الحياة الآمنة

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

                إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ، ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إ لا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده  ورسوله [r].

       (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا

 

 تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (آل عمران:102)

   وبعـــــــــد :       

فهذا البرنامج يتضمن موضوع بعنوان ( الحياة الآمنة السعيدة ) ويتضمن عدة حلقات ؛أولها التعريفات

فالحياة السعيدة هي الحياة الآمنة التي تقوم على حفظ الضرورات الخمس وهي : الدين ، والنفس ، والعقل، والعرض ،والمال

      وتنعكس هذه السعادة القلبية على الحياة ، وتحصل  السعادة للمؤمنين من كل وجه؛ بينما لا تحصل السعادة لغير المسلم من كل وجه.

وأما أسباب حصول السعادة فهي كثيرة منها:-

 1- الإيمان والعمل الصالح قال تعالى: ) مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل:97)

2 - ومن الأسباب التي تزيل الهم والغم والقلق: الإحسان إلى الخلق بالقول والفعل، قال تعالى : ( لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً   3- ومن أسباب دفع القلق الناشئ عن توتر الأعصاب،واشتغال القلب ببعض المكدرات : الاشتغال بعمل من الأعمال أو علم من العلوم النافعة، فإنها تلهي القلب عن اشتغاله بذلك الأمر الذي أقلقه...                          وينبغي أن يكون الشغل الذي يشتغل فيه مما تأنس به النفس وتشتاقه؛ فإن هذا أدعى لحصول هذا المقصود النافع.

4- ومما يدفع به الهم والقلق : اجتماع الفكر كله على الإهتمام بعمل اليوم الحاضر وقطعه عن الإهتمام في الوقت المستقبل....

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إحرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإذا أصابك شيئ فلا تقل : لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا ولكن قل: قدر الله وماشاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان )                                    5- الإكثار من ذكر الله والدعاء قال تعالى: ( أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)

 

  6 - التحدث بنعم الله الظاهرة والباطنة، فإن

معرفتها والتحدث بها يدفع الله به الهم والغم، ويحث العبد على الشكر الذي هو ارفع المراتب وأعلاها

 7- النظر إلى من هو أسفل منه في أمور الدنيا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم )

8-  التوكل على الله ؛ فإذا توكل العبد على القوي كفاه قال تعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) أي كافيه.

ولذلك قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم-:(من أصبح منكم آمناً في سربه، معافاً في جسمه ، عنده قوت يومه ؛ فكأنما حيزت له الدنيا )

وسيكون هذا البحث منطلقاً من هذا الحديث الحسن العظيم القدر والذي هو أصل في الحياة السعيدة الآمنة ، وسيكون على ثلاثة مباحث المبحث الأول : الأمن

المبحث الثاني: عافية الأبدان

المبحث الثالث : القوت.

أسأل الله العون والتوفيق، كما أسأله أن يجعله علماً نافعاً وعملاً صالحاً إنه ولي ذلك والقادر عليه.    هذا وصلى الله وسلم على نبيه محمد وعلى آله وصحبه اجمعين وإلى لقاء آخر والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه

الحلقة الثانية من حلقات(الحياة الآمنة ) وفيها :

المبحث الأول: الأمــن

تعريف الأمن :

 الأمن : عدم توقع مكروه في الزمن الآتي وأصله طمأنينة النفس وزوال الخوف

والأمن والآمان : ضد الخوف، والأمن والأمانة والأمنة: ضد الخيانة، وآمن به إيماناً : صدقه، والإيمان : الثقة وإظهار الخضوع وقبول الشريعة والأمين : القوي والمؤتمن

      

  والمراد بالأمن هنا إطمئنان الفرد والأسرة والمجتمع على أن يحيوا حياة طيبة في الدنيا، لا يخافون على أنفسهم وأموالهم وعقولهم ونسلهم، من الاعتداء عليها أو على ما يصونها ويكملها.

كذلك الإطمئان على سعيهم إلى كل ما يرضى ربهم، لينالوا الأمن في الآخرة بإحلال رضوانه عليهم وينعموا بجزيل فضله وثوابه، والنجاة من عقباه.

أقـسام الأمـن:

 ينقسم الأمن إلى قسمين؛ الأمن في الدنيا، والأمن في الآخرة:

القسم الأول : الأمن في الدنيا

   وهو الاطمئنان على ضرورات الحياة، وحاجياتها وتكميلاتها، بحيث لا يعتدي أحد على تلك الضرورات وما يتبعها، فإذا همَ أحدٌ بالاعتداء على شيئ منها وجد ما يزجره عنها من الزواجر التي وضعها الله، من العقاب الأخروي، أو العقاب الشرعي في الدنيا.

وهذا القسم من الأمن يحرص على تحقيقه جميع الأحياء من العقلاء، لأنه محسوس عاجل، والنفس مولعةٌ بحب العاجل، فلا يقدم أحد على فعل يكون سبباً في فقد أمنه، إلا لسببين :

  السبب الأول: عدم علمه بأن ما يقدم عليه، قد يكون سبباً في فقد أمنه،كمن يقدم على قتل نفس محرمة فيزهقها – خفية في ظنه ـ ثم يُكشفُ أمره، فينال جزاءه وهو القصاص.

  السبب الثاني : أن يترجح عنده الاقدام.

ولا يقف مكتوف الأيدي في الدفاع عن أمنه إذا أراد أحد أن يعتدي على نفسه أو عرضه أو ماله، فيدافع عن ذلك، حتى يُقتل، سواء كان قتله في ميدان المدافعة ضد المعتدي، أم تحت تجبر طاغية استغل قوته في قتله،لأنه يرى أن دفاعه والمحافظة على شرفه وعزته خير من المحافظة على حياة لا يتوافر لها الأمن الحق والحياة الحرة الطيبة.

والأمن الدنيوي الذي يرزقه الله الأمم، لا يدوم مع الكفر، بل يبدلها الله به الخوف والجوع والحياة النكدة والضنك، كما قال تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)

  ومن الأمم التي أعطاها الله الأمن، ثم بدلها به الخوف لكفرانها، مشركو قريش، الذين قال تعالى فيهم : ( فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ ، الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) (قريش:3-

وعندما أصروا على كفرهم بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم ودعوته لهم،أبدلهم الله بالأمن خوفاً وبالغنى فقراً ، وبالشبع جوعاً ، وسلط الله عليهم نبيه محمداً  صلى الله عليه وسلم وأصحابه المؤمنين، فأخافوهم في بدر والأحزاب، ثم دخلوا مكة فاتحين آمنين منتصرين، وأهلها خائفون، وأيقنوا أنه لا أمن ولا طمأنينة لهم إلا بالدخول في دين الله، ولهذا دخلوا في دين الله أفواجاً، فنالوا الأمن، وأصبحوا بدخولهم في دين الله سادة الدنيا وقادة أهلها.

