الحكمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحكمة المختصر
إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونستهديه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا اله الا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، قال تعالى:{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} آل عمران/ 120 وبعـــــد :
فهذه الحلقة الأولى في موضوع الحكمة وستكون بعنوان: المقدمة
عندما قرآت آيات الله في (الحكمة ) - وكل كلام
الله حكمة - ومنها قوله تعالى : ﴿يؤتي الحكمة من يشاء، ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً﴾[ البقرة/269] ، وقوله تعالى {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ ﴿ البقرة/ ٢٣١ ﴾
وقرآت أقوال رسول الله صل الله عليه وسلم في الحكمة - وكل كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم حكمة – لأنه وحي يوحى ؛ ومنها : (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه [متفق عليه] ، وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: "ضمّني النبي صلى الله عليه وسلم إلى صدره، وقال: (اللَّهُمَّ عَلِّمْه الحِكْمَةَ وَتَأْوِيلَ الْكِتَابِ)"[ رواه ابن ماجة، باب فضل ابن عباس، رقم: 166]....وتعريف ابن القيم للحكمة : " فعل ما ينبغي على الوجه الذي ينبغي في الوقت الذي ينبغي " [مدارج السالكين ] وأقوال العلماء ومنها : التعريف الجامع المانع للحكمة هو: (الإصابة في القول والعمل والاعتقاد ، ووضع كل شيء في موضعه بإحكام وإتقان) أدركت أن الحكمة هبة عظيمة من الحكيم – سبحانه - لمن شاء من عباده ،وأنها نعمة عظيمة من نعم الله التي لا تعد ولا تحصى ، وأنها مطلب لكل عاقل بل لكل مكلف ، وأن من حرمها فهو محروم من كل خير ، ويتخبط في أقواله وأفعاله ومواقفه ؛بل في جميع حياته ، وتشوقت لمعرفة المزيد عن هذا الخير العظيم ( الحكمة ) ؛ بل سألت الله أن يمن علي بالحكمة كما من بها على أولياءه ؛ فكان هذا البحث الرائع عن الحكمة اسأل الله أن يجعله علماً نافعاً وعملاً صالحاً وان يرزقني الحكمة آمين .
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثانية في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:
*المعنى اللغوي للحكمة :
الحكمة في اللغة مأخوذة من الفعل الثلاثي: (حكم)، ومعناه في أصل الوضع: منع.
قال ابن فارس :الحاء والكاف والميم أصل واحد، وهو المنع، وأول ذلك الحكم، وهو المنع من الظلم، وسميت حكمة الدابة لأنها تمنعها، ويقال: حكمت السفيه وأحكمته، إذا أخذت على يديه. . . والحكمة هذا قياسها؛ لأنها تمنع من الجهل)[- معجم مقاييس اللغة (4/103) مادة (حكم)، وانظر كذلك: القاموس المحيط (4/100)، مادة (الحكم)، ولسان العرب (12/141، 144)، مادة (حكم)، وقواعد الأحكام (1/52).] ولذلك يسمى المجرب المنسوب إلى المحكمة محكّم[ انظر: لسان العرب (12/143).]
ويطلق الحكم في اللغة - كذلك - على القضاء، يقال: حكم عليه بالأمر حكماً وحكومة، إذا قضى عليه، ومن صفات الباري سبحانه: الحكم، والحاكم، أي: القاضي، وبمعناهما: "الحكيم" لكونها على وزن فعيل بمعنى فاعل [ انظر: القاموس المحيط (4/99)، ولسان العرب (12/141)،ومختار الصحاح 1/62 ]
وهذا المعنى يرجع إلى الأول بالنظر إلى أن الحاكم يمنع الظالم [الأنترنت – موقع الملتقى الفقهي - مصطلح الحكمة –فضل الله ممتاز ]
وأيضاً : الحكمة بالكسر: العدل، والعلم، والحِلم، والنبوَّة، والقرآن، والإنجيل. وأحكمه: أتقنه فاستحكم، ومنعه عن الفساد، كحكمه حكما"[ القاموس المحيط للفيروز آبادي ] ومنه اشتقاق (الحِكمة) لأنها تمنع صاحبها من أخلاق الأرذال"[ المصباح المنير للفيومي ] وكذلك "الحكمة: العدل. ورجل حكيم: عدل حكيم.وأحكم الأمر أتقنه ،والحكيم: المتقن للأمور والحكمة: وضع الشيء في موضعه"[ الحدود الأنيقة والتعريفات الدقيقة، للقاضي زكريا محمد الأنصاري ] و"الحكمة من العلم، والحكيم العالم وصاحب الحكمة. والحكيم أيضا المتقن للأمور[ مختار الصحاح للرازي و"الحكمة: علم يُبحث فيه عن حقائق الأشياء على ما هي عليه في الوجود بقَدْر الطاقة البشرية، فهي علم نظري غير آليّ"[ الأنترنت – موقع ناشري - معنى الحكمة في القرآن والسنة - محمد احميمد ]
وقال الشيخ سعيد بن وهف القحطاني : جاءت كلمة الحكمة في اللغة بعدة معان، منها:
1 - تستعمل بمعنى: العدل، والعلم، والحلم، والنبوة، والقرآن، والإنجيل. وأحكم الأمر: أتقنه فاستحكم، ومنعه عن الفساد [انظر:القاموس المحيط، لسان العرب ، ومختار الصحاح]
2 - والحكمة عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم
3 - والحكيم: المتقن للأمور، 4 - والحَكَمُ والحكيم هما بمعنى: الحاكم والقاضي، 5 - والحكمة: إصابة الحق بالعلم والعقل 6 - والحكيم: المانع من الفساد، والحكمة من هذا؛ لأنها تمنع صاحبها من الجهل، 7 - والحَكَمَةُ: ما أحاط بحنكي الفرَس، 8 - والحُكْمُ: هو المنع من الظلم، وسميت حكمة الدابة، لأنها تمنعها، يقال: حكمت الدابة وأحكمتها، [الأنترنت – موقع المكتبة الشاملة – الشيخ سعيد بن وهف القحطاني ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثالثة في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:
*العلاقة بين التعريف اللغوي والشرعي
عند التأمل والنظر نجد علاقةً قويةً بين المعنى اللغوي والشرعي، فكلاهما يجعل العلم النافع، والعمل الصالح الصواب المحكم المتقن أصلاً من أصول الحكمة، وعلى هذا فيكون التعريف الجامع المانع للحكمة هو: (الإصابة في القول والعمل والاعتقاد ووضع كل شيء في موضعه بإحكام وإتقان)
وبهذا التعريف يتبيَّن ويتَّضح أن الحكمة في الدعوة إلى اللَّه لا تقتصر على الكلام اللين،أو الترغيب، أو الحلم، أو الرفق، أو العفو ... بل هي إتقان الأمور وإحكامها بأن تنزل جميع الأمور منازلها، فيوضع القول الحكيم والتعليم والتربية في مواضعها، وتوضع الموعظة في موضعها، والمجادلة بالتي هي أحسن في موضعها، ومجادلة الظالم المعاند في موضعها، كما قال - عز وجل - {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [ سورة العنكبوت، الآية: 46 ] ويُوضع الزجر والقوة، والغلظة، والشدة، والسيف في مواضعها، وهذا هو عين الحكمة. وقد قال أحكم الحاكمين لسيد الحكماء والناس أجمعين: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [ سورة التوبة، الآية: 73، وانظر: سورة التحريم، الآية: 9 ] كل ذلك بإحكام وإتقان ومراعاة لأحوال المدعوين، والأزمان، والأماكن في مختلف العصور والبلدان، وبإحسان القصد والرغبة فيما عند الكريم المنان [ انظر: فتاوى شيخ الإسلام، 19/ 164، ومفتاح دار السعادة لابن القيم، 1/ 194، والتفسير القيم، ص344، وتفسير ابن كثير 3/ 416، وزاد الداعية إلى الله للشيخ محمد بن صالح العثيمين - رضي الله عنه -، ص15.]
ومن أراد البرهان العملي على ذلك فعليه أن ينظر إلى ما كان عليه رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، ومعاملته لأصناف الناس، وهو الذي أعطاه اللَّه من الحكمة ما لم يعطِ أحداً من العالمين[ انظر: التفسير القيم لابن القيم، ص344، الهامش.][الأنترنت – موقع المكتبة الشاملة - سلسلة مؤلفات سعيد بن علي بن وهف القحطاني ]
*آيات ورد فيها الحكمة{يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ ﴿٢٦٩ البقرة﴾
{وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا }٢٦٩ البقرة﴾
{ذَٰلِكَ مِمَّا أَوْحَىٰ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ }٣٩ الإسراء﴾
{وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ ﴿١٢ لقمان﴾{وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ﴿٢٠ ص﴾{قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴿٣٢ البقرة﴾{فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴿١١٣ البقرة﴾{وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿١٢٩ البقرة﴾ {يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ﴿١٢٩ البقرة﴾ {يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴿١٥١ البقرة﴾{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ ﴿١٨٨ البقرة﴾
{فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴿٢٠٩ البقرة﴾{وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ﴿٢١٣ البقرة﴾{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴿٢٢٠ البقرة﴾{وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴿٢٢٨ البقرة﴾{وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ ﴿٢٣١ البقرة﴾{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌحَكِيمٌ ﴿٢٤٠ البقرة﴾{وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ﴿٢٥١ البقرة﴾ {ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴿٢٦٠ البقرة﴾
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الرابعة في موضوع الحكمة وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:
*آيات ورد فيها الحكمة، ومعنى الحكمة في الاصطلاح
قال تعالى :{هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُالْحَكِيمُ ﴿٦ آل عمران﴾{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ ﴿٧ آل عمران﴾
{وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿١٨ آل عمران﴾{يُدْعَوْنَ إِلَىٰ كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِنْهُمْ ﴿٢٣ آل عمران﴾{وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ ﴿٤٨ آل عمران﴾{ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴿٥٥ آل عمران﴾[ الأنترنت – موقع المعاني ]
*معنى الحكمة في الاصطلاح
الحكمة في الاصطلاح العام : هي معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم، ولذا يقال لمن يحسن دقائق الصناعات ويتقنها: "حكيم"، وحكيم هنا على وزن فعيل بمعنى مُفْعِل- انظر: لسان العرب (12/140 - 141)، والقاموس المحيط (4/100)، ومختار الصحاح (1/62).
وقد يعبر بها أحياناً عن العدل فيقال: رجل حكيم أي عدل [انظر: القاموس المحيط (4/100)، ولسان العرب (12/143)، ومختار الصحاح (1/62).
وأفضل تعريف لها في الاصطلاح العام هو تعريف الشريف الجرجاني (ت816هـ) حيث قال: " الحكمة علم يبحث فيه عن حقائق الأشياء على ما هي في الوجود بقدر الطاقة البشرية، فهي علم نظري غير آلي، والحكمة أيضاً هي هيئة القوة العقلية العلمية المتوسطة بين الغريزة التي هي إفراط هذه القوة، والبلادة التي هي تفريطها"[- التعريفات (ص104)،] وانظر كذلك: التوقيف على مهمات التعاريف (1/292). وهي بهذا التعريف تشمل كافة التصرفات الموزونة الناشئة عن علم ومعرفة وتجربة من الأقوال والأفعال وغيرها.
أما معنى الحكمة في الاصطلاح الشرعي:
فتطلق الحكمة في الاصطلاح الشرعي على العلم والفقه المستند إلى النظر الخاص، والفهم الدقيق، قال تعالى: ﴿يؤتي الحكمة من يشاء، ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً﴾[- سورة البقرة، الآية (269).،] وقال سبحانه: ﴿ولقد آتينا لقمان الحكمة﴾[- سورة لقمان، الآية (12).] قال الإمام مالك (ت177هـ): "من شأن ابن آدم أن لا يعلم ثم يعلم أما سمعت قول الله تعالى: ﴿إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً﴾[سورة الأنفال / 29] وقال أيضاً: "إن الحكمة مسحة ملك على قلب العبد"، وقال: "الحكمة نور يقذفه الله في قلب العبد"، وقال: "يقع بقلبي أن الحكمة الفقه في دين الله، وأمر يدخله الله القلوب من رحمته وفضله[انظر:الموافقات4/97 - 98
ولعل هذا هو سبب تسمية الباري سبحانه لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم بـ (الحكمة) في مواضع كثيرة من الكتاب العزيز[ انظر الآيات (129، 151، 231) ]من سورة البقرة، والآية (164) من سورة آل عمران، والآية (113) من سورة النساء، والآية (2) من سورة الجمعة.
وحيث قرنت الحكمة بالكتاب في آيات القرآن الكريم، فالمراد بها السنة النبوية.
قال الإمام الشافعي (ت204هـ): "ذكر الله الكتاب وهو القرآن، وذكر الحكمة، سمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة: سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم"[ الرسالة (ص78)، وانظر في تسمية السنة بالحكمة: المصدر ذاته (ص32، 93، 103).]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الرابعة في موضوع الحكمة وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:
* معنى الحكمة في الاصطلاح
قال أبو إسماعيل الهروي: (الحِكْمَة اسم لإحكام وضع الشيء في موضعه)
وقال ابن القيِّم: (الحِكْمَة: فعل ما ينبغي، على الوجه الذي ينبغي، في الوقت الذي ينبغي)
وقال النَّووي: (الحِكْمَة، عبارة عن العلم المتَّصف بالأحكام، المشتمل على المعرفة بالله تبارك وتعالى، المصحوب بنفاذ البصيرة، وتهذيب النَّفس، وتحقيق الحقِّ، والعمل به، والصدِّ عن اتِّباع الهوى والباطل، والحَكِيم من له ذلك). [الأنترنت – موقع الدرر السنية ]
*ومن معاني كلمة ( الحكمة ) في القرآن الكريم أنها السنة النبوية
إن الله تعالى أنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم شيئين ، وهما الكتاب والحكمة ، فالكتاب هو القرآن الكريم ، والحكمة ، لم يبق لها معنى إلا أن تكون سنة الرسول صلى الله عليه وسلم . وقد أكد الرسول صلى الله عليه وسلم هذا المعنى فقال : ( أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ ) رواه أبو داود (4604) .
قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري : ( أوتيت الكتاب ومثله معه ) قال أهل العلم : أراد بذلك السنة التي أوتي" . انتهى من شرح ابن بطال (19/473) وقال أيضا: " كان جبريل ينزل عليه بالسنن كما يأتيه بالقرآن، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : (أوتيت الكتاب ومثله معه ) يعنى : من السنن"
وبهذا يتبين أن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وحي منزل من الله تعالى ، وهي الحكمة التي أنزلها الله على رسوله صلى الله عليه وسلم .
وتأمل قوله سبحانه مخاطبا أمهات المؤمنين : ( وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ) الأحزاب/34، وما الذي كان يتلى ويذكر في بيوت النبي صلى الله عليه وسلم ؟ أليس هو القرآن والسنة
وقال ابن رجب رحمه الله :" من قال الحكمة : السنة ، فقوله الحق ؛ لأن السنة تفسر القرآن ، وتبين معانيه ، وتحض على اتباعه [لطائف المعارف " (ص/84]ولو قيل : لماذا استعمل اسم " الحكمة "، ولم يقل " السنة " ؟
فالجواب على هذا أنها أسماء مترادفة لشيء واحد ، فالسنة هي الحكمة ، وهي الطريقة ، وهي البيان ، وهي الهَدْي .. إلى آخر الأوصاف والأسماء التي أطلقت في الكتاب والسنة عليها ، فأي ضير في اختيار أحدها وإطلاقه في الآيات الكريمات .
وفي هذا الإطلاق ( الحكمة ) مدح للسنة وحث على التمسك بها ، فمن أراد الصواب في القول والعمل فعليه بهدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنته .
و كلمة(الحكمة) لها عدة معانٍ ، وليس معنى واحدا ، والذي يحدد معناها هو السياق الذي وردت فيه ، فليست كلمة(الحكمة) في جميع الآيات لها نفس المعنى .
قال الشيخ ابن باز: الحكمة كلمة مشتركة ، تطلق على معان كثيرة ، تطلق على النبوة ، وعلى العلم والفقه في الدين ، وعلى العقل ، وعلى الورع ، وعلى أشياء أخرى ،
والخلاصة : أن ( الحكمة ) في آيات القرآن الكريم وردت وأريد بها سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، كما وردت في آيات أخرى ولها معان أخرى .[ الأنترنت – موقع الإسلام سؤال وجواب ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الخامسة في موضوع الحكمة وستكون إستكمالا للماضيتين والتي هي بعنوان:
* معنى الحكمة في الاصطلاح
قال الدكتور /صالح بن عبد الله بن حميد في تعريف الحكمة :
الحكمة مأخوذ من الحكمة - بفتح الكاف والميم –
وهو ما يوضع للدابة كي يذللها راكبها فيمنع جماحها . ومنه اشتقت الحكمة قالوا : لأنها تمنع صاحبها من أخلاق الأراذل [ المصباح المنير 56 ]والحكمة في حقيقتها : وضع الأشياء في مواضعها .
وهذا تعريف عام يشمل الأقوال والأفعال وسائر التصرفات ، ولعلك أخي الفاضل تدرك أن الحكمة التي نرمي إلى بيانها في هذه المقالة هي الحكمة التي ينبغي أن يتصف بها القائم بالدعوة إلى الله ، ومن أجل هذا فهي غالبا ما تكون قولا في علم وموعظة أو تصرفا نحو الآخرين من أجل دفعهم إلى الخير أو صرفهم عن الشر
وفي هذا المفهوم . يقول ابن زيد : ( كل كلمة وعظتك أو دعتك إلى مكرمة أو نهتك عن قبيح فهي حكمة )
وأدق من هذا قول أبي جعفر محمد بن يعقوب :
(كل صواب من القول ورث فعلا صحيحا فهو حكمة ) . وفي تعريفات الجرجاني : ( كل كلام وافق الحق فهو حكمة ) . وفي قوله تعالى:{يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}سورة البقرة/ 269 ] ربطت الآية الكريمة بين الحكمة والخير ، ووجه هذا الارتباط أن الحكمة تشمل المعاني الصائبة من السداد في القول والفعل .
وبمعنى آخر : فإن الحكمة إتقان العلم وإجراء الفعل على وفق ذلك العلم ، ومن شاء إيتاءه هذه الحكمة - أي خلقه مستعدا لذلك قابلا له ، من سلامة التفكير واعتدال القوى والطبائع - فيكون قابلا لفهم الحقائق منقادا إلى الحق إذا لاح له ، لا يصده عن ذلك هوى ولا عصبية ولا مكابرة ولا أنفة . ثم ييسر له أسباب ذلك من حضور الدعاة وسلامة البقعة من المعاندين العتاة ، فإذا انضم إلى ذلك توجهه إلى الله بأن يزيد أسبابه تيسيرا ، ويمنع عنه ما يحجب الفهم فقد كمل له التيسير .وحينئذ يتحقق له الخير الكثير في قوله سبحانه : { فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا } .
فالخير الكثير منجر إليه سداد الرأي والهدى الإلهي ، ومن تفاريع هذا الخير ما يتولد من قواعد الحكمة التي تعصم من الوقوع في الغلط والضلال بمقدار التوكل في فهمها واستحضار مهمها . لأنك إذا تتبعت ما يحل بالناس من المصائب تجد معظمها من جراء الجهالة والضلالة والرأي الآفن ، وبعكس ذلك فإن ما يجتنيه الناس من المنافع والملائمات مجتلب من المعارف والعلم بالحقائق ، ولو علم الناس الحق على وجهه لاجتنبوا
مواقع البؤس والشقاء [ التنوير والتحرير 3 / 64 ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة السادسة في موضوع الحكمة وستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان:
* معنى الحكمة في الاصطلاح
وبمعنى آخر : فإن الحكمة إتقان العلم وإجراء الفعل على وفق ذلك العلم ، ومن شاء إيتاءه هذه الحكمة - أي خلقه مستعدا لذلك قابلا له ، من سلامة التفكير واعتدال القوى والطبائع - فيكون قابلا لفهم الحقائق منقادا إلى الحق إذا لاح له ، لا يصده عن ذلك هوى ولا عصبية ولا مكابرة ولا أنفة . ثم ييسر له أسباب ذلك من حضور الدعاة وسلامة البقعة من المعاندين العتاة ، فإذا انضم إلى ذلك توجهه إلى الله بأن يزيد أسبابه تيسيرا ، ويمنع عنه ما يحجب الفهم فقد كمل له التيسير .
وحينئذ يتحقق له الخير الكثير في قوله سبحانه : { فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا } .فالخير الكثير منجر إليه سداد الرأي والهدى الإلهي ، ومن تفاريع هذا الخير ما يتولد من قواعد الحكمة التي تعصم من الوقوع في الغلط والضلال بمقدار التوكل في فهمها واستحضار مهمها . لأنك إذا تتبعت ما يحل بالناس من المصائب تجد معظمها من جراء الجهالة والضلالة والرأي الآفن ، وبعكس ذلك فإن ما يجتنيه الناس من المنافع والملائمات مجتلب من المعارف والعلم بالحقائق ، ولو علم الناس الحق على وجهه لاجتنبوا مواقع البؤس والشقاء [ التنوير والتحرير 3 / 64 ]
يتبين من مجموع ما سبق أن الحكمة كلمة عامة تشمل الأقوال التي فيها إيقاظ للنفس ووصاية بالخير ، وإخبار بتجارب السعادة والشقاوة ، وكليات جامعة لأصول الآداب . . . فهي معرفة خالصة من شوائب الأخطاء وبقايا الجهل في تعليم الناس وتهذيبهم وتوجيههم .
إنها اسم جامع لكل كلام أو علم يراعى فيه إصلاح حال الناس واعتقادهم إصلاحا مستمرا لا يتغير [ التنوير والتحرير 3 60 - 63 ، 41 / 35 ][الأنترنت – موقع الموسوعة الشاملة - مفهوم الحكمة في الدعوة ] المؤلف : صالح بن عبد الله بن حميد]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة السابعة في موضوع الحكمة وستكون بعنوان: *معنى الحكمة المتعلقة بحق الله.
قال ابن قيم الجوزية :معنى الحكمة في فعال الله:(هي الغاية التي يفعل لأجلها،وتكون هي المطلوبة بالفعل،ويكون وجودها أولى من عدمها) [ مدار السالكين(3/461) ]
وقال أيضاً:(هي الغاية المحبوبة له، المطلوبة، التي هي متعلق محبته وحمده، ولأجلها خلق فسوى، وقدر فهدى، وأمات وأحيا، وأسعد وأشقى، وأضل وهدى، ومنع وأعطى، وهذه الحكمة هي الغاية، والفعل وسيلة إليها) [ طريق الهجرتين/90]
وقال كذلك ذاكرا ما تتضمنه حكمة الله من المعاني: ( والحكمة تتضمن: كمال الارادة والعدل والرحمة والاحسان والجود والبر ووضع الاشياء في مواضعها على احسن وجوهها، ويتضمن ارسال واثبات الثواب والعقاب، كل هذا العلم من اسمه الحكيم كما هي طريقة القران في الاستدلال على هذه المطالب العظيمة بصفة الحكمة والإنكار على من يزعم أنه خلق الخلق عبثا وسدى وباطلا فحينئذ صفة حكمته تتضمن الشرع والقدر والثواب والعقاب) [زاد المهاجر : 69 ]
وقال عنها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :( الغايات المحمودة في مفعولاته وأوامره وهي ما تنتهي إليه مفعولاته ومأموراته من العواقب الحميدة) [ مجموع الفتاوى 3/19]
وكذلك قال شيخ الإسلام :(معنى كونه يفعل لحكمة:أنه يفعل مرادا لمراد آخر يحبه، فإذا كان الثاني كذلك لم يلزم أن يكون الأول كذلك) [ شرح الأصبهانية- تحقيق:د:محمد السعوي ] وقال الشيخ السعدي :معنى اسم الله (الحكيم):(أي الموصوف بكمال الحكمة، وبكمال الحكم بين عباده)
ثم بين معنى (الحكمة) في حق الله تعالى فقال : (فالحكمة هي سعة العلم والاطلاع على مبادئ الأمور وعواقبها،وعلى سعة الحمد حيث يضع الأشياء مواضعها وينزلها منازلها، ولا يتوجه إليه سؤال، ولا يقدح في حكمته مقال) [ فتح الرحيم الملك العلام/31]
*أقسام الحكمة في حق الله:
ذكر شيخ الإسلام أن الحكمة في حق الله تتضمن أمرين:1/حكمة تعود إلى الله 2/حكمة تعود إلى العباد
وذلك مقول في التقدير والأمر الكوني، وكذلك الشرعي ؛فالأوامر الكونية فيها حكمة تعود إلى الله وهو يحبها ويرضاها
وفيها حكمة تعود إلى الناس يفرحون بها ويلتذون بها ، وكذلك الأوامر الشرعية فيها حكمة تعود إلى الله وهو يحبها ويرضاها.
وفيها حكمة تعود إلى الخلق ولتحقيق مصالحهم، حتى لو لم يعلموا بها.
قال رحمه الله:( وكل ماخلقه الله فله فيه حكمة كما قال :{صنع الله الذي أتقن كل شيء} وقال: {الذى أحسن كل شيء خلقه} و هو سبحانه غنى عن العالمين،
فالحكمة تتضمن شيئين: أحدهما: حكمة تعود إليه يحبها و يرضاهاو الثاني: إلى عباده هي نعمة عليهم يفرحون بها و يلتذون بها)
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثامنة في موضوع الحكمة وستكون بعنوان: *معنى الحكمة المتعلقة بحق الله.
ثم ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن هذا مقول في التقديرات والأوامر الكونية وكذلك الأوامر الشرعية، فقال: (و هذا في المأمورات و في المخلوقات أما في
المأمورات فإن الطاعة هو يحبها و يرضاها و يفرح بتوبة التائب أعظم فرح يعرفه الناس، فهو يفرح أعظم مما يفرح الفاقد لزاده و راحلته في الأرض المهلكة إذا و جدها بعد اليأس، كما أنه يغار أعظم من غيرة العباد و غيرته: أن يأتي العبد ما حرم عليه، فهو يغار إذا فعل العبد ما نهاه، و يفرح إذا تاب و رجع إلى ما أمره به ) فهذا في بيان الحكمة العائدة إلى الله في أوامر الشرعية.
ثم بين رحمه الله الحكمة التي تعود إلى العباد في الأوامر الشرعية فقال: (والطاعة عاقبتها سعادة الدنيا و الآخرة، و ذلك مما يفرح به العبد المطيع.
فكان فيما أمر به من الطاعات عاقبته حميدة تعود إليه و إلى عباده ففيها حكمة له و رحمة لعباده. قال تعالى : { ياأيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ، تومنون بالله و رسوله و تجاهدون في سبيل الله بأموالكم و أنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون، يغفر لكم ذنوبكم و يدخلكم جنات تجرى من تحتها الأنهار و مساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم، و أخرى تحبونها نصر من الله و فتح قريب و بشر المؤمنين} الصف(10-13) ففي الجهاد عاقبة محمودة للناس في الدنيا يحبونها و هي النصر و الفتح و في الآخرة
الجنة و فيه النجاة من النار.
و قد قال في أول السورة:{ إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص} فهو يحب ذلك ففيه حكمة عائدة إلى الله تعالى و فيه رحمة للعباد و هى ما يصل إليهم من النعمة في الدنيا و الآخرة هكذا سائر ما أمر به .
و كذلك ما خلقه ؛خلقه لحكمة تعود إليه يحبها و خلقه لرحمة بالعباد ينتفعون بها } [ مجموع الفتاوى ج: 8 ص: 35-37]
وقد بين رحمه الله في موضع آخر أن الحكمة الناشئة من الأمر ثلاثة أنواع:
أحدها: أن تكون في نفس الفعل و إن لم يؤمر به كما في الصدق و العدل و نحوهما من المصالح الحاصلة لمن فعل ذلك و إن لم يؤمر به .و الله يأمر بالصلاح و ينهى عن الفساد.
و النوع الثاني: أن ما أمر به و نهى عنه صار متصفا بحُسنٍ اكتسبه من الأمر و قُبحٍ اكتسبه من النهي
كالخمر التي كانت لم تحرم ثم حرمت فصارت خبيثة و الصلاة إلى الصخرة التى كانت حسنة فلما نهى عنها صارت قبيحة ...
والنوع الثالث: أن تكون الحكمة ناشئة من نفس الأمر وليس في الفعل البتة مصلحة لكن المقصود ابتلاء العبد هل يطيع أو يعصي فإذا اعتقد الوجوب وعزم على الفعل حصل المقصود بالأمر فينسخ حينئذ.
كما جرى للخليل في قصة الذبح فإنه لم يكن الذبح مصلحة ولا كان هو مطلوب الرب في نفس الأمر بل كان مراد الرب ابتلاء إبراهيم ليقدم طاعة ربه ومحبته على محبة الولد ...و مثل هذا الحديث الذي في صحيح البخاري حديث أبرص و أقرع و أعمى كان المقصود إبتلاءهم لا نفس الفعل) [ مجموع الفتاوى ج: 17 ص: 201]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة التاسعة في موضوع الحكمة وستكون بعنوان: *أنواع الحكمة المتعلقة بحق الله عند ابن القيم
قال ابن القيم : إن الحكمة نوعان:
1/حكمة في مخلوقاته(أو تقديره الكوني)، وهي نوعان:
أ-الإحكام والإتقان لما خلقه تعالى
ب-كونه خلقها لغايات محموده ترجع إليه
2/حكمة في شرعه(أو تقديره الشرعي)، وهي نوعان كالسابق:
أ/الإحكام والإتقان لما شرعه سبحانه
ب/كونه قد شرعها لغايات محموده ترجع إليه
[الأنترنت – موقع العقيدة والحياة - حكمة الله تعالى - د. تميم القاضي]
وقد امتن الله سبحانه على بعض عباده فآتاه الحكمة، كما قال تعالى: { يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269].
قال ابن جرير الطبري: "فتأويل الكلام: يؤتى الله إصابة الصواب في القول والفعل من يشاء ومن يؤتيه الله ذلك فقد آتاه خيرا كثيرا" ا هـ [ جامع البيان للطبري (3/60 – 61) ]
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعملها» [متفق عليه].
وقد ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله تعريفا جميلاً للحكمة ـ تناقله الناس من بعده ـ فقال: "فالحكمة إذا: فعل ما ينبغي، على الوجه الذي ينبغي، في الوقت الذي ينبغي"[مدارج السالكين 2/449 ]
وترد (الحكمة) في القرآن على نوعين: [ ذكر ذلك ابن القيم كما في التفسير القيم (226 – 227)] لكنه محل بحث وتأمل لأنه ورد في القرآن ذكر الحكمة مقرونا بالكتاب ولم يكن المراد بها السنة كقوله تعالى: }فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ{[النساء: 54]، وقوله: }وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ{ [المائدة: 110] ونحو ذلك من الآيات، إلا أن يقال بأنه متى كان الخطاب موجها للنبي أو لأزواجه أو لأصحابه أو لأمته فإن المراد بالحكمة: السنة، حينئذ فلا إشكال فيه كقوله تعالى: }وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ{[الأحزاب: 34].
النوع الأول: أن تأتي مقرونة بالكتاب، فهي بمعنى السنة
والنوع الثاني: أن تأتي مجردة من الاقتران بالكتاب
فهذه لها معان كثيرة إذ يختلف المراد بها باختلاف السياق، وإن كانت جميعها ترجع إلى معنى الإصابة في القول والفعل كما ذكر ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى، لكن يستثنى من ذلك النبوة فهي أعلى درجة من الحكمة وليست جزء منها [ انظر: بصائر ذوي التمييز للفيروز آبادي 2/487 – 492]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة العاشرة في موضوع الحكمة وستكون بعنوان: *الإتصاف بالحكمة بين الخالق والمخلوق
إذا كان الناس يرون أن من اتصف بالحكمة فقد اتصف بصفة من صفات الكمال ـ على ما في البشر من قصور وتقصير وعلى أن الاتصاف بها أمر نسبي أيضا ـ فكيف بالله العظيم جل جلاله الذي له الكمال المطلق، والمثل الأعلى.
ومن المقرر في مسائل الاعتقاد أن كل كمال اتصف به المخلوق، وأمكن أن يتصف به الخالق، ولا يلحقه من ذلك نقص بوجه من الوجوه، فالخالق أولى به، إذ لولا ذلك لكان المخلوق أكمل من الخالق وهذا محال [انظر: شرح العقيدة الطحاوية (1/87) وشرح العقيدة الواسطية للهراس (74) ]
ويسمى هذا القياس بقياس الأولى.
إن من أسماء الله الحسنى: الحكيم، ومعناه: الذي لا يقول ولا يفعل إلا الصواب، وإنما ينبغي أن يوصف بذلك لأن أفعاله سديدة، وصنعه متقن، ولا يظهر الفعل المتقن السديد إلا من حكيم، كما لا يظهر الفعل على وجه الاختيار إلا من حي عالم قدير) [ المنهاج في شعب الإيمان للحليمي (1/191) ونقله عنه البيهقي في الأسماء والصفات (1/67).]
وهذا الاسم الجليل (الحكيم) يتضمن إثبات صفة الحكمة لله تعالى، التي تعني أنه لا يخلق ولا يأمر عبثا وسدى وباطلا، بل له المراد فيما أراد، وأفعاله صادرة عن حكمة بالغة، ومصلحة عظيمة، وغاية حميدة [ انظر: شفاء العليل لابن القيم (400) ]
وكمال حكمته جل شأنه يقتضي كمال علمه سبحانه المحيط بكل شيءكما قال تعالى:{إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}
[الشورى: 12]، وقال تعالى: }إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ} [آل عمران: 5]
وقال: }وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ{[الأنبياء: 81].ولهذا جمع الله بين الصفتين ـ الحكمة والعلم ـ في آيات كثيرة، منها قوله تعالى: {إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}[يوسف: 100]، وقوله: {إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ}[الذاريات: 30]، وقوله: {إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ}[الأنعام: 128]. وقد ورد هذا الاسم الجليل (الحكيم) في القرآن أربعا وتسعين مرة [ انظر: النهج الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى لمحمد الحمود (1/226) والحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى لمحمد المدخلي ].[الأنترنت – موقع الله - تعريف الحكمة - فريق عمل الموقع ]
*الحكمة في القرآن والسنة
جاء ذكر الحكمة مرات كثيرة في القرآن الكريم، وفي عدة أماكن من آياته وسوره، وعلى عدة معان حسب المواضيع التي تناولها القرآن الكريم، منها:
حكمة أي: صواب من قول وعمل، وعلم نافع.
قال تعالى ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن
كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ
بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ﴾[سورة آل عمران، الآية:81].
حكمة بالغة- بـ: عظة وعبرة. قال تعالى ﴿حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ﴾[سورة القمر، الآية:5].
الحكمة: قال تعالى﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)﴾[سورة البقرة، الآية:129].
،وأن الله تعالى أمر بالحكمة فقال: ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾[سورة النحل، الآية:125].
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الحادية عشرة في موضوع الحكمة وستكون بعنوان: تحديد معنى الحكمة
اختلف المفسرون في تحديد معنى الحكمة في القرآن الكريم كما ذكر ابن كثير في تفسيره، في قوله تعالى: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ﴾[سورة البقرة، الآية:269]. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: يعني المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ومقدمه ومؤخره وحلاله وحرامه وأمثاله. وروى عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس مرفوعا (الحكمة القرآن).
وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد: يعني بالحكمة الإصابة في القول.
وقال ليث بن أبي سليم عن مجاهد (﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ)﴾ ليست بالنبوة ولكنه العلم والفقه والقرآن.
وقال أبو العالية: الحكمة خشية الله فإن الله رأس كل
حكمة... وقال أبو العالية في رواية عنه: الحكمة
الكتاب والفهم ،وقال إبراهيم النخعي: الحكمة الفهم.
وقال أبو مالك: الحكمة السنة، وقال ابن وهب عن مالك قال زيد ابن أسلم: الحكمة العقل، قال مالك: وإنه ليقع في قلبي أن الحكمة هي الفقه في دين الله وأمر يدخله الله في القلوب من رحمته وفضله. وقال السدي: الحكمة النبوة"[ تفسير ابن كثير، مكتبة النور ج:1، ص:304.]
وبعد أن ذكر ابن كثير كل الأقوال التي قيلت في الحكمة، أردَف قائلا: "والصحيح أن الحكمة كما قاله الجمهور لا تختص بالنبوة بل هي أعم منها، وأعلاها النبوة، والرسالة أخص، ولكن لأتباع الأنبياء حظ من الخير على سبيل التبع كما جاء في بعض الأحاديث وفي تفسير الكشاف للزمخشري: "(يؤتي الحكمة) يوفق للعلم والعمل به، والحكيم عند الله هو العالم العامل"[ تفسير الكشاف للزمخشري، دار المعرفة ص:151]
و"الحكمة: هي الصواب في القول والعمل، وعلى التحقيق فالحكمة: إصابة الحق بين المتشابه، وفعل ما هو الأولى والأفضل مع وجود الموانع، والحكمة أيضا: فهم القرآن الحكيم"[ تفسير ابن برجان، دار الكتب العلمية، ج:1، ص: 455-456]
وكذلك "الحكمة إصابة الحق بالعلم والعقل، فالحكمة من الله تعالى معرفة الأشياء وإيجادها على غاية الإحكام، ومن الإنسان معرفة الموجودات وفعل الخيرات وهذا هو الذي وُصف به لقمان في قوله عزَّ وجلَّ: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ﴾[سورة لقمان، الآية:12]. ونبَّه على جُملتها"[ المفردات في غريب القرآن، الراغب الأصفهاني، تحقيق محمد سيد كيلاني ص: 127] وأيضا فإن: "حكمة: صواب من قول وعمل وعلم نافع" [ معجم ألفاظ القرآن الكريم، ج:1، ص: 312]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثانية عشرة في موضوع الحكمة وستكون بعنوان: الحكمة في السنة النبوية:
سأكتفي بذكر الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحكمة، وهي: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسُلط على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها)"[ رواه البخاري، كتاب العلم، باب الاغتباط في العلم والحكمة، رقم الحديث: 73]
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: "ضمّني النبي صلى الله عليه وسلم إلى صدره، وقال: (اللَّهُمَّ عَلِّمْه الحِكْمَةَ وَتَأْوِيلَ الْكِتَابِ)"[ رواه ابن ماجة، باب فضل ابن عباس، رقم: 166]كذلك عن أُبي بن كعب رضي الله عنه، أن رسول الله قال: (إن من الشعر حكمة)"[ فتح الباري، ابن حجر العسقلاني، ح:1، ص: 554]
وقال ابن حجر العسقلاني:قوله (إن من الشعر حكمة) قولا صادقا مطابقا للحق. وقيل: أصل الحكمة المنع، فالمعنى إن من الشعر كلاما نافعا يمنع من السفه" [ المصدر السابق، ص: 556]
هذه جملة الأحاديث الصحيحة التي وقفت عليها وهناك غيرها مشتهرة على ألسنة الناس لكنها ضعيفة.
الله تبارك وتعالى أعطى أهمية للحكمة حتى قرنها بالقرآن الكريم في العلم والحكم والتزكية والعمل، قال الله تعالى: ﴿وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾[سورة النساء، الآية:113].
وقال تعالى:﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾[سورة البقرة، الآية:151]. وقال تعالى:﴿فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا﴾[سورة النساء: 54] وقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾[سورة الجمعة، الآية:2].وقال تعالى في حق لقمان الحكيم: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ﴾سورة لقمان، الآية:12].وقال تعالى في الحكمة:﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ، وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا، وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾[سورة البقرة، الآية:269].يتبين لنا أن الحكمة غير القرآن وغير السنة عكس ما ذهب إليه الكثيرون ممن اعتبروا الحكمة هي السنة، فالحكمة هي الآراء العقلية الصائبة، والأنبياء أيضا كانوا يجتهدون في الرأي، والنبي صلى الله عليه وسلم اجتهد في فهم القرآن وتطبيقه، ومن هنا جاءت السنة النبوية التي هي الفهم النبوي للقرآن، وهي مؤيدة بالوحي في حق النبي، ويمكن القول بين
الحكمة والسنة عموم وخصوص.
فالحكمة إذن عامة لكل الناس الذين يحسنون ترتيب المبادئ الذهنية والاجتهادات العقلية، وفي ذلك قوله تعالى في حق لقمان:﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ﴾، فلقمان لم يكن نبيا وإنما كان رجلا حكيما وقد خلد الله كلامه في القرآن في وصاياه العشرلابنه وهو يعظه.
ومن ذلك أيضا قوله تعالى عن الحكمة :﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ، وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا، وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾فالحكمة هي هبة إلهية للإنسان.
ومن هنا نفهم أن العلم بالقرآن لا يحصل إلا بالحكمة التي تتحصل عن طريق التدبر والتفكر واستعمال العقل، وكذلك نخلص إلى أن القرآن الكريم كتاب يجعل من العقل أداة لفهمه وليس كما يدعي الجاهلون أن لا دخل للعقل في الحكم على النقل، وسمى المسلمون الأوائل الفلسفة بالحكمة إذ اعتبروا أن الفلسفة هي نشاط عقلي وترتيب ذهني ينتج عنه الحكم الصحيح لوضع الأشياء في موضعها المناسب، والحكمة ضالة المؤمن، فحيث وجدها فهو أحق الناس بها كما في الأثر المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثالثة عشرة في موضوع الحكمة وستكون بعنوان: مقولات في الحكمة :
*الحكمة فعل ماينبغي كما ينبغي في الوقت الذي ينبغي.
ابن قيم الجوزية
*الملوك حكام الناس،والحكماء حكام الملوك مثل هندي
*سعادتنا تتوقف على حكمتنا تماما. سوفوكليس
*رأس الحكمة مخافة الله (الأمثال 7:1)
*الحكمة هي الجزء الأسمى من السعادة. سوفوكليس
*النزاهة هي الفصل الأول في كتاب الحكمة. توماس جيفرسون
*الذاكرة هي أم كل حكمة. إسكلس
*الحكمة تبدأ في نهاية المطاف. دانيال وبستر
*الحكمة تبدأ بالدهشة . سقراط
*الحكمة لا تأتي بالضرورة مع التقدم في السن. توم ويلسون
*الحكمة هي القربان المقدس. فكتور هوغو
*التغلب على الخوف هو بداية الحكمة. برتراند راسل
*أول الحكمة أن نعرف الحق و آخر الحكمة ألانعرف الخوف. غاندي
*حولوا جراحكم إلى حكمة. أوبرا وينفري
*الصبر رفيق الحكمة. القديس أوغسطين
*وظيفة الحكمة هي التمييز بين الخير والشر.
*المقولة المختصرة تحتوي على الكثير من الحكمة في أغلب لأحيان.سوفوكليس
*الخطوة الأولى في الحكمة هي السؤال عن كل شيء والخطوة الأخيرة هو التوصل إلى تفاهم مع كل شيء.
*الحكمة تتكون من توقع العواقب. نورمان كوزن
*هناك حكمة من الرأس ، وحكمة من القلب. تشارلز ديكنز
*نحن لسنا مجبولون على الحكمة لتذكرنا ماضينا ، ولكن من المسؤولية بالنسبة لمستقبلنا. جورج برنارد شو
*أبواب الحكمة لا تُغلق . بنجامين فرانكلين
*ثلاثة أساليب نتعلم منها الحكمة : أولا ، من خلال التأمل ، التي هي الأنبل ؛ وثانيا ، عن طريق
التقليد ، الذي هو الأسهل ،والثالث عن طريق التجربة ، والذي هو الأمرالأصعب. كونفوشيوس
ثم قال : الحكمة رأس العلوم والأدب و الفن، وهي تلقيح الأفهام ونتائج الأذهان" .
*الحكمة ترجح على أي ثروة. سوفوكليس
*الحكمة تقف عند منعطف الطريق ، وتدعونا علنا
،ولكننا نراها كاذبه ، ونحتقر معتنقيها. جبران خليل
السؤال العاقل هو نصف الحكمة.
الدهاء ليس هو الحكمة. يوريبيديز
الفضائل الأربعه هي الحكمة، العدالة، الشجاعه، الاعتدال" .أفلاطون
الحكمة هي أعلى المراتب التي يمكن أن يتوصل إليها الإنسان فبعد أن تكتمل المعرفة ويصل التاريخ إلى قمته تحصل الحكمة، وبالتالي فالحكيم أعلى شأنًا من الفيلسوف، والحكمة هي المرحلة التالية والأخيرة بعد الفلسفة. إنها ذروة الذرى وغاية الغايات وهنيئًا لمن يتوصل إلى الحكمة والرزانة.[ الأنترنت – موقع ويكي الاقتباس]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الرابعة عشرة في موضوع الحكمة وستكون بعنوان: *فقه الحكمة في كل ما خلقه الله وأمر به
قال ابن القيم : جميع ما خلقه الله عزَّ وجلَّ فله فيه
حكمة، والحكمة تتضمن شيئين:
أحدهما: حكمة تعود إليه سبحانه يحبها ويرضاها وهي الإيمان والتوحيد.
الثاني: حكمة تعود إلى عباده وهي نِعمهُ عليهم، يفرحون بها، ويتلذذون بها، وهذا في المخلوقات والمأمورات.
أما في المأمورات فإن الطاعات كلها يحبها الله ويرضاها ، ويفرح بها، يفرح سبحانه إذا فعل العبد ما أمره الله به، ويغار إذا فعل العبد ما نهاه عنه.
وكذلك الطاعات عاقبتها سعادة العبد في الدنيا والآخرة ، يفرح بها العبد المطيع، فكل ما أمر الله عزَّ وجلَّ به له عاقبة حميدة تعود إليه وإلى عباده، ففيها حكمة له، وفيها رحمة بعباده.
وكذلك المخلوقات،فكل ما خلقه الله خلقه لحكمة تعود إليه يحبها وخلقه رحمة بالعباد ينتفعون بها.
ومن أعظم حكمة الرب وكمال قدرته :خلق الضدين، إذ بذلك تُعرف ربوبيته وقدرته وملكه، كما خلق الليل والنهار، وكما خلق جبريل وإبليس.
فخلق أطيب الأرواح وأزكاها وأطهرها وأفضلها، وأجرى على يديه كل خير.
وخلق أخبث الأرواح وأنجسها وأرداها، وأجرى على يديه كل شر وكفر وفسوق وعصيان.
وجعل سبحانه الطيب منحازاً إلى تلك الروح الطيبة، والخبيث منحازاً إلى هذه الروح الخبيثة.
فتلك تجذب كل طيب .. وهذه تجذب كل خبيث .. ولكل منهما عمل ودار،وأي حكمة وقدرة أبلغ من هذا؟
وقد خلق الله الإنسان من الأرض، وهي مشتملة على الطيب والخبيث، والله عزَّ وجلَّ يريد تخليص الطيب من الخبيث بالوحي الذي أنزله، ليجعل الطيب مجاوراً له في دار كرامته، مختصاً برؤيته والقرب منه.
ويجعل الخبيث في دار الخبث، حظه البعد منه، والهوان والطرد والإبعاد، إذ لا يليق بحمده وحكمته وكماله أن يكون مجاوراً له في داره مع الطيبين وهو خبيث فاسد نجس.
فسبحان الحكيم العليم الذي خلق من المادة النارية من
جعله محركاً للنفوس الخبيثة .. داعياً لها إلى محل الخبث والإحراق وهو الشيطان .. لتنجذب إليه النفوس الخبيثة بالطبع .. وتميل إليه بالمناسبة .. فتنحاز إلى ما يناسبها عدلاً وحكمة .. لا يظلمها في ذلك بارئها وخالقها.
بل أقام بحكمته وعدله داعياً يظهر بدعوته إياها واستجابتها له ما كان معلوماً لخالقها وبارئها من أحوالها، وكان خفياً على العباد.
فلما استجابت لأمره، وآثرت طاعته على طاعة ربها، الذي تتقلب في نعمه، ظهر حينئذ لملائكته ورسله وأوليائه حكمته وعدله في تعذيب هذه النفوس الخبيثة، وطردها عنه، وإبعادها عن رحمته.
وأقام سبحانه للنفوس الطيبة داعياً يدعوها إليه ..
وإلى مرضاته وكرامته .. فلبت دعوته واستجابت لأمره .. فعَلمَ عباده حكمته في تخصيصها بمثوبته وكرامته.
فظهر للعباد حمده التام، وحكمته البالغة في الأمرين، وعلِموا أن خلق ولي الله وعبده جبريل وجنوده وحزبه، وخلق عدو الله إبليس وجنوده وحزبه، هو عين الحكمة والمصلحة، وأن تعطيل ذلك منافٍ لمقتضى حكمته وحمده.
فسبحان من هذا خلقه، وهذا أمره، وهذه حكمته: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)} [آل عمران: 18].
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الخامسة عشرة في موضوع الحكمة وستكون بعنوان: حكمة الخلق والأمر
(الرضا بالقضاء الكوني القدري)
الرضا بالقضاء الكوني القدري الجاري على خلاف مراد العبد ومحبته مما لا يلائمه ولا يدخل تحت اختياره مستحب، وهذا كالمرض والفقر، وأذى الخلق له، والحر والبرد ونحو ذلك.
والرضا بالقدر الجاري عليه باختياره مما يكرهه الله ويسخطه وينهى عنه كأنواع الظلم والفسوق والعصيان حرام يعاقب عليه، وهو مخالفة لربه تعالى، فإن الله لا يرضى بذلك ولا يحبه.
فإن قيل كيف يريد الله عزَّ وجلَّ أمراً لا يحبه ولا يرضاه؟.
قيل: الله سبحانه يكره الشيء ويبغضه في ذاته، ولا ينافي ذلك إرادته لغيره، وكونه سبباً إلى ما هو أحب إليه من غيره، كما خلق إبليس الذي هو مادة لفساد الأديان والأعمال، والاعتقادات والإرادات، وهو سبب شقاوة العبيد، ووقوع ما يغضب الرب تبارك وتعالى.
فهو مبغوض للرب، مسخوط له، لعنه الله ومقته، وغضب عليه.ومع هذا فهو وسيلة إلى محاب كثيرة للرب تعالى ترتبت على خلقه، ووجودها أحب إليه من عدمها:
منها ظهور قدرة الرب للعباد في خلق المتضادات،
فخَلَقَ هذه الذات التي هي أخبث الذوات، وسبب كل شر، في مقابلة جبريل التي هي أشرف الذوات وسبب كل خير.
وخلق الليل والنهار، والحياة والموت، والذكر والأنثى، والماء والنار، والخير والشر، كل ذلك يدل على كمال قدرة الله وعزته، وعظمة سلطانه وملكه، فإنه خلقها وجعلها محل تصرفه وتدبيره.
فتبارك الله خالق هذا وهذا، وهو الحكيم العليم.
ومنها ظهور آثار أسمائه القهرية كالقهار، وشديد العقاب، والمعز المذل، والنافع الضار، ونحوها، فإن هذه الأسماء والأفعال من كمال ذاته، فلا بد من وجود متعلقها، ولو كان الخلق كلهم على طبيعة الملك، لم يظهر أثر هذه الأسماء والأفعال.
ومنها ظهور آثار أسمائه المتضمنة لحلمه وعفوه، ومغفرته وستره، فلولا خلق ما يكره من الأسباب
المفضية إلى ظهور آثار هذه الأسماء لتعطلت هذه الحكم والفوائد.
ومنها ظهور آثار الأسماء المتضمنة للحكمة والخبرة، فإنه سبحانه الحكيم الخبير، الذي يضع الأشياء مواضعها، وينزلها منازلها اللائقة بها، فلا يضع الشيء في غير موضعه.
فلا يضع سبحانه الحرمان والمنع موضع العطاء والفضل، ولا الفضل والعطاء موضع الحرمان والمنع، ولا الثواب موضع العقاب، ولا الخفض موضع الرفع، ولا العز مكان الذل، ولا يأمر بما ينبغي النهي عنه، ولا ينهى عما ينبغي الأمر به.
فهو سبحانه الحكيم العليم الذي يعلم أين يجعل رسالته، وأعلم بمن يصلح لقبولها، ويشكره على وصولها، وأعلم بمن لا يصلح لذلك.
وهو أحكم من أن يمنعها أهلها، وأن يضعها عند غير أهلها.
فلو قدر سبحانه عدم الأسباب المكروهة البغيضة له لتعطلت هذه الآثار ولم تظهر لخلقه، ولتعطلت تلك الحكم والمصالح المترتبة عليها، وفواتها شر من حصول تلك الأسباب.
وهذا كالشمس والمطر والرياح التي فيها من المصالح والمنافع ما هو أضعاف أضعاف ما يحصل بها من الشر والضرر.
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة السادسة عشرة في موضوع الحكمة وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: حكمة الخلق والأمر(حكمة خلق المتضادات)
يريد الله المبغوض،لأنه وسيلة إلى محاب كثيرة له ووجودها أحب إليه من عدمها :
ومنها حصول العبودية المتنوعة التي لولا خلق إبليس لما حصلت، فالله عزَّ وجلَّ يحب عبودية الجهاد في سبيل الله، ولو كان الناس كلهم مؤمنين لتعطلت هذه العبودية، وتوابعها من الموالاة في الله، والمعاداة فيه، وعبودية الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وعبودية الصبر، ومخالفة الهوى ؛فسبحان من بهرت حكمته العقول والألباب، وهو الحكيم الخبير.
ومنها عبودية التوبة والاستغفار، فهو سبحانه يحب التوابين، ولو عطلت الأسباب التي يتاب منها لتعطلت عبودية التوبة والاستغفار.
ومنها عبودية مجاهدة عدو الله ، ومراغمته في الله، ومخالفته، وذلك من أحب العبودية إليه، فإنه سبحانه يحب من وليه أن يغيظ عدوه ويراغمه، ويجاهده.
ومنها أن يتعبد له بالاستعاذة من عدوه، وسؤاله أن يجيره منه، ويعصمه من كيده ومكره وشره.
ومنها أن عبيده يشتد خوفهم وحذرهم إذا رأوا ما حل بعدوه من الطرد واللعن بسبب معصيته، فيحذرون معصيته، ويبادرون إلى طاعته.
ومنها أنهم ينالون ثواب مخالفته ومعاداته.
ومنها أن نفس اتخاذه عدواً من أكبر أنواع العبودية
وأجلها، وهو محبوب للرب عزَّ وجلَّ.
ومنها أن الطبيعة البشرية جعلها الله مشتملة على الخير والشر، والطيب والخبيث، وذلك كامن فيها كمون النار في الزناد؛فخلق الله الشيطان مستخرجاً لما في طبائع أهل الشر من القوة إلى الفعل.
وأرسل الرسل تستخرج ما في طبيعة أهل الخير من القوة إلى الفعل.
فاستخرج أحكم الحاكمين ما في قوى هؤلاء من الخير الكامن فيها ليترتب عليه آثاره، وما في قوى أولئك من الشر ليترتب عليه آثاره، وتظهر حكمته في إكرام أهل الخير وعقوبة أهل الشر.
فالملائكة ظنوا أن وجود من يسبح بحمده ويقدسه أولى من وجود من يعصيه ويخالفه، فأجابهم سبحانه بأنه يعلم من الحكم والمصالح في خلق هذا النوع ما لا تعلمه الملائكة كما حكى الله عنهم ذلك بقوله: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)} [البقرة:].
ألا ما أقل علم الخلق بقدرة رب العالمين، وحكمة أحكم الحاكمين.
ومنها أن ظهور كثير من آيات الله وعجائب صنعه إنما حصل بسبب وقوع الكفر والشر من النفوس الكافرة الظالمة، كآية الطوفان في قوم نوح، وآية الريح في قوم عاد، وآية إهلاك ثمود، وقوم لوط، وآية انقلاب النار برداً وسلاماً على إبراهيم، وآية موسى مع فرعون وبني إسرائيل بانفلاق البحر، وخروج الماء من الحجر،
ونحو ذلك.
فلولا كفر الكافرين، وعناد الجاحدين لما ظهرت هذه الآيات الباهرة كما قال سبحانه: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ،وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ(140)}[الشعراء ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة السابعة عشرة في موضوع الحكمة وستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان: حكمة الخلق والأمر(حكمة خلق المتضادات)
يريد الله المبغوض،لأنه وسيلة إلى محاب كثيرة له ووجودها أحب إليه من عدمها :
ومنها أن خلق الأسباب المتقابلة التي يقهر بعضها
بعضاً، ويكسر بعضها بعضاً هو من شأن الربوبية القاهرة، والقدرة النافذة، والحكمة التامة، والملك الكامل.
والرب سبحانه كامل في نفسه، ولو لم يخلق هذه الأسباب، لكن ظهور آثارها وأحكامها في عالم الشهادة تحقيق لذلك الكمال الإلهي.
فالعبودية والآيات والعجائب التي ترتبت على خلقه ما لا يحبه ولا يرضاه، وتقديره ومشيئته، أحب إليه سبحانه وتعالى من فواتها وتعطيلها بتعطيل أسبابها.
فإن قيل هل يمكن حصول تلك الحكم بدون هذه الأسباب؟.
قيل هذا محال، وهو سؤال باطل، إذ هو فرض وجود الملزوم بدون لازمه كفرض وجود الابن بدون الأب، والكتابة بدون كاتب، والحركة بدون متحرك، والتوبة بدون تائب.
فإن قيل: فهذه الأسباب مرادة للرب، فهل تكون مرضية محبوبة له؟.
قيل: هو سبحانه يحبها من جهة إفضائها إلى محبوبه، وإن كان يبغضها لذاتها.
