أو الحسد، أو السحر، أو الاتّهام بسوء الخلق.. والقضيّة هكذا بدأت..

وإذا تسامى الطرفان إلى آفاق عالم القيم، والتقت رؤاهما على مبادئه وحقائقه، أو اجتمعا واصطلحا على الرضا بعالم الأشياء، وقنعا بها، وكانت الإمكانات المادّيّة تسعفهما في تحقيق ذلك لم تقم هذه المشكلة بهذه الصورة، وربّما مضى بهما ركب الحياة آمناً، ولكنّهما يسفّان بذلك إلى ما لا يحقّق بهما الحياة الإسلاميّة المنشودة..(ومعنى يسفّ: أي يهبط أو ينزل)

ومن هنا فإنّ من مقتضى مسئوليّة الرجل عَن أسرته، وحقّ القوامة الذي وضعه الله في يده، وأوجبه عليه، أن يعتني بوجهتي المرأة النفسيّة والفكريّة، وتطلّعاتها السلوكيّة، ويغذّي في نفسها عالم القيم، ويرفع همّتها إلى آفاقه، ويرقى بها، ويتعهّدها بالموعظة الحسنة بين الحين والآخر، لتبقى وجهتها في الحياة واضحة القصد والهدف، وتكون على بصيرة من أمرها في كلّ خطوة من خطوات حياتها.. وهذا أمر يغفل عنه كثير من الرجال، ويُغفلونه، وهو بالغ الأهميّة والضرورة، كيلا تنزل المرأة عن الحدّ الأدنى في عالم القيم، فتهي علاقتها بها، وتستمرّ في ضعفها وفتورها، وتتحوّل من إرادة الآخرة، إلى إرادة الدنيا وإيثارها، وتستمرأ الالتصاق بعالم الأشياء، والتعلّق بها، وجمعها وتكديسها.

9 ـ أنواع الدوافع المذْكورة في هذا الحدِيث: ثمّ إنّ الدوافع المذْكورة في هذا الحدِيث هي تعبيرٌ نبويٌّ دقيق عَن أنواعٍ من الدوافع لا عن أفراد منها، وهذه الأنواع يمكنُ النظرُ إليهَا من زوايا متعدّدة:

أ ـ فهي من زاوية: منها ما يدخُلُ تحتَ إرادة الإنسان واختياره، ومنها ما لا يدخُلُ تحتَ إرادة الإنسان واختياره.

ب ـ وهي من زاوية أخرى: منها ما يكون من عَالم القِيَم، ومنها ما يكون من عالم الأشياء، أو يتبع لها.. فما يكونُ من عَالم القِيَم: هوَ الدين، والحسب، والجمال الباطن، وهو جمَال الروح والنفس، وجمال الخلق والمعانيّ الإنسانيّة الفطريّة، وهو الجمَال الحقيقيّ، الذي يرقى ويبقى، وإليه الإشارة في الحديث الشريف: (انْظُرْ إِلَيْهَا، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا).

وحديث: (الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ).

وأمّا ما يكونُ من عالم الأشياء، فهو المال بأنواعه، وجمال الصورة الظاهرة، مجرّداً عن جمال الخلق، والمعاني الإنسانيّة الكريمة.

ج ـ وهي من زاوية ثالثة: منها الأصيل الثابتُ، وهو ما يكون من قيم الحقّ والخير، وهو ما لا غنى للإنسان عنه بحال من الأحوال، ومنهَا النسبيّ المتغيّر، وهو ما يكون منْ عالم الأشياء، وقيم الباطل والشرّ، أو ما يشبهُ ذلكَ من سفساف الأمور، وقد يغني بعض ذلكَ عن بعض..

وإنّ أكثرَ الرجال إلاّ من شذّ وَانحرف، وفسدت فطرته، وغلبته شهواته، واتّبع هواه، وانساق وراء نزوة الشباب وطيشه ـ أكثر الرجال لا يتطلّبون في المرأة لتكون شريكة حياتهم جمال الصورة الظاهرة فحسب.. وإنّما يريدون جمال الصورة دالاًّ على جمال الروح الباطنة، التي تشرق على الظاهر، فتعطيه روعة الحسن الباهر، لا صورته التي تخدَعُ بها الأصباغُ والألوان.. بل قد رأينا كثيراً من غير المتديّنين يطلب في المرأة، التي يريدها شريكة حياته أن تكون متديّنة عفيفة، مصونة صالحة..

وأمّا منْ يرجّح جمال الظاهر فحسب فهو مختلّ الموازين، أحوج ما يكون إلى تَصحيح نظرته إلى الحياة الدنيا وعلاقتِه بها، وكثيراً ما يصطدم بالواقع، وتربّيهِ مدرسة الحياة، وتلقّنه درساً لن ينساه.. لأنّها قائمة على سنن ثابتة لا تتغيّر، ولا تحابي أحداً..

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة الرابعة والثلاثون بعد المائة في موضوع(الحسيب) وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

*(تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ).

10 ـ ويشير هذا الحديث إلى قضيّة الكفاءة في الزواج، ويمكن أن يعدّ أصلاً لمن اعتبرها، مراعاة للواقع النفسيّ والاجتماعيّ الذي يحكم الناس، مع حثّ الإسلام على تسامي الإنسان عن ذلك، إعلاءللكفاءة في الدين، والتميّز بقيمه، ولكنّ الإسلام بواقعيّته التشريعيّة لا يفرض المثاليّة فرْضاً، وإنّما يحثّ عليها، ويُنهِضُ الهمم إليها، ويراعي مشاعر الناس بما لا يتعارض مع مبادئه وقيمه، ويسمو بهم إلى آفاقه الكريمة باليسر والرفق، لا بالشدّة والعنف.

11 ـ والسؤال المهمّ الذي يتَبادر إلى الأذهَان: لماذا حَثَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم على مطلبِ الدينِ، وأكّد عليه من بين سائر المطالب.؟

إنّ مطلبَ الجمَال مطلبٌ فطريّ لا ينكر، ومطلبَ الحسب مطلبٌ اجتماعيّ، لا خلاف في أهمّيّته، ومطلبَ المال مطلبٌ فطريّ وشخصيّ، لا يمارى في أهمّيّته وأثره، وأمّا مطلبُ الدين فَهو مطلبٌ شرعيّ جَامع، يغني عمّا سواه، ولا غناء عنه بما سواه.. وكان هذا المعنى كافياً في ترْجيحِ مطلبِ الدين على ما سواه.. فكيف إذا اجتمع مع ذلك حقائق أخرى جعلت الموازنة بين هذه المطالب من أصلها جائرة مختلّة، لا تقف في وجه مطلب الدين ولا تدانيه.؟! وأهمّ هذه الحقائق:

أـ أنّ مطلبَ الدين مقصود لذاته، وهو مطلق غير محدود، بخلاف المطالب الأخرى، فهي وسائل لا مقاصد، وهي خادمة لا سيّدة، محدودة غير مطلقة.

ب ـ أنّ مطلبَ الدين خيرٌ محض، بخلاف المطالب الأخرى، فهي لا توصف بذلك، لأنّها وسائل وأدوات، يمكن أن تستخدم في الخير أو الشرّ.

ج ـ أنّ مطلبَ الدين يحقّق للإنسان سعادة الدنيا والآخرة، وهو من علامات سعادة العبد، وحسن عاقبته بإذن الله، ولا يتحقّق ذلك في المطالب الأخرى، إلاّ إذا سخّرت لسعادة الآخرة.

د ـ أنّ مطلبَ الدين في مقدور الإنسان ذكراً كان أو أنثى أن يتحقّق به، ويرقى في مدارجه، بخلاف المطالب الأخرى.

ه ـ أنّ الوقوفَ مع مطلبِ الدين وقوف مع القيم الثابتة الراسخة، الباقيةِ النافعة، الموصولة بالله تعالى، فهي تمنح الإنسان السكينة والرضا والطمأنينة، بخلاف المطالب الأخرى التي هي من أعراض الدنيا الفانية، وليس وراءها إلا متاعب الدنيا وأكدارها، يقول الله تعالى:{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً}[الكهف:46] الكهف.

ويجمع ذلك كلّه قول الله تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِين}[القصص:77]

11 ـ ولك بعد ذلك أيّها العاقل أن توازن بين العالمين، ثمّ تختار، ولك

 الخيار فيما تختار، ولكنّك تكشف باختيارك عن ذاتك، وتعلن للملأ عن حقيقةِ انتمائك، فحذار أن تخدع نفسك، أو تغالط الآخرين ؛ إنّ لك أن تختار بين مطلب الجمال الحسّيّ فحسب، الذي هو من " عالم الأشياء " أو مطلب الدين الذي هو من " عالم القيم "، وعليك أن تدرك مغزى اختيارك، وآثار انتمائك لأحد العالمين والتحاقك به.

ـ وإذا كان حبّ الجمال مطلباً فطريّاً، وعطاءاً وهبيّاً، فإنّ حقيقته أن يكون جمال القيم والمعاني، لا جمال الصورة الظاهرة، أو الزينة الفاخرة، وإلى ذلك أشار الشاعر عمرو بن معد يكرب بقوله:

ليس الجمال بمئزر ***فاعلم وإن ردّيت بردا

إنّ الجمال معادن ***ومناقب أورثن مجدا

ومن ثمّ فإنّ للجمال صورة حسّيّة ظاهرة، وحقيقة معنويّة باطنة، هي بمثابة روحه وحقيقته، لها القيمة الكبرى، وعليها في حقيقة الأمر المعوّل.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة الخامسة والثلاثون بعد المائة في موضوع(الحسيب) وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

*(تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ).

12 ـ حبّ الجمال الظاهر فطرةٌ وابْتلاء: وإذا كان من فطرة الإنسان حبّ الجمال، والإعجاب به، فإنّ ذلك لا يعني أنّ هذا الأمر هو الكمال المطلوب في الإنسان، بل إنّ هذه الفطرة هي نوع من الابتلاء، بل هي من أشدّه، فلابدّ من تقويمها وتهذيبها، بأحكام الشرع وآدابه، وأهمّ ما يطلب في تقويمها أن تكون محكومةً بعالم القيم وتابعةً له، وذلك بالموازنة بين صورة الجمال وحقيقته، وبين مطلبِ الجمالِ ومطلب القيم، وترجيح ما فيه كمال الإنسان ورفعته، على ما فيه رغبته ومتعته.

وأنا لا أقلّل في هذا البحث من قيمة الجمال الظاهر، ولا أنكر فطرة الإنسان ذكراً كان أو أنثى على حبّه والافتتان به، وإيثاره على ما يضادّه.. ولكنّني أريد أن يكون مرجوحاً أمام جمال أعلى منه وأجلّ.. إنّه جمال القيم، التي يحتاج أكثر الناس إلى أن ينتبهوا إليه، ويذكّروا به.. لأنّه جمال معنويّ، لا يحسّ به إلاّ من عاشه، وذاق لذّته..

ـ أثر البحث عن الجمال الظاهر فحسب: وإنك عندما تطلب المرأة لا تطلبها إلاّ لجمالها الظاهر، فإنّ ذلك يعني أنّك لم تر فيها، ولا في أهلها سوى " عالم الأشياء "، ولم تطلب منهم سوى ذلك، وعندئذ ستراهم ينظرون إليك، ويقومونك بميزان التفاخر بهذا العالم، والتنافس في حيازته، والتباهي بإيثاره وتقديمه، وعدم التقدير لعالم القيم ومُثله، مهما كنت حريصاً عليها ومعتزّاً بها، وسيطالبونك تبعاً لذلك بما يرهقك من عالم الأشياء، وكأنّ لسان حالهم يقول لك: " إذا كنت حقّاً ممن يعتزّ بعالم القيم، وينتسب إليها، فلماذا جئت إلى عالمنا، ورغبت فيما عندنا.؟ فابذل لنا من تكاليف عالمنا ما يرضينا.. ".

وسترى نفسك تبعاً لذلك، غارقاً في عالم من التنازع في طلب الأشياء، والحرص عليها، والشحّ بها، والاختلاف معها، ومع أهلها فيها، فأنّى لك بعد ذلك أن تنجو أنت وقيمك من صخب هذا الواقع وسهامه.؟!

13 ـجمال الظاهر نسبيّ، فأيّ نوع وقدر من الجمال تريد.؟! فمن نعم الله على الإنسان أنّ الجمال في الإنسان نسبيّ، تتفاوت أذواق الناس فيه، ولا تتّفقُ على درجاته وموازينه، وقد يصل اختلافهم فيه إلى درجة التناقض والتباين بين أقصى الدرجات وأدناها، واعتبَاره مَسألة شخصيّة بحتة، ممّا يرجّح جمال الروح عليه، وتأثير فيه، كما يؤكّد على أهمّية جمال الباطن، وانعكاسه على الظاهر..

14 ـ الجمال الفطريّ والجمال الإضافيّ: والجمال في الإنسان، وفي المرأة على وجه الخصوص نوعان:

ـ جمال فطريّ ظاهر، يتبادر التفكير فيه إلى أذهان الناس كلّما ذكر.

ـ وجمال إضافيّ، لا ينتبه إليه أكثر الناس، ولا يفكّرون فيه.

فالجمال الفطريّ ما كان في خلقة المرأة وصورتها، والجمال الإضافيّ ما كان بالنظر إلى مكانتها الأسريّة والاجتماعيّة، وعلاقتها بمن حولها، وعلاقة من حولها بها، وموقعها في أسرتها، ومكانتها بين ذوي رحمها ؛ فهي ـ كما لا يخفى ـ بنت في أسرة، لها فيها موقعها ومنزلتها، وزوجة لرجل له مركزه الاجتماعيّ وقدره، وأمّ لأولاد لهم منازلهم ومراتبهم الاجتماعيّة، أو سيكون ‍لهم ذلك، وجدّة لأحفاد، لهم مكانتهم الأسريّة والاجتماعيّة، وأخت لرجال ونساء كذلك، وهي عمّة وخَالة، وابنة أخٍ وابنة أخت.. وهي في كل ذلك أيضاً لها في نفسها موقعها المتميز، وجمالها الخاصّ الذي يغطّي على جمال الظاهر، ويضفي عليه فوق جاذبيته ومعانيه منزلة رفيعةً، ومعاني واسعة.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة السادسة والثلاثون بعد المائة في موضوع(الحسيب) وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

*(تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ).

15 ـ جمالُ المرأَةِ في العَلاقَاتِ الأسَريّةِ، التي تُحِيْطُ بهَا وتبْنيهَا: فالبنت جميلة محبوبة في نظر أسرتها، على الرغم ممّا يخيّم على فكر كثير من الناس من كراهة للبنت، ورغبة في الذكر وإيثارٍ له، ولكنّ الواقع خلاف ذلك في حياة أكثر الناس، والزوجة جميلة مُؤثَرة في نظر زوجها، والأمّ جميلة محبوبة في نظر بنيها وبناتها، والأخت جميلة مكرمة في نظر إخوتها وأخواتها، وذوي قرابتها ورحمها، والجدّة موقّرة محترمة في نظر حفَدَتها.. ومن هذه القرابة القريبة سيكون للأولاد: الأجداد والجدّات، والأخوال والخالات، ووشائج الرحم المصونة في دين الله، والتي هي شجنة من الرحمن سبحانه.

ولا أدلّ على هذا الجمال الإضافيّ من أنّنا نرى الرجل ذا المكانة الاجتماعيّة المرموقة، عندما تتوفّى أمّه أو جدّته، أو بنته أو زوجته يتوافد إليه مئات من الناس أو ألوف، يشاركون في الصلاة عليها، وتشييعها، والتعزية بها.. أفليس هذا من جمال المعاني التي تضاف إلى المرأة، فترفع منزلتها، وتعلي مكانتها، وأكثر هؤلاء لا يعرفون صورتها الظاهرة، وربّما كانت مقلّة من جمال الظاهر..

ولا أدلّ أيضاً على هذا الجمال الإضافيّ من أنّك ترى الجدّة العجوز الهرمة التي لم يبق لها شيء من مسحة الجمال الظاهر تراها معظّمة مبجّلة من أولادها وأحفادها، كلّ يكرمها بما استطاع، ويخدمها بما يقدر.. فهي بينهم قائدة آمرة، سيّدة مطاعة، ملكة بغير تاج، ولا رتب على أكتافها، ولا سلطة بين يديها..

فإذا وضعت في اعتبارك هذا المفهوم الواسع للجمال الحقيقيّ، أدركت مدى الخطأ الفادح، الذي يرتكبه من يقف عند جمال الظاهر، ويغفل عن المعاني الكامنة للجمال، التي ينبغي أن يبحث عنها في محيط المرأة القريب، وعلاقتها المتشابكة بقرابتها وذوي رحمها، وما ستكون عليه في مستقبل أيّامها..

وللعامّة في هذا المقام كلمات جميلة مُؤثّرة، كثيرة معبرة، يحسن أن يتفرغ لجمعها، وبيان معناها، وإصلاح مَا اعوجّ من مفاهيمها بعضُ الباحثين، ليكون من عمله بحث اجتماعيّ تُراثيّ مفيد، ومن هذه الكلمات: " إنّ البنتَ إن لم تُسعِدها خدودُها أسعدها جُدُودُها "، ويريدون: أجدادها، فهي كلمة تُشير في معناها القريب إلى الحسب والنسب، وتُشير في معناها العميق إلى جمَال العلاقات التي تُنشِئها المرأة وتبنيها، وتحفّ بها وتعليها، وكم من رجال خطبوا المرأة لاعتبارات معنويّة لا تمتّ إلى جمال الظاهر بصلة، ولم يقيموا أيّ اعتبار لجمال الظاهر، الذي لا يقتصر عليه إلاّ قصّار النظر.؟!

وعندما تدخل في اعتبارك المعاني والقيم زيادة على ما سبق، تصبح أمام خِضّم هائل من الحقائق والمعاني التي لا يُعدّ أمامَها جمالُ الصورةِ شيئاً يُذكر، ولا يُعتبر حُسنُ المنظر أمراً ذا خطرٍ..

16 ـ وممّا يحتّم على الرجل والمرأة أن يهتمّا بعالم القيم ويؤثراه، أنّه سرّ سعادة الإنسان، ونجاحه في الحياةواستقراره: وإذا كان الجمال الظاهر عطاءً وهبياً، لايَدَ للمرأة في صنعه وكسبه، وهو أمر نسبيّ، وربما كان كثيرٌ من النساء عُطلاً منه، فإنّ باب الفضل والخير مفتوح بين يدي كلّ امرأة أن تلج أبواب الجمال الحقيقيّ، فتدخل " عالم القيم "، وتتبع أسبابه، وترقى في مدارجه، حتّى تتزيى منه بحلية ترفعها على كثير من بنات جنسها، وتعوّض ما فاتها من جمال الصورة الظاهرة المتميّزة، بما تقدّم من جهد وكسب، تكون به الجديرة بالرفعة، المستأهلة للحمد والثناء، وعَلى الرجل كذلك أنْ يبحث عن المرأة الغنيّة بعالم القيم، ذات الجمال الحقيقيّ، الذي لا تزيده الأيّامُ إلاّ توهّجاً وتألّقاً.

ـ فمن إشارات هذا الحديث ولوازم معناه، أنّ على العاقل ذكراً كان أم

أنثى أن يحرص على العمل الطيّب، الذي ينفعه ويرفعه، ويدلّل على

طيب عنصره، ونفاسة معدِنه.

ولكنّ الواقع أن غرق المرأة المعاصرة في التطلّع إلى عالم الأشياء، والافتتان بها وإيثارها، جعلها تسلك سبيلاً آخر، إلى إثبات وجودها، وتحقيق ذاتها: إنّه سبيل الوصول إلى المال بسعيها الخاصّ وجهدها، وفي أحوالٍ كثيرة على حساب القيم المطلوبة منها، والتي هي مسئولة عنها ؛ فجنحت إلى طريق التعليم والدراسة، لا حُبّاً بالعلم ورفعته، وحرصاً على تزكية النفس به، وإنّما للحصول على الشهادة، لأنّها سلّم الوصول إلى الوظيفة والمُرتّب، وهي سبب المال الذي يغري الرجال بالإقبال عليها، ويجعلهم يحرصون على الاقتران بها، ولم تدري أنّ ذلك يغري بها أصحاب الطمع والجشع، الذين لا حظّ لهم من الأخلاق والقيم، وإنّما كلّ تفكيرهم أن يجعلوها مطيّة ذلولاً لأهوائهم ونزواتهم، ممّا يجعلها تفقد قيمتها الحقيقيّة، وتبتعد أكثر فأكثر عن " عالم القيم "، وتغرق أكثر فأكثر في عالم الأشياء، واللهاث وراءها.

ولم يخرج كثير من الرجال عن هذه المعادلة المعْكوسة المنكوسة، فأصبحوا لا يفكّرون في المرأة إلاّ من خلال هذا العالم ومفاهيمه وموازينه، ولا يقوّمونها ويرغبون بها إلاّ على حسب " أشيائه " التي تجمعها، " وأعداده " التي تتمتّع بها، وتلك صورة لعمر الحق من أحطّ ما تنحدر إليه العلاقة بين الرجل والمرأة، ولا يغرّنّك بعد ذلك ما تتزيّى به تلك العلاقة من مجاملة شكليّة ظاهرة، لا تغني عن الحقّ شيئاً، ولا تسعف الأسرة المنكوبة، ولا تنفع المجتمع الغارق في مستنقع اللهاث خلف عالم الأشياء وإسفافه.. ولك أن تتصوّر أيّ جيل تأمله الأمّة يخرج من بين يديها، وهي على هذه الصورة الباهتة، والواقع المسفّ.!

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة السابعة والثلاثون بعد المائة في موضوع(الحسيب) وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

*(تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ).

17 ـ وينبغي أن نلحظ باهتمام من قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: (فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ) أنّ المقصود بِذَاتِ الدِّينِ غير ما يفهم الناس من كلمة: " متديّنة "، فالتديّن في مفهوم الناس لا يفهم منه إلاّ صورة جزئيّة من التمسّك ببعض الأعمال والأحكام، وربّما كان الإنسان مقصّراً بما هو أهمّ منها وأرجح، ممّأ يعطي صورة مشوّهة عن الدين والتديّن، وهو وللأسف ما يئنّ منه الواقع ويشتكي على كلّ صعيد.. ولكنّ ذلك لا يبرّر الانصراف عن أصل المبدأ، وهو طلب المرأة ذات الدين.. وطلب الرجل صاحب الدين والخلق.

وأمّا عندما نقول: " فلان ذو دين" فهذا يعني أنّه يأخذ الدين بصورة شموليّة جامعة، بها يستحقّ المدح والثناء.

وقد نصّت آيات بيّنات من كتاب الله تعالى على أهمّ صفات التديّن المطلوب في المرأة المسلمة، منها قوله تعالى:{... فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}[النساء:34].

وقوله تعالى:{... مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا}[التحريم:5].

وقوله سبحانه:{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}[الأحزاب:35]. فالتديّن المطلوب المحمود في الرجل هو نفسه التديّن المطلوب المحمود في المرأة..

18 ـ وإذا كان خير ما يطلب في المرأة أن تكونَ ذات دينٍ وإيمانٍ، وعملٍ صالحٍ وإحسانٍ.. وإذا كان الزواج جمعاً لقلبين على شمل واحد، وإخلاصاً من الطرفين في إبرام عقد إنسانيّ كريم، تحوطه شريعةُ الله وتباركه، وتَصونه وتَحميه، ويُتوخّى منه إقامة الحياة الإنسانيّة على أقوم صراط، وأهدى سبيل، فإنّ صلاح الدين، هو المَطلب المُشترك والمُشترط، في الطرف الآخر أيضاً وهو الرجل، لقول المصطفى صلوات الله وسلامه عليه: (إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ، إِلاّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ)، وفي رواية: " فَأَنْكِحُوهُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ "، وذلك في مقابل ما جاء في الحديث الذي نتحدّث عَنه: (فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ).

ولعلك تلاحظ أخي القارئ الكريم بالمقارنة بين الحديثين أنّ الرجل يختصّ بزيادة تُطلبُ فيه وتُقصدُ، ألا وهي: " الخلق "، لأنّ حُسنَ الخُلُقِ أصلٌ كبيرٌ في استقامة العلاقات الإنسانيّة واستقرارها، ونموّها وازدهارها، إذ هُو ميزان العقل الناضج الراجح، الرشيد الحصيف، ويترتّب عليه: تمييز الباعث في كلّ الأمور، وحسن الاختيار في المواقف، ومعرفة قدر ما يؤخذ أو يترك من عالم الأشياء على أساس من أحكام القيم ومبادئها، ومن ثمّ فإنّه يُعدّ هنا تعبيراً على وجه الخصوص عن " حُسنِ السياسةِ التي يَتمتّعُ بها الرجلُ لعالم الأشياءِ، ورزانتِه في التعامُلِ معَها، وحِكمتِه في تصريفِها ".

والأصل في الرجل أن يمتاز باتّزان العقل، وحسن النظر في الأمور، وصحّة التدبير لها، ولا ننكر أنّ بعض النساء قد يكُنّ على عقل وحسن نظرٍ للأمور يَفُقْنَ به كَثيراً من الرجال، ولكنّ العبرة بالأغلب الأكثر، والأحكام لا تناط بالقليل النادر.

والمرأة التي تفوق الرجال بحقّ بعقلها وحكمتها، لها من ذلك ما يكفل لها التقدّم في ميادين الحياة العمليّة ضمن ضوابط شرع الله وآدابه، ومن كتب لها التقدّم كذلك فلا يقدر أحد أن يفرض عليها التأخر.. ولنا في أمّهات المؤمنين وسيّدات النساء من الصحابة والتابعين حجّة لا يقف أمامها شيء من الجدل العقيم.. فأيّ مشكلة أو عقبة أمام المرأة المسلمة، كما يدّعي الغربان بنو علمان.؟! الذين يتقنون فنّ اصطناع المشكلات، والترويج لها وتسويقها..

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :         فهذه الحلقة الثامنة والثلاثون بعد المائة في موضوع(الحسيب) وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :

*(تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ).

19 ـ وواضح من كلّ ما سبق أنّ عَالم الأشياء لا يرفض لذاته: إذ عندما ذكر الحديث بعض مظاهر عَالم الأشياء: من المال والحسب والجمال، ورغبة الناس بها، فقد نصّ على ما هو شائع في الواقع، ولا يعني ذلك الرفض لهذا الواقع وإنكاره من حيث هو، وإنّما ينكر ويرفض عندما يطغى، ليزاحم عالم القِيَم، ويكون في نظر الناس بدلاً عنه، أوأرجح منه، أو يراد له أن يكون كذلك..

20 ـ المؤامرة على المرأة المسلمة: لقد أدرك شياطين الإنس في المرأة طبيعة الميل إلى عالم الأشياء، والولوع بالزينة المتاع فاخترعوا لها " الموضات " وتجديد الأزياء، ومالا يحصى من أبواب الاستهلاك، وأغروها بالولوع بالأسواق.. ممّا جعل أكثر نساء العالم لا يخرجن من دوّامة اللهاث وراء ذلك، حتّى النساء المسلمات وقعن في شَرَك هذه الفتنة، التي لا تقف عند حدّ، ممّا أفسد على المرأة دينها وخلقها، وجعلها ضحيّة، وأداة للإفساد في الوقت نفسه.. فهي كالسكرى، لا تكاد تصحو على نفسها، لترى مواقع أقدامها، وتعرف واجبها في الحياة ومسئوليّتها،وهي يراد لها أن تكون أداة رخيصة تافهة لإفساد الرجل.. وإفساد الأسرة.. وإفساد البنين والبنات.. وإفساد المجتمع كلّه..

