الرقــــيب

الرقيب (المختصر)

بسم الله الرحمن الرحيم

    إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ،وأشهد أن لا اله الا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله  { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون }  آل عمران  / 120 { ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ، وخلق منها زوجها ، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً ، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً }  النساء  / 1  { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً ، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً } الأحزاب  / 70 ، 71  وبعد :

فهذه الحلقة الأولى في موضوع (الرقيب)وهي بعنوان : المقدمة

فالمراقبة هي دوام علم العبد وتيقنه باطِّلاع الحق سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه، وهي ثمرة علم العبد بأن الله رقيب عليه، ناظرٌ إليه، سامع لقوله، وهو سبحانه مطلع على عمله كل وقت وكل طرفة عين. قال الله تعالى: { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ } [الحديد:4]، وقال تعالى : { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ } [البقرة:235]، وقال : { وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً } [الأحزاب:52] . وفي حديث جبريل عليه السلام أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإحسان فقال:{أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك }.

 [الأنترنت – موقع طريق الإسلام]

  وقال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في منزلة المراقبة: وهي ثمرة علمه (أي العبد) بأن

الله سبحانه رقيب عليه، ناظر إليه، سامع لقوله، وهو مطلع على عمله في كل وقت وفي كل لحظة، وكل نفس وكل طرفة عين. وقال: وأهل العلم مجمعون على أن مراقبة الله تعالى في الخواطر سبب لحفظها في حركات الظواهر. فمن راقب الله في سره حفظه الله في حركاته في سره وعلانيته.وهذه المراقبة لاتكون إلا عند ذوى المروءات وأصحاب الحياء ممن عظم خوفهم من الله وحققوا الخشية والتقوى لله.[ الأنترنت – موقع التوحيد  -  منزلة المراقبة - كاتب المقال هاني الشيخ ]

وقال الأشقر : (وإذا تحقق معنى الرقيب في قلب العبد وملك عليه زمام نفسه, أورثه ذلك التقوى وراقب نفسه, أن لا يراها حيث نهاها, ولا يفتقدها حيث أمره....) ومتى راقب العبد ربه أحسن قوله وعمله, فبلغ درجة الإحسان للملك الديان.[ الأنترنت – موقع مدونة رحيق العلم الشرعي - نوير بنت سالم القحطاني ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثانية في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :*معنى الرقيب :

   الرقيب في اللغة: فعيل بمعنى فاعل وهو الموصوف بالمراقبة، والرقابة تأتي بمعنى الحفظ والحراسة والانتظار مع الحذر والترقب..

والترقب: الانتظار، ومنه قوله تعالى{وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ(93)}[هود].

عن ابن عمر: أن أبا بكر قال: "ارْقُبُوا مُحَمَّدًا فِي أَهْلِ بَيْتِهِ" (رواه البخاري)، أي: احفظوه فيهم..

وقال هارون: {إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ

قَوْلِي(49)} [طه] فالرقيب الموكل بحفظ الشيء المترصد له المتحرز عن الغفلة

فيه، ورقيب القوم حارسهم.

وقال الزجاج: "الرقيــب: هو الحافظ الذي لا يغيب عمَّا يحفظه".

 [ الأنترنت – موقع مدونة ينابيع الخير - المعايشة الإيمانية لاسم الله الرقيب ]

 قال تعالى ] إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [ (النساء:1)، ] وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبا [ (الأحزاب:52)

قال ابن عباس: الرقيب هو الحفيظ [ وهذا تفسير باللازم، لأنّ الذي يراقب

الشيء يقتضي أن يحفظه ]

وقال مجاهد وابن زيد : أي عليما ، وقيل الرقيب هو المنتظر ، والصحيح أنّ الرقيب هو العليم الشهيد الحفيظ

وقال ابن منظور في لسان العرب : الرقيب هو الحفيظ والحافظ

وقال ابن الأثير في جامع الأصول ج(4/179) : هو الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء.

وقال السعدي في تفسيره : الرقيب هو المطلع على ما أكنته الصدور، والقائم

على كل نفس بما كسبت، الذي حفظ المخلوقات وأجراها على أحسن نظام وأكمل تدبير.

قال القرطبي في كتاب الأسنى: هذه الصفة راجعة إلى العلم والسمع والبصر، فإنّ الله رقيب على الأشياء بعلمه المقدس عن النسيان، ورقيب على المبصرات فلا تأخذ بصره سنة ولا نوم، ورقيب للمسموعات بسمعه المدرك لكل حركة وكلام، تحت رقبته الكليات والجزئيات وجميع الخفيات في الأراضين والسماوات، ولا خفي عنده بل جميع الموجودات كلها على نمط واحد فهي تحت رقبته التي هي صفته. >

وقال ابن القيم في نونيته :

وهو الرقيب على الخواطر واللواحظ****  كيف بالأفعال بالأركان

وصفة الرقابة تقتضي الشهادة، والشهادة هي الحضور، لذلك فسّر السلف الرقيب بالشهيد

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الثالثة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :*معنى الرقيب :

وقال السعدي في شرح النونية : < ومن أسماءه الحسنى الرقيب وهو واسمه

الشهيد مترادفان، كلاهما يدل على حضوره مع خلقه، يسمع ما يتناجون به، ويرى ما يخوضون فيه، ويعلم حركات خواطرهم وهواجس ضمائرهم وتقلب لواحظهم لا يغيب عنه من أمرهم شيء يقولونه أويفعلونه كما قال تعالى { وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [ (يونس:61).

   ومما يدل على أنّ الشهيد والرقيب مترادفان قول عيسى عليه السّلام ] مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [ (المائدة:117)

- أما اسم الشهيد فالأدلة على ثبوته هي قوله تعالى ] وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ [ (آل عمران:98)، وقوله ] قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ [ (الأنعام:19) ] إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [ (الحج:17)

ومما يدل على أنّ هذه الصفات تقتضي الحفظ قوله تعالى ] يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ

جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [

 (المجادلة:6)  [الأنترنت – موقع شرح أسماء الله الحسنى و صفاته العلى الرقيب، الشهيد]

 وقال عبد الرزاق البدر  : ومعنى الشهيد أي: المطلع على كلِّ شيءٍ الذي لا يخفى عليه شيءٌ، سمع جميع الأصوات خفيها وجليها، وأبصر جميع الموجودات دقيقها وجليلها، صغيرها وكبيرها، وأحاط علمه بكل شيء، الذي شهد لعباده وعلى عباده بما عملوه.

ومعنى الرقيب أي: المطَّلع على ما أكنَّتهُ الصدور، القائم على كل نفس بما كسبت، الذي حفظ المخلوقات وأجراها على أحسن نظام وأكمل تدبير، رقيب للمبصرات ببصره الذي لا يغيب عنه شيء، ورقيب للمسموعات بسمعه الذي وسع كل شيء، ورقيب على جميع المخلوقات بعلمه المحيط بكلّ شيء. [الأنترنت – موقع مكتبة الفكر- فقه الأسماء الحسنى عبد الرزاق البدر ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الرابعة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*معنى الرقيب والشهيد :

ومعنى الشهيد :  أي المطلع على كل شيء ... الذي لا يخفى عليه شيء و أحاط علمه بكل شيء الذي شهد لــعباده و على عباده بما عملوه قال تعالى : قُلْ كَفَىٰ بِاللَّـهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّـهِ أُولَـٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴿العنكبوت: ٥٢﴾

أما الرقيب : فهو المطلع على ما أكنته الصدور القائم على كل نفس بما كسبت رقيب للمبصرات و رقيب للمسموعات و رقيب على جميع خلقه بعلمه المحيط بكل شيء. قال تعالى :وَكَانَ اللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا ﴿الأحزاب: ٥٢﴾

 [ الأنترنت – موقع ف ربك: (الرقيب - الشهيد). سعيد شابو ]

*تعريف المراقبة وأقوال السلف في معناها: الْمُرَاقَبَةُ تَعْرِيفُهَا: دَوَامُ عِلْمِ الْعَبْدِ، وَتَيَقُّنِهِ بِاطِّلَاعِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ. فَاسْتَدَامَتُهُ لِهَذَا الْعِلْمِ وَالْيَقِينِ هِيَ الْمُرَاقَبَةُ وَهِيَ ثَمَرَةُ عِلْمِهِ بِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ رَقِيبٌ عَلَيْهِ، نَاظِرٌ إِلَيْهِ، سَامِعٌ لِقَوْلِهِ. وَهُوَ مُطَّلِعٌ عَلَى عَمَلِهِ كُلَّ وَقْتٍ وَكُلَّ لَحْظَةٍ، وَكُلَّ نَفَسٍ وَكُلَّ طَرْفَةِ عَيْنٍ.

وَقِيلَ: مَنْ رَاقَبَ اللَّهَ فِي خَوَاطِرِهِ، عَصَمَهُ فِي حَرَكَاتِ جَوَارِحِهِ.

وَقِيلَ لِبَعْضِهِمْ: مَتَى يَهُشُّ الرَّاعِي غَنَمَهُ بِعَصَاهُ عَنْ مَرَاتِعَ الْهَلَكَةِ؟ فَقَالَ: إِذَا عَلِمَ أَنَّ عَلَيْهِ رَقِيبًا.

وَقَالَ الْجُنَيْدُ: مَنْ تَحَقَّقَ فِي الْمُرَاقَبَةِ خَافَ عَلَى فَوَاتِ لَحْظَةٍ مِنْ رَبِّهِ إلَى غَيْرهَ.

وَقَالَ ذُو النُّونِ: عَلَامَةُ الْمُرَاقَبَةِ إِيثَارُ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ، وَتَعْظِيمُ مَا عَظَّمَ اللَّهُ، وَتَصْغِيرُ مَا صَغَّرَ اللَّهُ.

وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ الْخَوَّاصُ: الْمُرَاقَبَةُ خُلُوصُ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

فمن علم أنَّ الله يراه حيث كان وأنَّ الله مطلع على باطنه وظاهره وسره وعلانيته واستحضر ذلك في خلوته أوجب له ذلك العلم واليقين ترك المعاصي والذنوب

وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ لِ أَبِي عُثْمَانَ النَّيْسَابُورِيِّ: إِذَا جَلَسْتَ لِلنَّاسِ فَكُنْ وَاعِظًا

لِقَلْبِكَ وَنَفْسِكَ. وَلَا يَغُرَّنَّكَ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَيْكَ. فَإِنَّهُمْ يُرَاقِبُونَ ظَاهِرَكَ. وَاللَّهُ يُرَاقِبُ بَاطِنَكَ.

وقال أحدهم: والله! إني لأستحي أن ينظر الله في قلبي وفيه أحد سواه.

وقالوا: أعظم العبادات: مراقبة الله في سائر الأوقات.

قيل للجنيد : بما استعين على غض البصر قال بعلمك أن نظر الله إليك أسبق من نظرك إلى من تنظر إليها.

وكان بعض السلف يقول لأصحابه: زهّدنا الله وإياكم في الحرام زهد من قدر

عليه في الخلوة فعلم أنَّ الله يراه فتركه من خشيته جلَّ في علاه.

قال الشافعي:أعزّ الأشياء ثلاثة : الجود من قلة،والورع في خلوة،وكلمة الحق عند من يُرجى أو يُخاف وقالوا: أعظم العبادات مراقبة الله في سائر الأوقات.

فإذا أردت أن تعرف مدى إيمانك فراقب نفسك في الخلوات إنَّ الإيمان لا يظهر في صلاة ركعتين، أو صيام نهار بل يظهر في مجاهدة النفس والهوى الأنترنت – موقع التوحيد  -  منزلة المراقبة - كاتب المقال  هاني الشيخ

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

فهذه الحلقة الخامسة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

* المراقبة وعلاقتها بأسماء الله الحسنى:

وَالْمُرَاقَبَةُ هِيَ التَّعَبُّدُ بِاسْمِهِ الرَّقِيبِ، الْحَفِيظِ، الْعَلِيمِ، السَّمِيعِ، الْبَصِيرِ، فَمَنْ عَقَلَ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ، وَتَعَبَّدَ بِمُقْتَضَاهَا: حَصَلَتْ لَهُ الْمُرَاقَبَةُ.

اسم الله تعالى الرقيب: وهو الحافظ الذي لا يغيب عما يحفظه قال تعالى {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18]

وفي نونية ابن القيم: هو الرقيب على الخواطر واللواحظ كيف بالأفعال والأركان

 قال السعدي: الرقيب: المطلع على ما أكنته الصدور القائم على كل نفس بما كسبت، الذي حفظ المخلوقات وأجراها على أحسن نظام

وأكمل تدبير، فهو سبحانه رقيب على الأشياء بعلمه الذي وسع كل شيء {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} [غافر:7]. وهو رقيب على الأشياء ببصره الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، وهو رقيب على الأشياء بسمعه المدرك لكل حركة وكلام.

اسم الله تعالى الحفيظ:هو الذي حفظ خلقه وأحاط علمه بما أوجده، وحفظ أولياءه من وقوعهم في الذنوب والهلكات، ولطف بهم في الحركات والسكنات، وأحصى على العباد أعمالهم وجزاؤها.هل تعرف معنى: (احفظ الله يحفظك)

 معناها: احفظ حدود الله وحقوقه وأوامره ونواهيه، وحفظ ذلك هو الوقوف عند أوامره بالامتثال، وعند نواهيه بالاجتناب، وعند حدوده فلا نتجاوزها. المعنى: فعل الواجبات جميعاً وترك المحرمات جميعاً.

   وقد مدح الله عباده الذين يحفظون حدوده، فقال في معرض بيانه لصفات

المؤمنين الذين اشترى منهم أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة:112]. نعم! بشرهم إذا حفظوا أوامره وحدوده، حفظهم في دينهم ودنياهم وفي أولاهم وأخراهم.

   ومن أسمائه سبحانه (السميع ) : قال جل في علاه: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة:127]، أي تسمع وتجيب. وقال عن نفسه:{إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}[المجادلة:1]وقال عن نفسه:{إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ} [سبأ:50].

   فهو السميع لأقوال عباده وحركات مخلوقاته، يسمع السر وأخفى، {سَوَاء مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ * لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ    وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ * هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ * وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} [الرعد10- 13].

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

* المراقبة وعلاقتها بأسماء الله الحسنى:

ومن أسمائه جل في علاه:  (البصير ) ، أي: له بصر يرى به سبحانه.

ويعني كذلك أنه ذو البصيرة بالأشياء الخبير بها، يبصر كل شيء كبر أو صغر، يبصر ما تحت الأرض وما فوق السماء وما في أعماق البحار: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام:103].

   لا تراه في الدنيا العيون ولا تخالطه الظنون ولا تغيره الحوادث والسنون، لا تواري عنه سماء سماءً ولا أرض أرضاً، ولا جبل ما في وعره ولا بحر ما في قعره، {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:19]. وهذه القصة المشهورة التي تبين لك كيف كان السلف يراقبون الله تعالى في السر العلن:

  عن زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، قَالَ: مَرَّ ابْنُ عُمَرَ بِرَاعِي غَنَمٍ فَقَالَ: يَا رَاعِيَ الْغَنَمِ هَلْ مِنْ جَزْرَةٍ قَالَ الرَّاعِي: لَيْسَ هَا هُنَا رَبُّهَا، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: تَقُولُ: «أَكَلَهَا الذِّئْبُ» فَرَفَعُ الرَّاعِي رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ قَالَ: فَأَيْنَ اللهُ؟ فَاشْتَرَى ابْنُ عُمَرَ الرَّاعِي وَاشْتَرَى الْغَنَمَ فَأَعْتَقَهُ، وَأَعْطَاهُ الْغَنَمَ. "

اسم الله تعالى العليم: ومن أسمائه سبحانه العليم: أي: الذي يعلم ما كان وما سيكون وما هو كائن لو كان كيف سيكون، عليم بكل ما

أخفته صدور خلقه من كفر وإيمان وحق وباطل وخير وشر، العالم بالسرائر والخفيات، هو عليم بذات الصدور.[المعجم الكبير للطبراني (12/ 263) وصححه الألباني في الصحيحة (7/469).]

قال السعدي: وهو الذي أحاط علمه بالظواهر والبواطن والإسرار والإعلان،

 وبالواجبات والمستحيلات والممكنات، وبالعالم العلوي والسفلي، وبالماضي

والحاضر والمستقبل، فلا يخفى عليه شيء من الأشياء.

   تأمل وتدبر في قوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ َمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة:7].

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*كلام نفيس لحاتم الأصم في معنى المراقبة.

قال حاتم : " تعهد نفسك في ثلاثة مواضع: إذا عملت فاذكر نظر الله إليك، وإذا تكلمت فاذكر سمع الله إليك، وإذا سكت فاذكر علم الله فيك "  وهذا كلام نفيس يحتاج إلى وقفة وبيان :

*إذا عملت عملاً فاذكر نظر الله إليك : إن استحضار هذا المعنى يوقف العبد

عن كثير من المعاصي فإن كثيراً من المعاصي التي يقع فيها العبد بسبب أنه لايستحي من الله.

واستمع إلى هذا الحديث الذي يهز القلب عَنْ ثَوْبَانَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا» ، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ، قَالَ: «أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا».

  *وإذا تكلمت بكلمة فاذكر سمع الله منك : فلا تقل إلا خيراً ولا تنطق إلا بحق فإن أكثر مايدخل الناس النار هذا اللسان ألم تسمع إلى وصية النبي لمعاذ وهو يقول له أَلَا أُخْبِرُكَ بِمِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟» قُلْتُ: بَلَى، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ، فَقَالَ: «تَكُفُّ عَلَيْكَ هَذَا» قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ قَالَ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يُكِبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ فِي النَّارِ، إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟

 *وإذا سكت فاذكر علم الله بك  : وفي هذا يقول الله تعالى {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ }

    فإذا حقق المسلم منزلة المراقبة واستحضر قرب الله منه واستحيا منه وترك ما يسخطه وما لا يقرب إليه واهتم بما يقرب منه حتى تقر عينه بعبادته ويأنس بمناجاة ربه ويستوحش من غيره كما حصل ذلك لسلف هذه الأمة، بخلاف من غفل عن مراقبة الله -جل وعلا- فإنه لا يتلذذ بالعبادة، بل تثقل عليه ويأنس بغيره وهذا أمر مشاهد ومجرب.

 [ الأنترنت – موقع التوحيد  -  منزلة المراقبة - كاتب المقال : هاني الشيخ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :* المراقبة في الكتاب والسنة :

أ- في القرآن الكريم  :

 1 . قال الله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ} سورة آل عمران : 5.

2 . وقال سبحانه :{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير} سورة الحديد : 4.

3 . وقال سبحانه : { يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ } سورة غافر : 19 .

4 . وقال سبحانه : { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} سورة البقرة: 235 .

5 . وقال سبحانه : { وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا } سورة الأحزاب : 52.

6 . وقال سبحانه : { أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ٰ} سورة العلق: 14 .

7 .وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور: 48].

8  . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} [البقرة: 235]

ب - في السنة النبوية  :

1 .  عن معاذ رضي الله عنه قال يا رسول الله أوصني { قال اعبد الله كأنك تراه واعدد نفسك في الموتى وإن شئت أنبأتك بما هو

أملك بك من هذا كله قال هذا وأشار بيده إلى لسانه } قال الألباني صحيح لغيره

2 . عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله ، ورجل قلبه معلق بالمساجد ، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله . ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه " متفق علي  رواه البخاري . وإذا نظرت إلى هؤلاء السبعة تجد أن الشيء المشترك والوصف الذي تحقق فيهم جميعاً هو المراقبة لله تبارك وتعالى.

3 . في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار فيجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم الله وهو أعلم بهم؛ كيف تركتم عبادي؟، فيقولون: تركناهم وهم

يصلون وأتيناهم وهم يصلون ) البخاري .

وَفِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَنَّهُ «سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْإِحْسَانِ؟ فَقَالَ لَهُ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ. فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» .     [ الأنترنت – موقع التوحيد  -  منزلة المراقبة - كاتب المقال : هاني الشيخ] الأنترنت - موقع نافذة مصر - مراقبة الله - محمد أبوغدير ]

4 . وجاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله...» [رواه البخاري] وإذا نظرت إلى هؤلاء السبعة تجد أن الشيء المشترك والوصف الذي تحقق فيهم جميعاً هو

المراقبة لله تبارك وتعالى. الرجل الذي ذكر الله خالياً ففاضت عيناه ما الذي

جعله يكون بهذه المثابة؟ هو مراقبة الله، الناس لا يرونه، الرجل الذي دعته

 امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، حصلت له المنعة مع وجود الدافع القوي فهي ذات منصب وذات جمال ونفسه تطلب هذه الشهوات ومع ذلك قال إني أخاف الله، والرجل الذي تصدق بيمينه حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه؛ هذا رجل قد راقب الله عز وجل وإلا فإن المال أيها الأحبة شيء محبب إلى النفوس ولا يسهل عليها أن تجود به إلا بطلب عوض أعظم واليقين عند عامة الناس عند كثير من الناس ضعيف، ولذلك فإن الكثيرين قد يصعب عليهم إخراج المال لله تبارك وتعالى، فكيف بهذا الذي أخفاه إلى هذا الحد حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه. الشاب الذي نشأ في طاعة الله عز وجل مع قوة النوازع وتوقد الغرائز الذي منعه من ذلك هو مراقبة الله تبارك وتعالى، وهكذا أيها الأحبة. وجاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار فيجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم الله وهو أعلم بهم؛ كيف تركتم عبادي؟، فيقولون: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون» [رواه البخاري]، فهل استحضرنا هذا المعنى، هل استحضره من يضيع صلاة الصبح ينام عنها ويضيع صلاة العصر حينما يأتي من عمله ثم بعد ذلك ينام.الأنترنت – موقع طريق الاسلام، د خالد السبت مراقبة الله

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*معنى اسم الرقيب في حق الله تعالى:

  مراقبة الله تعالى لخلقه مراقبة عن استعلاء وفوقية، وقدرة وصمدية، لا تتحرك ذرة إلا بإذنه، ولا تسقط ورقة إلا بعلمه، ملك له الملك كله ، وله الحمد كله، وإليه يُرجع الأمر كله...

  تصريف الأمور كلها بيديه، ومصدرها منه ومردها إليه، سبحانه مستو

على عرشه لا تخفى عليه خافية، عالمٌ بما في نفوس عباده مطلع على السر والعلانية، يسمع ويرى، ويعطي ويمنع، ويثيب ويعاقب، ويكرم ويهين، ويخلق ويرزق، ويميت ويحيي، ويقدر ويقضي، ويدبر أمور مملكته، فمراقبته لخلقه مراقبة حفظٍ دائمة، وهيمنةٍ كاملة، وعلم وإحاطة..

  الرقيب سبحانه هو المطلع على خلقه يعلم كل صغيرة وكبيرة في ملكه، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.. قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ

يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(7)} [المجادلة].

والرقيب الذي ينظر عن قصد، فيتتبع كل شيء، ويحيط بكل شيء، وليس مجرد بصير، لأن البصير قد يرى الشيء ولا يقصد إلى النظر إليه، بخلاف الرقيب، الذي يعلم الظواهر وخفي الأسرار، ويعلم البصيرة الصادقة وخائنة الأبصار.{إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ }[الفجر].

ـ الله تعالي رقيب أي: راصد لأعمال العباد وكسبهم، عليم بالخواطر التي تدب في قلوبهم، يرى كل حركة أو سكنة في أبدانهم، ووكل ملائكته بكتابة أعمالهم وإحصاء حسناتهم وسيئاتهم، قال تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَاماً كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ(12)} [الانفطار].[ الأنترنت – موقع مدونة ينابيع الخير - المعايشة الإيمانية لاسم الله الرقيب ]

 علينا أن نوقن أن الله تعالي مطلع علينا وناظر إلينا ،قال تعالي {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108)}[النساء].

   إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة العاشرة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*معنى اسم الرقيب في حق الله تعالى:                               

  واعلم أن الملائكة تسجل عليك جميع أحوالك  فكيف تكون حجتك يوم القيامة ، وكتابك ينطق إما بُحسن الأعمال أو بسوء الأعمال قال تعالي {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ(19)} [ق]. وقال تعالى{هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29)}[الجاثية]. وحتي لا تتحسر وتندم في وقت لا ينفع فيه الندم ولا الحسرة قال تعالي {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا(49)} [الكهف].

فمهما لبسنا علي الناس واستطعنا خداعهم، وقلبنا الحقائق في الدنيا، ففي يوم القيامة على رؤوس الأشهاد يُفتضَح الأمر ، وتُبلي السرائر، قال تعالي:{قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27) قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29)} [ق]. وكيف حجتهم يوم القيامة، وكتابهم ينطق عليهم بسوء أعمالهم، وقبح ما جنته أيديهم؟قال تعالى{هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29)}[الجاثية].

فاعمل حسابًا لمن لا يُفارقونك ليلاً ولا نهارًا، ويُحْصون عليك الصغير والكبير، والفتيل والقِطْمير، ويَعُدُّون عليك أنفاسك، ويسجِّلون همساتك ولمساتك، وسَكناتك وحرَكاتك. قال تعالي{أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80)}[الزخرف].

واستعد ليوم تنطق فيه جوارجك عما قدمت في الدنيا من أعمال فماذا يكون حالك بين يدي الله تعالي ، قال تعالي {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ(65)}[يس]. وقال تعالي {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(24)}[النور].

وقال تعالي {حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ، وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ،وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ ، وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ } 20-23فصلت فمن تحقق له مقام المراقبة وصار له حالاً دائمًا وغالبًا، كان من المحسنين الذين يبدون الله كأنهم يرونه، وصار من المحسنين{الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ(32)}[النجم]. وصار من المحسنين، الذين يستحقون أن يكون الله معهم بمعيته الخاصة ،كما قال تعالي{ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ

(128)}النحل. [ الأنترنت – موقع مدونة ينابيع الخير - المعايشة الإيمانية لاسم الله الرقيب]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الحادية عشرة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*من روائع القصص في المراقبة ؛  صور مضيئة لأهل المراقبة :ـ:

   جاء في  إحياء علوم الدين أن عبد الله بن دينار قال : خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى مكة فعرّسنا في بعض الطريق، فانحدر عليه راعٍ من الجبل، فقال له: يا راعي، بعني شاة من هذه الغنم، فقال: إني مملوك، فقال: قل لسيّدك: أكلها الذئب، قال: فأين الله ؟ قال: فبكى عمر، ثم غدا إلى المملوك فاشتراه من مولاه، وأعتقه، وقال: أعتقتك في الدنيا هذه الكلمة، وأرجو أن تُعتقك في الآخرة .

قصة عمر بن الخطاب حين كان يتفقد رعيته ليلاً، إذ مر على باب من أبواب بيوت المدينة، فسمع امرأة تهيئ اللبن لتبيعه نهارًا، فخلطته بالماء، فقالت لها ابنتها: إن أمير المؤمنين عمر نهانا أن نخلط الماء باللبن، فقالت لها أمها: ولكن عمر لا يرانا الآن، فقالت الفتاة المؤمنة: ولكن رب عمر يرانا. [الأنترنت - موقع نافذة مصر - مراقبة الله - محمد أبوغدير ]

 (قصة أصحاب الغار)

 عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " بَيْنَمَا ثَلاَثَةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ يَمْشُونَ، إِذْ أَصَابَهُمْ مَطَرٌ، فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ فَانْطَبَقَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّهُ وَاللَّهِ يَا هَؤُلاَءِ، لاَ يُنْجِيكُمْ إِلَّا الصِّدْقُ، فَليَدْعُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ صَدَقَ فِيهِ، فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِي أَجِيرٌ عَمِلَ لِي عَلَى فَرَقٍ مِنْ أَرُزٍّ، فَذَهَبَ وَتَرَكَهُ، وَأَنِّي عَمَدْتُ إِلَى ذَلِكَ الفَرَقِ فَزَرَعْتُهُ، فَصَارَ مِنْ أَمْرِهِ أَنِّي اشْتَرَيْتُ مِنْهُ بَقَرًا، وَأَنَّهُ أَتَانِي يَطْلُبُ أَجْرَهُ، فَقُلْتُ لَهُ: اعْمِدْ إِلَى تِلْكَ البَقَرِ فَسُقْهَا، فَقَالَ لِي: إِنَّمَا لِي عِنْدَكَ فَرَقٌ مِنْ أَرُزٍّ، فَقُلْتُ لَهُ: اعْمِدْ إِلَى تِلْكَ البَقَرِ، فَإِنَّهَا مِنْ ذَلِكَ الفَرَقِ فَسَاقَهَا، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا، فَانْسَاحَتْ عَنْهُمُ الصَّخْرَةُ، فَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، فَكُنْتُ آتِيهِمَا كُلَّ لَيْلَةٍ بِلَبَنِ غَنَمٍ لِي، فَأَبْطَأْتُ عَلَيْهِمَا لَيْلَةً، فَجِئْتُ وَقَدْ رَقَدَا وَأَهْلِي وَعِيَالِي يَتَضَاغَوْنَ مِنَ الجُوعِ، فَكُنْتُ لاَ أَسْقِيهِمْ حَتَّى يَشْرَبَ أَبَوَايَ فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُمَا، وَكَرِهْتُ أَنْ أَدَعَهُمَا، فَيَسْتَكِنَّا لِشَرْبَتِهِمَا، فَلَمْ أَزَلْ أَنْتَظِرُ حَتَّى طَلَعَ الفَجْرُ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا، فَانْسَاحَتْ عَنْهُمُ الصَّخْرَةُ حَتَّى نَظَرُوا إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِي ابْنَةُ عَمٍّ، مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَأَنِّي رَاوَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا فَأَبَتْ، إِلَّا أَنْ آتِيَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَطَلَبْتُهَا حَتَّى قَدَرْتُ، فَأَتَيْتُهَا بِهَا فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهَا، فَأَمْكَنَتْنِي مِنْ نَفْسِهَا، فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا، فَقَالَتْ: اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تَفُضَّ الخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ، فَقُمْتُ وَتَرَكْتُ المِائَةَ دِينَارٍ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا، فَفَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَخَرَجُوا. (الشاهد: «اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فقمت وتركتها» وأنه ما فعل ذلك إلا تيقظه لمراقبة الله تعالى وأنه مُطَّلعٌ على ظاهره وباطنه.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية عشرة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*من روائع القصص في المراقبة ؛  صور مضيئة لأهل المراقبة :ـ:

( تذكر أن باب الله مفتوح ) :

  وقد ورد أن امرأة راودها رجل عن نفسها فأبت فأكرهها، فأرادت أن تعظه بأعظم موعظة وهي مراقبة ربه، لأنه لم يجن هذه الجناية إلا لأنه لم يراقب الله ونسي أن الله يراه، وبعد الإجبار قالت له: أغلق جميع الأبواب، فأغلق جميع الأبواب المحسوسة التي بينه وبين الناس الأبواب البشرية ونسي أن الباب الذي بينه وبين الله مفتوح ومكشوف، فقالت له: هل أغلقت جميع الأبواب؟    قال:  لم يبق باب إلا وأغلقته، فقالت له: بقي باب مفتوح لم تغلقه! قال: أي باب؟! قالت: بقي الباب الذي بيننا وبين الله مفتوح، ألا تخاف الله؟

فارتعد وخاف ووجل فتركها خوفًا من الله الذي يراه حيث ما كان، وتاب هذا الرجل واستقام حاله.

   فينبغي أن نعلم يقينًا أن هذا الباب مفتوح إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ويجب أن تعلم أن ما يسترك من الله ظلام ولا سحاب ولا سقف ولا غطاء، أنت مكشوف لله عز وجل على الدوام، ألا تستحي من الله!

 ( عمْرةُ بنت رواحة ) :

    عنْ حُصيْنٍ عنْ عامرٍ قال: سمعْت النُّعْمان بن بشيرٍ رضي الله عنهما  وهو على المنْبر يقول: أعطاني أبي عطيَّةً، فقالتْ عمْرة بنْت رواحة: لا أرْضى حتىَّ تُشْهد رسولَ الله (ﷺ) فأتى رسولَ الله (ﷺ) فقال: إنِّي أعطيْتُ ابني مِنْ عمْرة بنْت رواحة عطيةً، فأمرَتْني أنْ أُشْهدك يا رسول الله، قال: (أعطيْتَ سائر ولدك مثْلَ هذا؟) قال: لا، قال: (فاتَّقوا الله، واعْدلوا بيْن أولادكم)، قال: فرجع، فردَّ عطيته؛ البخاري ومسلم. وفي رواية لمسلم، قال:(فلا تُشْهِدْني إذًا؛ فإني لا أشْهد على جوْرٍ).

   انظروا ماذا فعَلَت الزوجة؟ فإن بشير بن سعد أراد أن يُكْرمها وهي زوجته الثانية، ويخصَّ ولدَها بعطية، فعرفت أن الله رقيب عليهم، غيرةُ النِّساء لم تحملها على الظُّلم؛ لأنَّها تراقب الله عز وجل - آه يا نساءَنا لو راقبْتُنَّ الله!

( سهل بن عبد الله التستري )

قال سهل بن عبد الله التسترى: كنت وأنا ابن ثلاث سنين أقوم الليل، فأنظر إلى صلاة خالي (محمد بن سوار)، فقال لي يوماً: ألا تذكر الله الذي خلقك؟ فقلت: كيف أذكره؟ قال: قل بقلبك عند تقلبك فى فراشك ثلاث مرات من غير أن تحرك به لسانك: الله معي، الله ناظر إلىّ، الله شاهدي؛ فقلت ذلك ليالي ثم أعلمته فقال: قل في كل ليلة سبع مرات، فقلت ذلك ثم أعلمته، فقال: قل ذلك في كل ليلة إحدى عشر مرة، فقلته فوقع  في قلبي حلاوته؛ فلما كان بعد سنة ، قال لي خالي : احفظ ما علمتك ودم عليه إلى أن تدخل القبر، فإنه ينفعك في الدنيا والآخرة؛ فلم أزل على ذلك سنين، فوجدت لذلك حلاوة في سرى؛ ثم قال لي خالي يوماً : يا سهل من كان الله معه، وناظراً إليه، وشاهده .. أيعصيه؟ إياك والمعصية!. [ الأنترنت – موقع مدونة ينابيع الخير - المعايشة الإيمانية لاسم الله الرقيب]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة عشرة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*من روائع القصص في المراقبة ؛  صور مضيئة لأهل المراقبة :ـ:

*( قصة ذبح الطائر) :

   قصة تروى في بعض الكتب ( كتاب الرقائق ) أن أحد الشيوخ كان له جمعاً من التلاميذ ، وكان قد خصّ واحداً منهم بالعناية الزائدة ، فيبدو أن بقية التلاميذ تألموا وحسدوا هذا المتفوق ، فسأله بقية التلاميذ عن سبب هذه العناية ، بسبب غيرتهم من هذا التلميذ الصغير وقالوا له : لماذا تخصه في هذه العناية ؟ قال : سأبين لكم ، أعطى لكل واحد منهم طائر قال لكل واحد منهم : اذبح هذا الطائر ، حيث لا يراك أحد ، فمضى كل واحد من هؤلاء إلى جهة واختبأ بها ، وذبح هذا الطائر ، ما عدا هذا التلميذ الصغير ، رجع إلى شيخه ، والطائر في يده ، وقال : أنت يا سيدي قلت أن نذبح هذا الطائر حيث لا يرانا أحد ، ولم أجد موضعاً في أي مكان لا يراني الله فيه ، فالتفت الشيخ إلى بقية التلاميذ وقال : من أجل هذا خصصته بمزيد من العناية ، يرى أن الله معه .

إخواننا الكرام ، لمجرد أن تشعر أن الله معك تستقيم على أمره ، هذا الحال حال المراقبة ، وإن صحّ التعبير ، مكان المراقبة ينقلك إلى أعلى درجات المراقبة مع الله عز وجل،إن مقام المراقبة يكبلك ويجعلك أكثر انضباطاً .

 [الأنترنت – موقع  مـــع اللـــه أسماء الله الحسنى ...للدكتور محمد راتب النابلسي - اسم الله الرقيب  - الكلم الطيب]

    وهذا عروة ابن الزبير -رضي الله عنه- خطب ابنة عبد الله بن عمر سودة وعبد الله بن عمر يطوف بالكعبة في الحج فلم يرد عليه، فقال عروة: "لو كان يريد لأجابني"، والله لا أعود إليه - يعني في هذا الشأن - يقول: "فسبقني إلى المدينة، فلما أتيتها قدمت المسجد فإذا هو جالس فيه، فسلمت عليه"، فقال: "قد ذكرت سودة"، فقلت: "نعم"، فسأله عن رغبته، هل لا يزال يرغب فيها في الزواج منها، فقلت: "نعم"، فقال: "إنك قد ذكرتها لي وأنا أطوف بالبيت أتخايل الله عز وجل بين عيني، وكنتَ قادراً على أن تلقاني في غير ذلك الموطن"، لاحظ ما رد عليه، نحن نطوف ماذا نصنع أيها الأحبة، الجوال والنظر والالتفات ولربما صدر من بعض أيضاً الناس ما لايليق مما حرمه الله عز وجل ويستحي الإنسان من ذكره في هذا المسجد.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة عشرة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*من روائع القصص في المراقبة ؛  صور مضيئة لأهل المراقبة :ـ:

   ومرَّ ابن عمر رضي الله عنه براع في القصة المعروفة فقال: "هل من جزرة؟"، فقال: "ليس ها هنا ربها"، فقال ابن عمر: "تقول له أكلها الذئب؟"، فرفع رأسه إلى السماء وقال: "فأين الله؟"، فقال ابن عمر: "أنا والله أحق أن أقول أين الله"، فاشترى الراعي والغنم وأعتقه ووهبه هذه الغنم.

وهذا عبادة بن الصامت كان جالساً مع أصحابه -رضي الله عنه- فأقبل الصنابحي، فقال عبادة: "من سره أن ينظر إلى رجل كأنما رقي به فوق سبع سماوات فعلم على ما رأى فلينظر إلى هذا من شدة مراقبته وتأدبه وخوفه وتحرزه".

كان الإمام أحمد رحمه الله يئنُّ في مرض موته، ذكر له أن طاووس بن كيسان قال: يكتب الملك كل شيء حتى الأنين فلم يئن أحمد رحمه الله حتى مات، إلى هذا الحد مع أن الأنين ليس بمحرم.

وهذا ابن دقيق العيد  :يقول: "ما تكلمت بكلمة ولا فعلت فعلاً، إلا أعددت

له جواباً بين يدي الله عز وجل"، ما تكلمت بكلمة ولا فعلت فعلاً؛ نعم كم مضى من أعمارنا؟، هل نحن كذلك؟، ولذلك أقول: نحن أيها الأحبة نحتاج إلى توبة، الداعية يحتاج إلى توبة، والعالم يحتاج إلى توبة، وطالب العلم يحتاج إلى توبة، والإنسان الذي يقول عن نفسه أو يقول عنه الآخرون بأنه ملتزم ومتدين يحتاج إلى توبة، من منا أيها الأحبة ما قال كلمة ولا فعل فعلاً إلا أعد له جواباً بين يدي الله تبارك وتعالى.

الإخلاص في الظاهر والباطن. [الأنترنت – موقع طريق افسلام – د خالد السبت - مراقبة الله ]

*  درجات المراقبة:

أ - الدرجة الأولى: استدامة السير إلى الله والقرب إليه مع الأنس والسرور به:

قال ابن القيم في معرض شرحه لهذه الدرجة: "فإن الحضور يوجب أنساً ومحبة، وإن لم يقارنهما تعظيم أورثاه خروجاً عن حدود العبودية ورعونة ، فكل حب لا يقارنه تعظيم المحبوب فهو سبب للبعد عنه ، والسقوط من عينه . وأما السرور الباعث فهو الفرحة والتعظيم ، واللذة التي يجدها في تلك المداناة ، فإن سرور القلب بالله وفرحه به، وقُرّة العين به لا يشبهه شيء من نعيم الدنيا ألبتة... ولا ريب أن هذا السرور يبعثه على دوام السير إلى الله عز وجل، وبذل الجهد في طلبه وابتغاء مرضاته" .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة عشرة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*من روائع القصص في المراقبة ؛  صور مضيئة لأهل المراقبة :ـ:

ب - الدرجة الثانية: مراقبة الله بصيانة الباطن والظاهر:

قال ابن القيم شارحاً لهذه الدرجة: "هذه مراقبةٌ لمراقبة الله لك، فهي مراقبة

لصفة خاصة معينة، وهي توجب صيانة الباطن والظاهر، فصيانة الظاهر

بحفظ الحركات الظاهرة، وصيانة الباطن بحفظ الخواطر والإرادات والحركات الباطنة"

ج- الدرجة الثالثة: مراقبة الله بشهود انفراده سبحانه بأزليته وحده، دوكل ما سواه فكائن بعد عدمه بتكوينه:

قال ابن القيم مبينا معنى هذه الدرجة: "وهذا الشهود متعلّق بأسمائه وصفاته، وتقدُّم علمه بالأشياء ووقوعها في الأبد مطابقة لعلمه الأزلي، فهذا الشهود يُعْطي إيماناً ومعرفة، وإثباتا للعلم والقدرة، والفعل، والقضاء والقدر .

[الأنترنت - موقع نافذة مصر - مراقبة الله - محمد أبوغدير ]

يقول الإمام الغزالي "اعلم أن حقيقة المراقبة هي ملاحظة الرقيب وانصراف

الهمم إليه، فمن احترز من أمر من الأمور بسبب غيره يقال:

أنه يراقب فلانًا ويراعى جانبه، ويعنى بهذه المراقبة حالة للقلب يثمرها نوعٌ من المعرفة وتثمر تلك الحالة أعمالا في الجوارح وفي القلب..

أما الحالة: فهي مراعاة القلب للرقيب واشتغاله به والتفاته إليه وملاحظته إياه وانصرافه إليه. وأما المعرفة: التي تثمر هذه الحالة فهو العلم بأن الله مطلع على الضمائر عالم بالسرائر، رقيب على أعمال العباد، قائم على كل نفس بما كسبت وأن سر القلب في حقه مكشوف كما أن ظاهر البشرة للخلق مكشوف بل أشد من ذلك.فهذه المعرفة إذا صارت يقينًا، أعنى أنها خلت عن الشك ثم استولت بعد ذلك على القلب فقهرته. فرُبَّ علمٍ لا شك فيه لا يغلب على القلب، كالعلم بالموت..فإذا استولت على القلب، استجرت القلب إلى مراعاة جانب الرقيب وصرفت همه إليه والموقنون بهذه المعرفة هم المقربون وهم ينقسمون إلى الصديقين وإلى أصحاب اليمين" [إحياء علوم الدين]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة عشرة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*والمراقبة لمن وحد الله في اسمه الرقيب على نوعين:

النوع الأول: مراقبة العبد لربِّه بالمحافظة على حدوده وشرعه واتباعه لسُنَّة نبيه ..فعلى العبد أن يسعى لتحقيق أركان القبول في جميع أعماله، وهي:

1ـ الإخلاص: فإن كان يقوم بأعمال بر ظاهرة، عليه أن يقوم بأعمال خفية عن

الناس في المقابل؛ لكي يُحقق معنى الإخلاص: قال رسول الله "من استطاع

منكم أن يكون له خبء من عمل صالح فليفعل" [صحيح الجامع].

2ـ المتابعة لهدي النبي (ﷺ).. بأن يتحرى السُّنَّة في عمله ،فيوقن بأن الله

معه من فوق عرشه يتابعه يراه ويسمعه، مراقبة العبد لربه ، بالمحافظة على

حدوده وشرعه ، واتباعه لسنة نبيه (ﷺ) كما ورد من حديث عبد الله بن

عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : " يا غلام ، إِني أُعَلِّمك كلمات احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تَجِدْهُ تُجاهَكَ ، إِذا سألتَ فاسأل الله ، وإِذا استعنتَ فاستَعِنْ بالله " [رواه الترمذي وصححه الألباني].

والنوع الثاني: إيمان العبد بمراقبة الله لعباده وحفظه لهم وإحصائه لكسبهم..

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ﷺ): قال الله عز وجل : ( إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعمل ، فإذا عملها فأنا أكتبها بعشر أمثالها ، وإذا تحدث بأن يعمل سيئة فأنا أغفرها له ما لم يعملها ، فإذا عملها فأنا أكتبها له بمثلها ، وقال رسول الله (ﷺ) قالت الملائكة : رب ذاك عبدك يريد أن يعمل سيئة وهو أبصر به ، فقال : ارقبوه ، فإن عملها فاكتبوها له بمثلها ، وإن تركها فاكتبوها له حسنة ، فإنما تركها من جرَّاي ) رواه الشيخان ، وهذه رواية مسلم .

مِنْ جَرَّاي، أي: ابتغاء وجهي.. فيستشعر العبد أن الله تعالى ناظرٌ إليه حال عمله، ويرى خطارات قلبه وظاهر عمله.

فينبغى أن يراقب الإنسان نفسه قبل العمل وفى العمل.. هل حركه عليه هوى النفس أو المحرك له هو الله تعالى خاصة؟

فإن كان الله تعالى، أمضاه وإلا تركه، وهذا هو الإخلاص.

وفي هذا يقول الحسن البصري رحمه الله: "كان أحدهم إذا أراد أن يتصدق بصدقة نظر وتثبت، فإن كان لله أمضاه.

ويقول: رحم الله عبداً وقف عند همه فإن كان لله مضى وإن كان لغيره تأخر".

وجاء عن محمد بن علي رحمه الله: "إن المؤمن وقاف ومتأنٍ يقف عند همه ليس كحاطب ليل. فلا يتسارع الإنسان في الأعمال في هذه الحياة الدنيا ولو كان ظاهر ذلك من الأعمال الصالحة حتى ينظر قبل أن يقدم عليه هل له فيه نية صحيحة أو لا".فهذه مراقبة العبد في الطاعة وهو: أن يكون مخلصاً فيها.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة عشرة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*مراقبة الله في المعصية تكون: بالتوبة والندم والإقلاع..

فكلما ورد الذنب على خاطره، يستعيذ بالله منه ويبعث على وجل قلبه ..

فيكون دائمًا أبدًا مُنيب إلى ربِّ العالمين، كثير الرجوع إليه.

ومراقبته في المباح تكون: بمراعاة الأدب، والشكر على النعم.. فإنه لا يخلو من

نعمة لابد له من الشكر عليها، ولا يخلو من بلية لابد من الصبر عليها، وكل

ذلك من المراقبة..

والتوسع في المباحات يبعث على الذنب لا محالة؛ لأن النفس تطغى بذلك وهي لا تأمر بخيرٍ أبدًا. ثم تأتي مرحلة المراقبة بعد العمل.. وهي أن يكون قلبه وجلاً ألا يُقبَل عمله، وهذا من تمام المراقبة ، قال تعالى{وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ(60)} [المؤمنون].

ولكي نعيش مع اسم الله الرقيب ونحقق معني المراقبة علينا بالآتي ....

1. مراقبة القلب: القلب محل نظر الله تعالي ،نري البعض يعتني ببيته،وبثيابه

ومركبته وبالشكل الخارجي ، وهذا محل نظر الخلق ،لقد طهرنا محل نظر الخلق سنين ،أفلا طهرنا محل نظر الله تعالي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ} [البخاري، مسلم، الترمذي، النسائي، أبو داود، ابن ماجه، أحمد، مالك]

لذلك هناك من المقصرين من يكون الله أهون الناظرين إليه، يستحي من صديق، يستحي من أستاذ، يستحي من قريب محترم، ولا يستحي من الله.

فهل راقبنا قلوبنا ؟ هل يحب غير الله؟ هل يعتمد على غير الله؟ هل يرجو

غير الله؟ هل يخاف من غير الله؟ هل يتوكل على غير الله؟

تعاهد قلبك، لو أن مثلا أخوك أصابه خير، فتألمت، هذا مؤشر خطير، لو أنك تراقب قلبك لقلت: هذه صفات المنافقين، قال تعالى:{إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ(50)} [التوبة] إذا أصاب أخاك خير فتألمت فهذه علامة النفاق، وإن أصاب أخاك شر ففرحت فهذه علامة النفاق،هذه مراقبة القلب، أن تراقب قلبك، أن تحاسبه في حسد، في غيرة، في حقد، في تشفٍّ، في شرك، في تعلق بغير الله، في اعتماد على المال فقط، اعتماد على صديق قوي فقط.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة عشرة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان : 2. مراقبة اللسان:

قال رَسُولَ اللَّهِ (ﷺ):{ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَكْتُبُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ }[الترمذي، ابن ماجه، أحمد، مالك] فينبغي أن تعدّ كلامك من عملك

وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ (ﷺ) … فَقَالَ:قَالَ رَأْسُ الْأَمْرِ

وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِمِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ فَقُلْتُ لَهُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ فَقَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟

فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ فِي النَّارِ أَوْ قَالَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ [أحمد، الترمذي، النسائي، ابن ماجه]

مراقبة اللسان هل ينطق هذا اللسان بالباطل؟

فمن مراقبة اللسان قل خيرا تغنم أو اسكت عن شر تسلم ، لذلك قال بعض

السلف :"عالجت الصمت عما لا يعنيني عشرين سنة قبل أن أقدر منه على ما أريد"،وكان بعضهم لا يدع أحداً يغتاب أحداً في مجلسه، ويقول لجلسائه: "إن ذكرتم الله أعناكم وإن ذكرتم الناس تركناكم".

3. مراقبة الجوارح:

قال تعالى:{يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ(19)} [غافر]

وقال تعالى:{الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(220)} [الشعراء]

لذلك أفضل إيمان أن تؤمن أن الله يراقبك، وأنك تحت المراقبة، وإن ربك لبالمرصاد. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ): "إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَغَارُ، وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِ" [متفق عليه]

مراقبة الجوارح، هل تنظر العين إلى الحرام؟

هل تستمع الأذن إلى ما لا يجب أن تسمعه؟

هل تبطش هذه اليد؟ هل تتحرك بالباطل؟ هل تقودك قدماك إلى مكان منكر؟

وقال أحد السلف: "تعاهد نفسك في ثلاث مواضع، إذا عملت فاذكر نظر

الله عليك، وإذا تكلمت فانظر سمع الله منك، وإذا سكت فانظر علم الله فيك".

ولما سئل بعضهم: "بما يستعين الرجل على غض بصره عن المحظورات؟"

قال: "بعلمه أن رؤية الله تعالى سابقة على نظره إلى ذلك المحظور".

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة عشرة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان : 4. مراقبة الله في الخواطر:

من راقبَ اللهَ في خواطرهِ عصمهُ في حركات جوارحهِ.

أحياناً الإنسان يسمح لخواطره أن يَردها أشياء لا تُرضي الله يتصور معصية، يتخيل أنهُ يعصي الله، يسوحُ خيالهُ في متاهات البُعدِ عن الله… إذا سَمَحَ لخواطرهِ أن تجولَ في المعاصي أغلبُ الظن أنَّ هذه الخواطر إذا تُركت على عواهنها انقلبت إلى معاص.

نعم أن الله سبحانه وتعالى لا يحاسب إلا على العمل ولكن إذا سمحت لخواطركَ بالشطط ربما زلّت قدمك فانقلبت الخواطر إلى عمل، وشيءٌ آخر هو أنَّ مُعظمَ الذين عَصوا ربهم معاصٍ كبيرة هم في الأساس ما أرادوا أن يعصوا هذه المعصية ولكن خاطِرٌ، فنظرةٌ، فكلامٌ، فابتسام، فموعدٌ، فلقاءٌ، ففاحشةٌ.

 أساسُها خاطر.

فلذلك من باب الوقاية ومن باب الورع لا تسمحُ لخواطِركَ أن تجولَ في المعاصي مع أنكَ لاتُحاسب على الخواطر لكن نخافُ أن تدعها تجول عندئذٍ تضعفُ عن مقاومتها فإذا أنتَ أمامَ معصيةٍ.

وقيل : من تركَ ما أُشتبهَ عليه من المعاصي كانَ لِما استبانَ أترك.

ومن تجرّأَ وارتكبَ معصيةً يعدُّ شُبهةً عِندَ الناس في المرحلة التالية سوف يتجرأ ويقع في المعصية البيّنة الواضحة.

يقول ابن الجوزي في صيد الخاطر: "الحق عز وجل أقرب إلى عبده من حبل الوريد، لكنه عامل العبد معاملة الغائب عنه البعيد منه، فأمر بقصد نيته، ورفع اليدين إليه، والسؤال له.

فقلوب الجهال تستشعر البعد، ولذلك تقع منهم المعاصي، إذ لو تحققت مراقبتهم للحاضر الناظر، لَكَفُّوا الأَكُف عن الخطايا. والمتيقظون علموا قربه، فحضرتهم المراقبة، وكَفَّتهم عن الانبساط".

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة العشرون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

من آمن أن الله يراقبه وهو له بالمرصاد لا يمكن أن يعصيه :

كان الإمام أحمد ينشد :

إِذَا مَا خَلَوْتَ الدَّهْرَ يَوْمًا *** فَلَا تَقُلْ خَلَوْتُ وَلَكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيبُ

وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ يَغْفُلُ سَاعَةً *** وَلَا أَنَّ مَا يَخْفَى عَلَيْهِ يَغِيبُ

ألم ترَ أن اليوم أسرع ذاهبٍ *** وأن غدًا إذًا للناظرينَ قريبُ

قال العلماء مجمِعون على أنَّ مراقبة الله تعالى في الخواطر سببٌ لِحفظها في حركات الظواهر فمن راقبَ الله في سِرّهِ حَفِظهُ في حركاتهِ في سِرّهِ وعلانيتهِ.

خطورة معصية الخلوة :

ياعبد الله إنك إذا خلوت بمعصية الله فما أنت إلا أحد رجلين: إما رجل يعلم أن الله لا يراه ولا يعلم بحاله، فهذا كافر بالله العظيم لإنكاره علم الله تعالى المحيط بكل شيء، وإما أنك تعلم أنه يراك ومع هذا تجترئ على معصيتك فأنت والله جرئ.

فهذا حديث عظيم الخطورة لمن انتهك حرمات الله في الخلوات ، لا يراقب الله تعالى ، ولكن يراقب البشر الذين لا ينفعونه ولا يضرونه شيئاً ، ونسي أن الله معه يسمع ويرى : فعَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِىِّ (ﷺ) أَنَّهُ قَالَ : " لأَعْلَمَنَّ أَقْوَاماً مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضاً ، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُوراً " ، قَالَ ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا ، جَلِّهِمْ لَنَا ، أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ ، قَالَ : " أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ ، وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا " [ رواه ابن ماجة وصحح إسناده البوصيري ، وصححه الألباني في الصحيحة ] .

وعلى النقيض من أولئك الذين يعصون الله في الخلوة هذه نتيجة من يخاف الله في الخلوة ودعته نفسه والشيطان للمعصية ، ولكن تنهاه مراقبته لله أن يعصيه طرفة عين فكانت النتيجة الظل الظليل يوم القيامة ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ﷺ) قَالَ : " سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ : إِمَامٌ عَادِلٌ ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ فِي خَلاءٍ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ، وَرَجُلٌ كَانَ قَلْبُهُ مُعَلَّقًا فِي الْمَسْجِدِ ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ إِلَى نَفْسِهَا ، فَقَالَ : إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَمْ تَعْلَمْ شِمَالُهُ مَا صَنَعَتْ يَمِينُهُ " [ متفق عليه ] .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والعشرون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

5. مراقبة الله فيما أعطاك:

مراقبة الله فيما أعطاك من نعم ومواهب،فمثلا أنت رجل قوي شاب، في

مقتبل الحياة، فهل راقبت الله تعالي في قوتك وشبابك هذا ، فالقوة ينبغي أن تكون في طاعة الله تعالي ، وفي خدمة الآخرين  لا تستطيل بها علي عباد الله وتعترف دائما بالفقر والحاجة إلي من أعطاك القوة ، انظروا إلي هذا الشاب القوي سيدنا موسي عليه السلام حينما سقي لابنتي الشيخ الكبير صاحب مدين قال كما حكي القرآن الكريم عنه { فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ(24)}[ القصص]

6. مراقبة الله عز وجل في الوقت:

أحياناً يضيع من الوقت كمّ كبير لهدف غير ذات قيمه، أنت وقت، رأس مالك الوقت، أثمن شيء تملكه هو الوقت، ينبغي أن ينفق بترشيد، لذلك الآن في إدارة الوقت لا يعقل أن تستهلك استهلاكاً

رخيصاً، لو ضبطت المواعيد لرشد استهلاك الوقت، لو ضبطت الاحتفالات لرشد استهلاك الوقت، لو ضبط كل شيء بنظام لرشد استهلاك الوقت.

قَالَ النَّبِيِّ (ﷺ):{لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ

عَنْ خَمْسٍ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبلاهُ وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ

أَنْفَقَهُ وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ} [الترمذي]

ولعظم العمر أقسم الله تعالي بعمرالنبي (ﷺ) قال تعالى:{لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ(72)} [الحجر]

والنظر في سيرة السابقين الناجين الذين راقبوا الله تعالي واستفادوا بأوقاتهم ،مثل هذا الشاب الذي صنع لنفسه اسما في وقت قليل وأنجز أعمالا كثيرة في وقت قليل، هو محمد ابن القاسم.

قال الشاعر :ـ إن السماحة والمروؤة والندي  *****  لمحمد ابن القاسم ابن محمد

قاد الجيوش لسبع عشرة حجة   *****ياقرب ذلك سؤدد من مولد

محمد ابن القاسم الذي فتح بلاد الهند عن طريق السند، انطلق من الجزيرة العربية إلي بلاد لا يعرفها ، يقود الجيوش المسلمة لتنشر الاسلام وتبلغ الأمم دعوة اسلام،  لولا طموح هذا الشاب وإقباله ما كانت باكستان وبنجلاديش ومسلموا الهند ، هذه البلاد مدينة لمحمد ابن القاسم ، ومن ذهب إلي مراكش وركب القطار متجها إلي داخل باكستان ، وجد هناك محطة مكتوب عليها محمد بن القاسم يا تري كم عمره المفاجأة عمرة 17 سنة .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والعشرون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

7. مراقبة الله في الخُلق والسلوك والمشاعر:

اتق الله حيثما كنت في إقامتك، وفي سفرك، اتق الله مع الناس، وفي خلوتك، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ):{اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ} [أحمد، الترمذي، الدارمي]

عليك أن تراقب سلوكك وأخلاقك في المعاملات ، عليك أن تراقب كسب المال،لذلك قال عليه الصلاة والسلام: يأتي على الناس زمان لا يبالي الرجل من أين أصاب المال من حلال أو حرام ،وأطيب الكسب عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور ، وإن أطيب الكسب كسب التجار الذين إذا حدثوا لم يكذبوا، وإذا وعدوا لم يخلفوا، وإذا ائتمنوا لم يخونوا وإذا اشتروا لم يذموا، وإذا باعوا لم يطروا، وإذا كان لهم لم يعسروا، وإذا كان عليهم لم يمطلوا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ):{ إِنَّ التُّجَّارَ هُمْ الْفُجَّارُ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَلَيْسَ قَدْ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ؟ قَالَ: بَلَى وَلَكِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ فَيَكْذِبُونَ وَيَحْلِفُونَ وَيَأْثَمُونَ} [أحمد]

وأخيرا ...لم يراقب اللهَ من أؤتمن على وظيفة، فجعلها مطية لقضاء مصالحه الخاصة.

ولم يراقب اللهَ من عَينت له الدولة أو الشركة أجرة مقابل عمله،ثم هو يتقاضي الرشوة من العملاء ،أو المواطنين .

لم يراقب اللهَ من تعاقد مع الدولة أو الشركة على عدد من الساعات، ثم هو يتكاسل في أدائها، ويدعي كذبا إنجازها.

لم يراقب الله من أؤتمن على أي أمانة من الأمانات ثم ضيعها أوفرط فيها أو تصرف فيها بمصلحته الخاصة.

قال رسول الله (ﷺ): "مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ الله رَعِيَّةً، فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ، إِلاَّ لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ" البخاري. [الأنترنت – موقع مدونة ينابيع الخير - المعايشة الإيمانية لاسم الله الرقيب ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والعشرون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان : *فضيلة المراقبة:

أ - أن المراقبة سبب من أسباب دخول الجنة: قال تعالى: {هَلْ جَزَاء

ٱلإِحْسَـٰنِ إِلاَّ ٱلإِحْسَـٰنُ} [الرحمن:60].

قال ابن القيم مفسراً الآية: "الإحسان جامع لجميع أبواب الحقائق، وهو أن تعبد الله كأنك تراه... وفي الحديث إشارة إلى كمال الحضور مع الله عز وجل، ومراقبته، ومحبته ومعرفته، والإنابة إليه، والإخلاص له، ولجميع مقامات الإيمان" .

ب - أن بها يكسب العبد رضا الله سبحانه :

قال تعالى: {رّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِىَ رَبَّهُ} [البينة:8].

قال أهل العلم: "ذلك لمن راقب ربه عز وجل، وحاسب نفسه وتزود لمعاده" .

ج - باعثة على المسارعة إلى الطاعات:

قال الله تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ أُوْلَـئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء:101].

قال القصري: "إذا عرف العبد مقام الإحسان، سارع إلى طاعته قدر وسعه، فهذا حال المحب الذي يعبد الله كأنه يراه" .

د-  يحصل بها معية الله وتأييده:

قال تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} [النحل:128].

قال ابن كثير: "أي معهم بتأييده ونصره ومعونته، وهذه معية خاصة" .

هـ-  معينه على ترك المعاصي والمنكرات:

قال ابن الجوزي: "فقلوب الجهال تستشعر البُعْد؛ ولذلك تقع منهم المعاصي، إذ لو تحققت مراقبتهم للحاضر الناظر لكفوا الأكُفَّ عن الخطايا، والمتيقظون علموا قربه فحضرتهم المراقبة، وكفتهم عن الانبساط" .

وقال ابن القيم: فمن راقب الله في سره حفظه الله في حركاته في سره وعلانيته"

و- من أفضل الطاعات وأعلاها: قال ابن عطاء: "أفضل الطاعات مراقبة الحق

على دوام الأوقات".

ز- أنها من خصال الإيمان وثمراته:

قال القصري: "فأما كونه من الإيمان فبيّن؛ لأنه في نفسه تصديق بالنظر إلى الله في الحال، أو تصديق بأن الله ينظر إليه، إلا أنه ثمرة الإيمان، وأعلاه وخالصه" .

ح- بالمراقبة يسعد العبد، وتصلح أحواله في الدارين:

قال ابن علان: "فينبغي ألا يشتغل إلا بما فيه صلاحه معاشاً ومعاداً، بتحصيل ما لا بد منه في قوام البدن، وبقاء النوع الإنساني، ثم بالسعي في الكمالات العلمية، والفضائل العلية التي هي وسيلة لنيل السعادة الأبدية... وذلك إنما يكون بالمراقبة، ومعرفة أن فيما يأتيه بمرأى ومسمع من الله سبحانه وتعالى وأنه لا يخفى عليه شيء من شأنه" .[الأنترنت - موقع نافذة مصر - مراقبة الله - محمد أبوغدير ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والعشرون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان : *فضيلة المراقبة:

 أما الفضيلة فقد سأل جبريل عليه السلام عن الإحسان فقال أن تعبد الله كأنك تراه حديث متفق عليه من حديث أبى هريرة ورواه مسلم من حديث عمر وقد تقدم وقال عليه السلام (اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك )

  وقد قال تعالى: { أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت} وقال تعالى: { ألم يعلم بأن الله يرى } ، وقال الله تعالى: { إن الله كان عليكم رقيبا } وقال تعالى: { والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم بشهاداتهم قائمون } وقال ابن المبارك لرجل راقب الله تعالى فسأله عن تفسيره فقال : كن أبدا كأنك ترى الله عز وجل ، وقال عبد الواحد بن زيد : إذا كان سيدي رقيبا على فلا أبالى بغيره  وقال أبو عثمان المغربي :  أفضل ما يلزم الإنسان نفسه في هذه الطريقة المحاسبة والمراقبة وسياسة عمله بالعلم  ، وقال ابن عطاء  : أفضل الطاعات مراقبة الحق على دوام الأوقات  ، وقال الجريري : أمرنا هذا مبنى على أصلين أن تلزم نفسك المراقبة لله عز وجل ويكون العلم على ظاهرك قائما ، وقال أبو عثمان : قال لي أبو حفص إذا جلست للناس فكن واعظا لنفسك وقلبك ولا يغرنك اجتماعهم عليك فإنهم يراقبون ظاهرك والله رقيب على باطنك ،

   وقال رجل للجنيد : بم أستعين على غض البصر ؟ فقال بعلمك أن نظر الناظر إليك أسبق من نظرك إلى المنظور إليه

  وقال الجنيد : إنما يتحقق بالمراقبة من يخاف على فوت حظه من ربه عز

وجل  ، وعن مالك بن دينار قال : جنات عدن من جنات الفردوس وفيها حور خلقن من ورد الجنة . قيل له ومن يسكنها ؟ قال : يقول الله عز وجل وإنما يسكن جنات عدن الذين إذا هموا بالمعاصي ذكروا عظمتي فراقبوني والذين انثنت أصلابهم من خشيتي وعزتي وجلالى إنى لأهم بعذاب أهل الأرض فإذا نظرت إلى أهل الجوع والعطش من مخافتي صرفت عنهم العذاب

 وسئل المحاسبي عن المراقبة فقال : أولها علم القلب بقرب الله تعالى ، وقال

المرتعش : المراقبة مراعاة السر بملاحظة الغيب مع كل لحظة ولفظة ، ويروى أن الله تعالى قال لملائكته : أنتم موكلون بالظاهر وأنا الرقيب على الباطن  ، وقال محمد بن علي الترمذي : اجعل مراقبتك لمن لا تغيب عن نظره إليك واجعل شكرك لمن لا تنقطع نعمة عنك واجعل طاعتك لمن لا تستغنى عنه واجعل خضوعك لمن لا تخرج عن ملكه وسلطانه  ، وقال سهل : لم يتزين القلب بشىء أفضل ولا أشرف من علم العبد بأن الله شاهده حيث كان وسئل بعضهم عن قوله تعالى: "رضى الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشى ربه" فقال معناه ذلك لمن راقب ربه عز وجل وحاسب نفسه وتزود لمعاده وسئل ذو النون بم ينال العبد الجنة فقال بخمس استقامة ليس فيها روغان واجتهاد ليس معه سهوومراقبة الله تعالى في السر والعلانية وانتظار الموت بالتأهب له ومحاسبة نفسك قبل أن تحاسب وقد قيل إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل خلوت ولكن قل على رقيب ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما تخفيه عنه يغيب ألم تر أن اليوم أسرع ذاهب وأن غدا إذا للناظرين قريب وقال حميد الطويل لسليمان بن علي عظنى فقال لئن كنت إذا عصيت الله خاليا ظننت أنه يراك لقد اجترأت على أمر عظيم ولئن كنت تظن أنه لا يراك فلقد كفرت وقال سفيان الثورى عليك بالمراقبة ممن لا تخفى عليه خافية وعليك بالرجاء ممن يملك الوفاء وعليك بالحذر ممن يملك العقوبة وقال فرقد السنجى إن المنافق ينظر فإذا لم ير أحدا دخل مدخل السوء وإنما يراقب الناس ولا يراقب الله تعالى وقال عبد الله بن دينار خرجت مع عمر ابن الخطاب رضى الله عنه إلى مكة فعرسنا في بعض الطريق فانحدر عليه راع من الجبل فقال له يا راعى بعنى شاة من هذه الغنم فقال إنى مملوك فقال قل لسيدك أكلها الذئب قال فأين الله قال فبكى عمر رضى الله عنه ثم غدا إلى المملوك فاشتراه من مولاه وأعتقه وقال أعتقتك في الدنيا هذه الكلمة وأرجو أن تعتقك في الآخرة. الأنترنت – موقع المراقبة   

 إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والعشرون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*بيان حقيقة المراقبة :

    أعلم أن حقيقة المراقبة هي ملاحظة الرقيب وانصراف الهم إليه فمن احترز من أمر من الأمور بسبب غيره يقال أنه يراقب فلانا ويراعى جانبه ويعنى بهذه المراقبة حالة للقلب يثمرها نوع من المعرفة وتثمر تلك الحالة أعمالا في الجوارح وفي القلب أما الحالة فهي مراعاة القلب للرقيب واشتغاله به والتفاته إليه وملاحظته إياه وانصرافه إليه وأما المعرفة التي تثمر هذه الحالة فهو العلم بأن الله مطلع على الضمائر عالم بالسرائر رقيب على أعمال العباد قائم على كل نفس بما كسبت وأن سر القلب في حقه مكشوف كما أن ظاهر البشرة للخلق مكشوف بل اشد من ذلك فهذه المعرفة إذا صارت يقينا أعنى أنها خلت عن الشك ثم استولت بعد ذلك على القلب قهرته فرب علم لا شك فيه لا يغلب على القلب كالعلم بالموت فإذا استولت على القلب استجرت القلب إلى مراعاة جانب الرقيب وصرفت همه إليه والموقنون بهذه المعرفة هم المقربون وهم

ينقسمون إلى الصديقين وإلى أصحاب اليمين فمراقبتهم على درجتين :

الدرجة الأولى  : مراقبة المقربين من الصديقين وهي مراقبة التعظيم والإجلال وهو أن يصير القلب مستغرقا بملاحظة ذلك الجلال ومنكسرا تحت الهيبة فلا يبقى فيه متسع للالتفات إلى الغير أصلا وهذه مراقبة لا نطول النظر في تفصيل أعمالها فإنها مقصورة على القلب أما الجوارح فإنها تتعطل عن التلفت إلى المباحات فضلا عن المحظورات وإذا تحركت بالطاعات كانت كالمستعملة بها فلا تحتاج إلى تدبير وتثبيت في حفظها على سنن السداد بل يسدد الرعية من ملك كلبة الراعى والقلب هو الراعى فإذا صار مستغرقا بالمعبود صارت الجوارح مستعملة جارية على السداد والاستقامة من غير تكلف وهذا هو الذي صار همه هما واحدا فكفاه الله سائر الهموم. فهذه درجة المراقبين الذين غلب على قلوبهم الإجلال والتعظيم فلم يبق فيهم متسع لغير ذلك.

