الجمال

 
  الجمال

 

 

 

 

 

{ إن الله جميل يحب الجمال }

إعداد

د . مسفر بن سعيد دماس الغامدي

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمـد لله نحمده ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا { يا أيـها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً ، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً }  أما بعد :

فهذه الحلقة الأولى في موضوع  (الجمال ) وسنتناول عدة مباحث أولها :

التعريفات  : تعريف الجمال

قال ابن منظور:الجمال:مصدر الجميل ، والفعل جَمُل ، وقوله عز جل { ولكم فيها جمال حين تريحون ، وحين تسرحون } . أي بهاء وحسن

وقال ابن سيده : الجمال الحسـن ، يكون في الفعل والخلق ، وقد جَمُل الرجل ، بالضم ، جمالاً ، فهو جميل وجمال ، بالتخفيف .. وجَمَّله ، أي زيّنه ، والتجميل : تكليف الجميل ..

وفي حديث الإسراء : ثم عرضت له امرأة حسناء جملاء ؛ أي جميلة مليحة

قال ابن الأثير : والجمال يقع على الصورة والمعاني ، ومنه الحديث : " إن الله جميل يحب الجمال " : أي : حسن الأفعال كامل الأوصاف

وقال المناوي : إن الله جميل أي : له الجمال المطلق ، جمال الذات ، وجمال الصفات وجمال الأفعال ، يحب الجمال ؛ أي التجمل منكم في الهيئة أو في قلة إظهار الحاجة لغيره والعفاف عن سواه .

وقال النووي :أخرج مسلم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم  : "  لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثال ذرة من كبر " قال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنة . قال : إن الله جميل يحب الجمال ، الكبر بطر الحق وعمط الناس "

وقوله – صلى الله عليه وسلم : " إن الله جميل يحب الجمال " اختلفوا في معناه ؛ فقيل أن معناه أن كل أمره سبحانه وتعالى حسن جميل وله الأسماء الحسنة وصفات الجمال والكمال .

وجمال الله في كماله :         قال ابن تيمية :

يجب أن يعلم أن الكمال ثابت لله ، بل الثابت له هو أقصى ما يمكن من الأكملية بحيث لا يكون وجود كمال لا نقص فيه إلا وهو ثابت للرب تعالى يستحقه بنفسه المقدسة ، وثبوت ذلك مستلزم نفي نقيضه : فثبوت الحياة يستلزم نفي الموت ، وثبوت العلم يستلزم نفي الجهل ، وثبوت القدرة يستلزم نفي العجز …  وأن هذا الكمال ثابت له بمقتضى الأدلة العقلية والبراهين اليقينية مع دلالة السمع على ذلك

وجميع الصفات كذلك ومنها الجمال فثبوت كمال الجمال يستلزم نفي القبح .

ورسول الله يحب الجمال روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غيرّ اسم عاصية وقال : " أنت جميلة "

هذاونكمل في الحلقة التالية وصلى الله وسلم على نبينامحمد وعلى آله وصحبه أجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .   

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذه الحلقة الثانية في موضوع ( الجمال )

وسيكون عنوان الحلقة : المبحث الأول

(النصوص الواردة في الكتاب والسنة عن الجمال أو عن ما يدل على الجمال)

نصوص الكتاب :

1 –  قال تعالى : { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير }

قال ابن أبي العز الحنفي : ففي هذا الإثبات مايقرر معنى النفي ففهم أن المراد : انفراده سبحانه بصفات الكمال ؛ فهو سبحانه وتعالى موصوف بما وصف به نفسه ووصفه به رسله ، ليس كمثله شيء في صفاته ولا في أسمائه ، ولا في أفعالة ..

2 –  وقال تعالى : { للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء و لله المثل الأعلى }

3 –  وقـال سبحانه :{وله المثل الأعلى في السموات والأرض وهو العزيزي الحكيم }

ثم قال ابن أبي العز الحنفي : فجعل سبحانه مثل السوء المتضمن للعيوب والنقائص وسلب الكمال لأعدائه المشركين وأوثانهم ، وأخبر أن المثل الأعلى المتضمن لإثبات الكمال كله لله وحده ..

4 –  وقال عز وجل : { الذي أحسن كل شيء خلقه }

 قال الطبري وأولى الأقوال .. من قال معناه : أحكم وأتقن ..

5 –   وقال تعالى : " لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم "

قال القرطبي : قيل المراد بالإنسان آدم وذريته ، " في أحسن تقويم " وهو الاعتدال واستواء شبابه كذا قال عامة المفسرين وهو أحسن ما يكون لأنه خلق كل شيء منكباً على وجهه وخلقه هو مستوياً وله لسان ذلق ، ويد وأصابع يقبض بها .

وقال أبو بكر بن طاهر : مزيناً بالعقل مؤدياً للأمر ، مهدياً بالتميز ، مديد القامة يتناول  مأكوله   بيده

6 –  وقال العليم : { ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون }

قال الشوكاني : .. والجمال ما يتجمل به ويتزين ، والجمال : الحسن والمعنى : هنا لكم فيها تجمل وتزيين عند الناظرين إليها ، وحين تريحون وحين تسرحون أي في هذين الوقتين وهما وقت ردها من مراعيها ووقت تسريحها إليها ، فالرواح رجوعها بالعشي من المرعى ، والسراح مسيرها إلى مراعيها بالغداة .. وقدم الإراحة على التسريح لأن منظرها عند الإراحة أجمل وذواتها أحسن لكونها في تلك الحالة قد نالت حاجتها من الأكل والشرب فعظمت بطونها وانتفخت ضروعها ، وخص هذين الوقتين لأنهما وقت نظر الناظرين إليها لأنها عند استقرارها في الحظائر لا يراها أحد وعند كونها في مراعيها هي متفرقة غير مجتمعة كل واحد منها يرعى في جانب

7 –   وقال سبحانه : { ولله الأسماء الحسنى فأدعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون }

قال سليمان بن عبد الله  :" يخبر تعالى أن له أسماء وصفات بكونها حسنة أي حسان وقد بلغت الغاية في الحسن فلا أحسن منها ، كما يدل عليه من صفات الكمال ونعوت الجلال ؛ فأسماؤه الدالة على صفاته هي أحسن الأسماء وأكملها ؛ فليس في الأسماء أحسن منها ولا يقوم غيرها مقامها

8 -   وقال العلي الكريم : { قل من حرم زينة الله التي أخرج لعبادة }

وقال البخاري : كتاب اللباس وقال الله تعالى : { قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة )

هذاونكمل في الحلقة التالية وصلى الله وسلم على نبينامحمد وعلى آله وصحبه أجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .  

 

 

 

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فهذه الحلقة الثالثة في موضوع ( الجمال ) )

وستكون الحلقة إستكمالا للحلقة السابقة والتي بعنوان ((النصوص الواردة في الكتاب عن الجمال أو عن ما يدل على الجمال)

9 - وقال جل جلاله :{ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح }

قال الشوكاني : بين سبحانه بعد خلق السموات وخلوها من العيب والخلل أنه زينها بهذه الزينة فصارت في أحسن خلق وأكمل صورة وأبهج شكل ..

قال قتادة : خلق الله النجوم لثلاث : زينة للمساء ، ورجوماً للشياطين وعلامات يهتدى بها في البر والبحر ..

10 - قال الحكيم العليم : { إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملاً } .

قال ابن الجوزي : .. وإن قلنا هم الرجال أو العلماء فلعبادتهم و لدلالتهم على خالقهم ، وإن قلنا النبات والشجر فلأنه زينة لها تجري مجرى الكسوة والحلية .

11 – وقال سبحانه وتعالى : { زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة ، والأنعام والحرث }

قال أبو السعود : .. المزين هو الباري سبحانه وتعالى إذ هو الخالق لجميع الأفعال والدواعي والحكمة في ذلك ابتلاؤهم قال تعالى : { إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم ..  } الآية

12 – وقال تعالى : { المال والبنون زينة الحياة الدنيا ، والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملا }

قال القرطبي : كان المال والبنون زينة الحياة الدنيا لأن في المال جمالاً ونفعاً وفي البنين قوة ودفعاً فصارا زينة الحياة الدنيا

13 – وقال تعالى : { والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة }

قال ابن كثير : هذا صنف آخر مما خلق تبارك وتعالى لعباده يمتن به عليهم وهو الخيل والبغال والحمير التي جعلها للركوب والزينة بها وذلك أكبر المقاصد منها ، ولما فضلها من الأنعام وأفردها ...

14 – وقال تعالى : { فلما رأينه أكبرنه .. }

قال أبو السعود : أكبرنه : عظمنه وهبن حسنه الفائق وجماله الرائع الرائق فإن فضل جماله على جمال كل جميل كان كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ..

15 – وقال سبحانه:{ يا أيها النبي قل لأزواجك : إن كنتن تردن الحياة الدنيا ، وزينتها فتعالين أمتعكم ، وأسرحكم سراحاً جميلاً .. }

قال المباركفوري : .. وهن تسع وطلبن منه من زينة الدنيا ما ليس عنده " إن كنتن تردن الحياة الدنيا " أي السعة في الدنيا وكثرة الأموال وزينتها " فتعالين " أي أقبلن بإرادتكن واختياركن ، وبعده " أمتعكن " أي متعة الطلاق ، " وأسرحكن سراحاً جميلاً " أي أطلقكم من غير إضرار ..

16 – وقال عز وجل:{ والسماء ذات الحبك .. }

قال عكرمة  : .. أي البهاء والجمال .. ، وقال علي بن أبي طلحة : الخلق الحسن وقال ابن عباس : ذات الجمال والبهاء والحسن والاستواء ..

17–وقال تعالى:{الله لا إله إلا هو الحي القيوم }

قال ابن أبي العز الحنفي : أعظم آية في القرآن كما ثبت ذلك في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فعلى هذين الاسمين مدار الأسماء الحسنى كلها وإليها ترجع معانيها ، فإن الحياة مستلزمة لجميع صفات الكمال فلا يتخلف عنها صفة منها إلا لضعف الحياة فإذا كانت حياته تعالى أكمل حياة وأتمها استلزم إثباتها إثبات كل كمال يضاد نفيه كمال الحياة .

هذاونكمل في الحلقة التالية وصلى الله وسلم على نبينامحمد وعلى آله وصحبه أجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته  

 

 

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فهذه الحلقة الرابعة في موضوع ( الجمال)  

وستكون الحلقة إستكمالا للحلقة السابقة والتي بعنوان (النصوص الواردة في الكتاب عن الجمال أو عن ما يدل على الجمال)

18 – وقال عز وجل : { سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين }

قال ابن أبي العز الحنفي : فنـزه نفسه سبحانه عما يصفه به الكافرون ثم سلم على المرسلين لسلامة ما وصفوه به من النقائص والعيوب ، ثم حمد نفسه على ما تفرده بالأوصاف التي يستحق عليها كمال الحمد .

19 – وقال تعالى : { فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون }

قال الجصاص : يقال إنه صبر لا شكوى فيه وفيه البيان عما تقتضيه المصيبة من الصبر الجميل ، والاستعانة بالله عندما يعرض من الأمور القطعية المحزنة

وقال الثعالبي : وجميل الصـبر أن لا تقـع شـكوى إلى البشر وقال النبي صلى الله عليه وسلم :( من بث لم يصبر صبراً جميلاً .. )

20 – وقال سبحانه : { ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور }

قال ابن كثير : قال سعيد بن جبير : يعني لمن حق الأمور التي أمر الله تعالى بها أي لمن الأمور المشكورة والأفعال الحميدة التي عليها ثواب جزيل وثناء جميل …

21 – وقال تعالى :{فتبارك الله أحسن الخالقين }

قـال ابن سعدي : " فتبارك الله " أي : تعالى وتعاظم ، وكثر خيره ، " أحسن الخالقين " الذي أحسن كل شيء خلقه ، وبدأ خلق الإنسان من سلالة من ماء مهين ثم سواه ونفخ فيه من روحه ، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون ، فَخَلْقُهُ كله حسن ، والإنسان من أحسن مخلوقاته ، بل هو أحسنها على الإطلاق كما قال تعالى : { لقد خلنا الإنسان في أحسن تقويم } ولهذا كان خواصه ، أفضل المخلوقات وأكملها ..

22 – وقال سبحانه : { وإنك لعلى خلق عظيم }

قال ابن كثير : قال ابن عباس : وإنك لعلى دين عظيم وهو الإسلام . وقال ابن عطية : لعلى أدب عظيم ، وقالت عائشة : إن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن ..

ومعنى هذا أنه عليه الصلاة والسلام صار امتثال القرآن أمراً ونهياً سجية له وخلقاً تطبعه وترك طبعه الجبلي فمهما أمره القرآن فعله ومهما نهاه عنه تركه هذا مع ما جبله الله عليه من الخلق العظيم من الحياء والكرم والشجاعة والصفح والحلم وكل خلق جميل ..

وأخبر تعالى عن محمـد صلى الله عليه وسلم أنه رسوله حقاً بلا شك ولا ريب فقال : " محمد رسول الله " وهذا مبتدأ وخبر وهو مشتمل على وصف كل جميل ثم ثنى بالثناء على أصحابه رضي الله عنهم فقال :     { والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم } كما قال عز وجل : {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلـة على المؤمنين أعزة على الكافرين } .

وقال القرطبي : كان صلى الله عليه وسلم يحب الطيب والرائحة الحسنة ويستعملها ويحض عليها ويقـول : إن الله جميل يحب الجمال ، ويأمر بالسواك وغسل البراجم والرواجب واستعمال خصال الفطرة ويأخذ بذلك ويعمل به ..                                   