فهل للمرأة المسلمة أن تدرك حجم المؤامرة عليها، فتتحرّر من أسر هذا الواقع، وتملك إرادتها، وتذكر وقفتها بين يدي ربّها، فتكون المرأة الصالحة المصلحة، فتقوم بحقّ رسالتها في الحياة، على أحسن الوجوه وأتمّها.؟! فيسعد بها الرجل، وتسعد بها أسرتها، ويسعد بها المجتمع كلّه.؟! إنّا لنرجو لها ذلك ونتمنّاه، والله وليّ التوفيقِ والسدادِ.[الأنترنت – موقع صيد الفوائد - القولُ الأمتَع في حديث: (تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأَرْبَعٍ) نظرات نفسيّة، وتأملات اجتماعيّة، وتوجيهات تربويّة  - د. عبد المجيد البيانوني]

*وقال الدكتور خالد السبت على حديث «تنكح المرأة لأربع ...  :

 (ولحسبها)، الحسب هو مآثر الإنسان، الأعمال التي قام بها، له كرم وشجاعة وجود، وخلال طيبة ونحو ذلك، فما يعتد به الإنسان ويحسبه عند المفاخرة أنا فعلت وأنا فعلت، وأنا توليت المنصب الفلاني، والمنصب الفلاني، وكذا، وعميد كذا سابقاً، ووكيل كذا سابقاً، ومدير كذا سابقاً، و"سابقًا" هذه التي يضعها في صفوف وأسطر هذه هي التي يسمونها الحسب، يحتسبه يعرضه أمام الناس، فالله جل جلاله قسم العقول على الناس كما قسم عليهم الأرزاق، والعاقل هو الذي ينظر إلى الحقائق.

وبعضهم يقول: الحسب يدخل فيه النسب، الأجداد، الآباء، ما له من نسب، والمقصود أيًّا كان إذا تزوج الرجل المرأة لمنصبها أو لحسبها ونسبها دون أن ينظر إلى الدين فإنها قد تترفع عليه، وتكون مُدِلّة عليه، وكثير ممن يتزوج امرأة هي فوقه في المنصب والمرتبة، والنسب والشرف، وما أشبه ذلك لا يسلم في غالب الأحيان، وإذا كانت هذه الأمور كامنة في النفوس فقد تظهر في أوقات الخصومات، كلمة واحدة تقال يمكن أن تغير ماء البحر كاملاً، تقال في حقه من أبيها، أو منها، أو من أخيها، وما حاجته لهذا؟، كلمة واحدة تكدر ماء البحر، يُلمز بها في نسبه أو في حسبه أو في بلده، ما حاجتك أن تتزوج بامرأة تكون سيدة لك؟، ولذلك الإنسان إذا تزوج يحرص أن يتزوج امرأة مشاكلة له لا تترفع عليه، لا تشعر أنها فوقه، وكثيرًا ما أسمع بأذني شكاوى النساء، إذا جاءت المشاكل فعلاً، واليوم أو أمس تقول إحدى النساء: نحن أرفع منه مرتبة وشرفاً ونسباً ومكانة اجتماعية، والآن تقول: بدأت أشعر أن ما يقوله بعض الفقهاء من شرط الكفاءة أنه له وجه، وقد يكون كلاماً صحيحاً، لاحظوا متى ظهر الكلام؟ يوم جاءت المشكلة، ما حاجة الإنسان لهذا كله؟، تزوج امرأة قريبة لك، ولذلك ما أعقل الشيخ علي الطنطاوي -رحمه الله- له كلمة بعنوان: "زوجتي" تجدونها في موقع الإسلام اليوم، كلمة جميلة جدًّا، من أجمل ما قرأت، يذكر فيها أنه تزوج امرأة لا جديد بخصوصها، أبوه قاضٍ وأبوها قاضٍ وهي بنت عمه، حياتهم الاجتماعية البيت متقارب جدًّا، أما أن يتزوج واحدة من بيئة بعيدة، وعادات أخرى تماماً، وتشعر أنها فوقه ونحو ذلك، وهو يرى أن هذه التصرفات من الكرم ومن المروءة، وأنه يُلزِّم ويعزم، ويذبح ونحو ذلك.

وهؤلاء يقولون: هذه بداوة، ويلمزونه بهذا، ويلمزون أهله، ما الحاجة لمثل هذه الأمور؟، تزوج واحدة مشاكلة لك، تتفاهم معها بسهولة، والعادات متقاربة، والمستوى متقارب، والحمد لله، أمّا كل يوم تكتشف طبيعة جديدة، وعادة جديدة عندهم، عاداتهم غير، وعاداتنا غير، وتبدأ المشاكل، حاول أن تؤسس تأسيساً صحيحاً، أقول هذا الكلام؛ لأننا على بداية الأجازة، والناس -نسأل الله جل جلاله التوفيق للجميع- يتزوجون في مثل هذه الأيام ونحو هذا، فالشاهد قضية الحسب والنسب والجمال إذا كان ذلك كله بعيداً عن الدين فإن ذلك قد يضره ولا ينفعه.

 [الأنترنت – موقع الدكتور خالد السبت - حديث «تنكح المرأة لأربع..»]0

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : 

    فهذه الحلقة التاسعة والثلاثون بعد المائة في موضوع(الحسيب) وهي بعنوان :*مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ  :

   عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :  مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ  رواه البخاري (1901) ، ومسلم (759)

    الحديث دليل على فضل ليلة القدر وقيامها وهي ليلة عظيمة ، شرفها الله تعالى وجعلها خيراً من ألف شهر ، في بركتها وبركة العمل الصالح فيها ، فهي أفضل من عبادة ألف شهر ، وهي عبارة عن ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر ، ولهذا من قامها إيمانا ًواحتساباً غفرت ذنوبه ، ونزل في هذا الفضل آيات تتلى قال تعالى :  إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم الدخان /3-4 .

فهي ليلة مباركة أي كثيرة الخير والبركة لفضلها وعظيم الأجر للعامل فيها ، ومن بركتها أن الله تعالى أنزل القرآن فيها ، وقال تعالى :  إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر القدر /1-5 .

قال ابن كثير رحمه الله : " وقوله : " تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم " أي يكثر تنزل الملائكة في هذه الليلة لكثرة بركتها ، والملائكة يتنزلون مع تنزل البركة والرحمة كما تنزلون عند تلاوة القرآن ، ويحيطون بحلق الذكر ، ويضعون أجنحتهم لطالب العلم بصدق تعظيماً له " .

وهي في رمضان قطعاً لأن الله تعالى أنزل القرآن فيها وقد أخبر شبحانه أن إنزاله في شهر رمضان قال تعالى :  إنا أنزلناه في ليلة القدر  ، وقال تعالى :  شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن .

أي ابتدئ إنزاله فيه من الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم .

وقوله ( ليلة القدر ) بسكون الدال إمام من الشرف والمقام ، كما يقال فلان عظيم القدر فتكون إضافة الليلة إليه من باب إضافة الشيء على صفته ، أي الليلة الشريفة ، وإما من التقدير والتدبير ، فتكون إضافتها إليه من باب إضافة الظرف إلى ما يحويه إي الليلة التي يكون فيها تقدير ما يجري في تلك السنة كما قال تعالى :  فيها يفرق كل أمر حكيم 

قال قتادة : يتفرق فيها أمر السنة ، قال ابن القيم وهذا هو الصحيح .

والظاهر أنه لا مانع من اعتبار المعنيين والله أعلم .

وقوله ( إيماناً ) أي بما اعد الله تعالى من الثواب للقائمين في هذه الليلة العظيمة ، ومعنى ( احتساباً ) أي للأجر وطلب الثواب .

فهذه ليلة عظيمة اختارها الله تعالى لبدء تنزيل القرآن ، وعلى المسلم أن يعرف قدرها فيحرص عليها ويحييها إيماناً وطمعاً في ثواب الله تعالى لعل الله أن يغفر له ما تقدم من ذنبه ، ولهذاحذر النبي صلى الله عليه وسلم من الغفلة عن هذه الليلة وإهمال إحيائها فيحرم السمل من خيرها ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عزوجل عليكم صيامه ، تفتح فيه أبواب السماء وتغلق فيه أبواب الجحيم ، وتغل فيه مردة الشياطين ، لله فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم  .

وعلى الإنسان أن يكثر من الدعاء في الليالي التي تُرجى فيها ليلة القدر ويدعو بما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عندما قالت يا رسول الله : أرأيت إن علمت أي ليلةٍ ليلةَ القدر ما أقول فيها ؟

قال : قولي :  اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني  .

قال ابن كثير رحمه الله : " ويستحب الإكثار من الدعاء في جميع الأوقات ، وفي شهر رمضان أكثر ، وفي العشر الأخير منه ، ثم في أوتاره أكثر ، والمستحب أن يكثر من هذا الدعاء : " اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني " .[الأنترنت – موقع الإسلام ىسؤال وجواب – المنجد ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : 

 فهذه الحلقة الأربعون بعد المائة في موضوع(الحسيب) وهي بعنوان

*محاسبة النفس أنواعها و ثمارها :

1- لماذا يوجد محاسبه النفس في الاسلام

هل خلوت بنفسك يومًا فحاسبتها عما بدر منها من الأقوال والأفعال والسلوكيات؟ وهل حاولت يومًا أن تَعُدّ سيئاتك كما تعد حسناتك؟ وكيف ستعرض على الله وأنت محمل بالأثقال والأوزار؟ وكيف تصبر على هذه الحال، وطريقك محفوف بالمكاره والأخطار؟!

يقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون * ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم...} الحشر: 18، 19.

وقال تعالى: {وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون} الزمر: 54.

ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، فإن أهون عليكم في الحساب غدًا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية). أقوال في محاسبة النفس

1 - كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى بعض عماله: "حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة، فإن من حاسب نفسه في الرخاء قبل الشدة، عاد أمره إلى الرضا والغبطة، ومن ألهته حياته، وشغلته أهواؤه عاد أمره إلى الندامة والخسارة.

2 - وقال الحسن رضي الله عنه: إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه، وكانت المحاسبة همته.

3 - وقال ميمون بن مهران: لا يكون العبد تقيًّا حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه، ولهذا قيل: النفس كالشريك الخوان، إن لم تحاسبه ذهب بمالك.

4 - وذكر الإمام أحمد عن وهب قال: مكتوب في حكمة آل داود: حق على العاقل ألا يغفل عن أربع ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يخلو فيها مع إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه ويصدقونه عن نفسه، وساعة يخلي فيها بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويجمل، فإن في هذه الساعة عونًا على تلك الساعات وإجمامًا للقلوب.

5 - وكان الحسن البصري يقول: المؤمن قوّام على نفسه، يحاسب نفسه لله، وإنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة.

6 - وقال ابن أبي ملكية: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول إنه على إيمان جبريل وميكائيل!!

7 - وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: "ومن تأمل أحوال الصحابة رضي الله عنهم وجدهم في غاية العمل مع غاية

الخوف، ونحن جمعنا بين التقصير، بل التفريط والأمن"، هكذا يقول الإمام ابن القيم رحمه الله عن نفسه وعصره، فماذا نقول نحن عن أنفسنا وعصرنا؟!

2- أنواع المحاسبه

النوع الأول: محاسبة النفس قبل العمل، وهو أن يقف العبد عند أول همه وإرادته، ولا يبادر بالعمل حتى يتبين له رجحانه على تركه. قال الحسن رحمه الله: رحم الله عبدًا وقف عند همه، فإن كان لله مضى، وإن كان لغيره تأخر.

* النوع الثاني: محاسبة النفس بعد العمل. وهو ثلاثة أنواع:

أحدها: محاسبة النفس على طاعة قصرت فيها في حق الله تعالى، فلم توقعها على الوجه الذي ينبغي.

الثاني: أن يحاسب نفسه على كل عمل كان تركه خيرًا من فعله.

الثالث: أن يحاسب نفسه على أمر مباح أو معتاد لِمَ فعله؟ وهل أراد به الله والدار الآخرة؟ فيكون رابحًا، أو أراد به الدنيا وعاجلها؟ فيخسر ذلك الربح ويفوته الظفر به

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : 

    فهذه الحلقة الواحدة والأربعون بعد المائة في موضوع(الحسيب) وهي إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان : *محاسبة النفس أنواعها و ثمارها :

3- أمور تعينك علي محاسبه نفسك بالشكل الصحيح بلا افراط او تفريط في حق نفسك :

1 - معرفته أنه كلما اجتهد في محاسبة نفسه اليوم استراح من ذلك غدًا، وكلما أهملها اليوم اشتد عليه الحساب غدًا.

2 - معرفته أن ربح محاسبة النفس ومراقبتها هو سكنى الفردوس، والنظر إلى وجه الرب سبحانه، ومجاورة الأنبياء والصالحين وأهل الفضل.

3 - النظر فيما يؤول إليه ترك محاسبة النفس من الهلاك والدمار، ودخول النار والحجاب عن الرب تعالى ومجاورة أهل الكفر والضلال والخبث.

4 - صحبة الأخيار الذين يحاسبون أنفسهم ويطلعونه على عيوب نفسه، وترك صحبة من عداهم.

5 - النظر في أخبار أهل المحاسبة والمراقبة من سلفنا الصالح.

6 - زيارة القبور والتأمل في أحوال الموتى الذين لا يستطيعون محاسبة أنفسهم أو تدارك ما فاتهم.

7 - حضور مجالس العلم والوعظ والتذكير فإنها تدعو إلى محاسبة النفس.

8 - قيام الليل وقراءة القرآن والتقرب إلى الله تعالى بأنواع الطاعات.

9 - البُعد عن أماكن اللهو والغفلة فإنها تنسي الإنسان محاسبة نفسه.

10 - ذكر الله تعالى ودعاؤه بأن يجعله من أهل المحاسبة والمراقبة، وأن يوفقه لكل خير.

11 - عدم حسن الظن الكامل بالنفس؛ لأن ذلك ينسي محاسبة النفس ويجعل الإنسان يرى عيوبه ومساوئه كمالاً

4- كيفيهه المحاسبه وطريقتها وطريقه معالجه الأخطاء

أولاً: البدء بالفرائض، فإذا رأى فيها نقصًا تداركه.

ثانيًا: ثم المناهي، فإذا عرف أنه ارتكب منها شيئًا تداركه بالتوبة والاستغفار والحسنات الماحية.

ثالثًا: محاسبة النفس على حركات الجوارح مثل: كلام اللسان، ومشي الرجلين، وبطش اليدين، ونظر العينين، وسماع الأذنين، ماذا أردت بهذا؟ ولمن فعلته؟ وعلى أي وجه فعلته.

رابعًا: محاسبة النفس على الغفلة وتدارك ذلك بالذكر والإقبال على الله.

5- ثمار محاسبه النفس

1 - الاطلاع على عيوب النفس، ومن لم يطلع على عيب نفسه لم يمكنه إزالته.

2 - التوبة والندم وتدارك ما فات في زمن الإمكان.

3 - معرفة حق الله تعالى فإن أصل محاسبة النفس هو محاسبتها على تفريطها في حق الله تعالى.

4 - انكسار العبد وذلته بين يدي ربه تبارك وتعالى.

5 - معرفة كرم الله سبحانه وتعالى وعفوه ورحمته بعباده في أنه لم يجعل عقوبتهم عاجلة مع ما هم عليه من المعاصي والمخالفات.

6 - الاجتهاد في الطاعة وترك العصيان لتسهل عليه المحاسبة فيما بعد.

7 - رد الحقوق إلى أهلها، وسل السخائم، وحسن الخلق، وهذه من أعظم ثمرات محاسبة النفس.

قطار العمر قال أبو الدرداء: إنما أنت أيام، كلما مضى منك يوم مضى بعضك. فيا أبناء العشرين! كم مات من أقرانكم وتخلفتم؟! ويا أبناء الثلاثين! أصبتم بالشباب على قرب من العهد فما تأسفتم؟ ويا أبناء الأربعين! ذهب الصبا وأنتم على اللهو قد عكفتم!! ويا أبناء الخمسين! تنصفتم المائة وما أنصفتم!! ويا أبناء الستين! أنتم على معترك المنايا قد أشرفتم، أتلهون وتلعبون، لقد أسرفتم!!! [النترنت – موقع غاية الإبداع - محاسبة النفس أنواعها و ثمارها -  ريماس الكعبة]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : 

    فهذه الحلقة الثانية والأربعون بعد المائة في موضوع(الحسيب) وهي بعنوان : *حيرني أمر محاسبة النفس ..كيف تكون المحاسبة؟

إن محاسبة النفس أمر مهم، ولا بد أن تكون جزءاً من حياتك؛ لأنك بذلك تسير إلى الأمام بشكل أفضل وأدق، ولا تنجح المحاسبة إلا بعد خطوات وأمورمهمة لابد أن تكون في الحسبان، وإليك بعض الإشارات: أولاً: قبل أن تحاسب نفسك: 1. هل وضعت لنفسك خطة واضحة وهدف استراتيجي في الحياة، ومن ثم رسمت التفاصيل والمدة الزمنية المتوقعة لكل نقطة داخل التفاصيل ؟

 2. هل هذه الأهداف والخطط واقعية يمكن تحقيقها أم أنها مثالية؟

 3. استشر أهل العلم، واستخر ربك عند وضع أهم أهدافك في الحياة. 4. قبل المحاسبة وبعد وضع الأهداف ارسم الوسائل المؤدية لها، وسجل كذلك العقبات وكيفية تجنبها، وما هي البدائل في حال وجود العقبات.

 5. اجعل الجو مهيأ للمحاسبة كاختيار المكان المناسب بعيداً عن أي انشغال.

 ثانياً: عند المحاسبة:

1. كن دقيقاً في المحاسبة، سواء الكليات أم الجزئيات.

 2. ليس مفهوم المحاسبة البكاء والندم فقط، فلا نجعل محاسبتنا عاطفية فقط، بل نخلطها بالعقلية لتتوازن الأمور، فكم نرى كثير من الناس يسبل الدمع في رمضان –وهذا طيب- ولكن ثم ماذا ؟ كل شيء على ما كان وعادة حليمة إلى عادتها القديمة، ولو اتبع البكاء بشيء من التفكر والتعقل لخرج بنتائج أفضل.

 3. الأخطر من الخطأ الاستمرار عليه، فالمهم عند المحاسبة عدم تكرار الخطأ.

 4. عند تكرر الخطأ فكر لماذا تكرر ؟ هل هناك خطأ في الأهداف أم في تحقيقها أم في الوقت المناسب لها أم أنت السبب أم التكاسل؟ ولكل مشكلة حل.

 5. الأهداف الكبرى في الحياة لا تتغير لكن وسائلها تختلف باختلاف الزمان والمكان.

 ثالثاً: بعد المحاسبة:

 1. هل سجلت العثرات ودرستها وأوجدت البديل ؟

 2. لا تعتمد على نفسك، فالتوفيق بيد الله، وكل العون من الله. إذا لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده

 3. شعورك بالمحاسبة الدائمة ولوم النفس لك سيساعدك على الثبات، والنفس بطبيعتها لوامة "ولا أقسم بالنفس اللوامة" لكن أين الصادق معها.

 وإليك إشارات عامة:

 -كن أنت المحاسب لنفسك ولا تنتظر أن يحاسبك الآخرون.

 - قد يمدحك الناس على شيء ولو تأملت فيه لوجدت نفسك مخطئاً فيه فاحذر.

 - لا تجعل معيار المحاسبة (الناس)، بل (كتاب الله والسنة).

 - اجعل لك برنامجاً ثابتاً للمحاسبة كل ليلة عن ماذا فعلت في اليوم وكل أسبوع عن حصيلة الأسبوع وما قدمت فيه، وكل شهر عن الأهداف الاستراتيجية وهكذا...

- لا تيأس، فطبيعة ابن آدم الخطأ واحسب ذلك في الذهن، لكن الأهم الفأل والجدية والاستمرار والمجاهدة والصبر، والمسألة فيها صعوبة ومن يتصبر يوفقه الله.

 - عليك بالدعاء بالتوفيق، فالله على كل شيء قدير. وفقك الله لكل خير ونفع بك الإسلام والمسلمين [الأنترنت - موقع المسلم ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : 

    فهذه الحلقة الثالثة والأربعون بعد المائة في موضوع(الحسيب) وهي بعنوان : * مما يعين على المحاسبة :

هناك بعض الأمور تعين المرء على المحاسبة لنفسه، بحيث إذا تأملها وتملّاها جيدا كانت خير معين له على أن يبادر ويسارع إلى أطر نفسه وإيقافها عند أمر الله ونهيه ، فمن ذلك ما ذكره ابن القيم – رحمه الله – حيث قال : (ويعينه على هذه المراقبة والمحاسبة أنه كلما اجتهد فيها اليوم استراح منها غدا إذا صار الحساب إلى غيره ، وكلما أهملها اليوم اشتد عليه الحساب غداً ، ويعينه أيضاً : معرفته أن ربح هذه التجارة سكنى الفردوس، والنظر إلى وجه الرب سبحانه، وخسارتها دخول النار والحجاب عن الرب تعالى .

فإذا تيقن هذا هان عليه الحساب اليوم ، فحق على المؤمن بالله واليوم الآخر أن لا يغفل عن محاسبة نفسه والتضييق عليها في حركاتها وسكناتها وخطراتها وخطواتها، فكل نفس من أنفاس العمر جوهرة نفيسة لا حظ لها يمكن أن يشتري بها كنز من الكنوز لا يتناهى نعيمه أبد الآباد . فإضاعة هذه الأنفاس، أو اشتراء صاحبها ما يجلب هلاكه : خسران عظيم لا يسمح بمثله إلا أجهل الناس وأحمقهم وأقلهم عقلاً ، وإنما يظهر له حقيقة هذا الخسران يوم التغابن " يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا " [آل عمران:30] (إغاثة اللهفان) .

ويحسن التنبيه هنا على أمر يعين على المحاسبة وهو : أن يحرص المسلم على تخصيص وقت محدد يحاسب فيه نفسه، وإن كان ذلك ليس شرطاً في هذا الباب، فإن المسلم رقيب على نفسه في كل وقت، لكن ذكر بعض العلماء أن تخصيص وقت قبل النوم من كل ليلة من أحسن الأوقات للمحاسبة .

*قال الماوردي : (عليه أن يتصفح في كل ليلة ما صدر من أفعال نهاره،

فإن الليل أخطر للخاطر وأجمع للفكر)(أدب الدنيا والدين) .

* وقال ابن القيم : (ومن أنفعها أن يجلس الرجل عندما يريد النوم ساعة يحاسب فيها على ما خسره وربحه في يومه، ثم يجدد له توبة نصوحاً بينه وبين الله، فينام على تلك التوبة، ويعزم على ألا يعاود الذنب إذا استيقظ، ويفعل هذا كل ليلة، فإن مات من ليلته مات على توبة، وإن استيقظ استيقظ مستقبلا للعمل مسروراً بتأخير أجله حتى يستقبل ربه ويستدرك ما فات) (الروح لابن القيم) .

ونختم موضوع رسالتنا هذه بالتذكير بقضية مهمة وهي : أنه لابد من أن يكون المرء صادقاً في محاسبته لنفسه، وتعتمد المحاسبة الصادقة على أسس ثلاثة ذكرها الإمام ابن القيم – رحمه الله – وهي : الاستنارة بنور الحكمة، وسوء الظن بالنفس، وتمييز النعمة من الفتنة .

فأما نور الحكمة : فهو العلم الذي يميز به العبد بين الحق والباطل، وكلما كان حظه من هذا النور أقوى كان حظه من المحاسبة أكمل وأتم .

وأما سوء الظن بالنفس : فحتى لا يمنع ذلك من البحث والتنقيب عن

 المساوئ والعيوب .

وأما تمييز النعمة من الفتنة : فلأنه كم مستدرج بالنعم وهو لا يشعر، مفتون بثناء الجهال عليه، مغرور بقضاء الله حوائجه وستره عليه (مدارج السالكين) !

ورحم الله إمام أهل السنة والجماعة الإمام أحمد حين فقه هذا الأمر العظيم، فلم يغتر أو يزهو بثناء الناس عليه ومدحهم له، بل عد ذلك فتنة له وامتحاناً. وذاك هو شأن العارفين بالله .

حكى الذهبي عن المروذي قال : قلت لأبي عبد الله [يعني الإمام أحمد] قدم رجل من طرسوس فقال : كنا في بلاد الروم في الغزو إذا هدأ الليل رفعوا أصواتهم بالدعاء لأبي عبد الله، وكنا نمد المنجنيق ونرمي عن أبي عبد الله، وقد رمي عنه بحجر والعلج على الحصن متترس بدرقته (الدرقة: الترس من جلد ليس فيه خشب (المعجم الوسيط) فذهب برأسه والدرقة !! قال : فتغير وجه أبي عبد الله وقال : (ليته لا يكون استدراجاً) (السير) .[الأنترنت – موقع الكلم الطيب –""" مما يعين على المحاسبة "]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : 

فهذه الحلقة الرابعة والأربعون بعد المائة في موضوع(الحسيب) وهي بعنوان : * نماذج من محاسبة السلف لأنفسهم  :

إن الهدف من إيراد هذا المبحث ما هو إلا التذكير فحسب، لأن في إيراد القصة أثراً لا يخفى على القارئ والسامع . فكيف إذا كانت هذه القصص من حياة صفوة الأمة وخيارها،وهم سلفها الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم ؟!

ولا شك أن البحث والاستقصاء عن كل ما ورد من نماذج رائعة وصور مشرقة لمحاسبة السلف الصالح لأنفسهم يتطلب مجهوداً جبارا ووقتا طويلاً، وحسبنا هنا أن نذكر طرفا من ذلك موعظة وذكرى .

إن أولئك القوم ارتبطت قلوبهم بالله، فكانوا أجسادا في الأرض وقلوبا في السماء، وما إن يحصل من أحدهم تقصير أو زلة إلا ويسارع في معالجة خطئه، ومعاقبة نفسه على ذلك، حتى لا تكاد تأمره إلا بخير. ولعلنا نقتصر هنا على بعض النقولات العجلى عن أولئك النفر الكرام لعلها تحرك القلوب،وتشحذ النفوس،وتسهم في تربية المسلم لنفسه تربية جادة

* عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال : سمعت عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – يوما وخرجت معه حتى دخل حائطا فسمعته يقول – وبيني وبينه جدار «عمر !! أمير المؤمنين !! بخ بخ، والله بُنَيَّ الخطاب لتتقين الله أو ليعذبنك» (الزهد للإمام أحمد) .

* وجاء رجل يشكو إلى عمر وهو مشغول فقال له : (أتتركون الخليفة حين يكون فارغا حتى إذا شغل بأمر المسلمين أتيتموه) ؟ وضربه بالدرة، فانصرف الرجل حزينا، فتذكر عمر أنه ظلمه، فدعا به وأعطاه الدرة، وقال له : «اضربني كما ضربتك» فأبى الرجل وقال : تركت حقي لله ولك ، فقال عمر : «إما أن تتركه لله فقط، وإما أن تأخذ حقك» فقال الرجل : تركته لله ، فانصرف عمر إلى منزله فصلى ركعتين ثم جلس يقول لنفسه : «يا ابن الخطاب، كنت وضيعا فرفعك الله، وضالا فهداك الله، وضعيفا فأعزك الله، وجعلك خليفة فأتي رجل يستعين بك على دفع الظلم فظلمته ؟!! ما تقول لربك غدا إذا أتيته ؟ وظل يحاسب نفسه حتى أشفق الناس عليه» (مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب) لابن الجوزي)

*وقال إبراهيم التيمي :  «مثلت نفسي في الجنة آكل من ثمارها، وأشرب

 من أنهارها، وأعانق أبكارها، ثم مثلت نفسي في النار آكل من زقومها، وأشرب من صديدها، وأعالج سلاسلها وأغلالها، قلت لنفسي : يا نفس، أي شيء تريدين ؟ فقالت : أريد أن أرد إلى الدنيا فأعمل صالحاً ! قلت : فأنت في الأمنية فاعملي» (الزهد للإمام أحمد) .