وسر المسألة: أن الرضا بالله يستلزم الرضا بأسمائه وصفاته، وأفعاله وأحكامه، ولا يستلزم الرضا بمفعولاته كلها، بل حقيقة العبودية أن يوافق العبد ربه في رضاه وسخطه، فيرضى منها ما يرضى به، ويسخط منها ما سخطه ،فإن قيل: كيف يجتمع الرضا بالقضاء الذي يكرهه العبد من المرض والفقر والألم مع كراهته؟.
قيل: لا تنافي في ذلك، فإنه يرضى به من جهة إفضائه
إلى ما يحب، ويكرهه من جهة تألمه به كالدواء الكريه الذي يعلم أن فيه شفاءه، فإنه يجتمع فيه رضاه به، وكراهته له ؛فإن قيل: كيف يرضى لعبده شيئاً ولا يعينه عليه؟.قيل: لأن إعانته عليه قد تستلزم فوات محبوب له أعظم من حصول تلك الطاعة التي رضيها له، وقد يكون وقوع تلك الطاعة منه يتضمن مفسدة هي أكره إليه سبحانه من محبته لتلك الطاعة كما قال سبحانه: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47)} [التوبة: 46، 47].
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثامنة عشرة في موضوع الحكمة وستكون بعنوان: الطاعة هي موافقة الأمر لا موافقة القدر
الطاعة: هي موافقة الأمر لا موافقة القدر، ولو كانت موافقة القدر طاعة لله لكان إبليس من أعظم المطيعين لله، وكان قوم نوح وعاد، وثمود وقوم لوط، وقوم فرعون، كلهم مطيعين لله، فيكون قد عذبهم أشد العذاب على طاعته، وانتقم منهم لأجلها، وهذا غاية الجهل بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله.
والله حكيم عليم، فقد جعل في خلق من يكفر به ويشرك به ويعاديه من الحكم الباهرة، والآيات الظاهرة، ما لم يكن يحصل بدونه.
فلولا كفر قوم نوح لما ظهرت آية الطوفان التي أغرق
الله بها الكفار والظالمين.
ولولا كفر عاد لما ظهرت آية الريح العقيم التي دمرت ما مرت عليه.
ولولا كفر قوم صالح لما ظهرت آية إهلاكهم بالصيحة.
ولولا كفر فرعون وقومه لما ظهرت تلك الآيات والعجائب التي تتحدث بها الأمم أمة بعد أمة، واهتدى بها من شاء الله من عباده.
وهلك بها من هلك عن بينة، وحيى بها من حيى عن بينة،وظهر بها فضل الله وعدله، وقدرته وحكمته ، وآيات رسله.
ولولا مجيء المشركين يوم بدر بقوة السلاح، وكثرة الرجال، والكبر والبطر، لما حصلت تلك الآيات العظيمة من النصر، ونزول الملائكة، والتي ترتب عليها من الإيمان والهدى والخير،ما لم يكن حاصلاً مع عدمها. وكم حصل بها من الهدى والإيمان؟. وكم حصل بها من محبوب للرحمان، وغيظ للشيطان؟. وتلك المفسدة التي حصلت في ضمنها للكفار مغمورة جداً بالنسبة إلى مصالحها وحكمها وآثارها العظيمة.
والله حكيم عليم أراد أن يري عباده السابق واللاحق ما هو من أعظم آياته، وهو أن يربي هذا المولود الذي ذبح فرعون ما شاء الله من الأولاد في طلبه في حجر فرعون، وفي بيته، وعلى فراشه، ثم جعل زوال ملكه وإهلاكه على يده.
فكم حصل بقصة موسى - صلى الله عليه وسلم - مع فرعون من عبرة وحكمة، ورحمة وهداية.
وكذلك المفسدة التي حصلت لأيوب من مس
الشيطان له بنصب وعذاب، اضمحلت وتلاشت في جنب المصلحة التي حصلت له ولغيره عند مفارقة البلاء،وتبدله بالنعماء،بعد ذلك الصبروالدعاءوكذلك كفر قوم إبراهيم وشركهم، وتكسيره لأصنامهم، وغضبهم لها، وإيقاد النيران العظيمة له، وإلقاؤه فيها، كل ذلك أوصله إلى أن صارت النار التي ألقي فيها برداً وسلاماً عليه. وصارت تلك آية وحجة وعبرة على مر الزمن.
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة التاسعة عشرة في موضوع الحكمة
وستكون بعنوان: بين إخراج الرسول من مكة مختفياً على تلك الحال، وبين دخوله إليهامنتصراً
وكم بين إخراج الرسول من مكة مختفياً على تلك الحال، وبين دخوله إليها ذلك الدخول الذي لم يبق مؤمنا إلا وفرح به حبوراً لله، وقد اكتنفه المسلمون من جميع الجهات، والمهاجرون والأنصار قد أحدقوا به، والملائكة من فوقهم، والوحي من الله ينزل عليه، وقد أدخله حرمه ذلك الدخول المهيب الرهيب.
فأين مفسدة ذلك الإخراج الذي كأن لم يكن في جنب هذا النصر المبين؟.
ولولا معارضة السحرة لموسى صلى الله عليه وسلم بإلقاء العصي والحبال ، حتى أخذوا أعين الناس واسترهبوهم، لما ظهرت آية عصا موسى - صلى الله عليه وسلم - التي ابتلعت عصيهم وحبالهم فآمنوا فوراً، وانقلبوا على فرعون، وقاموا في وجهه معتزين بدينهم، مدافعين عنه.
فسبحان الحكيم العليم الذي جميع أفعاله كلها حكم وآيات: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18)} [الأنعام: 18].
وهو سبحانه الملك الذي يتصرف في عباده بالحكمة والعلم، بالعدل لا بالظلم، بالإحسان لابالإساءة، بما يصلحهم لا بما يفسدهم.
فهو يأمرهم وينهاهم إحساناً إليهم، وحمايةً وصيانةً لهم، لا حاجةً إليهم، ولا بخلاً عليهم بل جوداً وكرماً، ولطفاً وبراً، ورحمةً وإحساناً.
ويثيبهم إحساناً وتفضلاً ورحمةً، لا لمعاوضة واستحقاق منهم، أو دين واجب لهم يستحقونه عليه.
ويعاقبهم عدلاً وحكمةً، لا تشفياً ولا مخافةً ولا ظلماً كما يعاقب الملوك والجبابرة وغيرهم.
بل هو سبحانه على الصراط المستقيم، وهو صراط
العدل والإحسان، في أمره ونهيه، وثوابه وعقابه، وقضائه وقدره كما قال هود صلى الله عليه وسلم : {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)} [هود].
فهو سبحانه على صراط مستقيم في عطائه ومنعه .. وهدايته وإضلاله .. وفي نفعه وضره .. وعافيته وبلائه .. وإعزازه وإذلاله .. وإنعامه وانتقامه .. وثوابه وعقابه .. وتحليله وتحريمه .. وأمره ونهيه .. وإحيائه وإماتته .. وفي كل ما يخلقه .. وفي كل ما يأمر به .. وفي كل ما يدعو إليه ،وهذه المعرفة بالله لا تكون إلا للأنبياء ولورثتهم من المؤمنين، وهو سبحانه على صراط مستقيم في تصرفه في ملكه،يتصرف بالعدل، ومجازاة المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، ولا يظلم مثقال ذرة
، ولا يعاقب أحداً بما لم يجنه، ولا يهضمه ثواب عمله، ولا يحمل عليه ذنب غيره، ولا يأخذ أحداً بجريرة أحد، ولا يكلف نفساً ما لا تطيقه، ومصير العباد كلهم إليه، وطريقهم عليه، لا يفوته أحد منهم، فيجازيهم بما عملوا: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116)} [المؤمنون: 116]. وكل دابة تحت قبضته وإرادته، وهو آخذ بناصيتها، فلا يقع في ملكه من أحد المخلوقات شيء بغير مشيئته وقدره، ومن ناصيته بيد الله فلا يمكنه أن يتحرك إلا بتحريكه، ولا يفعل إلا بإقداره، ولا يشاء إلا بمشيئته: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30)} ... [الإنسان: 30].
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة العشرون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان: هو الحق
فهو سبحانه الحق، وقوله الحق، ووعده الحق، وأمره الحق، وجزاؤه الحق، وأفعاله كلها حق، وكتبه كلها حق، وكيف يليق بالملك الحق أن يخلق خلقه عبثاً، ويتركهم سدى، لا يأمرهم ولا ينهاهم، ولا يثيبهم ولا يعاقبهم: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ } [المؤمنون: 115].
وهو سبحانه المولى الكريم، الذي هدى الضالين، وعلَّم الجاهلين، وأصلح الفاسدين، وأنقذ الهالكين، وبصر المتحيرين ، وتاب على المذنبين، وأقبل بقلوب المعرضين، وذكر الغافلين، وآوى الشاردين.
وإذا أوقع سبحانه عقاباً أوقعه بعد شدة التمرد والعتو عليه، ودعوة العبد إلى الرجوع إليه مرة بعد مرة.
حتى إذا أيس من استجابته أخذه ببعض كفره وعتوه وتمرده، بحيث يعذر العبد من نفسه، ويعترف بأنه سبحانه لم يظلمه، وأنه هو الظالم لنفسه كما قال سبحانه: {فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ } [الملك: 11].
فهو سبحانه لكمال حكمته وعدله، يضع العقوبة في موضعها الذي لا يليق به غيرها، فوضعه في الموضع الذي يقول من علم الحال لا تليق العقوبة إلا بهذا المحل، ولا يليق به إلا هذه العقوبة.
وقد أخبر الله عزَّ وجلَّ في كتابه أنه أهلك أعداءه، وأنجى أولياءه، ولا يعمهم بالهلاك بمحض المشيئة والإرادة، بل بسبب عملهم كما قال سبحانه: {وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا } [الفرقان: 37].وقال عن فرعون وقومه: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ } [الزخرف: 55].
وقال عن عاد حين كذبوا هوداً : {فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ } [الشعراء: 139].
وقد ضمن الله عزَّ وجلَّ زيادة الهداية للمجاهدين في سبيله، والمتقين الذين يتبعون رضوانه، وأخبر أنه لا يضل إلا الفاسقين: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27)} [البقرة ]
وأنه إنما يضل من آثر الضلال واختاره على الهدى، فيطبع حينئذ على سمعه وقلبه، وأنه يقلب قلب من لم يرض بهداه إذا جاءه ولم يؤمن به ودفعه ورده، فيقلب فؤاده وبصره عقوبة له على رده، ودفعه لما تحققه وعرفه.
وأنه سبحانه هو العليم الحكيم الذي لو علم في تلك المحال والنفوس التي حكم عليها بالضلال والشقاء خيراً لأفهمها وهداها، ولكنها لا تصلح لنعمته، ولا تليق بها كرامته، فهم شر الدواب كما قال سبحانه: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)} [الأنفال].
وقد أزاح سبحانه العلل، وأقام الحجج، ومكن من أسباب الهداية، فمن أقبل على الله هداه، ووفقه لما يحبه ويرضاه، ومن أعرض عنه، فإن الله لا يهدي القوم الكافرين ولا الظالمين ولا الفاسقين، ولا يطبع إلا على قلوب المعتدين، ولا يركس في الفتنة إلا المنافقين بكسبهم، وأن الرين الذي غطى به قلوب الكفار هو عين كسبهم وأعمالهم كما قال سبحانه: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } [المطففين: 14].
وأخبر سبحانه أنه لا يضل من هداه حتى يبين له ما يتقي، فيختار لشقوته وسوء طبيعته الضلال على الهدى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [التوبة: 115].
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الواحدة والعشرون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان: حكمة الله وعدله في الأمم
وأما المكر والكيد والخداع الذي وصف به نفسه، فهو مجازاته للماكرين والكائدين، والمخادعين لأوليائه ورسله، فيقابل مكرهم السيئ بمكره الحسن، فيكون المكر منهم أقبح شيء، ومنه أحسن شيء، لأنه عدل ومجازاة.
وكذلك الكيد والمخادعة منه جزاء على مخادعة رسله وأوليائه وكيدهم، فلا أحسن من تلك المخادعة والمكر كما قال سبحانه: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } [الأنفال: 30].
وأما كون الرجل يعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع،فيسبق عليه الكتاب فيدخل النار، فهذا عمل بعمل أهل الجنة فيما يظهر للناس، ولو كان عملاً صالحاً مقبولاً للجنة قد أحبه الله ورضيه، لم يبطله عليه، فقد يكون به آفة كامنة خذل بها في آخر عمره، والله يعلم من سائر العباد ما لا يعلمه بعضهم من بعض.
والله تبارك وتعالى يعلم ما في قلب إبليس من الكفر والكبر والحسد ما لا يعلمه الملائكة، فلما أمرهم بالسجود لآدم، ظهر ما في قلوبهم من الطاعة والمحبة، والخشية والانقياد، وبادروا إلى الامتثال، وأظهر ما في قلب عدوه إبليس من الكبر والغش والكفروالحسد ، فأبى وامتنع من السجود لربه كما قال سبحانه: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ } [البقرة: 34].
وأما خوف أوليائه من مكره فحق، فإنهم يخافون أن يخذلهم بذنوبهم فيصيرون إلى الشقاء، فخوفهم من ذنوبهم، ورجاؤهم لرحمته.
والذي يخافه العارفون بالله من مكره، أن يؤخر عنهم عذاب المعاصي، فيأنسوا بالذنوب، فيأتيهم العذاب على غرة، أو أن يغفلوا عنه، وينسوا ذكره، فيتخلى عنهم إذا تخلوا عن ذكره وطاعته، فيسرع إليهم البلاء والفتنة، أو أن يعلم من ذنوبهم ما لايعلمونه،فيأتيهم المكر من حيث لا يشعرون، أو يبتليهم بما لا صبر لهم عليه فيفتنون به، وذلك مكر.
ومن عَلِمَ الله منه أنه لا يؤمن، ولا يصلح للهداية، فإنه لا يؤمن ولو جاءته كل آية كما قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (97)} [يونس ] ومن ضل عن قبول الحق والاهتداء به .. فهذا إضلال ناشئ عن علم الله السابق في عبده أنه لا يصلح للهدى ولا يليق به .. وأن محله غير قابل له .. فالله أعلم حيث يضع هداه وتوفيقه .. كما هوأعلم حيث يجعل رسالته.
وكما أنه ليس كل محل أهلاً لتحمل الرسالة، وأدائها إلى الخلق، فليس كل محل أهلاً لقبولها والتصديق بها: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} [الأنعام: 53].
وتأمل حكمة الرب جل جلاله في عذاب الأمم السابقة بعذاب الاستئصال،لما كانو أطول أعماراً، وأعظم قوى، وأعتى على الله وعلى رسله.
فلما تقاصرت الأعمار وضعفت القوى، رفع الله عذاب الاستئصال، وجعل عذابهم بأيدي المؤمنين.
وما أعظم حكمة الرب جل جلاله في إرسال الرسل في الأمم
واحداً بعد واحد .. كلما مات رسول خلفه آخر .. لحاجتها إلى تتابع الرسل والأنبياء .. لضعف عقولها .. وعدم اكتفائها بآثار شريعة الرسول السابق.
فلما انتهت النبوة إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - .. أرسله إلى أكمل الأمم عقولاً ومعارف .. وأصحها أذهاناً .. وبعثه بأكمل شريعة ظهرت في الأرض.
فأغنى الله الأمة بكمال رسولها، وكمال شريعته، ووكلهم بها حتى يؤدوها إلى نظرائهم، ومن وراءهم، ومن بعدهم إلى يوم القيامة، فلم يحتاجوا معه إلى رسول آخر ولا نبي ولا محدّث.
فسبحان الخلاق العليم، العزيز الحكيم، البصير بأحوال خلقه وملكه، الذي له في كل ذرة في هذا الكون فما فوقها:خلق من خلقه .. وقضاء من قضائه .. وأمر من أمره .. وحكمة من حكمه. فتبارك الله أحسن الخالقين، وأحكم الحاكمين.[الأنترنت ،موقع الكلم الطيب /زاد المعاد لابن القيم رحمه الله]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثانية والعشرون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان: *قالوا عن الحكمة :
الحكمة هي أغلى شيء يمكن أن يمنحه الله للإنسان بعد الإيمان والتحلّي بمكارم الأخلاق،وهي أمل كل الناجحين ، وقيل أن الحكمة هي ضالة المؤمن.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ضمني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صدره وقال: "اللهم علمه الحكمة" [رواه البخاري]. وعن أبي بن كعب رضي الله عنه أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: "إن من الشعر حكمة"[رواه البخاري] أي من الشعر قولاً صادقًا مطابقًا للحق.
- الحكمة رأس العلوم والأدب تلقيح الأفهام ونتائج الأذهان. - الأدب يغنى عن النسب.
- من لم ينفعه العلم لم يأمن من ضرر الجهل.
- من لم يكن حكيما لم يزل سقيما.
- لسان الجاهل مفتاح حتفه.
- شرف الإنسان على جميع الحيوان بالنطق والذهن فإن سكت ولم يفهم عاد بهيما.
- قال المسيح عليه السلام: إن الحكمة نورُ كلّ قلب.
- إن هذه القلوب تمل كما تمل الأبدان فابتغوا لها طرائف الحكمة.
- الملوك حكّام على الناس. والحكماء هم حكّام على
الملوك.
- قال أحدهم: نحن ألف رجل وفينا حكيم واحد ونحن نستشيره ونطيعه. فكأننا ألف حكيم.
- وقال حكيم: الرؤوس تكون أكثر حكمة إن كانت هادئة ، والقلوب تكون أكثر قوة إن نبضت تعاطفاً مع القضايا النبيلة.
- سئل عالم ما أفضل العلم؟ فأجاب: هو معرفة الإنسان لنفسه.
- وقيل: اليوم الذى يمرّ من عمرك دون أن تتعلم فيه
شيئاً جديداً هو يوم ضائع.
- الحكمة احدى الفضائل الأربع بالإضافة إلى الشجاعة والاعتدال والعدالة.
- قال أحد الحكماء لابنه وهو يعظه: يا بني.. إذا أردت
أن تصاحب رجلاً فأغضبه.. فإن أنصفك من نفسه فلا تدع صحبته.. وإلا فاحذره ..
- سئل أحد الحكماء: الأغنياء أفضل أم العلماء ؟!
قال : العلماء.. قيل له: فما بال العلماء يأتون أبواب الأغنياء، ولا يأتي الأغنياء أبواب العلماء! قال الحكيم: لمعرفة العلماء بفضل المال، وجهل الأغنياء بقيمة العلم ..
- سُئل سقراط ذات مرة: لماذا اختاروك أحكم الحكماء في اليونان ؟ أجاب قائلاً:
ربما لأنني الرجل الوحيد الذي يعرف أنه لا يعرف شيئاً على الاطلاق.
- قال أحد حكماء الفلسفة: الإخوان ثلاثة ..أخ كالغذاء
تحتاج إليه كل وقت، وأخ كالدواء تحتاج إليه أحياناً،
وأخ كالداء لا تحتاج اليه أبداً.
- سئل حكيم: ما الحكمة ؟ فقال: أن تميز بين الذي تعرفه والذي تجهله.
- كُن عادلاً قبل أن تكون كريما ً.
- نمرٌ مفترس أمامك.. خير من ذئب خائن وراءك.
- علي قدر بصيرة العقل يرى الإنسان الأشياء فسالم العقل يري الأشياء على قدر حقائقها, و النفس اللئيمة تري الأشياء بطبعها.
- الجاهل يؤكد، والعالم يشك، والعاقل يتروى.
- قال أحد الحكماء: لا يغرنك أربعة: إكرام الملوك، ضحك العدو، تملُّـق النساء، وحرُّ الشتاء. [الأنترنت – موقع برق ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثالثة والعشرون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:*أركان الحكمة
ثلاثة هي: العلم، والحلم، والأناة.
وآفاتها وأضدادها، ومعاول هدمها: الجهل، والطيش، والعجلة، فلا حكمة لجاهلٍ، وطائشٍ، وعجولٍ [انظر: مدارج السالكين لابن القيم، 2/ 480.]
الركن الأول: العلم:
العلم من أعظم أركان الحكمة، ولهذا أمر اللَّه به،
وأوجبه قبل القول والعمل، فقال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} [سورة محمد، الآية: 19.]
وقد بوَّب الإمام البخاري - رضي الله عنه - لهذه الآية بقوله: (بابٌ: العلم قبل القول والعمل) [البخاري مع الفتح، كتاب العلم، باب العلم قبل القول والعمل 1/ 159.]
وذلك أن اللَّه أمر نبيه بأمرين: بالعلم، ثم العمل، والمبدوء به العلم في قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ}، ثم أعقبه بالعمل في قوله: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ}، فدل ذلك على أن مرتبة العلم مقدمة على مرتبة العمل، وأن العلم شرط في صحة القول والعمل، فلا يعتبران إلا به، فهو مقدم عليهما؛ لأنه مصحح للنية المصححة للعمل [ انظر: فتح الباري 1/ 160، وحاشية ثلاثة الأصول لمحمد بن عبد الوهاب ص15.]
والعمل ما قام عليه الدليل، والنافع منه ما جاء به
الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وقد يكون علم من غير الرسول - صلى الله عليه وسلم -، لكن في أمور دنيوية، مثل: الطب، والحساب، والفلاحة، والتجارة [ فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 13/ 136، 6/ 388.]
ولا يكون الداعية إلى اللَّه حكيماً إلا بالعلم الشرعي، وإن لم يصحب الداعية من أول قدم يضعه في الطريق إلى آخر قدم ينتهي إليه، فسلوكه على غير طريق، وهو مقطوع عليه طريق الوصول، ومسدود عليه سبيل الهدى والفلاح، وهذا إجماع من العارفين.
ولاشك أنه لا ينهى عن العلم إلا قُطَّاع الطريق، ونوّاب إبليس وشرطه [ انظر: مدارج السالكين للإمام ابن القيم، 2/ 464.]
وقد قسم الإمام ابن تيمية - رضي الله عنه - العلم النافع - الذي هو أحد دعائم الحكمة وأسسها - إلى ثلاثة أقسام، فقال رحمه اللَّه: (والعلم الممدوح الذي دل عليه الكتاب والسنة هو العلم الذي ورثه الأنبياء) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :(إن الأنبياء لم يورِّثوا درهماً ولا ديناراً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظٍّ وافرٍ) [ سنن أبي داود، 3/ 317، (رقم 3641) والترمذي، 5/ 49، رقم 2683، وابن ماجه في المقدمة، 1/ 80، رقم 223، وانظر: صحيح ابن ماجه للألباني، 1/ 43]
وهذا العلم ثلاثة أقسام:
القسم الأول: علم باللَّه، وأسمائه، وصفاته، وما يتبع ذلك، وفي مثله أنزل اللَّه سورة الإخلاص وآية الكرسي ونحوهما.
القسم الثاني: علم بما أخبر اللَّه به مما كان من الأمور الماضية،وما يكون من الأمور المستقبلة، وما هو كائن من الأمور الحاضرة، وفي مثل هذا أنزل اللَّه آيات القصص، والوعد، والوعيد، وصفة الجنة والنار، ونحو ذلك.
القسم الثالث: العلم بما أمر اللَّه به من العلوم المتعلقة بالقلوب والجوارح من الإيمان باللَّه من معارف القلوب وأحوالها، وأقوال الجوارح وأعمالها، وهذا يندرج فيه: العلم بأصول الإيمان وقواعد الإسلام، ويندرج فيه العلم بالأقوال والأفعال الظاهرة، ويندرج فيه ما وجد في كتب الفقهاء من العلم بأحكام الأفعال الظاهرة، فإن ذلك جزءٌ من جزءٍ من علم الدين.
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الرابعة والعشرون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:*أركان الحكمة( العلم )
والناس إنما يغلطون في هذه المسائل؛ لأنهم لا يفهمون مسميات الأسماء الواردة في الكتاب والسنة، ولا يعرفون حقائق الأمور الموجودة، فرُبَّ رجل يحفظ حروف العلم التي أعظمها حفظ حروف القرآن ولا يكون له من الفهم، بل ولا من الإيمان ما يتميز به على من أوتي القرآن ولم يؤت حفظ حروف العلم، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأُترُجة، ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة، لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة، ريحها طيب، وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة، ليس لها ريح وطعمها مر) [.البخاري مع الفتح، 9/ 555، (رقم 5427)، ومسلم في صلاة المسافرين 1/ 549، (رقم 797).]
فقد يكون الرجل حافظاً لحروف القرآن وسوره، ولا يكون مؤمناً، بل يكون منافقاً، فالمؤمن الذي لا يحفظ حروفه وسوره خير منه، وإن كان ذلك المنافق ينتفع به الغير كما ينتفع بالريحان، وأما الذي أُوتي العلم والإيمان، فهو مؤمن حكيمٌ وعليمٌ، فهو أفضل من المؤمن الذي ليس مثله في العلم مثل اشتراكهما في الإيمان، فهذا أصل تجب معرفته[ انظر: فتاوى ابن تيمية، 11/ 396، 397 بتصرف، والفتاوى أيضاً، 7/ 21 – 25]
وقال ابن تيمية رضي الله عنه : العلوم خمسة: فعلم هو حياة الدين، وهو علم التوحيد، وعلم هو غذاء الدين، وهو علم التذكر بمعاني القرآن والحديث، وعلم هو دواء الدين، وهو علم الفتوى إذا نزل بالعبد نازلة احتاج إلى من يشفيه منها كما قال ابن مسعود، وعلم هو داء الدين، وهو الكلام المحدث، وعلم هو هلاك الدين، وهو علم السحر ونحوه.[ انظر: فتاوى ابن تيمية، 10/ 145]
والعلم لابد فيه من إقرار القلب، ومعرفته، بمعنى ما طلب منه علمه، وتمامه أن يعمل بمقتضاه؛ فإن العلم النافع - الذي هو أعظم أركان الحكمة التي من أُوتيها فقد أُوتيَ خيراً كثيراً - هو ما كان مقروناً بالعمل، أما العلم بلا عمل، فهو حجة على صاحبه يوم القيامة؛ ولهذا حذر اللَّه المؤمنين من أن يقولوا ما لا يفعلون، رحمةً بهم، وفضلاً منه وإحساناً، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ}[ سورة الصف، الآيتان: 2 - 3.]
وحذَّرهم عن كتمان العلم، وأمرهم بتبليغه للبشرية على حسب الطاقة والجهد، وعلى حسب العلم الذي أعطاهم اللَّه - عز وجل - لا يُكلف اللَّه نفساً إلا وسعها، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ الَّلاعِنُونَ}[ سورة البقرة، الآية: 159.]
وهذه الآية، وإن كانت نازلة في أهل الكتاب وما كتموه من شأن الرسول صلى الله عليه وسلم وصفاته، فإن حكمها عام لكل من اتصف بكتمان ما أنزل اللَّه من البينات الدالات على الحق، المظهرات له، والعلم الذي تحصل به الهداية إلى الصراط المستقيم، ويتبين به طريق أهل النعيم من طريق أهل الجحيم، ومن نبذ ذلك وجمع بين المفسدتين: كَتْم ما أنزل اللَّه، والغش لعباد اللَّه، لعنه اللَّه، ولعنه جميع الخليقة؛ لسعيهم في غش الخلق وفساد أديانهم، وإبعادهم عن رحمة اللَّه، فجُوزوا من جنس عملهم، كما أن معلم الناس الخير يستغفر له كل شيء حتى الحوت في الماء، والطير في الهواء؛ لسعيه في مصلحة الخلق وإصلاح أديانهم؛ ولأنه قربهم من رحمة اللَّه، فَجُوزيَ من جنس عمله [انظر: تفسير عبد الرحمن بن ناصر السعدي، 1/ 186، وبهذا يتضح أن العلم لا يكون من دعائم الحكمة إلا باقترانه بالعمل. وقد كان علم السلف الصالح - وعلى رأسهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مقروناً بالعمل..
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الخامسة والعشرون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:أسباب وطرق تحصيل العلم:
العلم النافع له أسباب ينال بها، وطرق تُسلك في تحصيله وحفظه، من أهمها:
1 - أن يسأل العبد ربه العلم النافع، ويستعين به تعالى، ويفتقر إليه
2 - ومنها: الاجتهاد في طلب العلم، والشوق إليه، والرغبة الصادقة في ابتغاء مرضاة اللَّه تعالى، وبذل جميع الأسباب في طلب علم الكتاب والسنة
3 - ومنها: اجتناب جميع المعاصي بتقوى اللَّه - تعالى-؛
4 - ومنها: عدم الكبر والحياء عن طلب العلم،
5 - ومنها، بل أعظمها ولُبُّها: الإخلاص في طلب
العلم، 6 - العمل بالعلم
ومما تقدم يتضح أن العلم لا يكون ركناً من أركان الحكمة ودعائمها إلا بالعمل، والإخلاص، والمتابعة.
*الركن الثاني: الحلم
الحِلْمُ: بالكسر: العقل وحلم حلماً: تأنَّى وسكن عند غضب أو مكروه مع قدرة، وقوة، وصفح، وعقل ومن أسماء اللَّه - تعالى -: (الحليم)، وهو الذي لا يستخفه شيء من عصيان العباد، ولا يستفزه الغضب عليهم، ولكنه جعل لكل شيء مقداراً فهو منتهٍ إليه
والحلم: هو حالة متوسطة بين رذيلتين: الغضب، والبلادة، فإذا استجاب المرء لغضبه بلا يعقل ولا يبصر كان على رذيلة، وإن تبلد، وضيع حقه ورضي بالهضم والظلم كان على رذيلة، وإن تحلى بالحلم مع
القدرة، وكان حلمه مع من يستحقه كان على فضيلة.
وهناك ارتباط بين الحلم وكظم الغيظ، وهو أن ابتداء التخلق بفضيلة الحلم يكون بالتحلم: وهو كظم الغيظ، وهذا يحتاج إلى مجاهدة شديدة، لما في كظم الغيظ من كتمان ومقاومة واحتمال، فإذا أصبح ذلك هيئة راسخة في النفس، وأصبح طبعاً من طبائعها كان ذلك هو الحلم،وقد وصف اللَّه نفسه بصفة الحلم في عدة مواضع من القرآن الكريم، كقوله تعالى: {وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} ونلاحظ أن الآيات التي وصفت اللَّه بصفة الحلم قد قرنت صفة الحلم - في أغلب هذه الآيات - بصفة المغفرة أو العفو، ويأتي هذا الاقتران في الغالب بعد إشارة سابقة إلى خطأ وقع، أو تفريط في أمر محمود، وهذا أمر يتفق مع الحلم؛ لأنه تأخير عقوبة، قال سبحانه: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى}
ونجد أيضاً أن عدداً من الآيات التي وصفت اللَّه بالحلم قد قرن فيها ذكر الحلم بالعلم، كقوله تعالى: {وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ} ، وهذا يفيد - واللَّه أعلم بمراده - أن كمال الحلم يكون مع كمال العلم، وهذا من أعظم أركان الحكمة
ومما يؤكد أن الحلم من أعظم أركان الحكمة - التي ينبغي للداعية أن يدعو بها إلى اللَّه - تعالى - مدح النبي - صلى الله عليه وسلم - للحلم، وتعظيمه لأمره، وأنه من الخصال التي يحبها اللَّه عز وجل قال صلى الله عليه وسلم للأشج: (إن فيك خصلتين
يحبهما اللَّه: الحلم والأناة) وفي رواية قال الأشج: يا رسول اللَّه، أنا تخلقت بهما أم اللَّه جبلني عليهما؟ قال: (بل اللَّه جبلك عليهما)، قال: الحمد للَّه الذي جبلني على خلقين يحبهما اللَّه ورسوله
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة السادسة والعشرون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:الركن الثالث: الأناة
الأناة التثبت وعدم العجلة، يقال: تَبيّنَ في الأمر والرأي: تثبت، وتأنى فيه ولم يعجل
ويأتي التبيُّن بمعنى: التبصر: التعرف والتأمل، يقال:
تبصر الشيء، وتأمل في رأيه: تبين ما يأتيه من خيرٍ
أو شرٍ والأناة هي: التصرُّف الحكيم بين العجلة والتباطؤ
والأناة مظهر من مظاهر خُلق الصبر، وهي من صفات أصحاب العقل والرزانة، بخلاف العجلة فإنها من صفات أصحاب الرعونة والطيش، والأناة عند الداعية إلى اللَّه - تعالى - تسمح له بأن يُحكم أموره، ويضع الأشياء في مواضعها، فهي ركن من أركان الحكمة،والداعية مطلوب منه أن يتخلق بخلق الأناة، بامتثال أمر اللَّه - تعالى - وبالتأني والتثبت من الأقوال والأفعال، والاستيثاق من مصدرها قبل الحكم عليها أو لها، وعليه أن يتدبر الأمور على مهلٍ، غير متعجل
والداعية إلى اللَّه - تعالى - إذا أبصر العاقبة أمِنَ
الندامة، ولا يكون ذلك إلا إذا تدبر جميع الأمور التي
تعرض له، ويواجهها، فإذا كانت رشداً، وحقّاً، وصواباً فليمض، وإذا كانت غيَّا، وضلالاً، وظنًّا خاطئاً، فليقف ولينتهِ حتى يتضح له الحق.
ولعظم أمر الأناة والتبين أمر اللَّه بها حتى في جهاد الكفار في سبيل اللَّه، الذي هو من أعظم وسائل الدعوة إلى اللَّه تعالى، فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} والرسل - عليهم الصلاة والسلام - هم صفوة الخلق وقدوتهم،وهم أكمل الناس أناةً وحلماً، وأعظمهم في ذلك وأوفرهم حظَّاً محمد - صلى الله عليه وسلم -.... [ إلى آخر ماقال الشيخ سعيد بن وهف القحطاني ] [الأنترنت – موقع المكتبة الشاملة – مولفات د . سعيد وهف القحطاني ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة السابعة والعشرون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان: مكانة الحكمة في دين الله
الحكمة لها مكانة عظيمة في دين الله، والأقوال والأفعال إذا اتصفت بصفة الحكمة صار لها قدر وقيمة، وإذا تباعدت عنها استحقت الذم ووصفت بالرعونة والطيش والحمق؛ ولذلك نجد الكبير والصغير والرجل والمرأة، والحاكم والمحكوم، بل والمسلم والكافر ينسب نفسه إليها ، ويفرح أشد الفرح إذا وصف بأنه حكيم في تقديراته وتصرفاته.
ماهي الحكمة ؟
فالحكمة هي العقل والفقه في دين الله، وهي إتقان العلم و العمل، وجميع الأمور لا تصلح إلا بالحكمة التي هي وضع الأشياء مواضعها وتنزيل الأمور منازلها، والإقدام في محل الإقدام والإحجام في موضع الإحجام.
والحكمة لا تختص بالنبوة، بل هي أعم منها، وأعلاها النبوة والرسالة، ولكن لأتباع الأنبياء حظ من الخير على سبيل التبع. قال تعالى: (يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ)[البقرة:269]. وقال سبحانه عن لقمان: (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) [لقمان:12].
وقال في معرض الامتنان على يوسف عليه السلام: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)[يوسف:22]. وقال في وصف داود عليه السلام: (وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ)[البقرة:251].
والقرآن بما فيه من عجائب الأسرار ودقائق الأمور كله حكمة. قال تعالى: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل:125]. وقد تأتي الحكمة بمعنى النبوة والرسالة: (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ)[آل عمران:48], (وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ)[ص:20]. ومعانيها كثيرة لا تقتصر على ذلك.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ضمني رسول الله
صلى الله عليه وسلم إلى صدره وقال: "اللهم علمه الحكمة"[رواه البخاري]. قال ابن حجر: واختلف في المراد بالحكمة هنا فقيل: الإصابة في القول. وقيل: الفهم عن الله. وقيل: ما يشهد العقل بصحته. وقيل: نورٌ يُفرق به بين الإلهام والوسواس. وقيل: سرعة الجواب بالصواب. ومنهم من فسر الحكمة هنا بالقرآن.وفي الحديث: "رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، وآخر آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويُعلمها" [رواه البخاري].وعن أبي بن كعب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن من الشعر حكمة"[رواه البخاري] أي من الشعر قولاً صادقًا مطابقًا للحق. وفي الحديث: "الإيمان يمان، والحكمة يمانية"[رواه البخاري ومسلم]. قاله الدكتور / سعيد عبد العظيم
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثامنة والعشرون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان: الحكمة حكمتان :
قال ابن القيم: والحكمة حكمتان: علمية وعملية. فالعلمية: الإطلاع على بواطن الأشياء،ومعرفة ارتباط الأسباب بمسبباتها، خلقًا وأمرًا، قدرًا وشرعًا، والعملية – كما قال صاحب المنازل -: وضع الشيء في موضعه. قال: وهي على ثلاث درجات: الدرجة الأولى: أن تعطي كل شيء حقه، ولا تعديه حده، ولا تعجله عن وقته، ولا تؤخره عنه.
الدرجة الثانية: أن تشهد نظر الله في وعده، وتعرف
عدله في حكمه، وتلحظ بره في منعه.
الدرجة الثالثة: أن تبلغ في استدلالك البصيرة، وفي إرشادك الحقيقة، وفي إشاراتك الغاية".
*ومن أمثلة الحكمة في القرآن الكريم قصة أصحاب الكهف، فهؤلاء الفتية لم يقلدوا قومهم على ما هم عليه من كفر وضلال، واعتزلوا قومهم بعد أن أدركوا أنه لا ينفع معهم نصح ولا دعوة ثم ثباتهم على الحق وقضاء حوائجهم على هذا النحو: (فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا)[الكهف:19].
وكلها صور تدل على حكمة بليغة؛ فالحكمة لا تقتصر على الكبير دون الصغير .
وفي قصة سليمان مع ملكة سبأ تلمس حكمة التصرف
واتخاذ القرار، فعنايته برعيته وتفقده لأحوالهم وعدم
تعجله بالحكم على غياب الهدهد، والتزامه بمنهج التثبت في خبر سبأ كما حكاه الهدهد: (قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ)[النمل:27].
ثم الرسالة التي كتبها بأسلوب حكيم: (إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ
وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ)[النمل:30، 31].وكانت بلقيس ملكة سبأ على قدر كبير من الحكمة في قيادة قومها والتزامها بالشورى منهجًا وسلوكًا. قال الحسن: كانت هي أحزم رأيًا منهم، وأعلم بأمر سليمان، وإنه لا قِبَلَ لها بجيوشه وجنوده.
وكذلك في قصة لقمان مع ابنه صور كثيرة من الحكمة .
والسنة مليئة بالحكمة، ومن ذلك ما حدث في قصة
صلح الحديبية والتعامل مع المنافقين، وعدم قتل ابن
سلول المنافق، وقتال أبي بكر لمانعي الزكاة والمرتدين...
وكلها دروس بليغة لابد من التعرف عليها؛ وذلك لأسباب كثيرة فمدار نجاح الدعوات على الحكمة، والصحوة الإسلامية في يقظتها المعاصرة أحوج ما تكون إلى الحكماء.
ثم الفهم الخاطئ لمعاني الحكمة إفراطًا وتفريطًا قد تؤدي بالبعض إلى مداهنة الظالمين وضياع الحق والسكوت على الباطل باسم الحكمة، ومن جهة أخرى فبعض المواقف والأعمال اتسمت بالتهور والاندفاع كالاغتيالات والدخول في مواجهات أو إحراق أماكن الفساد، وقد جرت مثل هذه الأعمال على أمتنا عمومًا وعلى الدعاة خصوصًا الويلات.
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة التاسعة والعشرون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان: *موانع الحكمة
إن الهوى وعدم التجرد من أعظم موانع هذه الحكمة. قال تعالى: {وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} [ص:26]. (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ)[المؤمنون:71].
وفي الحديث: "فإذا رأيت شحًا مطاعًا، وهوىً متبعًا، وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك"[رواه ابن ماجه].والهوى يعمي ويصم كما قال شيخ الإسلام.
فمن كانت هذه حاله فأنى له الحكمة، والجهل والحكمة
ضدان لا يجتمعان. قال تعالى: (قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي
أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ)[الزمر:64].
وقد يكون من خوارم الحكمة عدم فهم الأدلة، أو الاستدلال بها في غير مواضعها، أو عدم الجمع بينها، وكذلك قلة الخبرة والتجربة وكذلك الانفرادية وعدم تحديد الأهداف والنظرة السطحية للأمور والارتجال والعجلة وعدم ضبط النفس والخلط في المفاهيم، وكذلك تقديم الجزئيات على الكليات والغفلة عن مكائد الأعداء وعدم إتقان قاعدة المصالح والمفاسد.
قال العلماء: ليس العاقل الذي يعلم الخير من الشر، ولكن العاقل الذي يعلم خير الخيرين وشر الشرين، وشرع الله مصلحة كله وحيثما كانت المصلحة فثم شرع الله.
*كيف نحصل على الحكمة ؟
ولما كانت التخلية قبل التحلية، فلابد لكل من أراد
الحكمة وطلبها أن يتخلى عن الموانع والخوارم قبل التلبس بالأركان والبحث في الأسباب .
والحكمة فضل من الله، وما عند الله من خير وبركة لا نناله إلا بطاعته، ومن أعظم أسباب ذلك : التجرد والإخلاص والتقوى وطلب العلم الشرعي من مظانه، والاستشارة والاستخارة، وبُعد النظر وسمو الأهداف وفقه السنن الكونية والشرعية، والعدل والتثبت والمجاهدة والدعاء والصبر والرفق ولين الجانب، وقد تجتمع هذه الأركان في شخص واحد – وهو نادر وقليل – وقد تتوافر في مجموعة من الأفراد، ولهذا فإن الحكمة قد تكون كاملة وقد تكون نسبية وهو الأكثر.
قال ابن القيم في مدارج السالكين: والله تعالى أورث الحكمة آدم وبنيه، فالرجل الكامل من له إرث كامل من أبيه، ونصف الرجل كالمرأة له نصف ميراث، والتفاوت في ذلك لا يحصيه إلا الله تعالى، وأكمل الخلق في هذا: الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، وأكملهم أولو العزم، وأكملهم محمد صلى الله عليه وسلم، ولهذا امتن الله سبحانه وتعالى عليه وعلى أمته بما آتاهم من الحكمة كما قال تعالى: (وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) [النساء:113]. وقال: (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ)[البقرة:151].
لابد من مراعاة الحكمة وعدم التساهل في موضوع بر الوالدين وتربية الأولاد ومصاحبة الزوجة ومعاشرتها وصلة الأهل والأرحام، وقد أساء البعض فهم حق القوامة فتسلط على زوجته واعتبرها مملوكة وتجاهل حقوقها، وهذا استعباد لم يأذن به الله، قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)[النساء:19]. وآخرون خضعوا لسلطان الشهوة؛ فاستعبدتهم النساء، ولن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة.
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثلاثون في موضوع الحكمة وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: *موانع الحكمة
وكذلك لابد من مراعاة الحكمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد ذكر العلماء ضوابط لذلك ، فلا يجوز إنكار المنكر بمنكر أعظم، ولا إنكار المنكر بتثبيته والإتيان بمنكر آخر، ولا استعداء الأذى على الأهل والإخوان والأصدقاء، ولا يتم ذلك بإتلاف النفس في غير مصلحة شرعية، فالإخلال بالحكمة له آثاره التي لا تخفى.
لابد من حيطة وتثبت في نقل الأخبار وخصوصًا ما يتعلق منها باتهام الآخرين وما يترتب عليه إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا. قال تعالى: (وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً)[النساء:83]. وقال تعالى: (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ)[النــور:15]. وذلك في قصة الإفك.
وفي الحديث: "كفى بالمرء إثمًا أن يحدث بكل ما سمع"[رواه مسلم].
ومن هذا النقد وبيان الأخطاء فقد أطلق البعض لسانه دون رقيب أو حسيب، وعلى العكس والنقيض اعتبر البعض النصيحة فضيحة، والتنبيه على الأخطاء تجريحًا، وجعلوا للأفراد والهيئات والجماعات قداسة لا تُمس، وكلا الطرفين ذميم ومراعاة ذلك هو الحكمة التي نعنيها، والضالة التي ننشدها.
ومن المسائل المتعارضة التي سوى الناس بينها الخلط بين القوة وبين الضعف والغلظة، والرفق واللين وبين الضعف، والعزة وبين التكبر، والتواضع وبين الذل، والشجاعة وبين التهور، وخوف الفتنة وبين الجبن والخوف...
والمنهج الصحيح هو تسمية الحقائق بأسمائها، ولا يتسنى ذلك إلا لمن رزق علمًا وفهمًا وقدرة على وضع الشيء في موضعه، وهذه هي الحكمة التي نتحدث عنها. (وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ)[البقرة:269]. [الأنترنت – موقع إسلام ويب ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الواحدة والثلاثون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:*وسائل اكتساب الحِكْمَة :
الحِكْمَة من حيث الاكتساب وعدمه تنقسم إلى قسمين:
- حِكْمَة فطريَّة: يؤتيها الله عز وجل من يشاء،
ويتفضَّل بها على من يريد، وهذه لا يد للعبد فيها، وهي التي عناها عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه حينما كتب إلى أبي موسى الأشعري: (إنَّ الحِكْمَة ليست عن كِبَر السِّن، ولكنَّه عطاء الله يعطيه من يشاء، فإيَّاك ودناءة الأمور، ومُرَّاق الأخلاق)
- حِكْمَةٌ مكتسبةٌ: يكتسبها العبد بفعل أسبابها، وترك موانعها، فيسهل انقيادها له، وتجري على ألفاظه التي ينطق بها، وتكتسي بها أعماله التي يفعلها، ويشهدها النَّاس على حركاته وسكناته.
ومن طرق اكتسابها:
1- التَّفقه في الدِّين، وهو من الخير الكثير الذي أشارت إليه الآية: قال تعالى: {يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ }[البقرة: 269]) . وهي ثمرة من ثمار التَّربية القرآنية، ونتيجة من نتائجها؛ والحِكْمَة ثمرة التَّعليم بهذا الكتاب، وهي ملكة يتأتَّى معها وضع الأمور في مواضعها الصَّحيحة، ووزن الأمور بموازينها الصَّحيحة، وإدراك غايات الأوامر والتوجيهات.. وكذلك تحقَّقت هذه الثَّمرة ناضجة لمن ربَّاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وزكَّاهم بآيات الله)
2- مجالسة أهل الصَّلاح ، والاختلاط بهم ، والاستفادة منهم؛ لذا كان لُقْمان يقول لابنه وهو يوصيه ويدُلُّه على طريق الحِكْمَة: (يا بُنَيَّ، جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك؛ فإنَّ الله يحيي القلوب بنور الحِكْمَة، كما يحيي الأرض الميِّتة بوابل السَّماء)
3- العبادة الحقَّة لله سبحانه، والارتباط الوثيق به،
والبعد عن المعاصي، وطرد الهوى، كلُّ ذلك من طُرُق نَيْل الحِكْمَة؛ فعن الحسن، قال: (من أحسن عبادة الله في شبيبته، لقَّاه الله الحِكْمَة عند كِبَر سنِّه، وذلك قوله: وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ [القصص: 14]) . وقال ابن الجوزي: (لكلِّ باب مفتاح، ومفتاح الحِكْمَة: طرد الهوى)
4- تحرِّي الحلال في مأكله ومشربه وملبسه وشأنه كلِّه سبب في نَيْل الحِكْمَة، والوصول إلى مصافِّ الحكماء.
5- كثرة التَّجارب، والاستفادة من مدرسة الحياة؛ فــ(من مشارب الحِكْمَة: الاستفادة من العمر والتَّجارب، بالاعتبار، وأخذ الحَيْطة لأمر الدِّين والدُّنيا، ففي الحديث: (لا يُلدغ المؤمن من جحر مرَّتين)
. وكثرة التَّجارب هي التي تُكْسِب صاحبها الحلم والحِكْمَة) .
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثانية والثلاثون في موضوع الحكمة وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:
*وسائل اكتساب الحِكْمَة :
6- ألَّا يعتمد المرء على رأي نفسه، بل عليه أن يستشير ذوي الخبرة والتَّجربة من إخوانه الصَّالحين؛ ليزداد بصيرة بالعواقب .
7- التَّحلِّي بالصَّمت عمَّا لا فائدة فيه، طريق إلى اكتسابها، فالحَكِيم يُعرف بالصَّمت وقلَّة الكلام، وإذا تكلَّم تكلَّم بالحقِّ، وإن تلفَّظ تلفَّظ بخير، أو سكت، ففي الصَّحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا، أو يسكت)
وقد قال وهب بن منبه: (أجمعت الأطباء على أنَّ رأس الطبِّ: الحِمْيَة، وأجمعت الحُكَماء على أنَّ رأس الحِكْمَة: الصَّمت) .
وقال عمر بن عبد العزيز: (إذا رأيتم الرَّجل يطيل الصَّمت، ويهرب من النَّاس، فاقتربوا منه فإنه يُلقَّى الحِكْمَة) وقيل: زَيْن المرأة الحياء، وزَيْن الحكيم الصَّمت
8- ومن طرق اكتسابها أيضًا ما ذكره لُقْمان الحكيم عندما سئل: أنَّى أُوتي الحِكْمَة؟ قال: (بشيئين: لا أتكلَّف ما كُفِيت، ولا أضيِّع ما كُلِّفت).[الأنترنت – موقع الدرر السنية ]
*الله انعم على أنبيائه ورسله -عليهم السلام- بالحكمة
هذه أمثلة عن إنعام الله عز َّ وجلَّ على أنبيائه ورسله بالحكمة. قال سبحانه وتعالى: فى حق لوط عليه السلام: ﴿ وَلُوطًا ءَاتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ﴾ (الأنبياء ٧٤). والحكمُ النبوةُ، والعلمُ المعرفةُ بأمر الدين وما يقع به الحُكم بين الخصوم. وقيل: "علمًا" فهمًا. والمعنى واحد.
فى حق يوسف عليه السلام: ﴿ ءَاتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ﴾ (يوسف ٢٢) أى جعلناه المستولِـىَ على الحكم، فكان يحكم فى سلطان الملك؛ أى وءاتيناه علمًا بالحكم. وقال مجاهد: العقل والفهم والنبوة. وقيل: الحكم النبوة، والعلم علم الدين؛ وقيل: علم الرؤيا، فى حق موسى عليه السلام: ﴿ءَاتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا) (القصص ١٤).
والحكم: الحكمة قبل النبوة. وقيل: النبوة. وقال مجاهد:
الفقه أى فى الدين. وقال محمد بن إسحاق: أى العلم بما فى دينه ودين ءَابائه.
فى حق داود عليه السلام: ﴿ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَءَاتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالحكمةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ﴾ البقرة ٢٥١ أى ءاتاه الله مُلكَ طالوت، والنبوةَ أو الزبور، وعلمه ربه صَنعةَ الدروع أو منطقَ الطير.
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثالثة والثلاثون في موضوع الحكمة وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: *الله انعم على أنبيائه ورسله بالحكمة
فى حق داود وسليمان عليهما السلام: ﴿ وَدَاوُدَ
وَسُلَيْمَانَ إذْ يَحْكُمَانِ فى الْحَرْثِ إذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا ءَاتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ﴾ (الأنبياء ٧٨-٧٩) أى بوجوه الاجتهاد وطرق الحكم. قال الجمهور: إنَّ حكمهما كان باجتهاد. قال الإمام النسفىّ: وقصته أن الغنمَ رعتِ الحَرْثَ وأفسدتْه بلا راع ليلا. فتحاكما إلى داود عليه السلام. فحكم بالغنم لأهل الحرث وقد استوت قيمة الغنم والنقصان من الحرث. فقال سليمان عليه السلام وكان ابنَ إحدى عشرة سنة: غيرُ هذا أرفق بالفريقين. فعَزَم عليه لَيَحكُمَنَّ. فقال: أرى أن تدفَعَ الغنمَ إلى أهل الحرث ينتفعون بألبان البهائم وأولادها وأصوافها، والحرثَ إلى ربّ الغنم حتى يُصلِحَ الحَرثَ ويعودَ كهيئته يوم أُفسِدَ. ثم يَتَرَادَّان. فقال: القضاءُ ما قضيتَ. وأمضى الحكمَ بذلك. وكان اجتهادًا منهما على حسب شريعتهما. وهذا قول الجمهور. وقال قوم: كان داودُ وسليمانُ عليهما السلام نَبِيَّينِ يقضيان بما يوحَى إليهما. فحكم داود بوحىٍ، وحكَم سليمان بوحىٍ نَسَخ اللهُ به حكمَ داود. وعلى هذا ﴿ ففهَّمناها سليمان ﴾ أى بطريق الوحىِ الناسخ لما أوحِىَ إلى داود. وأُمِرَ سليمانُ أن يبلّـِغَ ذلك داودَ. ولهذا قال: ﴿ وَكُلًّا ءَاتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ﴾. هذا قول جماعة من العلماء ومنهم ابن فُورَك.
مخاطِبًا رسولـَه محمدًا ﷺ: ﴿ ادْعُ إلِى سَبِيلِ رَبّـِـك بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾ (النحل ١٢٥) أىُ ادْعُ إلـى الإسلام بالقرءانِ، أو الفقهِ، أو النبوةِ وبمواعظِ القرءان، أو بالأدبِ الجميل الذى يعرفونه. وعن عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِىَ اللّهُ عَنه قالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: ”لاَ حَسَدَ إلَّا فِى اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ ءَاتَاهُ اللهُ مَالًا فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِى الْحَقّ، وَرَجُلٌ ءاتَاهُ اللهُ حِكْمَةً فَهُوَ يَقْضِى بِهَا وَيُعَلّمُهَا.“ رواه مسلم. قال النووىُّ: لا غِبطةَ محمودةٌ إلا فى هاتين الخصلتين وما فى معناهما. ”يَقْضِى بِهَا وَيُعَلّمُهَا“ معناه يعمَل بها ويعلّـِمُها احتسابًا. والحكمةُ كلُّ ما مَنَعَ من الجهل وزجَرَ عن القبيح.
[الانترنت- موقع الحكمة - حكمة الانبياء عليهم السلام- خطبة الجمعة فيلادلفيا ٢ شوَّال ١٤٣٤ه
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الرابعة والثلاثون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان: *الحكمة من ابتلاء الأنبياء
من أسباب المصائب : الذنوب ، ولكنها ليست السبب الوحيد ، فقد يبتلي الله تعالى بعض عباده الذين لم يذنبوا ، لينالوا أجر الصابرين ، وترتفع بذلك درجاتهم ، كما قد يبتلي الله بعض الأطفال ، وهم لا ذنب لهم .
أولاً : أشد الناس بلاء الأنبياء
روى الترمذي (2398) عَنْ سَعْد بن أبي وقاص رضي الله عنه قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً ؟ قَالَ : الأَنْبِيَاءُ , ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ , فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ , فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاؤُهُ , وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ , فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ . صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (143) .
وقد ذكر الله تعالى في كتابه صوراً من الابتلاء الذي
تعرض له الأنبياء :
قال تعالى : ( ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون ) البقرة/87 .
وقال تعالى : ( وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين ) البقرة/91 .
وقال تعالى : ( فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير) آل عمران/184
وقال تعالى : ( وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني
وقد تعلمون أني رسول الله إليكم فلما زاغوا أزاغ الله
قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين ) الصف/5 .
وقال تعالى : ( ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم ) التوبة/61 .
وابتلي إبراهيم عليه السلام بمعاداة أبيه وقومه له ، وبالإلقاء في النار . قال الله تعالى : ( قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمْ الأَخْسَرِينَ ) الأنبياء/68-70 .
وابتلي بالأمر بذبح ابنه إسماعيل
( فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ) الصافات/102-107 .
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الخامسة والثلاثون في موضوع الحكمة وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:
*الحكمة من ابتلاء الأنبياء
قال ابن القيم في الفوائد :
" الطريق :طريقٌ تعِب فيه آدم ، وناح لأجله نوح ، ورُمي في النار الخليل ، وأُضْجع للذبح إسماعيل ، وبيع يوسف بثمن بخس ولبث في السجن بضع سنين ، ونُشر بالمنشار زكريا ، وذُبح السيد الحصور يحيى ، وقاسى الضرَّ أيوب ... وعالج الفقر وأنواع الأذى محمد صلى الله عليه وسلم " انتهى .
وأُخبر نبيُّنا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالابتلاء في أول يوم من النبوة : قال ورقة بن نوفل : ( يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا , لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ ؟ قَالَ : نَعَمْ , لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلا عُودِيَ , وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا ) رواه البخاري .
ثانياً : وأما الحكمة في ابتلاء الأنبياء ؛ فقد قال ابن القيم في "بدائع الفوائد" :
" فإنه سبحانه كما يحمي الأنبياء ويصونهم ويحفظهم
ويتولاهم فيبتليهم بما شاء من أذى الكفار لهم :
1- ليستوجبوا كمال كرامته .
2- وليتسلى بهم من بعدهم من أممهم وخلفائهم إذا أوذوا من الناس فرأوا ما جرى على الرسل والأنبياء صبروا ورضوا وتأسوا بهم .
3- ولتمتلئ صاع الكفار فيستوجبون ما أعد لهم من النكال العاجل والعقوبة الآجلة فيمحقهم بسبب بغيهم وعداوتهم فيعجل تطهير الأرض منهم .
فهذا من بعض حكمته تعالى في ابتلاء أنبيائه ورسله بإيذاء قومهم،وله الحكمة البالغة،والنعمة السابغة ، لا إله غيره ، ولا رب سواه " انتهى .
وقال ابن القيم في "مفتاح دار السعادة" :
" وإذا تأملت حكمته سبحانه فيما ابتلى به عباده
وصفوته بما ساقهم به إلى أجلِّ الغايات وأكمل النهايات التي لم يكونوا يعبرون إليها إلا على جسر من الابتلاء والامتحان . . . وكان ذلك الابتلاء والامتحان عين الكرامة في حقهم ، فصورته صورة ابتلاء وامتحان ، وباطنه فيه الرحمة والنعمة ، فكم لله مِن نعمة جسيمة ومنَّة عظيمة تُجنى من قطوف الابتلاء والامتحان .