23 – وقال تعالى :{وألقيت عليك محبة مني }

قال ابن عباس : أحبه الله وحببه إلى خلقه ، وقال ابن عطية : جعل عليه مسحة من جمال لا يكاد يصبر عنه من رآه ، وقال عكرمة المعنى جعلت فيك حسناً وملاحة فلا يراك أحد إلا أحبك وقال ابن زيد : جعلت من رآك أحبك حتى أحبك فرعون فسلمت من شره وأحبتك آسية بنت مزاحم فتبنتك …

هذاونكمل في الحلقة التالية وصلى الله وسلم على نبينامحمد وعلى آله وصحبه أجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

 

  

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فهذه الحلقة الخامسة في موضوع ( الجمال) )

وسيكون عنوان الحلقة(نصوص السنة في الجمال )

1 –  أخرج مسلم بسنده من حـديث عبد الله بن مسـعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثال ذرة من كبر ، قال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ، ونعله حسنةً ، قال : " إن الله جميل يجب الجمال ، الكبر بطر الحق وغمط الناس "

2 –  وأخرج الحاكم بسنده من حديث الحسين بن علي قال : أقبل العباس بن عبد المطلب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه حلة وله ضفيرتان وهو أبيض ، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم تبسم فقال العباس : " يا رسول الله ما أضحكك أضحك الله سـنك ؟ فقال أعجبني جمال عم النبي ، فقال العباس : ما الجمال في الرجال ؟ قال اللسان "

3 – وأخرج البهيقي بسـنده من حديث أبي هريرة

قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله جميـل يحب

الجمال ويجب أن يرى نعمته على عبده ، ويبغض البؤس والتباؤس "

4 – أخرج علي بن الجعد بسنده من حديث علقمة قال كنت رجلاً أعطاني الله عز وجل حسن الصوت بالقرآن وكان ابن مسعود يرسل إليّ فأقرأ عليه فإذا فرغت من قرائتي قال : زدنا فداك أبي وأمي ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن حسن الصوت زينة القرآن "

5 – وأخرج الآجري في الحديث الطويل الذي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فيه الرؤية فيقول الأزواج : فنلقى أزواجنا فيقلن مرحباً وأهلاً بحبنا لقد جئت؛ وإن بك من الجمال والطيب أكثر مما فارقتنا عليه فيقول : " إنما جالسنا اليوم ربنا الجبار تبارك وتعالى ، فبحقنا أن ننقلب بمثل ما انقلبنا به " ثم قال : اسناده صحيح من حديث أبي هريرة

6 – أورد القرطبي حديث نزول عيسى عليه السلام وفيه : " … ينزل في دمشق بين مهرودتين واضعاً كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه تحدر منه جمال كاللؤلؤ . "

وهذه فيه دلالة على جمال عيسى عليه السلام

7 – أورد القرطبي قول النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الدنيا

خضرة حلوة والله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون " وقوله صلى الله عليه وسلم : " إن أخوف ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من زهرة الدنيا . قال : وما زهرة الدنيا ؟ قال : بركات الأرض "  خرجهما مسلم وغيره من حديث أبي سعيد الخدري ، والمعنى : أن الدنيا مستطابة في ذوقها معجبة في مظهرها كالثمر المستحلي المعجب المرأى فابتلى الله بها عباده لينظر أيهم أحسن عملاً .. "

وأخـرج الطبراني بسـنده مـن حديث ابن عباس

قال : " كانت قريش يطوفون بالبيت وهم عراة

يصفـرون ويصفقون فأنزل الله عز وجل " قل من

حرم زينة الله " فأمر بالثياب "

ونصوص السنة كثيرة ، ولعل ما ذكر يكفي في الدلالة .

هذاونكمل في الحلقة التالية وصلى الله وسلم على نبينامحمد وعلى آله وصحبه أجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

  

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فهذه الحلقة السادسة في موضوع ( الجمال) )

وستكون بعنوان : " الله جميل "

قال ابن القيم:" ويكفي في جماله  أن كل جمال ظاهر، وباطن في الدنيا والآخرة ، فمن آثار صنعته ، فما الظن بمن صدر عنه هذا الجمال ؟

ويكفي في جمالة أنه له العزة جميعاً ، والقوة جميعاً ، والجود كله ، والإحسان كله ، والعلم كله ، والفضل كله ، لنور وجهه أشرقت الظلمات كمال قال النبي  صلى الله عليه وسلم  في دعاء الطائف : (  أعوذ بنور

وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة .. )

وتفصيل ذلك فيما يلي :

1 – لله العزة جميعاً :وهي إحدى مقومات الجمال

والعزة في اللغة : القوة والشدة والغلبة ، والرفعة والامتناع

وفي الاصطلاح : العزيز من أسماء الله الحسنى ، والعزة من صفاته العلية .

قـال ابن حجر : قال الراغب : العزيز الذي لا يقهر ، فإن العزة التي لله هي الدائمة الباقية ، وهي العزة الحقيقية الممدوحة ، وأما قوله تعالى : { من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً } فمعناه : من كان يريد أن يعز فليكتسب العزة من الله ، فإنها له ولا تنال إلا بطاعته ومن ثم أثبتها لرسوله وللمؤمنين فقال في الآية الأخرى : { ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين }

وقال البيهقي : " العزيز هو ا لغالب الذي لا يغلب ، والمنيع الذي لا يوصل إليه ، وقيل هو القادر القوي ، وقيل هو الذي لا مثل له ، وهو من صفات الذات "

والعزة صفة من صفات الكمال ،ونعوت الجلال مما تضمنه اسمه " العزيز بالاشتقاق ، وهذه الصفة من صفات ذاته التي يستحقها فيما لم يزل ولا يزال ، وهي عقلية مما يدل خبر المخبر به عنه ، ووصف الواصف له به على ذاته "

والعزة صفة ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع .

قال تعالى : { ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعاً وهو السميع العليم }

وأخـرج البخاري بسـنده من حـديث ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أعـوذ بعزتك الذي لا إله إلا أنت أن تضلني ، أنت الحي الذي لا يموت والجن والإنس يموتون )

والله سبحانه وتعالى مصدر العزة :

قال سبحانه : { قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء ، وتنزع الملك ممن تشاء ، وتعز من تشاء ، وتزل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير }

قال ابن كثير : " والمقصود من هذا التهييج على طلب العزة من أحباب الله : الالتجاء إلى عبوديته والانتظام في جملة عبادة المؤمنين الذين لهم النصرة في هذه الحياة الدنيا ويوم الأشهاد "

ولأن العزة كلها لله فهو خلق هذا الكون بدقة فائقة ، قال تعالى : { والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم }

وأنزل الكتاب ، قال تعالى : { حم ، تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم }

ونصر من ينصره : قال تعالى : { ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز }

ولأن العزة كلها لله فهو لطيف بعباده : قال تعالى : { الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز }

ولأن العزة كلها لله فهو أنجى موسى ومن معه ، وأغرق الآخرين . قال تعالى : {وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ، ثم أغرقنا الآخرين إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين ، وإن ربك لهو العزيز الرحيم }

ولأن العزة كلها لله فهو خَلَقَ الموت والحياة ، قال تعالى : { تبارك الذي بيده المملك وهو على كل شيء قدير ،  الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً ، وهو العزيز الغفور }.           ولأن العزة كلها لله فهو يعذب الكافرين بآيات الله

قـال تعالى : { إن الـذين كفـروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام }

ولأن العزة كلها لله فهو يأخذ المكذبين ، قال تعالى : { كذبوا بآياتنا كلها فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر }

والآيات والأحاديث الدالة على أن له العزة جميعاً أكثر من أن تعد أو تحصر

هذاونكمل في الحلقة التالية وصلى الله وسلم على نبينامحمد وعلى آله وصحبه أجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

 

  

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فهذه الحلقة السابعة في موضوع ( الجمال)

وستكون الحلقة احدى مقومات الجمال لله سبحانه وتعالى وهي بعنوان :2 – له القوة جميعاً :

القوة في اللغة : الخصـلة الواحدة من قوى الحبل ، وقيل : الطاقة الواحدة من طاقات الحبل أو الوتر

وفي الاصطلاح : القوي : اسم من أسماء الله

ومعناه : أي القادر ، تام القوة لا يستولي عليه

عجز في حالة من الأحوال ، ويرجع معناه إلى صفة القدرة

ولأن القوة لله جميعاً فهو ينصر من ينصره قال تعالى : { ولينصرن الله من ينصره ، إن الله لقوي عزيز } ، ويتوعد من جهله ، قال تعالى :{ وما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز } ، ويرزق من يشاء ، وقال تعالى : { الله لطيف بعباده ، يرزق من يشاء وهو القوي العزيز } . وقال تعالى : { لقد أرسلنا رسلنا بالبينات ، وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ، ليقوم الناس بالقسط ، وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ، ومنافع للناس ، وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز }  .

ولأنه قوي له القوة جميعاً فهو الغالب قال تعالى : { كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيزاً }

ولأن القوة لله جميعاً فهو رد الذين كفروا بغيظهم ، وكفى الله المؤمنين القتال                        قال تعالى : { ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً ، وكفى الله المؤمنين القتال ، وكان قوياً عزيزاً }

ومما سبق يتضح أن القوة له جميعاً والعزة له جميعاً وهو هازم أعداءه ، وناصر أولياءه ، ورازق عباده والغالب على أمره .

3 – لله الجود كله وله الفضل كله :

الجواد في اللغة : هو السخي والجمع أجواد ، وجاودت فلاناً فجدته أي غلبته بالجود وجاد الرجل بماله يجود وجوداً ، فهو جواد

وفي الاصطلاح : قال تعالى في الحديث

القدسي : (( ذلك بأني جواد ماجد أفعل ما

أريد )أي أنه اسم من أسماء الله ، ومعنى

ماجد ، أي مجيد وهو الجليل الرفيع القدر

المحسن الجزيل البر ، فالمجد في اللغة قد يكون

بمعنى الشرف ، وقد يكون بمعنى السعة ، وهو

على المعنى الأول صفة يستحقها بذاته ، وعلى

المعنى الثاني يأتي بمعنى الرزاق : وهو القائم

على كل نفس بما يقيمها من قوتها ، وما مكنها

من الانتفاع به من مباح وغير مباح رزق لها ،

وأيضاً بمعنى الكريم : الكثير الخير ، وبمعنى

المغني: أي الكافي

وجود الله هو كل ما تفضل به الله على عباده وأنعم سواء في الدنيا والآخرة ، وسواء كان هذا الجود والرزق والإحسان مادياً أو معنوياً .

فهو سبحانه تفضل وجاد بخلق المخلوقات كلها علويها وسفليها وكل ذلك لصالح الإنسان ، قال تعالى : { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ، ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات وهو بكل شيء عليم }

وقال تعالى : { الله الذي جعل لكم الأرض قراراً ، والسماء بناء ، وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ، ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين }

وتفضل سبحانه وجاد فأنعم على عباده بإنزال المطر،وبإنشاء الجنات ، وبالأنعام قال تعالى :     { وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض ، وإنا على ذهاب به لقادرون ، فأنشأ لكم به جنات من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون ، وشجرة تخرج من طور سيناء تنبـت بالدهن وصبغ للآكلين ، وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ، ولكم فيها منافع كثيرة ، ومنها تأكلون ، وعليها وعلى الفلك تحملون }

وجاد وتفضل الجواد وأنعـم على عباده بالذرية والأزواج والرزق من الطيبات قال تعالى : {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً ،وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ، ورزقكم من الطيبات ، أفبالباطل يؤمنون ، وبنعمة الله هم يكفرون }

وجاد الجواد وتفضل بتكريم الإنسان . قال تعالى { ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً }

وجاد الجواد وتفضل بإحلال الطيبات لعبادة قال تعالى : { وكلوا مما رزقكم الله حلالاً طيباً ، واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون }

ومن فضله ونعمته وجوده سبحانه على عباده الحب بينهم قال تعالى :{ والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويـؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصـة ، ومن يوق شح نفسـه فأولئك هم المفلحون }

ومن جوده وكرمه على عباده ؛ الطهر والعفة قال تعالى : { والطيبات للطيبون والطيبون للطيبات ، أولئك مبرءون مما يقولون ، لهم مغفرة ورزق كريم }

ومن جوده وكرمه وفضله سبحانه ؛ أن ذلل الأرض للإنسان . قال تعالى : { هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً ، فامشوا في مناكبها وكلوا من زرقة وإليه النشور }

ومن فضله وجوده وإنعامه البحر وما فيه من أرزاق وخيرات قال تعالى : { وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه ، وهذا ملح أجاج ، ومن كل تأكلون لحماً طرياً وتستخرجون حلية تلبسونها ، وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله لعلكم تشكرون }

ومن فضله وجوده وكرمه سبحانه " الحكمة " قال تعالى : { يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً ، وما يذكر إلا أولو الألباب }

ومن جود الجواد اليقين والمعافاة قال رسول الله   صلى الله عليه وسلم  ( يا أيها الناس إن الناس لم يعطوا في الدنيا خيراً من اليقين ، والمعافاة فسلوهما الله عز وجل )

ومن أعظم فضله وجوده لأولياءه في الجنة النظر إلى وجهه الكريم قال رسول الله صلى الله عليـه وسلم  ( إذا دخـل أهل الجنة الجنة قال : يقول الله تبارك وتعالى : تريدون شيئاً أزيدكم ؟ فيقولون : ألم تبيض وجوهنا ؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجينا من النار ؟ قال :فيكشف الحجـاب ، فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل )

وجود الجواد لا حصر له ، فهو له الجود كله ، { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم }

هذاونكمل في الحلقة التالية وصلى الله وسلم على نبينامحمد وعلى آله وصحبه أجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فهذه الحلقة الثامنة في موضوع ( الجمال)

وستكون الحلقة احدى مقومات الجمال لله سبحانه وتعالى وهي بعنوان :                     4 – ولله الإحسان كله :

الإحسان في اللغة : ضـد الإساءة ، وهويحسن الشيء : أي يعمله ويستحسن الشيء أي يعده حسناً .

والإحسان يقال على وجهين ؛ أحدهما : الإنعام على الغير ، يقال : أحسن إلى فلان .

والثاني : إحسان في فعله ، قال تعالى : { الذي أحسن كل شيء خلقه } والإحسان أعم من الإنعام قال تعالى : { إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم }

وفي الاصطلاح : هو ما فسره النبي – صلى الله عليه وسلم – بقوله : ( أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تك تراه فإنه يراك )

وهذا في حق الآدميين ، أما في حق الله فهو كما قال تعالى : { الذي أحسن كل شيء خلقه } قال ابن كثير : يقـول تعالى : " إنه الذي أحسن خلق الأشياء وأتقنها وأحكمها " 

وقال تعالى : { وصوركم فأحسن صوركم } .

قال ابن كثير : " أي فخلقكـم في أحسـن الأشكال ، ومنحكم أكمل الصور في أحسن تقويم }

وقال تعالى : { والذين هاجروا في سبيل الله .ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقاً حسناً ..}.

قال ابن كثير : أي : ليجرين عليهم من فضله ورزقه من الجنة ما تقر به أعينهم .

وقال تعالى : { فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتاً حسناً }  .

قال ابن كثير : أي : جعلها شكلاً مليحاً ومنظراً

بهيجاً ، ويسر لها أسباب القبول ، وقرنها

بالصالحين من عباده تتعلم منهم الخير والعلم والدين

وإنما قدر الله كون زكريا كافلها لسعادتها لتقتبس

منه علماً جماً نافعاً وعملاً صالحاً ، ولأنه كان زوج

خالتها وقيل زوج أختها .. فعلى هذا كانت في

حضانة خالها ..                               

وورد في الصحيحين : أن الخالة بمنزلة الأم .. )) . وقال تعالى : { ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك } .

قال ابن كثير : " الحسنة الخصب ، تنتج خيولهم وأنعامهم ومواشيهم ، ويحسن حالهم وتلد نساؤهم الغلمان .. " .

وقال سبحانه: { إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ، وكان الله غفوراً رحيماً } .