*وحكى صاحب للأحنف بن قيس قال : كنت أصحبه فكان عامة صلاته بالليل، وكان يجيء إلى المصباح فيضع إصبعه فيه حتى يحس بالنار ثم يقول لنفسه : (يا حنيف ! ما حملك على ما صنعت يوم كذا ؟ ما حملك على ما صنعت يوم كذا؟) (ذم الهوى) .

* وكان عمر بن عبد العزيز شديد المحاسبة لنفسه قليل الكلام، وكان يقول : (إنه ليمنعني من كثير من الكلام مخافة المباهاة) (سير أعلام النبلاء للذهبي) .

* ونقل عن ابن الصمة : أنه جلس يوماً ليحاسب نفسه فعد عمره فإذا هو ابن ستين سنة،فحسب أيامها فإذا هي واحد وعشرون ألفا وخمسمائة يوم، فصرخ وقال : (يا ويلتي ! ألقي الملك بواحد وعشرين ألف ذنب ! فكيف وفي كل يوم عشرة آلاف ذنب) ؟!! ثم خر فإذا هو ميت !!

فسمعوا قائلا يقول : يا لك ركضةٌ إلى الفردوس الأعلى .

يقول الغزالي معلقاً على هذه القصة : (فهكذا ينبغي أن يحاسب (العبد) نفسه على الأنفاس، وعلى معصيته بالقلب والجوارح في كل ساعة ، ولو رمى العبد بكل معصية حجراً في داره لامتلأت داره في مدة يسيرة قريبة من عمره، ولكنه يتساهل في حفظ المعاصي، والملكان يحفظان عليه ذلك "أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ" [المجادلة:6] (الإحياء) .

* وقال عبد الله بن قيس : (كنا في غزاة لنا فحضر العدو، فَصِيح في الناس فقاموا إلى المصاف في يوم شديد الريح، وإذا رجل أمامي وهو يخاطب نفسه ويقول : "أي نفسي ! ألم أشهد مشهد كذا فقلتِ لي : أهلك وعيالك ؟!! فأطعتك ورجعت ! ألم أشهد مشهد كذا فقلتِ لي : أهلك وعيالك ؟!! فأطعتك ورجعت ! والله لأعرضنك اليوم على الله أخذكِ أو ترككِ ، فقلت : لأرمقنك اليوم، فرمقته فحمل الناس على عدوهم فكان في أوائلهم، ثم إن العدو حمل على الناس فانكشفوا (أي هربوا) فكان في موضعه، حتى انكشفوا مرات وهو ثابت يقاتل، فوالله ما زال ذلك به حتى رأيته صريعاً، فعددت به وبدابته ستين أو أكثر من ستين طعنة) (الإحياء) .

[الأنترنت – موقع الكلم الطيب –"" نماذج من محاسبة السلف لأنفسهم "]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : 

فهذه الحلقة الخامسة والأربعون بعد المائة في موضوع(الحسيب) وهي بعنوان : * فضل المحاسبة وما ورد في ذلك من آثار :

لقد حث الله أهل الإيمان على محاسبة نفوسهم والتأمل فيما قدموه لأخراهم فقال : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ" [الحشر:18]، قال صاحب (الظلال) : (وهو تعبير كذلك ذو ظلال وإيحاءات أوسع من ألفاظه، ومجرد خطوره على القلب يفتح أمامه صفحة أعماله بل صفحة حياته، ويمد ببصره في سطورها كلها يتأملها، وينظر رصيد حسابه بمفرداته وتفصيلاته لينظر ماذا قدم لغده في هذه الصفحة ، وهذا التأمل كفيل بأن يوقظه إلى مواضع ضعف ومواضع نقص ومواضع تقصير مهما يكن قد أسلف من خير وبذل من جهد، فكيف إذا كان رصيده من الخير قليلاً ورصيده من البر ضئيلاً ؟! إنها لمسة لا ينام بعدها القلب أبداً، ولا يكف عن النظر والتقليب) (في ظلال القرآن لسيد قطب) .

وقال تعالى : "وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ" [القيامة:2] .

يقول الفراء : (ليس من نفس برة ولا فاجرة إلا وهي تلوم نفسها، إن كانت عملت خيراً قالت : هلا ازددت، وإن عملت شرا قالت: ليتني لم أفعل) (تفسير البغوي) .

وقال الحسن في تفسير هذه الآية : (لا يلقى المؤمن إلا يعاتب نفسه : ماذا أردت بكلمتي ؟ ماذا أردت بأكلتي ؟ ماذا أردت بشربتي ؟ والفاجر يمضي قدماً لا يعاتب نفسه) (كتاب الزهد للإمام أحمد) .

ويقول الله – عز وجل – في وصف المؤمنين الذين يحاسبون أنفسهم عند الزلة والتقصير يرجعون عما كانوا عليه : "إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ" [الأعراف:201] .

روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله » قال الترمذي : (معنى قوله : (من دان نفسه) حاسب نفسه في الدنيا قبل أن يحاسب يوم القيامة) (سنن الترمذي والحديث من رواية شداد بن أوس ، قال الترمذي : حديث حسن، وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي في تصحيح) .

وما أجمل قول الفاروق عمر – رضي الله عنه – في عبارته الشهيرة (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وتزينوا للعرض الأكبر "يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ" [الحاقة:18] (كتاب الزهد، للإمام أحمد ومدارج السالكين) .

وصدق – رحمه الله -  فإن المحاسبة للنفس في دار الدنيا أهون من محاسبة الله للعبد في يوم تشيب فيه رؤوس الولدان ، فالمحاسب هو الله، وكفى بالله حسبيا ، والوثيقة التي يدان بها العبد : كتاب : "لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا" [الكهف:49] .

يصف الحسن البصري المؤمن بقوله : (المؤمن قوام على نفسه يحاسبها لله، وإنما خف الحساب على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبه) (حلية الأولياء لأبي نعيم)

ويقول ميمون بن مهران : (إنه لا يكون العبد من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة شريكه) (الزهد لوكيع بن الجراح ، تحقيق : الفريوائي) .

روي عن الإمام أحمد أن وهب بن منبه قال : (مكتوب في حكمة آل داود : حق على العاقل ألا يغفل عن أربع ساعات : ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يخلو فيها مع إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه ويصدقونه عن نفسه، وساعة يتخلى فيها بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويجمل، فإن في هذه الساعة عونا على تلك الساعات، وإجماماً للقلوب) (إغاثة اللهفان) .

ومن هنا تتضح أهمية محاسبة النفس، وخطورة إهمالها من غير محاسبة وملاحظة : لأن إهمالها هو شأن الغافلين السادرين .

قال ابن القيم – رحمه الله – (أضرّ ما على المكلف الإهمال وترك المحاسبة  والاسترسال، وتسهيل الأمور وتمشيتها، فإن هذا يؤول به إلى الهلاك، وهذا حال أهل الغرور : يغمض عينيه عن العواقب، ويمشّي الحال، ويتكل على العفو، فيهمل محاسبة نفسه والنظر في العاقبة، وإذا فعل ذلك سهل عليه مواقعة الذنوب وأنس بها وعسر عليه فطامها)(إغاثة اللهفان)

ولنستمع إلى هذه الكلمات الجميلة لأبي حامد الغزالي وهو يصف أرباب القلوب المنيبة وذوي البصائر الحية فيقول : (فعرف أرباب البصائر من جملة العباد أن الله – تعالى – لهم بالمرصاد، وأنهم سيناقشون في الحساب ويطالبون بمثاقيل الذر من الخطرات واللحظات، وتحققوا أنه لا ينجيهم من هذه الأخطار إلا لزوم المحاسبة وصدق المراقبة ومطالبة النفس في الأنفاس والحركات، ومحاسبتها في الخطرات واللحظات ، فمن حاسب نفسه قبل أن يحاسب خف في القيامة حسابه، وحضر عند السؤال جوابه، وحسن منقلبه ومآبه، ومن لم يحاسب نفسه دامت حسراته، وطالت في عرصات القيامة وقفاته، وقادته إلى الخزي والمقت سيئاته) (الإحياء) .

إن الأمر شاق وعسير يتطلب من المسلم صبراً ومصابرة وطول مجاهدة،

 فليست النفس سهلة القياد، بل هي صعبة عسيرة إلا إن رُوِّضت

وأُلجمت بلجام التقوى ، وهذا يستلزم أخذها بالحزم والمجاهدة .

قال الحسن – رحمه الله - : (اقرعوا هذه الأنفس، فإنها طُلَعَة (قال في القاموس في مادة (طلع) نفس طلعة : تكثر التطلع إلى الشيء) وإنها تنازع إلى شر غاية، وإنكم إن تقاربوها لم تبق لكم من أعمالكم شيئاً، فتصبروا وتشددوا، فإنما هي أيام تعد، وإنما أنتم ركب وقوف يوشك أن يدعي أحدكم فيجيب ولا يلتفت فانقلبوا بصالح ما بحضرتكم) (حلية الأولياء وذم الهوى) .[الأنترنت – موقع الكلم الطيب –" فضل المحاسبة وما ورد في ذلك من آثار "]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : 

فهذه الحلقة السادسة والأربعون بعد المائة في موضوع(الحسيب) وهي إستكمالا للماضية والتي بعنوان :*الآثار الإيمانية لاسم الله الرقيب :

من تعبد الله باسمه الرقيب أورثه ذلك المقام المستولي على جميع المقامات، وهو مقام المراقبة لله في حركاته وسكناته، لأن من علم أنه رقيب على حركات قلبه, وحركات جوارحه وألفاظه السرية والجهرية، ناظر إليه، سامع لقوله، وهو مطلع على عمله كل وقت وكل لحظة، وكل نفس وكل طرفة عين، واستدام هذا العلم، فإنه لابد أن يثمر له هذا المقام الجليل، وهذا سر عظيم من أسرار المعرفة بالله. انظروا إلى ثمراته وفوائده العظيمة، وإصلاحه للشؤون الباطنة والظاهرة 

1- يجب على كل مكلف أن يعلم الله جل شأنه هو القريب على عباده، الذي يراقب حركاتهم وسكناتهم، وأقوالهم وأفعالهم بل ما يجول قلوبهم وخواطرهم، لا يخرج أحد من خلقه عن ذلك قال سبحانه وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ [البقرة: 235]. وقال رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا [غافر: 7].

قال القرطبي: ورقيب بمعنى راقب، فهو من صفات ذاته، راجعة إلى العلم والسمع والبصر، فإن الله تعالى رقيب على الأشياء بعلمه المقدس عن مباشرة النسيان.

ورقيب للمبصرات ببصره الذي لا تأخذه سنه ولا نوم.

ورقيب للمسموعات بسمعه المدرك لكل حركة وكلام.

فهو سبحانه رقيب عليها بهذه الصفات،، تحت رقبته الكليات والجزئيات،

 وجميع الخفيات في الأرضين والسماوات، ولا خفي عنده بل جميع

الموجودات كلها على نمط واحد في أنها تحت رقبته التي هي من صفته اهـ 

فمن كان لذلك ملاحظاً غير غافل عنه، راقب تصرفاته، ومعاملاته وعباداته، وسائر حياته، وفي ذلك صلاح دنياه وآخرته، بل بلوغه أعلى درجات الإيمان كما جاء في حديث جبريل عليه السلام عندما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإحسان فأجابه: ((أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)) 

قال ابن القيم: (المراقبة) دوام علم العبد، وتيقنه باطلاع الحق سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه. فاستدامته لهذا العلم واليقين: هي المراقبة، وهي ثمرة علمه بأن الله سبحانه رقيب عليه، ناظر إليه، سامع لقوله، وهو مطلع على عمله كل وقت وكل لحظة وكل نفس وكل طرفة عين.

قال: (والمراقبة) هي التعبد باسمه (الرقيب)، الحفيظ، العليم، السميع،

 البصير.فمن عقل هذه الأسماء،وتعبد بمقتضاها،حصلت له المراقبة

*الآثار الإيمانية لاسم الله الحفيظ :

إن التعبد باسم الله الحفيظ يقتضي من العبد أن يحفظ حدوده وحقوقه

وأوامره ونواهيه، وحفظ ذلك: هو الوقوف عند أوامره بالامتثال، وعند نواهيه بالاجتناب، وعند حدوده، فلا يتجاوز ما أمر به، وأذن فيه، إلى ما نهى عنه، فمن فعل ذلك، فهو من الحافظين لحدود الله الذين مدحهم الله في كتابه، قال: هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ [ق: 32-33]؛ وفسر الحفيظ هاهنا بالحافظ لأوامر الله، وبالحافظ لذنوبه ليتوب منها.

ومن أعظم ما يجب حفظه من أوامر الله: الصلاة، وقد أمر الله بالمحافظة عليها فقال: حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى [البقرة: 238] ومدح المحافظين عليها بقوله: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [المعارج: 34].

وكذلك الطهارة، فإنها مفتاح الصلاة. عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال

رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن)) 

فإن العبد تنتقض طهارته ولا يعلم بذلك إلا الله، فالمحافظة على الوضوء للصلاة، دليل على ثبوت الإيمان في القلب.

ومما يؤمر بحفظه الأيمان، قال الله: وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ [المائدة: 89]، فإن الأيمان يقع الناس فيها كثيراً، ويهمل كثير منهم ما يجب بها، فلا يحفظه، ولا يلتزمه.فمن حفظ أيمانه، دل على دخول الإيمان في قلبه.

وقد ورد التشديد العظيم في الحلف الكاذب، ولا يصدر كثرة الحلف بالله إلا من الجهل بالله، وقلة هيبته في الصدور.

ومما يلزم المؤمن حفظه: رأسه وبطنه. عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((استحيوا من الله حق الحياء قال: قلنا: يا رسول الله، إنا نستحيي والحمد لله؛ قال: ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء: أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى؛ ومن أراد الآخرة، ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك، فقد استحيا من الله حق الحياء))  [الأنترنت – موقع الدرر السنية]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : 

فهذه الحلقة السابعة والأربعون بعد المائة في موضوع(الحسيب) وهي

 إستكمالا للماضية والتي بعنوان :*الآثار الإيمانية لاسم الله الحفيظ :

وحفظ الرأس وما وعى: يدخل فيه حفظ السمع والبصر واللسان من المحرمات، وحفظ البطن وما حوى: يتضمن حفظ القلب عن الإصرار على محرم. قال الله: وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ [البقرة: 235]، وقد جمع الله ذلك كله في قوله: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء: 36]. ويدخل في حفظ البطن وما حوى: حفظه من إدخال الحرام إليه، من المأكولات والمشروبات. ومما يجب حفظه من المنهيات: حفظ اللسان والفرج.

عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من حفظ ما بين فقميه وفرجه، دخل الجنة)) 

وقد أمر الله بحفظ الفروج خاصة، ومدح الحافظين لها، فقال: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ [النور: 30]، وقال: فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب: 35]. [الأنترنت – موقع الدرر السنية]

*الآثار الإيمانية لاسم الله المقيت :

1- إن الله هو (المقيت) أي القدير على كل شيء، وسيأتي بسط الكلام على ذلك في (القدير) إن شاء الله تعالى.

2- إن الله سبحانه وتعالى هو المعطى لأقوات الخلق صغيرهم وكبيرهم، قويهم وضعيفهم، غنيهم وفقيرهم، قال تعالى وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ [هود: 6].

وقد قدر الله ذلك كله عند خلقه للأرض، قال تعالى {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ [فصلت: 10].

قال ابن كثير: وقدر فيها أقواتها، وهو ما يحتاج أهلها إليه من الأرزاق والأماكن التي تزرع وتغرس  .

وقال القرطبي: معنى قدر فيها أقواتها أي أرزاق أهلها وما يصلح لمعايشهم من التجارات والأشجار والمنافع في كل بلدة ما لم يجعله في الأخرى ليعيش بعضهم من بعض بالتجارة والأسفار من بلد على بلد 

3- قال القرطبي في الأسنى: وقد يقوت الأرواح إدامة المشاهدة ولذيذ

 المؤانسة، قال الله عز وجل إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ [يونس: 9]  وإلى هذا أحد أوجه قوله عليه الصلاة والسلام: ((إني لست كهيئتكم إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني)) 

وأنشدوا: فقوت الروح أرواح المعاني****وليس بأن طعمت وأن شربتا

فلكل مخلوق قوت، فالأبدان قوتها المأكول والمشروب، والأرواح قوتها العلوم، وقوت الملائكة التسبيح، وبالجملة فالله سبحانه هو المقيت لعباده، الحافظ لهم، والشاهد لأحوالهم، والمطلع عليهم، وقد تضمن هذا الاسم جميع الصفات. فيجب على كل مكلف أن يعلم أن لا قائم بمصالح العباد إلا الله سبحانه، وأنه الذي يقوتهم ويرزقهم.

وأفضل رزق يرزقه الله العقل، فمن رزقه العقل أكرمه، ومن حرمه ذلك فقد أهانه اهـ[الأنترنت – موقع الدرر السنية]

*الآثار الإيمانية لاسم الله الكافي :

إذا علم العبد أن الله هو الكافي عباده رزقاً ومعاشاً وقوتاً، وحفظاً وكلاءة، ونصراً وعزاً، اكتفى بمعونته عمن سواه.

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ومن استكفى كفاه الله عز وجل)) 

فمن وقع في شدة وضائقة، فليطلب من الله الكفاية؛ فإن الله يكفيه.

فإن الغلام المؤمن لما أبى أن يرجع عن دينه، دفعه الملك إلى نفر من أصحابه – أي جماعة من الناس – وقال لهم: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا، جبل معروف عندهم شاهق رفيع؛ وقال لهم: إذا بلغوا ذروته فاطرحوه يعني على الأرض، ليقع من رأس الجبل فيموت، بعد أن تعرضوا عليه أن يرجع عن دينه، فإن رجع وإلا فاطرحوه.

فلما بلغوا قمة الجبل فطلبوا منه أن يرجع عن دينه أبى، لأن الإيمان قد

 وقر في قلبه ولا يمكن أن يتحول أو يتزحزح؛ فلما هموا أن يطرحوه قال: (اللهم اكفنيهم بما شئت) دعوة مضطر مؤمن: (اللهم اكفنيهم بما شئت) أي: بالذي تشاء ولم يعين، فرجف الله بهم الجبل فسقطوا وهلكوا. وجاء الغلام إلى الملك فقال: ما الذي جاء بك؟ أين أصحابك؟ فقال: قد كفانيهم الله، ثم دفعه إلى جماعة آخرين وأمرهم أن يركبوا البحر في قرقور –أي سفينة-؛ فإذا بلغوا لجة البحر عرضوا عليه أن يرجع عن دينه، فإن لم يفعل رموه في البحر.

فلما توسطوا من البحر عرضوا عليه أن يرجع عن دينه –وهو الإيمان بالله- فقال: لا! فقال: (اللهم اكفنيهم بما شئت) فانقلبت السفينة وغرقوا وأنجاه الله  ومن كان عليه دين، فليتضرع إلى الله تعالى ليكفيه همَّ الدين.

عن علي رضي الله عنه: أن مكاتباً جاءه، فقال: إني قد عجزت عن كتابتي؛ فأعني، قال: ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لو كان عليك مثل جبل صير ديناً؛ أداه الله عنك؟! قال: ((قل: اللهم! اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك)) 

فنسأل الله تعالى، وهو خير مسؤول، أن يكفينا وإياكم هم الدنيا والآخرة، فإنه الكافي لكل مهم، وبيده الخلق والأمر، وهو على كل شيء قدير. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.  [الأنترنت – موقع الدرر السنية]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : 

فهذه الحلقة التاسعة والأربعون بعد المائة في موضوع(الحسيب) وهي بعنوان :*الآثار الإيمانية لاسم الله الحسيب :

1- إن الله سبحانه وتعالى هو الكافي لعباده، الذي لا غنى لهم عنه أبداً، بل لا يتصور لهم وجود بدونه، فهو خالقهم وبارئهم ورازقهم وكافيهم في الدنيا والآخرة، لا يشاركه في ذلك أحد أبداً، وإن ظن الناس أن غير الله يكفيهم فهو ظن باطل، وخطأ محض، بل كل شيء بخلقه وتقديره وأمره.

قال في المقصد: هو الكافي، وهو الذي من كان له كان حسبه، والله تعالى حسيب كل أحد وكافيه، وهذا وصف لا يتصور حقيقته لغيره، فإن الكفاية إنما يحتاج إليها المكفي، لوجوده ولدوام وجوده ولكمال وجوده.

وليس في الوجود شيء هو وحده كاف لشيء إلا الله تعالى، فإنه وحده كاف لكل شيء، لا لبعض الأشياء، أي هو وحده كاف يتحصل به وجود الأشياء ويدوم به وجودها ويكمل به وجودها.

ولا تظنن أنك إذا احتجت إلى طعام وشراب وأرض وسماء وشمس وغير ذلك، فقد احتجت إلى غيره ولم يكن هو حسبك، فإنه هو الذي كفاك بخلق الطعام والشراب والأرض والسماء، فهو حسبك.

ولا تظنن أن الطفل الذي يحتاج إلى أمه، ترضعه وتتعهده، فليس الله حسيبه وكافيه، بل الله كفاه إذ خلق أمه، وخلق اللبن في ثديها وخلق له الهداية إلى التقامه، وخلق الشفقة والمودة في قلب الأم حتى مكنته من الالتقام، ودعته إليه وحملته عليه.

فالكفاية إنما حصلت بهذه الأسباب، والله وحده المتفرد بخلقها لأجله، ولو قيل لك أن الأم وحدها كافية للطفل وهي حسبه لصدقت به، ولم تقل إنها لا تكفيه لأنه يحتاج إلى اللبن فمن أين تكفيه الأم إذا لم يكن لبن؟ ولكنك تقول: نعم، يحتاج إلى اللبن، ولكن اللبن أيضاً من الأم، فليس محتاجاً إلى غير الأم، فاعلم أن اللبن ليس من الأم، بل هو والأم من الله، ومن فضله وجوده.

فهو وحده حسب كل أحد، وليس في الوجود شيء وحده هو حسب شيء سواه، بل الأشياء يتعلق بعضها ببعض وكلها تتعلق بقدرة الله تعالى اهـ 

فالله وحده حسب كل أحد، لا يشاركه في ذلك أحد، وهذا هو المعنى

 الصحيح لقول تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ

 [الأنفال: 64]، وهو المعنى الذي اختاره أكثر العلماء والذي تؤيده الأدلة الكثيرة.

قال ابن القيم رحمه الله بعد ذكره للآية السابقة: أي الله وحده كافيك، وكافي أتباعك، فلا تحتاجون معه إلى أحد.

قال: وهنا تقديران، أحدهما: أن تكون الواو عاطفة لـ (من) على الكاف المجرورة، ويجوز العطف على الضمير المجرور بدون إعادة والثاني أن تكون الواو واو (مع)، وتكون (من) في محل نصب عطفاً على الموضع، (فإن حسبك) في معنى (كافيك)، أي: الله يكفيك ويكفي من اتبعك، كما تقول العرب: حسبك وزيداً درهم، قال الشاعر:

إذا كانت الهيجاء وانشقت العصا***فحسبك والضحاك سيف مهند

وهذا أصح التقديرين:

وفيها تقدير ثالث: أن تكون (من) في موضع رفع بالابتداء، أي: ومن اتبعك من المؤمنين، فحسبهم الله.

وفيها تقدير رابع، وهو خطأ من جهة المعنى، وهو أن تكون (من) في

 موضع رفع عطفاً على اسم الله، ويكون المعنى: حسبك الله وأتباعك،

 وهذا وإن قاله بعض الناس   فهو خطأ محض، لا يجوز حمل الآية عليه، فإن (الحسب) و(الكفاية) لله وحده، كالتوكل والتقوى والعبادة، قال الله تعالى: وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ [الأنفال: 62]. ففرق بين الحسب والتأييد، فجعل الحسب له وحده، وجعل التأييد له بنصره وبعباده، وأثنى الله سبحانه على أهل التوحيد والتوكل من عباده حيث أفردوه بالحسب، فقال تعالى: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران: 173].

ولم يقولوا: حسبنا الله ورسوله، فإذا كان هذا قولهم، ومدح الرب تعالى لهم بذلك، فكيف يقول لرسوله: الله وأتباعك حسبك؟ وأتباعه قد أفردوا الرب تعالى بالحسب، ولم يشركوا بينه وبين رسوله فيه، فكيف يشرك بينهم وبينه في حسب رسوله؟! هذا من أمحل المحال وأبطل الباطل.

ونظير هذا قوله تعالى وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَا آتَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا

 اللّهُ سَيُؤْتِينَا اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللّهِ رَاغِبُونَ [التوبة: 59]. فتأمل كيف جعل الإيتاء لله ولرسوله، كما قال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ [الحشر: 59]. وجعل الحسب له وحده، فلم يقل: وقالوا: حسبنا الله ورسوله، بل جعله خالص حقه، كما قال تعالى: إِنَّا إِلَى اللّهِ رَاغِبُونَ [التوبة: 59] ولم يقل: وإلى رسوله، بل جعل الرغبة إليه وحده، كما قال تعالى: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ [الانشراح: 7-8]. فالرغبة، والتوكل، والإنابة، والحسب لله وحده، كما أن العبادة والتقوى، والسجود لله وحده، والنذر والحلف لا يكون إلا لله سبحانه وتعالى.

ونظير هذا قوله تعالى: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ [الزمر: 36] فالحسب: هو الكافي، فأخبر سبحانه وتعالى أنه وحده كاف عبده، فكيف يجعل أتباعه مع الله في هذه الكفاية؟! والأدلة الدالة على بطلان هذا التأويل الفاسد أكثر من أن تذكر ها هنا اهـ

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : 

فهذه الحلقة الخمسون بعد المائة في موضوع(الحسيب) وهي إستكمالا للماضية والتي بعنوان :*الآثار الإيمانية لاسم الله الحسيب :

2-وبقدر ما يلتزم العبد بطاعة الله ورسوله، تكون الولاية والكفاية، ولذلك يتابع ابن القيم كلامه قائلاً:

والمقصود أن بحسب متابعة الرسول تكون العزة والكفاية والنصرة، كما أن بحسب متابعته تكون الهداية والفلاح والنجاة، فالله سبحانه علق سعادة الدارين بمتابعته، وجعل شقاوة الدارين في مخالفته، فلأتباعه الهدى والأمن، والفلاح والعزة، والكفاية والنصرة، والولاية والتأييد، وطيب العيش في الدنيا والآخرة، ولمخالفيه الذلة والصغار، والخوف والضلال، والخذلان والشقاء في الدنيا والآخرة. اهـ.

3- والله سبحانه وتعالى (الحاسب) الذي أحصى كل شيء، لا يفوته مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.

قال تبارك وتعالى: وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا [الجن: 28].

وقال إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا [مريم: 93-94].

وكتب ذلك في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين

 ألف سنة، كما جاء في حديث عبد الله بن عمرو وتصديق ذلك من كتاب الله قوله سبحانه وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ [يس: 12]، والإمام هو أم الكتاب ،وقوله {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ }[الحديد: 22] ،وقوله وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا [النبأ: 29].