 الدرجة الثانية  : مراقبة الورعين من أصحاب اليمين وهم قوم غلب يقين اطلاع الله على ظاهرهم وباطنهم وعلى قلوبهم ولكن لم تدهشهم ملاحظة الجلال بل بقيت قلوبهم على حد الاعتدال متسعة للتلفت إلى الأحوال والأعمال إنها مع ممارسة الأعمال لا تخلو عن المراقبة نعم غلب عليهم الحياء من الله فلا يقدمون ولا يحجمون إلا بعد التثبت فيه ويمتنعون عن كل ما يفتضحون به في القيامة فإنهم يرون الله في الدنيا مطلعا عليهم فلا يحتاجون إلى انتظار القيامة وتعرف اختلاف الدرجتين بالمشاهدات فإنك في خلوتك قد تتعاطى أعمالا فيحضرك صبي أو امرأة فتعلم أنه مطلع عليك فتستحيى منه فتحسن جلوسك وتراعى أحوالك لا عن إجلال وتعظيم بل عن حياء فإن مشاهدته وإن كانت لا تدهشك ولا تستغرقك فإنها تهيج الحياء منك وقد يدخل عليك ملك من الملوك أو كبير من الأكابر فيستغرقك التعظيم حتى تترك كل ما أنت فيه شغلا به لا حياء منه فهكذا تختلف مراتب العباد في مراقبة الله تعالى ومن كان في هذه الدرجة فيحتاج أن يراقب جميع حركاته وسكناته وخطراته ولحظاته وبالجملة جميع اختياراته

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والعشرون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

والمراقبة له فيها نظران نظر قبل العمل ونظر في العمل :

أما النظر الاول: قبل العمل فلينظر أن ما ظهر له وتحرك بفعله خاطره أهو لله خاصة أو هو في هوى النفس ومتابعة الشيطان فيتوقف فيه ويتثبت حتى ينكشف له ذلك بنور الحق فإن كان لله تعالى أمضاه وإن كان لغير الله استحيا من الله وانكف عنه ثم لام نفسه على رغبته فيه وهمه به وميله إليه وعرفها سوء فعلها وسعيها في فضيحتها وأنها عدوة نفسها إن لم يتداركها الله بعصمته. فحكم الله تعالى على كل عبد أن يراقب نفسه عند همه بالفعل وسعيه بالجارحة فيتوقف عن الهم وعن السعي حتى ينكشف له بنور العلم أنه لله تعالى فيمضيه أو هو لهوى النفس فيتقيه ويزجر القلب عن الفكر فيه وعن الهم به.

 النظر الثاني : للمراقبة عند الشروع في العمل وذلك بتفقد كيفية العمل ليقضى حق الله فيه ويحسن النية في إتمامه ويكمل صورته ويتعاطاه على أكمل ما يمكنه وهذا ملازم له في جميع أحواله فإنه لا يخلو في جميع أحواله عن حركة وسكون فإذا راقب الله تعالى في جميع ذلك قدر على عبادة الله تعالى فيها بالنية وحسن الفعل ومراعاة الأدب. فإذن لا يخلو العبد إما أن يكون في طاعة أو في معصية أو في مباح فمراقبته في الطاعة بالإخلاص والإكمال ومراعاة الأدب وحراستها عن الآفات وإن كان في معصية فمراقبته بالتوبة والندم والإقلاع والحياء والاشتغال بالتفكر وإن كان في مباح فمراقبته بمراعاة الأدب ثم بشهود المنعم في النعمة وبالشكر عليها ولا يخلو العبد في جملة أحواله عن بلية لا بد له من الصبر عليها ونعمة لا بد له من الشكر عليها وكل ذلك من المراقبة بل لا ينفك العبد في كل حال من فرض لله تعالى عليه أما فعل يلزمه مباشرته أو محظور يلزمه تركه أو ندب حث عليه ليسارع به إلى مغفرة الله تعالى ويسابق به عباد الله أو مباح فيه صلاح جسمه وقلبه وفيه عون له على طاعته ولكل واحد من ذلك حدود لابد من مراعاتها بدوام المراقبة ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه فينبغي أن يتفقد العبد نفسه في جميع أوقاته. ولا يطول أمله خمسين سنة فيطول عليه العزم على المراقبة فيها بل يكون ابن وقته كأنه في أخر أنفاسه فلعله أخر أنفاسه وهو لا يدرى وإذا أمكن أن يكون أخر أنفاسه فينبغى أن يكون على وجه لا يكره أن يدركه الموت وهو على تلك الحالة وتكون جميع أحواله مقصورة على ما رواه أبو ذر رضى الله تعالى عنه من قوله عليه السلام: " لا يكون المؤمن ظاعنا إلا في ثلاث تزود لمعاد أو مرمة لمعاش أو لذة في غير محرم" الحديث أخرجه أحمد وابن حبان والحاكم وصححه.  [ الأنترنت – موقع المراقبة ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والعشرون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان : وحقيقة المراقبة

هي : من رقب، وهذه المادة تدل على انتصاب لمراعاة شيء، ومن ذلك

الرقيب وهو الحافظ، ويقال المرقب للمكان العالي الذي يقف عليه الناظر فينظر من خلاله إلى ما يريد وقيل للرقبة التي في الإنسان رقبة لأنها منتصبة، ومن يريد أن ينظر أو يشاهد لا بد أن ينتصب عند نظره فيرفع رأسه وينظر إلى مطلوبه، والمرأة الرقوب هي التي لا يعيش لها ولد فكأنها ترقبه لعله يبقى، وفي أسماء الله عز وجل الرقيب وهو الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء كما سيأتي. وأما حقيقة المراقبة في معناها الاصطلاحي فمما ذكر في ذلك ما ذكره الحافظ ابن القيم رحمه الله بأنها: "دوام علم العبد وتيقنهُ باطلاع الحق سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه، فاستدامتنا لهذا العلم هو المراقبة؛ إذا تيقن الإنسان أن الله ينظر إليه وأنه لا يخفى عليه شيء من أحواله هذا هو حال المراقبة؛ فهي: التعبد لله عز وجل باسمه الرقيب الحفيظ العليم السميع البصير الخبير الشهيد وما إلى ذلك من الأسماء. يقول الحافظ ابن القيم رحمه الله في نونيته: وهو الرقيب على الخواطر واللواحظ كيف بالأفعال والأركان يعلم خطرات النفوس ولحظ العيون كيف بالحركات والأفعال الظاهرة. وفي حديث جبريل عليه السلام أنه سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الإحسان فقال: «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك» [رواه البخاري]. ومقام المراقبة أيها الأحبة جامع للمعرفة مع الخشية، فبحسبها يحصل مقام المراقبة إذا علم العبد أن الله تعالى يطلع عليه وخافه، فإن هذا الخوف مع علمه باطلاع الرب يقال له الخشية، فإذا اجتمع هذا وهذا كان ذلك تحصيناً لهذا المقام وارتقاء إلى هذه المرتبة، وبذلك ينكف العبد عن فعل ما لا يليق. [الأنترنت – موقع طريق افسلام – د خالد السبت - مراقبة الله]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثامنة والعشرون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان : * منزلة المراقبة :

المراقبة أساس الأعمال القلبية كلها، وهي عمودها الذي قيامها به، وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم أعمال القلب وفروعها كلها في كلمة واحدة في الحديث السابق في الإحسان: «أن تعبد الله كأنك تراه» فهذا جامع لمقام الإسلام والإيمان والإحسان، «فإن لم تكن تراه فإنه يراك» ومن أهل العلم من يقول: "إنها مرتبة واحدة، أن تستشعر هذا المعنى أن تعبد الله كأنك تراه، وعليك أن تعلم أنك إن لم تكن تراه فإن الله يراك فهي مرتبة واحدة". ومن أهل العلم من يقول هما مرتبتان : الأولى: أن تعبده كأنك تراه، وهي الأعلى، فإذا لم يستطع العبد أن يحصل ذلك فإنه ينحط إلى المرتبة التي بعدها من مرتبتي الإحسان،

 وهو أن يستشعر أن الله يراه، وهذا هو اختيار الحافظ ابن القيم رحمه الله، فيعلم أن الله عز وجل مشاهد له مطلع عليه في ظاهره وباطنه وإذا تحقق العبد من هذا لم يكن التفاته إلى المخلوقين فيتزين لهم ويتصنع، ويكون محافظاً على حدود الله عز وجل في الجلوة، ويكون منتهكاً لحرماته في الخلوة، فإن هذا لم يراقبه. وكثيراً أيها الأحبة لا يكاد يخلو يوم من سؤال يكتبه صاحبه برسالة يبعث بها يسأل عن عمل يستحي أن يسأل عنه مباشرة، وهذا من العجب يستحي أن يسأل مخلوقاً ضعيفاً لا يعرفه ومع ذلك يفعل ذلك والله تبارك وتعالى يراه ويطلع عليه والملك يشاهده ويكتب عمله، وقد قال أبو حفص لأبي عثمان النيسابوري رحمه الله: "إذا جلست للناس فكن واعظاً لقلبك ولنفسك ولا يغرنك اجتماعهم عليك فإنهم يراقبون ظاهرك والله يراقب باطنك"[ الأنترنت – موقع طريق افسلام – د خالد السبت - مراقبة الله ]

*الأثر الإيماني للمراقبة :

1 – استغلال الوقت بما ينفع من خير الدين والدنيا لأنك موقن بنظر الله لك فكيف تضيع وقتك فيما لا نفع فيه ولو فكرنا قليلاً في هذا الأمر لتبين لنا سبباً من أسباب علو الهمة ألا وهو: مراقبة الله – تعالى -فالمؤمن كلما علم بذلك وأيقن برؤية الله له فإنه لابد أن يجاهد نفسه على عمارة الوقت بالأعمال الصالحة .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

التاسعة والعشرون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*الأثر الإيماني للمراقبة :

2- والمؤمن إذا أيقن بعلم الله به، فالواجب أن يطهر قلبه من الحقد والحسد

 والغش والعشق والتعلق بغير الله – تعالى – إذ كيف يحمل هذه الأمراض في قلبه وهو على يقين بأن الله يرى ما في قلبه (والله يعلم ما في قلوبكم).

3- ومن فوائد المراقبة: الإقبال على الطاعات ومجاهدة النفس عليها لأن الله يراك فلا بد من تحمّل أعباء العمل ومجاهدة النفس على الاستمرار على العمل.

4- ومن الفوائد: البعد عن الذنوب والملهيات لأنك على يقين بأن الله يراك (وهو معكم أينما كنتم) وللأسف فإننا نسمع من يقول أنا لا أستطيع ترك الذنوب فنقول له: تذكر أن الله يعلم بك فإذا تذكرت ذلك فماذا ستفعل بعد تذكرك لذلك.

5-  مجالسة العلماء و أهل الصلاح والتقى و البعد عن الكسالى و البطالين  .

6- محاسبة النفس والخلوة بها ومعاتبتها بين الفينة والأخرى ؛ كما قال ميمون بن مهران: ساعة لا ينبغي أن يغفل العبد عنها ساعة محاسبة ومعاتبة، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا وتزينوا للعرض الأكبر على الله. وقال ابن القيم: وهلاك النفس من إهمال محاسبتها ومن موافقتها واتباع هواها.

7- التفكر في مخلوقات الله واستشعار عظمة الله ، كما قال أحد السلف :

ساعة تفكر خير من قيام ليلة  ، وعن مالك عن عون قال: سألنا أم الدرداء

قلنا: ما كان أفضل عبادة أبي الدرداء قالت التفكر والاعتبار. فإن التفكر يشعر المرء بأن الله يراه فبالتالي يزداد خوفه و خشيته منه سبحانه .

8- الدعاء: سلاح المؤمن وهو الصلة بين العبد وربه، هو السبب إذا انقطعت الأسباب والباب إذا أغلقت الأبواب هو الحبل المتين والسلاح المبين ،  فليسأل العبدُ ربَّه وليتضرع إليه ليلاً ونهاراً بلسان صادق وقلب خاشع بأن يرزقه خشيته ومراقبته في السر والعلن..[الأنترنت – موقع فوائد مراقبة الله ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثلاثون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان : * أنواع المراقبة :

 يمكن أن تتنوع المراقبة إلى أنواع مختلفة باعتبارات متعددة، ولكن يمكن أن أقتصر على وجه من تنويعها :  النظر الأول : المراقبة تكون قبل العمل، قبل أن تقدم على العمل ينبغي أن تسأل نفسك؛ هل لك فيه نية؟، ما ذا تريد بهذا العمل الذي تقوم به؟، حينما تريد أن تتصدق بصدقة هل هذه الصدقة تريد بها وجه الله أو أنك تجمع خسارة في الدنيا وعذاباً في الآخرة؟، إذا كان الإنسان ينفق من أجل أن يقال منفق، فيكون من أول من تسعر بهم النار يوم القيامة، هذا الإنسان الذي يريد أن يطلب العلم هل يريد أن يطلب هذا العلم من أجل أن يقال عالم، حينما يقوم الإنسان بمشروع من الأعمال الطيبة من إغاثة المنكوبين أو القيام على الفقراء والأرامل والأيتام، هذه أعمال جليلة، وتتطلب من الإنسان ألوان التضحيات، فينفق فيها وقته وجهده، ولربما لا يراه أهله إلا في قليل من الوقت، هل لك فيه نية، يسأل الإنسان حينما يريد أن يقدم على هذه الأعمال هل هو لله؟، هل للنفس فيه هوى؟، هل للشيطان فيه نزغة فيتثبت؟، فإن كان لله أمضاه، وإن كان لغيره صحح نيته وأخلص قصده وعمله، وفي هذا يقول الحسن البصري رحمه الله: "كان أحدهم إذا أراد أن يتصدق بصدقة نظر وتثبت، فإن كان لله أمضاه، ويقول: رحم الله عبداً وقف عند همه فإن كان لله مضى وإن كان لغيره تأخر". وجاء عن محمد بن علي رحمه الله: "إن المؤمن وقاف ومتأنٍ يقف عند همه ليس كحاطب ليل.

فلا يتسارع الإنسان في الأعمال في هذه الحياة الدنيا ولو كان ظاهر ذلك من الأعمال الصالحة حتى ينظر قبل أن يقدم عليه هل له فيه نية صحيحة أو لا".

 تعرفون حديث الثلاثة الذين تسعر فيهم النار يوم القيامة أول الناس:

هذا رجل عالم، وهذا رجل جواد، وهذا رجل قارئ للقرآن أو مجاهد في سبيل الله، فهذا جاهد ليقال شجاع، وهذا قرأ ليقال قارئ، أو تعلم العلم ليقال عالم، وهذا أنفق من أجل أن يقال جواد، فيدخل النار قبل السراق، والزناة، وأصحاب الجرائم، فالمسألة ليست بالشيء السهل، قد يتصور كثير من الناس أن الذين يُتوعدون بالعقوبة أنهم على خطر وخوف هم أولئك الذين يقارفون ما يقارفون من ألوان الشهوات الظاهرة؛ وما علم أن الشهوات الباطنة قد تكون أعظم وأشد من الشهوات الظاهرة، الإنسان أليس ينفق المال من أجل تحصيل المحامد، أليس الرجل قد يقدم في نحر العدو في شجاعة متناهية من أجل أن يقال شجاع، فيبذل نفسه من أجل قيلهم هذا، هذه أغلى ما يملكه الإنسان، النفس والمال :لولا المشقة ساد الناس كلهم *** الجود يفقر والإقدام قتال

  فيبذل الإنسان هذه الأمور التي هي أغلى ما يملك من أجل تحصيل شيء من حظوظ النفس الخفية، طلب المحمدة والسمعة، والرياء ، فليس الهالك هو ذلك الإنسان الذي يتبع ما يمليه عليه هواه من ألوان الشهوات من الفجور والمعاصي ومعاقرة الفواحش وما أشبه ذلك فحسب بل إن الهلكة تقع أيضاً في تلك النية المختلة الفاسدة التي لربما كان صاحبها يفطم نفسه عن ألوان المتع من النزه وأكل الطيبات والراحة والنوم والتمتع بألوان المتاع وهو يعمل ويكدح ويواصل الليل والنهار لكن ليس له في هذا نية، وقد ينتفع كثير من الناس ولكنه كالشمعة أو السراج الذي يضيء للآخرين ويحرق نفسه.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الواحدة والثلاثون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان : * أنواع المراقبة :

النظر الثاني هو أثناء العمل: يحتاج الإنسان إلى مراقبة لله عز وجل وهو يعمل، ونحن نصلي نراقب الله عز وجل في صلاتنا في ركوعنا وسجودنا وما نقوله فينا في صيامنا نراقب الله عز وجل لا نتكلم بكلام ينافي الصوم ولا نفعل فعلاً يخدشه، ونحن حينما نقوم بعمل من الأعمال الدعوية أو غير الأعمال الدعوية مما يحبه الله عز وجل ويرضاه أثناء العمل نصحح النية ونتابع فإن القلب كثير التقلب ولذلك قيل له الفؤاد والله أعلم لكثرة تفؤده وتوقده بالخواطر والأفكار والإرادات، يبدأ الإنسان بنية صحيحة ثم تجد قلبه يتقلب عليه، فيحتاج إلى ملاحظة دائمة أثناء العمل. الذي يتكلم يلاحظ نفسه عند الكلام، والذي يعمل يلاحظ نفسه عند العمل، والذي يكون حتى في أعماله المباحة يلاحظ ويراقب نفسه عند القيام بهذا العمل المباح.

  فالعبد أيها الأحبة إذا كان في طاعة يتفقد عمله هل جاء بأركانه وشروطه وواجباته وما أشبه ذلك. إذا كان في معصية ينزجر وينكف ويتذكر نظر الله عز وجل إليه. وإذا كان الإنسان في أمر مباح فإنه يشكر الله عز وجل على هذه النعم التي أولاه إياها، إذا كان يأكل يتفكر في هذا الطعام الذي يأكله كيف وصل إليه وكيف حرمه كثير من الناس وما يشتمل عليه هذا الطعام من ألوان العبر التي إذا نظر إليها الإنسان أحيت قلبه، هذا نظر أثناء العمل. وهكذا أيضاً يتفقد الإنسان أوقاته؛ لأن الإنسان في هذه الحياة مبحر مسافر، كيف يقضيها، هذا اليوم منذ أن أشرقت شمسه ما هي المغانم والمكاسب التي حصلها فيه، في أربع وعشرين ساعة كان يمكن أن يقرأ ثمانية وأربعين جزءاً؛ فماذا قرأ، في هذه الأوقات كم يمكنه أن يصلي فيها من ركعة لله عز وجل، كم يمكنه أن يقرأ من صفحة في علم نافع، كم يمكنه أن يسبح من تسبيحة وأن يستغفر، فيفكر في هذه الأوقات التي تصرمت، منذ الليلة الماضية مثل هذا الوقت إلى الآن ما هي مكاسبنا؟، ماذا عملنا؟، هذه الإجازة قد انتصفت، ما الذي خرجنا به؟، ما هي الأعمال التي قمنا بها؟، الإنجازات التي حققناها كم تكافئ من أيام هذه الإجازة التي قد تصرمت؟، وهكذا أيها الأحبة يتفقد الإنسان دائماً نفسه وينظر في حاله وفي تقصيره وفي عمله حتى يلقى الله عز وجل وهو على يقظة دون أن يكون غافلاً فيخترمه الموت ثم بعد ذلك يندم ولا ينفعه الندم. الأعمال التي يزاولها هل هذا هو الأفضل والعمر قصير أو أن هناك أعمالاً أفضل من هذه يمكن أن يتجر بها ويربح في تجارته مع الله جل جلاله. وهكذا أيها الأحبة في كل شأن من شؤوننا، في الكلام؛ المجالس لربما كان الإنسان واعظاً، أو داعية، أو خطيباً، ويعلم الناس، ويبين لهم الأشياء التي يحتاجون إليها، يبين لهم حكم الغيبة، وإذا جلس في المجالس ينطلق لسانه في أعراض المسلمين، من غير أن يرعوي، ينبغي للإنسان أن ينظر في عمله فعلاً ولا يغتر ولا يظن أنه يمكن أن يجتاز الصراط بظاهر من التدين والله عز وجل يعلم حاله وما ينطوي عليه سره وقلبه وخبيئته. هذه الأشياء الجميع يحتاج أن يراجع فيها نفسه، ولا يخلو أحد فمقل أو مستكثر، وقد قال بعضهم: "عالجت الصمت عما لا يعنيني عشرين سنة قبل أن أقدر منه على ما أريد"، وكان هذا الرجل لا يدع أحداً يغتاب أحداً في مجلسه، ويقول لجلسائه: "إن ذكرتم الله أعناكم وإن ذكرتم الناس تركناكم"، من منا يفعل هذا، إذا أراد أحداً أن يغتاب الناس قال له سبح، اذكر الله عز وجل، ولو كان هذا المغتاب من الصالحين من الخيرين، فإن حدود الله عز وجل لا يحابى بها أحد، فينبغي على الجميع أن يلتزم أمر الله تبارك وتعالى ويجتنب نهيه، وليس صلاح الإنسان في الظاهر، أو جهوده التي يبذلها في سبيل الله تبارك وتعالى تكون مسوغاً وسبباً لأن يفعل ما يريد.  [ الأنترنت – موقع طريق افسلام – د خالد السبت - مراقبة الله ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثانية والثلاثون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*كيف نصل إلى المراقبة :

  أول ذلك  وهو من أعظمه أن نستحضر معاني الأسماء الحسنى التي تؤثر

في هذا المقام والله تبارك وتعالى علمنا في هذا القرآن جملة طيبة كثيرة من أسمائه جل جلاله، وإنما ذلك من أجل أن نتعبده بهذه الأسماء. فمن أسمائه التي تتعلق بهذا المعنى: الرقيب، وكذلك الحفيظ، والعليم، والخبير، والشهيد، والمحيط، واللطيف، إلى غير ذلك من الأسماء التي إذا أدرك العبد معناها وتعبد ربه بمقتضاها فإن ذلك يؤدي به إلى تحصيل مقام المراقبة.

  فالرقيب هو الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء، الحفيظ الذي لا يغفل، العليم الذي لا يعزب عنه مثقال شيء من أحوال خلقه، يرى أحوال العباد ويحصي أعمالهم، ويحيط بمكنونات سرائرهم فهو مطلع على الضمائر، شاهد على السرائر، يعلم ويرى ولا يخفى عليه السر والنجوى {وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [سورة المائدة: 117]، {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [سورة النساء: 1]، {وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا} [سورة الأحزاب: 52].

رقيب على كل الوجود مهيمن *** على الفلك الدوار نجماً وكوكبا

رقيب على كل النفوس وإن تلذ *** بصمت ولم تجهر بسر تغيبا

رقيب تعالى مالك الملك مبصر *** به كل شيء ظاهر أو محجبا

والمراقبة هي ثمرة علمه بأن الله سبحانه وتعالى رقيب عليه ناظر إليه سامع لقوله مطلع على عمله في كل وقت وحين، وفي كل نفس وفي كل طرفة عين، فإذا أرادت عينه أن تمتد إلى النظر إلى ما حرم الله عز وجل لامرأة يشاهدها ويراها في الطريق أو في الأسواق أو كان ذلك في شاشة فإنه يدرك ويعلم أن نظر الله إليه أسبق من نظره إليها فيخاف وينزجر وينكف، عن هذا النظر، وكان الإمام أحمد رحمه الله كثيراً ما يردد:

 إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل *** خلوت ولكن قل علي رقيب

ولا أن الله يغفل ساعة *** ولا أن ما تخفي عليه يغيب

لهونا عن الأيام حتى تتابعت *** ذنوب على آثارهن ذنوب

 فياليت أن الله يغفر ما مضى **** ويأذن في توباتنا فنتوب

قال رجل لوهيب بن الورد رحمه الله: "عظني؟"، قال: "اتق أن يكون الله أهون الناظرين إليك".

وهذا للأسف قد نقع فيه، وإذا تتابعت الغفلة على قلب الإنسان فإنه قد

يستحي من مخلوق ضعيف ولربما كان صبياً صغيراً أن يفعل ما لا يليق بحضرته

ولكنه يفعل العظائم والله تبارك وتعالى يراه ويطلع عليه وينظر إليه.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثالثة والثلاثون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*كيف نصل إلى المراقبة :

ومن أسمائه تبارك وتعالى: الشهيد، وهو مشتق من الشهود بمعنى الحضور، وذلك يستلزم العلم. فالله مطلع على كل الأشياء يسمع جميع الأصوات، خفيها وجليها، ويبصر جميع المبصرات دقيقها وجليلها صغيرها وكبيرها، وأحاط علمه بكل شيء، فهو شهيد أيضاً، يشهد على الخلق يوم القيامة بما علم وشاهد من أفعالهم {وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا تَعْمَلُونَ} [سورة آل عمران: 98]، {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا} [سورة النساء: 33]، {وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا} [سورة النساء: 79].

والفرق بين الرقيب والشهيد: أن الرقيب فيه زيادة حفظ، فالشهيد مطلع شاهد ينظر إليه، وأما الرقيب فهو مطلع عليه يحفظ عمله الذي يزاوله ويعمله؛ فالله تبارك وتعالى رقيب شهيد، وهو كذلك أيضاً حفيظ.

والحفيظ له معنيان: الأول: أنه حفظ أعمال العباد فلم يذهب شيء منها، كل ما يقوله الإنسان وكل ما يعمله محفوظ، سواء كان ذلك من قبيل الخير أو الشر، وهذا المعنى من حفظه تبارك وتعالى يقتضي إحاطة علمه بكل المخلوقات، وأنه كتب ذلك تبارك وتعالى في اللوح المحفوظ وفي الصحف التي بأيدي الملائكة، وعلم بمقادير هذه الأعمال والأشياء، فلم يفت عليه شيء من ذلك.

المعنى الثاني من معاني الحفيظ: أنه يحفظ عباده مما يكرهون، {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا} [سورة يوسف: 64].

يقول ابن القيم رحمه الله في الجمع بين هذين المعنيين:

وهو الحفيظ عليهم وهو الكفيل *** بحفظهم من كل أمر عاني

حفيظ عليهم: يحفظ أعمالهم، وهو الكفيل بحفظهم: يحفظهم من المكاره.

جل الحفيظ فلولا لطف قدرته *** ضاع الوجود وضل النجم والفلك

 حتى القطيرةَ من ماء إذا نزلت *** من السحب لها في حفظها ملك

{إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ} [سورة هود: 57]، فمن علم أن ربه حفيظ؛ حفظ جوارحه وقلبه من كل ما لا يليق.

والعلم الحديث أثبت أنه يمكن استرجاع ما يصدر من الإنسان من الأصوات،

يقولون إن كلام الإنسان يتحول إلى موجات هوائية وأن هذه الموجات تبقى كما هي في الأثير بعد حدوثه ومن الممكن أن تسترجع وأن تسمع مرة أخرى، يقول لكنا علومنا قاصرة لم تصل إلى هذا بعد، يقولون لو استطاع العلم أن يكتشف جهازاً يستطيع أن يلتقط هذه الأصوات التي قالها القائلون منذ أن خلق الله عز وجل آدم -صلى الله عليه وسلم- فإن ذلك من الناحية العلمية ممكن لكن يقولون لم نصل إليه بعد، ونحن نعلم يقيناً أن الله تبارك وتعالى قد أحاط بذلك كله وأن الله قادر على أن يسمع الناس كلامهم، وهو قادر تبارك وتعالى على أن يعيد لهم الصورة من جديد في العمل الذي يزاولونه، الله على كل شيء قدير، ولهذا فإن الله ينطق الجوارح وينطق الأرض، الأرض تحدث أخبارها، والجوارح تتكلم بما عمله الإنسان فيها.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الرابعة والثلاثون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*كيف نصل إلى المراقبة :

ومن أسمائه تبارك وتعالى: المحيط. فالله رقيب، شهيد، حفيظ، محيط، وهذه

الأسماء: الرقيب والشهيد والمحيط والحفيظ تشترك في صفة العلم، لكن الرقيب يفيد مع العلم الحفظ، والشهيد يفيد مع العلم الحضور، والمحيط يفيد مع العلم الشمول والإحاطة والقدرة.

ومن أسمائه تبارك وتعالى أيضاً: العليم. {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ} [سورة الحديد: 4]، {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} [سورة البقرة: 235]. والرب فوق العرش والكرسي *** لا يخفى عليه خواطر الإنسان

فمن علم أن الله تبارك وتعالى عالم بكل شيء، حتى بخطرات الضمائر ووساوس

 الخاطر فعليه أن يراقبه وأن يستحي منه وأن يكف عما

لا يليق ولا يغتر بجميل ستره تبارك وتعالى وإنما يخشى بغتات قهره ومفاجآت مكره، قال الله تعالى: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىٰ مِنَ الْقَوْلِ} [سورة النساء: 108]، {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ ۖ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [سورة الملك: 13]، {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [سورة الملك: 14].

كل معلوم ففي علمك كان *** أنت محصيه زماناً ومكاناً

أنت سبحانك أدرى بالذي *** فيه ذرات نقاط وكياناً

أنت محصيها وهاديها إلى *** نشوة تسبيح قلباً ولساناً

إحاطة بجميع الغيب عن قدر *** أحصى بها كل موجود ومفتقد

وكلهم باضطرار الفقر معترف *** إلى فضائله في كل معتمد

العالم الشيءَ في تصريف حالته *** ما عاد منه وما يمض فلم يعد

 ويعلم السر من نجوى القلوب وما *** يخفى عليه خفي جال في خلد

يقول سفيان الثوري رحمه الله: "عليك بالمراقبة مما لا تخفى عليه خافية،

وعليك بالرجاء ممن يملك الوفاء".

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الخامسة والثلاثون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*كيف نصل إلى المراقبة :

ومن أسمائه تبارك وتعالى: الخبير. وهو الذي يعلم بواطن وخفايا الأشياء، والارتباط بين العليم والخبير والشهيد لا يخفى؛ فإذا اعتبرنا العلم مطلقاً فهو العليم، وإذا أضيف إلى الغيب والأمور الباطنة فهو الخبير، وإذا أضيف إلى الأمور الظاهرة فهو الشهيد.

ومن أسمائه تبارك وتعالى: السميع والبصير؛ يسمع الأصوات ويرى المبصرات، يسمع السر والنجوى، ويبصر ما تحت الثرى.

ومن أسمائه: المهيمن. وهو الرقيب الحافظ لكل شيء، الخاضع لسلطانه كل شيء، فهو القائم على خلقه، الشهيد عليهم، {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [سورة الرعد: 33]، {إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي

السَّمَاءِ} [سورة آل عمران: 5].

ما شاء كان وما في الكون خافية *** تخفى على علمه بدأً ومنقلباً

 إنا إليه أنبنا خاشعين له *** وجاعلين له من ذكره سبباً

فلا شيء في ملكه طوع إرادته *** بمستطيع خروجاً أينما ذهباً

جل الميهمن رباً لا شريك له *** وجل إن لم يهب شيئاً وإن وهباً

ومن أسمائه تبارك وتعالى: القريب. {إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ} [سورة هود: 61]، وقربه سبحانه وتعالى نوعان:

قرب عام، وهو إحاطة علمه بجميع الأشياء، وهو أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد. والقرب الآخر قرب خاص بالداعين والعابدين

{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [سورة البقرة: 186]. يقول عامر بن عبد القيس رحمه الله: "ما نظرت إلى شيء إلا رأيت الله تعالى أقرب إليه مني". [ الأنترنت – موقع طريق افسلام – د خالد السبت - مراقبة الله ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

السادسة والثلاثون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*ومن سبل مراقبة الله :

 1/ التعرُّف على الله!

فالإيمان بأسماء الله تعالى: الرقيب، والحفيظ، والعليم، والسميع، والبصير، والتعبد لله تعالى بمقتضاها يورث مراقبة الله تعالى. فالرقيب الذي يرصد أعمال عباده، والحفيظ الذي يحفظ عباده المؤمنين، ويحصي أعمال العباد، والعليم

الذي لا تخفى عليه خافيةٌ من أمور عباده، والسميع المدرك للأصوات،

والبصير الذي يرى كل شيء.

قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء/1]، وقال إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) [هود/57]، وقال: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [المجادلة/7]، وقال: (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الإسراء/1].

والإيمانُ بأنَّ الله تعالى سميع يمنع من أن يصدر عن المسلم كلام يسخط الله، إنَّ عائشة رضي الله عنها لمَّا جاءت المجادِلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في غرفتها تشكو زوجها غاب عن سمعها كثير من كلامها، فلما نزلت السورة قالت: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الْأَصْوَاتَ، لَقَدْ جَاءَتْ الْمُجَادِلَةُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ تَشْكُو زَوْجَهَا وَمَا أَسْمَعُ مَا تَقُولُ، فَأَنْزَلَ الله: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا...)" رواه البخاري وابن ماجة.

وإذا خلوت بريبـةٍ في ظلمة **** والنفس داعـية إلى الطغيان

فاستح من نظر الإله وقل لها **** إن الذي خلق الظلام يراني

وقال آخر:

إذا ما خلوت الدهر يومًا فلا تقل **** خلوت ولكن قل عليَّ رقيب

ولا تحسبن الله يغفُل ساعــة **** ولا أن ما تخفيـه عنه يغيب

ألم ترَ أنَّ اليوم أسرعُ ذاهــبٍ *** وأن غدا للناظــرين قريب

2/ العلم بشهادة الجوارح في الآخرة.

قال تعالى: (حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا

 يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا الله الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ الله لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ) [فصلت/20-24]. وقال تعالى: (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [يس/65].

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

السابعة والثلاثون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*ومن سبل مراقبة الله :

3/ العلم بشهادة الأرض بما عُمِل فوقها من المعاصي.

قال تعالى: (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا)، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها، أن تقول: عمل كذا وكذا في يوم كذا وكذا » رواه الترمذي.

4/ كثرة العبادة :فكلما أكثر الإنسان من الطاعات عسُر عليه أن يأتي المحرمات.

ومعلوم أن الراهب في قصة الذي قتل تسعةً وتسعين نفساً لما سأله القاتل: هل لي من توبة؟ قال الراهب: لا. وليس خافياً على أحد أن هذه فتيا بدون علم، ولكن مما يستفاد منها أنه ما قال مقالته إلا ببغضه العظيم للمعصية، وما بغض إليه معصية الله إلا كثرة عبادته.[الأنترنت – موقع قصيمي نت - قصص عن مراقبة الله]

*ومن الأسباب الموصلة إلى مقام المراقبة :

 أولها :علم القلب بقرب الله تعالى من العبد". هذا السبب الأول الموصل إلى

مقام المراقبة؛ أن نعرف معاني هذه الأسماء، وأن نتعبد الله تبارك وتعالى بمقتضاها.

السبب الثاني الذي يوصل إليها: هو أن نحقق مرتبة الإحسان. أن نعبد الله عز وجل كأننا نراه، وإنما ينشأ ذلك من كمال الإيمان بالله وأسمائه وصفاته حتى يصير العبدُ بمنزلة كأنه يرى ربه تبارك وتعالى فوق سماواته مستوياً على عرشه، يتكلم بأمره ونهيه ويدبر أمر الخليقة، فينزل الأمر من عنده ويصعد إليه وتعرض أعمال العباد وأرواحهم عند الموافاة عليه كما يقول الحافظ ابن القيم رحمه الله.

الثالث من هذه الأسباب : هو كثرة ذكر الله عز وجل بالقلب واللسان.

وقد ذكر الحافظ ابن القيم في الوابل الصيب للذكر أكثر من مائة فائدة، وذكر العاشرة منها وهو أنه يورثه المراقبة حتى يدخله في باب الإحسان فيعبد الله كأنه يراه، ولا سبيل للغافل عن الذكر إلى سبيل الإحسان، كما لا سبيل للقاعد إلى الوصول إلى البيت الحرام، وأفضل الذكر كما هو معلوم ما تواطأ عليه القلب واللسان، ولو أردنا أن نوازن بين ذكر القلب وذكر اللسان، فلا شك أن ذكر القلب أفضل من ذكر اللسان بمجرده، لأن الإنسان قد يلهج بلسانه

وقلبه في غاية الغفلة، فذكر القلب يثمر المعرفة، ويُهيج المحبة، ويثير الحياء، ويبعث على المخافة، ويدعو إلى المراقبة.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثامنة والثلاثون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان : *من سبل مراقبة الله :

الأمر الرابع من الأمور التي توصل إلى مقام المراقبة: أن يحاسب الإنسان نفسه دائماً. أن يلاحظ الأنفاس والخطرات، فلا يكون العبد من الغافلين. جاء عن بلال بن سعد رحمه الله أنه قال: "لا تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن انظر إلى من عصيت". قال ابن المبارك لرجل: "راقب الله تعالى"، فسأله الرجل عن

تفسير ذلك فقال: "كن أبداً كأنك ترى الله".

وقال بعضهم: "إنما هي أرباح عيناك ولسانك وهواك وقلبك، فانظر عينيك لا تنظر بهما إلى ما لا يحل لك، وانظر لسانك، لا تقل به شيئاً يعلم الله خلافه من قلبك، وانظر قلبك لا يكن فيه غل ولا دغل على أحد من المسلمين، وانظر هواك لا تهوى شيئاً يكرهه الله عز وجل، فما لا تكن فيك هذه الأربع فالرماد على رأسك".  وقال آخر: "تعاهد نفسك في ثلاث مواضع، إذا عملت فاذكر نظر الله عليك، وإذا تكلمت فانظر سمع الله منك، وإذا سكت فانظر علم الله فيك".

وفؤادي كلما عاتبته *** في مدى الإجرام يبغي تعبي

لا أراه الدهر إلا *** لاهياً في تماديه فقد برح بي

يا قرين السوء ما هذا الصبا *** فني العمر كذا في اللعب

نفسي ما كنت ولا كان الهوى *** راقبي الله وخافي وارهبي

   كان لبعض الأمراء وزير وكان هذا الوزير جالساً بين يديه وعند هذا الأمير بعض الغلمان وقوف بجانبه في ناحية من المجلس فلاحت من هذا الوزير نظرة إلى هؤلاء الغلمان لشيء عرض، ثم التفت إلى الأمير وإذا الأمير ينظر إليه، فخشي أن يظن الأمير أن الوزير ينظر إلى هؤلاء الغلمان الحسان لريبة، فما الذي حصل من هذا الوزير ، جعل كلما حضر إلى مجلس هذا الأمير ينظر إلى تلك الناحية، ليوهم هذا الأمير، أنه إنما ينظر إليها لحول أو علة في خلقته، هذه في مراقبة مخلوق لمخلوق، أراد أن يمحو الصورة التي لربما وقعت في نظر أو في نفس هذا الأمير اتجاه هذا الوزير ليقول له لم أكن في ذلك اليوم أو في ذلك العام أنظر إليهم لريبة وإنما أنا هكذا أنظر إلى هذه الناحية خلقة، نظر مخلوق إلى مخلوق، فأين النظر إلى الله، أين مراقبة المعبود جل جلاله.

كأن رقيباً منك يرعى خواطري *** وآخر يرعى مهجتي ولسانيا

  وكان لبعض الملوك مملوك وعبد يؤثره على غيره من خدمه ومماليكه، فكأن نفوسهم قد تحركت نحوه، وتساءلوا عن سبب هذا التفضيل، فبينما هو في سفر ومعه هؤلاء المماليك والخدم إذ لاحت من هذا الملك نظرة إلى جبل في قمته ثلج، فركب ذلك المملوك على فرسه وركضه حتى انطلق دون أن يشعر به أحد إلى ذلك الجبل وأحضر من ذلك الثلج وجاء به إلى هذا الملك ووضعه بين يده، فسأهله هذا الملك: "كيف عرفت أني أرغب هذا الثلج؟"، فقال: "رأيتك نظرت إليه"، فهو يلاحظ نظرات هذا الملك، فقال الملك لجلسائه وخدمه ومماليكه: "من أجل هذا كنت أؤثره، إنكم تلاحظون مطلوبات نفوسكم وهو يلاحظ نظراتي وخطراتي". مخلوق ينظر إلى مخلوق آخر ينظر إليه، إذا حرك عينه اتجاه شيء قفز، وجاء به إليه، فأين نحن في معاملتنا مع الله تبارك تعالى، نعصي، ونقصر، وأحياناً ننقر الصلاة نقراً، ويصلي الإنسان بتثاقل، أين المحبة؟، وأين المراقبة؟، وأين التعبد لله عز وجل بمقتضى هذه الأسماء التي ذكرناها؟ يقول سفيان الثوري رحمه الله: "لو كان معكم من يرفع حديثكم إلى السلطان، أكنتم تتكلمون بشيء؟"، قالوا: "لا"، قال: "فإن معكم من يرفع الحديث".

وجاء عن آخر قال: "لو أن صاحب قدر جلس إليك، لكنت تتحرز منه، وكلامك يعرض على الله فلا تتحرز". فالنفس تحتاج إلى محاسبة، وملاحظة، أن نحاسبها أعظم من محاسبة الشريك الشحيح لشريكه، فإذا أصبح الإنسان قال لنفسه: يا نفس؛ هذا يوم جديد قد أمهلك الله عز وجل، فلو أن نفس الإنسان خرجت، لتمنى ساعة أو لحظة، يسبح فيها تسبيحة، هذا يوم جديد، وإمهال جديد، فينبغي أن يُشْغَلَ بما يرضي الله تبارك وتعالى، لا أن يستزيد الإنسان من الغفلة، والإعراض، والتمادي في مساخط الله عز وجل حتى يفاجئه الموت. [ الأنترنت – موقع طريق افسلام – د خالد السبت - مراقبة الله ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

التاسعة والثلاثون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*ثمرات المراقبة:  1/ الإيمان.

فعن عبد الله بن معاوية رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ثلاثٌ من فعلهنَّ فقد طَعِم طعمَ الإيمان: من عبد الله وحده وأنه لا إله إلا الله. وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه، رافدةً عليه كلَّ عام، ولا يعطي الهرِمَة، ولا الدَّرِنَة، ولا المريضة، ولا الشَّرَطَ اللئيمة، ولكن من وسط أموالكم، فإن الله لم يسألكم خيره ولم يأمركم بشره. وزكـى نفسه». فقال رجل: وما تزكية النفس؟ فقال: «أن يعلم أن الله عز وجل معه حيث كان» رواه أبو داود، والطبراني في الأوسط، والبيهقي.

وعلمُك بأنَّ الله معك يعني مراقبتك لله، فمن فعل ذلك وجد حلاوة الإيمان بالله.

2/ البعد عن المعصية.

ودليله حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظلّه: الإمام العادل، وشاب نشأ بعبادة الله، ورجل قلبه معلَّّق في المساجد، ورجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله» متفق عليه. فهذا الرجل الذي دعته المرأة لم ينأ عن سبيلها إلا بمراقبة ربه.

وقال نبينا صلى الله عليه وسلم: «قالت الملائكة ربّ! ذاك عبدك يريد أن يعمل سيئة (وهو أبصر به) فقال: ارْقُبُوه، فإن عملها فاكتبوها له بمثلها، وإن تركها فاكتبوها له حسنة. فإنه تركها من جَرَّاي» رواه مسلم. وما نزعُه إلا برقابة ربِّه.

قال حميد الطويل لسليمان بن علي: عظني. فقال: لئن كنت إذا عصيت خاليا

 ظننت أنَّه يراك لقد اجترأت على أمر عظيم، ولئن كنت تظن أنه لا يراك فلقد كفرت.

وقال ابن القيم رحمه الله: "وأرباب الطريق مجمعون على أن مراقبة الله تعالى في الخواطر سبب لحفظها في حركات الظواهر، فمن راقب الله في سره حفظه الله في حركاته في سره وعلانيته" وذلك أنّ الشيطان إذا لم يُستجب له في أمر معصية فإنه يدعو إلى طرقها وذرائعها، ومبدأ ذلك فكرة يلقي بها في رُوعِك، فإذا حرس الإنسان خاطره، وألقى عنه وساوس عدوِّ الله فقد قطع عليه السبيل، وجعل بينه وبينه حاجزاً فلم يحظ بمرادِه منه. وقيل لبعضهم: متى يهش الراعي غنمه بعصاه عن مراتع الـهَلَكة؟ فقال: إذا علم أنَّ عليه رقيباً

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الأربعون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان : *ثمرات المراقبة: 

3/ تحسين العبادة وأداؤها على أكمل وجه.

فإن نبينا صلى الله عليه وسلم ذكر تعريف الإحسان بقوله: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» متفق عليه. فالمرتبة الأولى عبادة شوق وطلب، فإن تعذَّر عبدتَ عبادة خوف وهرب. فالحديث صريح في أن مراقبة الله تدعو إلى تحسين العبادة.

قال ابن منظور رحمه الله: "من راقب الله أحسن عمله"

عن معاذ رضي الله عنه قال: يا رسول الله، أوصني. قال: «اعبد الله كأنَّك تراه، واعدُد نفسك من الموتى، وإن شئت أنبأتك بما هو

أملك بك من هذا كلِّّه، هذا» وأشار بيده إلى لسانه. رواه ابن أبي الدنيا.

4/ تورث الإخلاص : قال الحسن رحمه الله: "رحم الله عبدا وقف عند همِّه، فإن كان لله مضى، وإن كان لغيره تأخر"

5/ الطهر والعفاف : ففي حديث الثلاثة الذين سدت الصخرة عليهم مدخل

الكهف وتوسلوا إلى الله بصالح أعمالهم قال أحدهم: «اللهم كانت لي بنت عم كانت أحبَّ الناس إلي، فأردتها عن نفسها فامتنعت مني، حتى ألمت بها سنة من السنين فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها، ففعلت، حتى إذا قَدَرْتُ عليها قالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقِّه، فتحرجت من الوقوع عليها، فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي، وتركت الذهب الذي أعطيتها. اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافْرُج عنا ما نحن فيه. فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها...» متفق عليه.

وإذا ذُكِرت مراقبة الله وما تفضي إليه من طهر وعفاف ذُكِر الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم؛ يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام. فلقد راودته امرأة العزيز وكانت ذات منصب وجمال –على ما قاله أهل التفسير-، وهي سيدته، وجاء الطلب منها([8])، وألحفت في مسألتها وكررت طلبها، وكان المكان خالياً، ويوسف عليه السلام يسكن بيتها، وغلقت الأبواب فأمنا من عامل المفاجأة فلا يدخل أحد عليهما، وكان الكريمُ عليه السلام شاباً قوياً، والأنبياء من أقوى خلق الله، وكان أعزب لا زوجة له، غريباً، والغريب لا يحتشم احتشام غيره، والمرأة توعدته وهددته، مع ذلك كله: (قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) [يوسف/23]. قال ابن الجوزي رحمه الله: "يوسف عليه السلام لو كان وافق هواه، من كان يكون"؟ والربيع بن خُثَيْم رحمه الله الذي كان ابن مسعود رضي الله عنه يقول له: "يا أبا يزيد لو رآك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبَّك، وما رأيتُك إلا ذكرتُ المخبتين" تتعرَّى عنده فاجرة بعث بها فسقة يريدون إغواءه، (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً) [النساء/89]، فيردها ويزجرها، ولا يفوت عليه أن ينصحها، فتنتفع بقوله، وتقع كلماته عندها بموقع، فتنتظم في صف القانتين التائبين.

6/ الجنة. قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ)

[الملك/12]. وهم من إذا خلوا لم يأتوا ما حرم الله عليهم.

ولهذه الثمرات قال ابن عطاء رحمه الله: "أفضل الطاعات مراقبة الحق على دوام الأوقات"[ الأنترنت – موقع قصيمي نت - قصص عن مراقبة الله]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الواحدة والأربعون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان : *ثمرات المراقبة: 

  ومن ثمرات المراقبة :  أولا : التأدب مع الله عز وجل، فهو يدرك أن الله

 يسمعه وأن الله يبصره، صفة الإنسان إذا جلس أمام الناس لربما راقبهم في كل حركاتهم  وفي كل سكناتهم، لو كان الإنسان يتصرف بتصرفات لا تليق، ثم اكتشف أن في هذا المكان كمرة، ما الذي يحصل؟، ولو كان هذا الإنسان يفعل بعض الأمور المباحة، لكنه لا يفعلها أمام الناس، ما الذي يحصل؟، لو كان هذا الإنسان يتكلم بكلام محرم لا يليق، مع امرأة لا تحل له، بفحش، ثم اكتشف أن هذا الكلام جميعاً يسجل ويسمع، ما الذي يحصل له؟، لو كان هذا الإنسان يجلس في غرفة، ويوجد فيها ما ينقل الصوت إلى مكان آخر وفي المكان الآخر أهله وقراباته ونحو ذلك وهو يتكلم مع زوجته، بكلام مباح، لا يقوله أمام الناس، كيف تكون حاله؟، فكيف بمن يتكلم بما لا يليق مما حرمه الله عز وجل والله يسمعه فلا يتأدب مع الله جل جلاله؟

 الأدب مع الله عز وجل بأن نصون المعاملة معه فلا نشوبها بنقيصة، إذا صلى الإنسان يصلي صلاة لائقة أن يصون قلبه فلا يكون فيه التفات ولا تعلق بغير الله عز وجل، أولئك الذين يتعلقون بنظر المخلوقين وبثناء المخلوقين وإبراء المخلوقين؛ ماذا قالوا عن الحقل الفلاني وماذا قالوا عن المناسبة الفلانية وماذا قالوا عن الكلمة الفلانية وماذا قالوا....، قلبه يعذب ويتشتت، وهكذا أولئك الذين يتعلقون بالصور وأصحاب الصور، امرأة تتعلق بفتاة أو شاب يتعلق بمثله أو يتعلق بامرأة أو نحو ذلك، ولربما قال أحدهم لصاحبه كما ذكر بعضهم يسأل عن هذا: "أتمنى لو أني أحب الرسول صلى الله عليه وسلم كما أحبك"!!!، إلى هذا الحد، فهذه محبة مرضية قد يظن صاحبها أنها محبة لله وفي الله، هكذا أيضاً أن يلاحظ الإنسان إرادته فلا تتعلق إرادته بشيء لا يريده الله ولا يحبه ولا يرضاه منه فإذا وُجِدَت المراقبة فإن العبد تصلح أحواله في ظاهره وباطنه.

وقد قيل: أسرع الأشياء عظة للقلب وانكساراً له ذكر اطلاع الله بالتعظيم له، والمقصود أن المراقبة توجب صيانة الظاهر والباطن، فصيانة الظاهر بحفظ الحركات الظاهرة، وصيانة الباطن تكون بحفظ الخواطر والإرادات والحركات الباطنة، ومن الحركات الباطنة ضبط معرضة أمره وخبره، فيجرد الإنسان باطنه من كل شهوة وإرادة تعارض أمره، هذه مراتب عالية، أحياناً الإنسان في داخل نفسه قد يكره حكم الله عز وجل وتنفر نفسه منه وقد يتمنى في نفسه لو أن الله أباح له ذلك الأمر المحرم، أو أن الله يسر له ذلك ولربما كان في قلبه اعتراض على أقدار الله عز وجل، لماذا أنا فقير؟، لماذا أعمل دائماً وأكدح ولا أخرج بكبير طائل وفلان وفلان بعمل يسير يصلون إلى الأموال الطائلة والتجارات الكبيرة؟، هذا اعتراض على قدر الله عز وجل، فالله أعطى، وأغنى وأقنى عن علم وبصر بالعباد لا يخفى عليه من شأنهم خافية.

وقد يصاب الإنسان ببلية بمكروه بمرض، فيعترض على الله تبارك وتعالى في نفسه، فيقول: أنا دائماً مبتلى، لماذا يحصل لي هذا الحادث الشنيع؟، وبهذه الطريقة؟، وتحصل لي هذه الكارثة، يحصل لي هذا البلاء وأناس فجرة لا يرعوون من معصية الله عز وجل يتقلبون بألوان العافية ونحن نتقلب في ألوان البلاء؟...

 هذا ما عرف الله عز وجل، ما عرف الله، لو عرف الله لعرف أن أهل البلاء هم أهل القرب من الله تبارك وتعالى، وأن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، وقد يعترض الإنسان على الله تبارك وتعالى فيما شرعه فيقول له اختيار مع الله وتقدم بين يدي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فيعارض النصوص برأيه وبعقله وهواه، ويرد الآيات والأحاديث بهذا العقل الفاسد، ولربما حمل النصوص على المحامل الصعبة والتأويلات البعيدة من أجل أن يوافق هواه أو من أجل أن يوافق هوى الآخرين.

  إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثانية والأربعون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان : *ثمرات المراقبة: 

فالإنسان إذا راقب الله عز وجل تأدب معه الأدب اللائق فاستقام ظاهره واستقام باطنه ولم توجد في قلبه محبة تزاحم محبةَ الله عز وجل ولا في قلبه شبهة تعارض خبره، وقد قيل: "من راقب الله في خواطره عصمه الله في حركات جوارحه".

    ولما سئل بعضهم: "بما يستعين الرجل على غض بصره عن المحظورات؟"، قال: "بعلمه أن رؤية الله تعالى سابقة على نظره إلى

ذلك المحظور". كتب أحد الأشخاص رسالة طويلة يقول فيها: بأنه من المربين، وأنه قد ألقى درساً متكاملاً عن غض البصر، وذكر لي في هذه الرسالة جملة كثيرة من الكتب التي تحدثت عن غض البصر، والمراجع، وقال: أعرف ذلك جميعاً، ومع ذلك يقول :  أنظر باستمرار إلى الحرام ولا أستطيع أن أسيطر على نفسي، هذا الإنسان لو وصل إلى مقام المراقبة فعلاً لتغير حاله، لكن المشكلة التي نحتاجها أولاً : أن نعرف أننا نعرف كثيراً من المعلومات نسمعها وقد نتكلم بها ولكن دون أن يكون ذلك متغلغلاً في قلوبنا وأعماقنا، وكأننا نتحدث أو نسمع أشياء ونحن لا نقتنع بها، ولذلك الناس كم يسمعون من خطبة في العام، ما يقرب من خمسين خطبة، أين أثر هذه الخطب عليهم، يسمعون عن أكل الحرام، يسمعون عن آفات اللسان، يسمعون عن النظر إلى الحرام، يسمعون عن كل هذه القضايا فينظر الإنسان في حاله وفي نفسه، الخطيب والمستمع حينما يخرج من المسجد هل خرج بحال جديدة؟، هل تغيرت حاله؟، هل خرج بعمل جديد؟، فنحن لا نعرف في كثير من الأحيان حقيقة ما يخالج نفوسنا من العلل، نحن نستطيع أن نوصف علل الآخرين، ولربما لو قلت لهذا الإنسان ونصحته وذكرته بالله بأنه يعاني من كذا وكذا وكذا لربما انقبض منك ونفر ويرى أنك قد جرحته وآذيته، هل هذا الإنسان عنده إرادة صادقة فعلاً بإصلاح النفس.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثالثة والأربعون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان : *ثمرات المراقبة: 

مراقبة الله تعالى في الخواطر سبب لحفظها في حركات الظواهر، فمن راقب الله في سره حفظه الله في حركاته في سره وعلانيته، إذا تحققت المراقبة في الناس فإن ذلك يكون زاجراً ورادعاً يحمل النفوس على ما يجمل ويحسن ويليق، وذلك لا يمكن أن يقارن بحال من الأحوال بحال المخلوقين حينما يلاحظون الرقيب من الخلق، الناس الذين يحترمون النظام، الناس الذي يتركون الجريمة خوفاً من العقوبة ولكنهم إذا تمكنوا تحولت حالهم إلى شيء آخر، هؤلاء أين هم ممن يراقب الله عز وجل وهو يعلم أنه إذا أخذ هذا الطمع اليوم سيدفع الثمن غالياً من حسناته، ولذلك فإنك تجد هذا الإنسان لو كان بيديه كنوز الدنيا ما مد يده عليها، وآخر كلما لاح إليه شيء واستطاع أن يأخذه أخذه ولو من المسجد، لماذا ؟، هذا راقب الله؛ وهذا لم يراقبه ، هذا يعلم أنه سيحاسب وأن الله يرى ذلك وأن هذه المكاسب المحرمة أحياناً بالملايين.

وقد يعرض على هذا الإنسان إغراءات لرشى لربما تصل إلى الملايين وهو لربما لا يجاوز راتبه عشرة آلاف، ملايين في صفقة واحدة، برشوة، ومع ذلك يترك هذا لله عز وجل، لكن إذا كان لا يعرف ربه والحلال ما حل باليد، مثل هذا الإنسان سيقول هذه فرصة لا تعوض، ويتهم من ترك ذلك لله تبارك وتعالى بالغفلة والضعف والعجز وقلة العقل والقصور في النظر، حينما انطفأ الكهرباء في ليلة واحدة في نيويورك ماذا حصل؟، قبل سنين وكتبت عن ذلك الصحف، ألوان الجرائم من السرقات والاغتصاب، أشياء هائلة، أرقام فلكية، فقط ليلة واحدة ساعات انطفأ فيها الكهرباء تهافت الناس على المتاجر وعلى البيوت ينهبون ويسرقون، لأنهم علموا أن النظام لا يراقبهم، ولا يطلع على أفعالهم هذه، فحارس القانون قد يغيب وقوة الخلق قد تزول أو تضعف والحارس قد يغفل والقانون قد يؤول وقد يتحايل الناس عليه فيفعلون ما يريدون، لكن إذا ربينا الناس على مراقبة الله عز وجل فإنهم يكونون في مأمن بإذن الله تبارك وتعالى، مهما لاحت لهم الإغراءات والمطامع.

    أولادنا بل نحن قبلهم، أمام هذه الشهوات العارمة والفتن العظيمة إذا غاب الإنسان، هذا الولد إذا ربي على مراقبة الله عز وجل حينما يجلس منفرداً وأمامه الجهاز الذي لربما يعرض أكثر من ثلاثمائة قناة، وفي بعض تلك القنوات قد يشاهد كل شيء، إذا ربي على المراقبة فإنه يكون في مأمن، لا ينظر إلى شيء لا يحبه الله عز وجل ولا يرضاه، لكن إذا كان هذا الولد إنما يترك هذه

الأشياء خوفاً من نظر أبيه فإذا خلا بمحارم الله عز وجل فلا تسأل، يفري فرياً.

ولذلك أقول :الأب قد يموت، قد يغيب، قد يعجز، قد يضعف، قد يشيب، ثم بعد ذلك قد يسرح هؤلاء الأولاد في أودية الهلكة ويرتعون من هذه الشهوات، وفي هذه الشهوات، فنحتاج دائماً إلى أن نربي هذه المراقبة في نفوسهم من أجل أن نحافظ على إيمانهم وعلى حالهم مع الله عز وجل أن تكون على استقامة، ولا يخفى أيضاً ما بين الظاهر والباطن من الملازمة، استقامة الباطن إذا وجد الخوف من الله عز وجل واليقين بأن الله يرانا يستقيم الظاهر، فالظاهر أثر من آثار استقامة الباطن، كما أن استقامة الظاهر لا شك أنها تؤثر في استقامة الباطن.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الرابعة والأربعون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان : *ثمرات المراقبة: 

  وقد جاء عن المعتمد بن سليمان رحمه الله أنه قال: "إن الرجل يصيب الذنب في السر فيصبح وعليه مذلته"، مهما حاول الإنسان أن يتصنع أمام الآخرين، لا تحاول أن تذكر أعمالك عند الناس، لا تحاول أن تفهم هؤلاء الناس أنك تتصدق، أو أنك تقوم على مشاريع خيرية، لا تحاول أن تفهم هؤلاء الآخرين أن لك مساهمات دعوية أو أنك تكفل الأيتام، والأرامل، وما أشيه هذا، لا تحاول هذا، الذي تعمل من أجله يعلم بذلك وكفى، الناس مهما حاولت أن تتزين أمامهم فإن قلوبهم ترفض هذا الإنسان، إذا لم يكن له خبيئة من

صدق وإخلاص مع الله تبارك وتعالى.

  وقد قال أبو حازم رحمه الله: "لا يحسن عبد فيما بينه وبين الله عز وجل إلا أحسن الله فيما بينه وبين الناس، ولا يعور - أي يفسد - فيما بينه وبين الله عز وجل إلا عور فيما بينه وبين العباد، ولمصانعة وجه واحد أيسر من مصانعة الوجوه كلها، إنك إذا صانعت الله مالت الوجوه كلها إليك، وإذا أفسدت ما بينك وبين الله شنأتك الوجوه كلها".

يقول ابن الجوزي رحمه الله في هذا المعنى يقول: "نظرت في الأدلة على الحق فوجدتها أكثر من الرمل، ورأيت من أعجبها أن الإنسان قد يخفي ما لا يرضاه الله عز وجل فيظهره الله تعالى عليه ولو بعد حين وينطق الألسنة به وإن لم يشاهده الناس، وربما أوقع صاحبه في آفة يفضحه بها بين الخلق فيكون جواباً لكل ما أخفى من الذنوب، وذلك ليعلم الناس أن هنالك من يجازي على الزلل ولا ينفع من قدره وقدرته احتجاب ولا استتار ولا يخفى عليه عمل"، يقول: "وكذلك يخفي الإنسان الطاعة فتظهر عليه ويتحدث الناس بها وبأكثر منها حتى أنهم لا يعرفون له ذنباً ولا يذكرونه إلا بالمحاسن ليعلم أن هنالك رباً لا يضيع عمل عامل"، يقول: "وإن قلوب الناس لتعرف حال الشخص وتحبه أو تأباه وتذمه أو تمدحه وفق ما تحقق بينه وبين الله تعالى فإنه يكفيه كل هم ويدفع عنه كل شر وما أصلح عبد ما بينه وبين الخلق دون أن ينظر إلى الحق إلا انعكس مقصوده وعاد حامده ذاماً"، ولهذا كان يقول في كتاب (اللطف في الوعظ): "إذا لم تخلص فلا تتعب لو قطعت سائر المنازل - يعني منازل الحج - لم تكن حاجاً إلا ببلوغ الموقف - يعني عرفة". فأقول : كثير من الناس يحاول أن يظهر أمام المجتمع أمام الآخرين يطلب الشرف والمحمدة وأن يصدق في المجالس ولا يزيده ذلك من الله إلا بعداً وقلوب الخلق ترفضه، والخلوة لها تأثيرات تظهر في الجلوة، كم من مؤمن يحترم الله عز وجل في خلواته فيترك ما يشتهي حذراً من عقابه أو رجاءً لثوابه أو إجلالاً له فيكون بذلك الفعل كأنه طرح عوداً هندياً على مجمر فيفوح طيبه فيستنشقه الخلائق ولا يدرون أين هو.

  يقول أبو الدرداء -رضي الله عنه-: "إن العبد ليخلو بمعصية الله تعالى فيلقي الله بغضه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر".

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الخامسة والأربعون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان : *ثمرات المراقبة: 

الثاني من أثارها وثمراتها: دخول الجنة. وقد سئل بعضهم: "بما ينال العبد الجنة؟"، فقال: "بخمس: استقامة ليس فيها روغان، واجتهاد ليس معه سهو، ومراقبة لله تعالى في السر والعلانية، وانتظار الموت بالتأهب له، ومحاسبة نفسك قبل أن تحاسب".

الثمرة الثالثة: السعادة والانشراح. هذا الإنسان الذي يراقب ربه تبارك وتعالى

يكون قريباً منه، وإذا كان العبد قريباً من ربه فلا تسأل عن أنسه ولذته وسروره بمناجاة ربه تبارك وتعالى وبمعرفته، كما يقول الحافظ ابن القيم رحمه الله: "إن في القلب وحشة لا يزيلها إلا الأنس بالله، وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته وصدق معاملته، وفيه فاقة لا يذهبها إلا صدق اللجأ إليه ولو أعطي الدنيا وما فيها لم تذهب تلك الفاقة أبداً".

الثمرة الرابعة: السكينة والحياء والمحبة والخشوع والخوف والرجاء والتوكل، كلما اشتدت المراقبة أيها الأحبة المراقبة في قلب العبد أوجبت له من هذه المعاني الشيء الكثير، وذلك أن المراقبة هي أساس الأعمال القلبية وعمودها الذي قيامها به. سئل بعضهم عن حاله في التوكل كيف حصلت هذه المرتبة؟، فقال: "على خصال أربع: علمت أن رزقي لا يأكله غيري فاطمأنت به نفسي، وعلمت أن عملي لا يعمله غيري فأنا مشغول به، وعلمت أن الموت يأتي بغتة فأنا أبادره، وعلمت أني لا أخلو من عين الله فأنا أستحي منه".

الخامس : من ثمراتها صحة الفراسة. وقد قال بعضهم: "من عمر ظاهره باتباع السنة وباطنه بدوام المراقبة وكف نفسه عن الشهوات وغض بصره عن المحارم واعتاد أكل الحلال لم تخطئ له فراسة".

السادس من ثمراتها: إثار ما أنزل الله وتعظيم ما حرم الله وتصغير ما صغر الله.

السابع: حفظ الأوقات فلا تضيع سدى. فمن تحقق في المراقبة خاف على فوات لحظة من ربه تبارك وتعالى. [الأنترنت – موقع طريق افسلام – د خالد السبت - مراقبة الله ]

*ومن ثمرات المراقبة: أ- أن المراقبة سبب من أسباب دخول الجنة:

قال تعالى: {هَلْ جَزَاء ٱلإِحْسَـٰنِ إِلاَّ ٱلإِحْسَـٰنُ} [الرحمن:60].

قال ابن القيم مفسراً الآية: “الإحسان جامع لجميع أبواب الحقائق، وهو أن تعبد الله كأنك تراه… وفي الحديث إشارة إلى كمال الحضور مع الله عز وجل، ومراقبته، ومحبته ومعرفته، والإنابة إليه، والإخلاص له، ولجميع مقامات الإيمان”

وسئل ذو النون: بم ينال العبد الجنة؟ فقال: بخمس، وذكر منها: “ومراقبة الله في السر والعلانية”.

وقال عَزَّ من قائل: {بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:112]. قال أبو السعود: “وحقيقة الإحسان الإتيان بالعمل على الوجه اللائق وهو حسنه الوصفي التابع لحُسْنِه الذاتي، وهو ما فسّره صلى الله عليه وسلم: ((أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك))؛ {فَلَهُ أَجْرُهُ} الذي وعده به على عمله، وهو عبارة عن دخول الجنة أو عما يدخل فيه دخولاً أولياً”.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

السادسة والأربعون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان : *ثمرات المراقبة: 

ب- أن بها يكسب العبد رضا الله سبحانه وتعالى عنه قال تعالى: {رّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِىَ رَبَّهُ} [البينة:8]. أي: “ذلك لمن راقب ربه عز وجل، وحاسب نفسه وتزود لمعاده”.

ج- أنها من أعظم البواعث على المسارعة إلى الطاعات: قال الله تعالى: {إِنَّ

ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ أُوْلَـئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء:101].

قال القصري: “إذا عرف العبد مقام الإحسان، سارع إلى طاعته قدر وسعه، فهذا حال المحب الذي يعبد الله كأنه يراه”

د- أن بها يحصل العبد على معية الله وتأييده: قال تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} [النحل:128]. قال ابن كثير: “أي معهم بتأييده ونصره ومعونته، وهذه معية خاصة”.

هـ- أنها تعينه على ترك المعاصي والمنكرات:

وقال ابن القيم: “فإن الإحسان إذا باشر القلب منعه من المعاصي، فإن من عبد الله كأنه يراه لم يكن ذلك إلا لاستيلاء ذِكره ومحبته وخوفه ورجائه على قلبه، بحيث يصير كأنه يشاهده، وذلك يحول بينه وبين إرادة المعصية، فضلاً عن مواقعتها”.

وقال أيضاً: “فمن راقب الله في سره حفظه الله في حركاته في سره وعلانيته”

و- أنها من أفضل الطاعات وأعلاها:

قال ابن عطاء: “أفضل الطاعات مراقبة الحق على دوام الأوقات”.

قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {وَأَحْسِنُواْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ} [البقرة:195]: “ومضمون الآية الأمر بالإنفاق في سبيل الله في سائر وجوه القربات، ووجوه الطاعات، وخاصة صرف الأموال في قتال الأعداء… في عطف بالأمر بالإحسان وهو أعلى مقامات الطاعة.

ز- أنها من خصال الإيمان وثمراته:

قال القصري: “فأما كونه من الإيمان فبيّن؛ لأنه في نفسه تصديق بالنظر إلى

الله في الحال، أو تصديق بأن الله ينظر إليه، إلا أنه ثمرة الإيمان، وأعلاه وخالصه”

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

السابعة والأربعون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان : *ثمرات المراقبة: 

ح- أن بها يسعد العبد، وتصلح أحواله في الدارين:

قال ابن علان: “فينبغي ألا يشتغل إلا بما فيه صلاحه معاشاً ومعاداً، بتحصيل ما لا بد منه في قوام البدن، وبقاء النوع الإنساني، ثم بالسعي في الكمالات العلمية، والفضائل العلية التي هي وسيلة لنيل السعادة الأبدية… وذلك إنما يكون بالمراقبة، ومعرفة أن فيما يأتيه بمرأى ومسمع من الله سبحانه وتعالى وأنه لا يخفى عليه شيء من شأنه” [الأنترنت - موقع الراشدون  - مـراقبــة الـلـــه ]

*ذم التخلي عن المراقبة:

1/ عدم المراقبة من صفات المنافقين.

قال تعالى: (وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا) [النساء/107، 108]. والمعنى: "يستترون من الناس خوفًا من اطلاعهم على أعمالهم السيئة، ولا يستترون من الله تعالى ولا يستحيون منه، وهو عزَّ شأنه معهم بعلمه، مطلع عليهم حين يدبِّرون -ليلا- ما لا يرضى من القول، وكان الله -تعالى- محيطًا بجميع أقوالهم وأفعالهم، لا يخفى عليه منها شيء"([12]).

2/ تعريض الحسنات للضياع.

فعن ثَوْبَانَ رضي الله عنه ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا الله عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا». قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ الله صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا؛ أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ. قَالَ: «أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا» رواه ابن ماجة.