هذا هو القسم الأول من أقسام الأمن في الحياة الدنيا والأمن في الدنيا يتناول مجالات عدة نبدأ بها في الحلقة القادمة

هذا وصلى الله وسلم على نبيه محمد وعلى آله وصحبه اجمعين وإلى لقاء آخر والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة من(الحياة الآمنة ) وسنتناول:مجالات الأمن في الحياة الدنيا :

أولاً:

المحافظة على الأسرار على مستوى الفرد والأمة.

نعم إن كتمان الأسرار له آثار حميدة ومن أهمها الأمن والسلامة فكم من إفشاء للأسرار أخاف مفشيه، بل وأزهق أرواحاً، وأذهب أموالاً، وأزال دولاً...

ولذلك حذر الإسلام من فلتات ا للسان واعتبر الكلام الذي يؤدي إلى عدم الأمان معصية ..

   قال تعالى:  )مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (قّ:18)

 وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-  ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت )

وكان من منهج رسول الله – صلى الله عليه وسلم- تربية الأمة المسلمة على الأمن والمحافظة على الأسرار، وهذا كان واضحاً في غزواته ومواقفه مع أعداءه ولذلك لم يؤخذ النبي صلى الله عليه وسلم على غرة، بل هو أخذ أعداءه على غرة في مواقف كثيرة...

وكان خلفاؤه ومن بعدهم يسيرون على منهجه في المحافظة على الأسرار حتى يفوزوا بالنصر على الأعداء، وحتى لا يؤخذوا على غره وليتسلط عليهم الأعداء، ثم يحصل لهم الخوف وعدم الأمن وهناك بعض الأمثلة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان محافظاً على أسراره منها :

=أول ما بدأ بدعوته سراً ؛حيث مكث ثلاث سنوات في مكة يدعو إلى الله سراً ، وكان يجتمع بالمؤمنين في دار الأرقم بن أبي الأرقم سراً ، وهذا كله بوحي من الله حفاظاً على أمن المجتمع المؤمن الناشيء .

=هجرته كانت سراً ؛ حيث خطط مع أبي بكر للهجرة سراً ، وورى في هجرته بذهابه إلى الجنوب بدلاً من ما كان متوقعاً جهة الشمال ، وكمَنَ  ثلاث ليالي في غار ثور ؛ ليخف الطلب ، وسلك طريقاً في هجرته غير معتاد . كل ذلك وغيره من اجل المحافظة على أمن الدعوة ، وامن المجموعة الأولى والتي كانت تحمل الإسلام .

=كان يوري في غزواته وهذا نوع من أنواع المحافظة على الأسرار التي تحقق الأمن؛ مثل غزوة تبوك وغيرها .

=ما كلف به نعيم بن مسعود في غزوة الخندق سراً؛ حيث كان سبباً كبيراً في هزيمة الأعداء  

=كان صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لا يفشون اسراره بل يحافظون عليها محافظة شديدة ؛ وهذا يدل على أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم –كان يعلمهم هذا الأمر .

هذا وصلى الله وسلم على نبيه محمد وعلى آله وصحبه اجمعين وإلى لقاء آخر والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

 

 

 

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة في موضوع (الحياة الآمنة ) وسنتناول فيها :

ثانياً : الأمن النفسي   

 إن بواعث القلق والخوف والضيق، والتردد والارتياب والشك كثيرة وهي مع الإنسان منذ ولادته وحتى مماته..

   ولذلك جاء الإسلام بالأمن والسكينة والطمأنينة وحقق ذلك بغرس عقيدة الإيمان في قلوب المؤمنين الإيمان الحقيقي الذي يثمر الأمن والسكينة والطمأنينة .

    وكان ذلك بسلوك الصراط المستقيم ( الكتاب والسنة) والبعد عن الشرك والمعاصي وكل ما يبعد الإنسان عن الله . قال تعالى:

( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (الأنعام:82)

فهو يؤمن أن وجوده لحكمة، وأن موجده حكيم، وأنه مطلوب منه أن يسير على طريق محدد حتى يصل إلى دار الأمن والسلام ويؤمن أن الله معه وهو قوي عزيز، ويؤمن أن الله رزاق فلا يخشى من الفقر، ويؤمن أنه مهما أصابه من محن وشدائد فإن الله يتولاه ويحفظه ويعينه...

    وهذا كله وغيره يسكب في النفس الإنسانية الأمن والسكينة والأطمئنان، ويؤدي إلى عدم الخوف من الماضي أو من المستقبل.

     قال تعالى: ( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)

  إن الإيمان يحقق الأمن النفسي والسعادة الروحية التي لا تقابلها أي سعادة أخرى ولو ملك كنوز الدنيا وما فيها

ثالثاً : الأمن الأسري:

   إن وجود الأسرة المسلمة ضرورة حياتية وأخروية شرعية وفطرية، لأن الإنسان له أكبر وظيفة في الأرض واضخم دور .

   ولهذا كان حفظ النسب من الضرورات التي اتفقت عليها أمم الأرض، وأهتم الإسلام ببناء الأسرة المسلمة الصالحة التي تثمر في نفوس أفرادها الأمن والطمأنينة والسكينة والحب وذلك بوجود زوجين صالحين تربى كل منهما على العلم النافع والعمل الصالح.

  وإذا اجتمع الرجل الصالح بالمرأة الصالحة على سنة الله ورسوله وطاعة الله ورسوله أثمر هذا الاجتماع الأبناء الصالحين الآمنين وحصل الأمن للأسرة كلها فالزوج قد أمن جانب زوجته والزوجة أمنت جانب زوجها، وهما أمنا وجود الأبناء الصالحين...

   ولذلك كانت المرأة الصالحة خير كنز للمرء؛ لما حوت من صفات الخير ومنها حفظ حقوق الزوج في غيبته وفي نفسها وهذا أعظم أمن فهي الأمينة على نفسها التي يطمئن الزوج عليها في تربية أولاده، كما يأمنها على نفسها فلا ترتكب محرماً في غيبته عنها، ولا تفتح بابه لمن يكره ، ولا تدخل في نسبه من ليس منه، ويأمنها على ماله فلا تنفقه فيما حرم الله ولا تبذر بشيء منه

روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : (تنكح المرأة لأربع : لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك )

إن الإختيار على أساس الدين والأخلاق من أهم مايحقق للأسرة والمجتمع الأمن والسعادة في الحياة الدنيا وفي الآخرة .