فتأمل حال أبينا آدم صلى الله عليه وسلم وما آلت إليه محنته من الاصطفاء والاجتباء والتوبة والهداية ورفعة المنزلة . .
وتأمل حال أبينا الثاني نوح صلى الله عليه وسلم وما آلت إليه محنته وصبره على قومه تلك القرون كلها حتى أقر الله عينه ، وأغرق أهل الأرض بدعوته ، وجعل العالم بعده من ذريته ، وجعله خامس خمسة وهم أولو العزم الذين هم أفضل الرسل , وأمَر رسولَه ونبيه محمَّداً أن يصبر كصبره ، وأثنى عليه بالشكر فقال : ( إنه كان عبداً شكوراً ) فوصفه بكمال الصبر والشكر .
ثم تأمل حال أبينا الثالث إبراهيم صلى الله عليه وسلم إمام الحنفاء وشيخ الأنبياء وعمود العالم وخليل رب العالمين من بني آدم ، وتأمل ما آلت إليه محنته وصبره وبذله نفسه لله ، وتأمل كيف آل به بذله لله نفسه ونصره دينه إلى أن اتخذه الله خليلاً لنفسه . . . وضاعف الله له النسل وبارك فيه وكثر حتى ملؤوا الدنيا ، وجعل النبوة والكتاب في ذريته خاصة ، وأخرج منهم محمَّداً صلى الله عليه وسلم وأمَره أن يتبع ملة أبيه إبراهيم . . .
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة السادسة والثلاثون في موضوع الحكمة وستكون إستكمالا للماضيتين والتي هي بعنوان:
*الحكمة من ابتلاء الأنبياء
ثم تأمل حال الكليم موسى عليه السلام وما آلت إليه محنته وفتونه من أول ولادته إلى منتهى أمره حتى كلَّمه الله تكليما ، وقرَّبه منه ، وكتب له التوراة بيده ، ورفعه إلى أعلى السموات ، واحتمل له ما لا يحتمل لغيره ، فإنه رمى الألواح على الأرض حتى تكسرت ، وأخذ بلحية نبي الله هارون وجرَّه إليه ، ولطم وجه ملك الموت ففقأ عينه ، وخاصم ربه ليلة الإسراء في شأن رسول الله ، وربه يحبه على ذلك كله ، ولا سقط شيء منه من عينه ، ولا سقطت منزلته عنده ، بل هو الوجيه عند الله القريب ، ولولا ما تقدم له من السوابق وتحمل الشدائد والمحن العظام في الله ومقاسات الأمر الشديد بين فرعون وقومه ثم بنى إسرائيل وما آذوه به وما صبر عليهم لله : لم يكن ذلك
ثم تأمل حال المسيح صلى الله عليه وسلم وصبره على قومه واحتماله في الله وما تحمله منهم حتى رفعه الله إليه
وطهره من الذين كفروا وانتقم من أعدائه ، وقطَّعهم في الأرض ومزَّقهم كل ممزق وسلبهم ملكهم وفخرهم إلى آخر الدهر . .
فإذا جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وتأملت سيرتَه مع قومه وصبره في الله ، واحتماله ما لم يحتمله نبي قبله ، وتلون الأحوال عليه مِن سِلْم وخوف ، وغنى وفقر ، وأمن وإقامة في وطنه وظعن عنه وتركه لله وقتل أحبابه وأوليائه بين يديه ، وأذى الكفار له بسائر أنواع الأذى من القول والفعل والسحر والكذب والافتراء عليه والبهتان ، وهو مع ذلك كله صابر على أمر الله يدعو إلى الله فلم يؤذ نبي ما أوذي ، ولم يحتمل في الله ما احتمله ، ولم يعط نبي ما أعطيه ، فرفع الله له ذكره وقرن اسمه باسمه ، وجعله سيد الناس كلهم ، وجعله أقرب الخلق إليه وسيلة ، وأعظمهم عنده جاهاً ، وأسمعهم عنده شفاعة ، وكانت تلك المحن والابتلاء عين كرامته ، وهي مما زاده الله بها شرفا وفضلا ، وساقه بها إلى أعلى المقامات .
وهذا حال ورثته من بعده الأمثل فالأمثل كلٌّ له نصيب من المحنة ، يسوقه الله به إلى كماله بحسب متابعته له " انتهى . والله أعلم . [نسايم الأنترنت – موقع الإسلام سؤال وجواب]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة السابعة والثلاثون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:
*بعض جوانب حكمة النبي صلى الله عليه وسلم
يعتني ملايين المسلمين في جميع أنحاء العالم بالاستشهاد بحكم وأقوال الوثنيين والملاحدة والمشركين، لا سيما في مواقع التواصل الاجتماعي، بينما اهتم قليلهم بأقوال المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، فكلامه وحيٌ يوحيه الله إليه، على يد ملك شديد القوى، وفضله الله على الأنبياء والعالمين بجوامع الكلم. فهذه القلة القليلة هي التي أدركت ذلك، وآمنت بقول ربها: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب:21]، فاقتدوا بهديه، والتمسوا الحكمة من أقواله، فوجدوا فيها بغيتهم، ونشدوا فيها ضالتهم، فزادتهم هدىً على هداهم. ورغم ذلك فلن نتكلم عن مظاهر حكمته وأسرار جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، بل نترك كلامه ينطق بحكمته وفصاحته: «ما من مسلم يغرس غرسًا أو يزرع زرعًا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة» (رواه البخاري). - كان يقول إن لكل شيء صقالة وإن صقالة القلوب ذكر الله وما من شيء أنجى من عذاب الله من ذكر الله قالوا ولا الجهاد في سبيل الله قال ولو أن يضرب بسيفه حتى ينقطع (رواه ابن أبي الدنيا، والبيهقي واللفظ له، وصحَّحه الألباني). - «أفضل الجهاد أن يجاهد الرجل نفسه وهواه» (رواه ابن النجار، وصحَّحه الألباني). - «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خِماصًا وتروح بِطانًا» (رواه الترمذي، وابن ماجة، وصحَّحه الألباني). - «لا يرحم الله من لا يرحم الناس» (متفقٌ عليه). - «قل الحق، ولو كان مرًّا» (رواه أحمد، وصحَّحه ابن حبان من حديث طويل). - «إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والخلق فلينظر إلى من هو أسفل منه» (متفقٌ عليه). - «إذا لم تستح فاصنع ما شئت» (رواه البخارى). - «الراحِمونَ يرحمهم الرحمنُ ارْحموا مَنْ في الأرض يرحمكم من في السماء» (رواه الترمذي - «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي» (صحَّحه الألباني). - «من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه» (رواه البخاري). - «اعبد الله كأنك تراه فإن لَم تراه فإنه يرآك» (رواه البخاري). - «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم؛ ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» (متفقٌ عليه). - مَرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعه فإن الحياء من الإيمان» (متفقٌ عليه). - آية المنافق ثلاث: «إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان» (متفقٌ عليه).
- «والكلمة الطيبة صدقة» (متفقٌ عليه). - رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال: «تُطعِم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف» (متفقٌ عليه). - «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالًا فسلَّطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها» (متفقٌ عليه).
- «أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى
الله أسواقها» (رواه مسلم). - «ثلاثة لا يُكلِمهم الله يوم القيامة ولا يُزكيهم ولا يَنظر إليهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذَّاب، وعائل مستكبِر» (رواه مسلم). - «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب؛ فله أجران. وإذا حكم واجتهد فأخطأ؛ فله أجر» (متفقٌ عليه). - «الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء» (متفقٌ عليه). - «لا يرمي رجل رجلًا بالفسق أو الكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك» (رواه البخاري). - «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه» (متفقٌ عليه). - «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث» (متفقٌ عليه). - «إن الله تعالى أوحى إليَّ أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد ولا يفخر أحد على أحد» (رواه مسلم). - «إذا كانوا ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث» (متفقٌ عليه). محمد سلامة الغنيمي محمد سلامة الغنيمي 0[الأنترنت – موقع بعض جوانب حكمة النبي صلى الله عليه وسلم ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثامنة والثلاثون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:*حكمة لقمان الحكيم
كان لقمان رجلاً حكيما ، وهو الذي ذكر في القرآن الكريم “سورة لقمان” . تأتي سورة لقمان في الترتيب “31” ، وهي سورة مكية . عاصر لقمان الحكيم لـ سيدنا داود واشتهر لقمان بالحكمة . ولد وعاش في بلاد النوبة ، وتشتهر العديد من الوصايا المذكورة من قبل لقمان بإعتبارها إحدى القصص القرآنية التي تنشر مدى حكمة لقمان ، والتي تتمثل في الحكمة التي وهبها الله له .
قال تعالى ” وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ” سورة لقمان – آية (12)
من حكمة لقمان :
يا بني – انصب رايتك راية الحق ورباطك في سبيل الله خير من خير في الدنيا .
يا بني – إن العمل لا يستطاع إلا باليقين ، ومن يضعف يقينه يضعف عمله .
يا بني – لا تأكل شبعاً على شبع ، فإنك إن تلقه للكلب خيرٌ من أن تأكله .
يا بني – جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك ، فإن الله
ليحيي القلوب الميتة بنور الحكمة كما يحيي الأرض الميتة بوابل السماء .
يا بني – لا يأكل طعامك إلا الأتقياء ، وشاور في أمرك الحكماء .
يا بني – من كذب ذهب ماء وجهه ، ومن ساء خلقه كثر غمه .
يا بني – نقل الصخور من مواضعها أيسر من إفهام من لا يفهم .
يا بني – امتنع مما يخرج من فيك ، فإن ما سكتَّ سالم وإنما ينبغي لك من القول ما ينفعك .
يا بني – إنك منذ نزلت إلى الدنيا استدبرتها واستقبلت الأخرى . فدارٌ أنت إليها تسير أقرب من دارٍ أنت عنها تباعد .
يا بني – إياك والدَّين ، فإنه ذلُّ النهار همّ الليل .
يا بني – لا تكن حلواً فتبلع ، ولا مراً فتلفظ .
يا بني – لا تؤخر التوبة فأن الموت يأتي بغتة .
يا بني – اختر المجالس على عينك ، فإذا رأيت المجلس يُذكرُ الله عز وجل فيه فاجلس معهم ، فإنك إن تك عالماً ينفعك علمك وإن تك عييًّا يعلموك ، وان يطلع الله عز وجل إليهم برحمة تصبك معهم .
يا بني – ارج الله رجاءً لا تأمن فيه مكره ، وخاف الله مخافة لا تيأس بها رحمته .
يا بني – أكثر من قول : رب اغفر لي ، فإن لله ساعة لا يُردُّ فيها سائل .
يا بني – إذا جاءك الشيطان من قبل الشك والريبة فأغلبه باليقين ، وإذا جاءك من قبل السآمة فأغلبه بذكر القبر والقيامة ، وإذا جاءك من قبل الرغبة والرهبة فأخبره أن الدنيا مفارقةُ متروكة .
يا بني – ليكن لك علو الهمة في طلب الجنة والعزم للشهادة في سبيل الله .
يا بني – اتخذ تقوى الله تجارةً ، يأتيك الربح من غير بضاعة .
يا بني – إياك والكذب ، فإنه شهي كلحم العصفور ، عما قليل يقلى صاحبه .
يا بني – اتق الله ، ولا تُر الناس أنك تخشى الله ليكرموك بذلك وقلبك فاجر .
يا بني – ما ندمت على الصمت قط . وإن كان الكلام من الفضة كان السكوت من الذهب .
يا بني :اعتزل الشر كيما يعتزلك،فإن الشر للشرخلق
يا بني – انزل نفسك منزلة من لا حاجة له بك ولا بدَّ لك منه .
يا بني – إن الحكمة أجلست المساكين مجالس الملوك .
يا بني – إعلم بأن الجهاد ذروة سنام الإسلام .
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة التاسعة والثلاثون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:حكم أخرى لـ لقمان الحكيم :
#إذا أمتلأت المعدة نامت الفكرة وخرست الحكمة .
#للحاسد ثلاث علامات: يغتاب صاحبه إذا غاب ، ويتملق إذا شهد ، ويشمت بالمصيبة .
#من كتم سره كان الخيار بيده .
#القلوب مزارع فازرع فيها الكلمة الطيبة فإن لم تتمتع بثمرها تتمتع بخضرها .
#لا يأكل طعامك إلا الأتقياء ، وشاور في أمرك العلماء
#إياك وكثرة الاعتذار ، فإن الكذب كثيراً ما يُخالط المعاذير .
#اعتزل عدوك ، واحذر صديقك ، ولا تتعرض لما لا يعنيك .
#كن أميناً تكن غنيّاً
#إذا أردت أن تؤاخي رجلا فأغضبه قبل ذلك فإن أنصفك عند غضبه فصاحبه وإلا فاحذره .
#لا تضع برك إلا عند راعيه .
#لتكن كلمتك طيبة وليكن وجهك بسطا تكن أحب إلى الناس ممن يعطيهم العطاء .
#كن كمن لا يبتغي محمدة الناس ولا يكسب ذمهم ، فنفسه منه في عناء والناس منه في راحة .
#من يحب المراء يشتم ، ومن يدخل مداخل السوء يتهم ، ومن يصاحب قرين السوء لا يسلم ،
#ومن لا يملك لسانه يندم .
#لا تضيع مالك وتصلح مال غيرك ، فإن مالك ما قدمت ومال غيرك ما تركت .
#ليس من شيء أطيب من اللسان والقلب إذا طابا ولا أخبث منهما إذا خبثا .
#حملت الجندل والحديد وكل شيء ثقيل فلم أحمل شيئا هو أثقل من جار السوء ، وذقت المرار فلم أذق شيئا هو أمر من الفقر .
#إياك وشدة الغضب فإن شدة الغضب ممحقة لفؤاد
الحكيم .
#يأتي على الناس زمان لا تقر فيه عين حليم .
#ليكن أول ما تفيد من الدنيا بعد خليل صالح امرأة صالحة .
#ليس غِنى كصحة ولا نعمة كطيب نفس .
#لا ترسل رسولك جاهلا ، فإن لم تجد حكيما فكن رسول نفسك .
#اشكر لمن أنعم عليك ، وأنعم على من شكرك ، فإنه لا بقاء للنعمة إذا كفرت ، ولا زوال لها إذا شكرت .
#كذب من قال: إن الشر يطفئ الشر ، فإن كان صادقا فليوقد ناراً إلى جنب نار فلينظر هل تطفئ إحداهما الأخرى؟
#إياك والسؤال فإنه يذهب ماء الحياء من الوجه .
#مثل المرأة الصالحة مثل التاج على رأس الملك ، ومثل المرأة السوء كمثل الحِمل الثقيل على ظهر الشيخ الكبير ...وصايا لقمان الحكيم [الأنترنت – البداية والنهاية لابن كثير - موقع المرسال ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة التاسعة والثلاثون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:*أهمية الحكمة في الدعوة
يقول ابن سعدي ـ رحمه الله ـ في تفسير : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة ) أي كل أحد على حسب حاله وفهمه، وقبوله وانقياده، ومن الحكمة، الدعوة بالعلم لا بالجهل، والبدأة بالأهم فالأهم، وبالأقرب إلى الأذهان والفهم، وبما يكون قبوله أتم، وبالرفق واللين، فإن انقاد بالحكمة، و إلا فينتقل معه إلى الدعوة بالموعظة الحسنة، وهو الأمر، والنهي المقرون بالترغيب والترهيب ...
إذا فالحكمة في الدعوة أمر مطلوب ، والداعي إلى الله مأمور بتوخي الحكمة حين دعوته ومصداق ذلك قول الله ـ تعالى ـ : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) النحل: 125 ، وقوله ـ سبحانه ـ : ( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ) يوسف: 108.
وحينما طبق الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ الحكمة في دعوتهم ، وساروا على هدي المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ ونهجه دخل الناس في الإسلام أفواجا ، وانتشر الإسلام في بقاع الأرض.
لكن لا يُفهم من الحكمة في الدعوة أنها تعني الرفق ، والحلم مع المدعو فحسب ، بل إن مراتب الحكمة تتجاوز ذلك كثيرا.
فمن الحكمة أن يكون الداعي رفيقا لينا مع المدعوين كما قال ـ تعالى ـ عن نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر... ) آل عمران : 159 ، وقال ـ سبحانه ـ مخاطباً موسى وهارون ـ عليهما السلام ـ : ( اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى ) طه: 43-44.
و من الحكمة أحيانا استخدام الشدة والتأنيب أحيانا ، ذلك لأن الحكمة تعني وضع كل شيء في موضعه ، فهي لين في وقت اللين ، وشدة في وقت الشدة . يقول الله ـ تعالى ـ على لسان موسى ـ عليه السلام ـ مخاطبا فرعون لما طغى وتكبر : ( قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورا ) الإسراء: 102 ، ويقول ـ تعالى ـ : ( يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين و اغلظ عليهم ومأواهم جهنم و بئس المصير ) التوبة: 73
وإن من الحكمة أيضا أن يكون الداعي قدوة في قوله وفعله ، يقول الله ـ تعالى ـ : ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) الصف: 2-3.
ومن أصول الحكمة مراعاة حال المدعوين ، إذ ليس من الحكمة استخدام أسلوب واحد في الدعوة مع الكبير والصغير ، والرجل و المرأة ، والمتعلم والجاهل ، والرئيس والمرؤوس ، والهادئ والغضوب ، بل لا بد من تنويع أسلوب المخاطبة كل بما يناسبه. يقول ـ تعالى ـ: ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم ...) إبراهيم: 4.
إن الداعي الناجح هو الذي يعطي كل إنسان ما يلزمه من أفكار وتوجيهات، ويحاول أن يقنعه بالأسلوب الذي يناسبه ، ويناسب مداركه .
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الأربعون في موضوع الحكمة وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:
*أهمية الحكمة في الدعوة
يقول الشيخ ابن باز ـ رحمه الله ـ : ( ومن الحكمة إيضاح المعنى وبيانه بالأساليب المؤثرة التي يفهمها المدعو وبلغته التي يفهمها حتى لا تبقى عنده شبهة، وحتى لا يخفى عليه الحق بسبب عدم البيان، أو بسبب عدم إقناعه بلغته، أو بسبب تعارض بعض الأدلة، وعـدم بيان المرجح، فإذا كان هناك ما يوجب الموعظة وعظ وذكر بالآيات الزواجر، والأحاديث التي فيها الترغيب والترهيب، حتى ينتبه المدعو، ويرق قلبه، وينقاد للحق، فالمقام قد يحتاج فيه المدعو إلى موعظة وترغيب وترهيب على حسب حاله، وقد يكون مستعداً لقبول الحق، فعند أقل تنبيه يقبل الحق، وتكفيه الحكمة، وقد يكون عنده بعض التمنع، وبعض الإعراض فيحتاج إلى وعظة وإلى توجيه وإلى
ذكر آيات الزجر ) [من أقوال الشيخ ابن باز في الدعوة ص/64]
ومن مراتب الحكمة المجادلة بالتي هي أحسن من ضرب الأمثلة ، وبيان الحق بالأدلة العقلية والنقلية ، وإعطاء الحجج الصادقة، ونقض الحجج الباطلة، مع تحري الوصول إلى الحق ، يقول الله ـ تعالى ـ: ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ) العنكبوت: 26. وليحذر الداعي أن يتحول قصده من الدعوة إلى إظهار التفوق في النقاش، أو الغلبة في الجدل، ولكن ليكن القصد والغاية الإقناع والوصول إلى الحق.
كما أن من أعلى المراتب التي يجب أن يتحلى بها الداعي إلى الله دفع السيئة بالحسنة ، وهي مرتبة رفيعة لا ينالها إلا فئة نالت حظا عظيما كما قال ـ سبحانه وتعالى ـ : ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ، وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم ) فصلت: 34-35.
وفي جميع الأحوال يجب على الداعي قول الحق، والصبر على الأذى، صبر المؤمنين العاملين، لا صبر الخانعين المستسلمين. روى البخاري عن عبادة بن الصامت ـ رضي الله عنه ـ قال: ( بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، في المنشط والمكره، وأن لا ننازع الأمر أهله، وأن نقوم أو نقول بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم) والله تعالى أعلم ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. [الأنترنت – موقع صيد الفوائد - زاحف - شبكة الفجر]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الواحدة والأربعون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:*حكمة النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة
بعض الأمثلة من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم:
قال الله تبارك وتعالى في محكم تنزيله عن نبيه محمد ﷺ: ﴿ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّـهَ كَثِيرًا ﴾ [سورة الأحزاب:21].
فيتضح من هذه الآية الكريمة أن حياة الرسول ﷺ كلها أسوة لأمته في جميع ميادين الحياة، وبالأخص للدعاة؛ لأن حياته ﷺ كانت كلها في الدعوة، والدارس لسيرته يرى نماذج مشرقة، ووقفات رائعة في المجال الدعوي، وفيما يلي نذكر بعض النماذج العطرة، فنقول:
• من النماذج الرائعة المليئة بالحكمة القصة التي رواها الإمام أحمد أن شابًا أتى النبي ﷺ فاستأذنه بالزنا، فغضب الصحابة وزجروه؛ ولكن النبي ﷺ لم يغضب عليه ولم يزجره، بل أدناه إليه وخاطبه بأسلوب رائع الذي أجبر الفتى أن يبتعد عن هذه الفاحشة برضا نفسه ورغبة منه؛ فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: «إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّٰـهِ ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا. فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ، فَزَجَرُوهُ، قَالُوا: مَهْ مَهْ، فَقَالَ: ادْنُهْ. فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا. قَالَ: فَجَلَسَ. قَالَ: أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟ قَالَ: لَا وَاللّٰـهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ. قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟ قَالَ: لَا وَاللّٰـهِ يَا رَسُولَ اللّٰـهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ. قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟ قَالَ: لَا وَاللّٰـهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ. قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟ قَالَ: لَا وَاللّٰـهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ. قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟ قَالَ: لَا وَاللّٰـهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ. قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: اللهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ، فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ«[ مسند الإمام أحمد، 36/545، برقم: (22211)، وإسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الصحيح ]
•ومنها قصة الرجل الذي جاء إلى النبي ﷺ يطلب المال فأراه النبي ﷺ بديلاً من السؤال الذي يحفظه من مذلة السؤال، حيث أمره أن يحتطب ويتكسب به، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَجُلًا مِن الْأَنْصَارِ أَتَى النَّبِيَّ ﷺ يَسْأَلُهُ، فَقَالَ: أَمَا فِي بَيْتِكَ شَيْءٌ؟ قَالَ: بَلَى! حِلْسٌ نَلْبَسُ بَعْضَهُ وَنَبْسُطُ بَعْضَهُ، وَقَعْبٌ نَشْرَبُ فِيهِ مِن المَاءِ، قَالَ: ائْتِنِي بِهِمَا. قَالَ: فَأَتَاهُ بِهِمَا. فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ اللّٰـهِ ﷺ بِيَدِهِ وَقَالَ: مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ؟ قَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ. قَالَ: مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ؟ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا. قَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ. فَأَعْطَاهُمَا إِيَّاهُ وَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ وَأَعْطَاهُمَا الْأَنْصَارِيَّ. وَقَالَ: اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَامًا فَانْبِذْهُ إِلَى أَهْلِكَ، وَاشْتَرِ بِالْآخَرِ قَدُّومًا فَآتِنِي بِهِ، فَأَتَاهُ بِهِ، فَشَدَّ فِيهِ رَسُولُ اللّٰـهِ ﷺ عُودًا بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ وَبِعْ وَلَا أَرَيَنَّكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَذَهَبَ الرَّجُلُ يَحْتَطِبُ وَيَبِيعُ فَجَاءَ وَقَدْ أَصَابَ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ فَاشْتَرَى بِبَعْضِهَا ثَوْبًا وَبِبَعْضِهَا طَعَامًا، فَقَالَ رَسُولُ اللّٰـهِ ﷺ: هَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَجِيءَ المَسْأَلَةُ نُكْتَةً فِي وَجْهِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. إِنَّ المَسْأَلَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِثَلَاثَةٍ: لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ، أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ، أَوْ لِذِي دَمٍ مُوجِعٍ [ سنن أبي داود، كتاب الزكاة، باب: ما تجوز فيه المسألة، برقم: (1641)، ص: 244، وسنن ابن ماجه، كتاب التجارات، باب: بيع المزايدة، برقم: (2198)، ص: 315]
•ومنها هذا الحديث الذي يعالج خصلة ذميمة من الخصال المكروهة ألا وهي الكذب، فعَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللّٰـهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّٰـهِ ﷺ: عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ؛ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْـجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللّٰـهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ؛ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللّٰـهِ كَذَّابًا [ صحيح البخاري، وصحيح مسلم،]
• ومنها الحديث المروي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ أَوْصِنِي قَالَ: لَا تَغْضَبْ. فَرَدَّدَ مِرَارًا، قَالَ: لَا تَغْضَبْ[ صحيح البخاري]
• ومنها كيفية تصفية القضية التي حدثت بين رجل وصاحبه، وقد أتى إلى النبي ﷺ يشكو من جاره؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ يَشْكُو جَارَهُ فَقَالَ: اذْهَبْ فَاصْبِرْ. فَأَتَاهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَقَالَ: اذْهَبْ فَاطْرَحْ مَتَاعَكَ فِي الطَّرِيقِ، فَطَرَحَ مَتَاعَهُ فِي الطَّرِيقِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ فَيُخْبِرُهُمْ خَبَرَهُ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَلْعَنُونَهُ: فَعَلَ اللهُ بِهِ، وَفَعَلَ، وَفَعَلَ. فَجَاءَ إِلَيْهِ جَارُهُ فَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ لَا تَرَى مِنِّي شَيْئًا تَكْرَهُهُ[ سنن أبي داود،الأنترنت – موقع شبكة السنة النبوية وعلومها ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثانية والأربعون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:*من صفات الداعي إلى الله الحكمة
قال الله تعالى: {ادعُ إلى سبيلِ ربِّكَ بالحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ وجادِلْهم بالَّتي هي أحسنُ إنَّ ربَّك هو أعلمُ بمن ضلَّ عن سبيلهِ وهو أعلمُ بالمهتدين(125)} سورة النحل)
ـ يجب أن تبقى الدعوة إلى دين الله قائمة دون تهاون، وبالأسلوب الَّذي يتناسب مع عظمة الشريعة الَّتي ندعو إليها.
ـ تقضي الحكمة بأن نعطي المريض الدواء المناسب في الوقت المناسب وبالأسلوب الأمثل، وبالتالي
فإن من الحكمة أيضاً أن نأخذ الشخص البعيد عن جادَّة الحقِّ بالرفق، لأنه مريض في فكره وقلبه، فالضلالة داؤه والإيمان دواؤه والسبيل إلى ذلك الحكمة.
ـ الموعظة الحسنة هي أن تخاطب الناس على قدر
عقولهم، لا على قدر بلاغتك وفصاحتك.
ـ الحوار الإيجابي البنَّاء، القائم على الحُجَّة والبرهان، والَّذي يهدف إلى إقامة جسور المودَّة مع الآخرين، يثمر الإقناع والهداية والارتباط بمنهج السعادة، وعلى النقيض من ذلك فإن الجدال العقيم القائم على التبجُّح بالمعارف، والاستعلاء على الآخرين، يثمر التنافر وضياع الهدف.
ـ الإسلام لا يعوِّل على المظاهر بقدر ما يعوِّل على البواطن والحقائق، والله ربُّ العالمين هو وحده العالم بخفايا الناس، القادر على تقييمهم وإنزالهم المنازل الَّتي يستحقُّونها، فكم من أشعث أغبر ذي طمرين (ثوبين باليين) لا يؤْبَه له لو أقسم على الله لأبرَّه ، وكم من متظاهر بالدِّين مدَّعٍ لفهمه، متستر بثياب العلم، يتفوَّه بالكلمة الضالَّة المُضلَّة لتهوي به وبغيره في النار سبعين
خريفاً.
إن كثيراً من الناس يفتقرون إلى المعرفة الصحيحة بأسلوب الدعوة إلى الله، الَّذي اتبعه الأنبياء والرسل وذكره القرآن الكريم، وجسَّده النبي محمَّد عليه الصلاة والسلام قولاً وعملاً. فالأمر الشائع لدى بعض من يلبسون مسوح الدِّين هو استعمال التعابير القاسية، أو القيام بتصرُّفات مستهجنة تجاه كلِّ من يرتكب خطأً ما، أو لا يوافقهم في آرائهم ولا يُقِرُّهم على أسلوبهم الفظِّ في الدعوة إلى الدِّين، بل إنهم يمعنون في ذلك فيعاملون الناس وكأنهم شياه تقاد إلى الحظيرة بالعصا الغليظة، فيُنفِّرونهم ويسيؤون إليهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.
إن القرآن الكريم رسم منهج الدعوة؛ للرسول الكريم
أوَّلاً، ولكلِّ داع إلى الله من بعده، فأرسى قواعدها ومبادئها وعيَّن وسائلها وطرائقها. والدعوة يجب أن تكون خالصة وموجَّهة إلى سبيل الله، لا لشخص الداعي ولا لقومه، فليس على الداعي في دعوته إلا البلاغ، وأجره بعد ذلك على الله.
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثالثة والأربعون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:*الحكمة أهم أسلوب للدعوة
ويجب أن يرتكز أسلوب الدعوة إلى شريعة الله تعالى على النقاط التالية:
1 ـ الحكمة: وهي حسن مخاطبة الآخرين في الوقت
المناسب، والمكان المناسب، وبالأسلوب المناسب الَّذي يكفل الوصول إلى شغاف قلوبهم لاستمالتها، وإلى عقولهم وضمائرهم لتحريكها وتسديد مسارها.
2 ـ الموعظة الحسنة: وهي الترغيب الحسن، والعرض المشوِّق المبني على المنطق والعقل السليم، وبالرفق والمداراة ولين الكلام، والتعريض دون التصريح والتنبيه دون الزجر، فإن الرفق في الموعظة كثيراً ما يهدي القلوب الشاردة، ويؤلِّف بين القلوب المتنافرة. فالرفق ما دخل في شيء إلا زانه ولا مُنِعَ من شيء إلا شانه، ويكفي في هذا المجال ما جاء في الأثر: [من حُرِم الرفق فقد حُرِم الخير كلَّه].
3 ـ الجدال المثمر: وهو الحوار القائم على دراسة نفسيَّة من نخاطبهم، وإيجاد أفضل السبل للوصول معهم إلى قناعات مقرِّبة لا إلى صدامات حادَّة منفِّرة، ودون تحامل على المخالف حتَّى يطمئن إلى الداعي، ويشعر أن هدفه ليس الغلبة في الجدل، ولكنَّ الإقناع والوصول إلى الحق. فالنفس البشرية لها كبرياؤها وعنادها، وهي لا ترجع عن الرأي الَّذي تعتقد صحَّته إلا بالرفق حتَّى لا تشعر بالهزيمة، فالجدل بالحُسنى يُشعر المجادل أن ذاته مصونة، وأن الداعي لا يقصد إلا كشف الحقيقة والهدي إليها من أجل الله تعالى.
أمَّا الهداية والضلال والمجازاة عليهما فأمرهما إلى الله سبحانه، إذ هو أعلم بحال من ضلَّ عن سبيله، وهو أعلم بمن اهتدى، وإليه ترجع الأمور جميعاً.
وإن المتتبِّع لمسيرة الدعوة النبوية يجد أن الحكمة من أهمِّ الصفات المُمَيِّزَة والمرافقة لها، من حيث اختيار الزمان والمكان المناسب، واختيار الطريقة الحكيمة السليمة في التعامل مع الأشخاص والأحداث. وقد كان من نتائج هذه الحكمة توحيد الجزيرة العربية تحت راية الإسلام في مدة لم تتجاوز ثلاثاً وعشرين سنة، بأقل من خمسمائة قتيل وشهيد من المشركين والمسلمين. والأمثلة على ذلك كثيرة، فقد استمر النبي صلى الله عليه وسلم في مكَّة أكثر من عشر سنوات يدعو إلى توحيد الله، ونبذ عبادة الأصنام، ومع ذلك كان يطوف حول الكعبة الشريفة، وحولها ثلاثمائة وستون صنماً دون أن يتعرَّض لأحد هذه الأصنام أو يؤذيها، حرصاُ منه على عدم استثارة مشاعر المشركين، وتجنُّب المزيد من إيذائهم له. ولكن حين فتح عليه السَّلام مكَّة، ودخلها بالنصر المبين، طاف حول الكعبة، ثمَّ أخذ يمرُّ على الأصنام واحداً واحداً، ويطعنها بعود كان بيده، ويقول: «جاء الحقُّ وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقاً، جاء الحقُّ وما يبدئُ الباطل وما يُعيد». (رواه مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه)
ولـو أن النبي صلى الله عليه وسلم فعـل ذلـك منذ بدايـة الدعوة، لكـان مصيره مثـل إبراهيم ـ عليه السَّلام ـ الَّذي تحدَّى قومه منذ الأيام الأولى لدعوته، وحطَّم العديد من أصنامهم، فأثار غضبهم، وكانت نتيجة ذلك أن أوقدوا له ناراً عظيمة وألقوه فيها ، وكاد يهلك لولا أن تدخَّل الله تعالى وأنجاه منها، قال تعالى:{قَالوا حَرِّقُوه وَانْصُروا آلِهَتِكُم إِنْ كُنتم فَاعِلين * قُلْنَا يَا نَارُ كُوْنِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْرَاهِيمَ} (21 الأنبياء آية 68-69).
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الرابعة والأربعون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:*سلك النبي أسلوب الحكمة في كل مايخدم الدعوة
وكذلك تظهر الحكمة في سلوك النبي صلى الله عليه وسلم من خلال استفادته من كلِّ ما يخدم الدعوة، حتَّى لو كان من العادات الجاهلية، ومن ذلك أنه لمَّا ذهب إلى دعوة أهل الطائف وعَلِم المشركون من أهل مكَّة بذلك أرادوا أن يمنعوه من الرجوع إلى مكَّة ودخولها.. فأرسل صلى الله عليه وسلم إلى عدد من زعماء المشركين طالباً منهم أن يدخل مكَّة في حمايتهم وجوارهم فرفضوا إلا المُطعم بن عدي، الَّذي خرج بأبنائه السبعة، وأحاط برسول الله صلى الله عليه وسلم حتَّى طاف حول الكعبة، وهو في ظلِّ حمايتهم.. وبات في بيت المُطعم ليلتين، واستمرت الدعوة في حمايته قريباً من سنة. وهكذا شأن الداعي الحكيم الَّذي لا يُبالي إلا باستمرار الدعوة ووصولها إلى جميع الخلق، ولو كان ذلك لا يتمُّ إلا في حماية المشركين.
إن دراسة حياة النبي صلى الله عليه وسلم منذ بدء نزول الوحي ولحين هجرته إلى المدينة، يعطينا نموذجاً عملياً في أسلوب الدعوة إلى الله، وفي براعة التعامل مع غير المسلمين، على الرَّغم من الضغوط الشديدة الَّتي عانى منها بسبب تعنُّتهم وإيذائهم. فالداعي إلى الله يجب أن ينظر إلى الواقع الحالي مع أَملٍ بالمستقبل نظرة واحدة وفي نفس الوقت.. وهذه ميزة عجز عن الاستفادة منها الكثير ممن ينتسبون إلى الدعوة، ويلبسون لباس الدعاة. فإن تمكَّنتَ من كظم غيظك أمام عدوٍ للإسلام، أملاً في أن يُصبح مسلماً يشدُّ من أزر الدعوة في الغد القريب، تمكَّنت بهذا الشعور أن تسايره وتلاطفه، وتعامله بحنوٍّ وعطف؛ حنوِّ الأمِّ على طفلها المريض... وعلى العكس من ذلك فإن أعطيت لنفسك العنان، فانطلقت تخاصم وتعاتب وتهدِّد وتتوعَّد، فإنك ولا شكَّ تقلب العمل المنتج إلى بناء متَصدِّع ، والإيمان إلى تكفير؛ وتقريب القلوب إلى تهجير، ويفوت على الكثير من المقبلين الخير الكثير، بسبب قصورنا عن فهم الحكمة وأسلوب تطبيقها الفهم الصحيح.
أما إذا رغبنا معرفة صورة عن السلوك العملي للنبي صلى الله عليه وسلم في تطبيق الحكمة، وعُدْنا إلى ما جرى بينه ـ عليه السَّلام ـ وبين سهيل بن عمرو في صلح الحديبية.. فقد كان سهيل هذا لا يترك فرصة تمرُّ لإيذاء النبي صلى الله عليه وسلم إلا واستغلَّها، يُعينه في ذلك أبو سفيان. وعندما جلس سهيل مندوباً عن قريش ومفاوضاً للنبي صلى الله عليه وسلم وبعد الاتفاق على شروط الصلح، دعا النبي صلى الله عليه وسلم الكاتب وقال له: «اكتب: بِسمِ الله الرَّحمن الرَّحيم»، فقال سهيل أمَّا الرحمن فوالله ما أدري ما هو.. ولكن اكتب: باسمك اللهم. ثمَّ قال صلى الله عليه وسلم: «هذا ما قضى عليه محمَّد رسول الله»، فقال سهيل: والله لو كُنَّا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت، ولا قاتلناك، اكتب: محمَّد بن عبد الله. فقال صلى الله عليه وسلم: «والله إنِّي لرسول الله وإن كذَّبتموني، اكتب: محمَّد بن عبد الله»، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «على أن تُخلُّوا بيننا وبين البيت، فنطـوف به». فقال سهيل: والله لا تتحدَّث العرب أنَّا أُخِذنا ضَغْطةً، ولكن ذلك من العام المقبل، وعلى أن لا يأتيك مِنَّا رجل، وإن كان على دينك إلا رددته إلينا.. (رواه البيهقي عن المِسور بن مخرمة).
وهكذا قَبِلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الشروط كافَّة الَّتي تهضم الكثير من حقوق المسلمين، وبالرغم من معارضة جميع الصحابة لهذا الاتفاق؛ ما خلا أبو بكر رضي الله عنه. وكلُّ ذلك حرصاً من النبي صلى الله عليه وسلم على عدم نشوب القتال بين المشركين والمسلمين، ورغبةً منه في أن يسود بينهما جوٌّ من السلم ـ ولو المؤقَّت ـ يتمكَّن فيه المسلمون من دخول مكَّة ودعوة أهلها إلى الإسلام.
أمَّا ما كان من أمر سهيل، بعد ذلك، فقد أخرج ابن عساكر قال: كان أبو بكر رضي الله عنه يقول: (ما كان فتحٌ أعظم في الإسلام من فتح الحديبية، ولكنَّ الناس يومئذٍ قَصُرَ رأيهم عما كان بين محمَّد وربِّه، والعباد يعجلون، والله لا يعجل كعجلة العباد حتَّى يُبلغ الأمور ما أراد. ولقد نظرت إلى سهيل بن عمرو في حجَّة الوداع قائماً عند المنحر يُقدِّم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بُدْنَهُ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينحرها بيده، ودعا الحلاّق فحلق رأسه، وأنظر إلى سهيل يلتقط من شَعْرِهِ، وأراه يضعه على عينيه، وأذكر إباءه يوم الحديبية أن يكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، وأن يكتب: محمَّد رسول الله). وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم؛ ارتدَّت أكثر العرب من حول المدينة ومكَّة، وكان أن خطب أبو بكر رضي الله عنه في أهل المدينة خطبة كان لها دور كبير في تثبيتهم. وقام سهيلٌ خطيباً في أهل مكَّة بمثل خطبة أبي بكر رضي الله عنه ثبَّت فيها أهل مكَّة.. فتأمل كيف أثمرت الحكمة في سلوك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفعاله، وحوَّلت أشدَّ أعداء الإسلام إلى أنصار له، مدافعين عنه.
قال الله تعالى: {يؤتي الحكمةَ من يشاءُ ومن يؤتَ الحكمةَ فقد أوتي خيراً كثيراً وما يَذَّكَّرُ إلاَّ أولوا الألبابِ(269)} سورة البقرة(2)
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الخامسة والأربعون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:
آلة الحكمة هي العقل المستنير بهداية الله
ـ آلة الحكمة هي العقل المستنير بهداية الله، المستقلُّ
في حكمه عن الأهواء، والقادر على إدراك الأشياء وفهمها على حقيقتها.
ـ إن الوصول إلى الحكمة يتمُّ بتوفيق الله عزَّ وجل، ومن هداهُ الله إلى الحكمة فقد هدي إلى خيري الدنيا والآخرة.
ـ الحكمة سجية متأصِّلة في الناجحين من الدعاة، تعينهم على تحقيق غايتهم بالوصول إلى قلوب الناس لحملهم على الاستجابة للدعوة، وهي هدفٌ سامٍ يتطلَّع للوصول إليه كبار العلماء والمفكرين والمخلصين، لكي تُتوَّج أعمالهم بالنجاح والتوفيق، وتبقى ضمن الأطر الأخلاقية السليمة.
ـ لا يتَّعظ بالعلم ولا يتأثَّر به إلا ذوو العقول السليمة
والنفوس التوَّاقة إلى المعرفة والحقيقة.
الحكمة لفظة ذات أبعاد كثيرة ومعان عميقة، فهي تجمع عناصر الخير كلَّها من عقل سليم وفكر سديد، وعلم نافع. ولعلَّ من أهمِّ معاني الحكمة إدراك الأسباب والمسبَّبات في جميع ما خلق الله تعالى أو أنزل من التشريعات، ورَبْطها مع بعضها بتمعُّن ورويَّة لمعرفة الغاية الَّتي أرادها من إيجادها.
والحكمة هي أن يهيمن عقلُك الراجح الواعي على أهوائك وميولك في تقديرك للأمور، وأن تتشاور مع الآخرين قبل أن تُمضي حكمك في شيء، وأن تتوكَّل على الله حتَّى يمدَّك بالبصيرة والرشاد فلا يلتبس عليك الحقُّ بالباطل، لذلك كان من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم : «اللهمَّ أرنا الحقَّ حقّاً وارزقنا اتِّباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا
اجتنابه».
ومن الحكمة تحصيل العلم الشرعي والكوني لما له من عميق الأثر على الفكر والنفس، ومن ثمَّ العمل به والإخلاص فيه، حتَّى يصل بصاحبه إلى الإصابة في القول والعمل، ونتيجة ذلك هي السعادة في الدنيا والآخرة. وقد جاء في تفسير الحكمة أيضاً أنها التفقُّه في الدِّين ومعرفة ما فيه من الهدى والحكم البالغة، قال صلى الله عليه وسلم : «إذا أراد الله بعبده خيراً فقَّهه في الدِّين وألهمه رشده» (رواه البزَّار والطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه ). وقد عرَّف أحد الحكماء الحكمة العملية بقوله: [فعل ما ينبغي في الوقت الَّذي ينبغي، على الشكل الَّذي ينبغي، وفي المكان الَّذي ينبغي].
ومنبع الحكمة من الله تعالى، ووسيلتها الإيمان والتواضع
والعقل القادر على إدراك العلاقات بين الأشياء وحسن الإفادة منها. والغاية منها هي معرفة وسائل السعادة وأسبابها، وتوظيفها لصالح الإنسان في سائر أموره، أمَّا من يحظى بها فهو من هيَّأ نفسه لتلقِّيها، وأخلص عمله لله لأنه تعالى يسبغ على عباده المخلصين ظلالاً من صفاته العليَّة.
ولهذا نجد الآية الكريمة ترفع من شأن الحكمة، وتدعو المرء إلى استعمال عقله في السعي إليها والبحث عنها وتلقُّفها أينما وجدها، ومن يوفِّقه الله إلى مناهل الحكمة، ويرشده إلى هداية الإيمان والعقل، فقد رُزق سعادة الدارين، ووُفِّق إلى تسخير القوى الَّتي خلقها الله له في المفيد من الأشياء، وإعدادها لتحقيق ما فيه الخير العميم، متوكِّلاً على الله فلا يكون للجهل أو التعصُّب
إلى مواقفه سبيل.
ولا يتعظ بالعلم ويتَّخذ الحكمة منارة له إلا ذو العقل السليم والنفس الزكية، الَّتي تغوص في بحر الحقائق، وتستخرج منه أغلى كنوزه، وتجعلها سلَّماً ترقى به إلى معارج التَّقوى والكمال.
ولابدَّ لنا أن نشير في الختام إلى أن الله تعالى قدَّم الحكمة على العلم في مثل قوله عزَّ وجل عن سيِّدنا يوسف: {ولمَّا بلَغَ أشُدَّهُ آتيناهُ حُكماً وعلماً وكذلك نجزي المحسنين} (12 سورة يوسف آية 22) وحكماً هنا تعني الحكمة. وفي مثل قوله تعالى: {ولوطاً آتيناه حُكماً وعلماً..} (21 الأنبياء آية 74) وفي مثل قوله تعالى عن سيِّدنا موسى: {ولمَّا بلَغَ أشُدَّه واستوى آتيناه حُكماً وعلماً وكذلك نجزي المحسنين} (28 سورة القصص آية 14)..[الأنترنت – موقع صفات الداعي إلى الله]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة السادسة والأربعون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:*معالم الحكمة في أساليب الدعوة :
للدكتور / صالح بن عبد الله بن حميد :
يقصد بالأساليب هنا ما يتعاطاه رجل الدعوة من طرق وصيغ يتوصل من خلالها إلى إبلاغ الحق إلى الناس ، وتبصيرهم بما ينفعهم ودفع ما يضرهم .وهذه الأساليب في جملتها قولية كلامية ، أو تعامل مباشر مع المدعوين في ترفق ولين ، وغض عن الهفوات ، وسلوك نهجي الترغيب والترهيب ، والشدة واللين .وهذا شيء من بسط لهذه الأساليب :
المعلم الأول : القول الحسن :
إذا أحكم صاحب الدعوة قوله وسدد لفظه فقد أوتي
من الحكمة بابا عظيما . يقول الله عز وجل : { وَقُولُوا
لِلنَّاسِ حُسْنًا } [ سورة البقرة ، آية : 83 ]
ويقول طلحة بن عمر : قلت لعطاء : إنك رجل يجتمع عندك ناس ذوو أهواء مختلفة وأنا رجل في حدة فأقول لهم بعض القول الغليظ ؟ فقال : لا تفعل . يقول الله تعالى : { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا } . يقول عطاء : فدخل في هذه الآية اليهود والنصارى فكيف بالحنيفي !!
وأورد القرطبي في تفسيره على هذه الآية حديثا عن عائشة - رضي الله عنها - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « يا عائشة لا تكوني فحاشة فإن الفحش لو كان رجلا لكان رجل سوء » [ القرطبي 2 / 16 ] ويعلق القرطبي رحمه الله فيقول : وهذا حض على مكارم الأخلاق فينبغي للإنسان أن يكون قوله للناس لينا ، ووجهه منبسطا طلقا مع البر والفاجر ،والقريب والغريب من غير مداهنة . ومن غير
أن يتكلم معه بكلام يظن أنه يرضي مذهبهإلخ[القرطبي 2 / 16 ]
والقول يكون حسنا وحكمة بقدر ما يعتني بأصول الكلام ، ويبتعد عن فضوله . . يتحرك بنبضات القلب الحي ، وهواجس النفس الصادقة .
ويحسن الكلام حين يكون قصدا عدلا ليس بالإيجاز المخل ولا الطويل الممل ، وقد كانت خطبه عليه الصلاة والسلام قصدا كما في الحديث الصحيح عند مسلم من رواية جابر بن سمرة رضي الله عنه . وتأملوا في هذا الحوار الهادئ ، والقول الحسن في الجدال الحسن : « فهذا حصين الخزاعي والد عمران كانت قريش تعظمه وتجله فطلبت منه أن يكلم محمدا صلى الله عليه وسلم في آلهتها فقد كان محمد يذكرها ويسبها . فجاء حصين ومعه قريش حتى جلسوا قريبا من باب النبي صلى الله عليه وسلم ودخل حصين فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال : أوسعوا للشيخ ، فقال حصين : ما هذا الذي بلغنا عنك ؟ أنك تشتم آلهتنا . فقال : يا حصين كم تعبد من آله ؟ قال سبعا في الأرض ، وواحدا في السماء . فقال : فإذا أصابك الضر فمن تدعو ؟ قال : الذي في السماء . قال : فإذا هلك المال من تدعو ؟ قال : الذي في السماء . قال : يستجيب لك وحده وتشرك معه ؟ يا حصين أسلم تسلم ، فأسلم فقام إليه ولده عمران فقبل رأسه ويديه ورجليه؛فلما أراد حصين الخروج قال رسول الله صلى الله عليه وسلم شيعوه إلى منزله عجبا ! دخل كافرا ناقما منتقماخرج مسلما صادقا ؛ليت شعري كيف كان حال قريش مع صاحبها ووجيهها !!
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة السابعة والأربعون في موضوع الحكمة وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:*
معالم الحكمة في أساليب الدعوة :
للدكتور / صالح بن عبد الله بن حميد :
ويدخل في ذلك : القول اللين الذي يستثير النوازع البشرية ووشائج القربى ، وعبارات الحنو والشفقة ، فإبراهيم عليه السلام ينادي أباه بكلمات شفوقة . { يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا }{ يَاأَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا }{ يَاأَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا }{ قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا }{ قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا }[ سورة مريم ، الآيات : 42 - 47 ]
وكل نبي يقول لقومه : يا قوم تذكيرا بأواصر القربى ومواطن الحب والشفقة .
ومحمد صلى الله عليه وسلم يقول لقومه في كلمة رقيقة في دعوة رفيقة : « إن الرائد لا يكذب أهله والله لو كذبت الناس جميعا ما كذبتكم ولو غششت الناس جميعا ما غششتكم » .
المعلم الثاني : التصريح والتعريض .
ومن القول الحسن الجنوح إلى التعريض والتلميح دون التصريح . فالتصريح يهتك حجاب الهيبة،ويورث الجرأة على الهجوم ، والتبجح بالمخالفة ، ويهيج على الإصرار والعناد .
أما التعريض فيستميل النفوس الفاضلة ، والأذهان
الذكية ، والبصائر اللماحة .
قيل لإبراهيم بن أدهم : الرجل يرى من الرجل الشيء أو يبلغه عنه ، أيقوله له ؟ قال : هذا تبكيت ، ولكن تعريض،وكل ذلك من أجل رفع الحرج عن النفوس ، واستثارة داعي الخير فيها،كيف والتعريض سنة محفوظة عن النبي صلى الله عليه وسلم في مخاطبة أصحابه : ما بال أقوام يفعلون كذا ويقولون كذا » .
المعلم الثالث : النصيحة لا الفضيحة .
أردت تخصيص النصيحة بالذكر هنا وإن كانت داخلة في كل ما سبق . . بل النصيحة مقصود أعظم في الدعوة . إن لم تكن هي الدعوة كلها .
ولكن المراد هنا الإشارة إلى آداب النصيحة كمظهر من مظاهر الحكمة في الدعوة ، وبخاصة إذا ما حاولنا البعد بالنصيحة عن أن تكون تشهيرا وفضيحة . يوضح ذلك في ما رمناه الحافظ ابن القيم - رحمه الله - حين يقول : ( والنصيحة إحسان إلى من تنصحه بصورة الرحمة والشفقة عليه والغيرة له ، وعليه فهو إحسان محض يصدر عن رحمة ورقة ، مراد الناصح بها وجه الله ورضاه والإحسان إلى خلقه . . . ) .
فهي دعوة إصلاح يجب أن يتمخض فيها الإخلاص لله ، مع المحافظة على مشاعر المنصوح على نحو ما سبق في المعالم السابقة لئلا ينقلب النصح مخاصمة وجدالا وشرا ونزاعا .يؤكد جانب الدقة في هذا الأمر أن ذكر الإنسان بما يذكره هو على أصل التحريم . وقد قيل لبعض السلف : ( أتحب أن يخبرك أحد بعيوبك فقال : إن كان يريد أن يوبخني فلا ) .
ولا يكاد يفرق بين النصيحة والتعيير إلا النية والباعث والحرص على الستر ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم السيد أن يثرب أمته - أي يلومها على ذنبها - فقال عليه الصلاة والسلام : ( إذا زنت الأمة فتبين زناها فليجلدها ولا يثرب ... )الحديث [ متفق عليه ]
يقول الفضيل : ( المؤمن يستر وينصح ، والفاجر يهتك ويعير ) وكانوا يقولون : ( من أمر أخاه على رءوس الملأ فقد عيره ) .ذلك أن الناصح الصادق ليس له غرض في إشاعة عيوب من ينصح له ، وإنما غرضه إزالة المفسدة ، وإخراج أخيه من غوائلها .
وشتان بين من قصده النصيحة ، ومن قصده الفضيحة
، ولا تلتبس إحداهما بالأخرى .
وكما قالت أم الدرداء : ( من وعظ أخاه سرا فقد زانه
، ومن وعظه علانية فقد شانه ) .
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثامنة والأربعون في موضوع الحكمة وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:*
معالم الحكمة في أساليب الدعوة :
للدكتور / صالح بن عبد الله بن حميد :
المعلم الربع : أدب التعامل .
كان الكلام فيما سبق تنبيها على مواطن الحكمة في القول والمخاطبة وحسن المجادلة .
وفي هذه الفقرات إشارات إلى بعض ما ينبغي من أدب التعامل مع المدعوين ، وبخاصة حينما يرى عليهم ما يستحق التنبيه ، ويستوجب الملاحظة والتغيير ، وسوف ينتظم هذا الحديث صورا من اللين في التعامل ،ثم المداراة وإقالة العثرات،ومواطن الترغيب والترهيب
*صورة من اللين في التعامل:
النفوس مجبولة على حب من يحسن إليها ويتلقاها باللين ويبسط لها في المحيا .
والشدة قد تدفع إلى المكابرة والنفور والإصرار ، فتأخذ النفس العزة بالإثم،على نحو ما سبق بسطه ، فالتعامل المؤثر ما كان دمثا يفتح القلوب ويشرح الصدور فمحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه والمؤمنون رحماء بينهم .
يروي معاوية بن الحكم السلمي - رضي الله عنه - قال : « صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعطس رجل من القوم فقلت : يرحمك الله . فرماني القوم بأبصارهم فقلت واثكل أماه ، ما شأنكم تنظرون ؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم ، فعرفت أنهم يصمتونني فلما رأيتهم يسكتونني لكني سكت . قال : فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي وأمي ما ضربني ولا سبني » .
وفي رواية : « فما رأيت معلما قط أرفق من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ قال : " إن هذه الصلاة لا يحل فيها شيء من كلام الناس،إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن »
وفي مدلولها قصة الأعرابي الذي بال في طائفة المسجد فقام الصحابة لينهروه فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فلما فرغ دعاه عليه الصلاة والسلام قائلا له: « إن المساجد لا تصلح لهذا إنما هي لذكر الله والصلاة "فولى الأعرابي وهو يقول : اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم وهو يضحك :لقد حجرت واسعا)
قال الحافظ معلقا على أمثال هذه الوقائع : والمراد من قرب إسلامه وترك التشديد عليه في الابتداء ، وكذلك الزجر عن المعاصي ينبغي أن يكون بتلطف ليقبل ، وكذا تعليم العلم ينبغي أن يكون بالتدريج ، لأن الشيء إذا كان في ابتدائه سهلا حبب إلى من يدخل فيه وتلقاه بانبساط،وكانت عاقبته غالبا الازدياد بخلاف ضده ، والله أعلم .
وفي هذا يقول الإمام أحمد : ( كان أصحاب ابن مسعود إذا مروا بقوم يرون منهم ما يكرهون يقولون : مهلا رحمكم الله ) .
ودعي الحسن البصري - رحمه الله - إلى عرس فجيء بجام من فضة ( أي قدح أو إناء ) عليه خبيص أو طعام ( والخبيص طعام من التمر والسمن ) فتناوله فقلبه على رغيف فأصاب منه فقال رجل : هذا نهي في سكون .
ويروى أن الخليفة المأمون وعظه واعظ فأغلظ له في القول فقال : يا رجل ارفق فقد بعث الله من هو خير منك إلى من هو شر مني وأمره بالرفق . فقال تعالى : { اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى }{ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى } [ سورة طه ، الآيتان : 43 - 44 ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة التاسعة والأربعون في موضوع الحكمة وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:*
معالم الحكمة في أساليب الدعوة :
للدكتور / صالح بن عبد الله بن حميد :
المعلم الخامس : المداراة .
المداراة صورة من صور التعامل الدال على الحكمة ، والموصل إلى المقصود مع حفظ ما للداعي والمدعو من كرامة ومروءة .
وقد بوب الإمام البخاري - رحمه الله - في صحيحه فقال : المداراة مع الناس ، ثم أورد حديث عائشة رضي الله عنها أنه « استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال : " ائذنوا له فبئس ابن العشيرة ، أو بئس أخو العشيرة . فلما دخل ألان له الكلام . تقول عائشة : فقلت يا رسول الله : قلت ما قلت ثم ألنت له القول ؟ فقال : أي عائشة ، إن شر الناس منزلة عند الله من تركه أو ودعه الناس اتقاء فحشه »
قال ابن بطال : المداراة من أخلاق المؤمنين ، وهي خفض الجناح للناس ولين الكلام وترك الإغلاظ ، وذلك من أقوى أسباب الألفة . قال : وظن بعضهم أن المداراة هي المداهنة فغلط ، لأن المداراة مندوب إليها والمداهنة محرمة ، والفرق : أن المداهنة من الدهان : وهو الذي يظهر على الشيء ويستر باطنه وفسرها العلماء بأنها معاشرة الفاسق وإظهار الرضى بما هو فيه من غير إنكار عليه .