وليس معنى ذلك أنّ من دعته نفسه إلى معصية جاهر بها! كيف ذلك ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول: «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ الله عَلَيْهِ فَيَقُولَ: يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ الله عَنْهُ([13])» متفق عليه. وقال: «مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ الله تعالى» رواه مالك في الموطأ. وأما حديثُ ابنِ ماجة فالمراد به: من كان انتهاك حرمات الله عادتَه ودأبه، فلا يخلو بنفسه إلا اجترأ على معصية الله وركب ثبجها. [الأنترنت – موقع قصيمي نت - قصص عن مراقبة الله ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثامنة والأربعون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

* كيف تراقب الله؟:

أ- أن تنظر قبل العمل وأثناءه : للمراقب أن ينظر قبل العمل الى همه وحركته أهي لله خاصة أو لهوى النفس و الحق، فإن كان لله

تعالى أمضاه، وإن كان لغير الله استحيا من الله، وانكف عنه، ثم لام نفسه على رغبته فيه، وهمه به، وميله إليه، وعرّفها سوء فِعْلها، وأنها عدوّة نفسها" .

ب-  أن تراقب الله قبل الهم بالمعصية فتكفّ عنها :

إن العبد مأمور بأن يعلم أن الله يراه، فإذا هم بمعصية وعلم أن الله يراه،

ويبصرُه على أي حالة كان، وأن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور كفَّ

 عن المعصية ورجع عنها" .

ج- أن تراقب الله بعد الوقوع في المعاصي بالتوبة:

قال ابن القيم: "ومراقبته في المعصية تكون بالتوبة والندم والإقلاع" .

د- مراقبته في المباحات بشكره سبحانه على نعمه : قال ابن القيم في مدارج السالكين : "ومراقبته في المباح تكون بمراعاة الأدب، والشكر على النعم، فإنه لا يخلو العبد من نعمة لا بد له من الشكر عليها". [ الأنترنت - موقع نافذة مصر - مراقبة الله - محمد أبوغدير]

*الصلة بين العباد وملائكة الرحمن (وإنّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ * كِراماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) (الانفطار)

    إن الصلة بين بني آدم وبين الملائكة قائمة منذ زمن بعيد لا يعلم مقداره إلا الله عزّوجلّ، لكن الحكاية تبدأ عند خلق أبينا آدم عليه السلام، إذ أكرمه الله تعالى وخلقه ونفخ فيه من روحه، حتى إذا ما صار بشراً سوياً تدب فيه الحياة أسجد له ملائكته الأطهار، سجود تكريم وتعظيم وإكبار. قال تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) (البقرة/ 34)، سجدوا سجود خضوع وتواضع وائتمام، وقد علمت الملائكة أن آدم مخلوق مكرم ومقرب، إذ صار بفضل الله وعاء للعلم الذي خصه به وعلمه إياه كما قال تعالى: (وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (البقرة/ 31)، وهذا مقام ذكر الله تعالى فيه شرف آدم على الملائكة بما اختصه من علم أسماء كلّ شيء دونهم، وكان ذلك بعد سجودهم له.. وهنا ينبغي أن يكون لنا وقفة متأنية لنرى أثراً عظيماً من آثار العلم حين يمنّ الله تعالى به على العباد، فقد كرم آدم به وقربه إليه، مع الفارق الكبير بين النور الملائكي والطين الآدمي، كرمه ورفعه رغم الاختلاف في أصل الخلقة.. وهنا يظهر فضل العلم وحامله مهما كان مستواه المادي أو الاجتماعي، ومهما كان شكله أو لونه أو جنسه أو موطنه أو لسانه، وأن العلم النافع منه للبشرية قد يفضل العبادة ويسبقها، فهو يدعو إلى العمل وإلى العبادة معاً، بل قد يترقى العلم ليصل إلى منزلتها أو يسبق درجتها، حيث يتعدى نفعه شخص صاحبه المتعلم إلى غيره، بخلاف نفع العابد بعبادته المقصور عليه وحده إذ ما يقع غالباً في العزلة عمن حوله.. والعبادة عمل وسرّ بين العبد وربه، وهي لا تمنع من تعلم العلم، بل إنها تدعو إليه إن فهم المرء معناها الحقيقي، ولا عبادة مع الجهل، ولا تصح بغير علم.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

التاسعة والأربعون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

* الملائكة لا تنفك صلتها عن بني آدم:

وللملائكة علاقة وثيقة ببني آدم حيث وكل الله تعالى لهم أعمالاً كثيرة تتعلق بالبشر، ولا يفارقون الإنسان إلا لحظات معدودة، كما

قال (ص): "إياكم والتعري، فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط، وحين يفضي الرجل إلى أهله، فاستحيوهم وأكرموهم".

والملائكة تحصي على الإنسان أعماله.. وتحفظ أقواله وتسجلها بأمر الله عزّوجلّ كما قال لنا: (وإنّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ * كِراماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) (الانفطار/ 10-12). أي رقباء حافظين يحفظون أعمالكم، ويحصونها عليكم ويسجلونها بدقة، قال تعالى: (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (ق/ 17-18). قال الحسن: "المتلقيان"، ملكان يتلقيان عملك، أحدهما عن يمينك يكتب حسناتك، والآخر عن شمالك يكتب سيئاتك، حتى إذا متّ طويت صحيفة عملك، وقيل لك يوم القيامة: (اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا) (الإسراء/ 14). وقال مجاهد: وكّل الله بالإنسان مع علمه بأحواله ملكين بالليل وملكين بالنهار يحفظان عمله، ويكتبان أثره إلزاماً للحجة. وقال الأحنف بن قيس: "صاحب اليمين يكتب الخير وهو أمين على صاحب الشمال، فإن أصاب العبد خطيئة قال له: أمسك فإن استغفر الله تعالى نهاه أن يكتبها، وإن أبى كتبها".

- الملائكة تحفظ الإنسان وتحرسه:

كما أنها تحفظ الإنسان وتحرسه بأمر الله تعالى كما جاء في كتابه الكريم: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ) (الرعد/ 11)، أي للعبد ملائكة يتعاقبون عليه حرس بالليل وحرس بالنهار يحفظونه من الأضرار والحادثات، كما يتعاقب ملائكة آخرون لحفظ الأعمال من خير أو شر، ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، فاثنان عن اليمين والشمال يكتبان الأعمال، صاحب اليمين يكتب الحسنات، وصاحب الشمال يكتب السيئات، وملكان آخران يحفظانه ويحرسانه، واحد من ورائه، وآخر من أمامه، فهو بين أربعة ملائكة بالنهار وأربعة آخرين بالليل، بدلا حافظان وكاتبان، كما جاء في الصحيح: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر، فيصعد إليه الذين باتوا فيكم فيسألهم، وهو أعلم بكم:

كيف تركتم عبادي؟ فيقولون أتيناهم وهم يصلون وتركناهم وهم يصلون".

- تدعو للمؤمنين التائبين وتستغفر لهم: قال تعالى: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئات...) (غافر/ 7-8).

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الخمسون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان : * كيف تراقب الله؟:

- تؤمّن على دعاء المصلين: كما قال النبيّ (ص): "إذا أمّن الإمام فأمّنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه"، وتؤمّن على دعاء المؤمن لأخيه بظهر الغيب.

- تدعو للصائمين: وفي الحديث: "إن الصائم إذا أكل عنده لم تزل تصلي عليه الملائكة، حتى يفرغ من طعامه".

- تدعو لرواد المساجد: قال (ص): "فإذا دخل المسجد كان في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه، وتصلي الملائكة عليه ما دام في مجلسه الذي يصلي فيه، يقولون: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم تب عليه، ما لم يؤذ فيه أو يحدث.

- ترضى لطلب العلم: قال النبيّ (ص): "ما من خارج خرج من بيته في طلب العلم إلا وضعت له الملائكة أجنحتها رضا بما يصنع حتى يرجع".

- تشمت العاطس: كما ورد في الحديث: "إذا عطس أحدكم فقال: الحمد لله،

 قالت الملائكة: رب العالمين، فإذا قال: رب العالمين قالت الملائكة: رحمك الله".

- تشهد يوم الجمعة وتكتب أسماء المصلين: قال (ص): "أكثروا من الصلاة عليّ في يوم الجمعة، فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة"، "تقعد الملائكة على أبواب المساجد يوم الجمعة، فيكتبون الأول والثاني والثالث، حتى إذا خرج الإمام رفعت الصحف".

- تتنزل في ليلة القدر: قال (ص): إن الملائكة في تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى".

- تحف الذاكرين الله: قال (ص): "ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون

 كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وخفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده".

- تصلي على النبيّ (ص): قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (الأحزاب/ 56)، وصلاتهم الدعاء والاستغفار، وهي تدعو لمن يصلي عليه، كما قال النبي(ص): "ما من عبد يصلي عليّ إلا صلت عليه الملائكة ما دام يصلي عليّ فليقل العبد من ذلك أو ليكثر".

- تقبض أرواح العباد مؤمنهم وكافرهم: قال تعالى: (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ

الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) (السجدة/ 11). وعن النبيّ (ص) أنه قال: "إن الميت تحضره الملائكة فإذا كان الرجل الصالح قالوا: اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، اخرجي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان... وإذا كان الرجل السوء قالوا: اخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث أخرجي ذميمة وأبشري بحميم وغساق وآخر من شكله أزواج"، وقال تعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ) (الأنفال/ 50-51).

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الواحدة والخمسون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان : * كيف تراقب الله؟:

- والملائكة تثبت المؤمنين وهي جند من جنود الله.. قال تعالى: (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) (الأنفال/ 12). قيل: كان هذا يوم بدر، وإنَّ الملائكة قاتَلتْ ذلك اليوم، فَكانُ المسلمون يَرَوْنَ

رُؤسًا تَنْدُر عَن الأعْناق مِنْ غَيْر ضَارب يَرَوْنهُ.

- تستقبل المؤمنين بالبشارة يوم القيامة وعلى أبواب الجنة: كما قال تعالى: (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) (الأنبياء/ 103)، فتبشرهم يوم معادهم إذا خرجوا من قبورهم أن أملوا ما يسركم، وتستقبلهم على أبواب الجنة يهنئونهم بالفوز العظيم.  [الأنترنت – موقع البلاغ - الصلة بين العباد وملائكة الرحمن - إيمان مغازي الشرقاوي ]

*{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }

  يخبر تعالى عن قدرته على الإنسان بأن علمه محيط بجميع أموره، حتى إنه

تعالى يعلم ما توسوس به نفسه من الخير والشر، وقد ثبت في الصحيح عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: (إن اللّه تعالى تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تقل أو تعمل) ، وقوله عزَّ وجلَّ: {ونحن أقرب إليه من حبل الوريد} يعني ملائكته تعالى أقرب إلى الإنسان من حبل وريده إليه، ومن تأوله على العلم فإنما فر لئلا يلزم حلول أو اتحاد، وهما منفيان بالإجماع تعالى اللّه وتقدس، ولكن اللفظ لا يقتضيه فإنه لم يقل: وأنا أقرب إليه من حبل الوريد، وإنما قال: {ونحن أقرب إليه من حبل الوريد} كما قال في المختصر {ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون} يعني ملائكته، فالملائكة أقرب إلى الإنسان من حبل وريده إليه، بإقدار اللّه جلَّ وعلا لهم على ذلك، فللملَك لَّمة من الإنسان كما أن للشيطان لمة، ولهذا قال تعالى ههنا {إذ يتلقى الملتقيان} يعني الملكين اللذين يكتبان عمل الإنسان {عن اليمين وعن الشمال قعيد} أي مترصد، {ما يلفظ} أي ابن آدم {من قول} أي ما يتكلم بكلمة {إلا لديه رقيب عتيد} أي إلا ولها من يرقبها، معد لذلك يكتبها، لا يترك كلمة ولا حركة، كما قال تعالى: {وإن عليكم لحافظين كراماً كاتبين يعلمون ما تفعلون} وقد اختلف العلماء هل يكتب الملك كل شيء من الكلام وهو قول الحسن وقتادة ، أو إنما يكتب ما فيه ثواب وعقاب وهو قول ابن عباس على قولين:

وظاهر الآية الأول لعموم قوله تبارك وتعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}.

 وقد روى الإمام أحمد، عن بلال بن الحارث المزني رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان اللّه تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب اللّه عزَّ وجلَّ له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط اللّه تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب اللّه تعالى عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه) ""رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة""فكان علقمة يقول: كم من كلام قد منعنيه حديث بلال بن الحارث،

 إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثانية والخمسون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان : * كيف تراقب الله؟:

   قال الأحنف بن قيس: صاحب اليمين يكتب الخير وهو أمين على صاحب الشمال، فإن أصاب العبد خطيئة قال له: أمسك، فإن استغفر اللّه تعالى نهاه أن يكتبها وإن أبى كتبها، وقال الحسن البصري؛ وتلا هذه الآية {عن اليمين وعن الشمال قعيد}: يا ابن آدم بسطت لك صحيفة، ووكل بك ملكان كريمان أحدهما عن يمينك والآخر عن شمالك، فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك، وأما الذي عن يسارك فيحفظ سيئاتك، فاعمل ما شئت، أقلل أو أكثر، حتى إذا مت طويت صحيفتك وجعلت في عنقك معك في قبرك، حتى تخرج يوم القيامة، فعند ذلك يقال لك: {اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً} ثم يقول: (عَدَل واللّه فيك من جعلك حسيب نفسك) وقال ابن عباس {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} قال: يكتب كل ما تكلم به من خير أو شر، حتى أنه ليكتب قوله: أكلت، شربت، ذهبت، جئت، رأيت. حتى إذا كان يوم الخميس عرض قوله وعمله، فأقَّر منه ما كان فيه من خير أو شر وألقي سائره، وذلك قوله تعالى: {يمحو اللّه ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب}. وذكر عن الإمام أحمد أنه كان يئن في مرضه، فبلغه عن طاووس أنه قال: يكتب الملك كل شيء حتى الأنين، فلم يئن أحمد حتى مات رحمه اللّه.

  وقوله تبارك وتعالى: {وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد} يقول عزَّ وجلَّ: وجاءت أيها الإنسان سكرة الموت بالحق أي كشفت لك عن اليقين الذي كنت تمتري فيه، {ذلك ما كنت منه تحيد} أي هذا هو الذي كنت تفر منه قد جاءك، فلا محيد ولامناص ولا فكاك ولا خلاص، والصحيح أن المخاطب بذلك الإنسان من حيث هو، وقيل: الكافر، وقيل غير ذلك، روي أنه لما أن ثقل أبو بكر رضي اللّه عنه جاءت عائشة رضي اللّه

عنها فتمثلت بهذا البيت:

لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى ** إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر

فكشف عن وجهه وقال رضي اللّه عنه: ليس كذلك، ولكن قولي: {وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد}. وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه لما تغشاه الموت جعل يمسح العرق عن وجهه ويقول: (سبحان اللّه إن للموت سكرات) .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثالثة والخمسون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان : * كيف تراقب الله؟:

وفي قوله: {ذلك ما كنت منه تحيد} قولان:

أحدهما : أن ما ههنا موصولة أي الذي كنت منه تحيد بمعنى تبتعد وتفر، قد حلَّ بك ونزل بساحتك.

 والقول الثاني : أن ما نافية بمعنى: ذلك ما كنت تقدر على الفراق منه ولا الحيد عنه. وقوله تبارك وتعالى: {ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد} قد تقدم الكلام على حديث النفخ في الصور وذلك يوم القيامة، وفي الحديث، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحَنَى جبهته وانتظر أن يؤذن له) قالوا: يا رسول اللّه كيف نقول؟ قال صلى اللّه عليه وسلم: (قولوا: حسبنا اللّه ونعم الوكيل) فقال القوم: حسبنا اللّه ونعم الوكيل. {وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد} أي ملك يسوقه إلى المحشر، وملك يشهد عليه بأعماله، هذه هو الظاهر من الآية الكريمة وهو اختيار ابن جرير، لما روي عن يحيى بن رافع قال: سمعت عثمان بن عفان رضي اللّه عنه يخطب فقرأ هذه الآية {وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد} فقال: سائق يسوقها إلى اللّه تعالى، وشاهد يشهد عليها بما عملت، وكذا قال مجاهد وقتادة، وقال أبو هريرة: السائق الملك، والشهيد العمل، وكذا قال الضحّاك والسدي، وقال ابن عباس: السائق من الملائكة، والشهيد الإنسان نفسه يشهد على نفسه، وبه قال الضحّاك أيضاً. وقوله تعالى: {لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد} قيل: إن المراد بذلك الكافر، وقيل: إن المراد بذلك كل أحد من بر وفاجر، لأن الآخرة بالنسبة إلى الدنيا كاليقظة، والدنيا كالمنام، وهذا اختيار ابن جرير وهو منقول عن ابن عباس رضي اللّه عنهما ، والظاهر من السياق أن الخطاب مع الإنسان من حيث هو، والمراد بقوله تعالى: {لقد كنت في غفلة من هذا} يعني من هذا اليوم، {فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد} أي قوي، لأن كل أحد يوم القيامة يكون مستبصراً، حتى الكفار في الدنيا يكونون يوم القيامة على الاستقامة، لكن لا ينفعهم ذلك، قال اللّه تعالى: {أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا}، وقال عزَّ وجلَّ: {ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحاً إنا موقنون}. [الأنترنت – موقع تفسير ابن كثير - {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } ].

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الرابعة والخمسون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان : *وهو معكم أينما كنتم :

قال بن القيم رحمه الله  :  }المراقبة من منازل إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ .. وهي دوام علم العبد وتيقنه باطلاع الحق سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه.. فاستدامته لهذا العلم ، واليقين بذلك هي المراقبة .. وهي ثمرة علمه بأنَّ الله سبحانه ..رقيب عليه ..ناظر إليه ..سامع لقوله .. مطلع على عمله ..ومن راقب الله في خواطره ؛ عصمه الله في حركات جوارحه ..

   -   قال أحدهم : والله إني لأستحي أن ينظر الله في قلبي وفيه أحد سواه

   - وسئل الحارث المحاسِبي عن المراقبة فقال: علم القلب بقرب الله تعالى().

   -  قال تعالى : { الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين } .

   -  وقال تعالى: { وهو معكم أينما كنتم } .

   -  وقال تعالى : { إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء } .

   -  قال تعالى : (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) [يونس:61].

   - وقال صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل عليه السلام المشهور لما سأله عن الإحسان قال: ( الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ).

فمن شق عليه أن يعبد الله كأنه يراه، فليعبد الله على أن الله يراه ويطلع عليه فيستحي من نظر الله إليه، فلا يجعل الله أهون الناظرين إليه.

-  وقال ابن الجوزي رحمه الله: الحق عز وجل أقرب إلى عبده من حبل

 الوريد. لكنه عامل العبد معاملة الغائب عنه البعيد منه.  فأمر بقصد نيته، ورفع اليدين إليه، والسؤال له. فقلوب الجهال تستشعر البعد؛ ولذلك تقع منهم المعاصي، إذ لو تحققت مراقبتهم للحاضر الناظر لكفُّوا الأكف عن الخطايا، والمتيقظون علموا قربه فحضرتهم المراقبة، وكفوا عن الانبساط والمفهوم الشامل للمراقبة  :

أن نستحضر صفات الله سبحانه كاملة على الدوام في جميع أحوالنا ، فنستشعر في كل حال مايناسبهامن الصفات ؛ لا أن نختزل المراقبة في صفات الجزاء والثواب ؛ وهذا جزء من معنى حديث جبريل عليه السلام عن الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ). أما إختزالها في صفات الجزاء والثواب فإنما هو محاسبة وليس مراقبة .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الخامسة والخمسون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

 *مراقبة الله تعالى في جميع شؤون الحياة :

أن تراقب الله فيما بينك و بينه، و بينك و بين نفسك، و بينك و بين

الآخرين. أن تراقبه ليس فقط في عباداتك، و إنما في أقوالك و أفعالك و معاملاتك.

قد تكون المراقبة في أوقات محددة وفي أمكنة معينة دون إنزالها في كل تفاصيل الحياة ، وتارة تكون "معلبة" فلا روح لمدعيها وحاملها

-  يقول محمد الغزالي : ليست العلاقة بالله ساعة مناجاة في الصباح أو المساء ينطلق المرء بعدها في أرجاء الدنيا يفعل ما يريد ، كلاَّ ؛ هــذا تدين مغشوش . الدين الحق أن يراقب المرء ربه حيثما كان ، وأن يقيِّد مسالكه بأوامره ونواهيه

، وأن يشعر بضعفه البشري فيستعين بربه في كل ما يعتريه .أهـ

-  ويقول في موضع آخر : ليس الإحسان تجويد جزء من العبادة وإهمال أجزاء أخرى قد تكون أخطر وأجل ، وإنما الإحسان أداء فروض العين وفروض الكفاية ، وتناول شؤون الدنيا وشؤون الآخرة معاً . هو إشراب الحياة الإنسانية حقائق الأمر الإلهي ، وإضفاء صبغة السماء على أحوال الأرض . هو ترقية كل عمل بذكر الله فيه ، لا الفرار من الأعمال بدعوى ذكر الله في العراء . أهـ

مراقبة الله خاصة في الخلوات عن انتهاك المحرمات : فمنهم من إذا خلى بالله زنى أو سرق أو تعامل أو تعدى على حق لغيره والصور كثيرة في هذا الباب منها ما هو من صغائر الذنوب ومنها الكبائر.

إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقـل  *****   خلــوت ولكن قل علي رقيب

ولا تحسبن الله يغفـــل ساعة    ********* ولا أن مـا يخفـى علـيه يغيب

**  وكيف نجعله أهون الناظرين إلينا ،{يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم "

-  لخص أحد علماء السلف رحمهم الله نتيجة ذنوب الخلوات في جملة : فقال رحمه الله ( ذنوب الخلوات .. انتكاسات ، وطاعات الخلوات .. ثبات ) .

فلو رأيت أحدا ممن كان مشهوراً بالالتزام معروفاً عند أهل الخير والإقدام

    لو رأيته على حال أخرى ، لو رأيته وقد تبدل حاله وانتكس فأعلم أن الأمر لم يكن صدفة ولم يأتي بغتة ، فإنه بارز الله بالمعاصي في الخلوات حتى تكاثرت على قلبه فظهرت في العلن .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

السادسة والخمسون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

 *مراقبة الله تعالى في جميع شؤون الحياة :

-  وكان السلف رحمهم الله يعرفون صاحب معصية الخلوة ، فإن لها شؤماً يظهر في الوجه ويظهر في ضعف إقباله على الطاعات ، قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه : ( إن للحسنة ضياءً في الوجه ، ونوراً في القلب ، وسعةً في الرزق ، وقوةً في البدن ، ومحبةً في قلوب الخلق ، وإن للسيئة سواداً في الوجه ، وظلمةً في القلب ، ووهناً في البدن , ونقصاً في الرزق ، وبغضةً في قلوب الخلق)

  -  وقال أبو الدرداء لسالم بن أبي الجعد : ليحذر امرؤ أن تبغضه قلوب

المؤمنين من حيث لا يشعر! قال: أتدري ما هذا؟! قلت: لا، قال: العبد يخلو بمعاصي الله عزوجل فيلقي الله بغضه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر!!

وإن لم يكن من خطورة ذنوب الخلوات إلا هذا الحديث لكفى فقد جاء في سنن ابن ماجه بسند جيد من حديث ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لأعلمن أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاً فيجعلها الله عز وجل هباء منثوراً)) قال ثوبان: يا رسول الله صفهم لنا، جلهم لنا أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم. قال: ((أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل ما تأخذون ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها)) ..

وإذا خلـوت بريبة في ظلمة .... والنفس داعيـة إلى طغيان

فاستح من نظر الإله وقل لها .... إن الذي خلق الظلام يراني

*المراقبة هي مجاهدة عمر لالحظة ساعة :

ولا تقف مراقبة الله عند حد معين . . فهي وظيفة العمر كما يقال . .

ومن ذلك قول بعض السلف : جاهدت نفسي أربعين عاماً حتى أستقامت . . فقال له الآخر : وهل أستقامت ؟؟؟ !!!!

ومن العبارة السابقة - وإن كان فيها شيئاً من المبالغة - يتضح لنا أن المجاهدة –

وهي من مراقبة الله - ليست أمراً سهلاً يمكن أن يمتلكها الفرد بسهولة ثم يستمر عليها بنفس المستوى ولا تتغير . . بل هي أمر عظيم يحتاج إلى معالجة ومجاهدة مستمرة ...

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

السابعة والخمسون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

 *مراقبة الله تعالى في جميع شؤون الحياة :

  **  وإذا كانت "المراقبة" دعوى بلا حقيقة فإن ذلك يعني وجود بشر بقلوب شياطين .**مراقبة الله، ليست قيد تضييق و تعذيب للحرية! ..بل هي سعة راحة و سكون؟

تأتي  مراقبة.. تأتي لتكون ذلك السياج المنيع وتلك البوصلة موجهة للفرد المسلم وسلوكه ليتجنب الوقوع فيما يتعارض مع هويته  فهو أولاً وآخراً عبداً لله خاضعاً لأوامره مفتقراً إليه ثم تكون معيناً وحافزاً له لتزداد ( فاعليته ) في هذه الحياة فلا يصرف طاقته وعمله وإنجازاته إلا فيما يرضي ربه فتكون سبباً في عمارة الأرض وقياماً بواجب الخلافة التي أمر الله عز وجل بها ،كما أنه من خلالها - أي المراقبة لله - تسموعلاقاته بمن حوله وتطهر فيكون ( الحب ) طريقاً للنجاح والفلاح لا سبيل للردى والهلكة . .

كل المصائب والجرائم والتعدي على الناس وعلى أموالهم وحقوقهم سوف تختفي وتزول ولا يبقى لها أثر... إذا زرعت ( مراقبة الله ) في النفوس...

 *تغييب المراقبة من حياتنا وواقعنا وتربيتنا  :

لقد أفلحنا في بعض البيئات أن نصنع شخصيات تتسم بالنفاق نتيجة القسوة _في التربية الدينية_ وكأن الناس متعبدون لنا ، وركبنا الصعب وكلفنا أنفسنا والناس مالا نطيق؛ فمن سوء ذلك تغييبنا لعبادة المراقبة في حياة الناس ، والتكريس لمعاني الرياء .

وإن الأمن الذي يفرض بقوة العساكر، أو دقة المراقبة، أو دوام المتابعة؛ أمن هش ضعيف مهما بلغت أسبابه؛ لأنه لا يمكن أن يراقب كل أحد، ولا أن يتابع كل شخص، ولا أن يعرف ما في خفايا القلوب وطوايا النفوس، لكن الأمن الحقيقي هو الذي ينبع من داخل النفس، ويردع صاحبه عن المحرمات والمنكرات، والعدوان على الحرمات، ويدفعه إلى القيام بالواجبات وأداء المهمات، والمسارعة إلى الخيرات.

هذا الإيمان هو مملكة الضمير الحية التي عندما غرسها النبي صلى الله عليه وسلم في أمته وأصحابه لم يكن في ذلك المجتمع من المفاسد والمنكرات والجرائم إلا ما يعد على أصابع اليد أو اليدين؛ دون أن يكون في زمانه عليه الصلاة والسلام بطاقات ممغنطة، أو كاميرات تصوير، أو شرطة تجوب الشوارع والطرقات، ولا شيء من ذلك، ومع ذلك ما هي الجرائم التي وقعت؟ وما هي الاعتداءات التي تحققت؟ كيف اكتشف؟ عندما وقعت بعض هذه المحرمات والفواحش هل اكتشفتها المتابعات الأمنية، أو توصلت إليها الأدلة الجنائية، أم أن الذي أخرجها إلى حيز الوجود الحس الإيماني، واليقظة الشعورية، والمراقبة لله عز

وجل، والخوف منه سبحانه وتعالى؟ نحن نقول: عمقوا الإيمان في النفوس حتى يشيع الأمن في المجتمع، وتشيع الرحمة، وينتشر الخير، ويعم السلام الحقيقي، لا السلام المفروض بقوة الأسلحة وبكثرة الشرط. [ الأنترنت – موقع مدونة المنبر الحر - وهو معكم أينما كنتم - محمد بن عبد الرحيم]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثامنة والخمسون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان : * مراقبة الله في السر :

إن مراقبة الله في السر؛ من الأعمال الجليلة التي تنشأ عن اتصاف المؤمن بكمال الإيمان وكمال النصح فكلما زاد إيمان العبد زادت مراقبته لله. قال تعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ). وقال تعالى: (يَعْلَم خَائِنَة الْأَعْيُن وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ). قال ابن كثير: (يخبر تعالى عن علمه التام المحيط بجميع الأشياء جليلها وحقيرها صغيرها وكبيرها دقيقها ولطيفها ليحذر الناس علمه فيهم فيستحيوا من الله حق الحياء ويتقوه حق تقواه ويراقبوه مراقبة من يعلم أنه يراه فإنه تعالى يعلم العين الخائنة وإن أبدت أمانة ويعلم ما تنطوي عليه خبايا الصدور من الضمائر والسرائر). وقال صلى الله عليه وسلم في معنى الإحسان: (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك). متفق عليه. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عباس: (اتق الله حيثما كنت). رواه الترمذي. ومراده اتق الله في السر والعلانية وراقبه في سرك وفي خلوتك كما تراقبه في علانيتك مع الناس.

وهذا العمل الجليل ينفرد به خاصة أهل الإيمان الذين قدروا الله حق قدره وعظموه حق التعظيم وشاهدوا بقلوبهم قدرة الله عليهم وإحاطته بهم ورؤيته لهم وعلمه بحالهم وشدة عذابه ووعيده في الآخرة واستحضروا معية الله لهم في كل الأحوال. قال تعالى: ( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ). وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً). وقال تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ). وإذا أوقن العبد أن الله مطلع على سائر أحواله لا يخفى عليه شيء من حاله يعلم سريرته كما يعلم علانيته ولا يحجزه ساتر أو مانع من رؤيته مهما استخفى عنه أوجب له ذلك مراقبة الله في السر وخشيته كمال الخشية كما فعل النبي يوسف عليه الصلاة والسلام حين روادته امرأة العزيز في كمال غناها وجمالها وهو غلام عندها وفي سن الشهوة وخلوتهما محكمة بلا رقيب وهو تحت الوعيد والتهديد فامتنع وعصمه الله من الفاحشة مع كثرة الدواعي والمهيجات لشدة مراقبته ربه وقوة يقينه قال تعالى: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ).

ومراقبة العبد لله حقيقتها أن يستحضر العبد مشاهدة الله له في هذا الموقف وقربه له فينزجر عن فعل المعصية ويقبل على طاعة الله ويتزين له بحسن العمل ظاهرا وباطنا كما يتزين المرء عند لقاء الأمير والله أجل وأعظم. قال ابن المبارك لرجل: (راقب الله تعالى. فسأله عن تفسيرها فقال كن أبدا كأنك ترى الله عز وجل).             إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

التاسعة والخمسون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان : *مراقبة الله في السر :

ومراقبة الله في السر توجب للعبد الإخلاص والخلاص من الكبائر كما ورد في الحديث: (ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله). متفق عليه. والنصح في العبادة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قِبَل وجهه فإن الله قِبَل وجهه إذا صلى). متفق عليه. وتورث القلب خشية وخشوعا وبكاء كما في الحديث: (ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه). ومن قدر على معصية الله في سره ثم راقب الله فتركها خوفا من الله له ثواب عظيم وينفرج همه وينفس كربه كما في قصة الرجل الذي خلا بابنة عمه وتمكن منها ثم قالت اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه فقام وتركها وترك المال الذي أرادته خوفا من الله تعالى .

ومن راقب الله في السر حسن عمله وعظم يقينه ووجد حلاوة الإيمان واطمأن قلبه وقذف الله نورا في قلبه وضياء في وجهه ووجد سعة في رزقه وبركة في أهله وألفة ومحبة فيما بينه وبين الخلق وانعكس ذلك على حياته بالتوفيق والرضا والسعادة.

وعبادة السر من أجل الطاعات لأنها مبنية على حسن المراقبة لله والإخلاص المحض واليقين التام وعدم التفات القلب للمخلوقين وثوابهم ولذلك أثنى الله عز وجل على صدقة السر فقال: (إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِي وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ). وجاء في السبعة الذين يظلهم الله يوم القيامة في ظله يوم لا ظلَّ إلا ظلّه: (رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه). ونص أهل العلم على أن صدقة السر أفضل من صدقة العلانية وفي سنن الترمذي: (الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة). وهذا يدل على أن الإسرار بقراءة القرآن أفضل من الجهر به. ولذلك كان السلف الصالح يستحبون أن يكون للرجل عمل صالح يخفيه عن سائر الخلق ويستحبون إخفاء النوافل من صوم وقيام وتلاوة ودعاء. قال الزبير بن العوام رضي الله عنه: (اجعلوا لكم خبيئة من العمل الصالح كما أن لكم خبيئة من العمل السيئ). وكان أيوب السختياني يقوم الليل كله ويخفي ذلك فإذا كان عند الصبح رفع صوته كأنه قام تلك الساعة. وقال محمد بن واسع: (لقد أدركت رجالا كان الرجل يكون رأسه مع رأس امرأته على وسادة واحدة قد بل ما تحت خده من دموعه لا تشعر به امرأته ولقد أدركت رجالا يقوم أحدهم في الصف

فتسيل دموعه على خده ولا يشعر به الذي إلى جانبه).

وفي المقابل من أخفى الكفر والبدع في السر مخادعة لله ولم يراقبه فقد توعده الله بالإثم العظيم والعذاب الأكيد في الآخرة وقد ذم الله المنافقين وعاب عليهم هذا المسلك بقوله: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ). وقد سلكوا هذا لسوء ظنهم بالله واعتقادهم أن الله لا يطلع على سرائرهم ويخفى عليه حالهم. قال تعالى: (وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ وذالكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين).

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الستون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*والذين يعصون الله في السر صنفان:

1-الصنف الأول: من يلازم فعل المعاصي والخبائث وترك الفرائض في السر استهانة بالله ومخادعة له عز وجل واستخفافا بعذابه

وهربا من إنكار المؤمنين عليه وهذا حال المنافقين الذين جعلوا خلوتهم خيانة

 وفجورا وعلى هذا الصنف يحمل ما ورد من الوعيد في انتهاك الحرمات في الخلوات. ولا يطبع المؤمن على تلك الحال لكن إذا غلب على حاله الفجور في الخلوة صار فيه شبه من المنافقين. قال بلال بن سعد : (لا تكن وليا لله في العلانية وعدوه في السر ولا تكن عدو إبليس والنفس والشهوات في العلانية وصديقهم في السر).

2-الصنف الثاني: من يكون مبتلى ببعض الذنوب ولكنه يخفي ذنبه ولا يجاهر به أمام الناس تعظيما لحرمات الله وطلبا للستر مع شعوره بالتقصير واعترافه بالذنب والانكسار من الله فهذا حال المؤمنين المذنبين ولا يلحق بالصنف الأول لأنه داخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه). متفق عليه. ومعصيته سرا أخف جرما من المجاهرة بالمعصية وقد ورد الإرشاد بذلك في الحديث: (اجتنبوا هذه القاذورات فمن ابتلي بشيء من ذلك فليستتر بستر الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله). رواه الحاكم. ولا تكون خلوة المؤمن المفرط كلها فجورا وخيانة بل فيها عمل صالح وتكون عادته الإحسان والتوبة بعد الإساءة.

    ومما يحيي عمل المراقبة في قلب المؤمن أن يجتهد على التعرف على أسماء الله وصفاته ليتصور عظمة الرب وسعة علمه وسمعه وبصره وإحاطته بأحوال الخلق فيتولد عنده ويتجدد معنى الحياء والخوف والتعظيم والتوقير لله. وكذلك كثرة الذكر باللسان يشعر المؤمن بقرب الرب ومراقبته. وكذلك التفكر في آيات الله يشعر بقرب الرب سبحانه للعبد. ومما يزيد في المراقبة لله العلم والتأمل في فضل وثواب الخشية والطاعة في الغيب والسر. وكذلك التفكر في شدة الحساب وأحوال الموقف بين يدي الرب يوم الآخرة يوجب شدة المراقبة. ومما يقوي المراقبة زهد القلب في الدنيا وترك الترف وكثرة الملذات والإقبال على الطاعات واغتنام الأوقات بالأعمال الفاضلات. ومن الوسائل المهمة التي تشحذ الهمة على المراقبة مذاكرة أحوال أهل المراقبة من الأنبياء والصديقين وأحوال السلف الصالح مليئة بالعبرة والعظة في هذا الباب.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الواحدة والستون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*والذين يعصون الله في السر صنفان:

   وسريرة العبد لها أثر عظيم في صلاح علانيته فمن كان مصلحا لسريرته صلحت علانيته ومن اعتنى بعلانيته وهجر سريرته كانت علانيته مظهرا أجوف كالجسد بلا روح وكانت ثمرتها ناقصة وخشي عليه من الانتكاسة لأن إصلاح السريرة من أعظم أسباب الثبات على الإيمان. قال ابن القيم: (وأرباب الطريق مجمعون على أن مراقبة الله تعالى في الخواطر سبب لحفظها في حركات الظواهر، فمن راقب الله في سره حفظه الله في حركاته في سره وعلانيته). ولذلك من كان قلبه مدمن على دسيسة خبيثة راض بها فيُخشى أن تغلب عليه عند موته فيختم له بسوء والعياذ بالله. ومن كانت له سريرة سوء أظهرها الله للخلق في الدنيا ولو بالغ في إخفائها عقوبة له وربما أخرها ثم فضحه على رؤوس الخلائق في الآخرة.

    ومع انفتاح العالم وشدة الغزو الثقافي وتنوع وسائل التقنية والتواصل الاجتماعي الشباب والفتيات مهددون بأخطار عظيمة وشرور جسيمة ولا عاصم لهم من هذه الفتن إلا بمراقبة الله في السر فينبغي على الشاب المسلم والفتاة المسلمة أن يعتنوا عناية فائقة بهذا العمل القلبي ويجتهدوا في التخلق به والتربي عليه واستحضاره في سائر الأحوال ليعصموا أنفسهم ويسلموا من الفتن. وعلى أمور الأولياء والمؤسسات التعليمة والتربوية والجهات المسئولة

واجب عظيم في دلالة الأبناء لهذا الخلق وإيقاظه في نفوسهم وزرعه في ضميرهم

عن طريق الحوار والنصيحة والقصة المؤثرة وبيان فضله وآثاره الحسنة في المجتمع..[  الأنترنت - -موقع مصرس - مراقبة الله في السر - محمود عاطف  ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثانية والستون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان : * مقام المراقبة :

• المراقبة أساس للسلوك السوي الحق وتعبير عن استقامة خُلقية نفسية

ومعنوية فلا يفلح من لم يراقب تصرفاته وأفعاله ولا يصل الى مبتغاه إلا من يقوم بمراقبة سلوكه وقلبه وعاتب نفسه على تقصيرها وأول رتبة في القرب من الله وهي القرب من طاعته والالتزام في جميع الأوقات والأحوال بعبادته فقرب العبد من الله أولاً بإيمانه وتصديقه ثم قربه بإحسانه وتحقيقه وقرب الحق سبحانه وتعالى في الحياة الدنيا بالعرفان وفي الآخرة كرم الشهود والعيان ولا يكون قرب العبد من الحق إلا ببعد قلبه عن الخلق وهذه من صفات القلوب دون أحكام الظواهر والكون وقرب الحق سبحانه وتعالى يكون بالعلم والقدرة وهو أمر عام للكافة وباللطف والنصرة وهو أمر خاص بالمؤمنين وبالأنس وهذا خاص بالأولياء المقربين قال الله تعالى " ونحن أقرب إليه من حبل الوريد "(ق: 16 ) وقال تعالى \\\"ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون "(الواقعة: 85 ) وقال تعالى "وهو معكم أينما كنتم"(الحديد:4) وقال تعالى "ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم"(المجادلة:7) وقال النبي صلى الله عليه وسلم مخبرًا عن الحق سبحانه"إذا تقرب العبد إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً وإذا تقرب إلي ذراعاً تقربت منه باعاً وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة\\\" رواه البخاري و" يقول الله تعالى في حديثه القدسي " من عادى لي ولياً فقد آذنته بحرب مني وما تقرب لي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ومازال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها وقدمه التي يمشي بها وإذا سألني لأعطينه وإذا استغفرني لأغفرن له وإذا استعاذني أعذته. " وَيُرْوَى عنْ عُمَرَ بنِ الْخَطّابِ قَالَ: حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا" فالمراقبة أساس المحاسبة والمحاسبة أساس التزكية والتزكية أساس السلوك والإحسان.

• ومقام المراقبة مقام جليل فمن شهد أن ربّ العزّة والجلال مطلع عليه ناظر إليه فإنه لن يفعل إلا ما كان طيباً وحسناً وسيستحي أن يرتكب الخطأ والعيب تحت نظر سيده ومولاه فإن الحياء لا يكون شعبة من الإيمان إذا كان حياء من الناس، بل إذا كان حياءً من الله الذي يراقب كل شيء ولا يخفى عليه شيء. وللمراقبة مراتب :

 أولها مراقبة النفس في الأعمال والأفعال حتى ينهاها صاحبها عن المعاصي ويأمرها بأفعال البر والخير.

 و المرتبة الثانية مراقبة القلب في استحضار النية الصادقة والخالصة لله تعالى في كل فعل وعمل كي لا يدخل عليه الشرك الخفي من أبواب الرياء والسمعة والشهرة " قال تعالى" أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى"( العلق 14)

 أما المرتبة الثالثة فهي مراقبة السر وهي ألا يلتفت العابد في عبادته إلى ما

يلهيه عن مقصوده ولا يشتغل باطنه بما يشغله عن مشاهدة معبوده وهو ما يشار إليه بمقام المراقبة وهي معنى قوله صلى الله

عليه وسلم" أن تعبد الله كأنك تراه\\\" وهي مرتبة خواص الخواص.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثالثة والستون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان : * مقام المراقبة :

والمرتبة الرابعة وهي مراقبة لا تتعلق بالطاعات فقط، وإنما في أغلب الأحوال والأوقات وفي كل الأعمال واللحظات والخطرات؛ لأنه محال أن تراه وتشهد معه غيره وهي مرتبة خاصة جداً وقد حدد النبي صلى الله عليه وسلم للإحسان معنى دوام المراقبة لله فى الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة فقال أبو هريرة رضى الله عنه: " كان النبي صلى الله عليه وسلم بارزاً يوما للناس فأتاه جبريل فقال : ما الإحسان؟ قال: أن تعبد اللَّه كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " ويؤكد السراج الطوسي أن معنى الإحسان الوارد فى الحديث هو المعنى عند أهل الله الصوفية وأن معنى قوله : أن تعبد اللَّه كأنك تراه يكون بدوام المراقبة والمشاهدة بالإيمان واليقين ويشير السراج الطوسى إلى أنه من أعظم النعم التى أختص بها أهل الله دوام المراقبة وهى التحقق بمقام الإحسان قال تعالى "وهو معكم أينما كنتم" (الحديد : 4) وهو المسمّى عند أهل الله مقام المراقبة وهو دون مقام الشهود وهو مقام يكون فيه العبد بحسب استعداده من حيث قوّة شعوره ورقّة وجدانه والله يتقرّب من عبده بحسب منزلته.

• وأهل الله مجمعون على أن مراقبة الله تعالى في الخواطر سبب للحفظ في حركات الظواهر فمن راقب الله في سره حفظه الله في حركاته في سره وعلانيته والمراقبة عندهم هي التعبد بأسمائه "الرقيب – الحفيظ – العليم- السميع- البصير " فمن عقل هذه الأسماء وتعبد بمقتضاها: حصلت له المراقبة. وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذوق طعم الإيمان ووجد حلاوته فذكر الذوق والوجد وعلقه بالإيمان. فقال صلى الله عليه وسلم: "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد رسولا" وللوصول إلى مقام المراقبة لابد من توفر عاملين أساسيين هما دوام المجاهدة من جهة والسلوك على يد شيخ مرشد من جهة أخرى وهو ما يسميه أهل الله بالصحبة التي هي عماد ومحور المراقبة والتزكية والسلوك الحق ولذلك قالوا ما أفلح من أفلح إلا بصحبة من أفلح؛ لأن النفس بطبيعتها السيئة تعرف كيف تتخلص وتراوغ وتبرر لمن يريد مراقبتها لوحده. من ثمار مقام المراقبة الخوف والحياء من الله تعالى ثم محاسبة النفس على تقصيرها ثم اشتعال جذوة الفكر في القلب؛ لأن المراقبة باب التفكر وهو تردد القلب بالنظر للاستدلال والاعتبار والاتعاظ وأعلى ثمار مقام المراقبة الوصول إلى مقامي المشاهدة والقرب. [الأنترنت – موقع في رحاب أهل الله ..مقام المراقبة بقلم/ عارف الدوش ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الرابعة والستون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*خلق المراقبة بين المبدأ والتطبيق :

إذا كان جزاء الإنسان المتقاعس في عمله والمتنصل من مهمته في القوانين الوضعية هو معاقبته بأساليب ترده عن غيه وتقوم سلوكه كالسجن والغرامة، فإن الشريعة الإسلامية تقرر، إضافة إلى المساءلة والمحاسبة في الدنيا بما يردع المذنب، العقاب الأخروي حيث يحاسب الإنسان عن أفعاله وأقواله وتصرفاته ويسأل عن المسؤوليات التي كلف بها.

فعلم الإنسان بأن الله مطلع عليه، يرى حركاته وسكناته ويعلم ما يخفي صدره

وما توسوس به نفسه، كل ذلك يربي فيه خلق المراقبة الذي يجعله دائم الاتصال بالله عز وجل، حريصا كل الحرص على الامتثال لشرعه والخضوع لأمره والسعي إلى مرضاته.

وهذا يوضح بجلاء أن الانحرافات التي نراها في حياتنا والتصرفات المشينة السائدة في مجتمعاتنا هي نتيجة لغياب خلق المراقبة.

كما أن الاستهتار بالمسؤولية وسوء التدبير وغياب الجدية وعدم التفاني في العمل في كثير من المجالات هو ثمرة مرة لعدم التخلق بخلق المراقبة.

فكيف يمكن أن نوطن النفس على هذا الخلق لإعداد الفرد الصالح؟

وكيف يمكن أن نجعل من المراقبة حصنا يحمي المجتمع من تفشي الاستهتار وغياب المسؤولية؟

1- حقيقة المراقبة:

“المراقبة هي ملاحظة الرقيب وانصراف الهمم إليه؛ فمن احترز من أمر من الأمور بسبب غيره، يقال إنه يراقب فلانا ويراعي جانبه، ويعني بهذه المراقبة حالة للقلب يثمرها نوع من المعرفة وتثمر تلك الحالة أعمالا في الجوارح وفي القلب”

قال ابن القيم: «المراقبة دوام علم العبد وتيقنه باطلاع الحق سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه؛ فاستدامته لهذا العلم واليقين به هي المراقبة، وهي ثمرة علمه بأن الله سبحانه رقيب عليه ناظر إليه سامع لقوله وهو مطلع عليه كل وقت وكل لحظة” وفي موضع آخر يقول رحمه الله مبينا مكانة المراقبة ” فالمراقبة أساس الأعمال القلبية كلها وعمودها الذي قيامها به، ولقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم أصول أعمال القلب وفروعها كلها في كلمة واحدة هي قوله في الإحسان: “أن تعبد الله كأنك تراه“ قال الإمام القشيري: “المراقبة علم العبد باطلاع الرب سبحانه وتعالى عليه واستدامته لهذا العلم مراقبة لربه وهذا أصل كل خير له.

ولا يكاد يصل إلى هذه الرتبة إلا بعد فراغه من المحاسبة فإذا حاسب نفسه على ما سلف وأصلح حاله في الوقت ولازم طريق الحق وأحسن بينه وبين الله تعالى مراعاة القلب وحفظ مع الله تعالى الأنفاس راقب الله تعالى في عموم أحواله فيعلم أنه سبحانه عليه رقيب ومن قلبه قريب يعلم أحواله ويرى أفعاله ويسمع أقواله”

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الخامسة والستون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*خلق المراقبة بين المبدأ والتطبيق :2 – المواطن التي تكون فيها المراقبة:

والمراقبة التي تؤثر في تقويم سلوك المرء وتحسين أخلاقه وتقوية صلته بربه تكون في ثلاثة مواطن:

قال الحارث بن أسد المحاسبي: “والمراقبة في ثلاثة أشياء: مراقبة الله في

طاعته بالعمل، ومراقبة الله في معصيته بالترك، ومراقبة الله في الهم والخواطر

لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك).

ومراقبة القلب لله عز وجل أشد تعبا على البدن من مكابدة قيام الليل وصيام النهار وإنفاق المال في سبيل الله”5

 الموطن الأول: مراقبة الله عز وجل في الطاعات استشعار العبد بأن الله يراه ويراقبه عند أدائه للواجبات وقيامه بالطاعات يجعله حريصا على الاجتهاد في أعماله وتحري الإخلاص فيها سعيا إلى رضا الله عز وجل.

الموطن الثاني: مراقبة الله في المعاصي :

مراقبة الله تعالى والخوف من عذابه وبطشه هو الذي يجعل العبد يحجم عن المعصية ويتراجع عن فعل المنكر، وبذلك تكون المراقبة في هذا الموطن أشبه بالناصح الأمين الذي ينبه من المعصية ويحذر من مغبة ارتكابها، فيردع ويزجر بقوة فيحول دون ارتكاب المعصية واقتراف الخطيئة.

الموطن الثالث: مراقبة الله في الأفكار والنيات

إن الله عز وجل قريب من عباده، يعلم نواياهم وما تكن صدورهم ويعلم حتى الأفكار والخواطر التي تراودهم، يعلم كل ذلك جملة وتفصيلا، قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيد} (قـ 16) وقال أيضا: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} (البقرة ـ 284) لذلك فإن المؤمن الصادق يعمل على تصحيح نيته ويجاهد نفسه كي يتخلص من كل النوايا الفاسدة عند كل عمل صالح يريد القيام به.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

السادسة والستون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*خلق المراقبة بين المبدأ والتطبيق :3 – القرآن و التربية على مبدأ المراقبة:

تدبر كتاب الله عز وجل والوقوف عند الآيات التي تشير إلى علم الله عز وجل الذي أحاط بكل شيء، ثم التفكر في قدرة الله عز وجل وعظمته قصد الإنابة إليه والتمسك بشرعه، يربي النفس على التخلق بخلق المراقبة الذي يردع النفس عن غيها ويحررها من هواها ويحميها من نزغات الشيطان.

قال تعالى: (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾(الطلاق ـ 12).إن الله عز وجل عظيم … قدير… أحاط بكل شيء علما.

يعلم أحوال الأمم التي عاشت في سالف الأيام، والأحداث التي وقعت في غابر الأزمان يعلم الأحداث والأزمات التي تقع في العصر الحاضر، يعلم حقائقها وتفاصيلها، لا يعزب شيء من ذلك عن علمه في مشارق الأرض ولا في مغاربها.

يعلم ما سيقع في مستقبل الأيام وكذا أحوال الناس الذين لم يولدوا بعد: جنسياتهم، صفاتهم، طبائعهم وعقائدهم و كل ما يتعلق بأحوالهم الاجتماعية والاقتصادية، وحتى الأحداث التي لم تقع لو أنها وقعت فإن الله يعلم كيف ستكون، قال تعالى في شأن أهل النار: (وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ۝ بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ).(الأنعام 27 ـ 28)

وقال تعالى: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} (الأنعام ـ 59)

هناك أمور غيبية وأشياء خفية لا يعلمها إلا الله عز وجل، فلا يطلع عليها لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، وهذه الأمور الخفية ذكرها الله تعالى في سورة لقمان حيث يقول جل جلاله: {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًاۖوَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (لقمان ـ 34 ) ولو حاول كل الخلائق إنسهم وجنهم فسخروا كل إمكانياتهم وقدراتهم وحاولوا الاطلاع على هذه الأمور والكشف عنها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا ولذهبت كل جهودهم سدى.

إن الذي يعلم هذه الأمور الخفية يعلم أيضا كل ما في البر والبحر يعلم

المخلوقات والموجودات والجمادات والنباتات، يعلم الحركات والسكنات، وحتى الأشياء الدقيقة التي يصعب رؤيتها بالعين المجردة فإن الله يراها ويعلمها ولو وجدت في ظلمات الأرض والبحر، قال تعالى: (إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء) (آل عمرن الاية5).

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

السابعة والستون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

4 ـ تجليات خلق المراقبة:

المراقبة درجة من درجات الإحسان، والإحسان كما جاء في الحديث النبوي: “أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك“.

وكي يصل المرء إلى مقام الإحسان لابد من تحقيق المراقبة، وهذه الأخيرة هي التي تعينه على استحضار عظمة الله عز وجل والحياء منه ثم المسارعة إلى طاعته والابتعاد عن معاصيه.

قال أبو حامد الغزالي: “ولن تصل أيها الطالب إلى القيام بأوامر الله تعالى إلا

بمراقبة قلبك وجوارحك في لحظاتك وأنفاسك حين تصبح إلى أن تمسي.

فاعلم أن الله تعالى مطلع على ضميرك ومشرف على ظاهرك وباطنك ومحيط بجميع لحظاتك… وخطواتك ….  وسائر سكناتك … وحركاتك وأنك في مخالطتك وخلواتك متردد بين يديه، فلا يسكن في الملك ساكن ولا يتحرك متحرك إلا وجبار السماوات والأرض مطلع عليه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ويعلم السر وأخفى، فتأدب أيها المسكين ظاهرا وباطنا بين يدي الله تعالى تأدب العبد الذليل المذنب في حضرة الملك الجبار القهار”

قال ابن القيم:” هي التعبد باسمه الرقيب، الحفيظ، العليم، السميع البصير، فمن عقل هذه الأسماء، وتعبد بمقتضاها حصلت له المراقبة والله أعلم”.

قال أبو حفص لإبن عثمان النيسابوري: إذا جلست للناس فكن واعظا لقلبك ونفسك ولا يغرنك اجتماعهم عليك فإنهم يراقبون ظاهرك والله يراقب باطنك”

المراقبة لله تعالى والحياء منه سبحانه أن لا يراه حيث نهاه، وفي هذه المراقبة

من كمال الإيمان بالله تعالى والاستغراق في تعظيمه وتقديسه أكبر معد النفوس ومؤهل لها لضبط النفس ونزاهتها في الدنيا، وسعادتها في الآخرة.

قال محمد رشيد رضا: “وكما تؤهل هذه المراقبة النفوس المتحلية بها لسعادة الآخرة تؤهلها لسعادة الدنيا أيضا؛ انظر هل يقوم من تلابس هذه المراقبة قلبه على غش الناس ومخادعتهم؟ هل يسهل عليه أن يراه الله آكلا لأموالهم بالباطل؟ هل يحتال على الله تعالى في منع الزكاة وهدم هذا الركن الركين من أركان ډينه؟ هل يحتال على أكل الربا؟ هل يقترف المنكرات جهارا؟ هل يجترح السيئات ويسدل بينه وبين الله ستارا؟ كلا؛ إن صاحب هذه المراقبة لا يسترسل في المنكرات”.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثامنة والستون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

5-الأثر التربوي لخلق المراقبة:

النجاح في منصب من المناصب أو وظيفة من الوظائف يتوقف على خبرة الشخص الذي كلف بها ومدى معرفته بطبيعتها، لذلك يتم إعداده وتدريبه وفق مناهج تعليمية وتربوية، لكن الإخلال بالمسؤولية وانتشار الفساد في كثير من القطاعات وتدني مستوى الأخلاق لدى كثير ممن كلفوا بمهمة من المهمات يؤكد لنا أن التعليم المجرد من الأخلاق والمعرفة الخالية من المبادئ تكون عديمة الجدوى وأن الكفاءات في غياب الخوف من الله لا يمكن أن تعطي النتيجة المرجوة منها. وبالتالي صار لزاما أن تصبح التربية على خلق المراقبة من الأولويات ومن صفات الموظف الناجح. فالمعلم الذي يعطي لتلامذته عصارة قلبه ويجود ببنات أفكاره هو إنسان يستحضر مراقبة الله ويخشى عقابه.

والموظف في قطاع من القطاعات الذي يلتزم بالوقت في حضوره لمقر عمله ولا يغادره قبل الوقت  هو إنسان يدرك أن الله يراقبه.

والتاجر الذي يتحرى الصدق في تجارته فيتفادى الغش والتزوير والتضليل يعرف جيدا أن الله يراه ويراقبه.

ورجل السياسة الذي يكرس نفسه لخدمة الناس ويخصص وقته للاستجابة لمتطلباتهم ولا يجعل من منصبه وسيلة لزيادة ثروته ولا لتحقيق مصالحه الشخصية والعائلية, ويؤدي مهمته بصدق وإخلاص يعرف أن الله يراه ويراقبه.

والمواطن الصالح الذي يساهم وفق إمكانيته وفي حدود وظيفته في إصلاح مجتمعه ويساهم في نشر الخير بين أفراده يدرك جيدا أن الله يراه ويراقبه فيسعى إلى مرضاته.[ الأنترنت – موقع خلق المراقبة بين المبدأ والتطبيق – بقلم حسن بوجعادة ]

*صفات أهل المراقبة لله :

1- أنهم أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، محبوبون في الدنيا ومحفوظون في الآخرة، لا يحزنون على ما مضى من أعمارهم في الدنيا، ولا يخافون من مستقبل حياتهم في الآخرة، آمنون لا يخافون ولا يحزنون، قال تعالى: "أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" [يونس: 62-].

2- أنهم أهل البشرى؛ لهم البشرى في الحياة الدنيا ولهم البشرى عند الموت، ولهم البشرى في الآخرة.

* أما بشراهم في الدنيا فثلاث بشارات:

* البشارة الأولى: البشارة بعظيم الثواب على العمل الصالح.

* والبشارة الثانية: البشارة برفع الدرجة لهم عند الله.

* أما البشارة الثالثة: فهي البشارة لهم بمغفرة ذنوبهم.

* أما البشارة عند الموت فهي بشارتهم بالجنة.

* أما البشارة في الآخرة فهي البشارة بالنعيم الأبدي والخلود السرمدي في

الجنة قال الله تعالى: "لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ

لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" [يونس: 64].

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

التاسعة والستون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

3- رفعة درجاتهم عند الله تعالى لأنهم وصلوا إلى أعلى درجة في الإيمان، وأعلى درجة في الدين وهي الإحسان؛ لأن أعمالهم تصعد وليست أعمالاً تنزل، قال تعالى: "مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَللهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ" [فاطر: 10]، ومما يروى أنه كان عند أحد الشيوخ طلاب كلهم من كبار السن إلا طالبًا واحدًا صغير السن، وكان الكبار يرون أن الصغير لا يجلس معهم، فقالوا للشيخ: نريد أن تبعد عنا هذا الصغير وإلا نأتي بأولادنا، فاختبرهم ليخبرهم أن هذا الصغير عنده مراقبة أفضل من مراقبتهم، فقال لهم: هذه سكين وهذا طائر، وأريد من كل واحد منكم أن يذهب إلى مكان لا يراه فيه أحد فيذبح الطائر ويعود به إليَّ، فكل واحد منهم أخذ الطائر والسكين وذهب إلى مكان لا يراه فيه أحد وذبح طائره وعاد به مذبوحًا إلا هذا الشاب، فقد عاد بطائره حيًا. قال الشيخ لهؤلاء: أذبحتم طيركم؟ قالوا: نعم، وجدنا مكانًا لا يرانا فيه أحد، فكل منا عمد إلى طائره، فذبحه وعاد به مذبوحًا. قال للشاب: وأنت هل ذبحت الطائر؟ فقال: لا، لم أذبحه قال: ولم؟ قال: لأنني بحثت عن مكان لا يراني فيه أحد فلم أجد مكانًا لا يراني فيه أحد لأنني مكشوف أمام الله في كل مكان. قال لهم: هكذا أدنيته؛ لأنه صاحب مراقبة لله عز وجل.

4- أنهم الأحرار الذين تحرروا من عبودية النفس والمال والولد والدنيا، وجعلهم الله أحرارًا بالعمل الصالح في الدنيا والآخرة وفي القبر:

* أحرار في الدنيا بالأعمال الصالحة، يعملون الأعمال الصالحة المتنوعة، لا

يقيدون أنفسهم بعمل واحد لأن من الناس من هو محبوس على الذكر، ومن الناس من هو محبوب على الصلاة ما له نصيب في الصدقة ولا من الصيام ولا القيام ولا عمل البر الآخر، أما أهل المراقبة فهم أحرار في كل طاعة، لهم في كل طاعة سبق.

* وفي القبر حريتهم في مسكنهم على مد البصر ليسوا محبوسين فيضيق عليهم القبر، وفي نورهم على مد البصر وفي نعيمهم يفتح لهم باب إلى الجنة.

* وحريتهم في الآخرة، لهم الجنة وآخر من يدخل الجنة له مثل الدنيا عشر مرات، وقد حررت المراقبة أهلها من الرق؛ فها هو عمر رضي الله عنه وأرضاه أراد أن يقرر هذه الحقيقة، فخرج في يوم من الأيام فوجد راعي غنم، فقال له عمر: أعطني شاة. قال هذا الراعي: أنا أجير عليها ولست صاحبها، قال أعطني الشاة، وقل لصاحبها: أكلها الذئب، وعمر رضي الله عنه يريد أن يختبر مراقبة هذا الراعي لربه تعالى، فقال الراعي: أقول لصاحبها: أكلها الذئب، ولكن ماذا أقول لله إذا عدت إليه وسألني عنها؟ فأعجب به عمر فذهب، فتعرف على سيد هذا الراعي ثم اشتراه منه فأعتقه، ثم قال: أعتقتك هذه المراقبة في الدنيا وأرجو أن تعتقك في الآخرة.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

السبعون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

5- أنهم أهل الحسنى وأهل الجنة وأهل النظر إلى وجه الله الكريم، قال الله تعالى: "لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" [يونس: 26]، أما الحسنى: فهي الجنة، أما الزيادة: فهي النظر إلى وجه الله الكريم، كما فسرها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم: عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخل أهل الجنة الجنة- قال: يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئًا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل»(1)، وفي رواية أخرى زاد: «ثم تلا هذه الآية "لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ"»(2).

6- أنهم أهل صلاح وإصلاح لغيرهم، أهل صلاح في نفوسهم وأهل إصلاح لغيرهم، أهل صلاح في نفوسهم لأن قلوبهم ملئت بمراقبة الله عز وجل، وسلمت من كل شائبة، وألسنتهم ملئت بمراقبة الله عز وجل، فسلمت واستقامت، واستنارت ونجت، وجوارحهم ملئت بمراقبة الله عز وجل فحبسوها على طاعة الله، وحبسوها عن معصية الله وراقبوا الله تعالى على كل حال، وما يروى أن امرأة جميلة في يوم من الأيام أرادت أن تظهر لزوجها جمالها فنظرت في المرآة وقالت لزوجها: أترى هذا الوجه لا يفتن أحدًا إذا رآه؟ قال: نعم. لا يفتن رجلاً واحدًا، قالت: من هو؟ قال: عبيد بن عمير «رجل صالح» يدرس الناس ويعلم الناس ويتقرب إلى الله عز وجل، وكان يجلس في المسجد الحرام، قال: أما عبيد بن عمير، لا تستطيعين أن تفتنيه.

 قالت: أتأذن لي أن أفتنه؟ قال: نعم. وهذا القول يدل على الدياثة؛ لأنه لا بد أن يكون لدى الإنسان غيرة على محارمه، وكل دابة تغار على أنثاها، إلا الخنزير فإنه لا يغار على أنثاه؛ أما بقية الدواب فتغار على إناثها، قال لها: اذهبي إليه «وهذه من وسائل الإفساد»، فذهبت إليه المرأة متحجبة حتى وصلت إليه وهو في المسجد، فقالت له: أيها الشيخ لي إليك حاجة، قال: ماذا تريدين؟ فكشفت وجهها، وإذا به كفلقة القمر، فنكس رأسه إلى الأرض ممتثلاً أمر الله في قوله: "قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ" [النور: 30]، ومن المؤسف أن بعض الناس يقول: معي ممرضة ولا أستطيع غض البصر، لابد أن أنظر إليها، نقول له: أين أنت أيها الطبيب من الآية: "قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ" [النور: 30]؟ فالآية لعموم الأمة حتى ولو كنت طبيبًا لا يجوز للطبيب أنه ينظر إلى الممرضة، هذا حكم عام للطبيب وغيره،

الشاهد: أن عبيد بن عمير غض بصره، نكس رأسه إلى الأرض خجلاً وحياءً من الله، قالت هذه المرأة: لي إليك حاجة، فاقض حاجتي، قال: يا أمة الله اسمعي مني هذه النصائح! وأعطاها أربع مواعظ في المراقبة وهو منكس رأسه إلى الأرض.

1-       قال يا أمة الله: أرأيت لو نزل بك ملك الموت ليقبض روحك، أكنت ترغبين أننا قضينا حاجتنا منك، قالت: لا والله. فذكرها بالموت الذي غفلت عنه ونسيته.

2-     قال يا أمة الله: أرأيت لو أدخلت إلى قبرك وجاءك منكر ونكير،

3-       وسألاك في قبرك، أكنت ترغبين أننا قضينا حاجتنا منك، قالت:

لا والله. ذكرها بالقبر بعد الموت وما فيه من الحساب.

3- قال يا أمة الله: لو حشرت في القبر وأصبحت في عرصات يوم القيامة

 وكنت لا تدرين: أتنجين أم لا تنجين؟ ولا تعلمين: أيثقل الميزان أم يخف؟ وهل تأخذين الكتاب باليمين أم بالشمال؟ أكنت ترغبين أن نكون قد قضينا حاجتنا منك؟ قالت: لا والله.

4-     قال يا أمة الله: لو وضع الصراط على متن جهنم، وكنت لا تعلمين:

5-     أتجوزينه أم لا تجوزينه؟ «بمعنى أتعبرين الصراط أم لا تعبرينه؟ » أكنت ترغبين أننا قضينا حاجتنا منك؟ قالت: لا والله، وكفى.

وأخذت الموعظة من القلب مأخذَها، وأول عمل عملته بعد هذه الموعظة:

1- أسدلت الحجاب على وجهها، وليت سائر النساء يراقبن الله في الحجاب، ويحافظن عليه؛ فإنه عبادة من امتثلته أجرت، ومن كشفته عوقبت.

2- ولت طائعة، وقد جاءت عاصية.

3- ولت تائبة، وقد جاءت مذنبة.

4- رجعت إلى بيتها لتقر فيه ولا تخرج منه إلا لضرورة؛ عملاً بقول الله تعالى: "وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ". 5- بكت حتى وصلت بيتها بكاء التوبة النصوح.

6- قالت لزوجها: أنت بطال، ونحن بطالون، الناس سباقون إلى الجنة وإلى الخيرات ونحن لا نزال متأخرين، قال هذا الرجل: كنت أريد أن تفسدي عبيد بن عمير فأفسدك، - والله لم يفسدها بل أصلحها - انظر إلى تصور بعض الناس لكنه أصلحها، ورجعت إلى ربها تائبة. [ الأنترنت – موقع صفات أهل المراقبة لله ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الواحدة والسبعون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

* الرقيب والعتيد وصفان لكل من الملكين الذين يحفظان أعمال العباد

    هذان الوصفان للملائكة التي وُكِّلت بكتابة كل ما يعمله ابن آدم من خير أو شر ، وهما وصفان صادقان على كل منهما ، فالملك الذي عن اليمين صفته أنه رقيب وعتيد ، والملك الذي عن الشمال صفته أنه رقيب وعتيد .

يقول الله عز وجل : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ

أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ . إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ . مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) سورة ق/16-18.

يقول الإمام القرطبي رحمه الله :

" في الرقيب ثلاثة أوجه :أحدها : أنه المتتبع للأمور .

الثاني : أنه الحافظ ، قاله السدي .

الثالث : أنه الشاهد ، قاله الضحاك .

وفي العتيد وجهان : أحدهما : أنه الحاضر الذي لا يغيب .

الثاني : أنه الحافظ المُعَد،إما للحفظ،وإما للشهادة " الجامع لأحكام القرآن " (17/11)

ويقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :" ( إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ ) يعني : الملكين اللذين يكتبان عمل الإنسان ، ( عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ) أي : مترصد . ( مَا يَلْفِظُ ) أي : ابن آدم ( مِنْ قَوْلٍ ) أي : ما يتكلم بكلمة ( إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) أي : إلا ولها من يراقبها معتد لذلك يكتبها ، لا يترك كلمة ولا حركة ، كما قال تعالى : ( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ) الانفطار/10-12 " انتهى." تفسير القرآن العظيم " (7/398)

ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :" ( رقيب ) مراقب ليلاً ونهاراً ، لا ينفك عن الإنسان . ( عتيد ) حاضر ، لا يمكن أن يغيب ويوكل غيره ، فهو قاعد مراقب حاضر ، لا يفوته شيء " انتهى.

وأما القول بأن أحد الملكين اسمه رقيب ، والآخر اسمه عتيد : فهو مخالف لظاهر الآية الكريمة.

يقول الدكتور عمر سليمان الأشقر حفظه الله :

" يذكر بعض العلماء أن من الملائكة من اسمه رقيب وعتيد ، استدلالاً بقوله

تعالى : ( ما يلفظ من قولٍ إلاَّ لديه رقيب عتيدٌ ) وما ذكروه غير صحيح ، فالرقيب والعتيد هنا وصفان للملكين اللذين يسجلان أعمال العباد ، ومعنى رقيب وعتيد ؛ أي : ملكان حاضران شاهدان ، لا يغيبان عن العبد ، وليس المراد أنهما اسمان للملكين " انتهى." عالم الملائكة الأبرار " (ص/12)

ثانيا :وأما هل يدخل الملائكة الحفظة مع الإنسان إلى الخلاء ، فقد سبق التوسع في شرح هذه المسألة في جواب السؤال رقم : (147161) ، وتبين فيه أن الثابت في الكتاب والسنة أن كل عبد موكل به ملكان ، يراقبان حركاته وسكناته ، ويكتبان أفعاله ، ويحصيان عليه كل ما يصدر منه ، سواء كان عمل خير أو عمل معصية ، وسواء كان في محل كريم أو مكان مهين .