هذا وصلى الله وسلم على نبيه محمد وعلى آله وصحبه اجمعين وإلى لقاء آخر والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

 

 

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالخامسة في موضوع الحياة الآمنة وسنستكمل مجالات الأمن في الدنيا :

رابعاً: الأمن المائي

هذا النوع من الأمن مهم لان له صلة وثيقة بالأمن الغذائي بل هو أهم الأسس التي يقوم عليها الأمن الغذائي ويتمثل أمنه فيما يلي:

  • المحافظة على مصادر المياه العذبة وتنميتها، وعدم إهدارها وتبذيرها.
  • التخطيط في وجود مصادر مائية جديدة سواء كانت جوفية أو سطحية أو غير ذلك مثل التحلية.
  • الأهتمام بنوعيتها بسبب تلوثها الناجم عن استخدام الإنسان أو النشاط الزراعي أو الصناعي.
  • تفويت الفرص على الأعداء في استغلال الموارد المائية في البلاد الإسلامية.
  • التوعية بأهمية هذا الجانب المهم في حياة الأمم والشعوب.
  • إنشاء منظمة خاصة تهتم بهذا الأمر المهم.

 وقد اهتم الإسلام بالأمن المائي في قوله صلى الله عليه وسلم : ( ولو كنت على نهر جارِ )

       فحث الأمة على الاقتصاد وعدم التبذير، والمحافظة على المصادر المائية ليحصل الأمن في الحياة الدنيا وليزول  الخوف من هذا الجانب

خامساً : الأمن الغذائي 

 ويتمثل في حصول جميع الناس في جميع الأوقات على ما يكفيهم من غذاء ملائم من الناحية التغذوية، وأمن الجودة والكمية والتنوع؛ لممارسة حياة ملؤها النشاط والصحة. ويعتمد تحقيق الأمن الغذائي على ثلاثة دعامات :

  • يجب أن يتوفر الغذاء؛ وذلك بإنتاج كميات كافية من الأغذية السليمة والجيدة النوعية، أو استيرادها.
  • يجب أن تتوفر الفرص للحصول على الغذاء؛ وذلك بتوفيرها وتوزيعها، وأن تكون في متناول يد الجميع.
  • يجب استخدام الأغذية بأفضل طريقة ممكنة لكي يتمتع كل فرد بالصحة والتغذية الجيدة " ما يكفي من حيث الكمية والنوعية والتنوع حسب احتياجات كل فرد".

ولقد لفت القرآن الكريم أنظار البشرية إلى أهمية الغذاء في حياة الأمم والشعوب، وذلك من خلال ربطه بالأمن والاستقرار السياسي .

وقد تجلى ذلك المعنى من خلال سورة قريش، حيث أمتن الله عز وجل على قريش بما أفاء عليهم من نعمة الأمن الغذائي ؛ حيث قال :

( الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ) ،  ونعمة الأمن والاستقرار السياسي  حيث قال : ( وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) وجعل ذلك من النعم العظيمة التي تستحق الشكر والعبادة لله عز وجل ولا يجوز أن تقابل بالنكران حيث قال : ( الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ)

  ولم تغفل السنة النبوية عن ذكر أهمية الأمن الغذائي في حياة الفرد والجماعة، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ركناً ثالثاً من أركان الحياة الآمنة المستقرة (من أصبح منكم  آمناً في سربة معافاً في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بما فيها )

   كما تجلت نظرة الإسلام إلى الأمن الغذائي في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم من خلال أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإنشاء سوق خاص بالمسلمين وذلك عند قدومه  المدينة، حيث كان سوق المدينة محصوراً بأيدي يهود، مما يشكل تهديداً لأمن المسلمين  الاقتصادي والغذائي، ومن ثم السياسي

فالأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي من الغذاء شرطاً لازما لحفظ كرامة الأمة وصيانة وحدتها وحماية ديارها ولدرء تحكم الأعداء في مقدراتها وتدخلهم في قراراتها وسياساتها.

     وتعد سورة ( يوسف عليه السلام ) من أكثر السور وضوحاً ودلالة في عرض نظرية الأمن الغذائي

هذا وصلى الله وسلم على نبيه محمد وعلى آله وصحبه اجمعين وإلى لقاء آخر والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالسادسة في موضوع الحياة الآمنة وسنستكمل مجالات الأمن في الدنيا :
سادساً:أمن الحرم

صفة الأمن ما أعظمها وما أروعها وما أوقعها في النفوس! فبدونها تفقد الحياة كل معانيها الجميلة، وكل ما فيها من خير وعطاء. فالأمن ضرورة لكل تقدم وحضارة وبناء . خاصة لذلك الوادي الذي يراد له أن يكون مكاناً تنبعث منه رسالة السماء إلى الناس كافة وتؤدى فيه أدق عبادة وأشقها.. وبغير أمان وطمأنينة قد لا يستطيع أحد أداء هذه الفريضة ذات المناسك المتعددة والشاقة والدقيقة؟ وكيف تبنى  بذلك الوادي حضارة يراد لها أن تكون مشعل نور للأجيال وقبلة لها إذا كان ساكنوه يئنون تحت أجواء الخوف وقسوة الجوع..؟!

   والدعاء كان السمة البارزة في حركة جميع الأنبياء وبالذات في حركة نبي الله إبراهيم الخليل - عليه السلام - وهو يخطو خطواته المتقنة في مسيرته المباركة ، لتنفيذ أوامر الله في جوف تلك الصحراء النائية، وفي ذلك الوادي المقفر الأجرد الذي تظلله الجبال ذات الصخور الصماء وتحف به التلال، وهو بين لحظة وأخرى يرمق السماء رافعاً يديه إلى الله تعالى أن يسدد خطواته، وأن يعينه على ما أمره به          فكان من دعائه - عليه السلام- (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً )

وقد ورد في أمن الحرم آيات عدة منها :-

  • قال تعالى : ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً)
  • وقال تعالى: ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ )
  • وقال تعالى: ( فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً  ) و قال تعالى : ( أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ)  (القصص: من الآية57)
  • وقال سبحانه: ( وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ)
  • وقال تعالى: ( الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ)

وورد عدد من الأحاديث منها:

       1-  عن جابر، قال: قال رسول الله [r] : ( لايحل  لأحد  أن  يحمل  بمكة      ا لسلاح ) رواه البخاري ومسلم 

 2- وعن ابن عباس، قال: قال رسول الله [r] يوم فتح مكة : ( إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لا يحل القتال فيه لأحد قبلي،ولم يحل لي إلا ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها، ولا يختلى خلاها( أي لا يجز و يقلع كلؤها). فقال العباس: يا رسول الله إلا الإذخر فإنه لقينهم ولبيوتهم فقال : ( إلا الإذخر )خ+م

  • وعن أبي سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :

( اللهم إن إبراهيم حرم مكة فجعلها حراماً ، وإني حرمت المدينة ، حراماً ما بين مأزميها أن لا يهراق فيها دم، ولايحمل فيها سلاح لقتال،ولا تخبط فيها شجرة إلا لعلف )م

 قال محمد رشيد رضا في تفسيره : ( وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً )

 " يذّكر الله تعالى العرب بهذه النعمة أو النعم العظيمة وهي جعل البيت الحرام مرجعاً للناس يقصدونه ثم يثوبون إليه، ومأمناً لهم.