والمداراة : هي الرفق بالجاهل في التعليم ، وبالفاسق في النهي عن فعله ، وترك الإغلاظ عليه حيث لا يظهر ما هو فيه ، والإنكار عليه بلطف القول والفعل ، ولا سيما إذا احتيج إلى تألفه ونحو ذلك . اهـ .
إذا تقرر هذا المعنى فهو الذي قد عناه الحسن البصري
- رحمه الله - بقوله : كانوا يقولون : المداراة نصف العقل ، وأنا أقول هي كل العقل .
ومن الطريف قول أبي يوسف - رحمه الله - في تعداد من تجب مداراتهم فعد منهم :
القاضي المتأول والمريض والمرأة والعالم ليقتبس من علمه . وأكثر ما تجري المداراة في اتقاء الأشرار والمكاره
وقد جاء في حكم لقمان : يا بني كذب من قال إن الشر بالشر يطفأ ، فإن كان صادقا فليوقد نارين ولينظر هل تطفئ إحداهما الأخرى ، وإنما يطفئ الخير الشر كما يطفئ الماء النار .
وسلوك المداراة مأذون فيه لأن الإنسان خلق للاجتماع لا للعزلة ، وللتعارف لا للتناكر ،وللتعاون لا للانفرادية . والإنسان تعرض له عوارض نفسية وطبيعية من الحب والبغض والرضى والغضب والاستحسان والاستهجان ، فلو سار على أن يكاشف الناس بكل ما يعرض له من هذه الشئون في كل وقت وعلى أي حال لاختل الاجتماع ولم يثبت التعارف ولانقبضت الأيدي عن التعاون ، فكان من حكمة الله في خلقه أن هيأ الإنسان لأدب يتحامى به عما يحدث تقاطعا أو يدعو إلى تخاذل ، وهذه هي المداراة التي نعني .
إذن فالمداراة ترجع إلى حسن اللقاء ولين الكلام ، وتجنب ما يشعر ببغض أو غضب أو استنكار . . إلا في أحوال يكون الإشعار به خيرا من الكتمان وأرجح وأصلح .
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الخمسون في موضوع الحكمة وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:*
معالم الحكمة في أساليب الدعوة :
للدكتور / صالح بن عبد الله بن حميد :
المعلم الخامس : المداراة .
ومن لطيف المنقول في سير المتقدمين المقتدى بهم ما جاء في وصية سحنون لابنه محمد : ( . . . وسلم على عدوك وداره فإن رأس الإيمان بالله مداراة الناس ) ويقول محمد بن أبي الفضل الهاشمي . قلت لأبي : لم تجلس إلى فلان وقد عرفت عداوته ؟ قال : أخبي نارا وأقدح ودا .
فالنفوس المطبوعة على المداراة نفوس أدركت أن الناس
خلقوا ليكونوا في الائتلاف كجسد واحد . وشأن الأعضاء السليمة أن تكون ملتئمة متماسكة على قدر ما فيها من حياة ، ولا يقطع العضو المركب في الجسد إلا أن يصاب بعلة يعجز الطب عن علاجه إلا بالبتر .
فالمداراة يقصد بها جمع الناس على الرضا والتآلف في حدود ما ينبغي أن يكون . وهي لا تمنع قضاء بالعدل ولا تحجب نصيحة بالرفق ، وينبغي أن يعلم أن لذكاء الرجل وحكمته مدخلا عريضا في فقه المداراة وحسن استخدامها وطريقة الإفادة منها .
وقد يكون للتنوع في طبقات الناس تنوع في مداراتهم ، فمداراة المنحرف عن الحق لسوء فهم أو خطأ في ظن ، أكبر من مداراة من يحارب الحق والفضيلة ؛ إن صادفك واقتضى الحال مداراته .
ومداراة من يرجى رشده وصلاحه أكبر من مداراة من شب متماديا في الانحراف ولؤم الطبع حتى يوشك أن ينقطع أملك في إصلاحه واستقامة أمره .
ومن كل ذلك تعرف أن المداراة مسلك كريم يتقنه الحكماء والأذكياء ولا يتعدى حدوده الفضلاء .
إذا رغبت في كلمة عن المداهنة لتميزها عن المداراة فلتعلم أن المداهنة إظهار الرضا عن الغلط من الظلم والفسق . . ومن قول باطل أو عمل ممنوع .
والمداهنة مسلك ذميم ينطوي تحت جناحيه الكذب ، وخلف الوعد .
أما الكذب فلأن المداهن يصف الرجل بغير ما يعرفه عنه ، ومن دخل الكذب من باب ، سهل عليه أن يأتيه من أبواب متفرقة . وأما إخلاف الوعد فلأن المداهن يقصد إلى إرضاء صاحبه في الحال فلا يبالي أن يعده بشيء وهو عازم على أن لا يصدق في وعده .
المداهنون يجعلون ألسنتهم طوع بغية الوجهة ، ويعجلون إلى قول ما يشتهي إن يقولوه .
قال الماوردي - رحمه الله - : إن الإنسان وإن كان مأمورا بتآلف الأعداء ، ومندوبا إلى مقاربتهم ، فإنه لا ينبغي أن يكون لهم راكنا وبهم واثقا بل يكون منهم على حذر ، ومن مكرهم على تحرز ، فإن العداوة إذا استحكمت في الطباع صارت طبعا لا يستحيل ، وجبلة لا تزول وإنما يستكفى بالتألف إظهارها ، ويستدفع به أضرارها كالنار يستدفع بالماء إحراقها ، ويستفاد به إنضاجها ، وإن كانت محرقة بطبع لا يزول وجوهر لا يتغير وقد قال الشاعر :
وإذا عجزت عن العدو فداره*** وامزح له إن المزاح وفاق
فالنار بالماء الذي هو ضدها *** تعطي النضاج وطبعها الإحراق
ومن كل ما تقدم يتبين واجب المصلحين من الدعاة والعلماء والمربين في هذا الباب . فواجب العناية بمحاربة المداهنة حتى تنفى من الأرض وتكون الأوطان ودور التربية منابت نشء يميزون المداهنة من المداراة ، فيخاطبون الناس في رقة وأدب وشجاعة ، ويحترمون من لا يلوث أسماعهم بالملق الكاذب،ولا يكتمهم الحقائق متى اتسع المقام لحديث المصارحة .
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الواحدة والخمسون في موضوع الحكمة وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:*
معالم الحكمة في أساليب الدعوة :
للدكتور / صالح بن عبد الله بن حميد :
المعلم السادس : إقالة العثرات والغض عن الأخطاء .
وأسلوب المداراة المتقرر في الفقرة السابقة يقود إلى غض الطرف عن أخطاء المقصرين ما دام طريقا لاستصلاحهم ، وإقالة عثرات العاثرين إذا كانوا كراما ذوي هيئات أو كان ذلك سبيلا إلى دفنها وتقليلها .
وإن شئتم برهانا قريبا فاستذكروا قصة حاطب بن أبي بلتعة . . تلك الواقعة الصحيحة فهي صورة حية من صور الضعف البشري في لحظة من لحظات الزمن مع أنه الصحابي البدري ،ولكبر الزلة قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : دعني أضرب عنق هذا المنافق ، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم حين سأل حاطبا وأجابه . فقال عليه الصلاة والسلام : « لقد صدق ولا تقولوا إلا خيرا .
أما علمت يا عمر أن الله قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم » ،إن إقالة العثرة ليست إقرارا للباطل ولكنها إنقاذ للواقع فيه .
حكي أن أخوين من السلف انقلب أحدهما عن الاستقامة فقيل لأخيه : ألا تقطعه وتهجره ؟ فقال : أحوج ما كان إلي في هذا الوقت لما وقع في عثرته أن آخذ بيده وأتلطف له في المعاتبة وأدعو له بالعودة إلى ما كان عليه .
حق لمن غلط أو ذل أن يسمع كلمة حانية ، وأن يستضيء بشمعة أمل من أجل أن يرجع إلى الجادة ، ويسير مع الأخيار من الصحاب .
يمر أبو الدرداء - رضي الله عنه - على رجل قد أصاب ذنبا ، والناس يسبونه ، فأنكر عليهم صنيعهم . فقال لهم : أرأيتم لو وجدتموه في قليب ، ألم تكونوا مستخرجيه ؟ قالوا : بلى . قال : فلا تسبوا أخاكم واحمدوا الله الذي عافاكم،قالوا : أفلا تبغضه؟قال إنما أبغض عمله فإذا تركه فهو أخي.
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثانية والخمسون في موضوع الحكمة وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:*
معالم الحكمة في أساليب الدعوة :
للدكتور / صالح بن عبد الله بن حميد :
المعلم السابع : الترغيب والترهيب ومواقف الشدة .
كل ما تقدم من التأكيد على مسالك اللين والرفق
والمداراة ، والغض عن الهفوات ، وإقالة العثرات ، ليس معارضا لما هو معروف ومتقرر في مسالك الشرع من ضرورة سير الدعاة والمربين بين حالي الرغبة والرهبة ، والرخاء والشدة . لكن المقدم في التعامل هو الترغيب والرفق كما قال الإمام أحمد:(والناس يحتاجون إلى مداراة ورفق بلا غلظة ، إلا رجلا مباينا معلنا بالفسق والردى،فيجب نهيه . لأنه يقال: ليس لفاسق حرمة ، فالمعلن المصر لا حرمة له ) .
وطريق أنبياء الله - عليهم السلام - المذكورين في القرآن مسلوك فيه النجدين : { إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ } إلى قوله : { وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } [ سورة نوح ، الآيات : 1 - 4 ]
وقال عن محمد صلى الله عليه وسلم : { فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }{ يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }{ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } [ سورة التغابن ، الآيات : 8 - 10 ]
ترغيب فيما وعد الله من حسن الجزاء في الدنيا ، وحسن العافية في الآخرة : { وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } [ سورة الصف ، آية : 13 ]
وترهيب من وعيد الله وغيرته على حرماته ، والخوف من أليم عقابه عاجلا وآجلا : { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}[ سورة هود ، آية 102
وبعد أيها القارئ الكريم : فلعله بملاحظة هذه المعالم وأمثالها يتحقق الخير وترشد المسالك وتؤتي الحكمة خيرها :{وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ }[ البقرة/ 269
والنفوس تملك قدرا كبيرا من التأهيل في قبول ما عند الدعاة ، وهي تحب سماع كلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وتستفيد من المواعظ ، وهي قريبة من الخير مستعدة له فليفقه هذه السنن الدعاة إلى الله ، وليحملوا الناس على توجيهات الشرع لا على جلبة الشارع وغوغاء العامة ، وليتجنبوا المزالق والمنعطفات الخطيرة التي يتعمد أعداء الملة من الكفار والمنافقين وضعها في الطريق .وفق الله الجميع إلى سبيل الهدى ، وأصلح الأعمال والمقاصد .وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .[الأنترنت – موقع الموسوعة الشاملة- د صالح بن حميد ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثالثة والخمسون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:*
*أسلوب الحكمة في الدعوة إلى الله ومظاهر استخدامه
قال الدكتور/ رمضان فوزي بديني :
أسلوب الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى له أهمية كبرى وتأثير عظيم على المدعوين لتقبل الدعوة؛ ولذا جاء التوجيه الرباني بجعلها من أوائل الأساليب في الدعوة؛ حيث قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}(النحل: 125).
الحكمة في الدعوة من أقصر الطرق إلى القلوب
وقد كتب د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني مؤلفا
كاملا بعنوان “مفهوم الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى في ضوء الكتاب والسنة” ويمكن استعراض بعض مظاهر أسلوب الحكمة في الدعوة من خلال ما جاء في هذا الكتاب فيما يلي:
– القول الحسن: إذا أحكم صاحب الدعوة قوله، وسدد لفظه؛ فقد أوتي من الحكمة بابا عظيما، يقول الله عز وجل: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83].
– التصريح والتعريض، ومن الحكمة في بعض المواقف الجنوح إلى التعريض والتلميح دون التصريح؛ فالتصريح يهتك حجاب الهيبة، ويورث الجرأة على الهجوم، والتبجح بالمخالفة، ويهيج على الإصرار والعناد.
أما التعريض فيستميل النفوس الفاضلة، والأذهان الذكية، والبصائر اللماحة.
– المداراة: وهي صورة من صور التعامل الدال على الحكمة، والموصل إلى المقصود مع حفظ ما للداعي والمدعو من كرامة ومروءة.
– تحري أوقات الفراغ والنشاط والحاجة عند المدعوين، وتخولهم بالموعظة والتعليم من أعظم ما يعين الداعية على استجلاب الناس وجذب قلوبهم إلى دعوته.
– من الدعوة إلى الله بالحكمة أن يبدأ الداعية بالمهم، ثم الذي يليه، وأن يجعل للمدعو من الدروس ما يسهل عليه حفظها وفهمها، والتفكر التام فيها، وأن يعلم العوام ما يحتاجون إليه بألفاظ وعبارات قريبة من أفهامهم تناسب مستواهم مع مراعاة التنويع في الأسلوب والتشويق.
– إن مراتب الدعوة بحسب مراتب البشر، فالقابل للحق يدعى بالحكمة، فيبين له الحق بدليله: علما وعملا واعتقادا، فيقبله ويعمل به. وهذا هو القسم الأول من المسلمين، والقابل للحق الذي عنده شهوات تصده عن اتباع الحق يدعى بالموعظة الحسنة المشتملة على الترغيب في الحق والترهيب من الباطل، ويغذى بالحكمة التصويرية: من القصص الحكيم، وضرب الأمثال، ولفت القلوب والأنظار إلى الصور المعنوية وآثارها، والآثار المحسوسة. وهذا هو القسم الثاني من المسلمين وهم العصاة. والمعاند الجاحد يجادل بالتي هي أحسن.
والظالم الذي عاند وجحد ولم يقبل الحق بل وقف في طريقه، فهذا يدعى بالقوة إن أمكن.
فهذه مراتب الدعوة بحسب مراتب البشر، ويلاحظ أن مرتبة الحكمة ملازمة لجميع المراتب الأخرى، وذلك؛ لأن الحكمة في الحقيقة هي وضع الشيء في موضعه والإصابة في الأفعال والأقوال والاعتقادات إصابة محكمة متقنة.
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الرابعة والخمسون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:*
مظاهر الحكمة مع أهل الديانات المختلفة
يجب أن نتعرف على مسالك الحكمة ومظاهرها في دعوة أهل الديانات المختلفة؛ حيث يحتاج كل فريق منهم إلى مفتاح مختلف لدعوته، وهي تتمثل فيما يلي:
– من أعظم الحكمة في دعوة الملحدين أن تقدم لهم الأدلة الفطرية على وجود الله -تعالى- وربوبيته، والبراهين العقلية القطعية بمسالكها التفصيلية، والأدلة الحسية المشاهدة، ثم يختم ذلك بالأدلة الشرعية.
– من الحكمة في دعوة الوثنيين بالحكمة القولية أن يقدم لهم الداعية الحجج والبراهين العقلية على إثبات ألوهية الله – تعالى-، وأن الكمال المطلق له من كل الوجوه، وما عبد من دونه ضعيف من كل وجه، وأن التوحيد الخالص دعوة جميع الرسل -عليهم الصلاة والسلام-والغلو في الصالحين سبب كفر بني آدم، والشفاعة لا تنفع إلا بإذن الله للشافع ورضاه عن الشافع والمشفوع له، وأن البعث ثابت بالأدلة العقلية والنقلية القطعية، وأن الله الذي سخر جميع ما في هذا الكون الفسيح
لعباده فهو في الحقيقة المستحق للعبادة وحده.
– دعوة اليهود بالحكمة القولية إلى الله –تعالى- ترتكز على إثبات نسخ الإسلام لجميع الشرائع، وإظهار وإثبات وقوع التحريف في التوراة، واعتراف المنصفين من علمائهم، وإثبات رسالة عيسى ومحمد، عليهما الصلاة والسلام.
– دعوة النصارى بالحكمة القولية إلى الإسلام تقوم على إبطال عقيدة التثليث، وإثبات وحدانية الله -تعالى-، وتقديم الأدلة العقلية والبراهين القطعية على إثبات بشرية عيسى صلى الله عليه وسلم، وأنه عبد الله ورسوله، ثم تقديم البراهين على إبطال قضية الصلب والقتل، وإثبات وقوع النسخ والتحريف في الأناجيل، وتتويج ذلك بالاعترافات الصادقة من المنصفين من علماء
النصارى.
– إن من حكمة القول مع أهل الكتاب وغيرهم من الكفار أن تقدم لهم الأدلة والبراهين القطعية على صدق رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك ببيان معجزات القرآن الكريم التي عجز عنها جميع الجن والإنس، ومعجزات النبي صلى الله عليه وسلم الحسية المشاهدة، ثم تتويج ذلك بالأدلة القطعية على عموم رسالة الإسلام في كل زمان ومكان إلى قيام الساعة.
– إن من مقتضى العقول السليمة والحكمة السديدة ألا يخاطب المسلم -في توجيهه وإرشاده وحثه على الالتزام بدينه- كما يخاطب الملحد، أو الوثني، أو الكتابي، أو غيرهم من الكفار [الأنترنت – موقع مهارات الدعوة ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الخامسة والخمسون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:*حسن الاختيار من ثمرات الحكمة
من ثمرات الحكمة التي يؤتاها الإنسان حينما يستحقها لقوله تعالى: "وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيرا"، وحكمة الإنسان تظهر في حسن اختياره..، كل العقل، وكل الحكمة تبدو في حسن الاختيار، والمؤمن يختار ما يقربه إلى الله، ولو كان خشنا، ويبتعد عما تزل به قدمه، ولو كان ناعماً. هذا الذي يقوله الحكماء: حسن الاختيار, وأنت أمام آلاف الخيارات كل يوم. الله عز وجل يمتحن الإنسان دائماً في الدنيا : البطولة أن تحسن الاختيار، ودائماً الاختيار صعب. والإنسان يشقيه اختياره أويسعده اختياره .
فالبطولة إذن أن تكون مع الله، والاختيار في حد ذاته بطولة، والاختيار لن يكون سهلاً. والعاقل من يختار الشيء الصحيح مهما كانت الظروف المحيطة به.
يتعرض الإنسان لمواقف يحتاج فيها إلى المفاضلة بين العديد من البدائل والاختيارات، وهو في هذا يحتاج إلى اختيار أفضل البدائل وأحسنها فيما يبدو له، وإذا كان اختيار المرء قطعة من عقله، فالعاقل يبحث دائماً عن الخيار الأصلح، الأحسن، والأنسب؛ لأن هذا الاختيار تتوقف عليه أشياء، ربما يتحدد به مصيره، فحياة الإنسان هي اختياراته، حتى في أموره الدنيوية في زواج في مسكن في دراسة في تخصص في تجارة في سلعة يختار ، في سيارة، ...إلخ.
العقل بوابتك لحُسن الاختيار
الاختيار هو ما تتوقف عليه حياتنا فى كثير من الأوقات بل فى كل الأوقات ونحن مجبرون على تحمل نتيجة هذه الاختيارات، ذلك أن عاقبة الاختيار تلاحق الانسان سواء بالخير أو بالشر، لذا فلا بد من التأنى فى الاختيار واستخدام العقل بشكل أساسى فى كافة الاختيارات فى الحياة.
فاختيار الصديق أمر ضرورى وتتوقف عليه حياة الانسان، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا مَثَلُ الجليس الصالحُ والجليسُ السوءِ كحامِلِ المسك، ونافخِ الكِيْرِ فحاملُ المسك: إِما أن يُحْذِيَكَ، وإِما أن تبتاع منه، وإِمَّا أن تجِدَ منه ريحا طيِّبة، ونافخُ الكير: إِما أن يَحرقَ ثِيَابَكَ،وإِما أن تجد منه ريحا خبيثَة"، وهناك اختيارات أخرى فى الحياة مثل: اختيار أسلوب الكلام
ورد الفعل والأفكار.
والظروف قد تضع الانسان فى مواقف يحتاج فيها إلى الاختيار بين شىء وشىء آخر والمقارنة بينهما، فالعقل يبحث دائما عن الاختيار الأصلح والأفضل وربما تتوقف كثير من الأمور على اختيار العقل، والعقل كثيرا ما يكون ميالاً إلى المنطقية والدين والحزم.
وحسن الاختيار يترتب عليه الكثير من الخير والطمأنينة للإنسان ويصل به إلى درجة الانسجام النفسى والرضا بما قدره الله، فهذا يجعل الإنسان متجنبا لمشاكل كثيرة وأكثرهم مشكلة الحروب النفسية وإذا أخذنا مثالاً حقيقياً موجوداً نمر به كل يوم، كاختيار شريك الحياة، فإذا لم يكن الاختيار صحيحاً سيورث الشك والحيرة وخيبة الأمل وسيصل بك
المطاف فى دائرة الانطوائية وعدم الثقة.
كما يحضر في الاختيار أهمية النظرة المستقبلية وحسابات لكل ما سيحدث والتروى فى الاختيار، والعزم على حسن الاختيار، ثم لنتوكل على الله كما قال سبحانه وتعالى: "وشاورهم فى الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله".
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة السادسة والخمسون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:*اختيار الطيب
قال ابن القيم رحمه الله : إن الله سبحانه وتعالى اختار من كلِّ جنسٍ من أجناس المخلوقات أطيبَه، واختصَّه لنفسه، وارتضاه دون غيره، فإنه تعالى طيبٌ لا يحبُّ إلا كل طيب، ولا يقبل من العمل والكلام والصدقة إلا الطيب، فالطيبُ من كل شيء هو مختَاره تعالى. (زاد المعاد (1 / 65).
لقد حفلت سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم بكثير من الشواهد التي تدل على حسن الاختيار في أموره كلها، فقد اختار أبا بكر ليكون صاحباً له في الهجرة، واختاره ليصلي بالناس في مرض موته دليلاً وإشارة إلى خلافته من بعده. واختار مصعب بن عمير رضي الله عنه ليكون سفيراً له إلى المدينة. واختار علياً ومعاذ بن جبل ليكونا داعيين في اليمن، وخص عليا بحمل لواء المعركة في خيبر . واختار حذيفة بن اليمان ليكون صاحب سره في المنافقين وغير ذلك، فكان يقال له: ( صَاحِبُ السِّرِّ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ ). واختار بلالاً رضي الله عنه مؤذناً له ، كما اختار ابن أم مكتوم وأبا محذورة بعد ذلك . واختار رسول الله صلى الله عليه وسلم الحبشة مهاجَراً أولَ لأصحابه ، لأن فيها ملكاً لا يُظلم عنده أحد ، وما خُير صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما.
قال ابن القيم رحمه الله : فإنَّ الطيبَ لا يناسبه إلا الطيب، ولا يرضى إلا به، ولا يسكن إلا إليه، ولا يطمئن قلبه إلا به ....وكذلك لا يألفُ من الأعمال إلا أطيبَها... ومن الأخلاق أطيبَها وأزكاها..
*من فوائد حسن الاختيار
إن حسن الاختيار يترتب عليه الكثير من الخير للعبد في دينه ودنياه، ويجعله يتجنب المشكلات، سواء كانت أسرية أو اجتماعية أو وظيفية أو مالية ...
ولو أخذنا مثالا ؛حياتيا لا يكاد يستغني عنه إنسان وهو اختيار الزوجة، إنها رفيقة العمر وصاحبة الرحلة الطويلة مع زوجها في هذه الحياة والتي وجه النبي صلى الله عليه وسلم الشباب لحسن اختيارها حين قال : " فاظفر بذات الدين تربت يداك". إن أحسن الرجل اختيارها فإنها التي تسره إذا نظر، وتحفظه في حضوره وغيبته وترعى ماله وتحسن تربية عياله، إنها حينئذ السكن والمودة والحب والحنان.
قال الحسن البصري عن أثر حسن اختيار الزوجة في مسلك الإنسان حتى في سياسته في البيع والشراء لو كان بائعاً : وقفت على بزَّاز – بائع قماش - بمكة أشتري منه ثوباً، فجعل يمدح ويحلف، فتركته، وقلت لا ينبغي الشراء من مثله، واشتريت من غيره.
ثم حججت بعد ذلك بسنتين، فوقفت عليه فلم أسمعه يمدح ولا يحلف، فقلت له: ألست الرجل الذي وقفت عليه منذ سنوات؟ قال: نعم.قلت له: وأي شيء أخرجك إلى ما أرى، ما أراك تمدح ولا تحلف؟ فقال: كانت لي امرأة إن جئتها بقليل نزَرَته (احتقرَته واستَقَلَّته)، وإن جئتها بكثير قللته، فنظر الله إلي فأماتها. فتزوجت امرأة بعدها، فإذا أردت الغدو إلى السوق أخذت بمجامع ثيابي ثم قالت: يا فلان اتق الله ولا تطعمنا إلا طيبًا؛ إن جئتنا بقليل كثرناه، وإن لم تأتنا بشيء أعناك بمغزلنا.
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة السابعة والخمسون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:*أمور تعين على حسن الاختيار
لا شك أن حسن الاختيار في الأساس هو توفيق من الله تعالى للعبد وبقدر قرب العبد من ربه تعالى يكون التسديد والتوفيق لهذا كان من أهم الامور التي يستعين بها العبد على تحقيق حسن الاختيار:
أولاً: تحقيق التقوى وهذا أمر مهم جداً في التوفيق لحسن الاختيار، لأن التقوى أساس التوفيق وسبب لسداد الرأي، "وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ"(البقرة: من الآية282) "َيا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً"(الأنفال: من الآية29). فتفرق به بين الاختيار الحسن والاختيار السيء.
ثانيا: الدعاء والاستخارة
فإن الدعاء مفتاح الخير، ومن ذلك صلاة ودعاء الاستخارة، هذا الدعاء الحسن الجميل الطيب وهذه الصلاة العظيمة وهذه العبادة الجميلة الجليلة، يمكن أن يترتب عليها من السعادة ويترتب عليها من التوفيق ويترتب عليها من المكاسب العظيمة للإنسان، ما لم يكن بالبال.
ثالثاً : الاستشارة :فما خاب من استخار، ولا ندم من استشار . ولو استغنى أحد عن المشورة لاستغنى عنها النبي صلى الله عليه وسلم.
ومع ذلك وهو أسدَّ الأمة رأياً وأعقلها وأحكمها، حتى أنه -عليه الصلاة والسلام- اتخذ أبا بكر وعمر كالوزيرين له، شاورهما في أسرى بدر وفي وفد بني تميم من يولي عليهم، وشاورهما في الأمور العامة والخاصة، وكان يشاور أبا بكر في حروبه، وشاور أسامة بن زيد في قصة الإفك وعلياً، وشاور كذلك أصحابه في نزول المنازل في المعارك: فإن ملاقحة العقول، والاستفادة من آراء الرجال، مفيدة في حسن الاختيار، فتستشير صاحب التجربة والحكمة والخبرة، صاحب الدين الذي ينصحك ولا يغشك، الذي يعلم ظروفك وما هو الأنسب لك، إذاً إنما يُحسن الاختيار لغيره من أحسن الاختيار لنفسه، والمستشار مؤتمن، ولذلك فإن المشورة تساعد في اكتشاف الصواب، ومعرفة الأحسن، لكن يبقى السؤال:أيهما قبل الاستشارة أو الاستخارة؟ .
رابعاً : الاستفادة من تجارب الآخرين: للاستفادة من
تجارب الآخرين في الخيارات والسؤال عمن سلك الدرب قبلك، سواء كان في تخصص أو في علم معين تطلبه.
وخامساً: جمع المعلومات قبل الاختيار، لأن الاختيارات تُبنى على العلم لا على العواطف والتخمينات، وجمع المعلومات خطوة مهمة، وينبغي ألا تطول جداً لتفوت الفرصة، وإنما ينبغي أن يكون الاختيار بناءً على بيِّنة.
سادسا: لا مجال للحرام في الاختيارات: من قواعد الاختيار أنه لا مجال لجعل الحرام من الاختيارات، فيتخير الإنسان بين المباحات، يتخير في المستحبات، لكن لا يمكن أن يختار بين الصدق والكذب،ولا يكون الكذب عنده خياراً ممكناً، وقد قال كعب : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا أَنْجَانِي بِالصِّدْقِ وَإِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ لَا أُحَدِّثَ إِلَّا صِدْقًا مَا بَقِيتُ..
سابعاً: النظرة المستقبلية عند الاختيار: النظر في المآلات وعواقب الأمور، هذا يساعد في اختيار الأمثل.
ثامناً : التروي والأناة قبل الاختيار ولكن ليس التأني المفوت للفرصة ولا التأني الذي يؤدي إلى أن تنحل العزيمة وتذهب الهمة وتفتر وتضعف، أحياناً يكون مجال الاختيار ضيقاً، بالكاد تقرأ دعاء الاستخارة، لا تتأخر في اختيار المناسب.
تاسعاً: إذا اخترت فاعزم: وإذا أخذت بالأسباب وعزمت فلا تلتفت إلى مثبط ولا مخالف.
[الأنترنت – موقع حركة التوحيد والإصلاح]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثامنة والخمسون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:*الحكمة من اهم فضائل الانسان
علمتني الحياة أن أَثِقْ بالرجل الحكيم ، والحكمة فضيلة القوّة العقلية عند الإنسان ، وليس مرتبطة بالقوة الغريزيَّة سواءٌ كانت شهوانية أو غضبية ، فالحكيم هو الذي يضع الأمور في نصابها وكما يجب أن تكون ، يغضب عندما يستدعي الغضب ويمسك عندما تستدعي الحكمة أن يمسك عن الغضب , ويتكلم عندما يستدعي الموقف الكلام ويصمت عندما يجد أنّ الصمت هو الأفضل ، وينفقُ حيث يجب الإنفاق ، ويكون بخيلاً عندما تقتضي الحكمة أن يمسك عن الإنفاق ، وهو مبذرٌ في موقف ومقترٌ في موقف آخر ، وهو شجاع في حالة وجبانٌ في حالة أخرى ، والجبن هنا ليس كجبن الجبناء ، وإنما جبن الشجعان عندما يستدعي العقل أن يتراجع ، هذه الحكمة هي المطلوبة ، وهذا هو الرجل الحكيم الذي يتصرف بحسب ما يقتضيه المقام ، وهذا هو معيار التّفاضل بين الرجال ، وهو الممسك بزمام غرائزه والمتحكم في كلّ سلوكياته ، فلا يندفع في لحظة غضبٍ وانفعالٍ إلى فعلٍ يندم عليه فيما بعد ، وليس بالرجل الحكيم ذلك الذي يفعل الفعل ثم يندم حيث لاينفع الندم , وليس هناك تبذيرٌ وتقتيرٌ وليس هناك شجاعة وجبن وإنّما هناك حكمة , والموقف هو الذي يحدد سلوك العاقل الحكيم , وقد يخطئ الحكيم في موقفٍ ولكنّه لا يلام عليه ولا يندم ، فهو مجتهد فيما يختار .
والحكمة يحتاجها الإنسان في كلّ موقف ، في أسرته ، في معاملاته اليومية ، في كلامه ، في إنفاقه ، في كلّ قراراته ، وكلّما كبرت مسؤوليات الإنسان كان أحوج للحكمة وللقرار الحكيم ،والحكيم قد لا يرضي الاخرين , ولكنه يحظى باحترامهم وثقتهم فيما بعد ، والحكيم يجب أن يكون شجاعاً في مواقفه ، ولو دفع ثمن ذلك ، ففي لحظات الانفعال يحتاج المنفعلون للكلمة الحكيمة , ولكنّها لا ترضيهم , ويستجيبون لمن يكون أكثر انفعالاً منهم ثم يندمون فيما بعد ..والارتجال في المواقف ليس من شيم الحكماء , والانفعال كذلك , قد يفيد الانفعال أصحابه مرّة , وقد يلقي بهم في القاع مرات كثيرة , والتغيير إلى الأفضل مطلوب وحتميٌ , ولا يتمّ الإصلاح إلا بالتغلب على أسباب التخلف ,والحكماء يصلحون لكنّهم لا يغامرون , وقد يكونون أقلّ قدرة على إحداث التغيير ، والثورة على الفساد يقودها مغامرون مندفعون في البداية , فإذا استقرّت الأوضاع احتاج الأمر لحكمة الحكماء , لكيلا تنتكس الثّورة ,فالحكيم أقلّ قدرة على الهدم وأكثر قدرة على البناء , والمنفعلون الثائرون – وقد يبلغ الغضب لديهم القمة – هم أقدر على الهدم وأكثر جرأةً في المواقف وقلّما ينجحون , وإذا فشلوا كان سقوطهم قاسياً ومكلفاً ،ويظهر هذا في التجارة والاستثمار , فالعقلاء يخافون ولا يغامرون , ويتقدمون بطيئاً ويربحون قليلاً وقلّما يخسرون , وأما المغامرون فقد ينجحون ويجمعون الثروة الكبيرة في مغامرة غير مدروسة ، وقد يخسرون كلّ شيء في مغامرةٍ جديدةٍ ، وهم في هذا مغامرون ، والإنسان أُعطي العقل لكي يحتكم إليه ، وقد تفسر الحكمة بالضعف في كثيرٍ من المواقف ، ولذلك تُلتمَس الحكمة عند الشيوخ وقلّما تُلتمَس عند الشباب ولا تستقيم الحياة إلا بعزم الشباب وانفعالاتهم واندفاعاتهم وحكمة الشيوخ والاندفاع العاقل لدى الشباب حكمة ، والحكمة المقدامة غير المتردّدة فضيلة لدى الشيوخ ، وأحبّ في الشباب اندفاعهم ولو كلّفهم الكثير ولا أحبّ الشيخوخة المبكرة في الشباب ، وقطارُ الحياة يسير وفي داخله ركب الأجيال فمن كان في محطته الأولى فعليه أن يعدّ العدّة لرحلته الطويلة ومن كان في محطته الأخيرة فعليه أن يستمتع بجمال الطبيعة والأشجار والأنهار والغابات قبل أن يغادر مقعده الوثير .
[ الأنترنت – موقع الدكتور محمد النبهان]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة التاسعة والخمسون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:*من فوائد الحِكْمَة :
1- أنها طريق إلى معرفة الله عزَّ وجلَّ، موصلة إليه، مقرِّبة منه، وحينها ينقطع العبد عمن سواه، ولا يطمع في غيره.
2- أنَّها سِمَة من سمات الأنبياء والصَّالحين، وعلامة للعلماء العاملين، ومزيَّة للدُّعاة المصلحين.
3- من أهمِّ فوائد الحِكْمَة، الإصابة في القول والسَّداد والعمل.
4- أنَّها ترفع الإنسان درجات وتشرِّفه، وتزيد من مكانته بين النَّاس، فعن مالك بن دينار قال: قرأت في بعض كتب الله: أنَّ الحِكْمَة تزيد الشَّريف شرفًا، وترفع
المملوك حتى تُجْلِسه مجالس الملوك.
5- فيها دلالة على كمال عقل صاحبها وعلوِّ شأنه، وهذا يجعله قريبًا من النَّاس، حبيبًا لقلوبهم، ومَهْوَى أفئدتهم، يقول فيسمعون، ويأمر فيطيعون؛ لأنَّهم يدركون أنَّ رأيه نِعْم الرأي، ومشورته خير مشورة.
6- أنَّها تدعو صاحبها للعمل على وفق الشَّرع، فيصيب في القول والفعل والتَّفكير، ويسير على هدى وبصيرة. قال أبو القاسم الجنيد بن محمد، وقد سئل: بم تأمر الحِكْمَة؟ قال: تأمر الحِكْمَة بكلِّ ما يُحْمَد في الباقي أثره ، ويطيب عند جملة النَّاس خبره ، ويُؤْمَن في العواقب ضرره. 7- تعطي العبد نفاذًا في البصيرة، وتهذيبًا للنَّفس، وتزكية للرُّوح، ونقاءً للقلب. 8- تكسو العبد بثوب الوقار، وتحلِّيه بحلية الهيبة، وتخلع عليه ثياب البهاء والإجلال. 9- يكون صاحبها كالغيث حيثما حلَّ نفع، وأينما وُضِع أفاد، فيتعلَّم منه الكبير والصَّغير، ويكون مصدر خير بإذن الله.
10- تحفظ الإنسان عن ارتكاب السُّوء أو التَّلفظ به، أو ارتكاب المحذورات، أو التَّجنِّي على الغير، أو عمل ما يضطره للاعتذار وطلب العفو، قال أبو القاسم الجنيد بن محمد، وقد سئل عما تنهى الحِكْمَة؟ فقال: الحِكْمَة تنهى عن كلِّ ما يحتاج أن يُعْتَذر منه، وعن كلِّ ما إذا غاب عِلْمُه عن غيرك، أَحْشَمَك ذكره في نفسك. [الأنترنت – موقع الدرر السنية ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الستون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:*أنواع الحِكْمَة ودرجاتها،وموانع إكتسابها:
الحِكْمَة نوعان: قال ابن القيم : والحكمة، حكمتان: علمية، وعملية. فالأوَّل: حِكْمَة علميَّة نظريَّة، وهي الاطلاع على بواطن الأشياء، ومعرفة ارتباط الأسباب بمسبباتها، خلقًا وأمرًا، قدرًا وشرعًا.
النَّوع الثَّاني: حِكْمَة عمليَّة، وهي وضع الشيء في موضعه.
ثم قال : أقسام الحكمة أو درجات الحِكْمَة: على ثلاث درجات:
الدَّرجة الأولى: أن تعطي كلَّ شيء حقَّه ولا تعدِّيه حدَّه، ولا تعجِّله عن وقته، ولا تؤخِّره عنه. لما كانت الأشياء لها مراتب وحقوق، تقتضيها شرعًا وقدرًا. ولها حدود ونهايات تصل إليها ولا تتعدَّاها. ولها أوقات لا تتقدَّم عنها ولا تتأخَّر، كانت الحِكْمَة مراعاة هذه الجهات الثلاث. بأن تُعطي كلَّ مرتبة حقَّها الذي أحقَّه الله بشرعه وقدره. ولا تتعدَّى بها حدَّها. فتكون متعديًا مخالفًا للحِكْمَة. ولا تطلب تعجيلها عن وقتها فتخالف الحِكْمَة. ولا تؤخِّرها عنه فتفوتها.
فالحِكْمَة إذًا: فعل ما ينبغي، على الوجه الذي ينبغي، في الوقت الذي ينبغي، فكلُّ نظام الوجود مرتبط بهذه الصِّفة. وكلُّ خلل في الوجود، وفي العبد فسببه الإخلال بها. فأكمل النَّاس، أوفرهم نصيبًا. وأنقصهم وأبعدهم عن الكمال، أقلهم منها ميراثًا. [انظر: مدارج السالكين، منزلة الحكمة 2 / 478.] [الأنترنت – موقع الدرر السنية ] [الأنترنت – موقع ملتقى أهل الحديث – محمود طيب ]
أما موانع اكتساب الحِكْمَة فهي :
1- من موانعها ما ذكره إبراهيم الخواص، حيث قال: الحِكْمَة تنزل من السَّماء، فلا تسكن قلبًا فيه أربعة: الركون إلى الدُّنيا،وهمُّ غدٍ، وحبُّ الفضول، وحسد أخٍ.
2- التَّعجل في الأمور، وترك التَّأني في اتخاذ القرار؛ فالعجلة في غير موضعها تدلُّ على خفَّة العقل، وقلَّة رزانته، وغلبة الشَّهوة عليه، ولهذا جعل ابن القيِّم من آفات الحِكْمَة وأضدادها العجلة، وقال: فلا حكمة لجاهل، ولا طائش، ولا عجول.
قال أبو حاتم البستي: والعَجِل يقول قبل أن يعلم، ويجيب قبل أن يفهم، ويَحْمدُ قبل أن يجرِّب، ويذمُّ بعد ما يحمد، ويعزم قبل أن يفكِّر، ويمضي قبل أن يعزم، والعَجِل تصحبه النَّدامة، وتعتزله السَّلامة. وكانت العرب تكنِّي العجلة: أمَّ النَّدامات.
3- ضيق الأفق، وعدم التَّفكر في عواقب الأمور، ونقصد بضيق الأفق: سطحية التَّفكير وبساطته إلى حد الغفلة أو السَّذاجة، والنَّظر إلى الأمور من جانب واحد. وسوء تقدير للعواقب والنَّتائج، وجهل بالواقع، يضاف إلى ذلك عشوائيَّة العمل، وارتجاليَّة الأهداف، وإهدار الطَّاقات في قضايا ثانويَّة، وتبديدٌ للجهود في أمور هامشيَّة، وشَغْل النَّفس بالكماليَّات مع التَّفريط بالضَّروريات.
4- فَقْد البصيرة الدَّالة على حقائق الأمور، فيتَّخذ قراره على ظواهرها.
5- عدم استشارة الصَّالحين، وأهل الخبرة.
6- عدم الاستفادة من خبرات السَّابقين[ الأنترنت – موقع فوائد الحِكْمَة ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الواحدة والستون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:
* ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً
قال الحكيم أ.د/ عبدالكريم بكار: يقول الله جل وعلا:{ يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ } [البقرة : 269] .
وردت كلمة (حكمة) في مواضع عديدة من الكتاب العزيز ، وذهب المفسرون إلى تفسير معناها في كل موضع بحسب السياق الذي وردت فيه ، فتارة تُفسر بالسنة ، وتارة بالموعظة ، وتارة بالقرآن ...
أما في هذا الموضع الذي نحن بصدده ، فإن للعلماء في تفسيرها أقوالاً كثيرة ، منها : النبوة ، والفقه في القرآن ، والمعرفة بدين الله ، والفقه فيه ،والاتباع له ،والخشية ،والورع [ الجامع لأحكام القرآن : ج3 ، ص330 ]
وروى ابن وهب عن مالك أنه قال في (الحكمة) : إنها المعرفة بالدين ، والفقه في التأويل ، والفهم الذي هو سجية ، ونور من الله (تعالى)[ السابق : ج2 ، ص131 ]
ولعل هذا القول هو أقرب الأقوال السابقة إلى الصواب ،والذي يبدو لي: أن الحكمة تتجاوز المعلومات الجزئية إلى المفاهيم الكلية مع نوع من التطابق بين معارف الحكيم والمواقف العملية له ؛ ومن ثم قيل إن الحكمة تعني : وضع الشيء في موضعه ؛ وإن كنا نرى أن ذلك أحد تجليات الحكمة ، وليس جزءاً منها ، لكنهم لمحوا أن المواقف الصحيحة الملائمة هي التي تكشف عن حكمة الحكماء
ولعلنا نحاول الحوم حول حمى الحكمة ، وحول بعض تجلياتها وتجسيداتها في المفردات التالية :
1- إن تاريخ الإنسان يخبرنا أن الإنسان في مكافحة مستمرة لـ (العمى) – البلادة الناتجة عن الجهل - في داخل نفسه وفي خارجها ؛ فهو يحاول أبداً صياغة المفهومات والرؤى التي تمكّنه من فهم مركزه في هذا الكون ، ومعرفة المحيط الذي يعيش فيه بغية فهم الموقف الصحيح والخطوة المناسبة .
ومهما بذل الإنسان من جهود في سبيل الوصول إلى ذلك فإن نجاحه يظل نسبيّاً ، كما أن تقدير الناس لذلك النجاح سوف يظل متفاوتاً ؛ حيث إن مبادئ الإنسان ومعارفه تتحكم دائماً في بلورة رؤيته للأشياء ؛ ومن ثم : فإن موقفاً ما قد يكون في نظر واحد منا حكيماً ، على حين ينظر إليه آخرون على أنه طائش وخائب ؛ إلا أن الأيام بما تجلّيه من عواقب ونتائج وبما تركمه من نماذج تساعدنا على نوع من توحيد الرؤية والفهم .
2- إذا كنا نختلف حول تعريف الحكمة فإنه سيظل بالإمكان تحليلها إلى العناصر المكوّنة لها ، وهي على ما يبدو لي ثلاثة : الذكاء ، والمعرفة ، والإرادة ؛ فالذكاء اللماح ، والمعرفة الواسعة ، والإرادة الصُلبة تكوّن معاً : (الحكمة) ، وعلى مقدار كمال هذه العناصر يكون كمالها
الذكاء بمفرده لا يجعل الإنسان حكيماً ؛ إذ الملموس أن الذكاء دون قاعدة جيدة من العلم والخبرة ينتج فروضاً ومعرفة (شكلية) ، كما أن المعرفة دون ذكاء تجعل استفادة صاحبها منها محدودة ، وتجعل وظيفته مجرد الحفظ والنقل ، دون التمكن من غربلة المعرفة أو الإضافة إليها . والأهم من هذا وذاك : أن المعرفة دون ذكاء تؤخر ولادة الموقف الحكيم ، وتجعل الواحد منا يأتي بعد الحدث بسبب ضعف البداهة .
ولا يكفي الذكاء اللمّاح ، ولا الخبرة الواسعة في جعل الإنسان حكيماً ما لم يمتلك قوة الإرادة ؛ لأن الإرادة القوية وحدها هي التي تجعلنا ننصاع لأمر الخبرة،وهي التي تنتج سلوكاً يختفي فيه الفارق بين النظرية والتطبيق .
الذكاء موهبة من الله (تبارك وتعالى) ،والمعرفة الواسعة كسب شخصي وأصلها فضل من الله ، والإرادة القوية هدية المجتمع الناجح لأبنائه البررة ؛ فهو الذي يحدّد العتبة والسقف المطلوبين للعيش فيه بكرامة على مستوى الإرادة ، وعلى مستوى القدرة ، وهو لا يمنح القدرة ، لكنه يمنح أفراده إرادة الفعل والكف من خلال نماذجه الراقية ، ومن خلال المراتبية الاجتماعية التي يصوغها تأسيساً على الاستجابة لأوامره .
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثانية والستون في موضوع الحكمة وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:
* ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً
3- إن المعرفة مهما كانت واسعة لا تعدو أن تكون إحدى مكوّنات (الحكمة) ، ومن ثم : فإن هناك فارقاً بين العالِم والحكيم ، فقد يكون المرء قمة في تخصص
من التخصصات ، لكنه لا يُعدّ حكيماً ، كما أن الحكيم
قد لا يكون عالماً متبحراً في أي علم من العلوم .
العلم يفكك المعرفة من أجل استيعابها ، فيقوم بتنظيمها وتوزيعها على مساقات كثيرة،أما الحكيم : فيقوم بتركيب المعرفة النظرية مع الخبرة العملية من أجل بناء وتشكيل المفهومات العامة في سبيل الوصول إلى رؤية شاملة تتكامل فيها معطيات الماضي والحاضر والمستقبل ، العلم يمكننا من صنع الدواء ، وصنع السلاح ، لكن الحكمة تجعلنا نعرف متى نداوي ، ومتى نحارب .
العلماء كثر ، والحكماء نادرون ؛ لأن تحليل المعرفة أسهل من تركيبها ، والعمل الدعوي اليوم ليس فقيراً في الاختصاصيين ، لكنه محتاج حاجة ماسّة إلى الحكماء العظام الذين يمزجون بين العلوم والثقافات المختلفة ، ويخلصون منها إلى محكات نهائية في الإصلاح والنهضة ومداواة العلل المستعصية ...
إن الحكمة أُم الوسائل والأساليب ، لكنها أكبر من أن تحصر في أي منهج من المناهج ، إنها معرفة تتأبى على التنظيم ، فهي دائماً مرفرفة ، على حين أن العلم معرفة منظّمة ، وكل العلوم يبدأ تفتحها على أنها حكمة ، وتنتهي إلى أن تكون فنّاً ، أي : إنها تفقد طاقتها على التجدد بعد أن يتم سجنها في قوالب جاهزة ، وتصبح بحاجة ماسّة إلى أن ترفرف من جديد ، أي : أن تطعّم بالحكمة . ومن ثم : فإن الحكمة تتأبى على الاستنفاذ ، ولذا : فإنها الخير الكثير الفياض المتجدد الذي يهيئه الله (تعالى) لمن شاء من عباده .
4- جفل الوعي الإسلامي قديماً من (الفلسفة) ؛ لأن
أكثر فلاسفة المسلمين أخرجوا الفلسفة من إطار الوحي وإطار النصوص والمعطيات الشرعية العامة ، فصارت المفاهيم الفلسفية غريبة عن البنية الثقافية الإسلامية ، بل مصادمة لها .
وفي العصر الحديث : لم تنشأ لدينا مدارس فلسفية ، وإنما اتباع لفلاسفة الغرب ، ومروّجون لفلسفة مادية أجنبية محورها الأساس : هدم عقيدة الألوهية وتدعيم الإلحاد ... فاستمر الجفاء بين الاختصاصيين (العلماء) وبين ذوي النظر الكلي والرؤية العامة .
إن الناظر في الآيات الكريمة التي وردت فيها كلمة (الحكمة) : يجد أنها ما اقترنت بذكر (الكتاب) إلا كانت تالية له ، وكأن في ذلك إشارة إلى أن الحكمة بما هي مفاهيم ونظر كلي لا يصح أبداً أن تتشكل خارج مبادئ الكتاب ومعطياته الكبرى ؛ إنه القيّم والمهيمن عليها ، وليس في ذلك حد من عطاء الحكمة وانطلاقها ، ولكنه إمساك بها كي لا تفقد اتجاهها ومحورها ؛ فالعقل البشري على سعة إمكاناته لا يستطيع أن يعمل بكفاءة إلا من خلال إطار توجيهي يمنحه شيئاً من الثوابت وصلابة اليقين .
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثالثة والستون في موضوع الحكمة وستكون إستكمالا للماضيتين والتي هي بعنوان:
* ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً
وقد آن الأوان لتنشيط حركة علمية لا تغرق في
التخصصات لكنها تستفيد منها جميعاً : في تنسيق الواقع في ضوء المثال ، وفي إدراك العلاقات الخطية والجدلية التي تربط بين الأشياء ، وفي معرفة سنن الله (تعالى) في الخلق ...
آن الأوان لترك التقدم العلمي لأهل التخصصات يغوصون على مفردات العلوم ، ويضيفون إلى فروع المعرفة كل يوم جديداً ، والسعي إلى تكوين جيل جديد من الحكماء والمصلحين ذوي النظر الكلي والثقافة المَزْجية ، الذين يستخدمون المعارف المختلفة في بناء النماذج الحضارية الخاصة والمشروعات النهضية الشاملة .
وفي اعتقادي أن الحاجة إلى (الحكماء) سوف تزداد ؛
إذ إن المعرفة البشرية على وشك إكمال دورتها ،
وعصر ثورة المعلومات الذي بزغ فجره سوف يكون أقصر العصور الحضارية ، ثم يأتي زمان الأسئلة الكبرى : أسئلة الهوية ، وعلل الوجود ، والمصير ، وطبيعة الكينونة البشرية وحدودها ، وحقوقها ..
أي : إن الفلسفة قد تستعيد مجدها القديم ، لكن ضمن معطيات ومساقات جديدة ، وبلغة شديدة التعقيد ، وعلينا منذ الآن أن نحضّر أولئك ، الذين يستطيعون فهم أسئلة العصر القادم ، ويحسنون الجواب عليها .
5- الإرادة الصُلبة مكوّن أساس من مكونات ( الحكمة ) كما ذكرنا وهي (الإكسير) الذي يحيل المعرفة النظرية إلى نماذج متحققة في الواقع المحسوس ، إن الحكمة نور داخلي يشكل مفهومات كثيرة متباينة ، ويدمجها في نظم أشمل ، فتبدو منسجمة متناسقة ، لكن الحكيم لا يبدو كذلك ، فهو طراز فريد،ونموذج خاص، يصعب تقنين عطاءاته وتوجهاته ومواقفه ؛ لأن طبيعة الحكمة تتأبى على التحقق الكامل ، ومن ثم : فإنها تلوح في بعض المواقف والسلوكات لتدل على فضل الله (تعالى) على أصحابها وتوفيقه لهم . وتلك المواقف تفوق الحصر والعد ، لكن نذكر بعضها من أجل التقريب :
أ- الحكمة نمو دائم ، فالمزج الفاعل بين الذكاء والخبرة
والإرادة يجعل مفهومات الحكيم في نوع من الحركة الدائبة ، مفهوم يكبر ، وآخر يضمر ، ونقط تزداد تفصيلاً ، وأخرى تزداد تركيزاً ، أفكار جديدة لديه تفقد بريقها بسرعة ، وأفكار قديمة
تنبعث حية لتخط خطّاً جديداً ...
هذه الوضعية تجعل الحكيم في حالة من التألق الدائم ، وهذا التألق قد يفسّر لدى الكثيرين على أنه تناقض واضطراب ، على حين أنه نوع من الاستجابة الناجحة للمرونة الذهنية العالية ، والروافد الثقافية الثرية ، والإرادة الحرة الصُلبة ، لكن كل ذلك يأخذ سمة التغيّر لا التبدّل .
ب-إيثار الآجل على العاجل ، والدائم على الآني ، وما يمليه ذلك من مواقف والتزامات : أكبر سمة من سمات (الحكيم) ، والشرائع السماوية كلها جاءت توجّه الناس نحو هذه الفضيلة ، لكن إغراءات المنافع والملذات العاجلة صرفت جلّ الناس عن الاستجابة { كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ العَاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ } [القيامة : 20 ، 21] .
وعدم تحقق هذه الفضيلة في حياة كثير من الناس ، سببه : ضعف في الخبرة ، أو ضعف في الإرادة ، أو فيهما معاً ، والحكمة تجعل الحكيم في منأى عنهما .
وموقف الحكيم هنا يثير لدى الناس الدهشة ؛ حيث يجدونه زاهداً معرضاً عما يتقاتلون عليه ، وربما اتهموه بالعجز أو الكسل أو القصور ، وهو في الوقت نفسه يضحك في داخله من جهادهم في غير عدو ومحاولات قبضهم على السراب ! ! .
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الرابعة والستون في موضوع الحكمة وستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان:
* ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً
ج- داخل الحكيم ساحة مَوّارة بالحركة والنشاط ، فهو لا يكفّ أبداً عن عمليات المقارنة ،والموازنة ، والتحليل ، والتركيب ، والاستنتاج ، والتشذيب ، والإضافة ، إنها أمواج وتيارات في أعماق المحيط ، أما السطح فإنه هادئ تعلوه السكينة والوقار .
إن من ملامح الأذكياء سرعة البديهة ، وإطلاق الأحكام ، وسرعة تشكيل المواقف ، لكن الحكيم طراز آخر من الناس ، فهو بطيء في تكوين معتقداته ، وصياغة مقولاته ، إذ إنه يملك قدرة خاصة على ضرب كل أشكال المعرفة والخبرة في بعضها بعضاً ، ليخرج في النهاية بزبدة تتميز عنها جميعاً ، لكنها منها جميعاً !
ويفسّر بعض الناس ذلك بالعي والحَصَر ، لكن الأيام تثبت أن مقولات الحكماء هي بنات عواصف فكرية وشعورية هائلة ، لكنها غير منظورة ! .
د - من أهم تجليات الحكمة : إدراك حجوم القضايا على وجهها الصحيح ؛ فالحكيم يرى الأشياء الكبيرة كبيرة ، كما يرى القضايا الصغيرة صغيرة كما هي ، وتقدير القضايا بصورة صحيحة من أخطر المشكلات التي ظلت تواجه البشر على مدار التاريخ ، وهل دُمّرت الحضارات إلا من وراء مشكلات وأخطاء ظنها الناس تافهة ، فإذا هي عواصف هوجاء تأتي على كل ما تمرّ عليه ! .
الحكيم : رجل يرى ما قبل اللحظة الراهنة ، ويستشرف ما بعدها ، وهو لا يرى نسقاً أو نظاماً من التداعيات الترابطية ، لكنه يرى أنساقاً ونظماً تتوازى ، وتتقاطع ، وتتصادم ، إنه يحسّ بالعاصفة قبل هبوبها ، فيحذر قومه وينذرهم . كلنا نرى القضايا بحجمها الحقيقي ، لكن بعد فوات الأوان ! ، وبعد أن نكتوي بنارها ، وتفوتنا فرصها الذهبية ، لكن الحكيم يأتي في الوقت المناسب ، كما قال سفيان الثوري : » إذا أدبرت الفتنة عرفها كل الناس ، وإذا أقبلت لم يعرفها إلا العالم «
العالم (الحكيم) الذي وصفناه ، أما أهـل الاختصاص ، الذين أذهبوا العمر في تفتيق المعرفة حول شيء بالغ الصغر ، أو حول (لا شيء) : فهؤلاء جنود التقدم العلمي ، لكن حظوظهم من إشراقات الحكماء محدودة للغاية ! .
هـ ترتفع درجة المرارة في داخلنا على مقدار فقدنا للحكمة ؛ والنزق والبَرَم الذي نبديه حول كل ما لا يعجبنا سببه جهلنا بالأسباب والجذور والسنن وطبائع الأشياء ومنطق سيرورتها . أما الحكيم : فإن مرارته لا تنبع من مفاجآت الأحداث وفواجعها ، وإنما من غفلة الناس واستخفافهم بالمواعظ التي ألقيت عليهم ، ونبهتهم إلى النهايات المحتومة التي يندفعون إليها دون أي حساب أو تقدير لفداحة الخطب الذي سيواجهونه . إن الآلام التي نشعر بها عند ظهور بعض النتائج تكون مكافئة في العادة للمسرات التي عشناها يوم كانت (عقولنا مستريحة) ومشاعرنا غارقة في عالم الملذات والأوهام ! .