ولكن لم يرد في الكتاب ولا في السنة تفسير لكيفية هذا الإحصاء ، وهل يستلزم دخول الملائكة مع العبد كل مكان يدخل إليه ، وبقاءهم معه في تفاصيل كل عمل يعمله ، أو أن الله خلق فيهما من القدرة ما تمكنهما من معرفة الأعمال وكتابتها من غير حاجة إلى مصاحبة العبد في كل مكان يدخل إليه ، والواجب هو الوقوف عند الوارد ، وتفويض علم ما لم يرد إلى الله عز وجل ، وكما قال سعيد بن جبير رحمه الله : " قد أحسن من انتهى إلى ما سمع ".والله أعلم .[الأنترنت – موقع الإسلام سؤال وجواب – المنجد - الرقيب والعتيد وصفان لكل من الملكين الذين يحفظان أعمال العباد]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثانية والسبعون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

* مراقبة الله تعالى أولا

إذا سلكت الطريق إلى الله كان أول الطريق هو الإسلام، فإذا حافظت على

أركانه وأوامره، وانتهيت عما نهى ربك.. وخشعت روحك لربها، أنذاك وصلت إلى دائرة الإيمان، فإن جاهدت نفسك في هواها، وأقبلت على ربك بكل جوارحك، وصلت إلى دائرة الإحسان .

ولقد سأل جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإحسان فقال: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.

ولا شك أن الذي يقف في صلاته وهو يستشعر مراقبة الله سيجد لصلاته

من الخشوع والجمال واللذة ما لا يراه في صلاة أخرى لا تخضع لهذا الشرط،

فماذا لو شعر برؤية الله له في كل حين؟!

إن الله لا يريد العبد الذي يؤمن بوجوده فقط، بل يحس بوجوده معه فيتهيب رؤية الله له حيثما كان، فيؤثر ذلك في سلوكه ويدفعه إلى فعل الخيرات وترك المنكرات، واسمع إلى قوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة: 7].. وقوله تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر: 19].. وقوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} [البقرة: 235].. وقوله: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا} [الأحزاب: 52]. فماذا يقول رجل لأخيه إذا أحس أن ثالثهما ربهما؟! وكيف تكون عبادة العبد لربه إذا استحضر ذلك؟!

ومن أسماء الله الحسنى التي أمرنا بإحصائها ومعايشتها: الرقيب والحفيظ والعليم والسميع والبصير..

فمن عايش هذه الأسماء ورددها على قلبه صباح مساء  سيرى في قلبه تعظيمًا لربه يملأ عليه وجدانه،فيذهل به عن تعظيم ما سواه، ومواظبة على السير في الطريق إلى الله، وعصمة تحول بينه وبين الوقوع في الحرام، وقوة على تحمل لأداء الطريق إلى رضوان ربه، وسيرى حضور قلبه في العبادة، تسمو به إلى مصاف الخاشعين الصادقين.

وأجمل ما في مراقبة الله تعالى والإحساس بوجوده، هو لذة الأنس به والقرب منه يقول الإمام ابن القيم: إن سرور القلب بالله وفرحه به وقرة العين به لذة لا يشبهها شيء من نعيم الدنيا البتة، وليس له نظير يقاس به، وهو حال من أحوال الجنة.

والحديث الشريف يبين أن للإيمان لذة وحلاوة، قال صلى الله عليه وسلم: «ذاق طعم الإيمان

من رضى بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولًا»  وقال صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله و رسوله أحب إليه مما سواهما و أن يحب المرء لا يحبه إلا لله و أن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار» ويحتاج السائرون إلى الله تعالى إلى التذكير بمعية الله لهم، وذلك حتى لا يسيطر عليه الضعف مهما كانت ظروفهم، وحتى لا يفقدوا الأمل إذا رأوا  شدة بطش عدوهم، فلله معية عامة ومعية خاصة..

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثالثة والسبعون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

* مراقبة الله تعالى أولا

فالمعية العامة هي منه سبحانه وتعالى للخلائق كلها، والمعية الخاصة هي معية النصر والتأييد لعباده الصادقين، فنبي الله موسى عليه السلام يكلفه ربه تعالى أن يذهب هو وأخوه هارون إلى طاغية البشر فرعون وأن يدعوانه إلى الخضوع والإذعان لرب الكون الواحد الأحد، فيسيطر الخوف على نبي الله موسى عليه السلام فيقول: {رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى} [طه: 45]، ويأتيهم علاج مرض الخوف من غير الله {لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 46]، ومن الواضح أن هذا العلاج قد أتى بثماره، ففي لحظة شديدة على النفس البشرية يصرخ أصحاب موسى وهم يرون فرعون وجنوده من خلفهم والبحر من أمامهم إنّا لمدركون، فيقول نبي الله موسى عليه السلام بثقة المؤمن الذي يستشعر رؤية الله وتأييده {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 62].

وكأني بالموقف يتكرر في هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، فعندما يسيطر الخوف على صاحبه الكريم أبي بكر الصديق من أن يقتل أعداء الدعوة صاحب الدعوة محمد صلى الله عليه وسلم، فيقول: يا رسول الله لو نظر أحدهم موضع قدمه لرآنا.. فيقول صلى الله عليه وسلم بثقة المؤمن الذي ارتقى حسه إلى رؤية المعية الكبرى من الله له: «يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما»، ويثني ربنا عز وجل على جمال إجابة رسولنا صلى الله عليه وسلم، فيسجل هذه الإجابة كي تكون شعار للعاملين بدينه والعاملين له{إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40]، فمراقبة العبد لربه وشعوره بمراقبة الله له تكسب العبد هذا الثبات على الطاعة

والمسارعة في فعل الخيرات، بل وتجرده من كل خُلق ذميم،

فينعم بهدوء بال فلا يعصف به الأسى أبدًا.

وما أجمل أن ترى أفعال صحابة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ورضوان الله عليهم جميعًا، كانوا إذا أسلموا وتركوا جاهلية الآباء والأجداد ودخلوا في روضة الإسلام يعرف هذا التغير في وجوههم .. فتراهم وكأنهم ولدوا من جديد، أن هناك شيئًا في قلبهم قد تغير فغيّر كل شيء في كيانهم، عادوا يرتبون الأولويات.. ويعظمون ويحقرون من الناس، ويقبلون ويرفضون من الأفعال والكلمات حسب المعيار الإيماني الذي استنارت به قلوبهم، فمن يرى ربه لن يرى عظيمًا سواه. ولن يرى هداية في طريق غير طريقه. كان الصحابة رضوان الله عليهم ينافسون أنفسهم في أن يُرِي الواحد منهم ربه خيرًا، فهذا أنس بن النضر عليه رضوان الله لم يحضر غزوة بدر فيعزم أن يُري الله من نفسه خيرًا.. وينطلق في غزوة أحد صادقًا في وعده الذي قطعه على نفسه حتى فاضت روحه الطاهرة إلى ربها فيدفنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه وهو يتلو قول الله تعالى {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 23].

وتتفاوت مستويات الناس حسب إيمانهم بربهم واستشعارهم لوجوده وإحساسهم بمراقبته لههم سبحانه، يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لأصحابه: أنتم أكثر صومًا وصلاة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وهم كانوا خيرًا منكم قالوا: وبم ذلك؟ قال: كانوا أزهد منكم في الدنيا، وأرغب منكم في الآخرة. وقال بعض السلف: ما سبقكم أبو بكر بكثرة صوم ولا صلاة ولكن بشيء وقر في صدره.

[ الأنترنت - -موقع الإيمان أولا - مراقبة الله تعالى أولا ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الرابعة والسبعون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*مراقبة الله في الأعمال الدنيوية

  وهكذا أيضا يراقب الإنسان ربه عندما يكون في عمل من الأعمال التي أسندت إليه ولو كانت أعمالا دنيوية ولو كانت مما ائتمنته عليه الدولة فإنها تعتبر أيضا من الأمانة؛ حيث إنه أولا: مأمور بأن يخلص فيها لله تعالى، ثم للمسئولين الذين ائتمنوه، وثانيا: أنه يتقاضى عليها مرتبا، يتقاضى عليها أجرة، فلا تحل له تلك الأجرة إلا إذا أكملها كما ينبغي وأتى فيها بما يعمله بما أمر به وبما أوكل إليه، وثالثا: أن فيها مصلحة للأمة مصلحة للدولة، مصلحة للمؤمنين وللمواطنين فإضاعتها يعتبر الضرر فيها عامًّا على الأمة، أو على كثير من أفراد الأمة، أو على المصلحة العامة فيشعر المسلم بأنه مسئول ومحاسب على كل ما أمر به، مسئول عن كل ما اؤتمن عليه من الأمانات التي أوكل إليه حفظها.

فمن ذلك هذه الوظائف يعتبرها العلماء أمانة من الأمانات التي لا بد للمسلم من أن يحفظها ويحافظ عليها، ويحرم عليه التفريط فيها وإضاعتها وعدم المراقبة لله سبحانه وتعالى فيها، فالله تعالى هو الذي يراقبك دائما.

وهو الذي يراك ويحاسبك على ما فرطت فيه ولو أنه عمل دنيوي ولكن لما كان من جملة الأمانات كان الإنسان مأمورا بأن يراقب ربه ويجتهد في أداء ما اؤتمن عليه، يتذكر أن هذه من الأمانات التي يحاسب الله عليها العبد قال الله تعالى:  وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ  أماناتهم التي يؤتمنون عليها أسرارا أو أعمالا لله تعالى، أو أعمالا للإنسان الذي أمره بذلك وفوضه إليه، فتعتبر هذه كلها أمانات.

فلا بد من الحساب عليها ولا بد من المسئولية عند الله تعالى وإن لم يكن المراقب من البشر حافظا فإن على المسلم أن يحفظها.

نتذكر فيما تكلم به أو كتبه الملك فيصل -رحمه الله- في أول ولايته أنه كتب في كلمته التي كتبت ووزعت في ذلك الوقت يقول فيها: إن موظفي الدولة وكافة أجهزة الحكومة فإن عليهم عبئا كبيرا أو يلزمهم عبء كبير قوامه مخافة الله، والأمانة العامة والشعور بالمسئولية، فهذا هو قوام هذه الأعمال فمن وكل إليه عمل، فعليه أن ينظر في هذه الأمور الثلاثة:

أولها: مخافة الله. الثاني: الأمانة العامة بينه وبين الله وبينه وبين الدولة. والثالث: الشعور بالمسئولية.

فأما مخافة الله فهو أن تخاف الله في تفريطك وفي إهمالك وفي إضاعتك لما أنت موكول عليه، تخاف الله أولا ومن خاف الله راقبه، ومن خاف الله نجا ورد في بعض الأحاديث:  من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة  .

ثانيا: الأمانة العامة الأمانة بمعنى كل شيء مؤتمن عليه العبد بينه وبين ربه، وبينه وبين رئيسه، وبينه وبين إخوانه المسلمين فإنه من الأمانة العامة التي أمرنا بأن نراقبها ونحفظها كما أمرنا الله تعالى بقوله:  إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا  فمن الأمانات ما اؤتمنت عليه مثلا من الأسلحة مثلا ومن حفظ أشياء ذات أهمية أنت مأمور بالمراقبة عليها وحفظها، فمن خان هذه الأمانة أو أهملها أو أضاعها فلا بد أن يسأل عند الله تعالى، ولا بد أن يلقى حسابه.

الأنترنت – موقع الشيخ الجبرين - مراقبة الله في الأعمال الدنيوية ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الخامسة والسبعون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*أين الله في حياتنا؟

أين الله في حياتنا؟.. هل سألنا أنفسنا هذا السؤال يوما من الأيام.. ففي الصحيح من حديث ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأعلمن أقوامًا من أمتي يوم القيامة يأتون بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء ، يجعلها الله هباءً منثورًا، قال ثوبان: صِفْهُم لنا؟! جلِّهم لنا؟! ألاَّ نكون منهم يا رسول الله؟ قال: أما إنهم إخوانكم، ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، لكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها". رواه ابن ماجه وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة.

يا رب لطفك!! يا لله!! أعمال كجبال تهامة بيضاء، يجعلها الله هباء منثوراً!،

فالأمر عباد الله جِدُّ خطير إذا لم نراقب الله في السر والعلن، تخيلوا معي معاشر المسلمين الموحدين، بمجرد أن ننتهك حرمات الله تضيع حسناتنا، والطامة الكبرى أن هؤلاء الذين وصفهم النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث أنهم يأخذون من الليل ما يأخذون، بمعنى يتهجدون ويناجون ربهم،لكن بسبب عدم تعظيمهم لله، واستهتارهم، واستخفافهم بالله ، نالوا الخزي والعار يوم القيامة، أما الذي يذنب نسأل الله السلامة.

فما أحوجنا إلى هذه المراقبة.. ما أحوجنا إلى هذا الخلق العظيم في حياتنا حين

 ينطلق المسلم في بيته وسوقه، في حله وسفره، في نهاره وليله، عند وجود الناس أو في الخلوة عنهم، ما أحوجنا إلى هذا الخلق العظيم.

قال زيد بن أسلم: "مَرّ ابن عمر براعي غنم فقال: يا راعي الغنم هل مِن جَزرة؟ قال الراعي: ليس ها هنا ربها ، فقال ابن عمر: تقول أكلها الذئب ! فرفع الراعي رأسه إلى السماء ثم قال: فأين الله ؟ قال ابن عمر: فأنا والله أحق أن أقول فأين الله، فاشترى ابن عمر الراعي واشترى الغنم فأعتقه وأعطاه الغنم.

وقد صَحَّ في الحديث عن نبيِّكم - صلَّى الله عليه وسلَّم - قولُه: ((الإحسان أنْ

 تعبُد الله كأنَّك تَراه، فإنْ لم تكن تَراه فإنَّه يَراك)).

ومُقتَضى هذا الحديث أنْ يَسِير العبدُ الناصح لنَفسِه في طريقه إلى ربِّه على هذه الصِّفة، يَعبُد الله كأنَّه يُشاهِده، فإنْ لم يتيسَّر له هذا المقام فليَعبُد الله بمقام المُراقِبين، بحيث يستَشعِر المرءُ أنَّ الله يراقبه؛ فهو معه بعِلمِه وإحاطته أينما كان، يسمَعُ أقواله، ويَرى أعمالَه، ويعلَمُ أحوالَه؛ ﴿ اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ * عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ * سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ ﴾ [الرعد: 8 - 10]. فاعتِقاد هذا القُرب، واستِحضار تلك المعيَّة يُوجِبان للعبد الخشية والخوف من الله - تعالى - والهيبة والتعظيم والإجلال له - سبحانه - ويَبعَثان على الحياء من الله - تعالى - والخجل من مُقارَفة مَعصِيته، والإخلاص لله في عِبادته وتَحسِينها، وإتمامها وإكمالها؛ طَمَعًا في جَزِيل مَثُوبته.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

السادسة والسبعون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*مراقبة الله في الأعمال الدنيوية

ولذا أوصى النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بهذا المقام جماعةً من الصحابة - رضِي الله عنهم - قال أبو ذر - رضِي الله عنه -: "أوصانِي خَلِيلي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنْ أخشَى الله كأنِّي أراه، فإنْ لم أكنْ أراه فإنَّه يَرانِي".

وقال ابن عمر - رضي الله عنهما -: أخَذ رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ببَعضِ جسدي فقال: ((اعبُدِ الله كأنَّك تَراه)).

وقال رجلٌ للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: حدِّثني بحديثٍ واجعَلْه مُوجَزًا،

فقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((صَلِّ صلاة مُودِّع؛ فإنَّك إنْ كنتَ لا تَراه، فإنَّه يَراك)). ووصَّى - صلَّى الله عليه وسلَّم - رجلاً فقال: ((استَحِ من الله استِحياءَك من رجُلَيْن من صالِحِي عَشِيرتك لا يُفارِقانك)).

ويَكفِي في ذلك قولُ الحق - سبحانه -: ﴿ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا

فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [يونس: 61].

فمُراقَبة العبد لربِّه هي دَوام عِلم العَبد وتيقُّنه باطِّلاع الله - تعالى - على سِرِّه وعلانِيَتِه، وأنَّه - سبحانه - ناظِرٌ إليه في شَتَّى حالاته؛ قال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

ومتى عقل المرء هذا الأمرَ واستَيْقَنه قلبُه، واستَحضَر موقفَه غَدًا بين يدي

ربِّه، كان باعثًا له على الإكثار من الطاعات، ومُجانَبة المُنكَرات وأنواع

المُخالَفات، وقُرب التَّوبة من السيِّئات، والاشتِغال بعمارة وَقتِه بأنواع الصالحات؛ خشيةً من الفَوْتِ، وحذَرًا من مُفاجَأة الموت.

وهذا المقام هو الذي منَع يوسفَ نبيَّ الله عن المعصية حينما ابتُلِي ﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالمُونَ ﴾ [يوسف: 23]، وهذا المقام هو الذي جعَل الفتاة التي أمرَتْها أمُّها أنْ تغشَّ اللبن قبل بَيعِه للناس أنْ تُراجِع أمها قائلةً: يا أمَّاه، ألاَ تَخافِين من عمر؟ تعني: أمير المؤمنين، فقالت لها أمُّها: إنَّ عمر لا يَرانا، فقالت الفتاة: إنْ كان عمر لا يَرانا فرَبُّ عمر يَرانا.

وكذلك الرجل الذي تمكَّن من المرأة فقالت له: اتَّق الله ولا تفضَّ الخاتم إلا بحقِّه؛ فقام وترَكَها، وترَكَ المال الذي أعطاها لَمَّا ذكَّرته بتقوى الله، فقام وترَكَها خوفًا من الله، وأمثلة ذلك في الناس كثيرة. [ الأنترنت – موقع عمرو خالد – أين الله في حياتنا ]

   إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

السابعة والسبعون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*كيف نراقب الله :

فإن المسلم معرض لوسوسة الشيطان وإغوائه، حسداً منه لآدم الذي أغواه فتاب إلى ربه، ولهذا يحتاج المسلم إلى تذكيره بمخاطر عدوه إبليس، وإلى تذكره دائماً بأن الشيطان له بالمرصاد، ولا ينجيه منه إلا لجوؤه إلى الله تعالى يستعيذ به من عدوه، ويجاهد نفسه على طاعة ربه مخلصاً له عمله، متبعاً فيه رسوله صلى الله عليه وسلم، وإلا ضلَّ وهلك، وصار من حزب عدوه، الذي أمر الله عباده بعداوتهم له، والبعد عن طاعته؛ لأنه لم يفتأ يسوس لهم ليضلهم ويوقعهم فيما وقع فيه من غضب الله، فيكون مصيرهم كمصيره النار، كما قال تعالى:

{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6)} [فاطر].

والذي يترك اتِّباع الرسول صلى الله عليه وسلم ويتَّبع الشيطان، إنما يشاق الله ورسوله، ويحارب دينه وكتابه، وجزاؤه ما ذكره الله تعالى في قوله: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً(115)} [النساء].

فالمسلم في حاجة دائمة ـ بل في ضرورة ملحة ـ إلى ما يلازمه في حياته كلها، ليذكره بطاعة الله تعالى وترك معاصيه، ويذكره بعدوه إبليس الذي يلازمه ملازمة ظله ليغويه ويصرفه عن عبادة الله إلى عبادته، وعن طاعة الله إلى طاعته، كما قال تعالى: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18)} [الأعراف].

وضوح منهج الإسلام وحاجة المسلم إلى عون الله:

وقد أمدَّ الله عباده بمنهج واضح في غاية الوضوح، كامل في غاية الكمال، وهو كتاب الله وسنة رسوله الرسول صلى الله عليه وسلم، شامل لكل حياتهم أفراداً وأسراً وجماعات ودولاً، يغنيهم عن غيره من مناهج الأرض كلها، ولا يغنيهم عن شيء

منه، شيء مما سواه: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)} [الأنعام].

فإذا جد المسلم واجتهد في تعلم كتاب الله وسنة رسوله الرسول صلى الله عليه وسلم، على أيدي من فقههم الله تعالى فيهما، وقرأهما قراءة الفاحص المتأمل بعرض نفسه عليهما ليعلم مدى استجابته لهما وعمله بما أمره الله فيهما وترك ما نهاه الله عنه، وعمل بذلك فقد فاز برضا ربه.

ولكنه لا يستغني عن مرشد ناصح له يذكره إذا نسي، وينبهه إذا غفل، ويوقظه

إذا نام، وهل سيتوفر له هذا المرشد الناصح في جميع أوقاته التي لا يدعه فيها الشيطان لحظة واحدة في داخل بيته وخارجه، في مدرسته ومصنعه، وسوقه ومكتبه، في حضره وسفره في خلوته وجلوته؟ كلا! ولهذا شرع الله للمسلم الاستعانة بالله في عبادته: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ(5)} [الفاتحة].

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثامنة والسبعون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان : *كيف نراقب الله :

*كيف تعلم ولدك مراقبة الله تعالى

     لقد ركز منهج الإسلام في التربية على إثراء جانب المراقبة لله عز وجل في النفس الإنسانية, فقد تضمن القرآن الكريم كثيرا من الآيات المشيرة إلى هذا المعنى. يقول الله سبحانه وتعالى حاكيا عن لقمان الذي أرشد ولده إلى هذه المراقبة يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ, ويقول أيضا وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖوَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ. فحتى الخواطر والخطرات التي ترد على النفس يعلمها الله ويحيط بها, ويقول سبحانه وتعالى وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ, أي: أن الله سبحانه وتعالى مع الإنسان أين ما كان بعلمه وقدرته وكمال إحاطته بخلقه

وفي الحديث عندما كان عبد الله بن عباس رضي الله عنه رديف النبي صلى الله عليه وسلم على الدابة حيث أراد عليه الصلاة والسلام أن يذكي في نفس ابن عمه الصغير هذا الجانب الهام فقال له:

يا غلام أو يا غليم ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن, فقلت: بلى, فقال: احفظ الله يحفظك, احفظ الله تجده أمامك, تعرف إليه في الرخاء يعرفك في الشدة, وإذا سألت فسأل الله, وإذا استعنت فاستعن بالله, قد جف القلم بما هو كائن, فلو أن الخلق كلهم جميعا أرادوا أن ينفعوك بشئ لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه, وإن إرادوا أن يضروك بشئ لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه

بهذا الأسلوب القرآني والنبوي, يتعلق الولد بالله عز وجل, ويقطع جميع العلائق دون الله, فلا يرجو إلا الله, ولا يخاف إلا الله, ولا يسأل إلا الله, فيحفظ الله في خلواته, وعند قوته بتمام الاستقامة على منهجه, فيكون دائم المراقبة لله في الرخاء والشدة

وبهذا المنهج تربى الطفل في عصر النبوة تربية راسخة, جعلته قوة فعالة ثابتة, وأمثلة حقيقية تفوق الخيال, فلا يكاد يفرق بين الرجل

الكبير والطفل الصغير, فالكل كبار بأفعالهم وأعمالهم الحميدة

فهذا علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه يؤمن بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبلغ وهو ابن عشر سنين, ويتبعه رغم الآلام والخسائر والمعاناة التي يلقاها المؤمنون في ذلك الوقت في مكة, فلم يمنعه كل هذا – مع صغر سنه – من اتباع الحق, والتمييز بينه وبين الباطل, واختيار الطريق, وتقرير المصير.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

التاسعة والسبعون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*كيف تعلم ولدك مراقبة الله تعالى

وهذا أسامة بن زيد, وأسيد بن ظهير, والبراء بن عازب, وزيد بن أرقم,

وغيرهم كثير, يعرضون أنفسهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجاء أن يسمح لهم بالمشاركة في قتال الكفار في غزوة أحد, فيردهم لصغر سنهم وفي يوم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا .... } الآية, فإذا بالفتى يسقط مغشيا عليه من وقع التلاوة على قلبه, فيضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده الشريفة على صدره ويقول له: يا فتى قل لا إله إلا الله, فقالها فبشره بالجنة, وصبيان آخرون في سن السابعة تقريبا يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايعونه مع الكبار, فيبسط يده ويبايعهم هؤلاء الصبيان الصغار الذين لم يبلغوا الحلم, ولم تصقل خبراتهم بعد, ولم بتعلموا الكثير من العلوم عرفوا معنى الحياة وحقيقتها, وأنها فانية, فقد كان دور الأسرة في ذلك الوقت دورا رائدا ورئيسا في إيجاد هذا الشعور العجيب في قلوب الصغار نحو الله عز وجل, واستشعار معيته ومراقبته لهم مما دفعهم إلى مزيد من التضحيات في سبيل الله سبحانه وتعالى

وهذا هو النوع من الشعور الذي يطالب الأب المسلم بغرسه في نفوس أولاده الصغار, وتربيتهم عليه, حتى تتعلق قلوبهم وأرواحهم بالله عز وجل, فتكون جميع حركاتهم وسكناتهم موافقة لمنهج الله عز وجل. فإن نجح في هذه المهمة في طفولتهم فقد ضمن دوام استقامتهم وسلامتهم من الانحرافات في مستقبل

حياتهم إن شاء الله تعالى

ومن أهم العوامل المساعدة على تنمية هذا الشعور عند الولد إشعاره بالانتماء إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم, فالأطفال يحبون هذا الشعور, ويرغبون في شئ يعتقدونه ويعملون من أجله ليشعروا بمعنى الحياة وقيمتها, فإذا وجههم الأب إلى هذا النوع من الانتماء يكون قد أشبع في نفوسهم هذا الميل الفطري, الذي لا يشبعه إلا هذا الانتماء العظيم  ، والأب يسعى دائما بإشعار الولد بمراقبة الله له في كل وقت وفي كل مكان, ويوقظ عنده المسؤولية أمام الله, ويشعره بواجبه تجاهه سبحانه وتعالى. وهذا يمكن تحققه خاصة مع الولد في سن التمييز, إذ يمكنه أن يفكر بصورة مجردة, ويفهم ويدرك تلك المعاني

ويستخدم الأب أسلوب الترغيب والترهيب لينمي في ولده الرغبة والحب لله من جهة, والخشية والخوف من جهة أخرى, فيعيش بين الخوف والرجاء. ويلاحظ الأب عدم الإكثار من تخويف الولد بعذاب الله بصفة مستمرة, خاصة إن لم يكن هناك مبرر لذلك, أو مناسبة للتذكير, بل يركز قدر الإمكان على جانب الترغيب ويعلق قلب الولد بجانب الرجاء فهو أكثر حاجة إليه وأرغب فيه. وإن احتاج إلى الترهيب الذي لابد منه في بعض الأوقات, فعليه أن يستخدمه بأسلوب غير مباشر, فإذا قام الولد بعمل حسن محمود قال له : إن الله سيحبك من أجل هذا العمل ويدخلك الجنة, فإنك لست كالأولاد الآخرين الذين يعملون السيئات, والذين سيعذبهم الله بالنار وبهذا الأسلوب يكون الأب قد أثاب ولده على الفعل المحمود, وفي نفس الوقت حذره بصورة غير مباشرة من الفعل القبيح المذموم .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثمانون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان : *كيف تعلم ولدك مراقبة الله تعالى

وفي مجال الترغيب والترهيب يمكن للأب أن يعرض على ولده الآيات والأحاديث في وصف الجنة والنار ففيها العبرة كلها, والموعظة البالغة التي تنمي في النفس الخشية من الله غز وجل, والرغبة فيما عنده, ويستعين في هذا المجال بكتاب الترغيب والترهيب للحافظ المنذري رحمه الله, فقد جمع فيه أحاديث كثيرة في هذا الباب, فينتقي الأب منها أحاديث متنوعة, سهلة العبارة ومفهومة المعنى, فيقرأها على الولد في أوقات متفاوتة ومختلفة, مراعيا أن لا يكون ذهن الولد منشغلا عنه بشاغل, بل يتحين الفرص المناسبة التي يكون فيها الابن مقبلا عليه, فارغ الذهن من الملهيات واللعب, فيعرض عليه هذه الآيات والأحاديث موضحا وشارحا لها بأسلوب حسن سهل, مقتديا في ذلك بالرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام في توجيهه لابن عباس في الحديث المتقدم

وينهج الأب مع ولده أسلوب التذكير الدائم برقابة الله له, وعلمه سبحانه وتعالى بجميع أقواله وأفعاله مستخدما في ذلك طرقا متنوعة, فإذا حدثه الولد – وهو في سن التمييز – حديثا, أو نقل إليه خبرا ما, قال له:

يا بني إن كنت صادقا فإن الله سيحبك, ويجزيك على صدقك أجرا, وسوفأحبك أنا أيضا, أما إن كنت كاذبا فإن الله لن يحبك, وسوف يعاقبك, ولن أحبك أنا أيضا

وإذا ترك الأب الولد الصغير في غرفته منفردا, أو في أي مكان بعيدا عن مراقبة الوالد والأهل, ذكّره بمراقبة الله له, كأن يقول له:

يا بني أتعرف أن الله يراك؟  فيجيبه الولد: نعم يا أبي

فيقول له الأب: إذا فماذا عليك أن تفعل؟

فيرد عليه الولد: لا أفعل شيئا يغضبه ، وهنا يحتضنه الأب ويقبله مشعرا له برضاه عن مقالته الحسنة.

وبهذه الطريقة من التذكير الدائم بالأساليب المتنوعة تحصل في نفس الطفل شفافية وحساسية مرهفة, تنصدع خشية لله عندما تسمع ذكره, أو تستحضر وجوده, كما قال تعالى واصفا هذا الصنف من الناس { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}  .                                                         إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الواحدة والثمانون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

 *كيف تعلم ولدك مراقبة الله تعالى

أما الولد الكبير الذي قارب البلوغ, وأصبحت قدرته أكبر على فهم الأمور المجردة, وإدراك القضايا الغيبية بصورة أعمق, فإن الأب ينهج معه منهجا آخر, فيسلك معه الأسلوب المباشر فيخاطبه مباشرة بالآيات المباركات التي تركز على جانب المراقبة لله عز وجل, فيتلوها عليه مختارا الأوقات المناسبة, خاصة بعد صلاة الفجر, حيث صفاء الذهن, ورقة الإحساس, وقلة الملهيات والشواغل, فيتلو بعضا من آيات الذكر الحكيم كأن يختار آيات من سورة الأعراف, أو خاتمة سورة المؤمنون, أو سورة ق, أو يختار بعض السور من الجزئين التاسع والعشرين والثلاثين من المصحف الشريف, مراعيا في تلاوته الخشوع والبكاء, فإن أثر التلاوة الخاشعة المصاحبة للبكاء أعظم في نفس الولد, وأكبر وقعا من مجرد التلاوة الجافة, فلا بأس أن يحسن الأب صوته بالتلاوة في خشوع. والمقصود هو إظهار الخشوع والحزن والبكاء عند التلاوة ليكون وقعها على النفس أشد فتتأثر وتنصدع, وقد كان ابن الجوزي رحمه الله عندما كان صغيرا يتأثر ببكاء بعض شيوخه أكثر من تأثره بعلمهم والولد الذي يشاهد هذا التأثر على أبيه لا شك يتأثر, وكأن لسان حاله يقول:

إن هذا الأمر الذي يبكي والدي له أمر عظيم

وسوف يبقى في نفس الولد أثر هذا الخشوع, ويرتسم في مخيلته, حتى يكبر وينضج, فيتذوق حلاوة الإيمان, ولذة الخشوع, فيكون ذلك مدعاة لدوام استقامته, وتمام توفيقه وسداده ويضيف الأب إلى آيات القرآن الكريم بعضا من الأحاديث النبوية التي تركز على هذا الجانب وتقويه في نفس المؤمن, ومن

 هذه الأحاديث قوله عليه الصلاة والسلام وهو يكشف للناس حقيقة من حقائقٍ عالم الغيب التي يهتز لها الوجدان, وينخلع لها القلب عند تخيل حقيقتها وطبيعتها حيث يقول إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون ، أطت السماء وحق لها أن تئط ؛ ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته لله ساجدا . والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا

وهذه الآيات والأحاديث لا شك أن لها أثرها على نفس الولد, حتى وإن لم يظهر ذلك في بادئ الأمر, فإنه يُختزن في ذاكرته, ويُنقش في قلبه, ويظهر أثره عند مقاربة البلوغ وبعده على صورة رغبة وميل نحو التدين والتزام الإسلام

وقد كان بعض السلف يعلم أولاده كيف يستحضرون رقابة الله عليهم عن طريق ذكر الله بالقلب, فيعلم ولده أن يقول: الله معي, الله يراني, الله ناظري

ويكرر ذلك مرارا دون تلفظ, وهذا الأسلوب إن استمر عليه الولد مكّنه ذلك من استحضار مشاهدة الله له, ومراقبته له

الأنترنت – موقع الطريق الى الله - كيف تعلم ولدك مراقبة الله تعالى ،

إعداد عدنان حسن صالح با حارث]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثانية والثمانون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*كيف تتعلم الحياء وتحسن المراقبة؟

1-أسلوب سهل :

قال سهل بن عبد الله التستري: كنت و أنا ابن ثلاث سنين أقوم بالليل فانظر إلى صلاة خالي محمد بن سوار فقال لي يوما إلا تذكر الله الذي خلقك ؟ فقلت : كيف اذكره؟ فقال: قل بقلبك عند تقلبك بثيابك ثلاث مرات من غير

أن تحرك لسانك: الله معي... الله ناظري...الله شاهدي

فقلت ذلك ليالي ثم أعلمته به فقال: قل ذلك كل ليلة إحدى عشر مرة فقلته فوقع في قلبي حلاوة فلما كان بعد سنة قال لي خالي:

احفظ ما علمت و دم عليه إلى إن تدخل القبر فانه ينفعك في الدنيا و الآخرة فلم أزل على ذلك سنين ثم قال لي خالي يوما : يا سهل، من كان الله معه و ناظرت إليه و شاهده ...ايعصيه؟! إياك و المعصية

* إذا غاب العقل و غلبت الشهوة و دنا الذنب و سكر القلب.. تذكر: الله

معي..الله ناظري.. الله شاهدي.

إذا غاب الرقيب... و فقد الشهيد... ونامت العيون...تذكر: الله معي.. الله ناظري...الله شاهدي.

2- استحضار نعم الله:

كم مرة مرضت فيها فشفاك، و نزلت بك نازلة فنجاك، و ألم بك الجوع و العطش فأطعمك وسقاك، و ابتلاك بالمصائب ليغفر لك الذنوب وقصدك بالبلايا ليمحو الخطايا انعم عليك بالإسلام و ملايين البشر في بحار الكفر غارقون و أفاض عليك بنعم السمع و البصر و الفؤاد و المحرومون كثيرون تبارزه بالمعاصي و يحبك و تعصيه و يغفر لك و تهتك ستر الله عليك و يوالي أستاره عليك فيحسن وتذنب فينعم و تقطعه فيصلك لا يمنعه إساءة لسانك بالكذب أن يحرمك نعمة الكلام و لا إساءة بالنظر إلى الحرام إلى إن يحرمك نعمة الإبصار و لا إساءة الأذن بالاستماع إلى المحرم و الفحش من القول إلى إصابتك بالصمم.

انعم عليك بنعم تعرفها ونعم لا تعرفها نعم تشعر بها و لا تحس بها نعم أورثك اعتياد رويتها نسيان شكرها فلا تعرف ثمنها إلا بفقدها.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثالثة والثمانون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*كيف تتعلم الحياء وتحسن المراقبة؟

4- الخوف من حبوط العمل:

و هذا التهديد أرسله النبي عليه الصلاة والسلام إلى صاحب الوجهين و ذي اللسانيين الذي يكون مع الناس بحال الطائع و إذا خلا بربه بحال العاصي.

قال رسول الله عليه الصلاة والسلام:" لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء فيجعلها الله هباء منثورا أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم و يأخذون من الليل كما تأخذون و لكنهم قوم إذا خلوا

بمحارم الله انتهكوها".

فاستشعر الخوف من حبوط عملك الصالح، و خف على حسناتك واحرص على طاعاتك و لا تضيع جهدك سدى، لا تكن كمن سار ليلا فلما طلع عليه النهار وجد نفسه في الطريق الخطأ، و احرص على رضا الله لا رضا الخلق، فرضاهم عنك غاية لا تدرك و آمال في الأحلام.

*أيهما أيسر؟

قال سلمة بن دينار : تزين العبد لله يورث محبة الخلق له ، و تزين العبد

للخلق يورث بغض الله له، و لمصانعة وجه واحد أيسر من مصانعة الوجوه كلها، انك إذا صانعت الله ( أرضيته) مالت إليك الوجوه كلها، و إذا أفسدت ما بينك و بينه كرهتك الوجوه كلها.

*الداعية الهالك : كان يحي بن معاذ ينشد في مجالسه:

مواعظ الواعظ لن تقـبلا حتى يعيها قلبـــه أولا

يا قوم من اظلم من واعظ قد خالف ما قاله في الملا

اظهر بين الناس إحـسانه و بارز الرحمن لما خـلا

5- الاستبشار بثواب عبادة السر:

و من أساليب التدريب على استشعار مراقبة الله الاستبشار بثواب العبادة الخفية، و كفى من ثوابها إن ثلاثة من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله هم من أصحاب عبادات السر... " و رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله م تنفق يمينه، و رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه".

و هذا الثواب راجع إلى أن عبادة السر أقرب إلى الإخلاص و أبعد عن الرياء

و المباهاة، و أكسر لحظ النفس من الشهرة و العجب، و لهذا جاء في بعض الآثار أن عبادة السر تفضل عبادة العلن بسبعين ضعفا، فاستشعر قدر هذا الثواب يهن عليك حفظ محارم الله في السر و العلن و تكن عند الله من المقربين الأبرار.

* و لهذا يبشرك كعب الأحبار بقوله: من تعبد لله ليلة حيث لا يراه احد يعرفه خرج من ذنوبه كما يخرج من ليلته.

* بل قال عمرو بن العاص : ركعة بالليل خير من عشر بالنهار.

* و يأتيك بالثالثة حذيفة بن قتادة فيقول: إن أطعت الله في السر أصلح قلبك، شئت أم أبيت.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الرابعة والثمانون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*كيف نتعلم الحياء ونحسن المراقبة؟

غضبة تميمية :

قال رجل لتميم الداري: ما صلاتك بالليل ؟ فغضب غضبا شديدا، ثم قال:   و الله لركعة أصليها في جوف الليل في سر أحب إلي من أن أصلي الليل كله ثم أقصه على الناس.

*مروءة خفية :

كان عبد الله بن المبارك كثيرا ما يسافر إلى الرقة، و ينزل في خان فيها، فكان شاب يأتي إليه... و يقوم بحوائجه، و يسمع منه الحديث، فقدم عبد الله الرقة مرة... فلم ير ذلك الشاب، فسأل عنه، فقالوا: أنه محبوس لدين ركبه، فقال عبد الله: و كم مبلغ دينه؟ فقالوا: عشرة آلاف درهم، فدعا عبد الله صاحب المال ليلا و أعطاه عشرة آلاف درهم... و حلفه أن لا يخبر أحدا ما دام حيا، و قال له: إذا أصبحت فاخرج الرجل من الحبس، فلما خرج الفتى من الحبس .. قيل له: عبد الله بن المبارك كان ها هنا... و كان يسأل عنك، فخرج الفتى في أثره، فلما قابله.. قال عبد الله : يا فتى .. أين كنت؟!لم أرك في الخان. قال: كنت محبوسا بدين. قال: فكيف كان سبب خلاصك؟!قال: جاء رجل فقضى ديني، و لم اعلم به حتى أخرجت من الحبس، فقال عبد الله: احمد الله على ما وفق لك من قضاء دينك، ثم فارقه و مضى.

*صدق أو لا تصدق : قال رسول الله عليه الصلاة والسلام:" صلاة الرجل تطوعا حيث لا يراه الناس تعدل صلاته على أعين الناس خمسا و عشرين".

بمعنى انك يا من صليت النوافل في بيتك في سنة حصلت اجر من صلاها في المسجد خلال 25 سنة. ولهذا اخبر النبي عليه الصلاة والسلام:" أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة".

[ الأنترنت – موقع الكلم الطيب - كيف تتعلم الحياء وتحسن المراقبة؟ ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الخامسة والثمانون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*من كلام السلف عن المراقبة والمحاسبة

#قال ابن المبارك لرجل : راقب الله تعالى فسأله عن تفسيره فقال كن أبدا كأنك ترى الله عز وجل .

#وقال عبد الواحد بن زيد :إذا كان سيدي رقيبا على فلا أبالى بغيره

#وقال أبو عثمان المغربي: أفضل ما يلزم الإنسان نفسه في هذه الطريقة

المحاسبة والمراقبة وسياسة عمله بالعلم

#وقال أبو حفص: إذا جلست للناس فكن واعظا لنفسك وقلبك ولا يغرنك اجتماعهم عليك فإنهم يراقبون ظاهرك والله رقيب على باطنك .

#وحكى أنه كان لبعض المشايخ تلميذ شاب وكان يكرمه ويقدمه فقال له بعض أصحابه كيف تكرم هذا وهو شاب ونحن شيوخ فدعا بعدة طيور وناول كل واحد منهم طائرا وسكينا وقال ليذبح كل واحد منكم طائره في موضع لا يراه أحد ودفع إلى الشاب مثل ذلك وقال له كما قال لهم فرجع كل واحد بطائره

مذبوحا ورجع الشاب والطائر حي في يده !!!

فقال ما لك لم تذبح كما ذبح أصحابك ؟

فقال لم أجد موضعا لا يرانى فيه أحد إذ الله مطلع على فى كل مكان فاستحسنوا منه هذه المراقبة وقالوا حق لك أن تكرم.

#وحكى أن زليخا لما همت بيوسف عليه السلام قامت فغطت وجه صنم كان لها فقال يوسف مالك أتستحيين من مراقبة جماد ولا

أستحيى من مراقبة الملك الجبار

#وحكى عن بعض الشبابأنه راود جارية عن نفسها فقالت له ألا تستحيى فقال ممن أستحيى وما يرانا إلا الكواكب قالت فأين مكوكبها

#وقال رجل للجنيد بم أستعين على غض البصر فقال بعلمك أن نظر الله إليك أسبق من نظرك إلى المنظور إليه

#وقال محمد بن علي الترمذي : اجعل مراقبتك لمن لا تغيب عن نظره إليك وأجعل شكرك لمن لا تنقطع نعمة عنك وأجعل طاعتك لمن لا تستغنى عنه وأجعل خضوعك لمن لا تخرج عن ملكه وسلطانه .

#وقال سهل : لم يتزين القلب بشىء أفضل ولا أشرف من علم العبد بأن الله شاهده حيث كان

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

السادسة والثمانون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*من كلام السلف عن المراقبة والمحاسبة

#وسئل بعضهم عن قوله تعالى : (رضى الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشى

 ربه) فقال معناه ذلك لمن راقب ربه عز وجل وحاسب نفسه وتزود لمعاده

#وسئل ذو النون بم ينال العبد الجنة فقال بخمس استقامة ليس فيها روغان واجتهاد ليس معه سهو ومراقبة الله تعالى في السر والعلانية وانتظار الموت بالتأهب له ومحاسبة نفسك قبل أن تحاسب .

#وقد قيل :  إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل

خلوت ولكن قل على رقيب

ولا تحسبن الله يغفل ساعة

ولا أن ما تخفيه عنه يغيب

ألم تر أن اليوم أسرع ذاهب

وأن غدا إذا للناظرين قريب

#وقال سفيان الثورى: عليك بالمراقبة ممن لا تخفى عليه خافية وعليك بالرجاء ممن يملك الوفاء وعليك بالحذر ممن يملك العقوبة

#وحكى عن بعضهم أنه قال مررت بجماعة يترامون وواحد جالس بعيدا منهم فتقدمت إليه فأردت أن أكلمه فقال ذكر الله تعالى أشهى فقلت وحدك فقال معي ربي وملكاي فقلت من سبق من هؤلاء فقال من غفر الله له فقلت أين الطريق فأشار نحو السماء وقام ومشى

#وقال الحسن رحم الله تعالى عبدا وقف عند همه فإن كان لله مضى وإن كان لغيره تأخر .

#وفي حديث سعد حين أوصاه سلمان اتق الله عند همك إذا هممت .

#وكان دعاء عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه اللهم أرني الحق حقا

وارزقنى اتباعه وأرني الباطل باطلا وارزقنى اجتنابه ولا تجعله متشابها على

 فأتبع الهوى.

#وقال عيسى عليه السلام الأمور ثلاثة أمر استبان رشده فاتبعه وأمر استبان غيه فاجتنبه وأمر أشكل عليك فكله إلى عالمه

#وقال أنس بن مالك سمعت عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه يوما وقد خرج وخرجت معه حتى دخل حائطا(بستانا) فسمعته يقول وبيني وبينه جدار وهو في الحائط عمربن الخطاب أمير المؤمنين بخ بخ والله لتتقين الله أو ليعذبنك

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

السابعة والثمانون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*من كلام السلف عن المراقبة والمحاسبة

#وقال الحسن في قوله تعالى ولا أقسم بالنفس اللوامة قال لا يلقى المؤمن إلا يعاتب نفسه ماذا أردت بكلمتي ماذا أردت بأكلتي ماذا أردت بشربتي والفاجر يمضى قدما لا يعاتب نفسه .

#وقال مالك بن دينار رحمه الله تعالى رحم الله عبدا قال لنفسه ألست

صاحبة كذا ألست صاحبة كذا ثم ذمها ثم خطمها ثم ألزمها كتاب الله تعالى فكان له قائدا .

#وقال إبراهيم التيمي مثلت نفسي في الجنة آكل من ثمارها وأشرب من أنهارها وأعانق أبكارها ثم مثلت نفسي في النار آكل من زقومها وأشرب من صديدها وأعالج سلاسلها وأغلالها فقلت لنفسي يا نفس أي شيء تريدين فقالت أريد أن أرد إلى الدنيا فأعمل صالحاقلت فأنت في الأمنية فاعملي .

كما نقل عن توبة ابن الصمة وكان محاسبا لنفسه فحسب يوما فإذا هو ابن

 ستين سنة فحسب أيامها فإذا هي أحد وعشرون ألف يوم وخمسمائة يوم فصرخ وقال يا ويلتي ألقى الملك بأحد وعشرين ألف ذنب فكيف وفي كل يوم عشرة آلاف ذنب .

#ويحكى أن حسان بن أبي سنان مر بغرفة فقال متى بنيت هذه ثم أقبل على نفسه فقال تسألين عما لا يعنيك لأعاقبنك بصوم سنة فصامه

#وقال الحسن: أدركت أقواما وصحبت طوائف منهم ما كانوا يفرحون بشىء

من الدنيا أقبل ولا يتأسفون على شىء منها أدبر ولهى كانت أهون في أعينهم

من هذا التراب الذى تطئونه بارجلكم .

#وقال أبو الدرداء لولا ثلاث ما أحببت العيش يوما واحدا الظمأ لله بالهواجر والسجود لله في جوف الليل ومجالسة أقوام ينتقون أطايب الكلام كما ينتقى أطايب الثمر

#وكان أبو مسلم الخولانى قد علق سوطا في مسجد بيته يخوف به نفسه وكان يقول لنفسه قومى فوالله لأزحفن بك زحفا حتى يكون الكلل منك لا منى فإذا دخلت الفترة( الكسل ) تناول سوطه وضرب به ساقه ويقول أنت أولى

بالضرب من دابتى .

#وكان يقول أيظن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن يستأثروا به دوننا كلا والله لنزاحمهم عليه زحاما حتى يعلموا أنهم قد خلفوا وراءهم رجالا.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثامنة والثمانون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*من كلام السلف عن المراقبة والمحاسبة

#وقال القاسم بن محمد :غدوت يوما وكنت إذا غدوت بدأت بعائشة رضي الله عنها أسلم عليها فغدوت يوما إليها فإذا هى تصلى صلاة الضحى وهى تقرأ فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم وتبكى وتدعو وتردد الآية فقمت حتى مللت وهى كما هى فلما رأيت ذلك ذهبت إلى السوق فقلت أفرغ من حاجتى ثم

أرجع ففرغت من حاجتى ثم رجعت وهى كما هى تردد الآية وتبكى وتدعو .

#وقيل للحسن ما بال المتهجدين أحسن الناس وجوها فقال لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم نورا من نوره .

#و يقول الدكتور مصطفى السباعي “إذا همّت نفسك بالمعصية فذكرها بالله، فإذا لم ترجع فذكرها بأخلاق الرجال، فإذا لم ترجع فذكرها بالفضيحة إذا علم بها الناس، فإذا لم ترجع فاعلم أنك تلك الساعة قد انقلبت إلى حيوان.”

#ومن أعجب المواقف التي قرأتها في سيرة الإمام سفيان الثوري رحمه الله تعالى، يقول أحد تلامذته: كنت أتعجب من حياة الإمام! وكنت من عجبي به أتبعه في خلواته وجلواته، ثم رأيت منه عجباً، رأيت أنه يقف في اليوم مرات يخرج من جيبه رقعة فينظر إليها ثم يعيدها، يفعل ذلك في اليوم مرات، يقول: فازددت إصراراً في معرفة السر على الورقة، فما زلت خلف الإمام أتبعه، وألحظه في خلواته وجلواته حتى وقعت الورقة في يدي، فنظرت فيها فإذا مكتوب فيها…

#يا سفيان ! اذكر وقوفك بين يدي الله عز وجل.

سبحان الله! سفيان الثوري رضي الله تعالى عنه علم أن هذه النفس تغفل، فأراد أن يؤدبها وأن يربيها، فكتب هذه العبارة في هذه الورقة، فكلما همت نفسه بمعصية أو غفلت، أخرجها فنظر إليها وقرأها فتذكر الآخرة، وتذكر وقوفه بين يدي الله عز وجل

#ويقول القاسم بن محمد : كنا نسافر مع ابن المبارك فكثيراً ما كان يخطر ببالي، فأقول في نفسي: بأي شيء فُضِل هذا الرجل علينا حتى

اشتهر في الناس هذه الشهرة؟!

إن كان ليصلي إنا لنصلي، ولئن كان يصوم إنا لنصوم، وإن كان يغزو إنا لنغزو، وإن كان يحج إنا لنحج. قال: فكنا في بعض مسيرنا في طريق الشام ليلة نتعشى في بيت إذ انطفأ علينا السراج، فقام بعضنا لإصلاح السراج، فكانت هُنيهة –أي: لحظة من اللحظات- ثم جاء السراج، فنظرت إلى وجهه

رحمه الله تعالى وقد ابتلت لحيته من كثرة الدموع، فقلت في نفسي:  

 بهذه الخشية فُضِّل هذا الرجل علينا، ولعله عندما فقد السراج وصار إلى الظلمة ذكر القيامة فتأثر. هكذا القلب عندما يتعلق بالله جل وعلا، وهكذا القلب المتعلق بالله، إذا رأى ظلمة تذكر ظلمة القبر، وإذا رأى ناراً تذكر نار جهنم وسعيرها، وإذا رأى خضرة ونعيماً تذكر نعيم الجنة، فهو متعلق بالله دائماً.

  [ الأنترنت – موقع الراشدون  - من كلام السلف عن المراقبة والمحاسبة ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

التاسعة والثمانون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*كيف أقوي المراقبة في نفسي ؟

يمكنك أن تقوي مراقبة الله في نفسك عبر أمور منها: - تدبر القرآن. – طلب العلم. – الاستمرار على فعل الطاعات وعمل اليوم والليلة، ومنها: أ– المحافظة على الرواتب والنوافل. ب – قيام الليل. جـ - ركعتي الضحى.

– ذكر الله بجميع أنواعه المطلق والمقيد .– الصيام. – لزوم بيوت الله

والجلوس فيها وانتظار الصلاة إلى الصلاة. – زيارة القبور لتهذيب النفوس وتحصيل الأجور. "زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة".– حضور الجنائز.

 ويلاحظ في ذلك أمور: أ – الاستمرار، وقليل دائم خيرٌ من كثير منقطع، فأحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل وما السيل إلا اجتماع النقط. ب – عدم إملال النفس والقصد القصد تبلغو. جـ - المجاهدة، والمجاهدة تحتاج إلى مجاهدة وهي توفيق "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ" (العنكبوت:69)، وجاهد على الغصن الذي لا تستطيعه.  – محاسبة النفس والخلوة بها ومعاتبتها بين الفينة والأخرى: فذلك أكمل لتزكيتها والسمو بها في معارج الخير والفضيلة والنور، وكما قال ميمون بن مهران: ساعة لا ينبغي أن يغفل العبد عنها ساعة محاسبة ومعاتبة، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا وتزينوا للعرض الأكبر على الله. قال ابن القيم: وهلاك النفس من إهمال محاسبتها ومن موافقتها واتباع هواها.  10 – مجالسة العلماء وأهل الصلاح والتقى والبعد عن الكسالى والبطالين: وخالط إذا خالطت كل موفق من العلماء أهل التقى والتعبد وإياك والهماز إن قمتَ عنه والبذي فإن المرء بالمرء يقتدي ولا تصحب الحمقى فذو الجهل إن يُدِم صلاحاً لأمر يا أخا الحزم يُفسِد وقيل: فصاحِبْ تقياً عالماً تنتفع به فصحبة أهل الخير ترجى وتطلب  11 – التفكر في خلق الله واستشعار عظمة الله: وأنه لا يغيب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، بل يعلم ما يسرون وما يعلنون وهو العليم بمكنونات الصدور _سبحانه وبحمده_ فإذا استشعر العبد أن الله مطلع عليه حيثما كان بل يعلم ما يدور ويخالج صدره حينها يستحي من الله فيخافه ويجله. وإذا خلوت بريبـة في ظلمـة والنفس داعية إلى الطغيان فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني اللهم ارزقنا خشيتك ومراقبتك في السر والعلن. – قراءة سير السلف الصالح أهل العلم والإيمان والصلاح والتقى: والنظر في أحوالهم وخوفهم ووجلهم من الله، أصحاب العزائم القوية والإرادات الصادقة "لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ" (يوسف: من الآية111)، حينها تتحرك المشاعر والأحاسيس وتسمو النفوس للعمل بما يرضي الملك القدوس فيكون من الركب السائر إلى الله. جعلني الله وإياكم منهم وجمعنا بهم في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر. إذا أعجبتك خصال امرئ فكنه يكن منك ما يعجبك فليس على الجود والمكرمات إذا جئتها حاجب يحجبك "وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيماً" (النساء:69، 70).      

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

التسعون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*كيف أقوي المراقبة في نفسي ؟

– محبة الله ورجاؤه: المنزلة التي تنافس فيها المتنافسون وإليها شخص العاملون وعليها تفانى المحبون وبدَوح نسيمها تدوح العابدون فهي قوت القلوب وغذاء الأرواح وقرة العيون، فهي الحياة ومن حُرمها عُدَّ من الأموات وهي النور ومن فقدها فهو بحار الظلمات، الشفاء من جميع الأسقام، اللذة التي من لم يظفر بها فعيشه هموم وآلام. تالله لقد أذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة، تالله لقد سبق القوم السعاةَ وهم على ظهور الفرش نائمون وقد تقدموا الركب بمراحل وهم في سيرهم واقفون. سئل الجنيد : عن محبة رب العالمين فأطرق رأسه ودمعت عيناه ثم قال عبد ذاهب عن نفسه متصل بذكر ربه قائم بأداء حقوقه، ناظر إليه بقلبه، أحرقت قلبُه، عظمته و هيبتِه فإن تكلم فبالله وإن نطق فعن الله وإن تحرك أو سكن فبأمر الله فهو بالله ولله ومع الله فبكى القوم وأجهشوا بالبكاء، وقالوا: ما على هذا مزيد، ومن سكنت محبة الله قلبه استحى من الله أن ينظر إليه في مكان لا يرضاه. رزقنا الله وإياكم محبته.  14 – إدامة النظر والتأمل في أسماء الله وصفاته: فالوقوف مع اسمين من أسماء الله وهما السميع البصير السميع الذي يسمع المناجاة وهو السميع القريب وهو السميع العليم فلا يفوته ولا يخفى عليه شيء من أفعال العباد، فهو المطلع على السرائر وهو العليم بذات الصدور "مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" (المجادلة: من الآية7). تقول عائشة _رضي الله عنها_: تبارك الذي وسع سمعه كل شيء إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفى علي بعضه وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله، وهي تقول: يا رسول الله أكل شبابي ونثرت له بطني حتى إذا كبر سني وانقطع ولدي ظاهر مني اللهم إني أشكو إليك قالت: فما برحت حتى نزل جبريل بهذه الآيات "قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ" (المجادلة:1). ومتى آمن الناس بذلك واستشعروه فإن أحوالهم تتغير وتتبدل. وهو البصير _سبحانه_ لا يخفى عليه شيء من أعمالهم يبصر كل شيء وإن دَق وصغر يبصر دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء ويبصر ما تحت الأرضين السبع كما يبصر ما فوق السماوات السبع. وهو البصير يرى دبيب النملة السوداء تحت الصخر والصوِّوان ويرى مجاري القوت في أعضائها ويرى عروق بياضها بعيان ويرى خيانات العيون بلحظها ويرى كذلك تقلب الأجفان ومن علم أن ربه مطلع عليه استحى أن يراه على معصية أو فيما لا يحب.  – الدعاء: سلاح المؤمن وهو الصلة بين العبد وربه، هو السبب إذا انقطعت الأسباب والباب إذا أغلقت الأبواب هو الحبل المتين والسلاح المبين "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ" (البقرة: من الآية186)، فليسأل العبدُ ربَّه وليتضرع إليه ليلاً ونهاراً بلسان صادق وقلب خاشع بأن يرزقه خشيته

ومراقبته في السر والعلن. اللهم ارزقنا خشيتك في السر والعلن.

[ الأنترنت - موقع المسلم - كيف أقوي المراقبة في نفسي ؟ ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الواحدة والتسعون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*كيف يشعر العبد بمراقبة ربه له والخوف من عذابه؟

   مراقبة الله تعالى هي الإحسان الذي هو مقام أعلى مقامات الدين، كما قال جبريل عليه السلام للنبي -عليه الصلاة والسلام-: (ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) فالمراقبة معناها استشعار العبد أن الله تعالى يراه، ويعلم سره وعلانيته، ولا يخفى عليه شيء من أمره.

فاستحضار العبد لهذه المعاني على الدوام يدفعه نحو الإحسان في عمله، بأداء ما فرض الله عليه واجتناب ما حرم الله عز وجل، كما يدفعه إلى الإحسان في ذات العبادة فيؤديها على الوجه المطلوب منه، مخلصًا فيها لله، متابعًا فيها لشريعة الله.

ومما يعين العبد على استحضار المراقبة دوام المطالعة والتفكر في أسماء الله تعالى وصفاته، فمن عرف الله تعالى علم أنه لا تغيب عنه غائبة ولا تخفى عليه خافية، يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور، وهو على كل شيء رقيب وعلى كل شيء شهيد، وكفى به حسيبًا ورقيبًا.

فمطالعة أسماء الله تعالى وصفاته تُغذي القلب بهذه المعرفة، وننصحك بدوام المطالعة والقراءة في صفات الباري تعالى وأسمائه.

وأما الخوف من الله تعالى فهو الزاجر للإنسان عن الوقوع فيما حرم الله تعالى

عليه، فكما أن الحب لله يدفعه إلى الطاعة والمزيد منها،

فإن الخوف من العذاب يمنعه ويحول بينه وبين الوقوع في المعصية، فهو كالسوط الذي تُساق به الدابة، فتخاف إذا انحرفت أن تُضرب

به، والخوف يغذيه في القلب استشعار واستحضار العقوبات التي أعدها الله تعالى للذنوب والمعاصي، أي لمرتكبيها إذا ارتكبوها.

ومما يولِّد الخوف في القلب أيضًا استشعار الإنسان واستحضاره أنه قد يموت ويباغته الأجل قبل أن يُصحح ويتوب مما جنى وأسرف، فإن الموت قريب وأقرب إلى أحدنا من شِراك النعل الذي يلبسه، فإذا استحضر الإنسان هذا المعنى وعلم أنه ربما يُباغته الأجل قبل أن يتوب تولَّد في قلبه الخوف من أن يقبضه الله تعالى فيوافي ربه بتلك الذنوب والمعاصي.

ومما يزرع الخوف أيضًا في القلب استحضار الإنسان لحقيقة مهمة وهي أنه قد لا يوفق لتوبة ولا يُرزق حب الإنابة والرجوع إلى الله تعالى بعد ذنبه، فإن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، فلا يستطيع الإنسان التحكم في قلبه على الدوام، كما قال الله عز وجل: {يا أيهَا الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يُحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تُحشرون}. فهذه الأمور الثلاثة تزرع في القلب الخوف من الله تعالى، وإذا وُجد الخوف حسن العمل وصحح المسير، واجتنب الإنسان ما حرم الله عز وجل عليه، حتى يأتيه الموت فيرفع الله عز وجل عنه الأحزان كما قال سبحانه: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون}.نسأل الله بأسمائه وصفاته أن يرزقنا وإياك حسن التوبة والإنابة.

[ الأنترنت – موقع إسلام ويب - كيف أشعر بمراقبة الله لي؟ - الشيخ/ أحمد الفودعي ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثانية والتسعون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

* احذر! أن الله يراك!

إن الله سبحانه وتعالى لا يغيب عن علمه مثقال ذرة، فهو يعلم السر وأخفى، يعلم ما تسر الأنفس وما تبطن،

(أَلَا يَعۡلَمُ مَنۡ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلۡخَبِيرُ) (سورة الملك: ١٤)  فهو سبحانه محيطٌ بنا (بعلمه) ومطلع على كل أحوالنا...

ونحن في زمان كثرت الفتن والمحرمات والمفاسد، وأصبحت ميسرة للجميع، ويمكن الوصول إليها بسهولة، المحلات التي توفرها، والأماكن التي تهيئ بيئتها، بل أصبحت أدوات وأبواب الحرام متوفرة في كثير من البيوت، كالتلفاز والحاسوب والهاتف الجوال والانترنت، بمعنى أنك لو أردت أن تفصل نفسك أو عائلتك عن بيئة الفتن والمحرمات، فإن الأمر أصبح صعباً في زماننا، لأن أبواب هذه المفاتن أصبحت في كثير من البيوت.... مما أدى إلى كثرة الوقوع في الحرام، فتجد أحدهم يستتر من الناس وإذا خلا بنفسه يسارع إلى الحرام، وقد ورد في الحديث أن النَّبِىِّ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قَالَ:

«لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا»

قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ، قَالَ:«أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا» (سنن ابن ماجه: ٤٢٤٥)

أعاذنا الله وإياكم من هذا البلاء وخطورته... ينتهكون المحارم ويغفلون عن أن الله مطلعٌ عليهم، يرى فعلهم، (وَلَا تَعۡمَلُونَ مِنۡ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيۡكُمۡ شُهُودًا إِذۡ تُفِيضُونَ فِيهِۚ وَمَا يَعۡزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثۡقَالِ ذَرَّةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَآ أَصۡغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَآ أَكۡبَرَ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مُّبِينٍ) (سورة يونس: ٦١) وإذا كان الإنسان يستحيي من أن يراه الناس فالأولى له أن يستحيي من الله جل وعلا، يقول سبحانه: (يَسۡتَخۡفُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلَا يَسۡتَخۡفُونَ مِنَ ٱللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمۡ إِذۡ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرۡضَىٰ مِنَ ٱلۡقَوۡلِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا يَعۡمَلُونَ مُحِيطًا) (سورة النساء: ١٠٨)

وهذا فيه جرأة كبيرة، وإقحام للنفس في المهالك، ووقوع فيما لا يليق بمسلم، وما

هذا إلا لضعف مراقبة الله تعالى، لو استحضر عند خلوته أن الله يراه

لاستحيا منه سبحانه، والمراقبة هي أن تستحضر على الدوام أن الله لا يخفى عليه شيءٌ من أمرك.

قال ابن المبارك رحمه الله تعالى: المراقبة أن تكون أبدا كأنك ترى الله عز وجل. (إحياء علوم الدين: صـ ٣٩٧ ملخصاً)

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثالثة والتسعون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

* احذر! أن الله يراك!

وسئل الحارث المحاسِبي عن المراقبة فقال: علم القلب بقرب الله تعالى. (إحياء علوم الدين: صـ ٣٩٧)

خرج أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ذات ليلة مع خادم له يدعى أسلم ليتفقد أحوال الرعية بالليل، ثم جلس ليستريح بجوار أحد الجدران فسمع امرأة تقول لابنتها: يا بنيتي، هيا قومي فاخلطي اللبن في الماء، فقالت الفتاة لوالدتها: يا أماه! أما سمعت ما قاله منادي أمير المؤمنين اليوم؟ فقالت الأم لابنتها: وما قاله منادي عمر؟ فقالت الابنة: إنه أمر ألا يخلط اللبن بالماء، فقالت الأم لابنتها: يا بنيتي قومي فاخلطي اللبن بالماء فإنك في موضع لا يراه عمر ولا منادي عمر، فردت الفتاة على والدتها: والله يا أماه ما كنت أطيعه في العلن وأعصيه في الخفاء، وإن كان عمر لا يرانا فإن الله سبحانه وتعالى يرانا.

فهذه هي المراقبة لله تعالى والخشية منه سبحانه، فحرص عمر رضي الله عنه على أن يزوجها أحد أبناءه ثم شاء الله أن يكون من نسلها الخليفة العادل (عمر بن عبد العزيز) رحمه الله تعالى، (عيون الحكايات، الحكاية الثانية

عشرة، ملخصاً) وما هذا إلا بمراقبة الله وحضوره الدائم في القلب في مختلف شؤون الحياة، وهذا يتطلب تربية روحية، وتقوية إيمانية، ترتقي بالعبد إلى هذا المقام، هذا المقام هو أعلى المقامات وأرفع الدرجات، وفي الحديث الصحيح سأل جبريل عليه السلام: فأخبرني عن الإحسان؟ فقال سيدنا النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: «أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ». (صحيح مسلم: ٨)

إنه يراك، فالحذر الحذر من الاجتراء، واعلم أن الإنسان نتيجة خلواته، وما بلغ الصالحون مرتبة الولاية إلا لانشغالهم في خلواتهم بذكر الله تعالى والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم... [ الأنترنت- موقع احذر! أن الله يراك!]

* مراقبة الله في السر والعلن

  وذات ليلة خرج عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه مع خادمه أسلم ليتفقد أحوال المسلمين في جوف الليل، وفي أحد الطرق استراح من التجوال بجانب جدار ، فإذا به يسمع امرأة تقول: قومي إلى ذلك اللبن فامذقيه (اخلطيه) بالماء . فقالت الابنة: يا أُمَّاه ، وما علمتِ ما كان من عَزْمَة أمير المؤمنين اليوم؟! قالت الأم: وما كان من عزمته؟ قالت: إنه أمر مناديًا فنادى: لا يُشَابُ اللبن بالماء.فقالت الأم: يا بنتاه، قومي إلى اللبن فامْذقيه بالماء فإنك في موضع لا يراك عمر، ولا منادي عمر. فقالت الصبيّة: واللَّه ما كنت لأطيعه في الملأ وأعصيه في الخلاء، إن كان عمر لا يرانا، فرب عمر يرانا.

إنها أم عمارة بنت سفيان التي نقشت اسمها بأحرف من نور بورعها وأمانتها وخوفها من اللَّه تعالى الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، والذي أكرمها في الدنيا بزواجها من ابن أمير المؤمنين عمر، وجعل من نسلها أميرًا للمؤمنين هو عمر بن عبد العزيز .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الرابعة والتسعون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

* احذر! أن الله يراك!

وهذا ما يجب أن يكون عليه المؤمن ،، متيقن من اطلاع الله تعالى على ظاهره وباطنه، وأنه ناظرٌ إليه، سامعٌ لقوله، عالمٌ بحركاته وسكناته  .

وإن من أهم المعاني العظيمة التى يجب علينا أن نربي أبناءنا عليها هو استشعار

رقابة الله تعالى فهى كفيلة إذا ما غرست فى نفوس الأبناء بعناية بأن تجنبهم الكثير من الزلل فى عالم الشهوات والشبهات اليوم ،فنحن لا نستطيع أن نحجب الأبناء عن كل فتن ومغريات هذه الحياة ولكننا نستطيع ان نزرع فى نفوسهم مراقبة الله وذلك من خلال غرس عبادة الإحسان في نفوسهم منذ نعومة أظفارهم، والتي شرحها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله (  أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ( .

فمن قام في قلبه أنه لا تخفى على الله خافية، راقب ربه وحاسب نفسه وتزود لمعاده، واستوى عنده السر والإعلان، ولذلك كان من وصاياه صلى الله عليه وسلم: ((اتق الله حيثما كنت)) أي في السر والعلانية حيث يراك الناس وحيث لا يرونك، فخشية الله تعالى في الغيب والشهادة من أعظم ما ينجي العبد في الدنيا والآخرة ولذلك كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ((أسألك خشيتك في الغيب والشهادة)) وكان الإمام أحمد كثيراً ما ينشد قول الشاعر:

إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقـل        خلــوت ولكن قل عليَّ رقيب

ولا تحسبن الله يغفـــل ساعة         ولا أن مـا يخفـى علـيه يغيب

فلنتقِ الله في السر والعلن ولنحذر من انتهاك محارم الله في الخلوات فإن

الرجل ليصيب الذنب في السر فيصبح وعليه أثره ومذلته .

فإن كنت تظن أنه لا يراك فقد كفرت بالله، وإن كنت تعلم أن الله يراك فكيف تجترئ على خالقك وربك ومولاك وتجعله أهون

الناظرين إليك، لا تنظر يا عبد الله إلى صغر الذنب ولكن انظر إلى عظمة من عصيت، انظر إلى عظمة الله وإلى جلال الله.

وإن الصحابة رضوان الله عليهم استشعروا رقابة الله، فأثرت هذه الرقابة في حياتهم وفي سلوكهم حتى كانوا خير أمة أخرجت للناس، إنهم لم يكونوا ملائكة ولم يخرجوا عن بشريتهم في يوم من الأيام، ولكنهم كانوا في أروع صورة بشرية عرفتها الدنيا، لأنهم تخرجوا من مدرسة الحبيب محمد ، وتربوا على مائدة القرآن وسنة سيد الأنام محمد .