هذا وصلى الله وسلم على نبيه محمد وعلى آله وصحبه اجمعين وإلى لقاء آخر والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

 

 

 

    بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالسابعة في موضوع (الحياة الآمنة ) وسنستكمل كلام رضا عن أمن الحرم   

فيقول : في تلك البلاد بلاد المخاوف التي يتخطف الناس فيها من كل جانب... وكونه – أي البيت- مثابة للناس أمرٌ معروف في الجاهلية والإسلام، وهو يُصدقْ برجوع بعض زائريه إليه، وحنين غيرهم   وتمنيهم له عند عجزهم عنه، وكذلك جعله أمناً معروف عندهم ، فقد كان الرجل يرى قاتل أبيه في الحرم فلا يزعجه على ما هو معروف عندهم من حب الانتقام والتفاخر بأخذ الثأر

 فالمكان الذي اختار الله تعالى لعباده ليكون لهم مثابة أي ملجأ يلجأون إليه ، ومأوى يأوون إليه ويلوذون به ، ومرجعاً يثوبون إليه زواراً. وغيرهم  ( لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ )  لا بد من أن يتوفر فيه عنصرا الحياة والاستقرار: الأمن والرزق  ( رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ )

وإلا كيف يقصد الناس شيئاً، أو مكاناً يخيفهم ويكون سبباً في هلاكهم؟ وكيف يثوبون إلى هكذا مكان فقد فيه الأمن والرزق؟

وأين تلك المنافع التي يرجونها والمخاوف تحيطهم..؟!

    وأما بخصوص طلب الرزق فيجيب الرازي عن السؤال الثاني الذي يذكره في تفسيره وهو : المطلوب من الله تعالى هو أن يجعل البلد آمناً كثير الخصب، وهذا ما يتعلق بمنافع الدنيا،فكيف يليق بالرسول المعظم طلبها؟

   والجواب عنه من وجوه: أن الدنيا إذا طلبت ليتقوى بها على الدين، كان ذلك من أعظم أركان الدين، فإذا كان البلد آمناً وحصل فيه الخصب : تفرغ أهله لطاعة الله تعالى،وإذا كان البلد على ضد ذلك كانوا على ضد ذلك

   إن الأمن يراد منه كل ما يدفع الخوف عن ساكني الحرم سواء أكان خوفاً من الانتقام أو خوفاً من القتل والقتال أو من السرقة أو من الجوع أو من أي شيئ آخر يدعو لعدم الاستقرار والطمآنينة ويثير الرعب والهلع في النفوس..

فحينما نقول هذه المنطقة آمنة يفهم منها الناس أو العرف أنها بعيدة عما يثير الخوف والرعب..

  كما أن التواجد في هذه المنطقة ورعاية أحكامها وأداء مناسكها بإخلاص وصدق قد يكون ذلك نجاة للإنسان من عذاب الآخرة، وأماناً له من عقابها. وموضعا للتزود من أجر الآخرة وثوابها، فهي إذن يمكن أن تكون ايضاً أماناً من العذاب ؛ منطقة هيأها الله تعالى لعباده؛ ليستجلبوا فيها منافع الدنيا والآخرة وليتذوقوا فيها طعم الأمان والاستقرار وكذلك حلاوة الإيمان والطاعة، وبالتالي أجر ذلك في الآخرة وهو أجر عظيم وثواب جزيل.

   فالحرم منطقة آمنة ومثابة للناس تتوفر بها كل مقومات الأمن والسلامة، ويشعر فيها الإنسان بكامل حريته وبنعمة الأمان والإيمان شريطة محافظته ورعايته لقوانينها وأحكامها، وإذا ما أساء إليها وانتهك حرمتها يعاقب بما يناسب مخالفته ومعصيته في الدنيا وفي الآخرة. فهو أمن وأمان ومأمن ينبغي على الناس بل يجب عليهم حفظه ورعايته لتحصل آثاره ويجنوا ثماره.

ويتضح مما سبق أن من أهم أسباب السعادة في الحياة الدنيا حصول الأمن ومن أعظم اساسيات الأمن؛ الأمن على اداء عبادة مهمة في اقدس بقعه على وجه الأرض وهو الحرم الآمن.

هذا وإلى هنا نقف ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

 

 

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالثامنة في موضوع (الحياة الآمنة ) وسنستكمل الكلام فنقول :

القسم الثاني من أقسام الأمن :

الأمن الأخروي

وهذا هو الأمن الحق الذي وفق الله له أمة من الأمم فهيئا لها أسبابه ،ووقاها من موانعه فسعت لتحقيقه ، متحقق لها معه أمن الدنيا أيضاً.

وأهم أسباب هذا الأمن :

 الالتزام بمنهج الله وعبادته وحده لا شريك له، وعدم طاعة غيره في معصيته، كما قال تعالى:

 ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور:55)

 فالأمة التي تؤمن بالله وتعمل صالحاً، فتعبد الله ولا تشرك به شيئاً، هي الأمة الجديرة بالاستخلاف والتمكين والأمن في الأرض، كما هي جديرة بالأمن التام يوم القيامة يوم الفزع الأكبر، كما قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمَّنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (فصلت:40)  

    فالنجاة من النار يوم القيامة هو الأمن الحق، والذي ينجو من النار يكمل أمنه بدخول الجنة ونعيمها وغرفاتها، كما قال تعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ، ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ)

 وقال تعالى: ( وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ) (سـبأ:37)  

    هذا هو الأمن التام الذي لا يتحقق إلا بالخوف التام: الخوف من الله تعالى وحده، والتوكل عليه وحده، وعدم الخوف من سواه، وهو الذي جادل به أبو الأنبياء – إبراهيم عليه السلام- قومه، عندما خوفوه بآلهتهم، كما قال الله تعالى: ( وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ ، وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً ، فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ، الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)

وبهذا يعلم أن الأمة التي تحوز الأمن التام في الدنيا والآخرة، هي أمة التوحيد والطاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنها إذا سعت للحصول على الأمن في الدنيا، أو في الآخرة،أو فيهما معا، بغير ذلك، فسعيها ضرب من اللعب واللهو، كما قال تعالى: ( فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ، الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (الأنعام: 82)

ومن اجلِ هذا الأمن أنزل الله كتبه وبعث رسله وخلق خلقه وأعد جنته وناره  )وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذريات:56)

   (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)

هذا وإلى هنا نقف ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.     