ما ذكرناه من أنوار الحكمة وفضائلها غيض من فيض ، ولا يشف عن محاسنها قول كقول الله
(تبارك وتعالى) : { وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً } [البقرة : 269] .[الأنترنت – موقع صيد الفوائد - أ.د. عبدالكريم بكار]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الخامسة والستون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:*المعنى اللغوي لاسم الله (الحكيم)
في مختار الصحاح:الحكيم العالم وصاحب الحكمة، والحكيم أيضا:المتقن للأمور[ مختارالصحاح1/62]
*وقال المنجد : معني اسم الله " الحكيم " على وزن "
فعيل " ،و(فعيل) ، من الناحية الصرفية : صيغة
مبالغة ، إما من :- وزن " فاعل " ؛ فتكون "حكيم" بمعنى : "حاكم" .
فالله تعالى هو "الحاكم" لخلقه ، لا ينازعه في حكمه (الكوني ـ القدري) أحد .
وهو ـ أيضا ـ "الحاكم" فيهم،بحكمه الشرعي،الذي لا مبدل له ، ولا معقب لأحكامه ، جل سبحانه.
قال الله تعالى :( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ ) الأنعام (57) .فلا راد ولا معقب لحكمه ، قال الله تعالى :( وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) الرعد (41) ، ولا حكم أفضل من حكمه .قال الله تعالى :( وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ) يونس (109) .- أو هو صيغة مبالغة "فعيل" ، بمعنى : "مُفْعِل" ؛ أي : هو (مًحْكِم) .فهو ـ سبحانه ـ قد أحكم خلقه ، وأتقنه ، وأحسنه ، وأجمله .قال الله تعالى : ( صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ) النمل (88) .قال الخطابي رحمه الله تعالى :" الحكيم: هو المحكِم لخلق الأشياء .صُرف عن (مُفْعِل) إلى (فعيل)،كقولهم: أليم بمعنى: مؤلم،وسميع بمعنى: مُسْمِع ...
ومعنى الإحكام لخلق الأشياء ، إنما ينصرف إلى : إتقان التدبير فيها ، وحسن التقدير لها . إذ ليس كل الخليقة موصوفا بوثاقة البنية ، وشدة الأسر ، كالبقة ، والنملة ، وما أشبههما من ضعاف الخلق؛ إلا أن التدبير فيهما ، والدلالة بهما على كون الصانع ، وإثباته ، ليس بدون الدلالة عليه بخلق السموات والأرض والجبال
وسائر معاظم الخليقة .
وكذلك هذا في قوله جل وعز: ( الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ) : لم تقع الإشارة به إلى الحسن الرائق في المنظر ؛ فإن هذا المعنى معدوم في القرد ، والخنزير ، والدب ، وأشكالها من الحيوان ؛ وإنما ينصرف المعنى فيه إلى : حسن التدبير في إنشاء كل شيء مِن خلقه ، على ما أحب أن يُنشئه عليه وإبرازه على الهيئة التي أراد أن يهيئه عليها. كقوله تعالى: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا)". انتهى . "شأن الدعاء" (ص 73 - 74) .والمعنى الثالث : أن (الحكيم) هو : (ذو الحكمة) .قال ابن الأثير: وقيل :الحكيمذو الحكمة ،والحكمة عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم " انتهى من "النهاية في غريب الحديث" (1 / 419) .
والله سبحانه وتعالى لا يتصرف في هذا الكون ولا
يأمر ولا ينهى إلا لحكم عظيمة ، ولا يصدر منه شيئ
خال من الحكمة ؛ لأن الفعل والتصرف الخالي من الحكمة هو فعل وتصرف باطل وعبث ، والله تعالى منزه عن ذلك .قال الله تعالى : ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ) ص (27) .وقال تعالى : ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ) المؤمنون (115) .
فالحاصل ؛ أن اسم الله " الحكيم " يشتمل على عدة معان متلازمة ، لا تناقض بينها ، فيجوز تفسيره بجميع المعاني السابقة ؛ لأن الاسم الواحد الذي تشترك فيه عدة معان ، يجوز تفسيره وحمله على جميع معانيه مالم يمنع من ذلك مانع .[ينظر : "أضواء البيان" للشنقيطي (2 / 19) .]
قال الشيخ السعدي رحمه الله :" ( الحكيم ) : وهو الذي له الحكمة العليا في خلقه وأمره ، الذي أحسن كل شيء خلقه ( وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) . فلا يخلق شيئا عبثا ، ولا يشرع شيئا سدى ، الذي له الحكم في الأولى والآخرة ، وله الأحكام الثلاثة لا يشاركه فيها مشارك ، فيحكم بين عباده ، وفي شرعه ، وفي قدره وجزائه [الأنترنت – موقع الإسلام سؤال وجواب - للمنجد]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة السادسة والستون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:
*(الحـكــيم) اسم من اسماء الله الحسنى
و قد ورد اسم الله ( الحَكيم ) في القرآن الكريم ما يقرب من مائة مرّة ، قال تعالى : ( وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ) ، و قال تعالى : ( وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ ) .و هذا الاسم العظيم دال على ثبوت كمال الحكم لله و كمال الحكمة .
أمّا كمال الحكمة فبثبوت الحكمة له سبحانه في خلقه و في أمره و شرعه ، حيث يضع الأشياء مواضعها و ينزلها منازلها ، و لا يتوجه إليه سؤال و لا يقدح في حكمته مقال .
و أمَّا كمال الحكم فبثبوت أنَّ الحكم لله وحده يحكم بين عباده بما يشاء ، و يقضي فيهم بما يريد ، لا رادَّ لحكمه ، و لا معقِّب لقضائه،قال تعالى : ( إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ ) ، وقال تعالى : ( وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ) و ليس لأحد أن يراجع الله في حكمه كما يراجع الناس بعضهم بعضا في أحكامهم
، قال تعالى : ( وَٱللَّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ ) فحكمه في خلقه نافذ لا رادّ له .
و ثبوت الحكم له سبحانه يتضمّن ثبوت جميع الأسماء الحسنى و الصفات العليا ، لأنه لا يكون حكمًا إلا سميعا بصيرا عليما خبيرا متكلما مدبِّرًا ، إلى غير ذلك من الأسماء و الصفات . [الأنترنت – موقع سلسلة فقه أسماء الله الحسنى (الحكيم) ،مختصر فقه الأسماء الحسنى - لفضيلة الشيخ : عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر]
*اسم الحكيم في القرآن
ورد الاسم عَلَماً مُطلقاً مُعرفاً في القرآن كاسمٍ من أسماء الله الحسنى 38 مرة ، ووردت صفة حكيم 40 مرة.
تكامل اسم الحكيم مع أسماء الله الحسنى:
العزيز الحكيم : جاءت 29 مرة في القرآن الكريم
العليم الحكيم : جاءت أربع مرات ، و الحكيم العليم : جاءت مرتان في القرآن الكريم
الحكيم الخبير : جاءت ثلاث مرات في القرآن الكريم
الملاحظات : جائت أسماء الله الحسنى المطلقة العلم المتكاملة مع اسم الحكيم مقترنة مع ثلاثة أسماء حسنى لله تعالى هي "العزيز و العليم و الخبير" كان ترتيبها على الشكل التالي متكاملا حسب النظم القرآني لها :
جاء اسم العزيز متقدما في الترتيب النظمي للقرآن لاسم الحكيم في كافة الآيات التسعة والعشرون ، و لم يتقدم ترتيب الحكيم على العزيز و لا لمرة واحدة.
أما اسم الحكيم مع اسم العليم فقد تقدم ترتيبه معه مرتين وتأخر عنه أربع مرات.
أما اسم الحكيم مع اسم الخبير فقد تقدمه في كل الحالات الثلاث.
وجاءت صفة مع صفات الذات الإلهية "عزيز - عليم –
واسع - تواب - حميد" على التعداد التالي :
عزيز حكيم : جاءت 18 مرة في القرآن الكريم
عليم حكيم : جاءت 14 مرة ، و حكيم عليم : جاءت 5 مرات في القرآن الكريم ،واسع حكيم : جاءت مرة في القرآن الكريم ،تواب حكيم : مرة في القرآن الكريم
،حكيم حميد : مرة في القرآن الكريم
الملاحظات : في الصفات تأخرت صفة الحكمة ترتيبا بعد صفات عزيز و عليم و واسع و توّاب وتقدمت على صفة عليم خمس مرات وعلى صفة حميد مرة واحدة ، هذه الملاحظات يمكن فهم أسرارها حسب موقع الاسم والصفة في سياق الآية.[ الأنترنت – موقع الموسوعة الحرة - الحكيم (أسماء الله الحسنى)]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة السابعة والستون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:
*تأملات في رحاب الاسم الجليل( الحكيم )
التأمل هنا يكون في ثلاثة معان :
الأول : الله هو الحكم الذي يقضي بين عباده بالحق .
الثاني : الله هو الذي أحكم كل شيء فأوجده على أدق نظام وأحكم إتقان. الثالث :الحكيم ذو الحكمة
تأملات في المعنى الأول : الله هو الحكم
اسمه تعالى الحكيم بمعنى الحاكم الذي يحكم الناس ويمنعهم من الفساد لأنه تعالى أنزل شرائع بها يحكم الناس ويمنع عدوان بعضهم على بعض .
وقد أوجب الله تعالى على عباده تحكيم شرعه في آيات
كثيرة من القرآن منها :
قوله تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً) سورة النساء: 65.
ففي هذه الآية دلالة على أن من ردّ شيئاً من أوامر الله تعالى أو أوامر رسوله صلى الله عليه وسلم فهو خارج من الإسلام ،سواء رده من جهة الشك فيه أو من جهة ترك القبول والامتناع من التسليم .
وقوله تعالى: (ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون) (سورة الجاثية: 18)
وقوله تعالى: (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله) (سورة النساء: 105).
فالغاية العليا من إنزال القرآن، والمقصد الأسمى من
إنزال الكتاب العزيز هو تحكيمه في حياة الناس، وفضّ نزاعاتهم به، وإقامة العدل بينهم بأوامره ونواهيه، وردّ الحقوق بالتزامه، والاهتداء في الحياة كلها بالاستقامة على أحكامه.
*المصلحة تقتضي بوجوب تحكيم الشريعة:
وفي تطبيق الشريعة الإسلامية الخير كلّه، والنفع كلّه، والمصلحة كلّها، والسعادة كلّها؛ لأن مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد .
كما يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: “الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلّها، ورحمة كلّها، ومصالح كلّها، وحكمة كلّها، فكلّ مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدّها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل، فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله صلى الله عليه وسلم أتم دلالة وأصدقها، وهي نوره الذي به أبصر المبصرون، وهداه الذي به اهتدى المهتدون، وشفاؤه التام الذي به دواء كل عليل، وطريقه المستقيم الذي من استقام عليه فقد استقام على سواء السبيل فهي قرة للعيون، وحياة القلوب، ولذة الأرواح، فهي بها الحياة والغذاء والدواء و النور الشفاء والعصمة، وكل خير في الوجود فإنما هو مستفاد منها، وحاصل بها، وكل نقص في الوجود فسببه من إضاعتها، ولولا رسوم قد بقيت لخربت الدنيا وطوي العالم، وهي العصمة للناس وقوام العالم، وبها يمسك الله السموات والأرض أن تزولا، فإذا أراد الله سبحانه وتعالى خراب الدنيا وطي العالم، رفع إليه ما بقي من رسومها، فالشريعة التي بعث الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم هي عمود العالم وقطب الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة” أ.هـ. كلام ابن القيم.
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثامنة والستون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:
*تأملات في رحاب الاسم الجليل( الحكيم )
تأملات في المعنى الثاني : الله هو الذي أحكم كل شيء فأوجده على أدق نظام وأحكم إتقان.
فإنّه سبحانه خلق الخلق بالحقّ، خلق المخلوقات كلّها بأحسن نظام،ورتّبها أكمل ترتيب وأعطى كلّ مخلوق خلقه اللاّئق به ، بل أعطى كلّ جزء من أجزاء المخلوقات ، وكلّ عضو من أعضاء الحيوانات خلقته وهيئته، فلا يرى أحد من خلقه خللا ولا نقصا ولا فطورا.
فلو اجتمعت عقول الخلق من أوّلهم إلى آخرهم ليقترحوا مثل خلق الرّحمن أو ما يقارب ما أودعه في الكائنات من الحسن والانتظام والإتقان لم يقدروا، وأنّى لهم القدرة على شيء من ذلك..
وقد تحدّى عباده أن ينظروا ويكرّروا النّظر والتأمّل هل يجدون في خلقه خللا أو نقصا ؟ وأنّه لا بدّ أن ترجع الأبصار كليلة عاجزة عن الانتقاد على شيء من
مخلوقاته.
ومن حكمته أنه وضع لحيوان البحر من الأعضاء ما يوائمه، ولحيوان البر ما يناسبه والطير في الهواء ما يلزمه.
*الحكمة في إنبات اليقطين على نبي الله يونس عليه السلام
ويتجلى اسم الله الحكيم في قصة نبي الله يونس عليه السلام عندما طُرح بالعراء وأنبت الله عليه اليقطين (القرع ) فقد توجهت الأبحاث لمعرفة مكونات اليقطين ووجد أن لها أثر وقائي وعلاجي.
فسبحان الله الحكيم الذي علم أن يونس عليه السلام مريضاً وضعيفاً منهك القوى.
وقد وجد أن نبات اليقطين يطرد الحشرات خاصة
الذباب، فسبحان الله الحكيم الذي علم أن يونس عليه السلام كان في ظلمات شديدة داخل عصارات بطن الحوت وعدم وصول الشمس إليه فقد خرج من بطنه وأي شي يؤذي جسمه المهتريء وأول ما يؤذيه هو الحشرات وخاصة الذباب، فأنبت عليه شجرة اليقطين.
ووجد بأن كثافة وكبر حجم أوراق اليقطين ظل رائع حتى لا تصل أشعة الشمس الضارة إلى جسده فتتلفه ، ووجد أيضاً أن نبات اليقطين سريع النمو، والإزهار، والإثمار، وثماره تحتوي على المواد الغذائية اللازمة للجسم، وثماره تؤكل خضراء طرية، وتؤكل ناضجة، وقابلة للتخزين من دون تلف لمدة طويلة لسمك جدار الثمرة. لذلك أختار الحكيم سبحانه هذه النبتة فأنبتها على سيدنا يونس عليه السلام.
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة التاسعة والستون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:
.تأملات في المعنى الثالث : حكمة الله جل وعلا
الحِكمة أن نضع الشيء المُناسِب في المكان المُناسِب في الحجم المُناسِب وفي الوقت المُناسِب وبِالقَدْر المُناسِب وبِالأسْلوب المُناسب.
والله هو وحْده الحكيم ولا حكيم سِواه وحكْمة البشَر مُسْتَنْبَطةٌ من حِكْمة الله فقد قال تعالى:﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾.
حكيم أي الموصوف بكمال الحكمة ، وبكمال الحكم بين
المخلوقات ، واسع العلم والإطلاع على مبادئ الأمور وعواقبها، فهو الذي يضع الأشياء في مواضعها ، وينزلها منازلها اللائقة بها في خلقه وأمره، فلا يتوجه إليه سؤال، ولا يقدح في حكمته مقال.
وأوامره ونواهيه محتوية على غاية الحكمة والصلاح والإصلاح للدين والدنيا ، فإنه لا يأمر إلا بما مصلحته خالصة أو راجحة، ولا ينهي إلا عما مضرته خالصة أو راجحة.
ومن حكمة الله أن كلامه حكيم في أسلوبه الرائع وحكيم في هدايته ورحمته وحكيم في إيضاحه وبيانه، وحكيم في كل ما اشتمل عليه. والقرآن أيضاً محكماً لا حشو فيه ولا نقص ولا عيب كما يكون في كلام البشر.
*الحكمة من خفاء فهم الحكم في حكم لله :
خفاء الحكمة من الخلق أو الشرع لا يعني عدمها، وإنما يعني عدم علمنا بها. والقاعدة المقرَّرة: “
أن عدم العلم ليس علمًا بالعدم”. أي: عدمُ علمنا بالحكمة لا يعني أنها معدومة فعلاً، وإنما غايةُ الأمر أننا جهلناها ولم ندركها.
والإيمان بذلك يندرج تحت ركن من أركانِ الإيمان وهو الإيمان بالغيب،فالله تعالى أخفاهاعنّا لحكم أخرى منها:
1– الابتلاء للناس في التسليم بحكمة الحكيم فيما أمر ، وما يترتب على هذا الابتلاء من الفرقان بين الناس، ورفعة المؤمنين وظهور آثار أسماء الله تعالى وصفاته في خلقه.
2ـالرحمة بعقول الناس وإدراكهم، فإن عقل الإنسان
وإدراكه لا يحيط بجميع علوم المخلوقات فضلا عن علم الخالق جلَّ وعلا، وإن معرفة الإنسان بما ينفعه خير له من معرفة ما يضره، فضلا عن معرفة كل ما يعلمه الخالق جلَّ وعلا، ولهذا فإن خفاء بعض الأمور على المخلوق رحمة به، وهو خفاء لا يضره، وإنما الذي يضره أن يخفى عليه ما هو بأمس الحاجة إليه لنجاته في الدنيا والآخرة، وهذا ما قد أرسل الله الرسل ليهدوا الناس إليه ويدلوهم عليه، وجعله الحجة المعتبرة التي يكفر من لا يقبلها ويؤمن بها.
3ـدلالتها على اتساع حكمة الله تعالى وكمالها، مع عجز الإنسان وضعفه عن الإحاطة بجميع حكمة الله تعالى، فهي بينة باهرة ظاهرة في الحكمة المخفية على ظهور كمال حكمة الله تعالى.
فسبحان من جعل في خفاء بعض حكمته ظهورا لكمال حكمته وتمامها!
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة السبعون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:
هل تصح نسبة الشر إلى الله تعالى ؟ وهل يقع في أفعاله شر؟
إن الله سبحانه وتعالى منزَّه عن الشر، ولا يفعل إلا الخير، والقدر من حيث نسبته إلى الله لا شر فيه بوجه من الوجوه؛ فإنه علم الله، وكتابتُه، ومشيئته، وخلقُه، وذلك خير محض، وكمال من كل وجه، فالشر ليس إلى الرب بوجه من الوجوه، لا في ذاته، ولا في أسمائه ولا صفاته، ولا في أفعاله.
ولو فَعَلَ الشر سبحانه لاشتُق له منه اسم، ولم تكن أسماؤه كلها حسنى، ولعاد إليه من الشر حكمٌ تعالى وتقدس.
وإنما الشر يدخل في مخلوقاته ، فالشر في المقضي، لا في القضاء، ويكون شرَّاً بالنسبة إلى محل، وخيراً بالنسبة إلى محل آخر، وقد يكون خيراً بالنسبة إلى المحل القائم به من وجه، كما هو شر من وجه آخر، بل هو الغالب، وهذا كالقصاص، وإقامة الحدود، وقتل الكفار؛ فإنه شرٌ بالنسبة إليهم لا من كل وجه، بل من وجه دون وجه، وخير بالنسبة إلى غيرهم لما فيه من مصلحة الزجر، والنكال، ودفع الناس بعضهم ببعض , وكذلك الأمراض وإن كانت شروراً من وجه فهي خيرٌ من وجوهٍ عديدة.
والحاصل أن الشر لا يُنسب إلى الله تعالى ولهذا ثبت في صحيح مسلم أن النبي ” كان يثني على ربه بتنزيهه عن الشر بدعاء الاستفتاح في قوله “لبيك وسعديك، والخير كله في يديك،والشر ليس إليك،أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت”
ومعناه والشر ليس مما يُضاف إلى الله إفراداً أو قصداً حتى يُقال: يا خالق الشر، ويا مقدر الشر وإن كان الخالق والمقدر لهما جميعاً؛ لذلك أضاف الخضر عليه السلام إرادة العيب إلى نفسه فقال فيما أخبر الله عنه في قوله (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا) سورة الكهف:79.
ولمَّا ذكر الخير والبر والرحمة أضاف إرادتها إلى الله عز وجل فقال :(فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) سورة الكهف: 82.
و قال مخبراً عن إبراهيم عليه السلام أنه قال : (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) سورة الشعراء: 80.
فأضاف المرض إلى نفسه، والشفاء إلى ربه، وإن كان الجميع منه
والحاصل أن الله تعالى لا يُنسب إليه الشر؛ لأنه إن أريد بالشر وضع الشيء في غير موضعه فهو الظلم، ومقابله العدل، والله منزَّه عن الظلم.
وإن أُريد به الأذى اللاحق بالمحل بسبب ذنب ارتكبه فإيجاد الله للعقوبة على ذنب لا يُعد شرَّاً له؛ بل ذلك عدلٌ منه تعالى.
وإن أُريد به عدم الخير، وأسبابه الموصلة إليه فالعَدَمُ ليس فعلاً حتى ينسب إلى الله، وليس للعبد على الله أن يوفقه، فهذا فضل الله يؤتيه من يشاء، ومنع الفضل ليس بظلم ولا شر.[الأنترنت – موقع الراشدون - شرح أسماء الله الحسنى ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الواحدة والسبعون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:
*الآثار الإيمانية لاسم الله الحكم –الحكيم
1) أن الحكم لله وحده لا شريك له في حكمه، كما لا شريك له في عبادته، قال تعالى :{وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا [الكهف: 26]
وقال جل شأنه {وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [القصص: 70].
وقال{وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ}[الشورى: 10].
وقال ابن الحصار: وقد تضمن الاسم (الحكم ) جميع الصفات العلى والأسماء الحسنى، إذ لا يكون حكماً إلا سميعاً بصيراً عالماً خبيراً إلى غير ذلك، فهو سبحانه الحكم بين العباد في الدنيا والآخرة في الظاهر والباطن، وفيما شرع من شرعه، وحكم من حكمه وقضاياه على خلقه قولاً وفعلاً، وليس ذلك لغير الله تعالى، ولذلك قال وقوله الحق: {لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }[القصص: 70].وقال: الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ [هود: 1]. فلم يزل حكيماً قبل أن يحكم، ولا ينبغي ذلك لغيره
قال الشنقيطي : مسألة : اعلم أن الله جل وعلا بين
في آيات كثيرة، صفات من يستحق أن يكون الحكم له، فعلى كل عاقل أن يتأمل الصفات المذكورة، التي سنوضحها الآن إن شاء الله، ويقابلها مع صفات البشر المشرعين للقوانين الوضعية، فينظر هل تنطبق عليهم صفات من له التشريع.-سبحان الله وتعالى عن ذلك-.
وإن ظهر يقيناً أنهم أحقر وأخس وأذل وأصغر من ذلك، فليقف بهم عند حدهم، ولا يجاوزه بهم إلى مقام الربوبية.سبحانه وتعالى أن يكون له شريك في عبادته، أو حكمه أو ملكه.
فمن الآيات القرآنية التي أوضح بها تعالى صفات من له الحكم والتشريع قوله هنا: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} ثم قال مبيناً صفات من له الحكم {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الشورى: 10 – 12].
فهل في الكفرة الفجرة المشرعين للنظم الشيطانية، من يستحق أن يوصف بأنه الرب الذي تفوض إليه الأمور، ويتوكل عليه، وأنه فاطر السماوات والأرض أي خالقهما ومخترعهما، على غير مثال سابق، وأنه هو الذي خلق للبشر أزواجاً، وخلق لهم أزواج الأنعام الثمانية المذكورة في قوله تعالى: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ }الآية، وأنه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }وأنه {لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}، وأنه هو الذي {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ }أي يضيقه على من يشاء وَهُوَ {بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} فعليكم أيها المسلمون أن تتفهموا صفات من يستحق أن يشرع ويحلل ويحرم، ولا تقبلوا تشريعاً من كافر خسيس حقير جاهل......
2) الله سبحانه يحكم ما يريد، وما يشاء هو وحده لا شريك له.
قال سبحانه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ [المائدة: 1].
فالله سبحانه يقضي في خلقه ما يشاء من تحليل ما أراد تحليله، وتحريم ما أراد تحريمه، وإيجاب ما شاء إيجابه عليهم، وغير ذلك من أحكامه وقضاياه. وله الحكمة البالغة في ذلك كله.
وليس لأحد أن يراجع الله في حكمه، كما يراجع الناس بعضهم البعض في أحكامهم، قال تعالى {وَاللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [الرعد: 41]، فحكمه في الخلق نافذ، ليس لأحد أن يرده أو يبطله.
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثانية والسبعون في موضوع الحكمة وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:
*الآثار الإيمانية لاسم الله الحكم –الحكيم
3) كلام الله حكيم ومحكم، وكيف لا يكون بهذه الصفة وهو كلام أحكم الحاكمين ورب العالمين.
وقد وصف الله القرآن العظيم (وهو كلامه المنزل على
محمد صلى الله عليه وسلم) بأنه حكيم ومحكم في ثمان آيات منها قوله تعالى {الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود: 1].وقوله {الم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ }[لقمان: 1-2].وقوله {يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} [يس: 1-2].
وحكمة الله تقتضي أن يكون القرآن حكيماً ومحكماً، لأنه الكتاب الذي ليس بعده كتاب، ولأنه الكتاب الذي أنزله الله ليكون تشريعاً عاماً لكل مجتمع بشري ولكل فرد من أفراده، حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
فالقرآن حكيم في أسلوبه الرائع الجذاب، وحكيم في هدايته ورحمته، وحكيم في إيضاحه وبيانه، وحكيم في تشريعاته وحكيم في كل أحكامه، وحكيم في أمره ونهيه، وحكيم في ترغيبه وترهيبه، وحكيم في وعده ووعيده، وحكيم في أقاصيصه وأخباره، وحكيم في أقسامه وأمثال، وحكيم في كل ما اشتمل عليه، بل هو فوق ذلك وأعظم من ذلك.
والقرآن أيضاً محكم فلا حشو فيه، ولا نقص ولا عيب كما يكون في كلام البشر، الله أكبر ما أعظم هذا القرآن، لقد بلغ الغاية في البهاء والجمال والكمال
4) والإيمان بما سبق يقتضي تحكيم كتاب الله جل شأنه بيننا، لأنه لا يوجد كتاب مثل القرآن حكيماً في كل شيء ؛لأن ما شرعه الله سبحانه لعباده من الأحكام والمعاملات والقصاص والحدود وتقسيم المواريث وما يتعلق بالأحوال الشخصية في القرآن الكريم هي في منتهى الحكمة، لأنها تشريع الحكيم العليم سبحانه، الذي لا يدخل حكمه خلل ولا زلل، ولأنها قضاء من لا يخفى عليه مواضع المصلحة في البدء والعاقبة،وقد نبه الله سبحانه عباده لهذا بقوله {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ }[المائدة: 50]، وقوله أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ [التين: 8].
ولذا فإنك تجد آيات الأحكام كثيراً ما تشتمل خواتيمها على اسمه (الحكيم)، ومن الأمثلة على ذلك:
قوله {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} إلى قوله{فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا}[النساء: 11].
وقوله في القتل الخطأ {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا إلى قوله وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}[النساء: 92] وقوله {وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا }[النساء: 130]...وغيرها من الآيات.
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثالثة والسبعون في موضوع الحكمة وستكون إستكمالا للماضيتين والتي هي بعنوان:
*الآثار الإيمانية لاسم الله الحكم –الحكيم
5) وقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يحكم بين الناس بما أنزل إليه من الأحكام الربانية، وأن يترك ما سواها من الآراء والأهواء، قال تعالى {فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ} [المائدة: 48].وقال تعالى {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ }[المائدة: 49].
ولم يكن هذا الأمر لمحمد صلى الله عليه وسلم خاصة، وإنما هو ما أمرت به جميع الرسل من قبله، يبين هذا قوله تعالى {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ
فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ }[البقرة: 213].وقوله {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ }[المائدة: 44].
والمؤمنون يرضون بحكم الله، قال سبحانه {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا }[النور: 51].
أما من لم يرض بذلك وترك تشريع الحكيم العليم، وأخذ بآرائه وما يمليه عليه عقله من أفكار، أو اتبع أهواءه وما تشتهيه نفسه، فقد وقع في هاوية الكفر أو الظلم أو الفسق التي حكم الله بها عليه.
قال سبحانه {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ }[المائدة: 44].
وقال {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}
[المائدة: 45].وقال{وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }[المائدة: 47].
6) الله سبحانه يؤتي حكمته من يشاء: كما قال عن نفسه جل ثناؤه {يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا }[البقرة: 269].
وقد تنوعت عبارات المفسرين في تأويل قوله تعالى يُؤْتَ الْحِكْمَةَ وقد تقدم فأغنى عن تكريره في هذا الموضع.فإذا كان ذلك كذلك معناه، كان جميع الأقوال التي قالها القائلون الذين ذكرنا قولهم في ذلك، داخلاً فيما قلنا من ذلك، لأن الإصابة في الأمور، إنما تكون عن فهم بها وعلم ومعرفة، وإذا كان ذلك كذلك، كان المصيب عن فهم منه بمواضع الصواب في أموره، فهو خاشياً لله عالماً، وكانت النبوة من أقسامه لأن الأنبياء مسددون مفهمون وموفقون لإصابة الصواب في الأمور، والنبوة بعض معاني الحكمة.
فتأويل الكلام: يؤتي الله إصابة الصواب في القول والفعل من يشاء، ومن يؤته الله ذلك فقد أتاه خيراً كثيراً. اهـ
7) وقد جاء في الحديث ما يدل على أنه من أوتي الحكمة ينبغي أن يغبط لعظم هذه النعمة عليه وهو قوله صلى الله عليه وسلم (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، وآخر آتاه الله حكمه فهو يقضي بها ويعلمها)
وقد ذكر الله في كتابه بعض الذين آتاهم الحكمة وأكثرهم من الأنبياء فامتن على محمد صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله {وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ
وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا }[النساء: 113].
وعلى آل إبراهيم صلوات الله عليهم أجمعين {فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا} [النساء: 54].وعلى عيسى عليه السلام {وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ }[المائدة: 110].
وعلى داود عليه السلام {وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء }[البقرة: 251].
وعلى لقمان العبد الصالح {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} [لقمان: 12]. والله سبحانه أعلم حيث يجعل حكمته.
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الرابعة والسبعون في موضوع الحكمة وستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان:
*الآثار الإيمانية لاسم الله الحكم –الحكيم
8) خلق الله سبحانه محكم لا خلل فيه ولا قصور. قال تعالى {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ }[النمل: 88].
وقال {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ} [تبارك: 3].أي خلقهن طبقة بعد طبقة مستويات ليس فيها اختلاف ولا تنافر ولا نقص ولا عيب، ولهذا قال تعالى {فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ} أي انظر إلى السماء فتأملها هل ترى فيها عيباً أو نقصاً أو خللاً أو فطوراً وشقوقاً، ثم قال تعالى {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ} أي مهما كررت البصر مرتين أو أكثر لرجع إليك البصر خاسئاً عن أن يرى عيباً أو خللاً، وهو حسير أي كليل قد انقطع من الإعياء من كثرة التكرر ولا يرى نقصاً ...
9) إن الله سبحانه خلق الخلق لحكمة عظيمة، وغاية جليلة، وهي عبادته تبارك وتعالى حيث قال{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ }[الذاريات: 56-58].
ولم يخلقهم عبثاً وباطلاً كما يظن الكفار والملاحدة، قال تعالى {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ}[ص: 27].
وقال سبحانه {مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى }[الأحقاف: 3].
وقال عز من قائل {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ }[المؤمنون: 115].
وجعل يوم القيامة موعدا لهم، يرجعون إليه {ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى}
10) كراهة التكني بأبي الحكم: فعن هانئ بن يزيد أنه لما وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومه سمعهم يكنونه بأبي الحكم فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (إن الله هو الحكم، وإليه الحكم، فلم تكنى أبا الحكم؟ فقال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم فرض كلا الفريقين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أحسن هذا. فما لك من الولد؟ قال: لي شريح ومسلم وعبد الله. قال: فمن
أكبرهم؟ قلت: شريح. قال: فأنت أبو شريح)
فتغيير النبي صلى الله عليه وسلم لكنية الصحابي دليل على كراهته التكني بهذا الاسم أو التسمي به.
قال ابن الأثير: وإنما كره له ذلك لئلا يشارك الله تعالى في صفته [الأنترنت – موقع الدرر السنية ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الخامسة والسبعون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:*الدعاء باسم الله الحكيم دعاء مسألة:
"ورد دعاء المسألة بالاسم المطلق في قوله تعالى:
{ رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [الممتحنة:5]، وقوله عز و جل { رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ التِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [غافر:8]، وقوله: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [البقرة:129]، وقوله: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [البقرة:260]، وقوله عن الملائكة: { قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [البقرة:32]، وقوله تعالى عن نبيه يعقوب عليه السلام { قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ } [يوسف:83 .
_ وعند مسلم من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما : ( أَنَّ النبي صلى الله عليه و سلم- تَلاَ قَوْلَ اللهِ عز و جل في إِبْرَاهِيمَ: { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [إبراهيم:36]، وَقَالَ عِيسَى عليه السلام { إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [المائدة:118]، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقال: اللهُمَّ أمتي أمتي وَبَكَى، فَقَالَ اللهُ عز و جل: يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَرَبُّكَ أَعْلَمُ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ؟ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ، سَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم بِمَا قَالَ، وَهُوَ أَعْلَمُ، فَقَالَ اللهُ: يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ في أُمَّتِكَ وَلاَ نَسُوءُكَ ) ، وعنده من حديث مصعب بن سعد رضي الله عنه عن أبيه أنه قال: ( جَاءَ أعرابي إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه و سلم فَقال: عَلِّمْنِي كَلاَمًا أَقُولُهُ، قال: قُل لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالحَمْدُ للهِ كَثِيرًا، سُبْحَانَ اللهِ رَبِّ العَالَمِينَ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ، قال: فَهَؤُلاَءِ لِرَبِّي، فَمَا لي؟ قال: قُلِ اللهُمَّ اغْفِرْ لي وارحمني وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي)الراوي: سعد بن أبي وقاص المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2696 خلاصة حكم المحدث: صحيح
سؤال الله عز وجل الحكمة لأنه سبحانه هو مالكها ومسديها مع بذل الأسباب في تحصيلها بالعلم النافع، والعمل الصالح، قال الله سبحانه: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ ) [البقرة: 269].
يقول الشيخ السعدي - رحمه الله تعالى - عند هذه الآية: «والحكمة هي: العلوم النافعة، والمعارف الصائبة، والعقول المسددة، والألباب الرزينة، وإصابة الصواب في الأقوال والأفعال، وهذا أفضل العطايا، وأجل الهبات، لأنه خرج من ظلمة الجهالات إلى نور الهدى، ومن حمق الانحراف في الأقوال والأفعال، إلى إصابة الصواب فيها، وحصول السداد، ولأنه كمل نفسه بهذا الخير العظيم، واستعد لنفع الخلق أعظم نفع، في دينهم ودنياهم. وجميع الأمور لا تصلح إلا بالحكمة، التي هي: وضع الأشياء في مواضعها، وتنزيل الأمور منازلها، والإقدام في محل الإقدام، والإحجام في موضع الإحجام، ولكن ما يتذكر هذا الأمر العظيم، وما يعرف قدر هذا العطاء الجسيم إلا أهل العقول الوافية، والأحلام الكاملة، فهم الذين يعرفون النافع فيعملونه، والضار فيتركونه، وهذان الأمران، وهما: بذل النفقات المالية، وبذل الحكمة العلمية، أفضل ما تقرب به المتقربون إلى الله، وأعلى ما وصلوا به إلى أجل الكرامات، وهما اللذان ذكرهما النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يعلمها الناس)» (تفسير السعدي)
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة السادسة والسبعون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:*الدعاء باسم الله الحكيم دعاء عبادة
و دعاء العبادة هو : اختيار العبد لمنهج الله هاديا دليلا، ويسعد به ولا يرضى عنه بديلا، لعلمه ويقينه أنه الأعلى شأنا والأسمى كمالا، بل لا وجه للمقارنة بين منهج مِن وضع العبد ،وآخر من وحي خالقه الحكيم، فالذي وحد الله في اسمه الحكيم هو العبد الرباني المؤمن النقي التقي الولي الذي يسمع بسمع الله، ولا يسمع إلا ما يرضيه، ويبصر بنور الله، فلا يرى إلا ما يرضيه .
*كيفية التعبد لله بصفة الحكم
أولاً: لا بد أن يعلم أن الحُكم حُكمان: حكم كوني
وحكم شرعي، فالحكم الكوني لا بد أن يقع، ولا مرد له، ولا يستطيع أحد أن يرده على الله جل في علاه! والحكم الكوني يقع فيما يحبه الله وفيما لا يحبه الله جل في علاه، كوجود إبليس. وحكم الله الكوني يقع حتماً فلا مرد له، ويمكن أن يمثل له بقصة سعد بن معاذ رضي الله عنه وأرضاه حين قال: اللهم لا تمتني حتى تقر عيني في بني قريظة، فحكمه الله فيهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهم: (تنزلون على حكم سعد ؟)، قالوا: ننزل على حكم سعد ، أخ كريم، فأشار إليهم فقال: تنزلون على حكمي؟ قالوا: ننزل على حكمك. ثم نظر ناحية النبي صلى الله عليه وسلم تأدباً منه ولم يشر، فقال: أترضون بحكمي؟ -يقصد بذلك: رسول الله صلى الله عليه وسلم- فقال: (اللهم نعم) فقال: تقتل مقاتلتهم، وتسبى نساؤهم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات) ، فهذا حكم لا مرد له بحال من الأحوال.
والحكم الثاني هو: الحكم الشرعي، ولا يكون إلا فيما يحبه الله.
إذاً: الفرق بينه وبين الكوني أن الحكم الكوني يقع فيما يحبه الله وفيما لا يحبه، وأما الحكم الشرعي فيكون فيما يحبه الله جل في علاه فقط، وقد يقع وقد لا يقع، بمعنى أنه يمكن أن يقبله الناس ويمكن أن يردوه. وقد جلى الله جل في علاه هذا الصنف بقوله سبحانه وتعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا }[النساء:60]، فقد أنزل الله لهم الحكم من فوق سبع سماوات وما رضوه، بل ردوه على الله جل في علاه. فلا بد أن تعتقد اعتقاداً جازماً أن الحكم لله جل في علاه حكم كوني وحكم شرعي، وإذا أردت أن تتعبد وتمحص النظر في هذه الصفة فلا بد لك أن تعلم أن حكم الله تعالى له شقان: شق الدنيا، وشق الآخرة، أما شق الدنيا فلابد أن تعلم أن الله حكم عدل، وأن الله جل في علاه إذا حكم بين العباد وفصل بينهم فصل بينهم بالقسط وبالعدل، فإن مقتضى حكم الله تعالى نشر العدل ومنع الظلم ونشر البر ومنع الفساد، بل كل المصالح الدنيوية والأخروية نابعة عن حكم الله الشرعي فإذا أردت أن تتعبد لله بحكمه الكوني فما اختلفت في شيء مع أحد أو تنازعت معه في شيء فلا بد عليك لزاماً أن ترجع إلى حكم الله تعالى؛ فإن الله يحب أن يرى أثر هذه الصفة عليك، فإن كنت ممن يعتقد اعتقاداً جازماً أن أحقية الحكم لا تكون إلا لله جل في علاه، فإن تنازعت في شيء جليل أو دقيق فمرجعه إلى الله، وعليك أن تستحضر في ذلك قول الله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ }[الشورى:10]، وقول الله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59].
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة السابعة والسبعون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:
*أمثلة من تسليم الصحابة لحكم الله عز وجل
والرجوع إلى الله ليحكم بين المرء وبين من اختلف معه -إما بكتاب الله وإما بسنة النبي صلى الله عليه وسلم- كان واقعاً عاشه الصحابة الكرام، ولذلك كتب الله لهم القيادة والريادة والسيادة، وكان هذا الرعيل هو الذي ارتقى عند ربه لأنه طبق هذه الصفة أيما تطبيق، فهؤلاء الصحابة كانوا إذا تنازعوا فيما بينهم ردوا الأمر إلى الله وردوا الأمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، عملاً واعتقاداً بأن الحَكمَ العدل هو الله جل في علاه، وأن الحُكم كله لله لا يرجع للقبائل ولا للقوانين الوضعية، ولا يرجع إلى شيء عدا الله جل
في علاه.فعندما حدثت المشاحة بين أبي بكر وعمر رّدا هذا النزاع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهما مقران في نفسيهما بأن الله حَكَم عدل، ولا بد من التسليم لحكمه؛ عملاً بقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36]، وعملاً بقول الله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65].
فيا أخي الكريم! هل جلست مع نفسك عندما تنازعت مع إخوانك؟ فإن الشيطان الذي يئس أن يعبد في جزيرة العرب لم ييئس أن يحرش بين الإخوة المسلمين الملتزمين بدين الله جل في علاه، فهل عندما حدث التنازع رددت نفسك إلى ربك جل في علاه؟ هل رددت نفسك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هل عملت وتعبدت لربك بصفة الحُكم لله جل في علاه؟ إن فعلت ذلك فأنت من السعداء، فأنت الذي اصطفاك الله جل في علاه؛ لتعتقد هذا الاعتقاد الصحيح، بل وتترجمه حياة واقعة كما فعله الصحابة الذين أنزل الله عدالتهم من فوق سبع سماوات، فهذا أبو بكر حدثت بينه وبين عمر مشاحة، فاشتد أبو بكر على عمر ؛ لأنه كان فيه حدة على رقة قلبه، ثم تراجع فذهب إلى عمر يستسمح، فـعمر أبى على أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، فقال: يفصل بيننا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فهو يستحضر أن الحكم الصحيح الذي سينفذ على أبي بكر وعلى عمر ويكون على رأس أبي بكر ويكون على رأس عمر هو حكم الله جل في علاه، كما قال جل وعلا: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65]، فذهب أبو بكر متنازعاً مع عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعندما رآه رسول الله وهو حاسر عن ركبته، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن صاحبكم قد غامر)، فلما كشف له عن حقيقة الأمر وجاء عمر تمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبادئ ذي بدء قد يقول الإنسان: كيف يستعدي أبو بكر رسول الله على عمر وهو الذي أخطأ في حق عمر ، فيمكن للأغرار الأغمار الذين لا ينظرون بعمق النظر أن يقولوا ذلك، لكن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن سابقة أبي بكر ، وأن فضل أبي بكر يسبق عمر بمراحل، فـعمر نفسه كان يقول: ليتني شعرة في صدر أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه! فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يفصل في النزاع، فانظروا كيف التسليم
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثامنة والسبعون في موضوع الحكمة وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:
*أمثلة من تسليم الصحابة لحكم الله عز وجل
(المشاحة بين أبي بكر وعمر)
ولذلك من أروع ما قال ابن القيم في هذه الآية: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }[النساء:65]، قال: الإيمان لا يوجد إلا بثلاث خصال: الأولى: أن يحكم الله ورسوله في النزاع، فإن حكّم غير الله وغير الرسول فليس بمؤمن.
والثانية: ألا يجد في نفسه حرجاً؛ فإن وجد في نفسه حرجاً بعدما سمع حكم الله وحكم الرسول فليس بمؤمن.
الثالثة: أن يسلم تسليماً، فإن لم يجد من نفسه التسليم لحكم الله وحكم رسوله فليس بمؤمن.
فانظروا إلى الصحابة كيف كانوا يطبقون هذه الصفة، فلما دخل عمر تمعر وجه النبي صلى الله عليه وسلم وفصل في النزاع فقال: (هلّا تركتم لي صاحبي؟! قلتم: كذب، وقال: صدق، وواساني بأهله وماله، سدوا عني كل خوخة إلا خوخة أبي بكر) ، فرضي عمر بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الصحابة بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلموا تسليماً، قال الراوي: فما رؤي أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه حزيناً أبداً، كان يشتد على من يشتد عليه ويقول: يغفر الله لك يا أبا بكر .
وقد حدث أن أبا بكر اشتد على بعض الأنصار ثم قال له: اقتص مني، فقال الأنصاري: يغفر الله لك يا أبا بكر ! ولم يرد عليه، تسليماً لحكم رسول الله؛ ولأنه علم مكانة أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، فقال له: اقتص مني وإلا استعديت عليك رسول الله، فقال بعض الأنصار: هو يشتد عليك ويستعدي عليك رسول الله؟ والله لنذهبن معك عند رسول الله ولنستعدين رسول الله عليه، فقال لهم الأنصاري: اصمتوا، لعل أبا بكر يسمعكم فيغضب، فيغضب رسول الله لغضب صاحبه، فيغضب الله لغضب رسوله فيهلك صاحبكم. انظروا إلى التسليم وإلى فصل النزاع من رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما فصل القضية، فـأبو بكر لا يقال له إلا: يغفر الله لك، أبو بكر لا بد أن يوضع على الرءوس، أبو بكر هو الإمام والقدوة ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته: (ائتوني بكتاب حتى لا يقول قائل) ، يعني: حتى لا يقول قائل: أنا أحق بها، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا، يأبى الله ويأبى المؤمنون إلا أبا بكر).
ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حكم الله عندما أراد أن يكتب الخليفة، ورجع إلى حكم الله الكوني؛ لأنه ركن إلى أن الله جل وعلا لا بد أن يمكن لأبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، وهذا هو الذي حدث، فقد مكن الله لأبي بكر رضي الله عنه وأرضاه.
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة التاسعة والسبعون في موضوع الحكمة وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:
*أمثلة من تسليم الصحابة لحكم الله عز وجل
ومن أروع الأمثلة في ذلك ما حدث لـبلال وأبي ذر لما تنازعا وحدث الشجار بينهما، ونحن نقول: حصل ذلك وهم صحابة رسول الله لأنهم بشر، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولأتى بقوم يذنبون ثم يستغفرون فيغفر لهم) ، فالناس جبلوا على الوقوع في الخطأ، لكن الله جل وعلا يتداركهم برحمته فيتوبون إليه.
فنظر أبو ذر إلى بلال فقال: يا ابن السوداء! عيره بأمه ؛ لأنه من الحبشة، فهذه مشاحة حدثت بين أبي ذر وبين بلال ، فرأى بلال أن يرد الحكم لرسول الله؛ لقول الله عز وجل: { إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لله }[الأنعام:57]، وهو إذا رد الحكم إلى رسول الله فقد رده إلى الله؛ لأن رسول الله لا يحكم إلا بحكم الله وبوحي منه، فذهب بلال فاشتكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففصل النبي صلى الله عليه وسلم في النزاع بين صحابته فقال: (يا أبا ذر ! قلت له: يا ابن السوداء؟ عيرته بأمه؟! إنك امرؤ فيك جاهلية)، فرضي أبو ذر بحكم النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يجد غضاضة في قلبه، وسلم تسليماً، فجاء إلى محفل من الصحابة وفيهم بلال رضي الله عنه وأرضاه فتقدم إلى بلال فوضع خده على التراب، ثم قال لـبلال : والله! لا أرفع خدي عن التراب حتى تطأ خدي! هكذا يسلم لرسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: (إنك امرؤ فيك جاهلية)، فقال: أرد ذلك بالتواضع لأخي في الله، عملاً بقول الله تعالى: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [المائدة:54]. فانظروا إلى جميل صنيعهم عندما يتعبدون لله بصفة الحكم.
وهناك قصة طريفة جاءت أيضاً في أمر التسليم تبين أن أمر التسليم لحكم الله وحكم الرسول هو مكمن الإيمان، وإن كان السند ضعيفاً، لكن يستأنس بها: فقد جاء منافق ويهودي يتحاكمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم بعدما نظر في دعوى الخصمين، حكم لليهودي؛ لأن ديننا حَكَمٌ عدل، ورسولنا حَكَمٌ عدل، فحكم لليهودي، فلم يرض المنافق بحكم رسول الله، فقال: لا أرضى، نذهب إلى أبي بكر ، فذهبوا إلى أبي بكر ، فـأبو بكر بعدما نظر إلى دعوى الخصمين حكم لليهودي، وهو لم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حكم لليهودي؛ لأن الدين واحد، فقال: لا أرضى إلا بحكم عمر ، فذهبا إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، فقال عمر : أحكم بينكما رسول الله؟ قالا: نعم، قال اليهودي: فلم يرض بحكم رسول الله، قال: ولم يرض؟ قال: نعم، فقال لليهودي: ترضى بحكمي؟ قال: أرضى بحكمك، ثم قال للمنافق: ترضى بحكمي؟ قال: أرضى بحكمك، قال: انتظروني هنيهة، فدخل فاستل سيفه، ثم خرج فقطع رقبة المنافق. لأن الله تعالى يقول: {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65]، فلما لم يوجد التسليم لرسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المنافق كان هذا دليلاً على عدم الإيمان في القلب، ولهذا قطع عمر رأسه.
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثمانون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:*حُكم الله عز وجل بين عباده يوم القيامة
أما الحكم الأخروي: فما منا من أحد إلا يعلم أن الله سيحكم بين العباد بعدما يكلم كل إنسان منا، كما قال عليه الصلاة والسلام: (ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أمامه فلا يرى إلا النار، فيقول: هلكت هلكت، فيقول الله تعالى: عبدي! تذكر ذنب كذا؟ فيقول: نعم. فيقول: عبدي! تذكر ذنب كذا؟ فيقول: اللهم نعم. عبدي! تذكر ذنب كذا؟ فيقول: اللهم نعم. ثم يقول: قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم).
ثم لايمكن لأحد كتب الله له الجنة أن يمر على الصراط إلى بعد التنظيف؛لأن الله أبى أن تدخل الجنة إلانفس مؤمنة، فيقفون على الصراط فيبدأ التحاكم إلى الله جل في علاه، كما في مسند أحمد بسند صحيح من حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لله ثلاثة دواوين : ديوان لا يغفره أبداً، وديوان لا يتركه أبداً، وديوان هو في مشيئة الله جل في علاه)، أما الديوان الذي في مشيئة الله فهو ديوان الذنوب، وقد قال فيه الله جل في علاه: (عبدي قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم)، وأما الديوان الثاني الذي لا يغفره الله أبداً فديوان الشرك، فالذين يشركون بالله فإنهم لا يغفر لهم أبداً، بل يخلدون في نار جهنم، وأما الديوان الثالث فديوان لا يتركه أبداً -وهو محل الشاهد في صفة التحاكم- الفصل بين العباد، فإن الله لا يترك عبداً انتهك حرمة أخيه، أو عبداً سرق أو زنى أو اغتاب، فوصل ضرره لأخيه إلا وسيقتص منه يوم القيامة، فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى شاتين تنتطحان، فقال : ( تعلم لم تنتطحان؟ قال: الله ورسوله أعلم. فقال له: الله يعلم وسيقتص منهما)، والنبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث يبين أن الشاة الجلحاء ستقتص من الشاة القرناء يوم القيامة، فالله يجعل هذا القصاص بين الحيوانات، فما
بالكم بما بين البشر؟
وأجلى من ذلك ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (من كان له عند أخيه مظلمة فليتحلل منه اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم، إنما هي الحسنات والسيئات)، وأول القصاص يوم القيامة ما يكون في الدماء، فإن الله يقضي بين العباد في الدماء، ثم بعد ذلك في المظالم، سواء أكانت السب أو الغيبة أو كانت الزنا، أو الطعن في العرض، أو غير ذلك من المظالم، فإن الله حَكَمٌ عدل وسيفصل بين العباد. ولذلك ترى الصحابي الجليل أبا هريرة عندما روى الروايات عن رسول الله، قالوا: أكثر علينا أبو هريرة ، فقال: قالوا: أكثر علينا أبو هريرة والله الموعد، يعني: موعدنا عند الله أي: أن الله جل وعلا سيفصل في هذا، وينظر هل أكثرت على رسول الله كذباً أم كان هذا بالحق وبالسماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعند الله تجتمع الخصوم. هذا الحكم الثاني وهو حكم الآخرة.
فإن علمت ذلك فلا بد أن تتحرى ترك كل غيبة وكل نميمة، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (لا يدخل الجنة نمام)، فكل انتهاك لعرض أخ من إخوانك لا بد أن ترد هذا الانتهاك، ولست معاباً أن تخطئ؛ لأن كل البشر يخطئون، لكن العيب كل العيب أن تصر على خطئك، وتتكبر ولا ترجع عن خطئك، ولذلك بين الله جل في علاه أن الذين لا يصرون على الأخطاء هم المغفور لهم فقال: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135]، فليس المهم ألا يقع الإنسان في الخطيئة فإننا كلنا نخطئ في حق الله، لكن أفضل الناس وخيرهم التواب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون). نسأل الله جل في علاه أن يجعلنا جميعاً من التوابين، وعلينا أن نستحضر دائماً في قلوبنا حكم الله بيننا، فإن كانت مظلمة بيننا وبين إخواننا فعلينا أن نردها في هذه الدنيا؛ لأن الله الموعد، وعنده تجتمع الخصوم.
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الواحدة والثمانون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:
*كيفية التعبد لله بصفة الحكمة
وحكمة الله جل في علاه لا بد أن يستحضرها المرء في قلبه، يرى عطاء الله فيقول: إن الله لم يعط فلاناً إلا لحكمة، ولم يمنع فلاناً إلا لحكمة، ولم يرفع أقواماً ولم يخفض آخرين إلا لحكمة، ولم ينزع الملك من أقوام إلا لحكمة، ولم يؤت الملك لأقوام آخرين إلا لحكمة جليلة عظيمة، ألم تر أن الله قد عاب على من رد حكمة الله فيقول مثلاً: خلقت وما أدري لم خلقت؟! ومن أين جئت؟! أو أين أذهب؟! قال الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، واللام هنا تسمى لام تعليل، ويعبدون من الأفعال الخمسة التي تنصب بحذف النون، وهذه النون ليست نون الرفع وإنما هي نون الوقاية.
إذاً: الحكمة من الخلق العبادة، وكأن الله جل وعلا يقول: خلقت الجن والإنس لأمر جسيم، ولأمر مهم، وهو العبادة، ولذلك استنبط العلماء من هذه الآية أن الجن مكلفون: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]. فحكمة الله لا بد أن ينظر لها العبد حتى يتعبد بها لله جل في علاه، ولا بد أن ينظر في أفعال الله ويقول: ما كانت إلا عن حكمة لله جل في علاه. فهذا يصل بالمرء إلى ألا يتسخط على أقدار الله، كما فعل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه؛ فإنه كان يصبح وهمه في قدر الله، ولذا قال: ما فرحت بشيء إلا فرحت بقدر الله جل في علاه. والعبد إذا استحضر حكمة الله فيما يتنزل عليه من بلايا ومن سراء وضراء ومن خير وشر فإنه ستكون عاقبته إلى خير، وقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له) ، فنصف الدين الشكر، والنصف الآخر هو الصبر، ويتقلب العبد بين الشكر والصبر بنظره إلى حكمة الله، وأن أفعال الله خاضعة لحكمته جل في علاه، فينظر إلى الواقع الذي عاشه الصحابة وهم يطبقون هذه الصفة تعبداً لله، فانظر هل خلق الله عز وجل إبليس عبثاً أم لحكمة؟ إن الله ما خلق إبليس إلا لحكمة، وهذا يمنع المرء من أن يتسخط على أقدار الله، ويمنع المرء من الشطط ومن الغلو والجفاء، فلا يكون في باب القدر قدرياً ولا جبرياً، والفرق بين الجبرية والقدرية: أن القدرية قالوا: العبد يخلق فعل نفسه، والله لا يخلق فعل العبد، وأما الجبرية فقالوا: إن الله خلق أفعال العباد جميعاً، وكلهم مطيع وعاصٍ تحت أمر الله جل في علاه، فكلهم مجبورون لله جل في علاه، ولذلك قالوا:
ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء
فإذا تعبد العبد بصفة الحكمة لله جل في علاه لن يوافق القدرية، ولا الجبرية؛ لأنه سيرى أن الله جل وعلا حكيم عليم، هدى أناساً بحكمته وعلمه وفضله، وأضل أناساً بحكمته وعلمه وعدله، كما قال عز وجل: فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ
[النحل:36].
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثانية والثمانون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:
*تجلي حكمة الله عز وجل في خلق إبليس وإنظاره إلى يوم القيامة
إن المرء إذا نظر إلى حكمة الله جل في علاه لم يتعجب كيف ترك الله إبليس يؤذي المؤمنين، ويحرش بينهم، ويعيث في الأرض فساداً، فيقول: إن الله ما تركه يفعل ذلك إلا لحكمة، وإن الله لم يخلق شراً محضاً، فإبليس رد أمر الله، واستكبر في الأرض، ثم أقسم ليغوين عباده أجمعين، كما قال الله تعالى: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ [البقرة:34]، ثم رد حكمة الله، ورد الأمر فقال: خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [الأعراف:12]، وقال: أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا * أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء:61-62]، وقال: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [ص:82]، وقال: أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ [الأعراف:14-15] .. إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ [الحجر:38]، فأنظره الله جل في علاه واستجاب دعاءه، ولله في ذلك حكم وأسرار، من هذه الحكم: أولاً: أن الله جل في علاه ترك إبليس حتى يأخذ حقه في الدنيا بأسرها، ثم مآله إلى النار مع أعوانه؛ لأن الله حكم عدل.