لكن اليوم وحين غابت مراقبة الله وضعف الإيمان عند عدد كبير من الناس تجرؤا على محارم الله وجاهروا بمعصيته والبعض إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ، غابت المراقبة فأُكل المال الحرام وفعلت الفواحش والآثام وضيعت أحكام شرعية وحرفت غيرها ، قل الحياء وظهر العقوق وبخست الحقوق وتعلقت القلوب بالدنيا وضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وانطفأت الغيرة على حرمات الله فلا حول ولا قوة إلا بالله وحسبنا الله ونعم الوكيل .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الخامسة والتسعون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

* احذر! أن الله يراك!

ولنتأمل هذا الحديث النبوي الشريف من سنن ابن ماجه بسند جيد من

حديث ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لأعلمن أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاً فيجعلها الله عز وجل هباء منثوراً)) قال ثوبان: يا رسول الله صفهم لنا، جَلِّهِم لنا أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم. قال: ((أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل ما تأخذون ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها)) فما أحوجنا إلى تأمل هذا الحديث واستحضاره لا سيما في أيامنا هذه التي كثر فيها الفساد وتيسرت أسبابه فلم يبق مانع ولا حاجز إلا أن يخاف العبد ربه في السر والعلن.

اللهم اجعلنا ممن يطيعون ولا يعصون ، ويذكرون فلا ينسون ، ويشكرون

 قلا يكفرون .[ الأنترنت - موقع حزب التحرير - مراقبة الله في السر والعلن  ]  

*أعظم العبادات مراقبة الله في سائر الأوقات

قال ابن القيم رحمه الله في " مدارج السالكين " : من منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } منزلة المراقبة ..وهي دوام علم العبد وتيقنه باطلاع الحق سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه.. فاستدامته لهذا العلم ، واليقين بذلك هي المراقبة .. وهي ثمرة علمه بأنَّ الله سبحانه ..رقيب عليه ..ناظر إليه ..سامع لقوله ..مطلع على عمله ..

ومن راقب الله في خواطره ؛ عصمه الله في حركات جوارحه ..

قال أحدهم : والله إني لأستحي أن ينظر الله في قلبي وفيه أحد سواه ..

قال ذو النون : علامة المراقبة ..إيثار ما أنزل الله ..وتعظيم ما عظَّم الله ..وتصغير ما صغَّر الله ..

وقال إبراهيم الخوَّاص :المراقبة ..خلوص السرّ والعلن لله جلَّ في علاه ..من علم ..أنَّ الله يراه حيث كان ..وأنَّ الله مطلع على باطنه وظاهره وسره وعلانتيته ..واستحضر ذلك في خلوته ..أوجب له ذلك العلم واليقين ..ترك

المعاصي والذنوب ..

أو كما قال .. الشافعي :أعزّ الأشياء ثلاثة ..الجود من قلة ..والورع في خلوة ..وكلمة الحق عند من يُرجى أو يُخاف ..وقالوا : ..أعظم العبادات مراقبة الله في سائر الأوقات

قال ابن القيم :والمراقبة ..هي التعبد بأسمائه :الرقيب ..الحفيظ ..العليم ..السميع ..البصير ..فمن عقل هذه الأسماء وتعبَّد بمقتضاها حصلت له المراقبة ..إذا أردت أن تعرف مدى إيمانك ..فراقب نفسك في الخلوات..راقب نفسك في الخلوات ..إنَّ الإيمان لا يظهر ..في صلاة ركعتين ، أو صيام نهار ..بل يظهر ..في مجاهدة النفس والهوى ..والله ..ما صعد يوسف عليه والسلام ولا سعُد ..إلا في مثل ذلك المقام ....{ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى } .. سورة النازعات 40-41

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

السادسة والتسعون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

* احذر! أن الله يراك!

من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظلَّ إلا ظله ..؟؟؟

رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه ..وآخر دعته امرأة ذات حسن وجمال فقال : إني أخاف الله ..فقال: إني أخاف الله ..أف للذنوب ..أف للذنوب ..ما أقبح آثارها ..وما أسوأ أخبارها ..وهل تحدث الذنوب إلا ..في الغفلات ، والخلوات..؟؟؟يا من لا يصبر لحظة عما يشتهي ..قل من أنت ؟!..وما علمك ؟!..وإلى أي مقام ارتفع قدرك ؟!..بالله عليك ..أتدري من الرجل ؟!!..الرجل والله ..من إذا خلا بما يحب من المحرم ..وقدر عليه ..تذكر ، وتفكر ، وعلم ..أنَّ الله يراه ..ونظر إلى نظر الحق إليه ..فاستحى من ربه ..كيف يعصاه وهو يراه ..هيهات ..هيهات .. والله ..لن تنال ولاية الله ..حتى تكون معاملتك له خالصة ..والله ..لن تنال ولايته ..حتى تترك شهواتك ..وتصبر على مكروهاتك ..وتبذل نفسك لمرضاته ..الله ..الله ..في مراقبة الحق جل في علاه..الله ..الله ..في الخلوات ..الله ..الله ..في البواطن ..الله ..الله ..في النيات ..فإنَّ عليكم من الله عيناً ناظرة ..(( وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ، الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ ، وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )) سورة الشعراء 217-220

قال ابن رجب رحمه الله :"خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لايطلع عليها الناس".وقال بعضهم : ( كم من معصية في الخفاء منعني منها قوله تعالى : " ولمن خاف مقام ربه جنتان " ) إن الحسرة كل الحسرة ، والمصيبة كل المصيبة : أن نجد راحتنا حين نعصي الله تعالى ".قال ابن رجب الحنبلي : يا ضيعة العمر إن نجا السامع وهلك المسموع،ويا خيبة المسعى إن وصل التابع وهلك المتبوع[الأنترنت – موقع  أعظم العبادات مراقبة الله في سائر الأوقات - عاطف الجراح]

* ما هي ذنوب الخلوات: 

 خلق الله -تعالى- الإنسان وأمره بطاعته، وحذّره من عصيانه، وجعل فطرته

قابلةً لارتكاب المعصية؛ فالنّفس من أحوالها أنّها أمّارة بالسوء، لذا فالمرء مُعرَّض لأن يقع بالزّلل أو الضلال، فهو ليس نبيّاً مُرسَلاً، ولا مَلَكاً مُقرَّباً، ومن هنا يعترف الإسلام بقابليّة المسلم للوقوع في الخطأ، والمشكلة تكمنُ في الاصرار عليه، والتّمادي بفعله، فالأتقياء إذا ظلموا أنفسهم بمعصية سرعان ما تذكّروا الله، فيستغفرونه ويتوبون إليه، وقد حذّر الشرع أتباعه من الاستجابة لوسوسة الشيطان، أو اتّباع هوى النّفس ونزواتها، وفي سبيل ذلك حثّ على استحضار العبد لمراقبة الله تعالى، خاصّةً في الخلوات.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

السابعة والتسعون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

ما هي ذنوب الخلوات، وما أثرها على العبد، وكيف يتمكّن من اجتنابها؟ تعريف الذّنب لبيان المقصود من ذنوب الخلوات : لا بدّ من بيان تعريف الذنب لغة واصطلاحاً على النحو الآتي: الذنب في اللغة: مفرد، وجمعه ذنوب، وهو ارتكاب الأمر غير المشروع، ويُسمّى الذنب: إثماً، وجُرماً، ومعصيةً. الذنب في الاصطلاح الشرعي: هو فعلٌ ما، حذّر منه الله -سبحانه وتعالى- ممّا جاء النهي عن تركه في الأحكام الشرعيّة، سواءً أكان قولاً أم فعلاً، ظاهراً كان أم باطناً، ويشمل أيضاً ترك ما أمر الله -تعالى- به من أوامر، والذنوب في الإسلام تُقسَم إلى قسمين، وبيان ذلك كالآتي: كبائر الذنوب: كلّ ذنبٍ اقترن شرعاً بوعيد شديد؛ مثل: دخول نار جهنّم، أو عذاب، أو غضب، أو لعنة. صغائر الذنوب: كلّ ذنبٍ ما دون الحدّين؛ حدّ الدنيا، وحدّ الآخرة.[٤] ذنوب الخلوات ذنوب الخلوات هي المعاصي التي يرتكبها المرء في حال غيبته عن النّاس واختلائه بنفسه، ولا يدخل بها حديث النّفس الذي يطرأ أحياناً على خاطر الإنسان، ولكن إذا استرسل بها، أو استجلبها فإنّها تُعدّ من ذنوب الخلوات القلبيّة، ولا تدخلُ بها كذلك صغائر الذنوب التي لا يسلم منها أحد من العباد، دون استرسال بارتكابها، وقد ورد بيان حال أصحاب ذنوب الخلوات في قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (لأعلَمَنَّ أقواماً من أمَّتي يأتون يومَ القيامةِ بأعمالٍ أمثالِ جبالِ تِهامةَ بيضاءَ؛ فيجعلُها هباءً منثوراً، قال ثوبانُ: يا رسولَ اللهِ، صِفْهم لنا، جَلِّهم لنا لا نكونُ منهم ونحن لا نعلمُ، قال: أما إنَّهم إخوانُكم ومن جِلدتِكم، ويأخذون من اللَّيلِ كما تأخذون، ولكنَّهم قومٌ إذا خلَوْا بمحارمِ اللهِ انتهكوها)،[٥] ويظهر من الحديث أنّ المقصود بهم الذين لا يراعون لله -تعالى- حرمةً من المنافقين وأهل الرّياء، ومن كانت عنده الجرأة على الاستخفاف بحدود الله، فمن هؤلاء من تكون خلواته في مشاهدة الفضائيات الفاسدة، والنظر إلى المواقع الإباحية، ثمّ تجد هؤلاء لهم نصيب من الاستقامة في الظاهر، ولذا جاء الحديث مُحذِّراً لهؤلاء لئلّا يكون حالهم حال المنافقين.[٦][٧] وقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (إِذَا خَلوا بِمَحَارِمِ الله) في الحديث السابق لا يعني بالضرورة خلوتهم في بيوتهم وحدهم، بل قد يكونون مع مَن هم على شاكلتهم، ويدخل في معنى انتهاك حرمات الله مَن إذا سمحت لهم الفرصة وقعوا في محارم الله، وشأن المنتهكين لمحارم الله -تعالى- أنّهم إمّا يستحلّون فعل ذلك لأنفسهم بعيداً عن مرأى النّاس، أو يبالغون فيها بالخلوات ويستمرؤونها وكأنّهم قد أمنوا مكر الله وعقوبته لهم، ومن هنا جاء النّص بالوعيد بحبوط أعمالهم، باعتبار أنّ ارتكابهم للذنوب في الخلوات يدلّ على عدم استشعارهم مراقبة الله -تعالى- واطّلاعه عليهم.[٦][٧] مساوئ ذنوب الخلوات لذنوب الخلوات العديد من الآثار على فاعلها في الدنيا والآخرة، منها:[٨] عدم كمال العبوديّة لله تعالى. نفور المؤمنين من العبد الذي يخالف أمر الله -تعالى- في خلواته، فما أسرّ عبد سريرةً إلّا أظهرها الله -تعالى- على قسَمات وجهه، وفلتات لسانه خيرها وشرّها. الخلوة هي اختبار شديد تظهر نتائجه في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: (يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ).[٩] التقوى لا تكتمل دون صلاح السريرة، وهذا مُنعدِم في مُنتهك محارم الله -تعالى- في خلواته، لأنّ تقوى الله ومخافته في السرّ أصعب منها في العلن، لكنّها أعظم أجراً؛ فالدافع إليها خشية الله وحده. سيّئات الخلوات تُبطِل حسنات العلن. سوء الخاتمة؛ فهي عقوبة إلهيّة على عدم صدق العبد، قال ابن رجب: (خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة بين العبد وربه). ذنوب الخلوات تدلّ على ضعف تعظيم الله وأوامره في قلب العبد كما يليق بجلال الله تعالى، فخشية الناس في قلوب الهاتكين أعظم من خشية الله. أخطر ما في ذنوب الخلوات أنّ اعتيادها يبثّ اليأس في قلوب العُصاة، فينقطعون عن التوبة.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثامنة والتسعون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

كيفيّة التخلص من ذنوب الخلوات يستطيع المرء الواقع في ذنوب الخلوات أن ينجوَ بنفسه بعدّة طرق، منها: الإقلال من الخلوات بالنفس، فبعض الناس يكون مدخل الشيطان إليه وسيطرته عليه خلال خلواته. الدعاء والتّذلل بين يدي الله -سبحانه وتعالى- بأن يُصلِح الله ما أفسده المرءعلى نفسه من سلطان الهوى والشّهوات. تذكّر ستر الله -تعالى- على العبد، وأنّ ستر الله لمنتهك الحرمات دليل على أنّ الله -سبحانه وتعالى- ما يزال يمنح العبد فرصةً للتوبة والإنابة. تذكّر الوقوف بين يدي الله -عزّ وجلّ- يوم القيامة، وأنّه سيُكلّم ربّه، قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (ما منكم من أحدٍ إلا سيُكلِّمُه ربُّهُ، ليس بينَه وبينَه تُرجمانٌ، ولا حجابٌ يحجبُه).[١٠] استحضار موقف انكشاف أمر العبد في خلواته أمام من يحترمونه. استذكار أنّ الخلوة في حياة المؤمن يجب أنّ تكون صلةً بالله تعالى، ودموعَ خشيةٍ بين يديه. استشعار العبد مراقبة الله -تعالى- له، وأنّه لا تخفى عليه خافية. استحضار العبد عداوة الشيطان له، وأنّ فرحة التائب هي الانتصار على الشيطان، والخلاص من سلطانه.  [ الأنترنت – موقع موضوع - ما هي ذنوب الخلوات  - كتابة احمد محمد]

* ضعف مراقبة الله في الخلوات

مقدمة :- منّ الله عليه فألتزم وصار يتنقل بين الطاعات من فروض وسنن وواجبات وهجر حياة المعاصي والذنوب والموبقات ولكن لا يزال الشيطان يراوده ويأتيه بين الأوقات وأكثر ما يكون ذلك في الخلوات فيوسوس له بمشاهدة أو سماع أو قول الحرام أو يزين له فعله ولأنه عنده من ضعف مراقبة الله في الخلوات ما عنده ، يقع في الفخ الذي نصبه له إبليس ونفسه الأمارة بالسوء فيقع في الذنب ولأن الله وضع في قلبه خير يعود فيندم فيتوب ولكن لما يختلي بالله مرة أخرى يزين الشيطان له فعل الذنب فيعود ويتكرر منه الذنب وهكذا يختلي يذنب ..ثم يندم يتوب .. يختلي يذنب .. ثم يندم يتوب هذه صورة واحدة وغيرها كثير من صور ذنوب الخلوات فمنهم من إذا خلى بالله زنى أو سرق أو تعامل أو تعدى على حق لغيره والصور كثيرة في هذا الباب منها ما هو من صغائر الذنوب ومنها الكبائر. وليس كلامي هنا عن الذين لا يبالون بالمعاصي سراً وجهاراً ليلاً ونهارا ، فهؤلاء المجاهرين حسابهم على الله ويكفيهم قول النبي صلى الله عليه وسلم ( كل أمتي معافى إلا المجاهرين ... إلى آخر الحديث )، وإنما حديثي عن أصحاب الطاعات في العلن أصحاب المعصية في السر ، أمام الناس هم المصلين التالين كتاب الله والمقبلين على أهل الدين وفي الخلوات تتغير الحالات. قال محذراً بلال بن سعد رحمه الله " لا تكن ولياً لله في العلانية وعدواً له في السر " * ألا يعلم بأن الله يرى :- إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقـل خلــوت ولكن قل علي رقيب ولا تحسبن الله يغفـــل ساعة ولا أن مـا يخفـى علـيه يغيب إن ذنوب الخلوات لا تدل إلا على ضعف إحساسنا بمراقبة الله عز وجل لنا في السر والعلانية ، فإن كنا نوقن فعلياً أنه يرانا فكيف نتجرأ على معصيته ، وكيف نجعله أهون الناظرين إلينا ، " يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم " لا حول ولا قوة إلا بالله ، فأين نحن من درجة الإحسان التي عرّفها لنا نبينا الحبيب صلى الله عليه وسلم ( الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك )وذلك من الحديث المشهور الذي رواه البخاري وغيره من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وأين نحن من نصيحته صلى الله عليه وسلم لأبن عباس" أتق الله حيثما كنت " والمعني بقوله (حيثما كنت) السر والعلانية، مع الناس أو في خلوة.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

التاسعة والتسعون في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

* خطورة ذنوب الخلوات :

- لخص أحد علماء السلف رحمهم الله نتيجة ذنوب الخلوات في جملة وكأنها معادلة حسابية فقال رحمه الله ( ذنوب الخلوات .. انتكاسات ، وطاعات الخلوات .. ثبات ) فلو رأيت أحدا ممن كان مشهوراً بالالتزام معروفاً عند أهل الخير والإقدام لو رأيته على حال أخرى ، لو رأيته وقد تبدل حاله وانتكس فأعلم أن الأمر لم يكن صدفة ولم يأتي بغتة ، فإنه بارز الله بالمعاصي في الخلوات حتى تكاثرت على قلبه فظهرت في العلن . وكان السلف رحمهم الله يعرفون صاحب معصية الخلوة ، فإن لها شؤماً يظهر في الوجه ويظهر في ضعف إقباله على الطاعات ، قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه : ( إن للحسنة ضياءً في الوجه ، ونوراً في القلب ، وسعةً في الرزق ، وقوةً في البدن ، ومحبةً في قلوب الخلق ، وإن للسيئة سواداً في الوجه ، وظلمةً في القلب ، ووهناً في البدن , ونقصاً في الرزق ، وبغضةً في قلوب الخلق ) وقال أبو الدرداء لسالم بن أبي الجعد : ليحذر امرؤ أن تبغضه قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر! قال: أتدري ما هذا؟! قلت: لا، قال: العبد يخلو بمعاصي الله عزوجل فيلقي الله بغضه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر!! وإن لم يكن من خطورة ذنوب الخلوات إلا هذا الحديث لكفى فقد جاء في سنن ابن ماجه بسند جيد من حديث ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لأعلمن أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاً فيجعلها الله عز وجل هباء منثوراً)) قال ثوبان: يا رسول الله صفهم لنا، جلهم لنا أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم. قال: ((أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل ما تأخذون ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها)) يا رب سلم سلم. * مكمن الـــداء :- إن الخطوة الأولى لعلاج هذا الداء هي الوقوف على مكمنه ، ووصفه وصفاً صحيحاً ولكي يحدث ذلك لنتدبر سوياً قوله تعالى ( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن بعد قراءة هذه الآية الكريمة بتدبر هو هل نستشعر معية الله عند وقوعنا في المعصية التي لا يرانا فيها غيره ؟ هل نعلم يقيناً أنه مطلع علينا ؟ إن قال قائل لا أعتقد أن الله يراني حال وقوعي في المعصية لذلك تجرأت ، فإنه قد كفر فإن من الإيمان بالله أن تؤمن بأسمائه وصفاته فهو سميع بصير ( قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ) فهو يعلم سرنا وجهرنا ويسمع كلامنا ويرى مكاننا ولا يخفى عليه شيئاً من أمرنا ... سبحانك اللهم ربنا. إذن نعلم أنه يرانا ونعلم أنه يغضب إن عصيناه وبالرغم من ذلك نقع في الذنب .. لما ؟ الجواب عند بن الجوزي رحمه الله حين قال : ( تأملت وقوع المعاصي من العصاة ، فوجدتهم لا يقصدون العصيان وإنما يقصدون موافقة هواهم ، فوقع العصيان تبعا . فنظرت في سبب ذلك الإقدام مع العلم بوقوع المخالفة ؛ فإذا به ملاحظتهم لكرم الخالق ، وفضله الزاخر . ولو أنهم تأملوا عظمته وهيبته ، ما انبسطت كفٌ بمخالفته ). هذه مشكلة الكثير منا أنا نتعلق برحمة الله وكرمه وجوده ومغفرته وحبه لتوبة التائبين وليس في ذلك عيب إلا أننا جعلناه باب للوقوع في المعاصي وما تأملنا عظمة الله وهيبته وغضبه وعذابه.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

* الطريق إلى الــــدواء :

- (( قاعدة أساسية سليمة وأعمدة قوية يتم البناء )) إن القاعدة الأساسية

لعلاج ذنوب الخلوات وأول الطريق إلى الدواء هو أن نرفع جانب الخوف عندنا على جانب الرجاء ، نعم نتلو قوله تعالى ( و َرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ) ولكن نتم الآية ( فسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) ، نتلو قوله تعالى ( نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ونتبعها بما يليها ( وَ أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ) ، فلا يكفي أن نتفكر في كرم الله ومغفرته ورحمته وننسى عذابه ، فهذه القاعدة هي عمل قلبي عظيم كي نستشعر عظمة الله فتزيد هيبته في قلوبنا فنمتنع عن فعل المعصية فتعمل بقول القائل "لا تنظر إلى صغر المعصية ولكن أنظر إلى عظمة من عصيت" وإذا خلـوت بريبة في ظلمة .... والنفس داعيـة إلى طغيان فاستح من نظر الإله وقل لها .... إن الذي خلق الظلام يراني كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ( اللهم أقسم لي من خشيتك ما تحول به بيني وبين معصيتك ) ، فالخوف من الله في هذا الباب أمر محمود ومأمور لأنه يدفع العبد لاجتناب ما نهى عنه الله ، وقد أثنى الله عزوجل على عباده المؤمنين وقال (إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ) وقال أيضاً سبحانه ( وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ ) وبعد رسوخ هذه القاعدة العظيمة نضيف أسباب أخرى معينة وهي بمثابة الأعمدة القوية ليتم البناء :- 1- تجديد التوبة : ( وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ آثاما * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً *إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ) ليس معنى وقوع العبد في الذنب أن يترك التوبة أو أن الله لا يتوب عليه ، بل الواجب على من أبتلي بهذا الابتلاء أن يجدد التوبة دائماً وليحسن الظن بربه وإن تكرر الذنب فإن الله لا يمل حتى تملوا ، وكل توبة صادقة تجب ما قبلها. 2- الدعاء والتضرع إلى الله : ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) .. ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) ندعو الله ونسأله أن يعيننا سبحانه وتعالى على التخلص من هذا الداء ، ونتحرى في ذلك أوقات الإجابة كالوقت بين الآذان والإقامة ودبر كل صلاة مكتوبة والساعة الأخيرة من يوم الجمعة والثلث الأخير من الليل ، وكذلك نأتي بأسباب القبول كاليقين في الإجابة والإلحاح على الله في الدعاء والذل والانكسار بين يدي العزيز الجبار وحضور القلب واستشعار عظمة الله وغيرها. 3- الإكثار من ذكر الله : لا شك أن محافظة العبد على أذكار الصباح والمساء ودبر الصلوات ، وأن يشغل لسانه دائماً بذكر الله كل ذلك يجعله في معية الله دائما وحفظه ورعايته ( أحفظ الله يحفظك ) فيحفظك سبحانه من الوقوع في مثل هذه المعصية ويشغلك بطاعته. 4- الصلاة على وقتها وفي جماعة وخاصة صلاة الفجر: ( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ) إن الحفاظ على صلاة الجماعة مع استحضار القلب ومجاهدة النفس للوصول للخشوع تعين العبد على ترك المعاصي وعلى سرعة العودة والتوبة إن وقع فيها وعلى العكس من ذلك للذي يتهاون عن صلاة الجماعة أو يؤخرها ،قال النبي صلى الله عليه وسلم " من صلى الفجر في جماعة كان في ذمة الله حتى يمسي " تضييع صلاة الفجر عند الكثير ممن يتسمون بالالتزام ظاهرياً أمر خطير ، والمحافظة عليها تجعلك في ذمة الله ومن كان في ذمة الله وقاه وكفاه. 5- الإقبال على طلب العلم : ( إ ِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ) فإن طلب العلم يزكي النفس ويرفع من خشية العبد لربه في السر والعلن ، كما أن شغل وقتك بالمفيد من قراءة أو تدبر قرءان أو حضور مجالس العلم أو استماع للمحاضرات كل ذلك يشغلك عن المعصية فإن نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل. هذا والله واعلم وما كان في قولي من خطأ أو نسيان فمني ومن الشيطان وما كان في قولي من توفيق فمن الله الكريم الرحمن [الأنترنت- موقع عالم حواء - ملتقى الإيمان ضعف مراقبة الله في الخلوات ( الداء والدواء )]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الواحدة بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*كلمات في ذنوب الخلوات

إن من أعظم نعم على عباده تعريفهم ما شاء من أسمائه وصفاته، ليكون العلم بها وسيلة لدعائه، وسبباً في خشيته والخوف منه، ولذا كان مقام الإحسان: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك"([2]) هو أعظم مراتب الدين؛ لأن العبد يستشعر فيه نظر الرب جل جلاله، فصار مقامُ المراقبة من أشرف مقامات العبودية، وأجلّ منازل السائرين في مدارج ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾[الفاتحة: 5].

إن استدامة علم العبد بمراقبة الله له، وتيقنَه باطلاعه على ظاهره وباطنه؛ هي ثمرة علمه بأن الله رقيب عليه، ناظرٌ إليه، سامعٌ لقوله، مطّلع على عمله وفي كل طرفة عين.

إننا اليوم -يا عباد الله- أحوج ما نكون إلى تذكير أنفسنا بهذه العبودية، خصوصاً في زمن تفجّر وسائل النظر الحرام، وكثرة الأسفار الفردية، إذْ مهما كثرت الوسائل التي يحتاط بها العبد، فليس ثمة شيء يحول دون ذنوب الخلوات مثلَ استشعار مراقبة رب الأرض والسماوات.

وإذا قلّبنا كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وجدنا ألواناً من تربية المؤمنين على هذه العبودية، وحثّاً على التحقق بها؛ إذْ هي أعظم الكوابح، وأقوى الموانع، في لحظةٍ يخلو بها العبد بمحارم الله تعالى!

إن من أعظم الدروس التي يخرج بها القارئ لقصة يوسف، هو درس المراقبة

في لحظة القدرة على المعصية، أشد وأقوى ما تكون الدواعي للمعصية: ﴿مَعَاذَ

اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ﴾[يوسف: 23].

وحين يشتد الحرُّ يوم القيامة على أهل الموقف، فتدنو الشمسُ من الخلائق قدْر ميل، بعد أن كانت بعيدة عنهم نحو مائة مليون وخمسين مليون كم! في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة..حفاة عراة غرلا.. في هذا الموقف يخلق الله ظلاً يستطل به طائفة من الناس يتقون به حرّ ذلك اليوم.. ومِن هؤلاء الذين ينالون شرف الاستظلال: "رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه" فهو أحد السبعة الذين يظلهم في ظله، كما قال صلى الله عليه وسلم.

"إنه رجل يخشى الله في سره، ويراقبه في خلوته، وأفضل الأعمال خشية الله في السر والعلانية، وخشيةُ الله في السر إنما تَصدُر عن قوة إيمان ومجاهدة للنفس والهوى، فإن الهوى يدعو في الخلوة إلى المعاصي، ولهذا قيل: إن مِن أعز الأشياء الورع في الخلوة.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثانية بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان : *كلمات في ذنوب الخلوات

وذِكر الله يشمل ذكره باللسان والقلب:

فذِكر القلب: ذكر عظمته وبطشه وانتقامه وعقابه، والبكاء الناشئ عن هذا هو بكاء الخوف، ويشمل: ذكر جماله وكماله وبِره ولطفه، وكرامته لأوليائه بأنواع البر والألطاف، لا سيما برؤيته في الجنة، والبكاء الناشيء عن هذا هو بكاء الشوق.

وذِكر الله باللسان: بالاستغفار والتسبيح والتنزيه عما لا يليق به، كما قال تعالى عن المتقين الذي يدخلون الجنة: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا

فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾[آل عمران: 135].

إن ذنوب الخلوات أفسدت كثيراً من القلوب، حين أهمل أصحابُها مراقبةَ الله ونظرَه إليهم، فصارت هذه الذنوب -مع الإصرار عليها- سبباً في فقد لذة الطاعات، وقحوط العين، وقسوة القلب، والكسل عن الطاعات الظاهرة!

ومَن قرأ كلام العلماء عنها في قديم الزمان، فإنه يتساءل: كم كانت نسبة المعاصي التي يخلو بها العبد في زمانهم بالنسبة إلى زماننا؟!

قال ابن الجوزي رحمه الله: "ورأيتُ أقواماً من المنتسبين إلى العلم، أهملوا

نظر الحق -عز وجل- إليهم في الخلوات، فمحا محاسنَ ذِكرهم في الجلوات، فكانوا موجودين كالمعدومين، لا حلاوة لرؤيتهم، ولا قلب يَحِن إلى لقائهم! فالله الله في مراقبة الحق عز وجل؛ فإن ميزان عدله تَبِين فيه الذرة، وجزاؤه مراصد للمخطئ ولو بعد حين، وربما ظن أنه العفو، وإنما هو إمهال، وللذنوب عواقب سيئة، وإياكم والاغترار بحلمه وكرمه، فكم استدرج! وكونوا على مراقبة الخطايا مجتهدين في محوها! وما شيءٌ ينفع كالتضرع مع الحمية عن الخطايا.   ولقد قال بعضُ المراقبين لله تعالى: قدرتُ على لذة وليست بكبيرة، فنازعتني نفسي إليها؛ اعتماداً على صغرها، وعِظَم فضل الله تعالى وكرمه، فقلت لنفسي: إن غَلَبْتِ هذه فأنتِ أنتِ! وإذا أتيت هذه فمن أنت؟! وذكّرتها حالةَ أقوام كانوا يفسحون لأنفسهم في مسامحة، كيف انطوت أذكارهم، وتمكنت عقوبةُ الإعراض عنهم منهم؛ فارعوتْ ورجعت عما همّت به"ا.هـ.

"كم من مؤمن بالله عز وجل، يحترمه عند الخلوات، يترك ما يشتهي حذراً من عقابه، أو رجاء لثوابه، أو إجلالاً له، فيكون بذلك الفعل كأنه طرح عوداً هندياً على مجمر؛ فيفوح طيبه، فيستنشقه الخلائقُ، ولا يدرون أين هو!

وعلى قدر المجاهدة في ترك ما يهوى تقوى محبتُه، أو على مقدار زيادة دفع

ذلك المحبوب المتروك يزيد الطِّيْب، ويتفاوت تفاوت العود، فترى عيونَ الخلق تُعظِّم هذا الشخص،وألسنتُهم تمدحه، ولا يعرفون لم! ولا يقدورن على وصفه؛ لبعدهم عن حقيقة معرفته.

وعلى عكس هذا من هاب الخلق، ولم يحترم خلوته بالحق؛ فإنه على قدر مبارزته بالذنوب، وعلى مقادير تلك الذنوب؛ يفوح منه ريح الكراهة، فتمتقته القلوب، فإن قل مقدارُ ما جنى؛ قَلَّ ذِكر الألسن له بالخير، وبقي مجرد تعظيمه، وإن كثر كان قصارى الأمر سكوت الناس عنه، لا يمدحونه ولا يذمونه.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثالثة بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان : *كلمات في ذنوب الخلوات:

ورُبّ خالٍ بذنب كان سببَ وقوعه في هوةِ شقوةٍ في عيش الدنيا والآخرة، وكأنه قيل له: ابق بما آثرتَ! فيبقى أبداً في التخبيط! فانظروا إخواني إلى المعاصي أثَّرت وعثَّرت.

قال أبو الدرداء رضي الله عنه: إن العبد ليخلو بمعصية الله تعالى؛ فيلقي الله

بُغضَه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر، فتلمّحوا ما سطرته، واعرفوا ما

ذكرته، ولا تهملوا خلواتكم، ولا سرائركم؛ فإن الأعمال بالنية، والجزاء على مقدار الإخلاص"ا.هـ.

فإن الإقبال العالمي -ونحن جزء منه- على الشبكة العالمية بمختلف صفحاتها ومواقعها؛ جعل البصر على حافة الخطر، فكثرت شكوى الصالحين قبل غيرهم من تفلّت النظر الحرام، يتحدثون حديث المكتَوين بنار تقليب صفحات تلك المواقع!

كم شكى عددٌ من الشباب مِن فقد لذة العبادة التي كان يجدها! وكم حُرِمَ مِن قيام ليلٍ كان يراه جنةَ قلبه في هذه الحياة المنغَّصة! وكم نسي عددٌ منهم ما كان يحفظ من كتاب الله! وكم فتحت لهم هذه المعصيةُ أبواباً أخرى من المعاصي! وكم هَوَتْ قلوبٌ -بسبب هذه المناظر- من علياء التألق الإيماني إلى دَرَكٍ من الهمّ والغمّ! وكم أبعدتهم عن مجالس الأخيار لشعورهم بتأنيب داخلي، وتناقُضٍ بين ظاهرهم وباطنهم؛ فقادهم هذا الانقطاع إلى الارتباط بصداقات جديدة قرّبتهم من المنكرات، وأنستهم مجالس الذكر والعِبَر والعظات!

إن من المهم أن يتدارك -المبتلى بهذا الداءِ- نفسَه قبل أن يصطدم بجدار الموت، أو يستمر "حَجْب قلبه" والعياذ بالله! ومن الأسباب المعينة على ذلك:

أولاً: استشعار مراقبة الله تعالى للعبد، وأنه مطّلع عليه، وأن يتخيل نفسَه   لو دخل عليه رجلٌ من كرام عشيرته، ورآه على معصيةٍ ما، ما حاله؟! الله أولى بهذا الحياء! وليحذر أن يكون له نصيب من هذه الآية التي ذمّ اللهُ أهلها: ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً﴾[النساء: 108].

ثانياً: تذكرُ ثمرة خوف الله في الخلوات؛ فإن ذلك يُورِث عزَّ الدنيا والآخرة: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ [النازعات: 40، 41]، وليست هي جنةً واحدة، بل جنتان: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَان﴾[الرحمن: 46].

ثالثاً: البعد -بل الحذر- من الاقتراب من كل ما يمهّد السبيل للنظر الحرام،

وإغلاق الباب مبكراً، ولهذا جاء التعبير القرآني في النهي عن الزنا بقوله: ﴿وَلَا

 تَقْرَبُوا الزِّنَا﴾[الإسراء: 32]، ولم يقل: ولا تزنوا؛ لأن الزنا غالباً تكون له مقدمات، ومن أخطرها أمثال هذه المواقع.

رابعاً: التفكرُ فيما يفوت المُطلِق لبصرِه من بركاتٍ وآثار على القلب، والتي لو لم

يكن منها إلا ضعفُ أو فَقْدُ التلذذ بالعبادة -التي شكى منها كثيرون- لكفى بها حسرة! ولا عجب! "فأعظم عذاب الروح انغماسُها وتدسيسها في أعماق البدن، واشتغالها بملاذّه، وانقطاعها عن ملاحظة ما خُلِقَتْ له، وهُيئت له، ولكن سُكْرَ الشهوات يحجبها عن مطالعة هذا الألم والعذاب، فإذا صَحَتْ من سُكْرِها، وأفاقتْ من غَمْرَتِها؛ أقبلت عليها جيوشُ الحسرات من كل جانب،

 فحينئذ تتقطع حسراتٍ على ما فاتها من كرامة الله وقُربِه، والأُنس به"

[الأنترنت – موقع   د. عمر بن عبد الله المقبل - كلمات في ذنوب الخلوات ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الرابعة بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :كلمات في ذنوب الخلوات:

* أنت على الهواء مباشرة

 أنت على الهواء وتحت المنظار الحاسب والمعدد والمحصي والمعظم لمثقال الذر من حبة الخردل وذرة الخير والشر {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْخَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ}. أنت على الهواء مباشرة عبر أثير قريب غير بعيد واضح يكشف الظاهر والباطن يفضح القلب والجوارح ومكنونات النفوس يسطر الحسن والقبيح دون تجمل ولا مواربة {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}.  كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} أنت على الهواء مع العليم الخبير جل في علاه {إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَىٰ} يخبر تعالى عن علمه التام المحيط بجميع الأشياء، جليلها وحقيرها، صغيرها وكبيرها، دقيقها ولطيفها; ليحذر الناس علمه فيهم، فيستحيوا من الله حق الحياء، ويتقوه حق تقواه، ويراقبوه مراقبة من يعلم أنه يراه، فإنه تعالى يعلم العين الخائنة وإن أبدت أمانة، ويعلم ما تنطوي عليه خبايا الصدور من الضمائر والسرائر {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا} أنت على الهواء وتحت المنظار الحاسب والمعدد والمحصي والمعظم لمثقال الذر من حبة الخردل وذرة الخير والشر {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْخَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ} {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}.  عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} قال: «أتدرون ما أخبارها» قالوا: الله ورسوله أعلم قال: «فإن أخبارها يوم تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها تقول عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا فهذه أخبارها» (رواه الترمذي وقال حسن صحيح).  فحاسبوا أنفسكم في الرخاء قبل حساب الشدة وأعظمها يوم البعث والنشور والسؤال تنسى ما قدمت يداك وقد سطرت خطاياك في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا ۚ أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا}.  فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا فإنه أهون عليكم في الحساب غدا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم وتزينوا للعرض الأكبر {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ}.[ الأنترنت – موقع طريق الإسلام - أنت على الهواء مباشرة الكاتب: ماهر جعوان]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الخامسة بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

* أنت على الهواء مباشرة

*ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ۖ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [المجادلة] الله تعالى مطلع على خلقه، لا يغيب عنه من أمورهم شيء, فلا أسرارهم تخفى عليه ولا نجواهم تغيب عنه, مهما ضعف الصوت ومهما بلغ التخفي, ومهما كثر عدد المتناجين أو قل, ثم سينبيء الجميع يوم القيامة بما تكلمت به ألسنتهم وما فعلته جوارحهم, أحصاه الله ونسوه.

قال تعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ۖ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7)} [المجادلة]

قالابن كثير في تفسيره:

قال تعالى مخبرا عن إحاطة علمه بخلقه واطلاعه عليهم ، وسماعه كلامهم ، ورؤيته مكانهم حيث كانوا وأين كانوا ، فقال : ( {ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة} ) أي : من سر ثلاثة ( { إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا} ) أي : يطلع عليهم يسمع كلامهم وسرهم ونجواهم ، ورسله أيضا مع ذلك تكتب ما يتناجون به ، مع علم الله وسمعه لهم ، كما قال : ( {ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب} ) [ التوبة : 78 ] وقال ( {أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون} ) [ الزخرف : 80 ]; ولهذا حكى غير واحد الإجماع على أن المراد بهذه الآية معية علم الله تعالى ولا شك في إرادة ذلك ولكن سمعه أيضا مع علمه محيط بهم ، وبصره نافذ فيهم ، فهو سبحانه مطلع على خلقه ، لا يغيب عنه من أمورهم شيء. ثم قال : ( {ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم } ) قال الإمام أحمد : افتتح الآية بالعلم ، واختتمها بالعلم.

[الأنترنت – موقع طريق الإسلام - ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم - أبو الهيثم محمد درويش]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

السادسة بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

* أنت على الهواء مباشرة

*ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم

*الرقيب الشهيد

قال ابن القيم نظماً:وهو الرقيبُ على الخواطرِ واللوا حظِ كيف بالأفعال بالأركان ؟!

الله حاضر مع خلقه يسمع ما يتناجون به وما يخوضون فيه

ومن أسمائه الحسنى ( الرقيب ) وهو واسمه ( الشهيد ) مترادفان، كلاهما يدلُّ على حضوره مع خلقه، يسمع ما يتناجون به، ويرى ما يخوضون فيه، ويعلم حركات خواطرهم وهواجس ضمائرهم وتقلب لواحظهم، لا يغيب عنه من أمرهم شيءٌ يقولونه أو يفعلونه، كما قال تعالى:﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآَنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (61)﴾( سورة يونس )

﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ

إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7)﴾( سورة المجادلة ) وكقوله:﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)﴾( سورة ق )

المراقبة هي من أجل أعمال القلوب:

وفي الحديث الصحيح:((صريح الإيمان أن تعلم أن الله معك حيث كنت ))( من مجمع الزوائد: عن " عثمان بن كثير " )

ولهذا كانت المُراقبة التي هي من أجل أعمال القلوب هي التعبُّد لله باسمه الرقيب الشهيد، فمتى علم العبد أن حركاته الظاهرة والباطنة، قد أحاط الله بعلمها، واستحضر هذا العلم في كل أحواله، أوجب له ذلك حراسةً باطنة عن كل فكر وهاجس يبغضه الله، وحفظ ظاهره عن كل قول أو فعل يسخط الله، وتعبد بمقام الإحسان فعبد الله كأن يراه، فإن لم يكن يراه فإنه يراه.

وقول المؤلف رحمه الله: " كيف بالأفعال بالأركان " معناه أنه إذا كان الله عزَّ وجل رقيباً على دقائق الخفيَّات، مطَّلعاً على السَرائر والنيات، كان من باب أولى شهيداً على الظواهر والجليات، وهي الأفعال التي تفعل بالأركان، أي: الجوارح.[ الأنترنت – موقع موسوعة النابلسي - اسم الله الرقيب الشهيد.]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

السابعة بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

* ذنوب الخلوات تذهب بالحسنات

كما أن للعمل الصالح في السر والطاعة التي تكون بين العبد وربه ولا يعلم بها

أحد من الناس "الخبيئة الصالحة"....مكانة عظيمة عند الله ومنزلة رفيعة يجد العبد أثرها وأجرها أحوج ما يكون إليها يوم القيامة فإن للذنوب في الخلوات والإصرار على مناجزة الله بالمعاصي كلما خلا بنفسه وغابت عنه أعين الناس أثرها السلبي الخطير على عبادات العبد وطاعاته وحسناته .

يكفي أن يصغي المسلم جيدا إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يبين فيه خطر ذنوب الخلوات ومآلها الكارثي على مستقبله الحقيقي الأخروي ليدرك ضرورة الإقلاع عن هذه الآفة قبل فوات الأوان .

ففي الحديث عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : ( لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا ) قَالَ ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا ، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ ، قَالَ : ( أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ) سنن ابن ماجه برقم/4245 وصححه الألباني

قال الحافظ ابن الجوزي رحمه الله : "الحذر الحذر من الذنوب خصوصا ذنوب

الخلوات فإن المبارزة لله تعالى تُسقط العبد من عينه وأصلح ما بينك وبينه في السر وقد أصلح لك أحوال العلانية " صيد الخاطر ص 207 .

أخطر ما في ذنوب الخلوات وقوع العبد بجريرة جعل الله تعالى أهون الناظرين إليه وسقوطه في معصية تعظيم شأن الناس والخشية منهم من أن يروه على معصيته وذنبه على حساب مراقبة الله وعظمته وخشيته في قلبه , الأمر الذي قد يقدح في صدق إيمانه ويمس حقيقة يقينه بإطلاع عليه في سره كما علانيته .

قال ابن عباس رضي الله عنه : يَا صَاحِبَ الذَّنْبِ لا تَأْمَنَنَّ مِنْ سُوءِ عَاقِبَتِهِ

وَلَمَا يَتْبَعُ الذَّنْبَ أَعْظَمُ مِنَ الذَّنْبِ إِذَا عَلِمْتَهُ فَإِنَّ قِلَّةَ حَيَائِكَ مِمَّنْ عَلَى الْيَمِينِ وَعَلَى الشِّمَالِ وَأَنْتَ عَلَى الذَّنْبِ أَعْظَمُ مِنَ الذَّنْبِ الَّذِي عَمِلْتَهُ ........ وَخَوْفُكَ مِنَ الرِّيحِ إِذَا حَرَّكَتْ سِتْرَ بَابِكَ وَأَنْتَ عَلَى الذَّنْبِ وَلا يَضْطَرِبُ فُؤَادُكَ مِنْ نَظَرِ اللَّهِ إِلَيْكَ أَعْظَمُ مِنَ الذَّنْبِ إِذَا عَلِمْتَهُ ..... ) حديث موقوف / حلية الأولياء برقم/1180

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثامنة بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

* ذنوب الخلوات تذهب بالحسنات

ومن هنا يمكن فهم عقوبة إحباط أعمال صالحة ونسف عبادات وطاعات كجبال تهامة وجعلها هباء منثورا كجزاء على ذنوب الخلوات كما جاء في حديث ثوبان رضي الله عنه إذ الأمر هنا يتعدى حدود مجرد الذنب العابر إلى عتبة النفاق و داء ومستنقع الرياء في الأعمال .

الوصف النبوي الدقيق لسمت وحال أؤلئك يجعلهم أقرب إلى المنافقين بأعمالهم المرائين بطاعاتهم منهم للمخلصين المبتغين وجه الله تعالى بها , والدليل على ذلك أنهم "إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها", والانتهاك قرين الاستحلال والأمن من مكر الله وعقوبته , وهو ما يتنافى مع حال المؤمن الذي وإن غلبت عليه شهوته وأوقعته بالمعصية والذنب فهو لا يعصيه مستحلا نواهيه و زواجره وإنما يعصيه تحت وطأة غلبة الشهوة وهزيمته أمام إغوائها وإغرائها , وضعف ارتقائه لمقام الإحسان  وحسن مراقبة مالك الأكوان .

لا شك أن تحذير المؤمن من الوقوع في ذنوب الخلوات والظهور بمظهر العابد

الناسك أمام الخلق والناس بينما ينتهك محارم الله في خلواته ويتجرأ على معصيته حين يكون وحده....لا يعني أن المجاهرة بالذنوب وإعلان المعصية واقترافها أمام أعين الناس دون حياء وخجل منهم أو خوف وخشية من الله مسموح به في دين الله , فالمجاهر بالمعصية أمام إثمين : إثم المعصية ذاتها وإثم المجاهرة بها .

ففي الحديث الصحيح عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ ) صحيح البخاري برقم/6069

إن من سمات أصحاب النفوس الطاهرة والقلوب النقية والأفئدة التقية استواء سريرتهم وعلانيتهم , فحالهم أمام الناس كحالهم في خلوتهم , وخشيتهم من الله في الظاهر كخشيتهم منه في الباطن , لا يفسدون طاعات العلانية بمعصية السر ولا يحبطون أعمالهم الصالحة الظاهرة بذنوب الخلوات الخفية .

قال مُطَرِّف بن الشِّخّير: "إذا اسْتَوَتْ سريرة العبد وعلانيته؛ قال الله عزَّ

وجلَّ : هذا عبدي حقًّا" .

قد لا تكون عقوبة ذهاب الحسنات الكثيرة وإحباط الأعمال الصالحة الوفيرة يوم القيامة هي الجزاء الوحيد لمقترفي ذنوب الخلوات , فهناك التهديد بعقوبة دنيوية عاجلة قد تكون رادعة للمبتَلين بهذا الداء ألا وهي الفضيحة في الدنيا بإظهار ما أسروه وكشف ما أخفوه عن أعين الناس فقد ورد في الأثر عن عثمان رضي الله عنه أنه قال : ما أسَرَّ عبدٌ سريرة إلا أظهرها الله على قَسَماتِ وجهه وفلتات لسانه إن خيرًا فخير وإن شرًا فشَرٌّ . [الأنترنت – موقع المسلم - ذنوب الخلوات تذهب بالحسنات - د. عامر الهوشان ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

التاسعة بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

* مراقبة الله تزجرك عن الإثم والفواحش والمعصية

* مراقبة العبد لله، هي: علم العبد وتيقنه باطلاع الله عليه في جميع حالاته.

* حرص الإسلام على المراقبة: لقد حرص الإسلام على أن تكون مراقبة العبد

لله قوية متمكنة في نفسه ، تحرسه إذا خلا بنفسه ، فلا ينتهك حرمات الله ، ولا يقصر في أداء الطاعات، ومما يدل على مراقبة العبد لربه ما يلي:

1- تقوى الله في السر والعلانية: فتقوى الله هي وصية الله للأولين والآخرين يقول الله تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} (النساء:131)، والآيات في هذا الباب كثيرة ومعلومة، وهي أيضاً وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لكثير من أصحابه رضوان الله عليهم وعن طريقهم لأمته، ففي الحديث: «اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» رواه الترمذي وحسنه الشيخ الألباني.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: «أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ فِي سِرِّ أَمْرِكَ وَعَلَانِيَتِهِ، وَإِذَا أَسَأْتَ فَأَحْسِنْ، وَلَا تَسْأَلَنَّ أَحَدًا شَيْئًا وَإِنْ سَقَطَ سَوْطُكَ، وَلَا تَقْبِضْ أَمَانَةً، وَلَا تَقْضِ بَيْنَ اثْنَيْنِ» رواه أحمد، وحسنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع (2544).

2- عدم ارتكاب المحرمات في الخلوة: عَنْ ثَوْبَانَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ: «لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا» ، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ، قَالَ: «أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا» رواه ابن ماجه وصححه الشيخ الألباني.

3- العلم بأن الله يعلم ويسمع ويرى ما يفعله العبد في سرّه وعلانيته: يقول الله عز وجل: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (الشعراء:218-220). ويقول الله سبحانه: {وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} (البقرة:235). ويقول عزّ من قائل: {أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ} (التوبة:78).

ويقول الله عز وجل: {وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} (طه:7).

ويقول الله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء} (آل عمران:5).ويقول عز وجل: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} ( العلق:14).

ويقول الله جل في علاه: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} (الزخرف:80). ويقول سبحانه: {وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِيكِتَابٍ مُّبِينٍ} ( يونس:61).

4- الاستحياء من الله حق الحياء: فمن استحيا من الله لم يبارزه بالمعصية في الخلوة: فَعَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ الْأَزْدِيِّ، أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَوْصِنِي، قَالَ: «أُوصِيكَ أَنْ تَسْتَحِيَ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، كَمَا تَسْتَحِي مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ مِنْ قَوْمِكَ» رواه الطبراني في الكبيروصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع (2541).وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ ». قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَنَسْتَحْيِى وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. قَالَ: « لَيْسَ ذَاكَ وَلَكِنَّ الاِسْتِحْيَاءَ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى وَتَحْفَظَ الْبَطْنَ وَمَا حَوَى وَتَتَذَكَّرَ الْمَوْتَ وَالْبِلَى وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ » رواه الترمذي، وحسنه الشيخ الألباني.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

العاشرة بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

* ما يترتب على مراقبة العبد لربه:

1- يستظل بظل العرش: ففي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم

لا ظل إلا ظله ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم من هؤلاء: « ... وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّى أَخَافُ اللَّهَ...» متفق عليه.

2- النجاة من عذاب جهنم: ففي الحديث: « ثَلَاثٌ مُنْجِيَاتٌ: خَشْيَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَالْقَصْدُ فِي الْغِنَى وَالْفَقْرِ، وَالْعَدْلُ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ» وحسنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع (3039).

3- قبول الحسنات: كما سبق في حديث ثوبان: «لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا». ثم قال: «وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا». فهؤلاء لم يقبل منهم حسناتهم بسبب عدم مراقبتهم لله عز وجل.

وإليكم بعض الأمثلة:

1- قصة يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز: وهو في عنفوان الشباب، يمتلئ قوة وشباباً وشهوة، تدعوه امرأة ذات منصب وجمال، وفي حال خلوة بعيداً عن أعين الناس، لا رقيب عليهما من البشر، لا يخاف أحداً، بل وتدعوه هي، فكل شئ مهيأ لم يتصل عليها ولم يعاكسها ولم يواعدها، ولم يتعرض لها في السوق، ولم يسافر لأجلها، بل هي التي تعرضت له، وهيأت له كل الأسباب وخلا له الجو، ومع ذلك كله يقول إني أخاف الله، ما الذي حمله على ذلك وهو في الخلوة ولا يراه مخلوق؟ إنها مراقبة الله تذكّرَ نظر الخالق عليه فترك المعصية من أجله، كما ذكر الله عز وجل في كتابه: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} (يوسف:23).

2- الثلاثة الذين سدَّت عليهم الغار: فقالوا إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، وفي الحديث: «فَقَالَ الآخَرُ:: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِي ابْنَةُ عَمٍّ، مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَأَنِّي رَاوَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا فَأَبَتْ، إِلَّا أَنْ آتِيَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَطَلَبْتُهَا حَتَّى قَدَرْتُ، فَأَتَيْتُهَا بِهَا فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهَا، فَأَمْكَنَتْنِي مِنْ نَفْسِهَا، فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا، فَقَالَتْ: اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تَفُضَّ الخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ، فَقُمْتُ وَتَرَكْتُ المِائَةَ دِينَارٍ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا، فَفَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَخَرَجُوا... » متفق عليه.فما الذي دفعه إلى ترك المعصية؟ أليس لأنه ذُكِّر بالله فتذكَر مراقبة الله له فترك المعصية؟.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الحادية عشرة بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

* ما يترتب على مراقبة العبد لربه:

3- السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: ومنهم الذي دعته امرأة ذات منصب وجمال ليفعل معها الفاحشة، ولكنه قال: إني أخاف الله، ما الذي عصمه من الزنا؟ عصمه تذكره لمراقبة الله له، «... وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ – وفي رواية: دَعَتهُ - امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ...» متفق عليه.

4- قال ابن رجب: "راودَ رجلٌ امرأةً في فلاة ليلاً فأبت، فقال لها: ما يرانا إلا الكواكب فقالت: فأين مُكَوكِبُها". أي أين الله ألا يرانا،

فمنعها هذا العلم بالله اقتراف هذا الذنب والوقوع في هذه الخطيئة.

5- الراعي مع عمر: قال عبد الله بن دينار خرجت مع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إلى مكة فانحدر بنا راع من الجبل، فقال له عمر ممتحنًا له: يا راعي بعني شاة من هذه الغنم. فقال الراعي: إنني مملوك. فقال عمر: قل لسيدك أكلها الذئب (يريد أن يختبره). فقال الراعي: فأين الله؟ فبكى عمر ثم غدا مع المملوك فاشتراه من مولاه وأعتقه، وقال له: أعتقتك في الدنيا هذه الكلمة، وأرجو أن تعتقك في الآخرة.

6- بائعة اللبن: في إحدى الليالي خرج أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومعه خادمه "أسلم"، ومشيا في طرقات المدينة يتعسسان ويطمئنان على أحوال الناس.

وبعد مدة شعرا بالتعب من كثرة المشي، فوقفا يستريحان بجوار أحد البيوت، فسمعا صوت امرأة عجوز داخل هذا البيت تأمر ابنتها أن

تخلط اللبن بالماء، قبل أن تبيعه للناس، فرفضت الابنة أن تغش اللبن بالماء، وقالت لأمها: إن أمير المؤمنين نهى أن يُخلط اللبن بالماء، وأرسل مناديًا ليخبر الناس بذلك. فألحت الأم في طلبها، وقالت لابنتها: أين عمر الآن؟! إنه لا يرانا. فقالت الابنة المؤمنة الأمينة: إذا كان عمر لا يرانا فرب عمر يرانا، وهل نطيع أمير المؤمنين أمام الناس ونعصيه في السر؟! فسعد أمير المؤمنين بما سمعه من هذه الفتاة، وأعجب بإيمانها وأمانتها.

وفي الصباح سأل عنها، فعلم أنها أم عمارة بنت سفيان بن عبد الله الثقفي،

وعرف أنها غير متزوجة، فزوّجها لابنه عاصم، وبارك الله لهما، فكان من ذريتهما الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه.

وأنشد بعضهم:

وإِذَا خَلَوْتَ بِريَبَةٍ فِي ظُلْمَةٍ ... وَالنَفْسُ دَاعِيَةٌ إِلى الطُغْيَانِ

فاسْتَحْيْ مِنْ نَظَرِ الإلَه وَقُلْ لَهَا ... إِنَّ الَّذِي خَلَقَ الظَّلاَمَ يَرَانِي

وأنشد آخر:

إِذَا مَا خَلَوْتَ الدَّهْرَ يَوْمًا فَلا تَقُلْ ... خَلَوْتُ وَلَكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيْبُ

وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ يَغْفَلُ سَاعَةً ... وَلا أَنَّ مَا يَخْفَى عَلَيْهِ يَغِيْبُ

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثانية عشرة بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

* حرص الإسلام على المراقبة: لقد حرص الإسلام على أن تكون مراقبة العبد لله قوية متمكنة في نفسه ، تحرسه إذا خلا بنفسه ، فلا ينتهك حرمات الله ، ولا يقصر في أداء الطاعات، ومما يدل على مراقبة العبد لربه ما يلي:

1- تقوى الله في السر والعلانية: فتقوى الله هي وصية الله للأولين والآخرين يقول الله تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ

قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} (النساء:131)، والآيات في هذا الباب كثيرة ومعلومة، وهي أيضاً وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لكثير من أصحابه رضوان الله عليهم وعن طريقهم لأمته، ففي الحديث: «اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» رواه الترمذي وحسنه الشيخ الألباني.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: «أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ فِي سِرِّ أَمْرِكَ وَعَلَانِيَتِهِ،

 وَإِذَا أَسَأْتَ فَأَحْسِنْ، وَلَا تَسْأَلَنَّ أَحَدًا شَيْئًا وَإِنْ سَقَطَ سَوْطُكَ، وَلَا تَقْبِضْ أَمَانَةً، وَلَا تَقْضِ بَيْنَ اثْنَيْنِ» رواه أحمد، وحسنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع (2544).

2- عدم ارتكاب المحرمات في الخلوة: عَنْ ثَوْبَانَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ: «لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا» ، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ، قَالَ: «أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا» رواه ابن ماجه وصححه الشيخ الألباني.

3- العلم بأن الله يعلم ويسمع ويرى ما يفعله العبد في سرّه وعلانيته: يقول الله عز وجل: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (الشعراء:218-220).ويقول الله سبحانه: {وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} (البقرة:235).ويقول عزّ من قائل: {أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ} (التوبة:78).

ويقول الله عز وجل: {وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} (طه:7).

ويقول الله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء} (آل عمران:5).

ويقول عز وجل: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} ( العلق:14).ويقول الله جل في علاه: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} (الزخرف:80).ويقول سبحانه: {وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِيكِتَابٍ مُّبِينٍ} ( يونس:61).

4- الاستحياء من الله حق الحياء: فمن استحيا من الله لم يبارزه بالمعصية في الخلوة: فَعَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ الْأَزْدِيِّ، أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَوْصِنِي، قَالَ: «أُوصِيكَ أَنْ تَسْتَحِيَ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، كَمَا تَسْتَحِي مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ مِنْ قَوْمِكَ» رواه الطبراني في الكبيروصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع (2541).

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ ». قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَنَسْتَحْيِى وَالْحَمْدُ

لِلَّهِ. قَالَ: « لَيْسَ ذَاكَ وَلَكِنَّ الاِسْتِحْيَاءَ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى وَتَحْفَظَ الْبَطْنَ وَمَا حَوَى وَتَتَذَكَّرَ الْمَوْتَ وَالْبِلَى وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ » رواه الترمذي، وحسنه الشيخ الألباني.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثالثة عشرة بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

* ما يترتب على مراقبة العبد لربه:

1- يستظل بظل العرش: ففي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم من هؤلاء: « ... وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّى أَخَافُ اللَّهَ...» متفق عليه.

2- النجاة من عذاب جهنم: ففي الحديث: « ثَلَاثٌ مُنْجِيَاتٌ: خَشْيَةُ اللَّهِ عَزَّ

وَجَلَّ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَالْقَصْدُ فِي الْغِنَى وَالْفَقْرِ، وَالْعَدْلُ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ» وحسنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع (3039).

3- قبول الحسنات: كما سبق في حديث ثوبان: «لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا

اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا». ثم قال: «وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا». فهؤلاء لم يقبل منهم حسناتهم بسبب عدم مراقبتهم لله عز وجل. [الأنترنت – موقع منتديات كل السلفيين - مراقبة الله تزجرك عن الإثم والفواحش والمعصية - صلاح الدين الكردي]

* خطوات السلف في مراقبة الله

عن ابن السماك قال: أوصاني أخي داود بوصية: أنظر، أن لا يراك الله حيث نهاك، وأن لا يفقدك حيث أمرك؛ واستح في قربه منك، وقدرته عليك.حلية الأولياء(7/ 358)

عن الفضل بن صدقة الواسطي قال: سمعت ذا النون المصري يقول: إذا اطلع الخبر على الضمير، فلم يجد في الضمير غير الخبير: جعل فيه سرجاً منيراً.حلية الأولياء(9/ 379)

عن محمد بن علي الترمذي قال: اجعل مراقبتك: لمن لا يغيب عن نظره إليك، واجعل شكرك: لمن لا تنقطع نعمه عنك، واجعل خضوعك: لمن لا تخرج عن ملكه وسلطانه.حلية الأولياء(10/ 235)

سئل عبد الله بن فاتك عن المراقبة فتحدث قال: إذا كنت فاعلاً: فانظر نظر الله إليك؛ وإذا كنت قائلاً: فانظر سمع الله إليك، وإذا كنت ساكتاً: فانظر علم الله فيك؛ قال الله تعالى: { إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى } [طه: 46]

أما الذي يخاف: فإنه مراقب مراقبة شديدة، خوفًا من الله عز وجل، وأما من

 يستحي من الله، فمراقب بشدة وأيضًا بانكسار، وأما المحب، فهو مراقب بفرحة وشدة وسرور، وسخاء النفس، ولا يفارقه الاشفاق، ولا تخلو قلوب المراقبين من ذكر الله.

فقد يسأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه وكأنه يسأله ويقول: “وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة” ، وأوصا أبا ذرٍ بذلك رضي الله عنه حينما قال: “أوصيك بتقوى الله في سر أمرك وعلانيته”. ووصى جميع المؤمنين برعاية خلواتهم وجلواتهم فقال عليه الصلاة والسلام : ” اتق الله حيثما كنت”.

وكان يوصي هنا السلف بعضهم بعضًا، كتب ابن سماك لأخ له قال: أما بعد.. فأوصيك بتقوى الله الذي هو نَجيُّك في سريرتك، ورقيبك في علانيتك، فاجعل الله منك على بال في كل حال في ليلك ونهارك، وخف الله بقدر قربه منك وقدرته عليك، واعلم أنك بعينه ليس تخرج من سلطانه إلى سلطان غيره، ولا من ملكه إلى ملك غيره، فليعظم منه حذرك، وليكثر منه وجلك.. والسلام .

كما قال أبو الجلد: أوحى الله إلى نبي من أنبيائه: قل لقومك ما بالكم تسترون الذنوب من خلقي وتظهرونها لي؟! إن كنتم ترون أني لا أراكم فأنتم مشركون بي، وإن كنتم ترون أني أراكم فلم تجعلوني أهون الناظرين إليكم ؟!

[ الأنترنت – موقع المرسال  - خطوات السلف في مراقبة اللهٍ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الرابعة عشرة بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*قَالَ الله تَعَالَى: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء: 218، 219].يقول تعالى مخاطبًا لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وتوكَّل على العزيز الرحيم الذي يراك حين تقوم إلى الصلاة، وتقلُّبك راكعًا وقائمًا وساجدًا وقاعدًا في الساجدين

 - أي: المصلين- يعني: يراك إذا صلَّيت منفردًا وإذا صلَّيت في جماعة.

والمراقبة هي أحد مقامَيْ الإحسان، وهو: أنْ تعبد الله كأنَّك تراه، فإنْ لم تكنْ تراه فإنه يراك.

وَقالَ تَعَالَى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُم} [الحديد: 4]. أي: لا ينفكّ علمه عنكم. كم قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة: 7]

وَقالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ} [آل عمران: 5].يخبر تعالى أنه يعلم غيبَ السماء والأرض لا يخفى عليه شيء من ذلك. وَقالَ تَعَالَى: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: 14].

قال ابن كثير: وقوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} قال ابن عباس: يسمع ويرى. يعني: يرصد خلقه فيما يعملون، وسيجازي كلًا بسعيه في الدنيا والآخرة، وسيعرض الخلائقَ كلّهم عليه فيحكم فيهم بعدله، ويقابل كلًا بما يستحقّه، وهو المنزّه عن الظلم والجور. وَقالَ تَعَالَى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر: 19]. قال ابن كثير: يخبر عزَّ وجلّ عن علمه التام المحيط بجميع الأشياء، ليحذر الناس علمه فيهم فيستحيوا من الله تعالى حقَّ الحياء، ويتَّقوه حقَّ تقواه ويراقبوه مراقبة من يعلم أنه يراه. والآياتُ في الْبَابِ كَثيرَةٌ مَعْلُومَةٌ.

كقوله تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاء وَلا أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [يونس: 61]. وغيرها من الآيات.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الخامسة عشرة بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*قَالَ الله تَعَالَى: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء:

وأما الأحاديث:

فالأول: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَما نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَومٍ، إذْ طَلَعَ عَلَينا رَجُلٌ شَديدُ بَياضِ الثِّيابِ، شَديدُ سَوَادِ الشَّعْرِ، لا يُرَى عَلَيهِ أثَرُ السَّفَرِ، وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيهِ إِلَى رُكْبتَيهِ، وَوَضعَ كَفَّيهِ عَلَى فَخِذَيهِ. وَقالَ: يَا مُحَمَّدُ، أخْبرني عَنِ الإسلامِ، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «الإسلامُ: أنْ تَشْهدَ أنْ لاَّ إلهَ إلاَّ الله وَأنَّ مُحمَّدًا رسولُ الله، وتُقيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ البَيتَ إن اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبيلًا». قَالَ: صَدَقْتَ. فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقهُ! قَالَ: فَأَخْبرنِي عَنِ الإِيمَانِ. قَالَ: «أنْ تُؤمِنَ باللهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبهِ، وَرُسُلِهِ، وَاليَوْمِ الآخِر، وتُؤْمِنَ بالقَدَرِ خَيرِهِ وَشَرِّهِ». قَالَ: صَدقت. قَالَ: فأَخْبرني عَنِ الإحْسَانِ. قَالَ: «أنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ فإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّهُ يَرَاكَ». قَالَ: فَأَخْبِرني عَنِ السَّاعَةِ. قَالَ: «مَا المَسْؤُولُ عَنْهَا بأعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ».

 قَالَ: فأخبِرني عَنْ أمَاراتِهَا. قَالَ: «أنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا، وأنْ تَرَى الحُفَاةَ العُرَاةَ العَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ في البُنْيَانِ». ثُمَّ انْطَلقَ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا، ثُمَّ قَالَ: «يَا عُمَرُ، أَتَدْري مَنِ السَّائِلُ؟» قُلْتُ: اللهُ ورسُولُهُ أعْلَمُ. قَالَ: «فإنَّهُ جِبْريلُ أَتَاكُمْ يعْلِّمُكُمْ دِينَكُمْ». رواه مسلم.

ومعنى «تَلِدُ الأَمَةُ رَبَّتَهَا» أيْ سَيِّدَتَهَا؛ ومعناهُ: أنْ تَكْثُرَ السَّراري حَتَّى تَلِدَ الأَمَةُ السُّرِّيَّةُ بِنْتًا لِسَيِّدِهَا وبنْتُ السَّيِّدِ في مَعنَى السَّيِّدِ وَقيلَ غَيْرُ ذلِكَ. وَ«العَالَةُ»: الفُقَراءُ. وقولُهُ: «مَلِيًّا» أَيْ زَمَنًا طَويلًا وَكانَ ذلِكَ ثَلاثًا.

هذا حديث عظيم، مشتمل على جميع الأعمال الظاهرة والباطنة. وعلومُ الشريعة راجعة إليه، فهو كالأمَّ للسُّنَّة. كما سُمَّيت الفاتحة: أم القرآن.

الثاني: عن أبي ذر جُنْدُب بنِ جُنادَةَ وأبي عبدِ الرحمنِ معاذِ بنِ جبلٍ رضي الله عنهما عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اتَّقِ الله حَيْثُمَا كُنْتَ وَأتْبعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ». رواه الترمذي، وَقالَ: (حديث حسن).

هذه وصية عظيمة جامعة لحقوق الله تعالى وحقوق عباده، قال الله تعالى:

{وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللهَ} [النساء:

131]، وتقوى الله تعالى: طاعته، بامتثال أمره واجتناب نهيه.

وقال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ * وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [هود: 114، 115].

وقال ابن المبارك: حُسْن الخُلُق: بسط الوجه، وبذلُ المعروف، وكفّ الأذى.

وقد وصف الله المتقين في كتابه بمثل ما وصّى به النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، فقال عزَّ وجلّ: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ

عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران: 133: 136].

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

السادسة عشرة بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*قَالَ الله تَعَالَى: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ}

الأحاديث:

الثالث: عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: كنت خلف النَّبيّ صلى الله عليه وسلم يومًا، فَقَالَ: «يَا غُلامُ، إنِّي أعلّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَألْتَ فَاسأَلِ الله، وإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ باللهِ. وَاعْلَمْ: أنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إلا بِشَيءٍ قَدْ كَتَبهُ اللهُ لَكَ، وَإِن اجتَمَعُوا عَلَى أنْ يَضُرُّوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إلا بِشَيءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحفُ». رواه الترمذي، وَقالَ: «حديث حسن صحيح».

وفي رواية غيرِ الترمذي: «احْفَظِ الله تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعرَّفْ إِلَى اللهِ في الرَّخَاءِ يَعْرِفكَ في الشِّدَّةِ، وَاعْلَمْ: أنَّ مَا أَخْطَأكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبكَ، وَمَا أصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَاعْلَمْ: أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا».

هذا الحديث أصل عظيم في مراقبة الله، ومراعاة حقوقه، والتفويض لأمره، والتوكل عليه، وشهود توحيده وتفرُّده، وعجز الخلائق كلَّهم وافتقارهم إليه.

الرابع: عن أنسٍ رضي الله عنه قَالَ: إِنَّكُمْ لَتعمَلُونَ أعْمَالًا هي أدَقُّ في أعيُنِكُمْ مِنَ الشَّعْرِ، كُنَّا نَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مِنَ المُوبِقاتِ. رواه البخاري. وَقالَ: «المُوبقاتُ»: المُهلِكَاتُ.