4- وأعمالك أيها الإنسان كلها محسوبة محصية، لا يضيع منها شيء، ولا يزاد عليك شيء، فتجزى بها يوم القيامة ولا تظلم. قال تعالى: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء: 47].وقال سبحانه: أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ [المجادلة: 6].وقد أمر الله سبحانه الحفظة بذلك، أن يدونوا كل صغيرة وكبيرة.قال تعالى: مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق: 18]. وهذا الحفظ والإحصاء الدقيق، والحساب الذي لا يفوته شيء، هو الذي يبهت أهل الأجرام، الذين لا يبالون بأعمالهم صلحت أو فسدت، يعملون السيئات بلا حساب ويظنون أنهم متروكون سدى، لا حساب ولا عذاب، قال تعالى عنهم وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف: 49]. لذلك كان لزاماً علينا أن نحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب، وأن نزن أعمالنا قبل توزن  قال الأقليشي: فأرباب القلوب، المحسون بأوجاع الذنوب العالمون يقيناً بمحاسبة علام الغيوب، وإحصاء حسابه لجميع العيوب، أقاموا في الدنيا موازين القسط على أنفسهم وأحصوا عليها بالحساب المحرر كلما برز عنها وصدر ثم حاسبوها محاسبة الشريك النحرير القائم بماله شريكه الذي انفصل عن شركته بعداوة وقعت بينه وبينه، فانظر هل يسمح له بترك حبة، أو يسقيه من مائه عند ظمأه عبه، فلذلك انتثرت ذنوب هؤلاء من الصحائف كما ينتثر ورق الشجر اليابس بالريح العاصف. فإذا قدموا قضاء الموقف، برزت لهم تلك الصحائف منيرة وقد استنارت فيها المعاني والأحرف، لأنها ممحضة مخلصة بدقيق المحاسبة وشديد المطالبة فكان حسابهم عرضاً لا مناقشة اهـ 

5- وحساب الخلق لا مشقة فيه على الخالق الحاسب، بل هو يسير عليه.

قال تعالى {ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ

الْحَاسِبِينَ }[الأنعام: 62].

قال ابن جرير: ثم ردت الملائكة الذين توفوهم فقبضوا نفوسهم وأرواحهم إلى الله سيدهم الحق، (ألا له الحكم) يقول: ألا له الحكم والقضاء دون من سواه من جميع خلقه، (وهو أسرع الحاسبين) يقول: وهو أسرع من حسب عددكم وأعمالكم وآجالكم وغير ذلك من أموركم أيها الناس، وأحصاها وعرف مقاديرها ومبالغها.

لأنه لا يحسب بعقد يد، ولكنه يعلم ذلك ولا يخفى عليه منه خافية، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين اهـ  فكما أن خلقهم وبعثهم لا مشقة فيه كما قال سبحانه {مَّا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ }[لقمان: 28].

فكذلك حسابهم لا مشقة فيه ولا تأخير، إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس: 82].فسبحان الله العظيم، الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. [ الأنترنت – موقع الدرر السنية]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : 

فهذه الحلقة الواحدة والخمسون بعد المائة في موضوع(الحسيب) وهي بعنوان :* معنى حسبنا الله ونعم الوكيل

كلمة عظيمة تحوي عظيم المعاني وروعة المضمون وذات تأثير قوي فهي تعني توكيل كل الحول والقوة له سبحانه من الموكل في هذا الأمر المعني .. هذه الكلمة قيلت من قبل الأنبياء ..

حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام حين ألقي في النار .. ﴿ قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ ، يَا نَار كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيم ﴾ سورة الأنبياء: 20-21

حسبنا الله ونعم الوكيل قالها موسى كليم الله عليه الصلاة والسلام حين قال أصحاب موسى إنا لمدركون فانفلق له البحر نصفين﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ، قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ سورة الشعراء: 25

حسبنا الله ونعم الوكيل قالها خاتم الأنبياء والمرسلين رسول الله حين قال

 له الناس: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ سورة آل عمران: 173.

هؤلاء هم الأنبياء صفوة الله لم يلجئوا إلا لله في أمورهم وترديد هذه الكلمة !!. أما نحن متى نقولها ؟؟

–حسبنا الله ونعم الوكيل حين نرى ظلم الأشخاص لبعضهم – حسبنا الله ونعم الوكيل حين نرى التشرد والمجاعات – حسبنا الله ونعم الوكيل الطغاة يسعون في الأرض الفساد على البلاد الإسلامية – حسبنا الله ونعم الوكيل حين نرى الدخيل في عقر دارنا ولم نحرك ساكنا – حسبنا الله ونعم الوكيل حين تتراكم علينا الهموم والكروب – حسبنا الله ونعم الوكيل حين نرى ضياع شباب المستقبل – حسبنا الله ونعم الوكيل حين نرى عقوق الوالدين.

ما معنى حسبي الله ونعم الوكيل الْحَسْب: هو الكافي. قال القرطبي في تفسيره: قوله تعالى: ﴿ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ سورة آل عمران: 173، أي: كافينا الله. وحَسْب مأخوذ مِن الإحساب، وهو الكفاية. فالذي يقول: حسبنا الله، يقول: إن الله كافينا. ويجب أن يعتقد

 معنى هذه الكلمة، فيعتقد أن الله كَافِيه كل ما أهمّه.

وقول: نِعْم الوكيل، أي: نِعْم الْحَفِيظ . ومعنى الكلمة: إن الله كافِينا ونِعْم الْحَفيظ. وهي تُقال عند خوف أمْر، أو عند وُقوع ظُلْم، فإن الْمُسْلِم يُسْلِم أمْره إلى الله ويُفوِّض أمْرَه إليه. قال ابْن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: ﴿ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلام حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالُوا: ﴿ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾. رواه البخاري. فَمَن فَعَل ذلك كَفَاه الله.

قال القرطبي: قال علماؤنا: لَمَّا فَوَّضَوا أمُورهم إليه واعْتَمَدُوا بِقُلُوبِهم عليه أعطاهم مِن الجزاء أربعة مَعَانٍ: النعمة، والفضل، وصرف السوء، واتِّباع الرضا، فَرَضَّاهم عنه ورِضِي عنهم. وتأمّل في حال إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام لَمَّا أراد به قومه السوء، فعزموا على إحراقه، فقال تلك الكلمة لَمَّا بَقي وحيدا فريدا في ذلك الموقف. قال تعالى: ﴿ قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آَلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ ﴾ سورة الأنبياء: 68-72. وقال عزّ وَجَلّ: ﴿ قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَسْفَلِينَ ﴾ سورة الصافات:97-98.

تأمّل كيف كَفَاه الله حَـرّ النار، وصَرَف عنه شَـرّ الأشرار، وجَعَل كيد الكائدين في تَبَاب وخَسَار. [المصدر: موقع بقجة النترنت – موقع ما معنى حسبنا الله ونعم الوكيل ؟العقيدة الإسلامية :  الله العدل والحسيب]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : 

فهذه الحلقة الثانية والخمسون بعد المائة في موضوع(الحسيب) وهي بعنوان

* "حسبنا الله ونعم الوكيل".. سلاح الأنبياء :

حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ، مَا أَكْبَرَ مَعْنَاهَا! وَمَا أَعْظَمَ دَلَالَتَهَا! وَمَا أَشَدَّ أَثَرَهَا.. اسْتَشْعَرَهَا إِبْرَاهِيمُ الخَلِيلُ حِينَ حَمَلَهُ أَهْلُ الإِشْرَاكِ لِيُلْقُوهُ فِي النَّارِ، فَلَمَّا بَصَرُتْ عَيْنُهُ النَّارَ، رَدَّدَ بِلِسَانِهِ، وَقَدْ مُلِئَ قَلْبُهُ تَوْحِيدًا: حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ، فَقَالَ اللهُ: ﴿ يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ [الأنبياء: 69].

حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ، اسْتَشْعَرَهَا مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ غَزْوَةِ أُحُدٍ، فَقِيلَ لَهُ وَقَدْ تَجَمَّعَتْ عَلَيْهِ الكُلُومُ وَالهُمُومُ: ﴿ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ ﴾ فقال هو وأصحابه :حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴿ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ [آل عمران: 173 - 174].

حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ، هِيَ مَنْهَجُ حَيَاةٍ، نَلُوذُ بِهَا، وَنَعْتَصِمُ بِهُدَاهَا فِي أَحْوَالِنَا كُلِّهَا. إِذَا الْتَجَأَتِ الأَفْئِدَةُ، بِرَبِّهَا اسْتَشْعَرَتْ هَيْمَنَةَ اللهِ عَلَى الحَيَاةِ، فَلَا يَجْرِي فِي الكَوْنِ شَيْءٌ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَإِرَادَتِهِ، وَقَدَرِهِ وَمَشِيئَتِهِ، فَحُقَّ لِلْقُلُوبِ بَعْدَهَا أَنْ تَعِيشَ مَسَاحَاتٍ مِنَ التَّوَكُّلِ وَتَفْوِيضِ الأُمُورِ للهِ.

وَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ حَالَهُ، فَهُوَ أَهْلٌ لِمَحَبَّةِ اللهِ؛ ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159].

مَنْ كَانَ هَذَا مَخْبَرَهُ، فَقَمِنٌ أَنْ يَحْفَظَهُ رَبُّهُ وَيَكْفِيهِ؛ ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ

 فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3].. فمَنْ أَعْظَمُ مَنْ عَرَفَ رَبَّهُ وَالْتَجَأَ إِلَيْهِ ؟ مَنْ أَشَدُّ مَنْ فَوَّضَ أَمْرَهُ لِخَالِقِهِ وَاعْتَصَمَ بِهِ؟

وهاهم رُسُلُ اللهِ، صَفُوَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ، وَخِيرَتُهُ مِنْ عِبَادِهِ، كانوا أكثر الناس التجائا إلى الله في كل محنة وشدة وقول حسبنا الله ونعم الوكيل في كل وقت.. فعليكم أن تسْتَعْرِضُوا حَيَاتَهُمْ كَمَا قَصَّهَا القُرْآنُ، لِتَرَوْا أَنَّ التَّعَلُّقَ بِاللهِ وَحْدَهُ هُوَ رَفِيقُهُمْ، وَبَثَّ الشَّكْوَى إِلَيْهِ هُوَ حُدَاؤُهُمْ.. كَمْ تَعَرَّضُوا فِي حَيَاتِهِمْ لِمِحَنٍ وَإِحَنٍ، فَلَمْ يَلْتَفِتُوا يَمِينًا وَشِمَالًا، وَإِنَّمَا شَمَخَتْ جِبَاهُهُمْ إِلَى السَّمَاءِ، يَسْتَمْطِرُونَ الفَرَجَ وَالمَخْرَجَ وَرَفْعَ العَنَاءِ.

سُفِّهَ نُوحٌ فِي عَقْلِهِ، وَزُجِرَ وَعُنِّفَ، حَتَّى أَيِسَ مِنْ قَوْمِهِ، وَضَاقَ عَلَيْهِ كَرْبُهُ، فَالْتَجَأَ إِلَى رَبِّهِ بِالدُّعَاءِ؛ قَالَ اللهُ عَنْهُ: ﴿ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ * فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ﴾ [القمر: 9، 10]،﴿وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ * وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ﴾[الصافات: 75، 76].

صَرَخَ قَوْمُ مُوسَى: ﴿ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾ [الشعراء: 61]، فَقَالَ كَلِيمُ اللهِ - وَقَدِ امْتَلَأَ قَلْبُهُ تَعَلُّقًا وَيَقِينًا -:﴿كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الشعراء: 62]، قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ * وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ﴾ [الصافات: 114، 115].

رَكِبَ يُونُسُ بْنُ مَتَّى مَعَ الرَّاكِبِينَ، فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ المُدْحَضِينَ، فَأُلْقِيَ فِي لُجَجِ البِحَار،وَانْقَطَعَ عَنْهُ الضُّوءُ وَالنَّهَارُ،فَالْتَجَأَ إِلَى رَبِّهِ بِالتَّسْبِيحِ وَالاعْتِرَاف ﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنبياء: 87، 88].

مَرِضَ أَيُّوبُ، وَطَالَ عَلَيْهِ الدَّاءُ؛ فَفَزِعَ إِلَى رَبِّ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ؛ ﴿ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 83]، فقال الله: ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ ﴾ [الأنبياء: 84].

تَأَلَّمَ يَعْقُوبُ لِفَقْدِ يُوسُفَ، وَلَازَمَتْهُ أَحْزَانُهُ، حَتَّى ابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ، مِنْ كَثْرَةِ تَضَرُّعِهِ لِرَبِّهِ وَشَكْوَاهُ، فَبَرَّدَ اللهُ عَلَيْهِ حَرَّ فِرَاقِ الوَلَدِ، وَأَذْهَبَ عَنْهُ أَلَمَ الكَآبَةِ وَالكَمَدِ.

تَعَرَّضَتْ لِيُوسُفَ فِتْنَةُ الشَّهَواتِ، وَتَهَيَّأَتْ لَهُ كُلُّ صُوَرِ المُغْرِيَاتِ، فَمَا عَصَمَهُ مِنْ هَذَا البَلَاءِ إِلَّا التَّعَلُّقُ بِاللهِ وَالدُّعَاءُ؛ ﴿ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [يوسف: 33].

والالْتِجَاءُ إِلَى اللهِ وَالتَّعَلُّقُ بِهِ، لَيْسَ خَاصًّا فِي حَالِ الضَّرَّاءِ، بَلْ يُسْتَصْحَبُ حَتَّى فِي حَالِ طَلَبِ الخَيْرَاتِ، وَاسْتِجْلَابِ المَنَافِعِ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ ﴾ [التوبة: 59].

وَهَذَانِ الحَالَانِ - أَعْنِي: اسْتِشْعَارَ جُمْلَةِ: (حَسْبُنَا اللهُ) حَالَ طَلَبِ خَيْرٍ أَوْ دَفْعِ شَرٍّ - ذَكَرَهُمَا المَوْلَى تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: ﴿ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ [الزمر: 38].

[الأنترنت – موقع  عمرو خالد - افهم دينك صح -"حسبنا الله ونعم الوكيل".. سلاح الأنبياء]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : 

فهذه الحلقة الثالثة والخمسون بعد المائة في موضوع(الحسيب) وهي بعنوان :*كيف أنوي العمل لله وكيف أحتسب الأجر فيه ؟

السؤال : كيف أنوي عمل العمل لله ، فأنا قبل أي عمل أقعد مع نفسي لحظات وأتخذ النيات المتعددة لله ، فمثلا عند قراءة القرآن أنوي نية الطاعة ، والعلم ، والعمل به ، والأجر ، والشفاء ، والشفاعة ، والتدبر ، وغيرها ، فأقوم بتأمل تلك الأشياء من باب النية ، فهل هكذا اتخاذ النية . وبالنسبة للاحتساب ، فهل أنا ملزم عند كل عمل أن أحتسب الأجر عند الله عز وجل ، وعند كل فريضة ونافلة وأي عمل ، وإذا نسيت ماذا علي فهل ذهب عملي سدى ، وكيف أحتسب الأجر عند الله ، وماذا علي لو لم أعرف أجر العمل الذي أقوم به ، فكيف أحتسبه ؟ وشكرا لكم كثيرا إخوتي في الله ، والله إني أحبكم كثيرا في الله .

نص الجواب الحمد لله أولا :

الحديث في " النيات " من أدق الأحاديث وأصعبها ؛ لارتباطها بخفايا النفوس وتعلقها بأفكار القلوب التي لا تنكشف إلا بالتفكر في مراحلها ودرجاتها ، ولأن علم السلوك قائم عليها ، يدور في فلكها ، وهو من أدق العلوم وأرقاها ، ولا تتم سعادة العبد ولا نجاته يوم القيامة إلا بالتوفيق إلى النية الصالحة .

لذلك نجد في صفحات تراث سلفنا الصالحين ، وعلمائنا الأبرار المتقين الكثير من تجارب الخوض في هذه الأبواب ، والكثير من العلوم التي بنيت لفهم حقيقة النية وطريقة الإخلاص ومعالجة الإرادة .

وكان مما قالوه أن كل عمل لا بد - كي يقوم ويتم - أن تتحقق فيه أركان ثلاثة :1- الداعية الباعثة على العمل ( العلم )

2- والإرادة التي هي الانبعاث نحو العمل ( القصد والنية )

3- والقدرة (العمل).

ولنمثل لذلك بمثال يتضح به المقال : إذا هجم على الإنسان سبع أو وحش مثلا ، فإن معرفته بضرر السبع وأذيته له هي الداعية الباعثة على الهرب للتخلص من ذلك الضرر ، فتحقق الركن الأول ( الباعث )، ولذلك ستنبعث في قلبه إرادة الهرب وقصده ، فيتحقق الركن الثاني ( النية )، ثم تنتهض القدرة لتفعل فعل الهرب بسبب الإرادة ، فيتم الفعل بذلك

فالفعل هنا هو الهرب ، والنية هي الفرار من السبع لا غير ، والباعث

الذي هو المقصد المنوي الذي دعا إلى الفعل هو التخلص من ضرر

السبع وأذاه .ينظر: " إحياء علوم الدين " ، للغزالي (4/365) .

ثانيا : من أراد أن ينوي النية الصالحة في عمله ، فلا بد أن يلتفت إلى الباعث الداعي الذي يزجره نحو ذلك العمل ، فيحرص على أن يكون باعثه أمرا صالحا مشروعا ، مما يحبه الله ويرضاه ويثيب عليه ، فتنطلق النية والإرادة نحو ذلك العمل بسبب هذا الباعث الصالح ، وبهذا تكون النية لله تعالى ، ثم عليه بعد ذلك أن يحافظ على هذا الداعي الأصلي الخالص لله تعالى ، فلا يتفلت منه أثناء عمله ،ولا يتقلب ، ولا ينصرف إلى غير الله ، ولا يداخله شرك آخر .ولهذا قال سفيان الثوري رحمه الله :سفيان الثوريّ: "ما عالجت شيئاً عليّ أشد من نيّتي، إنها تتقلب عليّ " !!

فمن أراد أن يقوم بعمل " قراءة القرآن الكريم " مثلا ، ويكون عمله خالصا متقبلا عند الله تعالى ، فلا بد أن ينشأ الباعث في نفسه نشأة صحيحة شرعية ، كقصد عبادة الله تعالى ، أو يعلم فضيلة ثواب قراءة القرآن الكريم فتتشوف النفس لتحصيله ، أو يعرف منفعة التدبر والتأمل في آيات الله تعالى ، أو أن القرآن الكريم يأتي شفيعا لصاحبه يوم القيامة ، أو يستحضر أن القرآن كلام الله ، وهو من أحب ما يتقرب به إليه ،

 ونحو ذلك من البواعث الشرعية التي تلقي في النفس الرغبة نحو هذا الفعل

فإذا رغبت النفس به ، وانطلقت الإرادة نحو تحقيقه لأجل تلك الأغراض : تحققت النية ، ثم إذا توفرت القدرة لتحقيق التلاوة : اكتمل العمل المشروع الخالص لوجه الله عز وجل .

ثم يبقى عليه بعد ذلك أن يحافظ على ما حصله من النية الخالصة ، والعمل الصالح ، فعدوه إبليس يتلصص عليه ، حريص على أن يخطف منه ما استطاع !!

ثالثا : البواعث التي بتعث المرء على العمل الصالح قد تتعدد ، ولها درجات ومراتب ، وإذا كانت كلها صالحة تضاعف أجر العمل أضعافا كثيرة ، وكلما تعلقت بالدرجات العلى من اليقين والإيمان كان العمل أعظم عند الله عز وجل .

يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله :

" أما الأصل فهو أن ينوى بها عبادة الله تعالى لا غير ، فإن نوى الرياء صارت معصية ، وأما تضاعف الفضل فبكثرة النيات الحسنة ، فإن الطاعة الواحدة يمكن أن ينوي بها خيرات كثيرة ، فيكون له بكل نية ثواب ، إذ كل واحدة منها حسنة ، ثم تضاعف كل حسنة عشر أمثالها كما ورد به الخبر .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : 

فهذه الحلقة الرابعة والخمسون بعد المائة في موضوع(الحسيب) وهي إستكمالا للماضية والتي بعنوان : *كيف أنوي العمل لله وكيف أحتسب الأجر فيه ؟

ومثاله : القعود فى المسجد ، فإنه طاعة ، ويمكن أن ينوى فيه نيات كثيرة حتى يصير من فضائل أعمال المتقين ، ويبلغ به درجات المقربين :

أولها : أن يعتقد أنه بيت الله ، وأن داخله زائر الله ، فيقصد به زيارة مولاه رجاء لما وعده به رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وثانيها : أن ينتظر الصلاة بعد الصلاة ، فيكون في جملة انتظاره في الصلاة

وثالثها : كف السمع والبصر والأعضاء عن الحركات والترددات ، فإن

الاعتكاف كف وهو في معنى الصوم .

ورابعها : عكوف الهم على الله ، ولزوم السر للفكر في الآخرة ، ودفع الشواغل الصارفة عنه بالاعتزال إلى المسجد .

وخامسها : التجرد لذكر الله ، أو لاستماع ذكره وللتذكر به .

وسادسها : أن يقصد إفادة العلم بأمر بمعروف ونهي عن منكر ، إذ المسجد لا يخلو عمن يسيء في صلاته ، أو يتعاطى ما لا يحل له ، فيأمره بالمعروف ويرشده إلى الدين ، فيكون شريكا معه في خيره الذي يعلم منه ، فتتضاعف خيراته .

وسابعها : أن يستفيد أخا في الله ، فإن ذلك غنيمة وذخيرة للدار الآخرة ، والمسجد معشش أهل الدين المحبين لله وفي الله .

وثامنها : أن يترك الذنوب حياء من الله تعالى ، وحياء من أن يتعاطى في بيت الله ما يقتضي هتك الحرمة .

فهذا طريق تكثير النيات ، وقس به سائر الطاعات والمباحات ، إذ ما من طاعة إلا وتحتمل نيات كثيرة ، وإنما تحضر في قلب العبد المؤمن بقدر جده في طلب الخير وتشمره له ، وتفكر فيه ، فبهذا تزكوا الأعمال وتتضاعف الحسنات " [انتهى باختصار من " إحياء علوم الدين " (4/370-371)]

رابعاً: وأما الاحتساب فهو مرادف الإخلاص لوجه الله تعالى ، لا فرق بينهما ، فمن نوى بعمله نية صالحة فقد احتسبه عند الله تعالى ، ولا يحتاج إلى مزيد استحضار قلبي لفكرة أخرى .

يقول الإمام النووي رحمه الله : " معنى : ( احتسابا ) : أن يريد الله تعالى وحده ، لا يقصد رؤية الناس ، ولا غير ذلك مما يخالف الإخلاص " انتهى من " شرح مسلم " (6/39)

ويقول ابن بطال رحمه الله :" وقوله : ( احتسابًا ) يعنى : يفعل ذلك ابتغاء وجه الله تعالى " انتهى من " شرح صحيح البخاري " (4/146)

ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :" الأجر الموعود به إنما يحصل لمن صنع ذلك احتسابا : أي : خالصا " انتهى من " فتح الباري " (1/110)

وينصح بمراجعة كتاب "مقاصد المكلفين" لفضيلة الدكتور عمر سليمان

الأشقر، حفظه الله ، فهو كتاب نافع مفيد في بابه .

 [ المصدر: الإسلام سؤال وجواب  - الأنترنت – موقع إسلام ويب – المنجد - كيف أنوي العمل لله وكيف أحتسب الأجر فيه ؟ ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : 

فهذه الحلقة الخامسة والخمسون بعد المائة في موضوع(الحسيب) وهي بعنوان : *{الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ}[الرحمن:5] :

  السورة هي سورة الآلاء والنعم؛ ولذلك بدأت بتعليم القرآن حتى قبل خلق الإنسان؛ إشارة إلى أن الإنسان خلق لعبادة الله، وأنه من دون أن يكون للحياة معنى ومقصد فالموت خير منها.

وامتن الله تعالى بتعليم البيان، وهو نعمة أخرى، وانتقل بعد ذلك إلى الحديث عن نعم في الكون فقال: ((الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ)) فبدأ بهذه الأجرام الضخمة التي يراها الناس ويحسون أثرها.

وقوله سبحانه: ((بِحُسْبَانٍ)) يعني: بحساب، فإن للشمس في طلوعها وغروبها وأحوالها وللقمر حساب، يعرفه المختصون، ويعرفه الذين يراقبونه، ويعرفه الناس الذين يحتاجون إلى ذلك، فهو بحساب لا يزيد ولا ينقص، ولا يتقدم ولا يتأخر.  [ الأنترنت – موقع موسوعة د سلمان العودة – اشراقات]

*أول من يحاسب من الناس :

يحاسب الله سبحانه وتعالى البشر في أسرع وقت كما ذكر, سبحانه لا يشغله شأن عن شأن, وقد اختلفت أقوال العلماء في ذكر أول من يحاسب في يوم القيامة من الجماعات أو الأفراد, هل هم الملائكة؟ أم هو اللوح المحفوظ؟ أم هم الأنبياء والرسل؟ أم أرباب الأموال و السعة؟ أم أنهم أول من تبارزوا في يوم بدر؛ علي بن أبي طالب, وحمزة, وعبيدة, و أقرانهم من المشركين؟ أم أن أول المحاسبين جاران من أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ أم الزوج وزوجته؟.

كل ذلك قد قيل, ونوضح فيما يلي أدلة تلك الأقوال والجمع بينها:

- أما ما جاء من أنهم الملائكة: فهو ما روى ابن أنعم عن حبان بن أبي جيلة فيما يعزوه البرديسي قال: (أول من يدعى يوم القيامة إسرافيل, فيقول الله عز وجل ثناؤه: هل بلغت عهدي؟ فيقول: نعم يا رب, فيخلى عن إسرافيل, و يقول لجبريل: ما صنعت بعهدي؟ فيقول: بلغت الرسل, فتدعى الرسل فيقول: هل بلغكم جبريل عهدي؟ فيقولون: نعم فيخلى جبريل. ويقال للرسل: هل بلغتم عهدي؟ فيقولون: نعم قد بلغناه الأمم, فتدعى الأمم فيقال: هل بلغكم الرسل عهدي؟ فمكذب, ومصدق, فتقول الرسل: لنا عليكم شهداء, فيقول الله تبارك وتعالى وهو أعلم: من؟ فيقولون: أمة محمد صلى الله عليه وسلم, فيقال لهم: أتشهدون أن الرسل قد بلغت الأمم؟ فتقول الأمم: يا رب, كيف يشهد علينا من لم يدركنا؟ فيقول الله عز وجل: تشهدوا عليهم ولم تدركوهم؟ فيقولون: يا ربنا أرسلت إلينا رسولاً, وأنزلت علينا كتاباً, فقصصت علينا فيه أن قد بلغوا قولك)

- وأما ما جاء من أول المحاسبين اللوح المحفوظ: فهو ماجاء عن سنان أنه قال: (اللوح المحفوظ معلق بالعرش, فإذا أراد الله أن يوحي بشئ كتب في اللوح المحفوظ, فيجيء اللوح حتى يقرع جبهة إسرافيل, فينظر فيه, فإن كان لأهل السماء دفعه إلى ميكائيل, و إن كان لأهل الأرض دفعه إلى جبريل.

فأول ما يحاسب يوم القيامة اللوح المحفوظ, يدعى به ترعد فرائصه, فيقال: هل بلغت؟ فيقول: نعم, فيقال: من يشهد لك؟ فيقول: إسرافيل، فيجاء بإسرافيل ترعد فرائصه, فيقال: هل بلغك اللوح؟ فإذا قال: نعم؛

 قال اللوح: الحمد لله الذى نجاني من سوء الحساب, ثم كذلك).