ثانياً -وهو أمر مهم جداً-: أن الله جل وعلا من حكمته ألا يسوي بين المختلفين، فالقاعدة التي استنبطها العلماء من كتاب الله ومن فعل النبي تقول: إن الشرع يسوي بين المتماثلين، ويفرق بين المختلفين، ومن أظلم الظلم أن تسوي بين المختلفين وتفرق بين المتساويين، أرأيت الله جل وعلا كيف يقول: أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ [ص:28]، فالمؤمنون ليسوا كالفجار؛ فإن الله يميز بين الخبيث والطيب، والله جل في علاه جعل إبليس يحرش ويغوي ويوسوس حتى يميز بين الصف المؤمن والصف المنافق، ويميز بين المؤمنين والكافرين، والله جل في علاه تمت حكمته بترك إبليس حتى يعلو من يستحق العلو، وينخفض من يستحق السفول، فإن إبليس إذا وسوس للمؤمن الصادق المصدق بربه جل في علاه فإنه يرد كيده، ويرد هواه وشهوته لله جل في علاه، ويترك الدنيا بأسرها، كما قالها علي بن أبي طالب رضي الله عنه: طلقتك ثلاثاً. ولما صارع عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه الشيطان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا عمر ! لو سلكت فجاً لسلك الشيطان فجاً غير الفج الذي تسلكه)، لأنه ترك هواه وشهوته خلفه ظهرياً، وكان بالمرصاد لوسوسة الشيطان.
فالله جل في علاه فعل ذلك ليميز بين الخبيث والطيب وبين المؤمن التقي والفاجر الفاسد، وبين المؤمن الصادق وبين الكافر المنافق، فهذا تمييز من الله جل في علاه، فهذه حكمة من الحكم لإبقاء الله لإبليس في الحياة الدنيا، بل وأبقاه أيضاً ليزيد الكافرين عذاباً؛ لأنه لما أغوى الكافرين كانوا أعوانه، فكانوا في المآل سواءً حكمة من الله سبحانه وتعالى وعدلاً.
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثالثة والثمانون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:
*حكمة الله في تسليط أهل الكفر والعصيان على أهل الحق والإيمان
وإن من حكمة الله البالغة إنزال البلاء بالمسلمين، وجعل الله الأيام دول بين أهل الإيمان وأهل الكفر والعصيان، وبين أنصار الرحمن وبين أنصار الشيطان؟ لمَ تكون الدولة للكافرين على المسلمين؟ فهذه أيضاً حكمة عظيمة خصوصاً في هذه الأوقات العصيبة التي نرى فيها أن الكافرين قد أحاطوا بالمؤمنين إحاطة ليس بعدها إحاطة، وأنهم تداعوا عليهم كما تتداعى الأكلة على قصعتها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فإنك إذا نظرت لذلك صدقت بالله، وآمنت بالله، وازداد يقينك في الله، وقلت: ما وعدنا الله ورسوله إلا صدقاً وحقاً، فإن الله فعل ذلك لحكمة عظيمة، فجعل الأيام دولاً لأمرين اثنين: الأمر أول: ليستشعر المؤمنون نعمة النصر ونعمة الخير التي أذاقهم الله إياها بعدما كانوا في تشرذم، وبعدما كانوا قلة، وبعدما كانوا مستضعفين، فنصرهم الله ببدر، وأراهم الخير كله، وأعلى كلمتهم على أهل الكفر، فشكروا الله جل في علاه، فتم لهم نصف الدين، ثم في غزوة أحد أنزل الله البلاء عليهم لينظروا في البأساء فيصبروا فيها كما شكروا في السراء، فتكتمل لهم درجات الإيمان.
الأمر الثاني: ليتخذ الله جل في علاه من هؤلاء الذين اصطفاهم أناساً ليكونوا في منزلة لا يرتقي أحد إليها هذه المنزلة منزلة الشهداء لا تكون إلا بالهزيمة لأهل الإيمان ، فلما هزم المؤمنون أظهر الله جل في علاه لنا شجاعة أنس بن النضر وبسالة طلحة وإقدام أبي دجانة رضي الله عنهم، فهؤلاء الصناديد نبراس لنا وقدوة، ولم يظهروا إلا بعد هزيمة المسلمين في غزوة أحد، فإن أنس بن النضر اتخذه الله شهيداً بعدما ظهرت شجاعته، ودخل متقدماً على الكافرين حتى قتل، وما عرف إلا ببنانه. وطلحة بن عبيد الله فدى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه حتى إنه كان يقول: نحري دون نحرك يا رسول الله! لا ترفع رأسك فيأتيك سهم من سهام القوم. ثم بعدما دق سيفه أخذ يدافع عن رسول الله بيده حتى شلت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (دونكم صاحبكم فقد أوجب) يعني: أوجب الجنة. وأبو دجانة عندما ربط العصابة الحمراء قالوا: ربط أبو دجانة عصابة الموت، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم خشبة، فهزها فأصبحت سيفاً، فقال: (من يأخذ هذا السيف بحقه؟ فقام الزبير ، فقال: اجلس، فقام الزبير مرة ثانية، فقال: اجلس، حتى قام أبو دجانة فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فهذه من الحكم البليغة التي ظهرت في غزوة واحدة؛ فإنه ظهر فيها كيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يُهزم وكاد يُقتل، وجعل الله الدولة لأهل الكفر، كل ذلك لحكمة عظيمة هي اتخاذ هؤلاء الشهداء، وإظهار صدق الصادقين، ومنهم أنس وطلحة وعمرو بن الجموح ، وهو من صناديد أهل الإسلام أيضاً؛ فإنه وكان أعرج، والله جل في علاه قد رفع الحرج عن الأعمى والأعرج، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: (يا رسول الله إني أريد هذه الغزوة. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: قد رفع الله عنك الحرج، فقال: والذي نفسي بيده! لأطأن بعرجتي هذه الجنة! فعلم النبي صلى الله عليه وسلم صدقه فقال لأولاده: اتركوه وما يشتهي ، لعل الله يرزقه ما يريد) ، فما كان له أن يكون شهيداً في هذه المعركة إلا بما حدث في غزوة أحد، فاتخذ الله الشهداء، وأظهر الصادقين.
ومن حكم الله العظيمة التي أظهرها لنا في هذه الغزوة حكمة أعلى وأعظم، وهي أن في معصية
رسول الله الهلاك، فالرماة عندما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم الطير تتخطفنا فلا تنزلوا عن مواقعكم)، فعصوا أمر رسول الله بعدما رأوا أن القوة والغلبة للمسلمين، وقالوا: الغنيمة الغنيمة. ونسوا أو تناسوا أو غفلوا أو تغافلوا أمر رسول الله، فقال أميرهم: إن رسول الله أمركم ألا تنزلوا عن مواقعكم. فنزلوا عن مواقعهم فحدث ما حدث من الهزيمة، فحذار! من معصية رسول الله، وحذار أن يأتيكم أمر من رسول الله فتردوه، وحذار! أن تعلموا أن الله أو رسول الله حكم بحكم فتردوه، فلكم في هزيمة المؤمنين في غزوة أحد عبرة؛ فإن السبب الرئيسي هو عصيان أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم.وهناك حكم بليغة عظيمة لممحص النظر في أفعال الله جل في علاه تظهر له ويتعبد بها
لله جل في علاه. [الأنترنت – موقع إسلام ويب - للشيخ : ( محمد حسن عبد الغفار )]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الرابعة والثمانون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:
*إقتران الأسم (الحكيم )بغيره من الأسماء الحسنى
إن أسماء الله كلها حسنى وكلها عظمى على اعتبار ما يناسبها من أحوال العباد، فالغني هو اسم الله الأعظم حال فقر العباد، والقوى هو الأعظم حال ضعفهم والعليم حال جهلهم، والرزاق حال سعيهم وكسبهم، ويذكر ابن القيم أن كل اسم من أسماء الله الحسنى له أثر من الآثار في الخلق والأمر، لا بد من ترتبه عليه كترتب المرزوق والرزق على الرازق، وترتب المرحوم وأسباب الرحمة على الرحمن، وترتب المرئيات والمسموعات على السميع والبصير، ونظائر ذلك في جميع الأسماء؛ فلو لم يكن في عباده من يخطئ ويذنب ليتوب عليه ويغفر له ويعفو عنه لم تظهر آثار أسمائه الغفور والعفو والحليم والتواب وما جرى مجراها، وظهور أثر هذه الأسماء ومتعلقاتها في الخليقة كظهور آثار سائر الأسماء الحسنى ومتعلقاتها، فكما أن اسمه الخالق يقتضي مخلوقا والبارئ يقتضي مبروءا، والمصور يقتضي مصورا ولا بد، فأسماؤه الغفار التواب تقتضي مغفورا له وما يغفره له، وكذلك من يتوب عليه وأمورا يتوب عليه من أجلها، ومن يحلم عنه ويعفو عنه وما يكون متعلق الحلم والعفو، فإن هذه الأمور متعلقة
بالغير ومعانيها مستلزمة لمتعلقاتها [مفتاح دار السعادة 1/287 بتصرف ]
فكل اسم من أسماء الله هو الأعظم في موضعه بظهور أثره في العباد وحكمة الله في ترتيب المصالح المقصودة والغايات الحميدة، والله سبحانه من حكمته أيضا أنه يقرن بين أسمائه في كثير من المواضع لتظهر دلالتها على أوصافه فتعطي كمالا فوق الكمال وجلال فوق الجلال بحيث تتجلى عظمة رب العزة والجلال في أسمائه وصفاته وأفعاله كما قال سبحانه: } تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ ** [الرحمن:78]
وقد وردت أمثلة كثيرة في ذلك منها:
أولاً : اقتران العزيز بالحكيم: فكل منهما دال على الكمال الخاص الذي يقتضيه، وهو العزة المطلقة في العزيز والحكمة المطلقة في الحكيم، والجمع بينهما دال على كمال آخر وهو أن عزته تعالى مقرونة بالحكمة؛ فعزته لا تقتضي ظلما وجورا كما يفعل العزيز مع من كان مقهورا، فإن العزيز منهم قد تأخذه العزة بالإثم فيظلم غيره ولا يحكم فعله، وسمع بعض الأعراب قارئا يقرأ قوله تعالى: } وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ** [المائدة:38]، فقرأها والله غفور رحيم، فقال: ليس هذا كلام الله، فقال: أتكذب بالقرآن؟ فقال: لا ولكن لا يحسن هذا، فرجع القارئ إلى خطئه، فقال: صدقت [انظر بتصرف شفاء العليل ص200، وجلاء الأفهام ص 318 ]]
ونحن إذا تأملنا ختام الآيات بما ورد فيها من الأسماء والصفات وجدنا كلام الله مختتما بذكر الصفة التي يقتضيها ذلك المقام، والاسم الأعظم الذي يناسب هذه الأحكام حتى كأن الأسماء والأوصاف ذكرت دليلا عليها وعلة لذكرها، كقوله تعالى: { إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ } [المائدة:118]، أي إن مغفرتك لهم صادرة عن عزة وكمال قدرة لا عن عجز أو جهل أو فقر أو ضعف .
وقوله: { تَنْزِيلُ الكِتَابِ مِنَ اللهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ } [الزمر:1]، فذكر العزة المتضمنة لكمال القدرة والتصرف، والحكمة المتضمنة لكمال الحمد والعلم، ولهذا كثيراً ما يقرن تعالى بين هذين الاسمين في آيات التشريع والجزاء ليدل عباده على أن مصدر ذلك كله عن حكمة بالغة وعزة قاهرة، ففهم الموفقون عن الله مراده وحكمته، وانتهوا إلى ما وقفوا عليه، ووصلت إليه أفهامهم وعلومهم، وردوا علم ما غاب عنهم إلى أحكم الحاكمين ومن هو بكل شيء عليم، وتحققوا بما عملوه من حكمته التي بهرت عقولهم، وأن لله في كل ما خلق وأمر وأثاب وعاقب من الحكم البوالغ ما تقتصر عقولهم عن إدراكه، وأنه تعالى هو الغنى الحميد العليم الحكيم، فمصدر خلقه وأمره وثوابه وعقابه غناه وحمده وعلمه وحكمته، ليس مصدره مشيئة مجردة، وقدرة خالية من الحكمة والرحمة والمصلحة والغايات المحمودة المطلوبة له خلقاً وأمراً، وأنه سبحانه لا يسأل عما يفعل لكمال عزته وحكمته [ انظر مفتاح دار السعادة 2/78 بتصرف . .] ،[ الأنترنت – موقع الرقية الشرعية ]
الأنترنت – موقع حياة القلوب في معرفة علام الغيوب
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الخامسة والثمانون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:
ثانيًا: اقتران اسمه سبحانه [الحكيم] باسمه [العليم]
وورد ذلك في القرآن كثيرًا وذلك في نحو سبعة وثلاثين موضعًا،بعضها بتقديم اسم (الحكيم) على (العليم) كما في قوله تعالى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ ۚ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ ۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام : 83] [الأنعام: 83]. وأكثر مواضع الاقتران يتقدم فيها اسمه (العليم) على (الحكيم)
كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}
[الأحزاب: 1].
ويلاحظ أن المقامات التي يتقدم فيها اسم (العليم) على اسم (الحكيم) منوطة بالعلم أولاً ثم بالحكمة.
*ففي مقام الاعتراف بالعجز وقصور العلم يقابله - ولابد - الإقرار والتسليم للعليم،فإذا كان {العليم} هو {الحكيم} فذلك هو العلم البالغ حد الكمال ؛ فيكون الاعتراف مصحوبًا بغاية الرضا والتسليم.
كما في قوله تعالى عن الملائكة: {قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [البقرة: 32].
▪وفي مقام ارتباط الصبر وانتظار الفرج باسم {العليم} ارتباط قوي،وذلك أن العبد إذا كان عظيم الإيمان، عميق الصلة بربه، واستلبث عليه الفرج لم يتزعزع يقينه، لأنه معتمد على علم الله - عز وجل - في اختيار الزمان الأنسب لما يرجوه من الفرج، معول على حكمته
في تهيئة الأسباب له ليقع على أحسن ما يكون
كما في قوله تعالى: {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [يوسف: 83].
▪ومثل ذلك يقال في مقام التواضع والتحدث بنعمة الله وفضله، لأن قوامه أحداث ترجع إلى علم {العليم} وحكمة {الحكيم} كما في قوله تعالى عند يوسف عليه السلام: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ۖ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [يوسف: 100].
▪أما مقام التشريع وإقرار الحكم فالأمر فيه راجع إلى العلم الشامل أولاً ؛لأنَّ العلم هو أساس بناء الأحكام، ثم تأتي الحكمة لتنزل الحكم على الواقع،كما في قوله تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ۚ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [التحريم: 2].
▪وتقديم اسم {العليم} على {الحكيم} لأن مبنى الأحكام على إحاطة العلم أولاً ثم الحكمة في تنزيل العلم على الواقع بما يحقق الانسجام والتوافق بين الأحكام الشرعية والطبائع البشرية، وذلك ما يميز الشريعة الإسلامية عن الدساتير، والشرائع الوضعية.[ الأنترنت – موقع ولله الأسماء الحسنى - عبد العزيز الجليل ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة السادسة والثمانون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:
*مواطن تقدم اسمه [الحكيم] على اسمه [العليم]
*أما تقدم اسمه سبحانه {الحكيم} على اسمه - عز وجل - {العليم} فيلاحظ أنه في مقامين هما:
1- مقام التوحيد كما في قوله تعالى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ ۚ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ ۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام: 83].
2- مقام إجراء المعجزات كما في قوله تعالى: {قَالُوا كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ ۖ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} [الذاريات: 30].
وذلك أن مضمون الألوهية في مقام التوحيد قهر وقوة
وغلبة، يقابلها من العباد طاعة وعبادة وخضوع،
فتقديم الحكمة في هذا المقام - والله أعلم - ليُعلم أن ألوهيته - عز وجل - السارية على من في السماوات والأرض مسارها الحكمة.
ولعله لما كان العلم الشامل هو رافد الحكمة، وعلى أساسه تنزل الأشياء منازلها، وتوضع الأمور في مواضعها التي بها تستقيم تُبِعَ اسم {الحكيم} باسم {العليم}.
أما مقام إجراء المعجزات فهو كذلك راجع إلى القوة الغالبة، والمشيئة الطليقة التي تعلو على سنن الكون ونواميسه،
واقتران القوة بالحكمة هو ضمان انتظام الأمور، وإلا تتحول إلى عبث يفضي إلى اختلال السنن وفساد الكون،فالحكمة هنا لها الصدارة، يليها العلم الذي على أساسه يكون إجراء السنن على ما قدر لها، أو تعطيلها لحكمة ترجع لعلم {العليم}.
ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى عن اقتران اسمه سبحانه {الحكيم} باسمه عز وجل {العليم}:
▪ «العلم والحكمة متضمنان لجميع صفات الكمال،
▫فالعلم يتضمن الحياة ولوازم كمالها من: القيومية والقدرة، والبقاء، والسمع، والبصر، وسائر الصفات التي يستلزمها العلم التام.
▫والحكمة تتضمن كمال الإرادة والعدل، والرحمة، والإحسان، والجود، والبر، ووضع الأشياء مواضعها على أحسن وجوهها، ويتضمن إرسال الرسل، وإثبات الثواب والعقاب»،
والحكمة أخصُّ من العلم، إذ هي إجراء العلم على نحو خاص يحقق أسمى الغايات.[الأنترنت – موقع ولله الأسماء الحسنى - عبد العزيز الجليل]
ثالثًا: اقتران اسمه سبحانه {الحكيم} باسمه - عز وجل - {الخبير}
جاء اسمه { الحكيم} مقترنًا باسـمه سـبحانه {الـخبير} في أربع آيات من القـرآن وهي :
قوله تعـالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 18]،
وقوله سبحانه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [سبأ: 1]،
وقوله - عز وجل -: {الر ۚ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود: 1].
وقوله سبحانه: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۖ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ ۚ قَوْلُهُ الْحَقُّ ۚ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ ۚ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 73].
يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى - عن وجه اقتران هذين الاسمين الجليلين أنهما دالان:
«على كمال الإرادة وأنها لا تتعلق بمراد إلا لحكمة بالغة وعلى كمال العلم، وأنه كما يتعلق بظواهر المعلومات فهو متعلق ببواطنها التي لا تُدرَك إلا بالخبرة،
فنسبة الحكمة إلى الإرادة كنسبة الخبرة إلى العلم. فالمراد ظاهر، والحكمة باطنة، والعلم ظاهر والخبرة باطنة،فكمال الإرادة أن تكون واقعة على وجه الحكمة، وكمال العلم أن يكون كاشفًا عن الخبرة، فالخبرة باطن
العلم وكماله، والحكمة باطن الإرادة وكمالها».
وفي آية الأنعام ورد اسمه سبحانه {القاهر} مع اسميه سبحانه {الحكيم الخبير} المقترنين، ووجه الجمع بين هذه الأسماء الحسنى - والله أعلم-
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة السابعة والثمانون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:
*دلالة إقتران الاسم الحكيم بالقاهر والخبير
إن {القاهر} وصف دال على كمال القدرة والقوة
والغلبة التي لا يملك المقهور حيالها أي مدافعة، بل
الإذعان والخضوع.
أما {الحكيم} فهو كما سبق ذو الحكمة المتقن لخلق الأشياء، وهو وصف يقتضي أنه - سبحانه - يضع الأشياء في محالها بحكمته، وأنه لا يفعل إلا ما كان صوابًا .
فلما ورد اسم {القاهر} الذي يحصل منه الخوف والوجل والشعور بمعنى القهر والفوقية، جاء بعده اسم {الحكيم} الذي يدل على أن جريان تصرفه وسلطانه إنما هو على مقتضى الإصلاح ومنع الفساد،
▪ فإذا وقع للعبد من أقداره سبحانه ما يكره فليوقن أن وراء ذلك الحكمة التي لا يدركها إلا {الخبير} الذي يصل علمه إلى الخفايا وبواطن الأمور.
وبذلك تطمئن النفوس من الخوف، وتسكن من القلق
والاضطراب. بخلاف قهر الجبابرة من المخلوقين الذي غالبًا ما يكون عن ظلم، وشهوة، وعدوان.[ الأنترنت – موقع ولله الأسماء الحسنى - عبد العزيز الجليل]
*اقتران اسمائه سبحانه {الحكيم الخبير } مع الحميد
جمع الله - عز وجل - بين حمده سبحانه وبين هذين الاسمين الكريمين في قوله تعالى في سورة سبأ :
{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ }[ سبأ : 1 ]
وعن هذا يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى:
«ابتدأ سبحانه السورة بحمده الذي هو أعم المعارف وأوسع العلوم، وهو متضمن لجميع صفات كماله ونعوت جلاله، مستلزم لها كما هو متضمن لحكمته في جميع أفعاله وأوامره، فهو المحمود على كل حال، وعلى كل ما خلقه وشرعه ثم عقب هذا الحمد بملكه الواسع المديد فقال:{ الْحَمْدُ لِلَّه الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ } [سبأ: 1] ثم عقبه بأن هذا الحمد ثابت له في الآخرة غير منقطع أبدًا، فإنه حمد يستحقه لذاته وكمال أوصافه، وما يستحقه لذاته دائم بدوامه لا يزول أبدًا،
وقرن بين المُلك والحمد على عادته تعالى في كلامه؛ فإن اقتران أحدهما بالآخر له كمال زائد على الكمال بكل واحد منهما، فله كمال من ملكه، وكمال من حمده، وكمال من اقتران أحدهما بالآخر،
فإن الملك بلا حمد يستلزم نقصًا، والحمد بلا ملك يستلزم عجزًا، والحمد مع الملك غاية الكمال...
ثم عقب هذا الحمد والملك باسم (الحكيم الخبير) الدالين على كمال الإرادة، وأنها لا تتعلق بمراد إلا لحكمة بالغة وعلى كمال العلم، وأنه كما يتعلق بظواهر المعلومات فهو متعلق ببواطنها التي لا تدرك إلا بخبرة، فنسبة الحكمة إلى الإرادة كنسبة الخبرة إلى العلم .[ الأنترنت – موقع ولله الأسماء الحسنى - عبد العزيز الجليل]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثامنة والثمانون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:
رابعًا: اقتران اسمه سبحانه (الحكيم) باسمه سبحانه (العلي)
وذلك عند قوله سبحانه:{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ [الشورى : 51]
يقول الطاهر ابن عاشور عن هذين الاسمين الكريمين في هذه الآية:
«والقول في موقع جملة: {إنه عليٌّ حكيم} كالقول في جملة: {إنه عليمٌ قدير} [الشورى: 50] السابقة،
وإنما أوثر هنا صفة «العلي الحكيم» لمناسبتهما للغرض ؛ لأن العلوّ في صفة (العليّ) علوّ عظمة فائقة لا تُناسبها النفوس البشرية التي لم تَحْظَ من جانب القُدس بالتصفية فما كان لها أن تتلقى من الله مراده مباشرة فاقتضى علوّه أن يكون توجيه خطابه إلى البشر بوسائط يُفضِي بعضها إلى بعض...
*وأمّا وصف (الحكيم) فلأن معناه: المُتقِن للصنع، العالم بدقائقه ،وما خطابه للبشر إلا لحكمة إصلاحهم ونظام عالمهم، وما وقوعه على تلك الكيفيات الثلاث إلا من أثر الحكمة لتيسير تلقّي خطابه، ووعيه دون اختلال فيه ولا خروج عن طاقة المُتلقِّين »[الأنترنت – موقع ولله الأسماء الحسنى - عبد العزيز الجليل ]
خامسًا: اقتران اسمه سبحانه (الحكيم) باسمه سبحانه (التواب)
وذلك في قوله سبحانه: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ} [النور: 10].
وهذه الآية جاءت بعد ذكر حد الزنا، وحد قذف المحصنات وأحكام الملاعنة ،ومناسبة ختمها بهذه الآية الكريمة ;يقول ابن عاشور في التحرير والتنوير:
« هذا تذييل لما مر من الأحكام العظيمة المشتملة على التفضل من الله والرحمة منه، والمؤذنة بأنه تواب على من تاب من عباده، والمثبتة بكمال حكمته تعالى ;
إذ وضع الشدة موضعها، والرفق موضعه، وكفَّ بعض
الناس عن بعض، فلما دخلت تلك الأحكام تحت كل هذه الصفات كان ذكر الصفات تذييلاً ...
وفي ذكر وصف (الحكيم) هنا مع وصف (تواب) إشارة إلى أن في هذه التوبة حكمة، وهي استصلاح الناس»
[الأنترنت – موقع ولله الأسماء الحسنى - عبد العزيز الجليل]
سادسًا: اقترن اسمه سبحانه (الحكيم) باسمه سبحانه (الحميد)
وقد جاء هذا الاقتران في آية واحدة من القرآن وذلك في قوله تعالى: {تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 42].
يقول الشيخ السعدي رحمه الله : {تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ } في خلقه وأمره يضع كل شيء موضعه وينزله منازله ،{حميد} على ماله من صفات الكمال ونعوت الجلال، وعلى ماله من العدل والإفضال، فلهذا كان كتابه مشتملاً على تمام الحكمة وعلى تحصيل المصالح والمنافع،
ودفع المفاسد والمضار التي يحمد عليها ».
يقول ابن عاشور -بتصرف يسير- :-{تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ } فهو مشتمل على الحكمة وهي المعرفة الحقيقية لأنه تنزيل من حكيم ، ولا يصدر عن الحكيم إلا الحكمة ؛ فإن كلام الحكيم يأتي محكماً متقناً رصيناً لا يشوبه الباطل {حَمِيدٍ} فالقرآن تنزيل من حميد ، والحميد هو المحمود حمداً كثيراً،أي مستحقّ الحمد الكثير ، فالكلام المنزل منه يستحق الحمد ، فيحمده سامعه كثيراً لأنه يجده مجلبة للخير الكثير ، ويحمد قائله لا محالة ..."
سابعًا: اقتران اسمه سبحانه (الحكيم) باسمه سبحانه (الواسع)
وقد ورد ذلك في القرآن الكـريم مرة واحـدة، وذلك
في قوله تعالى: {وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ ۚ
وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا} [النساء: 130]،
يقول الشيخ السعدي رحمه الله : { وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا} أي: كثير الفضل واسع الرحمة،وصلت رحمته وإحسانه حيث وصل إليه علمه. وكان مع ذلك (حكيمًا) أي: يعطي بحكمته ويمنع لحكمته. فإذا اقتضت حكمته منع بعض عباده من إحسانه بسبب في العبد لا يستحق
معه الإحسان، حرمه عدلاً وحكمة »
أي: أن هذه الحكمة من المنع لا تقدح في كونه واسعًا ؛ فالله سبحانه واسع العطاء، واسع الحكمة، واسع الفضل والإحسان والرحمة . [ الأنترنت – موقع ولله الأسماء الحسنى - عبد العزيز الجليل ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة التاسعة والثمانون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان: تسمية القران بالحكيم:
قال تعالى:- {ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ} (58) سورة آل عمران، وقال:- {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} (1) سورة يونس، وقال:- {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} (2) سورة لقمان وقال:- {وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} (2) سورة يــس
قال ابن الأثير في حديث صفة القران:-(وهو الذكر الحكيم):- أي الحاكم لكم وعليكم، أو هو المُحْكَم الذي لا اختلاف فيه ولا اضطراب، فعيل بمعنى:-مُفْعَل، أُحْكِم
فهو مُحْكَم[وانظر:لسان العرب(12/141).]
وقال الألوسي في تفسيره لوصف القران بالحكيم:-
(الحكيم ذو الحكمة....أو الناطق بالحكمة)[ روح المعاني(22/211).]
وعلى هذا يكون معنى وصف القران بالحكيم:-
1-الحاكم على الناس(من الحُكْمِ)
2-المُحْكَم، من(الإحكام)،فلا اختلاف فيه ولا اضطراب.
3-الناطق بالحكمة، لما اشتمل عليه من الحكم والبينات.
[الأنترنت – موقع العقيدة والحياة - حكمة الله تعالى - د. تميم القاضي ]
إن كلام الله حكيم ومحكم، وكيف لا يكون بهذه الصفة وهو كلام أحكم الحاكمين ورب العالمين، وقد وصف الله القرآن العظيم، وهو كلامه المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بأنه حكيم ومحكم في ثمان آيات منها قوله تعالى: ﴿ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾ [هود: 1].وقال تعالى: ﴿ يس ،وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ﴾ [ يس: 1، 2].
فالقرآن حكيم في أسلوبه الرائع، حكيم في تشريعاته،
حكيم في أمره ونهيه، حكيم في قصصه وأخباره، حكيم في كل ما اشتمل عليه.[ الأنترنت – موقع شبكة الألوكة -شرح اسم الله ( الحكيم ) - د. أمين بن عبدالله الشقاوي]
إن معرفة أوصاف القرآن وتدبر معانيها من اهم واقوى الاسباب المعينة بإذن الله على تدبر آيات القرآن فما احوج منا بذلك وخاصة في زمن قســـــت في القلــوب إلا من رحم الله ، وكثرة فيه الملهيات و الله المستعـــان .
قال المـــاوردي فى تفسير قوله تعالى:" تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيــــــمِ" فيه أربعة أوجه :
أحدها : المحكم أحكمت آياته بالحلال والحرام والأحكام
. قاله يحيى بن سلام .
الثاني : المتقن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وهو قريب من المعنى الأول ، قاله ابن شجرة .
الثالث : البين أنه من عند الله ، قاله الضحاك .
الرابع : أنه يظهر من الحكمة بنفسه كما يظهره الحكيم بقوله ، قاله ابن عيسى .اهـ
وقال الطبــري والقرآن المحكم بما فيه من أحكامه ، وبينات حججه . اهـ
وقال بن كثيــــر أي المحكم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .اهـ
ومن إحكام آيات القرآن الحكيم
* أنها جاءت بأجل الالفاظ وأوضحها، وأبينها، الدّالة على أجلّ المعاني وأحسنها.
* أنها محفوظة من التّغيير والتبديل، والزيادة والنقص والتحريف.
* أن جميع ما فيها من الأخبار السابقة واللاحقة،
والأمور الغيبية كلها مطابقة للواقع، مطابق لها الواقع،
لم يخالفها كتاب من الكتب الإلهية ولم يخبر بخلافها نبي من الأنبياء، ولم يأت ولن يأت علم محسوس ولا معقول صحيح يُناقض ما دلت عليه.
* أنها ما أمرت بشيء، إلا هو خالص المصلحة، أو راجحها، ولا نهت عن شيء، إلا هو خالص المفسدة، أو راجحها، وكثيراً ما يُجمع بين الأمر بالشيء، مع ذكر حكمته وفائدته، والنهي عن الشيء، مع ذكر مضرته.
* أنها جمعت بين الترغيب والترهيب، والوعظ البليغ الذي تعتدل به النفوس الخيّرة وتحتكم، فتعمل بالجزم.
* أنك تجد آياتها المتكررة، كالقصص والأحكام ونحوها، قد اتفقت كلها وتواطأت، فليس فيها تناقض ولا اختلاف.وأنّى للباطل أن يدخل على هذا الكتاب الحكيم، وهو تنزيل من حكيم حميد، والحكمة ظاهرة في بنائه، وتوجيهه، وطريقة نزوله، وفي علاجه للقلب البشري من أقصر طريق. ..[تفسير السعـــــــدي (4/ 227).]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة التسعون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان: تسمية القران بالحكيم:
قال تعالى { ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ}
ورد في التفسير الميسر : ذلك الذي نقصُّه عليك في شأن عيسى، من الدلائل الواضحة على صحة رسالتك، وصحة القرآن الحكيم الذي يفصل بين الحق والباطل، فلا شك فيه ولا امتراء.
السعدى : وهذا منة عظيمة على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وعلى أمته، حيث أنزل عليهم هذا الذكر الحكيم، المحكم المتقن، المفصل للأحكام والحلال والحرام وإخبار الأنبياء الأقدمين، وما أجرى الله على أيديهم من الآيات البينات والمعجزات الباهرات، فهذا القرآن يقص علينا كل ما ينفعنا من الأخبار والأحكام، فيحصل فيها العلم والعبرة وتثبيت الفؤاد ما هو من أعظم رحمة رب العباد
وقال طنطاوي : وقوله- تعالى- ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ اسم الإشارة فيه وهو «ذلك» مشار به إلى المذكور من قصة آل عمران وقصة مريم وأمها، وقصة زكريا وندائه لربه، وقصة عيسى وما أجراه الله- تعالى- على يديه من معجزات وما خصه به من كرامات. أى ذلك القصص الحكيم الذي قصصناه عليك يا محمد نَتْلُوهُ عَلَيْكَ أى نقصه عليك متتابعا بعضه تلو بعض من غير أن يكون لك اطلاع سابق عليه. فأنت لم تكن معاصرا لهؤلاء الذين ذكرنا لك قصصهم وأحوالهم وهذا من أكبر الأدلة على صدقك فيما تبلغه عن ربك.
وقوله ذلِكَ مبتدأ وقوله نَتْلُوهُ عَلَيْكَ خبره.
وقوله مِنَ الْآياتِ حال من الضمير المنصوب في نَتْلُوهُ.
والمراد بالآيات الحجج الدالة على صدق النبي صلّى الله عليه وسلّم وقوله وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ أى والقرآن المحكم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والمشتمل على الحكم التي من شأنها أن تهدى الناس إلى ما يسعدهم متى اتبعوها وقيل المراد بالذكر الحكيم اللوح المحفوظ الذي نقلت منه جميع الكتب المنزلة على الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام-
وقال البغوى : قوله تعالى : ( ذلك ) أي هذا الذي ذكرته لك من الخبر عن عيسى ومريم والحواريين ( نتلوه عليك ) [ نخبرك به بتلاوة جبريل عليك ] ( من الآيات والذكر الحكيم ) يعني القرآن والذكر ذي الحكمة ، وقال مقاتل : الذكر الحكيم أي المحكم الممنوع من الباطل وقيل : الذكر الحكيم هو اللوح المحفوظ ، وهو معلق بالعرش من درة بيضاء وقيل من الآيات أي العلامات الدالة على نبوتك لأنها أخبار لا يعلمها إلا قارئ كتاب أو من يوحى إليه وأنت أمي لا تقرأ .
وقال ابن كثير : قال تعالى : ( ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم ) أي : هذا الذي قصصناه عليك يا محمد في أمر عيسى ومبدأ ميلاده وكيفية أمره ، هو مما قاله الله تعالى ، وأوحاه إليك ونزله عليك من اللوح المحفوظ ، فلا مرية فيه ولا شك ، كما قال تعالى في سورة مريم : ( ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون . ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ) [ مريم : 34 - 35 ] وهاهنا قال تعالى .
وقال ابن عاشور : تذييل : فإنّ الآياتِ والذكر أعمّ من الذي تُلي هنا ، واسم الإشارة إلى الكلام السابق من قوله تعالى : { إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه } [ آل عمران : 45 ] وتذكير اسم الإشارة لتأويل المشار إليه بالكلام أو بالمذكورِ . وجملة نتلوه حال من اسم الإشارة على حدّ { وهذا بَعْلي شيخاً } [ هود : 72 ] وهو استعمال عربي فصيح وإن خالف في صحة مجيء الحال من اسم الإشارة بعض النحاة .
وقوله : { من الآيات } خبر { ذلك } أيّ إنّ تلاوة ذلك عليك من آيات صدقك في دعوى الرسالة؛ فإنك لم تكن تعلمَ ذلك ، وهو ذِكر وموعظة للناس ، وهذا أحسن من جعل نتلوه خبراً عن المبتدأ ، ومن وجوه أخرى . والحكيم بمعنى المُحكَم ، أو هو مجاز عقلي أي الحكيم عالمُه أو تاليه .[ الأنترنت – موقع أوصـــاف القــرآن الكريـــم ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الواحدة والتسعون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:*حكم ومواعظ لإبراهيم بن أدهم
قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: أقرب الزهاد من الله عز وجل أشدهم خوفا، وأحب الزهاد إلى الله أحسنهم له عملا، وأفضل الزهاد عند الله أعظمهم فيما عنده رغبة، وأكرم الزهاد عليه أتقاهم له، وأتم الزهاد زهدا أسخاهم نفسا وأسلمهم صدرا، وأكمل الزهاد زهدا أكثرهم يقينا.
#مر إبراهيم بن أدهم برجل يتحدث فيما لا يعنيه فوقف عليه، فقال: كلامك هذا ترجو به الثواب؟ قال: لا، فقال: أفتأمن عليه العقاب؟ قال: لا. قال: فما تصنع بكلام لا ترجو عليه ثوابا وتخاف منه عقابا.
#وقال: إذا أردت أن تعصي الله فاعصه في مكان لا يراك فيه.
#كان من دعاء إبراهيم بن أدهم رحمه الله: اللهم انقلني من ذل معصيتك إلى عز طاعتك.
#وقال: كل ملك لا يكون عادلاً فهو واللص سواء، وكل عالم لا يكون تقياً فهو والذئب سواء، وكل من ذل لغير الله، فهو والكلب سواء.
#وقال: والحزن حزنان: حزن لك وحزن عليك؛ فالحزن الذي هو لك حزنك على الآخرة، والحزن الذي هو عليك حزنك على الدنيا وزينتها.
#وقال: من أراد التوبةفليخـرج من المظالم ، وليدع مخالطـة من كان يخالطه ، وإلا لم ينل ما يريد.
#وقال: كثرة النظر إلى الباطل يذهب بمعرفة الحق
من القلب.
#وقال: الزهد فراغ القلب من الدنيا لا فراغ اليد.
#عن إبراهيم بن بشار، قال: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: ذهب السخاء والكرم والجود والمواساة فمن لم يواس الناس بماله وطعامه وشرابه فليواسهم ببسط الوجه والخلق الحسن.
#خرج إبراهيم بن أدهم رحمه الله في سفر ومعه ثلاثة نفر ، فدخلوا مسجدا في بعض المفاوز ، والبرد شديد وليس للمسجد باب ، فلما ناموا قام إبراهيم فوقف على الباب إلى الصباح فقيل له لم تنم ! فقال : خشيت أن يصيبكم البرد فقمت مقام الباب
#وقال: الهوى يردى وخوف الله يشفي، واعلم أن ما يزيل عن قلبك هواك إذاخفت من تعلم أنه يراك.
#وقال: ما صدق الله تعالى من أراد أن يشتهر.
#قال علي بن بكار : شكا رجل إلى إبراهيم بن أدهم كثره عياله، فقال له إبراهيم : «يا أخي، انظر كل من في منزلك ليس رزقه على الله، فحوِّله إلى منزلي».
#وقال: أشد الجهاد جهاد الهوى، من منع نفسه هواها فقد استراح من الدنيا وبلائها، وكان محفوظا ومعافى من أذاها.
#وقال: كان يقال ليس شيء أشد على إبليس من العالم الحليم، إن تكلم تكلم بعلم، وإن سكت سكت بحلم.
#عن مكي بن إبراهيم قال قيل لابن أدهم رحمه الله ما تبلغ من كرامة المؤمن قال أن يقول للجبل تحرك فيتحرك قال فتحرك الجبل.
#وقال: إنك إن أدمنت النظرفي مرآة التوبة بان لك
قبيح شر المعصية.
#وقال: إنما زهد الزاهدون في الدنيا اتقاء أن يشاركوا الحمقى والجهال في جهلهم.
#وقال: الهوى شريك العمى.
#عن علي بن بكار قال : صحبت إبراهيم بن أدهم ، وكثيرا ما كنت أسمعه يقول : يا أخي ، اتخذ الله صاحبا ، وذر الناس جانبا.
#عن مضاء بن عيسى قال: ما فاق إبراهيم بن أدهم رحمه الله أصحابه بصوم ولا صلاة، ولكن بالصدق والسخاء.
#عن إبراهيم بن أدهم قال: لقيت عابداً من العباد قيل أنه لا ينام الليل، فقلت له: لم لا تنام؟ فقال لي: منعتني عجائب القرآن أن أنام.
#وقال: قلة الحرص والطمع تورث الصدق والورع، وكثرة الحرص والطمع تورث كثرة الغم والجزع.
#وقال: لا تجعل بينك وبين الله منعما عليك ، إذ سألت ؛ فاسأل الله أن ينعم عليك ولا تسأل المخلوقين ، وعد النعم منهم مغرما.
#وقال: ما بالنا نشكو فقرنا إلى مثلنا، ولا نطلب كشفه من ربنا.
#كتب إبراهيم بن أدهم إلى سفيان الثوري رحمهما الله: من عرف ما يطلب هان ما يبذل، ومن أطلق بصره طال أسفه، ومن أطلق أمله ساء عمله، ومن أطلق لسانه قتل نفسه.
#عن إبراهيم بن أدهم رحمه الله: الزهد ثلاثة أصناف، فزهد فرض، وزهد فضل، وزهد سلامة، فالفرض الزهد في الحرام، والفضل الزهد في الحلال، والسلامة الزهد في الشبهات.[الأنترنت – موقع الكلم الطيب ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثانية والتسعون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:*حكم ومواعظ لسفيان الثوري
#كان يقال: إذا عرفت نفسك، لم يضرك ما قيل فيك.
#خلاف ما بيننا وبين المرجئة ثلاث: نقول: الإيمان قول وعمل، وهم يقولون: الإيمان قول ولا عمل، ونقول: الإيمان يزيد وينقص، وهم يقولون: لا يزيد ولا ينقص، ونحن نقول: النفاق، وهم يقولون: لا نفاق.
#ليس الزهد بأكل الغليظ، ولبس الخشن، ولكنه قصر
الأمل، وارتقاب الموت.
#إياك والشهرة،فما أتيت أحداً إلاَّوقد نهاني عن الشهرة.
#لا يجتمع حب عثمان وعلي – رضي الله عنهما – إلاَّ في قلوب نبلاء الرجال.
#إذَا رَأَيْتَ الْقَارِئَ يَلُوذُ بِالسُّلْطَانِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لِصٌّ، وَإِنْ لَاذَ بِالْأَغْنِيَاءِ فَمُرَاءٍ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُخْدَعَ فَيُقَالُ: لَعَلَّك تَرُدُّ عَنْ مَظْلِمَةٍ أَوْ تَدْفَعُ عَنْ مَظْلُومٍ، فَإِنَّ هَذِهِ خَدْعَةٌ مِنْ إبْلِيسَ اتَّخَذَهَا فَجَازَ الْقُرَّاءُ سُلَّماً.
#ما رأيت الزهد في شيء أقل منه في الرياسة، ترى الرجل يزهد في المطعم والمشرب والمال والثياب، فإذا نوزع في الرياسة حامى عليها وعادى.
#استوصوا بأهل السنة خيراً فإنهم غرباء.
#يعجبني أن يكون صاحب الحديث مكفياً - أي:
عنده الرزق الذي يكفيه - فإن الآفات إليه أسرع وألسنة الناس إليه أسرع.
#إنما العلم عندنا الرخص عن الثقة، فأما التشديد فكل إنسان يحسنه.
#إن الحديث عز، من أراد به الدنيا فدنيا، ومن أراد به الآخرة فآخرة.
#قال عيسى بن مريم عليه السلام: تقربوا إلى الله ببغض أهل المعاصي، والتمسوا رضوانه بالتباعد منهم، قالوا: فمن نجالس؟ قال: من تذكركم بالله رؤيته، ويرغّبكم في الآخرة عمله، ويزيد في علمكم منطقه.
#من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله.
#ارض بما قسم الله تكن غنياً، وتوكل على الله تكن قوياً.
#عليك بكثرة المعروف يؤنسك الله بقبرك، واجتنب المحارم تجدْ حلاوة الإيمان.
#عليك بالسخاء تسترِ العورات، ويخففِ الله عليك الحساب والأهوال.
#إذا هممت بأمر من أمور الآخرة فشمر إليها وأسرع من قبل أن يحول بينها وبينك الشيطان.
#لا تبغض أحد ممن يطيع الله، وكن رحيماً للعامة والخاصة، ولا تقطع رحمك وإن قطعك، وتجاوز عمن ظلمك تكن رفيق الأنبياء والشهداء.
#اعمل للدنيا بقدر بقائك فيها وللآخرة بقدر بقائك فيها.
#الزهد في الدنيا هو الزهد في الناس ، وأول ذلك زهدك في نفسك .
#ماعالجت شيئاً أشدعليّ من نفسي،مرة لي ومرة علي
#ارض بما قسم الله تكن غنياً، وتوكل على الله تكن قوياً.
#عليك بكثرة المعروف يؤنسك الله بقبرك، واجتنب المحارم تجدْ حلاوة الإيمان.
#عليك بالسخاء تسترِ العورات، ويخففِ الله عليك الحساب والأهوال.
#لا تكن طعاناً تنجُ من ألسنة الناس، وكن رحيماً محبباً إلى الناس.
#عليك بقلة الأكل تملك سهر الليل، وعليك بالصوم فإنه يسد عليك باب الفجور، ويفتح عليك باب العبادة، وعليك بقلة الكلام يلين قلبك، وعليك بالصمت تملك الورع.
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثالثة والتسعون في موضوع الحكمة وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان: *حكم ومواعظ لسفيان الثوري
#لا تبغض أحدًا ممن يطيع الله، وكن رحيماً للعامة والخاصة، ولا تقطع رحمك وإن قطعك، وتجاوز عمن ظلمك تكن رفيق الأنبياء والشهداء.
#إذا هممت بأمر من أمور الآخرة فشمر إليها وأسرع من قبل أن يحول بينها وبينك الشيطان.
#لأن تلقى الله بسبعين ذنباً فيما بينك وبينه أهون عليك من أن تلقاه بذنب واحد فيما بينك وبين العباد.
#لم أنهكم عن الأكل، ولكن انظر من أين تأكل؛ كيف أنهاكم عن الأكل، والله - تعالى - يقول: {خُذُوا زِينَتَكُمْ
عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا}
#إنما مثلُ الدنيا مثلُ رغيفٍ عليه عسلٌ مرَّ به ذبابٌ، فقطع جناحيه، وإذا مر برغيف يابس مرَّ به سليماً.
#لو أن البهائم تعقل ما تعقلون من الموت - ما أكلتم
منها سميناً.
#ما أعطي رجل من الدنيا شيئاً إلا قيل له: خذه، ومثله حزناً.
#إلهي؛ البهائم يزجرها الراعي فتنزجر عن هواها، وأراني لا يزجرني كتابك عما أهواه؛ فيا سوأتاه.
#عليك بالمراقبة ممن لا تخفى عليه خافية، وعليك بالرجاء ممن يملك الوفاء، وعليك بالحذر ممن يملك العقوبة.
#إني لأريد شرب الماء، فيسبقني الرجل إلى الشربة،
فيسقينها، فكأنما دق ضلعاً من أضلاعي، لا أقدر على مكافئته.
#لا تتكلم بلسانك ما تكسر به أسنانك.
#إذا عرفت نفسك فلا يضرك ما قيل فيك.
#إذا زارك أخوك فلا تقل له: "أتأكل؟، أو أقدم إليك؟"، ولكن قدِّم، فإن أكل وإلا فارفع.
#لو أن اليقين استقر في القلب كما ينبغي لطار فرحاً، وحزناً، وشوقاً إلى الجنة، أو خوفاً من النار.
#احذر سخط الله في ثلاث:احذر أن تقصر فيما أمرك، احذر أن يراك وأنت لا ترضى بما قسم لك، وأن تطلب شيئاً من الدنيا فلا تجده أن تسخط على ربك.
#ما عالجت شيئاً أشد علي من نفسي؛مرة عليَّ،ومرة
لي
#ما أحسن تذلل الأغنياء عند الفقراء، وما أقبح تذلل الفقراء عند الأغنياء.
#يأتي على الناس زمان تموت القلوب، وتحيى الأبدان.
#اعمل للدنيا بقدر بقائك فيها، و للآخرة بقدر بقائك فيها.
#أصلحْ سَرِيْرَتَك يصلح اللهُ علانيتَك، وأصلح فيما بينك وبين الله يصلحِ الله فيما بينك وبين الناس، واعمل لآخرتك يكفِك الله أمر دنياك، وبع دنياك بآخرتك تربَحْهما جَميعاً، ولا تبع آخرتك بدنياك فتخسرهما جميعاً.
#عليك بعمل الأبطال: الكسب من الحلال، والإنفاق على العيال.
#ما بلغني عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قط
حديثا إلا عملت به مرة
#كان المال فيما مضى يكره فأما اليوم فإنه ترس المؤمن
#لأن أُخلِّف ورائي عشرة ألاف درهم يحاسبني الله- عز وجل- عليها أحب إلي من أن أحتاج إلى الناس
#البدعة أحب إلى إبليسَ من المعصية ، ذلك أن المعصية يُتاب منها أما البدعة فلا يُتاب منها ، وأبى الله- عز وجل- أن يقبل عمل مبتدع أو عمل صاحب بدعة حتى يدع بدعته
#لو همَّ رجل أن يكذب في الحديث في بيت في جوف بيت لأظهره الله عليه
#نظرنا إلى أصل كل عداوة في العالم فوجدناها اصطناع المعروف إلى اللئام
#ما أُعْطِيَ رجل من الدنيا شيئا إلا قِيل له: خُذه،
ومثله حُزنا
#ثلاثة من الصبر: لا تحدث بمصيبتك، ولا بوجعك، ولا تُزَكِّ نفسك
#المال داء هذه الأمة، والعالم طبيب هذه الأمة؛ فإذا جر العالم الداء إلى نفسه فمتى يُبْرىء الناس؟
لا تمزح فيذهب بهاؤك، ولا تكذب فيذهب نورك، وإياك وخصلتين: الضجر و الكسل فإنك إن ضجرت لم تصبر على حق، وإن كسلت لم تؤد حقا.
#من عرف نفسه لا يضره ما يقوله الناس فيه
#من لعب بعمره ضيع أيام حرثه ومن ضيع أيام حرثه ندم أيام حصاده.[الأنترنت – موقع الكلم الطيب ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الرابعة والتسعون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:
*حكم ومواعظ للإمامين أحمد بن حنبل والشافعي
#عن عبد الله بن احمد بن حنبل قال قلت لابي يا ابي أي رجل كان الشافعي؟ سمعتك تكثر من الدعاء له، فقال يا بني كان الشافعي كالشمس للدنيا وكالعافية للناس فانظر هل لهذين من خلف او عوض؟
#وقال: الناس يحتاجون إلى العلم مثل الخبز والماء؛ لأن العلم يحتاج إليه في كل ساعة، والخبز والماء في كل يوم مرة أو مرتين.
#وقال: ما بلغني حديث إلا عملت به ، وما عملت به إلا حفظته.
#وقال: وجملة التوكل؛ تفويض الأمر إلى الله جل ثناؤه، والثقة به.
#وقال: عزيز عليّ أن تذيب الدنيا أكباد رجال وعت صدورهم القرآن.
#وقال: نحن قوم مساكين ، نأكل أرزاقنا وننتظر آجالنا.
#قيل للإمام أحمد ، كم بيننا وبين عرش الرحمن ؟ قال : دعوة صادقة من قلب صادق.
#سئل الإمام أحمد متى يجد العبد لذة الراحة ؟ قال : عند أول قدم يضعها في الجنــة.
#وقال: اللهم كما صنت وجهي عن السجود لغيرك فصنه عن المسألة لغيرك.
#وقال: إذا أحببت أن يدوم الله لك على ما تحب فدم له على ما يحب.
#وقال: التوكل : قطع الاستشراف باليأس من الناس.
#وقال: تلين القلــــوب بأكل الحـــلال.
#وقال: انو الخير فإنك لا تزال بخير ما نويت الخير.
#وقال: اجعل التقوى زادك وانصب الآخرة أمامك.
#وقال: ما شبهت الشباب إلا بشيء كان في كمي ثم سقط.
#وقال: العلم لا يعدله شيء إذا كان خالصاً.
[الأنترنت – موقع الكلم الطيب ]
*حكم الأمام الشافعي
#لا ترفع سعرك فيردك الله الى ثمنك. #ما حك جلدك مثل ظفرك.. فتولّ انت جميع أمرك. #الفقيه.. هو الفقيه بفعله وخلقه، وليس بنطقه ومقاله. #متاركة السفيه بلا جواب.. أشد على السفيه من الجواب.
#ومن يقض حق الجار بعد ابن عمه**** وصاحبه الأدنى على القرب والبعد..
#يعش سيداً يستعذب الناس ذكره*****وإن نابه حق أتوه على قصد.
#إذا نطق السفيه فلا تجبه****فخير من إجابته السكوت..
#سكت عن السفيه فظن أنني*****عييت عن الجواب وما عييت
#فإن كلمته فرجت عنه **** وإن خليته كمدا يموت.
#متاركة السفيه بلا جواب**** أشد على السفيه من الجواب.
#المرء إن كان عاقلا ورعا**** أشغله عن عيوب غيره ورعه.
#احفظ لسانك أيها الإنسان**** لا يلدغنك إنه ثعبان.
#كم في المقابر من قتيل لسانه**** كانت تهاب لقاءه الشجعان.
#محن الزمان كثيرة لا تنقضي****وسروره يأتيك كالأعياد.
#فادروا الهم ما لساطعت عن النف***** س فحملانك الهموم جنون.
#مرض الحبيب فعدته **********فمرضت من حذري عليه..
#واتى الحبيب يعودني*********فبرئت من نظري إليه.
#شكوت الى وكيع سوء حفظي****فأرشدني الى ترك المعاصي
#وعلمني ان العلم نور *******ونور الله لا يهدى لعاصي.
#غني بلا مال عن الناس كلهم*****وليس الغني إلا عن الشيء لا به.
#كلما أدبني الدهر أراني نقص عقلي ****وإذا ما ازددت علماً زادني علماً بجهلي.
#إذا نطق السفيه فلا تجبه ****فخير من إجابته السكوت
#فإن كلمته فـرّجت عنـه*****وإن خليته كـمدا يمـوت.
#قل بما شئت في مسبة عرضي ****فسكوتي عن اللئيم جواب
#ما أناعادم الجواب ولكن ما ******من الأسد أن تجيب الكلاب
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الخامسة والتسعون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:*حكم ومواعظ للشافعي
#أرفع الناس قدراً من لا يرى قدره، وأكثرهم فضلاً من لا يرى فضله.
#اشد الأعمال ثلاثة : الجود من قلة، والورع في
خلوة، وكلمة الحق عند من يرجى ويخاف.
#أعرض عن الجاهل السفيه فكل مـا قـال فهـو فيـه
#ما ضر بحر الفرات يومـاً إن خاض بعض الكلاب فيه.
#الانبساط إلى الناس مجلبة لقرناء السوءوالانقباض عنهم مكسبة للعداوةفكن بين المنقبض والمنبسط. #الحر من راعى وداد لحظة.
#اللهم لا تجعل لفاجر علي منة، فتجعل له في قلبي محبة.
#إن الله خلقك حراً.. فكن حراً كما خلقك.
#إن رباً كفاك بالأمس ماكان.. سيكفيك في غد مايكون.
#أهين لهم نفسي وأكرمها بهم ولا تكرم النفس التي لا تهينها.
# تعلم ما استطعت تكن اميرا ولا تك جاهلا تبقى اسيرا تعلّم كل يوم حرف علم ترى الجهال كلهم حميرا. # دع الايام تفعل ما تشاء وطب نفسا إذا حكم القضاء ولا تجزع لحادثة الليالي فما لحوادث الدنيا بقاء.
#عفوا تعف نساؤكم في المحرم ***وتجنبوا مالايليق بمسلم
#ان الزنا دين فأن اقرضته كان ***الوفا من اهل بيتك فاعلم.
#على كل حال أنت بالفضل آخذ ***وما الفضل إلا للـذي يتفضـل.
#ففي أي شيء تذهب النفس حسرة ***وقدْ قسم الرّحْمن رزْق الْخلائق.
#قضاة الدهر قدْ ضلّوا فقد باتت خسارتهمْ *** فباعوا الدين بالدنيا فما ربحتْ تجارتهمْ.
#كلّ العداوة قد ترْجى اماتتها **** إلاّ عداوة من عاداك بالحسد.
#ومن لم يذق مر التعلم ساعة*** يجرع ذل الجهل طوال حياته.
#يخاطبني السفيه بكل قبح *** فأكره أن أكون له مجيباً
#يزيد سفاهة فأزيد حلماً ***كعود زاده الإحراق طيباً.
#ينبغي للفقيه أن يكون سفيه ليسافه عنه. #وددت أن الخلق يتعلمون هذا العلم ولا ينسب شيء اليّ منه. #لا تسكنن بلدا لا يكون فيه عالم يفتيك عن دينك ولا طبيب ينبئك عن أمر بدنك. #لا أعلم علما بعد الحلال والحرام أنبل من الطب الا أن أهل الكتاب غلبونا عليه. #لو أن رجلا عاقلا تصوّف لم يأت الظهر حتى يصير أحمق. #اذا رأيتم الرجل يمشي على الماء.. ويطير في الهواء فلا تغترّوا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة. #فكّر قبل أن تعزم وتدبّر قبل أن تهجم وشاور قبل أن تتقدم.
#لما عفوت ولم أحقدْ على أحد*** أرحت نفسي من همّ العداوات.
#وعاشرْ بمعروف وسامحْ من اعتدى***ودافعْ ولكن بالتي هي أحْسن.
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة السادسة والتسعون في موضوع الحكمة وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:
*حكم ومواعظ للشافعي
#ما في المقام لذي عقل وذي أدب منْ راحة فدع الأوْطان واغْترب سافر تجد عوضاً عمّن تفارقه وانْصبْ فإنّ لذيذ الْعيْش في النّصب إني رأيت وقوف الماء يفسده إنْ ساح طاب وإنْ لمْ يجْر لمْ يطب والأسد لولا فراق الأرض ما افترست والسّهم لولا فراق القوس لم يصب والشمس لو وقفت في الفلك دائمة ً لملّها النّاس منْ عجْم ومن عرب والتّبْر كالتّرْب ملْقى في أماكنه والعود في أرضه نوعً من الحطب فإن تغرّب هذا عزّ مطلبه وإنْ تغرّب ذاك عزّ كالذّهب. #واخْـضـعْ لأمّــك وارْضـهـا فعقـوقـهـا إحْـدى الكبــرْ. #السخاء والكرم يغطيان عيوب الدنيا والآخرة.
سلام على الدنيا إذا لم يكن بها***صديق صدوق صادق الوعد منصفا.