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالتاسعة في موضوع (الحياة الآمنة ) وسنستكمل الكلام في الأمن الأخروي فنقول :

والمقام الأمين هو الجنة قال تعالى:(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ) (الدخان:51)

       والمقام الأمين موضع الإقامة والأمين الآمن من كل سوء وآفة ومكروه وهو الذي قد جمع صفات الأمن كلها. فهو آمن من الزوال والخراب وأنواع النقص واهله آمنون فيه من الخروج والنغص والنكد والبلد الأمين الذي قد أمن من أهله فيه مما يخالف منه سواهم وتأمل كيف ذكر سبحانه الأمن في قولـه تعالى:  ( يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ) (الدخان:55)

       فجمع لهم بين أمن المكان وأمن الخروج منها فلا يخافون ذلك وأمنٌ من الموت فلا يخافون فيها موتا

     قال تعالى : ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ ، فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ، يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ ،  َذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ ، يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ ،لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ)     فجمع لهم بين حسن المنزل وحصول الأمن فيه من كل مكروه        

والأمن المطلق لا يكون إلا لعباد الله المخلصين:

 

     جعل الله سبحانه البشارة المطلقة لعباده فقال تعالى  :(  فَبَشِّرْ عِبَادِ ،الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ) (الزمر: الآيتان17-  18)

     وجعل الأمن المطلق لهم فقال تعالى: ( يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ ، الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ) (الزخرف:68  69)

والأمن والهدى المطلق هو الأمن في الدنيا والآخرة والهدى إلى الصراط المستقيم فالظلم المطلق التام مانع من الأمن والهدى المطلق ولا يمنع ذلك أن يكون مطلق الظلم مانعاً من مطلق الأمن ومطلق الهدى فتأمله فالمطلق للمطلق والحصة للحصة 

والأمن هو النعيم والغنى

روى عامر عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:

 ( ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) (التكاثر:8) قال : الأمن والصحة

سئل يحي بن معاذ عن الغنى فقال: هو الأمن بالله عز وجل

نعم إن الأمن في الدنيا وفي الآخره هو أعظم غنى وأعظم نعيم للإنسان.والآمنون يتحدثون به هناك وانهم يقولون: ( قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ) (الطور:26)

        أي كنا خائفين في محل الأمن بين الأهل والأقارب والعشائر فأوصلنا ذلك الخوف والإشفاق إلى أن منّ الله علينا فأمّننا مما نخاف ووقانا عذاب السموم وهذا ضد حال الشقي الذي كان في أهله مسروراً فهذا كان مسروراً مع إساءته وهؤلاء كانوا مشفقين مع إحسانهم فبدّل الله سبحانه إشفاقهم بأعظم الأمن وبدل أمن أولئك بأعظم المخاوف

 هذا وإلى هنا نقف ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه  والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالعاشرة في موضوع (الحياة الآمنة السعيدة) وسيكون عنوان الحلقة  هو :

المبحث الثاني : عافية الأبدان                                                        

من أسباب السعادة في الدنيا والآخره صحة الأبدان ويتحقق ذلك بما ينفع الجسد، ويدفع المضار عنه، ويعالج أمراضه وبالأكل حال الجوع والشرب حال الضمأ، وبالتحصن بالحمية والعلاج وكل ذلك على وجه الإعتدال.

وفيه ثلاث مطالب:

المطلب الأول : ماهية العافية وأهميتها:

       العفو: اسم من اسماء الله تعالى وهو مقول من العفو وهو التجاوز عن الذنب وترك العقاب.. واصله المحو والطمس وهو من أبنية المبالغة..

  قال ابن الأنباري في قولــه تعالى : (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُم) (التوبة: من الآية43): محا الله عنك مأخوذ من قولهم : عفت الرياح الآثار إذا درستها ومحتها وقد عفت الآثار تعفو عفواً لفظ اللازم والمتعد سواء..

          وفي حديث أبي بكر رضى الله عنه ( سلوا الله العفو والعافية والمعافاة) فأما العفو فهو ما وصفناه من محو الله تعالى ذنوب عبد ه عنه، وأما العافية فهو أن يعافيه الله تعالى من سقم أو بلية وهي الصحة ضد المرض. يقال : عافاه الله وأعفاه : أي وهب له العافية من العلل والبلايا..

  وفي الحديث : ( وعافني فيمن عافيت ) إنما يسأل ربه العافية المطلقة وهي العافية من الكفر والفسوق والعصيان والغفلة والإعراض وفعل ما لايحبه وترك ما يحبه فهذا حقيقة العافية ولهذا ما سئل الرب شيئاً أحب إليه من العافية لأنها كلمة جامعة للتخلص من الشر كله وأسبابه..

والعافية أجل النعم على الإطلاق فحقيق لمن رزق حظاً من التوفيق مراعاتها وحفظها وحمايتها عما يضادها. وقد روى البخاري بسنده من حديث ابن عباس قال : قال رسول الله –  صلى الله عليه وسلم- : ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس ؛الصحة والفراغ)

وفي الترمذي من حديث أبي هريرة عن النبي – صلى الله عليه وسلم- أنه قال  : ( أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم  أن يقال له :  ألم نصح لك جسمك ونروك من الماء البارد؟ )

ومن هنا قال من قال من السلف في قوله تعالى ):ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) قال: عن الصحة .

هذا وإلى هنا نقف ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه  والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالحادية عشرة في موضوع (الحياة الآمنة السعيدة) وستكون الحلقة  إستكمالا للحلقة السابقة بعنوان عافية الأبدان  :

  في سنن النسائي من حديث أبي هريرة يرفعه  ( سلو الله العفو والعافية  والمعافاة ، فما أوتيى أحد بعد  يقين خيراً من العافية)    

قال ابن القيم:وهذه الثلاثة تتضمن إزالة الشرور الماضية بالعفو والحاضرة بالعافية والمستقبله بالمعافاة فإنها تتضمن المداومة والاستمرار على العافية وإذا كان هذا شأن العافية والصحة فيذكر من هدية صلى الله عليه وسلم في مراعاة هذه الأمور ما يتبين لمن نظر فيه أنه أكمل الهدى على الإطلاق به حفظ صحة البدن والقلب وحياة الدنيا والآخرة..

وقال المباركفوري: معافى اسم مفعول من باب المفاعلة أي : صحيحاً سالماً من العلل والأسقام في جسده أي: بدنه ظاهراً وباطناً      

 المطلب الثاني:

من أسباب حصول عافية الأبدان: توفر وتنوع المطاعم والمشارب التي تشتمل على ثلاثة أوصاف:-

 1- كثرة نفعها 2- خفتها على المعدة 3- سرعة هضمها.