في هذا الحديث: كمال مراقبة الصحابة رضي الله عنهم لله تعالى، وكمال

استحيائهم منه. وفيه: أنَّ الإنسان ينبغي له أن يحذر من صغار الذنوب، فلعلها

تكون المهلكة له في دينه.

كما يتحرز من يسير السموم خشية أن يكون فيها حتفه، وقد قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [فاطر: 28].

وفي الحديث: «إن المؤمن يرى ذنبه كأنه صخرة يخاف أن تقع عليه، والمنافق يرى ذنبه كأنه ذباب مرّ على أنفه».

الخامس: عن أبي هريرةَ رضي الله عنه عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إنَّ الله تَعَالَى

يَغَارُ، وَغَيرَةُ الله تَعَالَى، أنْ يَأتِيَ المَرْءُ مَا حَرَّمَ الله عَلَيهِ». متفق عَلَيهِ. و

«الغَيْرةُ»: بفتحِ الغين، وَأَصْلُهَا الأَنَفَةُ. في هذا الحديث: مراقبة الله تعالى والخوف من غضبه وعقوبته إذا انتُهكت محارمه.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

السابعة عشرة بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*قَالَ الله تَعَالَى: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ}

الأحاديث:

السادس: عن أبي هريرةَ رضي الله عنه: أنَّه سَمِعَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، يقُولُ: «إنَّ ثَلاثَةً مِنْ بَني إِسْرَائِيلَ: أبْرَصَ، وَأَقْرَعَ، وَأَعْمَى، أَرَادَ اللهُ أنْ يَبْتَليَهُمْ فَبَعَثَ إِليْهمْ مَلَكًا، فَأَتَى الأَبْرَصَ، فَقَالَ: أَيُّ شَيءٍ أَحَبُّ إلَيْكَ؟ قَالَ: لَوْنٌ حَسنٌ، وَجِلدٌ حَسَنٌ، وَيَذْهبُ عَنِّي الَّذِي قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ؛ فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ قَذَرُهُ وَأُعْطِيَ لَونًا حَسنًا وجِلْدًا حَسَنًا. فَقَالَ: فَأيُّ المَالِ أَحَبُّ إِليكَ؟ قَالَ: الإِبلُ- أَوْ قالَ: البَقَرُ شكَّ الرَّاوي- فَأُعطِيَ نَاقَةً عُشَرَاءَ، فَقَالَ: بَاركَ الله لَكَ فِيهَا. فَأَتَى الأَقْرَعَ، فَقَالَ: أَيُّ شَيءٍ أَحَبُّ إلَيْكَ؟ قَالَ: شَعْرٌ حَسَنٌ، وَيَذْهَبُ عَنِّي هَذَا الَّذِي قَذِرَني النَّاسُ؛ فَمَسَحَهُ فَذَهبَ عَنْهُ وأُعْطِيَ شَعرًا حَسَنًا. قالَ: فَأَيُّ المَالِ

أَحَبُّ إِليْكَ؟ قَالَ: البَقَرُ، فَأُعْطِيَ بَقَرَةً حَامِلًا، وَقالَ: بَارَكَ الله لَكَ فِيهَا.

فَأَتَى الأَعْمَى، فَقَالَ: أَيُّ شَيءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: أَنْ يَرُدَّ الله إِلَيَّ بَصَرِي فَأُبْصِرُ بِهِ النَّاسَ؛ فَمَسَحَهُ فَرَدَّ اللهُ إِلَيْهِ بَصَرهُ. قَالَ: فَأَيُّ المَالِ أَحَبُّ إِليْكَ؟ قَالَ: الغَنَمُ، فَأُعْطِيَ شَاةً والدًا، فَأَنْتَجَ هذَانِ وَوَلَّدَ هَذَا، فَكانَ لِهذَا وَادٍ مِنَ الإِبلِ، وَلِهذَا وَادٍ مِنَ البَقَرِ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنَ الغَنَمِ.

ثُمَّ إنَّهُ أَتَى الأَبْرَصَ في صُورَتِهِ وَهَيئَتِهِ، فَقَالَ: رَجلٌ مِسْكينٌ قَدِ انقَطَعَتْ بِيَ الحِبَالُ في سَفَري فَلا بَلاغَ لِيَ اليَومَ إلا باللهِ ثُمَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ بِالَّذي أعْطَاكَ اللَّونَ الحَسَنَ، والجِلْدَ الحَسَنَ، وَالمَالَ، بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ بِهِ في سَفَري، فَقَالَ: الحُقُوقُ كثِيرةٌ. فَقَالَ: كأنِّي اعْرِفُكَ، أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ فقيرًا فأعْطَاكَ اللهُ!؟ فَقَالَ: إِنَّمَا وَرِثْتُ هَذَا المالَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ، فَقَالَ: إنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ الله إِلَى مَا كُنْتَ.

وَأَتَى الأَقْرَعَ في صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذا، وَرَدَّ عَلَيهِ مِثْلَ مَا رَدَّ هَذَا، فَقَالَ: إنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللهُ إِلَى مَا كُنْتَ. وَأَتَى الأَعْمَى في صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكينٌ وابنُ سَبيلٍ انْقَطَعتْ بِيَ الحِبَالُ في سَفَرِي، فَلا بَلاَغَ لِيَ اليَومَ إلا بِاللهِ ثُمَّ بِكَ، أَسأَلُكَ بالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَركَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا في سَفري؟ فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أعمَى فَرَدَّ اللهُ إِلَيَّ بَصَرِي فَخُذْ مَا شِئْتَ وَدَعْ مَا شِئْتَ فَوَاللهِ لا أجْهَدُكَ اليَومَ بِشَيءٍ أخَذْتَهُ للهِ- عز وجل-. فَقَالَ: أمْسِكْ مالَكَ فِإنَّمَا ابْتُلِيتُمْ. فَقَدْ رضي الله عنك، وَسَخِطَ عَلَى صَاحِبَيكَ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. و«النَّاقةُ العُشَرَاءُ» بضم العين وفتح الشين وبالمد: هي الحامِل. قوله: «أنْتَجَ» وفي رواية: «فَنتَجَ» معناه: تولَّى نِتاجها، والناتج لِلناقةِ

كالقابِلةِ للمرأةِ. وقوله: «وَلَّدَ هَذَا» هُوَ بتشديد اللام: أي تولى ولادتها، وَهُوَ بمعنى أنتج في الناقة، فالمولّد، والناتج، والقابلة بمعنى؛ لكن هَذَا لِلحيوان وذاك لِغيرهِ. وقوله: «انْقَطَعَتْ بي الحِبَالُ» هُوَ بالحاءِ المهملةِ والباءِ الموحدة: أي الأسباب. وقوله: «لا أجْهَدُكَ» معناه: لا أشق عليك في رد شيء تأخذه أَوْ تطلبه من مالي. وفي رواية البخاري: «لا أحمَدُكَ» بالحاءِ المهملة والميمِ ومعناه: لا أحمدك بترك شيء تحتاج إِلَيْه، كما قالوا: لَيْسَ عَلَى طولِ الحياة ندم: أي عَلَى فواتِ طولِها. في هذا الحديث: التحذير من كفران النعم، والترغيب في شكرها، والاعتراف بها، وحمد الله عليها. وفيه: فضل الصدقة، والحث على الرفق بالضعفاء، وإكرامهم وتبليغهم مآربهم. وفيه: الزجرُ عن البخل؛ لأنه حمل صاحبه على الكذب وعلى جحد نعمة الله تعالى.                                                                                             إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثامنة عشرة بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*قَالَ الله تَعَالَى: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ}

الأحاديث:

السابع: عن أبي يعلى شداد بن أوس رضي الله عنه عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ لِمَا بعدَ المَوتِ، والعَاجِزُ مَنْ أتْبَعَ نَفْسَهُ هَواهَا وَتَمنَّى عَلَى اللهِ». رواه الترمذي، وَقالَ: «حديث حسن».

قَالَ الترمذي وغيره من العلماء: معنى «دَانَ نَفْسَهُ»: حاسبها.

الكَيِّس: العاقل، وهو الذي يمنع نفسه عن الشهوات المحرمة ويعمل بطاعة الله تعالى. والعاجز: هو التارك لطاعة الله المتمنِّي على الله.

قال تعالى: {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا * وَمَن يَعْمَلْ مِنَ

الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} [النساء: 123، 124].

الثامن: عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «مِنْ حُسْنِ إسْلامِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لا يَعْنِيهِ». حديث حسن. رواه الترمذي وغيرُه. هذا الحديث أصل عظيمٌ من أصول الأدب.

قيل للقمان: ما بلغ بك ما نرى؟ قال: صِدْقُ الحديث، وأداء الأمانة، وترْكُ ما لا يعنيني.

وقال سهل بن عبد الله التُّسْتَري: مَن تكلَّم فيما لا يعنيه حُرم الصدق. ورُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أول من يدخل عليكم رجل من أهل الجنة»، فدخل عليهم عبد الله بن سلام، فقام إليه ناسٌ فأخبروه، وقالوا له: أخبرنا بأوثق عملك في نفسك؟ قال: إن عملي لضعيف، وأوثق ما أرجو به سلامة الصدر، وتركي ما لا يعنيني.

قال الغزالي: حدُّ ما لا يعنيك في الكلام: أنْ تتكلَّم بما لو سَكَتَّ عنه لم تأثم، ولم تتضرر حالًا ولا مآلًا.

التاسع: عن عُمَرَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لا يُسْأَلُ الرَّجُلُ فِيمَ ضَرَبَ امْرَأَتَهُ». رواه أبو داود وغيره.

أي: لا يُسأل بأي سبب ضرب امرأته، لإحتمال أنْ يكون السبب مما يُستحيا من ذكره، كالامتناع من التمكين، بل يترك ذلك إليه وإلى مراقبته لمولاه، إلا إن احتاج الأمر إلى الرفع إلى الحكام. قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [النساء: 34]. [الأنترنت- موقع نداء الأمة]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

التاسعة عشرة بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*وهو معكم أينما كنتم

   راقب الله في السر والعلن،واعلم أنه يراك؛ فلا يطلع عليك وأنت تعصيه؛ولا تنتهك محارم الله إذا خلوت ولكن قل: علي رقيب جليلة معانيها، عظيمة ثمراتها، من أشرف المقامات، وأرفع المنازل، وأعلى الدرجات، بها ينعم المؤمن بالأمن والأمان، وتتغلب النفس على نزعات الهوى والشيطان. كم أقضّت مضاجع الصالحين، وأرّقت جفونهم، وأسالت دموعهم على خدودهم، وفتتت أكبادهم!! مراقبة الله تعالى من أعظم العبادات، وأساس الأعمال وعمودها، وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم أعمال القلب كلها في كلمة واحدة عندما سأله جبريل عليه السلام عن الإحسان فقال: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» (رواه مسلم). وقد أخبر الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم بأنه رقيب على عباده فقال: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}  [النساء من الآية:1] وقال سبحانه: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} [البقرة:235]؛ فهو جل جلاله حي قيوم، لا تأخذه سنة ولا نوم، عينه لا تغفل عن عباده في الخلوات والجلوات، يعلم سِرّهم ونجواهم، حركاتهم وسكناتهم، لا تخفى عنه خافية، فهو علّام الغيوب ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصّدور. قال ابن المبارك لرجل:"راقب الله تعالى". فسأله الرجل عن تفسيرها فقال: "كن أبدًا كأنك ترى الله عزَّ وجل".       وقال إبراهيم الخوّاص: "المراقبة خلوص السر والعلانية لله عز وجل". أما ابن القيم فقال: "المراقبة دوام علم العبد وتيقنه باطّلاع الحقّ سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه... والمراقبة هي التعبد بأسمائه تعالى: الرّقيب، الحفيظ، العليم، السميع، البصير؛ فمن عقل هذه الأسماء وتعبّد بمقتضاها حصلت له المراقبة" ومن علم أن الله رقيب عليه، مطلع على عمله، محصٍ عليه حركاته وسكناته، وخطواته وخطراته وحقيقة نواياه في صدره، خاف من الوقوع في المعاصي، وسارع إلى الطاعات، وتسابق إلى فعل الخيرات، وازداد لله تعظيماً وتوقيرًا وتقربًا، وهذا ما يرتقي به إلى درجة الإحسان الجامعة لخشية الله ومحبته والأنس بذكره والشوق إلى لقائه. وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وأمته بتقوى الله ومراقبته في سرّهم وعلانيتهم، فعن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «أوصيك بتقوى الله في سر أمرك وعلانيته » (رواه الإمام أحمد في مسنده)، وقال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله...» (رواه الترمذي). ورغبهم عليه الصلاة والسلام بالأجر العظيم والظل الظليل لمن راقب الله وعظمه وهابه؛ ففي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظلّه: «ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله... ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه» (متفق عليه) .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

العشرون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان : *وهو معكم أينما كنتم

سلفنا الصالح كانت مراقبة الله شعارهم، والحياء منه وقارهم، عظموا الله فراقبوه، واستحيوا منه فهابوه، حفظوا الله في خلواتهم، فحفظهم وعصمهم في حركات جوارحهم، راقبوا الله في خلواتهم فأجلّهم الله في علانيتهم، وألبسهم نورًا ساطعًا من محبته، وطهر أبدانهم بمراقبته وخشيته، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟!! يقول ابن مسعود رضي الله عنه: "وما أسرّ عبد سريرة إلا ألبسه الله رداءها علانية، إنْ خيرًا فخير وإنْ شرًا فشر". وقد سطر لنا تاريخنا الإسلامي المشرق صفحات نيرات من نماذج مؤمنة تقية، طاهرة نقية، في استشعار رقابة الله والحياء منه وخشيته. يقول عبد الله بن دينار:" خرجت مع ابن عمر رضي الله عنه إلى مكة، فانحدر علينا راع من الجبل، فقال ابن عمر: أراع؟ قال: نعم، قال: بِعْنِي شاة من هذه الغنم. قال: إني مملوك. أراد ابن عمر أن يختبر أمانة هذا المملوك فقال: قل لصاحبها: أكلها الذئب. قال الراعي المستشعر لرقابة الله بعد أن رفع رأسه إلى السماء: فأين الله؟ فبكى ابن عمر، ثم غدا إلى المملوك فاشتراه من مولاه وأعتقه، وقال له: أعتقتك في الدنيا هذه الكلمة، وأرجو أن تعتقك في الآخرة". وحوار يستوقف أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب؛ بينما كان يتفقد أحوال المسلمين ليلًا. تقول أم لابنتها: يا بنتي امزجي اللبن بالماء، فتقول البنت المؤمنة: إن أمير المؤمنين عمر قد منع مزج اللبن بالماء، فقالت الأم في لحظة غفلة عن الله: إن أمير المؤمنين الآن لا يرانا، ولكن البنت المستشعرة لرقابة الله التي ملكت شغاف قلبها تقول: يا أماه ما كنت لأطيعه في الملأ وأعصيه في الخلاء، إن لم يكن عمر يرانا فإن الله يرانا". ما أبلغه من درس وما أبلغها من موعظة، إنها النفوس المؤمنة التي تغلغل الإيمان في أعماقها وجعلت مراقبة الله نصب أعينها، فأثمرت صدقًا، وإخلاصًا، وأمانة، وخشية لخالقها. قوم تيقظوا وما غفلوا، أصلحوا سرائرهم ففاح عبير فضلهم وطيبهم. كان بعض السلف يقول لأصحابه: "زهدنا الله وإياكم في الحرام زهد من قدر عليه في الخلوة، فعلم أن الله يراه فتركه من خشيته..." وهذا الإمام أحمد رضي الله عنه يسمع أبياتًا من الشعر فيترك مجلس العلم ويدخل غرفته ويغلق بابه وهو يردد باكيًا:

 إذا ما خَلَوْتَ الدهرَ يومًا فلا تقلْ خلوتُ ولكن قلْ: عليَّ رقيبُ  :

    ولا تحسبنَّ اللّه يغفلُ ساعةً***ولا أن ما يخفى عليه يَغيبُ

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الواحدة والعشرون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

 *وهو معكم أينما كنتم

فأي معنى للحياة إذا غابت مراقبة الله، وبارز العبد مولاه، وهتك الستر بينه وبين الله؟ فتعسًا لمن يدعي الصلاح في الملأ وينتهك حرمات الله في الخلوات، ويضيع الحسنات ويكتسب الآثام والسيئات. فعن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لأعلمنَّ أقوامًا من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضًا، فيجعلها الله هباء منثورًا». قال ثوبان: يا رسول الله، صفهم لنا، جَلِّهِم لنا ألا نكون منهم ونحن لا نعلم، قال: «أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها»  (أخرجه ابن ماجه).

فيا من تجرأت على الله وعصيته لم جعلت الله أهون الناظرين إليك؟

  يا مدمن الذنب أما تستحي ***والله في الخلوة ثانيكا

غرك من ربك إمهاله ***وستره طول مساويكا 

يا مُدْمِنَ الذنب ويحك من ربك! إن كنت تظن أن الله لا يراك ولا يسمعك فما أعظم كفرك! وإن كنت تعلم أنه سبحانه يراك ويسمعك ويطلع عليك ويراقبك، فما أشد وقاحتك وما أقل حياءك وما أعظم جرأتك عليه سبحانه! أيتها الأخت المسلمة: لنراقب الله تعالى في سرنا وعلانيتنا، ولنستحِ منه على قدر قربنا منه جل وعلا. وإياك والغفلة عن الله فهي سمٌّ زعافٌ يدسه الشيطان ليحجب القلب عن مراقبة الله عزّ وجلّ. فإذا راودتك نفسك بمعصية الله فذكرها بنظر الله تعالى والحياء منه.  

وإذا خلوت بريبة في ظلمة ***والنفس داعية إلى الطغيانِ

فاستحي من نظر الإله وقل لها ***إن الذي خلق الظلام يراني

ولنتذكر قوله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا} [الأحزاب من الآية:52]، فهل هناك من مهرب أو مفر{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد من الآية:4].[ الأنترنت – موقع طريق الإسلام- أمينة أحمد زاده]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثانية والعشرون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

* محاسبة النفس في الإسلام

محاسبة النفس في الإسلام هو مفهوم يعني القيام بتصفية وتنقية النفس البشرية من ذنوبها ومعاصيها، حيث أنه لابد للشخص العاقل أن يقوم بتخصيص وقتاً يومياً يقوم به بالاختلاء بنفسه ليحاسبها عما قدمت في ذلك اليوم من أعمال أو من ذنوب، فمن المعروف أن إهمال الإنسان لمتابعة أعماله ولحساب نفسه سيؤدي به إلى التمادي في الذنوب والأثام، ولعل قول الله عز وجل من أبرز الدلائل على ضرورة قيام الإنسان بمحاسبة نفسه ومراقبتها، وذلك في قوله تعالى ﴿بل الإنسان على بصيرة﴾، فلو أستطاع أن يكون بصيراً على نفسه محاسباً لها قبل أن يحاسب يوم القيامة لنجأ وأستطاع الفوز برضوان الله عز وجل عليه.

مفهوم محاسبة النفس  :

قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ: هي التمييز بين ماله وما عليه ( يقصد العبد )

فيستصحب ما له ويؤدي ما عليه؛ لأنه مسافر سفر من لايعود

وقال الماوردي : " أن يتصفّح الإنسان في ليله ما صدر من أفعال نهاره، فإن كان محموداً أمضاه وأتبعه بما شاكله وضاهاه، وإن كان مذموماً استدركه إن أمكن وانتهى عن مثله في الـمستقبل".

وأمـا الـحـارث الـمـحـاسـبي فقد عرّفها بقوله : "هي التثبّت في جميع الأحوال قبل الفعل والترك من العقد بالضمير، أو الفـعــل بالجارحة؛ حتى يتبيّن له ما يفعل وما يترك، فإن تبيّن له ما كره الله ـ عز وجل ـ جانـبه بعقد ضمير قلبه، وكفّ جوارحه عمّا كرهه الله ـ عز وجل ـ ومَنَع نفسه من الإمساك عن ترك الفرض، وسارع إلى أدائه "

ومن فوائد محاسبة النفس:

الاطِّلاع على عيوب النفس، ومن لم يطلع على عيب نفسه لم يمكنه إزالته.

دليل على الخوف من الله والاستعداد للقائه.

تبين للمؤمن حقيقة الربح والخسران.

محاسبة النفس في الدنيا تريح المؤمن يوم القيامة.

فيه امتثال لأمر الله تعالى.

تبعد عن الغفلة، والإستمرار في المعاصي، والذنوب.

تعين المؤمن، وتساعده في إستدراك ما نقص من الفرائض، والنوافل.

تثمر محبة الله ورضوانه.

أنه يعرف بذلك حق الله تعالى عليه، ومن لم يعرف حق الله تعالى عليه، فإن عبادته لا تكاد تجدي عليه، وهي قليلة المنفعة جدًّا.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثالثة والعشرون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*ومن فوائد محاسبة النفس:

أن صلاح القلب بمحاسبة النفس، وفساده بإهمالها والإسترسال معها.

طريق لإستقامة القلوب وتزكية النفوس؛ فإن زكتها موقوفة على محاسبتها،فلا تزكو و لا تطهر و لا تصلح ألبته إلا بمحاسبتها أنها دليل على صلاح الإنسان وعلى خوفه من اللّٰه؛ فغير الخائف من اللّٰه ليس عنده من الدواعي ما يجعله يقف مع نفسه فيحاسبها و يعاتبها على تقصيرها أنها الطريق إلى التوبة؛ وذلك لأنه إذا حاسب نفسه أدرك تقصيره في جنب الله، فقاده هذا إلى التوبة

مشروعية المحاسبة:

قول اللّٰه تعالى﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و لتنظر نفس ما قدمة لغد﴾ قال ابن القيِّم: «دلت الآية على وجوب محاسبة النفس، فيقول تعالى: لينظر أحدكم ما قدَّم ليوم القيامة من الأعمال، أَمِنَ الصالحات التي تنجيه؟ أم من السيئات التي توبقه؟»..

روى أحمد وغير من حديث شداد بن أوس قال: قال رسول الله «الكيس من

دان نفسه وعمل لي ما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله » ومعنى دان نفسه: أي حاسبها ذكر الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا ؛ فإنه أهون عليكم في الحساب غدا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم ، وتزينوا للعرض الأكبر يومئدن تعرضون لا تخفى منكم خافية»

أسباب فقدها : هناك أمور تمنع أو تقلل من محاسبة النفس من أهمها:

المعاصي: سواء كان ذلك بفعل الكبائر أو بالإصرار على صغائر، حيث أن

هذه المعاصي تسبب الران على القلب، فإذا لم يحاسب العبد نفسه ويتوب تراكم هذا الران على قلبه، وبقدر تراكم هذا الران تقل محاسبته لنفسه حتى يصبح قلبه لا ينكر منكراً ولايعرف معرفاً

التوسع في المباحات: لأن هذا التوسع يرغبه في الدنيا ويقلل تفكيره في الآخرة، وإذا لم ينظر إلى آخرته، أو قل نظره إليها قلت محاسبته لنفسه

عدم استشعار عظمة الله وما يجب له من العبودية و الخضوع و الذل؛ فلو

استشعرنا ذلك وعرفنا الله حقه لأكثرنا من محسبتنا لأنفسنا، ولقارنا بين نعم

 الله علينا وبين معاصينا، ولقارنا بين حقه علينا وبين ما قدمناه لآخرتنا

تزكية النفس وحسن الظن بها: لأن حسن الظن بالنفس يمنع من التعرف على عيوبها وإذا لم تكتشف الداء كيف ستعالجه

عدم تذكر الآخرة: والانشغال بالدنيا ولو وضعنا الآخرة نصب أعيوننا لما أهملنا محاسبة أنفسنا

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الرابعة والعشرون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

آثار فقد محاسبة:

إذا لم يحاسب العبد نفسه أو قلة محاسبته لنفسه فإنه يوشك أن يقع في أشياء منها:

عدم محاسبة النفس تسهل على العبد الوقوع في المعاصي؛ حيث أن محاسبة النفس تجعله يندم على فعله المعصية، وإذا ندم أوشك أن لا يعملها مرة أخرى، أما إذا لم يأبه للمعصية ولم يحاسب نفسه فإنه من سهل أن يقع فيها

 أو في معصية غيرها مرة أخرى

يعسر عليه ترك المعاصي والبعد عنها، لأنه يكون حينئذ ألفها وإعتاد عليها، وتشربها قلبه فيصعب عليه تركها

استثقال الطاعات؛ لأن الطاعات تحتاج إلى جهد وعزيمة، وهذه العزيم لا تأتي إلا بالوقوف مع نفس وقفة محاسبة، وأخدها بالحزم والجد

الأسباب المعينة على المحاسبة:

يعين المرء على محاسبة لنفسه عدة أمور منها:

تحقيق سعادة الدراين ونيل رضى الله تعالى ومحبته؛ لأنه إذا حاسب نفسه علم

 تقصيرها، وأنه مهما عمل لم يقم بما طلب منه القيام به، وأنه لو قام بما طلب منه احتاج إلى شكر الله الذي منّ عليه بأن وفقه للقيام بما أمر به، وإذا أدرك تقصيره في جنب الله قاده في ذلك إلى أن يبذل المزيد من الجهد، وأن يتدارك النقص، ويستعد أكمال الاستعداد ليوم المعاد؛ ومن هذه الحالة ينال رضى الله ومحبته سبحانه.

يطلع على عيوب نفسه: لأنه بالمحاسبة لابد أن يجد في نفسه عيباً، فإذا اطلع على عيبها مقتها في ذات االله تعالى، وأما من لم يحاسب نفسه لم يطلع على عيوبها، ومن لم يطلع على عيب نفسه لم يمكنه إزالته.

إخلاص النية الله: لأن المحاسبة وقفة خفية بينك وبين نفسك لا يعلمها إلا الله، وأنت أدرى بنفسك وبحقيقة أعمالك؛ تعرف هل عملت هذا العمل رياء أو سمعة أو عملته الله.

استشعار المسلم للهدف الذي خلق من أجله: إذا حاسبت نفسك علمت أنك لـم تخلق عبثاً ولن تترك سدى، لم تخلق للأكل والشرب والنكـاح وجمـع الأمـوال، خلقت لأمر عظيم وهيئت لأمر جسيم، فحينها تستشعر الهدف الذي خلقت من أجله

الاجتهاد في الطاعة: فإن الصائمين في حر النهار ما صاموا إلا بعد محاسبتهم لأنفسهم، والقائمين الليل لماذا كانوا يقومون الليل، والتـالين

للقـرآن، والبـاذلين أموالهم في سبيل االله، وغيرهم ما فعلوا ما فعلوا إلا بعد محاسبتهم لأنفسهم.

البعد عن المعاصي صغيرها وكبيرها؛ لأنه إذا حاسب نفسه علـى المعصـية دعاه ذلك إلى أن لا يعملها مرة أخرى، وبذلك يبتعد قدر الإمكان عن المعاصي.

الزهد في الدنيا: لأنه سيعرف حقيقة الدنيا وحقية نفسه وما تريد، وسيدرك أن

الدنيا دار ممر وفناء، يزرع بها العبد ما يحب أن يراه غداً، مما يجعله ينظر إلـى الدنيا على أنها مزرعة للآخرة؛ فلا ينافس أهلها عليها.

مراقبة االله؛ لأنه كلما هم بمعصية حاسب نفسه، وكلما هم بتقصير في واجـب حاسب نفسه، وهذه هي المراقبة الله حتى يصل إلى مرتبة الإحسان.

مقت الإنسان نفسه وإزراؤه عليها.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الخامسة والعشرون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*أنواعها : ومحاسبة النفس نوعان: نوع قبل العمل، ونوع بعده.

فأما النوع الأول: فهو أن يقف عند أول همه وإرادته فينظر: هل العمل موافقٌ لكتاب الله وسنة رسوله صلى اللهُ عليه وسلم أم لا؟

فإن كان موافقًا أقدم، وإن كان مخالفًا ترك، ثم ينظر: هل فعله خير له من

تركه؟ أو تركه خير له من فعله؟ فإن كان الثاني: تركه ولم يقدم عليه، ثم

ينظر: فإن كان لله مضى، وإن كان للجاه، والثناء، والمال من المخلوق ترك

أما النوع الثاني: فهو محاسبة النفس بعد العمل وهو ثلاثة أنواع:

 1: محاسبتها على طاعة قصرت فيها من حق الله تعالى فلم توقعها على الوجه الذي ينبغي، وحق الله في الطاعة ستة أمور: الإخلاص لله في العمل، النصيحة لله فيه، متابعة الرسول صلى اللهُ عليه وسلم، شهود مشهد الإحسان فيه، شهود منة الله عليه، شهود تقصيره فيه، بعد ذلك كله يحاسب نفسه هل وَفَّى هذه المقامات حقها؟ وهل أتى بها في هذه الطاعة؟

 2: أن يحاسب نفسه على كل عمل كان تركه خيرًا من فعله.

 3: أن يحاسب نفسه على أمر مباحٍ، أو معتادٍ، لم فعله؟ وهل أراد به الله والدار الآخرة؟ فيكون رابحًا، أو أراد به الدنيا وعاجلها؟ فيخسر ذلك الربح ويفوته الظفر .

*نماذج من محاسبة السلف لأنفسهم:

-قال أنس بن مالك : سمعت عمر بن الخطاب يوماً وخرجت معه حتى دخل

حائطاً ، فسمعته وهو يقول ، وبيني وبينه جدار وهو في جوف الحائط "

: عمر أمير المؤمنين بخٍ بخٍ والله بني الخطاب لتتقين الله أو ليعذبنك "

-كان عمر بن عبد العزيز شديد المحاسبة لنفسه قليل الكلام ، وكان يقول : " إنه ليمنعني من كثير من الكلام مخافة المباهاة "[ الأنترنت – موقع الموسوعة الحرة - محاسبة النفس في الإسلام ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

السادسة والعشرون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

* الآثار الإيمانية لاسم الله الرقيب

من تعبد الله باسمه الرقيب أورثه ذلك المقام المستولي على جميع المقامات، وهو مقام المراقبة لله في حركاته وسكناته، لأن من علم أنه رقيب على حركات قلبه, وحركات جوارحه وألفاظه السرية والجهرية، ناظر إليه، سامع لقوله، وهو مطلع على عمله كل وقت وكل لحظة، وكل نفس وكل طرفة عين، واستدام هذا العلم، فإنه لابد أن يثمر له هذا المقام الجليل، وهذا سر عظيم من أسرار المعرفة بالله.

انظروا إلى ثمراته وفوائده العظيمة، وإصلاحه للشؤون الباطنة والظاهرة :

1- يجب على كل مكلف أن يعلم الله جل شأنه هو القريب على عباده، الذي يراقب حركاتهم وسكناتهم، وأقوالهم وأفعالهم بل ما يجول قلوبهم وخواطرهم، لا يخرج أحد من خلقه عن ذلك قال سبحانه وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ [البقرة: 235]. وقال رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا [غافر: 7].

قال القرطبي: ورقيب بمعنى راقب، فهو من صفات ذاته، راجعة إلى العلم

والسمع والبصر، فإن الله تعالى رقيب على الأشياء بعلمه المقدس عن مباشرة

النسيان.

ورقيب للمبصرات ببصره الذي لا تأخذه سنه ولا نوم. ورقيب للمسموعات بسمعه المدرك لكل حركة وكلام. فهو سبحانه رقيب عليها بهذه الصفات،، تحت رقبته الكليات والجزئيات، وجميع الخفيات في الأرضين والسماوات، ولا خفي عنده بل جميع الموجودات كلها على نمط واحد في أنها تحت رقبته التي هي من صفته اهـ 

فمن كان لذلك ملاحظاً غير غافل عنه، راقب تصرفاته، ومعاملاته وعباداته،

وسائر حياته، وفي ذلك صلاح دنياه وآخرته، بل بلوغه أعلى درجات الإيمان كما جاء في حديث جبريل عليه السلام عندما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإحسان فأجابه: ((أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)) 

قال ابن القيم: (المراقبة) دوام علم العبد، وتيقنه باطلاع الحق سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه.

فاستدامته لهذا العلم واليقين: هي المراقبة، وهي ثمرة علمه بأن الله سبحانه

 رقيب عليه، ناظر إليه، سامع لقوله، وهو مطلع على عمله كل وقت وكل

لحظة وكل نفس وكل طرفة عين.

قال: (والمراقبة) هي التعبد باسمه (الرقيب)، الحفيظ، العليم، السميع، البصير.

فمن عقل هذه الأسماء، وتعبد بمقتضاها، حصلت له المراقبة .

[الأنترنت – موقع الدرر السنية - الآثار الإيمانية لاسم الله الرقيب]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

السابعة والعشرون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

* خُلق المراقبة .. أُنسٌ للفرد ونَجاحٌ للمؤسسة

     لغياب الرَّقابة الذاتية في عالمنا اليوم ومجتمعاتنا ومؤسساتنا المختلفة، استحدث المسؤولون عنها صفة "مراقب" لبعض الأشخاص، وتعدّدت مهامهم واختصاصاتهم؛  فمنهم مراقب الدوام ومراقب سير العمل ومراقب الامتحانات والاختبارات .. وقد يستغنى عن العنصر البشري لتحلّ محلّه كاميرات المراقبة وأجهزة مراقبة الدوام بالبصمة الإلكترونية وغيرها.. لقد جرّبت  الرّقابات الأرضية لفرض سلوك معيّن، فلم تنجح ولم تعط النتائج المرجوّة منها، على الرّغم من بذل  الجهد والمال، ولكن دون جدوى !

     إنَّ السرّ في عدم نجاح تلك الجهود البشرية يكمن في غياب الوازع الداخلي النابع من الرقابة الذاتية لله سبحانه وتعالى، وإيمان الفرد بأنَّ الله مطلع عليه في سائر حركاته وسكناته، فما يلفظ  من قول وما يحرّك من ساكن وما يقوم به من عمل إلاَّ لديه رقيب عتيد ... فما هي هذه المراقبة ؟

  عرّف بعض العلماء المراقبة لله سبحانه وتعالى بقولهم: (هي مراعاة القلب لملاحظة الحق مع كل خطرة وخطوة). وقال آخرون:  (مقام المراقبة وهو أن يعمل العبد على استحضار مشاهدة الله إياه واطلاعه عليه وقربه منه فإذا استحضر العبد هذا في عمله وعمل عليه فهو مخلص لله تعالى؛ لأنَّ استحضاره ذلك في عمله يمنعه من الالتفات إلى غير الله تعالى وإرادته بالعمل). وقيل: (من راقب الله في خواطره عصمه في حركات جوارحه).

من هنا نبدأ ..

     تنمية خلق المراقبة لله سبحانه يبدأ من الإيمان العميق بأنَّ الله سبحانه محيط بكل شيء، قال الله عزّ وجل: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ

الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}. (المجادلة:7).

يقول الإمام ابن كثير في تفسيره: (يقول تعالى مخبرًا عن إحاطة علمه بخلقه واطلاعه عليهم وسماعه كلامهم ورؤيته مكانهم حيث ما كانوا وأين ما كانوا، فيطلع عليهم، ويسمع كلامهم وسرهم ونجواهم، ورسله أيضًا مع ذلك تكتب ما يتناجون به مع علم الله تعالى به، وسمعه لهم).

يقول سفيان الثوري رحمه الله: (عليك بالمراقبة مما لا تخفى عليه خافية، وعليك بالرجاء ممن يملك الوفاء).

وقد قرَّر المولى تبارك وتعالى هذا المعنى في كتابه كثيرًا، ولفت أنظار المتفكرين في كتابه إليه، حيث قال تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ}. (التوبة:78)، وقال سبحانه : {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ}. (الزخرف:80)، وقال عزّ وجل: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمْ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}. (المجادلة:6)، قال الإمام ابن كثير في تفسيره : (شهيد على أفعالهم، حفيظ لأقوالهم، عليم بسرائرهم وما تكن ضمائرهم).                           إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثامنة والعشرون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

* خُلق المراقبة .. أُنسٌ للفرد ونَجاحٌ للمؤسسة

وقال السعدي  في تفسيره: (الشهيد المطلع على جميع الأشياء، سمع جميع الأصوات خفيها وجليها، وأبصر جميع الموجودات دقيقها وجليلها، صغيرها

وكبيرها، وأحاط علمه بكل شيء، الذي شهد لعباده وعلى عباده بما عملوه).

وفي قراءتنا لسورة الفاتحة في صلاتنا يومياً نتدبَّر قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ

الدِّينِ}.(الفاتحة:4)؛ أي: لا يشاركه في ذلك أحدٌ ممَّن خلق، ولمفردة (الدين) معان كثيرة؛ منها المكافأة والعقوبة، وفي هذا تربية أُخرى للعبد، فإنه إذا آمن بأن هناك يوماً يظهر فيه إحسان المحسن، واساءة المسيء، وأن زمام الحكم في ذلك اليوم العظيم بيد الله تكوّن عنده خُلُق المراقبة، وتوقَّع المحاسبة، فكان ذلك أعظمَ سبيل لإصلاح كل ما يعمل.

وفي مسند الإمام أحمد، عن عبد الله بن عمر قال : أخذ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ببعض جسدي فقال : (( اعبد الله كأنك تراه)).  يقول سفيان الثوري رحمه الله: (عليك بالمراقبة مما لا تخفى عليه خافية، وعليك بالرجاء ممن

يملك الوفاء).

يقول ابن عطاء السكندري في مناجاته : (عَميتْ عينٌ لا تراكَ عليها رقيباً، وخسرتْ صفقة عبدٍ لم يجعل له من حظك نصيباً). وسئل ابن عطاء الله: ما أفضل الطاعات؟ فقال مراقبة الحق على دوام الأوقات.

قال ابن المبارك لرجل: راقب الله تعالى، فسأله عن تفسيرها فقال: كن أبدا كأنك ترى الله عز وجل.

وسئل الحارث المحاسِبي عن المراقبة فقال: (علم القلب بقرب الله تعالى).

*مع أسماء الله الحسنى ..

يقول ابن عطاء السكندري في مناجاته : (عَميتْ عينٌ لا تراكَ عليها رقيباً، وخسرتْ صفقة عبدٍ لم يجعل له من حظك نصيباً).

إنَّ قراءة متدبرة متمعنة في أسماء الله الحسنى (الرَّقيب، الحفيظ، الشَّهيد، المُحيط، العليم) كفيلة بتحقيق خلق المراقبة لله سبحانه في النفس، فالرقيب الذي يرصد أعمال عباده، والحفيظ الذي يحفظ عباده المؤمنين، ويحصي أعمال العباد، والعليم الذي لا تخفى عليه خافيةٌ من أمور عباده، والسَّميع المدرك للأصوات، والبصير الذي يرى كل شيء. قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} .. يقول الإمام ابن جزي في تفسيره (التسهيل): (إذا تحقق العبد بهذه الآية وأمثالها استفاد مقام المراقبة وهو مقام شريف أصله علم وحال ثم يثمر حالين؛ أمَّا العلم فهو معرفة العبد، لأنَّ الله مطلع عليه ناظر إليه يرى جميع أعماله ويسمع جميع أقواله ويعلم كل ما يخطر على باله وأما الحال فهي ملازمة هذا العلم للقلب بحيث يغلب عليه ولا يغفل عنه ولا يكفي العلم دون هذه الحال فإذا حصل العلم والحال كانت ثمرتها عند أصحاب اليمين الحياء من الله وهو يوجب بالضرورة ترك المعاصي والجد في الطاعات وكانت ثمرتها عند المقربين الشهادة التي توجب التعظيم والإجلال لذي الجلال وإلى هاتين الثمرتين أشار رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بقوله: "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك").

ما أحوجنا نحن المسلمين إلى هذا الخلق الكريم، إلى مقام المراقبة لله سبحانه في بيوتنا ومؤسساتنا المختلفة، حيث ينطلق المسلم في بيته وسوقه ومؤسسته، وفي حلّه وسفره، في نهاره وليله وهو يستشعر مراقبة الله سبحانه وتعالى ليستقيم كما أمر، ويؤدّي واجبه المنوط به وهو يستحظر معيّة الله سبحانه، ليرتقي في هذا المقام الفريد وليحقق النجاح المنشود لمؤسسته.

 [الأنترنت – موقع بصائر تربوية - خُلق المراقبة .. أُنسٌ للفرد ونَجاحٌ للمؤسسة - حذيفة المبارك ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

التاسعة والعشرون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

* مراقبة الله عز وجل – خطبة جمعة

عباد الله، قضية تكرر في القرآن الكريم الإشارة والتلميح إليها عدة مرات لأجيال تبقى حاضرة في ذهن كل إنسان، وهي :

 أن الله – عز وجل – مطلع على العباد، بصير بأعمالهم، ليس بغافل عنهم، وليس بغافل عن أعمالهم، يقول ربنا – عز وجل - : ﴿وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ وقد تكرر ذكره قول الله تعالى : ﴿وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ تكرر ذكرها في القرآن الكريم تسع مرات، في سورة البقرة في أربعة مواضع، وفي سورة آل عمران، وفي سورة الأنعام، وفي سورة هود، وفي سورة النمل، سبحان الله! في تسعة مواضع من القرآن ينبهنا الله – عز وجل – إلى هذه القضية العظيمة، ﴿وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾.                                       ينبهنا ربنا بأنه مطلع على أعمال العباد، لا يخفى عليه منا خافية، ولا يغفل عن شيء منها، ويؤكد سبحانه يؤكد هذا المعنى في آيات أخرى بآثار المغفرة كما في قول الله – عز وجل - : ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾[آل عمران: 5].

 ويبين في آيات أخرى بأنه بأعمال عباده عليم، وبصير، وخبير فيقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ وقد تكررت هذه في القرآن الكريم ثنتي عشرة مرة، ووردت بلفظ ﴿وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ وتكررت أربع مرات، وأما قول الله : ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ فقد تكررت في القرآن سبع مرات، ﴿وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ تكررت في القرآن سبع مرات أيضا، وهذا غير قوله : ﴿خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ﴾ ﴿خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ وأما قول الله تعالى: ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ فقد تكررت في القرآن الكريم أربع مرات، وقوله: ﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ تكررت ثنتي عشرة مرة، فهو سبحانه يعلم أعمال العباد، ويعلم ما تخفيه صدورهم، وما تحدث به أنفسهم، بل يعلم السر وأخفى، وأخفى من السر، وهو السر قبل أن يحدث به الإنسان نفسه، فالله سبحانه وتعالى مطلع على العباد، ليس بغافل عنهم، بصير، وخبير في أعمالهم، لا يخفى عليه شيء من ذلك.

إن العبد إذا استشعر إطلاع الله – عز وجل – عليه ومراقبته له، وأن الله

تعالى لا يخفى عليه خافية، لا يخفى عليه شيء من عمله، ولا ما توسوس به نفسه، إذا استشعر العبد هذه المعاني فإنه عندما تحيل بمعصية يتذكر ربه، وأنه مطلع عليه، فيخشى الله – عز وجل – ويترك المعصية، كما قال أحد السلف: «لا تجعل الله أهون الناظرين إليك». 

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثلاثون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

* مراقبة الله عز وجل – خطبة جمعة

عندما يستشعر العبد اطلاع الله عليه، ومراقبته له فإنه يؤدي العبادات بروحها لا بصورتها، يصلي وهو يستشعر أنه يناجي ربه –

جل وعلا – كأنه يرى الله تعالى أمامه، ولهذا لما عرف النبي – صلى الله عليه وسلم – مقام الإحسان، عرفه فقال: أن تعبد الله كأنك تراه، وهذه مرتبة علية، إن لم تصل إلى هذه المرتبة إن لم تكن تراه فإنه يراك.

وقد أخبر النبي – صلى الله عليه وسلم – عن سبعة أصناف من البشر حيث أن الله تعالى

يظلهم تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله في عرصات الموقف يوم القيامة حينما تدنو الشمس من الناس، وتكون على قدر ميل، هؤلاء السبعة قد اجتمع فيهم صفة المراقبة لله – عز وجل – يقول – عليه الصلاة والسلام - : «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه» تأمل في أحوال هؤلاء السبعة الأصناف، تجد أنهم قد اجتمع

فيهم جانب الإخلاص والمراقبة لله – عز وجل - .

واستمعوا إلى هذه القصة التي قصها علينا النبي – صلى الله عليه وسلم – من قصص بني إسرائيل وقد أخرجها البخاري في صحيحه، وتتجلى فيها عظيم مراقبة الله – عز وجل – عظيم المراقبة لله – سبحانه وتعالى – عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : «ذكر رجلا من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار، فقال: ائتي بشاهدان، قال: كفى بالله شهيدا، قال: فأتني بكفيل، قال: كفى بالله كفيلا، قال: صدقت، فدفع إليه ألف دينار إلى أجل مسمى، فلما حان الأجل التمس ذلك الرجل مركبا حتى يقضي للرجل دينه فلم يجد، واجتهد ولم يجد، فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صحابها، ثم أتى بها إلى البحر فقال: اللهم إنك تعلم أني قد تسلفت من فلان ألف دينار فسألني كفيلا فقلت: كفى بالله كفيلا، فرضي بك، وسألني شهيدا فقلت: كفى بالله شهيدا، فرضي بك، وإني قد جهدت في أن أجد مركبا أبعث إليه الذي له فلم أقدر، وإني أستودعك إياها، فرمى بها في البحر، حتى ولجت فيه، ثم انصرف، فخرج الرجل الذي كان قد أسلفه أي: الدائن، ينظر إلى صاحبه الذي تسلف منه فلم يأت، فلما أراد أن ينصرف إلى أهله، أخذ خشبة من البحر، حطب يقل عليها، فلما نشرها وجد المال والصحيفة، ثم قدم الذي كان قد أسلفه ورأى أن تصرفه هذا لا تبرأ به الذمة، فأتى بألف دينار أخرى، وقال: والله ما زلت جاهدا في طلب مركب لأتيك بمالك، فما وجدت مركبا، قبل الذي أتيت فيه الآن، قال: هل كنت قد بعثت إلي بشيء؟ قال: أخبرك أني لم أجد مركبا، فجعل يتجاهل، ولكن فهم ذلك الرجل أنه قد بعث إليه بتلك الخشبة، قال: فإن الله قد أدى عنك الذي بعثته في الخشبة، فانصرف بألف دينار راشدا» فانظروا إلى عظيم مراقبة هذا الرجل لربه سبحانه، وكيف أن الله – عز وجل – أوصل ذلك المبلغ لذلك الدائن في وقته المحدد، وهذا يدل على عظيم الخشية والمراقبة من

هذا الرجل لربه سبحانه.

والقصص عن السلف الصالح من الصحابة والتابعين في جانب المراقبة لله – عز وجل – كثيرة، ولذلك كانوا خير الأمة، وخير القرون، وقد طبقوا الإسلام في جميع أمورهم، فشمل جميع جوانب حياتهم، فأورثهم ذلك مخافة الله وخشيته ومراقبته.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الواحدة والثلاثون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

* مراقبة الله عز وجل – خطبة جمعة  

عباد الله، نحن في هذا العصر، في عصر قد تعلق فيه كثير من الناس بالحياة المادية، وضعف عنده جانب المراقبة لله – عز وجل – والخوف منه، ولهذا فلا بد من السعي لغرس جانب المراقبة لله تعالى، وأبرز الأمور التي تتحقق بها المراقبة لله سبحانه:

أولا: العلم بالله وكل كان العبد أعلم بالله كان أشد خشية له، وأعظم مراقبة لله سبحانه، كما قال - عز وجل -: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ العلم بعظمة الله، وعظيم قدرته، وسعة علمه وإطلاعه على العبد، وعلى عمله، ومن علامة إرادة الله – عز وجل – بالعبد الخير أن يوفقه للفقه في دينه كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم - : «من يرد الله به خيرا يفقه في الدين» .

ومنها: الإكثار من ذكر الله – عز وجل – لأن الإكثار من ذكر الله سبحانه يضعف التعلق بالأمور المادية، ويزيد مستوى الإيمان لدى

 المسلم، ويقوي التعلق بربه سبحانه، فيرق قلبه، ويعظم عنده جانب المراقبة لله – عز وجل – ولا يغفل عن الله، وعن الدار الآخرة، ولذلك فإن ذكر الله – عز وجل – تحصل به طمأنينة القلب وسعادته ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28].

ومنها: التفكر فيما دلت عليه أسماء الله تعالى الحسنى وصفاته العلى، إن هذا التفكر و التأمل يقوي جانب المراقبة لله سبحانه، فإذا استشعر العبد معنى الخبير، وأن الله تعالى مطلع على عباده، وعلى بواطن الأمور، وصغيرها، وكبيرها، وجليها، وحقيرها، وتفكر مثلا في معنى الرقيب، وأن الله تعالى مراقب لعباده، ليس بغافل عنهم، مراقب لهم مراقبة دائمة، فإن هذا التفكر في الأسماء والصفات ممن يقوي جانب المراقبة.

ومنها: التفكر في عظيم خلق الله – عز وجل – وبديع صنعه، وعجيب آياته، يتفكر ويتأمل في هذا الكون الفسيح الذي في كل شيء له آية تدل على عظمة الخالق، وعلى ربوبيته، ووحدانيته، هذا التفكر يورث الخشية والمراقبة لله سبحانه، إن من الناس من قد تبلد لديه جانب التفكر والتأمل يرى عظيم خلق الله سبحانه، وعظيم قدرته، ولا يورث ذلك في نفسه شيئا في جانب التعظيم لله، وجانب المراقبة لله سبحانه، ولذلك فإن الله – عز وجل – قد وصف من يعنى في جانب التفكر في خلق السماوات والأرض، وفي عظمة صنع الله – عز وجل – وصفهم بأنهم أولو الألباب أي: أصحاب العقول السليمة الراشدة، وقال: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ

رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾[آل عمران: 190، 191].[ الأنترنت – موقع سعد الخثلان - مراقبة الله عز وجل – خطبة جمعة ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثانية والثلاثون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

* المراقبة شعار المتقين

     إن الله اللطيف الخبير وسع كل شيء علما،لا يخفى عليه شيء في السماوات ولا في الأرض ‘وإذا علم العبد هذه المعاني وجب عليه ان يراقب ربه في كل حركاته وسكناته.والمراقبة هي دوام علم العبد وتيقنه باطِّلاع الحق سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه، وهي ثمرة علم العبد بأن الله رقيب عليه،

ناظرٌ إليه، سامع لقوله، وهو سبحانه مطلع على عمله كل وقت وكل طرفة عين.

قال الله تعالى: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ) [الحديد:4]، وقال تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ) [البقرة:235]، وقال: (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً) [الأحزاب:52].

وفي حديث جبريل عليه السلام أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإحسان فقال: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك".

والمراقبة تعبُّدٌ لله بأسمائه الحسنى:

اعلم أيها القارئ الكريم - وفقنا الله وإياك - أن المراقبة هي التعبد لله بأسمائه: "الرقيب، الحفيظ، السميع، العليم، الخبير، البصير، الشهيد، والمحصي"؛ فمن عقل هذه الأسماء وتعبد بمقتضاها حصلت له المراقبة.

الله هو الرقيب:

الله سبحانه هو الرقيب، يعلم أحوال عباده، ويعد أنفاسهم، حفيظ لا يغفل، وحاضر لا يغيب، قال تعالى في قول عيسى لربه: (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [المائدة:117].

وقد سُئل بعضهم: بم يُستعان على غض البصر؟ فقال: بعلمك أن نظر الله إليك أسبق من نظرك إلى المنظور.

وقال ابن المبارك لرجل: راقب الله تعالى. فسأله عن تفسير ذلك؟ فقال: كُن أبدًا كأنك ترى الله.

فهو سبحانه: رقيب على كل الوجــود مهيمنٌ .. ... على الفلك الدوار نجمًا وكوكبًا

            رقيب على كل النفوس وإنْ تَلُذْ.. ... بصمـت ولـم تجهـر بسـرٍ تغيبًا

            رقيب تعالى مـالك الملك مبصرٌ.. ... به كل شيءٌ ظاهرًا أو محجبًا

والله هو الحفيظ:

قال تعالى: (وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) [سـبأ:21]، فمن علم ذلك حفظ قلبه وجوارحه من معاصيه.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثالثة والثلاثون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

والمراقبة تعبُّدٌ لله بأسمائه الحسنى:

العليم:

فمن علم أنه سبحانه عالم بكل شيء حتى بخطرات الضمائر، ووساوس الخواطر، راقب ربه واستحيا منه، وكف عن معاصيه، قال تعالى: (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) [الملك:13].

الشهيد:

قال تعالى: (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا

كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ

 وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) [يونس:61].

وهكذا بقية أسمائه الحسنى التي ذكرناها، فإن التعبد لله بمقتضاها يورث القلب مراقبة الرب عز وجل.

قال عامر بن قيس: ما نظرتُ إلى شيءٍ إلا رأيتُ الله تعالى أقرب إليه مني.

وقد مرَّ ابن عمر رضي الله عنهما براعٍ فطلب منه شاةً يشتريها فقال: ليس هاهنا ربها. قال ابن عمر: تقول له: أكلها الذئب. قال: فرفع رأسه إلى السماء وقال: فأين الله؟ فقال ابن عمر: أنا والله أحق أن أقول: أين الله؟ واشترى

الراعي والغنم، فأعتقه وأعطاه الغنم.

فحريٌ بالعبد أن يراقب ربه، فهو لا يغيب عن نظره سبحانه طرفة عين: (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا) [المجادلة:7]؟

قال حُميد الطويل لسليمان بن عليّ: عظني. فقال: لئن كنت إذا عصيت الله خاليًا ظننت أنه يراك لقد اجترأت على أمر عظيم، ولئن كنت تظن أنه لا يراك فلقد كفرت.

وقال ابن الجوزي رحمه الله: الحق عز وجل أقرب إلى عبده من حبل الوريد. لكنه عامل العبد معاملة الغائب عنه البعيد منه.

فأمر بقصد نيته، ورفع اليدين إليه، والسؤال له. فقلوب الجهال تستشعر البعد؛ ولذلك تقع منهم المعاصي، إذ لو تحققت مراقبتهم للحاضر الناظر لكفُّوا الأكف عن الخطايا، والمتيقظون علموا قربه فحضرتهم المراقبة، وكفوا عن الانبساط.[الأنترنت – موقع إسلام ويب - المراقبة شعار المتقين]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الرابعة والثلاثون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*شرح باب المراقبة من كتاب رياض الصالحين

باب المراقبة:

قال الله تعالى: ﴿ الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ﴾ [الشعراء: 218، 219]، وقال الله تعالى: ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾ [الحديد: 4]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ﴾ [آل عمران: 5]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾ [الفجر: 14]، وقال تعالى: ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾ [غافر: 19]، والآيات في الباب كثيرة معلومة

المراقبة لها وجهان:

الوجه الأول: أن تراقب الله عز وجل.

والوجه الثاني: أن الله تعالى رقيب عليك؛ كما قال تعالى: ﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا ﴾ [الأحزاب: 52].

أما مراقبتك لله فأن تعلم أن الله تعالى يعلم كل ما تقوم به من أقوال وأفعال واعتقادات؛ كما قال الله تعالى: ﴿ الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ﴾ [الشعراء: 218، 219]؛ يراك حين تقوم؛ أي: في الليل حين يقوم الإنسان في مكان خال لا يطَّلِع عليه أحد، فالله سبحانه وتعالى يراه، حتى ولو كان في أعظم ظلمة وأحلك ظلمة؛ فإن الله تعالى يراه.

وقوله: ﴿ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ﴾؛ أي: وأنت تتقلب في الذين يسجدون في هذه الساعة؛ يعني: تقلبك فيهم؛ أي: معهم، فإن الله سبحانه وتعالى يرى الإنسان حين قيامه وحين سجوده.

وذكر القيام والسجود؛ لأن القيام في الصلاة أشرف من السجود بذكره، والسجود أفضل من القيام بهيئته.

أما كون القيام أفضل من السجود بذكره؛ فلأن الذكر المشروع في القيام هو قراءة القرآن، والقرآن أفضل الكلام.

أما السجود فهو أشرف من القيام بهيئته؛ لأن الإنسان الساجد أقرب ما يكون من ربه عز وجل، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ»[1].

ولهذا أمرنا أن نكثر من الدعاء في السجود، كذلك من مراقبتك لله، أن تعلم أن الله يسمعك، فأي قول تقوله؛ فإن الله تعالى يسمعك؛ كما قال الله: ﴿ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ﴾ [الزخرف: 80]؛ بلي: يعني: نسمع ذلك.

ومع هذا فإن الذي تتكلم به - خيرًا كان أم شرًّا، معلنًا أم مسرًّا - فإنه يُكتب لك أو عليك؛ كما قال الله تبارك وتعالى:﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18].

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الخامسة والثلاثون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*شرح باب المراقبة من كتاب رياض الصالحين

فراقب هذا الأمر، وإياك أن تُخرج من لسانك قولًا تحاسَب عليه يوم القيامة، اجعل دائمًا لسانك يقول الحق أو يصمت؛ كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ».

الثالث: أن تراقب الله في سرك وفي قلبك، انظر ماذا في قلبك من الشرك

بالله والرياء، والانحرافات، والحقد على المؤمنين، وبغضاء، وكراهية، ومحبة للكافرين، وما أشبه ذلك من الأشياء التي لا يرضاها الله عز وجل.

راقب قلبك، تفقده دائمًا؛ فإن الله يقول: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُه ﴾ [ق: 16]، قبل أن ينطق به.

فراقب الله في هذه المواضع الثلاثة: في فعلك، وفي قولك، وفي سريرتك، وفي قلبك، حتى تتم لك المراقبة؛ ولهذا لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإحسان قال: «أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ».

اعبد الله كانك تراه، كأنك تشاهده رأي عين، فإن لم تكن تراه فانزل إلى المرتبة الثانية: «فَإِنَّهُ يَرَاكَ».

فالأول: عبادة رغبة وطمع، أن تعبد الله كأنك تراه، والثاني: عبادة رهبة وخوف؛ ولهذا قال: «فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ».

فلابد أن تراقب ربك، وأن تعلم أن الله رقيب عليك، أي شيء تقوله، أو تفعله، أو تضمره في سرك فالله تعالى عليم به، وقد ذكر المؤلف رحمه الله من الآيات ما يدل على هذا، فبدأ بالآية التي ذكرناها؛ وهي قوله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [الشعراء: 217- 220].

الآية الثانية التي ساقها المؤلف رحمه الله تعالى في باب المراقبة: قوله تعالى: ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾ [الحديد: 4]؛ الضمير (هو) يعود على الله؛ أي: الله سبحانه وتعالى مع عباده أينما كانوا: في بر أو بحر، أو جو، أو في ظلمة، أوفي ضياء، وفي أي حال؛ هو معكم أينما كنتم؛ وهذا يدل على كمال إحاطته عز وجل بنا علمًا وقدرة وسلطانًا وتدبيرًا وغير ذلك. ولا نعني أنه سبحانه وتعالى معنا في نفس المكان الذي نحن فيه؛ لأن الله فوق كل شيء؛ كما قال الله تعالى: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 5]، وقال: ﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ﴾ [الأنعام: 18]، وقال تعالى: ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ﴾ [الملك: 16]، وقال: ﴿ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255]، وقال: ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴾ [الأعلى: 1]، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الدالة على أنه فوق كل شيء، لكنه عز وجل ليس كمثله شيء في جميع نعوته وصفاته، وهو عليٌّ في دنوه، قريب في عُلوِّه جل وعلا؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ [البقرة: 186]، ولكن يجب أن نعلم أنه ليس في الأرض، لأننا لو توهمنا هذا لكان فيه إبطال لعلو الله سبحانه وتعالى. وأيضًا فإن الله سبحانه لا يسعه شيء من مخلوقاته: ﴿ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ﴾ [البقرة: 255].

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

السادسة والثلاثون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*شرح باب المراقبة من كتاب رياض الصالحين

والكرسي محيط بالسماوات والأرض كلها، والكرسي هو موضع قدمي الرحمن

عز وجل، والعرش أعظم وأعظم وأعظم، كما جاء في الحديث: «إِنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرَضِيينَ السَّبْعَ بِالنِّسْبَةِ لِلْكُرْسِيِّ كَحَلَقِةٍ أُلْقِيَتْ فِي فَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ».

حلقة كحلقة المغفر صغيرة في فلاة من الأرض؛ أي: مكان متسع، نسبة هذه

الحلقة إلى الأرض ليست بشيء.

قال: «وَإِنَّ فَضْلَ الْعَرْشِ عَلَى الْكُرْسِيِّ كَفَضْلِ الْفَلَاةِ عَلَى هَذِهِ الْحَلْقَةِ»[2]، فما بالك بالخالق جل وعلا! الخالق سبحانه وتعالى لا يمكن أن يكون في الأرض؛ لأنه سبحانه وتعالى أعظم من أن يحيط به شيء من مخلوقاته،

﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُم ﴾ [الحديد: 4].

واعلم أن المعية التي أضافها الله إلى نفسه تنقسم بحسب السياق والقرائن؛ فتارة يكون مقتضاها الإحاطة بالخلق علمًا وقدرة وسلطانًا

وتدبيرًا وغير ذلك، مثل هذه الآية: ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُم ﴾، ومثل قوله تعالى: ﴿ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ ﴾ [المجادلة: 7].

وتارة يكون المراد بها التهديد والإنذار، كما في قوله تعالى: ﴿ يَسْتَخْفُونَ مِنَ

النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ﴾ [النساء: 108]؛ فإن هذا تهديد وإنذار لهم أن يبينوا ما لا يرضي من القول يكتمونه عن الناس، يظنون أن الله لا يعلم، والله سبحانه عليم بكل شيء.

وتارة يراد بها النصر والتأييد والتثبيت وما أشبه ذلك؛ مثل قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ [النحل: 128]، وكما في قوله تعالى: ﴿ فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد: 35]، والآيات في هذا كثيرة.

وهذا القسم الثالث من أقسام المعية تارة يضاف إلى المخلوق بالوصف، وتارة يضاف إلى المخلوق بالعين.

فقوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ [النحل: 128]، هذا مضاف إلى المخلوق بالوصف، فأيُّ إنسان يكون كذلك فالله معه.

وتارة يكون مضافًا إلى المخلوق بعين الشخص؛ مثل قوله تعالى: ﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ

فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة: 40]؛ فهذا مضاف إلى الشخص بعينه، وهي للرسول عليه الصلاة والسلام وأبي بكر رضي الله عنه وهما في الغار؛ لَمَّا قال أبو بكر للرسول صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، لو نظر أحدهم إلى قدميه لأبصرنا؛ لأن قريشًا كانت تطلب الرسول صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله عنه بكل جد!

ما من جبل إلا صعدت عليه قريش، وما من واد إلا هبطت فيه، وما من فلاة إلا بحثت، وجعلت لمن يأتي بالرسول عليه الصلاة والسلام وأبي بكر مائتي بعير، مائة للرسول، ومائة لأبي بكر، وتعب الناس وهم يطلبونهما، ولكن الله معهما، حتى وقفوا على الغار، يقول أبو بكر: لو نظر أحدهم إلى قدميه لأبصرنا، فيقول له الرسول عليه الصلاة والسلام: «لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا، فَمَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا؟».

والله ظننا لا يغلبهما أحد، ولا يقدر عليهما أحد، وفعلًا هذا الذي حصل؛ ما رأوهما مع عدم المانع، فلم يكن هناك عِشٌّ كما يقولون، ولا حمامة وقعت على الغار، ولا شجرة نبتت على فم الغار، وما كان إلا عناية الله عز وجل؛ لأن الله معهما.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

السابعة والثلاثون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*شرح باب المراقبة من كتاب رياض الصالحين

وكما في قوله سبحانه لموسى وهارون، لما أمر الله موسى وأرسله إلى فرعون هو وهارون: ﴿ قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾ [طه 45، 46].

الله أكبر: ﴿ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾؛ إذا كان الله معهما هل يمكن أن يضرهما

فرعون وجنوده؟ لا يمكن، فهذه معية خاصة مقيدة بالعين: ﴿ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾. المهم أنه يجب علينا أن نؤمن بأن الله سبحانه وتعالى مع الخلق، لكنه فوق عرشه ولا يساميه أحد في صفاته، ولا يدانيه أحد في صفاته، ولا يمكن أن تورد على ذهنك أو على غيرك كيف يكون الله معنا وهو في السماء؟

نقول: الله عز وجل لا يقاس بخلقه، مع أن العلو والمعية لا منافاة بينهما حتى في المخلوق؛ فلو سألنا سائل: أين موضع القمر؟ لقلنا: في السماء، كما قال الله: ﴿ وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا ﴾ [نوح: 16]، وإذا قال: أين موضع النجوم؟ قلنا في السماء، واللغة العربية يقول المتكلمون فيها: ما زلنا نسير والقمر معنا، وما زلنا نسير والنجم معنا! مع ان القمر في السماء والنجم في السماء، لكن هو معنا؛ لأنه ما غاب عنا؛ فالله تعالى وهو على عرشه سبحانه فوق جميع الخلق.

وتقتضي هذه الآية بالنسبة للأمر المسلكي المنهجي بأنك إذا آمنت بأن الله معك، فإنك تتقيه وتراقبه؛ لأنه لا يخفى عليه عز وجل حالك مهما كنت، لو كنت في بيت مظلم ليس فيه أحد ولا حولك أحد فإن الله تعالى معك، لكن ليس في نفس المكان، وإنما محيط بك عز وجل لا يخفى عليه شيء من أمرك؛ فتراقب الله، وتخاف الله، وتقوم بطاعته، وتترك مناهيه. والله الموفق؛ ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ ﴾.

الآية الثالثة التي ساقها المؤلف رحمه الله تعالى في باب المراقبة: قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ﴾ [آل عمران: 5]؛ ﴿ شَيْءٌ ﴾؛ نكرة في سياق النفي في قوله: ﴿ لَا يَخْفَى ﴾؛ فتعم كل شيء، فكل شيء لا يخفى على الله في الأرض ولا في السماء، وقد فصل الله هذا في قوله تبارك وتعالى: ﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [الأنعام: 59].

قال العلماء: إذا كانت الأوراق الساقطة يعلمها؛ فكيف بالأوراق النامية التي

ينبتها ويخلقها؛ فهو بها أعلم عز وجل.

أما قوله: ﴿ وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ ﴾؛ ﴿ حَبَّةٍ ﴾؛ نكرة في سياق النفي المؤكد بمن؛ إذًا يشمل كل ورقة صغيرة كانت أو كبيرة.

ولنفرض أن حبة صغيرة منغمسة في طين البحر، فهي في خمس ظلمات:

الظلمة الأولى: ظلمة الطين المنغمسة فيه.

الثانية: ظلمة الماء في البحر.

الثالثة: ظلمة الليل.

الرابعة: ظلمة السحاب المتراكم.

الخامسة: ظلمة المطر النازل.

خمس ظلمات فوق هذه الحبة الصغيرة؛ والله عز وجل يعلمها.

وقوله: ﴿ وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾؛ مكتوب، مبيَّن، بيِّن، ظاهر، معلوم عند رب العالمين عز وجل.

إذًا من كان هذا سعة علمه فعلى المؤمن أن يراقب الله سبحانه وتعالى، وأن يخشاه في السر كما يخشاه في العلانية؛ لأن خشية الله في السر أقوى في الإخلاص؛ لأنه ليس عندك أحد؛ لأن خشية الله في العلانية ربما يقع في قلبك الرياء ومراءاة الناس.

فاحرص - يا أخي المسلم - على مراقبة الله عز وجل، وأن تقوم بطاعته امتثالًا لأمره، واجتنابًا لنهيه، ونسأل الله العون على ذلك؛ لأن الله إذا لم يُعِنَّا، فإننا مخذولون؛ كما قال تعالى: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]؛ فإذا وفق العبد للهداية والاستعانة في إطار الشريعة فهذا هو الذي أنعم الله عليه؛ ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الفاتحة: 5، 6]، لابد أن تكون العبادة في نفس هذا الصراط المستقيم، وإلا كانت ضررًا على العبد.

فهذه ثلاثة أمور هي منهج الذين أنعم الله عليهم؛ ولهذا قال ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثامنة والثلاثون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*شرح باب المراقبة من كتاب رياض الصالحين

الآية الرابعة التي ذكرها المؤلف رحمه الله تعالى في باب المراقبة: قوله تعالى:

﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾ [الفجر: 14]، وهذه الآية ختم الله بها ما ذكره من عقوبة عاد ﴿ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾ [الفجر: 7- 14]؛ فبيَّن عز وجل أنه بالمرصاد لكل طاغية، وأن كل طاغية فإن الله تعالى يقصم ظهره ويبيده ولا يبقي له باقية.

فعادٌ إرم ذات العماد، ذات البيوت العظيمة المبنية على العُمُد القوية، أعطاهم الله قوة شديدة فاستكبروا في الأرض وقالوا: من أشد منا

قوة؟! فقال الله عز وجل: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّة ﴾ [فصلت: 15]؛ فبيَّن الله عز وجل أنه هو أشد منهم قوة، واستدل لذلك بدليل عقلي، وهو أن الله هو الذي خلقهم؛ ولهذا قال: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ ﴾ [فصلت: 15]؛ ولم يقل: (أو لم يروا أن الله هو أشد منهم قوة)؛ قال ﴿ الَّذِي خَلَقَهُمْ ﴾؛ لأنه من المعلوم بالعقل علمًا ضروريًّا أن الخالق أقوى من المخلوق، فالذي خلقهم هو أشد منهم قوة؛ و﴿ كَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ ﴾ [فصلت: 15]؛ فأصابهم الله سبحانه وتعالى بالقحط الشديد، وأمسكت السماء ماءها، فجعلوا يستقون؛ أي: ينتظرون أن الله يغيثهم، فأرسل الله عليهم الريح العقيم؛ في صباح يوم من الأيام أقبلت ريح عظيمة تحمل من الرمال والأتربة ما صار كأنه سحاب مركوم؛ ﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا ﴾ [الأحقاف: 24]، حكمة من الله عز وجل، لم تأتهم الريح هكذا، وإنما جاءتهم وهم يؤملون أنها غيث ليكون وقعها أشد، شيء أقبل فظنوه ريحًا تسقيهم فإذا هو ريح تدمرهم، فكون العذاب يأتي في حال يتأمل فيها الإنسان كشف الضرر يكون أعظم وأعظم.