وفى حديث وهب بن الورد أن ((إسرافيل عليه السلام يقول: بلغت جبريل, فيدعى جبريل عليه السلام ترعد فرائصه, فيقال: ما صنعت فيما بلغك إسرافيل؟ فيقول: بلغت الرسل، فيؤتى بالرسل فيقال: ما صنعتم فيما أدى إليكم جبريل؟ فيقولون: بلغنا الناس, فهو قوله تعالى: فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إليهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِين [ الأعراف: 6 ]))

وأما ما جاء من أن أول المحاسبين الأنبياء والرسل فقد قال البرديسي: (فيبدأ بالأنبياء عليهم الصلاة السلام, فيقول: ماذا أجبتم؟ قيل في تفسيرها: كانوا قد علموا ولكن ذهبت عقولهم, وغربت أفهامهم ونسوا من شدة الهول, وعظيم الخطب, و صعوبة الأمر، فقالوا: لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب, ثم يقويهم الله عز وجل فيدعى بنوح عليه الصلاة والسلام) ثم استدل بما أخرج البخاري من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يدعى بنوح عليه السلام يوم القيامة, فيقول: لبيك و سعديك يا رب, فيقول: هل بلغت؟ فيقول: نعم فيقال لأمته: هل بلغكم؟ فيقولون: ما جاءنا من نذير, فيقول: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته, فيشهدون أنه قد بلغ, ويكون الرسول عليهم شهيداً, وذلك في قوله: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [ البقرة: 143 ]. والوسط: العدل, أى عدولاً خياراً, وخير الأمور الوسط))

- و أما ما جاء من أنهم العلماء, أو المغازون, أو أرباب المال و السعة: فهو ما ذكره السفاريني إلا أنه لم يسنده إلى أحد

- أما ما جاء من أنهم الذين تبارزوا فى يوم بدر: فهو ما أخرج البخاري بسنده إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: ((أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة))

وروى كذلك عن قيس بن عباد وعن أبي ذر عن علي بن أبي طالب أن الآية من قوله تعالى: هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ [ الحج: 19 ]. أنها نزلت في شأن الذين تبارزوا يوم بدر, وهم حمزة, وعلي, وعبيدة – أبو عبيدة – ابن الحارث, وشيبة بن ربيعة, وعتبة, والوليد بن عتبة

- وأما ما جاء من أنهم جاران: فهو ما روى الإمام أحمد عن عقبة بن

 عامر قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: ((أول خصمين يوم القيامة جاران))

ويجمع بين تلك الأقوال: أن ما صح من تلك الأقوال والروايات فإنه يحمل على أولية مقيدة فى بابها, على أن هذه الروايات التي تقدمت تحتاج إلى نصوص تؤيدها ...

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : 

فهذه الحلقة السادسة والخمسون بعد المائة في موضوع(الحسيب) وهي بعنوان : *أول من يحاسب من الناس :

و أما بالنسبة للأمم, فقد جاء في السنة أن أول الأمم يقضي الله بينهم هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم, وهذه مزية ومفخرة لهم؛ ليكونوا شهداء على الناس.

ومما ورد في هذا ما أخرجه ابن ماجه عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((نحن آخر الأمم, وأول من يحاسب, يقال: أين الأمة الأمية ونبيها؟ فنحن الآخرون الأولون))

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: ((يجئ النبي ومعه الرجلان. ويجئ النبي ومعه الثلاثة, و أكثر من ذلك و أقل, فيقال له: هل بلغت قومك؟ فيقول: نعم, فيدعى قومه فيقال: هل بلغكم؟ فيقولون: لا, فيقال: من شهد لك؟ فيقول: محمد وأمته, فتدعى أمة محمد, فيقال: هل بلغ هذا؟ فيقولون: نعم, فيقول: وما علمكم بذلك؟ فيقولون أخبرنا نبينا بذلك؛ أن الرسل قد بلغوا فصدقناه قال فذلكم قوله تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [ البقرة: 143 ])

وورد عن رفاعة الجهني قال: ((صدرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: والذي نفس محمد بيده ما من عبد يؤمن ثم يسدد إلا سلك به في الجنة, وأرجو ألا يدخلوها حتى تبوؤا أنتم ومن صلح من ذراريكم مساكن في الجنة, ولقد وعدني ربي عز وجل أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفاً بغير حساب)) وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنكم وفيتم سبعين أمة, أنتم خيرها وأكرمها على الله)).

فثبت بهذه النصوص أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم هم أول الأمم تحاسب, وأول الأمم

تدخل الجنة, وفي هذا يقول الحافظ ابن كثير: (ويكون أو الأمم يقضى بينهم هذه الأمة, لشرف نبيها صلى الله عليه وسلم، كما أنهم أول من يدخل على الصراط, وأول من يدخل الجنة). [الأنترنت – موقع الدرر السنية - المشرف العام/ الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف]

*حساب الخلائق يوم القيامة في يوم واحد :

السؤال: هو أن يوم القيامة الذي يتم فيه الحاسب هل هو يوم واحد أخير لا غير يتم فيه حساب كافة الخلائق أم ماذا، أو لا يجوز  لنا التفكير في ذلك نرجو بهذا إفادة مأجورين؟

الجواب : أن يوم الحساب يوم واحد، ولكنه يوم مقداره خمسون ألف سنة، كما قال الله تعالى:﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ  لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ  مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ  تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ أي أن هذا العذاب يقع للكافرين في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة. وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من صاحب ذهب و لافضة لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، وأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى به جبينه وجنبه و ظهره، كلما بردت أعيدت، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد». وهذا يوم طويل، وهو يوم عسير على الكافرين، كما قال تعالى: ﴿وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً﴾. وقال تعالى: ﴿عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ﴾. ومفهوم هاتين الآيتين أنه على المؤمن يسير وهو كذلك، فهذا اليوم الطويل بما فيه من الأهوال والأشياء العظيمة ييسره الله تعالى على المؤمن، ويكون عسيراً على الكافر، أسأل الله أن يجعلني وإخواني المسلمين ممن ييسره الله عليهم يوم القيامة. والتفكير والتعمق في مثل هذه الأمور الغيبية هو من التنطع الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه: «هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون». ووظيفة الإنسان في هذه الأمور الغيبية التسليم، وأخذ الأمور على ظاهر معناها، دون أن يتعمق أو يحاول المقايسة بينها وبين الأمور في الدنيا، فإن أمور الآخرة ليست كأمور الدنيا، وإن كانت تشبهها في أصل المعنى وتشاركها في ذلك، لكن بينهما فرق عظيم. وأضرب لك مثلاً بما ذكره الله سبحانه وتعالى في الجنة من النخل والرمان والفاكهة ولحم الطير و العسل والماء واللبن والخمر وما أشبه ذلك، مع قوله عز وجل: ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾. وقوله في الحديث القدسي: «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر». فهذه الأسماء التي لها مسميات في هذه الدنيا لا تعنى أن المسمى كالمسمى، وإن اشترك في الاسم وفي أصل المعنى، فكل الأمور الغيبية التي تشارك ما يشاهد في الدنيا في أصل المعنى لا تكون مماثلة له في الحقيقة، فينبغي للإنسان أن ينتبه لهذه القاعدة، وأن يأخذ أمور الغيب بالتسليم على ما يقتضيه ظاهرها من المعنى، وأن لا يحاول شيئاً وراء ذلك. ولهذا لما سئل الإمام مالك رحمه الله عن قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾، كيف استوى؟ أطرق رحمه الله برأسه حتى علاه الرحض- أي: العرق- وصار يتصبب عرقاً، وذلك لعظم السؤال في نفسه، ثم رفع رأسه وقال قولته الشهيرة التي كانت ميزاناً لجميع ما وصف الله به نفسه، قال رحمه الله: (الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة). فالسؤال المتعمق في مثل هذه الأمور بدعة؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم- وهم أشد منا حرصاً على العلم وعلى الخير- لم يسألوا النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذه الأسئلة، وكفى بهم قدوة. وما قلته الآن بالنسبة لليوم الآخر يجري بالنسبة لصفات الله عز وجل التي وصف الله بها نفسه، من العلم والقدرة والسمع والبصر والكلام وغير ذلك، فإن مسميات هذه الألفاظ بالنسبة لله عز وجل لا يماثلها شيء مما يشاركها في هذا الاسم بالنسبة للإنسان، فكل صفة فإنها تابعة لموصوفها، كما أن الله سبحانه وتعالى لا مثيل له في ذاته فلا مثيل له في صفاته. وخلاصة الجواب الآن: أن اليوم الآخر يوم واحد، وأنه عسير على الكافرين، ويسير على المؤمنين، وأن ما ورد فيه أنواع الثواب والعقاب أمر لا يدرك كنهه في هذه الحياة الدنيا، وإن كان أصل المعنى فيه معلوماً لنا في هذه الحياة الدنيا. نعم.[الأنترنت – موقع الشيخ ابن عثيمين - حساب الخلائق يوم القيامة في يوم واحد]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : 

فهذه الحلقة السابعة والخمسون بعد المائة في موضوع(الحسيب) وهي بعنوان : *نهاية عام واستقبال آخر (وقفة محاسبة) :

    قالتْ عائشةُ - رضي الله عنها -: سألتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن هذه الآية: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾ [المؤمنون: 57 -61]، فقلت: أهُمُ الذين يَشْربون الخمر ويَزْنون ويَسْرِقون؟ فقال: ((لا يا ابنةَ الصِّدِّيق، ولكنَّهم الذين يصومون ويصلُّون، ويتصدَّقون، ويخافون ألاَّ يُتقبَّل منهم، أولئك يُسارعون في الخيرات))[ الترمذي وابن ماجه وأحمد.]

لقدْ كان سلفُنا الصالِح يتقرَّبون إلى الله بالطاعات، ويُسارعون إليه بأنواعِ القُرُبات، ويُحاسِبون أنفسَهم على الزلاَّت،ثم يخافون ألا يَتقبَّل اللهُ أعمالهم

فهذا الصِّدِّيق رضي الله عنه: كان يَبْكي كثيرًا،ويقول: ابكوا، فإنْ لم تَبْكوا فتباكوا"،وقال: "واللهِ،لوددتُ أنِّي كنت هذه الشجرةَ تُؤكَل وتُعْضد".

وهذا عمرُ بن الخطَّاب - رضي الله عنه -: قرأ سورةَ الطور حتى بلَغ قوله - تعالى -: ﴿ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ ﴾[الطور: 7]، فبكى واشتدَّ في بُكائِه حتى مرِض وعادوه، وكان يمرُّ بالآية في وِرْده بالليلِ فتُخيفه، فيبقَى

في البيت أيامًا يُعاد، يَحْسَبونه مريضًا، وكان في وجهه خَطَّانِ أسودان مِن البُكاء!

وقال له ابنُ عبَّاس - رضي الله عنهما -: نصَر الله بك الأمصارَ، وفتَح بك الفتوح وفَعَل، فقال عمرُ: وددتُ أنِّي أنجو، لا أَجْرَ ولا وِزْر.

وهذا عثمانُ بنُ عفَّان، ذو النورين - رضي الله عنه -: كان إذا وقَف على القَبْر بَكَى حتى تُبلَّل لحيته، وقال: لو أنَّني بين الجَنَّة والنار لا أدْري إلى أيَّتِهما يُؤمَر بي، لاخترتُ أن أكونَ رَمادًا قبل أنْ أعلمَ إلى أيتِهما أصير.

وهذا عليُّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -: كان كثيرَ البكاء والخوف، والمحاسبةِ لنفْسه، وكان يشتدُّ خوفُه مِن اثنتين: طول الأمَل واتِّباع الهوى، قال: فأمَّا طولُ الأمَل فيُنسي الآخِرَة، وأمَّا اتباع الهوى فيصدُّ عنِ الحق.

وعن النَّوَّاس بن سمْعانَ  - رضي الله عنه - عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((ضَرَب الله مَثَلاً صراطًا مستقيمًا، وعلى جَنبتي الصراط سُوران، فيها أبوابٌ مُفتَّحة، وعلى الأبوابِ سُتورٌ مُرْخاة، وعلى الصِّراطِ داعٍ يدعو يقول: يا أيُّها الناس، اسْلُكوا الصراطَ جميعًا ولا تَعوجُّوا، وداعٍ يدْعو على الصِّراط، فإذا أراد أحدُكم فتْحَ شيء مِن تلك الأبواب، قال: ويلَك! لا تفتحْه، فإنَّك إن تفتحْه تَلِجْه، فالصِّراط: الإسلام، والستور: حدودُ الله، والأبواب المفتَّحة: محارمُ الله، والداعي مِن فوق: واعِظُ الله يُذكِّر في قلْب كلِّ مسلم))[ أحمد والحاكم وصحَّحه الألباني.]

فهلاَّ استجَبْنا لواعظِ الله في قلوبنا؟ وهلاَّ حفِظْنا حدودَ الله ومحارمه؟ وهلا انتصرْنا على عدوِّ الله وعدوِّنا؛ قال - تعالى -: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ فاطر: 6].

1- كتَب عمرُ بن الخطَّاب - رضي الله عنه - إلى بعض عُمَّاله: "حاسِبْ نفسك في الرَّخاء قبلَ حِساب الشِّدَّة، فإنَّ مَن حاسب نفسه في الرخاء قَبل حسابِ الشدَّة، عاد أمرُه إلى الرِّضا والغبطة، ومَن ألْهَتْه حياتُه، وشغلتْه أهواؤه، عادَ أمره إلى الندامة والخسَارة".

2- وقال الحسن: "لا يمضي المؤمِن إلا بحسابِ نفْسه: ماذا أردتِ تَعْملين؟ وماذا أردتِ تأكلين؟ وماذا أردتِ تشربين؟ والفاجِر يمضي قُدمًا لا يُحاسِب نفْسَه".

3- وقال أيضًا: "إنَّ العبدَ لا يَزال بخيرٍ ما كان له واعظٌ مِن نفْسه، وكانتِ المحاسبة هِمَّتَه".

4- وقال أيضًا: "المؤمِن قوَّامٌ على نفْسه، يُحاسِب نفْسه لله، وإنما خفَّ الحسابُ يومَ القيامة على قومٍ حاسَبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شقَّ الحسابُ يوم القيامة على قومٍ أخذوا هذا الأمرَ مِن غير محاسبة.

إنَّ المؤمن يَفْجؤُه الشيءُ ويعجبه، فيقول: واللهِ إني لأشتهيك، وإنَّك لَمِن حاجتي، ولكن والله ما مِن صلةٍ إليك، هيهات هيهات! حِيل بيني وبينك، ويفرط منه الشيءُ فيَرْجِع إلى نفسه فيقول: ما أردتِ إلى هذا؟ ما لي ولهذا؟ واللهِ لا أعودُ إلى هذا أبدًا".

5- وقال ميمونُ بن مِهْران: "لا يكون العبدُ تقيًّا حتى يكونَ لنفسه أشدَّ محاسبةً مِن الشَّريك لشريكه، ولهذا قيل: النَّفْس كالشريكِ الخوَّان، إنْ لم تحاسبْه ذهَبَ بمالِك".

6- وذَكَر الإمامُ أحمدُ عن وهب قال: "مكتوبٌ في حِكمة آل داود: حقٌّ على العاقِل ألاَّ يغفُلَ عن أربع ساعات: ساعة يُناجي فيها ربَّه، وساعة يُحاسِب فيها نفْسَه، وساعة يخلو فيها مع إخوانِه الذين يُخبرونه بعيوبه ويَصْدُقونه عن نفْسِه، وساعة يُخلِّي فيها بين نفْسِه وبين لذَّاتها فيما يحلُّ ويعجل، فإنَّ في هذه الساعةَ عونًا على تلك الساعات وإجمامًا للقُلوب".

7- وكان الأحنفُ بن قيس يَجِيء إلى المصباح، فيَضع إصبعَه فيه ثم يقول: "حسّ يا حُنيف، ما حمَلَك على ما صنعتَ يومَ كذا؟ ما حملَك على ما صنعتَ يوم كذا؟ إنَّ المؤمنين قومٌ أوقَفهم القرآن، وحال بينهم وبيْن هَلَكتِهم".

8- إنَّ المؤمن أسيرٌ في الدنيا، يَسْعَى في فَكاك رقبته، لا يَأمن شيئًا حتى يلقَى الله، يعلم أنَّه مأخوذٌ عليه في سَمْعه وفي بصَرِه، وفي لسانه وفي جوارحه، مأخوذٌ عليه في ذلك كلِّه.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : 

فهذه الحلقة الثامنة والخمسون بعد المائة في موضوع(الحسيب) وهي بعنوان : *نهاية عام واستقبال آخر (وقفة محاسبة) :

ومحاسبة النفْس نوعان: نوع قبلَ العمل ونوع بعْدَه.

النوع الأول: محاسبة النَّفْس قبلَ العمل، فهو أن يَقِفَ العبدُ عندَ أوّل همِّه وإرادته، فلا يعمل حتى يتبيَّنَ له رجحانُ العمل على ترْكه.

قال الحسن - رحمه الله -: "رحِم اللهُ عبدًا وقَف عندَ همِّه، فإنْ كان لله

 مضَى، وإنْ كان لغيرِه تأخَّر".

النوع الثاني: محاسَبة النفس بعد العمل ، وهو ثلاثة أنواع:

أحدها: محاسَبة النَّفْس على طاعةٍ قصَّرتْ فيها في حقِّ الله تعالى.

الثاني: أن يُحاسِب نفْسَه على كلِّ عمل كان ترْكُه خيرًا من فِعْله.

الثالث: أن يُحاسِب نفْسَه على أمرٍ مُباح أو معتاد: لِمَ فَعَلَه؟ وهل فعلَه لله والدارِ الآخرة؛ فيكون رابحًا؟ أو أرادَ به الدنيا وعاجلَها؛ فيخسر ذلك الربحَ ويفوته الظفر به؟

وهناك أسبابٌ تُعِين على محاسبةِ النَّفْس وتسهل ذلك، منها:

1- معرفته أنَّه كلَّما اجتهد في محاسبةِ نفْسه اليوم استراح من ذلك غدًا.

2- معرفته أنَّ رِبْحَ محاسبة النفْس ومراقبتها هو سُكْنَى الفردوس.

3- النَّظَر فيما يؤول إليه ترْكُ محاسبة النفْس مِن الهلاك والدَّمار.

4- صُحْبة الأخيار الذين يحاسبون أنفسَهم، ويُطلعونه على عيوبِ نفْسه.

5- النَّظَر في أخبارِ أهلِ المحاسبة والمراقبة مِن سلفنا الصالِح.

6- حضور مجالسِ العِلم والوعْظ والتذكير؛ فإنَّها تدعو إلى محاسبةِ النفس.

7- البُعْد عن أماكنِ اللهو والغَفْلة.

8- سوء الظنِّ بالنَّفْس، فإنَّ حُسنَ الظن بالنفس يُنسِي محاسبةَ النفْس.

هذا، وقد ذكَرَ الإمامُ ابن القيِّم - رحمه الله - أنَّ محاسبةَ النفس تكون بـ:

أولاً: البَدْء بالفرائض، فإذا رأى فيها نَقْصًا تداركه.

ثانيًا: المناهي، فإذا عرَف أنَّه ارتكب منها شيئًا تدارَكَه بالتوبة والاستغفار والحَسَنات الماحية.

ثالثًا: محاسبة النفْس على الغَفْلة، ويتدارك ذلك بالذِّكْر والإقبال على الله.

رابعًا: مُحاسَبة النَّفْس على حركاتِ الجوارح، وكلام اللِّسان، ومَشْي الرِّجْلين، وبطش اليَدين، ونظر العينين، وسماع الأُذنين، ماذا أردتِ بهذا؟ ولمَن فعلتِه؟ وعلى أيِّ وجهٍ فعلتِه؟

ولمحاسبة النَّفْس فوائد جمة، منها:

1- الاطِّلاع على عيوبِ النفس.

2- التَّوبة والنَّدم، وتدارك ما فات في زمنِ الإمكان.

3- معرفة حقِّ الله - تعالى - فإنَّ أصلَ محاسبة النَّفْس هو محاسبتُها على تفريطها في حقِّ الله تعالى.

4- انكسار العَبدِ وزلَّته بين يدي ربِّه - تبارك وتعالى.

5- معرفة كَرَم الله - سبحانه وتعالى - وعفوه ورحمته بعِباده؛ كونه لم يُعَجِّلْ عقوبتَهم على ذنوبهم.

6- مَقْت النفْس، والتخلُّص مِنَ العُجْب.

7- الاجتهاد في الطاعة، وترْك العصيان؛ لتسهلَ عليه المحاسبةُ فيما بعدُ.

8- ردُّ الحقوق إلى أهلها، وسلُّ السخائم، وحُسْن الخُلُق، وهذه من أعظمِ ثمرات محاسبة النفْس.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : 

فهذه الحلقة التاسعة والخمسون بعد المائة في موضوع(الحسيب) وهي بعنوان : *نهاية عام واستقبال آخر (وقفة محاسبة) :

وأخيرًا، فهذه همسات تِسع:

الهمسةُ الأولى: إلى قارئِ هذه السطور، ها هو عامٌ مضَى وانقضَى، وساعاتٌ ودقائقُ تصرَّمتْ وانتهتْ، فهل يا تُرى عُمِّرتْ بالطاعاتِ وتحصيلِ الحَسَنات؟ أم لُطِّخت بالمعاصي والسيِّئات؟ ﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى ﴾ [النجم: 39 - 41].

الهمسةُ الثانية: إلى كلِّ داعيةٍ وطالِب عِلم، سلْ نفْسَك: أينَ أنت؟ وماذا قدَّمت؟ ما هيَ مخطَّطاتُك؟ وماذا تُريد؟ ألا تَكْفي الأعمالُ الارتجاليةُ دون تخطيطِ أو تفكير؟ ألاَ يَكْفي الانشغالُ بالمهمِّ عن الأهمِّ؟

الهمسةُ الثالثة: إلى الشبابِ المبارَكين المحبِّين لدِينهم وأمَّتهم ووطنهم، أقول: إنَّكم تعلمون أنَّ أُمَّةَ الإسلام اليوم تُواجِه أزماتٍ قاسيةً، وهجماتٍ شرِسةً ضارية، موجَّهة تارةً مِن عدوِّها الخارجيِّ (اليهود والنصارَى وأضرابهم)، وتارةً من عدوٍّ داخلي لدود (العلمانيون والليبراليُّون وأذنابهم)، جعلوا الإسلام شِعارًا، والإصلاح بُغيةَ الحضارة، والتمدُّن دِثارًا، فلا تغرَّنكم فِعالُهم، ولا تهولنَّكم دعواتُهم، بل عليكم مواجهتهم بسلاحِ العِلم الشرعيِّ،

 ولْتكونوا قريبًا مِن العلماء والأكابر، فالبَرَكةُ معهم، واسلُكوا طريقَهم حيثُ تيمَّموا.

الهمسةُ الرابعة: إلى كُلِّ إعلاميٍّ أقول: إنَّك تعلم مدَى تأثير الإعلام على واقِع الأمَّة، ودَوْره الكبير في توجيهِ الناس وقِيادتهم - سلبًا كان أو إيجابًا - فالإعلامُ جَعَلَ هذا العالَم بيتًا واحدًا، وهو سلاحٌ ذُو حدَّينِ - كما يُقال - فإمَّا أن يُستخدمَ في الخَيرِ، فهذا - والله - هوَ الفلاحُ والفوز، وإمَّا أن يُستخدَم لنشْرِ الشرِّ، وهذه هي الخسارةُ والخيانةُ لعُقولِ الأمَّة، فالذي يَنبغي هو أن يتعاونَ الجميعُ من أجْلِ تصحيحِ مجالاتِ الإعلام، ودخولها بكلِّ قوَّة - ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.

الهمسة ُالخامسة: إلى كلِّ مَن ولاَّهُ الله أمرًا من أمورِ المسلمين - أمرًا خاصًّا أو عامًّا - تَذكَّر أنَّ اللهَ سائلُك عمَّا استرعاك: أحفظتَ أم ضيعتَ؟ تذكَّر أنَّك ستقِفُ في محكمةٍ يقضي فيها الله - جلَّ وعلا.

إنَّ هذه الأمانةَ التي تولَّيتَها إما أن تكونَ ممرًّا لكَ إلى الجَنَّة، وإمَّا أن تُبعِدَك عنها - والعياذ بالله - فاتَّقِ الله فيما تولَّيت، واسأل ربَّك الإعانةَ والتوفيق، فإنَّه خيرُ معينٍ.

الهمسةُ السادسة: إلى كلِّ مجاهدٍ في سبيلِ الله، إلى المقاومين الصامدين على ثُغورِ الإسلام، في بلادِ العراقِ وأفغانستان، وفي كلِّ مكان: حُيِّيتم، وسُدِّدتم، ووُفِّقتم، وأعانَكمُ الله ونَصَرَكم؛ فلقدْ رفعتُم هامةَ الإسلام عالية، للهِ أنتُم يومَ تركتُمُ النومَ على الفِراشِ الوثيرِ، وآثرتُمْ مُنازلةَ المحتلِّ الباغي، لكُم مِنَّا الدعاء، وحقُّكُم علينا الذبُّ عن أعراضِكِم، مَكَّنكمُ اللهُ مِن رقابِ الكافرين، وأعادَ لكم أرضَكم ودِيارَكُم؛ ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ [آل عمران: 169].

الهمسةُ السابعة: إليكم أيُّها المرابِطون الصابِرون على أرضِ فِلَسْطين المباركة، إنَّ القلَم يستحي أن يَكتُبَ لكم شيئًا، لقدْ علَّمتُمونا كيف نَصبرُ ونُصابِر. إنَّ الظلامَ سينجلي، ويُسفرُ صُبحٌ بديعُ المُحيَّا، وإنَّ الفرج قريبٌ فلا تجزعوا، أسألُ الله أن يَنصرَكم، وأن يكُفَّ بأسَ الذين كفروا عنكم؛  ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنفال: 46]، ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139].

الهمسةُ الثامنة: إلى مَن أطلقَ قلمه ولِسانه للنَّيْلِ من العلماء والدُّعاة، سبًّا وتجريحًا، وتنفيرًا وتحريضًا، أو انتقاصًا مِن شعيرة دِينيَّة، أولمزًا للعفَّةِ والطهرِ والفضيلة، أقولُ لهم:﴿ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ ﴾ [الزخرف: 19].

وَمَا مِنْ كَاتِبٍ إِلاَّ سَيَفْنَى *******وَيَبْقَى الدَّهْرَ مَا كَتَبَتْ يَدَاهُ

فَلاَ تَكْتُبْ بِكَفِّكَ غَيْرَ شَيْءٍ ****يَسُرُّكَ فِي القِيَامَةِ أَنْ تَرَاهُ

الهمسةُ التاسعة: إليكِ أيتُها المرأةُ الفاضلة، الطاهرةُ الشريفةُ العفيفة - أُمًّا أو أختًا أو بنتًا - أيتُها الصالحةُ الوفيَّةُ لدِينها، أمامكِ تحدِّياتٌ عصيبة في ظلِّ تردٍّ أخلاقيٍّ وطغيانِ رذيلة، آنَ لكِ أن تتقدَّمي الصفوفَ لرعاية الفضيلة، وتَحْصينِ الأُسْرة بدينِ الفِطرة.

يَا حُرَّةً قَدْ أَرَادُوا جَعْلَهَا أَمَةً  ******* غَرْبِيَّةَ الفِعْلِ لَكِنَّ اسْمَهَا عَرَبِي

يَا دُرَّةً حُفِظَتْ بِالْأَمْسِ غَالِيَةً  ******* وَالْيَومَ يَبْغُونَهَا لِلَّهْوِ وَاللَّعِبِ

أسأل الله - تعالى - أنْ يجعلَنا ممَّن يستخلص العِبَر ممَّا مضَى من السنين، وأن يجعلَنا أكثرَ محاسبةً لأنفسنا فيما يستقبِلُنا من العمر، والله الموفِّق والهادي إلى سواءِ السبيل.

[الأنترنت – موقع شبكة الألوكة   - نهاية عام واستقبال آخر (وقفة محاسبة) - د. عقيل المقطري]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : 

فهذه الحلقة الستون بعد المائة في موضوع(الحسيب) وهي بعنوان :

*هل يحاسب الكفار يوم القيامة؟

الحساب لغةً: هو العدد.  وشرعًا: إطلاع الله تعالى عبادَه على أعمالهم.  وهو ثابت بالكتاب، والسنة، والإجماع.

فمن الكتاب: قوله تعالى:  ﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم ﴾ [الغاشية: ٢٥ - ٢٦].

ومن السُّنة: حديث عائشة - رضي الله عنها - المتفق عليه، قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ أَحَدٌ يُحَاسَبُ إِلَّا هَلَكَ" قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ أَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ-: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ﴾، قَالَ: " ذَاكَ الْعَرْضُ يُعْرَضُونَ، وَمَنْ

 نُوقِشَ الْحِسَابَ هَلَكَ "[ رواه البخاري برقم (4939)، رواه مسلم برقم (2876).]