 قال ابن القيم: فأما المطعم والمشرب فلم يكن من عادته حبس النفس على نوع واحد من الأغذية لا يتعداه إلى ماسواه فإن ذلك يضر بالطبيعة جداً وقد يتعذر عليها  أحياناً فإن لم يتناول غيره ضعف أو هلك وإن تناول غيره لم تقبله الطبيعة فاستضر به فقصرها على نوع واحد دائما ولو أنه أفضل الأغذية خطر مضر بل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل ما جرت عادة أهل بلده بأكله من اللحم والفاكهة والخبز والتمر وغيره . وإذا كان في أحد الطعامين كيفية تحتاج إلى كسر وتعديل كسرها وعدلها بضدها إن أمكن كتعديله حرارة الرطب بالبطيخ وإن لم يجد ذلك تناوله على حاجة وداعية من النفس من غير إسراف فلا تتضرر به الطبيعة وكان إذا عافت نفسه الطعام لم يأكله ولم يحملها إياه على كره وهذا أصل عظيم في حفظ الصحة فمتى أكل الإنسان ما تعافه نفسه ولا تشتهيه كان تضرره به أكثر من انتفاعه

قال أنس : " ما عاب رسول الله طعاماً قط إن اشتهاه أكله وإلا تركه ولم يأكل منه"

ولما قُدم إليه الضب المشوي لم يأكل منه فقيل له أهو حرام قال : (لا ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه ) فراعى عادته وشهوته فلما لم يكن يعتاد أكله بأرضه وكانت نفسه لا تشتهيه أمسك عنه ولم يمنع من أكله من يشتهيه ومن عادته أكله وكان يحب اللحم وأحبه إليه الذراع ومقدم الشاه ولذلك سم فيه وفي الصحيحين : ( أتى رسول الله  بلحم فرفع إليه  الذراع  وكانت تعجبه )

        وذكر أبو عبيد وغيره عن ضباعة بنت الزبير أنها ذبحت في بيتها شاة فأرسل إليها رسول الله  أن أطعمينا من شاتكم فقالت للرسول ما بقى عندنا إلا الرقبة وإني لأستحي أن أرسل بها إلى رسول الله فرجع الرسول فأخبره فقال ارجع إليها فقل لها : ( أرسلي بها فإنها هادية الشاة وأقرب إلى الخير وأبعهدها من الأذى ) 

 ولا ريب أن أخف لحم الشاة لحم الرقبة ولحم الذراع والعضد وهو أخف على المعدة وأسرع انهضاماً وفي هذه مراعاة الأغذية التي تجمع ثلاثة أوصاف :  الأول : كثرة نفعها وتأثيرها في القوى .

 الثاني :    خفتها على المعدة وعدم ثقلها.

الثالث : سرعة هضمها وهذا أفضل ما يكون من الغذاء والتغذي باليسير من هذا أنفع من الكثير من غيره

هذا وإلى هنا نقف ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه  والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    

 

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالثانية عشرة في موضوع (الحياة الآمنة السعيدة) وسيكون عنوان الحلقة  هو :

(المطلب الثالث :حصول العافية في الأبدان) بالتحصن بالحمية ومعالجة الأمراض بالأدوية.    

روى مسلم في صحيحه من حديث أبي الزبير عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لكل داء دواء فإذا أُ صيب دواءُ الداءَ برأَ بإذن الله عز وجل )

وأحوال البدن :للبدن ثلاثة أحوال :

الحال الأول: حال طبيعية ؛ بها يكون البدن صحيحاً

الحال الثاني : حال خارجة عن الطبيعية ؛ يكون بها مريضاً

الحال الثالث : حال متوسطة بين الأمرين

  فإن الضد لا ينتقل إلى ضده إلا بمتوسط وسبب خروج البدن عن طبيعته إما من داخله لأنه مركب من الحار والبارد والرطب واليابس وإما من خارجه فلأن ما يلقاه قد يكون موافقاً وقد يكون غير موافق والضرر الذي يلحق الإنسان قد يكون من سوء المزاج بخروجه عن الاعتدال وقد يكون من فساد العضو وقد يكون من ضعف في القوى أو الأرواح الحاملة لها ،فالطبيب هو الذي يفرق ما يضر بالإنسان جمعه  أو نقصه فيجلب الصحة المفقودة أو يحفظها بالشكل والشبه ويدفع العله الموجودة بالضد والنقيض ويخرجها أو يدفعها بما يمنع من حصولها بالحمية

وهذا كله في هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم شافياً كافياً فكان من هديه صلى الله عليه وسلم فعل التداوي في نفسه والأمر به لمن أصابه مرض من أهله أو أصحابه

 وقد اتفق الأطباء على أنه متى أمكن التداوي بالغذاء لا يعدل إلى الدواء ومتى أمكن بالبسيط لا يعدل إلى المركب قالوا : وكل داء قدر على دفعه بالأغذيه والحمية لم يحاول دفعه بالأدوية قالوا: ولا ينبغي للطبيب أن يولع بسقي الأدوية فإن الدواء إذا لم يجد في البدن داء يحلله أو وجد داء لا يوافقه أو وجد ما يوافقه فزادت كميته عليه أو كيفيته تشبث بالصحة وعبث بها وأرباب التجارب من الأطباء طبهم بالمفردات غالباً وهم أحد فرق الطب الثلاثة والتحقيق في ذلك أن الأدوية من جنس الأغذية والأمة والطائفة التي غالب أغذيتها المفردات أمراضها قليلة جدا وطبها بالمفردات وأهل المدن الذين غلبت عليهم الأغذية المركبة يحتاجون إلى الأدوية المركبة أنفع لها وأمراض أهل البوادي والصحاري مفردة فيكفي في مداواتها الأدوية المفردة فهذا برهان بحسب الصناعة الطبية .