مثل ما لو مَنَّيْت شخصًا بدراهم ثم سحبتها منه، صار أشد وأعظم؛ ﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا ﴾ [الاحقاف: 24]؛ لأنهم كانون يتحدون نبيهم؛ يقولون: إن كان عندك عذاب فأت به إن كنت صادقًا، فجاءتهم ﴿ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ ﴾؛ والعياذ بالله هاجت عليهم سبع ليال وثمانية أيام؛ لأنها بدأت من الصباح وانتهت بالغروب، فصارت سبع ليال وثمانية أيام حسومًا متتابعة قاطعة لدابرهم تحسمهم حسمًا، حتى إنها تحمل الواحد منهم إلى عنان السماء، ثم ترمي به، فصاروا كأنهم أعجاز نخل خاوية؛ أي: مثل أصول النخل الخاوية ملتوين على ظهورهم والعياذ بالله كهيئة السجود؛ لأنهم يريدون أن يتخلصوا من هذه الريح بعد أن تحملهم وتضرب بهم الأرض، ولكن لم ينفعهم هذا؛

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

التاسعة والثلاثون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*شرح باب المراقبة من كتاب رياض الصالحين

قال الله تعالى:﴿ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ ﴾ [فصلت: 16] والعياذ بالله.

أما ﴿ وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ ﴾ [الفجر: 9]؛ فهم أيضًا عندهم عُتُوٌّ وطغيان وتحدٍّ لنبيهم؛ حتى قالوا له: ﴿ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا ﴾ [هود: 62]؛ أي: كنا نرجوك ونظنك عاقلًا، أما الآن فأنت سفيه؛ لأنه ما من رسول أُرسل إلا قال له قومه: ساحر أو مجنون؛ كما قال الله: ﴿ كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ﴾ [الذريات: 52].

فأنظرهم ثلاثة أيام؛ ﴿ فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ﴾ [هود: 65]؛ فلما تمت الثلاثة والعياذ بالله ارتجفت بهم الأرض، وصيح بهم؛ فأصبحوا كهشيم المحتظر؛ أي: مثل سعف النخل إذا طالت عليه المدة صار

 كأنه هشيم محترق من الشمس والهواء، صاروا كهشيم المحتظر وماتوا عن آخرهم.

أما فرعون، وما أدراك ما فرعون، فهو ذلك الرجل الجبار المتكبر، الذي طغى وأنكر الله عز وجل، وقال لموسى: ما رب العالمين؟ وقال لقومه: ما لكم من إله غيري، نعوذ بالله، وقال لهامان وزيره: ﴿ ابْنِ لِي صَرْحًا ﴾؛ يعني: بناء عاليًا؛ ﴿ لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى ﴾ يقوله تهكمًا والعياذ بالله، ﴿ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا ﴾ [غافر: 36، 37]؛ وكذب في قوله: وإني لأظنه كاذبًا؛ لأنه يعلم أنه صادق؛ كما قال الله تعالى في مناظرته مع موسى، قال له موسى: ﴿ لَقَدْ عَلِمْتَ ﴾ يا فرعون ﴿ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا ﴾ [الإسراء: 102]، ما أنكر، ما قال: ما علمت؛ بل سكت، والسكوت في مقام التحدي والمناظرة يدل على الانقطاع وعدم الجواب. وقال الله تعالى عنه وعن قومه: ﴿ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ﴾ [النمل: 14]. فهم - والعياذ بالله - فرعون وجنوده يعلمون أن موسى صادق، لكنهم مستكبرون جاحدون. ماذا حصل لهم؟ حصل لهم والعياذ بالله هزائم، أعظمها الهزيمة التي حصلت  للسحرة

جمع جميع السحرة في بلاده باتفاق مع موسى عليه الصلاة والسلام وموسى هو

الذي عيَّن الموعد أمام فرعون، مع أن موسى أمام فرعون يُعتبر ضعيفًا؛ لولا أن الله نصره وأيده.

قال لهم موسى: ﴿ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى ﴾ [طه: 59]؛ يوم الزينة يوم العيد؛ لأن الناس يتزينون فيه ويلبسون الزينة؛ وقوله: ﴿ وَأَنْ يُحْشَرَ ﴾؛ يُجمع ﴿ النَّاسُ ضُحًى ﴾؛ لا في الليل في الخفاء؛ فجمع فرعون جميع من عنده من عظماء السحرة وكبرائهم، واجتمعوا بموسى عليه الصلاة والسلام وألقوا حبالهم وعصيهم - الحبال معروفة، والعصا معروفة - ألقوها في الأرض فصارت الأرض كلها ثعابين - حيَّات - تمشي، أرهبت الناس كلهم، حتى موسى أوجف في نفسه خيفة، فأيَّده الله وقال له: ﴿ لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ ﴾ [طه: 68، 69].

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الأربعون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*شرح باب المراقبة من كتاب رياض الصالحين

فالقى ما في يمينه وهي العصا، عصا واحدة فقط؛ فإذا هي تلقف ما يأفكون،

 كل الحبال والعصي أكلتها هذه العصا، سبحان الله العظيم، وأنت تعجب: أين ذهبت العصا؟ ليست كبيرة حتى تأكل كل هذا، لكن الله عز وجل على كل شيء قدير، فالتهمت الحبال والعصي، وكان السحرة أعلم الناس بالسحر بلا شك، فعرفوا أن الذي حصل لموسى وعصاه ليس بسحر، وأنه آية من آيات الله عز وجل، فألقي السحرة ساجدين.

وانظر إلى كلمة (ألقي) كأن هذه السجود جاء اندفاعًا بلا شعور، ما قال: سجدوا! ألقوا ساجدين، كأنهم من شدة ما رأوا اندفعوا بدون شعور ولا اختيار؛ حتى سجدوا مؤمنين بالله ورسوله.

﴿ قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ﴾؛ فتوعدهم فرعون واتهمهم، وهو الذي جاء بهم، فقال: ﴿ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ ﴾ [طه: 71]؛ سبحان الله! علمهم السحر! وأنت الذي أتيت بهم؟! سبحان الله! لكن المكابرة تجعل المرء يتكلم بلا عقل.

قال: ﴿ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ﴾؛ أقطع اليد اليمنى والرجل اليسري، ﴿ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى ﴾ [طه: 71]، ما الذي قالوا له؟ ﴿ قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ ﴾؛ ما يمكن أن نُقدِّمك على ما رأينا من البينات! أنت كذاب لست برب، الرب رب موسى وهارون؛ ﴿ قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ ﴾ [طه: 72]؛ انظر إلى الإيمان إذا دخل القلوب! رخصت عليهم الدنيا كلها؛ ﴿ فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ ﴾؛ أي: افعل ما تريد؛ ﴿ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾؛ إذا قضيت علينا أن نفارق الدنيا، ﴿ إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ ﴾؛ لأنه قد أكرهمم لكي يأتوا ويقابلوا موسى، ﴿ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [طه: 73]؛ فالإيمان إذا دخل القلب، واليقين إذا دخل القلب لا يفتته شيء، وإلا فإن السحرة جنود فرعون، كانوا في أول النهار سحرة كفرة، وفي آخر النهار مؤمنين برره، يتحدون فرعون؛ لِمَا دخل في قلبهم من الإيمان، فهذه هزيمة نكراء لفرعون، لكن مع ذلك ما زال في طغيانه.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الواحدة والأربعون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*شرح باب المراقبة من كتاب رياض الصالحين

وفي النهاية جمع الناس على أنه سيقضي على موسى، فحرج موسى في قومه

 هربًا منه، متجهًا بأمر الله إلى البحر الأحمر؛ ويسمى «بحر القلزم»؛ متجهًا إليه مشرقًا، فتكون مصر خلفه غربًا، فلما وصل إلى البحر وإذا فرعون بجنوده العظيمة وجحافله القوية خلفهم والبحر أمامهم، ﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾؛ البحر أمامنا وفرعون وجنوده خلفنا، أين نفر؟ ﴿ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الشعراء: 62]، اللهم صل وسلم عليه، هكذا يقين الرسل عليهم الصلاة والسلام في المقامات الحرجة الصعبة، تجد عندهم من اليقين ما يجعل الأمر العسير - بل الذي يظن أنه متعذر - أمرًا يسيرًا سهلًا، ﴿ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾؛ فلما فوَّض الأمر إلى الله سبحانه وتعالى أوحى الله إليه: أن اضرب بعصاك البحر الأحمر، فضرب البحر بعصاة ضربة واحدة فانفلق البحر اثني عشر طريقًا؛ لأن بني إسرائيل كانوا اثنتي عشرة قبيلة، اثني عشر سبطًا، والسبط بمعني القبيلة عند العرب.

فضربه، وبلحظة يبس؛ ﴿ فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى ﴾ [طه: 77]؛ فعبَر موسى بقومه في أمن وأمان؛ الماء بين هذه الطرق مثل الجبال؛ كأنه جبل واقف، الماء جوهر سيال، لكنه بأمر الله صار واقفًا كالجبال.

حتى إن بعض العلماء قال: إن الله سبحانه وتعالى جعل في كل طود من هذه

المياه، جعل فيها فرجًا حتى ينظر بنو إسرائيل بعضهم إلى بعض؛ لئلا يظنوا أن أصحابهم قد غرقوا وهلكوا، من أجل أن يطمئنوا.

فلما انتهى موسى وقومه خارجين، دخل فرعون وقومه، فلما تكاملوا أمر الله البحر أن يعود على حاله فانطبق عليهم، وكان بنو إسرائيل من شدة خوفهم من فرعون وقع في نفوسهم أن فرعون لم يغرق، فأظهر الله جسد فرعون على سطح الماء، قال: ﴿ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ﴾ [يونس: 92]؛ حتى يشاهدوه بأعينهم، واطمانوا أن الرجل قد هلك.

فتأمل هؤلاء الأمم الثلاث الذين هم في غاية الطغيان، كيف أخذهم الله عز وجل وكان لهم بالمرصاد، وكيف أُهلكوا بمثل ما يفتخرون به.

فقوم عاد قالوا: ﴿ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ﴾؛ فأُهلكوا بالريح، وهي أصلًا لطيفة وسهلة. وقوم صالح: أُهلكوا بالرجفة والصيحة.

وفرعون أُهلك بالماء والغرق، وكان يفتخر بالماء، يقول لقومه: ﴿ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ * فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ

الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ ﴾ [الزخرف: 51- 53]؛ فأغرقه الله تعالى بالماء.

فهذه جملة ما تشير إليه هذه الآية الكريمة:﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾ الفجر: 14

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثانية والأربعون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*شرح باب المراقبة من كتاب رياض الصالحين

الآية الخامسة: قوله عز وجل: ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾

 [غافر: 19]؛ يعلم؛ يعني: الله عز وجل ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ ﴾؛ وخائنة الأعين: خيانتها؛ فالخائنة هنا مصدر كالعاقبة والعافية وما أشبهها.

ويجوز أن تكون اسم فاعل على أنها من خان يخون؛ فيكون من باب إضافة الصفة إلى موصوفها.

على كل حال هذه مسألة نحوية ما تهم هنا، المهم أن للأعين خيانة، وذلك أن الإنسان ينظر إلى الشيء ولا تظن أنه ينظر إليه نظرًا محرمًا، ولكن الله عز وجل يعلم أنه ينظر نظرًا محرمًا.

كذلك ينظر إلى الشخص نظر كراهية، والشخص المنظور لا يدري أن هذا نظر كراهية، ولكن الله تعالى يعلم أنه ينظر نظر كراهية، كذلك ينظر الشخص إلى شيء محرم ولا يدري الإنسان الذي يرى هذا الناظر أنه ينظر إلى الشيء نظر إنكار أو نظر رضا، ولكن الله سبحانه هو يعلم ذلك، فهو سبحانه وتعالى يعلم خائنة الأعين، ويعلم أيضًا ما تخفي الصدور؛ أي: القلوب؛ لأن القلوب في الصدور، والقلوب هي التي يكون بها الفهم، ويكون بها التدبير، كما قال الله: ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي

الصُّدُورِ ﴾ [الحج: 46].

سبحان الله! كأن هذه الآية تنزل على حال الناس اليوم، بل حال الناس في القديم؛ يعني: هل العقل في الدماغ أو العقل في القلب؟

هذه مسألة أشكلت على كثير من النظار الذين ينظرون إلى الأمور نظرة مادية لا يرجعون فيها إلى قول الله تعالى وقول رسوله صلى الله عليه وسلم.

وإلا فالحقيقة أن الأمر فيها واضح أن العقل في القلب، وأن القلب في الصدر؛ ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا ﴾، وقال ﴿ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [الحج: 46]؛ ولم يقل: (القلوب التي في الأدمغة)؛ قال: ﴿ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾؛ فالأمر فيه واضح جدًّا أن العقل يكون في القلب، ويؤيد هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ».فما بالك بأمر شهد به كتاب الله، والله تعالى هو الخالق العالم بكل شيء، وشهدت به سنة الرسول صلي الله عليه وسلم!

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثالثة والأربعون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*شرح باب المراقبة من كتاب رياض الصالحين

إن الواجب علينا إزاء ذلك أن نطرح كل قول يخالف كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأن نجعله تحت أقدامنا، وأن لا نرفع به رأسًا.

إذًا القلب هو محل العقل ولاشك، ولكن الدماغ محل التصور، ثم إذا تصورها وجهزها بعث بها إلى القلب، ثم القلب يأمر أو ينهى؛ فكأن الدماغ (سكرتير) يُجهِّز الأشياء ثم يدفعها إلى القلب، ثم القلب يوجِّه، يأمر أو ينهى، وهذا ليس بغريب؛ ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الذريات: 21]، وفي هذا الجسم أشياء غريبة تحار فيها العقول، فليس بغريب أن الله سبحانه وتعالى يجعل التصور في الرأس، فيتصور الدماغ وينظم الأشياء، حتى إذا لم يبق إلا الأوامر أرسلها إلى القلب، ثم القلب يحرك، يأمر أو ينهى.

لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ»؛ فلولا أن الأمر للقلب ما كان إذا صلح صلح الجسد، وإذا فسدت فسد الجسد كله.

إذًا، فالقلوب هي محل العقل والتدبير للشخص، ولكن لا شك أن لها اتصالًا بالدماغ؛ ولهذا إذا اختل الدماغ فسد التفكير وفسد

العقل! فهذا مرتبط بهذا، لكن العقل المدبر في القلب، والقلب في الصدر    ﴿ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [الحج: 46].

[ الأنترنت – موقع الألوكة  - شرح باب المراقبة من كتاب رياض الصالحين - الشيخ محمد بن صالح العثيمين ]

*فوائد مراقبة الله تعالى:

نستطيع أن نوجز فوائد استحضار مراقبة الله للمسلم في الأمور التالية:

(1) الْمُرَاقَبَةُ تجعلُ المسلمَ يَصِلُ إلى درجة الإحسان الذي يُعتبرُ علامة كمال الإيمان.

(2) الْمُرَاقَبَةُ تضمنُ للمسلم رضا الله تعالى عنه في الدنيا، ودخول الجنَّة يوم القيامة.

(3) المراقبة تساعد على غض البصر: سُئِلَ الْجُنَيْدُ (رَحِمَهُ اللهُ) بِمَ يُسْتَعَانُ عَلَى غَضِّ الْبَصَرِ؟ قَالَ بِعِلْمِكَ أَنَّ نَظَرَ اللَّهِ إِلَيْكَ أَسْبَقُ مِنْ نَظَرِكَ إِلَى مَا تَنْظُرُهُ؛ ( جامع العلوم والحكم - لابن رجب الحنبلي - صـ 162).

(4) المراقبة سبب الفوز بظل عرش الله يوم القيامة: روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ، ( فَذَكَرَ مِنْهُم ) وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ؛ ( البخاري - حديث: 1423 / مسلم - حديث: 1031 ).

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الرابعة والأربعون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*فوائد مراقبة الله تعالى:

(5) المراقبة تذكِّر المسلم بالموت: استحضار المسلم لمراقبة الله تعالى له في

جميع أقواله وأفعاله، يجعل المسلم يتذكر الموت وشدته، فيُقبل على طاعة الله ويتجنب معصيته، فقد قال سُبحانه: ﴿ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴾ [ق: 19]، قال الإمامُ ابنُ كثير (رَحِمَهُ اللهُ): يَقُولُ تَعَالَى: وَجَاءَتْ - أَيُّهَا الْإِنْسَانُ - سَكْرَةُ (شِدَّةُ) الْمَوْتِ بِالْحَقِّ؛ أَيْ: كَشَفَتْ لَكَ عَنِ الْيَقِينِ الَّذِي كُنْتَ تَمْتَرِي فِيهِ، (ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ)؛ أَيْ: هَذَا هُوَ الَّذِي كُنْتَ تَفِرُّ مِنْهُ قَدْ جَاءَكَ، فَلَا مَحِيدَ وَلَا مَنَاصَ، وَلَا فِكَاكَ وَلَا خَلَاصَ؛ (تفسير ابن كثير - جـ7 - صـ399).

وقال جَلَّ شأنه: ﴿ فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ

أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الواقعة: 83 - 85]، قال الإمامُ ابنُ كثير (رَحِمَهُ اللهُ) قوله تعالى: (وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ)؛ أَيْ: إِلَى الْمُحْتَضَرِ وَمَا يُكابده مِنْ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ؛ ( تفسير ابن كثير - جـ7 - صـ548 ).

وقال سُبحانه: ﴿ كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ ﴾ [القيامة: 26 - 30]، قال الإمامُ ابنُ كثير (رَحِمَهُ اللهُ) قوله تعالى: (كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ)؛ أَيِ: انْتُزِعَتْ رُوحُكَ مِنْ جَسَدِكَ وَبَلَغْتَ تَرَاقِيَكَ، وَالتَّرَاقِي: جَمْعُ تَرْقُوَةٍ، وَهِيَ الْعِظَامُ الَّتِي بَيْنَ ثَغْرَةِ النَّحْرِ وَالْعَاتِقِ؛ (تفسير ابن كثير جـ8صـ281).

(6) المراقبة تجعل المسلم يتصف بالورَع.

(7) المراقبة تجعل المسلم أمينًا: نهى أميرُ المؤمنين عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ عن مذقِ (خَلْط) اللَّبن بِالْمَاءِ، فخرج ذَات لَيْلَة فِي حَوَاشِي الْمَدِينَة، فَإِذا بامرأة تَقول لابنة لَهَا: أَلا تمذقين (تخلطين) اللَّبن، فَقَالَت الْجَارِيَة: كَيفَ أمذق وَقد نهى أَمِير الْمُؤمنِينَ عَن المذق، فَقَالَت الأم: قد مذق النَّاس فامذقي، فَمَا يدْرِي أَمِير الْمُؤمنِينَ، فَقَالَت الفتاة: إِن كَانَ عمر لَا يعلم فإله عمر يعلم، مَا كنت لأفعله وَقد نهى عَنهُ، فَوَقَعت مقالتها من عمر، فَلَمَّا أصبح دَعَا عَاصِمًا ابْنه، فَقَالَ: يَا بني اذْهَبْ إِلَى مَوضِع كَذَا وَكَذَا، فاسأل عَن الْجَارِيَة ووصفها لَهُ، فَذهب عَاصِم فَإِذا هِيَ جَارِيَة من بني هِلَال، فَقَالَ: لَهُ عمر: اذْهَبْ يَا بني فَتَزَوجهَا فَمَا أحراها أَن تَأتي بِفَارِس يسود الْعَرَب، فَتَزَوجهَا عَاصِم بن عمر، فَولدت لَهُ أم عَاصِم بنت عَاصِم بن عمر بن الْخطاب، فَتَزَوجهَا عبدالْعَزِيز بن مَرْوَان بن الحكم، فرزَقه الله تعالى منها عمر بن عبدالعزيز الخليفة العادل؛ ( سيرة عمر بن عبدالعزيز - لابن عبدالحكم - صـ19: صـ20 ).

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الخامسة والأربعون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*فوائد مراقبة الله تعالى:

(8) المراقبة تجعل المسلم متسامحًا مع الناس: كان أبو حنيفة (رَحِمَهُ اللهُ) يبيع الخز (الحرير)، فجاءه رجلٌ فقال: يا أبا حنيفة، قد احتجت إلى ثوب خز، فقال: ما لونه؟ فقال: كذا وكذا، فقال له: اصبر حتى يقع وآخذه لك إن شاء الله، فما دارت الجمعة حتى وقع فمر به الرجل، فقال له أبو حنيفة: قد وقعت حاجتك، فأخرَج إليه الثوب فأعجبه، فقال: يا أبا حنيفة، كم أزِن للغلام؟ قال: درهمًا، قال: يا أبا حنيفة، ما كنت أظنُّك تهزأ، قال: ما هزأت، إني اشتريت ثوبين بعشرين دينارًا ودرهم، وإني بعت أحدهما بعشرين دينارًا، وبقِي هذا بدرهم، وما كنت لأربح على صديق؛ (تاريخ بغداد - للخطيب البغدادي - جـ13 - صـ362).

أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالى بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلاَ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْعَمَلَ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وأن يجعله ذُخْرًا لي عنده يوم القيامة: ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89]، كما أسأله سُبحانه أن ينفعَ به طلابَ العِلْمِ الكرامِ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ، وَأَصْحَابِهِ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ.[ الأنترنت – موقع شبكة الألوكة  - فوائد مراقبة الله تعالى - الشيخ صلاح نجيب الدق]

* العبادة المفقودة مراقبة الله عز وجل

     للدين ثلاثة مراتب ، جاء ذكرها في الحديث المتفق على صحته من حديث عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ : بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ ، لاَ يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلاَ يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ ، وَقَالَ يَا مُحَمَّدُ : أَخْبِرْنِى عَنِ الإِسْلاَمِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " الإِسْلاَمُ : أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ ، وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ ، وَتُؤْتِىَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً " ، قَالَ : صَدَقْتَ ، قَالَ : فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ ، قَالَ : فَأَخْبِرْنِى عَنِ الإِيمَانِ ؟ قَالَ : " أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ " ، قَالَ : صَدَقْتَ ، قَالَ : فَأَخْبِرْنِى عَنِ الإِحْسَانِ ؟ قَالَ : أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ . . . . . الحديث وفي آخره قَالَ : " فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ

يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ " [ متفق عليه ] . من هذا الحديث نعلم أن مراتب الدين كما وردت : الإيمان ، والإسلام ، والإحسان . وسوف نتحدث في هذه العجالة عن مرتبة المراقبة والخشية وهي الإحسان . فالإحسان معناه مراقبة الله تعالى في السر والعلن ، مراقبة من يحبه ويخشاه ، ويرجو ثوابه ويخاف عقابه ، بالمحافظة على الفرائض والنوافل ، واجتناب المحرمات والمكروهات . والمحسنون : هم السابقون بالخيرات المتنافسون في فضائل الأعمال .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

السادسة والأربعون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

* العبادة المفقودة مراقبة الله عز وجل

أما أدلته فهي كثيرة :

من الكتاب قوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ } [ النحل : 128 ] .

ومن السنة ما جاء في حديث جبريل عليه السلام أنه سأل النبي صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلِّم فقال : أخبرني عن الإحسان . فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم : " أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " .

    ومقام المراقبة ركن واحد ، وهو أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، أن تكون عابداً لله على النحو الذي أمر اللهُ جل وعلا به وأمر به رسولُه ، فلتعلم أن الله جل وعلا مطلع عليك ، عالم بحالك ، يرى ويبصر ما تعمل وتقول ، يعلم ظاهر عملك وخفيه ، يعلم خلجات صدرك ، ويعلم تحركات أركانك وجوارحك . أما والله لو راقبنا الله حق المراقبة لصلح الحال، واستقامة الأمور .

خطورة معصية الخلوة :

لابد لكل إنسان أن يخلو بنفسه أحياناً ، لأي غرض من الأغراض ، من الناس من يخلوا بنفسه لمعاتبتها ومحاسبتها ، ومنهم من يخلو

لمعصية الله لأن الناس لا يرونه ، ومن من يبتعد عن الناس قليلاً يقرأ ويكتب ويسمع ما ينفعه ويزيده قرباً من ربه تبارك وتعالى وهكذا الناس في خلواتهم تختلف مشاربهم وأغراضهم .

وهذا حديث عظيم الخطورة لمن انتهك حرمات الله في الخلوات ، لا يراقب

الله تعالى ، ولكن يراقب البشر الذين لا ينفعونه ولا يضرونه شيئاً ، ونسي أن الله معه يسمع ويرى :

عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : " لأَعْلَمَنَّ أَقْوَاماً مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضاً ، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُوراً " ، قَالَ ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا ، جَلِّهِمْ لَنَا ، أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ ، قَالَ : " أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ ، وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا "

[ رواه ابن ماجة وصحح إسناده البوصيري ، وصححه الألباني في الصحيحة 2/18 ] .

اللهم لا تجعلنا منهم ، اللهم لا تجعلنا منهم ، اللهم لا تجعلنا منهم ، يا حي يا قيوم ، يا ذا الجلال والإكرام .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

السابعة والأربعون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*خطورة معصية الخلوة :

وعلى النقيض من أولئك الذين يعصون الله في الخلوة هذه نتيجة من يخاف الله في الخلوة ودعته نفسه والشيطان للمعصية ، ولكن تنهاه مراقبته لله أن يعصيه طرفة عين فكانت النتيجة الظل الظليل يوم القيامة ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ : إِمَامٌ عَادِلٌ ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ فِي خَلاءٍ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ، وَرَجُلٌ كَانَ قَلْبُهُ مُعَلَّقًا فِي الْمَسْجِدِ ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ إِلَى نَفْسِهَا ، فَقَالَ : إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَمْ تَعْلَمْ

شِمَالُهُ مَا صَنَعَتْ يَمِينُهُ [ متفق عليه ]

ألا فاعلم أيها المسلم أنك إذا خلوت ساعة أو لحظة أن الله معك ، فلا تجعله سبحانه أهون الناظرين إليك ، فإن فعلت فقد ارتكبت أمراً عظيماً ، وخطراً جسيماً ، وجرماً كبيراً .

وإذا ظننت أن الله لا يراك فذلك هو الكفر والعياذ بالله ، لأنك عطلت صفات عظيمة من صفات الله تعالى ، جاء ذكرها في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأجمع عليها العلماء قاطبة ، وهي أن الله سبحانه سميع بصير .

* سميع : أي أن الله عز وجل متصف بالسمع ، فهو سبحانه يسمع جميع الأصوات ، على تفنن الحاجات واختلاف اللغات ، فلو أن الناس كلهم من أولهم إلى آخرهم قاموا في صعيد واحد ، كلهم من زمن آدم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، وسألوا الله وتكلموا جميعاً في لحظة واحدة ، لسمعهم جميعاً دون أن يختلط عليه صوت بصوت ، أو لغة بلغة ، أو حاجة بحاجة ، فيسمع سبحانه الجميع ، مع أن لغاتهم مختلفة ، وحاجاتهم متباينة ، وأصواتهم متغايرة ، بينما الإنسان لو تكلم عنده اثنان ، وبلغة واحدة ، لاختلط عليه كلامهما ، ولاحتاج أن يُسكِت أحدهما ليسمع كلام الآخر ، كما قال تعالى :

{ مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ }[ 2 ] .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثامنة والأربعون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

والله جل وعلا بصير :

 أي متصف بالبصر ، يرى سبحانه كل شيء من فوق سبع سماوات ، يرى دبيب النملة السوداء ، على الصخرة الصماء ، في الليلة الظلماء .

لو كان ليل دامس ، ونملة سوداء ، على صخرة سوداء ، ودنوت منها واقتربت وحلَّقت بعينيك فإنك لا تراها ، لكنَّ الله عز وجل يراها من فوق سبع سماوات ، بل يرى جريان الدم في عروقها ، ويرى سبحانه كلَّ جزء من أجزائها ، فهو سميع بصير ، يسمع كلَّ الأصوات ، ويرى جميع المخلوقات .

ولأن المسلم يؤمن بهذه الصفة وغيرها من صفات الله تعالى ، فإن ذلك ولا ريب سيؤثر على سلوكه وعمله ، رأى أحد السلف رجلاً وامرأة في ريبة ، فاكتفى بقوله لهما : إنَّ الله يراكما ، سترنا الله وإياكم ، ذكَّرهما بهذه العقيدة التي تؤثر عليهما غاية التأثير في استقامة العمل إن كان لهما قلب .

فتذكر يا عبد الله . . تذكري يا أمة الله . . أن الله سميع بصير ، فاحذر أن تغفل عن ذلك ، فتختفي منهم وتستتر عنهم لترتكب معصية ، وتنسى أن الله سبحانه وتعالى يسمعك ويراك ، قال تعالى : { يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً } [ النساء108 ] .

فينبغي أن نعلم يقينًا أن هذا الباب مفتوح إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ويجب أن تعلم أن ما يسترك من الله ظلام ولا سحاب

ولا سقف ولا غطاء، أنت مكشوف لله عز وجل على الدوام، ألا تستحي من الله! لو كان أحدنا مع رجل صالح هل سيسمعه الكلام المحرم؟ ستقولون: لا, بل يترك الكلام المحرم من أجل هذا الرجل الصالح، وهل سيعمل السيئة مع الرجل الصالح؟ لا، لا يعلمها من أجل الرجل الصالح.

عن سعيد بن يزيد الأزدي أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، قال: " أوصيك أن تستحيي من الله عز وجل كما تستحيي من الرجل الصالح من قومك " [ رواه أحمد وغيره ، وصححه الألباني ، انظر حديث رقم : 2541 في صحيح الجامع ] ،

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

التاسعة والأربعون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*الحياء من الله  :

 " فالاِسْتِحْيَاءَ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ : أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى ، وَتَحْفَظَ الْبَطْنَ وَمَا حَوَى ، وَتَتَذَكَّرَ الْمَوْتَ وَالْبِلَى " .

لو أن الناس راقبوا ربهم في منازلهم هل ستبقى الأجهزة المحرمة في البيوت؟ الجواب: لا. لو أن الناس راقبوا ربهم هل يأخذ إنسان مال إنسان آخر؟ الجواب: لا. لو أن الناس راقبوا ربهم هل يوجد في المحاكم معاملات من ظالم على مظلوم؟ الجواب: لا ، لكن ضعفت مراقبتنا لله في كثير من أمور حياتنا فعصين ربنا في الخلوات ، فرحماك يارب البريات .

أيها المسلم . . أيتها المسلمة . . نحن مأمورون بمراقبة الله تعالى على كل حال ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ

صلى الله عليه وسلم : " اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ " [ رواه الترمذي وقَالَ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ] .

إن الله يسمعك ويراك :

تأهب أيها العبد للقاء الله تعالى بمراقبته في كل شؤون حياتك ، واحذر من الرياء فهو نقيض المراقبة ، احذر الإنترنت والفضائيات والجوال في الخلوات فإنها بئس الجليس ، ما لم تتق الله في نفسك ، وتراقبه في تصرفك ، واقرأ إن شئت :

قوله تعالى : { وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ }

 [ يونس61 ] . ويقول سبحانه وتعالى : { يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً } [ النساء108 ] .

ث وللمراقبة ثمار : أيها المؤمن، إن عينَ اللهِ تلاحقُك أينما ذهبت، وفي أي مكان حللت، في ظلامِ الليل، وراء الجدران، وراء الحيطان، في الخلوات في الفلوات، ولو كنتَ في داخلِ صخورٍ صم، هل علمتَ ذلك واستشعرتَه ؟ فاتقيتَ اللهَ ظاهراً وباطنا ؟ فكانَ باطنُك خيرُ من ظاهرِك

إذا ما خلوت الدهرَ يوما فلا تقل……خلوتُ ولكن قل علي رقيبُ

ولا تحسبنَ اللهَ يغفلُ ساعةً………..ولا أن ما تخفيه عنه يغيبُ

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الخمسون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

للمراقبة ثمار عظيمة منها :

1- أن المراقبة من أسباب دخول الجنة :

2- أن بها يكسب العبد رضا الله سبحانه وتعالى عنه :

3- أنها من أعظم البواعث على المسارعة إلى الطاعات :

4- أن بها يحصل العبد على معيّة الله وتأييده :

ه- أنها تعين على ترك المعاصي والمنكرات:

6- أنها من أفضل الطاعات وأغلاها :

7- أنها من خصال الإيمان وثمراته :

8- أن بها يسعد العبد وتصلح أحواله في الدارين.

اللهم ارزقنا خشيتك في الغيب والشهادة ، اللهم اجعلنا نخشاك كأننا نراك ، اللهم مُنَّ علينا بمراقبتك في السر والعلانية ، يارب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد . الأنترنت – موقع صيد الفوائد - العبادة المفقودة مراقبة الله عز وجل - يحيى بن موسى الزهراني

*عدد الملائكة مع كل شخص

الملائكة الكرام يصحبون بني آدم من يوم تكوينهم في بطون أمهاتهم حتى نزع

أرواحهم من أجسادهم يوم موتهم ، وهم أيضاً يصحبونهم في قبورهم وفي الآخرة

ـ أما صحبتهم له في الدنيا فتكون كما يلي :

أولا : يقومون عليه عند خلقه .

عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : وكَّل الله بالرحم ملَكاً ، فيقول : أي رب نطفة ؟ أي رب علقة ؟ أي رب مضغة ؟ فإذا أراد الله أن يقضي خلقها قال : أي رب ذكر أم أنثى ؟ أشقي أم سعيد ؟ فما الرزق ؟ فما الأجل ؟ فيكتب كذلك في بطن أمه . رواه البخاري ( 6595 )  ومسلم ( 2646 ) واللفظ للبخاري .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الواحدة والخمسون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

ثانيا : الملائكة يحرسون ابن آدم .

قال تعالى :  سوآءٌ منكم مَن أسرَّ القول ومَن جهر به ومَن هو مستخف بالليل

وسارب بالنهار . له معقِّبات مِن بين يديه ومِن خلفه يحفظونه من أمر الله  [ الرعد/10-11] .

وقد بين ترجمان القرآن ابن عباس أن المعقبات مِن الله هم الملائكة جعلهم الله ليحفظوا الإنسان من أمامه ومن ورائه ، فإذا جاء قدر الله - الذي قدّر عليه أن يقع به من حادث ومصاب ونحوه - تخلوا عنه .

وقال مجاهد : ما من عبد إلا له ملَك موكل بحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام ، فما منها شيء يأتيه إلا قال له الملك : وراءك ، إلا شيء أذن الله فيه فيصيبه .

وقال رجل لعلي بن أبي طالب : إن نفرا من مراد يريدون قتلك ، فقال -  أي

 : علي - : إن مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يُقدَّر ، فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه ، إن الأجل جُنَّة حصينة .

والمعقبات المذكورة في آية الرعد هي المرادة بالآية الأخرى :  وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون  .

فالحفظة الذي يرسلهم الله يحفظون العبد حتى يأتي أجله المقدر له .

ثالثا : الملائكة الذين يكتبون الحسنات والسيئات .

ما من أحد من الناس إلا وله ملكان يكتبان أعماله من الخير والشر من صغير

أو كبير ، قال تعالى :  وإن عليكم لحافظين ، كراماً كاتبين ، يعلمون ما تفعلون  [ الانفطار/10 -12] .

وقال تعالى :  ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ، إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ، ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد  [ق/16-18]

*ويكتب صاحب اليمين الحسنات وصاحب الشمال يكتب السيئات .

عن أبي أمامة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن صاحب الشمال ليرفع القلم ست

ساعات عن العبد المسلم المخطئ ، فإن ندم واستغفر الله منها ألقاها ، وإلا كتبت واحدة .رواه الطبراني في " المعجم الكبير " ( 8 / 158 ) .والحديث : صححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " ( 2 / 212 ) . وإذا علمنا هذا تبين أن عدد الذين يصحبون ابن آدم بعد ولادته : أربعة ملائكة .

قال ابن كثير رحمه الله :وقوله :  له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله  أي : للعبد ملائكة يتعاقبون عليه حرس بالليل وحرس بالنهار ، يحفظونه من الأسواء والحادثات ، كما يتعاقب ملائكة آخرون لحفظ الأعمال من خير أو شر ملائكة بالليل وملائكة بالنهار .

فاثنان عن اليمين والشمال يكتبان الأعمال صاحب اليمين يكتب الحسنات وصاحب الشمال يكتب السيئات .

وملكان آخران يحفظانه ويحرسانه ، واحد من ورائه وآخر من قدامه .

فهو بين أربعة أملاك بالنهار وأربعة آخرين بالليل . " تفسير ابن كثير " ( 2 / 504 ) .الأنترنت – موقع الإسلام سؤال وجواب – عدد الملائكة مع كل شخص-  المنجد

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثانية والخمسون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*هل تفارق الملائكة الكاتبين العبد في أي حال ؟

اتفق العلماء على أن أعمال العباد محصاةٌ عليهم ، سواء عملوها في الأماكن الكريمة ، أم في الأماكن المهينة كالخلاء ، وسواء عملوها في أحوال الطاعات أم في أحوال المعاصي والآثام ، فكل ما عمله العبد في حياته ، سوف يلقاه يوم القيامة مثبتا في كتاب أعماله ، من صغير أو كبير ، من جليل أو حقير . قال الله تعالى : ( وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ) الكهف /49 .   

  ثانيا : اختلف العلماء فيما إذا كانت الملائكة الموكلة بتسجيل الأعمال قد تفارق العبد في بعض الأماكن والأحوال ، أم لا ، وذلك على ثلاثة أقوال :

القول الأول : أن الملائكة الموكلة بكتابة الأعمال لا تفارق العبد في أي حال من الأحوال

يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :" هذان الاثنان – يعني الملكين - هل هما

دائماً مع الإنسان ؟ نعم لقوله : ( إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) ق/18 وقيل : إنهما يفارقانه إذا دخل الخلاء ، وإذا كان عند الجماع ، فإن صح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعلى العين والرأس ، وإن لم يصح فالأصل العموم ( إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) ق/18 " انتهى." شرح العقيدة السفارينية " (3) .

القول الثاني : أن الملائكة تفارق العبد في مواضع : في الخلاء ، وعند الجماع ، وأضاف بعضهم عند الاغتسال .

يقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله :" الحفظة لا يفارقوننا ، إلا عند الخلاء والجماع

والغسل ، كما في حديث الفتاوى الحديثية " (ص/47

ويقول السفاريني رحمه الله :

" لا يفارقان العبد بحال ، وقيل : بل عند الخلاء ، وقال الحسن : إن الملائكة يجتنبون الإنسان على حالين : عند غائطه ، وعند جماعه ، ومفارقتهما للمكلف حينئذ لا تمنع من كتبهما ما يصدر منه في تلك الحال ، كالاعتقاد القلبي ، يجعل الله لهما أمارة على ذلك " انتهى." لوامع الأنوار البهية " (1/448)

واستدلوا على ذلك بأدلة عدة :

الدليل الأول : عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِيَّاكُمْ وَالتَّعَرِّيَ ، فَإِنَّ مَعَكُمْ مَنْ لَا يُفَارِقُكُمْ إِلَّا عِنْدَ الْغَائِطِ ، وَحِينَ يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى أَهْلِهِ ، فَاسْتَحْيُوهُمْ وَأَكْرِمُوهُمْ )رواه الترمذي (رقم/2800)

لكن هذا الحديث ضعيف ، قال الترمذي بعد إخراجه له : "هذا حديث غريب " انتهى. وضعفه الألباني في " السلسلة الضعيفة " (رقم/2300)

قال بدر الدين العيني رحمه الله :

" فإن قيل : قد رُوِيَ عنه عليه السلام أن الكرام الكاتبين لا يُفارقان العَبد إلا

 عند الخلاء والجماع. قلت : هذا حديث ضعيف لا يحتج به " انتهى." شرح سنن أبي داود " (2/397)

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثالثة والخمسون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*هل تفارق الملائكة الكاتبين العبد في أي حال ؟ الأدلة :

الدليل الثاني : روى عبد الرزاق في " المصنف " (1/285) عن ابن جريج ،

 عن صاحب له ، عن مجاهد قال :

( لما كان النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية - وعليه ثوب مستور عليه - هبت الريح ، فكشفت الثوب عنه ، فإذا هو برجل يغتسل عريانا بالبراز ، فتغيظ النبي صلى الله عليه وسلم وقال : يا أيها الناس ! اتقوا الله واستحيوا من الكرام ، فإن الملائكة لا تفارقكم إلا عند إحدى ثلاث ، إذا كان الرجل يجامع امرأته ، وإذا كان في الخلاء ، قال : ونسيت الثالثة .

قال النبي صلى الله عليه وسلم : فإذا اغتسل أحدكم فليتوار بالاغتسال إلى جدار ، أو إلى

 جنب بعير ، أو يستر عليه أخوه ) لكن هذا الحديث مرسل ، وفي سنده مبهم . فلا يصح الاستدلال به ، لضعفه .

الدليل الثالث : عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :

( إن الله ينهاكم عن التعري ، فاستحيوا من الملائكة الكرام الكاتبين الذين لا يفارقونكم إلا عند الغائط والجنابة والغسل ، فإذا اغتسل أحدكم بالعراء فليستتر بثوبه أو بحائط )

قال ابن تيمية رحمه الله :" رواه ابراهيم الحربي ، ورواه ابن بطة من حديث

ابن عمر ، وقد صح ذلك من مراسيل مجاهد " انتهى." شرح العمدة " (1/401)

لكن لم يتم الوقوف على إسناد الحديث إلى ابن عباس ، والمعروف أنه من حديث ابن عمر كما سبق تخريجه عند الترمذي ، وبيان ضعفه .

القول الثالث : أن الثابت في الكتاب والسنة أن كل عبد موكل به ملكان يراقبان حركاته وسكناته ، ويكتبان أفعاله ، ويحصيان عليه كل ما يصدر منه ، سواء كان عمل خير أو عمل معصية ، سواء كان في محل كريم أو مكان مهين .

ولكن لم يرد في الكتاب ولا في السنة تفسير لكيفية هذا الإحصاء ، وهل

يستلزم دخول الملائكة مع العبد كل مكان يدخل إليه ، وبقاءهم معه في تفاصيل كل عمل يعمله ، أو أن الله خلق فيهما من القدرة ما تمكنهما من معرفة الأعمال وكتابتها من غير حاجة إلى مصاحبة العبد في كل مكان يدخل إليه .

والذي ينبغي في ذلك ألا يتكلم المرء في مثل تلك الأمور الغيبية ، من غير دليل من كتاب الله ، أو سنة رسوله ، وإسناد العلم في ذلك إلى الله عز وجل ، والإيمان بأن كل ما يصدر من العبد محصي عليه ، وهو كاف للعبد في هذا الباب ، وهو الأمر الذي ينفعه ويعنيه ؛ يقول الله عز وجل : ( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) ق/18. وقال سبحانه وتعالى : ( هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) الجاثية/29.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الرابعة والخمسون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*هل تفارق الملائكة الكاتبين العبد في أي حال ؟ الأدلة :

قال السيوطي رحمه الله : " وأما السؤال عن دخول الكاتبين الخلاء ، فجوابه

: أنَّا لا نعلم ، ولا يقدح عدم علمنا بذلك في ديننا ، وجملة القول فيه : أنهما إن كانا مأمورين بالدخول دخلا ، وإن أكرمهما الله عن ذلك وأطلعهما على ما يكون من الداخل ، مما سبيلهما أن يكتبا ، فهما على ما يؤمران به " انتهى." الحبائك في أخبار الملائك " (ص/90) .

ولعل القول الثالث هو القول الأقرب ، والأوفق لجانب الأدب في مثل ذلك ؛ لما فيه من الوقوف عند النصوص ، وعدم تجاوزها من غير دليل قوي ولا برهان صحيح . والله أعلم [الأنترنت – موقع الإسلام سؤال وجواب – هل تفارق الملائكة الكاتبين العبد في أي حال ؟ - المنجد]

*الشَهيد، الرّقيب

أما "الشهيد" فقد تكرر في مواضع عديدة من القرآن، قال تعالى: (وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [البروج: 9]، وقال تعالى: (وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا) [النساء: 79]، وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [الحج: 17].

وأمَّا "الرقيب" فقد ورد في ثلاثة مواطن، قرن معه في أحدها اسم الشهيد، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1]، وقال تعالى: (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا) [الأحزاب: 52]، وقال تعالى: (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [المائدة: 117].

ومن يتأمَّل مدلول هذين الاسمين يجد بينهما شيئاً من الترادف؛ ولهذا قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله: "الرقيب والشهيد مترادفان، وكلاهما يدل على إحاطة سمع الله بالمسموعات وبصره بالمبصرات وعلمه بجميع المعلومات الجلية والخفية، وهو الرقيب على ما دار في الخواطر وما تحركت به اللواحظ، ومن باب أولى الأفعال الظاهرة بالأركان قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1]، (وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [البروج: 9]؛ ولهذا كانت المراقبة التي هي من أعلى أعمال والباطنة قد أحاط الله بعلمها، واستحضر هذا العلم في كل أحواله أوجب له ذلك حراسة باطنه عن كل فكر وهاجس يبغضه الله وحفظ ظاهره عن كل قول أو فعل يسخط الله، وتعبد بمقام الإحسان فعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإنه يراه". أهـ.

قال تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) [البقرة: 235]، وقال تعالى: (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا) [الأحزاب: 52]، وقال تعالى: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [الحديد: 4]، وقال تعالى: (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى) [العلق: 14]، وقال تعالى: (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا) [الطور: 48]، وقال تعالى: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) [غافر: 19]. والآيات في هذا المعنى كثيرة.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الخامسة والخمسون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*هل تفارق الملائكة الكاتبين العبد في أي حال ؟ الأدلة :

وفي حديث جبريل عليه السلام أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإحسان فقال له: "أنْ تعبدَ الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراهُ فإنه يراك"، رواه مسلم

فتأمّلُ هذه النصوص وما في معناها يحرِّك في العبد مراقبة الله عز وجل في كل أعماله وجميع أحواله، إذ المراقبة ثمرة من ثمار علم العبد بأن الله سبحانه رقيب عليه، ناظر إليه، سامع لقوله، مطَّلع على عمله في كلّ وقت، وكل لحظة، وكل نَفَس، وكلّ طرفة عين.

والمراقبة منزلة عليّة من منازل السائرين إلى الله والدار الآخرة، وحقيقتها دوام

علم العبد وتيقنه باطلاع الحق سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه، فاستدامته لهذا العلم واليقين هي المراقبة، وهي مراقبة لله عند أمره ليفعله العبد على أحسن حال، ومراقبة له عند نهيه ليجتنبه العبد وليحذر من الوقوع فيه. كما قال الشاعر:

إذا ما خلوت الدَّهْرَ يوماً فلا تَقُلْ ... خلوتُ ولكنْ قُل عليَّ رقيبُ

ولا تحسبنَّ الله يغفلُ ساعةً ... ولا أن ما يخفى عليه يغيبُ

وهذه المراقبة تحتاج من العبد إلى حضور القلب واجتناب الغفلة ودوام الذِّكر،

 وهذا يثمر سرور القلب وانشراح الصدر وقرّة العين بالقرب من الله، وهو نعيم معجَّل يناله العبد في دنياه قبل أخراه.

قال ابن القيِّم رحمه الله: "فإنَّ سرور القلب بالله، وفرحه به، وقرّة العين به، لا يشبهه شيء من نعيم الدنيا البته، وليس له نظير يقاس به، وهو حال من أحوال أهل الجنة، حتى قال بعض العارفين: "إنه لتمر بي أوقاتٌ أقول فيها: إن كان أهلُ الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب". ولا ريب أنَّ هذا السرور يبعثه على دوام السير إلى الله عز وجل، وبذل الجهد في طلبه، وابتغاء مرضاته، ومن لم يجد هذا السرور ولا شيئاً منه فليتهم إيمانه وأعماله، فإن للإيمان حلاوة من لم يذقها فليرجع وليقتبس نوراً يجد به حلاوة الإيمان، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذوق طعم الإيمان ووَجْد حلاوته فذكر الذوق والوجد وعلقه بالإيمان فقال: "ذاقَ طعم الإيمان من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً" ، وقال: "ثلاث من كنّ فيه وجد بهنّ حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، ومن كان يحبُّ المرءَ لا يحبُّه إلاَّ لله، ومن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يُلقى في النار"

وسمعتُ شيخ الإسلام ابن تيمية قدَّس الله روحه يقول: إذا لم تجدْ للعمل حلاوةً في قلبك وانشراحاً فاتهمه، فإنَّ الربَّ تعالى شكور، يعني أنه لا بد أن يثيبَ العامِلَ على عمله في الدُّنيا من حلاوةٍ يجدها في قلبه وقوّةٍ وانشراحٍ وقرةِ عين؛ فحيث لم يجد ذلك فعمله مدخول" اهـ[. الأنترنت – موقع مكتبة الفكر- فقه الأسماء الحسنى - الشَهيد، الرّقيب - عبد الرزاق البدر]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

السادسة والخمسون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*الرقابةُ صلاحُ الفردِ والمجتمعِ

1- مراقبة الله صلاح الفرد والأمة :

إن العلاج الشافي والدواء الكافي لأمراضنا الدينية والدنيوية، يكاد ينحصر في (الرقابة) نعم الرقابة وما أدراكم ما سر الرقابة؟

إنها صلاحٌ للفرد وللأمة في كل ميادين الحياة؛ الرقابةُ بلسمٌ وترياقٌ لمشاكلنتا وأدوائنا في هذا الزمان؛ الرقابةُ هي النور الذي يبدِّدُ كلَّ ظلماتِ البغي والعدوانِ؛ إنها القوةُ الإيمانيةُ التي تلغي كلَّ خطأٍ، وتَدمَغُ كلَّ باطلٍ؛ الرقابةُ هي الضميرُ الحيُّ اليقِظُ الذي به قوامُ الدنيا والدين؛ الرقابةُ هي اللمسة النبويةُ في

قولِ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتقِ اللهَ حيثما كنتَ).

الرقابةُ هي المقامُ العالي، والمنزل السامي الذي يبلُغُهُ المسلمُ في علاقته مع الله، ومع عباد الله، كما قال الله: {إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ} [يس:11].

هي الدرجةُ التي عناها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (الْإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ).

إنّ انتشارَ الجريمةِ في المجتمع، وشيوعَ الفاحشةِ بين البشر، وانحرافَ الناسِ عن

منهج الله وسنّةِ رسولِ الله، كلُّ ذلك راجعٌ في حقيقته إلى غياب الرقابة وموت الضمير.

وهذا معنى حديثِ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا خلَوا بمحارم الله انتهكوها).

آهٍ ثم آهٍ كم نعاني اليومَ مِنْ تعدٍ للحدود وخيانةٍ للعقود، وضياعٍ للحقوق وازديادٍ في العقوق!

آه وألفَ آه كم نعاني اليومَ مِنْ سرقةٍ للأموال واغتصابٍ للأعراضِ، وهتكٍ للحرمات وارتكابٍ للموبقات! والسببُ وراء ذلك فقدانُ المراقبةِ لله تبارك في علاه، وهذا ما ذكره الله تعالى عن أخلاق المنافقين في حال غيابهم عن الرقيب

: {وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ} [البقرة:14].

{وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ} [البقرة:205]. ولسانُ حالِهم: {هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ} [التوبة: 127].

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

السابعة والخمسون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*الرقابةُ صلاحُ الفردِ والمجتمعِ

2- يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله

وهذه الشرذمةُ الفاسقةُ المنافقةُ من الناس لا بدَّ أنْ نقولَ لهم قولَ اللهِ الكبيرِ المتعالِ: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً} أ النساء:108].

ونقولُ لكلِّ ظالمٍ جائرٍ، ولكلِّ معتدٍ آثمٍ:

إذا ما خلوْتَ، الدّهرَ، يوْماً، فلا تَقُلْ= خَلَوْتُ ولكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيبُ

ولاَ تحْسَبَنَّ اللهَ يغفِلُ ساعةً= وَلا أنَ مَا يخفَى عَلَيْهِ يغيبُ

من هنا كان لزاماً علينا أنْ نتكلمَ عنِ الرقابة؛ والمقصودُ مراقبةُ الخالقِ لا المخلوق، أنْ نجعلَ مراقبةَ الله حيةً في حياتنا، قائمةً في كلِّ حركاتنا وسكناتنا، أنْ تكون رقابةُ اللهِ هي الوازعَ والدافعَ لكلِّ خيرٍ نقومُ به، والزاجرَ والمانعَ عن كلِّ إثمٍ وشرٍّ نبتعدُ عنه، كما كان الرعيل الأول من الصحابة الكرام والسلف الصالح من التابعين لهم بإحسان، لقد تربوا على قول الله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4]. كانوا يرددون أمام صغارهم: (اللهُ شاهدي، اللهُ ناظري، اللهُ معي) يُردِّدون على قلوبهم قولَ ربِّهم: {يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ

اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [لقمان: 16]. حالُ مشاعرِهم كقول شاعرِهم:

رقيبٌ على كلِّ الوجود مهيمنٌ= على الفلك الدوارِ نجماً وكوكبا

رقيبٌ على كلِّ النفوس وإنْ =تلُذْ بصمتٍ ولم تجهَرْ بسرٍّ تغيَّبا

رقيبٌ تعالى مالِكُ الملكِ مُبصِرٌ= به كلُّ شيءٍ ظاهرٍ أو مُحجَّبا

أيها المسلمون: على هذه المراقبة الدائمة لله، والشعورِ الدائمِ بمعية الله ربى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الصحابةَ الكرامَ ومَنْ تبعهم مِن أهل الإسلام، فكنا نسمَعُ القصصَ المشرقةَ الوضاءةَ عن صفاء سريرتِهم ونقاءِ سيرتهم؛ فما قصةُ بائعةِ اللبنِ عنكم ببعيدة، عندما قالتْ أمُّها لها: أخلِطُ اللبنَ فإنّ عمرَ لا يرانا في هذه الظلمة من الليل، فكان الجوابُ من الفتاة المراقِبةِ لله: "يا أماهُ إنْ لم يكُنْ عمرُ يرانا فإنّ ربَّ عمرٍ يرانا".

وليس بغائبٍ عنكم قولُ الراعي لابن عمر رضي الله عنهما عندما قال له: قُلْ لصاحب الغنم إنّ الذئبَ قد أكَلَ الشاةَ، فقال الغلامُ المؤمنُ المراقبُ لله: "فأين اللهُ فأين الله؟" الله أكبر كم نحتاجُ في معاملاتنا لهذه الرقابة، كم نحن بحاجة لهذه الكلمة أنْ تكون منهاجَ حياةٍ لنا، ونظامَ حكمٍ فيما بيننا، وكأنهم يُردِّدون دائماً: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى} [العلق: 14].

ولسانُ حالِهم يقول: وإذا خلوتَ بريبةٍ في ظلمة= والنفسُ داعيةٌ إلى الطغيانِ

                 فاستحيي مِنْ نظرِ الإله وقُلْ= لها إنّ الذي خَلَقَ الظلامَ يراني

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثامنة والخمسون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*الرقابةُ صلاحُ الفردِ والمجتمعِ   : 3- ثمرات المراقبة

أيها الاخوة الكرام: كلنا نعلم أنّ لمراقبة الله تعالى ثمراتٍ في صلاح الفرد والمجتمع، ثمراتٍ في الدنيا والآخرة، ثمراتٍ كثيرةٍ غيرِ مقطوعةٍ ولا

ممنوعةٍ؛ فمراقبةُ اللهِ تعالى تهذِّبُ النفوسَ وتطهِّرُ القلوبَ، كما قال علامُ الغيوبِ: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:40-41].

إنّ من ثمرات مراقبةِ الله تعالى البعدُ عن المعاصي والخطايا في السر والعلن،

 حتى ولو كانت طرفةَ عينٍ فإنّ المراقبَ لله يعلم قولَ الله: {يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ

 وَما تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر: 19].

إنّ من ثمار المراقبة لله أنها تطهرك من أخلاق المنافقين، وتعزِّزُ فيك أخلاقَ المؤمنين، وهذا من معاني قولِ ربِّ العالمين: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف: 80].

من ثمرات مراقبة الله تعالى أنها تُشعِرُ العبدَ بالسكينة، وتوصِلُ صاحبَها للجنة، كما قال رب البرية: {وَأُزْلِفَتْ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} [ق:31-33].

إنّ من ثمرات مراقبة الله العاجلةِ شعور الناس بالسلام والأمان؛ مراقبةُ الله توقِظُ الضمائرَ وتقضي على الجرائم؛ مراقبةُ الله تجعَلُ المجتمعاتِ نظيفةً من الفواحش والآثام، نقيةً من الظلم والعدوان، كما قال الرحيم الرحمن: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69].

إنّ من ثمارِ المراقبة النافعة أنها تُنقِذُ من الخطيئة، وتوصِلُ إلى السيادة، وهذا ما كان لنبي الله يوسف يومَ: {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [يوسف: 23].

فكانت العاقبة: {إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ} [يوسف: 54].  وأقولُ جماعاً لكل ثمرات مراقبة الله تعالى: "إنّ زوالَ كلِّ العيوب بمراقبة علام الغيوب، وإنّ نزولَ كلِّ الخيرات بمراقبة ربِّ الأرضِ والسماواتِ".

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

التاسعة والخمسون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*الرقابةُ صلاحُ الفردِ والمجتمعِ   :

وهذا مصداقُ قول الله تعالى: {وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ} [الرحمن: 46].

  إنّ النفسَ أمارةٌ بالسوء والخطيئة، وداعيةٌ للهوى والرذيلة، وإنْ تُركَتْ مِن غير تربيةٍ جَرَتْ بصاحبها للهاوية، وأوصَلَتِ الفردَ والمجتمعَ إلى التهلكة، كما قال الله تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا *

 وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 9-12].

ولذا نصح الشاعر في معالجة النفس فقال:

والنفسُ كالطفل إنْ تُهْمِلْهُ شَبَّ =على حبِّ الرضاع وإنْ تَفطمْهُ ينفطِم

فاصرِفْ هواها وحاذِرْ أنْ توليه =إنّ الهوى ما تولى يصمي أو يَصِم

لذا فإنّ كباحَ النفسِ عن شهواتها، ولجامَ النفسِ عن زلاتها يكون بمراقبة الله تعالى في السر والعلن، وفي السفر والحضر، لهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل الله خشيته في الغيب والشهادة؛ فالمراقبةُ لله هي العاصمةُ من المعصية، وهي الواقيةُ من الوقيعة.

مراقبةُ الله ليست فقط مانعةً من السيئات، بل هي دافعة ٌإلى الخيرات، نعم دافعةٌ لكلِّ خيرٍ وطاعةٍ، مراقبةُ الله تعالى هي التي تحرِّكُ العبدَ في ظلمة الليل ليقِفَ بين يدي الجليل ويبكي ويركَعَ ويسجُدَ، كما قال الله في وصف عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} [الفرقان: 64-65].

إنّ مراقبةَ الله تعالى تدفَعُ العبدَ ليُقدِّمَ صدقاته سراً فلا يراه أحدٌ إلا الواحدُ الأحدُ، كما قال رسول الأنام عليه الصلاة والسلام: (ورجلٌ تصدَّقَ بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تَعلَمَ شِمالُهُ ما تُنفِقُ يمينُهُ). [ 3 ]

إنّ مراقبةَ اللهِ هي التي تدفَعُ العبدَ ليقدِّمَ أنفسَ ما يملِكُ، يقدِّمَ روحَهُ وأنفاسَهُ

رخيصةً في سبيل الله، ولإعلاء كلمة الله تعالى لا يرجو إلا الله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 218].

القارئونَ كِتَابَ اللهِ فِي رَهِبٍ =والواردونَ حِيَاضَ المَوْتِ فِي رَغبٍ

جمالُ الأرضِ كانوا في الحياة وهم= بعد الممات جمالُ الكتب والسير

وفي عموم الطاعات لله وعمومِ الخيرات لعباد الله تَذَكَّرْ أنك تحتَ رقابةِ الله

وضمنَ معيةِ الله، قال الله مشجعاً لك على فعل الخيرات والصالحات: {وَاصْبِرْ

لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} [الطور: 48].

إنْ كان لمراقبة الله كلُّ هذه الآثارِ والثمارِ فهي كالشجرة الطيبة أصلُها ثابتٌ وفرعُها في السماء تؤتي أُكُلَها كلَّ حينٍ بإذن ربِّها.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الستون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*الرقابةُ صلاحُ الفردِ والمجتمعِ   : 4- ما السبيل إليها؟

فما هو السبيلُ والطريقُ إلى إحياء مراقبة الله في النفوس،ونشرِها في المجتمعات؟

يكونُ ذلك ضمن هذه اللبناتِ العظامِ في بناء مراقبة العليم العلام جلَّ جلاله وتقدَّسَتْ أسماؤهُ:

اللبنة الأولى: إنّ اللبنة الأولى في بناء صرح المراقبة، هي معرفة الله بأسمائه وصفاته، فإنّ مِن بين أسماء الله الحسنى اسمُهُ الرقيبُ: {كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المائدة: 117].

هو المُطَّلِعُ على خلقه يَعلَمُ كلَّ صغيرةٍ وكبيرةٍ في ملكه، لا يخفى عليه شيءٌ في

الأرض ولا في السماء، الذي يرى ويسمَعُ دبيبَ النملةِ السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة السوداء، يراقِبُ الظاهرَ والمستورَ، ويعلَمُ ما في الصدور، ويعلَمُ ويراقِبُ خلجاتِ قلبِكَ ونبضاتِ فؤادِكَ، ما من شيءٍ إلا وتحتَ رقابتِهِ وسمعِهِ وبصره:

وَهْوَ الرَّقِيبُ عَلَى الخَوَاطِرِ*** واللَّوَا حِظِ كَيْفَ بالأَفْعَالِ بالأَرْكَانِ

أخي المبارك: إذا علمتَ هذا فلا يكنْ حظُّكَ من اسم الله الرقيبِ الرهبةَ فقط، فليكُنْ لك مِن هذا الاسم الميمونِ نصيبٌ من الرغبة، فإنْ كان اللهُ يراقبُك ويَطَّلِعُ عليك، ولن يُضَيِّعَ لك حسنةً، ولن يُنقِصَ من أجرك حتى النية، من هنا أدعوك للعمل الصالح والفعل الناجح، وأبشرْ بقولِ الرقيبِ: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} [البقرة: 272].

فبادِرْ بالأعمال الصالحات*** قبل أن تغادِرَ فإنّ اللهَ رقيبٌ.

هو الذي يرى دبيبَ الذَّر ***في الظلمات فوقَ صمِّ الصَّخر

وسامعٌ للجهر والإخفات*** بسمعه الواسع للأصوات

وعلمِهِ بما بدا وما خَفي*** أحاط علماً بالجليِّ والخفي

اللبنة الثانية: الإكثارُ من ذكر الله فإنه يُشعِرُك بمراقبته.

يا عبد الله: إنها عبادةٌ سهلةٌ يسيرةٌ؛ وكلُّ الخذلانِ في ترك ذكرِ الرحمن في كل زمانٍ ومكانٍ.

إنّ أقصرَ طريقٍ يوصلك إلى مرتبة المراقبة أنْ يَلْهَجَ لسانُكَ بذكر الله، وعندها يستحيل أن تتجرأ على معصيته وأنت قائمٌ على ذكره، وصدق القائل:    فأَشُدُّ القلبَ بخالقه ***والذكرُ الدائمُ يحرُسُني

إنْ ذكرَ الله يحرُسُكَ من المعاصي والذنوب، ويحميك من المثالب والعيوب، لهذا أمر الله بالإكثار من ذكره في كلِّ موطنٍ حتى عند مقارعة العدوان فقال الملك الديان: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال: 45]. قال أهل العلم والإيمان: أفضلُ الطاعات مراقبةُ الحقِّ على دوامِ الأوقات.

اللبنة الثالثة: أنْ تتذكرَ قدرةَ اللهِ عليك ومراقبتَه الدائمةَ لك: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [يونس: 61].                 إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الواحدة والستون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*الرقابةُ صلاحُ الفردِ والمجتمعِ   :

5- وهذه همساتٌ لكم :

واعلمْ أنّ الله يُملي للظالم ولا يُهمله، فإذا أخذه فلن يُفلتَهُ؛ وهنا لا بد من نداءاتٍ لأهل الغفلة عن مراقبة الله، الذين يسعون في الأرض فساداً، ويعتدون على عباد الله في أرض الله، ويَسطُون على ممتلكات الناس ظلماً وبهتاناً، ويسفِكون الدماءَ إجراماً وعدواناً، في غفلة عن الرقيب الحسيب، ويقولون: خلِّ الحسابَ ليوم الحساب!!

لا بد من نداءاتٍ لأهل الغفلة، وحذارِ حذارِ أنْ نكونَ منهم، أو أنْ نشاركهم في غفلتهم فقد قال الله محذراً: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ} [هود: 113].

أيها الظالم الآثم: إنْ لم يكُنِ المظلومُ قادراً على أخذ حقِّهِ منك، فتذكَّرْ قولَ

الرقيبِ الحسيبِ: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ

تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} [إبراهيم: 42].

احذرْ يا أيها الإنسانُ أنْ تَظلِمَ مَن لا ناصر له إلا الله، وتذكّرَ ْقولَ الشاعر:

لا تظلِمنّ إذا ما كنتَ مُقتدراً =فالظلمُ مرتعُه يُفضي إلى الندَم

تنامُ عينُك والمظلومُ منتبهُ =يدعو عليك وعينُ الله لم تَنَمِ وأنت أيها المظلوم:   لا تحزنْ فإنّ الله يراك ويسمَعُ نداك، وعما قريبٍ يلبي دعاك، فهو القائلُ لكلِّ مظلومٍ محرومٍ: (وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين).

أيها القاضي: إذا حكمتَ بهواك، وظننتَ أنّ اللهَ لن يراك، فاعلمْ أنّ القضاةَ

ثلاثةٌ: اثنان منهما في النار، قاضٍ عرَفَ الحقَّ وقضى بغيره، وقاضٍ قضى بغير علمٍ، {فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب} [ص: 26].

وخذها شعرية تصل إلى المشاعر الحية المراقبة لله:

إذا جار الأميرُ وحاجباه =وقاضي الأرض أسرَفَ في القضاء

فويلٌ ثم ويـــلٌ ثم ويـــلٌ =لقاضي الأرض من قاضي السماء

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثانية والستون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*الرقابةُ صلاحُ الفردِ والمجتمعِ   :5- وهذه همساتٌ لكم :

أيها التاجر: إنك عندما تُكثِرُ ثروتك بالغش والتزوير، وتزيدُ في مالك من دم الفقراء ودموع المحتاجين، اعلم بأن الله يراك، ومُطلِعٌ على سرك ونجواك، وسيحاسبك على كل قرشٍ جنيته بالحرام، وقد حذرك رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام فقال: (يا معشر التجار إنكم تحشرون يوم القيامة فجاراً إلا من

بر واتقى وصدق).

فحذارِ حذارِ أيها التجار أن تكسبوا الدنيا بالمال الحرام، وتخسروا الآخرة والجنان فقد قال رب العالمين محذراً ومنذراً: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 1-6].

يا مدمنَ الذنبِ أما تستحي****** واللهُ في الخلوة ثانيكا

غَرَّكَ  مِن  ربِّك  إمهالُهُ  ******* وسِترُهُ طول مساويكا

النداءات لأهل الغفلة كثيرة، فإلى كلِّ عاصٍ ولاهٍ، تذكَّرْ مراقبةَ الإله.

إلى كلِّ عاقٍ وقاطعٍ للأرحام، تذكَّرْ مراقبةَ العليم العلام.

إلى كلِّ غالٍ وسارقٍ ومحتالٍ، تذكَّرْ مراقبةَ الكبير المتعال.

إلى كلِّ ظالمٍ وباغ وطاغيةٍ، تذكَّرْ مراقبةَ ربِّ البرية.

ولتنذكر جمعياً قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء: 1].

وأنت يا من تؤمن برقابة الله: أحسن صلاتك فالذي يراقبك الله: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 2].

أدِّ زكاةَ مالِكَ فالذي يراقبك الله: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 274].

طهِّرْ قلبَك من الغل والحقد والحسد، فالقلبُ مكانُ نظرِ الله: (إن الله لا ينظر إلى أجسامكم، ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم).

جَمِّلْ أخلاقَكَ ومعاملاتك، فالذي يراقب ألفاظك وتحركاتك هو الله: {وَاللَّهُ

مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمد:35].

كُنْ كالصحابة في زهدٍ وفي ورعٍ *****القومُ هم، ما لهم في الناس أشباهُ

عُبّــاُد ليــلٍ إذا جَــنَّ الظـلامُ بهـم**** كم عابدٍ دمعُــهُ في الخــد أجــراه

وأُسْدُ غابٍ إذا نادى الجهادُ بهــم ****هبــوا إلى المـوت يَسْتجـدون لقياه

يا ربِّ فابعثْ لنا مِن مثلهم نفـراً***** يَشيــدون لنا مجــــــداً أضعنـــــاه

[ الأنترنت – موقع رابطة العلماء السوريين - الرقابةُ صلاحُ الفردِ والمجتمعِ ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثالثة والستون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*متى تكون مراقب لله:

1. عندما تشعر بأنه يراقبك دائماً:

سؤال الآن.. لو أنهُ من حينٍ لأخر شعرتَ أنَّ الله يُراقبك هل أنتَ في حال المراقبة.. الجواب: لا.. إذا دامَ هذا الشعور وشعرتَ أنَّ الله يُراقبك في كلِّ أحوالك، في حركاتك وسكناتك، في كلِّ نشاطاتك، في خلوتك في جلوتك، في لهوِكَ في جِدك، في عملك في بيتك، في الطريق، إذا سافرت إلى أماكن بعيدة…. إذا استدامَ حالُ المُراقبة، إذا استدامَ شعورُكَ أنَّ الله يعلم وأنَّ الله مُطلّعٌ عليك وأنَّ الله يُراقِبك، فأنتَ في مرتبةٍ من أرقى المراتب ومن أهم المراتب ومن أكثرها فائدةً لك إنها حالُ المُراقبة.