والمقصود أن العبد إذا حوسب حسابًا دقيقًا على إعماله التي لا بد لها من قبول من الله - جلَّ وعلا - هلك، لأنّ أعماله لا تنجيه إلا برحمة الله - جل وعلا-، ونسأل الله من واسع فضله.

وأجمع المسلمون على ثبوت الحساب يوم القيامة، ويستثنى من ذلك السبعون ألفًا؛ كما سيأتي.

وهل يحاسَب الكفار؟ هذه المسألة من المسائل الخلافية.

قيل: إنهم لا يحاسبون؛ لأن أعمالهم باطلة حابطة؛ فلا فائدة من حسابهم وسؤالهم. وقيل: إنهم محاسبون، وذلك لعدة حِكَمٍ - سيأتي بيانها -، وأعمالهم موزونة؛ لأجل تقرير أعمالهم، وبيان عدل الله - تعالى- فيها لا لأجل مكافئتهم بالحسنات؛ لأنها لن تقبل - كما تقدم بيانه - بل ستذهب سدى، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ * أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ ﴾ .

والحكمة من حسابهم، عدة أمور:

الأمر الأول: إقامة الحجة عليهم، وإظهار عدل الله - تعالى- فيهم.

الأمر الثاني: توبيخهم، وتقريعهم.

الأمر الثالث: لأنهم مكلفون بأصول الشريعة، قال تعالى:﴿ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ *قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ *وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ *وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ *وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ *حَتَّىٰ أَتَانَا الْيَقِينُ ﴾[المدثر:42-47].

والكفار يتفاوتون في كفرهم، وذنوبهم وحينئذ سيتفاوتون في دركات النار، ولذا قال الله - تعالى- عن المنافقين: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ﴾ [النساء:145].

سُئِلَ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " عَنْ الْكُفّار: هل يحاسبون يوم القيامة أم لا؟

فَأَجَابَ: هذه المسألة تنازع فيها المتأخرون من أصحاب أحمد وغيرهم، فممن قال: إنهم لا يحاسبون: أبو بكر عبد العزيز، وأبو الحسن التميمي، والقاضي أبو يعلى، وغيرهم.

وممن قال: إنهم يحاسبون: أبو حفص البرمكي من أصحاب أحمد، وأبو سليمان الدمشقي، وأبو طالب المكي.

وفصل الخطاب: أن الحساب يراد به عرض أعمالهم عليهم وتوبيخهم عليها، ويراد بالحساب موازنة الحسنات بالسيئات.

فإن أريد بالحساب المعنى الأول، فلا ريب أنهم يحاسبون بهذا الاعتبار.

وإن أريد المعنى الثاني، فإن قصد بذلك أن الكفار تبقى لهم حسنات يستحقون بها الجنة، فهذا خطأ ظاهر.

وإن أريد أنهم يتفاوتون في العقاب، فعقاب من كثرت سيئاته أعظم من عقاب من قَلَّتْ سيئاته، ومن كان له حسنات خفف عنه العذاب، كما أن أبا طالب أخف عذابًا من أبي لَهَب. وقال تعالى: ﴿ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ ﴾، وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ ﴾، والنار دَرَكَات، فإذا كان بعض الكفار عذابه أشد عذابًا من بعض؛ لكثرة سيئاته، وقلة حسناته كان الحساب لبيان مراتب العذاب، لا لأجل دخولهم الجنة. " أ. هـ[انظر: مجموع الفتاوى (4 /305).] *وهل الجن يحاسبون؟

لأنهم مكلفون، يدخل كافرهم النار بالنَّص، والإجماع، كما قال تعالى:    ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ﴾ [الأعراف: ١٧٩]، وقوله: ﴿ قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ فِي النَّارِ ﴾ [الأعراف: ٣٨]، ويدخل مؤمنهم الجنة، وهو قول جمهور العلماء؛ لقوله تعالى: ﴿ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ ﴾ [الرحمن: ٥٦]، ولعموم قوله تعالى: ﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾ [الرحمن: ٤٦].

وهل البهائم تحاسب؟

   أنه يكون بين البهائم قصاص فيقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء وأن هذا القصاص ليس قصاص تكليف، وإنما هو قصاص مقابلة، وأما حساب التكليف فلا تحاسب؛ لأنه لا تكليف عليها، وتقدم أن هذا اختيار النووي، وهو اختيار شيخنا ابن عثيمين - رحمه الله تعالى- "     [ انظر: شرح العقيدة الواسطية لشيخنا (ص512 ).] مستلة من: "فقه الانتقال من دار الفرار إلى دار القرار"

[الأنترنت – موقع شبكة الألوكة  - هل يحاسب الكفار يوم القيامة؟ - الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : 

فهذه الحلقة الواحدة والستون بعد المائة في موضوع(الحسيب) وهي بعنوان :*ما جاء في الحساب اليسير:

الصراط السوي في سؤالات الصحابة للنبي - صلى الله عليه وسلم

عن عائشة - رضي الله عنها - تقول: سألتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الحساب اليسير، فقلتُ: يا رسول الله، ما الحساب اليسير؟ فقال: ((الرجل تُعرَض عليه ذنوبُه، ثم يُتَجَاوز له عنها، إنه من نُوقِش الحساب هَلَك، ولا يُصِيب عبدًا شوكةٌ فما فوقها إلا قاصَّ الله - عز وجل - بها من خطاياه))[ أحمد (25515)، وصححه الألباني في المشكاة (3/209)، وقوَّى إسناده محققو المسند (42/333)، وأصله عند البخاري (4939)، ومسلم (2876).]

فيه مسائل :

المسألة الأولى: معاني الكلمات: قوله: (عن الحساب اليسير)، وفي رواية عند البخاري ومسلم: (قلت: أليس يقول الله - تعالى -: ﴿ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ﴾ [الانشقاق: 8]؟).

قوله: (الرجل تُعرَض عليه ذنوبه، ثم يتجاوز له عنها)، وعند البخاري ومسلم: (ذلك العرض)،وعند أحمد: (أن ينظر في كتابه فيتجاوز له عنه).

قوله: ((مَن نُوقِش الحساب، هَلَك))، وفي رواية: ((عذِّب))، و(نُوقِش) من المناقشة، وأصلها الاستخراج، والمراد هنا المبالغة في الاستيفاء، والمعنى أن تحرير الحساب يُفضِي إلى استحقاق العذاب؛ لأن حسنات العبد موقوفة على القبول، وإن لم تقع الرحمة المقتضية للقبول، لا يحصل النجاة[ فتح الباري (1/289).]

قوله: (هَلَك)، أو (عذِّب)، كلاهما يرجعان إلى معنى واحد؛ لأن المراد بالمحاسبة تحرير الحساب، فيستلزم المناقشة، ومن عذِّب فقد هَلَك، وقال القرطبي في المُفهِم: (حُوسِب)؛ أي: حساب استقصاء، وقوله: (عُذِّب)؛ أي: في النار؛ جزاء على السيئات التي أظهرها حسابه، وقوله (هَلَك)؛ أي: بالعذاب في النار، قال: وتمسَّكت عائشة بظاهر لفظ الحساب؛ لأنه يتناول القليل والكثير[ فتح الباري (11/560).]

المسألة الثانية: إثبات الحساب:

الإيمان بالحساب من مقتضيات الإيمان باليوم الآخر، وهو حقٌّ وصدق،

 واقع لا دافع له، ولا مانع منه، والأدلة على ذلك من القرآن والسنة كثيرة، وقد تقدمت

أما أنواع الحساب، فنوعان: حساب عرض، وحساب نقاش.

أما حساب العرض: وهو عرض العمل على العبد فقط، وليس فيه نقاش، وليس فيه مطالبة بنتائج النعيم؛ ففي الصحيح عن صفوان بن محرز المازني، قال: بينما أنا أمشي مع ابن عمر - رضي الله عنه - آخذ بيده؛ إذ عرض رجل، فقال: كيف سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في النجوى؟ فقال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن الله يُدْنِي المؤمن فيضع عليه كنفَه، ويستره فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم، أيْ ربِّ، حتى إذا قرَّره بذنوبه ورأى في نفسه أنه هَلَك، قال: سترتُها عليك في الدنيا، وأنا أغفرُها لك اليوم، فيُعطَى كتاب حسناته، وأما الكافر والمنافقون، فيقول الأشهاد: ﴿ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾ [هود: 18]))[ البخاري (2441)، ومسلم (2768).] وهذا ليس لكل الناس؛ إنما للمؤمنين فقط.

أما حساب النقاش:

ففيه مطالبة العبد بنتائج النعم، فصاحبه هالكٌ لا محالة؛ قال - تعالى -: ﴿ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ ﴾ [الأحقاف: 20].

وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعًا، وفيه: ((فيلقى العبد فيقول: أي فُلْ، ألم أُكرمْك، وأسوِّدْك، وأزوِّجْك، وأسخِّرْ لك الخيل والإبل، وأذَرْك ترأسُ وتربع؟ فيقول: بلى، قال: فيقول: أفظننتَ أنك ملاقيَّ؟ فيقول: لا، فيقول: فإني أنساك كما نسيتني، ثم يلقى الثاني، فيقول: أي فُلْ، ألم أكرمْك، وأسوِّدْك، وأزوجْك، وأسخِّر لك الخيل والإبل، وأذرْك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى، أي رب، فيقول: أفظننت أنك ملاقيَّ؟ فيقول: لا، فيقول: فإني أنساك كما نسيتني، ثم يلقى الثالث فيقول له مثل ذلك، فيقول: يا رب، آمنتُ بك، وبكتابك، وبرسلك، وصلَّيت، وصُمْت، وتصدَّقت، ويُثنِي بخير ما استطاع، فيقول: ها هنا إذًا، قال: ثم يقال له: الآن نبعثُ شاهِدَنا عليك، ويتفكَّر في نفسه: من ذا الذي يشهد عليَّ؟! فيُختَم على فِيه، ويقال لفخذه ولحمه وعظامه: انطقي؛ فتنطق فخِذُه ولحمُه وعظامه بعمله؛ وذلك ليُعذِرَ من نفسه، وذلك المنافق، وذلك الذي يسخط الله عليه)[مسلم (2968).]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : 

فهذه الحلقة الثانية والستون بعد المائة في موضوع(الحسيب) وهي بعنوان

* أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، فيه تفصيل:

1- بالنسبة لحق الله - تعالى - فأوَّل ما يُحَاسَب عليه العبد هو الصلاة؛ ففي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن أول ما يُحاسَب به العبد يوم القيامة من عمله صلاتُه، فإن صَلَحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسَدَتْ فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضتِه شيء، قال الرب - عز وجل -: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فيكمل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك))[ الترمذي (413)، والنسائي (465)، وأحمد (9494) والدارمي (1355) وصححه لغيره الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (540).]

2- بالنسبة لحقوق الآدميين، فأول ما يقضى فيه هو الدماء.

عن عبدالله - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أول ما يقضى بين الناس في الدماء))[ متفق عليه من حديث عبدالله بن مسعود: البخاري ( 6864)، ومسلم (1687).]

3- بالنسبة للأمم، فأول مَن يحاسب أمة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم.

عن أبي هريرة وعن ربعي بن حراش، عن حذيفة قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أضلَّ الله عن الجمعة مَن كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا؛ فهدانا الله ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم تَبَعٌ لنا يوم القيامة، نحن الآخِرون من أهل الدنيا، والأوَّلون يوم القيامة، المقضيُّ لهم قبل الخلائق))[ مسلم 856]، وفي روايةٍ عند أحمد، وفيه: ((أين أمة محمد؟ فيأتون غرًّا محجَّلين، فيبدأ يوم الحساب)).

4- بالنسبة للناس، فأوَّل ما يحاسب المجاهد، والجَوَاد، وقارئ القرآن من أجل ثناء الناس عليه؛ ففي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: حدَّثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((أن الله - تبارك وتعالى - إذا كان يوم القيامة ينزلُ إلى العباد؛ ليقضي بينهم، وكل أمة جاثية، فأول مَن يدعو به رجلٌ جمع القرآن، ورجل قتل في سبيل الله، ورجل كثير المال، فيقول الله للقارئ: ألم أعلِّمْك ما أنزلتُ على رسولي؟ قال: بلى، يا رب، قال: فماذا عملتَ فيما عَلِمتَ؟ قال: كنتُ أقوم به آناء الليل وآناء النهار، فيقول الله له: كذبتَ، وتقول له الملائكة: كذبتَ، ويقول الله له: بل أردتَ أن يقال: إن فلانًا قارئ، فقد قيل ذاك، ويؤتى بصاحب المال، فيقول الله له: ألم أوسِّعْ عليك حتى لم أدعْك تحتاج إلى أحدٍ؟ قال: بلى يا رب، قال: فماذا عَمِلتَ فيما آتيتُك؟ قال: كنتُ أَصِل الرحم، وأتصدَّق، فيقول الله له: كذبتَ، وتقول له الملائكة: كذبتَ، ويقول الله - تعالى -: بل أردتَ أن يقال: فلانٌ جَوَاد؛ فقد قيل ذاك، ويؤتى بالذي قُتِل في سبيل الله، فيقول الله له: في ماذا قُتِلتَ؟ فيقول: أُمِرتُ بالجهاد في سبيلك فقاتلتُ حتى قُتِلت، فيقول الله - تعالى - له: كذبتَ، وتقول له الملائكة: كذبتَ، ويقول الله: بل أردتَ أن يقال: فلانٌ جريء؛ فقد قيل ذاك))، ثم ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ركبتيَّ، فقال: ((يا أبا هريرة، أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعَّر بهم النار يوم القيامة...) [ الترمذي (2382)، وقال:

هذا حديث حسن غريب، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1713).]

أنواع الناس في الحساب:

1- منهم مَن يدخل الجنة من غير حساب ولا عذاب:

كما في الحديث: ((هم الذين لا يَسْتَرقُون، ولا يتطيَّرون، ولا يَكْتَوُون، وعلى ربهم يتوكلون))[جزء من حديث متفق عليه، من حديث عمران بن حصين: البخاري ( 6472)، ومسلم (218).]

2- منهم مَن تلتقطهم النار في الموقف:

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يخرجُ عنقٌ من النار يوم القيامة له عينانِ تبصرانِ، وأذنانِ تسمعان، ولسانٌ ينطق، يقول: إني وكِّلتُ بثلاثةٍ: بكلِّ جبار عنيد، وبكل مَن دعا مع الله إلهًا آخر، وبالمصوِّرين))[ الترمذي (2574)، وأحمد (8654)، وصححه الألباني في الصحيحة (512).]

3- منهم مَن تُعرَض عليه أعمالُه فقط، وهو الحساب اليسير:

عن عائشة - رضي الله عنها - قالتْ: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس

 أحدٌ يحاسب إلا هَلَك))، قالت: قلتُ: يا رسول الله، جعلني الله فداءك، أليس يقول الله - عز وجل -: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ﴾[الانشقاق: 7 - 8]؟ قال: ((ذاك العرض يُعرَضون، ومَن نُوقِش الحساب هلك))[البخاري (103)، ومسلم (2876).]

4- ومنهم مَن يناقش، فإن نوقش عذِّب وهَلَك؛ كما في حديث عائشة السابق.

فائدة: في الحساب تؤدَّى كلُّ الحقوق لأصحابها؛ حتى يصل العدل أن تُقضَى حقوق البهائم إليها، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لتؤدُّنَّ الحقوقَ إلى أهلها يوم القيامة، حتى يُقَاد للشاة الجَلْحَاء من الشاة القَرْناء))[ مسلم ( 2582)، والترمذي ( 2420)، وأحمد (8217)، وزاد: (تنطحُها).] [الأنترنت – موقع شبكة الألوكة  - ما جاء في الحساب اليسير - أبو البراء محمد بن عبدالمنعم آل عِلاوة]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : 

فهذه الحلقة الثالثة والستون بعد المائة في موضوع(الحسيب) وهي بعنوان

*موقف الحساب :

    إنَّ من أعظم مواقف يوم القيامة الَّتي يجب على المؤمن الإيمان بها، والاستِعْدادُ لها: موقفَ الحساب، قال تعالى: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الفاتحة: 4]؛ أي: الجزاء والحساب، والمقصود بالحساب أن يُوقف العباد بين يدَي ربِّ العالمين، ويعرفهم بأعمالهم وأقوالهم الَّتي عملوها في الدنيا، وما كانوا عليه من إيمان وكُفْر، واستقامة وانحراف، ويُعطى العباد كتُبَهم بأيمانهم إن كانوا صالحين، وبشمائلهم إن كانوا غير ذلك.

قال تعالى: ﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ﴾ [الغاشية: 25 - 26]، وقال تعالى: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا ﴾ [الانشقاق: 7 - 12].

وروى البخاري ومسلمٌ من حديث عائِشة - رضي الله عنها - أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلاَّ هلك))، فقلت: يا رسول الله، أليس قد قال الله تعالى: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ﴾ [الانشقاق: 7-8]؟! فقال رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((إنَّما ذلك العرض، وليس أحدٌ يناقش الحساب يوم القيامة إلاَّ عُذِّب))[ ص 1252 برقم 6537، وصحيح مسلم: ص 1153 برقم 2876.]

قال النَّووي في شرحه للحديث: "معنى نوقش الحساب: استقْصِي عليه، قال القاضي: وقوله: "عذِّب" له معنيان:

أحدهما: أنَّ نفس المناقشة، وعرض الذّنوب، والتوقيف عليها هو التَّعذيب؛ لما فيه من التوبيخ.

والثَّاني: أنَّه مفْضٍ إلى العذاب بالنَّار، ويؤيّده قوله في الرّواية الأخرى: "هَلَكَ" مكان "عُذِّبَ" هذا كلام القاضي، وهذا الثَّاني هو الصَّحيح، ومعناه: أنَّ التَّقصير غالب في العباد، فمن استُقْصِي عليه ولم يُسامح، هلك ودخل النَّار، ولكن الله تعالى يعفو ويغْفر ما دون الشرك لمن يشاء"[ شرح صحيح مسلم للنووي: (6 / 208 - 209).]

ونقل ابن حجر عن القرطبي في معنى قوله: ((إنَّما ذلك العرض))، قال: "إنَّ الحساب المذكور في الآية إنَّما هو أن تعرض أعمال المؤمِن عليه؛ حتَّى يعرف مِنّة الله في ستْرِها عليه في الدّنيا، وفي عفوه عنها في الآخرة"[ فتح الباري: (11 / 402).]

والله تعالى يحاسب كلَّ إنسان بمفرده، قال تعالى: ﴿ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ ﴾ [الصافات: 24]، روى مسلم في صحيحه من حديث عديِّ بن حاتم - رضي الله عنْه - أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((ما منكم من أحدٌ إلاَّ سيكلِّمُه الله، ليس بينه وبينه تَرْجُمان، فينظر أيْمنَ منه فلا يرى إلاَّ ما قدَّم، وينظر أشأم منْه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتَّقوا النَّار ولو بشقّ تمرة))[ صحيح البخاري ص 623 برقم 3247، وصحيح مسلم: ص 116 برقم 218.] ومن المؤمنين مَن يدخل الجنَّة بلا حساب ولا عذاب، روى البخاري ومسلم من حديث ابن عبَّاس أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - رأى أمَّته ومعهم سبعون ألفًا يدْخُلون الجنَّة بلا حساب ولا عذاب، وهم الَّذين لا يسْتَرْقون ولا يكتوون ولا يتطيَّرون، وعلى ربهم يتوكَّلون[ صحيح البخاري برقم 5705، وصحيح مسلم: برقم 220.]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : 

فهذه الحلقة الرابعة والستون بعد المائة في موضوع(الحسيب) وهي بعنوان

* أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة :

والحساب على مواقف، منها:

عرض الأعمال على العباد؛ قال تعالى: ﴿ يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ﴾ [القيامة: 13]، وقال تعالى: ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا﴾[آل عمران: 30].

ومنها: أن يُعطى العبد كتابَه ويُقال له: حاسِبْ نفسك، قال تعالى: ﴿ وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴾ [الإسراء: 13 - 14]، المقصود من الآية أنَّ عمل ابن آدم محفوظ عليه قليله وكثيره، ويكتب عليه ليلاً ونهارًا، وصباحًا ومساءً، ثمَّ يجمع له عمله كلّه في كتاب يُعطاه يوم القيامة، إمَّا بيمينه إن كان سعيدًا، أو بشماله إن كان شقيًّا، فيه جميع عمله من أوَّل عمره إلى آخِره، ثم يُقال له: اقرأ كتابَك بنفسك؛ لكي تعلم أنَّك لم تُظلم ولم يُكتب عليْك إلاَّ ما عملت؛ لأنَّك ذكرت جميع ما كان منك ولا ينسى أحد شيئًا مما كان منه، وكلّ واحد يقرأ كتابه من كاتب وأمّي.

ومنها: إحضار الشهود على العبد، كالرُّسُل والملائكة وأمَّة محمَّد - صلَّى الله عليْه وسلَّم - والأعضاء، قال تعالى: ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 41]، وقال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ﴾ [البقرة: 143]، وقال تعالى: ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الانفطار: 10 - 12].

روى مسلم في صحيحه من حديث أبِي هُرَيْرة - رضِي الله عنْه - أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((يلقى الله العبدَ يوم القيامة، فيقول: يا ربّ آمنت بك وبكتابِك وبرسلك، وصلَّيت وصُمْت وتصدَّقت، ويُثْني بخير ما استطاع، فيقول: ها هنا إذًا، قال: ثمَّ يُقال له: الآن نبعث شاهدَنا عليك، ويتفكَّر في نفسه: من ذا الَّذي يشهد عليَّ؟ فيُختم على فِيه، ويقال لفخِذِه ولحمِه وعظامه: انطقي، فتنطق فخِذُه ولحمه وعظامه بعملِه؛ وذلك ليعذر من نفسِه، وذلك المنافق، وذلك الذي يسخط الله عليه))، قال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [يس: 65].

ومن آثار الإيمان بهذا الحدث الغيْبِي العظيم:

أوَّلاً: أنَّ المؤمن إذا علم أنَّه سيقف بين يدي الله ويُحاسَب حسابًا دقيقًا، استعدَّ للقاء الله، وحاسب نفسَه في الدّنيا قبل الآخرة، قال تعالى: ﴿ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ﴾ [الأنبياء: 1]، قال عمر - رضِي الله عنْه -: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزِنوها قبل أن توزنوا، وتهيَّؤُوا للعرض الأكبر على الله".

ثانيًا: قدرة الله العظيمة؛ فهو يُحاسب الخلائق جميعًا: الجنّ والإنس، مليارات البشَر، كلّ يحاسبه بنفسه، قال تعالى: ﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 92، 93].

ثالثًا: أنَّ هذا الحساب دقيق، فيسأل العبد عن شرْكِه وكفره، وعن الأنداد والشّركاء الذين اتَّخذهم من دون الله أولياء، قال تعالى: ﴿ وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ ﴾ [الشعراء: 92، 93]، وقال تعالى: ﴿ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [القصص: 65].

ويسأل عن صلاته، روى الطَّبراني في الأوْسط من حديث عبدالله بن قرط - رضي الله عنْه - أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((أوَّل ما يحاسب عليه العبد يومَ القيامة الصَّلاةُ، فإن صلَحت صلحَ سائرُ عمله، وإن فسدتْ فسد سائر عمله))[ (2/ 240) برقم 1859، وصححه الشيخ الألباني - رحمه الله - في السلسلة الصحيحة" برقم 1358]

ويُسأل عن عمرِه فيمَ أفناه؟ وعن شبابه فيمَ أبلاه؟، وعن ماله من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه؟ كما صحَّ بذلك الحديث عن النبيِّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم. ويُسأل عن سمعه وبصره وفؤاده؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ﴾ [الإسراء: 36].

ويُسأل عن النَّعيم، ومن النَّعيم الشّبَع من الطعام، والماء البارد، والمرْكب الحسن، وصحَّة الأبدان، والزَّوجة والأوْلاد، ورئاسة القوم، وغير ذلك من النَّعيم، قال تعالى: ﴿ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ﴾ [التكاثر: 8].

وروى الحاكم في "المستدرك" من حديث أبِي هُرَيْرة - رضِي الله عنْه - أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((إنَّ أوَّل ما يحاسب به العبد يوم القيامة أن يقال له: ألَم أصحَّ لك جسمك؟ وأرْوِك من الماء البارد؟))

 [ (4/ 154) برقم 7203، وصححه الألباني - رحمه الله - في "السلسلة الصحيحة" (2/ 76) برقم 539.]

وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة - رضِي الله عنْه - أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((إنَّ الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة: ألَم أكرمك، وأسوِّدك[ أي: أجعلك سيّدًا على غيرك.، ] وأزوّجك، وأسخّر لك الخيل والإبل وأذرك ترْأس وتربع؟ فيقول: بلى، فيقول: أفظننتَ أنَّك ملاقي؟ فيقول: لا، فيقول: فإنّي أنساك كما نسيتَني))  [ جزء من حديث رواه مسلم في صحيحه: (4 / 2279) برقم 2968.]

ويُسأل عن العهود التي بينه وبين النَّاس، قال تعالى: ﴿ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً ﴾ [الإسراء: 34].