قال القرطبي : " فلا يبعد في كرم الله تعالى إذا

صحت توبة العبد أن يضع مكان كل سيئة حسن، وقد قال  صلى الله عليه وسلم  لمعاذ : (( اتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن " .

وقال تعالى : { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها }

قال الأشقر : " ومصدر الخلق والأمر عن أسـمائه

الحسنى، وهما مرتبطان بالأسماء الحسنى ارتباط المقتضي بمقتضيه ، فالأمـر كله مصدره عن أسمائه الحسنى وهذا كله حسن ، لا يخرج من مصالح العباد والرأفة والرحمة بهم ، والإحسان إليهم بتكميلهم بما أمرهم به ، ونهاهم عنه ، فأمره كله مصلحة ، وحكمة ورحمة ولطف وإحسان ، إذ مصدره أسماؤه الحسنى .. " .

و النصوص الدالة على أن الإحسان كله لله ، وأن كل خلقه مفتقر إلى إحسانه كثيرة جداً ، فهو أتقن كل شيء ، وتكفل بأرزاق جميع مخلوقاته ، وقدر كل ما نحتاجه فله الحمد وله الشكر .

هذاونكمل في الحلقة التالية وصلى الله وسلم على نبينامحمد وعلى آله وصحبه أجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فهذه الحلقة التاسعة في موضوع ( الجمال)

وستكون الحلقة احدى مقومات الجمال لله سبحانه وتعالى وهي بعنوان :

5 – ولله العلم كله :

العلم في اللغة : نقيض الجهل ، ورجل عالم ، وعليم من قوم علماء

وعلم بالشيء : شَعَرَ ، يقال : ما علمت بخبر

قدومه أي ما شعرت ، وقوله تعالى : { الرحمن

علم القرآن } أي يسره وعلمه البيان أي القرآن

والذي فيه بيان كل شئ .

وفي الاصطلاح : من صفات الله عز وجل العليم والعالم ، والعلام قال الله عز وجل : { وهو الخلاق العليم } وقال : { عالم الغيب والشهادة } وقال : { علام الغيوب } فهو الله العالم بما كان وما يكون قبل كونه ، وبما يكون ، ولما يكن بعد...  أحاط علمه بجميع الأشياء باطنها وظاهرها دقيقها وجليلها على أتم الإمكان .. " .

قال البيهقي :  ومن أسماءه سبحانه "العليم "وهو العالم على المبالغة ، فالعلم له صفة قائمة بذاته .

قال الخطابي : هو العالم بالسرائر والخفيات التي لا يدركها علم الخلق كقوله تعالى : {إنه عليم بذات الصدور } وجاء على بناء فعيل للمبالغة في وصفه بكمال العلم ، ولذلك قال سبحانه { وفوق كل ذي علم عليم } .

والآدميون . وإن كانوا يوصفون بالعلم – فإن ذلك ينصرف منهم إلى نوع من المعلومات دون نوع ؛ وقد يوجد ذلك منهم في حال دون حال ، وقد تعترضهم الآفات فيخلف علمهم الجهل ، ويعقب ذكرهم النسيان ، وقد نجد الواحد منهم عالماً بالفقه غير عالم بالنحو ، وعالماً بهما غير عالم بالحساب وبالطب ونحوهما من الأمور ، وعلم الله – سبحانه – علم حقيقة وكمال (قد أحاط بكل شيء علماً)  ، (وأحصي كل شيء عددا).

والعلام بمنزلة العليم ، وبناءُ فعال بناء التكثير والمحيط هو الذي أحاطت قدرته بجميع خلقه وهو الذي أحاط بكل شيء علماً ، وأحصى كل شيء عدداً .

والشهيد هو الذي لا يغيب عنه شيء ، يقال : شاهد وشهيد كعالم وعليم . أي : كأنه الحاضر والشاهد  الذي لا يعزب عنه شيء .. ويكون الشهيد بمعنى العليم كقوله : {شهد الله أنه لا إله إلا هو } .

قيل معناه : عَلِمَ الله ، وقـال أبو العباس أحمد بن يحي معناه : بيّن الله أنه لا إله إلا هو ، وهو أيضاً الشاهد للمظلوم الذي لا شاهد له ولا ناصر على الظالم المعتدي الذي لا مانع له في الدنيا ، لينتصف له منه .

قال ابن كثير : وقوله : ( ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء )  أي : لا يطلع أحد من علم الله على شيء إلا بما أعلمه الله عز وجل وأطلعه عليه ، ويحتمل أن يكون المراد : لا يطلعون على شيء من علم ذاته وصفاته إلا بما أطلعهم الله عليه ، كقوله : { ولا يحيطون به علماً }   .

وقال ابن كثير على الآية : { ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً }  أي : أن رحمتك تسع ذنوبهم وخطاياهم ، وعلمك محيط بجميع أعمالهم وحركاتهم وسكناتهم   .

والنصوص كثيرة في الدلالة على سعة علم الله ، وأن له العلم كله وكل معلوم في هذا الكون هو جزء من علمه فسبحانه وتعالى وتقدس وتنـزه عما يقول الظالمون علواً كبيراً.

هذاونكمل في الحلقة التالية وصلى الله وسلم على نبينامحمد وعلى آله وصحبه أجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

 

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فهذه الحلقة العاشرة في موضوع ( الجمال)

وستكون الحلقة احدى مقومات الجمال لله سبحانه وتعالى وهي بعنوان :

6 – لنور وجهه أشرقت الظلمات :

النور في اللغة : الضياء ، وضده الظلمة ، وقيل : هو شعاعه وسطوعه ، والجمع أنوار ، ونيران واستنار به ، استمد شعاعه ، ونور الصبح : ظهر نوره ، والتنوير : الإنارة ، والإسفار .

وفي الاصطلاح : النور : اسم من أسماء الله الحسنى ومعناه : الهادي،وقيل : هو المنور ، وهو من صفات الفعل ، وقيل : هو الحق ، وقيل : هو الذي لا يخفى على أوليائه بالدليل ، وتصح رؤيته بالأبصار، وهذه صفة يستحقها الباري تعالى بذاته

وهو الذي يبصر بنوره ذو العماية ، ويرشـد بهداه ذو الغواية وقيل : هو الظاهر الذي به كل ظهور . فالظاهر في نفسه المظهر لغيره يسمى نوراً .

وفي حديث أبي ذر : (( قال له ابن شقيق : لو رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت أسأله : هل رأيت ربك ، فقال : قد سألته  ، فقال : ( نورٌ أني أراه ؟ ) أي هو نورٌ كيف أراه .

قال ابن القيم : ولنور وجهه أشرقت الظلمات كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء الطائف : ( أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة … ) .

وأخرج مسلم بسنده من حديث أبي موسى قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم  بخمس كلمات فقال : ( إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام ، يخفض القسط ويرفعه ، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار ، وعمل النهار قبل عمل الليل ، حجابه النور .

وفي رواية أبي بكر بن أبي شيبة : " النار " لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه وما انتهى إليه بصره من خلقه .. .

ثم قال ابن تيمية : فهذا الحديث فيه ذكر حجابه فإن تردد الراوي في لفظ النار والنور لا يمنع ذلك ، فإن مثل هذه النار الصافية التي كلم بها موسى يقال لها نار ونور ، كما سمي الله نار المصباح نوراً بخلاف النار المظلمة كنار جهنم فتلك لا تسمى نوراً .

فالأقسام ثلاثة ( إشـراق بلا إحراق ) وهو النور المحض كالقمر ، و ( إحراق بلا إشراق ) وهي النار المظلمة ، و ( ما هو نار ونور ) كالشمس ، ونار المصابيح التي في الدنيا توصف بالأمرين .. .

وقال ابن تيمية على قوله – صلى عليه وسلم : " نورٌ أني أراه " معناه : كان ثم نورٌ وحال دون رؤيته فأنى أراه ؟ قال : ويدل عليه : أن في بعض " ألفاظ الصحيح " هل رأيت ربك ؟ فقال : " رأيت نوراً " .

قال تعالى : { الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة . الزجاجة كأنها كوكب دري ، يوقد من شجرة مباركة ، زيتونه .. لا شرقية ولا غربية ، يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ، نور على نور ، يهدي الله لنوره من يشاء ، ويضرب الله الأمثال ، والله بكل شيء عليم } .

وفي الصحيحين عن ابن عباس : كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا قام من الليل يقول : ( اللهم لك الحمد ، أنت قيم السموات والأرض ومن فيهم ، ولك الحمد ، أنت نور السموات والأرض ومن فيهن ...)  الحديث

قال ابن كثير : قال السدى : … فبنوره أضاءت السموات والأرض ..

وعـن ابن مسـعود قال : إن ربـكم ليس عنده ليل ولا نهار ، نور العرش من نور وجهه .

وقال ابن تيمية : .. النص في كتاب الله وسنة رسوله قد سمى الله نور السماوات والأرض ، وقد أخبر النص أن الله نور ، وأخبر أيضاً أنه يحتجب بالنور فهذه ثلاثة أنوار في النص .. .

وقال تعالى : { وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب .. }

قال ابن كثير : أي : أضاءت يوم القيامة إذا تجلى الحق - تبارك وتعالى – للخلائق لفصل القضاء

هذاونكمل في الحلقة التالية وصلى الله وسلم على نبينامحمد وعلى آله وصحبه أجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

 

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فهذه الحلقة الحادية عشرة في موضوع ( الجمال )

وستكون الحلقة بعنوان :

المبحث الثالث : معرفة الله بجماله

قال ابن القيم : الإله الحق هو الذي يُحب لذاته ، ويُحمد لذاته ، فكيف إذا أنضاف إلى ذلك : إحسانه ، وإنعامه وحلمه ، وتجاوز ، وعفوه ، وبره ، ورحمته !! ؟

فعلى العبد أن يعلم أنه لا إله إلا الله ، فيحبه ، ويحمده لذاته وكماله ، وأن يعلم أنه لا محسن على الحقيقة بأصناف النعم الظاهرة والباطنة إلا هو ، فيحبه لإحسانه وإنعامه ، ويحمده على ذلك .

فيحبه من الوجهين جميعاً ، وكما أنه ليس كمثله شيء، فليس كمحبته محبة . والمحبة مع الخضوع هي : العبودية التي خُلق الخلقُ لأجلها ؛ فإنها غاية الحب بغاية الذل ، ولا يصلح ذلك إلا له سبحانه

والإشراك به في هذا هو الشرك الذي لا يغفره الله ، ولا يقبل لصاحبه عملاً .. فيُعرف الله سـبحانـه بالجمال الـذي لا يماثله فيه شيء … فيَعرفَهُ بالجمال الذي هو وصفه .. " .

وقال ابن القيم : ومن أعز أنواع المعرفة ؛ معرفة الرب سبحانه بالجمال وهي معرفة خواص الخلق ، وكلهم عرفه بصفة من صفاته ، وأتمهم معرفة :    من عرفه بكماله وجلاله وجماله سبحانه، ليس كمثلهم شيء في سائر صفاته ، ولو فرضت الخلق كلهم على أجملهم صورة ، وكلهم على تلك الصورة ، ونسبت جمالهم الظاهر والباطن إلى جمال الرب سبحانه ، لكان أقل من نسبة سراج ضعيف إلى قرص الشمس، ويكفي في جماله " أنه لو كشف الحجاب عن وجهه لأحرقت سبحاته ما انتهى إليه بصره من خلقه " .

ويكفي في جماله أن كل جمال ظاهر وباطن في الدنيا والآخرة فمن آثار صنعته ، فما الظن بمن صدر عنه هذا الجمال ..

ومن أسمائه الحسنى " الجميل " وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم : ( إن الله جميل يحب الجمال ).

ومراتب جمال الله جل جلاله المتحتمة المعرفةوجماله سبحانه على أربع مراتب :

 1– جمال الذات2 –وجمال الأسماء2 – وجمال الصفات 4 – وجمال الأفعال .

فأسماءه كلها حسنى ، وصفاته كلها صفات كمال ، وأفعاله كلها حكمة ومصلحة وعدل ورحمة  .

المرتبة الأولى : جمال ذات الله :

( الله ) علم على الرب تبارك وتعالى ، وهو أعرف المعارف وهو الاسم الأعظم لأنه يوصف بجميع الصفات كما قال تعالى : { هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة ، هو الرحمن الرحيم ، هو الله الذي لا إله إلا هو ، الملك القدوس السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبار المتكبر .. } إلى آخر السورة فأجرى الأسماء الباقية كلها صفات له .

وهو اسم مشتق على أصح قولي العلماء .وأصـله إلـه مثل فعال فأدخلت الألف واللام بدلاً من الهمزة مثل الناس أصله أناسي ..

فالصحيح أنه مشتق من ألّه الرجل إذا تعبد ، وأصله الإله أي المعبود ، فحذفت الهمزة التي هي فاء الكلمة فالتقت اللام التي هي عينها مع اللام التي للتعريف فأدغمت إحداهما في الأخرى فصارتا في اللفظ لاماً واحدة مشددة وفُخٍمت تعظيماً فقيل

(( الله ))

وقال ابن القيم : .. وأن اسم الله تعالى هو الجامع لجميع معاني الأسماء الحسنى والصفات العلي .

وذكر ابن القيم لهذا الاسم الشريف عشر خصائص لفظية ثم قال : وأما خصائصه المعنوية فقد قال فيها أعلم الخلق به صلى الله عليه وسلم : (لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك )          وكيف تحصى خصائص اسم مسماه كل كمال على الإطلاق ، وكل مدح ، وكل حمد ، وكل ثناء ، وكل مجد ، وكل جلال ، وكل كرم ، وكل عز ، وكل جمال، وكل خير ، وإحسان وجود ، وبر ، وفضل ؛فله ومنه ، فما ذكر هذا الاسم في قليل إلا كثره ، ولا عند خوف إلا أزلة ، ولا عند كرب إلا كشفه ، ولا عند ؛هم وغم إلا فرجه ، ولا عند ؛ضيق إلا وسعه ، ولا تعلق به ضعيف إلا أفاده القوة ، ولا ذليل إلا أناله العز ، ولا فقير إلا أصاره غنياً ، ولا مستوحش إلا آنسه ، ولا مغلوب إلا أيده ونصره ، ولا مضطر إلا كشف ضره ، ولا شريد إلا أواه ، فهو الاسم الذي تكشف به الكربات ، وتستنـزل به البركات والدعوات ، وتقال به العثرات ، وتستدفع به السيئات ، وتستجلب به الحسنات . وهو الاسم الذي به قامت السماوات والأرض وبه أنزلت الكتب وبه أرسلت الرسل ،  وبه شرعت الشرائع ، وبه قامت الحدود ، وبه شُرع الجهاد ، وبه انقسمت الخليقة إلى السعداء والأشقياء ، وبه حقت الحاقـة ، ووقعت الواقعة ، وبه وضعت الموازين القسط ، ونصب الصراط ، وقام سوق الجنة والنار ، وبه عُبد رب العالمين . وحمد ، وبحقه بعثت الرسل ، وعنه السؤال في القبر ويوم البعث والنشور ، وبه الخصام ، وإليه المحاكمة ، وفيه المعاداة ، وبه سعد من عرفه وقام بحقه ، وبه شقي من جهله وترك حقه ، فهو سر الخلق والأمر ، وبه قاما وثبتا ، وإليه انتهيا فالخلق والأمر به وإليه ولأجله ، فما وجد خلـق ولا أمر ولا ثواب ولا عقاب الا مبتدءاً منه منتهياً إليه وذلك موجبه ومقتضاه "

هذاونكمل في الحلقة التالية وصلى الله وسلم على نبينامحمد وعلى آله وصحبه أجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :  فهذه  الحلقة  الثانية  عشرة  في موضوع   وستكون الحلقة بعنوان : ( الجمال)

جمال الذات : قال ابن القيم :

وأما جمال الذات وما هو عليه ، فأمره لا يدركه سواه ، ولا يعلمه غيره ... إن ذلك الجمال مصون عن الأغيار محجوب بستر الرداء والإزار ، كما قال رسوله صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه : ( الكبرياء ردائي والعظمة إزاري )

ولما كانت الكبرياء أعظم وأوسع كانت أحق باسم الرداء ، فإنه سبحانه الكبير المتعال فهو سبحانه العليّ العظيم .                                   قال ابن عباس : حجب الذات بالصفات ، وحجب الصفات بالأفعال ، فما ظنك بجمال حجب بأوصاف الكمال ، وستر بنعوت العظمة والجلال .