أنتَ في حال المُراقبة تعبد الله باسم الحفيظ والرقيب والعليم والسميع والبصير هذه الأسماء الحُسنى الخمس كُلُها تؤدي معنى المُراقبة.. إذا تكلّمت فهو سميع، وإذا تحركت فهو بصير، وإذا أضمرت فهو عليم، وإذا خرجتَ من بيتك فهو الرقيب، وإذا عَمِلتَ عملاً فهو الحفيظ، في نسخة كلّ حركاتك مُسجلّة عِندَ

 الله عزّ وجل.

حفيظٌ ورقيبُ وبصيرٌ وسميعُ وعليمٌ. الحركة بصير، الكلام سميع، الإضمار ما في الداخل عليم، الحفيظ الأعمال مُسجّلة موثّقة، المُراقب يعني لكَ بالمرصاد.

(وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍأَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6)

إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ)[سورة الفجر] الآية دقيقة جداً ليس فقط بالمرصاد أي يُعاقب على ما اقترفتهُ يداك، بل معنى بالمرصاد أيضاً أنه يراكَ وسوفَ يُعاقبُك.

2. عندما تشعر بعظمة الله:

لاحظ نفسك إذا جاءكَ ضيف له حجم معين بالمجتمع، صديق يحمل شهادة ثانوية متفوق فدخلَ عليكَ أستاذ جامعي لاحظ نفسك تستقبل الأستاذ الجامعي وتنظر إليه وتُحدّثهُ وتنصرفُ إليه بكليّتك وتنسى أنَّ في الغرفةِ طالب آخر.. ماذا حصل.. هذا الإنسان الثاني صرفكَ عن الأول فإذا أنت في بعض ساعاتك في عملك في حرفتك في مكتبك في متجرك في معملك في بيتك في شيء صرفَكَ عن أنَّ الله يُراقُبك هذا الحال حالٌ خطيرة…. من علامة صِدق المُراقبة أن شيئاً مهما بدا عظيماً لك لا يصرفُكَ عن ملاحظةِ عظمةِ اللهِ لك التي تُراقُبك.

لذلك.. أهل الله، أهلُ القُرب، المؤمنون الصادقون، لا تغيب عظمة الله عن أذهانهم أبداً بدليل أنَّ هذا الاستعظام للهِ عزّ وجل لا يصرِفهم إلى غير الله. فهذه الحال امتلاء القلب من عظمة الله عزّ وجل بحيثُ يذهلُ عن تعظيم غيره.. إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الرابعة والستون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*درجات وأنواع المراقبة:

1. مراقبة القلب:سيدنا عمر قال: تعهد قلبك القلب بيت الرب قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ [البخاري، مسلم، الترمذي، النسائي، أبو داود، ابن ماجه، أحمد، مالك] البيت منظر الرب، طهرت منظر الخلق سنين، تعتني ببيتك وغرفة الضيوف، تعتني بثيابك، بمركبتك، تعتني بمدخل بيتك، تعتني بمكتبك التجاري، البيت منظر الرب، طهرت منظر الخلق سنين، أفلا طهرت منظري ساعة؟

لذلك هناك من المقصرين من يكون الله أهون الناظرين إليه، يستحي من صديق، يستحي من أستاذ، يستحي من قريب محترم، ولا يستحي من الله.

لذلك المراقبة درجات وأنواع، لكن أبرزها أن تراقب قلبك، هل يحب غير

الله؟ هل يعتمد على غير الله؟ هل يرجو غير الله؟ هل يخاف من غير الله؟ هل يتوكل على غير الله؟ مراقبة القلب،احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ تعاهد قلبك، أخوك أصابه خير، فتألمت، هذا مؤشر خطير، لو أنك تراقب قلبك لقلت: هذه صفات المنافقين، قال تعالى:(إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ)[سورة التوبة: الآية 50]

إذا أصاب أخاك خير فتألمت فهذه علامة النفاق، وإن أصاب أخاك شر ففرحت فهذه علامة النفاق، لو لم تفرح ارتحت، ما تكلمت

ولا كلمة، لكنك ارتحت لهذا المصاب الذي ألمّ بأخيك، فهذا علامة النفاق، هذه مراقبة القلب، أن تراقب قلبك، أن تحاسبه في

حسد، في غيرة، في حقد، في تشفٍّ، في شرك، في تعلق بغير الله، في اعتماد على المال فقط، اعتماد على صديق قوي فقط،الصحابة الكرام ومعهم خير الأنام، وفي معركة فاصلة في حنين قالوا: لن نغلب من قلة،اعتمدوا على عددهم فخذلهم الله عز وجل.

(لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ

شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ)[سورة التوبة: الآية 25]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الخامسة والستون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*درجات وأنواع المراقبة:2. مراقبة اللسان:

قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَكْتُبُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ[الترمذي، ابن ماجه، أحمد، مالك]

مرة قرأت في مجلة تعليقًا، أنك أنت أخلاقي، لأنك ضعيف، وأنت ضعيف لأنك أخلاقي، يعني ما من كلمة تسفه الأخلاق كهذه الكلمة، لماذا أنت أخلاقي؟ لأنك ضعيف، ولماذا أنت ضعيف؟ لأنك أخلاقي، هذه الكلمة الذي كتبها قد لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا

يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ[متفق عليه]

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:مَنْ صَمَتَ نَجَا قال عبد الله رضي الله عنه: يا لسان قل خيراً تغنم، اسكت تسلم من قبل أن تندم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أكثر خطايا ابن آدم في لسانه[روى الطبراني بإسناد جيد على شرط مسلم]

ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام:ليس شيء من الجسد إلا يشكو إلى الله

اللسان على حدته[ورد في الأثر] فينبغي أن تعدّ كلامك من عملك عَنْ مُعَاذِ

 بْنِ جَبَلٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ… فَقَالَ:قَالَ رَأْسُ الْأَمْرِ وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِمِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ فَقُلْتُ لَهُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ فَقَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ فِي النَّارِ أَوْ قَالَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ[أحمد، الترمذي، النسائي، ابن ماجه]

قذف محصنة يهدم عمل مئة سنة،قالت عائشة عن صفية: إنها قصيرة يا رسول

 الله، قال: يا عائشة لقد قلت كلمة لو مزجت بمياه البحر لأفسدته[الترمذي] وصفتها بما هو فيها بكلمة قصيرة فقط.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

السادسة والستون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*درجات وأنواع المراقبة:3. مراقبة الجوارح:

 قال تعالى:(يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)[سورة غافر: الآية 19]

قال تعالى:(الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[سورة الشعراء] لذلك أفضل إيمان أن تؤمن أن الله يراقبك، وأنك تحت المراقبة، وإن ربك لبالمرصاد.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَغَارُ، وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِ[متفق عليه]

هذا بند ثالث: مراقبة الجوارح، هل ينطق هذا اللسان بالباطل؟ هل تنظر هذه العين إلى عورة؟ هل تستمع هذه الأذن إلى ما لا يجب أن تسمعه؟ مراقبة الجوارح، هل تبطش هذه اليد؟ هل تتحرك بالباطل؟ هل تقودك رجلاك إلى مكان منكر؟

مراقبة القلب أولاً، ثم مراقبة اللسان ثانياً، ثم مراقبة الجوارح ثالثاً.

4. مراقبة الله في الخواطر:

من راقبَ اللهَ في خواطرهِ عصمهُ في حركات جوارحهِ

أحياناً الإنسان يسمح لخواطره أن يَردها أشياء لا تُرضي الله يتصور معصية، يتخيل أنهُ يعصي الله، يسوحُ خيالهُ في متاهات البُعدِ عن الله… إذا سَمَحَ لخواطرهِ أن تجولَ في المعاصي أغلبُ الظن أنَّ هذه الخواطر إذا تُركت على عواهنها انقلبت إلى معاص. أنا أقول لكم كلاماً واضحاً. الله سبحانه وتعالى لا يحاسب إلا على العمل ولكن إذا سمحت لخواطركَ بالشطط ربما زلّت قدمك فانقلبت الخواطر إلى عمل، وشيءٌ آخر هو أنَّ مُعظمَ الذين عَصوا ربهم معاصٍ كبيرة هم في الأساس ما أرادوا أن يعصوا هذه المعصية ولكن خاطِرٌ، فنظرةٌ،

فكلامٌ، فابتسام، فموعدٌ، فلقاءٌ، ففاحشةٌ. أساسُها خاطر.فلذلك من باب الوقاية ومن باب الورع لا تسمحُ لخواطِركَ أن تجولَ في المعاصي مع أنكَ لا تُحاسب على الخواطر لكن نخافُ أن تدعها تجول عندئذٍ تضعفُ عن مقاومتها فإذا أنتَ أمامَ معصيةٍ.من راقبَ اللهَ في خواطرهِ عصمهُ في حركات جوارحهِ

وقيل أيضاً: من تركَ ما أُشتبهَ عليه من المعاصي كانَ لِما استبانَ أترك

إذا قضية شُبُهة تركها ورعاً هو من بابٍ أولى أنه لن يقترفَ المعاصي البيّنة،ومن وقع فيما أُشتبهَ به كان لِما استبان أوقع  ومن تجرّأَ وارتكبَ معصيةً يعدُّ شُبهةً عِندَ الناس في المرحلة التالية سوف يتجرأ ويقع في المعصية البيّنة الواضحة.

قال العلماء مجمِعون على أنَّ مراقبة الله تعالى في الخواطر سببٌ لِحفظها في

حركات الظواهرفمن راقبَ الله في سِرّهِ حَفِظهُ في حركاتهِ في سِرّهِ وعلانيتهِ

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

السابعة والستون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*درجات وأنواع المراقبة:5. مراقبة الله فيما أعطاك:

أنت قوي شاب، في مقتبل الحياة، القوة ينبغي أن تكون في طاعة الله، كنت مرةً في الحج، والله ما غبط من الحجاج إلا الشباب،

شاب نشأ في طاعة الله يطوف بهمة عالية، ويسعى، ويخدم الحجاج، يقول الله عز وجل:(إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)[سورة القصص: الآية 24]

سيدنا موسى حينما سقى المرأتين، رأى أن هذا عمل صالح كبير، وهو فقير إليه، لذلك الغنى الحقيقي غنى العمل الصالح، والفقر الحقيقي فقر العلم الصالح، لكن أحياناً مع القوة والشباب والوسامة والجمال والأناقة والغنى ينشأ حالة خطيرة وصفها النبي عليه الصلاة والسلام فقال: لو لم تذنبوا لخفت عليكم ما هو أكبر، ما هو أكبر من الذنب قال العجبَ العجب أن تعتد بحالك، تعتد بشكلك، تعتد بطولك، تعتد بوسامتك، تعتد بأناقتك، تعتد بنسبك، تعتد بوظيفتك، بمركزك، بشهادتك، بمكانتك، تشعر أنك فوق الناس،عالم جليل توفاه الله عز وجل اضطر لإجراء عملية في إحدى البلدان المتطورة طبياً، وانهالت الرسائل بشكل عجيب، إلى أن أقيم معه ندوة في إذاعة ذاك البلد، سئل: ما هذا المقام الذي حباك الله به؟ فاعتذر، فلما ألح عليه بالسؤال أجاب إجابة رائعة، قال: لأنني محسوب على الله،كلمة محسوب ما فيها كبر، ولا فيها عجب، فيها تواضع، لكن أنا محسوب على خالق الأكوان، لأنني محسوب على الله، وسبحان الله أنا أستمع أحياناً من كبار العلماء أنني أنا طالب علم، أرى هذه الكلمة فيها أدب جم، أنا طالب علم لا أن تقول نحن، معاشر العلماء، ما هذا الكلام، قل: أنا طالب علم، أنت طالب علم،قال تعالى:(وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً)[سورة النساء: الآية 113]

6. مراقبة الله عز وجل في الوقت:أحياناً يضيع من الوقت كمّ كبير لهدف غير ذات قيمه، أنت وقت، رأس مالك الوقت، أثمن شيء تملكه هو الوقت، ينبغي أن ينفق بترشيد، لذلك الآن في إدارة الوقت لا يعقل أن تستهلك استهلاكاً رخيصاً،لو ضبطت المواعيد لرشد استهلاك الوقت، لو ضبطت الاحتفالات لرشد استهلاك الوقت، لو ضبط كل شيء بنظام لرشد استهلاك الوقت.

قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبلاهُ وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ[الترمذي]

النبي عليه الصلاة والسلام أقسم الله بعمره الثمين قال تعالى:(لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ)[سورة الحجر: الآية 72]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثامنة والستون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*درجات وأنواع المراقبة:5. مراقبة الله فيما أعطاك:

علماء الكبار تركوا مئات المؤلفات، أما الناس بعدم اكتراث ما بعدها عدم اكتراث لا يعملون ولا يقدمون، إلا أنه يستمع، ويشاهد، ويعلق، وله موقف سلبي دائماً.

حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبلاهُ وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ

 اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ.

هذه الأسئلة سيسألكم الله عنها يوم القيامة وها هو ذا يُخبركم عما سيسألكم ولكن هل أعددتم الإجابه؟

عن علمك ماذا عملت به، عن مالك من أين اكتسبته، و فيم أنفقته، عن عمرك فيم أفنيته، عن شبابك فيم أبليته؟

والله مرة أخ يعمل في أعمال لا ترضي الله أبداً، طبعاً قبل أن يكون أخاً لنا، لكنه تاب عقب مرض، والمرض ألح عليه حتى مات، لكن يقول لي: والله أشعر أنني أكاد أموت ندماً على هذا العمر المديد الذي أمضيته في المعاصي، أنا لا أغبط إلا شابًا نشأ في طاعة الله، ليس في الإسلام حرمان، فيه تنظيم، فيه سمو، فيه رقي.

7. مراقبة الله في الخُلق والسلوك والمشاعر:

اتق الله حيثما كنت في إقامتك، وفي سفرك، اتق الله مع الناس، وفي خلوتك، وأنا أبشر أن الذي لا يختلف بين خلوته وجلوته، ولا بين إقامته وسفره، ولا بين ما يعلن ويسر فهذه بشارة طيبة جداً، ظاهرك كباطنك، وباطنك كظاهرك، سرك كعلانيتك، وعلانيتك كسرك، خلوتك كجلوتك، وجلوتك كخلوتك، سفرك كإقامتك،

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ[أحمد، الترمذي، الدارمي]

أحياناً يكون ثمة تطرف في الدين، يضغط، في الضبط ضبط المشاعر والجوارح مع المرأة جيد، لكن كسب المال فيه كسب حرام، وأحياناً الدين يضبط في الكسب الحلال، وفي التعامل مع الناس، أما مع المرأة ففيه تساهل كبير جداً، أحياناً الضبط فقط في العبادات، لا بد من ضبط شمولي، أن تضبط قلبك، أن تراقب قلبك، وأن تراقب لسانك، وأن تراقب جوارحك، وأن تراقب كسب المال،لذلك قال عليه الصلاة والسلام: يأتي على الناس زمان لا يبالي الرجل من أين أصاب المال من حلال أو حرام وأطيب الكسب عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور وإن أطيب الكسب كسب التجار الذين إذا حدثوا لم يكذبوا، وإذا وعدوا لم يخلفوا، وإذا ائتمنوا لم يخونوا وإذا اشتروا لم يذموا، وإذا باعوا لم يطروا، وإذا كان لهم لم يعسروا، وإذا كان عليهم لم يمطلوا

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ التُّجَّارَ هُمْ الْفُجَّارُ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ

 أَوَلَيْسَ قَدْ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ؟ قَالَ: بَلَى وَلَكِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ فَيَكْذِبُونَ وَيَحْلِفُونَ وَيَأْثَمُونَ[أحمد]

 إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

التاسعة والستون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*درجات وأنواع المراقبة: 7. مراقبة الله في الخُلق والسلوك والمشاعر:

المراقبة ثمرةٌ من ثمار العِلمِ: لأنَّ الله سبحانه وتعالى رقيبٌ عليك لو دخل إنسان

إلى متجر وكان خبيراً بما في هذا المتجر من أجهزة وآلات ورأى آلات تصوير وٌضعت في زوايا متعددة من المتجر وقرأ لوحةً كبيرة كُتبَ عليها: الصالة مراقبة تلفزيونياً، إذا قرأ اللوحة ورأى الأجهزة أيُعقل أن يدخلَ ويأخذُ حاجةً ويضعُها في جيبه.. مستحيل.. هُنا أيقن أنهُ مُراقب.

موظفٌ أجنبي في شركة دخلَ صالةً من صالات البيع ورأى حاجةً غالية الثمن خفيفة الوزن وشعرَ أنَّ أحداً لا يُراقبهُ فأخذها ووضعها في جيبه وعندَ الباب أُلقيَّ القبض عليه وسيقَ إلى سِفارته لينال جزاء عملهِ وكانت فضيحة وهو موظفٌ على مستوىً عالٍ، إذاً لأنهُ ظنَّ أن أحداً لا يعلم تورّطَ في هذه المخالفة، فلو عَلِمَ أنَّ القاعة مراقبة وأنَّ هناك آلات تصوير تُصوّر وتُسجّل أو أنَّ هناك لوحة كُتبَ عليها: القاعة مُراقبة، أنا أضرب لكم أمثلة بسيطة، إذا شعرتَ أنَّ الله مُطّلعٌ عليك وأنتَ في البيت.

من لم يكن له ورعٌ يصدهُ عن معصية اللهِ إذا خلا لم يعبأ الله بشيء من عمله.

إذاً كلُّ عملهِ نِفاقٌ، ورياءٌ. أمّا إذا كانت خلوتهُ كجلوتهِ سِرّهُ كعلا نيتهِ، ظاهِرهُ كباطِنهِ، فهذا الذي ينجحُ ويُفلح،ركعتان من ورع خيرٌ من ألفِ ركعةٍ من مُخلّط ؛ والمُخلّط: هو الذي خلطَ عملاً صالحاً وآخر سيئاً.

قال بعض العلماء في المراقبة: قالَ الجُنيد: من تحقق في المُراقبة خافَ على فواتِ لحظةٍ من ربهِ ، يعني.. إذا كُنتَ في حال المراقبة وشعرتَ أنَّ الله معكَ دائماً وأنهُ مُطّلعٌ عليك وأنهُ يعلمُ سِرّكَ ونجواك خِفتَ أن تُضيعَ لحظةً من حياتك.

وقال ذو النون:علامة المراقبة إيثارُ ما أنزلَ الله وتعظيمُ ما عظّمَ الله وتصغيرُ ما صغّرَ الله يعني.. لاحظ نفسك، قيَمك، مقاييسك، تنطبق على الكتاب والسُنّة، أحياناً تُعظّمُ شيئاً حَقّرهُ الله معناها قيِمك غير إسلامية، قيِمك غير رحمانية، وأحياناً في أشخاص إذا خرجَ من بيتهِ بثياب النوم يَعدُ هذا عملاً همجيّاً غيرَ حضاريّ عملاً بشعاً قبيحاً جداً، أما إذا خرجت امرأته ترتدي أحدثَ الثياب وتُبرز من مفاتنها ما ينبغي أن يخفى يُعدُ هذا رٌقيّاً… انظر للإنسان… هذا عظّمَ ما حقّرهُ الله وحقّرَ من ما عظّمهُ الله. فيجب أن تُلاحظ أن تكون مقاييسك وقيمك وزوايا النظر متوافقةً تماماً معَ ما في الكتاب والسُنّة، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

طوبى لمن وَسِعتهُ السُنّة ولم تستهوهِ البِدعة .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

السبعون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*درجات وأنواع المراقبة: 7. مراقبة الله في الخُلق والسلوك والمشاعر:

 وقالَ إبراهيم الخواص:المراقبة خلوص السرِّ والعلانية للهِ عزّ وجل من الداخل ومن الخارج، وقيلَ أفضلُ ما يُلزمُ الإنسان نفسهُ في هذه الطريق المحاسبة والمراقبة وإيقاعَ عملهِ مع الحُكم الشرعي

أن تُراقب نفسك.. بعد المُراقبة في مُحاسبة.. راقبنا هذا الطالب إذا بهِ يَغُش

 في الامتحان نكتب تقريراً نعطيه الصفر.. إذا راقبَ نفسهُ ثمَّ حاسبها وبعدَ أن حاسبها انتقل إلى مرحلة إيقاعِ عملهِ وفقَ الشريعة.. راقب وحاسب ووفقَ بين حركته وبين العلم الشرعي..

قال: إذا جلستَ للناسِ فكُن واعظاً لقلبكَ ونفسك ولا يَغُرّنكَ اجتماعهم عليك فإنهم يُراقبونَ ظاهرك والله يُراقب باطنك لا تغترَّ أن يجتمعَ الناسُ عليك لأنهم يملكون أن يُراقِبوا ظاهِرك وأنت طبعاً ذكي سوف تجعل من ظاهركَ ظاهراً صالحاً، لكنَّ الواحدَ الديان يُراقب قلبك فاجهد أن تُحاسب نفسك قبلَ أن يُحاسبكَ الله عزّ وجل.

ثمرة المراقبة استقامه في العمل ولذة في الشعور: الآن في موضوع أتمنى أن لا يبدو لكم خيالياً:

أن تشعرَ أنَّ الله يُراقُبك وأنهُ معك وأنكَ مستقيم على أمره، قال هذا الشعور يبعثُ في نفسكَ فرحةً عظيمة ولذّةً لا توجد في أيِّ شيءٍ في الدنيا يعني اسأل أهل الدنيا الذين أكلوا أطيب الأطعمة في أرقى الأماكن وفي أجمل المناظر، يقول لك طعام لا يوصف، والذين غَرِقوا في الملذاتِ إلى قِمةِ رأسهم والذين حصّلوا المجدَ من كلِّ أطرافه هؤلاءِ لو عَرفوا الله وذاقوا طعمَ القُرب يقسمونَ بالله أنَّ كلَّ اللذائذ التي تمتعوا بِها من قبل لا تَعدِلُ لحظة إقبالٍ على الله عزّ وجل.

لذلك: إذا المؤمن قال وحَلَفَ يميناً مُعظّماً واللهِ ليسَ في الأرضِ من هوَ أسعدُ منّي إلا أن يكونَ أتقى مني لا يحنثُ بيمينه، أنتَ حينما تتصل مع الأشياء الجميلة من طعامٍ من شرابٍ من جوٍ باردٍ في الصيف من جوٍ دافئٍ في الشتاء من مناظر خلاّبة.. يعني أيّ شيء الله أعطاه مسحة من الجمال الله هوَ الجميل. أحياناً ربنا عز وجل يتجلّى على البحر بالجمال يقول لكَ سهرنا سهرة على البحر لا أنساها أمواج لطيفة نسمات عليلة، تركب بالبحر تشعر بالسرور مياه صافية تكاد ترى قعرَ البحر، صفحة الماء كالزيت، هذا تجلّى الله على هذا البحر باسم الجميل،.

أيام ربنا له أفعال هذه باسم الجميل، تنظر في وجه طفلٍ بريء لا ترى في هذه الأرض كُلها أجمل من هذا الوجه، كُلُهُ صفاء، كُلُهُ براءة، كُلُهُ ذاتيّة،فإذا تجلّى عليه باسم الجبار يكادُ القلبُ ينخلع، في أفعال.. البراكين.. يقول لك 80 ألف إنسان تحت الأنقاض، مدينةٌ أصبحت للأشباح، أصبحت أثراً بعدَ عين، تُحس اسم الجبّار.

أيام تنظر إلى غابة في الربيع تسمع أصوات العصافير تشعر باسم الجميل، فربنا أسماؤه كثيرة جداً يتجلّى في كلِّ أفعالهِ ببعضِ أسمائهِ،أيام اسم اللطيف يقول لكَ من هنا مرت الرصاصة شعري احترق.. الشعر..

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لكلِّ شيء حقيقة وما بلغَ عبدٌ حقيقةَ الإيمانِ حتى يعلم أنما أصابهُ لم يكن ليُخطئهُ

وقف في رأس الوادي السحيق، معلوماتهُ بالقيادة ضعيفة المِقود مضبوط نحوَ الوادي وقبل أن يُشعل المُحرّك أرخى المِكبح فانطلقت نحو الوادي ..( شخص أعرفهُ وزرتهُ في البيت ) إلى أسفل الوادي هو وزوجتهُ وأولادهُ ولم يُصابوا إلا برضوضٍ وبعض الكسور الخفيفة ومن ينظر إلى السيارة يقول أنه لابدَّ من أن رُكابها ماتوا جميعاً..                                                            إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الواحدة والسبعون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*درجات وأنواع المراقبة:

إذا أنت شعرت أنَّ الله يُراقِبُك من ثِمار المُراقبة استقمتَ على أمره تماماً وأحسنتَ إلى خَلقه وأقبلتَ عليه، يجب أن تشعرَ بسرورٍ ولذةٍ لا تجدُهما في شيء آخر، فالذين أكلوا أطيب الطعام والذين سكنوا أفخر البيوت والذين تزوجوا أجملَ الزوجات والذين علا شأنُهم حتى صاروا من عَلية القوم اسألهم جميعاً.. لو أنَّ هؤلاء عَرفوا الله بعدَ ذلك وأقبلوا عليه اسألهم وأنتم في أوجِ عظمتكم، وأنتم في أوجِ قوتكم، وأنتم في أوجِ استمتاعِكم بالدُنيا هل ذُقتم هذه السعادة التي الآن تعيشونها؟ يقولون واللهِ بِملء فمهم: لا والله..

إذاً: تجدُ اللذّةَ وفرحة القلب، وقُرّةَ العين، وليسّ له نظيرٌ يُقاس به، وهو حالُ أهلُ الجنة، حتى قالَ بعضُ العارفين إنه لَتَمرُ بي أوقاتٌ أقولُ فيها إن كانَ أهلُ الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيشٍ طيب. حتى أنَّ بعضهم فَهِمَ كلام النبي عليه الصلاة والسلام: أبو بكرٍ في الجنة. ما فَهِمَ هذا الكلام على أنهُ سوفَ يدخلُ الجنة فَهِمَ هذا الكلام على أنهُ الآن في الجنة، في جنة القُرب، هو سيدخلُها

لكن الآن في جنة.

وأنا أقول لكم اجهد مع الله في طاعتهِ وفي التقرّبِ إليه وفي خدمة عباده وفي وقفِ كلِّ جُهدكَ وعضلاتكَ ووقتكَ وطاقتكَ وعلمِكَ وأهلِكَ.. أن تَقِفَ كلَّ هذا في سبيل الله، فإذا سمحَ لكَ بالقُرب، إذا تجلّى على قلبك، إذا ألقى في قلبكَ السكينة عندئذٍ تعرِفُ طرفاً من مقام أهل الجنة.

فإذا الإنسان بَعُدَ عن الله عزّ وجل فالحياة موحِشة، شيء مُخيف جداً، انظر

 للمؤمن إذا سافر يقول يارب أنتَ الرفيق في السفر والخليفةُ في الأهلِ والمالِ

والولد، أحياناً يصاب الابن بحرق يصبح هذا الابن مصدر شقاء للأسرة كلها مصدر شقاء طوال حياته. فأنت تخاف من التشوه يأتيك مولود مشوّه لمّا تخاف من المرض تمرض، أما إذا كُنتَ مع الله.. الله عزّ وجل يُطمئُنك ” فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا “.

أنا أقول لكم والله يا أيها الأخوة زوال الكون أهون على الله من أن يتخلّى عن مؤمن أو أن يُضيّعَ مؤمناً أو أن يجهدَ المؤمنَ في طاعة الله ويجعلهُ في مؤخرة الركب، ليسَ هذا من أخلاق الله عزّ وجل.

كلمة وإن كانت قاسية تحملّوها قال من لم يجد هذا السرور ولا شيئاً منه

فليتهم إيمانهُ وأعمالهُ، إذا صلاتهُ شكليّة، تِلاوتهُ شكليّة، ولا مرة بكى ولا مرة، ولا مرة قلبهُ اضطرب حُباً لله عزّ وجل، ولا اقشعر جلدهُ ولا مرة شعوراً بخشية الله عزّ وجل، ما شعر أنهُ هو غالٍ على الله، كل العبادات شكليّة يؤديها، قال من لم يجد هذا السرور ولا شيئاً منه فليتهم إيمانهُ وأعمالهُ فإنَّ للإيمان حلاوةً من لم يَذُقها فليرجع وليقتبس نوراً يجد به حلاوة الإيمان:(يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آَمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ)[سورة الحديد]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثانية والسبعون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*درجات وأنواع المراقبة:

الدليل على ذلك : قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ

 رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولا ذاق.. الإيمان له طعم، إذا ما في ذوق راجع نفسك، أعد حساباتك، راقب أين الخلل، أين المعصية، أين يوجد الشِرك، أين يوجد تعلّق في الدنيا، أين التقصير… راقب… إذا ما شعرتَ بهذا القُرب وما شعرتَ بهذا الحُب وما شعرتَ بهذا السمو وما شعرتَ بهذه السعادة راجع حساباتك.

حديثٌ آخر:قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ

إذا واحد من الأخوان المؤمنين له رفيق لا يُصلّي وعاصي لله وهو في أعلى درجات الغِنى والرفاه والبحبوحة، إذا قالَ هذا الصديقُ الأول المُستقيمُ على أمرِ الله هنيئاً لفُلان، أقول لكم إيمانهُ صِفر، لو أنهُ ذاق طعمَ الإيمان لما تمنىَ أن يكونَ مكانهُ، أقول لكم هذا الكلام: إذا تمنيتَ لساعةٍ واحدة وأنتَ في أشدِ حالاتِ الحِرمان من المال من الصِحة إذا تمنيتَ لساعةٍ واحدة أن تكون مكانَ إنسانٍ صحيح الجسم لكنهُ عاصٍ، قوي الجسم لكنهُ عاصٍ، رفيع المكانة لكنهُ عاصٍ، كثير المال لكنهُ عاصٍ… إذا تمنيتَ لساعةٍ واحدة أن تكونَ مكانه، بحالاتهِ، بمعاصيه، اعلم عِلم اليقين أنكَ لا تعرفُ الله وما ذُقتَ من الإيمانِ شيئاً

وكلُّ عملكَ مردودٌ عليك.

المؤمن حياته غير قابلة للمساومة لأنَّ اللهَ ورسولهُ أحبُّ إليه مما سِواهُما، مهما أوذي في الله.. لا يعصي الله وتجد إنساناً آخر على كلمة قيلت له ترك الصلاة.. لا أريد.. على كلمة حذّرهُ بها فاسق تركَ دروسَ العِلم كُلها.. يرى ذلك راحة له.. (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) [سورة الحج] ومن كان يُحبُ المرءَ لا يُحبهُ إلا لله، لكَ أخ تُحِبهُ لله، لستَ زبون عِندهُ وليسَ هو زبون عِندك ولا في قرابة ولا في صداقة ولا في مصالح، إطلاقاً لا تُحبهُ إلا لله لا علاقة دنيوية بينكَ وبينهُ هذه علامة الإيمان، ومن يكرهُ أن يعود في الكُفرِ بعدَ إذ أنقذهُ الله كما يكرهُ أن يُلقى في النار.

يقول أحد العلماء: إذا لم تجد بالعمل حلاوةً في قلبكَ وانشراحا فاتهمهُ.. اتهم قلبك.. فإنَ الربَّ تعالى شكور.. يعني.. لابدَّ من أن يُثيب العامل على عملهِ في الدنيا من حلاوةٍ يجدُها في قلبهِ ، والحمد الله رب العالمين

[ الأنترنت – موقع مُراقبة الله تعالى– مدارج السالكين –المراقبة - لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ]

  إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثالثة والسبعون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

* الرقيب يحصي الأعمال ويحيط بالأسرار

«الرقيب» من أسماء الله الحسنى ومعناه المراقب، المطلع على أعمال العباد، الذي لا تخفى عليه خافية، المدبر لأمور الخلق على أحسن ما يكون يراهم ويسمعهم ولا يخفون عليه بل لا تخفى عليه ضمائرهم ونياتهم ولا شيء من أمورهم.

ورد اسم الله «الرقيب» في القرآن الكريم ثلاث مرات في قوله تعالي: (يا أيها

الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا) «النساء، 1»، وقوله: (ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد)، «المائدة، 117»، وقوله: (لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شيء رقيبا)، «الأحزاب، 52».

المطلع على خلقه: ويقول العلماء: إن هذا الاسم ورد في القرآن الكريم مقترنا

بمعاني العلو والفوقية، فالله جل جلاله من فوق عرشه رقيب، له الكمال المطلق في إحاطته بخلقه وعلو شأنه وهو «الرقيب» أي المطلع على خلقه، يعلم كل صغيرة وكبيرة في ملكه، لا يخفى عليه شيء لا في الأرض ولا في السماء، يرى أحوال العباد ويراقبهم، يحصي أعمالهم، ويحيط بمكنونات أسرارهم.

وقالوا إن مراقبة الله لخلقه مراقبة عن استعلاء وفوقية، لأنه ربهم وخالقهم، لا تتحرك ذرة إلا بإذنه، ولا تسقط ورقة إلا بعلمه له الملك كله، وإليه يرجع الأمر كله تصريف الأمور بيديه، ومصدرها منه ومردها إليه، سبحانه مستو على عرشه لا تخفى عليه خافية، عالم بما في نفوس عباده مطلع على السر والعلانية، يسمع ويرى، ويعطي ويمنع، ويثيب ويعاقب، ويكرم ويهين، ويخلق ويرزق، ويميت ويحيي، ويقدر ويقضي، ويدبر أمور مملكته، فمراقبته لخلقه مراقبة حفظٍ دائمة، وهيمنةٍ كاملة، وعلم وإحاطة.

الحافظ: والله سبحانه رقيب راصد لأعمال العباد وكسبهم، عليم بالخواطر التي تدب في قلوبهم، يرى كل حركة أو سكنة في أبدانهم، ووكل ملائكته بكتابة أعمالهم وإحصاء حسناتهم وسيئاتهم.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الرابعة والسبعون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

* الرقيب يحصي الأعمال ويحيط بالأسرار

وقال الحليمي في «المنهاج» الرقيب هو الذي لا يغفل عما خلق فيلحقه نقص، أو يدخل خلل.

وقال الزجاج في تفسير الأسماء الرقيب هو الحافظ الذي لا يغيب عما يحفظه.

وقال السعدي: الرقيب هو المطلع على ما أكنته الصدور القائم على كل نفس

بما كسبت، الذي حفظ المخلوقات وأجراها على أحسن نظام وأكمل تدبير، فهو سبحانه رقيب على الأشياء بعلمه الذي وسع كل شيء، وهو رقيب على الأشياء ببصره الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، وهو رقيب على الأشياء بسمعه المدرك لكل حركة وكلام.

تحذير الناس: وقال الخازن في «لباب التأويل» والرقيب في صفة الله تعالى هو الذي لا يغفل عما خلق، فيلحقه نقص، ويدخل عليه خلل، الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء من أمر خلقه، أنه يعلم السر وأخفى.

وصفات الرقيب سبحانه وتعالي أنه (يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور)، «سبأ: 2»، و(يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) «غافر، 19»، فيخبر عز وجل عن علمه التام المحيط بجميع الأشياء جليلها وحقيرها صغيرها وكبيرها دقيقها ولطيفها؟ ليحذر الناس علمه فيهم فيستحيوا من الله تعالى حق الحياء ويتقوه حق تقواه ويراقبوه مراقبة من يعلم أنه يراه، فإنه عز وجل يعلم العين الخائنة وإن أبدت أمانة ويعلم ما تنطوي عليه خبايا الصدور من الضمائر والسرائر علمه للسر والخفاء يستوي مع علمه للجهر والعلانية.

وعن أبي الدرداء قال، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اعبد الله كأنك تراه فإن كنت لا تراه فإنه يراك واعدد نفسك في الموتى وإياك

ودعوة المظلوم فإنها مستجابة ومن استطاع منكم أن يشهد الصلاتين العشاء والصبح ولو حبوا فليفعل»

والمراقبة من أجلّ أعمال القلوب بل هي أصل الأعمال القلبية فهي التعبد لله باسمه الرقيب الشهيد. [الأنترنت – موقع الإتحاد - الرقيب يحصي الأعمال ويحيط بالأسرار - أحمد محمد (القاهرة) ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الخامسة والسبعون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

* الإيمان  ينبت المراقبة في قلب المؤمن

حديثي هنا عن اسم من أسماء الله سبحانه الحسنى , من تدبر معناه استقام على الطريق خير استقامة , وتدبر في شأن خطاه وسلوكياته ايما تدبر , فتغيرت حياته وتنورت دروبه.

إنه اسمه تعالى " الرقيب " .. فالإيمان به ينبت المراقبة في قلب المؤمن ,

 ويجعل المرء دوما باحثا عن مشاعر الإحسان في القول والعمل .

 قال شيخ الإسلام ابن تيمية : "ولما كانت حاجة النفوس إلى معرفة ربها أعظم الحاجات، كانت طرق معرفتهم له أعظم من طرق معرفة ما سواه، وكان ذكرهم لأسمائه أعظم من ذكرهم لأسماء ما سواه" - درء تعارض العقل والنقل-

قال السعدي : " وبحسب معرفة العبد بربه يكون إيمانه،فكلما ازداد معرفة بربه ازداد إيمانه،وكلما نقص نقص،وأقرب طريق يوصله إلى ذلك:تدبر صفاته و أسمائه من القرآن"- تفسير الكريم الرحمن -

وقد ورد اسم الله الرقيب في القرآن ثلاث مرات : في قوله تعالى " وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ" المائدة , ، وقوله تبارك وتعالى ". إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا " النساء , وقوله سبحانه "  وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبا " الأحزاب

والرقيب في اللغة هو الموكل بحفظ الشيء المترصد له المتحرز عن الغفلة فيه.

فالرقيب هو :الذي يراقب عباده و ويطلع على خلقه , ويراهم ويسمعهم ولا

يخفون عليه ،بل لا تخفى عليه ضمائرهم ونياتهم ، لا يخفى عليه شيء من أمورهم .

قال السعدي "الرقيب: المطلع على ما أكنته الصدور، القائم على كل نفسٍ بما كسبت، الذي حفظ المخلوقات وأجراها على أحسن نظام وأكمل تدبير"[تيسير الكريم الرحمن.

فمن معاني الرقيب إذن : المطلع على خلقه , الذي يرى عباده , ويعلم اقوالهم وأعمالهم و ويعلم نياتهم وخطرات قلوبهم , وخائنة أعينهم , والذي يراقب أعمالهم ويحصيها عليهم , ويرصد كسبهم .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

السادسة والسبعون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*الآيات العظيمات الكريمات في معنى المراقبة :

 حري بنا أن نتدبرها ونتفهم معانيها :

قال سبحانه : "أم يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ "وقال سبحانه : "  وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ

الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ "

وقال سبحانه : "  وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ "

وقال تعالى:  " أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ "وقال تعالى : "  وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآَنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ "

 وقال تعالى : " اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً "

ومن معرفة ذلك تتولد المراقبة , فتعلم أنه سبحانه يراقبك في جميع حالاتك , فتحافظ على حدوده وتكون في مرضاته سبحانه وحيثما أمرك .

يقول ابن القيم :" فمن راقب الله في سره:حفظه الله في حركاته في سره وعلانيته والمراقبة هي التعبد باسمه الرقيب الحفيظ العليم السميع البصير فمن عقل هذه الأسماء وتعبد بمقتضاها:حصلت له المراقبة" - مدارج السالكين -

ومن تفهم ذلك علم حلم الله سبحانه عليه برغم مراقبته لمعاصيه وتقصيره لم يعاجله بعقوبة مع قدرته سبحانه عليه يتيح له الفرصة للتوبة والإنابة فهو الرحيم جل شأنه .

قال السعدي :"وسبحان الحليم،الذي لا يعاجل العاصين بالعقوبة،بل يعافيهم ويرزقهم،كأنهم ما عصوه مع قدرته عليهم"- تفسير الكريم الرحمن – [الأنترنت – موقع المسلم - الإيمان  ينبت المراقبة في قلب المؤمن - د. خالد رُوشه]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

السابعة والسبعون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*وقفات مع اسم من أسماء رب البريات " الرقيب"

إن معرفة أسماء الله جل جلاله الواردة في الكتاب و السنة وما تتضمنه من معاني جليلة وأسرار بديعة لمن أعظم الأسباب التي تعين على زيادة إيمان العبد وتقوية يقينه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-:"ولما كانت حاجة النفوس إلى معرفة ربها أعظم الحاجات، كانت طرق معرفتهم له أعظم من طرق معرفة ما سواه، وكان ذكرهم لأسمائه أعظم من ذكرهم لأسماء ما سواه".درء تعارض العقل و النقل(3/331)

فعلى قدر معرفة العبد لربه أيها الأحبة يكون تعظيم الباري جل جلاه في قلبه،يقول الشيخ السعدي-رحمه الله-: "وبحسب معرفته- أي العبد-بربه يكون إيمانه،فكلما ازداد معرفة بربه ازداد إيمانه،وكلما نقص نقص،وأقرب طريق يوصله إلى ذلك:تدبر صفاته و أسمائه من القرآن".تفسير السعدي(1/24)

فأسماء الباري سبحانه الحسنى الثابتة بالكتاب و السنة الصحيحة ينبغي

للعبد المؤمن دائما أن يستحضرها ويتدبر معانيها، ومن هذه الأسماء الكريمة،اسم يدل على عظمة الله جل جلاله وإطلاعه على كل شيء،وأنه لا تخفى عليه خافية مهما كان حجمها ، يعلم مكان عبده ويسمع كلامه ألا وهو اسم"الرقيب"،قال سبحانه:(إن الله كان عليكم رقيبا)[النساء:1]

قال الشيخ السعدي–رحمه الله-:" أي:مطلع على العباد، في حال حركاتهم وسكونهم،وسرهم وعلنهم،وجميع الأحوال ، مراقبا لهم فيها،مما

يوجب مراقبته،وشدة الحياء منه،بلزوم تقواه ".تفسير السعدي

أما معنى هذا الاسم الجليل،فيقول الزجاجي-رحمه الله-:"(الرقيب) هو: الحافظ الذي لا يغيب عما يحفظه". تفسير أسماء الله الحسنى ، ويقول الإمام ابن القيم في نونيته  : هو الرقيبُ على الخَواطِر و اللَّوا حظ كَيفَ بالأفعالِ بالأركَانِ

قال الشيخ السعدي –رحمه الله- :"(كيف بالأفعال بالأركان): أي أنه إذا كان الله – عز وجل-رقيبا على دقائق الخفيات ، مطلعا على السرائر و النيات كان من باب أولى شهيدا على الظواهر و الجليات،وهي الأفعال التي تفعل بالأركان أي الجوارح".شرح القصيدة النونية للسعدي

وقال الشيخ الفوزان-حفظه الله-:"(الرقيب):الذي يراقب عباده ويراهم ويسمعهم ولا يخفون عليه،بل لا تخفى عليه ضمائرهم ونياتهم،لا يخفى عليه شيء من أمورهم".التعليق المختصر على القصيدة النونية

إن الإيمان بهذا الاسم الجليل وتدبر معانيه أيها الأفاضل ينبت في قلب العبد المؤمن ثمارا مستطابة نافعة له،يقول العز بن عبد السلام -رحمه الله- :" معرفة أسماء الله الحسنى وصفاته العليا هي أفضل الأعمال شرفا و ثمرا ". شجرة المعارف و الأحوال للعز بن عبد السلام

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثامنة والسبعون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*الثمار الزكية المقتطفة من تحقيق الإيمان بهذا الاسم الكريم

منها ما ينالها العبد في الدار العاجلة ومنها ما يُدخر له ليناله في الدار الآجلة بإذنه سبحانه،ومن هذه الثمار الطيبة :

1- إثبات صفة المراقبة لله عز وجل إثباتا يليق به سبحانه لا يشبهه في ذلك

 أحد من خلقه ولا يدانيه كما في قوله سبحانه: ﴿ليس كمثله شيء وهو السميع البصير﴾[الشورى:11] ، فالمراقبة هي من صفات الله الذاتية وهي صفة مدح و كمال،و المخلوق لا يدرك حقيقتها لا تفكيرا و لا تصويرا.

قال الشيخ السعدي-رحمه الله-:"الرقيب والشهيد من أسمائه الحسنى هما مترادفان،وكلاهما يدل على إحاطة سمع الله بالمسموعات،ونصره بالمبصرات،وعلمه بجميع المعلومات الجلية والخفية وهو الرقيب على ما دار في الخواطر ، وما تحركت به اللواحظ،ومن باب أولى الأفعال الظاهرة بالأركان". الحق الواضح المبين

2-التعــبد لله سبحانه ودعائه باسمه الرقيب، فنتعبد الله باسمه، فنقول:"عبد الرقيب"، لكن لا يُتعبد بصفاته، فلا يقال :"عبد

المراقبة"، أو "عبد البصر" كما أنه يُدعى اللهُ بأسمائه، فنقول:"يا رقيب يسر أمري"،لكن لا ندعو صفاته فنقول:"يا مراقبة الله ارحمينا!"،فالمراقبة ليست هي الله،بل هي من صفات الله جل جلاله،والصفة غير الموصوف.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-:"إن مسألة الله بأسمائه وصفاته

وكلماته جائز مشروع كما جاءت به الأحاديث، وأما دعاء صفاته وكلماته فكفر

 باتفاق المسلمين".تلخيص كتاب الاستغاثة

3-استشعار مراقبة الله في الليل والنهار والخلوة و الجلوة وفي كل وقت وحين،يقول الإمام ابن القيم –رحمه الله- :" فمن راقب الله في سره:حفظه الله في حركاته في سره وعلانيته والمراقبة هي التعبد باسمه الرقيب الحفيظ العليم السميع البصير فمن عقل هذه الأسماء وتعبد بمقتضاها:حصلت له المراقبة" .مدارج السالكين

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

التاسعة والسبعون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*الثمار الزكية المقتطفة من تحقيق الإيمان بهذا الاسم الكريم

إن العبد إذا استشعر مراقبة الباري سبحانه له اتقاه وابتعد عن معصيته خاصة في الخلوات فيتذكر عند قدرته على المعصية في السر وغياب أعين البشر عنه!أن هناك من يراه،ويعلم سره وجهره،لا يخفى عليه شيء مهما كان حجمه،فيستحي منه ويتقيه،ألا وهو رب العزة جل جلاله. ولقد أحسن من قال :

 إذا ما خلوتَ الدَّهر يوما فلا تقل ****خلوتُ ولكن قُل عليَّ رقيبُ

ولا تـحسبن اللهَ يَغفل ساعــةً *****ولا أن ما يخفـى عليه يَغيبُ .

روضة العقلاء لابن حبان

وعلى العبد أن يعلم ويتيقن أنه سبحانه لحلمه الكامل لم يُعاجله بالعقوبة مع قدرته على ذلك،وأن في إمهاله له فرصة للرجوع والتوبة.

قال الشيخ السعدي-رحمه الله-:"وسبحان الحليم،الذي لا يعاجل العاصين بالعقوبة،بل يعافيهم ويرزقهم،كأنهم ما عصوه مع قدرته عليهم"

.تفسير السعدي : فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يوفقنا وإياكم لتحقيق ثمرات الإيمان بكل أسمائه تعالى الجليلة و صفاته الكريمة،فهو سبحانه ولي ذلك والقادر عليه.[الأنترنت – موقع ملتقى أهل الحديث  - وقفات مع اسم من أسماء رب البريات " الرقيب" - أبو عبد الله حمزة النايلي]

*قبل أن تتفوه تذكر

 اعلم أن الكلمة السيئة ستكلفك عداوات ومخاصمات في الدنيا أنت في غنى عنها، فلماذا إذًا لا تكلف نفسك التفكر لثوان معدودات قبل النطق؟! قبل أن تتكلم بكلمة تكلفك مشقة الاعتذار أو عض أسنان الندامة.. قف. تذكر أنك محاسب بها مسئول عنها، قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18]. قال ابن كثير: " {مَا يَلْفِظُ} أي: ابن آدم {مِنْ قَوْلٍ} أي: ما يتكلم بكلمة {إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} أي: إلا ولها من يراقبها معتد لذلك يكتبها، لا يترك كلمة ولا حركة، كما قال تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار:1012]". وقال الشوكاني في فتح القدير: "أي: ما يتكلم من كلام، فيلفظه ويرميه من فيه إلا لديه، أي: على ذلك اللافظ رقيب، أي: ملك يرقب قوله ويكتبه، والرقيب: الحافظ المتتبع لأمور الإنسان الذي يكتب ما يقوله من خير وشر، فكاتب الخير هو ملك اليمين، وكاتب الشر ملك الشمال، والعتيد: الحاضر المهيأ قال الجوهري: العتيد: الحاضر المهيأ، والمراد هنا أنه معد للكتابة مهيأ لها". ثم اعلم أن الكلمة السيئة ستكلفك عداوات ومخاصمات في الدنيا أنت في غنى عنها، فلماذا إذًا لا تكلف نفسك التفكر لثوان معدودات قبل النطق؟! عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفع الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم» (رواه البخاري). وروى البخاري أيضًا عن سهل بن سعد رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة»، وروي عنه بلفظ: «من توكل لي ما بين رجليه وما بين لحييه توكلت له بالجنة». وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت» (متفق عليه).[ الأنترنت – موقع طريق الإسلام - قبل أن تتفوه تذكر  - أبو الهيثم محمد درويش  ]  

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثمانون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :* انتبه الطريق مراقب

      عندما يتأكد قائدو السيارات على أحد الطرق السريعة بأن الطريق مراقب بالرادار، وبأن أي تجاوز مرصود وأنه تنتظره عقوبة رادعة لو تجاوز، هنا تجد الالتزام والانضباط سيدا الموقف، لما يملأ القلوب من تأكد وقوع العقوبة ساعة المخالفة.. فهل استشعرنا وتيقنا من أن طريقنا إلى الله مراقب منذ أن نولد إلى أن نموت؟! عندما يتأكد قائدو السيارات على أحد الطرق السريعة بأن الطريق مراقب بالرادار، وبأن أي تجاوز مرصود وأنه تنتظره عقوبة رادعة لو تجاوز، هنا تجد الالتزام والانضباط سيدا الموقف، لما يملأ القلوب من تأكد وقوع العقوبة ساعة المخالفة.. فهل استشعرنا وتيقنا من أن طريقنا إلى الله مراقب منذ أن نولد إلى أن نموت؟! قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18]. قال ابن كثير: "{مَا يَلْفِظُ} أي: ابن آدم {مِنْ قَوْلٍ} أي: ما يتكلم بكلمة {إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} أي: إلا ولها من يراقبها معتد لذلك يكتبها، لا يترك كلمة ولا حركة، كما قال تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ . كِرَامًا كَاتِبِينَ . يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار:10-12]" (تفسير القرآن العظيم:7/398). . وقال الشنقيطي: "قوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ} أي ما ينطق بنطق ولا يتكلم بكلام {إِلَّا لَدَيْهِ}، أي إلا والحال أن عنده رقيبًا، أي ملكًا مراقبًا لأعماله، حافظًا لها شاهدًا عليها لا يفوته منها شيء، {عَتِيدٌ}: أي حاضر ليس بغائب يكتب عليه ما يقول من خير وشر" (أضواء البيان:7/427). وقال السمعاني: "أي: رقيب حاضر، قال الحسن: يكتب الملكان كل شيء، حتى قوله لجاريته: اسقيني الماء، وناوليني نعلي، أو أعطيني ردائي. ويقال: يكتب كل شيء حتى صفيره بشرب الماء" (تفسير القرآن:5/240). [ الأنترنت – موقع طريق الإسلام - انتبه الطريق مراقب - أبو الهيثم محمد درويش  ]  

* وسائل وأسباب رفع البلاء –مايلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد

العنصر الأول: الابتلاء سنة من سنن الله في الحياة

عباد الله: إن الله- عز وجل- خلقنا في هذا الكون للابتلاء والاختبار والامتحان؛ قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } (الملك: 2). وهذا الاختبار والامتحان يكون بالخير والشر: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ }(الأنبياء: 35). يقول ابن كثير -رحمه الله- ” أي: نختبركم بالمصائب تارة، وبالنعم أخرى؛ لننظر من يشكر ومن يكفر، ومن يصبر ومن يقنط . كما قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس -رضي الله عنه-:{وَنَبْلُوكُم} يقول: نبتليكم بالشر والخير فتنة، بالشدة والرخاء، والصحة والسقم، والغنى والفقر، والحلال والحرام، والطاعة والمعصية، والهدى والضلال” أ. هـ

فالإنسان منذ ولادته في ابتلاء واختبار؛ والأرض هي قاعة الامتحان التي يجري فيها هذا الابتلاء، أما مواد الابتلاء، فهي النعم والمصائب؛ الخير والشر؛ يعطيك المال والولد والزوجة والأملاك والصحة وغير ذلك ليختبرك؛ ويسلب منك هذه النعم أيضًا ليختبرك؛ فيبتليك في نفسك أو أهلك أو مالك أو زرعك أو تجارتك أو يحرمك المال والذرية؛ فالاختبار يكون بالعطاء والسلب.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الواحدة والثمانون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

* انتبه الطريق مراقب

فالله تعالى يبتلي عباده بذنوبهم فيصيبهم بالبأساء والضراء لعلهم يذكرون، فينيبون إليه ويتوبون ويضرعون إليه، كما قال تعالى:

{ وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ}.(الأنعام:42). قال الإمام الطبري: ” أي امتحناهم بالابتلاء ليتضرعوا إلي ويخلصوا لي العبادة، ويفردوا رغبتهم إلي دون غيري بالتذلل لي بالطاعة، والاستكانة منهم إلي بالإنابة” .

واعلم بأن لجنة مراقبة ابتلائك واختبارك تحيطك من كل جانب؛ فالله تعالي يعلم كل صغيرة وكبيرة اقترفتها، قال تعالي: { يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ } (غافر: 19) ؛ ورقيب وعتيد ؛ عن اليمين وعن الشمال؛ رقيب يسجل الحسنات والطاعات؛ وعتيد يسجل السيئات والمخالفات؛ وأدوات وأجهزة اللجنة والمتمثلة في الأرض والجوارح تشهد عليك بكل صغيرة وكبيرة ؛ فعن أبي هريرة قال: « قرأ رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} قال: أتدرونَ ما أخبارها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: فإن من أخبارِها أن تشهدَ على كلِّ عبدٍ وأمَةٍ بما عملَ على ظهرها؛ أن تقول: عملَ كذا وكذا يومَ كذا وكذا، فهذه أخبارها ». ( أحمد والنسائي والترمذي وصححه)

فهي تشهد على من خان عليها!! ، وتشهد على من سرق عليها !! وتشهد على من زنى عليها !! وتشهد على من هرب من عمله وقصر فيه عليها!! وتشهد على من سفك دماء الأبرياء عليها!! وتشهد على قُطَّاعِ الطرق والمحاربين عليها!!

وكذلك الجوارح؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:” كنا عند رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه

 وسلَّمَ فضحك فقال” هل تدرون مما أضحكُ ؟ ” قال قلنا : اللهُ ورسولُه أعلمُ . قال ” من مخاطبة العبدِ ربَّه . يقول : يا ربِّ ! ألم تُجِرْني من الظلمِ ؟ قال يقول : بلى . قال فيقول : فإني لا أُجيزُ على نفسي إلا شاهدًا مني. قال فيقول : كفى بنفسك اليوم عليك شهيدًا . وبالكرامِ الكاتبين شهودًا . قال فيختُم على فيه . فيقال لأركانِه: انطِقي . قال فتنطق بأعمالِه . قال ثم يُخلّى بينه وبين الكلامِ . قال فيقول: بُعدًا لكُنَّ وسُحقًا . فعنكنَّ كنتُ أناضلُ ” ( مسلم ). والموت هو نهاية مدة الابتلاء والامتحان، والبعث والحساب هما فرْز نتائج الابتلاء، وتصنيف الناجحين والفاشلين، والمآل إلى الجنة أو النار هما الثمرة العملية لهذا

الابتلاء والامتحان.

فعلينا أن نُراقب الله في أعمالنا وفي كل شؤوننا؛ وفي حال التزامنا بعمل يجب علينا القيام به على أكمل وجه يُحبه الله ويُحبه خلقه؛ ولتعلموا أن أعمالكم مكتوبة ومسجلة ومحصاة عليكم: ” يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا؛ فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ؛ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ “( مسلم ).

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثانية والثمانون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*العنصر الثاني: وسائل وأسباب رفع البلاء :

*وسائل وأسباب رفع البلاء قبل وقوعه:

عباد الله: تعالوا في هذا العنصر لنقف معكم مع أسباب رفع البلاء قبل وقوعه ؛ وذلك من خلال السبل والطرق التالية:

أولًا: تطبيق الحجر الصحي والعزل: وقد سبقت به السنة النبوية المطهرة منذ

أربعة عشر قرنًا من الزمان؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: ” لَا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ “. ( البخاري ومسلم ) . وقال أيضًا: ” إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوهَا ؛ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهَا “. ( البخاري ومسلم ) . وهذا أخذًا بكل أسباب الوقاية تحرزًا من نقل البلاء إلى الآخرين .

ثانيًا: البعد عن المعاصي والفواحش: لأن ارتكاب المعاصي والفواحش من أهم أسباب وقوع البلاء؛ قال تعالى: { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِير}.(الشورى:30). وقال تعالى: { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.( الروم:41). فبالتوبة والاستغفار يكشف البلاء بإذن رب الأرض والسماء، فإنه ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة ؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ:

” لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا … ” الحديث. (البيهقي والحاكم وصححه). وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: « إِنَّ الْهَلَكَةَ كُلَّ الْهَلَكَةِ أَنْ تَعْمَلَ السَيئات فِي زَمَانِ الْبَلَاءِ ». ( العقوبات لابن أبي الدنيا ) .

ثالثًا: التحصن بالأدعية والأذكار:

فعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :” مَنْ قَالَ : بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُصْبِحَ ، وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُمْسِيَ “. ( أبو داود والترمذي وصححه ) .

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقَالَ :

 يَا رَسُولَ اللَّهِ  مَا لَقِيتُ مِنْ عَقْرَبٍ لَدَغَتْنِي الْبَارِحَةَ ، قَالَ : ” أَمَا لَوْ قُلْتَ حِينَ أَمْسَيْتَ :أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ،لَمْ تَضُرَّكَ ( مسلم )

    وعن عبد الله بن خبيب رضي الله عنه قال : خَرَجْنَا فِي لَيْلَةِ مَطَرٍ وَظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ نَطْلُبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ لَنَا ، فَأَدْرَكْنَاهُ فَقَالَ : ( أَصَلَّيْتُمْ ؟ ) فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا ، فَقَالَ : ( قُلْ ) ، فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا ، ثُمَّ قَالَ : ( قُلْ ) ، فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا ، ثُمَّ قَالَ : ( قُلْ ) ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَقُولُ ؟ قَالَ :  قُلْ ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي وَحِينَ تُصْبِحُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ) . ( أبو داود والترمذي وحسنه ) .

وقد كان -صلى الله عليه وسلم- يكثر من الاستعاذة بالله « مِنْ الْبَرَصِ، وَالْجُنُونِ، وَالْجُذَامِ، وَمِنْ سَيِّئْ الْأَسْقَامِ» .( أبو داود ). فعليكم أن تكثروا من الذكر والدعاء والتضرع إلى الله ليكشف عنا الغمة؛{فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا} الأنعام: 43

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الثالثة والثمانون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*وسائل وأسباب رفع البلاء قبل وقوعه:

رابعًا: الاهتمام بالنظافة بجميع صورها: نظافة الفم والأسنان؛ والشعر والبدن ؛ والثوب والطعام والشراب؛ والمسكن والطريق والمرافق العامة ؛ وكل ذلك له دليله من السنة لا يتسع المقام لذكره ؛ فعن سعيد بنِ المُسَيَّبِ مرسلاً قال: صلى الله عليه وسلم “إنَّ اللهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ ، نظيفٌ يُحِبُّ النظافةَ ، كريمٌ يُحِبُّ الكرمَ ، جَوادٌ يُحِبُّ الجُودَ ؛ فنَظِّفُوا أَفْنِيَتَكم ؛ ولا تَشَبَّهوا باليهودِ” ” الترمذي”؛ وكذلك نظافة الأطعمة والأشربة، وحمايتهما من أسباب التلوث، فَعَنْ  جَابِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:” أَغْلِقُوا أَبْوَابَكُمْ ، وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ ، وَأَطْفِئُوا سُرُجَكُمْ ، وَأَوْكُوا أَسْقِيَتَكُمْ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا ، وَلَا يَكْشِفُ غِطَاءً ، وَلَا يَحُلُّ

وِكَاءً ، وَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ تُضْرِمُ الْبَيْتَ عَلَى أَهْلِهِ ” يَعْنِي: الْفَأْرَةَ .” ( مسلم).

كما يجب غسل الأيدي والمبالغة في الاستنشاق والاستنثار باستمرار؛ وعدم التنفس في الإناء؛ وتغطية الوجه عند العطس ؛ وكل ذلك أمرتنا به السنة النبوية المطهرة ؛ فقد ” نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتنفس في الإناء أو ينفخ فيه”.( أبو داود )، وكذلك: ”  كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عطس غطى وجهه بيديه أو بثوبه وغض بها صوته ” . ( الترمذي وحسنه ) .

خامسًا: قضاء الحوائج وصناعة المعروف:

فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “ صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ، وَصَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ "( الطبراني بسند حسن). والمصرع: هو مكان الموت، فيقي الله من يحسن إلى الناس بقضاء حوائجهم من نزول البلاء أو الموت في مكان سيء أو هيئة سيئة أو ميتة سيئة.

العنصر الثالث: وسائل وأسباب رفع البلاء بعد وقوعه

عباد الله: تعالوا لنقف مع وسائل وأسباب رفع البلاء بعد وقوعه؛ وكيف نتعامل معه وواجبنا نحو البلاء وذلك من خلال ما يلي:

أولًا: الصبر والاحتساب: فينبغي على كل من أصابه بلاء أن يحمد الله ويسترجع ؛ أي يقول: الحمد لله ؛ إنا لله وإنا إليه راجعون ؛ اللهم أجرني في مصيبتي وأخلفني خيرًا منها ؛ إن فعل ذلك فإنه يكون من الصابرين الناجحين في الاختبار ؛ قال تعالى: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ }. ( البقرة: 155- 157 ).

على أن يقول ذلك عند أول وهلة بالبلاء ؛ أي في لحظة نزول البلاء أو علمه

 به إن كان غائبًا ؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ ، فَقَالَ “: اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي قَالَتْ : إِلَيْكَ عَنِّي ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي ، وَلَمْ تَعْرِفْهُ ، فَقِيلَ لَهَا : إِنَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَتَتْ بَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ ، فَقَالَتْ : لَمْ أَعْرِفْكَ ، فَقَالَ : إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى”. (البخاري).

أما من يشق الجيوب ويلطم الخدود ويدعو بدعاء الجاهلية ؛ ويسخط على القدر وبعد ذلك يقول:نحن من الصابرين ؛ فليس له حظ ولا نصيب من الصبر ؛ ويعد راسبًا في الاختبار ؛ لأن الصبر يكون عند الصدمة الأولى .

بل إنه بجزعه حرم الأجر؛ لأن القدر نافذ لا محالة؛ فقد عزَّى الإمام علي رضي الله عنه رجلاً في ابن له مات فرآه جزعًا ، فقال له الإمام على: ” يا أبا فلان إنك إن صبرت نفذت فيك المقادير ولك الأجر، وإن جزعت نفذت فيك المقادير وعليك الوزر “.

وأقول لأهل البلاء: أبشروا فإن الله يرفعكم منازل ودرجات في الجنة جزاء صبركم على البلاء؛ ففي الحديث: « إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَنْزِلَةٌ لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ ؛ ابتَلاهُ الله فِي جَسَدِهِ أَوْ فِي مَالِهِ أَوْ فِي وَلَدِهِ ؛ ثُمَّ صَبَّرَهُ عَلَى ذَلِكَ  ؛ حَتَّى يُبَلِّغُهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ مِنَ الله تَعَالَى » ( أحمد وأبو داود بسند صحيح ). وعَنْ جَابِرٍ قَالَ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” يَوَدُّ أَهْلُ الْعَافِيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يُعْطَى أَهْلُ الْبَلَاءِ الثَّوَابَ؛ لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بِالْمَقَارِيضِ “. ( الترمذي وحسنه).

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الرابعة والثمانون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*وسائل وأسباب رفع البلاء قبل وقوعه:

ثانيًا : عدم سب البلاء:

لأن الله هو الذي خلق السبب والمسبب؛ فعن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَخَلَ عَلَى أُمِّ السَّائِبِ أَوْ أُمِّ الْمُسَيِّبِ فَقَالَ: «مَا لَكِ؟ يَا أُمَّ السَّائِبِ أَوْ يَا أُمَّ الْمُسَيِّبِ تُزَفْزِفِينَ؟» قَالَتْ: الْحُمَّى، لَا بَارَكَ اللهُ فِيهَا، فَقَالَ: «لَا تَسُبِّي الْحُمَّى، فَإِنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ، كَمَا يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ» . ( مسلم ) .

ثالثًا: الأخذ بأسباب التداوي والشفاء:

فيجب على كل من أصابه مرض أن يأخذ بأسباب التداوي والشفاء ؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قَالَ:” مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً” (البخاري)؛ وعَنْ جَابِرٍ؛ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:” لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ؛ فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.” ( مسلم)؛ قال الإمام النووي – رحمه الله-:” هذا فيه بيان واضح ، لأنه قد علم أن الأطباء يقولون : المرض هو خروج الجسم عن المجرى الطبيعي ، والمداواة رده إليه ، وحفظ الصحة بقاؤه عليه ، فحفظها يكون بإصلاح الأغذية وغيرها ، ورده يكون بالموافق من الأدوية المضادة للمرض ، ……قلت : لكل داء دواء ، ونحن نجد كثيرين من المرضى يداوون فلا يبرءون ، فقال: إنما ذلك لفقد العلم بحقيقة المداواة ، لا لفقد الدواء ، وهذا واضح . والله أعلم .”أ.ه

فالأمراض المزمنة والأمراض التي لم يستكشف الأطباء لها علاجًا حتى الآن؛ ليس نقصًا في الدواء أو خاماته وإنما هو عدم وصول العلم الحديث إلى استكشاف هذه الأدوية ؛ وهذا ما أشار إليه الإمام النووي رحمه الله.

فالأمر بالتداوي مطلوب؛ وكل داء له دواء إلا الهرم والموت؛ ويحضرني في

ذلك قصة جميلة لأمير المؤمنين هارون الرشيد رحمه الله؛ لما مَرِضَ مَرَضَ الموت واشتد به مرضه الذي مات به؛ عُرض بوله على الطبيب وهو لا يدري أنه للرشيد. فقال الطبيب: إن صاحب هذا البول ميئوس منه. وبلغ ذلك الرشيد فأنشد وهو في المرض:

إن الطــــــــبيب له علم يــــدل به****** مـــــادام في أجـــــل الإنسان تأخير

حتى إذا ما انقضى أيام مهلته***** حار الطبيب وخانته العقاقير

فالطبيب والدواء ينفع مادام في أجل الإنسان متسع؛ أما حين يأتي الأجل فلا

 يملك أطباء العالم كله من الأمر شيئًا !!!

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة

الخامسة والثمانون بعد المائة في موضوع (الرقيب) وهي بعنوان :

*وسائل وأسباب رفع البلاء قبل وقوعه:

  وفي الختام هناك عدة وصايا وإرشادات هامة يجب علينا اتباعها في ظل هذه الظروف الراهنة وهي:

1- الأخذ بالأسباب واتباع تعليمات وتوجيهات جهات الاختصاص وفي مقدمتها ما يصدر عن وزارة الصحة فيما نحن بصدده من مواجهة انتشار فيروس كورونا .

2- أن لا ننساق وراء الشائعات والمواقع المشبوهة ؛ كما يجب علينا طاعة الله ورسوله وأولي الأمر مصداقًا لقوله تعالى: {  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } . (النساء: 59) .

3 – التراحم فيما بيننا والإيثار لا الأثرة ، وعدم الأنانية ، والبعد عن كل أنواع

الاحتكار من البائع قصد رفع سعر السلع ، أو الشره في الشراء والأنانية فيه من جانب المشتري ، بما يخل بتوازن العرض والطلب .

4- الحفاظ على نظافة المنازل والأفنية والمرافق العامة؛ وعدم التجمعات والتكدسات ؛ وتنبيه الأهل والأولاد على ذلك ؛ فإذا كانت الدولة علقت الواجبات الهامة في التعليم والمصالح العامة ؛ فلا ينبغي أن نضيع الأوقات في تجمعات أوقات الفراغ ؛ فنكون بذلك قد ضيعنا الهدف والغاية من تعليق المصالح العامة ؛ كمن صام رمضان عن الحلال وأفطر على ما حرم الله !!

نسأل الله أن يرد المسلمين إلى دينه مردًا جميلًا ؛ وأن يرفع عنا الوباء والبلاء؛ وأن يحفظ بلادنا وسائر بلاد المسلمين من كل مكروه وسوء؛ اللهم آمين ؛؛؛؛ [  الأنترنت – موقع خطبة جمعة –  للدكتور خالد بدير: وسائل وأسباب رفع البلاء –مايلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ]

الخاتمة

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات  ، تم الإنتهاء  من هذا البحث المهم ( الرقيب ) في يوم السبت 27/7/ 1441هـ في منزلي الكائن في مدينة العقيق في منطقة الباحة بالمملكة العربية السعودية ، وقد بذلت قصارى جهدي فيه ، وجمعت كل ماله علاقة قريبة أو بعيدة  بالموضوع ، وقد عزوت كل نص الى قائله سواء آيات أو أحاديث أو أقوال للصحابة أو التابعين أو أتباع التابعين أو الأئمة أو العلماء أو الدعاة أوطلاب العلم أو المفكرين والكتاب وغيرهم ، وهو أشبه ما يكون بالتفسير الموضوعي ، وقد تعلمت منه الكثير والحمد لله .... إ ن اصبت فمن الله وإن أخطأت  فمن نفسي والشيطان وأستغفر الله ، اسأل الله أن يجعله علما نافعا وعملا صالحا متقبلا ، وأن ينفع به كاتبه وقارئه وسامعه ومشاهده وكل من اطلع عليه... وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.   وكتبه : الدكتور / مسفر بن سعيد دماس الغامدي  ،                              جوال / 0555516289