#رأيت القناعة رأس الغنى فصرت بأذيالها متمسـك فلا ذا يراني علـى بابـه ولا ذا يراني به منهمـك فصرت غنياً بـلا درهـم أمر على الناس شبه الملك.
#ولا خير في ودّ امرىء متلوّن*** إذا الريح مالت مال حيث تميل.
#إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة*** فلا خير في ود يجيء تكلفا.
#أتهزأ بالدعاء وتزدريه***وما تدري بم صنع الدعاء
#سهام الليل لا تخطئ ولكن***لها أمد وللأمد انقضاء
#فيمسكها إذا ما شاء ربي *** ويرسلها إذا نفذ القضاء.
#ان اظلم الناس لنفسه من رغب في مودة من لا يراعي حقه. #لما عفوت ولم أحقد على أحد #أرحت نفسي من هم العداوات #إني أحيي عدوي عند رؤيتـه أدفع الشر عنـي بالتحيـات وأظهر البشر للإنسان أبغضه كما أنه قد حشى قلبي مكدرات #محبات الناس داء ودواء الناس قربهم وفي اعتزالهم قطع المـودات.
#أحسن إلى الناس تستبعد قلوبهم*** فطالما استعبد الإنسان إحسان.
#سلامٌ على الدنيا إذا لم يكنْ بها***صديقٌ صدوقٌ صادق الوعد منصفا.
#إذا المرء لا يرعاك إلا تكلفاً**** فدعْه ولا تكْثرْ عليه التّأسّفا.
#واخْـضـعْ لأمّــك وأرضها*** فعقـوقـهـا إحْـدى الكبــرْ.
#ليت الكلاب لنا كانت مجاورة****وليتنا لا نري ممن نرى أحداً.
#ليس من المروءة أن يخبر الرجل بسنه لأنه إن كان صغيراً استحقروه وإن كان كبيراً استهرموه. #متاركة السفيه بلا جواب أشد على السفيه من الجواب. #من استغضب فلم يغضب فهو حمار ومن استرضي فلم يرضى فهو شيطان.
#نعيب زماننا والعيب فينا ***وما لزماننا عيب سوانا
#ونهجو ذا الزمان بغير ذنب ****ولو نطق الزمان لنا هجانا.
#و أرض الله واسعة ولكن*** إذا نزل القضاء ضاق الفضاء.
#و لا خير في ود امرء متلون ***إذا الريح مالت مال حيث تميل .
#و ميز كلامك قبل الكلام*** فإن لكل كلام جواب
#فرب كلام يمص الحشى**** وفيه من المزح ما يستطاب.
#وأحقّ خلق الله بالهمّ امرؤٌ ****ذو همّة ً يبْلى برزْق ضيّق.
# ومنْ لمْ يذْقْ مرّ التعلّم ساعةً ***** تجرّع ذلّ الجهْل طول حياته.
[ الانترنت- موقع حكم الأمام الشافعي ]
وقال : إذا وجدتم لرسول الله صلى الله عليه وسلم سُنَّة فاتبعوها ولا تلتفتوا إلى قول أحد.
وقال: أرفع الناس قدرًا من لا يرى قدره، وأكثرهم فضلاً من لا يرى فضله.
وقال: إذا خفت على عملك العجب، فاذكر رضا من تطلب، وفي أي نعيم ترغب، ومن أي عقاب ترهب، فمن فكر في ذلك صغر عنده عمله.
قال مالك للشافعي لما اجتمع به ورأى أمارات الذكاء والعلم والتقوى في وجهه: إني أرى الله تعالى قد ألقى عليك نورًا فلا تطفئه بظلمة المعصية.
وقال: خرجت مِن بغداد فما خلفت رجلاً أفضل ولا أعلم ولا أفقه ولا أتقى مِن أحمد بن حنبل.
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة السابعة والتسعون في موضوع الحكمة وستكون إستكمالا للماضيتين والتي هي بعنوان:
*حكم ومواعظ للشافعي
قال الشافعي في ذم الدنيا والتمسك بها :
وما هي إلا جيفة مستحيلة *****عليها كلاب همهن اجتذابها
فإن تجتنبها كنت سلما لأهلها *** وان تجتذبها نازعتك كلابها.
وقال: لا يطلب أحد هذا العلم بالملك وعز النفس فيفلح، ولكن من طلبه بذل النفس وضيق العيش وخدمة العلماء أفلح
وقال: التواضع من أخلاق الكرام، والتكبر من شيم اللئام، التواضع يورث المحبة، والقناعة تورث الراحة.
وقال : أُسِّسَ التصوف على الكسل.
سُئل الإمام الشافعيُّ رحمه الله تعالى عن مسألةٍ فسكتَ، فقيل: ألا تجيب؟ فقال: حتى أدري؛ الفضل في سكوتي أو في الجواب.
وقال: أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني إذا رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا فلم أقل به.
وقال: لو أنَّ رجلاً عاقلاً تصوَّف أوَّل النهار لم يأتِ الظُّهْر حتَّى يصيرَ أحمق.
وقال: فقر العلماء فقر اختيا،وفقر الجهلاء فقر اضطرار.
وقال: ما فزعت من الفقر قط، طلب فضول الدنيا عقوبة، عاقب بها الله أهل التوحيد.
وقال: من نم لك نم عليك.
وقال: بئسَ الزادُ إلى المَعَادِ العدوانُ على العباد.
وقال: رضا الناس غاية لا تدرك، وليس إلى السلامة
منهم سبيل، فعليك بما ينفعك فالزمه.
وقال: الخير في خمسة: غنى النفس، وكف الأذى، وكسب الحلال، والتقوى، والثقة بالله.
وقال: ما حلفت بالله صادقا ولا كاذبا.
وقال: إذا تكلمت فيما لا يعنيك ملكتك الكلمة ولم تملكها.
وقال: لا يكمل الرجل إلا بأربع: بالديانة، والأمانة، والصيانة، والرزانة.
وقال: للمروءة أركان أربعة: حسن الخلق، والسخاء، والتواضع، والنسك.
وقال: زينة العلم الورع والحلم.
وقال: المراء في الدين يقسي القلب، ويورث الضغائن.
وقال: طلب العلم أفضل من صلاة النافلة.
وقال: ما ناظرت أحداً فأحببت أن يخطئ.
وقال: أرفع الناس قدرا من لا يرى قدره.
وقال: أنفع الذخائر التقوى، وأضرها العدوان.
وقال: إذا رويت عن رسوله الله صلى الله عليه وسلم حديثا صحيحا فلم اخذ به فانا اشهدكم ان عقلي قد ذهب.
وقال: اذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا بسنة رسول الله ودعوا ما قلت.
وقال: ما اوردت الحق والحجة على احد فقبلهما مني الا هبته واعتقدت مودته، ولا كابرني على الحق احد ودافع الحجة الا سقط من عيني.
وقال: من أحب أن يفتح الله له قلبه أو ينوره فعليه بترك الكلام فيما لا يعنيه، وترك الذنوب واجتناب المعاصي، ويكون له فيما بينه وبين الله خبيةٌ من عمل، فإنه إذا فعل ذلك فتح الله عليه من العلم ما يشغله عن غيره، وإن في الموت لأكثر الشغل.
وقال: لوددت ان الخلق يتعلمون مني ولا ينسب الي منه شيء.
سألَ رجلٌ الإمام الشافعي فقال: يا أبا عبد الله، أيما أفضل للرجل أن يُمكن أو يُبتلى؟ فقال الشافعي: لا يُمكن حتى يُبتلى.
وقال: الانقباض عن الناس مكسبة للعداوة ، والانبساط إليهم مجلبة لقرناء السوء ، فكن بين المنقبض والمنبسط.
وقال: من إذلال العلم، أن تناظر كلّ من ناظرك.
وقال: لو علمت ان الماء البارد ينقص من مروءتي ما شربته.
وقال:من نظف ثوبه قل همه ومن طاب ريحه زاد عقله.
وقال: استعينوا على الكلام بالصمت وعلى الاستنباط بالفكر.
وقال: الشبع يقسي القلب ويثقل البدن ويزيل الفطنة.
قال الشافعي رحمه الله: من وعظ أخاه سرا فقد نصحــه ومن وعظه علانية فقد فضحه.
وقال: الحاسد طويل الحسرات عادم الدرجات.
وقال: العلم ما نفع ، ليس العلم ما حفظ.
وقال: أشد الأعمال ثلاثة : الجود من قلة ، والورع في خلوة ، وكلمة الحق عند من يرجى ويخاف.
وقال: إذا تصدر الحدث فاتــه خير كثير.
وقال: السخاء والكرم يغطيان عيوب الدنيا والآخرة.
وقال: حفظت القرآن وانا ابن سبع سنين.
وقال: من لم تعزه التقوى فلا عــــز له.[ الأنترنت _ موقع الكلم الطيب]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثامنة والتسعون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:*حكم ومواعظ لمالك بن دينار
قال مالك بن دينار رحمه الله: كفى بالمرء شرًا أن لا يكون صالحًا ويقعَ في الصالحين.
وقال: اعلم أنه فساد عظيم أن يتكلم الإنسان بكل ما يسمع.
وقال: إن العالِم إذا لم يعمل زلت موعظته عن القلوب
كما يزل القطر عن الصفا.
وقال: جاهدوا أهواءكم كما تجاهدون أعداءكم.
مر والي البصرة بمالك بن دينار يرفل فصاح به مالك: أقل من مشيتك هذه فهم خدمه به. فقال: دعوه، ما أراك تعرفني. فقال له مالك: ومن أعرف بك مني، أما أولك فنطفة مذرة وأما آخرك فجيفة قذرة، ثم أنت بين ذلك تحمل العذرة. فنكس الوالي رأسه ومشى.
وقال: من غلب شهوات الدنيا فذلك الذي يفرق الشيطان من ظله.
وقال: لا يصطلح المؤمن والمنافق حتى يصطلح الذئب والحمل.
كان مالك بن دينار يبكي ويبكي أصحابه ، ويقول في خلال بكائه : « اصبروا على طاعته ، فإنما هو صبر قليل وغنم طويل ، والأمر أعجل من ذلك »
وقال: أقسم لكم لو نبت للمنافقين أذناب ما وجد المؤمنون أرضا يمشون عليها.
وقال: عجبا لمن يعلم أن الموت مصيره والقبر مورده كيف تقر بالدنيا عينه؟ وكيف يطيب فيها عيشه؟
وقال: كفى بالمرء خيانة أن يكون أمينًا للخَوَنة.
وقال: وددت أن الله - عزَّ وجلَّ - أذِن لي يوم القيامة إذا وقفت بين يديه أن أسجد سجدةً، فأعلم أنه قد رضيَ عني، ثم يقول لي: يا مالك كن تُرابًا.
وقال: إن الله جعل الدنيا دار مفر والآخرة دار مقر فخذوا لمقركم وأخرجوا الدنيا من قلوبكم قبل أن تخرج منها أبدانكم، ولا تهتكوا أستاركم عند من يعلم أسراركم، ففي الدنيا حييتم ولغيرها خلقتم؛ إنما مثل الدنيا كالسم أكله من لا يعرفه واجتنبه من عرفه ومثل الدنيا مثل الحية ملمسها لين وفي جوفها السم القاتل يحذرها ذوو العقول ويهوي إليها الصبيان بأيديهم.
وقال: البكاء على الخطيئة يحط الخطايا كما تحط الريح الورق اليابس.
وقال: قال اتخذ طاعة الله تجارة تأتك الأرباح من غير بضاعة.
وقال: الصدق والكذب يعتركان في القلب حتى يخرج أحدهما صاحبه.
ودخل على مالك بن دينار لص فما وجد ما يأخذ ، فناداه مالك لم تجد شيئا من الدنيا ، فترغب في شيء من الآخرة ؟ قال : نعم ، قال : توضأ وصل ركعتين ، ففعل ثم جلس وخرج إلى المسجد ، فسئل من ذا ؟ قال : جاء ليسرقنا فسرقناه.
وقال: كل جليس لا تستفيد منه خيرًا فاجتنبه.
وقال: ما ضُرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب.
وقال: بئس عبد همه هواه وبطنه.
وقال: منذ عرفت الناس لم أفرح بمدحهم. ولم أكره مذمتهم. قيل: ولم ذاك؟ قال: لأن حامدهم مفرط وذامهم مفرط.
وكان مالك بن دينار يقوم طول ليله قابضًا على لحيته، ويقول: «يا رب قد علمت ساكن الجنة من ساكن النار، ففي أي الدارين منزل مالك ؟».
ورأى مالك بن دينار رجلا يسيء صلاته فقال: ما أرحمني لعياله. فقيل له: يسيء هذا صلاته وترحم عياله؟ قال: إنه كبيرهم ومنه يتعلمون.
وقال: كان الأبرار يتواصــــون بثلاث :بسجـــن لســـان وكثرة الاستغفار والعزلة.
وقال: من علامات المنافق : يحب أن ينفرد بالصيت.
وقال : الخوف على العمل أن لا يتقبل، أشد من العمل .
وقال: بقدرِ ما تحزن للدّنيا يخرج همّ الآخرة من قلبك، وبقدر ما تحزن للآخرة يخرج همّ الدنيا من قلبك.
وقال: من علامة حب الدنيا: أن يكون دائم البطنة.
وقال: من تباعد من زهرة الدنيا فذاك الغالب هواه.
وقال: إن لم يكن في القلب حزن خرب.
وقال مالك بن دينار رحمه الله: ما تنعم المتنعمون بمثل ذكر الله.[الأنترنت – موقع الكلم الطيب]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة التاسعة والتسعون في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:
*حكم ومواعظ أبو سليمان الداراني
عن أبي سليمان الداراني رحمه الله قال: لا يصبر عن شهوات الدنيا إلا من كان في قلبه ما يشغله من الآخرة.
و قال: ما يسرني أن لي من أول الدنيا إلى آخرها أنفقه في وجوه البر وأني أغفل عن الله طرفة عين.
و قال: إذا لذت لك القراءة : فلا تركع ، ولا تسجد ؛ وإذا لذ لك السجود : فلا تركع ، ولا تقرأ ؛ الأمر الذي يفتح لك فيه ، فالزمه.
وقال: ليس الزاهد من ألقى غم الدنيا واستراح فيها، إنما
الزاهد من ألقى غمها وتعب فيها لآخرته.
حضر أبا سليمان الداراني الموت، فقال له أصحابه : أبشر فإنك تقدم على رب غفور رحيم فقال لهم: ألا تقولون تقدم على رب يحاسبك بالصغير ويعاقبك بالكبير.
وقال أبو سليمان الداراني لما بلغه مقولة ابن سيرين ( قلت مرة لرجل : يا مفلس فعوقبت ) : قلت ذنوب القوم فعرفوا من أين أتوا، و كثرث ذنوبنا فلم ندر من أين نؤتى.
وقال : إني لأتلو الآية فأقيم فيها أربع ليال أو خمس ليال! ولولا أني أقطع الفكر فيها ما جاوزتها إلى غيرها.
و قال: كل من كان في شيء من التطوع يلذ به ، فجاء
وقت فريضة ، فلم يقطع وقتها لذة التطوع ، فهو في
تطوعه مخدوع.
وقال: الزبانية أسرع إلى حملة القرآن الذين يعصون الله عز وجل منهم إلى عبدة الأوثان حين عصوا الله سبحانه بعد القرآن.
وقال: إنما عصَى الله - عزَّ وجلَّ - من عَصَاه لِهوَانهم عليه، ولو كَرُموا عليه لحجزهم عن مَعَاصيه.
و قال : قال لقمان لابنه : يابني ، لا تدخل في الدنيا دخولا يضر بآخرتك ، ولا تتركها تركا تكون كلا على الناس.
وقال: إن الرجل لينقطع إلى بعض الملوك ليرى أثرهم عليه , فكيف بمن ينقطع إلى ملك الملوك؟
وقال: من وثق بالله في رزقه زاد في حسن خُلُقه،
وأعقبه الحلم، وسخت نفسه في نفقته، وقلت وساوسه
في صلاته.
وقال: أهل الطاعة بليلهم ألذ من أهل اللهو بلهوهم، وربما استقبلني الفرح في جوف الليل، وربما رأيت القلب يضحك ضحكًا.
وقال: إني لأخرُج من منزلي فمَا يقَع بصرِي علَى شيء إلا رَأيت لله علَي فيهِ نعمَة ولِي فيهِ عِبرَة.
وقال: إذا استحيى العبد من ربه - عزَّ وجلَّ - فقد استكمل الخير.
وقال: لو أن الدنيا كلها لي في لقمة ثم جاءني أخ لأحببت أن أضعها في فيه.
وقال: من صدق فى ترك شهوة أذهبها الله من قلبه , والله أكرم من أن يعذب قلبا بشهوة تركت له.
وقال: من حَسُنَ ظنُّه بالله - عزَّ وجلَّ - ثم لا يخاف
الله فهو مَخْدوع.
وقال: الخاسر من أبدى للناس صالح عمله، وبارز بالقبيح من هو أقرب إليه من حبل الوريد.
وقال: أرجو أن أكون قد رزقت من الرضا طرفا لو أدخلنى النار لكنت بذلك راضيا.
وقال : جلساء الرحمن عز و جل يوم القيامة من جعل فيه خصال الكرم والسخاء والحلم والرحمة والرأفة والشكر والبر والصبر.
وقال: القناعة أول الرضا.
وقال: أصل كُـل خَيـر في الدنيَـا وَالآخـرة، الخَوف مِن الله تعالى.
وقال: كل ما أشغلك عن الله فهو عليك مشؤوم.
وقال: ترك شهوة من الشهوات أنفع للقلب من صيام
سنة وقيامها.
وقال عن الزهد: هو ترك ما يشغل عن الله.
وقال: لكل شيء علم، وعلم الخذلان ترك البكاء، ولكل شيء صدأ، وصدأ القلب الشبع.
وقال: طوبى لمن صحَّت له خطوة واحدة لا يريد بها إلا الله تعالى.
وقال : الزوجة الصالحة ليست من الدنيا فإنها تفرغك للآخرة.
وقال: إذا أخلص العبد انقطعت عنه كثرة الوساوس والرياء.
وقال: لا تفوت أحداً صلاة الجماعة إلا بذنب.
وقال: أفضل الأعمال خلاف هوى النفس.
وعن أبي سليمان الداراني في قوله تعالى : " وَجَزَاهُمْ بِمَا
صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا "، قال: صبروا عن الشهوات"
وقال : من شبع دخل عليه ست آفات : فقد حلاوة المناجاة ، وتعذر حفظ الحكمة وحرمان الشفقة على الخلق ، وثقل العبادة وزيادة الشهوات ، والشبّاع يدورون حول المزابل
وقال : لولا الليل ما أحببت البقـــاء
وقال : مفتاح الدنيا الشبع ومفتاح الآخرة الجوع .
وقال: عودوا أعينكم البكاء وقلوبكم التفكر.
وقال: إنما عصى الله من عصاه لهوانهم على الله.
وقال: لكل شيء صدأ وصدأ نور القلب الشبع. ، وقال: الورع أول الزهـــد.
وقال: إذا جاع القلب وعطش صفا ورق وإذا شبع عمي.
وقال: من كان يومه مثل أمسه فهو في نقصــان.
وقال: من اشتغل بربه شغل عن نفسه وعن الناس.
وقال: من اشتغل بنفســه شغل عن الناس.
وقال: ما فارق الخوف قلباً إلا خرب.
قال: إذا كانت الآخرة في القلب جاءَت الدنيا تزحَمها، وإذا كانت الدنيا في القلب لم تَزْحَمها الآخرة، لأنَّ الآخرة كريمة والدنيا لئيمة.
قال: ما أتى من أتى - إبليس وقارون وبلعام - إلا أن أصل نياتهم على غش، فرجعوا إلى الغش الذي في قلوبهم، والله أكرم من أن يمنّ على عبد بصدق ثم يسلبه إياه.
وقال: من صفى صفي له ومن كدر كدر عليه ومن أحسن في ليله كوفىء في نهاره ومن أحسن في نهاره
كوفيء في ليله.
وقال من أراد أن يسأل الله حاجة فليبدأ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسأله حاجته
ثم يختم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإن الله عز وجل يقبل الصلاتين وهو أكرم من أن يدع ما بينهما.[الأنترنت – موقعالكلم الطيب]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة المائة في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:
*حكم ومواعظ ليحيى بن معاذ
قال يحي بن معاذ في قوله تعالى : ( فقولا له قولاً ليّناً لعلّه يتذكر أو يخشى ) ": إلهي ! هذا رفقك بمن يقول : أنا إله ، فكيف بمن يقول : أنت الإله ؟!.
قيل ليحيى بن معاذ رحمه الله: متى يبلغ العبد إلى مقام الرضا ؟ فقال : إذ أقام نفسه على أربعة أصول فيما يعامل به ربه ، فيقول : إن أعطيتني قبلت ، وإن منعتني رضيت ، وإن تركتني عبدت ، وإن دعوتني أجبت.
وقال : اللهم إن كان ذنبي قد أخافني ، فإن حسن ظني قد أجارني ، اللهم سترت عليّ في الدنيا ذنوباً أنا إلى سترها في القيامة أحوج ، وقد أحسنت بي إذ لم تظهرها لعصابة من المسلمين ، فلا تفضحني في ذلك اليوم على رؤوس العالمين ، يا أرحم الراحمين
وقال: لا تكن ممن يفضحه يوم موته ميراثه ، ويوم حشره ميزانه.
وقال: لست آمركم بترك الدنيا ،بل آمركم بترك الذنوب ،
لأن ترك الدنيا فضيلة ، وترك الذنوب فريضة ، وأنتم إلى إقامة الفريضة أحوج منكم إلى الحسنات والفضائل.
وقال: من خان الله عز وجل في السر هتك سره في العلانية.
وقال : يا من يغضب على من لا يسأله لا تمنع من قد سألك.
وقال: يا من أعطانا خير ما في خزائنه ؛ الإيمان به قبل السؤال ، لا تمنعنا عفوك مع السؤال.
وقال : إن غفرت فخير راحم ، وإن عذبت فغير ظالم.
وقال : رضي الله عن قوم فغفر لهم السيئات ، وغضب على قوم فلم يقبل منهم الحسنات.
وقال : إن قال لي يوم القيامة : عبدي ما غرّك بي ؟ قلت : إلهي برّك بي.
وقال : على قدر خوفك من الله يهابك الخلق ، وعلى قدر حبك لله يحبك الخلق ، وعلى قدر شغلك بالله يشتغل الخلق بأمرك.
وقال : عجبت من يحزن على نقصان ماله ، كيف لا يحزن على نقصان عمره.
وقال : أخوك من عرَّفك العيوب ، وصديقك من حذرك من الذنوب.
وقال : الدنيا خراب ، وأخرب منها قلب من يعمرها ، والآخرة دار عمران وأعمر منها قلب من يطلبها.
وقال : ألا إن العاقل المصيب من عمل ثلاثاً : ترك الدنيا قبل أن تتركه ، وبنى قبره قبل أن يدخله ، وأرضى ربه قبل أن يلقاه.
وقال: حفت الجنة بالمكاره وأنت تكرهها ، وحفت النار
بالشهوات وأنت تطلبها ، فما أنت إلا كالمريض الشديد الداء ، إن صبر نفسه على مضض الدواء اكتسب بالصبر عافية ، وإن جزعت نفسه مما يلقى طالت به علة الضنا.
وقال: الليل طويل فلا تقصره بمنامك ، والنهار نقي فلا تدنسه بآثامك.
وقال: لا يزال دينك متمزقاً ما دام قلبك بحب الدنيا متعلقاً.
وقال: يا ابن آدم طلبت الدنيا طلب من لا بد له منها ، وطلبت الآخرة طلب من لا حاجة له إليها ، والدنيا قد كفيتها وإن لم تطلبها ، والآخرة بالطلب منك تنالها فاعقل شأنك.
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الواحدة بعد المائة في موضوع الحكمة وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:
*حكم ومواعظ ليحيى بن معاذ
وقال: كم من مستغفر ممقوت ، وساكت مرحوم ، ثم
قال : هذا استغفر الله وقلبه فاجر ، وهذا سكت وقلبه ذاكر.
وقال: دواء القلب خمسة أشياء : قراءة القرآن بالتفكر ، وخلاء البطن ، وقيام الليل ، والتضرع عند السحر ، ومجالسة الصالحين.
وقال: مصيبتان للمرء في ماله عند موته لم يسمع الأولون والآخرون بمثلهما ، قيل : ما هما ؟ قال : يؤخذ منه كله ، ويُسأل عنه كله.
وقال : إلهي ، كيف أفرح وقد عصيتك ، وكيف لا أفرح وقد عرفتك ، وكيف أدعوك وأنا خاطىء ، وكيف لا أدعوك وأنت كريم.
وقال : ليكن حظ المؤمن منك ثلاثاً : إن لم تنفعه فلا
تضره،وإن لم تفرحه فلا تغمه،وإن لم تمدحه فلاتذمه
وقال : ذنب أفتقر به إليه أحب إليّ من طاعة أفتخر بها عليه.
وقال : اللهم لا تجعلنا ممن يدعو إليك بالأبدان ويهرب منك بالقلوب ، يا أكرم الأشياء علينا لا تجعلنا أهون الأشياء عليك.
وقال: الذي حجب الناس عن التوبة طول الأمل ، وعلامة التائب إسبال الدمعة ، وحب الخلوة ، والمحاسبة للنفس عند كل همة.
وقال : مسكين ابن آدم لو خاف النار كما يخاف الفقر دخل الجنة.
وقال: إلهي أعلم أن لا سبيل إليك إلا بفضلك ، ولا انقطاع عنك إلا بعدلك ، إلهي كيف أنساك وليس لي رب سواك ؟ إلهي لا أقول لا أعود ، لا أعود ، لأني أعرف من نفسي نقض العهود لكني أقول لا أعود ، لعلي أموت قبل أن أعود.
وقال: غنيمة الآخرة في ثلاثة أشياء : الطاعة والبر والعصيان . طاعة الرب ، وبر الوالدين ، وعصيان الشيطان.
وقال: لا تتخذوا من القرناء إلا ما فيه ثلاث خصال : من حذَّرك غوائل الذنوب ، وعَرَّفك مدانس العيوب ، وسايرك إلى علام الغيوب.
قال: من أكثر ذكر الموت لم يمت قبل أجله ، ويدخل عليه ثلاث خصال من الخير : أولها المبادرة إلى التوبة ، والثاني القناعة برزق يسير ، والثالث النشاط في العبادة . ومن حرص على الدنيا فإنه لا يأكل فوق ما كتب الله له ، ويدخل عليه من العيوب ثلاث خصال : أولها أن تراه أبداً غير شاكر لعطية الله له ، والثاني لا يواسى بشيء مما قد أعطي من الدنيا ، والثالث يشتغل ويتعب في طلب ما لم يرزقه الله حتى يفوته عمل الدين.
قال : ألق حسن الظن على الخلق ، وسوء الظن على نفسك ، لتكون من الأول في سلامة ، ومن الآخر على الزيادة.
وقال: عجبت لمن يصبر عن ذكر الله ، وأعجب منه من
صبر عليه كيف لا ينقطع.
وقال: ابن آدم ! مالك تأسف على مفقود لا يرده عليك الغوث؟ومالك تفرح بموجود لا يتركه في يدك الموت ؟
وقال: حين خاطروا بالنفوس اقتربوا ، وهذا طعم الخبر فكيف طعم النظر.
وقال: للتائب فخر لا يعادله فخر في جميع أفخاره : فرح الله بتوبته.
وقال: لا تعرفه حتى تعمى عن الخلق.
وقال: من سعادة المرء أن لا يكون لخصمه فهماً ، وخصمي لا فهم له . قيل له : من خصمك ؟ قال : خصمي نفسي لا فهم لها ن تبيع الجنة بما فيها من النعيم المقيم والخلود فيها بشهوة ساعة في دار الدنيا.
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثانية بعد المائة في موضوع الحكمة وستكون إستكمالا للماضيتين والتي هي بعنوان:
*حكم ومواعظ ليحيى بن معاذ
وقال: عبادة العارف في ثلاثة أشياء : معاشرة الخلق
بالجميل ، وإدامة الذكر للجليل ، وصحة جسمٍ بين جنبيه قلبٌ عليل.
وقال: لو لم يكن للعارفين إلا هاتان النعمتان لكفاهم مِنَّة : متى رجعوا إليه وجدوه ، ومتى ما شاءوا ذكروه.
وقال: الدنيا لا قدر لها عند ربها وهي له ، فما ينبغي أن يكون قدرها عندك وليست لك.
وقال: اللهم إني جعلت الاعتراف بالذنب وسيلة لي إليك ، واستظللت بتوكلي عليك ، فإن
غفرت فمن أولى بذلك منك ، وإن عاقبت فمن أعدل في الحكم منك.
وقيل ليحيى بن معاذ : من آمن الخلق غداً ؟ قال : أشدهم خوفاً اليوم وقال له رجل : إنك لتحب الدنيا ، فقال : أين السائل عن الآخرة ؟ قال : هأنا ، قال : أخبرني أيها السائل عنها ، أبالطاعة تنال أم بالمعصية ؟ قال : لا ، بل بالطاعة ، قال : فأخبرني عن الطاعة ، أبالحياة تنال أم بالممات ؟ قال : لا ، بل بالحياة ، قال : فأخبرني عن الحياة ، أبالقوت تنال أم بغيره ؟ قال : لا ، بل بالقوت ، قال : فأخبرني عن القوت ، أمن الدنيا هو أم من الآخرة ؟ قال : لا ، بل من الدنيا ، قال : فكيف لا أحب دنيا قُدِّر لي فيها قوت أكتسب به حياة أُدرك بها طاعة أنال بها الآخرة ؟!، فقال الرجل : أشهد أن ذلك معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنّ من البيان لسحراً )
وقال : ما ركن إلى الدنيا أحد إلا لزمه عيب القلوب ، ولا مكَّن الدنيا من نفسه أحد إلا وقع في بحر الذنوب.
وقال : يا بن آدم ، لا يزال دينك متمزقاً ما دام القلب
بحب الدنيا متعلقاً.
وقال : مفاوز الدنيا تُقطع بالأقدام ، ومفاوز الآخرة تُقطع بالقلوب.
وقال : إن وضع عليهم عدله لم تبق لهم حسنة ، وإن أنالهم فضله لم تبق لهم سيئة.
وقال : كيف امتنع بالذنب من رجائك ، ولا أراك تمتنع للذنب من عطائك.
وقال: لست أبكي على نفسي إن ماتت ، إنما أبكي على
حاجتي إن فاتت.
وقال : لا تسكن الحكمة قلباً فيه ثلاث خصال : هم الرزق ، وحسد الخلق ، وحب الجاه ،أعداء الإنسان ثلاثة : دنياه ، وشيطانه ، ونفسه ، فاحترز من الدنيا بالزهد ، ومن الشيطان بمخالفته ، ومن النفس بترك الشهوات
وقال : إياك والركون إلى دار الدنيا ، فإنها دار ممر لا دار مقر.
وقال يحيى بن معاذ رحمه الله: الجوع نور والشبع نار. [الأنترنت – موقع الكلم الطيب ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثالثة بعد المائة في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:*حكم ومواعظ لابن المبارك
عن ابن المبارك قال: سألت سفيان الثوري رحمه الله عن الرجل يصلي أي شيء ينوي بصلاته؟ قال: ينوي أن يناجي ربه.
سئل ابن المبارك: من الناس؟ فقال: العلماء قيل: فمن الملوك؟ قال: الزهاد. قيل: فمن السفلة؟ قال: الذين يأكلون الدنيا بالدين.
وعن عبد الله بن المبارك أنه كان يتمثل :
ركوب الذنوب يميت القلوب ***وقد يورث الذل إدمانها وترك الذنوب حياة القلوب ***وخير لنفسك عصيانها.
وقال: وما أعياني شيء كما أعياني أني لا أجد أخا في الله.
وقال : ليكن الذي تعتمدون عليه هذا الأثر، وخذوا من الرأي ما يفسر لكم الحديث.
وقال: ما الذلُّ إلاّ في الطمع.
و قال: تَركُ فِلسٍ من حرام أفضل من مائة ألف فلس أتصدق بها.
وقيل لابن المبارك رحمه الله: اجمع لنا حسن الخلق في كلمة، قال: ترك الغضب.
وقيل لابن المبارك رحمه الله: أنت إذا صليت لم لا تجلس معنا ؟ قال : أجلس مع الصحابة و التابعين أنظر في كتبهم و آثارهم , فما أصنع معكم ؟ أنتم تغتابون الناس.
وقال: لو أن رجلاً اتقى مائة شيء، ولم يتورع عن شيء واحد، لم يكن ورعًا.
وقال: اغتنم ركعتين زلفى الى الله إذا كنت ريحا مستريحا، وإذا هممت بالنطق فى الباطل، فاجعل مكانه تسبيحا.
وقال : لا يزال المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظنَّ أنه قد علم فقد جهل.
وقال : «من أعظم المصائب للرجل أن يعلم من نفسه تقصيرًا ثم لا يبالي، ولا يحزن عليه!».
وقال : لو كنت مغتابًا أحدًا لاغتبت والدَيّ لأنهما أحقُّ بحسناتي.
وقيل لابن المبارك: إلى متى تكتب العلم؟ قال: "لعل الكلمة التي أنتفع بها لم أكتبها بعد".
وسئل ابن المبارك عن حسن الخلق، فقال: هو بسط الوجه، وبذل المعروف.
وقال الحسن بن عرفة: قال لي ابن المبارك: استعرت قلمًا بأرض الشام، فذهبت على أن أرده، فلما قدمت (مرو) نظرت فإذا هو معي، فرجعت إلى الشام حتى رددته على صاحبه.
وقال : الزاهد هو الذي إن اصاب الدنيا لم يفرح وإن فاتته لم يحزن.
وقال: كاد الأدب يكون ثلثي الدين.
وقال: عجبت لمن لم يطلب العلم كيف تدعوه نفسه إلى مكرمة.
وقال: ليكن مجلسك مع المساكين.
وقال: إياك أن تجلس مع صاحب بدعة.
وقال: ليس للمؤمن في الدنيا دولة وإنما دولته في الآخرة.
وقال : رب عمل صغير تعظمة النية ورب عمل كبير تصغره النية.
وقال : اترك فضول الكلام توفق للحكمة.
وقال ابن المبارك رحمه الله : اترك فضول النظر توفق للخشوع.[الأنترنت - موقع الكلم الطيب ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الرابعة بعد المائة في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:*حكم ومواعظ الفضيل بن عياض
قال الفضيل بن عياض رحمه الله: احتمل أخاك إلى
سبعين زلة، قيل له: وكيف ذلك يا أبا علي؟ قال:
لأن الأخ الذي آخيته في الله ليس يزل سبعين زلة.
وقال : الخوف أفضل من الرجاء . ما كان العبد صحيحا فإذا نزل به الموت ، فالرجاء أفضل من الخوف.
وقال : رهبة المرء من الله تعالى على قدر علمه بالله تعالى.
وقال : العجب كل العجب لمن عرف الله ثم عصاه بعد المعرفة.
و قال: خصلتان تقسِّيان القلب: كثرةُ الكلام، وكثرةُ الأكل.
وقال : ذكر الناس داء، وذكر الله شفاء.
وقال : كلام المؤمن حكم، وصمته تفكر، ونظره عبرة، وعمله بر، وإذا كنت كذا لم تزل في عبادة.
وقال : أُنزل القرآن ليُعْمَلَ به، فاتخذ الناس تلاوته عملاً
«اقتضاء العلم العمل.
وقال : ينبغي لحامل القرآن أن لا يكون له إلى أحد حاجة ولا إلى الخلفاء فمن دونهم فينبغي أن تكون حوائج الخلق إليه.
وقال : خمس من علامات الشقوة : القسوة في القلب ، وجمود العين ، وقلة الحياء ، والرغبة في الدنيا ، وطول الأمل.
وقال : لو كان لي دعوة مجابة لدعوتها للسلطان لأن بصلاحه تصلح الرعية.
وقال : لو كان مع علمائنا صبر ما غدوا لأبواب هؤلاء، يعني الملوك.
وقال: الغناء رقية الزنا.
وقال : المؤمن يستر وينصح والفاجر يهتك ويعير.
وقال : ما من أحد أحب الرياسة إلا حسد، وبغى، وتتبع عيوب الناس، وكره أن يذكر أحد بخير.
وقال : من خاف الله دله الخوف على كل خير.
وقال : وجدت في بعض الكتب: إذا عصاني من عرفني سلطت عليه من لا يعرفني.
وسئل الفضيل بن عياض عن التواضع فقال : يخضع للحق، وينقاد له ويقبله ممن قاله.
وقال : من استحوذت عليه الشهوات انقطعت عنه مواد التوفيق.
وقال : إني لأستحي من ربي أن أحزن لرزقي بعد رضائه.
وقال : لا يزال العالم جاهلا بما علم، حتى يعمل به، فإذا عمل به، كان عالماً.
وقال : الاستغفار بلا إقلاع توبة الكذَّابين.
وقال : إنما يهابك الخلق على قدر هيبتك لله.
وقال : إذا جلست فتكلمت , فلم تبال من ذمك و من مدحك فتكلم.
وقال : إنما يريد الله عز وجل منك نيتك وإرادتك.
وقال : ( من عرف الناس استراح ) يريد – والله أعلم – أنهم لا ينفعون ولا يضرون.
وقال : الراضى لا يتمنى فوق منزلته. ، وقال : ما اهتممت برزق قط.
وقال : من طلب أخا بلا عيب، بقي بلا أخ.
وقال : ما رأيت أحدا عظم الدنيا فقرت عينه فيها ولا انتفع بها وما حقرها أحد إلا تمتع بها.
وقال : لم يتزين الناس بشيء أفضل من الصدق
وطلب الحلال.
وقال : المؤمن يغبط ولا يحسد،والغبطة من الإيمان، والحسد من النفاق.
وقال : من أحب أن يُذكر لم يذكر، ومن كره أن يُذكر ذُكر.
وقال : احفظ لسانك وأقبل على شأنك، واعرف زمانك، واخف مكانك.
وقال : من خاف الله لم يضره أحد، ومن خاف غير
الله لم ينفعه أحد.
وقال : والله ما يحل لك أن تؤذي كلباً ولا خنزيراً بغير حق، فكيف تؤذي مسلما ؟
وقال : حرام على قلوبكم أن تصيب حلاوة الإيمان حتى تزهدوا في الدنيا.
وقال : بقدر ما يصغر الذنب عندك يعظم عند الله، وبقدر ما يعظم عندك يصغر عند الله.
وقال : إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار، فاعلم أنك محروم كبلتك خطيئتك.
وقال : رهبة العبد من الله على قدر علمه بالله، وزهادته في الدنيا على قدر رغبته في الآخرة.
[الأنترنت – موقع الكلم الطيب ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الخامسة بعد المائة في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:*حكم ومواعظ لعبد الله بن مسعود
قال ابن مسعود رضي الله عنه: إذا أردتم العلم فانثروا
القرآن، فإن فيه علم الأولين والآخرين.
وقال : إن من التواضع أن تبدأ بالسلام كلَّ من لقيت.
و قَالَ ما من شيء أحق بطول السجن من اللسان.
وقال : ليس حفظ القرآن بحفظ الحروف، ولكن إقامة حدوده.
وقال : كفى بخشية الله علما ، وكفى بالاغترار به جهلا.
وقال : الصَّبر نصف الإيمان واليقين الإيمان كُلُّه.
وقال : شر الضلالة، ضلالة بعد الهدى والإيمان.
وقال : إني لأمقت الرجل أن أراه فارغا ليس في شيء من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة.
وقال : عنوان صحيفة الميت ثناء الناس عليه
وقال : الاقتصاد في السنة أحسن من الاجتهاد في البدعة.
وقال : تعودوا الخير فإنما الخير في العادة.
وقال عن القرآن: والذي نفسي بيده! إن حق تلاوته أن يحل حلاله ويحرم حرامه ويقرأه كما أنزله الله.
وقال : تعلموا تعلموا ، فإذا علمتم فاعملوا.
وقال : يأتي قوم يرفعون الطين ويضعون الدين ويستعملون البرازين. يصلون إلى قبلتكم ويموتون على غير دينكم.
وقال : إني لأحسب الرجل ينسى العلم كان يعلمه للخطيئة يعملها.
وقال: أربع قد فرغ منها : الخلق، والخلق، والرزق، والأجل؛ وليس أحد بأكسب من أحد.
وقال : إن أشد آية في القرآن تفويضاً "ومن يتوكل على الله فهو حسبه".
وقال : من كان منكم مستنا، فليستن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة.
وقال : إياكم وفضول الكلام حسب امرئ ما بلغ حاجته.
وقال : ما حدثت قومًا حديثًا قط لم تبلغه عقولهم إلا كان فتنة على بعضهم.
وقال : الرجل يذنب الذنب ثم لا يعود فيه.
وقال: اغد عالما أو متعلما، ولا تغد بين ذلك.
وقال: ذهب صفو الدنيا وبقي كدرها فالموت تحفة لكل مسلم.
وقال : درهم ينفقه أحدكم في صحته وشحه؛ أفضل من مائة يوصى بها عند الموت).
وقال : إنما هذه القلوب أوعية ، فأشغلوها بالقرآن ولا
تشغلوها بغيره.
وقال : من أراد الدنيا أضر بالآخرة ، ومن أراد الآخرة أضر بالدنيا.
وقال : ليس للمؤمن راحة دون لقاء الله.
وقال : الإيمان نصفان، نصف صبر ونصف شكر.
وقال : لا تعجلن بمدح أحد ولا بذمه ، فإنه رب من يسرك اليوم يسوءك غدا.
وقال : من أراد علم الأولين والآخرين، فليتدبر القرآن.
وقال : إذا أعجبت أحدكم امرأة فليذكر مناتنها.
وقيل لعبد الله بن مسعود ما نستطيع قيام الليل ؟قال : أقعدتكم ذنوبكم .
جاء رجل إلى ابن مسعود رضي الله عنه ، فقال له : إن لي جارًا يؤذيني، ويشتمني، ويضيق علي , فقال ابن مسعود: اذهب فإن هو عصى الله فيك، فأطع الله فيه.
وجاء رجل إلى ابن مسعود رضى الله عنه فقال له : حدثنا عن النار كيف هي ؟! فقال ابن مسعود رضى الله عنه:(لو رأيتها لزال قلبك من مكانه!)[الأنترنت – موقع الكلم الطيب
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة السادسة بعد المائة في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:*حكم ومواعظ للحسن البصري
قال الحسن البصري رحمه الله في اهل المعاصي: هانوا على الله فعصوه ، ولو عزوا عليه لعصمهم.
وقال : ما نظرت ببصري ولا نطقت بلساني ولا بطشت بيدي ولا نهضت على قدمي حتى أنظر أعلى طاعة أو على معصية ؟ فإن كانت طاعته تقدمت ، وإن كانت معصية تأخرت.
وقال : لا يزال الناس يكرمونك ما لم تعاط ما في أيديهم ، فإذا فعلت ذلك استخفوا بك
وقال : العلم علمان : علم اللسان فذاك حجة الله على ابن آدم ، وعلم في القلب فذاك العلم النافع.
وقال : لا يزال العبد بخير ما علم الذي يفسد عليه عمله.
وقال : إن المؤمن جمع إيماناً وخشية ، والمنافق جمع إساءة وأمناً.
وقال : ما نعلم عملاً أشد من مكابدة الليل ونفقة هذا
المال.
وقال : لا تلقى المؤمن إلا يحاسب نفسه ، ماذا أردتِ تعملين ؟ وماذا أردتِ تأكلين ؟ والفاجر يمضي قدماً لا يحاسب نفسه.
وقال : المصافحة تزيد المودة.
وقال : ما زالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيراً من الحلال مخافة الحرام.
وقال : المؤمن في الدنيا كالأسير يسعى في فكاك رقبته.
وقال : إنما أنت أيام مجموعة ، كلما مضى يوم مضى بعضك.
وقال : بئس الرفيقان الدرهم والدينار لا ينفعانك حتى يفارقانك.
وقال : مثقال ذرة من الورع خير من ألف مثقال من
الصوم والصلاة.
وقال : المؤمن الكيس الفطن الذي كلما زاده الله إحساناً ازداد من الله خوفاً.
وقال : إن الحسد في دين المسلم أسرع من الآكلة في جسده.
وقال : الصبر كنز من كنوز الجنة ، وإنما يدرك الإنسان الخير كله بصبر ساعة.
وقال : احذر ممن نقل إليك حديث غيرك ، فإنه سينقل إلى غيرك حديثك.
وقال : ليس من المروءة أن يربح الرجل على أخيه.
وقال : قضاء حاجة أخ مسلم أحب إلي من اعتكاف شهر.
وقال : يا ابن آدم نهارك ضيفك فأحسن إليه ، فإنك
إن أحسنت إليه ارتحل بحمدك ، وإن أسأت إليه ارتحل بذمك.
وقال : ما صدق عبد بالنار إلا ضاقت عليه الدنيا بما رحبت.
وقال : إنما الفقيه الزاهد في الدنيا ، الراغب في الآخرة.
وقال : إن النفس أمارة بالسوء ، فإن عصتْك في الطاعة فاعصها أنت في المعصية.
وقال : إن الرجل ليذنب الذنب فيحرم به قيام الليل.
وقال : إذا لم تقدر على قيام الليل ولا صيام النهار فاعلم أنك محروم قد كبلتك الخطايا.
وقال : ما رأيت شيئاً من العبادة أشد من الصلاة في جوف الليل.
وقال : اصحب الناس بمكارم الأخلاق ، فإن الثواء بينهم قليل.
وقال : أيها الناس ! احذروا التسويف ، فإني سمعت بعض الصالحين يقول :نحن لا نريد أن نموت حتى نتوب ، ثم لا نتوب حتى نموت.
وقال : من طلب العلم لله لم يلبث أن يُرى ذلك في خشوعه وزهده وتواضعه.
وقال : ابن آدم : إن الإيمان ليس بالتحلي ولا بالتمني ، ولكنه بما وقر في القلب وصدقته الأعمال.
وقال : أكثروا من ذكر هذه النعم فإن ذكرها شكراً.
وقال : فضح الموت الدنيا فلم يترك فيها لذي لب فرحاً.
وقال : لكل أمة وثن يعبدون ، وصنم هذه الأمة الدينار والدرهم.
وقال : من نافسك في دينك فنافسه ، ومن نافسك في دنياك فألقها في نحره.
وقال : الزهد في الدنيا يريح القلب والبدن.
وقال : ما أطال عبد الأمل إلا أساء العمل.
وقال : لولا العلماء لكان الناس كالبهائم.
وقال : من ساء خلُقه عذَب نفسه.
وقال الحسن البصري رحمه الله: من علامة إعراض الله تعالى عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه .[الأنترنت – موقع الكلم الطيب ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة السابعة بعد المائة في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:*حكم ومواعظ لعمر بن عبد العزيز
عن عمرو بن مهاجر قال: قال لي عمر بن عبد العزيز رحمه الله: إذا رأيتني قد ملتُ عن الحق، فضع يدك في تلبابي، ثم هزَّني، ثم قل: يا عمر ما تصنع ؟
وقال ميمون بن مهران: ولاني عمر بن عبد العزيز، وقال لي: إن جاءك كتابي بغير الحق فاضرب به الحائط.
وقال عمر بن عبد العزيز: ما أنعم الله على عبد نعمة فانتزعها منه فعاضه مكانها الصبر إلا كان ما عوضه خيراً مما انتزعه.
وقال : ما رأيت يقينًا أشبه بالشك من يقين الناس بالموت ثم لا يستعدون له.
وقال : خذوا من الرأي ما يوافق من كان قبلكم فإنهم كانوا أعلم منكم.
وقال : لو فارق ذكر الموت قلبي ساعة لفسد.
وقال : ما أحب أن يخفف عني الموت لأنه آخر ما يؤجر عليه المسلم.
وقال : ما قرن شئ إلى شئ أحسن من حلم إلى علم، ومن عفو إلى قدرة.
وقال : إنما خلقتم للأبد، ولكنكم تنقلون من دار إلى دار.
وقال : ما طاوعني الناس على شيء أردته من الحق حتى بسطت لهم طرفا من الدنيا.
وقال : اتقوا المزاح فإنها حمقة تورث ضغينة.
وقال : إن أفضل العبادة أداء الفرائض واجتناب
المحارم.
وقال : إن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما.
وقال : أفضل الأعمال ما أكرهت عليه النفوس.
وقال : من لم يعلم أن كلامه من عمله كثرت ذنوبه.
وقال : قد أفلح من عُصم من الهوى، والغضب والطمع.
وقال : ما كنت على حال من حالات الدنيا فيسرنى أنى على غيرها.
وقال : قيِّدوا نعم الله عز وجل بالشكر لله تعالى.
وعن سعيد بن سويد من حرس عمر بن عبد العزيز قال : صلى بنا عمر بن عبد العزيز الجمعة ثم جلس وعليه قميص مرقوع الجيب من بين يديه ومن خلفه فقال له رجل يا أمير المؤمنين إن الله عز و جل قد أعطاك فلو لبست وصنعت، فنكس مليا حتى عرفنا أن ذلك قد ساءه ثم رفع رأسه إليه فقال إن أفضل القصد عند الجدة وأفضل العفو عند المقدرة.
وعن عبد الله بن عمر بن عبد العزيز قال : ما قلب عمر بن عبد العزيز بصره على نعمة أنعم الله بها عليه إلا قال : اللهم أني أعوذ بك أن أبدل نعمك كفرا أو أكفرها بعد معرفتها أو أنساها فلا أثنى بها.
وعن عبد العزيز ابن عمر بن عبد العزيز قال: قال لي أبي: يا بني إذا سمعت كلمة من امرىء مسلم فلا تحملها على شيء من الشر ما وجدت لها محملاً من الخير.
وقال عمر بن عبد العزيز : ما قرن شيء إلى شيء أفضل من حلم إلى علم .
وقال : من جعل دينه عرضة للخصومات أكثر التنقل .
وقال : لا ينفع القلب إلا ما خرج من القلب .
وقال : بؤساً لمن كان بطنـــه أكبر همـــه .
وقال : أفضل العبادة أداء الفرائض واجتنباب المحارم
وقال : أصلحوا سرئركم تصلح لكم علانيتكم .
وقال عمر بن عبد العزيز : أصلحوا آخرتكم تصلح لكم دنياكم . [الأنترنت- موقع الكلم الطيب ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثامنة بعد المائة في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:*حكم ومواعظ لعلي بن أبي طالب
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ألا إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قطع الرأس بار الجسم.
وقال : أشد الأعمال ثلاثة إعطاء الحق من نفسك وذكر الله على كل حال ومواساة الأخ في المال.
وقال : البخل جلباب المسكنة ، وربما دخل السخي بسخائه الجنة. قال : ومن البخل ترك حقّ قد وجب لخوف شيء لم يقع.
وقيل لعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: كيف يحاسب الله العباد على كثرتهم? قال:كما قسَّم بينهم أرزاقهم.
وقال : حسن الظنّ باللّه ألا ترجو إلا اللّه ، ولا تخاف إلا ذنبك.
وقال: لا وجع إلا وجع القلوب من الذنوب، ولا شيء أشد من الموت، وكفى بما سلف تفكرا، وكفى بالموت واعظاً.
وقال: العاقل من لم يحرمه نصيبه من الدنيا حظّه من الآخرة.
وقال عليّ بن أبي طالب في وصيته لابنه : لا مال أعوذ من العقل ، ولا قفر أشدّ من الجهل ، ولا وحده أوحش من العجب ، ولا مظاهرة كالمشاورة ، ولا حسب كحسن الخلق.
وقال :لو كان الصبر رجلا كان أكمل الرجال،وإن الجزع والجهل والشره والحسد لفروع أصلها واحد
وقال : الدنيا دار ممرً إلى دار قرار، والناس فيها رجلان: رجل باع نفسه فأوبقها، ورجل ابتاعها فأعتقها.
وقال : لا تعمل شيئا من الخير رياء ولا تتركه حياء.
وقال : من زهد في الدنيا تهاون بالمصيبات ومن ارتقب الموت سارع إلى الخيرات.
وقال : عجبا لمن يهلك ومعه النجاة، قيل له: وما هي؟ قال: التوبة والاستغفار.
وقال : لا يكون الصديق صديقا حتى يحفظ صديقه في غيبته وبعد وفاته.
وقال : الصبر مطية لا تكبو، والقناعة سيف لا ينبو.
وقال : إن هذه القلوب تمل كما تمل الأبدان فالتمسوا لها من الحكمة طرفا.
وقال : من لانت كلمته، وجبت محبته.
وقال : أول عوض الحليم عن حلمه أن الناس أنصاره. وحد الحلم ضبط النفس عن هيجان الغضب.
وقال : العمل الصالح الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلا الله.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه يصف الدنيا: حلالها حساب، وحرامها النار.
قال : نعم المؤازرة والمشاورة وبئس الاستعداء والاستبداد.
وقال : الاستشارة عين الهداية وقد خاطر من استغنى برأيه.
وقال : من اشتاق إلى الجنة؛ سلا عن الشهوات في الدنيا.
وقال : لا يعرف فضل أهل العلم الا أهل الفضل.
وقال : سرك أسيرك فإن تكلمت به صرت أسيره.
وقال : للمرائي ثلاث علامات : الكسل إذا كان وحده وينشط إذا كان الناس ويزيد في العمل إذا أُثنيَ عليه وينقص إذا ذُم.
وقال : أخوف ما أخاف عليكم اثنتان : طول الأمل واتباع الهوى ، فطول الأمل ينسي الآخرة ، وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق.
وقال : دولة الباطل ساعة ، ودولة الحق حتى قيام الساعة.
وقال : ثمرة القناعة الراحة وثمرة التواضع المحبة ، وقال : عقل بلا أدب كشجاع بلا سلاح.
وقال : ذقت الطيبات كلها فلم أجد أطيب من العافيــة ،وذقت مرارات الدنيا فلم أجد أمرّ من الحاجة إلى الناس.
وقال : لا راحة لحسود ولا إخاء لملول ولا محب لسيء الخلق.
وقال : التقوى هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والرضا بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل.
وقال : كفى بالجهل خمولاً أنه يتبرأ منه من هو فيه.
وقال : كفى بالعلم شرفاً أن يدعيه من لا يحسنه.
وقال : إن الدنيا أدبرت وإن الآخرت أقبلت فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا.
وقال : أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما
وقال : الحلم غطاء ساتر ، والعقل حسام قاطع.
وقال : ما أكثر العبر وأقل الاعتبــــار ، وقال : من زهد في الدنيا هانت عليه المصائب.
وقال : لا يرجون عبد إلا ربه ولا يخافن إلا ذنبه.
وقال علي بن أبي طالب رضى الله عنه: أول ما تنكرون من جهادكم : جهاد أنفسكم.[الأنترنت – موقع الكلم الطيب ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة التاسعة بعد المائة في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:*حكم ومواعظ لعمر بن الخطاب
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: بحسب المرء من الكذب أن يحدث بكل ما سمع.
وقال: من كثر كلامه كثر سقطه.
وقال : إنّ مما يصفى لك ودّ أخيك أن تبدأه بالسلام
إذا لقيته ، وأن تدعوه بأحبّ الأسماء إليه ، وأن توسّع له في المجلس.
وقال : بين العبد ورزقه حجاب إذا رضي وقنع أتاه الرزق وإن اقتحم وهتك الحجاب لم يزد فوق رزقه.
وقال : ويل لمن كانت الدنيا همه ، والخطايا عمله ، كيفما يقدم غدًا، بقدر ما تحرثون تحصدون.
وقال :لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ويقول اللهم ارزقني فقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة.
وسمع عمر بن الخطاب رضي الله رجلا يثني على رجل فقال : أسافرت معه ؟ قال : لا قال : أخالطته ؟ قال : لا قال : والله الذي لا آله غيره ما تعرفه.
وقال : من كتم سره كان الخيار بيده ، ومن عرّض نفسه للتّهمة فلا يلومنّ من أساء الظنّ به.
وقال : عليك بإخوان الصدق فعش في أكنافهم فإنهم زين في الرخاء وعدة في البلاء.
وقال : لا تجد المؤمن كذابا.
وقال : إن الخير كُلُّه في الرِّضا، فإن استطعت أن ترضى وإلَّا فاصبر.
وقال : تعلموا من الشعر ما يكون لكم حكما ويدلكم على مكارم الأخلاق.
وقال : إذا رأيت الرجل يضيع من الصلاة فهو والله لغيرها أشد تضييعًا.
وكتب عمر بن الخطاب إلى أهل الأمصار :علّموا أولادكم العوم والفروسيّة ،ورووهم ما سار ،من المثل ، وما حسن من الشعر.
وقال :التوبة النصوح:يذنب العبد ثم يتوب فلا يعود
فيه.
وقال : أصل الرجل عقله، وحسبه دينه، ومروءته خلقه.
وقال : وجدنا خير عيشنا بالصبر.
وقال: جالسوا التوابين فإنهم أرق أفئدة.
وقال : العاجز من عجز عن سياسة نفسه.
وقال : لا يكن حبك كلفا، ولا بغضك تلفا ، وقال : من كثر ضحكه قلت هيبته.
وقال : لا يحل لامرئٍ مسلم سمع من أخيه كلمة أن يظن بها سوءاً ، وهو يجد لها في شئ من الخير مخرجاً.
وقال : لا ينتفع بنفسه من لا ينتفع بظنه.
وكان عمر يطلب من الصبيان الاستغفار له ويقول : انكم لم تذنبوا.
وقال : بالورع عما حرم الله يقبل الله الدعاء والتسبيح.