قال الشاعر:

أَمَا وَاللَّهِ لَوْ عَلِمَ الأَنَامُ ******لِمَا خُلِقُوا لَمَا هَجَعُوا وَنَامُوا

لَقَدْ خُلِقُوا لأَمْرٍ لَوْ رَأَتْهُ *****عُيُونُ قُلُوبِهِمْ تَاهُوا وَهَامُوا

مَمَاتٌ ثُمَّ قَبْرٌ ثُمَّ حَشْرٌ ********وَتَوْبِيخٌ وَأَهْوَالٌ عِظَامُ

لِيَوْمِ الحَشْرِ قَدْ عَمِلَتْ رِجَالٌ ******فَصَلَّوْا مِنْ مَخَافَتِهِ وَصَامُوا

وأخْتم بهذا الحديث الَّذي رواه مسلم في صحيحِه، من حديث أبي ذر - رضي الله عنْه - عن النَّبيّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - فيما روى عن الله - تبارَك وتعالى - أنه قال: ((يا عبادي: إنَّما هي أعمالُكم أحصيها لكُم، ثمَّ أوفِّيكم إيَّاها، فمَن وجد خيرًا فليحْمَد الله، ومَن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلاَّ نفسَه))[ ص 1039 برقم 2577. ، القيامة الكبرى للدكتور عمر الأشقر: ص (193 - 231).[ الأنترنت - شبكة الألوكة - موقف الحساب - د. أمين بن عبدالله الشقاوي]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : 

فهذه الحلقة الخامسة والستون بعد المائة في موضوع(الحسيب) وهي بعنوان

* حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب :

السؤال :

في صحيح البخاري ذكر الحديث أن سبعين ألفا من الناس يدخلون الجنّة بغير حساب

الثلاثة أجيال الأولى قد يصل عددهم إلى70,000 فهل هناك تفسير آخر للحديث ؟

نص الجواب : الحمد لله

لعلّك أيها الأخ السائل تُشير إلى حديث السبعين ألفا الذين يدخلون الجنّة بغير حساب والذي رواه الشيخان وأحمد وغيرهم عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولو تأملت هذا الحديث سيزول - إن شاء الله - الإشكال الذي أوردته في سؤالك ، روى الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ فَجَعَلَ النَّبِيُّ وَالنَّبِيَّانِ يَمُرُّونَ مَعَهُمْ الرَّهْطُ وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ حَتَّى رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ قُلْتُ مَا هَذَا ؟ أُمَّتِي هَذِهِ ؟ قِيلَ بَلْ هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ ، قِيلَ انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ فَإِذَا سَوَادٌ يَمْلأُ الأُفُقَ ثُمَّ قِيلَ لِي انْظُرْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا فِي آفَاقِ السَّمَاءِ فَإِذَا سَوَادٌ قَدْ مَلأَ الأُفُقَ قِيلَ هَذِهِ أُمَّتُكَ وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ هَؤُلاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ ثُمَّ دَخَلَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ فَأَفَاضَ الْقَوْمُ وَقَالُوا نَحْنُ الَّذِينَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاتَّبَعْنَا رَسُولَهُ فَنَحْنُ هُمْ أَوْ أَوْلادُنَا الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الإِسْلامِ فَإِنَّا وُلِدْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ؟ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ فَقَالَ : هُمْ الَّذِينَ لا يَسْتَرْقُونَ وَلا يَتَطَيَّرُونَ وَلا يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ .. ". رواه البخاري 5270

فمقصود الحديث بيان أن هنالك فئة من هذه الأمة يدخلون الجنة من غير حساب لا أن عدد أهل الجنة من هذه الأمة سبعون ألفا ، فهؤلاء السبعون ألفا المشار إليهم في الحديث هم في منزلة عالية من هذه الأمة لمزايا خاصة اختصوا بها ذكرت في الحديث : " هُمْ الَّذِينَ لا يَسْتَرْقُونَ وَلا يَتَطَيَّرُونَ وَلا يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُون " ، وجاء ذكر السبب في دخولهم الجنّة بلا حساب ولا عذاب مصرّحا به في رواية أخرى للبخاري رحمه الله عن عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ فَأَخَذَ النَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الأُمَّةُ وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ النَّفَرُ وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الْعَشَرَةُ وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الْخَمْسَةُ وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ وَحْدَهُ فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ قُلْتُ يَا جِبْرِيلُ هَؤُلاءِ أُمَّتِي قَالَ لا وَلَكِنْ انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ قَالَ هَؤُلاءِ أُمَّتُكَ وَهَؤُلاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا قُدَّامَهُمْ لا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلا عَذَابَ قُلْتُ وَلِمَ قَالَ كَانُوا لا يَكْتَوُونَ وَلا يَسْتَرْقُونَ وَلا يَتَطَيَّرُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ فَقَامَ إِلَيْهِ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ فَقَالَ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ آخَرُ قَالَ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ . صحيح البخاري 6059 ، وجاء في وصفهم أيضا حديث سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَيَدْخُلَنَّ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا أَوْ سَبْعُ مِائَةِ أَلْفٍ ( شكّ أحد رواة الحديث ) لا يَدْخُلُ أَوَّلُهُمْ حَتَّى يَدْخُلَ آخِرُهُمْ وُجُوهُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْر" رواه البخاري وعن أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي زُمْرَةٌ هِيَ سَبْعُونَ أَلْفًا تُضِيءُ وُجُوهُهُمْ إِضَاءَةَ الْقَمَرِ" رواه البخاريُ ، وفي وصفهم أيضا روى مسلم في صحيحه من حديث جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وفيه : "ثُمَّ يَنْجُو الْمُؤْمِنُونَ فَتَنْجُو أَوَّلُ زُمْرَةٍ وُجُوهُهُمْ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ سَبْعُونَ أَلْفًا لا يُحَاسَبُونَ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ كَأَضْوَإِ نَجْمٍ فِي السَّمَاءِ ثُمَّ كَذَلِكَ "

ولنا جميعا معشر المسلمين بشارات نبوية في هذا الحديث وغيره فأمّا هذا الحديث فإنّ له رواية عظيمة وزيادة كريمة جاءت في مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وابن ماجة من حديث أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "وَعَدَنِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلا عَذَابٍ مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفًا وَثَلاثَ حَثَيَاتٍ مِنْ حَثَيَاتِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ" نسأل الله سبحانه أن يجعلنا منهم . فإذا حسبت سبعين ألفا مع كلّ ألف من السبعين ألفا فكم يكون العدد الإجمالي لمن يدخل الجنّة دون حساب ؟؟ وكم عدد كلّ حثية من حثيات الرّب العظيم الكريم الرؤوف الرحيم ؟؟ نسأل الله أن يجعلنا في تلك الأعداد .

وأما البشارة الثانية فهي أنّ عدد أهل الجنة من هذه الأمّة هو ثلثا العدد الإجمالي لأهل الجنة ، فيدخل الجنة من أمّة محمد صلى الله عليه وسلم أكثر ممن يدخلها من كلّ الأمم السابقة مجتمعين ، وقد جاءت هذه البشارة عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الذي قال فيه لأصحابه يوما : "  أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ قُلْنَا نَعَمْ قَالَ أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ قُلْنَا نَعَمْ قَالَ أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ قُلْنَا نَعَمْ قَالَ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَذَلِكَ أَنَّ الْجَنَّةَ لا يَدْخُلُهَا إِلا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ وَمَا أَنْتُمْ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ إِلا كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأَسْوَدِ أَوْ كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأَحْمَرِ . " رواه البخاري 6047 ، ثم أكمل لنا صلى الله عليه وسلم البشارة في الحديث الصحيح الآخر الذي قال فيه : " أَهْلُ الْجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفٍّ ثَمَانُونَ مِنْهَا مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ وَأَرْبَعُونَ مِنْ سَائِرِ الأُمَمِ . " رواه الترمذي 3469 وقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ . فنحمد الله على نعمته ونسأله من فضله ورحمته ، وأن يُسكننا الجنّة بحوله ومنّته ، وصلى الله على نبينا محمد .

[الأنترنت – موقع الإسلام سؤال وجواب  - حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب – المنجد]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : 

فهذه الحلقة السادسة والستون بعد المائة في موضوع(الحسيب) وهي بعنوان * أنواع وكيفية الحساب في القبر ويوم القيامة :

    عذاب القبر ونعيمه ثابت بالنص والإجماع ، والأصل أن العذاب والنعيم في القبر يكون على الروح ، وقد تتصل الروح بالبدن فيصيبه شيء من العذاب أو النعيم .

وأما الحساب : فليس هناك في القبر حساب ، إنما هو عذاب على بعض ما عمل ، أو نعيم في القبر لمن كان من أهل الخير ، وأما الحساب فإنه يكون في موقف القيامة .

ثانيا : الأصل أن يحاسب الناس كلهم في موقف القيامة ، إلا صنفا من الناس،يتفضل الله عليهم،فيدخلهم الجنة من غيرسبق حساب،ولا عذاب

روى الترمذي (3357) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةَ : ( ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ ) قَالَ النَّاسُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ عَنْ أَيِّ النَّعِيمِ نُسْأَلُ فَإِنَّمَا هُمَا الْأَسْوَدَانِ وَالْعَدُوُّ حَاضِرٌ وَسُيُوفُنَا عَلَى عَوَاتِقِنَا ؟ ( قَالَ إِنَّ ذَلِكَ سَيَكُونُ ) حسنه الألباني في" صحيح الترمذي " .

قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية :

" أي: ثم لتسألن يومئذ عن شكر ما أنعم الله به عليكم، من الصحة والأمن والرزق وغير ذلك ، ما إذا قابلتم به نعمه من شكره وعبادته " انتهى من "تفسير ابن كثير" (8 /474) .

وروى الترمذي (2417) وصححه عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ ) .

صححه الألباني في " صحيح الترمذي " .

قال ابن القيم رحمه الله :" قال قتادة : " إن الله سائل كل عبد عما استودعه من نعمه وحقه .

والنعيم المسئول عنه نوعان : نوع أخذ من حله وصرف في حقه فيسأل عن شكره ونوع يأخذ بغير حله وصرف في غير حقه فيسأل عن مستخرجه ومصرفه " انتهى من "إغاثة اللهفان" (1 /84) .

وقال أيضا :" كل أحد يسأل عن نعيمه الذي كان فيه في الدنيا هل ناله من حلاله ووجهه أم لا ؟ فإذا تخلص من هذا السؤال سئل سؤالا آخر هل شكر الله تعالى عليه فاستعان به على طاعته أم لا ؟ فالأول سؤال عن سبب استخراجه والثاني عن محل صرفه " انتهى من "عدة الصابرين" (ص 157) .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

" اختلف العلماء رحمهم الله في قوله: ( لتسألن يومئذ عن النعيم ) هل المراد الكافر، أو المراد المؤمن والكافر؟ والصواب: أن المراد به المؤمن والكافر، كل يسأل عن النعيم، لكن الكافر يسأل سؤال توبيخ وتقريع ، والمؤمن يسأل سؤال تذكير... سؤال المؤمن سؤال تذكير بنعمة الله عز وجل عليه ، حتى يفرح ويعلم أن الذي أنعم عليه في الدنيا ، تكرم عليهم بنعمته في الآخرة، أما الكافر فإنه سؤال توبيخ وتنبيه " انتهى ، باختصار من "لقاء الباب المفتوح" (98 /9) . [الأنترنت – موقع الإسلام سؤال وجواب – المنجد ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : 

فهذه الحلقة السابعة والستون بعد المائة في موضوع(الحسيب) وهي بعنوان :* تدبر آية: {حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِن فَضْلِهِ } :

  القرآن الكريم على عكس ما قد يظنه البعض ؛كتاب يعلم الإنسان أن يعيش متفائلًا، أن يعيش مقبلًا على الحياة بكل الأمل متيقنًا أن الغد يحمل أخبارًا سارة وأن العيش سيكون أفضل وأن اليوم ينبغي أن يكون أفضل من الأمس وأن الغد يحمل معه تباشير الأمل. هذه النظرة المتفائلة للحياة تجعل الإنسان يستقبل أحداث الحياة التي قد تعلوها في بعض الأحيان أشياء من الصعوبات والشدائد والمحن المعتادة التي هي لا تخرج عن طبيعة الحياة، الحياة لا يمكن أن تصفو بدون كدر لا يمكن أن تبقى على طبيعة واحدة، الحياة من طبيعتها إذا أردنا بالفعل أن نفهم طبيعتها، من طبيعتها أنها تحمل الكدر في ثنايا الصفاء والنقاء، أنها قد يعرض فيها للإنسان المرض وهو في كامل صحته وعافيته وقوته.

السؤال كيف أستقبل تلك الأحداث بنفس متشائمة؟ بنفس مليئة بالإحباطات؟ بنفس لا ترى الغد إلا أنه يحمل الأسوأ؟

أم بنفس مطمئنة بنفس راغبة بالله سبحانه وتعالى متفائلة مقبلة عليه متيقنة أن الله سيكشف الضر والله سبحانه وتعالى منجز وعده للمؤمنين.  تأملوا قول الله عز وجل في سورة التوبة (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ ﴿٥٨﴾ وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ ﴿٥٩﴾ التوبة) صحيح الآيات في سياق الحديث عن المنافقين في أثناء تقسيم الصدقات لكن العبرة في القرآن قاعدة: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. الآية في آخر كلماتها (وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ) وبداية الآية (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ) أن أعيش الرضا أن أستشعر معنى الرضا عن قضاء الله سبحانه وتعالى وقدره هناك أحداث تمر بي كإنسان لا أملك حيالها شيئًا، لا أستطيع أن أغيّر مجرى الأحداث فيها، ليس لي فيها كسب. ما يتعلق بكسبي وعملي وأخذي بالأسباب هذا أمر لا غبار عليه ولكن لا ينبغي أن يتعارض مع حالة الرضا النفسي التي ينبغي أن تبقى في أعماق القلب مستقرة الرضا والتقبل لما يأتي به القضاء والقدر (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ) يكفينا الله سبحانه وتعالى. واستشعار المؤمن بكفاية الله عز وجل له يعني الوثوق بما سيأتي به الله سبحانه وتعالى الوثوق بوعده، الوثوق بعطائه، الشعور أن ما أنا فيه الآن من نعم، نعم الله سبحانه وتعالى تكفيني وتدفع بي نحو الأمل وتستمطر رحمة الله عز وجل وتستجلب ذلك الرضا. الرضا عن الله سبحانه وتعالى في قضائه وقدره من أعظم ما تستجلب به الرحمة، من أعظم ما تستجلب به المغفرة من أعظم ما يستجلب به التفريج عن الكروب ورفع الضر عن الإنسان. هذه المعاني العظيمة تأملوها ونحن نقرأ هذه الآية (وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) تأملوا معي هنا (السين) في المستقبل القريب، تأملوا في ثقة الإنسان المؤمن لو أن هؤلاء المنافقين قالوا واستشعروا حالة الرضا التي ينبغي أن يكون عليها قلب المؤمن وهو مستقبل لما عند الله سبحانه وتعالى واثق يأن الله سيؤتيه من فضله، بأن الله سيعطيه أحسن، بأن الأيام القادمة ستكون أفضل. هذه النظرة التفاؤلية التي تصنعها في نفسي هذه الآية العظيمة وتأملوا في قوله (إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ) ولذلك في تفسير هذه الآية يقول بعض المفسرين من المعاصرين كذلك: لو أن العبد إذا أصابته ضائقة في رزق، في مرض، في همّ، نزل به غم من أكدار الحياة المعتادة قال (وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ) فإن الله سبحانه وتعالى يكشف عنه ما قد نزل به من ضرّ. وعلى قدر يقين الإنسان وإيمان الإنسان وثقة المؤمن بعطاء الله ورحمته على قدر ما يعطيه الله سبحانه وتعالى، إحسان الظن بالله، استشعار تلك النظرة التي تحمل الأمل، تحمل الطمع والرغبة بما عنده سبحانه فالرب عز وجل خزائنه ملأى عطاياه لا تنفد عطاياه مستمرة علينا، نعمه سبحانه وتعالى تنزل علينا بالليل والنهار إن أخذ شيئًا فلربما أراد أن يعطينا ما هو أفضل ولربما أراد بحكمته سبحانه وتعالى أن يشعرنا بعظمة النعم التي نمتلك حتى يتجدد الإحساس بتلك النعم. بعض النعم حين يبدأ الإنسان يعتاد عليها وتصبح وكأنها شيء مألوف في حياته تفقد الطعم العجيب الذي يجعل فعلًا النعمة تُستقبل بالرضى، تُستقبل بالراحة، بالسعادة، بالحمد والشكر للمنعم الواهب سبحانه وتعالى. هذه النعم ربي سبحانه وتعالى يعالج عباده بين الحين والآخر يعالج عباده لكي يدعوهم إليه من جديد لتتجدد معاني الرضا والرحمة في قلوبهم وفي نفوسهم من جديد ولذلك في كل ما ينزل بنا من حوادث الدهر حكمة لله سبحانه وتعالى. هذه المعاني العظيمة إذا استشعرها المؤمن عاش حالة الرضا، عاش حالة الرضا غير المشروط، لأن رضاي عن الله سبحانه وتعالى رضاي عن قضائه وقدره لا ينبغي أن يكون مشروطا بالنعم فإن أخذ سبحانه لسبب أو لآخر وهو مالك الملك وهو الملك وأنا العبد وهو الرب الخالق الرزاق الوهاب المنعم وأنا عبد لا أملك لأمر نفسي من شيء، هذه المعاني إذا حدثت ينبغي أن يكون الرضى عن الله سبحانه وتعالى متواصل في الرخاء وفي الشدة، في المرض وفي الصحة، في إقبال الدنيا وفي إدبارها، في الأخذ وفي العطاء، هذه المعاني تتجدد معي وأنا أقول وأدعو الله سبحانه وتعالى بهذا الدعاء العظيم (وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ)

تفريغ موقع إسلاميات حصريًا [الأنترنت – موقع تدبر آية: حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِن فَضْلِهِ – أ د رقية العلواني]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : 

فهذه الحلقة الثامنة والستون بعد المائة في موضوع(الحسيب) وهي إستكمالا للماضية والتي بعنوان :

*كيف نتعبَّد لله تعالى باسمه " الوكيل " ؟

1) الاعتقاد الجازم بأن الوكيل من أسماء الله الحسنى ، و أن لله عز وجل من هذه الصفةِ الكمالَ المطلق .

2) التعبُّد لله تعالى بعبادة التوكل عليه ، و الاعتماد الكلي عليه ، و تفويض الأمور كلها إليه .

3) التوسُّل إلى الله تعالى عند الدعاء بأني توكلت عليك وحدك ، فهذا نبي الله شعيب يقول : ﴿ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ﴾ . [الأعراف: 89]

4) التعبُّد لله تعالى بترك التشاؤم ( التطير ) الذي هو ضد التوكل ؛ قال النبي صلى الله عليه و سلم : " لا عدوى و لا طِيرة " ، و قال أيضًا : " الطِّيَرة شِرك " ، و قال أيضًا في وصف الذين يدخلون الجنة بلا حساب و لا عذاب : " و لا يتطيَّرون ، و على ربهم يتوكَّلون " .

5) التعبُّد لله تعالى بالتماس رضاه ، و لو كان فيه سخَط الناس ، و التعبُّد كذلك بعدم طلب رضا الناس إذا كان فيه سخط الله عز وجل ؛ لأني إذا التمست رضاه كفاني مؤونة الناس ، و لم يَكِلْني إليهم ، و إذا التمست رضاهم دونه وكلني إليهم فلم يكن هو وكيلي ، و لم يحصل مني التوكل عليه دونهم ؛ قال النبي صلى الله عليه و سلم : " مَن التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه ، و أرضى عنه الناس ، و من التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه ، و أسخط عليه الناس " .

6) التعبُّد لله عز وجل بأخذ الأسباب التي أمرنا بها ، وهي مِن باب التوكل عليه، ولا تنافي التوكل في شيء؛ لأن الله تبارك وتعالى لا يأمرنا بشيء ينافي عبادته، فما جاءت الشريعة إلا بعبادته، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم وكَّل بلالًا أن يوقظهم للصلاة، ووكل أبا هريرة بحفظ زكاة رمضان ، و وكل أقوامًا بتسوية الصفوف للصلاة، ولا يمكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتوكل على غير الله عز وجل .

وهذا يفيدنا أن توكيل المخلوق فيما أقدره الله عليه لا بأس به؛ بشرط ألا يعتقد الموكِّل أن الموكَّل يملِك نفعًا أو ضرًّا، أو أن له تأثيرًا في إنجاز هذا العمل، وإنما يَدين أن الأمور كلها بيد الله تعالى؛ ولذلك لم تقَعْ ملامة من النبي صلى الله عليه وسلم لبلال عندما نام عن الصلاة حتى أيقظتهم الشمس وفاتتهم الصلاة، خاصة عندما قال بلال: أخَذ بنفسي الذي أخذ بأنفسكم.

7) التعبُّد لله عز وجل بترك الأسباب والأعمال التي يكلني فيها الله إلى نفسي؛ لأنها تنافي التوكل على الله تعالى، ومن ذلك:

أ‌ - القضاء الظالم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله مع القاضي ما لم يجُرْ، فإذا جار

 وكله إلى نفسه))، وهذا يعني أنه إذا كان يتحرى العدل فهو متعبد بالتوكل على الله تعالى.

ب‌ - سؤال الإمارة؛ فإن مَن سألها وُكل إلى نفسه، ومن أتته من غير بحث عنها أعانه الله عليها؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((لا تسأل الإمارة؛ فإنك إن تُعْطَها عن مسألةٍ توكل إليها، وإن تُعْطَها عن غير مسألةٍ تُعَنْ عليها))، ولقوله: ((مَن أُكره على عملٍ أعين عليه، ومن طلب عملًا وكل إليه)).

ت‌ - التعلق بغير الله تعالى؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((مَن تعلق شيئًا وُكل إليه)).

ث‌ - العلاج بالكي؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لم يتوكل مَنِ استرقى أو اكتوى))، قال البيهقي: وذلك لأنه ركِبَ ما يستحب التنزه عنه من الاكتواء والاسترقاء؛ لما فيه من الخطر، ومن الاسترقاء بما لا يعرف من كتاب الله عز وجل أو ذِكره؛ لجواز أن يكون شركًا، أو استعملها معتمدًا عليها لا على الله تعالى فيما وضع فيهما من الشفاء، فصار بهذا أو بارتكابه المكروه بريئًا من التوكل، فإن لم يوجد واحد من هذين وغيرهما من الأسباب المباحة لم يكن صاحبها بريئًا من التوكل، والله تعالى أعلم.

التعبُّد لله تعالى بدعائه ألا يَكِلني إلى نفسي، ولا إلى أحد من الناس،

 وهذا مقتضاه أن يجعل توكلي عليه وحده، وقد وردت أدعية نبوية عديدة بهذا المعنى، منها:

أ‌ - ((اللهم رحمتَك أرجو؛ فلا تكلني إلى نفسي طرفة عينٍ، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت)).

ب‌ - أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحدٍ: ((يا حي يا قيوم، برحمتك أستغيث، اكفِني كل شيءٍ، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عينٍ)).

ت‌ - ((اللهم فاطرَ السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، إني أعهد إليك عهدًا في هذه الحياة الدنيا، أني أشهَدُ أن لا إله إلا أنت، وحدك لا شريك لك، وأن محمَّدًا عبدك ورسولك، فإنك إن تكِلْني إلى نفسي تقربني من الشر، وتباعدني من الخير، وإني لا أثق إلا برحمتك، فاجعله لي عندك عهدًا تؤديه إليَّ يوم القيامة، إنك لا تخلف الميعاد)).

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : 

فهذه الحلقة التاسعة والستون بعد المائة في موضوع(الحسيب) وهي إستكمالا للماضية والتي بعنوان :

*كيف نتعبَّد لله تعالى باسمه " الوكيل " ؟

8) التعبُّد لله تعالى بدعاء الخروج من البيت، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: ((مَن قال - يعني إذا خرج من بيته -: بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له: كُفِيت، ووُقِيت، وتنحَّى عنه الشيطان))، وكذلك بمثل قوله: ((بسم الله، توكلتُ على الله، اللهم إنا نعوذُ بك مِن أن نَزِلَّ أو نَضِلَّ، أو نَظلم أو نُظلم، أو نَجهل أو يُجهل علينا)).

و كذلك بمثل قوله : " ما مِن مسلم يخرج من بيته يريد سفرًا أو غيره فقال حين يخرج: بسم الله، آمنت بالله، اعتصمت بالله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله - إلا رُزِقَ خيرَ ذلك المخرج، وصُرف عنه شر ذلك المخرج

9) التعبُّد لله عز وجل صباحا ومساءً في الأذكار بأن أقول ما جاء في قوله صلى الله عليه و سلم : " مَن قال إذا أصبح وإذا أمسى: ربي الله، توكلت على الله، لا إله إلا هو، عليه توكلت وهو رب العرش العظيم، لا إله إلا الله العلي العظيم، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، أعلم أن الله على كل شيء قدير، وأن الله قد أحاط بكل شيء علمًا ثم مات دخل الجنة " .

10) التعبُّد لله جل جلاله عند ظهور الدجال بما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إن رأسَ الدجال من ورائه حُبُكٌ حُبُكٌ، وإنه سيقول: أنا ربكم، فمن قال: أنت ربي افتتن، ومن قال: كذبتَ، ربي الله وعليه توكلت وإليه أنيب، فلا يضره، أو قال: فلا فتنة عليه " .

11) التعبُّد لله جل جلاله في دعاء الاستفتاح من صلاة الليل بما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوله: ((اللهم لك الحمد، أنت نور السموات والأرض، ولك الحمد، أنت قيَّام السموات والأرض، ولك الحمد، أنت رب السموات والأرض ومن فيهن، أنت الحق، وقولك الحق، ووعدك الحق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والساعة حق، اللهم لك أسلمتُ، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمتُ وأخرتُ، وأسررت وأعلنت، أنت إلهي لا إله إلا أنت)).

12) التعبُّد لله تعالى بأن أقول في الركوع : " اللهم لك ركعتُ ، و لك خشعت ، و لك أسلمت ، و بك آمنت ، و عليك توكلت ، و إليك أنبت ، و إليك المصير " .

13) التعبُّد لله تعالى بأن أقول عند نومي ما رواه البراء بن عازب: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال له: ((إذا أخذتَ مضجعك فتوضَّأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: اللهم إني أسلمت وجهي إليك، وفوضتُ أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبةً ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، واجعلهن من آخر كلامك، فإن مت من ليلتك متَّ وأنت على الفطرة))، قال: فرددتهن لأستذكرهن، فقلت: آمنت برسولك الذي أرسلت، قال: ((قل: آمنت بنبيك الذي أرسلت)).

14) التعبُّد لله عز وجل بهذا الدعاء : " اللهم لك أسلمت ، و بك آمنت ، و عليك توكلت ، و إليك أنبت ، و بك خاصمت، أعوذ بعزتك، لا إله إلا أنت، أن تُضِلَّني، أنت الحي الذي لا تموت، والجنُّ والإنس يموتون " .

15) التعبُّد لله عز وجل بقولنا : " حسبنا الله و نعم الوكيل " ، و ذلك عند اشتداد الكرب ، و في كل صباح و مساء ؛ تأسيًا بالأنبياء جميعًا عند الكرب ، و تأسيًا برسولنا الكريم في الصباح و المساء .

عن ابن عباس : " حسبنا الله ونعم الوكيل : قالها إبراهيمُ عليه السلام حين ألقي في النار ، و قالها محمد صلى الله عليه و سلم حين قالوا: ﴿ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ [آل عمران: 173] " . رواه البخاري

و عن أبي سعيدٍ الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " كيف أنعَمُ و قد التقم صاحبُ القَرْنِ القَرْنَ ، و حنى جبهته ، و أصغى سمعه متى يؤمر فينفخ في الصور ؟ " ، قالوا : فما تأمرنا يا رسول الله ؟ قال : " قولوا : حسبنا الله و نعم الوكيل ، توكلنا على الله " .

و عن عبدالله بن بريدة عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " مَن قال إذا أصبح وإذا أمسى: ربي الله الذي لا إله إلا هو العلي العظيم، توكلتُ على الله، وهو رب العرش العظيم، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، أعلم أن الله على كل شيءٍ قدير، وأن الله قد أحاط بكل شيءٍ علمًا ثم مات دخل الجنة " .

وعن هشام بن عامرٍ قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إن رأسَ الدجال من ورائه حُبُكٌ حُبُكٌ، وإنه سيقول: أنا ربكم، فمَن قال: أنت ربي افتتن، ومن قال: كذبتَ، ربي الله وعليه توكلت وإليه أنيب، فلا يضره، أو قال: فلا فتنة عليه "[ الأنترنت – موقع معرفة الله - كيف تتعبد لله تعالى باسمه الوكيل ؟ عبدالجواد أحمد عبدالجواد شاهين ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : 

فهذه الحلقة السبعون بعد المائة في موضوع(الحسيب) وهي إستكمالا للماضية والتي بعنوان :* الصفة المشتقة من اسم الله الحسيب :

السؤال : سائل يَسأل عن: الصفة التي تُشْتَقُّ من اسم الله الحسيب.

الجواب : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ،كلمة (الحسيب) في اللغة لها عدَّة مَعانٍ:

الأول: المحاسِب؛ تقول: فلان حسيبٌ على فلان؛ أي: يُحاسبه ويُجازيه.

وهذا المعنى يَصِحُّ إطلاقه على الله عز وجل؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾ [النساء: 6]، قال الطبري: "يقول تعالى ذِكْره: وكفاك يا محمد بالله حافظًا لأعمال خلقه، ومحاسبًا لهم عليها".

والمصدرُ أو الصفة التي بهذا المعنى هي: (الحساب) أو (المحاسبة)، وفي القرآن: ﴿ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [البقرة: 202].

الثاني: الشريف؛ تقول: فلان حسيبٌ نسيبٌ؛ أي: له حَسَبٌ ونسَبٌ.

والحسيبُ بهذا المعنى لا يُطلَق على الله عز وجل.

الثالث: الكافي؛ تقول: فلان حسيبُ فلان؛ أي: يَكفيه فلا يحتاج إلى غيره.

وفعيل بمعنى مُفعِل؛ لأنه مشتقٌّ من قولك: (أحسَبَني)؛ أي: كفاني، وهذا المعنى يَصِحُّ إطلاقُه على الله عز وجل، كما في قوله تعالى: ﴿ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾ [النساء: 6]، قال الطبري: "وكفى بالله كافيًا من الشهود... إلخ".