ومن هذا المعنى يفهم بعض معاني جمال ذاته ، فإن العبد يترقى من معرفة الأفعال إلى معرفة الصفات ، ومن معرفة الصفات إلى معرفة الذات ، فإذا شاهد شيئاً من جمال الأفعال استدل به على جمال الصفات ، ثم استدل بجمال الصفات على جمال الذات .

ومن ها هنا يتبين أنه سبحانه له الحمد كله،وأن أحداً من خلقه لا يحصي ثناءً عليه، بل هو كما أثنى على نفسه ، وأنه يستحق أن يعبد لذاته ، ويحب لذاته ، ويشكر لذاته .(الفوائد لابن القيم ص320ـ 321

قال ابن أبي العز الحنفي : إن الله سبحانه وتعالى لم يزل متصفاً بصفات الكمال ، صفات الذات وصفات الفعل ولا يجوز أن يعتقد أن الله وصف بصفة بعد أن لم يكن متصفاً بها لأن صفاته سبحانه صفات كمال وفقدها صفة نقص ..

والموصوف بصفاته شيء واحد غير متعدد فإذا قلت أعوذ بالله فقد عذت بالذات المقدسة الموصوفة بصفات الكمال المقدسة الثابتة التي لا تقبل الانفصال بوجه من الوجوه .

وإذا قلت أعوذ بعزة الله فقد عذت بصفة من صفات الله تعالى ولم أعذ بغير الله ، وهذا يفهم من لفظ الذات فإن الذات في أصل معناها لا تستعمل إلا مضافة ، أي ذات وجود، وذات قدره ، وذات عز ، وذات علم ، وذات كرم إلى غير ذلك من صفات ، فذات كذا بمعنى صاحبة كذا ، تأنيث ذو ، هذا أصل معنى الكلمة ، فعلم أن الذات لا يتصور انفصال الصفات عنها بوجه من الوجوه وإن كان الذهن قد يفرض ذات مجردة عن الصفات كما يفرض المحال . وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر .. ) .

وقال ابن القيم : وصفات الجلال والجمال أخص باسم ( الله ) وصفات الفعل والقدرة والتفرد بالضر والنفع والعطاء والمنع ونفوذ المشيئة ، وكمال القوة وتدبير أمر الخليقة أخص باسم "الرب "وصفات الإحسان والجود والبر والحنان والمنة والرأفة واللطيف، أخص باسم " الرحمن " .

وقال عمر بن سليمان الأشقر : .. واسم الرب إذا أطلق يتناول الذات المقدسة بما تستحقه من صفات الكـمال ، فيمتنع وجود الذات عرية من الصفات ، فاسم الله عز وجل يتناول الذات الموصوفة بصفات الكمال، وهذه الصفات ليست زائدة على المسمى، بل هي داخلة في المسمى ، لكنها زائدة على الذات المجردة التي يثبتها نفاة الصفات …

ونحن نمنع تغاير الذات مع الصفات ، والصفات بعضها مع بعض والقول الحق أن ذات الله أزلية وصفاته أزلية كذلك .

 

هذاونكمل في الحلقة التالية وصلى الله وسلم على نبينامحمد وعلى آله وصحبه أجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

 

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :  فهذه  الحلقة  الثالثة عشرة في موضوع (الجمال)  وستكون الحلقة بعنوان :

المرتبة الثانية : جمال الصفات :

الصفة في اللغة : النعت ، والوصف : مصدر ، والصفة : الحلية ، والوصيفة : الجارية ، والجمع وصائف ، واستوصف الطبيب لدائه : سأله أن يصف له ما يتعالج به والصفة ؛ كالعلم والجهل والسواد والبياض .. (لسان العرب)

والصفة في الاصطلاح : حال وراء الذات ،أوما قام بالذات من المعاني والنعوت ، وهي في حق الله تعالى نعوت الجلال والجمال والعظمة والكمال ، كالقدرة والإرادة والعلم والحكمة .

والصـفة غير الذات وزائدة عليها من حيث مفهومها وتصورها ، بيد أنها لا تنفك عن الذات إذ لا نتصـور في الخـارج ذاتاً مجردة عن الصفات ، .. وصفات الله تعالى توقيفيه فلا مجال فيها للاجتهاد والاسـتحسان بل الواجب الوقوف عند ما وصف الله به نفسه ، أو وصفه به رسوله محمد عليـه الصلاة والسلام ..                        ولا يقال في صفاته : هي مجاز ، بل صفاته كلها حقيقة على ما يليـق بالله سبحانه …         وإيماناً بصفات الله تعالى على وفق إيماننا بذاته تعالى ؛ وهـو إيمان إثبـات وتسليم لا تكييف فيه ولا تشبيه(ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )

والطريق الآمن الذي يقودنا إلى معرفة الباري – جل وعلا – هو طريق الوحي الذي جّلى لنا هذا العلم أعظم تجلية ، وهذا سبيل نيّر مأمون العواقب ، لأن مصدره العليم الخبير ورسوله الكريم .  وليس أمامهم من طريق إلا التعرف إليه عبر النصوص الواصفة له والمصرحة بأفعال وأسمائه

وصفاته العلى هي التي وصف بها نفسه تعالى ، ووصفه بها نبيه صلى الله عليه وسلم من صفات الكمال ونعوت الجلال ، من صفات الذات ، وصفات الأفعال ، مما تضمنته أسماؤه بالاشتقاق كالعلم والقدرة والسمع والبصر والحكمة والرحمة والعزة والعلو وغيرها ، ومما أخبر به عن نفسه وأخبر بها عنه رسوله صلى الله عليه وسلم ولم يشتق منه اسماً كحبه المؤمنين والمتقيين والمحسنين ورضائه عن عباده المؤمنين ، ورضاه لهم الإسلام ديناً ، وكراهته انبعاث المنافقين ، وسخطه على الكافرين وغضبه عليهم وإثبات وجهه ذي الجلال والإكرام ، ويديه المبسوطتين بالإنفاق وغير ذلك مما هو ثابت في الكتاب والسنة ، والفطرة السليمة .

قال ابـن القيم : .. وتارة يتجلّى في صفات الجمال والكمال ، وهو كمال الأسماء ، وجمال الصفات ، وجمـال الأفعال الدال على كمال الذات ، فيستنفذ حبه من قلب العبد قوة الحب كلها ، بحسب ما عـرفه من صـفات جماله ، ونعوت كماله ، فيصبح فؤاد العبد فارغاً إلا من محبته ، فإذا أراد منه الغير أن يعلق تلك المحبة به أبى قلبه وأحشاؤه ذلك كل الأباء كما قيل :

يراد من القلب نسيانكم *وتأبى الطباع على الناقل

ثم قال : " صفات الله كلها صفات كمال محض ، فهو موصوف من الصفات بأكملها وله من الكمال أكمله .. " .

وقال ابن القيم : (أنت إذا تدبرت القرآن .. أشهدك ملكاً قيوماً فوق سماواته على عرشه يدبر أمر عباده ، يأمر وينهى ، ويرسل الرسل ، وينزل الكتب ، ويرضى ويغضب ، ويثيب ويعاقب ، ويعطي ، ويمنع ، ويعز ويذل ، ويخفض ويرفع ، يرى من فوق سبع و يسمع ، ويعلم السر والعلانية ، فعال لما يريد ، موصوف بكل كمال ، نُـزه عن كل عيب ، لا تتحرك ذرةٌ فما فوقها إلا بإذنه ، ولا تسقط ورقة إلا بعلمه ، ولا يشفع أحد عنده إلا بإذنه ، ليس لعباده دونه وليّ ولا شفيع "..(شفاء العليل )

وقال ابن أبي العز الحنفي : .. وهو الدائم الباقي الذي لم يزل ولا يزال موصوفاً بصفات الكمال واقترانه بالحي يستلزم سائر صفات الكمال،ويدل على دوامها وبقائها وانتفاء النقص والعدم عنها أزلاً وأبداً ولهذا كان قوله :(الله لا إله إلا هو الحي القيوم)أعظم آية في القرآن كما ثبت ذلك في الصحيح ،فعلى هذين الاسمين مدار الأسماء الحسنى كلها وإليها ترجع معانيهما ، فإن الحياة مستلزمة لجميع صفات الكمال فلا يتخلف عنها صفة إلا لضعف الحياة فإذا كانت حياته تعالى أكمل حياة وأتمها استلزم إثباتها كل كمال يضاد نفيه كمال الحياة،وأما القيوم:فهو متضمن كمال غناة وكمال قدرته،فإنه القائم بنفسه فلا يحتاج إلى غيره بوجه من الوجوه،المقيم لغيره فلا قيام لغيره إلا بإقامته فانتظم هذان الأسماء صفات الكمال أتم انتظام

وقال ابن أبي العز أيضاً : … فصفات الكمال ترجع إلى ثلاثة:1– العلم 2 – القدرة 3– الغنى                        

وهذه الثلاثة لا تصلح على الكمال إلا لله وحده فإنه الذي أحاط بكل شيء علماً وهو على كل شيء قدير وهو غني عن العالمين ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتبرأ من دعوى هذه الثلاثة بقوله:{قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب،ولا

أقول لكم إني ملك، إن أتبع إلا ما يوحي إليّ}       (شرح العقيدة الطحاوية ص125 ،55، 558)

وقال شيخ الإسلام : .. لا إله إلا الله : إثبـات انفراده بالإلهية ، الإلهيـة تتضمن كمال علمه وقدرته ورحمته وحكمته ففيها إثبات إحسانه إلى العباد ، فإن الإله هو المألوه ؛ والمألوه هو الذي يستحق أن يعبد ، وكونه يسـتحق أن يعبد هو بما اتصف به من الصفات التي تستلزم أن يكون هو المحبوب غاية الحب المخضوع له غاية الخضوع .. وكل ما ذكرنا يدل على جمال صفات الله .

هذاونكمل في الحلقة التالية وصلى الله وسلم على نبينامحمد وعلى آله وصحبه أجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :  فهذه  الحلقة  الرابعة عشرة في موضوع (الجمال)  وستكون الحلقة بعنوان :

المرتبة الثالثة : جمال الأسماء :

قال تعالى :{ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها }

وقال تعالى : { قل أدعوا الله أو ادعوا الرحمن ، أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى }

وقال تعالى : { الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسـنى } وقال تعالى : { هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى }

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة ، وهو وتر يحب الوتر ) قال البخـاري : معنى أحصاها حفظها وقاله غيره من المحققين مثل ابن القيم .

قال ابن القيم : مراتب إحصاء أسماء الله ثلاثة :

الأولى : إحصاء ألفاظها وعددها .                الثانية : فهم معانيها ومدلولها .

الثالثة : دعاؤه بها كما قال تعالى : { ولله الأسماء الحسنى فأدعوه بها }

ثم قال ابن القيم : " … وهكذا أسماؤه الدالة على صفاته هي أحسن الأسماء وأكملها ، فليس في الأسماء أحسن منها ، ولا يقوم غيرها مقامها ، ولا يؤدي معناها .. "                              وقال ابن الوزير : " … والحسنى جمع الأحسن ، لا جمع الحسن ، وتحت هذا سر نفيس ، وذلك أن الحسن من صفات الألفاظ ، والأحسن من صفات المعاني ، فكل لفظ له معنيان حسن وأحسن ، فالمراد الأحسن منها ، حتى يصح جمعه على حسنى ، ولا يفسر بالحسن منهما إلا الأحسن لهذا الوجه "

قال ابن العربي : " شرف العلم بشرف المعلوم ، والباري أشرف المعلومات فالعلم بأسمائه اشرف العلوم "

وقال ابن القيم : " واتصاف الباري بصفات الكمال أبداً وأزلاً يدلنا على : أن أفعال الرب – تبارك وتعالى – صادرة عن أسمائه وصفاته " .

وقد فصل الأشقر في ما يجوز إطلاقه على الباري وما لا يجوز ما ملخصه :

أولاً : لا يجوز إطلاق الأسماء المذمومة على الحق تبارك وتعالى : مثل الظالم .

ثانياً : لا يجوز تسمية الله أو وصفه بما هو شر .

والشر لا يدخل في صفات الله ، ولا في أفعاله

ولا في أسمائه ، وإنما هو في المفعولات ، مع أنه

شر بالإضافة والنسبة إلى العبد ، ولا من حيث

إضافته ونسبته إلى الخالق – سبحانه – فليس بشر من هذه الجهة "

ثالثاً : لا يجوز تصغير أسماء الباري جل وعلا ، لأن التصغير قد يفهم منه التحقير وقد نقل الإجماع على عدم جواز ذلك إمام الحرمين ، نقله ابن حجر .

رابعاً : ما يجوز إطلاقه في حال دون حال ، على

سبيل الجزاء والعدل والمقابلة مثل قوله تعالى: { إن

المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم } .

خامساً : ما لا يجوز إطلاقه على الرب تبارك

وتعالى – لانقسامه إلى مدح وذم مثل :  المريد ،

والفاعل ، والصانع ، الماهر ، وهذه ليست من أسمائه لأنها منقسمة إلى قسمين ما هو كمال وما هو نقص ، ولذا فإن الله لم يطلق على نفسه منها إلا الأكمل فعلاً وخبراً قال تعالى : {والأرض فرشناها فنعم الماهدون }  

سادساً : ما لا يجوز إطلاقه على الحق سبحانه إلا مقترناً بغيره وهو الأسماء المزدوجة مثل المعز ، الضار ، المانع ، والصواب أن يقال المعز المذل ، الضار النافع ، المعطي المانع وهذه الأسماء المفردة لم ترد في الكتاب ولم ترد في السنة والمزدوج منها ورد قليلاً .