 وصحة وعافية الأبدان : مطلب شرعي ودنيوي فعافية الدين في عافية البدن؛ فمن صح بدنه صحت عبادته، وأدى طاعة ربه على الوجه الأكمل الذي أمر الله به في كتابه وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الحديث الصحيح: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير )

فعلى العبد الذي متعه الله بالعافية أن يصرفها في طاعة الله تعالى ويتقوى بها على طاعة الله وعدم صرفها واستهلاكها في المعاصي والذنوب؛  فمن حفظ الله عليه جوارحه ومتعه بسمعه وبصره، وقوته فقد أنعم عليه بنعمة عظيمة، يدل على ذلك قوله – صلى الله عليه وسلم : ( أحفظ الله يحفظك.. ) الحديث

فالمعاصي تسبب العطب، وتسرع إلى اعضائه بالتلف وفي الحديث" صنائع المعروف تقي مصارع السوء"  

ومن هنا جاءت شريعة ربنا تأمرنا بالاقتصاد في المطعم والمشرب والجماع، والحمية عن المؤذي، وحفظ الصحة وإتخاذ الأسباب التي تؤدي إلى دوام الصحة والعافية المادية والمعنوية؛ العضوية والنفسية ونلخص هذه الأسباب فيما يلي:

  • إخلاص العبادة لله سبحانه
  • الصبر على البلاء
  • التعرف على الله في الرخاء
  • الإحسان إلى الخلق
  • الحمية مطلب شرعي
  • ينبغي للمريض الإلتجاء إلى الله ثم الأخذ بالأسباب في الشفاء بالتداوي.
  • الرقية تطلب للمريض
  • وضع نظام غذائي بإعتبار الكم والكيف يحقق الصحة والعافية.
  • ممارسة الرياضة بشكل منتظم

هذا وإلى هنا نقف ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه  والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

 

 

  

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالثالثة عشرة في موضوع (الحياة الآمنة السعيدة) وسيكون عنوان الحلقة  هو :

المبحث الثالث :(عنده قوت يومه) 

وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول :

 حال نبينا صلى الله عليه وسلم في قوته:

    أجمل الترمذي حال نبينا – صلى الله عليه وسلم – في قوته كما يلي:" كان يضع التمر على خبز الشعير فيأكله وهو يقول:( هذه إدام هذه)

 وقالت عائشة رضي الله عنها:" ما شبع رسول الله من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض، وكان يقول: ( نعم الإدام الخل )

المطلب الثاني :

التوسط في القوت هو مقصد الشارع

قال ابن القيم: أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن للمتخوض فيما شاءت نفسه من مال الله بغير حق النار يوم القيامة وأقسم أنه لا يخاف الفقر على أصحابه وإنما يخاف عليهم الدنيا وتنافسهم فيها وإلهائها لهم .

 وأخبر أنه ليس لابن آدم من ماله إلا ما أكل فأفنى أو لبس فأبلى أو تصدق فأمضى 

وأخبر أن حسب ابن آدم من الدنيا لقيمات يقمن صلبه فإن لم يقتصر عليها فثلث بطنه لطعامه وثلثه لشرابه وثلثه لنفسه.

 وفي هذا الحديث الإرشاد إلى صحة القلب والبدن والدين والدنيا .

وأخبر أن غنى العبد فيها غنى نفسه لا كثرة عرضه. وسأل الله أن يجعل رزقه فيها قوتا.

 وغبط من كان رزقه فيها كفافاً بعد أن هدى للإسلام.

 وأخبر أن من كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه وشتت عليه شمله ولم يأته منها إلا ما كتب له .

 وعرض عليه ربه أن يجعل لـه بطحاء مكة ذهبا فقال : ( لا يارب ولكن أشبع يوماً وأجوع يوماً فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك وإذا شبعت حمدتك وشكرتك )

وأعلمهم أن من أصبح منهم آمناً في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا

مقدار قوت اليوم للأسرة:

قال ابن القيم : ...كفاية المقتصد في يومه ثلاثة دراهم لـه ولمن يعوله غالباً

الطعام من مفسدات القلوب:

 قال ابن القيم :" ومن مفسدات القلوب نوعان :

  احدهما: ما يفسده لعينه وذاته

   كالمحرمات وهي نوعان محرمات لحق الله كالميتة والدم ولحم الخنزير وذي الناب من السباع والمخلب من الطير                        ومحرمات لحق العباد كالمسروق والمغصوب والمنهوب وما أخذ بغير رضى صاحبه إما قهراً وإما حياء وتذمماً .

   الثاني:  مايفسده بقدره  وتعدى حده

 كالإسراف في الحلال والشبع المفرط فإنه يثقله عن الطاعات ويشغله بمزاولة مؤنة البطنة ومحاولتها حتى يظفر بها فإذا ظفر بها شغله بمزاولة تصريفها ووقاية ضررها والتأذي بثقلها وقوى عليه مواد الشهوة وطرق مجاري الشيطان ووسعها فإنه يجرى من ابن آدم مجرى الدم فالصوم يضيق مجاريه ويسد عليه طرقها والشبع يطرقها. ويوسعها ومن أكل كثيراً شرب كثيرا فنام كثيرا فخسر كثيرا

وفي الحديث المشهور( ما ملآ آدمي وعاء شرا من بطنه بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا بد  فاعلاً فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه )

هذا وإلى هنا نقف ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه  والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالرابعة عشرة في موضوع (الحياة الآمنة السعيدة) وسيكون عنوان الحلقةهو: المطلب الثالث :      

 توجيه الشارع في حصول القوت ( الرزق )

 إن نعم الله عظيمة وجسيمة وكبيرة ، لا يستطيع أن  يعدها عاد، ولا أن يحصيها محصٍ ، ولذلك يقول الكريم : ( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا ) خيره نازل، وفضله فائض، ونعمه تترى، يداه سحتان بالليل والنهار، يعطي المؤمن كما يعطي الكافر ، ويعطي المتقي كما يعطي الفاسق، أعطى الأولين والآخرين، ولا يزال يعطي ، واقتضت حكمته أن يطعي إلى ما لا نهاية، فله الحمد وله الشكر، وله الثناء الحسن، حتى يرضى وبعد الرضى، أهل المجد والثناء.

اقتضت حكمة الله سبحانه أن تكون الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر؛ لأنها هينة عليه سبحانه، قال رسول الله [r] : ( الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر )

 وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله [r] . مر بالسوق، داخلاً من بعض العالية، والناس كنفته، فمر بجدي أسك ميت، فتناوله فأخذ بأذنه، ثم قال:( أيكم يحب أن هذا له بدرهم؟) فقالوا: ما نحب أنه لنا بشئ، وما نصنع به ؟ قال: ( أتحبون أنه لكم؟. ) قالوا: والله لو كان حياً كان عيباً فيه ، لأنه أسك ، فكيف وهو ميت ؟ فقال: ( فو الله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم )

كما اقتضت حكمته سبحانه أن الغنى ليس عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس، قال رسول الله [r] : ( ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس )

  واقتضت حكمته أيضاً أن تكون فتنة أمة محمد[r] المال؛ قال رسول الله [r] : ( إن لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي المال )

ومن الحكم العظيمة أن ابن آدم يشيب وتشب معه خصلتان: حب المال، وطول الأمل؛      قال رسول الله r : ( يهرم ابن آدم وتشب منه اثنتان: الحرص على المال، والحرص على العمر)