وقال : لا تعتمد على خلق رجل حتى تجربه عند الغضب.
وقال : علموا اولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل .
وقال : إن الأعمال تباهت فقالت الصدقة : أنا أفضلكن.
وقال : إياكم والبطنة فإنها ثقل في الحياة ونتن في الممات.
وقال: تفقهـــوا قبل أن تســـــودوا .
وقال : تعلموا العلم وتعلموا السكينة والوقار .
وقال عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه: أكثروا من العيال فإنكم لا تدرون بمن ترزقون.
[الأنترنت – موقع الكلم الطيب ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة العاشرة بعد المائة في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:*حكم وأقوال السلف الصالح
قال ابن القيم رحمه الله .. حال العبد في القبر كحال القلب في الصدر .. نعيماً ، وعذاباً ، وسجناً ، وإنطلاقاً فإذا أردت أن تعرف حالك في قبرك فأنظر إلى حال قلبك في صدرك ! اللُهم أصلح صدري ويسر لي أمري وإهدني إلى طاعتك. قال مالك بن دينار رحمه الله : رحم الله عبداً قال لنفسه : ألستِ صاحبة كذا ؟ ألستِ صاحبة كذا ؟ ثم ذمها ، ثم خطمها ثم ألزمها كتاب الله تعالى فكان لها قائداً . قال ابن القيم رحمه الله : المحب الصادق إن نطق نطق لله وبالله ، وإن سكت سكت لله وإن تحرك فبأمر الله، وإن سكن فسكونه إستعانة على مرضاة الله، فحبه لله وبالله ومع الله .. اللّهم أرزقنا حُبك وحُب من يُحبك وحُب عمل يقربنا لحبك ، اللّهم إملأ قلوبنا بحبك وإشغلنا بحبك عمن سواك اللّهم آمين. عن محمد بن كعب : إذا أراد الله بعبد خيراً زهده في الدنيا ، وفقهه في الدين ، وبصره عيوبه ، ومن أوتيهن أوتي خير الدنيا والآخرة. قال ابن القيم رحمه الله : ما أغلق الله على عبد باباً بحكمته ، إلا فتح له بابين برحمته . وقال : إذا منع الله عنك شيئاً تريده و تحبه ، فتح لك بحكمته و رحمته أبواباً أخرى هي أنفع لك ! فلا تحزن و لا تيأس و كن موقناً لحكمة الله و عدله و رحمته. قـــال إبن الجوزي رحمه الله : إعلم أن الزمان لا يثبت على حال كما قال عز وجل: " وتلكَ الأيامُ نداولها بينَ الناس " فتارة فقر ، وتارة غنى ، وتارة عز ، وتارة ذل ، وتارة يفرح الموالي ، وتارة يشمت الأعادي .. فالسعيد من لازم أصلاً واحداً على كل حال ، وهو تقوى الله عز وجل فإنه إن إستغنى زانته ، وإن إفتقر فتحت له أبواب الصبر، وإن عوفي تمت النعمة عليه ، وإن إبتلى حملته .. ولا يضره إن نزل به الزمان أو صعد ، أو أعراه أو أشبعه أو أجاعه ، لأن جميع تلك الأشياء تزول وتتغير ، والتقوى أصل السلامة. رأى إبراهيم بن أدهم رجلاً مهموماً فقال له : أيها الرجل إني أسألك عن ثلاث تجيبني قال الرجل: نعم .. فقال له : أيجري في هذا الكون شيء لا يريده الله؟ قال : كلا ، قال إبراهيم : أفينقص من رزقك شئ قدره الله لك؟ قال: لا ، قال إبراهيم : أفينقص من أجلك لحظة كتبها الله في الحياة؟ قال: كلا ، فقال له إبراهيم بن أدهم : فعلام الهم إذن؟؟!. قال إبن القيم رحمه الله : يا ابن آدم إن بينك وبين الله خطايا لا يعلمُها إلا الله سبحانه فإن أحببتَ أن يغفرها لك، فاصفح أنت عن عباده فإنما الجزاءُ من جنس العمل. قال أئمة الإسلام كسفيان الثوري وغيره : أن البدعة أحب إلى إبليس من المعصية ، لأن البدعة لا يتاب منها ، والمعصية يتاب منها ، ومعنى قولهم إن البدعة لا يتاب منها : أن المبتدع الذي يتخذ ديناً لم يشرعه الله ولا رسوله قد زين له سوء عمله فرآه حسناً فهو لا يتوب ما دام يراه حسناً ، لأن أول التوبة العلم بأن فعله سيء ليتوب منه. قال بعض السلف : " إيّاك و مجالسة الأشرار ؛ فإنّ طبعك يسرق منهم و أنت لا تدري " .
قال شيخ الإسلام إبن تيمية رحمه الله : من العجب أن الإنسان يهون عليه التحفُّظ والإحتراز من أكل الحرام والظلم والزنا والسرقة وشرب الخمر، ومن النظر المحرم، وغير ذلك .. ويصعب عليه التحفُّظ من حركة لسانه ، وكم نرى من رجلٍ متورّعٍ عن الفواحش والظلم ، ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات، ولا يُبالي ما يقول. قال إبن القيم رحمه الله : "والله إنّ العبد ليصعب عليه معرفة نيّته في عمله ، فكيف يتسلط على نيَّات الخلق". قال عبدالله بن المبارك : إذا جاءك الحديث عن رسول الله فإخضع له لا إعتراض ولا مراوغة ولا إثارة شبهة ولا تأويل باطل ولا ضرب النصوص بعضها ببعض. قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وليكثر العبد من قول لا حول ولا قوة إلا بالله ، فإنه بها يحمل الأثقال ، ويكابد الأهوال ، وينال رفيع الأحوال. سُئل بعض الصالحين : كيف أصبحت؟ فقال : " أصبحت وبنا من نعم الله ما لا يُحصى ، مع كثير ما يُعْصَى ، فلا ندري على ما نشكر : على جميل ما نَشَر ، أو على قبيح ما ستَر". سُئل سفيان بن أبي عيينة عن معنى قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى } فقال: هو أن تعمل به وتدعو إليه وتعين فيه وتدل عليه. قال شيخ الإسلام إبن تيمية رحمه الله : فالمؤمن دائماً في نعمة من ربه تقتضي شكراً وفي ذنب يحتاج إلى استغفاراً. قال الفضيل: "ترك العمل من أجل الناس رياء ، والعمل من أجل الناس شرك ، والإخلاص أن يعافيك الله منهما". قال بعض السلف : كُنا إذا أردنا أن يُستجاب لنا ، دعونا لإخواننا في ظهر الغيب .. فإذا أردت شيئاً فإدعوا لأحد فيه حتى يكون لك مثله بدعوة ملك. كل من خاف شيئاً غير الله سُلط عليه ، كما أن من أحب مع الله غيره عُذب به ، ومن رجا مع الله غيره خُذل من جهته. قال عبد الله بن وهب: "كل ملذوذ إنما له لذة واحدة، إلا العبادة، فإن لها ثلاث لذات : إذا كنت فيها .. وإذا تذكرتها .. وإذا أعطيت ثوابها". عن الحسن رحمه الله قال : يومان وليلتان لم تسمع الخلائق بمثلهنّ قطّ : ليلة تبيت مع أهل القبور ولم تبت ليلة قبلها ، وليلة صبيحتها يوم القيامة ، ويوم يأتيك البشير من اللّه تعالى، إمّا بالجنّة أو النّار، ويوم تعطى كتابك بيمينك وإمّا بشمالك. قال سفيان الثوري.[ الأنترنت – موقع أقوال السلف الصالح بواسطة: حامد الصفدي ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الحادية عشرة بعد المائة في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:
*حكم وأقوال ابن الجوزي
الواجب على العاقل أخذ العدة لرحيله، فإنه لا يعلم متى يفجؤه أمر ربه، ولا يدري متى يستدعى.. وإني رأيت خلقاً كثيراً غرهم الشباب، ونسوا فقد الأقران، وألهاهم طول الأمل.. وربما قال العالم المحض لنفسه: أشتغل بالعلم اليوم ثم أعمل به غداً، فيتساهل في الزلل بحجة الراحة، ويؤخر الأهبة لتحقيق التوبة، ولا يتحاشى من غيبة أو سماعها، ومن كسب شبهة يأمل أن يمحوها بالورع.. وينسى أن الموت قد يبغت.. فالعاقل من أعطى كل لحظة حقها من الواجب عليه، فإن بغته الموت رؤى مستعداً، وإن نال الأمل ازداد خيراً. ويحك.. إنما يكون الجهاد بين الأمثال، ولذلك مُنٍع من قتل النساء والصبيان، فأي قدر للدنيا حتى يحتاج قلبك إلى محاربة لها.. أما علمت أن شهواتها جيفٌ ملقاة.. أفيحسن ببازي الملك أن يطير عن كفه إلى ميتة. رأيت كثيراً من الناس يتحرزون من رشاش نجاسة ولا يتحاشون من غيبة ويكثرون من الصدقة ولا يبالون بمعاملات الربا ويتهجدون بالليل ويؤخرون الفريضةعن الوقت. من تأمل عواقب المعاصي رآها قبيحة. كان بعض الأغنياء كثير الشكر، فطال عليه الأمد فبطر وعصى، فما زالت نعمته ولا تغيرت حالته، فقال: يا رب تبدلت طاعتي، وما تغيرت نعمتي.. فهتف به هاتف: يا هذا لأيام الوصال عندنا حرمة حفظناها وضيعتها. اعلم أن الزمان لا يثبت على حال كما قال عز وجل: (و تلك الأيام نداولها بين الناس)، فتارة فقر وتارة غنى، وتارة عز وتارة ذل، وتارة يفرح الموالي وتارة يشمت الأعادي.. والعاقل من لازم أصلاً على كل حال: وهو تقوى الله، والمنكر من عزته لذة حصلت مع عدم التقوى فإنها ستزول وتخليه خاسراً. إذا غفل القلب عن ذكر الموت دخل العدو من باب الغفلة. اعلم أن الطريق الموصلة إلى الحق سبحانه ليست مما يقطع بالأقدام، وإنما يقطع بالقلوب. الحق لا يشبه الباطل وإنما يموه بالباطل عند من لا فهم له. المعصية عقاب المعصية والحسنة بعد الحسنة ثواب الحسنة. إن الشيطان ليفتح للعبد تسعة وتسعين بابا للخير يريد به بابا من الشر. إن مشقة الطاعة تذهب ويبقى ثوابها وإن لذة المعاصي تذهب ويبقى عقابها. إنما ينبغي للإنسان أن يتبع الدليل لا أن يتبع طريقا ويتطلب دليلها. ثم إنّ العلم دلّني على معرفة المعبود.. (فصل: الشكوى من التكليف). رب كلمة جرى بها اللسان هلك بها الإنسان. شحم المنى هزال وشراب الآمال سراب وآل ولذات الدنيا منام وخيال وحربها قتل بلا قتال. قال بعض السلف رأيت الشيطان فقال لي قد كنت ألقى الناس فأعلمهم فصرت ألقاهم فأتعلم منهم. لا تصادقن فاسقا فإن من خان أول منعم عليه لا يفي لك. لا يصفو العيش إلا لمن علق قلبه بالله وترك ما سواه. من تفكر في عواقب الدنيا أخذ الحذرومن أيقن بطول الطريق تأهب للسفر. من رزق قلبا طيبا ولذة مناجاة فليراع حاله وليحترز من التغيير.. وأنما تدوم له حال بدوام التقوى. وقد قال بعض الحكماء: المعصية بعد المعصية عقاب المعصية، والحسنة بعد الحسنة ثواب الحسنة. ويحك تعطر بالاستغفار فقد فضحتك روائح الذنوب. يا هذا إذا رزقت يقظة فصنها في بيت عزلة فإن أيدي المعاشرة نهابة إحذر معاشرة الجهال فإن الطبع لص. اشترى أعرابي غلاما، فقيل له: إنه يبول في الفراش، فقال:إن وجد فراشا فليبل فيه.
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثانية عشرة بعد المائة في موضوع الحكمة وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:
*حكم وأقوال ابن الجوزي
زُر والِديكَ وقِف على قبريهما.. فكأنني بك قد نُقلتَ إليهما لو كنتَ حيث هما وكانا بالبقا.. زاراكَ حبْواً لا على قدميهما ما كان ذنبهما إليك فطالما.. مَنَحاكَ نفْسَ الوِدّ من نفْسَيْهِما كانا إذا سمِعا أنينَك أسبلا.. دمعيهما أسفاً على خدّيهما وتمنيّا لو صادفا بك راحةً.. بجميعِ ما يَحويهِ مُلكُ يديهما
فنسيْتَ حقّهما عشيّةَ أُسكِنا.. تحت الثرى وسكنتَ في داريهما فلتلحقّنهما غداً أو بعدَهُ.. حتماً كما لحِقا هما أبويهما
ولتندمّنَّ على فِعالِك مثلما.. ندِما هما ندماً على فعليهما
بُشراكَ لو قدّمتَ فِعلا صالحاً.. وقضيتَ بعضَ الحقّ من حقّيهما وقرأتَ من ءايِ الكِتاب بقدرِ ما.. تسطيعُهُ وبعثتَ ذاكَ إليهما فاحفظ حُفظتَ وصيّتي واعمل بها.. فعسى تنال الفوزَ من بِرّيهما.
*المسكين كل المسكين من ضاع عمره في علم لم يعمل به، ففاته لذات الدنيا وخيرات الاخرى، فقدم مفلسا على قوة الحجة عليه. إنما ينبغي للإنسان أن يتبع الدليل لا أن يتبع طريقا ويتطلب دليلها. رب كلمة جرى بها اللسان هلك بها الإنسان. لقد خاب من آثر شهوة من حرام فإن عقباها تجرع حميم آن. الحق لا يشبه الباطل وإنما يموه بالباطل عند من لا فهم له. يا هذا إذا رزقت يقظة فصنها في بيت عزلة فإن أيدي المعاشرة نهابة إحذر معاشرة الجهال فإن الطبع لص. المعصية عقاب المعصية، والحسنة بعد الحسنة ثواب الحسنة. لا تصادقن فاسقا فإن من خان أول منعم عليه لا يفي لك. ليس في الدنيا على الحقيقة لذة، إنما هي راحة من مؤلم. من أحب تصفية الأحوال، فليجتهد في تصفية الأعمال. شحم المنى هزال وشراب الآمال سراب وآل ولذات الدنيا منام وخيال وحربها قتل بلا قتال. أنفق موسى عليه السلام من عمره الشريف عشر سنين في مهر بنت شعيب عليه السلام، فلولا أن النكاح من أفضل الأشياء لما ذهب كثير من زمان الأنبياء فيه. إذا هممت بخير فبادر لئلا تُغلب، وإذا هممت بشر فسوّف هواك لعلّك تغلب. إذا جلست في الظلام بين يدي العلام فاستعمل أخلاق الأطفال، فالطفل إذا طلب شيئاً ولم يعطه بكى حتى أخذه. كيف يفرح بالدنيا من يومه يهدم شهره، وشهره يهدم سنته، وسنته تهدم عمره، كيف يلهو من يقوده عمره إلى أجله وحياته إلى موته. كلامك مكتوب وقولك محسوب وأنت يا هذا مطلوب ولك ذنوب وما تتوب وشمس الحياة قد أخذت في الغروب فما أقسى قلبك بين القلوب. ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه وقدر وقته، فلا يضيّع منه لحظة في غير قربة، ويقدّم الأفضل فالأفضل من القول والعمل. النفس مجبولة على حب الهوى فافتقرت بذلك إلى المجاهدة والمخالفة، ومتى لم تُزجر عن الهوى هجم عليها الفكر في طلب ما شُغِفت به، فاستأنست بالآراء الفاسدة، والأطماع الكاذبة، والأماني العجيبة. [الأنترنت – موقع أقوال ابن الجوزي ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثالثة عشرة بعد المائة في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:*حكم وأقوال ابن القيم
قبل الندم.. اشترِ نفسَكَ اليوم، فإن السوقَ دائِمة، والثمنُ موجود، والبضائع رخيصة، وسيأتي على تلك السوق والبضائع، يومٌ لا تصِلُ فيهِ إلى قليلٍ ولا كثير، (ذلك يوم التغابن).. (ويوم يعض الظالم على يديه). البخيل فقير لا يؤجر على فقره. وقيل للحسين بن علي رضي الله عنهما: إن أبا ذر رضي الله عنه يقول: الفقر أحب إلي من الغنى، والسقم أحب إلي من الصحة، فقال: رحم الله أبا ذر، أما أنا، فأقول: من اتكل على حسن اختيار الله له لم يتمن غير ما اختار الله له. من عشق الدنيا نَظَرت إلى قَدْرها عنده فصيرته من خدمها وعبيدها وأذلته ومن أعرض عنها نظرت إلى كبر قدره فخدمته وذلت له. إضاعة الوقت أشد من الموت، لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها. إن في القلب شعث: لا يلمه إلا الإقبال على الله، وعليه وحشة: لا يزيلها إلا الأنس به في خلوته، وفيه حزن: لا يذهبه إلا السرور بمعرفته وصدق معاملته، وفيه قلق: لا يسكنه إلا الاجتماع عليه والفرار منه إليه، وفيه نيران حسرات: لا يطفئها إلا الرضا بأمره ونهيه وقضائه ومعانقة الصبر على ذلك إلى وقت لقائه، وفيه طلب شديد: لا يقف دون أن يكون هو وحده المطلوب، وفيه فاقة: لا يسدها الا محبته ودوام ذكره والاخلاص له، ولو أعطى الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة أبدا. كن من أبناء الآخرة ولا تكن من أبناء الدنيا فإن الولد يتبع الأم. أغبى الناس من ضل في آخر سفره وقد قارب المنزل. لو سخرت من كلب لخشيت أن احول كلبا. علمت كلبك فهو يترك شهوته في تناول ما صاده احتراما لنعمتك وخوفا من سطوتك وكم علمك معلم الشرع وانت لا تقبل. ما ضُرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب. من لاح له كمال الآخرة هان عليه فراق الدنيا. اذا أردت أن تعلم ما عندك وعند غيرك من محبة الله فانظر محبة القرآن من قلبك. خلقت النار لإذابة القلوب القاسية. الدنيا كامرأة بغي لا تثبت مع زوج. لا يجتمع الإخلاص في القلب، ومحبة المدح والثناء. انما يقطع السفر ويصل المسافر بلزوم الجادة وسير الليل فاذا حاد المسافر عن الطريق ونام الليل كله فمتى يصل الى مقصده. أعلى الهمم همة من استعد صاحبها للقاء الحبيب. كن في الدنيا كالنحلة أن اكلت اكلت طيبا وان اطعمت اطعمت طيبا وان سقطت على شيء لم تكسره ولم تخدشه. البخيل فقير لا يؤجر على فقره. يكون في اخر الزمان اقوام افضل اعمالهم التلاوم بينهم يسمون الانتان. من استطاع منكم أن يجعل كنزه في السماء حيث لا يأكله السوس ولا يناله السراق فليفعل فإن قلب الرجل مع كنزه. إذا رأيت الرجل يشتري الخسيس بالنفيس ويبيع العظيم بالحقير فاعلم أنه سفيه. سبحان الله تزينت الجنة للخطاب فجدوا في تحصيل المهر وتعرف رب العزة الى المحبين بأسمائه وصفاته فعملوا على اللقاء وانت مشغول بالجيف. قسوة القلب من اربعة اشياء اذا جاوزت قدر الحاجة: الاكل والنوم والكلام والمخالطة. القلوب آنية الله في ارضه، فأحبها اليه سبحانه: أرقها واصلبها واصفاها. النعم ثلاث: نعمة حاصلة يعلم بها العبد ونعمة منتظرة يرجوها ونعمة هو فيها لا يشعر بها. قلب المحب موضوع بين جلال محبوبه وجماله فاذا لاحظ جلاله هابه وعظمه واذا لاحظ جماله احبه واشتاق اليه. السير في طلبها (اي الدنيا) سير في ارض مسبعة والسباحة فيها سباحة في غدير التمساح المفروح به منها هو عين المحزون عليه آلامها متولدة من لذاتها واحزانها من افراحها. نور العقل يضيء في ليل الهوى فتلوح جادة الصواب.. فيتلمح البصير في ذلك عواقب الأمور. أفضل ما اكتسبته النفوس وحصّلته القلوب ونال به العبد الرفعه في الدنيا والأخره هو العلم والإيمان ولهذا قرن بينهما سبحانه في قوله (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) وهؤلاء هم خلاصة الوجود ولبه والمؤهلون للمراتب العاليه. للعبد ستر بينه وبين الله، وستر بينه وبين الناس؛ فمن هتك الستر الذي بينه وبين الله هتك الله الستر الذي بينه وبين الناس.
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الرابعة عشرة بعد المائة في موضوع الحكمة وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:*
حكم وأقوال ابن القيم
إذا استغنى الناس بالدنيا فاستغني أنت بالله وإذا فرحوا بالدنيا فافرح أنت بالله وإذا أنسوا بأحبابهم فاجعل أنسك بالله وإذا تعرفوا إلى ملوكهم وكبرائهم وتقربوا إليهم لينالوا بهم العزه والرفعه فتعرف أنت إلى الله وتودد إليه تنل بذالك غاية العزه والرفعه. للعبد ربٌ هو ملاقيه، وبيت هو ساكنه؛ فينبغي له أن يسترضي ربه قبل لقائه، ويعمر بيته قبل أنتقاله إليه. الدنيا من أولها إلى آخرها لا تساوي غم ساعة؛ فكيف بغم العمر. محبوب اليوم يعقب المكروه غداً، ومكروه اليوم يعقب الراحة غداً. يخرج العارف من الدنيا ولم يقض وطره من شيئين: بكائه على نفسه، وثنائه على ربه. المخلوق إذا خفته استوحشت منه، وهربت منه، والرب تعالى إذا خفته أنست به، وقربت إليه. دافع الخطرة؛ فإن لم تفعل صارت شهوة وهمة؛ فإن لم تدافعها صارت فعلاً، فإن لم تتداركه بضده صار عادة؛ فيصعب عليك الانتقال عنها. مثال تولُّد الطاعة، ونموِّها، وتزايدها كمثل نواة غرستها، فصارت شجرة، ثم أثمرت، فأكلتَ ثمرها، وغرستَ نواها؛ فكلما أثمر منها شيء جنيت ثمره، وغرست نواه.وكذلك تداعي المعاصي؛ فليتدبر اللبيب هذا المثال؛ فمن ثواب الحسنةِ الحسنةُ بعدها، ومن عقوبة السيئة السيئةُ بعدها. ليس العجب من مملوك يتذلل لله، ولا يمل خدمته مع حاجته وفقره؛ فذلك هو الأصل.إنما العجب من مالك يتحبب إلى مملوكه بصنوف إنعامه، ويتودد إليه بأنواع إحسانه مع غناه عنه. إذا عرضت نظرة لا تحل فاعلم أنها مسعر حربٍ؛ فاستتر منها بحجاب (قل للمؤمنين) فقد سلمت من الأثر، وكفى الله المؤمنين القتال. اخرج بالعزم من هذا الفناء الضيق، المحشوِّ بالآفات إلى الفناء الرحب، الذي فيه ما لا عين رأت؛ فهناك لا يتعذر مطلوب، ولا يفقد محبوب. من تلمح حلاوة العافية هانت عليه مرارة الصبر. الصبر على عطش الضر، ولا الشرب من شِرعة منٍّ. غرس الخلوة يثمر الأنس. إذا خرجت من عدوك لفظة سفه فلا تُلحِقها بمثلها تُلقِحها، ونسل الخصام مذموم. أوثق غضبك بسلسلة الحلم؛ فإنه كلب إن أفلت أتلف. يا مستفتحاً باب المعاش بغير إقليد التقوى.. كيف توسع طريق الخطايا، وتشكو ضيق الرزق. للقلب ستة مواطن يجول فيها لا سابع لها: ثلاثة سافلة، وثلاثة عالية؛ فالسافلة دنيا تتزين له، ونفس تحدثه، وعدوٌ يوسوس له؛ فهذه مواطن الأرواح السافلة التي لا تزال تجول فيها، والثلاثة العالية علم يتبين له، وعقل يرشده، وإله يعبده، والقلوب جوالة في هذه المواطن. اشتر نفسك؛ فالسوق قائمة، والثمن موجود. العمل بغير إخلاص ولا اقتداء كالمسافر يملأ جرابه رملاً يثقله ولا ينفعه. في القلب حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفة الله. الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالح وآثار حسنة قد تكون منه الهفوة والزلة، هو فيها معذور، بل ومأجور لاجتهاده، فلا يجوز أن يتبع فيها ولا أن تهدر مكانته وإمامته ومنزلته من قلوب المسلمين. أصول المعاصي ثلاثة: الكبر والحرص والحسد.. فالكبر جعل إبليس يفسق عن أمر ربه، والحرص أخرج آدم من الجنة، والحسد جعل أحد ابن ي آدم يقتل أخاه. من أعجب الأشياء أن تعرف الله ثم لا تحبه. المحب الصادق، إن نطق نطق لله وبالله، وإن سكت سكت لله، وإن تحرك فبأمر الله، وإن سكن فسكونه استعانة على مرضاة الله، فحبه لله وبالله ومع الله. ان من الآثار القبيحة المذمومة للمعاصي أنها تعسر أمور المرء فلا يتوجه لأمر إلا ويجده مغلقاً دونه أو متعسراً عليه، وهذا كما أن من اتقى الله جعل له من أمره يسراً. إن بيوت الجنة تبنى بالذكر، إذا أمسك الذاكر عن الذكر أمسكت الملائكة عن البناء. أرباب العزائم والبصائر أشد ما يكونون استغفارا عقيب الطاعات ؛ لشهودهم تقصيرهم فيها، وترك القيام لله بها كما يليق بجلاله وكبريائه. من عاب أخاه بذنب لم يمت حتى يفعله فإياك والشماتة بأخيك فيعافه الله ويبتليك. [الأنترنت – موقع حكم وأقوال ابن القيم ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الخامسة عشرة بعد المائة في موضوع الحكمة وستكون بعنوان*حكم من أقوال ابن تيمية
الناس لا يفصل بينهم النزاع إلا كتاب منزل من السماء، وإذا ردوا إلى عقولهم فلكل واحد منهم عقل. لو كان كل ما اختلف مسلمان في شيء تهاجرا لم يبق بين المسلمين عصمة ولا أخوة. سئل شيخ الإسلام: أيهما أنفع للعبد التسبيح أم الاستغفار فأجاب: إذا كان الثوب نقياً فالبخور وماء الورد أنفع له، وإذا كان دنساً فالصابون والماء الحار أنفع له فالتسبيح بخور الأصفياء والاستغفار صابون العصاة. اشتر نفسك؛ فالسوق قائمة، والثمن موجود. اخرج بالعزم من هذا الفناء الضيق، المحشوّ بالآفات إلى الفناء الرحب، الذي فيه ما لا عين رأت؛ فهناك لا يتعذر مطلوب، ولا يفقد محبوب. إذا استغنى الناس بالدنيا فاستغن أنت بالله، وإذا فرحوا بالدنيا فافرح أنت بالله، وإذا أنسوا بأحبابهم فاجعل أنسك بالله. من وطن قلبه عند ربه سكن واستراح، ومن أرسله في الناس اضطرب واشتد به القلق. القلب يمرض كما يمرض البدن، وشفاؤه في التوبة والحمية، ويصدأ كما تصدأ المرأة، وجلاؤه بالذكر، ويعرى كما يعرى الجسم، وزينته التقوى، ويجوع ويظمأ كما يجوع البدن، وطعامه وشرابه المعرفة، والتوكل، والمحبة، والإنابة. القلوب المتعلقة بالشهوات محجوبة عن الله بقدر تعلقها بها. من عرف نفسه اشتغل بإصلاحها عن عيوب الناس. من عرف ربه اشتغل به عن هوى نفسه. فالمؤمن إذا كانت له نية أتت على عامة أفعاله وكانت المباحات من صالح أعماله لصلاح قلبه ونيته. إضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله، والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها. إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة. الزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة. دافع الخطرة؛ فإن لم تفعل صارت شهوة وهمة؛ فإن لم تدافعها صارت فعلاً، فإن لم تتداركه بضده صار عادة؛ فيصعب عليك الانتقال عنها. بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين. الذنوب جراحات، ورب جرح وقع في مقتل. منْ عظم وقار الله في قلبه أن يعصيه وقّره الله في قلوب الخلق أن يذلوه. القلوب آنية الله في أرضه، فأحبه إليه أرقها، وأصلبها، وأصفاها. ألفت عجز العادة؛ فلو علت بك همتك ربا المعالي لاحت لك أنوار العزائم. إذا عرضت نظرة لا تحل فاعلم أنها مسعر حربٍ؛ فاستتر منها بحجاب (قل للمؤمنين) فقد سلمت من الأثر، وكفى الله المؤمنين القتال. أبعد القلوب عن الله القلب القاسي. أعظم الكرامة لزوم الاستقامة. كما أن البدن إذا مرض لم ينفع فيه الطعام والشراب فكذلك القلب إذا مرض بالشهوات لم تنجع فيه المواعظ. خلقت النار؛ لإذابة القلوب القاسية. إذا قسا القلب قحطت العين. المتابعة: أن يفعل مثل ما فعل، على الوجه الذي فعل، لأجل أنه فعل. ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب، والبعد عن الله. لا ريب أن الخوارج كان فيهم من الاجتهاد في العبادة والورع ما لم يكن في الصحابة كما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لما كان على غير الوجه المشروع أفضى بهم إلى المروق من الدين ولهذا قال عبد الله بن مسعود وأبي بن مالك: اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة.
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة السادسة عشرة بعد المائة في موضوع الحكمة وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:
*حكم وأقوال لابن تيمية
الدنيا كلها ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ما أشرقت عليه شمس الرسالة، وأسس بنيانه عليها، ولا بقاء لأهل الأرض إلا مادامت آثار الرسل موجودة فيهم، فإذا درست آثار الرسل من الأرض وانمحت بالكلية خرب الله العالم العلوي والسفلي وأقام القيامة. من أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية. وأما الدنيا فأمرها حقيروكبيرها صغيروغاية امرها يعود الي الرياسة والمال.وغاية هذه الرياسة ان يكون كفرعون الذي اغرقه الله في اليم انتقاما منهوغاية ذي المال ان يكون كقارون الذي خسف الله به الارض فهو يتجلجل فيها الي يوم القيامة لما اذي نبي الله موسي. تأملت أنفع الدعاء فإذا هو سؤال الله العون على مرضاته ثم رأيته في الفاتحة في (إياك نعبد وإياك نستعين). الهجر الجميل: هجر بلا أذى، والصفح الجميل: صفح بلا عتاب، والصبر الجميل: صبر بلا شكوى. ليكن أمرك بالمعروف بالمعروف ونهيك عن المنكر بغير منكر. من عمل بما علم، أورثه الله علم ما لم يعلم. ليس العاقل الذي يعلم الخير من الشر، وانما العاقل الذي يعلم خير الخيرين، وشر الشرين. الرضا باب الله الاعظم، وجنة الدنيا، وبستان العارفين. (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) فيها اعتراف بحقيقة الحال، وليس لأحد من العباد أن يبرئ نفسه عن هذا الوصف لاسيما في مقام مناجاته لربه. السعادة في معاملة الخلق أن تعاملهم لله، فترجو الله فيهم ولا ترجوهم في الله، وتخافه فيهم ولا تخافهم في الله، وتحسن إليهم رجاء ثواب الله لا لمكافأتهم، وتكف عن ظلمهم خوفا من الله لا منهم. إن بعض الناس لا تراه إلا منتقدا، ينسى حسنات الطوائف والأجناس ويذكر مثالبهم، مثل الذباب يترك موضع البرء والسلامة ويقع على الجرح والأذى، وهذا من رداءة النفوس وفساد المزاج. وسعت كاتب الله لفظا وغاية وما ضقت من آي به وعظات فكيف أضيف اليوم عن وصف آلة وتنسيق أسماء لمخترعات أنا البحر في أحشائه الدركامن فهل سألوا الغواص عن صدفاتي. العامة تقول: قيمة كل امرئ ما يحسن، والخاصة تقول: قيمة كل امرئ ما يطلب. الهجر الجميل هجر بلا أذى والصفح الجميل صفح بلا عتاب والصبر الجميل صبر بلا شكْوى. إن العدل واجب لكل أحد على كل أحدفي كل حال والظلم محرم مطلقا لا يباح بحال. إن الله قد ينصر الدولة الكافرة بعدلها على الدولة المسلمة بما يقع فيها من مظالم. ليس الحكيم من يعلم الخير من الشر ولكن الحكيم من يعلم خير الخيرين وشر الشرين. ماذا يفعل أعدائي بي جنتي وبستاني في صدري حبسي خلوة ونفيي سياحة وقتلي شهادة. من تدبر القرآن طالبا الهدى منه ؛ تبين له طريق الحق. نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل. وبقدر تكميل العبودية؛ تكمل محبة العبد لربه، وتكمل محبة الرب لعبده.
[الأنترنت – موقع من أقوال ابن تيمية]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة السابعة عشرة بعد المائة في موضوع الحكمة وستكون بعنوان
*خمسون حكمة قرآنية ونبوية في الدين والدنيا
ما أحوجنا في عصر اختلطت فيه الأمور والمعايير وفشت فيه المنكرات وكثر فيه الكلام والحكم والأمثال الشعبية من هنا وهناك دون النظر إلي قائلها ومعناها الفاسد والمخالف لشرع الله- تعالي - وتعاليمه السامية في كثير منها.
ومن ثم رأيت أن أجمع بعضًا من كلام الله وأقوال النبي -صلي الله عليه وسلم –التي تحتوي علي حكم وكلها حكم, مع شرحها من تفسيرات وأقوال أهل العلم ليستوعب معناها الشرعي بعيدا عن التفسير بالهوي الذي برع فيه البعض من أهل الأهواء والبدع دون النظر إلي عواقب ذلك والله المستعان.
حكم من القرآن الكريم
1- أتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ
قال ابن جريج: { أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ } أهل الكتاب والمنافقون كانوا يأمرون الناس بالصوم والصلاة، وَيَدَعُونَ العملَ بما يأمرون به الناس، فعيرهم الله بذلك، فمن أمر بخير فليكن أشد الناس فيه مسارعة. [تفسر ابن كثير"]
2-ولَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ
يقول تعالى: وفي شَرْع القصاص لكم -وهو قتل القاتل -حكمة عظيمة لكم، وهي بقاء المُهَج وصَوْنها؛ لأنه إذا علم القاتلُ أنه يقتل انكفّ عن صنيعه، فكان في ذلك حياة النفوس. وفي الكتب المتقدمة: القتلُ أنفى للقتل. فجاءت هذه العبارة في القرآن أفصح، وأبلغ، وأوجز."تفسير ابن كثير"
3- واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا
هي أخوة إذن تنبثق من التقوى والإسلام . . من الركيزة الأولى . . أساسها الاعتصام بحبل الله - أي عهده ونهجه ودينه - وليست مجرد تجمع على أي تصور آخر ، ولا على أي هدف آخر ، ولا بواسطة حبل آخر من حبال الجاهلية الكثيرة! ا-ظلال القرآن"
4-وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ
أي: ولا تتبع ما ليس لك به علم، بل تثبت في كل ما تقوله وتفعله، فلا تظن ذلك يذهب لا لك ولا عليك- السعدي
5-وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا
هذا استفهام بمعنى النفي المتقرر أي: لا أحد أحسن قولا. أي: كلامًا وطريقة، وحالة { مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ } بتعليم الجاهلين، ووعظ الغافلين والمعرضين، ومجادلة المبطلين، بالأمر بعبادة الله، بجميع أنواعها،والحث عليها، وتحسينها مهما أمكن، والزجر عما نهى الله عنه.- السعدي
6-وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
أي: لا يستوي فعل الحسنات والطاعات لأجل رضا الله تعالى، ولا فعل السيئات والمعاصي التي تسخطه ولا ترضيه، ولا يستوي الإحسان إلى الخلق، ولا الإساءة إليهم.. ثم أمر بإحسان خاص، له موقع كبير، وهو الإحسان إلى من أساء إليك، فقال: { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } أي: فإذا أساء إليك مسيء من الخلق، خصوصًا من له حق كبير عليك، كالأقارب، والأصحاب، ونحوهم، إساءة بالقول أو بالفعل، فقابله بالإحسان إليه، فإن قطعك فَصلْهُ، وإن ظلمك، فاعف عنه- السعدي
7- إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ
يقرر تعالى الأخوة الإسلامية ويقصر المؤمنين عليها بين أفرادهم وعدم التساهل في ذلك { واتقوا الله } في ذلك فلا تتوانوا أو تتساهلوا حتى تسفك الدماء المؤمنة ويتصدع بنيان الإِيمان والإِسلام في دياره – تفسير أيسر التفاسير
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثامنة عشرة بعد المائة في موضوع الحكمة وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان :
*خمسون حكمة قرآنية ونبوية في الدين والدنيا
8- ياَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ
تَسُؤْكُمْ }أي: وإن تسألوا عن تفصيلها بعد نزولها تبين لكم، ولا تسألوا عن الشيء قبل كونه؛ فلعله أن يحرم من أجل تلك المسألة. –ابن كثير
9-ولَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ
أي: لا يعير أحدكم أخاه، ويلقبه بلقب ذم يكره أن يطلق عليه وهذا هو التنابز، وأما الألقاب غير المذمومة، فلا تدخل في هذا.
{ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ } أي: بئسما تبدلتم
عن الإيمان والعمل بشرائعه، وما تقتضيه، بالإعراض عن أوامره ونواهيه، باسم الفسوق والعصيان، الذي هو التنابز بالألقاب.- السعدي
10- يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ
نهى الله تعالى عن كثير من الظن السوء بالمؤمنين، فـ { إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ } وذلك، كالظن الخالي من الحقيقة والقرينة، وكظن السوء، الذي يقترن به كثير من الأقوال، والأفعال المحرمة، فإن بقاء ظن السوء بالقلب، لا يقتصر صاحبه على مجرد ذلك، بل لا يزال به، حتى يقول ما لا ينبغي، ويفعل ما لا ينبغي- السعدي
11- لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا
وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا
هذه آداب شرعية، أدّب الله بها عباده المؤمنين، وذلك في الاستئذان أمر الله المؤمنين ألا يدخلوا بيوتًا غير بيوتهم حتى يستأنسوا،أي: يستأذنوا قبل الدخول ويسلموا بعده. وينبغي أن يستأذن ثلاثًا، فإن أذن له، وإلا انصرف –ابن كثير
12- يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ
يعني: طرائقه ومسالكه وما يأمر به، { وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ } : هذا تنفير وتحذير من ذلك، بأفصح العبارة وأوجزها وأبلغها وأحسنها.- تفسير ابن كثير
13- قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ
فالعلم الحق هو المعرفة . هو إدراك الحق . هو تفتح
البصيرة . هو الاتصال بالحقائق الثابتة في هذا الوجود . وليس العلم هو المعلومات المفردة المنقطعة التي تزحم الذهن ، ولا تؤدي إلى حقائق الكون الكبرى ، ولا تمتد وراء الظاهر المحسوس . - ظلال القران
14- إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب
قال سعيد بن جبير: الصبر اعتراف العبد لله بما أصاب منه، واحتسابه عند الله رجاء ثوابه، وقد يجزع الرجل وهو مُتَجَلّد لا يرى منه إلا الصبر –ابن كثير
15-مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ
ملكان من بين يديك ومن خلفك يقول الله تعالى " له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله " –تفسير القرطبي
16-وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ
وأما التحدث بنعمة الله وبخاصة نعمة الهدى والإيمان فهو صورة من صور الشكر للمنعم . يكملها البر بعباده ، وهو المظهر العملي للشكر ، والحديث الصامت النافع الكريم –ظلال القران
17-أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ
لأن خلقه للمخلوقات، أدل دليل على علمه، وحكمته، وقدرته-السعدي
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة التاسعة عشرة بعد المائة في موضوع الحكمة وستكون إستكمالا للماضية والتي هي بعنوان:
*خمسون حكمة قرآنية ونبوية في الدين والدنيا
18- خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين
قال الزَّمَخْشَرِيُّ : وَالْعَفْوُ ضِدُّ الْجُهْدِ ، أَيْ خُذْ مَا عَفَا لَكَ مِنْ أَفْعَالِ النَّاسِ وَأَخْلَاقِهِمْ ، وَمَا أَتَى مِنْهُمْ وَتَسَهَّلَ مِنْ غَيْرِ كُلْفَةٍ ، وَلَا تُدَاقَّهُمْ وَلَا تَطْلُبْ مِنْهُمُ الْجُهْدَ وَمَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَنْفِرُوا كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسِّرُّوا وَلَا تُعَسِّرُوا قَالَ :
خُذِي الْعَفْوَ مِنِّي تَسْتَدِيمِي مَوَدَّتِي .-تفسير المنار
19- فاتقوا الله ما استطعتم
يأمر تعالى بتقواه، التي هي امتثال أوامره واجتناب نواهيه، ذلك بالاستطاعة والقدرة.- السعدي
20-وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها
التحية هي: اللفظ الصادر من أحد المتلاقيين على وجه الإكرام والدعاء، وما يقترن بذلك اللفظ من البشاشة ونحوها. وأعلى أنواع التحية ما ورد به الشرع، من السلام ابتداء وردًّا. فأمر تعالى المؤمنين أنهم إذا حُيّوا بأي تحية كانت، أن يردوها بأحسن منها لفظا وبشاشة، أو مثلها في ذلك. ومفهوم ذلك النهي عن عدم الرد بالكلية أو ردها بدونها. –السعدي
21- إنما يخشى الله من عباده العلماء
أي: إنما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به؛ لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم القدير العليم الموصوف بصفات الكمال المنعوت بالأسماء الحسنى -كلما كانت المعرفة به أتمّ والعلم به أكمل، كانت الخشية له أعظم وأكثر. - ابن كثير
22- قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون
أي : الذين يعلمون أن ما وعد الله به من البعث ،
والثواب ، والعقاب حق ، والذين لا يعلمون ذلك ، أو الذين يعلمون ما أنزل الله على رسله ، والذين لا يعلمون ذلك ، أو المراد : العلماء والجهال ، ومعلوم عند كل من له عقل أنه لا استواء بين العلم والجهل ، ولا بين العالم والجاهل .– فتح القدير للشوكاني
23- لئن شكرتم لأزيدنكم
أي: لئن شكرتم نعمتي عليكم لأزيدنكم منها- ابن كثير
24- فاذكروني أذكركم
معنى الآية: اذكروني بالطاعة أذكركم بالثواب والمغفرة، قاله سعيد بن جبير. وقال أيضا: الذكر طاعة الله، فمن لم يطعه لم يذكره وإن أكثر التسبيح والتهليل وقراءة القرآن- القرطبي
25- إن ربك لبالمرصاد
فربك راصد لهم ومسجل لأعمالهم . فلما أن كثر الفساد وزاد صب عليهم سوط عذاب ، وهو تعبير يوحي بلذع العذاب حين يذكر السوط ، وبفيضه وغمره حين يذكر الصب . حيث يجتمع الألم اللاذع والغمرة الطاغية ، على الطغاة الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد .-في ظلال القران
26- فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى
أي: تمدحوها وتشكروها وتمنوا بأعمالكم، { هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } ، كما قال: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلا } [النساء: 49].-ابن كثير
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة العشرون بعد المائة في موضوع الحكمة وستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان:
*خمسون حكمة قرآنية ونبوية في الدين والدنيا
27- ولا تصغر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا
لا تُعرِضْ بوجهك عن الناس إذا كلمتهم أو كلموك، احتقارًا منك لهم، واستكبارًا عليهم ولكن ألِنْ جانبك، وابسط وجهك إليهم
وقوله: { وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا } أي: جذلا متكبرًا جبارًا عنيدًا، لا تفعل ذلك يبغضك الله-ابن كثير
28-وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا
أي الذي تعاهدون عليه الناس والعقود التي تعاملونهم
بها، فإن العهد والعقد كل منهما يسأل صاحبه عنه { إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولا } أي: عنه.-ابن كثي
حكم من السنة النبوية الصحيحة
29-إنما الأعمال بالنيات
والمراد بالأعمال : الأعمال الشرعية
ومعناه : لا يعتد بالأعمال بدون النية مثل الوضوء والغسل والتيمم وكذلك الصلاة والزكاة والصوم والحج والإعتكاف وسائر العبادات- ابن دقيق العيد
30-احفظ الله يحفظك
(( احفظِ الله )) يعني : احفظ حدودَه ، وحقوقَه ، وأوامرَه ،
ونواهيَه ، وحفظُ ذلك : هو الوقوفُ عندَ أوامره بالامتثال ، وعند نواهيه بالاجتنابِ ، وعندَ حدوده ، فلا يتجاوزُ ما أمر به ، وأذن فيه إلى ما نهى عنه ، فمن فعل ذلك ، فهو مِنَ الحافظين لحدود الله -جامع العلوم والحكم لابن رجب
31- خالقِ الناس بخلق حسن
والخلق الحسن فسر بتفسيرات: منها أنه بذل النَّدَى وكف الأذى؛ يعني أن تبذل الخير للناس، وأن تكف أذاك عنهم..وقال آخرون: إنّ الخُلق الحسن أنْ يُحسِن للناس بأنواع الإحسان، ولو أساءوا إليه.-قاله صالح آل الشيخ
32-استوصوا بالنساء خيرا
استوصوا بالنساء خيرا يعني اقبلوا هذه الوصية التي أوصيكم بها وذلك أن تفعلوا خيرا مع النساء لأن النساء قاصرات في العقول وقاصرات في الدين وقاصرات في التفكير وقاصرات في جميع شئونهن فإنهن خلقن من ضلع- قاله ابن العثيمين
33-كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته
كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته الخطاب للأمة جميعا يبين فيه الرسول صلى الله عليه وسلم أن كل إنسان راع ومسئول عن رعيته والراعي هو الذي يقوم على الشيء ويرعى مصالحه فيهيئها له ويرعى مفاسده فيجنبه إياها كراعي الغنم - قاله ابن العثيمين
34-لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا
قال النووي :أي تأتلف قلوبكم وفيه مصلحة عظيمة من اجتماع قلوب المسلمين وتناصرهم وتعاضدهم ولهذا قال بعضهم إنه أدفع للضغينة بغير مؤنة واكتساب أخوة بأهون عطية
35- اتقوا دعوة المظلوم
أي اجتنبوا دعوة من تظلمونه وذلك مستلزم لتجنب جميع أنواع الظلم على أبلغ وجه وأوجز إشارة
وأفصح عبارة لأنه إذا اتقى دعاء المظلوم فهو أبلغ من قوله تظلم وهذا نوع شريف من أنواع البديع
يسمى تعليقا- قاله الشوكانى في فتح القدير
36- التأني من الله والعجلة من الشيطان
وكثيرا ما يلاحظ المرء وهو في الجماعة عددا من المصلين عن يمينه أو شماله بل ربما يلاحظ ذلك على نفسه أحيانا مسابقة الإمام بالركوع أو السجود وفي تكبيرات الانتقال عموما وحتى في السلام من الصلاة -قاله الشيخ صالح المنجد
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الواحدة والعشرون بعد المائة في موضوع الحكمة وستكون إستكمالا للماضيات والتي هي بعنوان:
*خمسون حكمة قرآنية ونبوية في الدين والدنيا
37- لا تغضب
ففي هذا الحديث الحث على أن يملك الإنسان نفسه عند الغضب وأن لا يسترسل فيه لأنه يندم بعده كثيراً.-قاله ابن العثيمين
38-دع ما يريبك إلى ما لا يريبك
قوله دع أي اترك ما يريبك بفتح الياء أي تشك فيه ولا تطمئن إليه إلى ما لا يريبك أي إلى الشيء الذي لا ريب فيه . .-قاله ابن العثيمين
39-اتبع السيئة الحسنة تمحها
أتبع السيئة الحسنة تمحها أي إذا عملت سيئة فاتبعها بحسنة فإن الحسنات يذهبن السيئات ومن الحسنات بعد السيئات أن تتوب إلى الله من السيئات فإن التوبة من أفضل الحسنات -قاله ابن العثيمين
40-المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف
مؤمن القوي: يعني في إيمانه وليس المراد القوي في بدنه، لأن قوة البدن ضرراً على الإنسان إذا استعمل هذه القوة في معصية الله، فقوة البدن ليست محمودة ولا مذمومة في ذاتها، إن كان الإنسان استعمل هذه القوة فيما ينفع في الدنيا والآخرة صارت محمودة، وإن استعان بهذه القوة على معصية الله صارت مذمومة .- قاله ابن العثيمين
41-الحياء شعبة من الإيمان
الحياء صفة محمودة لكن الحق لا يستحي منه فإن الله يقول { وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ } .. ولهذا جاء في الحديث إن مما أدرك الناس من النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت .-قاله ابن العثيمين
42-هلك المتنطعون
هلاك ضد البقاء يعني أنهم تلفوا وخسروا والمتنطعون هم المتشددون في أمورهم الدينية والدنيوية
ولهذا جاء في الحديث لا تشددوا فيشدد الله عليكم .-قاله ابن العثيمين
43-ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا : يعني أن الإنسان إذا عفا عمن ظلمه فقد تقول له نفسه: إن هذا ذل وخضوع وخذلان فبين الرسول عليه الصلاة والسلام أن الله ما يزيد أحدا إلا عزا فيعزه الله ويرفع من شأنه.-قاله ابن العثيمين
44-الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان
الطهارة شرط في صحة الصلاة فصارت كالشطر ولا يلزم في الشطر أن يكون نصفا حقيقيا وقيل غير ذلك وأما قوله [ والحمد لله تملأ الميزان ] فمعناه : أنها لعظم أجرها تملأ ميزان الحامد لله تعالى وقد تظاهرت نصوص القرآن والسنة على وزن الأعمال وثقل الموازين وخفتها- قاله ابن دقيق العيد
45- البر حسن الخلق والإثم ما حاك في نفسك
يعني : أن حسن الخلق أعظم خصال البر كمال قال [ الحج عرفة ] أما البر فهو الذي يبر فاعله ويلحقه بالأبرار وهم المطيعون لله عز و جل
والمراد بحسن الخلق : الإنصاف في المعاملة والرفق في المحاولة والعدل في الأحكام والبذل في الإحسان وغير ذلك من صفات المؤمنين- ابن دقيق العيد
46-القرآن حجة لك أو عليك :فمعناه ظاهر أي تنتفع به إن تلوته وعملت به وإلا فهو حجة عليك- قاله ابن دقيق
47-لَقنوا موتاكم لا إله إلا الله :يحتمل اْن يكون أمره - عليه السلام - بذلك لأنه موضع يتعرض فيه الشيطان لافساد اعتقاد الانسان ، فيحتافي إلى مذكًر ومنبه له على التوحيد ، ويحتمل أن يريد بذلك ليكون آخرَ كلامه ذلك ، فيحصل له ما وعد به - عليه السلام - فى الحديث الآخو : (من كان آخر كلامه : لا إله إلا الله دخل الجنة)- قاله القاضي عياض
48-لا يدخل الجنة قاطع رحم : من قطع أقاربه
الضعفاء وهجرهم وتكبر عليهم ولم يصلهم ببره وإحسانه وكان غنياً وهم فقراء فهو داخل في هذا الوعيد محروم عن دخول الجنة إلا أن يتوب إلى الله عز وجل ويحسن إليهم- قاله الذهبي
49-كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل : سبحان الله أعطى الله نبيه جوامع الكلم،
هاتان الكلمتان يمكن أن تكونا نبراسا يسير الإنسان عليه في حياته كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل والفرق بينهما أن عابر السبيل ماش يمر بالقرية وهو ماش منها .
وأما الغريب فهو مقيم فيها حتى يرتحل عنها، يقيم فيها يومين أو ثلاثة أو عشرة أو شهرا، وكل منهما لم يتخذ القرية التي هو فيها وطنا وسكنا وقرارا –قاله ابن العثيمين
50-إنما الأعمال بالخواتيم
قال ابن رجب : فالخواتيم ميراث السوابق وقال ابن دقيق العيد : لما كانت السابقة مستورة عنا والخاتمة ظاهرة . جاء في الحديث : " إنما الأعمال بالخواتيم " .
وانقلاب الناس من الشر إلى الخير كثير ، وأما انقلابهم من الخير إلى الشر ففي غاية الندور ، ولله الحمد . [الأنترنت – موقع صيد الفوائد - سيد مبارك ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه الحلقة الثانية والعشرون بعد المائة في موضوع الحكمة وستكون بعنوان:*حكم وأقوال عن القرآن
هناك كلمات جميلة قالها بعض العلماء والكتاب عن القرآن العظيم وهذه الكلمات مفيدة للباحثين من جهات مختلفة : من جهة النظر والتدبر في هذه الكلمات ، ومن جهة الاستفادة منها في مقدمات البحوث والفصول ، وغير ذلك ..
ومن أفضل ما قيل في القرآن العظيم :
1- قال الشاطبي في الموافقات : " إن كتاب الله قد تقرر أنه كلية الشريعة، وعمدة الملة، وينبوع الحكمة، وآية الرسالة، ونور الأبصار والبصائر، وأنه لا طريق إلى الله سواه، ولا نجاة بغيره، ولا تمسك بشيء يخالفه. وهذا لا يحتاج إلى تقرير واستدلال عليه؛ لأنه معلوم من دين الأمة. وإذا كان كذلك لزم ضرورة لمن رام الاطلاع على كليات الشريعة وطمع في إدراك مقاصدها، واللحاق بأهلها، أن يتخذه سميره وأنيسه، وأن يجعله جليسه على مر الأيام والليالي، نظراً وعملاً، لا اقتصاراً على أحدهما، فيوشك أن يفوز بالبغية، وأن يظفر بالطلبة، ويجد نفسه من السابقين وفي الرعيل الأول. فإن كان قادراً على ذلك ولا يقدر عليه إلا من زاول ما يعينه على ذلك من السنة المبينة للكتاب وإلا فكلام الأئمة السابقين والسلف المتقدمين آخذ بيده في هذا المقصد الشريف، والمرتبة المنيفة..". [ الموافقات : 3/257.
2- وقال السيوطي : " وإن كتابنا القرآن لهو مفجر
العلوم ومنبعها، ودائرة شمسها ومطلعها،
أودع فيه علم كل شيء، وأبان فيه كل هدْيٍ وغي. فترى كل ذي فن منه يستمد وعليه يعتمد ". [ الإتقان : 1 / 39]
3- وقال مصطفى صادق الرافعي : " القرآن : آيات منزلة من حول العرش، فالأرض بها سماء هي منها كواكب، بل الجند الإلهي قد نشر له من الفضيلة علم وانضوت إليه من الأرواح مواكب، أغلقت دونه القلوب فاقتحم أقفالها، وامتنعت عليه ( أعراف ) الضمائر فابتزّ ( أنفالها ) . وكم صدوا عن سبيله صداً، ومن ذا يدافع السيل إذا هدر؟
واعترضوه بالألسنة رداً ولمعري من يرد على القدر؟
وتخاطروا له بسفائهم كما تخاطرت الفحول بأذناب ،
وفتحوا عليه من الحوادث كلَّ شدق فيه من كل داهية ناب.
فما كان إلا نور الشمس : لا يزال الجاهل يطمع في سرابه ثم لا يضع منه قطرة في سقائه ، ويلقى الصبي غطاءه ليخفيه بحجابه ثم لا يزال النور ينبسط على غطائه...
ألفاظ إذا اشتدت فأمواج البحار الزاخرة، وإذا هي لانت فأنفاس الحياة الآخرة... ومعان بينا هي عذوبة ترويك من ماء البيان ، ورقة تستروح منها نسيم الجنان الخ [ إعجاز القرآن : 29 ـ 30 ]
= في وصف الوليد بن المغيرة لما سمع القرآن - كما هو مشهور - :
إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه،
مغدق أسفله، وإنه ليحطم ما تحته، وإنه ليعلو وما يعلى .
= وعن ابن عباس : ( أن الوليد بن المغيرة اجتمع ونفرٌ من قريش ، وكان ذا سنٍّ فيهم ، وقد حضر الموسمُ ، فقال : إن وفود العرب ستقدم عليكم وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا ، فأجمعوا فيه رأياً واحداً ، ولا تختلفوا فيه فيكذب بعضكم بعضاً ، ويرد قول بعضكم بعضاً . فقيل : يا أبا عبد شمس فقل وأقم لنا رأياً نقول به . قال : بل أنتم فقولوا وأنا أسمع . فقالوا : نقول كاهن ، فقال : ما هو بكاهن ... فقالوا : مجنون : فقال : ما هو بمجنون ... فقالوا : نقول شاعر : فقال : ما هو بشاعر ... قالوا : فنقول هو ساحر ، قال : ما هو بساحر . قالوا : فما نقول يا أبا عبد شمس؟! .. قال : والله إن لقوله لحلاوة وإن أصله لغدق ، وإن فرعه لجنى ، فما أنتم بقائلين شيئاً من هذا إلا عُرف أنه باطل ، وإن أقرب القول لأن تقولوا هذا ساحر ، فتقولون : هو ساحر يفرق بين المرء ودينه ، وبين المرء وأبيه ، وبين المرء وزوجته ، وبين المرء وأخيه ... فتفرقوا عنه بذلك فجعلوا يجلسون للناس حتى قدموا الموسم ، فلا يمر بهم أحد إلا حذّروه إياه ، وذكروا لهم أمره ) .
إلى هنا ونكمل في الحلقة القادمة والسلام عليكم