قال ابن تيمية في " تنـزيه الباري عن التشبيه والتمثيل وكل صفات النقص ": الله – سبحانه – ليس كمثله شيء لا في نفسه المقدسة المذكورة بأسمائه وصفاته ، ولا في أفعاله ، فكما نتيقن أن الله – سبحانه – له ذات حقيقية ، وله أفعال حقيقية ، فكذلك له صفات حقيقية ، وهو ليس كمثله شيء ، لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ، وكل ما أوجب نقصاً أو حدوثاً فإن الله منزه عنه حقيقة ، فإنه – سـبحانه وتعالى – مستحق للكمال الذي لا غاية فوقه ، ويمتنع عنه الحدوث لامتناع العدم عليه " .                       هذاونكمل في الحلقة التالية وصلى الله وسلم على نبينامحمد وعلى آله وصحبه أجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :  فهذه  الحلقة  الخامسة عشرة في موضوع (الجمال)  وستكون الحلقة بعنوان :

ألفاظ أسماء الله لها معاني                     يقول ابن القيم :" لو كانت الأسماء ألفاظ لا معاني لها لم تكن حسنى كما أخبر الحق تبارك وتعالى ولا كانت دالة على مدح وكمال ، لأن حسنها باعتبار معانيها ، فأي حسن فيها إن لم يكن لها معنى

وأسماء الله توقيفية :

قال ابن تيمية : " القول الشامل في جميع باب أسماء الله وصفاته أن يوصف الله بما وصف به نفسه ، أو وصفه به رسوله ، وبما وصفه به السابقون الأولون لا يتجاوز القرآن والحديث .

قال الإمام أحمد : " لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه ، أو وصفه به رسوله لا يتجاوز القرآن والحديث " .

وحرم الله الإلحاد في أسماءه :

فقال : { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه }  

ذكر الأشقر أنواع الإلحاد بما ملخصه :

1 – التكذيب بأسماء الله أو ببعضها مثل تكذيب المشركين باسم " الرحمـن "، قال تعالى :{وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن ، قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفوراً }

2 – وصْف الخالق بصفة الخلق مثل قول اليهود فيما حكاه الله عنهم{ إن الله فقير ونحن أغنياء }

3 –  منازعة الباري في أسمائه وصفاته ، ووصف المخلوقات بما يختص به الخالق مثل ادعاء فرعون الألوهية فيما حكاه الله عنه قوله { ما علمت لكم من إله غيري }.

أما أسماء الله فقد وضع الأشقر في (الأسماء والصفات ) قواعد وضوابط يحدد على ضوئها ما هو من أسمائه سبحانه  مما ليس منها ، وعناوينها ما يلي :

1 – الاقتصار في عدها على الكتاب والسنة .

2 – ليس كل ما أخبرت به النصوص فهو من أسمائه تبارك وتعالى .

3 – لا يجوز أن يشتق لله أسماء من صفاته وأفعاله .

4 – لا يجوز أن يسمى الحق -تبارك وتعالى – بالأسماء المذمومة و التي تشعر بالذم .

5 – لا يجوز أن تنقص عدة أسمائه عن تسعة وتسعين أسماً .

6 – كل اسم لا يقبل أن يدعى به فإنه ليس من أسماء الله .

7 – لا يدخل في أسماء الله تعالى ما كان من صفات أفعاله أو صفات أسمائه .

8 – لا يخرج من أسماء الله ما اتفق معناه وتغاير لفظه .

9 – لا يجوز استثناء الأسماء المضافة من دائرة أسماء الله الحسنى إذا وردت في الكتاب والسنة.

10 – صحة تعبيد أسماء العباد بأسماء الله .

11 – الأسماء الجامدة ليست من أسمائه .

12 – ما جاء على صيغة أفعل التفضيل مثل : الأعلى ، الأكرم .

ثم أورد أسماء الله في القرآن والسنة على ضوء الضوابط السابقة الذكر وهي :

1 – الله

6 – السلام

11 – المتكبر

2 – الرحمن

7 – المؤمن

12 - الخالق

3 - الرحيم

8 – المهيمن

13 - البارئ

4 – الملك

9 – العزيز

14- المصور

5 – القدوس

10 – الجبار

15- الحكيم

16 –الأول

21-القيوم

26- العليم

31- البصير

36 – الغني

41- الغفار

46- البر

51- الفتاح

56- المجيب

61- الشاكر

66- القادر

71-الحفيظ

76- الصادق

81- النور

17- الآخر

22- العلي

27- الحليم

32- الحق

37 – الحميد

42- المتعالي

47-الودود

52 - القدير

57- المليك

62- الشكور

67- الأكرم

72- المقيت

77- الوارث

82 - غافر

18-الظاهر

23- العظيم

28-العفو

33- الكبير

38 – الرؤوف

43- التواب

48- الخلاق

53- الواسع

58- المقتدر

63-الإله

68 - الكفيل

73-الرقيب

78 - المستعان

83 -المحيي

19-الباطن

24 – الأحد

29- الغفور

34- اللطيف

39- الواحد

44- الوهاب

49- الرزاق

54 - الكريم

59-الحكيم

64- القوي

69 -النصير

74-الهادي

79-الرب

84 – العالم

20- الحي

25-الصمد

30- السميع

35- الخبير

40- القهار

45 –الولي

50- المتين

55 - القريب

60- المجيد

65- الأعلى

70- الحفي

75 -الحسيب

80- المالك

85 – علاّم

86- بديع

87 – فاطر وهو من الأسماء المضافة

88- الجامع

89- الحنان

90- المنان

91- السبوح

92- الشافي

93- المحيي

94- الستير

95- الجواد

96 -النظيف

97- الطيب

98 – الماجد

99- المحسن

100-الوتر

101-الجميل

102- المقدم

103- المؤخر

104 الرفيق

105- المسعر

106- السيد

107 - القابض

108- الباسط

109- الديان

 

 

 

 

           

ثم قال بعد أن أورد لكل اسم ذَكَرَهُ دليله من القرآن أو السنة وفق الضوابط السابقة الذكر : والمسألة تحتاج إلى مزيد من الاستقصاء والتحقيق

ثم إنه زاد على التسعة والتسعين اسماً الواردة في الحديث الصحيح وملخص أقوال العلماء أن لله أسماء كثيرة في الكتاب والسنة من أحصى منها تسعة وتسعين اسماً دخل الجنة،وليس معنى ذلك أنه ليس لله في الكتاب والسنة إلا ما ذكر في الحديث ،ومن أقوى الأدلة:عدم صحة الأحاديث الواردة في ذكرها من ناحية السند أو من ناحية المتن . لكن هذا الكم العظيم من الأسماء الحسنى يدل على كماله وجماله سبحانه وتعالى وهي كلها أسماء حسنى وجميلة ، بل غاية في الحسن والجمال

هذاونكمل في الحلقة التالية وصلى الله وسلم على نبينامحمد وعلى آله وصحبه أجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :  فهذه  الحلقة السادسة عشرة في موضوع (الجمال)  وستكون الحلقة بعنوان :

المرتبة الرابعة : جمال الأفعال :

أفعال الله هي خلقه وأمره قال تعالى : { ألا له الخلق والأمر } . وفعل الله لا يخرج عن العدل والحكمة والمصلحة والرحمة إذ مصدره أسماؤه الحسنى ، فلا تفاوت في خلقه ولا عبث ، ولم يخلق خلقه باطلاً ولا سدى ولا عبثاً . .

وكل موجود سواه فبإيجاده ، فوجود سواه تابع لوجوده ؛ تبع المفعول المخلوق لخالقه ، والعلم بأسماءه ، وإحصائها أصل لإحصاء كل معلوم ولذلك صدور الخلق والأمر عن علمه وحكمته تعالى ، ولذلك لا تجد فيها خللاً ولا تفاوتاً بل تجد الجمال والإتقان والروعة .( الأسماء والصفات للأشقر ص27)

وفي السنن : (( إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده )) .

وعن أبي الأحوص قال : ( رآني النبي صلى الله عليه وسلم وعليّ أطمار ، فقال : هل لك من مال . قلت : نعم قال : من أيّ المال . قلت : من كل ما آتى الله من الإبل والشاة قال : فلتر نعمته وكرامته عليك  ) .

قال ابن القيم : فهو سبحانه يحب ظهور أثر نعمته على عبده ، فإنه من الجمال الذي يحبه ، وذلك من شكره على نعمه ، وهو جمال باطن فيجب أن يرى على عبده الجمال الظاهر بالنعمة والجمال الباطن بالشكر عليها ، ولمحبته سبحانـه للجمال أنزل على عباده لباساً وزينة تجمل ظواهر هم ، وتقوى تجمل بواطنهم فقال : { يا بايني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوآتكم وريشاً ولباس التقوى ذلك خير } .                          وقال في أهل الجنة : { ولقّاهم نضرة وسروراً ، وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً } . فجمل وجوههم بالنضرة ، وبواطنهم بالسرور وأبدانهم بالحريري .

وهو سبحانه كما يحب الجمال في الأقوال والأفعال واللباس والهيئة يبغض القبيح من الأقوال والأفعال والثياب والهيئة ، فيبغض القبيح وأهله ، ويحب الجمال وأهله .

والجمال في الصورة واللباس والهيئة ثلاثة أنواع :

1 – منه ما يحمد       2 – ومنه ما يذم       3 – ومنه ما لا يتعلق به مدح ولا ذم

فالمحمود منه ما كان لله ، وأعان على طاعة الله وتنفيذ أوامـره ، والاستجابة له ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتجمل للوفود وهو نظير لباس آلة الحرب للقتال ، ولباس الحرير في الحـرب والخيلاء فيه ، فإن ذلك محمـود إذا تضمن إعلاء كلمة الله ، ونصر دينه ، وغيظ عدوه .

والمذموم منه ما كان للدنيا والرئاسة والفخر والخيلاء ، والتوصل إلى الشهوات ، وأن يكون هو غاية العبد وأقصى مطلبه فإن كثيراً من النفـوس ليس لها همة في سوى ذلك .

وأما ما لا يحمد ولا يذم فهو ما خلا عن هذين القصدين وتجرد عن الوصفين .

فيُعرف الله سبحانه بالجمال الذي لا يماثله فيه شيء ويعبد بالجمال الذي يحبه من الأقوال والأعمال والأخلاق ، فيحب من عبده أن يجمل لسانه بالصدق ، وقلبه بالإخلاص والمحبة والإنابة والتوكل ، وجوارحه بالطاعة،وبدنه بإظهار نعمه عليه في لباسه ، وتطهيره له من الأنجاس والأحداث والأوساخ والشعور المكروهة ، والختان ، وتقليم الأظافر ، فيعرفه الذي هو وصفه ، ويعبده بالجمال الذي هو شرعه ودينه(الفوائد لابن القيم ، ص326).

وشرعه ودينه هو العبادة : وهي : " اسم جامع لكل ما يحبه الله تعالى ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة ؛ فالصلاة والزكاة والصيام والحج وصدق الحديث ، وأداء الأمانة وبر الوالدين ، وصلة الأرحام ، والوفاء بالعهود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والجهاد للكفار والمنافقين ، والإحسان إلى الجار واليتيم والمسكين وابن السبيل والمملوك من الآدمـيين والبهائم ، والدعاء والذكر والقراءة وأمثال ذلك من العبادات – يعني الظاهرة – وكـذلك حب الله ورسوله وخشيته والإنابة إليه وإخلاص الدين له ، والصبر لحكمه والشكر لنعمه ، والرضا بقضائه ، والتوكل عليه ، والرجاء لرحمته ، والخوف لعذابه وأمثال ذلك هـي من العبادات – يعني الباطنة – وجماع العبادة كمال الحب مع كمال الذل .. (معارج القبول للحكمي وعزاه إلى شيخ الإسلام ابن تيمية ، جـ1 ، ص39)

وقال ابن القيم : ويكفى في جماله أن كل جمال ظاهر وباطن في الدنيا والآخرة فمن آثار صنعته، فما الظن بمن صور عنه هذا الجمال

هذاونكمل في الحلقة التالية وصلى الله وسلم على نبينامحمد وعلى آله وصحبه أجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :  فهذه  الحلقة السابعة عشرة في موضوع (الجمال)  وستكون الحلقة بعنوان :

 مخلوقات الله غاية في الجمال :

1 – خلق ما على الأرض زينة لها ؛ قال تعالى : { إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها .. } .

قال ابن الجوزي : " .. إن قلنا هم الرجال ، أو العلماء ؟ فلعبادتهم ، أو لدلالتهم على خالقهم ، وإن قلنا النبات والشجر ؛ فلأنه زينة لها تجري مجرى الكسوة والحلية ، وإن قلنا إنه عام في كل ما عليها فلكونه دالاً على خالقه ، فكأنه زينة الأرض .. " .

2 – خلق الإنسان في أجمل صورة ، وأكمل خلق وجمله بالبيان .

قال تعالى : { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم } .

قال القرطبي : " .. فهذا يدل على أن الإنسان أحسن خلق الله باطناً وظاهراً ؛ جمال هيئة ، وبديع تركيب : الرأس بما فيه ، والصدر بما جمعه والبطن بما حواه ، والفرج وما طواه ، واليدان وما بطشتاه ، والرجلان وما احتملتاه ، ولذلك قالت الفلاسفة : إنه العالم الأصغر ؛ إذ كل ما في المخلوقات جمع فيه .. " .

وقال تعالى : { الرحمن ، خلق الإنسان ، علمه البيان } .

وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم : " إن من البيان لسحراً " ، وسأل العباس رسول الله – صلى الله عليه وسلم : " عن الجمال ؟ " فقال : " جمال الرجل في اللسان "

3 – جميع مخلوقاته أحسنها وأتقنها :

قال تعالى : { الذي أحسن كل شيء خلقه } .

قال الطبري : " معناه أحكم وأتقن صنعته " .

4 – ابدع السماوات وزينها بالمصابيح :

قال تعالى : { ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح

وجعلناها رجوماً للشياطين } .

قال الشوكاني : " بين سبحانه بعد خلق السماوات وخلوها من العيب والخلل أنه زينها بهذه الزينة فصارت في أحسن خلق  وأكمل صورة وأبهج شكل … قال قتادة : خلق الله النجوم لثلاث زينة للسماء ، ورجوماً للشياطين ، وعلامات يهتدى بها في البر والبحر .. "  .

5 – خلق الله الأنعام للإنسان لمصالح ومنافع وزينة .

قال تعالى : " ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون "  .