إن المال قد زرع حبه في قلوب بني آدم اختباراً وامتحاناً، وأصبح كثير منهم لا هم لهم في الحياة إلا جمعه، بل أغلبهم يصيبه من حله ومن حرمته؛ ولذلك قال رسول الله[r] لحكيم بن حزام عندما سأله : ( يا حكيم إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بطيب نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى )

  وقال رسول الله [r] : ( ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه )

إن المال الحقيقي هو ما يقدمه الإنسان لنفسه؛ ولذلك قال رسول الله [r] : ( يقول ابن آدم : مالي، مالي، وهل لك من مالك إلا ما تصدقت فأمضيت أو أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت )

وقال رسول الله [r] في حديث طويل : (... إن المكثرين هم المقلون يوم القيامة، إلا من أعطاه الله خيراً، فنفح فيه يمينه وشماله، وبين يديه ، ووراءه، وعمل فيه خيراً )

إن للغني فتنة وللفقر فتنة؛ ولذلك قال رسول الله [r] : ( اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار، وعذاب النار، وعذاب القبر، وفتنة القبر، ومن شر فتنة الغنى، ومن شر فتنة الفقر ...)

ومن أجل ذلك قال رسول الله [r] :  (اللهم أجعل رزق آل محمدٍ قوتاً )، وحث الرؤوف الرحيم [r] على التقلل من الدنيا، ونهى عن أن يُعبد الإنسان نفسه لها، حيث قال : ( تعس عبد الدينار، وعبد الدرهم، والقطيفة، والخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط لم يرض) ، بل كان واقع رسولنا [r] يتمثل كل ما دعا إليه أمته ووجهها إليه، وحثها عليه.         هذا وإلى هنا نقف ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه  والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالخامسة عشرة في موضوع (الحياة الآمنة السعيدة) وسيكون عنوان الحلقةهو:

أسباب حصول القوت (الرزق)  منها :

 1- إقامة الصلاة وتقوى الله :

يقول تعالى :( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى)

وقال تعالى  : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجا ً ، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ )

وللنص دلالة تتمثل في أن الله قد تكفل بالأرزاق كافة وعلى وجه الخصوص لمن أقام الصلاة، وأمر أهله بها وداوم على ذلك، واتقى الله في جميع أحواله.

2- الاستغفار :

   قال عز وجل : ( وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ)                وأخرج ابن حجر في فتح الباري، ما ذكره الحسن البصري قال : أن رجلاً شكى إليه الجدب فقال :استغفر الله، وشكي آخر الفقر، فقال : استغفر الله، وشكى إليه آخر جفاف بستانه، فقال: استغفر الله، وشكى إليه آخر عدم الولد، فقال : استغفر الله، ثم تلا عليهم هذه الآية ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً ، يُرْسِلِ السَّمَاءَ

عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً)

3- الإنفاق والسخاء :

قال تعالى : ( وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)

وأخرج البخاري من حديث أبي هريرة أن رسول الله [r] قال :( قال الله ( أنفق يا ابن آدم أنفق عليك

وأخرج البخاري ومسلم بسنديهما من حديث أبي هريرة أن النبي [r] قال :( ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً)

4- التوكل على الله :

  قال تعالى :( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ،الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) نعم التوكل على الله من أسباب حصول الأرزاق المادية والمعنوية.

5- صلة الأرحام :

أخرج البخاري ومسلم بسنديهما من حديث أنس بن مالك قال : سمعت رسول الله [r] يقول : ( من سره أن يبسط لـه في رزقه، وينسأ لـه في أثره فليصل رحمه )

6- فعل الطاعات :

   قال تعالى : ( رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ، لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)

7- أداء الحج والعمرة:

قال رسول الله [r] : ( تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب، كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة  ) صحيح

هذا وإلى هنا نقف ونكمل في الحلقة القادمة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه  والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

 

 

 

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالسادسة عشرة في موضوع (الحياة الآمنة السعيدة) وستكون هذه الحلقة إستكمال للحلقة الماضية والتي هي بعنوان أسباب حصول الرزق

 8- التزوج بالنساء الصالحات :    

 قال تعالى : ( وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) وأخرج ابن أبي حاتم بسنده من حديث أبي بكر الصديق قال : "أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح، وينجز لكم ما وعدكم من الغني.." 

9- حمد الله وشكره :  

قال تعالى : ( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)

10- الصلاة والسلام على رسول الله [r]   

  أخرج الترمذي بسنده من حديث عبد الله بن مسعود قال : كنت أصلي والنبي [r] وأبو بكر وعمر معه، فلما جلست بدأت بالثناء على الله، ثم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم دعوت لنفسي فقال النبي صلى الله عليه وسلم "سل تعطه" ثم قال : حديث حسن صحيح 

وذكر ابن القيم في(جلاء الأفهام) أربعين فائدة وثمرة تحصل للمصلى عليهr منها: أنها سبب لنفي الفقر      

11- الدعـــــاء :

قال تعالى : ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرو يه عن ربه عز وجل : ( يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فسلوني الهدى أهدكم، وكلكم فقير إلا من أغنيت، فسلوني أرزقكم...) الحديث

12- العمل :

قال تعالى : أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما أكل أحد طعاماً قط خير من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده ) 

والعمل هنا يشمل كل الأعمال والمهن بشتى أنواعها وأشكالها على مر العصور.

ثم إن كل ما حصله الإنسان من قوت ورزق سواء كان بفعل عمله أو إجارته نفسه، أو حصل عليه من الغنائم والفيء ، أو وصية ، أو أرث،    أو صداق، أو زكاة، أو ما جاء في نفقة ، أو تجارة أو زراعة أو صناعة أو صيد أو لقطة، أو ما حصله من أرزاق من باطن الأرض أو غير ذلك بضوابطه الشرعية وشروطه هو من أسباب حصول القوت

أما الأسباب التي تمنع حصول الرزق الحلال فهي كثيرة منها :

الكفر والإعراض، الطغيان ،الظلم وأكل الربا، وأكل أموال الناس بالباطل،

  • تبديل النعمة كفراً
  • ظلم النفس.
  • فعل المعاصي.
  • نقص الميزان.
  • كنز الذهب والفضة وعدم انفاقها.
  • ما لم يذكر اسم الله عليه.
  • السرقة.
  • مهر البغي.
  • الاحتكار.
  • الغلول                                    14ـ الخمر والميسر وغير ذلك مما حرم الله.

وبهذا نخلص إلى نهاية هذا البحث المتواضع والذي بذلت فيه غاية جهدي في بيان السعادة الحقيقية في هذه الدار – دار الدنيا – وفي الدار الآخرة بجوانبها الثلاثة –الأمن – والعافية – والقوت .أسأل الله أن يجعله علماً نافعاً وعملاً صالحاً. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.