والمصدرُ أو الصفة التي بهذا المعنى هي (الإحساب).

الرابع: الحاسب؛ تقول: حسَب يحسُب؛ أي: أحصى وعدَّ، وهذا المعنى يَصِحُّ إطلاقُه على الله عز وجل أيضًا؛ كما في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا ﴾ [النساء: 86]، قال الطبري: "أصلُ الحسيب في هذا الموضع عندي فعيل مِن "الحساب"، الذي هو في معنى الإحصاء، يُقال منه: "حاسبتُ فلانًا على كذا وكذا"، و"فلان حاسبه على كذا"، و"هو حسيبه"، وذلك إذا كان صاحب حسابه".

والمصدرُ أو الصفة التي بهذا المعنى هي: (الحساب)، و(الحَسْب)، و(الحُسْبان) أيضًا. والله تعالى أعلم

[الأنترنت – موقع شبكة الألوكة   - الصفة المشتقة من اسم الله الحسيب ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : 

فهذه الحلقة الواحدة والسبعون بعد المائة في موضوع(الحسيب) وهي

 إستكمالا للماضية والتي بعنوان :

*{وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍۢ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ حَسِيبًا }

قال السعدى : التحية هي: اللفظ الصادر من أحد المتلاقيين على وجه الإكرام والدعاء، وما يقترن بذلك اللفظ من البشاشة ونحوها. وأعلى أنواع التحية ما ورد به الشرع، من السلام ابتداء وردًّا. فأمر تعالى المؤمنين أنهم إذا حُيّوا بأي تحية كانت، أن يردوها بأحسن منها لفظا وبشاشة، أو مثلها في ذلك. ومفهوم ذلك النهي عن عدم الرد بالكلية أو ردها بدونها. ويؤخذ من الآية الكريمة الحث على ابتداء السلام والتحية من وجهين أحدهما: أن الله أمر بردها بأحسن منها أو مثلها، وذلك يستلزم أن التحية مطلوبة شرعًا. الثاني: ما يستفاد من أفعل التفضيل وهو "أحسن" الدال على مشاركة التحية وردها بالحسن، كما هو الأصل في ذلك. ويستثنى من عموم الآية الكريمة من حيَّا بحال غير مأمور بها، كـ "على مشتغل بقراءة، أو استماع خطبة، أو مصلٍ ونحو ذلك" فإنه لا يطلب إجابة تحيته، وكذلك يستثنى من ذلك من أمر الشارع بهجره وعدم تحيته، وهو العاصي غير التائب الذي يرتدع بالهجر، فإنه يهجر ولا يُحيّا، ولا تُرد تحيته، وذلك لمعارضة المصلحة الكبرى. ويدخل في رد التحية كل تحية اعتادها الناس وهي غير محظورة شرعًا، فإنه مأمور بردّها وبأحسن منها، ثم أوعد تعالى وتوعد على فعل الحسنات والسيئات بقوله: { إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا } فيحفظ على العباد أعمالهم، حسنها وسيئها، صغيرها وكبيرها،ثم يجازيهم بما اقتضاه فضله وعدله وحكمه المحمود.

قال ابن كثير: قوله- تعالى- وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها أى: إذا سلم عليكم المسلم فردوا عليه بأفضل مما سلم، أوردوا عليه بمثل ما سلم. فالزيادة مندوبة والمماثلة مفروضة. فعن سلمان الفارسي قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم يا رسول الله. فقال «وعليك السلام ورحمة الله» ثم جاء آخر فقال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. ثم جاء ثالث فقال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته فقال له: (وعليك) فقال له الرجل: يا رسول الله، بأبى أنت وأمى أتاك فلان وفلان فسلما عليك فرددت عليهما أكثر مما رددت على.

فقال (إنك لم تترك لنا شيئا) قال الله- تعالى-: وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها فرددناها عليك. وفي الحديث دلالة على أنه لا زيادة في السلام على هذه الصفة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. إذ لو شرع أكثر من ذلك لزاده رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فأنت ترى أن الآية الكريمة تدعو المؤمنين إلى أن يردوا التحية على من يحيونهم وأن يفشوا هذه التحية بينهم، لأن إفشاءها يؤدى إلى توثيق علاقات المحبة والمودة بين المسلمين.

وقد ورد في الحض على إفشاء السلام أحاديث كثيرة منها ما رواه مسلم في صحيحه عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا.

ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم» .

وقوله إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً تذييل قصد به بعث الناس على

امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه.

أى: إن الله- تعالى- كان وما زال مهيمنا على عباده، بصيرا بكل أقوالهم وأعمالهم، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وسيحاسب الناس يوم القيامة على أفعالهم، وسيجازيهم عليها بما يستحقون فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ.

وإذا كان الأمر كذلك فالعاقل هو الذي يفعل ما أمره الله- تعالى- بفعله، ويجتنب ما أمره الله- تعالى- باجتنابه.

هذا وقد تكلم العلماء هنا كلاما طويلا في كيفية السلام وفي فضله، وفي بعض أحكامه المأثورة، فارجع إلى كلامهم إن شئت.

قال البغوى : التحية : هي دعاء الحياة ، والمراد بالتحية هاهنا ، السلام ، يقول : إذا سلم عليكم مسلم فأجيبوا بأحسن منها أو ردوها كما سلم ، فإذا قال : السلام عليكم ، فقل : وعليكم السلام ورحمة الله ، وإذا قال : السلام عليكم ورحمة الله ، فقل : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، فإذا قال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فرد مثله ، روي أن رجلا سلم على ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : السلام عليكم ورحمة الله

 وبركاته ، ثم زاد شيئا ، فقال ابن عباس : إن السلام ينتهي إلى البركة .

وروي عن عمران بن حصين : أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : السلام عليكم ، فرد عليه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " عشر " ثم جاء آخر فقال : السلام عليكم ورحمة الله ، فرد عليه فجلس،فقال:" عشرون " ثم جاء آخر فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،فرد عليه،فقال :" ثلاثون "

واعلم أن السلام سنة ورد السلام فريضة ، وهو فرض على الكفاية ، وكذلك السلام سنة على الكفاية فإذا سلم واحد من جماعة كان كافيا في السنة ، وإذا سلم واحد على جماعة ورد واحد منهم سقط الفرض عن جميعهم .

وعن أبي هريرة رضي الله عنهم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم "

وعن عبد الله بن عمرو أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الإسلام خير؟ قال : أن تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف " . ومعنى قوله : أي الإسلام خير ، يريد : أي خصال الإسلام خير .

وقيل:(فحيوا بأحسن منها) معناه أي إذا كان الذي سلم مسلما،(أو ردوها)  بمثلها إذا لم يكن مسلما .

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن اليهود إذا سلم عليكم أحدهم : فإنما يقول السام عليكم ، فقل عليك " .

قوله تعالى : ( إن الله كان على كل شيء حسيبا ) أي : على كل شيء من رد السلام بمثله أو بأحسن منه ، حسيبا أي : محاسبا مجازيا ، وقال مجاهد : حفيظا ، وقال أبو عبيدة : كافيا ، يقال : حسبي هذا أي كفاني

قال القرطبى : قوله تعالى : فحيوا بأحسن منها أو ردوها رد الأحسن أن يزيد فيقول : عليك السلام ورحمة الله ؛ لمن قال : سلام عليك . فإن قال : سلام عليك ورحمة الله ؛ زدت في ردك : " وبركاته " . وهذا هو النهاية فلا مزيد . قال الله تعالى مخبرا عن البيت الكريم رحمة الله وبركاته على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى .

فإن انتهى بالسلام غايته ، زدت في ردك

 الواو في أول كلامك فقلت : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته .

والرد بالمثل أن تقول لمن قال السلام عليك : عليك السلام ، إلا أنه

 ينبغي أن يكون السلام كله بلفظ الجماعة ، وإن كان المسلم عليه واحدا . روى الأعمش عن إبراهيم النخعي قال : إذا سلمت على الواحد فقل : السلام عليكم ، فإن معه الملائكة . وكذلك الجواب يكون بلفظ الجمع ؛ قال ابن أبي زيد : يقول المسلم : السلام عليكم ، ويقول الراد : وعليكم السلام ، أو يقول : السلام عليكم كما قيل له ؛ وهو معنى قوله أو ردوها ولا تقل في ردك : سلام عليك .

الأنترنت – موقع  {وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا}

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : 

فهذه الحلقة الثانية والسبعون بعد المائة في موضوع(الحسيب) وهي

 بعنوان :* فضائل حسبنا الله ونعم الوكيل :

   إن من الأذكار العظيمة والكلمات المباركة التي يجدُرُ بكلِّ مسلمٍ أن يُعنىٰ بها ؛ كلمةَ توكلٍ على الله وحُسْنَ التجاءٍ إلى الله عزَّ وجلَّ وردت في كتابِ اللهِ العزيز وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، من حفِظَها وحافظ عليها كان حريًّا بالتوفيق والسداد ، وأن يُكفىٰ ما أهمَّه من أمر دينه ودنياه ؛ ألا وهي - عباد الله- كلمةُ (حسـبنا الله ونعم الوكيل ).

وهي - أيُّها المؤمنون - كلمةَ التجاءٍ واستعانةٍ واعتمادٍ وتوكُّلٍ على الله عزَّ وجلَّ، وهي يُؤتى بها في باب جلب المنافع ودفع المضار ، وهي تعني : توكل العبد على الله ، والتجاءه إلى الله ، وطلب مَدِّه وعونه وتوفيقه وتسديده .

وقد ذُكرت -عباد الله- هٰذه الكلمة في كتاب الله جلَّ وعلا في مقام طلب المنافع ، وفي مقام دفع المضار :

فمن الأول: قول الله تبارك وتعالى ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ ﴾ [التوبة: 59] .

ومن الثاني - عباد الله- : قول الله تبارك وتعالى ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ [آل عمران:173-174].

وجُمِعَ الأمران في قول الله عزَّ وجلَّ : ﴿ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ

ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ [الزمر:38].

فقوله جل وعلا: ﴿ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ ﴾ أي : في جلب النعماء ، ودفع الضرِّ والبلاء .

عباد الله : ومما يُؤكَّدُ عليه في هٰذا المقام - مقام ذكر الله عزَّ وجلَّ - فهم الأذكار علىٰ بابها والإتيان بها في مواضعها دون إخلالٍ في المواضع والمعاني ، وكثيرًا ما يقع كثيرٌ من الناس في أخطاء في باب الأذكار ؛ إما في عدم الإتيان بها في مواضعها المناسبة ، أو في عدم فهم معانيها ودلالاتها ومقاصدها .

وكلمة " حسبنا الله ونعم الوكيل " كلمة التجاءٍ إلى الله عزَّ وجلَّ تقولها

طالبًا مدَّ الله وعونه فيما أهمك من جلب نعماءٍ أو دفع ضرٍّ وبلاء ، وقد جاء في عمل اليوم والليلة لابن السُّني رحمه الله تعالىٰ بإسنادٍ إلى أبي الدرداء وهو يُروىٰ مرفوعًا وموقوفًا - والموقوف صحيحٌ ثابت وله حكم الرفع - أنه قال: ((من قال حين يصبح وحين يمسي سبع مرات : حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم ؛ كفاه الله همه من أمر الدنيا والآخرة )) فهي كلمة التجاء إلى الله.

ويُستحضر في هذا المقام: أن (الحسيب) اسمٌ من أسماء الله الحسنى كما قال الله تعالى في موضعين من القرآن: ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾ [النساء: 6]، [الأحزاب: 39] ، والحسيب - عباد الله- أي : الكافي من توكل إليه ، الذي هو وحده جلَّ وعلا يدفع عن عبده ما أهمَّه ويجلب له خيره ومصالحه في دنياه وأُخراه ؛ فالله عزَّ وجلَّ هو الحسيب : أي الكافي الذي يكفي عبده ما أهمَّه في باب جلب المنافع وفي باب دفع المضار.

عباد الله : فما أحرانا أن نُعنىٰ بهٰذه الكلمة العظيمة متأملين في معناها متدبرين لدلالتها ، وأن نأتي بها في مواضعها المناسبة لنُكفىٰ ونوقىٰ بإذن الله عزَّ وجلَّ .

روى البخاري في صحيحه عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: (( ﴿ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالُوا: ﴿إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ )) ؛ فكلمة (حسبنا الله) هي كلمة الأنبياء، وهي كلمة التجاء إلى الله عزَّ وجلَّ واعتصامٌ به سبحانه وتعالىٰ .

أيُّها المؤمنون : ومن الأخطاء الشائعة في هٰذا الباب أنَّ بعض العامة يقول في استخدامه لهٰذه الكلمة، يقول: "حسبي الله علىٰ فلان" ، وفعله هٰذا يوصف بالتحسُّب؛ يُقال: تحسَّبَ فلانٌ على فلانٍ الذي ظلمه بأن قال "حسبي الله عليه" أو "حسبي الله علىٰ فلان" أو نحو ذٰلك مما هو يدور في هٰذا المعنى ؛ وهٰذا - عباد الله- ليس له أصلٌ في الألفاظ المأثورة المشروعة الواردة عن الرسول عليه الصلاة والسلام ولا عن صحبه الكرام رضي الله عنهم، وأرضاهم . أقول ذٰلك بعد مراجعةٍ مُطولَّة ونظرٍ في الأدلة الواردة في الباب ، ومن جهةٍ أخرىٰ فليس له معنىً مستقيم إذا تأملنا معنى التحسب وأنه طلب الكفاية من الله عزَّ وجلَّ ؛ ولهٰذا ينبغي علينا مراعاة الأذكار الشرعية المذكورة بألفاظها الواردة وفي أبوابها التي جاءت في سنة نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام .

عباد الله - : اتقوا الله تعالى ؛ فإن من اتقى الله وقاه وأرشده إلى خير دينه ودنياه.

   تذكروا - رعاكم الله - أننا في هٰذه الحياة الدنيا في دار ممر وعبورٍ ومن ورائها الدار الآخرة يوم نقف أجمعين بين يديِّ الله عزَّ وجلَّ وهناك يُسأل العباد عما قدَّموا في هٰذه الحياة ، فمن علم أنَّه واقفٌ بين يدي الله وأنَّ الله عز وجل سائله على ما قدَّم فليعد للمسألة جوابًا ، وليكن الجواب صوابًا ، والكيِّس من دان نفسه وعمِلَ لما بعد الموت ، والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنَّى على الله الأمانيِّ .[الأنترنت – موقع روضة الخطب المنبرية - خطبة: فضائل حسبنا الله ونعم الوكيل للشيخ عبدالرزاق البدر]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : 

فهذه الحلقة الثالثة والسبعون بعد المائة في موضوع(الحسيب) وهي

 بعنوان :* معلومة ثقافية عن (حسبي الله ونعم الوكيل ) :

    يعد قول حسبي الله ونعم الوكيل هو دعاء المؤمنين الذين يثقون بأن الله ناصرهم، حيث توجد العديد من فوائد حسبي الله ونعم الوكيل للمظلوم ونتائجها متعدد ومتفرعة في كل أمور الدنيا والآخرة، كما أن معرفة فوائد حسبي الله ونعم الوكيل للمظلوم ونتائجها، تجعل الإنسان مطمأناً بأن حقه لن يضيع ما دام له رب اسمه العدل. محتويات فوائد حسبي الله ونعم الوكيل للمظلوم ونتائجها :- حسبي الله ونعم الوكيل على الظالم :- نتائج قول حسبي الله ونعم الوكيل :- فضل حسبنا الله ونعم الوكيل 450 مرة :- فوائد حسبي الله ونعم الوكيل للرزق :- أهمية تكرار قول حسبي الله ونعم الوكيل :- فوائد حسبي الله ونعم الوكيل للمظلوم ونتائجها :- الإنسان أحياناً ما يتعرض للظلم أو الضيق أو الهموم في الدنيا، فلن يجد ملجأ سوى الله تعالى يدعوه ويتضرع إليه، ومن الأدعية التي دائماً ما يرددها الإنسان المسلم هو دعاء حسبي الله ونعم الوكيل، كما أنه يوجد العديد من فوائد حسبي الله ونعم الوكيل للمظلوم ونتائجها سريعة جداً. ولكن يجب على المسلم أن يعرف شروط الدعاء وآدابه، حتى يدعوا الله على بينة ومن شروط الدعاء وآدابه :- الإخلاص في الدعاء لله تعالى، يجب على الإنسان أن يكون خالص النية في الدعوة، لا يدعوا الله إلا من أجل الله لا رياء ولا نفاق في الدعاء أن يكون المسلم صادق التوكل على الله، واثقاً في استجابة الله لدعائه كما يجب على المسلم أن يدعوا الله في الرخاء قبل الشدة، فلا يجوز على المسلم أن يتوجه إلى الله في الأزمات والأوقات الصعبة، وينسى الله وشكره على نعمه في أوقات اليسر. يجب على المسلم ألا يتعدى على الله في الدعاء كما لا يجوز أن يدعوا الله بشيء محرم، أم قطيعة رحم. وتعتبر عدم استعجال المسلم بدعائه من أهم شروط وآداب الدعاء، فإن الله تعالى يستجيب لكل عبد مالم يتعجل. شاهد ايضًا : دعاء ليلة الجمعة المباركة المستجاب مكتوب مفهوم دعاء حسبنا الله ونعم الوكيل :- ترمز حسبنا الله إلى أن الله وحده هو الكافي، فهو يكفي العباد كل ما يصيبهم من هموم الدنيا وصعوباتها، وأنه هو وحده من يكفي عباده شرور أعدائهم ومن يرغب بهم السوء. بينما تحمل نعم الوكيل معنى المدح والثناء على الله تعالى، حيث ترمز إلى أن الله تعالى هو من يجب أن نتوكل عليه، كما أنه الحافظ. حسبي الله ونعم الوكيل على الظالم :- الكثير منا ما يسمع حسبي الله ونعم الوكيل على الظالم، فهذه الكلمات تتكرر في حالة التعرض للظلم الشديد، وحسبي الله ونعم الوكيل على الظالم تشير إلى عدم قدرة المظلوم وتحويل كل الأمر لله، فهو القادر على أخذ حق المظلوم من الظالم. فعندما يقول المظلوم حسبي الله ونعم الوكيل، فلا يعني ذلك الدعاء عليه، وإنما هو الإعتصام بالله واللجوء إليه، وأنه على ثقة بأن الله لن يضيعه أبداً، وأن الله لا يعجزه شيء. كما أن قول حسبي الله ونعم الوكيل من الأدعية المستجابة حتى ولو كان المظلوم فاسقاً، وذلك مصداقاً لقول الرسول صل الله عليه وسلم “دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجراً ففجوره على نفسه”. كما أن دعاء حسبي الله ونعم الوكيل إنما هو دعاء على الظالم، وثقة بأن الله لن يرضى بالظلم أبداً، وإن كان الصبر أفضل وذلك لأن الله أعد للصابرين أجراً عظيماً. نتائج قول حسبي الله ونعم الوكيل :- قول حسبي الله ونعم الوكيل هو انتقال الأمر من الأرض إلى السماء وتفويض الأمر كله لله، كما أن نتائج قول حسبي الله ونعم الوكيل نتائج إيجابية وسريعة في تحقيق ما يتمناه المسلم، كما أن نتائج قول حسبي الله ونعم الوكيل العظيمة تجعل العبد دائم التكرار لقول حسبي الله ونعم الوكيل ومن نتائج قول حسبي الله ونعم الوكيل :- قد جاء في قصة للصحابة عندما عمل المنافقين على إحداث فتنة بين المسلمين والتقليل من عزيمتهم، فلم يكن رد المسلمين سوى “حسبي الله ونعم الوكيل”. وقد جاءت هذه القصة في القرآن الكريم تأكيداً على فضل هذا الدعاء حيث يقول الله تعالى “الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ، الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ”، صدق الله العظيم.

وقد ورد في فضل حسبي الله ونعم الوكيل أن سيدنا إبراهيم قد دعا بهذا الدعاء حين ابتلي بأعظم محنة وهي إلقائه في النار، وقد دعا بها الرسول صل الله عليه وسلم،في مواجهة المشركين ونال الأجر الكبير والاستجابة من الله. كما أن هذا الدعاء من أعظم الأدعية كتابة ولهجة، كما أنه الأفضل في المرتبة.

  فكلما زاد تكرار قول حسبي الله ونعم الوكيل كلما كانت نتائجه أفضل،

ومنه الاعتصام بالله وجعله الملجأ الوحيد له، كما أن هذا الدعاء يكفي الإنسان الهم والغم والسوء الذي من الممكن أن يتعرض له المسلم نيل رضا وحفظ الله عز وجل وكذلك عنايته، ورزقه السعادة في الدنيا والآخرة.

الفرج القريب وتيسر الأمور كلها، وسعة الرزق، كما أن هذا الدعاء يلقي الرعب في قلب الظالم، وذلك لعلمه بقدرة الله عليه.

يعلم هذا الدعاء تفويض الأمر كله لله، والتوكل عليه، والاعتماد على الله وحده في رد الظلم وحماية المسلم من الشر والخوف والظلم.

تكرار هذا الدعاء يجعل الإنسان يتوكل على الله، فهو كافيه وما خاب من جعل الله وكيله ووضع ثقته في ربه عز وجل.

- هناك العديد من فوائد حسبي الله ونعم الوكيل للرزق، ومن فوائد حسبي الله ونعم الوكيل للرزق:- هذا الدعاء بقدرة الله يستطيع أن يقي المسلم من أي ابتلاء مهما كان، فقد نجا سيدنا إبراهيم من النار بفضل هذا الدعاء.

كما أن هذا الدعاء يستطيع أن يأتي بالنعم والخير والفضل والسعة في الرزق للإنسان الذي يدعو به، وذلك مصداقاً لقول الله تعالى بقدرة الله وعظمته تقي المسلم من أي شئ، “وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ”. حسبي الله ونعم الوكيل لها مفعول السحر في كل شيء بما فيها الرزق، فهذا الدعاء يمكن أن يحول الفقر إلى رخاء والحاجة إلى الخير الكثير، وليس ذلك فقط فقد كانت دعاء السيدة عائشة عندما اتهمها المنافقين، حتى برأها الله من فوق سبع سماوات. أهمية تكرار قول حسبي الله ونعم الوكيل :- جاء في موضوع فوائد حسبي الله ونعم الوكيل للمظلوم ونتائجها أن أهمية تكرار قول حسبي الله ونعم الوكيل يجعل الإنسان دائماً مطمأن النفس واثقاً في ربه، كما أن تكرار قول حسبي الله ونعم الوكيل تحول الإنسان من الهموم إلى الفرج، فتكرار هذا الدعاء له مفعول السحر على صاحبه. يقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم “من قال حين يصبح وحين يمسي، حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم سبع مرات كفاه الله  همه. تكرار حسبي الله ونعم الوكيل يقي الإنسان من الخوف والقلق، حيث أن من جعل الله حسبه، فالله يكفيه عن كل أشكال الخوف. حيث يقول تعالى: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ، فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ”. تكرار هذا الدعاء، يبعد عن الإنسان كل سوء وشر، فهذا الدعاء يجعل الإنسان واثق من أن الله لن يخذله، وأنهم دائماً ما يعيشون تحت رعاية الله عز وجل. يؤدي تكرار هذا الدعاء إلى الحصول على رضا الله عز وجل، وكذلك الإقرار بضعف الإنسان وفقره وحاجته إلى الله عز وجل، كما أنه يعلم الإنسان الإستغناء بالله عن جميع الخلق. شاهد ايضًا : دعاء صلاة الفجر مستجاب مكتوب لقضاء الحوائج وفي نهاية رحلتنا حول فوائد حسبي الله ونعم الوكيل للمظلوم ونتائجها أتمنى أن يكون قد نال اعجابكم، وسوف انتظر المزيد من التعليقات حول هذا الصدد ليستفيد منها الاخري[الأنترنت – موقع معلومة ثقافية عن (حسبي الله ونعم الوكيل )]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : 

فهذه الحلقة الرابعة والسبعون بعد المائة في موضوع(الحسيب) وهي

 بعنوان : * أسماء الله الحسنى المتعلقة بالولاية والموالاة :

اسم الله [الحسيب ] ضمن مجموعة أسماء الله الحسنى المتعلقة بالولاية والموالاة وهي: #الولي #المولى #الودود #المستعان #الوكيل #الحسيب

ومن الآثار العملية لاسم {الحسيب } :تقوى الله والعبودية الصادقة له في الأقوال والمعاملات وأداء الأمانات باتباع أحكامه وشرعه

#الوكيل من مجموعة الأسماء المتعلقة بالولاية والموالاة   تطمين رباني للنبيﷺ بأنه عالم بما يبيته له المنافقون فأرشده : {فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا} هو الوكيل الرزاق الكافي الولي المولى سبحانه -طمأنة العباد ليكلوا أمرهم إلى الوكيل

*الحسيب نعلم أننا مسؤولون في القبر ومسؤولون عن أربع: العمر والجسد والعلم والمال فلم لانحاسب أنفسنا من الآن لنحسن الإجابة عند السؤال؟!

متى أيقن العبد معنى اسم الحسيب تعلّق قلبه به وسارع إلى مرضاته واتقاه في قوله وفعله وسائر أمره فيثقل ميزان حسناته يوم الحساب بقدر صدق توكله على الله تكن كفايته له، هو كافيك وحسبه وناصره ووليه لأنه على كل شيء وكيل

* اسم الله الوكيل يشمل معاني الكفيل والحفيظ والكافي فمن كان الله وكيله فماذا يضيره؟ ومن كان الله كافيه وحافظه فممَ يخاف ويقلق؟!       [ الأنترنت – موقع  سمر الأرناؤوط ]

الخاتمة

     الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات انتهيت من هذا البحث المهم (الحسيب ) في ليلة الأحد الثامن عشر من شهر ربيع الثاني من العام الواحد والأربعون بعد الأربعمائة والألف من هجرة الحبيب صلى الله عليه وسلم في منزلي في العقيق بمنطقة الباحة بالمملكة العربية السعودية ...    وفيه أنه اسم من اسماء الله الحسنى بالدليل من القرآن والسنة والإجماع وفيه "حسبى الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم"   وهو من أعظم الأدعية فضلا ؛ وأعلاها مرتبة ، وأصدقها لهجة ؛ لأنه يتضمن حقيقة التوكل على الله عز وجل ، ومَن صَدَق في لجوئه إلى ربه سبحانه حقق له الكفاية المطلقة ، الكفاية من شر الأعداء ، والكفاية من هموم الدنيا ونكدها ، والكفاية في كل موقف يقول العبد فيه هذه الكلمة يكتب الله عز وجل له بسببها ما يريده ، ويكتب له الكفاية من الحاجة إلى الناس ، فهي اعتراف بالفقر إلى الله ، وإعلان الاستغناء عما في أيدي الناس قال تعالى {وكفى باللّه حسيبا} وقال { وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} وقال { إن الله كان على كل شيءٍ حسيباً } وقال { وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ  } وقال { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } وقال { وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } وقال { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } وقال { وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } وقال { قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} وقال{ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ }وغيرها من الآيات ....

  وهو عبارة عن تفسير موضوعي جمعت فيه نصوص قرآنية من كلام رب البرية ونصوص حديثية من كلام خير البرية ، وأقوال الصحابة والتابعين ومن تبعهم من الأئمة والعلماء والدعاة وطلاب العلم ، فإن اصبت فمن الله وإن اخطأت فمن نفسي والشيطان ، واستغفر الله من كل خطأ وخطيئة ،اسأل الله أن يجعله علماً نافعاً وعملاًصالحا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

وعنوان الباحث  – المملكة العربية السعودية – الباحة - العقيق- جوال : 0555516289

 

 

 

 

 

تأليف وجمع

 

الدكتور: مسفر بن سعيد دماس الغامدي