قال الزركشي : " لما كان اسراحها وهي خماص وإراحتها وهي بطان قدم الإراحة لأن الجمال بها حينئذ أفخر .. "  .

وقال سبحانه : { والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة }  

قال ابن كثير : " جعلها الله للركوب والزينة بها وذلك أكبر المقاصد منها "  .

6 – جمّل وزين الحياة الدنيا بالمال والبنون :

قال تعالى : { المال والبنون زينة الحياة الدنيا ، والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملاً }  .

قال القرطبي : " لأن في المال جمالاً ونفعاً ، وفي البنين قوة ودفعاً .. ".

7 – شنع على من أسرف بتحريم الحلال وتحريم زينة الله التي اخرج لعباده :

قال تعالى : { قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده .. }  .

8 – خلق الله الإنسان مفطور على حب الزينة والجمال :

قال تعالى : { … يا أيها النبي قل لأزواجك : إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن ..}

قال المباركفوري : " وهن تسع وطلبن منه من زينة الدنيا ما ليس عنده من سعتها وكثرة أموالها ..

وقال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ، ونعله حسناً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الله جميل يحب الجمال ).

9 – الله يحب أفعاله لأنها آثار أسمائه وصفاته .

قال ابن القيم : " .. وهـو سبحانه كما يحـب أسماءه وصفاته ويحب آثارها وموجبها كما في الحديث أنه وتر يحب الوتر ، جميل يحب الجمال ، نظيف يحب النظافة عفو يحب العفو ، وهو شكور يحب الشاكرين ، عليم يحب العالمين ، جواد يحب أهل الجود ، حيي ستير يحب أهل الحياء والستر ، صبور يحب الصابرين ، رحيم يحب الرحماء .. "

هذاونكمل في الحلقة التالية وصلى الله وسلم على نبينامحمد وعلى آله وصحبه أجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :  فهذه  الحلقة الثامنة عشرة في موضوع (الجمال)  وستكون الحلقة إستكمالا للحلقة الماضية والتي هي بعنوان  مخلوقات الله غاية في الجمال

10 – أفعال الله غاية في الكمال والجمال لأنه سبحانه على كل شيء قدير ولا يعجزه شيء .

قال تعالى : { إن الله على كل شيء قدير .. } .

وقال سبحانه :{ وكان الله على كل شيء مقتدراً }

وقال عز وجل : { وما كان الله ليعجزه من شيء في السموات ولا في الأرض إنه كان عليماً قديراً }

وقـال تعالى : { وسـع كرسيه السموات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم } .

قال ابن أبي العز الحنفي : " .. لا يؤده أي لا يكرثه ، ولا يثقله ، ولا يعجزه ، فهذا النفي لثبوت كمال ضده .. "

11 – ومن جمال أفعاله : أمره لعباده بإعفاء اللحى وأحفاء الشوارب وتحقيق ما تدعو إليه الفطرة السليمة .

قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ( عشر من الفطرة : قص الشارب ، وإعفاء اللحية ، والسؤاك ؛ واستنشاق الماء ، وقص الأظافر ، وغسل البراجم ، ونتف الأبط ، وحلق العانة ، وانتقاص الماء ، والمضمضة )

وأخرج البخاري قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : (( الفطرة خمس ؛ الاختتان ، والاستحداد ، وقص الشارب ، وتقليم الأظافر ، ونتف الأبط )

وأيضاً عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : (( خالفوا المشركين احفوا الشوارب وأوفوا اللحى ))

12 – زين الله لعباده الشهوات الحلال من النساء والبنين ، والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة ، والخيل المسومة ، والأنعام والحرث ، وجعلها متاع الحياة الدنيا ، لكنه فضل ما عنده من حسن المتاب :

قال تعالى : { زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين ، والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا ، والله عنده حسن المتاب ) .

قال ابن تيمـية : " .. إن الحـب والبغض هما أصل الأمر والنهي ، وذلك نظير ما يعده على الأعمال الحسنة من الثواب ، ويتوعد به على الأعمال السيئة بالعقاب .. "

وفرق الجبائي بين المباحات فأسند تزيينها إليه تعالى ، وبين المحرمات فنسب تزيينها للشيطان"

13 – يجب أن يتجمل عباده بجميل اللباس ، ويحب الجميل من كل شيء .

قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –  ( إن الله جميل يحب الجمال ).

وقال ابن تيمية : " .. فقوله : " إن الله جميل يحب الجمال " ، قد أدرج فيه حسن الثياب التي هي المسئول عنها ، فعلم أن الله يحب الجمال والجميل من اللباس ، ويدخل في عمومه وبطريق الفحوى الجميل من كل شيء هذا كقوله في الحديث الذي رواه الترمذي : " إن الله نظيف يحب النظافة "

وقد ثبت عنه في الصحيح أنه قال : ( إن الله طيب يحب الأطيباء ، وهذا ما يستدل به على استحباب التجمل في الجمع والأعياد .. )) وهذا يوافقه في حسن الثياب ما في السنن عن أبي الأحوص الجشمي ، قال : " رآني النبي صلى الله عليه وسلم وعلىّ أطمار فقال : هل لك من مال ؟ قال : قلت نعم قال : من أي المال ؟ قلت : من كل ما آتى الله من الإبل والشـاء قال : " فلُتر نعمة الله وكرامته عليك ))

وفي السنن أيضاً عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم  - : ( إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده )

لكن هذا الظهور لنعمة الله وما في ذلك من شكره ، والله يحب أن يُشكر ، وذلك لمحبته الجمال .. ))

هذاونكمل في الحلقة التالية وصلى الله وسلم على نبينامحمد وعلى آله وصحبه أجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :  فهذه  الحلقة التاسعة عشرة في موضوع (الجمال)  وستكون الحلقة إستكمالا للحلقة الماضية والتي قبلها وهي بعنوان  مخلوقات الله غاية في الجمال

14 – ومن جمال أفعاله غيرته سبحانه على محارمه

في الصحيحين عن أسماء أنها سمعت رسول الله صلى الله عله وسلم يقول : (( لا شيء أغير من الله ))

وقال : (( ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن )) . (الاستقامة لابن تيمية ، جـ2 ، ص6)

15 – ومن جمال أفعال الله خلق ما يظنه بعض الناس قبيحاً .

قال ابن القيم : "  … إن الأدلة القاطعة قد قامت على أنه حكيم في أفعاله وأحكامه فيجب القول بموجبها … "

ثم قال : " … إن الحكمة إنما تتم بخلق المتضادات والمتقابلات ؛ كالليل والنهار والعلو والسفل ، والطيب والخبيث ، والخفيف والثقيل ، والحلو والمر ، والبرد والحر والألم واللذة ، والحيـاة والموت ، والداء والدواء ، فخَلْق هذه المتقابلات هو محل ظهور الحكمة الباهرة ، ومحل ظهور القدرة القاهرة ، والمشيئة النافذة ، والملك الكامل التام ، فتوهم تعطيل خلق هذه المتضادات تعطيل لمقتضيات تلك الصفات ، وأحكامها وآثارها ، وذلك عين المحال ، فإن لكل صفة من الصفات العليا حكماً ومقتضيات وأثراً هو مظهر كمالها ، وإن كانت كاملة في نفسها لكن صفة القادر تستدعي مقدوراً ، وصفة الخالق تستدعي مخلوقاً .. فلو كان الخلق كلهم مطيعون عابدون حامدون لتعطل أثر كثير  من الصفات العلى والأسماء الحسنى ، وكيف كان يظهر أثر صفة العفو والمغفرة والصفح والتجاوز والانتقام والعز والقهر والعدل والحكمة التي تنزل الأشياء منازلها وتضعها مواضعها فلو كان الخلق كلهم أمة واحدة لفاتت الحكم  والآيات والعبر والغايات المحمودة في خلقهم على هذا الوجه وفات كمال الملك والتصرف فالكمال كل الكمال في العطاء والمنع والخفض والرفع ، والثواب والعقاب والإكرام والإهانة ، والإعزاز والإذلال ، والتقديم والتأخير، والضر والنفع ، وتخصيص هذا على هذا وإيثار هذا على هذا ، ولو فعل هذا كله بنوع واحد متماثل افراداً لكان ذلك منافياً لحكمته، وحكمته تأباه كل الآبـاء فإنه لا يفرق بين متماثلين ولا يسوى بين مختلفين ..( شفاء العليل ، ص219 )

ثم يقول رحمه الله : " … ولولا خلق القبيح لما عرفت فضـيلة الجمال والحسن ، ولولا خلق الظلام لما عرفت فضيلة النور ،ولولا خلق أنواع البلاء لما عرفت قدر العافية ، ولولا الجحيم لما عرف قدر الجنة ، ولو جعل الله سبحانه النهار سرمداً لما عرف قدره ،ولو جعل الليل سرمداً لما عرف قدره ، وأعرف الناس بقدر النعمة من ذاق البلاء ، وأعرفهم بقدر الفقر من قاسى مرائر الفقر والحاجة ،ولو كان الناس كلهم على صورة واحدة من الجمال لما عرف قدر الجمال ،وكذلك لو كانوا كلهم مؤمنين لما عرف قدر الإيمان والنعمة به فتبـارك الله من له في خلقه وأمره الحكم البوالغ والنعم السوابغ (شفاء العليل ، ص222 )

16 – ومن جمال أفعال الله ما يستمتع به الإنسان إذا نظر إلى مخلوقات الله الكثيرة والمتعددة والمتنوعة والتي يتمثل فيها الجمال والروعة والإبداع .

يقول سيد قطب : "  .. إن روح الإنسان لتستمتع أحياناً بلمحة من جمال الإبداع الإلهي في الكون أو في النفس ، تراها في الليلة القمراء ، أو الليل الساجي  أو الفجر الوليد ، أو الظل المديد ،أو البحر العباب ، أو الصحراء المنسابه ، أو الروض البهيج ،أو الطلعة البهية ، أو القلب النبيل ، أو الإيمان الواثق ، أو الصبر الجميل … إلى آخر مطالع الجمال في هذا الوجود .. فتغمرها النشوة ، وتفيض بالسعادة ، وترف بأجنحة من نور في عوالم مجنحة طليقة ، تتوارى عنها أشواك الحياة ، وما فيها من ألم وقبيح ، وثقلة طين وعرامة لحم ودم ، وصراع شهوات وأهواء .. فكيف ؟ كيف بها وهي تنظر – لا إلى جمال صنع الله – ولكن إلى جمال ذات الله ؟ ألا إنه مقام يحتاج أولاً إلى مدد من الله،ويحتاج ثانياً إلى تثبيت من الله ، ليملك الإنسان نفسه ، فيثبت ، ويستمتع بالسعادة ، التي لا يحيط بها وصف ، ولا يتصور حقيقتها إدراك :(( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة )) وما لها لاتتنضر وهي إلى جمال ربها تنظر ؟ إن الإنسـان لينظر إلى شـيء من صـنع الله في الأرض ، من طلعة بهية أو زهرة ندية ، أو جناح رفاف ، أو روح نبيل ، أو فعل جميل ، فإن السعادة تفيض من قلبه على ملامحه ، فيبدو فيها الوضاءة والنضارة ، فكيف بها حين تنظر إلى جمال الكمال .. ))

هذاونكمل في الحلقة التالية وصلى الله وسلم على نبينامحمد وعلى آله وصحبه أجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :  فهذه  الحلقة العشرون في موضوع (الجمال)  وستكون الحلقة بعنوان :

المبحث الرابع : العبودية بالجمال

قال ابن القيم : " .. المحبة مع الخضوع هي العبودية التي خُلق الخلق لأجلها فإنها غاية الحب بغاية الذل ، ولا يصلح ذلك إلا له سبحانه .. ويعبد بالجمال الذي يحبه من الأقوال والأخلاق :

1 – فيحب من عبده أن يجمل لسانه بالصدق .

2 – وقلبه بالإخلاص .      3 – والمحبة .

4 – والإنابة .      5 – والتوكل .

6 – وجوارحه  بالطاعة . 

7 – وبدنه بإظهار نعمه عليه في لباسه .

8 – وتطهيره من :

أ  - الأنجاس .      ب – والأحداث .     جـ- والأوساخ .  د  - والشعور المكروهة .

هـ- والختان .    و  - وتقليم الأظفار .

ويعبده بالجمال الذي هو شرعه ودينه ..

وتفصيل ذلك كما يلي :

1 – أمر عباده بالصدق الذي يجمل ألسنتهم

والصدق في اللغة : بالفتح : الصلب من الرماح ، ويأتي بمعنى الشجاعة والصلابة وهو الجامع للأوصاف المحمودة ، وصدقات الأنعام : أثمانها المفروضة وتصدق علينا : أي تفضل علينا ، والمتصدق : المعطي .

والصدق يأتي بمعنى التحقيق ، كما قال تعالى : { .. لقد صدق عليهم أبليس ظنه } أي حقق ظنه حين قال : ( ولأضلنهم ، ولأمنينهم .. ) .  وصدقني فلان : أي قال لي الصدق ، والصداق : مهر المرأة

والصدق في الاصطلاح : نقيـض الكذب ، وصـدقه : قَبِلَ قوله ، وصدَقه الحديث : أنبأه بالصدق ، ويقال : صدَقتُ القوم : أي قلت لهم صدقاً ورجل صدوق : أبلغ من الصادق ، وفي التزيل ( وأمه صديقة ) أي مبالغة في الصدق ، وقوله تعالى : ( والذي جاء بالصدق وصدق به ) روى عن علي ابن أبي طالب أنه قال ( والذي جاء بالصدق محمد صلى الله عليه وسلم ، والذي صدق به أبو بكر رضي الله عنه )  .

والصدق في الأقوال : استواء اللسان على الأقوال ، كاستواء السنبلة على ساقها

والصدق في الأعمال : استواء الأفعال على الأمر والمتابعة ،كاستواء الرأس على الجسد .

والصدق في الأحوال : استواء أعمال القلب والجوارح ، على الإخلاص ، واستفراغ الوسع وبذل الطاقة .

والصدق : موافقة السر النطق ، وقيل : كلمة الحق عند من تخافه وترجوه ، وقيل : استواء السر والعلانية ، وقيل : الصادق لا تراه إلا في فرض يؤديه ، أو فضل يعمل فيه ،           وقال الجنيد : حقيقة الصدق : أن تصدق في موطن لا ينجيك منه إلا الكذب .

والصادق حقيقة هو الذي انجذبت قوى روحه كلها إلى إرادة الله وطلبه والسير إليه ، والاستعداد  للقائه .

قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا أتقوا الله وكونوا مع الصادقين }

وقال تعالى : { ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقاً }  وقال تعالى : { ليجزي الله الصادقين بصدقهم ، ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم }

وقال تعالى :{ وقل رب أدخلني مدخل صدق، وأخرجني مخرج صدق ، وأجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً }

وقال سبحانه : { وأجعل لي لسان صدق في الآخرين }

وأخـرج البخـاري ومسـلم من حـديث عبد الله بن مسـعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليـه وسلم : ( عليكم بالصدق ، فإن الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة ، وما يـزال الرجـل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً )

هذه النصوص وغيرها تدل على حب الله للصدق وللصادقين ، وجمال اللسان الملتزم بالصدق في كل أحواله ، بل وأمره سبحانه لعباده بتجميل ألسنتهم بالصدق فيه دلالة عظمية على أن للسان جمال ، وغاية جماله قوله للصدق ، وإعراضه عن الكذب .

هذاونكمل في الحلقة التالية وصلى الله وسلم على نبينامحمد وعلى آله وصحبه أجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :  فهذه  الحلقة الحادية والعشرون في موضوع (الجمال)  وستكون الحلقة إستكمالا للعبودية بالجمال  :

2– أمَرَ عباده بالإخلاص الذي يجمل قلوبهم

والإخلاص  : هو تصفية الفعل عن ملاحظة

المخلوقين ، وقيل : إستواء أعمال العبد في الظاهر والباطن

وقيل : نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق

قال الفضيل : ترك العمل من أجل الناس : رياء ، والعمل من أجل الناس شرك ، والإخلاص : أن يعافيك الله منهما .

قال الجنيد : الإخلاص سر بين الله وبين العبد ، لا يعلمه ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده ، ولا هوى فيميله . وقيل تصفية العمل من كل شوب ..

والإخلاص : يضاده الإشراك : فمن ليـس مخلصاً ، فهو مشرك إلا أن الشرك درجات

وأمْرُ الله لعباده بالإخلاص دليل على فضل

الإخلاص وأهميته .

قال تعالى :  { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين

له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة  }

وقال تعالى : { قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله }

وقال تعالى : { لئن أشركت ليحبطن عملك .. }

وقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم:( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى )

قال الفضيل بن عياض على الآية : { الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً }

هو أخلصه وأصوبه ، قالوا : يا أبا علي ، ما أخلصه وأصوبه ؟ فقال إن العمل إذا كان خالصاً ، ولم يكن صواباً ، لم يقبل ، وإذا كان صواباً ولم يكن مخلصاً لم يقبل ، حتى يكون خالصاً صواباً ، والخالص : أن يكون لله ، والصواب : أن يكون على السنة ..

لا شك أن الإخلاص محله القلب ، وأن القلب يصبح أجمل ما يكون بالإخلاص  ؛ ومن ذلك :

أ  - الإخلاص في التوحيد :

قال صلى الله عليه وسلم : ( ما قال عبد " لا إله إلا الله " قط مخلصاً إلا فتحت له أبوب السماء ، حتى تفضي إلى العرش ، ما اجتنبت الكبائر ) صحيح الجامع

ب – الإخلاص في النية :

قال رسول الله عليه وسلم : ( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى .. )

حـ -  الإخلاص في الصلاة :                   قال صلى الله عليه وسلم : ( ما منكم من أحد يتوضأ ، فيحسن الوضوء ثم يقوم فيركع ركعتين ، يقبل عليهما بقلبه ، ووجه ، إلا وجبت له الجنة ، وغفر له )

د  - الإخلاص في قيام رمضان :

قال صلى الله عليه وسلم : ( من قام رمضان إيماناً واحتساباً ، غفر له ما تقدم من ذنبه )

هـ – الإخلاص في حب المساجد :

قال صلى الله عليه وسلم : ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا  ظل إلا ظله ، .. ورجل قلبه معلق بالمساجد .. )

و- الإخلاص في الصوم :                       قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من صام رمضان إيماناً واحتساباً ، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر )

ز- الإخلاص في طلب الشهادة :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من سأل الله القتل في سبيل الله صادقاً من قلبه ، أعطاه الله أجر شهيد وإن مات على فراشه )

ك- الإخلاص في الحب :

قال رسول الله صلى الله عليه وسـلم:( من سره أن يجد حلاوة الإيمان فيلحب المرء لا يحبه إلا لله

وهذا كله وغيره كثير ما يُجمل به العبد قلبه بالإخلاص في جميع عباداته الظاهرة والباطنة ..

هذاونكمل في الحلقة التالية وصلى الله وسلم على نبينامحمد وعلى آله وصحبه أجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :  فهذه  الحلقة الثانية والعشرون في موضوع (الجمال)  وستكون الحلقة إستكمالا للعبودية بالجمال  :

3 – أمر الله عباده بالمحبة التي يُجمل بها قلوبهم

ذكر ابن القيم تعريف المحبة فقال :

مراتب المحبة : أولها : " العلاقة " وسميت علاقة لتعلق القلب بالمحبوب .

الثانية : " الإرادة " وهي ميل القلب إلى محبوبه وطلبه له .

الثالثة : " الصبابة " وهي انصـباب القلب إليه ، بحيث لا يملكه صاحبه كانصباب الماء في الحدور .. الصبابة : الميل اللازم ..

الرابعة : " الغرام " وهو الحب اللازم للقلب ، الذي لا يفارقه بل يلازمه كملازمة الغريم لغريم

الخامسة :" الوداد"وهو صفو المحبة،وخالصها ولبها

السادسة : " الشغف " وهو وصول الحب إلى شغاف قلبه إما بالاستيلاء عليه أو وصوله إلى داخله ، أو وصله إلى غشاء القلب .

السابعة : " العشق " وهو الحب المفرط الذي يخاف على صاحبه منه .

الثامنة : " التتيم " وهو التعبد والتذلل ، وذلك بالتفرد بحبه وشجوه .

التاسعة : " التعبد " وهو فوق التتيم ، فإن العبد هو الذي قد ملك المحبوب رقة فلم يبق له شيء من نفسه ألبته . ثم قال : وحقيقة العبودية : الحب التام ، مع الذل التام والخضوع للمحبوب

العاشرة : " مرتبة الخلة " وهي المحبة التي تخللت روح المحب وقلبه ، حتى لم يبق فيه موضع لغير المحبوب وهي التي انفرد بها الخليلان  إبراهيم ومحمد صلى الله عليهما وسلم ..

وقـال أيضـاً :وليس في الوجود ما يحب لذاته ، ويحمد لذاته إلا هو سبحانه ، وكل ما يحب سـواه فإن كانت محبته تابعة لمحبته سبحانه ، بحيث يحب لأجله ، فمحبته صحيحة ، وإلا فهي محبة باطلة ، وهذا هو حقيقة الإلهية ، فإن الإله هو الذي يحب لذاته ، ويحمد لذاته ، فكيف إذا انضاف إلى ذلك  إحسانه ، وإنعامه ، وحلمه ، وتجازه ، وعفوه ، وبره ، ورحمته ؟ .. وكما أنه ليس كمثله شيء ، فليس لمحبته محبة ، والمحبة مع الخضوع هي العبودية التي خلق الخلق لأجلها ..

وقال المقدسي : " أعلم أن المحـبة لله هي الغاية القصوى من المقامات ، فما بعد إدراك المحبة مقام إلا وهو ثمرة من ثمارها ، تابع من توابعها كالشوق ، والأنس والرضى ، ولا قبل المحبة مقام إلا وهو من مقدمتها كالتوبة ، والصبر ، والزهد وغيرهما    وأعلم أن الأمة مجتمعة على أن الحب لله ورسوله فرض ، ومن شواهد المحبة قوله تعالى { يحبهم ويحبونه } . وقوله تعالى : { والذين آمنوا أشد حباً لله } . وهذا دليل على إثبات الحب لله ، وإثبات التفاوت فيه .

وقال ابن القيم  " .. القلـوب على قلبين : قلب هو عرش الرحمن ففيه النور والحياة والفرح والسرور والبهجة وذخائر الخير ،                        وقلب هو عرش الشيطان ، فهناك الضيق والظلمة والموت والحزن والغم والهم ، فهـو حزين على ما مضى ، مهموم بما يستقبل ، مغموم في الحال .                                          وأما الحب في الله فهو مما يُجمل الله به قلوب عباده ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله ) .

وقال ابن عباس : " .. من أحب في الله وأبغض في الله ، ووالى في الله ، وعادى في الله ، فإنما تنال ولاية الله بذلك ، ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك ،

وقال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في شرح قول ابن عباس السابق :  قوله  " ووالى في الله " هذا بيان للازم المحبة في الله ، وهو الموالاة فيه ، إشارة إلى أنه لا يكفي في ذلك مجرد الحب ، بل لابد من الموالاة التي هي لازم الحب وهي النصرة والإكرام ، والاحترام والكون مع المحبوبين باطناً وظاهراً ، وقوله : " وعادى في الله " هذا بيان للازم البغض في الله ، وهو المعاداة فيه ، أي إظهار إشارة إلى أنه لا يكفي مجرد بغض القلب ، بل لابد مع ذلك من الإتيان بلازمه كما قال تعالى : { قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءآوا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده "

ويتضح مما سبق أن حب الله وحب رسول الله ، وحب المؤمنين ، وحب شرع الله ، وحب لقاء الله ، وما عند الله ؛ يزيد القلب بهجة وسروراً ، وزينة وحبوراً ، ويجعل القلب ، أجمل ما يكون ، بل القلب من دون المحبة المعتبرة شرعاً ؛ خربة من الخربات ؛ مليئة بالهوام والحشرات .

هذاونكمل في الحلقة التالية وصلى الله وسلم على نبينامحمد وعلى آله وصحبه أجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :  فهذه  الحلقة الثالثة والعشرون في موضوع (الجمال)  وستكون الحلقة إستكمالا للعبودية بالجمال  :

4 – أمر عباده بالإنابة التي يجمل بها قلوبهم :

والإنابة في اللغة : الرجوع .

وفي الاصطلاح : الإسراع والرجوع إلى الله وإلى مرضاته ، والتقدم إلى محابة في كل وقت .

والإنابة تتضمن أربعة أمور : 1- محبته سبحانه ،        2- والخضوع له ،  3- والإقبال عليه ،          4-والإعراض عما سواه

والرجوع إلى الله إصلاحاً ، كما رجع إليه اعتذاراً والرجوع إليه وفاء ، كما رجع إليه عهداً .

والرجوع إليه حالاً ، كما رجع إليه إجابة مدارج السالكين

ولأهمية الإنابة وأنها تُجمل القلب الذي تسكنه أمر الله بها قال تعالى : { وأنيبوا إلى ربكم } .      وأثنى على خليله بها ، قال سبحانه : { إن إبراهيم لحليم أوّاه منيب } . وأخبر أن آياته إنما يتبصر بها ويتذكر أهل الإنابة فقال : { أفلم ينظروا إلى السـماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها } – إلى أنه قال – { تبصرة وذكرى لكل عبد منيب }     وقال تعالى : { هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقاً ، وما يتذكر إلا من ينيب }

وقال تعالى:{ منيبين إليه واتقوه ، وأقيموا الصلاة }

وقال عن نبيه داود : " فاستغفرَ ربه وخر راكعاً وأناب }  . وأخبر أن ثوابه وجنته لأهل الخشية والإنابة فقال :{ وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد ، هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ ، من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب ، ادخلوها بسلام }

وأخبر سبحانه أن البشرى منه إنما هي لأهل الإنابة فقال : { والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى }

ويلاحظ من خلال ما مضى أن القلب يكون أجمل ما يكون وأصفى ، وأنقى بهذه العبادة القلبية العظيمة " الإنابة " .

5 – أمر عباده بالتوكل عليه حتى تكون قلوبهم أجمل ما تكون :

التوكل في اللغة : يأتي بمعنى : التكفل والاعتماد على الغير

وفي الاصطلاح : يأتي بمعنى حركة ذات الإنسان في الأسباب بالظاهر والباطن ، ولا يكون التوكل إلا على الله ، بل حذر الله من اتخاذ وكيل غيره … والوكيل : فعيل من التوكل ، ومعناه : المتوكل عليه الذي نفوض إليه أمورنا ، فيوصل إلينا النفع ، ويدفع عن الضر .

منازل الناس في التوكل :                     الناس في التوكل على حسب هممهم ومقاصدهم، فمن متكل على الله في حصول الملك ، ومن متوكل عليه في حصول رغيف ، ومن صدق توكله على الله في الحصول على شيء ناله ، فإن كان محبوباً لله مرضياً ؛ كانت له فيه العاقبة المحمـودة، وإن كان مسخوطاً مبغوضاً كان ما حصل له بتوكله مضرة عليه ، وإن كان مباحاً حصـلت له مصلحة دون مصلحة

وحقيقة التوكل : القيام بالأسباب والاعتماد بالقلب على المسبب ، والاعتقاد أنها بيده ، فإن شاء منع اقتضاءها ، وإن شاء جعلها مقتضية لضد أحكامها ، وإن شاء أقام لها موانع وصوارف تعارض اقتضائها وتدفعه

والتفويض : هو روح التوكل ولبه وحقيقته ، وهو إلقاء أموره كلها إلى الله وإنزالها به طلباً واختياراً لا كرماً واضطراراً ،والمفوض لا يفوض أمره إلى الله إلا لإرادته أن يقضي له ما هو خير له في معاشه ومعاده وإن كان المقضي له خلاف ما يظنه خيراً ، فهو راضي به لأنه يعلم أنـه خير له ، وأن خفيت عليه جهة المصلحة فيه ، وهكذا حال المتوكل سواء =والتوكل له أهمية عظمى وفضل كبير ولذلك أمر الله به أنبيائه قال تعالى : { وتوكل على الحي الذي لا يموت ، وسبح بحمده } ،وقال أيضاً لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : { وتوكل على الله ، وكفى بالله وكيلاً }  .

=ومن أهمته أيضاً توكل الأنبياء على الله قال تعالى  : { وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب } .

=ومن أهميتـه الأمر من الله لعباده المؤمنين بالتوكل عليه قال تعالى : { إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون } .

=ومن فضل التوكـل على الله أن الله يحب المتوكلين قال تعالى : { إن الله يحب المتوكلين }

=ومن فضل التوكل دخوله الجنة بغير حساب ، أخرج البخاري ومسلم من حديث عمران حصين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً بغير حساب قالوا : من هم يا رسول الله ؟ قال : هم الذين لا يسترقون ، ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون ) .

ولا يصح توكل من دون إيمان ، وإذا انتفى التوكل انتفى الإيمان وقد شرط سبحانه وتعالى وجود الإيمان بوجود التوكل قال تعالى : { وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين }                     للتوكل آثار وثمرات منها :

1 – حصول المقصود : قال تعالى : { والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبؤنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعملون ، الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون } .

2 – الحفظ من الزلل وعدم الفشل : قال تعالى :

{ فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ، إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا ، وعلى ربهم يتوكلون }

3 – المتوكلون على الله يدخلون الجنة : قال تعالى : { فما أتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون }.

4 – يثبت الله عباده المتوكلون : قال تعالى :    {إذْ همت طائفتان منكم أتفشلا والله وليهما ، وعلى الله فليتوكل المؤمنين } .

ثم إن الرضا ثمرة التوكل : قال ابن تيمية : " .. المقدور يكتنفه أمران : التوكل قبله، والرضا بعده ، فمن توكل على الله قبل الفعل ، ورضي بالمقضي له بعد الفعل قام بالعبودية. وقال بشر الحافي : يقول أحدهم توكلت على الله يكذب على الله لو توكل على الله لرضى بما يفعله الله به "، ويتضح صفاء ونقاء وجمال قلب المتوكل على الله.

هذاونكمل في الحلقة التالية وصلى الله وسلم على نبينامحمد وعلى آله وصحبه أجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :  فهذه  الحلقة الرابعة والعشرون في موضوع (الجمال)  وستكون الحلقة إستكمالا للعبودية بالجمال  :

6 – أمر الله عباده بالطاعة ليُجمل بها جوارحهم :

اقتضت حكمـة الحكيم أن يستعمل العبد جوارحه فيما يرضي الله ويعود عليه بالنفع والسعادة في الدنيا والآخرة ولذلك كان للطاعات آثار عظيمة يجمل بها هذه الجوارح حتى تكون أعلا منزلة من الطهر والنقاء والصفاء والجمال فمن ذلك :

1 – الطائع يرزقه الله العلم النافع ، لأن العلم النافع نور يقذفه الله في قلب عبده الطائع قال تعالى : { واتقوا الله ويعلمكم الله } .

2 – الطاعة تزيد في الرزق والعمر وتزكيها وتباركها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من سره أن يبسط له في رزقه أو ينسأ له في أثره فليصل رحمه ).

3 – ومن آثار الطاعة العز كل العز قال تعالى :  { من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً }        أي فليطلبها بطاعة الله فإنه لا يجدها إلا في طاعته .

4 – ومن آثار الطاعة التي يجمل الله بها الجوارح حصول واستجابة الله لدعاء الملائكة لأهل الطاعة المؤمنين قال تعالى { الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون  به ويستغفرون للذين آمنوا : ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك ، وقهم عذاب الجحيم ، ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم ، إنك أنت العزيز الحكيم ، وقهم السيئات ، ومن تقي السيئات يومئذ فقد رحمته ، وذلك الفوز العظيم } .

5 – ومنها اطمئنان القلوب ، قال تعالى : { ألا بذكر الله تطمئن القلوب } .

6 – ومنها إنشراح الصدر قال تعالى : { فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام } .

7 – ومن آثار الطاعة التي يتجمل بها الإنسان في الدنيا والآخرة وتزكوا بها جوارحه ، الدفع بالتي هي أحسن ، قال تعالى : { ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم } .

وهذه الآثار غيض من فيض من الآثار الحسنة والجميلة لجوارح العبد الطائع الذي زكت نفسه ، وزكى قلبه ، وزكت جوارحه ، وطهرت وصفت بفضل امتثالها لأوامر ربها والانتهاء عن ما نهاها ربها عنه .

7 - أمر عبادة بإظهار ما انعم به عليهم في لباسهم ليجملوا بها أبدانهم :

اللباس : هو ما يلبس ، لبس الثوب يلبسه لبساً ، وألبسه إياه ، ولباس الرجل : امرأته ، وزوجها لباسها .و اللبوس : الثياب والسلاح .

قال تعالى : { يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سؤاتكم وريشاً ولباس التقوى ذلك خير ، ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون ، يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليرهما سوءاتهما ، إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم ، إنا جعلنا الشياطين أولياء اللذين لا يؤمنون } .

قال ابن كثير : " يمتن تبارك وتعالى على عباده بما جعل لهم من اللباس والريش فاللباس المـذكور هاهنا لستر العورات - وهي السوءات - والرياش والريش هو ما يتجمل به ظاهراً ، فالأول من الضروريات ، والريش من التكميلات والزيادات

 

وقال تعالى : { وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحماً طرياً وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون }

وقال تعالى :  { يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا ، إنه لا يحب المسرفين }  .

وقال البخاري : " باب قول الله تعالى : { قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده} وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كلوا وأشربوا وألبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة ) وقال ابن عباس : كل ما شئت وألبس ما شئت ما أخطأتك اثنتان : سرف أو مخيلة

وأخرج مسلم بسنده من حديث عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من " كبر قال رجل إن الرجل يحب أن يكـون ثوبه حسناً ونعله حسناً قال " إن الله جميل يجب الجمال ، الكبر بطر الحق وغمط الناس)

إن من أعظم جمال البدن هو اللباس الذي أمر العبد به من غير مخيلة ولا إسراف .

هذاونكمل في الحلقة التالية وصلى الله وسلم على نبينامحمد وعلى آله وصحبه أجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :  فهذه الحلقة الخامسة والعشرون في موضوع (الجمال)  وستكون الحلقة إستكمالا للعبودية بالجمال  :

8 – أمر سبحانه عباده بتجميل أبدانهم بتطهيرها من الأنجاس ، والأحداث، والأوساخ ، والشعور المكروهة ، والختان ، وتقليم الأظفار

كما جمل أبدان عباده بتطهيرها من النجاسات المعنوية مثل الكفر والشرك .

قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا }

قال ابن كثير : " أمر تعالى عباده المؤمنين الطاهرين بنفي المشركين الذين هم نجس عن المسجد الحرام …ودلت هذه الآية الكريمة على نجاسة المشرك ، كما دلت على طهارة المؤمن .. "

أما تطهير الأبدان من الأنجاس والأحداث فهو جمال ونقاء وصفاء والنجس هو القذر والدنس ،والمشركون نجس ، والرجس هو النجاسة .. والحدث : هو ما ينتقض به الوضوء من بول أو غائط أو ريح أووطء أو غير ذلك والطهر : التطهر وبالفتح : الماء الذي يتطهر به كالوضوء ، والماء الطهور : هو الذي يرفع الحدث ويزيل النجاسة ..

ومن أنواع النجاسات الحسية : 1 – الحيض    2 – البول والغائط   3 – الجنابة   4 –القذر   وتفصيل ذلك كما يلي :

1 – تطهير البدن من المحيض :

هو دم يخرج من الرحم ، إذا بلغت المرأة ، ثم يعتادها في أوقات معلومة لحكمة تربيـة الولد ، فإذا حملت انصرف ذلك الدم بإذن الله إلى تغذيته ، ولذلك لا تحيض الحامـل ، فإذا وضعت الولد قلبه الله تعالى بحكمته لبناً يتغذى به الطفل .. " المغني لابن قدامه جـ1 ، ص306

قال تعالى : { يسألونك عن المحيض قل هو أذى ، فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن ، فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين }

والتطهر منه بالغسل حيث أنه واجب عند إنقطاعه لقوله عليه الصلاة والسلام ( امكثي قدر ما كانت تحسبك حيضتك ، ثم اغتسلي وصلي ) متفق عليه

والنفساء مثل الحائض وهما في معنى الجنابة وكلها حدث يرفع بالطهارة ولا شك أن رفع حدث الحيض والنفساء جمال وطهر ونقاء أمر الله به المرأة المسلمة حتى تطهر بدنها وتجمله وتنظفه ولذلك حرم الله على الرجل جماع زوجته الحائض أو النفساء حتى تتطهر وهو الاغتسال بعد انتهاء نزول الدم لأن الدم الخارج من السبيلين نجس .

2 –تطهير البدن من البول والغائط وهما نجسان :

وذلك بالاسطابة وهي الاستنجاء بالماء أو بالأحجار ، يقال : استطاب وأطاب : إذا استنجى ، سمى استطابه لأنه يطيب جسده بإزالة الخبث عنه .

والاستنجاء واجب لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لايستنجي

أحدكم بدون ثلاثة أحجار ) رواه مسلم .

وهو مخير بين الاستنجاء بالماء أو الأحجار في قول

أكثر أهل العلم ، وبعضهم أنكر الاستنجاء والصحيح فعل الاستنجاء لما روي أنس قال :

( كان النبي صلى الله عليه وسـلم يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء وعنزة فيستنجى بالماء ) متفق عليه .

فإن أراد الاقتصار على أحدهما فالماء أفضل ، وإن

أقتصر على الحجر أجزأه والأفضل أن يستجمر ثم يتبعه الماء ؛ لأن الحجر يزيل عين النجاسة فـلا تصيبها يده ، ثم  يأتي بالماء فيظهر المحل فيكون أبلغ في التنظيف وأحسن . فأما عدد الغسلات : سئل الإمام أحمد عن حدالاستنجاء بالماء ؟ فقال : ينقى وظاهر هذا : أنه لا عدد فيه ؛ إنما الواجب الانقاء ، وهذا أصح لأنه لم يصح ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك عدد ، ولا أمر به ، ولا بد من الانقاء على الروايات كلها ، وهو أن تذهب لزوجة النجاسة وآثارها .

أي طهر أعظم من هذا ؟ ، وأي نقاء أصفى من هذا ؟ ، وأي جمال أجمل من هذا ؟ إنه دين رب العالمين العليم الحكيم .

هذاونكمل في الحلقة التالية وصلى الله وسلم على نبينامحمد وعلى آله وصحبه أجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة السادسة والعشرون في موضوع (الجمال)  وستكون الحلقة إستكمالا للعبودية بالجمال  :

3 – تطهير البدن من الجنابة :

الجنابة : هو خروج المني وهو الماء الغليظ الدافق الذي يخرج عند اشتداد الشهوة ، ومني المرأة رقيق أصفر ، وهو يوجب الغسل من دون خلاف .

سواء كان جماعاً أو احتلاماً أو غير ذلك ، ويجب الغسل للمجامع حتى ولو لم ينزل لأن الختانان التقيا ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل ) متفق عليه "

بل يجب الغسل على كل واطئ وموطوء إذا كان من أهل الغسل سواء كان الفرج قبلاً أو دبراً من كل آدمي أو بهيمة ، وحياً أو ميتاً طائعاً أو مكرهاً ، نائماً أو يقظاناً ..

قال تعالى : { وإن كنتم جنباً فاطهروا ، وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون }

قال القرطبي :" ولكن يريد ليطهركم " أي من الذنوب .. وقيل من الحدث والجنابة ، وقيل : لتستحقوا الوصف بالطهارة التي وصف بها أهل الطاعة … "

قال ابن تيمية : " الطهارة من الجنابة فرض ، ليس لأحد أن يصلي جنباً ولا محدثاً حتى يتطهر ،ومن صلى بغير طهارة شرعية مستحلاً لذلك فهو كافر ولو لم يستحيل ذلك فقد اختلف في كفره .. "

ثم قال ابن تيمية : " وهو سبحانه أمرنا بالطهارتين الصغرى والكبرى ، وبالتيمم عن كل منهما فقال { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا } فأمر بالوضوء ، ثم قال : { وإن كنتم جنباً فاطهروا } فأمر بالتطهر من الحنابة ، كما قال في المحيض : { فلا تقربوهن حتى يطهرن ، فإذا تطهرن فائتوهن من حيث أمركم الله } وقال في سورة النساء : { ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا } وهذا يبين أن التطهر هو الاغتسال "

ومما سبق يتضح أن الجنابة حدث مثل حدث الحيض ، وحدث النفساء وحدث خروج البول أو الغائط وكلها ترفع بالتطهر بالماء أو بما ينوب عنه حتى يكون المسلم نظيفاً طاهراً جميلاً مؤهل للوقوف بين يدي الله يناجيه ويدعوه ويحمده ويشكره وهو على أعلى منزلة وفي أرقى درجة من الطهارة والنقاء والصفاء والجمال .                  4 - تطهير البدن من القذرة النجس سواء كان بول أو غائط أو دم خارج من السبيلين أو مذي أو مس الكلب برطوبة .

هذه النجاسات وغيرها إذا وردت على جسم الإنسان أو على ثيابه وجب على المسلم غسلها ، وتنظيف المحل الذي وقعت عليه ؛ وتطهيرها بإزالتها على أي حال سواء بأول غسله أو بالغسلة الثانية أو الثالثة أو الرابعة أو الخامسة ، المهم متى زالت عين النجاسة فإنها تطهر ، لكن إذا كانت بول غلام صغير لم يأكل الطعام ، فإنه يكفي أن يغمر بالماء المحل النجس وهو ما يعرف عند العلماء بالنضح ، ولا يحتاج إلى غسل ودلك لأن بول الغلام الصغير نجاسته مخففة ، أما نجاسة الكلب فلابد لتطهيرها من سبع غسلات أحدهما بالتراب لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً إحداهن بالتراب ).اخرجه البخاري

ويتضح مما سبق أنه يجب أن يكون بدن المسلم طاهراً وباطنه  دائماً في أحسن صورة وأجمل منظر وأبهى طلعة وأنقى وأصفى حال .

9 – أمر سبحانه عباده بتجميل أبدانهم وذلك بتطهيرها من الأوساخ والشعور المكروهة والختان وتقليم الأظافر . أخرج البخاري بسنده من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : ((الفطرة خمس : الختان والإستحداد ، وقص  الشارب ، وتقليم الأظفار ونتف الأباط )) . وأخرج مسلم بسنده من حديث عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( عشرة من الفطرة : قص الشارب ،وإعفاء اللحية ، والسواك ، واستنشاق الماء ، وقص الأظفار ، وغسل البراجم ، ونتف الإبط ، وحلق العانة وانتقاص الماء ، والمضمضة )) ومعنى انتقاص الماء الاستنجاء ..وأخرج مسلم بسنده من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل بيته بدأ بالسواك

قال ابن قدامه المقدسي : وأما إزالة الفضلات فهي نوعان  : النوع الأول : أوساخ تزال كالذي يجتمع في الرأس من الأوساخ والدرن فيستحب تنظيفه بالغسل ،والترجيل بمشطه ودهنه لازالة الشعث وكذلك ما يجتمع في الأذن والأنف من الوسخ يستحب إزالته ويستحب التسوك والمضمضة لإزالة ما على الأسنان واللسان من القلح وهو الوسخ ، وكذلك وسخ البراجم ، والدرن الذي يجتمع على جميع البدن برشح العرق ، وغبار الطريق وذلك يزيله الغسل ، ولا بأس بدخول الحمام فإنه أبلغ في الإزالة .

النوع الثاني : من إزالة الفضلات :أجزاء تحذف مثل قص الشارب ، ونتف الإبط ، والختان ، وحلق العانة ، وقص الأظافر ، ويكره نتف الشيب ، ويستحب خضابة .

ويتضح مما سبق أن الله سبحانه وتعالى شرع تطهير البدن من جميع الأوساخ لتجميله وتصفيته وتنقيته حتى يكون في مستوى عال من الطهارة والنظافة والجمال ، وهذا من غايات العبودية بالجمال .وهذه آخر حلقات موضوع الجمال

و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين