الــــقوي

بسم الله الرحمن الرحيم

 

المختصر

 

  المقدمة :

               إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا اله الا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ،قال تعالى :{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته،ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} آل عمران/ 120،وقال تعالى :  { يائها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ، وخلق منها زوجها ، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً ، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً }  النساء  / 1  ،وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً ، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً } الأحزاب /70 ، 71 وبعـــــد : 

فهذه الحلقة الأولى في موضوع (القوي )وهي بعنوان : المقدمة والتعريفات

*تعريف و معنى القوي في اللغة :

قَويّ: (اسم) الجمع : أقْوياءُ ، المؤنث : قويّة ، و الجمع للمؤنث : أقْوياءُ ، صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من قوِيَ والقَوِيّ :ذو القوة

قَويَ: (فعل) قوِيَ / قوِيَ بـ / قوِيَ ، فهو قَويُّ والجمع : أَقوياءُ ، والمفعول مقويّ به

قَوِيَ قَوِّي: جاع جُوعًا شديدًا ، قوِي بمساعدة فلان: استمدّ قُوّتَه منه ، قوِي على الأمْرِ: أطاقه، استطاع فِعله

آفة القُوَّة استضعاف الخصم، الاتّحاد يورث القوّة،

قَويُّ : فاعل من قَويَ ، استقوى فلانٌ : صار ذا قوَّة (طاقة)

استقوى بمساعدة فلان: صار قويًّا بمساعدته  [الأنترنت – موقع المعاني للمجامع ]

وأيضاً معنى القوي :

القوة خلاف الضعف والعجز ، وهي الاستعداد الذاتي للقيام بالفعل. القوي هو صاحب القدرةِ المطلقة والإرادةِ المطلقة . القوي هو الذي لا يلحقه عجز في حال من الأحوال ، يفعل ما شاء ، متى شاء ، وكيف شاء. [الأنترنت – موقع طاقتنا الخضراء ]

والقوي  في اللغة أيضاً  : صفة مشبهة للموصوف بالقوة ، وقد قوي ، وتقوى قوة فهو قوي ، يقال : قوى الله ضعفك أي أبدلك مكان الضعف قوة ، فالقوة نقيض الضعف ، والوهن ، والعجز ، وهي الاستعداد الذاتي ، والقدرة على الفعل ، وعدم العجز عن القيام به ، قال تعالى لسيدنا موسى  عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام  عن الألواح : " فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ " [الأعراف:145] .

أي خذها بقوة في دينك وحجتك ، وقال جلّ جلاله لسيدنا يحيى عليه السلام : " يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ " [مريم:12] أي بجد ، وعون من الله تعالى .

الحبّ في الله عين التوحيد والحبّ مع الله عين الشرك [الأنترنت – موقع  الكلم الطيب - اسم الله القوي  - د محمد راتب النابلسي ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : 

*تعريف و معنى القوي في الإصطلاح  :

، الله جلّ جلاله هو " القوي " بل هو  القوي  وحده ، ولا قوي سواه ، وكل قوة في الأرض مستمدة من قوة الله ، كل قوة في الأرض في الذوات

والأشياء مستمدة من قوة الله تعالى ، تأييداً للمؤمنين ، أو استدراجاً لغير المؤمنين ، أو تسخيراً للجمادات ، لحكمة بالغةٍ عرفها من عرفها ، وجهلها من

جهلها ، الآية الدقيقة ، يحتاجها كل واحد منا ، قال تعالى : " وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ " [البقرة:165] .

العلماء قالوا : هناك حب في الله ، وهناك حب مع الله ، الحبّ في الله عين التوحيد والحبّ مع الله عين الشرك ، والفرق كبير بينهما ، إنك تحب الله ، محبة الله هي الأصل ، ومن لوازم هذه المحبة أن تحبّ رسوله ، وأن تحبّ أنبياءه ، و رسله ، وأن تحبّ أصحاب النبي جميعاً ، وأن تحبّ المؤمنين ، وأن تحبّ أولياء الله الصالحين ، وأن تحبّ زوجتك ، وأن تحبّ أولادك  ، وأن تحبّ المساجد ، وأن تحبّ كتاب الله ، وأن تحبّ قراءته ، وأن تحبّ تفسيره ، وأن تحبّ فهمه ، هذا حبّ في الله ، هناك حبّ أصلي ، وهناك فروع لهذه المحبة .

 أما الحب مع الله : أن تحب جهة لا يرضى الله عنها ، لكن مصلحتك مرتبطة بها ، هذا حب مع الله ، الأول عين التوحيد ، والثاني عين الشرك ، الآن : " وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ " [البقرة:165] .

الله عزّ وجلّ منح الإنسان أشياء لا تعد ولا تحصى :" وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ " [البقرة:165] .

كأن القوة هنا تعطي ملامح ثلاثة ، قوة في الجمال ، أو قوة في الكمال ، أو قوة في النوال ( العطاء ) الله المعطي ، منحك الوجود ، منحك نعمة الإيجاد .

" هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً " [الإنسان:1] ، منحك قوة الإمداد ، منحك نعمة الهدى والرشاد ، منحك عقلاً ، منحك سمعاً وبصراً ، منحك محاكمة ، منحك زوجة ، منحك أولاداً ، منحك حرفة تتكسب بها ، منحك أشياء لا تعد ولا تحصى " وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ " [البقرة:165] .

أسعد لحظات المؤمن عند لقاء ربه تعالى ،وأرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً ، أي شيء تحبه لابدّ من أن يفارقك ، أو أن تفارقه ، شخص يحب امرأته حباً لا حدود له ، لابدّ من أن يموت قبلها ، أو تموت قبله .

هل يوجد حدث مستقبلي بحياتنا جميعاً أقوى من الموت ؟ هل يستطيع شخص من بني البشر بما فيهم الملوك والأنبياء أن ينجو من الموت ؟ أبداً ، أخطر حدث مستقبلي مغادرة الدنيا ، من هو العاقل ؟ من هو الذكي ؟ من هو الموفق ؟ من هو الفالح ؟ من هو الناجح ؟ الذي يتكيف مع هذه اللحظة

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :  الله جلّ جلاله سمًى ذاته العلية باسم " القوي " لأنه :

1 ـ موصوف بالقوة التي لا تغلب  :

" القوي " سبحانه وتعالى هو الموصوف بالقوة ، والإنسان في أصل فطرته يعجب بالـ " القوي " أنت اجلس بمجلس ، هناك عشرة رجال ، أحدهم قوي جداً يتمتع بمنصب رفيع ، تجد الحاضرون كلهم تنعقد أبصارهم عليه ، ينظرون إليه ، يسألونه ، خطف الأبصار كلها لأنه قوي ، وهناك إنسان آخر خطف الأبصار كلها لأنه غني ، وهناك إنسان أنيق جداً ، وسيم الطلعة ، وجهه لطيف ، الناس كلهم ينظرون إليه ، الجمال ، والكمال ، والنوال يجلب الأنظار ،فكيف إذا علمت أن كل جمال في الكون مسحة من جمال الله ، وكل كمال في البشر مسحة من كمال الله ؟ شخص أعطاك عطية ، لكن الله منحك زوجة ، منحك أولاداً ، منحك أجهزة دقيقة جداً .....

لذلك الله سبحانه وتعالى موصوف بالقوة، وصاحب القدرة المطلقة، لا يغلبه غالب، وإن كان  الإنسان أحياناً يتعلق بقوي من البشر ولو كان عدوه ، قوي ، أمره نافذ ، يتكلم ينفذ ، تجد حتى الدول التي تهزم من قبل الأقوياء القوي مع أنه عدو لكن ينتزع إعجاب الأفراد المهزومين ، فكيف بك إذا تعلقت بأقوى الأقوياء ، تعلقت بالـ" القوي " الحقيقي وقوته يمكن أن تنتفع بها ، أنت قوي إذا كنت مع القوي ، وأنت غني إذا كنت مع الغني وأنت عالم إذا كنت مع العالم ، وأنت حكيم إذا كنت مع الحكيم ........

2 ـ قوي في فعله قادر على إتمامه :

 الإنسان الضعيف ، يقوي ضعفه بالله ، يصبح قوياً ، والإنسان الجاهل يلغي جهله بمعرفة الله ، الإنسان أحياناً غير حكيم لكنه إذا اتصل بالحكيم صار حكيما

إذاً الله جلّ جلاله لا يغلبه غالب ، ولا يرد قضاؤه راد ، ولا يمنعه مانع ، ولا يدفعه دافع ، وهو " القوي " في فعله ، القادر على إتمام فعله .....

3 ـ قوي في بطشه لا يعتريه ضعف أو قصور :

" القوي " في بطشه ، أحياناً إنسان طاغية يتفنن في إذلال العباد ، تأتي قدرة الله عز وجلّ فيبطش به ، ترتاح النفوس ، وسبحان من قهر عباده بالموت ، مطلق المشيئة والأمل في مملكته ، والله هو " القوي " سبحانه ، لا يعتريه ضعف أو قصور ، قيوم لا يتأثر بوهم أو فتور ، ينصر من نصره ، ويخذل من خذله ." إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ " [محمد:7] .

هناك هدف للمسلمين الآن يفوق من أن ننتصر على أعدائنا وما أكثرهم ؟ أكبر هدف الراحة لنا أن ننتصر ، أن نستمع أننا أقوياء ، وانتصرنا ، النصر بيد الله ، وثمنه بيدنا الثمن أن ننصر الله ، أن ننصر دين الله " إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ " .

" إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ " [آل عمران:160] وإذا كان الله معك فمن عليك ، وإذا كان عليك فمن معك ، ويا رب ماذا فقد من وجدك وماذا وجد من فقدك ؟ .

4 ـ كتب الغلبة لنفسه :

و " القوي " سبحانه ، الذي كتب الغلبة لنفسه فقط ، و أحياناً تأتي كلمة كتب مقترنة بفعل الله ، الله عنده كتابة ؟ نحن بني البشر نكتب ، لماذا ؟ إذا وثق الأمربالكتابة اصبح مريحا ، يقول لك : إن معي سند ، إن معي موافقة خطية ، إن معي إيصال ، إن معي عقد ، الإنسان من ضعفه بحياته هناك اتفاقات شفهية ، واتفاقات كتابية ، أي اتفاق شفهي يُنكر ، أما الكتابة ثابتة ، فالله عز وجل مراعاة لعقليتنا يقول : " كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ " [الأنعام:54] اطمئن ." كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي " [المجادلة:21] .إذا جاءت كلمة كتب مقترنة بفعل الله عز وجل كي يطمئن عباده ، الآية : " كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي "

هذه آيات زوال الكون أهون على الله من ألا تتحقق :" إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ " [المجادلة:21] ." إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا " [غافر:51] .

" إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ " [آل عمران:160] ." وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ " [الصافات:173] ." وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ " [الروم:47] .

علينا أن ننصر الله حتى نستحق نصره ، أنا أعود وأقول دائماً : اللهم انصرنا على أنفسنا حتى ننتصر لك ، حتى نستحق أن تنصرنا على أعدائنا ، والحديث الشريف : " هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ " [البخاري] .إذا نصرنا الضعيف ، الفقير ، الجائع ، المظلوم ينصرنا الله عز وجل .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :  الله جلّ جلاله سمًى ذاته العلية باسم " القوي " لأنه :

5 ـ موصوف بالقوة المطلقة :

" القوي " هو الكامل ، القدرة على كل شيء ، الذي لا يستولي عليه العجز في حال من الأحوال ، قال تعالى : " مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ " [الحج:74] ." قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَىٰ (45) قَالَ لَا تَخَافَا ۖ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ " [طه:45-46] .

أنت حينما تقول في الصلاة : سمع الله لمن حمده ، يعني أنا أسمعك يا عبدي ." إِنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ نَزَلَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا

فَيَقُولُ : هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ ؟ هَلْ مِنْ تَائِبٍ ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ ؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ ؟ حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ " [مسلم] ." ولو علموا ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبواً " [البخاري] . وأبشركم : " من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي ، ومن صلى العشاء في جماعة فهو في ذمة الله حتى يصبح " [أحمد] .

فإذا أدركت العشاء والفجر في المسجد في جماعة فقد أخذت ضمانة من الله في اليوم بأكمله لأنه القوي.

6 ـ متناهٍ في القوة :

" القوي " المتناهي في القوة ، الذي تتصاغر كل قوة أمام قوته ، مثال : زلزال تسونامي يساوي مليون قنبلة ذرية ، هناك جزر انزاحت عن مكانها ، هناك حديث طويل عن هذا الزلزال هذا مثل لقوة الله عز وجل .

يتضاءل كل عظيم عند ذكر عظمته ، الله تعالى أعطى الملائكة قوة كبيرة يستطيع الملك بها أن يقتلع الجبال ، وأن يقلب المدن ، يقول لك : سبعة رختر يعني دمر كل شيء مدينة بأكملها أصبحت : " قَاعاً صَفْصَفاً " [طه:106] .

زلزال وقع في إزميت بتركيا هناك صورة عُرضت في البي بي سي ، في الموقع بالانترنيت تلفت النظر كل شيء في المدينة أصبح ركاماً ، تفتت المدينة فتاتاً عجيباً إلا مسجداً ، ومعهداً شرعياً ، هذه الصورة تركت أثراً بالعالم ، إزميت بأكملها أصبحت ركاماً ، أحياناً يكون في الزلازل قطع كبيرة ،  لكن هذه المدينة         أصبحت قطعا صغيرة ، الارتفاع متر تقريباً ، إلا مسجداً ومعهداً شرعياً ، هذه رسالة من الله .

7 ـ له كمال القدرة والعظمة ولا يعجزه شيء :

" القوي " هو الذي له كمال القدرة والعظمة ، ولا يعجزه شيء ، قال العلماء : " القوي " غالب لا يُغلب ، يُجير ولا يُجار عليه ، فقوته فوق كل قوي ،

ما قولك أن تكون مع هذا " القوي " ؟ هل تخشى أحداً ؟ هل ترتعد فرائصك ؟ إذا كنت مع " القوي " فأنت " القوي " .

من عرف الله زهد فيما سواه : الإنسان  يعجب بالقوة ، ويتأثر بالكمال ، وأحياناً يتطلع إلى الأقوياء ، والله سبحانه وتعالى من عظمته جلّ جلاله يجمع بين القوة وبين الكمال ." تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ " [الرحمن:78] .

 هذه أسماء الكمال  : الرحيم ، الرحمن ، اللطيف ، المعطي ، الحنان ، المنان ، أما القوي ، الجبار ، المنتقم فهي من أسماء القوة ، أنت مع قوي ومع رحيم ، مع قوي ومع لطيف ، مع قوي ومع كريم .

والإنسان لا يعجب بقوي لئيم ، ولا بمحسن ضعيف ، يعجبه أن تجتمع القوة والكمال في جهة واحدة ، الله وحده في كمالاته ، وفي قوته ، الذي يملأ طموح الإنسان هو الله القوي ؛ لذلك من عرف الله زهد فيما سواه .

التدين حاجة فطرية ، حتى أتباع الديانات الأرضية ، الوضعية يلبون حاجة في نفوسهم ، الإنسان خلق ضعيفاً ليفتقر في ضعفه ، فيسعد بافتقاره ، ولو خلق قوياً لاستغنى بقوته فشقي باستغنائه ، حتى أتباع الديانات الباطلة ، الوضعية ، المختلقة ، هم يلبون حاجة لأن الإنسان خلق ضعيفاً ، لحكمة بالغةٍ بالغة     أن المسلم عرف " القوي " الحقيقي ، طبعاً هناك آلهة كالشمس ، والقمر ، والحجر ، والمدر ، والبقر ، آلهة في بعض البلاد ، فالمسلم محضوض ومن عظمة هذا الدين أنه عرف المسلم على الإله القوي القوة الحقيقية ، الذي هو معه في كل حين وزمان ومكان

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :  * آيات ورد فيها ( قُوَّةً ) :

*قال تعالى : {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ }﴿٦٠ الأنفال﴾

*وقال : {كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا }﴿٦٩ التوبة﴾

* وقال : {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ ﴿٥٢ هود﴾

* وقال : {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ ﴿٨٠ هود﴾

* وقال : {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا ﴿٩٢ النحل﴾

* وقال : {وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ﴿٣٩ الكهف﴾

* وقال : {قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ ﴿٣٣ النمل﴾

* وقال : {كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا ﴿٩ الروم﴾

* وقال : {ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ﴿٥٤ الروم﴾

* وقال : {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً ﴿٤٤ فاطر﴾

* وقال : {كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ ﴿٢١ غافر﴾

* وقال : {كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ ﴿٨٢ غافر﴾

* وقال : {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ﴿١٥ فصلت﴾

* وقال : {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ ﴿١٣ محمد﴾

* وقال : {ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ ﴿٢٠ التكوير﴾

* وقال : {فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ ﴿١٠ الطارق﴾

* وقال : {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ ﴿٦٣ البقرة﴾

* وقال : {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا ﴿٩٣ البقرة﴾

* وقال : {وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴿١٦٥ البقرة﴾

* وقال : {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ﴿١٤٥ الأعراف﴾

* وقال : {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴿١٧١ الأعراف﴾

* وقال : { إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴿٥٢ الأنفال﴾

[ الأنترنت – موقع المعاني  - آيات ورد فيها "قُوَّةً" ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :  *ومعنى القوي في حق الله :

إن البشرية اليوم في أمسِّ الحاجة لفقه أسماء الله وصفاته عامة، واسم القوي خاصة, في زمان أصبح فيه الناس كالوحوش يأكل القوي الضعيف دون زاجرٍ من دين, أو رادعٍ من ضمير, ففقه هذا الاسم يعيد للبشرية سلامها وأمنها ويضبط توازنها، وتستعيد البشرية به مرة أخرى إنسانيتها المفقودة بسبب الاغترار بالقوة والجبروت, فإن الغرور بالقوة والتقدم العلمي والعسكري غر كثيراً من الدول، فتسلطوا على خلق الله شرقا وغربا، ولسان حالهم: (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) [فصلت:15], ولو فقهوا معنى القوة الحقيقية، ومَن المتَّصِفُ بها لتواضعوا لله -عز وجل-، وكفوا عن العدوان على الناس.

و القوي قَالَ تعالى: (كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ إنا وَرُسُلِي إِن الله قَوِيٌّ عَزِيزٌ) [المجادلة:21], والقوة لله جميعاً (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات:58], وكلمة القوة في القرآن الكريم وردت منسوبة إلى الله كما في قوله: (وَلوْلا إِذْ دَخَلتَ جَنَّتَكَ قُلتَ مَا شَاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللهِ إِنْ تَرَنِ إنا أَقَل مِنْكَ مَالاً وَوَلداً) [الكهف:39]، وهو -سبحانه- الذي يهب القوة من شاء من عباده, كما قال هود -عليه السلام-: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلوْا مُجْرِمِينَ) [هود:52].

فالله قويٌ كامل القدرة لا يستولي عليه العجز في حال من الأحوال، لا يغلبه غالب، ولا يرد قضاءه

رادٌ، القويُّ الذي ينفذ أمره وقضاؤه، لا يمنعه مانع، ولا يدفعه دافع، القوي الذي قهر جميع المخلوقات، ودانت له الخلائق، وخضعت له جميع الكائنات، وامتنع أن يناله أحد من المخلوقات.

وفي القرآن نجد أن المولى -جل وعلا- قد قرن اسم القوي باسمين مخصوصين تتكامل بهما معاني ودلالات اسم الله القوي، هذان الاسمان هما: “العزيز” و”المتين”، فكثيرا ما يقترن اسم الله القوي باسمه العزيز؛ لأن قوته عن عزة وغنى, فلا يحتاج لمعينٍ ولا نصير ولا ظهير.

وقد جاءت أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- متناسقة مع الحديث القرآني عن أسماء الله وصفاته، توضح دلالاتها وتكشف مقتضياتها، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: “كَانَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ في سُجُودِ الْقُرْآنِ بِالليْلِ، يَقُولُ في السَّجْدَةِ مِرَارًا: سَجَدَ وجهي للذي خَلَقَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ” (صححه الألباني).

وعنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: “مَنْ أَكَلَ طَعَامًا ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ

الَّذِي أَطْعَمَنِي هَذَا الطَّعَامَ، وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ

مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ“، قَالَ: “وَمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي هَذَا الثَّوْبَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي، وَلَا قُوَّةٍ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ” (حسنه الألباني).

وشتان بين قوة الخالق وقوة المخلوقين، فلا وجه بين القوتين، وذلك من أوجه عديدة, منها:

أولا: أن كل قوة في الكون مصدرها الله تعالى، وقوة المخلوقات جميعا لا تساوي ذرة بالنسبة لقوة الله -عز وجل-، بل قوة جميع تلك المخلوقات لو اجتمعت لواحد منهم، فإن قوة أولئك كلهم لا تساوي شيئاً بالنسبة لقوة الملك القوي الجبار: (مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج:74].

ثانيا: قوة الله قوة أبدية لا تحول ولا تزول، وكل قوة في المخلوق تبدأ بضعف وتنتهي إلى ضعف, قال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) [الروم:54]. [الأنترنت – موقع ملتقى الخطباء - اسم الله القوي]

وأيضاً معنى الاسم في حق الله:

(القوي) جل جلاله: هو الذي لا يغلبه غالب، ولا يفوته هارب، ولا يَردُّ قضاءه رادٌّ، ينفذ أمرُه ويمضي قضاؤه في خلقِه، شديد عقابه لمن كفَر بآياته وجحد حججه"    [ تفسير الطبري، وتفسير ابن كثير.]

 (القوي) جل جلاله: هو الذي تتصاغر كل قوة أمام قوته، ويتضاءل كل عظيم أمام عظمته.

(القوي) جل جلاله: هو الذي يُعطي القوة بحكمته لمن يشاء، ويسلبها ممن يشاء، فبينما الرجل في أوج قوته وكامل صحته إذ بالمرض يدهمه؛ فلا يقوى أن يصلب عوده أو يرفع رأسه، ويضعف عن حمل أقل الأشياء.

ويأتي القوي في كتاب الله تعالى في سياقين:

الأول: الإخبار عن تدمير الظالمين والمذنبين.

الثاني: سياق النصر والتأييد والتفريج للمؤمنين والمستضعفين. [الأنترنت – موقع الألوكة - القوي المتين جل جلاله - د. شريف فوزي سلطان ]

ومن معنى اسم "القوي" في حق الله عز وجل : قال الخطابي رحمه الله تعالى: "هو الذي لا يستولي عليه العجز في حال من الأحوال، والمخلوق وإن وصف بالقوة فإن قوته متناهية وعن بعض الأمور قاصرة".

وذكر الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله تعالى - الفرق بين القدرة والقوة فقال:"القدرة يقابلها العجز، والقوة يقابلها الضعف، والفرق بينهما أن القدرة يوصف بها ذو الشعور، والقوة يوصف بها ذو الشعور وغيره.

ثانيًا: أن القوة أخص فكل قوي من ذي الشعور قادر وليس كل قادر قويًا".

ولله اﻷسماء الحسنى - عبد العزيز الجليل الأنترنت – موقع حياة القلوب في معرفةعلام الغيوب

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فهذه الحلقة السابعة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :  *ومن مظاهر قوة الله القوي :

أولا: قوة المشيئة النافذة على إتمام فعله، فله مطلق المشيئة والأمر، قويٌ في ذاته غيُر عاجز، لا يعتريه ضعفٌ أو قصور، قيّوم، لا يتأثر بوهن أو فتور، ينصر من نصره، ويخذل من خذله، قال -عز وجل-: (وَلَيَنْصُرَنَّ الله مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج:40].

ثانيا: قوة إبداع الخلق، خلق العرش والكرسي، وخلق الملائكة العِظام، خلق السماوات والأرض، والجبال الراسيات، والنجوم الزاهرات، والكواكب النيرات، والحيوان والنبات, وذلك لكمال قوته وقدرته (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ) [السجدة: 7].

عباد الله: أليس في رفع السماء بلا عمد مع ما تحمل من المخلوقات فوقها أكبرُ آية وأعظم دليل على قوة الله البالغة؟ (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ) [فاطر:41]. “قَرَأَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- هَذِهِ الْآيَةَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: (وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)، قَالَ: يَقُولُ اللهُ -عز وجل-: “أنا الْجَبَّارُ، أنا الْمُتَكَبِّرُ، أنا الْمَلِكُ، أنا الْمُتَعَالِي، يُمَجِّدُ نَفْسَهُ“. قَالَ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ يُرَدِّدُهَا حَتَّى رَجَفَ بِهِ الْمِنْبَرُ، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيَخِرُّ بِهِ” (رواه أحمد).

ثالثا: ومن مظاهر قوته: إهلاك الكافرين والمجرمين, بأنواع من العقوبات، نصراً لأنبيائه وتأييداً لأوليائه, قال الله: (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال:52].

وقد أهلك الله القوي الأمم التي كفرت بالله وكذبت الرسل، وأفسدوا في الأرض، واستكبروا فيها،

 (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [غافر:22]، فأنزل عليهم من عقابه ما أظهر عليهم قدرته وقوته (أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى * وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى * وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى * وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى * فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى) [النجم:50-55].

وكانت العقوبات القوي -سبحانه- متفاوتة (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا) [العنكبوت:40]. الأنترنت – موقع ملتقى الخطباء - اسم الله القوي

*إن لاسم الله القوي آثارٌ إيمانية في حياة الفرد والمجتمع, ومن أهم هذه الآثار:

أولا: الاعتزاز بقوة الله -عز وجل-؛ وذلك بأن ينعكس هذا الاعتزاز على حياة المؤمن وسلوكه وأفعاله، فيصدع بالحق ولا يخاف في الله لومة لائم، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قوما، فَرَأَوْا مِنْ الْمُسْلِمِينَ غِرَّةً، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى قَامَ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِالسَّيْفِ، فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: “اللَّهُ عز وجل“، فَسَقَطَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ. فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ: “مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟” قَالَ: كُنْ كَخَيْرِ آخِذٍ. قَالَ: “أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟”. قَالَ: لَا، وَلَكِنِّي أُعَاهِدُكَ أَنْ لَا أُقَاتِلَكَ وَلَا أَكُونَ مَعَ قَوْمٍ يُقَاتِلُونَكَ، فَخَلَّى سَبِيلَهُ. قَالَ: فَذَهَبَ إِلَى أَصْحَابِهِ، قَالَ: “قَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ خَيْرِ النَّاسِ“. (رواه أحمد)، في هذا الموقف الصعب يصمد القائد كالجبل الأشم ثابتاً لا يتزحزح؛ لأنه يعلم أن قوة القوي مهيمنة ونافذة.

ثانيا: حسن التوكل على القوي والاستسلام لعظمته والتبرؤ من الحول والقوة إلا به، ولهذا كانت كلمة “لا حول ولا قوة إلا بالله” جليلة الشأن، كبيرة القدر، عظيمة الأثر, عَنْ حَازِمِ بْنِ حَرْمَلَةَ قَالَ: مَرَرْتُ بِالنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ لِي: “يَا حَازِمُ، أَكْثِرْ مِنْ قَوْلِ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، فَإِنَّهَا مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ” (صححه الألباني).

ثالثا: التواضع وترك الغرور، فمن خدعته قوته واغتر بنفسه أو جاهه أو سلطانه فليتذكر قوة القوي الجبار. عن أَبُي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيّ: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي بِالسَّوْطِ، فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ خَلْفِي، “اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ“، فَلَمْ أَفْهَمِ الصَّوْتَ مِنَ الْغَضَبِ، قَالَ: فَلَمَّا دَنَا مِنِّي إِذَا هُوَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَإِذَا هُوَ يَقُولُ: “اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ، اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ“، قَالَ: فَأَلْقَيْتُ السَّوْطَ مِنْ يَدِي، فَقَالَ: “اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ، أَنَّ اللهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الْغُلَامِ“، قَالَ: فَقُلْت: لَا أَضْرِبُ مَمْلُوكًا بَعْدَهُ أَبَدًا” (رواه مسلم).

فإذا دعتك قوتك إلى ظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك, فكم من أناس بين عشية وضحاها أصبحوا لا وزن لهم ولا قيمة، فهذا قارون لما اختال بماله ومكانته، ونَصَحَهُ قومه ووعظوه: (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) [القصص:78]، فكانت النتيجة: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ) [القصص:81].

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فهذه الحلقة الثامنة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :  *ومن مظاهر قوة الله القوي :

رابعا: الاستخدام النافع للقوة الموهوبة في الحق في خدمة الواهب -سبحانه-، وأن تذيب هذه القوة في الدعوة إليه، فلك في السابقين قدوة، فعن أَبِى عَقْرَبٍ -رضي الله عنه- أنه قَال: سَأَلْتُ رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الصَّوْمِ فَقَال: “صُمْ يَوْمًا مِنَ الشَّهْرِ“، قُلْت: يَا رَسُول اللهِ زِدْنِي زِدْنِي إِنِّي أَجِدُنِي قَوِيًّا، فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ ليَرُدُّنِي، قَال: “صُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ” (صححه الألباني).

فسخَّر قوتك ونشاطك في طاعة الله -سبحانه- وفي عمارة الأرض بالخير والعمل الصًّالح، ولا تبخل بها في دعم مسيرة الدعوة إلى الله -عز وجل- إن كنت ممن يحسن ذلك, فالمؤمن القويّ محبوبٌ عند الله -سبحانه-، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “المُؤمِنُ القَوِيُّ خَيرٌ وَأَحَبُّ إِلى اللهِ مِنَ الْمُؤمِنِ الضَّعِيفِ، وفي كُلٍّ خَيرٌ ” (رواه مسلم).[ الأنترنت – موقع ملتقى الخطباء - اسم الله القوي ]

ومن آثار الإيمان باسمه سبحانه (القوي المتين)

أولاً: التواضع لله تعالى ولخلقه، والشعور بالضعف الشديد أمام قوة الله - عز وجل -

الذي لا يعجزه شيء، والتي خضع لها كل شيء فمهما أوتي المخلوق من ملك وقوة وسلطان ومال وأولاد فهو ذليل ضعيف أمام قوة الله تعالى،

وهذا الشعور يثمر التواضع ومعرفة قدر النفس، والبعد عن إيذاء الخلق وظلمهم والاعتداء عليهم، وينفي العجب بالنفس وقوتها وغرورها.

ثانيًا: التوكل على الله وحده الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وإذا أراد أمرًا فلا راد لأمره، فهو سبحانه الذي يجب التوكل عليه وحده؛ لأنه وحده القوي العزيز الذي لا يغالب، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.

قال الله تعالى: { وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ } (217) [الشعراء: 317].

ثالثًا: الاستهانة بقوة المخلوق، والثقة في نصر الله - عز وجل - وكفايته للمؤمنين فمهما بلغت قوة الكافرين وعددهم وعتادهم فالله فوقهم،

ونواصيهم بيده وقوتهم لا شيء في جنب قوة الله تعالى، لكن بشرط الأخذ بأسباب النصر والعزة،

قال الله - عز وجل -: { فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَن اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ (16) } [فصلت: 15 - 16].

رابعًا: الشعور بالعزة وعدم الخوف من المخلوق؛ لأنه ضعيف لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعًا فضلاً عن أن يملكه لغيره.

كما قال ذلك العالم المجاهد الذي دخل على أحد السلاطين الظلمة فأمره ونهاه،

فلما قيل له: ألم تخف سطوته؟

قال: تذكرت عظمة الله تعالى وقوته فكان أمامي كالهر.

خامسًا: التبرؤ من الحول والقوة، حيث لا قوة للعبد على طاعة الله - عز وجل - وترك معاصيه، والصبر على أحكامه القدرية إلا بقوة الله - عز وجل -

وتوفيقه ولو وكل العبد إلى نفسه وحوله وقوته لضاع وهلك وخسر،

قال الرسول صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن قيس:(يا عبد الله بن قيس، ألا أعلمك كلمة هي من كنوز الجنة: لا حول ولا قوة إلا بالله)،

[الأنترنت – موقع حياة القلوب في معرفةعلام الغيوب - ولله اﻷسماء الحسنى - عبد العزيز الجليل]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فهذه الحلقة التاسعة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *القوي المتين جل جلاله

قال تعالى: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحج: 40].

نزلتْ هذه الآية في النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ حيث كانوا في أول الإسلام ممنوعين مِن قتال الكفار،

ومأمورين بالصبر عليهم لحكمة إلهية؛ فلما هاجروا إلى المدينة، وأُوذوا وحصل لهم منعة وقوة أُذن لهم بالقتال؛ فقال الله: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [الحج: 39، 40]، فإننا إن نصَرْنا الله تعالى باتباع أوامره واجتناب نواهيه، وفِعْل ما يُرضيه؛ فإن الله تعالى ناصِرُنا على عدوِّنا مهما قلَّ عدَدُنا وعُدَدُنا، ومهما عظُم عَدَدُهم وعُدَدُهم؛ وقال تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ﴾ [هود: 66]، وقال تعالى: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [المجادلة: 21]، فسبحانه كامل القوة، كاملُ العزة.

• ومِن كمال قوته وعزَّته أنَّ نواصي الخلق بيديه، وأنه لا يتحرك متحرِّكٌ، ولا يسكن ساكنٌ، إلا

بإرادته ومشيئته، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.

• ومِن كمال قوته أنه رفع السماوات بلا عمَدٍ؛ قال تعالى: ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [غافر: 57]،

وقال تعالى: ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ

زَوْجٍ كَرِيمٍ * هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [لقمان: 10، 11].

جبال الهيمالايا: يبلغ ارتفاعها اثني عشر ألف متر، ولها قاعدة تغوص تحت الأرض بعمق أربعة وعشرين ألف متر، فجميع جبال الأرض ثلثها فوق الأرض وثلثاها تحت الأرض، فمَن الذي خلَقَها؟ ومَن الذي جعلها أوتادًا للأرض لئلا تميد بنا؟ ومن الذي جعلها مصدَّات للرياح؟ ومن الذي جعلها مستودعًا للكنوز؟ إنه القوي المتين جل جلاله.

• ومن كمال قوته أنه يمسك السماء أن تقع على الأرض، ولو تركها ما قدر أحد على إمساكها؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ

زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ [فاطر: 41].

• ومن كمال قوَّته أن في كونه وخلقه عجائبَ وأسرارًا، مهما عظُمتْ قوى الأرض لن يستطيعوا لها تفسيرًا، إلا إذا شاء الله.

يسمع الكثير عن مثلث برمودا، الذي هو سِرٌّ من أسرار الله في أرضه، طائرات عملاقة تطير فوقه فتسقط في المياه بلا أي خبرٍ يُعرف عنها، وبواخر عملاقة كذلك، كل ذلك مردُّه إلى أنَّ الله قويٌّ عزيز.

• قال تعالى: ﴿اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ﴾ [الشورى: 19].

• وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ [الذاريات: 58].

فمِن أعظم آثار قوة الله جل جلاله: تكفُّله برزق جميع الخلائق، وهذا ما لا يقوى عليه إلا الله.

قال العلامة السعدي رحمه الله: "ومن قوَّته أن أوصَل رزقه إلى جميع العالم..."[ تفسير السعدي.]

 [الأنترنت – موقع الألوكة - القوي المتين جل جلاله - د. شريف فوزي سلطان ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فهذه الحلقة العاشرة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : وهل هناك فرق بين القوي والقادر والمتين؟

الحقيقة أنه لا فرق، إلا أنَّ القوي هو: "الكامل القدرة على الشيء، تقول: هو القادر على حمله، فإن زدْتَه وصفًا قلت: هو القوي على حمله"[ تفسير أسماء الله الحسنى؛ الزجاج.] وأما المتين: قال الغزالي: "والمتانة تدل على شدة القوة لله تعالى..."[ المقصد الأسنى.]

وقال الخطابي: "المتين: الشديد القويُّ الذي لا تنقطع قوته، ولا تلحقه في أفعاله مشقَّة، ولا يمسه لغوب"[شأن الدعاء.]

[الأنترنت – موقع الألوكة - القوي المتين جل جلاله - د. شريف فوزي سلطان ]

*حق القوي المتين جل جلاله:

1-أن تستمدَّ قوتك منه وحده، معتقدًا أنه لا حول ولا قوة إلا بالله:

قال تعالى: ﴿وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ﴾

[البقرة: 165]، فالقوة الحقيقية كلها لله، لا تُستمدُّ إلا منه، وهذه حقيقةٌ سوف يُدركها الغافلون يوم يرون عذاب الله بأبصارهم فيعلمون حينئذٍ علمًا جازمًا أن القوة لله جميعًا، وقد عميتْ أبصارهم في الدنيا عن رؤية شواهد قوَّته ودلائل قدرته، فعلَّقوا قلوبهم بما لا يُعطي ولا يمنع ولا يرفع، ولا يملك لنفسه فضلًا عن غيره شيئًا.

فالقوة كلها لله، والعزيز مَنْ أعزَّه، والذليل مَنْ أذلَّه، والقوي من قوَّاه، والمنصور مَن نصره، والمخذول مَن خذله؛ قال تعالى: ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ﴾ [هود: 52].

وسألت فاطمة النبي صلى الله عليه وسلم أن يُعطيها خادمًا؛ فقال لها: ((ألا أدُلُّكِ على ما هو خَيْرٌ لكِ مِنْ خادِمٍ؟ تُسبِّحينَ ثلاثًا وثلاثين، وتَحْمَدِين ثلاثًا وثلاثين، وتُكبِّرين أرْبَعًا وثلاثين، حين تأْخُذِين مَضْجَعَكِ))[ رواه مسلم.]

ولذلك ما أجمل أن يُردِّد العبد: "لا حول ولا قوة إلا بالله"، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإكثار منها، فقال: ((أكثِرْ مِن لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها كنزٌ مِن كُنوز الجنة))[ رواه ابن حبان، وصححه الألباني.]

وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سمِع المؤذِّن قال مثل ما يقول، حتى إذا بلغ: "حي على الصلاة، حي على الفلاح" قال: ((لا حولَ ولا قوَّة َإلا بالله))[ رواه أحمد، وصحَّحه الألباني في الصحيحة.]

ذلك لأنَّ فِعْل الخير من المسارعة إلى الصلاة، والحرص على الفلاح، لا يكون إلا بأن يمنحك الله القوة على ذلك.

وهي في نفس الوقت كلمة إسلام واستسلام، وتفويض وتوكُّل؛ معناها: أنه لا تحوُّل للعبد مِن معصية إلى طاعة، ولا مِن مرض إلى صحة، ولا مِن وهن إلى

قوة، ولا مِن نقص إلى زيادة إلا بالله؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ألا أدُلُّكَ على كلمة من تحت العرش

من كَنْز الجنة؟ تقول: لا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلا بالله، فيقول الله: أسلَمَ عبدي واستسلَمَ))[ رواه الحاكم، وصححه الألباني في صحيح الجامع.]

ومَن قال هذه الكلمة مستشعرًا معناها، عاملًا بمقتضاها مِن التوكُّل على الله، وصِدْق الاعتماد عليه، هُدِي وكُفِي ووُقِي، وكان مِن أقوى الناس وأحسنهم

حالًا ومآلًا، وفي الأثر: "مَنْ سَرَّهُ أن يكون أقوى الناس فليتوكَّل على الله، ومن سَرَّه أن يكون من أغنى الناس فليكُنْ بما في يد الله أوْثَقَ منه بما في يده"   [ ذكره ابن تيمية في الفتاوى، ولا تصحُّ نسبتُه إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ انظر: الضعيفة.]

2- ألا يطغى الإنسان بقوَّته، وينسى ضعفه وعجزه:

كثير مِن الناس يُعطيه الله تعالى القوة والمنعة والمال والجاه، فيَطْغى ويستكبر في الأرض، وينسى

بدايته وعجزه، وينسى قدرة الله وقهره وبطشه، وقد حكى الله تعالى لنا عن كثيرٍ مِن هؤلاء، منهم قوم هود: قال الله: ﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾ [فصلت: 15]، فماذا كانتْ عاقبة أمرهم؟

﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ﴾ [فصلت: 16].

فالعاقلُ لا يتجاوز قدره؛ بل عليه أن ينتهزَ فرصة قوَّته وشبابه ويجعلها في الطاعة، كما عليه أن يبذل قوته في الخير، والدفاع عن الحق، ونصرة الضعيف، وإنصاف المظلوم.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فهذه الحلقة الحادية عشرة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *حق القوي المتين جل جلاله:

3- ألا يدبَّ اليأس إلى قلبك:

لأنك تتعامل مع القوي المتين جل جلاله، الذي لا يعجزه شيء، ولا يغلبه ولا يفوته هارب؛ ولهذا كان اليأسُ من روح الله من صفات الكافرين؛ ﴿إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ [يوسف: 87].

4- ألا يكون خوفك إلا منه:

لأنَّ قوته سبحانه وتعالى فوق كل قوة، وليس أقوى مِن القويِّ أحدٌ، فكيف تخاف أحدًا أكثر مِن خوفك مِن الله؟!

وكيف تخشى سطوة أمير أو مدير أكثر مِن خشيتك لله، والله تعالى يقول: ﴿فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ

وَاخْشَوْنِ﴾ [المائدة: 44]، ويقول: ﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 175].

فلا بد أن تُحقِّق الخوف الحقيقي مِن القويِّ جل جلاله كعلامة مِن علامات إيمانك؛ ولهذا قال الإمام أحمد لرجل وقد شكا إليه من الخوف: "لو صَحَحْتَ لم تخَفْ أحدًا"[ هنيئًا لمن عرف ربَّه، بتصرُّف يسير.]

5- ألا تطلب النصرة إلا منه:

لأن النصر الحقيقي لا يكون إلا مِن عند الله لعباده المؤمنين الذين نصروا دينه بقلوبهم وأقوالهم وأفعالهم، فاستحقوا بذلك نصر ربهم؛ قال تعالى: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحج: 40]، فليس النصر للأقوى سلاحًا، ولا للأكثر عددًا؛ وإنما لمن آمن بالله القويِّ وتعلَّق به؛ قال الله: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [الأنفال: 10].

لقد أنزل الله الملائكة يوم بدر، ووظيفتها بثُّ البُشرى والطُّمَأْنينة في قلوب المؤمنين ليس أكثر، فإن الله تعالى ناصرٌ عباده المؤمنين بقوته القاهرة وقدرته

الباهرة؛ قال الله تعالى: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [الأنفال: 9، 10].

هذه عقيدة راسخة عند مَن آمن بالله القويِّ، فهو يعمل كل ما يقدر عليه دون أن يعتمد على نفسه؛ بل على قوة مَن آمن به وجاهد في سبيله.

حين جاء الأحزاب لحصار المدينة وتآمروا لكسر شوكة المؤمنين، وأحكموا كيدهم سِرًّا وعلانيةً، أرسل الله القويُّ عليهم ريحًا عاتية اقتلعتْ خيامهم، وقلبتْ قدورهم، وأطفأتْ نيرانهم؛ قال تعالى: ﴿وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا﴾ [الأحزاب: 25].

6-أن نعمل جاهدين على تحصيل القوة (مع الأمانة):

قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾ [الأنفال: 60]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((ألَا إنَّ القُوَّةَ الرَّمْيُ))[ رواه مسلم.]

 ؛ فالله تعالى يُحب القوة والأقوياء؛ الأقوياء في إيمانهم وأجسادهم وعلمهم وتعاطيهم وأخذهم وسائر أمورهم؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: ((المؤمنُ القويُّ خَيْرٌ وأحَبُّ إلى الله مِن المؤمن الضعيف، وفي كُلٍّ خيرٌ، احرِصْ على ما ينفَعُكَ، واسْتعِن بالله ولا تعجزْ))[ رواه مسلم.]

والله تعالى يكره القوة المبنية على الطغيان والظلم؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: ((لا قُدِّسَتْ أُمَّةٌ لا يأخُذُ الضعيفُ فيها حقَّه غيرَ مُتَعْتَعٍ))[ رواه ابن ماجه، وصححه الألباني] وقوله: ((غير مُتَعْتَعٍ))؛ أي: من غير أن يُصيبَه أذًى يُقلِقُه ويُزعجه[ حاشية السندي على سنن ابن ماجه.]

فلا بد مع القوة مِن الأمانة: ﴿يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ [القصص: 26].

إن قوَّةً بغير أمانة كفيلةٌ بأن تنتج الطغاة في الأرض، وتنشُر الظلمَ والعدوان، وإن أمانةً مع ضَعْفٍ كفيلةٌ بأن تُفسِد من حيث أردْتَ الإصلاح، فلا بد لنا

- إن أردْنا النهوض - مِن هاتين الصفتين: القوة والأمانة[هنيئًا لمن عرف ربَّه.]

وقد عرفنا القوة، أما الأمانة فـ"ترجع إلى خشية الله، وألا نشتري بآياته ثمنًا قليلًا، وترك خشية الناس..."[ مجموع الفتاوى: ابن تيمية.]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فهذه الحلقة الثانية عشرة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *حق القوي المتين جل جلاله:

7- دعاء الله تعالى باسمه القويِّ والمتين: فاللهم إنا نسألك باسمك القويِّ:

أن تُوفِّقنا إلى طاعاتك، وتُعيننا على مرضاتك، وتأخُذ بنواصينا إلى طريق جناتك.

وتنصرنا على أعدائك، وأن تُعيننا على ضَعْف نفوسنا ووهن قلوبنا، وأن تجعلنا مِن الصادقين.

اللهم إنا نسألك باسمك القوي أن تنتقمَ مِن الظالمين، اللهم أَرِنا فيهم عجائبَ قُدرتكَ.

اللهم إنا نسألك باسمك القوي أن تشفي صُدور قومٍ مؤمنين.اللهم آمين.

[الأنترنت – موقع الألوكة - القوي المتين جل جلاله - د. شريف فوزي سلطان ]

* القوي” . . له كمال القدرة فلا يعجزه شيء

قال تعالى: "فلما جاء أمرنا نجينا صالحاً والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ إن ربك هو القوي العزيز"، (سورة هود الآية: 66) .

و"القوي" اسم من أسماء الله تعالى الحسنى، ومعناه أنه تعالى ذو القوة والقدرة التامة البالغة الكمال، فلا غالب له، فهو القادر على كل شيء لا يعجزه شيء وهو الغالب الذي لا يغلب، وهو القوي الذي يحتاج خلقه إليه، وهو القوي الذي يمتلك كل ما في الوجود بلا شريك .

يذكر الدكتور أحمد عبده عوض في "موسوعة أسماء الله الحسنى" أن هذا الاسم يختص بعدة خواص:

 الأولى: أن القوي هو الذي يمتلك القدرة التامة، فالله تعالى من حيث إنه بالغ القدرة فهو قوي .

الثانية: أن القوي قد يكون بمعنى القادر، ومن قوي على شيء فقد قدر عليه، وقد يكون معناه التام القوة الذي لا يستولي عليه العجز في حال من الأحوال،

والمخلوق وإن وصف بالقوة فإن قوته وعن بعض الأمور قاصرة .

الثالثة: أن القوي هو الله الذي لا يلحقه ضعف في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، كما أنه القوي الذي له كمال القدرة والعظمة .

الرابعة، أن القوي هو القادر التام القدرة الذي لا يستولي عليه عجز في حال من الأحوال، وهو الكامل القدرة على كل شيء .

يقول الدكتور أحمد الشرباصي في "موسوعة له الأسماء الحسنى": جاء وصف الله تعالى بالقوة في آيات منها قوله تعالى في سورة البقرة: " ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعاً وأن الله شديد العقاب" . وجاء في سورة الكهف: "ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترن أنا أقل منك مالاً وولداً" . وفي سورة فصلت: "فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون"، وقال تعالى: "إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين"، (سورة الذاريات الآية: 58) . وقال تعالى: "ولينصرن الله من ينصره إن الله قوي عزيز"، (سورة الحج) . وحين ننظر في الآيات السابقة نجد أن اسم القوي صحبه الوصف بشديد العقاب، وجاء ذلك في موضعين، وقد اقترن اسم القوي باسم العزيز سبع مرات وهذا مناسب لأن القوة يلائمها العزة، كما أن القوة يلائمها الشدة .

والمتين : قال تعالى: "إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين"، (سورة الذاريات الآية: 58) . و"المتين" اسم من أسماء الله تعالى الحسنى، ومعناه أنه شديد القوى بالغ القدرة، لا تنقطع قوته، ولا تلحقه مشقة، له كمال القوة والقدرة، لا يستولي عليه العجز، ولا يغلبه غالب، ولا يوهنه الضعف، لا يعجزه شيء في الأرض، ولا في السماء، ولا يمسه في أفعاله لغوب، لا يحتاج في إمضاء حكمه إلى جند ومدد، إذا أراد أن يهلك قوماً أهلكهم من دون جهد، ولا نصب، فهو المتين الذي يمتلك كل عناصر القوة .

يقول الدكتور أحمد عبده عوض: يختص هذا الاسم بعدة خواص:

 الأولى: أن المتين هو شديد القوة، فإن الله تعالى هو شديد القوة المتين .

الثانية: أن المتين هو الذي لا تتناقص قوته فيهون ويفتر، إذ كان يحدث ما يحدث في غيره لا في نفسه، وكان التقدير لا يجوز عليه .

 الثالثة: أن المتين هو القوي الشديد: الذي لا يلحقه من أفعاله مشقة، ولا كلفة، ولا تعب .

الرابعة: أن المتين هو الكامل القوة الذي بلغت قدرته أقصى الغايات لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء .

الخامسة، أن المتين هو المتناهي في المتانة، يؤثر في كل الأشياء، ولا تؤثر فيه .

ويذكر البخاري في صفة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا أهل قوة . وطريق القوة والمتانة هو طريق

الله، لأن الكتاب الإلهي هو حبل الله المتين، ودينه هو الدين المتين، فلنتجه إلى الله بقلوبنا نسأله

 أن يقوينا بقوته، وأن يؤيدنا بمتانته، إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين .

الأنترنت – موقع الخليج  - الأسماء الحسنى - “القوي” . . له كمال القدرة فلا يعجزه شيء]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فهذه الحلقة الثالثة عشرة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *قوة العزيمة :

     تعدّ قوة العزيمة من الصفات النفسية التي لها أثر إيجابي جداً على حياة صاحبها، وعلى شخصيته كذلك، بل تُعدّ قوّة الشخصية إحدى روافدها، فقوّة العزيمة تعني قوة الإرادة مصحوبة بالتصميم، وتتميّز عن الإرادة بفارق التصميم، فإذا كانت الإرادة تعني مطلق المشيئة، وميل النفس نحو عمل أمر ما، فإنّ قوة العزيمة هي هذا الميل وزيادة عليه التصميم على العمل، والتنفيذ مهما كانت التبعات، ومهما كانت العراقيل والمصاعب، وهناك عوامل تساعد على قوّة العزيمة، كما أنّ هناك نتائج إيجابيّة لها، وآثار سلبيّة تترتب على انعدامها.[١] طرق زيادة قوة العزيمة من طرق زيادة قوة العزيمة الآتي:[٢] التعرّف على سير من اتصفوا بقوّة العزيمة من الناجحين في الحياة، قديماً، وحديثاً وفي مختلف مجالات الحياة، وفي ذلك فوائد تتعلّق بالتأسّي، والتقليد، والمنافسة، وكلّها صفات نفسيّة متحرّكة، بمعنى قابلة للزيادة كما أنّها قابلة للنقصان فيما يتعلّق بالهمّة. مصاحبة من لديه صفات إيجابيّة، كعلوّ الهمّة وقوّة العزيمة، فالصاحب يتأثر بسجايا صاحبه سلباً أو إيجاباً. قوّة الإيمان بالله سبحانه وتعالى، وبالقدر خيره وشره، ممّا يؤدي إلى إقدام الإنسان على العمل الذي يؤمن به، واضعاً نصب عينيه، تحقيق الهدف، بغض النظر عن العراقيل والتوابع، وكلّ ما في الأمر ثقته بالهدف الذي يودّ القيام به، وثقته بصحّة الخطوات التي يسلكها.[٣] دراسة ما يود القيام به بشكل جيّد، فصحة وسلامة الهدف تدعو صاحبها للإقدام، دون تردّد أو خوف.[٤] دراسة الخطوات التي يودّ القيام بها لتحقيق الهدف، فثقته بصحّة الخطوات، يقود إلى قوّة العزيمة في التنفيذ.[٥] التدرّج في محطّات مع قوّة العزيمة، فوجود تجارب سابقة أقلّ تكلفة، ونجاحه فيها، يولد الهمّة لشؤون أكبر شأناً وأكثر حملاً، كما أنّ إقحام الإنسان لنفسه في قرارات صعبة ومكلفة، يُعرِّضه للفشل، أو الإحباط الشديد بسبب الفشل، لانعدام الخبرة وضعف العزيمة.[٤] النتائج الإيجابية لقوة العزيمة من النتائج الإيجابية لقوة العزيمة الآتي:[٦] تحقيق الأهداف المخطّط لها، ودون قوة العزيمة تبقى الأهداف مجرد عناوين منظمة، ومنسقة في قائمة الانتظار. النجاح في الحياة، فلا نجاح في الحياة يكون دون التسلح بالعزيمة. اكتساب الخبرات والتجارب، فالإنسان بمبادراته، وقراراته القوية والحكيمة في ذات الوقت، يكتسب خبرة وهي تزيد بالتجارب. علوّ الهمة وقوّة الطموح، حيث تبقى طموحات من يتصل بقوّة العزيمة دائماً في صعود. الحياة تستقيم بقوة العزيمة لا شيء إذاً في الحياة يستقيم دون قوة العزيمة، فهي في الحياة أساس نجاحها، وفي السعادة سرها، وهي مزيج من علو الهمّة وقوة الإرادة، مثابرة وطموح وجدّ، وطرق لكلّ أبواب المعالي، ثبات على القيم الرفيعة، ومتى وجدت مقرونة بالحكمة، فالعيش إذاً يطيب.

[ الأنترنت – موقع موضوع - قوة العزيمة كتابة إبراهيم العبيدي ]

* أهم ملامح القوة الذاتية :

تعرف القوة الذاتية ببساطة على أنها قدرة الإنسان على معرفة كافة سماته الشخصية الإيجابية واستخدامها كسلاح للتصدي لأي تحديات تقف أمامه وكذلك كوسيلة لتحقيق أهدافه التي يطمح لها، وهناك عناصر تشملها القوة الذاتية من خلالها يمكن التحكم بها بشكل أمثل.

العنصر الأول من عناصر القوة الذاتية : الإدراك:

 والإدراك هو حالة عامة من الاستيعاب لمقومات الحياة المحيطة بالشخص؛ أي أنه هناك عدة أشياء يجب على العقل إدراكها ليتفهم كيفية تحويلها إلى داعم لقوته الذاتية وهي:

*اليقين بضرورة التحلي بالمرونة الكافية للتعامل مع أي تغييرا يطرأ على الحياة.

*وجود مقومات الابتكار التي تساعد صاحبها على النجاح في أي منافسة يخوضها وأيضاً الإدراك بأن النجاح في الحياة وتملُك أسرار القوة الذاتية لا يتم إلا باستغلال كافة الفرص المتاحة.

*إدراك الشخص للواقع الذي يعيشه من حيث الظروف المحيطة به وكيف يمكن استغلالها الاستغلال الأمثل لتحقيق الأهداف المرجوة.

* إدراك التحديات التي تواجهه في حياته وكذلك الحالة النفسية التي يمر بها الشخص من سعادة أو حزن أو غضب وبالتالي يترتب عليها اتخاذ قرارات قد تكون غير مناسبة ولكن قد لا يعي الشخص ذلك بسبب طغيان حالته النفسية على تفكيره فلا يتحقق من توابع تلك القرارات إلا بعد فوات الأوان.

* إدراك كافة التغيرات التي قد يقابلها المرء في حياته فيجبر على التعامل معها رغماً عنه.

*والإدراك الأهم وهو إدراك أن وجود تلك التغييرات والتحديات والمشاكل والأعباء لا يجب أن يقف حائلاً بين الشخص وبين سعادته أو سعيه الدؤوب خلف أحلامه ليتمكن من تحقيقها.

*يترتب تلقائياً على حدوث الإدراك لكافة العناصر السابقة التفكير فيها وهو ما يساعد الشخص على

أن يكون متقبلاً أكثر للصعوبات الموجودة وواثقاً بأن قدراته الشخصية ومؤهلاته العقلية ستساعده على تخطيها بكل سهولة.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فهذه الحلقة الرابعة عشرة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * أهم ملامح القوة الذاتية :

العنصر الثاني : الإصرار :

يأتي عنصر الإصرار بعد تمام إدراك القوة الذاتية لدى الشخص؛ حيث أن التفكير المستمر وتمام الوعي بأن لكل حدث في الحياة وجهان أبيض وأسود يمكن الشخص من أن يرى الجانب المضيء مما حوله فيصبح أكثر إيجابية وتركيزاً على ما يسعده فقط، كل ذلك يساهم في تولد قوة كبيرة من الإصرار عند الشخص على تحقيق أهدافه مستخدماً عناصر القوة الذاتية وعدم الاكتراث بأي عقبات تقف في طريقه مهما بلغ حجمها. يساعد الإصرار صاحبه على تحمل المشاكل التي قد يقع بها أملاً في أنها ستزيده قوة وصلابة تساعده أكثر على الوصول لأحلامه، كما يشتمل إصرار الشخص أيضاً على رغبة ملحة في تحسين كافة ظروف حياته المحيطة به سواء أكانت الظروف المادية فتجده يعمل بجهد مضاعف للحصول على راتب أكبر مثلاً أو الظروف الاجتماعية فيسعى الشخص لتحسين علاقته بعائلته وأصدقائه وتكوين علاقات اجتماعية جديدة وكذلك الظروف النفسية فيبتعد تلقائياً عن كل ما يصيبه بالإحباط أو الاكتئاب وعلى العكس يواظب أكثر على ما يجعله سعيداً مبتهجاً. الاعتقاد الاعتقاد هو نتيجة مترتبة على اكتمال الإدراك لدى الشخص وتولد الإصرار لديه على تحسين حياته فيبدأ الاعتقاد بالبزوغ أي أن الشخص أصبح الآن على يقين بأنه-وبدون الحاجة لأي مؤثرات خارجية-يمتلك مفاتيح السعادة لنفسه والتي تؤهله لتقلد أسرار القوة الذاتية الخاصة به، وكذلك الاعتقاد بأن خلف كل حزن سيأتي فرح فلا ييأس من أي ضائقة يمر بها وعلى العكس فخلف كل ابتسامة قد تأتي الدموع فلا يفرط في سعادته بشكل يؤثر عليه سلباً بعد ذلك.

العنصر الثالث : الهدف  :

الهدف أو الغاية هو أحد أهم عناصر القوة الذاتية، فعند تحديد الإنسان لهدفه والعمل عليه يفتح العالم له كل الأبواب المغلقة. فطريق النجاح والوصول إلى الهدف وتحقيقه طريق ممتع وشيق ويكسب النفس والروح الكثير من القوة عن طريق خوض التحديات، فعندما يحدد الشخص المكان الذي تنبعث منه قوته وعندما يحدد المكان أو الغاية التي يرنو إليها والخطوات التي يجب عليه اتباعها لتحقيق ذلك الحلم؛ يصبح المستحيل ممكناً.

العنصر الرابع : القرار :

تعتبر القدرة على الاختيار واحدة من أعظم المنح والقدرات التي يمتلكها الإنسان؛ فالحرية في اتخاذ القرارات هبة عظيمة يجب على كل منا تقديرها. ولكن دوماً ما تواجه قراراتنا الكثير من الخوف والتردد، ولكن لا تقلق فكل القرارات تحمل العديد من النتائج منها ما يحمل نتائج سلبية ومنها ما يجيئ بنتائج إيجابية، ولتعلم دوماً أن التعلم لا يأتي إلا بالاستمرار في الرحلة والإصرار على قراراتنا وعدم الرجوع عنها مهما كانت الضغوط والمؤثرات، وستجد أنه بعد العديد من القرارات الخاطئة أن العقل قد مر بمرحلة من النضج لم يكن ليصل إليها دون مراحل من الفشل، فاتخاذ القرارات يشبه عضلات الجسم يجب عليك دوماً تمرينها وكلما زاد التمرين كلما زادت العضلة، كذلك قراراتنا كلما اتجهنا لأخذ القرارات وتنفيذها بدقة وحزم كلما كانت قراراتنا تحمل صواباً أكبر وحملت العديد من النتائج الإيجابية عند تنفيذها.

العنصر الرابع : قوة التركيز :

عند تحديد الأهداف واتخاذ القرارات لا يتبقى أمام العقل البشري لتنفيذ تلك القرارات والعمل على تحقيق تلك الأهداف إلا التركيز عليها، فإذا أردنا النجاح في أي شيء يجب علينا تركيز كل اهتمامنا على هدفنا وأن نضعه نصب أعيننا فالتركيز يمنح العقل القوة، تلك القوة التي يستطيع منها الشخص تحقيق المستحيل. فكما يعد التركيز هو أساس النجاح كذلك يمكن أن يكون مصدر للفشل، وللحصول على التركيز اللازم للنجاح يجب على الشخص :

أولاً  : أن يكون مسئولاً بصوره كاملة عن قراراته وأن يتوقف عن لوم الآخرين، ويجب عليك دوماً أن تواجه مشاكلك الخاصة بحلولك الفريدة، حتى يتجه كل وعيك وتركيزك ناحية هدفك وحلمك، فلا بد لك من تسخير عقلك نحو هدفك، وأن تتذكر دائماً تلك الأهداف ودوافعك تجاهها والرغبة من تحقيقها، وبالطبع يجب عليك دوماً أن تشعر بالتفكير السلبي وأن تدرك سبب تواجده حتى تستطيع التغلب عليه.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فهذه الحلقة الخامسة عشرة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * أهم ملامح القوة الذاتية :

العنصر الخامس : الإيمان  :

لا نعني بالإيمان هنا الإيمان بخالق الكون فقط أو الإيمان بدين معين فقط، بل أقصد الإيمان بالروح والإيمان بالقدرة على التغيير وتحقيق الهدف، فالإيمان هو الحائط الذي تنهار أمامه كل مسببات الضعف، فبدون الإيمان يعتبر النجاح مستحيلاً، وبدون إيمان تستمد منه الروح القوة ستنضب الروح وتصبح خاوية مهما كان بأسها وقوتها. الإيمان هو الأمن واليقين بأنه لا يوجد مستحيل وأنه لا يوجد ما يستطيع هزيمة الروح.

العنصر السادس : الحب  :

نعم عزيزي القارئ الحب، يعد الحب من أقوى مصادر القوة الذاتية بل ويعتبره البعض أهمها على الإطلاق فالحب هو وقود الروح، فنحن دوماً في أمس الحاجة إلى توجيه تلك الطاقة العظيمة أو الشعور بها، فالحب يغذي كل مصادر القوة الأخرى فالحب يخلق الهدف ويعزز الاعتقاد ويقوي التركيز ويدعم الغاية التي يهدف الشخص إليها، فحب الحياة وحب الهدف والحب في السعي نحو الهدف وحب الجمال وحب الأشخاص كلها مصادر متنوعة للحب فالحاجة إلى الحب من أشد الاحتياجات في حياة البشر كالحاجة إلى الحياة، فالحب يشفى كل الجروح ويزيل كل العقبات.

العنصر السابع : التسامح :

وللحصول على قوة الحب يجب علينا التسامح، نعم فالتسامح لا يعبر بالضرورة عن الضعف بل هو

 أحد مفاتيح القوة فلتصفح عن كل المسيئين ولتعلم بأن التسامح هو طريقك للوصول نحو روح لا

يشوبها الكره ولا الحقد ومن هنا تنتج قوة لا يمكن ردعها.

هذا المقال منقول من موقع تسعة : القوة الذاتية : ما هي أهم عناصر القوة الذاتية للشخص ؟

[ الانترنت – موقع  تسعة - تعرف على أهم ملامح القوة الذاتية الإدراك - عمرو عطية ]

*أسباب قوة المسلمين :

إن المتأمل في أحوال المسلمين يجد الضعف والخور والهزيمة قد حلت مكان القوة والعزة والنصر ، يا ترى لماذا ؟

  إن المسلمين اليوم بحاجة إلى قوة تسند ظهورهم وتشد من أزرهم وتذلل لهم الصعاب وتنير لهم الطريق ، يا ترى هذه القوة المنشودة من أين نحصل عليها وأين توجد هل هي في المال أم السلاح أم العتاد والعدة أما ماذا .

إن هذه القوة ليست في كل ذلك مع أنه مطلوب لكن القوة هنا هي قوة العقيدة ورحاب الإيمان بالله .

الإيمان بالله القوي هو الذي يمدنا بروح القوة فالمؤمن لا يرجوا إلا فضل الله ولا يخشى إلا الله .

إن المؤمن بالله الواثق بنصر الله قوي وإن لم يكن في يده سلاح .

إن المؤمن بالله غني وإن لم تمتلأ خزائنه بالذهب والفضة .

إن المؤمن بالله الواثق بنصر الله وإن الرزق من عند الله عزيز وإن لم يكن وراءه عشيرة وأتباع وهو أيضا ثابت وإن اضطربت به مصائب الحياة.

فالمؤمن أقوى من البحر بأمواجه والرياح بهبوبها والجبال وثباتها وصدق النبي صلى الله عليه وسلم القائل .

((لو عرفتم الله حق معرفته لزالت بدعائكم الجبال ))

وجاء في حديث رواه الامام احمد قول النبي صلى الله عليه وسلم ((إن الله لما خلق الأرض مارت وتحركت فثبتها

بالجبال فتعجبت الملائكة وقالت يارب هل خلقت خلقا أشد من الجبال قال نعم الحديد يفتت الجبال فقالت الملائكة هل خلقت خلقا أشد من الحديد قال نعم النار تذيب الحديد فقال الملائكة يا رب هل خلقت خلقا أشد من النار قال نعم الماء تطفئ النار فقالت الملائكة هل خلقت خلقا أشد من الماء قال نعم الرياح ، فقالت الملائكة يا رب هل خلقت خلقا أشد من الريا قال نعم المؤمن إذا تصدق بالصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه هو عندي أقوى من ذلك كله)) .الله اكبر الله أكبر .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فهذه الحلقة السادسة عشرة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *أسباب قوة المسلمين :

 كم نحن بحاجة الى المؤمِنُ القوِيّ الذي يتماسَك أمامَ المصائبِ ويثبُت بين يدَيِ البلاء راضيًا بقضاء الله وقدَره، وقد صوَّر هذا رسولُنا صلى الله عليه وسلم بقوله: (عجبًا لأمر المؤمن، إنَّ أمرَه كلَّه خير، وليس ذلك لأحدٍ إلاّ للمؤمن؛ إن أصابته سرّاءُ شكَر فكان خيرًا له، وإن أصابَته ضرّاء صبرَ فكان خيرًا له) رواه مسلم

كم نحن بحاجة الى القوّة في ضبطِ النفسِ والسّيطرة عليها، قال صلى الله عليه وسلم: ((ليس الشّديدُ بالصّرعَة، إنما الشديد الذي يملك نفسَه عند الغضب)) رواه البخاري

كظمُ الغيظِ قوّةٌ، قال تعالى: ((وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ)) آل عمران:134.

كم نحن بحاجة إلى الفرد القوي بدينه القوي بإيمانه الواثق بنصر الله وتأييده المؤمن بأن الرزق والأجل ليس بيد أحد إلا الله .

قال جل وعلا ((وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَاباً مُّؤَجَّلاً ))145آل عمران

إن لكل نفس كتابا مؤجلا إلى أجل مرسوم . ولن تموت نفس حتى تستوفي هذا الأجل المرسوم . فالخوف والهلع ، والحرص والتخلف ، لا يطيل أجلا . والشجاعة والثبات والإقدام والوفاء لا تقصران عمرا . فلا كان الجبن ، ولا نامت أعين الجبناء . والأجل المكتوب لا ينقص منه يوم ولا يزيد !

بذلك تستقر حقيقة الأجل في النفس ، فتترك الاشتغال به ، ولا تجعله في الحساب ،.

وبذلك تنطلق من عقال الشح والحرص ، ، في صبر وطمأنينة ، وتوكل على الله الذي يملك الآجال وحده . ثم . . إنه إذا كان العمر مكتوبا ، والأجل مرسوما . . فلتنظر نفس ما قدمت لغد ؛ ولتنظر نفس ماذا تريد ..

وشتان بين حياة وحياة ! وشتان بين اهتمام واهتمام ! –

عباد الله : اعلموا أن الذي يعيش لهذه الأرض وحدها ، ويريد ثواب الدنيا وحدها . . إنما يحيا حياة الديدان والدواب والأنعام ! ثم يموت في موعده المضروب بأجله المكتوب . والذي يتطلع إلى الأفق الآخر . . إنما يحيا حياة "الإنسان" الذي كرمه الله واستخلفه وأفرده بهذا المكان ثم يموت في موعده المضروب بأجله المكتوب . . وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا . .

عباد الله : لسنا بحاجة إلى الضعفاء المهازيل الخائفون من هبة ريح أو عاصفة هو جاء الذين لا ينصرون صديقا ولا يخيفون عدوا ..

لا نريد الجبان الذي إن أحس بعصفور طار فؤاده وإن طنّت بعوضة طال سهاده يفزع من صرير الباب إن نظرت اليه شزراً أغمي عليه شهراً يحسب خفوق الرياح قعقعة الرماح .

اسمعوا إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم :(المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير )

كيف لا و((أفضل الشهداء حمزة ورجل قال كلمة حق عند سلطان جائر ))

أمرنا الله أن نعد ونستعد بالقوة والعتاد والجند والسلاح قوة الإيمان وعتاد الأخوة وجند التكافل

وسلاح الدعاء مع العمل بالأسباب المادية.

قال تعالى :  ((وأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ ))الانفال60

وأعدُّوا - يا معشر المسلمين - لمواجهة أعدائكم كل ما تقدرون عليه مِن عدد وعدة, لتُدْخلوا بذلك الرهبة في قلوب أعداء الله وأعدائكم المتربصين بكم, وتخيفوا آخرين لا تظهر لكم عداوتهم الآن, لكن الله يعلمهم ويعلم ما يضمرونه ، إن الزمان قد تغير على المسلمين فانكمشوا بعد امتداد ووهنوا بعد قوة هذا كله لإننا ضيعنا مصادر قوتنا فالإيمان لم يعد هو المسيطر على أنفسنا والموجه لإخلاقنا .

أصبحنا غثاء كغثاء السيل في ذل وهوان .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فهذه الحلقة السابعة عشرة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : مصادر قوتنا وأسباب عزتنا :

أحبينا الدنيا وكرهن الموت فيا ترى ما هي مصادر قوتنا وأسباب عزتنا :

أولا : الإيمان بالله : فالمؤمن قوي لإنه يستمد قوته من الله العلي الكبير الذي يؤمن به ويتوكل عليه وهو عزيز لإنه يستمد عزته من العزيز ((مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ))فاطر10

من كان يطلب عزة في الدنيا أو الآخرة فليطلبها من الله, ولا تُنال إلا بطاعته, فلله العزة جميعًا, فمن اعتز بالمخلوق أذلَّه الله, ومن اعتز بالخالق أعزه الله, إليه سبحانه يصعد ذكره والعمل الصالح يرفعه

إنّه ينبغي أن لا يَنسَى العبد ربَّه في كل حال ، فإنّ العوائقَ جمّة، والحاجة إلى عونِ الله وتوفيقِه في كلِّ لحظةٍ وآن، وفي محكمِ التنزيل: ((لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ)) الكهف:39،

وقال عزّ وجلّ في دعاء نوحٍ بعد أن كذّبه قومه وبذلَ جميع الأسباب: ((فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ)) القمر:10

وقال تعالى عن موسى عليه الصلاة والسلام في وصيّته لقومه بعد أن هدَّدَهم فرعونُ بقتلِ أولادهم: ((قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)) الأعراف:128،

المؤمن يعتقد ان الله معه وإنه ناصره ورافع رايته متى ما نصر دينه ورفع رايته قال تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ))محمد7 والقائل(( وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ))الصافات173

قال أحد التابعين عجبت لمن خاف من أي شيء ولم يفزع إلى قوله تعالى :

(( حسبنا الله نعم الوكيل )) لإني قرات بعدها قوله تعالى(( فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ))ال عمران174

وعجبت لمن مكر به ولم يفزع إلى قوله تعالى :((وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ))غافر44

فإن الله يقول بعدها ((فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ ))غافر45

وعجبت لمن أصابه كرب ولم يفزع إلى قوله تعالى : ((لا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ))لأنبياء87

فإن الله يقول بعدها ((فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ))الأنبياء88

عباد الله : من مصادر قوتنا ثانيا الإيمان بالحق : فالمؤمن يستمد قوته من الحق الذي يومن به ويعمل

 له فهو لا يعمل لشهوة عارضة ولا لمنفعة شخصية ولا لعصبية جاهلية لكنه يعمل للحق الذي قامت له

السماوات والأرض : ((وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ))الإسراء81

هذا الإيمان هو الذي جعل مجموعة من الفتية الشباب أصحاب الكهف يواجهون بعقيدتهم ملكا جبارا مع قلة العدد وانعدام القوة المادية لكن معهم القوي الجبار (( إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ))الكهف13 لإنهم تجردوا من كل حول وقوة إلا حول الله وقوته .

هذا الإيمان هو الذي جعل أطفالا وشبابا على ارض الأقصى على ارض الجهاد يحملون أحجارا يهزون الدبابات والطائرات ، هؤلاء الفدائيين على أرض الأقصى الذين لا تقف أمامهم طائرات ولا أي أسلحة لإنهم باعوا أنفسهم في سبيل الله وهم واثقين بأنهم على الحق وأن ماتوا على هذه الدنيا فهم أحياء((وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ))آل عمران169

من مبادئنا الأصيلة ومن تعاليم ديننا الجليلة أن نفخر بهذا الدين ونتشرف بأن جعلنا مسلمين وأنزل إلينا أحسن كتبه وهو القرآن الكريم وأرسل إلينا أفضل رسله محمد صلى الله عليه وسلم .

قال تعالى (( وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ))آل عمران139

فلا تخافوا ولا تضعفوا وأنتم الأعلون مبدأ الأعلون منهجا الأعلون سندا فمبدؤكم المبدأ الأصيل وقرءانكم الكتاب الجليل وسندكم الرب الفضيل فكيف يهن ويضعف من كان الله سنده ومولاه وكيف يهن ويضعف من كان محمد رسول الله قدوته ورسوله .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فهذه الحلقة الثامنة عشرة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : مصادر قوتنا وأسباب عزتنا :

الشرف كل الشرف والقوة كل القوة ليست في الدور ولا القصور ولا الأموال ولا في الهيئات .

الشرف والعز أن تكون عبدا لرب الأرض والسماوات .

ومما زادني شرفا وذخرا *** وكدت بأخمصي أطأ الثريا

دخولي تحت قولك يا عبادي *** وأن صيرت أحمد لي نبيا

ما أحسن القوة في الحق تنطلق بردا  وسلاما لرد المظالم وإقامة الحدود و لا يعرف أهمية هذه القوة الا من عاش تحت وطأة الطغيان دهرا طويلا.

ما أحسن القوة يوم ترشد الضال وتدل الحيران وتشجع الجبان.

ما أجمل القوة عندما تحق الحق وتبطل الباطل وهي القوة التي أمر بها الإسلام.

ثالثا : من مصادر قوتنا وأسباب عزتنا الإيمان بالخلود : فالمؤمن يستمد قوته من الخلود الذي يؤمن به فحياته ليست هذه الأيام المعدودات إنها حياة أخرى سرمدية أبدية قال تعالى(( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ))آل عمران14-15

إنه موت واحد وحياة واحدة لكن تعددت الأسباب والموت واحد فهل يموت الإنسان ذليلا هينا أم يموت موت عز وقوة وثبات يبيع نفسه من الله عز وجل

((إنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ))التوبة111

ها هو عمير بن الحمام بعد أن سمع المصطفى يقول في بدر قوموا على جنة عرضها السماوات والأرض فقال يا رسول الله بخ بخ قال ما حملك على قول بخ بخ قال يا رسول الله رجاء أن أكون من أهلها قال أنت من أهلها فأخذ تمرات من حجره وأكل بعضها وقال إنها لحياة طويلة حتى أكلها فرماها وانطلق يخترق الصفوف ثم استشهد الله أكبر ما أجملها من ميتة .

رابعا الإيمان بالقدر : المؤمن قوي لإنه يعلم أن ما أصابه من مصيبة فبإذن الله وأن الإنس والجن لو اجتمعوا على أن يضروه بشيء لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه ,((قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ )) التوبة51

المؤمن لا يخاف على رزقه فالرزق ليس بيد أحد إلا الله .

المؤمن لا يخاف من الأجل فالأجل محدود ومعلوم .

((وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ))لقمان34

ومِن أسرار قوّةِ العقيدة أنّه لا يستطيعُ إنسانٌ كائنًا من كان أن يمنعَك من رِزق كتبه الله لك، ولا أن

يعطيَكَ رِزقًا لم يَكتُبه الله إليك، بهذا ينقطِع حبلُ اللجوءِ إلى أغنياءِ الأرض وأقويَائِها، ويتَّصِل العبد بحبلِ الله المتينِ، فهو المعطِي المانع والرَّزّاق ذو القوّة المتين، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما: ((يا غلام، إني أعلِّمُك كلمات: احفظِ اللهَ يحفظْك، احفَظِ الله تجِدْه تجاهَكَ، إذا سألتَ فاسْألِ اللهَ، وإذا استعنتَ فاستعِن بالله، واعلم أنّ الأمةَ لو اجتمَعت على أن ينفعوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، ولو اجتمَعوا على أن يضرّوك بشيء لم يضرّوك إلاّ بشيء قد كتبه الله عليك، رُفِعَت الأقلامُ وجفَتِ الصحف)) رواه الترمذي

ولِقوّةِ العقيدةِ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرَ بنِ الخطاب رضي الله عنه: ((والذي نفسي بِيَده، ما لقِيَك الشيطان سالِكًا فجًّا قطُّ إلاّ سلَك فجًّا غيرَ فجِّك)) رواه البخاري ، وهذه فضيلة عظيمةٌ لعمرَ رضي الله عنه تقتضِي أنّ الشيطانَ لا سبيلَ له عليه لقوّةِ إيمانه، لا أنّ ذلك يقتضي وجودَ العِصمة.

ها هي امرأة ينطلق زوجها إلى الجهاد فيأتي إليها ضعاف النفوس لتمنع زوجها من ذلك خوف الرزق

والأجل وقالوا من لأولادك فقالت في ثقة واطمئنان زوجي عرفته أكالا ولم أعرفه رزاقا فإن ذهب الأكال بقي الله الرزاق ، الله أكبر إنها عقيدة لا بد أن ترسخ في قلب كل واحد منا

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فهذه الحلقة التاسعة عشرة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : مصادر قوتنا وأسباب عزتنا :

خامسا : الإيمان بالأخوة : فالمؤمن قوي بإخوانه ضعيف بنفسه فهو لهم وهم له يعينونه إذا شهد ويحفظونه إذا غاب يواسونه عند الشدة ويؤنسونه عند الوحشة فالمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا

من أين تأتي القوة عند المسلمين وهم دول متفرقة وأحزاب متناثرة تلهث وراء الدنيا بزخارفها.

أخيرا أيها المسلمون: إن الأعداء لم ينتصروا علينا بقوتهم أو بأسلحتهم بل انتصروا بضعفنا وهواننا و

 ترك ديننا وابتعادنا عنه وتمزقنا.

ومع هذا إن عدونا أهون مما نتصور والسلاح المطلوب هو سلاح الإيمان بالله جل وعلا سلاح التوحيد سلاح اللجوء إلى الله.

ليس المسلمين شرف ولا قيمة ولا عزة إلا بالإسلام فنحن قوم أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله.

فإذا قيل إن أعداءنا أكثر عددا وقوة .

فلنقرأ قوله تعالى: ((كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ )) البقرة249

وإذا قيل أنهم أكثر مالا وعتادا نتلو قوله تعالى : ((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ))الأنفال36

إذا قيل أنهم أمنع حصونا وبنيانا نتلو قوله تعالى : ((وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ))الحشر2 ، اللهم إنا ضعفاء فقونا،،، أذلاء فأعزنا،،، فقراء فأغننا،،، مظلومون فانصرنا،،، [ الأنترنت – موقع صيد الفوائد - أسباب قوة المسلمين - أمير بن محمد المدري ]

*قوة الإيمان:

الله جل جلاله هو القوي الذي خلق القوة في كل قوي، خلق سبحانه الجبال وقهرها بأقوى منها، وهو الحديد الذي يكسرها.

وخلق الحديد وقهره بالنار التي تذيبه ،وخلق النار وقهرها بالماء الذين يطفئها. وخلق الماء وقهره بالهواء الذي يقلبه ويحمله.

وخلق الملائكة أقوى من السماوات والأرض.

ولكن قوة الإيمان أقوى من ذلك كله.

فمثقال ذرة من إيمان يحصل بها أدنى مسلم على مثل هذه الدنيا عشر مرات.

عَنْ عَبْدِالله بنِ مَسْعُودٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ: قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي لأعْلَمُ آخِرَ أهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا، وَآخِرَ أهْلِ الجَنَّةِ دُخُولاً، رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ حَبْواً، فَيَقُولُ اللهُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الجَنَّةَ، فَيَأْتِيهَا، فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أنَّهَا مَلأى، فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلأى، فَيَقُولُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الجَنَّةَ، فَيَأْتِيهَا، فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أنَّهَا مَلأى، فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلأى، فَيَقُولُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الجَنَّةَ، فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أمْثَالِهَا، أوْ: إِنَّ لَكَ مِثْلَ عَشَرَةِ أمْثَالِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: تَسْخَرُ مِنِّي، أوْ: تَضْحَكُ مِنِّي وَأنْتَ المَلِكُ». فَلَقَدْ رَأيْتُ رَسُولَ الله ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، وَكَانَ يَقُولُ: ذَاكَ أدْنَى أهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً. متفق عليه.

وَعَنْ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «سَألَ مُوسَى رَبَّهُ: مَا أدْنَى أهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً؟ قال: هُوَ رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلِ الجَنَّةَ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ! كَيْفَ؟ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ وَأخَذُوا أخَذَاتِهِمْ؟ فَيُقَالُ لَهُ: أتَرْضَى أنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: رَضِيتُ، رَبِّ! فَيَقُولُ: لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ، فَقَالَ فِي الخَامِسَةِ: رَضِيتُ، رَبِّ! فَيَقُولُ: هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أمْثَالِهِ، وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَلَذَّتْ عَيْنُكَ، فَيَقُولُ: رَضِيتُ، رَبِّ قال: رَبِّ! فَأعْلاهُمْ مَنْزِلَةً؟ قال: أولَئِكَ الَّذِينَ أرَدْتُ غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي، وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا، فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ». قال: «وَمِصْدَاقُهُ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} الآية [السجدة: 17]». أخرجه مسلم.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فهذه الحلقة العشرون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : والحاجات العامة والخاصة كلها إنما تُقضى بالإيمان والأعمال الصالحة.

فنوح عليه السلام دعا على الكفار فأغرقهم الله جميعاً بالماء كما قال سبحانه: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ [9] فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي

مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ [10] فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ [11] وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ [12] وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ

[13] تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ [14] وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [15]} [القمر]   وهود عليه السلام دعا ربه فأهلك قومه الكفار عاداً بالريح كما قال سبحانه: {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ [6] سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ [7] فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ [8]} [الحاقة: 6- 8].

وصالح عليه السلام دعا ربه فأهلك قومه الكفار ثموداً بالصيحة كما قال سبحانه: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ [66] وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ [67] كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ [68]} [هود: 66- 68].

وإبراهيم عليه السلام دعا ربه فأنجاه من النار والكفار كما قال سبحانه: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ [68] قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ [69] وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ [70] وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ [71]} [الأنبياء:68- 71].

ولوط عليه السلام دعا ربه فقلب على الكفار ديارهم كما قال سبحانه: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ [82] مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ [83]} [هود:82- 83].

وشعيب عليه السلام دعا ربه فأهلك قومه الكفار بالصيحة كما قال سبحانه: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا

شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ [94]

كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ [95]} [هود: 94- 95].

وموسى عليه السلام دعا ربه فأهلك فرعون وجنوده وأغرقهم بالماء كما قال سبحانه: {وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ [38] فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ [39] فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ [40]} [الذاريات:38- 40].

هذه قوة الإيمان في الدعاء العام بعد إنذار الكفار.

وأما قوة الإيمان في الدعاء الخاص فكما يلي: قال الله تعالى: {وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ [76]} [الأنبياء:76].

وقال الله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [83] فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ [84]} [الأنبياء] وقال الله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [87] فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ [88]} [الأنبياء:87- 88].

وقال الله تعالى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ [89] فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [90]} [الأنبياء:89- 90]. وقال الله تعالى: {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ [91]} [الأنبياء:91].

فهؤلاء رسل الله ولنا بهم أسوة وقدوة كما قال سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [21]} [الأحزاب:21].

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الواحدة والعشرون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * قوة محبة الله جل جلاله :

فوائد مختصرة من مصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية – في قوة محبة الله جل جلاله

الناس في حبِّ الله يتفاوتون ما بين أفضل الخلق محمد وإبراهيم إلى أدنى الناس درجة, مثل من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان, وما بين هذين الحدين من الدرجات ما لا يحصيه إلا رب السموات والأرض.

* من عرف الله وقلبه سليم أحبه, وكلما ازداد له معرفة ازداد حبه له, وكلما ازداد حبه له ازداد ذكره له...فإن قوة الحب توجب كثرة ذكر المحبوب.

* الناس في حبِّ الله يتفاوتون ما بين أفضل الخلق محمد وإبراهيم إلى أدنى الناس درجة, مثل من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان, وما بين هذين الحدين من الدرجات ما لا يحصيه إلا رب السموات والأرض.

* محركات القلوب إلى الله عز وجل ثلاثة: المحبة والخوف والرجاء, وأقواها المحبة...فإن قيل أي شيء يحرك القلوب؟ قلنا يحركها شيئان: كثرة الذكر للمحبوب, لأن كثرة ذكره تعلق القلوب به, والثاني: مطالعة آلائه ونعمائه.

* الله يُحبُّ من يُحبُّ ذكر صفاته سبحانه وتعالى.

* الرب تعالى..سنته وعادته: أن محبته ورضاه وثوابه لا يكون إلا لمن عبده وأطاعه.

* إذا أحبَّ الله عبداً..ألهمه التوبة والاستغفار فلم يصرّ على الذنوب

* إذا وجد محبة الله وجدها أحلى من كل محبة, ولهذا يكون اشتغال أهل الجنة بذلك أعظم من كل شيء.

* من أحبه الله فرحمته أقرب شيء منه, ومن أبغضه الله فرحمته أبعد شيء منه.

* من أحبَّ الله أحبَّ من يحبه الله, ومن أحبه الله أحب الله.

* كلما ازداد القلب حباً لله ازداد له عبودية, وكلما ازداد له عبودية ازداد له حباً وحرية عما سواه.

* ليس للقلوب سرور ولا لذة تامة إلا في محبة الله والتقرب إليه بما يحبه, ولا تمكن محبته إلا بالإعراض عن كل محبوب سواه, وهذا حقيقية لا إله إلا الله. [الأنترنت – موقع طريق الإسلام  - فوائد مختصرة من مصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية في قوة محبة الله جل جلاله ]

* عوامل القوة في بناء الأمّة :

سُنّة الله في الحضارات والدُّول :

فلقد اقتضت سنة الله تعالى في الحضارات والأمم والدّول أن تقوم ثم تسقط، وتزدهر ثم تندثر، فما بين صعود وهبوط، ونجاح وإخفاق، قال تعالى: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران: 140]..

أُمّتنا بين الصعود والهبوط، والقوّة والضعف:

إنّ الأمّة الإسلامية ابتدأت طريقها بصعود وارتفاع في زمن الرسول المُؤَسِّس -صلى الله عليه وسلّم- حتى حدثت ردّة الكثير من قبائل العرب ولم يبق سوى مكة والمدينة وقرية تسمى هجَر وهي بالبحرين حاليًا، فبدأ أبو بكر يعيد مجد الأمة وعزّتها بردّ كيد المرتدين وبداية عصر فتوحات لبلاد الشام، ومصارعة قطبي الصراع العالمي والتنافس الدولي وقتها (بلاد الفرس والروم)، وحقّق المسلمون صعودًا وانتصارًا عظيمًا في زمنه وزمن صاحبه عمر الفاروق، حتى وقعت فتنة في زمن عثمان وعلي انتهت بقتلهما -رضي الله عنهما- فانكسـرت الدولة المسلمة من جديد، وانزوت عن معالم حضارتها..

حتى كانت الدولة الأموية في أوّل عهدها وحققت ارتفاعًا وصعودًا جديدًا للحضارة الإسلامية، حتى أصاب الضعفُ أمراء تلك الدولة وخلدوا إلى الدنيا فكانت سنوات الهبوط والانكسار، ثم كانت مرحلة ارتفاع في مقدمة الدولة العباسية التي قامت على أنقاض دولة الأمويين، ثم شرد خلفاء الدولة العباسية وانزوى نورها واندثرت معها راية الأمّة بين الأمم، حتى جدّد الله للأمّة شبابها على يد

الدولة الأيوبية ثم الخلافة العثمانية الراشدة، ثم كانت الانكسارات المتتالية عبر زماننا..

فإن النّاظر في واقع الأمة اليوم يدرك تمام الإدراك أنها تمرّ بمرحلة عصيبة شديدة عليها وعلى أبنائها؛ حيث أصيبت بالتبعية والضعف والهوان والمذلة، حتى تكالب عليها أعداؤها من الشرق إلى الغرب، ومن الشمال إلى الجنوب، فعملوا على تفريق شملها، وتمزيق وحدتها، والسيطرة على اقتصاديات دولها وأوطانها..

وكأني بالزّمن يعيد دورته التاريخية.. وأشدّ!!

فلقد كان حال المدينة التي هاجر إليها الرسول -صلى الله عليه وسلّم- حين أُذِن له بالهجرة؛ كان حالها فرقة وتنازع وشتات وتسلط لليهود عليها.. حتى أذِن ربنا بهجرة نبينا إليها، فأخذ بعوامل القوة التي تدعم وحدة الدولة الناشئة، وتحفظ لها قوتها ووحدتها واستقلاليتها..

وحريّ بعقلاء الأمة الكبيرة والدُّول التابعة لها أن يحسنوا قراءة سيرة الرسول الحبيب -صلى الله عليه

وسلّم-؛ حيث نراه -عليه الصلاة والسلام- وقد أحسن الأخذ بالأسباب في دعم عوامل القوة في بناء الأمة والدولة، وكذا الحذر من أسباب الضعف والهوان..

ملكنا هذه الدنيا قروناً   *** وأخضعها جدود خالدونا

وسطَّرنا صحائف من ضياء  *** فما نسيَ الزمان ولا نسينا

وللوقوف على أهم عوامل القوة في بناء الدول فلا بد أولا من ذكر الأسباب التي أدّت بنا إلى هذا الحال المُزْرِي الهزيل؛ سعيًا إلى وضع علاج واقعي لما وصلنا إليه..

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الثانية والعشرون في موضوع

(القوي ) وهي بعنوان : * عوامل القوة في بناء الأمّة :

أولاً: لماذا ضعُفَت أمّتنا اليوم؟:

ولقد ساهم في إضعاف الأمّة ودولنا العربية عدد من الأسباب تتلخّص في آية واحدة وردت في كتاب الله تعالى في أعقاب غزوة أُحُــد في السنة الثالثة من الهجرة النبوية؛ حيث انكسـر المسلمون في الغزوة وانهزمت قوّة الأُمّة -بعد انتصار بدْر- فنزل قول الله تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران: 165]... نعم: [هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ]!!

فإنّ ما وصل إليه حال أمتنا وبلادِنا مِن عند أنفسنا، لما انهزمنا نفسيًّا صار الغرب هو سيدنا ونحن عبيده، لمّا ضعفت همّتنا في العمل والإنتاج صرْنا أسرى اقتصاد الغرب، لمّا بِتْنا متفرقين انهزمنا وتسلّط علينا عدوّنا، وتبدّل حالنا..

وقد لخّص النبي الحبيب -صلّى الله عليه وسلّم- أسباب الضعف والانكسار في أُمّتنا في حديثه الذي رواه الإمام أحمد في مسنده بإسنادٍ حسَنٍ، عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الْأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا" قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: " أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ، تُنْتَزَعُ الْمَهَابَةُ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ، وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ ". قَالَ: قُلْنَا: وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: "حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ".. ذنوب ومعاصي، سلبية ورضا بالدون، تفرق وتشتت وتنازع بعد صعود وقوّة...

كنا ملوكاً على الدنيا وكان لنا *** ملك عظيم وكنا سادة الأمم

كسرى وقيصر والخاقان دان لنا *** وأمرنا كان بين السيف والقلم

ومن عوامل القوة التي اعتمدها الرسول -صلى الله عليه وسلّم- في بناء الوطن، ما يأتي:

أولا: بناء الإنسان مقدّم على بناء العُمران (عقيدة وإيمان)

ثانيًا: بناء وحْدَة الصفّ المجتمعيّ

ثالثًا: بناء منظُومة العمل والاقتصاد المستقلّ وحُسْن توظيف الطاقات

رابعًا: بناء الأمَل في النفوس والقلوب

خامسًا: بناء القيم والأخْلاق الفاضلة

سادسًا: قوّة العِلــم والتعليـم

سابعًا: إقامةُ العدل بين الناس ونبذ الظُّلم

وتفصيل تلك العناصر السابقة على النّحو التالي:

أولا: بناء الإنسان مُقدّم على بناء العُمْران:

إنّ الإنسان هو شعلة النشاط، وبارقة الأمل في بناءِ أيّ مجتمع وأيّ أُمّة، فإذا انتهكت حرماته، وضُيِّق

عليه في حياته، لن تجد منه عطاءً لوطن، ولا حفاظًا على مقومات أيًّا كانت!! فالاستثمار الحقيقي في الوطن يكون ببناء الإنسان أولاً، عقيدة وثقافة وفكرًا وأخلاقًا واقتصادًا؛ فالإنسان هو أول ركن رئيس في أي خطة للبناء في البلدان والأوطان؛ فهو أساس التقدّم، وهو عمود الرقيّ، وهو ركن التحضّر، والله كرّمه، فكيف نهينه ونمتهن كرامته لمجرّد الاختلاف في الرأي أو الفكر أو حتى العقيدة والدين، يقول الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70]. ودعا الإسلام بني البشر إلى التعارف والتعاون واحترام بعضهم البعض؛ يقول عزّ وجلّ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13].. كما حرّم الإسلام الاعتداء على دين الإنسان، وماله، ونفسه، وعِرْضِه، وبدنِه، وأرضِه، وعقلِه، وحريتِه..

وقد كانت أولى خطوات النبي الحبيب -حتى قبل الهجرة- في دار الأرقم، وهي تلك الدار التي

استطاع النبي من خلالها أن يبني الإنسان بناء متكاملا من العقيدة والعبادة والأخلاق والشجاعة والهمّة العالية. وبناء الإنسان يأتي من الآتي: من البناء العقدي والإيماني الصحيح لا المغشوش، فهناك تدين مغشوش، تدين الدروشة، تديّن المصلحة، تديّن الظروف، تديّن التلوّن، تديّن القشور والمظهر لا اللباب والمخبر، ... وبناء الإنسان تعبديًّا: حيث تصحيح مفهوم العبادة في حياة الإنسان، والعمل على بنائه أخلاقيا وقيميًّا.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الثالثة والعشرون في موضوع

(القوي ) وهي بعنوان : * عوامل القوة في بناء الأمّة :

ثانيًا: بناء وحْدة الصفّ المجتمعي لا تقسيمه وتشتيته والتصالح لا التنازع:

فإنّ المجتمع الذي يتمزّق فيه عُرى الأخوة والوحدة يكون عُرْضَةً للعنف والشتات والتدخل الخارجيّ؛ فلا بدّ من وحدة الصفّ بين أبناء المجتمع الواحد كما

فعل النبيّ صلى الله عليه وسلّم في أوّل مَقْدِمِهِ إلى المدينة الطيبة؛ آخى بين المسلم والمسلم أخوة إنسانية ووطنية وإسلامية، كما آخى بين المسلم وغير

المسلم أخوة إنسانية ووطنيّة، فاستطاع أن يحفظ الوطن في أوّل عهد تأسيسه، يقول الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]، وقال سبحانه: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46]، والنبي صلى الله عليه وسلّم يقول –كما ثبت في صحيح مسلم من حديث النُّعمان-: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى»..

فكونوا جميعًا إذا اعترى **** خطبٌ ولا تتفرّقوا آحادًا

تأبى الرّماح إذا اجتمعن تكسّرًا **** وإذا تفرّقت تكسّرت أفرادًا..

وفي سبيلِ تحقيقِ هذه الوحدة وتلك الأخوّة أعدّ النبيّ دستورًا ووثيقة تعمل على حماية المواطنين جميعًا مسلمًا وغير مسلم.

وكما قال البعض عن الإسلام: إنه "إسلام يقيم المجتمع على أواصر الإخاء والوحدة بين أبنائه، فلا مكان فيه لصراع الأجناس، ولا لصراع الأديان، ولا لصراع الطبقات، ولا لصراع المذاهب. فالناس كلهم أخوة، تجمع بينهم العبودية لله، والبنوة لآدم، "إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد" واختلافهم واقع بمشيئة الله تعالى وحكمته، وهو يفصل بينهم يوم القيامة، فيما كانوا فيه يختلفون"...

فليتفق الناس على القواسم المشتركة، ويتعاونوا من خلالها، وإن اختلفوا في أمور أخرى..

ثالثًا: بناء منظُومة العمل والاقتصاد المستقلّ وحُسْن توظيف الطاقات:

إنّ رفعة الأمم وتقدمها مربوط بحجم عطاء وعمل أبناء الشعوب والأوطان في تلك الأرض، ولا ننسى ما فعله ذو القرنين من تغيير ثقافة شعب كسول خامل عن العمل، كما ورد في سورة الكهف، وماذا كانت نتيجة حركتهم وبذلهم وعطائهم. ولقد عنيت آيات الكتاب المجيد بذكر ما أمر الله به في نصوصه المقدسة الراقية، ومن بين الأوامر قوله تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة: 105].

وتلك القيمة توفرت وبقوّة مع أصحاب رسول الله: فهذا عبدالرحمن بن عوف، قال لسعد بن الربيع: (دلني على السّوق)، إنها دعوة للتميز والاستقلاليّة لا التبعيّة للآخرين، حتى أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلّم قرّر مع بدايات هجرته ببناء سوق للمسلمين، بديلا عن سوق اليهود؛ لئلا يكون تبعًا لهم، وأن يكون متميزًا في معاملته التجارية بما يتناسب وشريعة الإسلام،

وكما يقول الشيخ الشعراوي -رحمه الله-: (من لم يكن طعامه من فأسِه، فلن يكون قراره من رأسه)..

نعـم: إنّ النّاظر في القرآن المجيد يكتشف أنّ الإسلام قد اهتمّ بالبذل والعطاء للبشرية والمجتمعات، وحفّز الهِمَم نحو الإنتاج والتنمية بكافة نواحيها، لا سيّما: التنمية الاقتصادية، القائمة على الاستثمار، استثمار الجهود، والطاقات، والأموال، والمادّة الخام، كما حدث في نموذج ذي القرنين حين أتى قومًا سلبيين لا يعملون ولا يتحرّكون، فحرّك هممهم، ووظّف طاقاتهم، وعلّمهم أنّ بالتعاون والتشارك تُبْنى الأُمم وتحصّن من أيّ عدوّ غاشم، فبنَى السدّ بينهم وبين يأجوج ومأجوج..وكم في هذه القصة من الدروس والعبر، ففيها:

(حُسْن استخدام الإمكانات المُتاحَة، وحُسْن توظيف الطاقات البشرية قبل الماديّة، وضرورة وجود إدارة متعاونة لا مستبدّة، والعمل على إيجاد فرصة للتعبير والتحرّك للمصلحة العامّة....الخ). ويبقى العمل مع الإنسان إلى آخر لحظة في حياته: ففي مسند أحمد، -وهو حديث صحيح على شرط مسلم-، وفيه: «إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ». فمهما

كانت ظروف الدنيا فلا أقلّ من العمل والعطاء والبذل والاجتهاد.

إنها دعوة لحُسْن استغلال كل المواد الخام وتوظيفها بطريقة ترفع قدر الأمة والمجتمع الإسلامي، وكما يقول الشيخ الغزالي -رحمه الله-: «الناس رجلان: رجل نام في النور، ورجل استيقظ في الظلام!!». وهو نموذج لمن استغل كل ما تحت يديه، وآخر نام في النور الذي يملكه.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الرابعة والعشرون في موضوع

(القوي ) وهي بعنوان : * عوامل القوة في بناء الأمّة :

رابعًا: بناء الأمَل في النفوس والقلوب:

فلا بدّ من بث الأمل، وتثقيف الناس جميعًا بأن من وراء الشدة يأتي الفرَج القريب، وأنّ مع العُسْر

يأتي اليُسْر، وتلك هي رسالة كل الأنبياء والرسل، وصدق الله إذ يقول: {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87]..

وقد ورد في صحيح البخاري عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ، قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟ قَالَ: «كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ» وهذه رسالة لكل ولي أمر ولكل إنسان أن يعمل على بث الأمل مهما كانت الظروف المظلمة، وكما يقول بعضهم: لن تكون قمرًا منيرًا إلا إذا أحاطتك الظُّلْمة من كُلّ مكان!

ويقول عزّ وجلّ لنبيه موسى وهو في مصر -حفظها الله-: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 87] فأمره ربُّه ببث الأمان بجعل بيوت المصريين قبلة لمن أراد الأمان، وأمره كذلك ببث البشرى والأمل.. ومن بثّ الأمل إزالة الضرر عن الناس في المجتمع، فالمسلم الحقيقي -كما ثبت- هو من سلِم الناس من لسانه وأذاه... أقُول هذا الكلام؛ لأنّ الأُمَم لا تبنى باليأس، ولا تتقدم بالتشاؤم، ولا تنافس غيرها ببث الخوف والرعب بين المنسوبين أو الزائرين للمجتمع..

خامسًا: بناء منظومة القيم والأخلاق:

لا شكّ أن للقيم أهمية في بناء المجتمعات والأُمم، وأي أمّة تتنازل عن قيمها وأخلاقياتها لا تستمرّ ولا تدوم، وإذا دامت فترة لا يُكتب لها الخلود، فالمجتمع الملتزم بالقيم مجتمع يجمع بين الرقيّ والأمان، والاحترام والتقدير.، ولِذَا كانت رسالة النبي البشير واضحة في إعلاء وإعلان القيم الفاضلة في كل معاملة وسلوك، بل رتّبت الشريعة الإسلامية الأخلاق كنتيجة طبيعية للعبادات والتشريعات.. وها هو نبينا محمّد صلى الله عليه وسلّم: يختصر رسالته في قوله: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ»... وكما يقول الشاعر: وإنّما الأمم الأخلاق ما بقيت ... فإن همُو ذهبت أخلاقهم ذهبوا.. ومن بين القيم والأخلاقيات التي تعمل على بناء الأوطان: المساواة والعدالة والحرية والشورى والشهادة في سبيل الدين والوطن...

سادسًا: قوّة العِلــم والتعليـم:

لا يُمَكِّنُ الله تعالى لأمّة الجهل!!

ولذا كانت أول كلمات الوحي للرسول (اقرأ) وكان اهتمام النبي عمليا بالعلم؛ حين جعل افتداء الأسرى يوم بدر بتعليم عشرة من أصحابه العلم وإزالة الأمية، وقد قال الله تعالى لنبيه ولنا من بعده: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]؛ لأنّ العلم قوّة وقوة عظمى!!

فلم لا نتوجه إلى العلم، ونصب اهتمامنا بإخراج جيل متميز وفائق علميا في مجالي الدين والدنيا معًا؛ لا سيما وأمم الأرض اليوم تتنافس على تبوء أعلى الأماكن علميا؛ لأنهم أدركوا أنّ قيمة الدول حقيقة فيما تحسنه في باب الأبحاث والتقدّم العلميّ، يقول القائل:

بالعلم والمال يبني الناس ملكهم *** لم يبن ملك على جهل وإقلال

كفاني ثراء أنني غير جاهــل *** وأكثر أرباب الغنى اليوم جهال

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الخامسة والعشرون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * عوامل القوة في بناء الأمّة :

سابعًا: إقامة العدل بين الناس ونبذ الظُّلم

لقد قصّ علينا القرآن المجيد قصصا لأمم انكسرت وانهزمت واندثرت لما شاع ظلمها وكثُر، قال تعالى: «وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَـاهُمْ لما ظلموا»، فبِالعَدْل قامت السماء، وإنما قامت دولة الإسلام الأولى في رحاب المدينة المنورة يوم أن كان شعار قائدها (لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمد -وهو رئيس الدولة وزعيمها- يدها).. عندما تساوى الناس وعادت الحقوق للمظلومين والمقهورين انتصرت الأمة وكُتب لها القوة والتمكين، ، وقد ثبت في حديث ابن ماجه في سننه: (لَا قُدِّسَتْ أُمَّةٌ لَا يَأْخُذُ الضَّعِيفُ فِيهَا حَقَّهُ غَيْرَ مُتَعْتَعٍ) أي: من غير أن يصيبه أذى يُقلقه ويزعجه.

وقد حدّثنا التاريخُ عن أنباء أمم ودول طغى فيها الظلم المادي والمعنوي، فاستحقت الاندثار والانهزام، وسنة الله تعالى في كونه لا تحابي أحدًا.. ومجرّد نسبة الإنسان أو الأُمّة للرسول لا تعفيها من عقوبة ونتيجة الظلم؛ فمن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه..

كلمة أخيــرة:

إلى المحبين لأمتهم وأوطانهم: احرصوا على أن تكونوا أتباعًا حقيقيّين لرسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلّم-؛ بحرصكم على بناء أمّتكم كلها بلا قومية مهينة، أو عصبية مقيتة، أو حزبية قاتلة..

تبحثون عن معالم عزّ هذه الأمة وتسعون إلى عملها وإيجادها في واقع حياة الأمّة؛ رغبةً في أن يحفظ الله أمّتنا وأوطاننا.. يتخلّى المغرور عن غروره، ويترك المتكبر كبره، ويعزل المساند للظلم نفسه عن مساندة أتباعه..

أمّتك ووطنك بك لا بغيرك!!

ومن بين حكم الحكماء: (إن لم تزد على الدنيا شيئًا فأنت زائدٌ عليها) (والراضي بالدون دنيء) فأحسِن عملك، وأتقن تخصصك، ونمّ مهاراتِك، ووظِّف ما تجيده في خدمة وطنك وأمّتك....أسأل الله تعالى أن ينفعنا وإياكم بالدين العظيم، وأن يجمّلنا بأحسن الأخلاق، وأن يجعلنا سببًا في رفعة أمّتنا وعز أوطاننا... اللهم آميـــن.. [ الأنترنت – موقع عوامل القوة في بناء الأمّة ]

*قوة الجسم وسلامة البدن :

إن الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، والقيام بمهمة الخلافة في الأرض تحتاج إلى جهد وطاقات جسدية، حتى يتم أداؤها على الوجه الأكمل ، لذا حضت التربية النبوية الكريمة على بناء الفرد المسلم على أساس من القوة.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال : “المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز ” رواه مسلم.

إن المسلم مطالب بالأخذ بأسباب القوة ، وهجر الضعف والعجز ،وكيف يضعف المسلم أو يعجز وهو مؤمن بنظام الأسباب وقانون السنن في الكون ؟!

إن الضعف في البدن أو النفس أو الحال صفة ذميمة ينبغي على المسلم أن يتنزه عنها ويهجرها ،ولهذا رغّب الشرع في إعداد العدة والأخذ بأسباب القوة ،

فقال تعالى : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ)(الأنفال:60) .

بل إننا نجد القرآن الكريم قد شنع على أقوام رضوا بالدون ، وعاشوا حياة الضعف والعجز مع قدرتهم على التحول عن هذا الحال .. قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً)(النساء:97) .إن الذين يرضون حياة الضعف والعجز يعرضون أنفسهم للذل والهوان وتسلط الجبابرة .. قال تعالى : (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ)(الزخرف:54) .

إن الأمم التي يضعف أبناؤها تُستذل وتُهزم ؛ إذ أن الهزيمة تبدأ بهزيمة النفوس ، وإلا فإذا كانت

النفوس كبارًا والهمم عالية فإنها تستعصي على الهزيمة والذل ،وقد رأينا في تاريخ أسلافنا كيف سادوا

وعزوا وفتحوا الدنيا حين كانت النفوس قوية معتزة بدينها ، آخذة بأسباب القوة ، لكن عندما ضعف أبناؤها واستسلموا للعجز رأينا كيف كان الجندي التتري يأمر المسلم – الذي ضعف وعجز – بالقعود مكانه ريثما يذهب فيحضر حجرًا يقتله به ، فيستسلم ذاك ، ولا يحرك ساكنـًا إلى أن ينجز التتري ما أوعده !!كما رأينا من يُسَوِّغ تعبيد الأمة لأعدائها بحجة أننا : ” لن نفكر برأسنا ، ما دمنا لا نأكل بفأسنا ” .

كيف هذا وقد امتدح الله جل جلاه، المَلكْ صاحب الجسد القوي، القادر على تحمل الشدائد، وجعل موهبته من العلم والقوة سبباً لترشيحه للملك قال تعالى: “إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ” البقرة 247 “كما وصف الله سبحانه وتعالى كرام أنبيائه بقوله عنهم “أولو العزم من الرسل”.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة السادسة والعشرون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * عوامل القوة في بناء الأمّة :

ولما رأت ابنة شعيب مظاهر القوة عند سيدنا موسى عليه السلام قالت لأبيها، كما جاء في سياق القصة في القرآن الكريم : “يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِين ” القصص 26 “.

وهكذا نرى كيف ربط الإسلام قوة الإيمان بالاهتمام بقوة الأبدان، والغاية من القوة أن تكون الأمة الإسلامية مرهوبة الجانب، منيعة محمية عزيزة كريمة.

وهذا أمرٌ من الله سبحانه وتعالى للأمة الإسلامية في قوله تعالى : “وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ” الأنفال 60 “.

وأول سبيل للقوة ممارسة الرياضة البدنية ،والرياضة في الإسلام موجهة نحو غاية، تهدف إلى القوة،

وهي في نظر الشارع وسيلة لتحقيق الصحة والقوة البدنية لأفراد الأمة، وهي مرغوبة بحق عندما تؤدي إلى هذه النتائج على أن تستر فيها العورات وتحترم فيها أوقات الصلاة.

وقد تبنى الإسلام حتى في صلب عباداته ما يشجع على تحقيق أفضل مزاولة للتربية البدنية ، وخير مثال على ذلك ما نرى في أعمال الصلاة والحج. فنحن إذا تمعنا في حركات الصلاة نجد أنها تضمنت تحريك عضلات الجسم ومفاصله، وهي حركات تعتبر من أنسب الرياضات للصغار والكبار، للنساء والرجال، لدرجة أنه لا يستطيع أي خبير من خبراء التدريب الرياضي أن يضع لنا تمريناً واحداً يناسب جميع الأفراد والأجناس والأعمار ويحرك كل أعضاء الجسم في فترة قصيرة، كما تفعل الصلاة وأكدت الدراسات الطبية أن حركات الصلاة من أنفع ما يفيد الذين أجريت لهم عمليات انضغاط الفقرات وتجعلهم يعودون سريعاً إلى أعمالهم .

ونرى في أعمال الحج أيضاً رياضة بدنية عظيمة خلاف ما تحمله من رياضة روحية فأعمال الحج تتوافق

مع ما يحتويه نظام الكشافة بحذافيره، ففي رحلة الحج مشي وهرولة وطواف وسعي، وسكنى خيام وتحلل من اللباس الضاغط إلى لباس الإحرام، مما يجعل الحج رحلة رياضية بحق، فهي وإن كانت في أسِّ تشريعها رحلة تسمو بالحاج إلى الأفق الأعلى، فهي في برنامجها رحلة تدريب بدنية تقوي الجسم وتعزز الصحة.

يقول الدكتور يوسف القرضاوى :جاء الإسلام ديناً شاملاً متوازناً، جاء ينظم شؤون الدنيا والآخرة ويعنى بشؤون الفرد والمجتمع ويعنى في شأن الفرد بالروح والجسم والعقل .

فهويريد المسلم القوي في جسمه وعقله وروحه وإيمانه، المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، إذا كان هناك بعض الأديان لا تهتم

بالجسم الإنساني، ولا تهتم إلا بالروح، بل بعضها يقوم على تعذيب البدن لتصفو الروح وترقى، جاءت تحرم على الجسد الطيبات من الرزق ومن زينة الله، جاء القرآن يعارض هذه الوجهة ويقول (يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين، قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) من حرّم هذه الزينة وحرّم الطيبات من الرزق على الإنسان.

جاء الإسلام يعنى بالجسم الإنساني وسمع الناس لأول مرة في جو الدين هذه الكلمات النبوية (إن لجسدك عليك حقاً) ومن حق جسدك عليك أن تقويه إذا ضعف، أن تنظفه إذا اتسخ، أن تريحه إذا تعب أن تعالجه إذا مرض، بل أن تقيه ما استطعت من الأمراض، هكذا أراد الإسلام، أن ينشئ أمة قوية، ولا يمكن أن تكون الأمة قوية إلا إذا كان أفرادها أقوياء، فمن الأفراد يتكون المجتمع كما يتكون البناء من اللبنات، أيمكن أن يوجد بنيان قوي من لبنات خاوية ضعيفة؟ لا يمكن، لهذا كان حرص الإسلام على إنشاء الفرد الصالح القوي في كل ناحية من النواحي ومنها الناحية الجسمية .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة السابعة والعشرون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : عناصر التربية الجسمية في الإسلام :

يريد الإسلام أن يربي الإنسان من الناحية الجسمية على ثلاثة عناصر أساسية:

الأول : الصحة والسلامة من الأمراض :

أن يكون الإنسان معافىً في بدنه، كما جاء في الحديث (من أصبح منكم معافى في بدنه آمناً في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها) عافية البدن أول مقومات الحياة الآمنة الهادئة، وكان النبي يسأل الله العفو والعافية، فيقول (أفضل ما أوتي الإنسان اليقين والعافية) ويدعو الله في قنوته ويقول (وعافني فيمن عافيت) ويقول بين السجدتين، (اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني وعافني وارزقني)، طلب العافية، سلوا الله العفو والعافية والمعافاة، في الدين والدنيا والآخرة عافية البدن سلامة البدن .

كيف يتعامل الإسلام مع الطهارة وكيف تتعامل معها أديان أخرى؟ ومن أجل هذا شرع الإسلام النظافة وأوجب الطهارة في الصلاة، طهارة الثوب والبدن والمكان،هذه الطهارة الحسية والطهارة الحكمية أوجبها بالغسل والوضوء.

النظافة فإن الإنسان لا يمكن أن يعافى إذا تعرض للأقذار باستمرار ولم ينظف نفسه ، حتى جاء في الحديث (حق على كل مسلم في كل سبعة أيام يوم يغسل فيه رأسه وجسده ) حق عليه إذا لم تأت الظروف الطبيعية وتسمح له بالغسل من الجنابة أو نحو ذلك فينبغي في كل أسبوع مرة على الأقل، يوم يغسل فيه رأسه وجسمه، هذا في الوقت الذي كان الرهبان في العصور الوسطى في أوروبا يتقربون إلى الله بالقذارة وكلما كان أحدهم أقذر ظن أنه إلى الله أقرب، حتى قال بعضهم :

واأسفا كان من قبلنا يعيش أحدهم طول عمره ولا يبل أطرافه بالماء ولكننا وا أسفا أصبحنا في زمن يدخل فيه الناس الحمامات، وإنما دخلوا الحمامات عدوى من المسلمين .

المسلمون في الأندلس كان عندهم في قرطبة مئات الحمامات وهؤلاء ما كانوا يعرفون هذا ، يقولون أصبحنا في زمن يدخل فيه الناس الحمامات.

حق الإنسان من ناحية تكوينه البدني الصحيح

أن ينظف جسمه وأن يبتعد عن كل ما يجلب عليه الأمراض، البول، الماء الراكد، البول في الطريق ، في موارد الماء ، الأشياء التي تجلب على الناس الأمراض المعدية، الإسلام اعتبرها من اللواعن، اللواعن الثلاث التي تجلب لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، جاء الإسلام يعلّم الإنسان المسلم الذوق الراقي، الإنسان لا ينبغي أن يبول في الطريق أو في موارد المياه أو في الظل أو نحو ذلك، فهو يحافظ على صحته ويعلمه الذوق، ويعلمه المروءة والترفع والرقي من ناحية أخرى.

حرم الإسلام على المسلم أن يشرب المسكرات أو يتناول المخدرات وقد نهى النبي من كل مسكر ومخدر، بل نهى عن كل ما يضر بالبدن، )ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، لا ضرر ولا ضرار، لا تضر نفسك ولا تضار غيرك، ومن هنا حُرّم التدخين لأن الإنسان يضر نفسه بنفسه، يشتري ضرره بفلوسه.

و ينبغي للإنسان أن يحافظ على نفسه، لا ينبغي أن يسهر طويلاً فيضني نفسه ويصبح في الصباح متعباً مكدوداً مهدوداً، حتى لو كان هذا السهر في الطاعة والعبادة.

النبي قال للصحابة الذين أتعبوا أنفسهم في عبادة الله إن لبدنك عليك حقاً، أي في الراحة،وإن لعينك عليك حقاً أي في النوم، وإن لأهلك عليك حقاً ، أي في المؤانسة والإمتاع، وإن لزورك عليك حقاً، أي في الضيافة والإكرام، على الإنسان أن يعطي كل ذي حق حقه.

إذن يجب على الإنسان أن يحافظ على جسمه، المحافظة على صحة الجسم وعافيته وسلامته، هذا هو العنصر الأول الذي جاء به الإسلام.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الثامنة والعشرون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : عناصر التربية الجسمية في الإسلام :

العنصر الثاني هو المرونة والقدرة على الحركة والسرعة:

أن يكون الإنسان مرن متحرك قادر على أداء الواجبات الدينية والدنيوية، فالإسلام أوجب علينا واجبات دينية ودنيوية منها الصلوات الخمس يصليها

الإنسان ما استطاع في المسجد يغالب الكسل، ويغالب الهوى، ويذهب إلى المسجد ويصلي، هذه تحتاج إلى قوة جسمية، الحج الإنسان في الحج كأنما هو كشاف أو جوال يبيت كيفما اتفق ويمشي كيفما اتفق، يحتاج إلى قوة جسمية، واجباته الدنيوية السعي على المعيشة السعي على عياله، يحتاج إلى قوة.

فلابد أن يكون الإنسان قوياً قادراً على الحركة، الجهاد إذا اعتدي على دينه أو على أرضه أو عرضه، يجب أن يدافع، كيف يدافع الإنسان الضعيف؟؟

لابد أن يكون الإنسان قوياً (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ) ومن القوة التي يجب أن تعد قوة الأجسام، ولهذا كان النبي قوي الجسم صارع رجلاً عرف بالمصارعة فصرعه، وكان يركب الفرس ليس عليه سرج، ولا لجام وكان الصحابة فيهم العداؤون والراكبون وكلهم يتقنون فن الفروسية ،ركوب الخيل ورمي السهام، كانوا يلعبون بهذا، ألعابهم فروسية يعدوًن أنفسهم للجهاد .

هذه أمة القوة الحقيقية :هذه الأمة، أمة القوة الحقيقية، لم يكن الصحابة مثل هؤلاء المتزينين المتماوتين، رأى سيدنا عمر رجلاً متماوتاً في صلاته فقال له يا هذا ارفع رأسك فإن الخشوع في القلوب، ليس الخشوع في الرقاب، أي لا تحني رقبتك ورأسك، ارفع رأسك.

ورأت إحدى الصحابيات بعض الشباب يمشون متهاونين متهالكين متماوتين فسألت من هؤلاء؟ فقالوا هؤلاء نساك أي عباد، قالت كان عمر إذا مشى أسرع وإذا تكلم أسمع وإذا ضرب أوجع وكان هو الناسك حقاً، كان قوياً في كلامه ومشيه وحركته وهؤلاء ليسوا نساكاً، الناسك هو عمر، وعمر كان

 يمثل القوة.

ومن هنا يشرع الإسلام الرياضات، كل الرياضات التي تقوي الجسم مشروعة ، وجاء عن عمر (علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل )

الإسلام لا يرفض الرياضة ولكن يرفض المبالغة : في عصرنا وجدت رياضات وأصبحت الرياضة علماً وفناً وأصبح هناك معاهد للرياضة، معاهد

متوسطة ومعاهد عالية تعلّم الناس كيف يروّضون أنفسهم، خصوصاً في عصرنا بعد أن أصبح الناس لا يكادون يمشون، كان الناس في الزمن الماضي يمشون ليقضوا حاجاتهم أميالاً وأميال.

الناس الآن يركبون لأي غرض، فهم محتاجون إلى تمرينات رياضية تقوي أجسامهم، الإسلام لا يرفض هذا، أي لعبة من اللعب بشرط عدم المبالغة،

 المبالغة تفسد الأمور كلها، إذا زاد الشيء عن حده انعكس إلى ضده، لا بأس أن يلعب الناس كرة القدم أو كرة الطائرة أو كرة السلة أو كرة التنس، لا مانع، لكن لا أن ينقسم الناس بعضهم على بعض ويتحزبّوا هذا فريق ضد فريق وتصبح الكرة وثناً يعبد، هذا مالا ينبغي.

الرياضة ليست خاصة بالرجال:

يمكن للنساء أن يلعبن الرياضة، ولكن بضوابط شرعية وقواعد مرعية ، إن أردنا أن نعلم المرأة الرياضة لابد أن يكون ذلك في نواد خاصة بها.

المرأة القوية مطلوبة في الإسلام :

لم تعد المرأة السمينة المترهلة هي المرأة المطلوبة في عصرنا وليست هي المطلوبة في الإسلام، المرأة القوية الجسم القادرة على خدمة بيتها وزوجها وأولادها ومجتمعها وخدمة دينها عند اللزوم،وأين من الصحابيات ومن أمهات المؤمنين في بعض الغزوات من شاركن في الغزوات، شاركن بخدمة المقاتلين بإسعاف الجرحى وسقاية المقاتلين ومن شاركن بالقتال. كانت أم عمارة نسيبة بنت كعب و أم سليم،الرميصاء وأمثالهن من الصحابيات يقاتلن في غزوة أحد.

ونظر النبي إلى نسيبة بنت كعب وهي تقاتل فدعا لها وقال اللهم اجعلها وزوجها وأولادها رفاقي في الجنة .

ومن هنا ينبغي أن يمارس أنواعاً من الرياضة ما استطاع إلى ذلك سبيلاً. هذا هو العنصر الثاني.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة التاسعة والعشرون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : عناصر التربية الجسمية في الإسلام :

العنصر الثالث هو الخشونة:

وهذا خصوصاً بالنسبة للرجال فلابد أن نربي الرجال على الخشونة، الجسم الذي يتحمل المشاق

والمصاعب، ليست الحياة كلها ورداً بلا شوك، الحياة وروداً وأشواك، الحياة نسمات وأعاصير الحياة حلو ومر، فلابد أن يؤهل الإنسان نفسه لملاقاة الحياة كما هي، يستطيع أن يجوع عند اللزوم وأن يعطش عند اللزوم، وأن يتحمل الآلام عند اللزوم، لذلك فرض الإسلام الصوم شهراً كل سنة ليدرب المسلم على أن يجوع ويعطش، قد تقتضيه سنن الحياة هذا رغماً عنه، فلابد للإنسان أن يتحمل وأن يتدرب على الخشونة، كما جاء عن عمر(اخشوشنوا فإن النعمة لا تدوم) فدوام الحال من المحال، قد يتغير الحال ويتغير الزمان والدهر قلبّ، وتلك الأيام نداولها بين الناس، فمن عاش طول عمره على الرفاهية وعلى التنعم لا يستطيع أن يواجه الحياة إذا تغيرت إنما يواجهها إذا عوّد نفسه الخشونة وركوب المصاعب.

هذه هي العناصر الثلاثة التي يريدها الإسلام لتربية الجسم البشري، جسم الإنسان المسلم، فهو أمر

لابد منه لتكوين الشخصية المسلمة، الشخصية المسلمة جسم قوي وعقل قوي وروح قوية، هذه

هي معالم الشخصية التي يريدها الإسلام .

كيف تكون قوي الجسم ؟

انطلاقًا من حديث رسول الله “المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير”، فالمؤمن يحتاج لقوة جسمه كي يقوم بالتكاليف الشرعية وعمارة الأرض، ولكي تحوز قوة الجسم لابد من عدة أمور:

-1 أن يتغذى الغذاء المتوازن المفيد الذي يحتوي على المجموعات الغذائية ممثلة بالكربوهيدرات والبروتينات ويحرص على الأطعمة التي تحتوي على الفيتامينات والمعادن ولا يعتمد في طعامه على الوجبات الجاهزة ويكثر من تناول الفاكهة الطازجة ويتجنب الدهون .

2- إحسان التعامل مع الجسم وتوفير الاحتياجات اللازمة لقوته دونما إفراط أو تفريط.. “… ولكني أصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني”.

3- اكتشاف المهارات والطاقات التي أودعها الله – تعالى – في أجسادنا وتنميتها “ألا إن القوة الرمي”، “علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل” كل منا يملك مهارة وطاقة أودعها الله فيه وكفله الاستفادة منها .

وقدأجازالنبي يوم أحد رافع بن خديج وكان صغير السن لما قيل له : إنه رامٍ، فبلغ ذلك سمرة بن جندب فذهب إلى زوج أمه مري بن سنان بن ثعلبة عم أبي سعيد الخدري وهو الذي ربى سمرة في حجره يبكي, وقال له: يا أبت أجاز رسول الله رافعًا وردني، وأنا أصرع رافعًا، فرجع زوج أمه هذا إلى النبي ، فالتفت النبي إلى رافع وسمرة فقال لهما: «تصارعا» فصرع سمرة رافعًا فأجازه كما أجاز رافعًا، وجعلهما من جنده.

ونلحظ أن رسول الله أجاز رافعًا وسمرة لامتياز عسكري امتازا به على أقرانهما, ورد صغار السن خشية ألا يكون لهم صبر على ضرب السيوف، ورمي السهام، وطعن الرماح، فيفروا من المعركة إذا حمي الوطيس، فيحدث فرارهم خلخلة في صفوف المسلمين.

ونلحظ أن المجتمع الإسلامي يضج بالحركة ، ويسعى للشهادة شيبًا، وشبابًا، وحتى الصبيان يقبلون على الموت ببسالة، ورغبة في الشهادة، تبعث على الدهشة، دون أن يجبرهم قانون التجنيد، أو تدفع بهم قيادة إلى ميدان القتال، وهذا يدل على أثر المنهج النبوي الكريم في تربية شرائح الأمة المتعددة على حب الآخرة والترفع عن أمور الدنيا.

4- صيانة الجسم والإسراع بمعالجة ومداوة أي خلل يصيبه، ويحسن في هذا العصر الذي نحياه مع كثرة الملوثات التي تُحيط بالإنسان أن يُجري كشفًا

دوريًا عامًا على بدنه ليكتشف أي علة أو مرض قبل أن يتمكن من الجسم والأعضاء والمسارعة بعلاجه؛ “ما خلق الله من داء إلا خلق له الدواء فتداووا”.

5-أن يمارس الرياضة مثل الألعاب الجماعية أو حتى الألعاب القتالية الفردية وغيرها والذي لا يلعب

الرياضة فعليه أن يضع له برنامجا يوميا يحتوي على المشي الجدّي لمدة ساعة مثلا وتمارين الإحماء لمدة

ربع ساعة يومياً .

6- وعليه أن يتخلّص من العادات الصحية السيئة ممثلة بالتدخين وغيره،وكثرة شرب المنبهات .

[ الأنترنت  - موقع الراشدون - قوة الجسم وسلامة البدن ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الثلاثون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : الإيمان بالخلود :

ويستمد المؤمن قوته من الخلود الذي يوقن به، فحياته ليست هذه الأيام المعدودة في الأماكن المحدودة، إنها حياة الأبد، وإنما ينتقل من دار إلى دار وما الموت إلا رحلة غير أنها من المنزل الفاني إلى المنزل الباقي

هذا عمير بن الحمام الأنصاري في غزوة بدر يسمع النبي يقول لأصحابه “والذي نفسي بيده ما من رجل يقاتلهم اليوم -المشركين- فيقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر إلا أدخله الله الجنة” فيقول عمير: بخ بخ -كلمة تعجب- فيقول: مم تبخبخ يا ابن الحمام؟ فيقول: أليس بيني وبين الجنة إلا أن أتقدم فأقاتل هؤلاء فأقتل؟ فيقول الرسول: بلى، وكان في يد عمير تمرات يأكل منها فقال: أأعيش حتى أكل هذه التمرات؟ إنها لحياة طويلة! وألقى التمرات من يده وأقبل يقاتل ويقول : ركــضاً إلى الله بغير زاد إلا التقى وعمل المعاد والصبر في الله على الجهاد وكل زاد عرضة للنفاد

وهذا أنس بن النضر يقاتل قتال الأبطال في أحد، ويلقاه سعد بن معاذ فيقول له: يا سعد، الجنة ورب النضر: أجد ريحها من وراء أحد ! ! غير التقى والصبر والرشاد

الإيمان بالقدر :

ويستمد المؤمن قوته من القدر الذي يؤمن به، فهو يعلم أن ما أصابه من مصيبة فبإذن الله، وأن الإنس والجن لو اجتمعوا على أن ينفعوه بشيء لم ينفعوه

إلا بشيء قد كتبه الله له، ولو اجتمعوا على أن يضروه بشيء لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه، (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا، وعلى الله فليتوكل المؤمنون) (التوبة: 51 ))

المؤمن يعتقد أن رزقه مقسوم، وأجله محدود، لا يستطيع أحد أن يحول بينه وبين ما قسم الله له من رزق، ولا أن ينتقص ما كتب الله له من أجل،

وهذه العقيدة تعطيه ثقة لا حدود لها، وقوة لا تقهرها قوة بشر. وقد كان الرجل يذهب إلى الميدان مجاهداً في سبيل الله فيعترض سبيله المثبطون، ويخوفونه من ترك أولاده. فيقول: علينا أن نطيعه تعالى كما أمرنا، وعليه أن يرزقنا كما وعدنا.

وكان المعوقون والمخذلون يذهبون إلى المرأة فيثيرون مخاوفها على رزقها ورزق عيالها إذا ذهب زوجها إلى الجهاد، فتجيبهم في ثقة واطمئنان: زوجي عرفته أكَّالاً ولم أعرفه رزَّاقاً، فإن ذهب الأكَّال فقد بقي الرزَّاق ! ! وكان علي بن أبي طالب يخوض المعامع وهو يقول أي يومي من الموت أفر؟ يوم لا يقدر أو يوم قدر؟ يوم لا يقدر لا أحذره ومن المقدور لا ينجي الحذر

قال السيد جمال الدين الأفغاني: “الاعتقاد بالقضاء والقدر -إذا تجرد عن شناعة الجبر- يتبعه صفة الجرأة والإقدام، وخلق الشجاعة والبسالة يبعث على اقتحام المهالك التي ترجف لها قلوب الأسود، وتنشق منها مرائر النمور، هذا الاعتقاد يطبع الأنفس على الثبات، واحتمال المكاره، ومقارعة الأهوال، ويحليها بحلل الجود والسخاء، ويدعوها إلى الخروج عن كل ما يعز عليها، بل يحملها على بذل الأرواح، والتخلي عن نضرة الحياة .. كل هذا في سبيل الحق الذي قد دعاها للاعتقاد بهذه العقيدة الإيمان بالأخوة :

وقد شبَّه النبي قوة المؤمن بإخوانه المؤمنين باللبنة في البناء المتين، فقال: “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد

 بعضه بعضاً” اللبنة وحدها ضعيفة مقدور عليها، ولكنها داخل البنيان أصبحت مرتبطة به ارتباطاً لا ينفصل، أصبحت جزءاً من (الكل) الكبير، لا يسهل كسرها، أو زحزحتها عن موضعها فإن قوتها هي قوة البنيان كله الذي يشدها إليه)

حدثوا أن جيشاً من المسلمين كان بينه وبين عدوه نهر فأمرهم القائد أن يخوضوه، ولبوا الأمر، وخاضوا النهر، والعدو يشهدهم من بعيد دهشاً مرتاعاً .. وفي وسط النهر شهدهم العدو يغوصون في جوف الماء مرة واحدة كأنما غرقوا، ثم ظهروا فجأة .. فسأل العدو ما شأنهم؟ فعرفوا أن رجلاً منهم سقط منه قعبه -إناؤه- فصاح: قعبي .. قعبي .. فغاصوا جميعاً يبحثون عن قعب أخيهم .. فقال الأعداء في ذهول: إذا كانوا يصنعون مثل هذا في قعب سقط من أحدهم. فماذا يصنعون إذا قتلنا بعضاً منهم؟؟ وفت ذلك في عضدهم، وكانت العاقبة التسليم للمؤمنين                                                     إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الواحدة والثلاثون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : على قدر الإيمان تكون القوة :

إن إيمان المسلم بالله الذي لا يغلب، وبالحق الذي لا يخذل، وبالخلود الذي لا ينقطع، وبالقدر الذي لا يتحول، وبالأخوة الصادقة التي لا تهن – مصادر فياضة بالقوة المعنوية التي لا يقاس إليها قوة المادة أو السلاح

وعلى قدر نصيب المرء من الإيمان يكون نصيبه من تلك القوة، نرى ذلك بارزاً في أرجح المؤمنين ميزاناً بعد رسول الله، فقد تمثلت قوته في مواقف جعلت عمر الجبار الشديد يقول: “والله لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان هذه الأمة لرجح … “.

موقفه يوم توفي الرسول فذهل المسلمون، وأخرجتهم الفجيعة عن وعيهم، حتى روي أن عمر قال: من قال أن محمداً مات ضربت عنقه بسيفي هذا! هنالك وقف أبو بكر يؤذن في الناس بصوت جهير: “من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت …”، (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً) (آل عمران: 144) وموقفه بعد ذلك يوم تردد المسلمون في إنفاذ جيش أسامة الذي جهزه النبي إلى الشام قبل مرض موته، فقد طلبوا من أبي بكر أن يوقف مسير هذا الجيش، فإن الغد مليء بالطوارئ والاحتمالات، ولا يدرى أحد ماذا يفعل العرب في القبائل والقرى إذا علموا أن النبي قد مات .. ولكن أبا بكر أجابهم في حزم عازم وقال: “والذي نفس أبي بكر بيده … لو ظننت أن السباع تختطفني لأنفذت بعث أسامة كما أمر به رسول الله، ولو لم يبق في القرى غيري لأنفذته”

وموقفه في حرب المرتدين ومانعي الزكاة في الوقت الذي برزت فيه قرون العصبية الجاهلية كأنها قرون الشياطين، وكان المسلمون -بعد موت رسولهم- كالغنم في الليلة المطيرة، كما وصفتهم عائشة- وحتى قال بعض المسلمين لأبى بكر: يا خليفة رسول الله، لا طاقة لك بحرب العرب جميعاً .. الزم بيتك، وأغلق بابك، واعبد ربك حتى يأتيك اليقين .. ولكن هذا الرجل الخاشع البكاء، الرقيق كالنسيم، اللين كالحرير، الرحيم كقلب الأم، ينقلب في لحظات إلى رجل ثائر كالبحر، زائر كالليث، يصيح في وجه عمر: أجبار في الجاهلية خوار في الإسلام يا ابن الخطاب؟ لقد تم الوحي واكتمل .. أفينقص وأنا حي؟ والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه، ما استمسك السيف بيدي ! !

  [ الأنترنت – موقع منارات - إيمانك بالله مصدر قوتك الشيخ /فرج ابوطير]

*قوة التفكير :

((المُفَكِّر هو صانع الأفكار، والأفكار تسبب التفكير، والتفكير يسبب التركيز، والتركيز يسبب الأحاسيس، والأحاسيس تسبب السلوك، والسلوك يسبب النتائج، والنتائج تحدد واقع حياتك، فلو أردت فعلا أن تحدث تغييراً في حياتك غير إدراك المفكر))[1]

التفكير السلبي : (لا يُمكِن للمَرء أن يَحصُل على المَعرِفة إلا عِندما يَتَعلَّم كيف يُفَكِّر) فيكتور هوجو.

الحقيقة أن التفكير السلبي أخطر مما يَتَصَور أي إنسان فهو يجعل الحياة سلسلة من المتاعب والأحاسيس السلبية والسلوكيات السلبية وأيضا النتائج

السلبية مثل الأمراض النفسية والعضوية والشعور بالضياع والوحدة والخوف. أنا شخصياً أعتبِره مثل عَضَّة الثعبان مؤلمة فعلاً ولكنها في حَد ذاتِها لا تُسَبب الموت، ولكن الذي يَقتُل هو السُّم الذي يَجري في العروق والدم. تماماً مثل الفكرة السلبية فهي في حد ذاتها مُجَرد كلمات داخلية يستخدمها الإنسان ولكن ما يجعلها خطرة هو تكرارها وتخزينها حتى تصبح عادة يستخدمها الإنسان في حَياتِه فتسبب له متاعب ليس لها نهاية.

التفكير السلبي يَبحث ويُفكر في السلبيات التي حدثت في الماضي ويقلق ويخاف من المستقبل ويعيش الحاضر بأحاسيس سلبية واعتقادات سلبية تجعل حياته سلسلة من التحديات والمشاكل. والعجيب أن الشخص الذي يفكر بطريقة سلبية عنده قدرة خيالية على العثور على السلبيات في أي شيء حتى ولو كان إيجابياًّ! هل تعرف أحداً يُفكر بهذه الطريقة؟ الحقيقة أننا جميعا تمُر علينا أوقات نَقَع فيها في مَطَب التفكير السلبي ونَسلُك فيها الطرق المظلمة وهناك بعض الناس يُغَيِّر من ذلك الوضع ويتوكل على الله سبحانه وتعالى فَيُوجد له المولى عز وجل مخرجاً، ولكن هناك البعض الذي يستمر بالتفكير في هذه الطريقة فتجده يعيش معظم أيام حياته في تعاسة وصعوبات ولو حدث أنه شَعُر بالسعادة فهو يَشُك فيها أو يَقلَق منها حتى يُحَوِّلها مرةً أخرى إلى تحدٍّ.

إذن، إذا كانت الفكرة بهذه القوة، وإذا كان التفكير السلبي يفتح ملفات العقل السلبية ويسبب الامراض النفسية والعضوية وحالات الطلاق والتعاسة وضياع الفرص والفشل والبعد عن الله سبحانه وتعالى. إذا كان ذلك فعلا حقيقيا فدعوني أطرح لكم بعض التساؤلات:

لماذا يفكر معظم الناس في أفكار سلبية تسبب لهم الضياع والأمراض النفسية والعضوية أيضا؟

لماذا يفكرون أفكارا سلبية تبعدهم عن تحقيق أهدافهم وتسرق منهم سعادتهم وتسبب لهم آلاماً وتبعدهم

عن الله سبحانه وتعالى وتجعلهم يتصرفون

تصرفات قد تكون السبب في ضياعهم في الدنيا والآخرة؟

لابد من أن هناك أسبابا تدفعهم إلى التفكير بسلبية تسبب لهم التحديات في حياتهم.

وهذا ما سنتعرف عليه في المبحث الثاني، لأن معرفة الفرد بكل هذه الأسباب توسع آفاقه وتساعده على أن يسلح نفسه بالعلم والمعرفة.

وقد قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ((المعرفة نور القلب، والعلم مصباح العقل وفي كل تجربة موعظة)).

فدعونا نستمر معاً في رحلتنا في (قوة التفكير) ونكتشف مسببات التفكير السلبي.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الثانية والثلاثون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : على قدر الإيمان تكون القوة :

مسببات التفكير السلبي :

• البعد عن الله سبحانه وتعالى:-

إن الحياة التي المادية التي نعيش فيها، والمنافسة القوية التي نراها حولنا، والتغيير السريع، جعل معظم الناس يضيع مع التحديات ويبتعد عن الله سبحانه وتعالى سواءً كام يدرك ذلك أم لا.

هل تعرف أحدا حياته عبارة عن سلسلة من المشاكل والمتاعب والصعوبات، وكلما خرج من مشكلة دخل في مشكلة أخرى؟ إذا كانت إجابتك نعم، هل تعرف ما هو السبب الأساسي في ذلك؟ هو بعده عن الله سبحانه وتعالى فالمؤمن الحقيقي يتوكل على الله تعالى ويتقيه، ويشكره في السراء والضراء، ولا يكف عن التقرب منه عز وجل. اما الشخص الذي يبتعد عن الله سبحانه وتعالى، تكون الدنيا أكبر همه، وحياته ضنكاً مملوءة بالسلبيات وقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 124].

• البرمجة السابقة:

إن البرمجة السابقة السلبية تعتبر مثل فرامل اليد، فكلما حاولت أن تتحرك إلى الأمام تشدك بقوة إلى الخلف أو تجعلك تقف في نفس مكانك لا تستطيع الحركة.

إننا تبرمجنا من العالم الخارجي، ولكن من المهم أن تعرف أن أول سبع سنوات من حياتنا تكونت لدينا خلالها أكثر من تسعين بالمائة من قيمنا الراسخة التي اكتبناها من الوالدين ومن المحيط العائلي، ثم بعد ذلك من المحيط الاجتماعي ومن المدرسة والأصدقاء وهكذا، فلو كانت برمجتنا سلبية فهي تؤثر بشدة على حياتنا في كافة النواحي. فمثلاً: من الأشياء التي قد يكون الإنسان قد تبرمج عليها هي عدم محاولة فعل أي تغيير لأن ذلك يؤدي إلى الفشل. فنجده يتفادى[2] أي تغيير حتى لا يواجه بالفشل. ولو كان الشخص قد تبرمج على أن أسلوب التعامل مع الآخرين يكون عن طريق العصبية والصوت المرتفع ستجده يستخدم هذه البرمجة في التعامل مع الناس.

• عدم وجود أهداف محددة:

إن الناس خمسة أنواع :

النوع الأول: أشخاص لا يعرفون ما يريدون. إن هذا النوع من الناس يعيش حياته مثل ورقة شجر تحركها الريح أينما شاءت، فهم لا يعرفون ما يريدون من الحياة. فتجدهم دائمي الشكوى من أن الحياة صعبة جداًّ، وأنه لا يوجد فرص عمل، وأن معظم الأغنياء نصابون وأن الحظ وحده هو السبب في حالتهم المادية والنفسية وأيضا الصحية. وتجد هذا النوع لا يفعل أي شيء إيجابي، ولغته الأساسية هي الشكوى الدائمة.

النوع الثاني: أشخاص يعرفون ما يريدون ولكنهم لا يفعلون شيئاً للحصول عليه: هذا النوع من

الأشخاص عنده علم تام بأهدافه، ولكنه لا يتخذ أي

خطوة إيجابية لكي يحقق هدفه. وتجد هذا النوع يعاني نفسياًّ أكثر من النوع الأول، لأن النوع الأول لا يعرف ماذا يريد، لكن النوع الثاني عنده المعرفة ولكنه لا يفعل شيئاً لكي يحققها، فتجده يقارن بينه وبين الآخرين. ولغته الأساسية هي النقد واللوم.

النوع الثالث: أشخاص يعرفون ماذا يريدون وعندهم أهداف محددة ولكنهم لا يثقون في قدراتهم: هذا النوع من الناس لا يعتقد أنه يستطيع أن يحقق أهدافه، فتقديره الذاتي ضعيف وثقته في نفسه تكاد تكون منعدمة ويخاف من الفشل والسخرية. هذا النوع يعاني أكثر من النوعين الأولين لأنه عنده علم ومعرفة ولكنه لا يجد عنده الشجاعة ليتخذ خطوات إيجابية، ولغته سلبية مليئة بالحقد على الناجحين.

النوع الرابع: أشخاص يعرفون بالتحدي ما يريدون ولكنهم يتأثرون سلبياًّ من العالم الخارجي. هذا النوع من الناس يعرف جيدا ما يريد وعنده أهداف محددة وتخطيط دقيق، لكنه ضعيف الشخصية يتأثر بسرعة بآراء الآخرين مما يسبب له تغيير في خطته في تحقيق أهدافه، لذلك لا يستخدم قدراته ومهاراته. إنه لا يتقحم كثيراً ولا يحقق إلا القليل من أهدافه. لذلك هو عصبي المزاج دائم الشكوى ممن حوله وينعي حظه. لغته سلبية وثقته في نفسه ضعيفة.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الثالثة والثلاثون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : على قدر الإيمان تكون القوة :

النوع الخامس: أشخاص يعرفون ما يريدون ويذهبون وراء أهدافهم بقوة حتى يحققوها: هذا النوع من الأشخاص يعرف تماماً ما يريد، ويخطط لأهدافه ثم يذهب وراءها بكل قوته ولا يتركها حتى يحققها بإذن الله. وهذا النوع يعلم جيِّدً قانون الرجوع الذي يقول: ((ما تفكر فيه وتفعله يعود إليك من نفس نوعه)). لذلك فهم يحققون أهدافهم ويعيشون أحلامهم. إن عدم وجود هدف محدد في حياة الإنسان يجعله لا يستغل قدراته التي وهبها له الله سبحانه وتعالى، فيعيش في ضياع وخوف وقلق من المستقبل. فتجده يتخبط في الظلام ولا يجد معنى لحياته.

التفكير الإيجابي : تعريف التفكير الإيجابي :

التفكير الإيجابي هو مصدر قوة ومصدر حرية أيضا ً. مصدر قوة لأنه سيساعدك على التفكير في الحل حتى تجده، وبذلك تزداد مهارة وثقة وقوة.

 ومصدر حرية، لأنك ستتحرر من معاناة وآلام سجن التفكير السلبي وآثاره الجسيمة.

مفهوم آخر:

التفكير الإيجابي هو موقف ذهني يجيز أن تقوم في الذهن أفكار وألفاظ وصور تساعد على النمو

والتحقق والنجاح. إنه الموقف الذهني الذي يتوقع صاحبه نتائج طيبة لكل مشروع يُقبل عليه. والعقل الإيجابي يتوقع السعادة والفرح والصحة والنجاح لكل وضع ولكل عمل. وما يتوقعه الذهن يجده.

التفكير الإيجابي علمياًّ:هو التفاؤل بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، والنظر إلى الجميل في كل شيء.وللتفكير الإيجابي أثر فعال وقوي في نفسياتنا وأمور حياتنا اليومية والمستقبلية.

أنواع التفكير الإيجابي :

أولا: التفكير الإيجابي لتدعيم وجهات النظر:

هذا النوع من التفكير يستخدمه بعض الناس لكي يدعم وجهة نظره الشخصية في شيء معين، وبذلك يقنع نفسه بأنه على صواب حتى ولو كانت النتيجة سلبية. فمثلاً: المدخن الذي يدعم وجهة نظره في التدخين ويقول: إن التدخين يهدئ من أعصابه ويجعله متزناً في عمله ومع أولاده ولذلك فهو يدخن لكي يظل متزناً.

ثانياً: التفكير الإيجابي بسبب التأثر بالآخرين:

في هذا النوع من التفكير يكون الشخص إيجابياًّ، لأنه تأثر بشخص آخر، سواءً كان ذلك من الأقارب أو الأصدقاء أو حتى بسبب برنامج قد شاهده

في التِّلفاز. فمثلاً: لو شاهدت برنامجاً عن الرياضة والرياضيين تشعر أنك تريد أن تمارس الرياضة أيضاً،فمن الممكن أن تبدأ فعلاً وتستمر حتى تصل إلى ما تريد من وزن وصحة. ومن الممكن بعد وقتٍ قصير أن تترك كل شيء وتعود إلى ما كنت. فهذا النوع من التفكير الإيجابي، قد يكون تأثيره سلبياًّ على بعض الناس الذين يتأثرون بالآخرين ولكنهم يفقدون الحماس بعد فترة قصيرة ويشعرون بالإحباط.

ثالثاً: التفكير الإيجابي بسبب التوقيت:

هل سألت نفسك لماذا تكون سلوكيات الناس أفضل في شهر رمضان وفي الأيام الروحانية؟

لأن هذا التوقيت له رابط روحاني عند الناس، فلا يريد الشخص أن يُغضِب الله سبحانه وتعالى. وأيضاً يريد أن يكسب أكبر عدد من الحسنات. فيكون الإنسان واعياً ومُدرِكاً لتصرفاته. ولكن ما يحدث بعد شهر رمضان، أن يعود الشخص مرة أخرى إلى ما كان عليه وقد يكون أسوأ! لأن تفكيره وسلوكه كان متوقِفاً على وقت محدد وليس على قيمة مستمرة في الزمن. ومن الممكن استغلال هذا النوع من التفكير الإيجابي المرتبط بتوقيت لتحسين سلوكياتنا وأيضاً لبناء عادات إيجابية جديدة.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الرابعة والثلاثون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : أنواع التفكير الإيجابي :

رابعاً: التفكير الإيجابي في المعاناة:

عندما يصاب الإنسان بمرض خطير أو يفقد أحد أعضائه في حادث، أو يفقد عزيزا عليه، فإنه يمر بعدة مراحل نفسية قد تستمر معه لفترات طويلة أو تنتهي بالتقبل والتحول والتفكير الإيجابي والتركيز على الحل. وهناك بعض الناس لو واجهته صعوبات في حياته تجعله سلبياًّ.فنجد تفكيره سلبياًّ، وتركيزه يكون على أسوأ الاحتمالات، وأحاسيسه سلبية، مما يؤثر على سلوكياته.

خامساً: التفكير الإيجابي المستمر في الزمن:

هذا النوع من التفكير الإيجابي هو أفضل وأقوى أنواع التفكير. لأنه لا يتأثر بالمكان أو الزمان او المؤثرات، بل هو عادة عند الشخص مستمرة في الزمن.

فسواءً واجه الشخص تحدياً أم لا، فهو دائماً يشكر الله سبحانه وتعالى، ثم يفكِّر في الحل والبدائل، حتى أصبحت عادة يعيش بها في حياته.

الشخص من هذا النوع تجد حياته متزنة وسعيدة وهادئة. هذا هو التفكير الإيجابي المستمر في الزمن،

الذي لا يتأثر بشيء أو بأحد. ولكن على العكس ففي الأزمان يستخدم الشخص هذا السلاح الرائع في التغلب عليها، ويركز دائماً على الجانب الإيجابي من الحياة. وهذا لا يعني الهروب من المشاكل، بل إيجاد الحلول لها.

قال المحاضر الأمريكي دكتور واين داير: ((إن هناك حلاًّ روحانياًّ لكل مشكلة)). وهذا صحيح، لأن الشخص الروحاني إيجابي بطبيعته ويتوكل على الله سبحانه وتعالى ويحقق أهداف حياته ويعيش في سلام داخلي واتزان في كافة أركان الحياة.

صفات الشخصية الإيجابية :

هناك عشر صفات أساسية تتميز بها الشخصية الإيجابية الرائعة، لتكون مصدراً للقوة والإصرار والتميز وتساعد صاحبها على تحقيق أهدافه والشعور بالسعادة والهدوء النفسي وراحة البال:

1- الإيمان بالله سبحانه وتعالى والاستعانة به والتوكل عليه:

الشخصية الإيجابية شخصية مؤمنة بالله عز وجل وتتوكل عليه حق التوكل والاستعانة به في كل الأوقات. وقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز:

﴿ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159].

2- القِيَم العُليا:

الشخصية الناجحة تعيش بقيم عليا، فتجدها تبعد عن السلوكيات السلبية مثل الكذب والغيبة والنميمة والغيبة والفتنة والاستغلال وكل ما يبعدها عن الله سبحانه وتعالى. بل تتميز هذه الشخصية بالصدق والأمانة وحب الخير للناس والعطاء والكرم والانتماء لله والتطبع بأخلاق الرسول عليه الصلاة والسلام وأخلاق الرسول والأنبياء، والتسامح المتكامل.

3- الرؤيا الواضحة:

الشخصية الناجحة تعرف جيِّداً ما تريد على المدى القصير والمتوسط والبعيد. وتعرف ماذا تريد ومتى تريد وكيف تستطيع أن تحصل عليه باستخدام كافة المصادر والإمكانيات لديها. وتخطط للتنفيذ بمرونة تامة حتى تحصل على أهدافها.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الخامسة والثلاثون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : أنواع التفكير الإيجابي :

4- الاعتقاد والتوقع الإيجابي:

الشخصية الإيجابية تعلم جيِّداً قانون الاعتقاد والتوقع، وكيف أن أي شيء تعتقد فيه بأحاسيس

مرتبطة وتتوقعه، ينجذب إليك من نفس نوعه. وهذا الاعتقاد والتوقع مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بإيمانه بالله

عز وجل ومعرفته أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا.

5- التركيز على الحل عند مواجهة الصعوبات:

الشخصية الناجحة تعرف جيِّدا قانون التركيز وقوته، وكيف أنه يلغي أي شيء آخر لكي يستطيع الإنسان أن يُرَكِّز انتباهه على ما يريد. فهو يأخذ الأمور

ببساطة ويفسرها لنفسه بطريقة إيجابية ويستمر يفكر بهذه الطريقة حتى يجد الحل للمشكلة.

6- الاستفادة من التحديات والصعوبات:

الشخصية الناجحة تستفيد من أي تحدٍّ تواجهه وتستخدمه في التخطيط للمستقبل، وبذلك فهي تحول التحديات إلى مهارات وخبرات قوية وتجارب يستند إليها.

7- لا يدع التحديات والصعوبات تؤثر على أركان حياته:

هناك سبعة أركان أساسية نسميها الأركان السبعة للحياة المتزنة وهي: الركن الروحاني، الركن الصحي، الركن الشخصي، الركن العائلي، الركن الاجتماعي، الركن المهني، وأخيرا الركن المادي. فلو واجه الشخص الإيجابي تحدياًّ مادياًّ أو مهنياًّ فهو لا يدع هذا التحدي يؤثر على باقي الأركان، بل على العكس يكون أقوى روحياًّ ويهتم أكثر بنفسه وصحته وأفكاره وعائلته. وبذلك يعيش حياته باتزان تام ويركز على الحل في نفس الوقت.

8- واثق من نفسه يحب التغيير وخوض المخاطر:

الشخصية الناجحة تعرف جيدا أن التغيير شيء واقعي لا يستطيع أي إنسان أن يتجنبه، لذلك فهو يعرف ما يريد من أهداف ويخطط لتنفيذها ويضع كافة الاحتمالات لها، ويضعها في الفعل وهو يقيم ويعدل في خطته وفي نفس الوقت يتعلم من أخطائه ثم يعود مرة أخرى للتنفيذ بثقة تامة في الله سبحانه وتعالى.

9- يعيش على الأمل والكفاح والصبر:

الشخصية الناجحة تعرف جيدا أنه لولا سعة الأمل لضاقت الحياة، وأنه بدون الأمل يضيع الإنسان ويقع في مطبات التحديات والأحاسيس السلبية. هذه

الشخصية تعرف أن الأمل هو بداية التقدم، ولولا وجود الأمل لتوقف كل شيء، وأن الأمل بدون الفعل والكفاح لا يحدث التقدم والتغيير. هذه الشخصية مكافِحة إلى أبعد الحدود. لا تَكِل، لا تمِل ولا تيأس مهما كانت الظروف والتحديات.

10- اجتماعي ويحب مساعدة الآخرين:

الشخصية الناجحة تتمتع بشخصية محببة إلى القلب، لما تتمتع به من أسلوب إيجابي يحترم الآخرين ويتعامل معهم بتقبل تام دون محاولة التحكم فيهم أو استغلالهم أو السيطرة عليهم. فهو يحب الناس ويتمتع بمساعدتهم فيقوم بتقديم يد العون لهم بكافة الطرق.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة السادسة والثلاثون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : الفصل الثاني: استراتيجية التفكير.

المبحث الأول: كيف تحول التفكير السلبي إلى إيجابي:

التخلص من التفكير السلبي والأفكار السلبية[4]:

للتخلص من التفكير السلبي والأفكار السلبية، والتي تحدك عن التقدم في حياتك وأخذ ما تريد، هناك تقنيات سهلة يمكنك استخدامها والتي يمكنها أن تحول تفكيرك للأفكار الإيجابية، وتجعلك تركز على كل ما هو إيجابي في حياتك وتحقق لك النتائج المرجُوَّة بإذن الله. فقط داوم على استخدام هذه التقنيات "البسيطة في تنفيذها القوية في تأثيرها"، وسترى كيف أن حياتك في مدة قصيرة اختلفت

كثيراً عن السابق، هذه التقنيات أعرضها كالتالي:

1- تحويل الفكر لحدث أو موقف سعيد:

كلما أتتك الأفكار السلبية اعمل على تحويل تفكيرك لشيء إيجابي في حياتك، تذكر فكرة سعيدة أو حدث أو موقف سعيد ينتشلك[5] من هذا التفكير

السلبي بشكل فوري. مثال: يوم نجاحك في التعليم الثانوي ودخولك الجامعة وفرحتك بذلك. أو نصيحة أعجبتك من والدك وتأثرت بها كثيراً وفرحت بها. مع ملاحظة أن لا تستدعي الأحداث او المواقف السعيدة التي تجلب مشاعر بها شجن وبكاء، أو مشاعر تؤدي لذكريات أخرى لها وقع سلبي في حياتك.

إن تحويل تفكيرك فوراً لفكرة إيجابية، سيلغي تأثير الفكرة السبية عليك. حيث إن العقل يميل للأفكار الإيجابية ويقربها إليك، لأنها تُدخل السعادة على العقل والنفس، وبذلك سيلفظ الأفكار السبية، ذلك لأنها تقربه للألم وهو ما يرفضه العقل وترفضه النفس. فالأفكار الإيجابية أقوى ألف مرة من الأفكار السلبية، فهي مبعث السعادة والبهجة، وكما يقولون: "البقاء للأقوى". لذا حول تفكيرك بشكل إيجابي فوراً عند ظهور الفكرة السلبية لأسعد شيء تتذكره في حياتك. وهذا من شأنه إلغاء تأثير الفكرة السلبية تماماً. يقول نورمان فينسنت بيل: (إذا غيرت أفكارك تكون بذلك قد غيرت العالم). وأقول: (إذا غيرت أفكارك تكون بذلك قد غيرت عالمك).

2- استخدام تقنية ((توقف)):

كذلك تعامل مع فكرتك السلبية بحزم، كلما لاحت[6] الفكرة السلبية في عقلك قل لها: قف أو توقف. وكلما عاودتك هذه الفكرة من جديد قل لها: توقف. يمكنك قول ذلك بصوت مسموع في البداية ثم يمكنك بعد فترة قول ذلك بأمر ذهني داخلي لعقلك بصوتك الداخلي، وذلك حتى يعلم عقلك أنك لا تريد هذه الفكرة ثانية في حياتك، ويشطبها من مخزن أفكارك، ويشطب كذلك كل ما يعمل على توكيدها. وبذلك تصبح أفعالك انعكاساً لأفكارك الإيجابية فقط عن نفسك، وتنمو وتتزايد تأثير هذه الأفكار الإيجابية في حياتك من نفس نوعها. يقول بيت كوهين- وهو خبير حياة استراتيجي-: (إنك إذا أمرت الأصوات القلقة النافذة في رأسك بأن تسكت، فإنها سوف تسكت).

المبحث الثاني: الوصايا العشر للتفكير الإيجابي:

أولاً: الرغبة المشتعلة :

هي الوقود الذي يحرك الأحاسيس ويعطي قوة للسلوك. الرغبة المشتعلة هي التي جعلت رون سكاليون يصبح من أبطال العالم في الكاراتيه رغم أنه كان معاقاً. هي التي جعلت والت ديزني يقاوم السخرية والاستهزاء والضياع لكي يحقق هدفه وحلم حياته وهو مدينة ديزني.

ثانياً: القرار القاطع :

معنى كلمة قرار يأتي من أصل يوناني وهو ((دوكايتيري))، اْي: قاطع. فالقرار الذي يتخذه الشخص يجب أن يكون قراراً قاطعاً، أي: لا رجعة فيه مهما كانت الظروف أو التحديات أو المؤثرات الداخلية أو الخارجية. لو نظرت حولك ستجد أمثلة كثيرة عن الأشخاص الناجحين الذين قرروا أن ينجحوا رغم كل المؤثرات السلبية التي كانت تواجههم، لأن قرارهم كان مدعماً برغبة مشتعلة، واعتقاد راسخ، وتوقع إيجابي، ومرونة تامة. هذا هو القرار الذي أتكلم عنه، القرار الذي أخذه خالد حسان وسبح المانش وفاز على الرغم من أنه فقد أرجله في حادث أليم وهو طفل صغير.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة السابعة والثلاثون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : المبحث الثاني: الوصايا العشر للتفكير الإيجابي:

ثالثا: تحمل المسؤولية كاملة :

إن عدم تحمل المسؤولية يجعلك تركز كل أفكارك وطاقتك فيما لا يفيدك في أي شيء، بل على العكس يبعدك كل البعد عن أن تصبح الشخص الذي تريد أن تكونه. ولكن عندما تأخذ مسؤولية حياتك فإنك بذلك تركز كل أفكارك وطاقتك في تحقيق أهداف حياتك.

رابعاً: الإدراك الواعي :

في بحث قامت به جامعة جورج تاون عن الإدراك كانت نتيجته أن أكثر من تسعين بالمائة من سلوكياتنا تلقائية نفعلها بدون تفكير! في رأيي الشخص يمثل الإدراك أكثر من خمسين في المائة من التغيير، فمثلاً: المدخن الذي لا يدرك خطورة التدخين، وأنه من الممكن أنه يُودي بحياته، سيستمر في التدخين! ولكن لو أدرك إدراكاً واعياً يكون في طريقه إلى التغيير. لذلك كن مدركاً لما تفكر فيه، وقرر أن تتحكم في التفكير السلبي وتحوله إلى صالحك، لأن التغيير الحقيقي يبدأ في الأفكار.

خامساً: تحديد الأهداف :

الأهداف من أهم عوامل التفكير الإيجابي، لأنها تجعلك تركز على ما تريد، وليس على ما لا تريد. الأهداف تجعل لحياتك معنى، وبدونها يشعر الناس بالضياع. اعدك أنه عندما تعرف أهدافك، وتخطط لحياتك، لن تكون حياتك كما كانت بل سيصبح لها معنى آخر.

سادساً: التأكيدات المتضامنة :

من ضمن الرسائل التي من الممكن أن نكون قد استقبلناها: أنت فاشل، أنت عصبي جداًّ، أنت غبي مثل عمك تماماً. لن تكون نافعا في أي شيء.. إلخ من الرسائل السلبية التي استقبلناها من العالم الخارجي سواءً كان ذلك في المنزل أم المدرسة أم من الأصدقاء أم من الناس.

المهم هو أن البرمجة الأولية تعتبر أقوى البرمجة التي تعودنا عليها. ثم أضفنا عليها من العالم الخارجي. فبسبب هذه البرمجة نسينا أنفسنا. والحقيقة أن آراء الناس لا تدل عليك أنت، بل تدل عليهم هم. فلو كان الشخص متزناً فهو يتكلم باتزان ويساعد الناس. لذلك لو قال لك شخصاً ما: إنك فاشل، فهو في الحقيقة يتحدث عن نفسه وإلا حاول أن يساعدك على التغيير بدلاً من أن يحبطك.

والآن دعنا نستخدم التأكيدات المتضامنة مع الأشخاص :

1- فكر في شخصٍ ما تعرف أنه ينقدك ويقول لك كلاماً كان يسبب لك إحباطاً.

2- انفصل بأحاسيسك عن كلامه وانظر إليه وكأنك تشاهد كل شيء من بعيد.

3- قل لنفسك: ما يقوله غير صحيح، فأنا لست فاشلاً، وأنا الآن أخطط لأهدافي، وإن شاء الله سأحققها.

4- اقرأ تأكيداتك المتضامنة واربط بها أحاسيسك.

5- ارجع لكلام هذا الشخص ستجد أنها فقدت قوتها، وحلت محلها تأكيداتك المتضامنة.

من اليوم استخدم التأكيدات المتضامنة مع الأشخاص والأشياء، وخصوصاً مع رأيك أنت عن نفسك ولو كان سلبياًّ.

سابعاً: الوقت الإيجابي:

الغرض من وصية الوقت الإيجابي هو أن تستخدم قدرة عقلك على التركيز على وقت تحدده أنت، وقد يكون ذلك الوقت لا يزيد عن عشرة دقائق كبداية تدرب فيها عقلك على التركيز على التفكير الإيجابي. ثم تصعيد هذه المدة، المهم هو الاستمرارية في فعل ذلك حتى تصبح من عاداتك المخزنة في مراكز الذاكرة في العقل، مما يجعلك تتصرف إيجابياًَ بطريقة تلقائيةٍ.

ثامناً: التنمية الذاتية :

التنمية البشرية أصبحت من أهم المتطلبات الأساسية التي تطلبها الشركات والمؤسسات في موظفيها اليوم. فمن الممكن أن يكون موظفاً حاصلا على

شهادات عليا من جامعات عالمية ولكنه لا يستطيع التعامل مع الآخرين، مما أدى إلى طرده من العمل. كلمة تنمية تعني: النمو في الأركان السبعة (الركن الروحاني، الصحي، الشخصي، العائلي، المهني، والركن المادي). وبشرية تعني: الجنس البشري.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الثامنة والثلاثون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : وسائل التنمية البشرية

هناك وسائل عدة يمكنك أن تستخدمها لكي تستفيد من التنمية البشرية منها:

1- القراءة.

2- الأشرطة السمعية.

3- الأشرطة البصرية.

4- الأمسيات الجماهيرية.

5- البرامج التدريبية.

6- الدورات المكثفة.

تاسعاً: السكون والتأمل اليومي :

لو نظرت إلى الطبيعة التي حولنا ستجد أن كل شيء يحدث وينمو في هدوء وسكون تام. فالشمس تشرق في هدوء وتغرب في هدوء، والقمر يظهر في هدوء ويختفي في هدوء. هل رأيت غروب الشمس؟ هل تمعنت فيه؟ ستجد نفسك في هدوء تام. لذلك قررت أن أضع لك وصية السكون والتأمل اليومي، والتي عندما تجعلها جزءاً من جدولك اليومي ولو لبضع دقائق فقط ستعود عليك

بفائدة لم تكن تخطر لك على بال.

عاشراً: الاهتمامات الشخصية والنشاطات اليومية :

الهوايات لها قوة علاجية رائعة، فهي تبعدك عن ضغوط الحياة اليومية وتأخذك غلى الراحة والسعادة. العمل والراحة وجهان من نفس العملة النقدية، ففي العمل تشعر بأنك تنجز وتنمو وتتقدم، وأيضاً في الراحة التي تحصل عليها عندما تمارس هواية تحبها ستشعر بالراحة والهدوء النفسي الذي يساعدك على إنجاز أكبر في عملك، وتوفير صحة أفضل في حياتك.

من اليوم... لاحظ أفكارك قبل أن تتحول إلى تركيز، لاحظ تركيزك قبل أن يتحول إلى إحساس، لاحظ إحساسك قبل أن يتحول إلى نتائج، لاحظ نتائجك قبل أن تحدد مصيرك.

و تذكر.. أنك لست العنوان الذي أعطيته لنفسك أو أعطاه لك الآخرون. أنت لست اكتئاب أو قلق أو إحباط أو توتر أو فشل. أنت لست سنك أو وزنك أو شكلك أو حجمك أو لونك. أنت لست الماضي ولا الحاضر ولا المستقبل. أنت أفضل مخلوق خلقه الله عز وجل. فلو كان أي إنسان في الدنيا حقق أي شيء، يمكنك أنت أيضاً أن تحققه، بل وتتفوق عليه بإذن الله تعالى.

و تذكر دائماً أن : الليل هو بداية النهار، والشتاء هو بداية الصيف، والألم هو بداية الراحة، والتحديات هي بداية الخير، والتفاؤل بالخير هو بداية القوة الذاتية. لذلك، عش كل لحظة وكأنها آخر لحظة في حياتك، عش بحبك لله عز وجل، عش بالتطبع بأخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم.

عش بالأمل.. عش بالكفاح.. عش بالصبر.. عش بالحب.. وقدِّر قيمة الحياة.

الخاتمة

احتوى بحثي على تعريفات للتفكير وأنواعه، وصفات الشخص السلبي والشخص الإيجابي ومسببات التفكير السلبي والتفكير الإيجابي.

كما دعمت بحثي بأدلة من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف بما يناسب موضوع بحثي.

و توصلت - بفضل الله - إلى أضرار التفكير السلبي ومميزات التفكير الإيجابي. كما توصلت إلى مساوئ التفكير السلبي وتأثيره على سلوكيات الفرد وتعامله مع الآخرين. كما توصلت إلى حلول ووصايا تهدف إلى تغيير التفكير السلبي وتحويله إلى تفكير إيجابي.

كما أوصي كل من يقرأ هذا البحث أن يحاول جاهداً تطبيق ما فيه من وصايا ومقترحات. وأوصي أفراد مجتمعي بأن يتجنبوا قدر الإمكان التفكير بسلبية والبعد عن حياة التشاؤم. [ الأنترنت – موقع الألوكة - قوة التفكير - شادية سعيد أبوعزيز ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة التاسعة والثلاثون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * قوة الإرادة وعلو الهمة :

أهمية قوة الإرادة وعلو الهمة : قوة الإرادة وعلو الهمة موضوعان مترابطان.

وهذان الموضوعان في غاية الأهمية من جهة الحاجة إليهما؛ لأنه لا يقوم بدين الله إلا من كانت له إرادة قوية وهمة عالية، فإن هذا الدين دين قويم، ودين

عظيم، والله جل جلاله أنزله وامتحن به الناس، ليرى من الذي يقوم به ممن لا يقوم، من الذي يتحرك لنصرته، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، ومن الذي يتخاذل عن ذلك، ويركن إلى الدنيا وإلى الدعة والكسل.

وهذان الموضوعان أيضاً في غاية الأهمية من جهة علاج الواقع الذي نعيش فيه، فإننا في حال هزيمة على المستوى الفردي والمستوى الجماعي، وإن العودة بالنفس والمجتمع من حال الهزيمة إلى حال الانتصار تحتاج إلى إرادة قوية وهمة عالية.

وحال الأفراد الذين يقولون: عندنا معاصي لا نستطيع أن نفارقها، وشهوات واقعون فيها لا نستطيع أن نبارحها، وعندنا ضياع أوقات من مشكلاتنا وندخل في مشاريع فلا نكمل، وتنقطع بنا السبل، ونعيش في فوضى، وحياتنا ليست مرتبة على حسب الشريعة.

لا شك أن علاج كل هذه المشكلات، وعلاج قضية عدم الجدية في الالتزام بالإسلام من هذه الأوقات الضائعة، والالتزام الناقص، ومظاهر نقص الاستقامة، لا شك أنها لا تعالج إلا بإرادة قوية وهمة عالية.

ونحن نتلفت لعلاج أنفسنا إلى الأنبياء والصحابة والتابعين والعلماء والشهداء الذين قضوا نحبهم وهم مقيمون على طاعة الله، أولئك الذين أخبر الله جل جلاله عنهم بأنهم: صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا [الأحزاب: 23].

أولئك أصحاب الهمم العالية، والعزائم القوية، والإرادات التي جعلت أصحابها في ذلك المستوى الإيماني المرتفع.

وأيضاً فإن هذا الموضوع مهم في العبادة، والجهاد، وطلب العلم، والدعوة إلى الله جل جلاله ؛ لأن هذه الأمور الشرعية المطلوبة لا يمكن تحقيقها إلا بذلك.

ولنشرع بالشطر الأول من هذا الموضوع وهو: قوة الإرادة.

أنواع الإرادة:

 أما الإرادة فإن الإرادة الكاملة التامة هي لله جل جلاله ، الذي قال ووصف نفسه بأنه: فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ [البروج: 16] لا تحدث حركة ولا سكنة في الأرض ولا في السماء إلا بإرادته ومشيئته، ولو شاء عدم وقوعها لم تقع، فهذه هي إرادته الكونية القدرية التي لا بد من وقوعها، كما قال الله -عز وجل-: فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا [الكهف: 82]، وقال: وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا [الإسراء: 16]، وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا[المائدة: 41]، وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ [الرعد: 11].

فمشيئته سبحانه وتعالى نافذة، إرادته نافذة، هذه الإرادة الكونية القدرية.

والإرادة الثانية: هي الإرادة الدينية الشرعية؛ كما قال الله -تعالى- فيها: وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ [النساء: 27].

ثم إن بعض الناس قد يسلكون سبيل التوبة فيتوب الله عليهم، وبعض الناس لا يسلكونها فلا يتوب الله عليهم.

وقال الله: يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ  [البقرة: 185] وهذه أيضاً من الإرادة الدينية الشرعية، فلو كانت الإرادة هذه كونية لما حصل لأحد منا عسر أبداً.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الأربعون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : خطر الخلط بين الإرادة الكونية والشرعية:

 والخلط بين الإرادتين هو الذي يورد الخالط المهالك.

وقد ضل أناس في هذه الإرادة فجعلوهماً شيئاً واحداً، وصار بعض الناس يقولون: إننا مجبورون على الأفعال لا إرادة لنا.

وبعض الناس يقولون: إن كل شيء نفعله فالله يريده، يعني: يحبه، فضلوا واستمروا على المعاصي والضلال، قالوا: إن الله يحب هذا، واحتجوا بأنه وقع وأن الله أراده.

وبعض الناس ضلوا في الناحية الأخرى فقالوا: إن العباد يخلقون أفعالهم بأنفسهم.

وهؤلاء الضلال هم الذين انحرفوا في مفهوم الإرادة، إرادة الله جل جلاله فخلطوا بين الإرادة الشرعية وبين

الإرادة الكونية.

والذي يخلط بينهما ولا شك فإنه يضل، فهؤلاء الذين قالوا: إن العباد يخلقون أفعالهم بأنفسهم جعلوا هناك أكثر من خالق، بل إن عدد الخالقين صار بعدد الناس الذين يفعلون الأفعال، ولا شك أن الله خلقنا وخلق أفعالنا: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ  [الصافات: 96].

وأما الذين قالوا: إن العباد ليس لهم إرادة وإنهم مقسورون ومجبورون على أفعالهم سلبوا العباد القدرة والإرادة التي أعطاهم الله إياها، بل إنهم بهذا الكلام الباطل جعلوا تعذيب الله للعاصي مثل تعذيب الطويل لم لم يكن قصيراً، والقصير لم لم يكن طويلاً، بل إنهم عذروا إبليس وقدموا العذر لفرعون وهامان وقارون؛ لأنهم معذورون بما فعلوه وأنهم مجبورون، وقال قائلهم في البيت المشهور:

ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له *** إياك إياك أن تبتل بالماء

هذا بيت من عقيدة الجبرية، الذي قاله جبري، يقول: أن الإنسان مجبور، وأن الله جل جلاله امتحنه مع أن

المخلوق لا إرادة له، بل إن بعض هؤلاء القدرية الضلال اجتمع نفر منهم فتذاكروا في القدر فجرى ذكر الهدهد وقوله: وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ [النمل: 24]، فقال أحدهم: كان الهدهد قدرياً، أضاف العمل إليهم والتزيين إلى الشيطان، وكل ذلك من فعل الله.

ونحن نعتقد أن الله جل جلاله أعطانا القدرة وأعطانا الإرادة، ولكن لا يقع إلا ما يريده الله، لم يسلبنا الله الإرادة ولا القدرة، بل إن العبد إذا أراد أن يفعل شيئاً فإن له الحرية في الفعل إذا أراد الله وقدر وقوع ذلك، ولا يشعر العاصي بقوة تدفعه إلى عمل الشيء بالرغم منه، بالرغم من أنه لا يريد ذلك أبداً، وليس العبد مجبوراً على أفعاله مطلقاً.

وكم كانت هذه العقيدة الضالة سبباً في صد بعض الناس عن دين الله جل جلاله ، وهذا مثال على ذلك قال بعض السلف: خرجنا في سفينة وصحبنا فيها قدري ومجوسي، فقال القدري للمجوسي: أسلم، قال المجوسي: حتى يريد الله.

هذا عين ما يقع اليوم من بعض الناس الفسقة إذا قلت لهم: التزموا بدين الله، عودوا إلى الله، اتركوا المعاصي قالوا: حتى يريد الله.

قال المجوسي: حتى يريد الله.

فقال القدري: إن الله يريد، ولكن الشيطان لا يريد.

فقال المجوسي: أراد الله وأراد الشيطان فكان ما أراد الشيطان، هذا شيطان قوي.

وفي رواية قال: فأنا مع الأقوى منهما [شرح العقيدة الطحاوية، ص: 227].

وهذا الضلال بسبب الخلط بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية، الله جل جلاله أعطانا الإرادة وأراد منا أن نعبده سبحانه وهو لا يقع في ملكه إلا ما يريد: إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ  [مريم: 35].

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الواحدة والأربعون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : بعض الأدلة على أن للإنسان إرادة:

 ومن الأدلة على أن الإنسان له إرادة: ما أخبر الله جل جلاله به في عدد من المواضع من كتابه، كقوله عز وجل:  فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا [القصص: 19]،  فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا [الكهف: 19]،  وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ [هود: 79].

فنحن لنا إرادة ضمن إرادة الله، لا يمكن أن نخرج عن إرادة الله، ولكن لنا إرادة، لسنا مجبورين على أفعالنا.

وبالمناسبة فإن عدداً من الذين يتكلمون من موضوع الإرادة من أصحاب الكتابات في علم النفس المأخوذ من النظريات الغربية، والمبني على عقائد القوم المنحرفين والكفرة عندهم هذه المسألة، وهي أنهم يقولون في كلامهم: إن الشخص يستطيع أن يفعل ما يريد، وأن الإنسان إذا صمم على شيء فلا بد أن يفعله، فلا بد أن يفعله، فهذا من نتيجة إلحادهم وعدم إيمانهم بالله جل جلاله وبمشيئته وإرادته، وأننا تحت قهره وسلطانه ونفوذه -عز وجل-، فالله جل جلاله خلق فينا الإرادة وجعل فينا غرائز وأهواء وشهوات، فالإرادة الحازمة تلبي المطالب الشرعية وترفض الإذعان لما يخالف الشريعة، وعلى مقدار إيمان الإنسان تكون قوة إرادته، وبمقدار انحرافه واتباعه لأهوائه وشهواته ونزواته وغرائزه تكون ضعف إرادته؛ لأن الشهوة تجعل ضعيف الإرادة مسوقاً إلى تحقيق مطالب النفس الأمارة بالسوء بدون أن يقاوم.

وإرادة الإنسان المسلم تكبح جماح الأهواء والشهوات الثائرة وتسكنها بالكبح والصبر.

وإذا كانت الإرادة قوية محكومة بالعلم الشرعي مع العقل والحكمة التي اقتضتهما الشريعة وجاءت بهما، فإن أفعال المسلم تكون حكيمة ونافعة.

وإذا كانت الإرادة ضعيفة أو غير مقرونة بالعلم والعقل والحكمة، فإن التصرفات لا تكون حكيمة ولا نافعة.

وضعيف الإرادة يتخاذل أمام ميل نفسه إلى الكسل والتباطؤ في العمل، ويجعل غالب وقته في الهزل،

ويتعطل عن العمل عند شعوره بأدنى تعب في جسمه، أو علة في نفسه، أو عند شعوره أن العمل لا يوافق هواه، وهكذا..

وهؤلاء ضعاف الإرادة متبعين لأهوائهم، ولذلك تراهم يخلدون إلى النوم الطويل القاتل للقوى، والمتلف للجسم.

وهؤلاء الذين لم يلتزموا بدين الله ولم يأخذوا بهذه الشريعة فقصروا وجعلوا للشيطان عليهم سبيلاً.

وبعض الناس يكون عندهم قوة إرادة لكن لا يحكمونها بحكمة الشريعة، قد تكون إرادتهم قوية جداً، لكن بسبب فقدانهم للعلم والحكمة تكون قوة إرادتهم نكبة على أنفسهم، فقد يضغط بعضهم على نفسه فيركب مركب الغلو، فيصل إلى تعذيب النفس والجسد فينهار ويتحطم.

وبعضهم قد يستخدم إرادته القوية فيفرض سيطرته على مجموعة من الناس، ويقودهم للإجرام.

وبعضهم من قوة إرادته يغامر بنفسه وبغيره مغامرات تقودهم إلى الهلكة، وهذا من الغلو في هذا

الموضوع. والإرادة التي نتكلم عنها هي إرادة وجه الله، ما نريده إرادة وجه الله جل جلاله ، فإن بعض الناس في هذه الدنيا عندهم قوة إرادة لكنهم وجهوها لطلب الحياة الدنيا، فأرادوها وسعوا من أجلها، فمن أجل الدنيا يعيشون، ومن أجلها يكافحون، ومن أجلها يعملون في الصباح والمساء حتى يصلوا إلى غنى، أو شهرة، أو منصب، أو شهادة، ونحو ذلك.

وهذا حال كثير من الناس اليوم، بعضهم عندهم إرادات قوية، لكن في أي شيء سخرها؟ لجمع الأموال، فتح الشركات، متابعة الأعمال كله في الدنيا أو دراسة، تجده يهلك نفسه في الدراسة الدنيوية، مفرط في أمور الشريعة وفي أمور الدين، وجاعل إرادته هذه كلها منصبة في قضايا الدنيا، هذا الذي قال الله -عز وجل- فيه: مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ [الإسراء: 18] يعني: قد تحصل له وقد لا تحصل، فإن بعضهم يكدحون ويكدحون وعندهم إرادات لكن لا يوفقهم الله حتى في الدنيا  مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا [الإسراء  : 18]،  وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا [الإسراء: 19].

فالذين لا يريدون وجه الله ما عندهم إرادة لوجه الله، هؤلاء يكون من عقوبتهم التثبيط عن الأعمال الصالحة، الله -عز وجل- يثبطهم عقوبة لهم، أنهم ما أرادوا وجهه، ولا فعلوا موجبات الإرادة، إذا كان الإنسان يريد فعلاً الدين، يريد نصرة دين الله، يريد العمل لدين الله لكان قام بالأعمال ، وصار عنده من أعمال الجوارح وغيرها، والتخطيط والتدبير لنصرة هذا الدين، والسعي إليه، لكن لما فرط وتخلى ثبطه الله، كما قال الله جل جلاله في الذين في قلوبهم مرض: وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ [التوبة: 46] لو أرادوا ذلك  وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً [التوبة: 46] لقاموا بالعمل، جهزوا أنفسهم، لأعدوا له عدة المتيسر: وَلَكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ [التوبة: 46].

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الثانية والأربعون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : الحاجة إلى قوة الإرادة:

 وهذه الحياة الدنيا التي نعيش فيها: مغريات، خضرة حلوة، تجذب بما فيها من الزينة والأموال واللهو واللعب، ولذلك يحتاج المسلم إلى قوة إرادة للوقوف أمام شهواتها وإغراءاتها وجاذبيتها.

نحتاج إلى قوة الإرادة في أي شيء؟

في الثبات ضد هذه المغريات.

قوة إرادة للثبات أمام عوامل الانحراف.

قوة إرادة للثبات أمام عوامل التثبيط والفتور سواء التي تأتي من داخل أنفسنا الأمارة بالسوء، أو

التي تأتي من الخارج من كيد الأعداء والشيطان، ونحو ذلك، وهو يسير ويجري من ابن آدم مجرى الدم.

نحتاج إلى قوة الإرادة في مواجهة الوساوس التي يلقيها الشيطان، حتى هؤلاء الناس الذين عندهم وساوس في الطهارة، فيعيدون الوضوء عشرات المرات، ويمكثون في مكان قضاء الحاجة والحمامات الساعات الطوال، ويعيدون الصلوات، بل ربما من شدة الوسوسة جعل بجانبه شخصاً يحسب له عدد الركعات.

ما هو علاج الوسوسة؟ إذا أنت تفكرت ونظرت لوجدت أنه قوة الإرادة المانع من تكرار الفعل مثلاً، فلو توضأ بشكل صحيح موافق للسنة غسل الأعضاء، وصل الماء إلى البشرة كما أمره الله، فجاءه الوسواس: ربما لم تغسل! ربما لم تمسح شعرك! ربما لم تفعل كذا وكذا! وهو يعلم إذا وضع يده على شعره يجد البلل، إذا نظر في مرفقيه وجد الماء، فما الذي يثنيه؟ وما الذي يرد الوسواس عنه؟

الإرادة القوية المبنية على التوكل على الله، والعلم الشرعي الذي ينبئك بأن إعادة العبادة محرم لا يجوز، لو أعدت الوضوء تأثم.

نحتاج إلى الإرادة القوية في مواجهة الفتن، فتنة الزوجة التي تجر الإنسان إلى المعاصي إلا من رحم الله

من الزوجات الصالحات، فتأمر الزوج بالمعصية، أو تحببه إليها، أو تقول: لماذا لا نذهب إلى المكان الفلاني، وفيه ما لا يرضي الله؟ أو لماذا لا نشتري الشيء الفلاني وهو محرم لا يرضي الله؟ ولماذا لا ندخل في بيتنا الآلة الفلانية وهي لا ترضي الله؟ وهكذا مما تأمر به الزوجة إذا لم تكن طائعة لله.

فتنة الأولاد  الولد محزنة مجبنة مجهلة مبخلة [رواه الطبراني في الكبير: 614].

 مجهلة  يصرف الإنسان عن طلب العلم.

 مبخلة  يصرف الإنسان عن الإنفاق في سبيل الله، وعن الخوض للقتال للمعركة في سبيل الله  مبخلة  يصرفه عن الإنفاق.

 مجبنة  يصرفه عن القتال.

 مجهلة  يصرفه عن طلب العلم.

 محزنة  إذا مرض، وغير ذلك.

فالأولاد فتنة: إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ [التغابن: 14].

فالصمود أمام هؤلاء يحتاج إلى إرادة قوية.

قوة الإرادة مهمة في مقاومة ميل النفس إلى الدعة والراحة، النفس بطبيعتها تميل إلى الدعة، تميل إلى الكسل، إلى الفوضى، والإرادة القوية هي التي تحمل النفس على العمل وترغمها على عدم الانجرار وراء ساعات النوم الكثيرة، ويرغمها على التنظيم المقاوم للفوضى، وهكذا..

قوة الإرادة هي التي تصد الشيطان عن إلقاء المخاوف وعن الاستجابة لها: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ [آل عمران: 175] يخوف أولياءه، يعني: يجعل أولياءه أعداء الإسلام يظهرون في أعينكم وفي أنفسكم قوة لها رهبة وخوف: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ ، يخوفكم يا أيها المؤمنون بأوليائه فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ .

الإنسان يتعرض إلى مصائب: موت، مرض، فقر، هذه الإرادة القوية هي التي تجعل الإنسان صامداً أمام المصيبة، صابراً محتسباً على وقوع قضاء الله وقدره.

والإرادة القوية هي التي تحمي الشخص والفرد المسلم عن الانسياق وراء الجموع الضالة التي تهيم على غير هدى من الله: وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ [الأنعام: 116].

والإنسان من طبيعته أنه يحب موافقة الكثرة، والاختلاف عنهم ومفارقتهم صعبة على النفس، ولذلك تجد كثيراً من الناس لو سألته عن سبب معصية، أو عمل خطأ، أو بدعة يفعلها، قال لك: كل الناس يفعلون ذلك، ما عنده إرادة قوية تعصمه عن الانسياق وراء الكثرة الضالة التي تتبع الهوى والجهل والعادات والتقاليد.

وكذلك الأئمة المضلون الذين يسوقون الناس بالضلال ويلبسون عليهم، والطاعة العمياء للغوغاء.

الإرادة القوية تقوم حائل بين الإنسان المسلم وبين مجاراة الجمهور فيما يريدونه إذا كان من معصية الله.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الثالثة والأربعون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : وسائل تقوية الإرادة :

أولاً: الإيمان بالله -عز وجل-، الإيمان بالله وأسمائه وصفاته، وقضائه وقدره، والتوكل عليه، وحسن الظن به، والثقة بالله -سبحانه-.

لاحظ الفرق بيننا وبين مفهوم الطرح، طرح قضية الإرادة عند الكفار، وفي بعض كتب علم النفس، يقولون: أنت تستطيع أن تفعل أي شيء، تستطيع أن تفعل كل شيء، ردد وقل: أريد، أريد، أريد، وستفعل ذلك مهما كان.

ونحن نقول: لا بد أن يوجد عندنا تصميم وعزم كما دعتنا الشريعة إلى ذلك، لكن لا بد أن نتوكل على

الله، ونفوض أمرنا إلى الله مع العمل: اعقلها وتوكل  [رواه الترمذي: 2517، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح: 22].

أما الكفار يعقلون ولا يتوكلون، يعقلونها ولا يتوكلون، هذا هو الفرق بيننا وبينهم، ولذلك إذا فشل الواحد منهم تحطم انهار انتهى انتحر أصيب بالجنون

أو الأمراض العصبية، لكن المسلم يعمل متوكلاً على الله، فلو ما وصل إلى مرامه ولا نجح، فإنها مصيبة يصبر على قضاء الله جل جلاله.

وثانياً: التربية هي التي تدرب الشخص على مقاومة الأهواء والشهوات، وتربية الإرادة في نفسه التي تكبح جماح هذه الأهواء والشهوات، فالإنسان قد يفشل في المرة الأولى من أول مواجهة ينهار، لكنه بالتربية يصمد في المرة التي بعدها.

نعم، قد لا يستطيع الصمود إلى النهاية أو لا يصمد إلى النهاية ويسقط، لكن مع النصيحة مع المتابعة

مع التوجيه مع شد الأزر مع الجو الطيب تتكون عنده الإرادة وتنمو الإرادة القوية التي تساعده في الوقوف أمام جيوش المعاصي والشهوات.

ثم من وسائل تقوية الإرادة: تحديث النفس بالشيء من طاعة الله، أو الانتهاء عن معصية الله، تحدث نفسك به باستمرار، وتتذكره بينك وبين نفسك، تأمل في حديث: من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من نفاق [رواه مسلم: 1910] الإنسان إذا كان يحدث نفسه بالغزو دائماً صدق، لو أنه قام قائم الجهاد ونادى المنادي للنفير، فإنه سيكون مع الخارجين في سبيل الله؛ لأنه دائماً يحدث نفسه بهذا الشيء، ويذكر نفسه بهذا الشيء، ويردد على نفسه تلك الآيات والأحاديث المرغبة في هذا العمل.

وكذلك لو أنه يريد أن تكون عنده إرادة في مقاومة شهوة من الشهوات، يردد على نفسه ويتذكر دائماً وباستمرار هاجسه الذي يقلقه والشيء الذي يتردد في نفسه حرمة هذه المعصية وعقوبة العاصي عند الله والعزم على عدم العودة، الندم على الفعل، هذا في النهاية سيوصله إلى إرادة قوية تمنعه من الوقوع في هذه المعصية.

ومن عوامل تقوية الإرادة: ممارسة العبادات، وعلى رأسها: ذكر الله -عز وجل-، فقد ثبت بالدليل الصحيح أن ذكر الله -تعالى- يقوي القلب، ويقوي البدن.

وتأمل أبدان فارس والروم كيف خانتهم أحوج ما كانوا إليها وانتصر عليهم أولئك النفر المؤمنون الذين لم يكونوا مثلهم في قوة الأجساد ولا في العدة والعتاد.

إذاً، الذاكرون الله كثيراً والذاكرات هؤلاء من المزايا التي أعطاهم الله إياها هذه القوة، قوة الإرادة، قوة الإيمان، والقوة في القلب والقوة في البدن.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الرابعة والأربعون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : وسائل تقوية الإرادة :

ثم من العبادات التي تقوي الإرادة: الصيام، فلا شك أن الصيام يقوي الإرادة، إرادة الصبر على الجوع والعطش والشهوة لأجل الله جل جلاله ، فهناك عبادات واضح أثرها في تقوية الإرادة.

ثم من الأمور المهمة أيضاً: عدم التردد والتحير والتلكؤ إذا ظهر لك رجحان الأمر شرعاً وأنه من طاعة الله، بل ينبغي عليك الإقدام والإسراع، الذين يسارعون في الخيرات، ينبغي عليك أن تأخذ بجانب الحزم والعزم، قال النبي ﷺ: إنه ليس لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل [رواه أحمد: 14787، وقال محققو المسند: "صحيح لغيره"].

في غزوة أحد استشار القوم فأشار بعضهم بأمر، وأشار الآخرون بأمر آخر في الخروج، وعدم الخروج، فمال النبي ﷺ إلى قول الذين قالوا بالخروج من المدينة لملاقاة العدو ولبس لأمته، فكأن بعضهم وجد في نفسه أو أنه ندم، قالوا: ربما أكرهنا النبي ﷺ فراجعوه إذا كان يريد أن يقعد، يعني ما عندهم مانع في ذلك، وهم يؤيدونه، لكن النبي ﷺ ما دام اتخذ القرار ورأى فيه المصلحة الشرعية بعدما شاور: فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ  [آل عمران: 159]، فقال:إنه ليس لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل [رواه أحمد: 14787، وقال محققو المسند: "صحيح لغيره"].

وهذا درس في مسألة رد التحير والاضطراب والتردد، ونبذ هذا الكلام، والإقدام على الأمر بالحزم والعزم.

ثم إن النبي ﷺ قد علمنا هذا المفهوم في حديث مهم، فقالﷺ: المؤمن القوي، خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف [رواه مسلم: 2664].

-طبعاً- القوي في كل شيء، في إرادته، دينه، إيمانه، بدنه، مهاراته، قدراته، المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز ، واستعن بالله ولا تعجز، لا تعجز، يعني: أقدم، لا تتردد، لا تتحير، لا تتخاذل، لا تتكاسل، واستعن بالله ولا تعجز، احرص على ما ينفعك، ما دام رأيت فيه المصلحة الشرعية، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء  بعد كل هذه الإجراءات  لو أصابك شيء، فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان [رواه مسلم: 2664].

فإذاً، الإرادة القوية تقتضي حزم وإقدام وجرأة وشروع في العمل، ولا للتردد والحيرة والاضطراب.

وهذا الحديث رواه أحمد ومسلم.

وهذه اللفتة أيضاً موجودة في حديث مسلم في فتح خبير، في حديث مسلم لما أعطى النبي ﷺ الراية، جاء في الحديث قوله ﷺ: لأعطين هذه الراية رجلاً يحب الله ورسوله، يفتح الله على يديه ، قال عمر -رضي الله عنه-: ما أحببت الإمارة إلا يومئذ، بأي سبب؟ بسبب هذا الوصف يحب الله ورسوله، ما أحببت الإمارة إلا يومئذ، هذا من ورع عمر -رضي الله عنه- ما كان يتطلع للإمارة إلا في هذا الموقف، "فتساورت لها رجاء أن أدعى إليها، قال أبو هريرة: فدعا رسول الله ﷺ علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- فأعطاه إياها، وقال:  امش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك ، فسار علي شيئاً ثم وقف ولم يلتفت، فصرخ: يا رسول الله على ماذا أقاتل الناس؟ قال: قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم، إلا بحقها وحسابهم على الله [رواه مسلم: 2405].

ومن صفات القائد المسلم الذي يقود في معركة، أو في أي مجال آخر من المجالات: أنه لا يتردد ولا يتباطأ؛ لأن عامل الحسم عامل مهم في القيادة، إذا كان الكفار يتكلمون عنه في كثير من الأمور العسكرية والإدارية وغيرها نحن أولى وأحرى بهذا، بل هو من ديننا، بل عرفناه قبلهم من هذا الدين.

وعدم التكاسل والتردد حتى في العبادة، حتى في الصلاة، في السهو إذا غلب على ظنه، يفعل ما ترجح لديه، وإذا لم يغلب على ظنه شيء شك يبني على اليقين، لا ينصرف عن صلاته وهو شاك فيها، إما أن ينصرف عن يقين أو غلبة ظن ويسجد للسهو.

وقد قال النبي ﷺ: قال الله -تعالى-: يا بن آدم لا تعجز عن أربع ركعات في أول النهار أكفك آخره[رواه أحمد: 22469، وقال محققو المسند: "حديث صحح"]، هذه مثل: صلاة الضحى أربع ركعات في أول النهار تسبب الوقاية من الأحداث السيئة والأعراض والأمراض، ونحو ذلك.

ويحتاج الإنسان في هذا إلى التحلي بالصبر، وأن يكون جاداً، وأن يعقد قلبه على الشيء وأن يعزم، العزم مهم، العزم هذا من مرادفات قوة الإرادة، قال الله -عز وجل-: وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ [آل عمران: 186]. هناك أفعال واضح أنها تحتاج إلى عزيمة تحتاج إلى قوة:  وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ  [الشورى: 43].

ليس كل الناس يستطيعون أن يصبروا ويسامحوا الآخرين: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [لقمان: 17]، فليس كل الناس يستطيعون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على ما يترتب على ذلك مع إقام الصلاة.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الخامسة والأربعون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : حال أولو العزم من الرسل :

وتأمل في حال أولو العزم من الرسل، لماذا سموا بأولي العزم؟

هؤلاء الخمسة المقدمون عند الله -عز وجل-، كانت لهم إرادات تنفيذية على مستوى رفيع، فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ  [الأحقاف: 35]. ولذلك نحن نعزم ونتوكل على الله وننفذ، ولا نكن كالعاجز الذي يتبع نفسه هواها ويتمنى على الله الأماني.

والإنسان المتعرض للشهوات ينبغي عليه أن يتدبر قول الله -عز وجل-: فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات: 37 - 41] فقوة الإرادة عند الشهوة أن تحضر قلبك وتحضر علمك وعزيمتك للوقوف أمام الشهوة: وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ [يوسف: 23].

 ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال إلى نفسها، فقال: إني أخاف الله رب العالمين [رواه البخاري: 1423].

فهذا الرجل الذي قال: إني أخاف الله رب العالمين أمام هذا الإغراء ذات منصب وجمال، منصب ترغمه ربما وتسجنه وتذيقه الأذى إذا ما استجاب، وجمال مغرٍ، فاجتمعت المسألة من جوانبها ترغيب وترهيب، وهو يقول: إني أخاف الله رب العالمين، هذا صاحب إرادة قوية.

ومن عوامل تقوية الإرادة -أيها الإخوة-: المبادرة بالأعمال قبل الأعراض؛ كما قال النبيﷺ: بادروا بالأعمال [رواه مسلم: 118].قد يأتيك فقر ينسي، قد يأتيك غنى يطغي، قد يأتيك مرض يقعد، قد يأتيك الموت، بادر بالأعمال الآن اشرع بها قبل فوات الأوان، قبل أن تجتمع عليك الحوادث، أو يأتي ما لا تظن وما لا تفكر فيه.

وكذلك من عوامل تقوية الإرادة: أن يحافظ الإنسان على العمل وإن قل، فتشرع فيه ثم تحافظ عليه، تشرع فيه ثم تشرع في الأعمال، ثم تحافظ عليها وإن قلت، فإن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل [رواه البخاري: 6464، ومسلم: 783].

وكذلك إذا فرغت من عمل فابدأ في عمل آخر وراءه مباشرة، هذا من الأمور المهمة في متابعة قوة الإرادة، والدليل على ذلك قول الله -عز وجل-: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ  [الشرح: 7 - 8] إذا فرغت من الصلاة فانصب للذكر بعدها، فليس إذا انتهى الإنسان من عمل يذهب ويلعب، إذا انتهى من الصلاة يذهب ويطلق هوى النفس، يقول: الحمد لله نصلي صلينا، الصلوات صليناها، أدينا الفروض، ممكن نذهب نتفرج على الأفلام ومسلسلات ونلعب الورق يعني فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ  غير موجود عند هؤلاء، ولذلك تكون إراداتهم ضعيفة.

وصحيح أنه يحافظ على بعض الأعمال الدينية كالصلاة مثلاً، أو الزكاة أو الصيام لكن في بقية أعمال

الخير كسول متردد مسوف.

وكذلك من الأمور التي تؤثر في الإرادة: التفاؤل وعدم التشاؤم، فإن بعض الناس الذين عندهم نفسيات متشائمة ليست عندهم إرادات قوية؛ لأنه بمجرد ما يرى شيئاً يجلب لنفسه التشاؤم يترك العمل، تنتهي الإرادة، تفتر تنتهي تتلاشى.

والنبي ﷺ كان يحب التفاؤل، كان يتفاءل ويحب التفاؤل، وقال: الطيرة شرك [رواه أبو داود: 3910، وابن ماجه: 3538، وأحمد: 3687، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: 3098] لا يجوز التشاؤم، والتشاؤم يبطئ الهمة، ويشتت القلب، ويميت روح الإقدام.

وعلى المسلم أن يتحامل على نفسه رغم الصعاب، هذا من الأشياء التي تقوي الإرادة، كما قال الله -عز وجل-: وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ [النساء: 104].

في غزوة أحد أراد النبي ﷺ أن يلحق بالمشركين وفي المسلمين جراحات، وتعب شديد من المعركة:

وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ  مثلكم، لكن الفرق أنكم  وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ  وهذا فرق أساسي ومهم جداً  وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ  تحملوا تجلدوا تصبروا  إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ  فهم يألمون أيضاً لكنكم أنتم يا أيها المؤمنون ترجون من الله ما لا يرجون وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا  [النساء: 104].

ثم على المسلم أن يتلقى الأحداث بالصبر وعدم الجزع عند المصيبة، أو الحزن على ما فات، وهذا ولا شك نابع من الإيمان بالقضاء والقدر، والله -سبحانه- قال: مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا [الحديد: 22] من قبل أن نخلقها ونوجدها في الواقع هي مكتوبة في كتاب  إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ  [الحديد: 22]. فائدة الإيمان بهذا المفهوم ذكرها الله -تعالى- فقال: لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [الحديد: 23].

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة السادسة والأربعون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : علو الهمة :

 المقصود بعلو الهمة: علو الهمة -أيها الإخوة- شيء لا يحسنه ولا يتوفر إلا لأكابر الناس الذين جعل الله التوفيق حليفهم. وعلو الهمة التطلع إلى الأعلى وهو رضا الله جل جلاله ابتغاء وجه الله.

ما هي همتنا؟ ينبغي أن تكون موجهة إلى أي شيء؟ ابتغاء وجه الله، الجنة، وإنا لنبتغي فوق ذلك مظهراً. هذه الهمة العالية ليست إلا لمن وفقه الله -تعالى- لها.

وعلو الهمة مركب من عدة عناصر؛ منها: الجد في الأمر والإباء والترفع عن الصغائر والدنايا والطموح إلى المعالي الشرعية؛ لأن بعض الناس يطمحون إلى وظائف مناصب مستويات مادية شرف دنيوي مدح ثناء، فهذا ليس علواً في الهمة، هذا دنو في الهمة؛ لأنه صار ينظر إلى الدنيا، لماذا سميت الدنيا؟ لأنها دنية سافلة، فلا يوصف الذي يتطلع إلى منصب أو وظيفة أنه عنده علو همة، هذا همه في الدنيا، وذكرنا أنه قد يكون عنده من قوة الإرادة الشخصية ما يحقق له الغرض الذي يريده، لكن ليس له عند الله من خلاق، فإن قصد بها وجه الله صارت قضية شرعية، كمن قصد أن يحصل على الشهادة لكي يوظف ذلك في طاعة الله، أو قصد التجارة لينفق على نفسه وأهله بالمعروف، وأن يتصدق، وأن يدعم القضايا الإسلامية، ونحو ذلك، فهذا ممن يبتغي وجه الله، همته إرادة وجه الله، ما تاجر إلا لوجه الله، ما اكتسب إلا لوجه الله، ما درس إلا لوجه الله، فهذا عنده علو همة.

فعلو الهمة هو الجد في الأمر والإباء والترفع عن الصغائر والدنايا والطموح إلى المعالي الشرعية.

وكلما عظم الهدف وسمت النفس إليه ارتفعت الهمة، ووصف صاحبها بأنه عالي الهمة.

وكلما هبط الهدف ودنا نزلت الهمة وحصلت الدناءة، ورضي المرء بالصغائر والتوافه.

علو الهمة يقتضي أموراً؛ منها: الجدية في العمل وعدم التواني والكسل، إذا دعا الداعي من الله -عز

وجل- إلى عمل تسابقوا إليه: "حي على الصلاة" علو الهمة إن كانت مطرقته رفعها ألقاها خلف ظهره، ولا يطرق بها، وإنما يذهب إلى الصلاة مباشرة.

إذا أراد أن يبيع فأذن المؤذن لم يبع ولم يكمل التفاوض ولا المساومة وترك ذلك للصلاة، هذا علو همة.

من يوم ما يستطيع الحج يحج هذا علو همة، لا يسوف ولا يؤخر.

إذا قال الله: انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً [التوبة: 41] طاروا إليه رجالاً وركباناً، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ يعني: جماعات، أَوِ انفِرُواْ جَمِيعًا [النساء: 71] نفير عام، الجيش كله: وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ [النساء: 72] ما عندهم علو همة، وعندهم ضعف إرادة فهم يثبطون.

وقلنا: إن علو الهمة وقوة الإرادة أمران مترابطان غاية الترابط، وبينهما علاقة وثيقة جداً.

أصحاب الهمة الدنية لا يقومون إلى ما يرضي الله، وإذا دعا الداعي إلى شيء من الطاعات أحجموا

وسوفوا وتكاسلوا، كما وصف الله المنافقين بقوله: وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى [النساء: 142]، وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ [التوبة: 54].

فالتكاسل والتقاعس هذا مما ينافي علو الهمة، وعكسه الجد وعدم التواني، والنبي ﷺ كان يتعوذ بالله من العجز والكسل، فيقول: اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل [رواه البخاري: 2823، ومسلم: 2706]، كما جاء في الحديث الصحيح،  اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل ، وهذا دعاء مهم جداً.

والإسلام يدفع المسلم إلى ابتغاء الكمالات، إلى التطلع للآخرة، التطلع إلى المعالي، إلى الأشياء العظيمة، الإسلام يصرف المسلم عن أن ينزل ببصره إلى الدنايا والتوافه والصغائر والأمور الحقيرة، خذ مثلاً على ذلك في أن الله -عز وجل- يريد أن يرتفع المسلم بنفسه عن هذه الأرض وجواذبها ودناياها ليتطلع إلى الأمر العظيم، الهمة العالية تتطلع إلى الأمر العظيم: طاعة الله -عز وجل- العبادة: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ [الزمر: 9]، فهو يريد أن يكون همة العباد إلى هذا الشيء قيام الليل قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ  (9) سورة الزمر]، وقال الله -عز وجل-: [لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ ] لا يستوون  هؤلاء، والمجاهدون في سبيل الله بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى  فضل الله المجاهدين على القاعدين بعذر درجة، ثم قال: وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ ، يعني: بغير عذر  أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا [النساء: 96].

هذا المنادي من الله يدعو العباد إلى التطلع إلى هذه المعالي، ويقارن لهم بين الشيء العالي والشيء الدنيء الواطيء، وكذلك حتى الأشياء العالية متفاوتة، فيقول: التمسوا الأعلى  لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا  [الحديد: 10]. إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة االسابعة والأربعون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : الإسلام يحث على الارتفاع والتطلع إلى معالي الأمور: 

الإسلام كما أنه يحث على الارتفاع والتطلع إلى معالي الأمور: طاعة الله، العبادة، الجهاد، الصدقة، الصلاة، قيام الليل، فإنه يصرف المسلم عن أن ينظر ببصره أو يتطلع، يهفو قلبه، ينصرف يميل، يركن إلى سفاسف الأمور والدنايا، قال النبي ﷺ: إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها ويكره سفسافها [رواه الطبراني في الكبير: 2894، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 1627]، وجاء الحديث هذا بألفاظ أخرى. والسفساف: هو الأمر الحقير والرديء من كل شيء.

ومن الأمثلة على ذلك: ذم السؤال في الإسلام، الشحاذة، السؤال، طلب الناس، يقول النبي ﷺ: اليد العليا خير من اليد السفلى  فسرها في الحديث الآخر:اليد العليا هي المنفقة، والسفلى هي السائلة [رواه البخاري: 1429، ومسلم: 1033].

ما يريد الإسلام من المسلمين أن يكونوا شحاذين وسؤال ويمدون أيديهم، وإنما يكونوا عاملين، بل يأكل الإنسان من عمل يده، حتى الأعمال حتى الطعام، أشرف طعام يدخل جوفك ما صنعته بيدك، هذه سنة داود .

وذم النبي ﷺ السؤال من غير حاجة، المكثرين من السؤال، لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله، وليس في وجهه مزعة لحم [رواه مسلم: 1040].

وقال: من سأل الناس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش أو خدوش، أو كدوح  قيل: وما الغنى يا رسول الله؟ كيف وله ما يغنيه؟، قال: خمسون درهماً أو قيمتها من الذهب [رواه أبو داود: 1626، والترمذي: 650، وقال: "صَحِيح" كما في صحيح الترغيب والترهيب: 1847] فإذا كان له ما يغنيه وسأل جاءت المسألة يوم القيامة في وجهه هذه الندب والآثار.

والنبي ﷺلفت نظر أصحابه إلى قضية ترك سؤال الناس بالكلية، وقال: من يتكفل لي ألا يسأل

الناس شيئاً وأتكفل له بالجنة؟  فقال ثوبان: أنا، فكان بعد ذلك لا يسأل أحداً من الناس شيئاً [رواه أبو داود: 1643، وأحمد: 22374، وصححه الألباني في صحيح أبي داود: 1450]. وصار الصحابة -رضوان الله عليهم- إذا سقط السوط من يد أحدهم لا يسأل أحداً من الناس أن يناوله إياه.

وقضية علو الهمة تطلع إلى الآخرة، تطلع إلى طاعة الله، حتى في الدعاء، الإنسان همته عالية في الدعاء فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة [رواه البخاري: 7423]

 واحد يقول: أنا مقصر وأنا مذنب وأنا أعرف نفسي ما أستاهل الفردوس؟

نقول: لكن النبيﷺ قال: فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة ، الله كريم، ولا يعجزه شيء ، وهو المنان، فاسأل، وماذا يضرك؟ حتى علو الهمة في الدعاء يتطلع إلى الفردوس، المسلم يسأل الفردوس.

وربما بعض الناس يقول في نفسه: دعني فلأسأل تحت، عند باب الجنة فقط؟

نقول: لا. يقول: عندي معاصي.

نقول: لا، فاسأل الله الفردوس، حتى في الجنة اسأل المراتب العليا، ادع الله فربما يجيبك فتكون من الفائزين بهذه الدرجات العلى والنعيم المقيم.

والذي يدفع المسلم إلى علو الهمة هو الزهد في الدنيا؛ لأنه إذا عرف حقيقة الدنيا أنها فانية زائلة، أنها ملعونة، أنها كالعصف المأكول، أنها تكون كهذا الذي

تذروه الرياح، فإذا عرف قيمة الدنيا وتفاهتها وحقارتها وزوالها وفناءها فإنه في هذه الحالة يزهد فيها، وتتطلع همته إلى الأمور العليا إلى الآخرة وإلى الجنان وما أعد الله فيها.

ومن الأمور المعينة على أن تكون الهمة عالية: اشتغال الإنسان بما يعنيه وانصرافه عما لا يعنيه، فإنه

إذا انشغل بما يعنيه، معنى: يعنيه، يعني: يعنيه شرعاً، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعنيك،

الدعوة إلى الله تعنيك، كسبك لأجل أولادك وزوجتك والإنفاق على نفسك يعنيك، كل هذا يعنيك، معرفة أوقات الصلوات تعنيك.

وما لا يعنيك كل ما يضرك وما لا مصلحة لك فيه شرعاً.

انظر إلى هؤلاء الناس الذين عندهم هوايات عجيبة: التصوير، وجمع الطوابع، والرياضات البحرية، وساعات يعني تقضى فيها ساعات، وصيد الجرابيع، إيش هذا؟ وأن يصعد بسيارته على تل من رمل، هذه رياضاتهم، هذه همهم في هذه الأشياء، الألعاب واحد يجلس عند الكمبيوتر في ألعاب الكمبيوتر عشر ساعات، واللعبة تأخذ كل يوم مرحلة، ساعات طويلة ساعات،  من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه [رواه أحمد: 1737، وقال الألباني: "صَحِيح" كما في صحيح الترعيب والترهيب: 4839]، فينبغي ترك هذه الأشياء، لا نقول: لا تروح عن نفسك، ولا تتريض الرياضة المباحة، لا، هذا مما يعنيك، لكن الإغراق في هذه الأشياء، وإضاعة الساعات الطويلة فيها، هذا لا شك أنه مناف لعلو الهمة.

وترك فضول الكلام، ومجالس إضاعة الوقت، والناس الثرثارين، هذا مهم من أجل أن يحفظ الإنسان وقته، فالشخص الذي عنده علو همة ينصرف لمراعاة وقته، وكل ما هو من مدعاة الكسل والخمول، فالإنسان يترفع عنه، حتى التثاؤب انظر كيف أمرنا برد التثاؤب وتغطية الفم في الصلاة إذا تثاءبنا حتى لا يدخل الشيطان؛ لأن التثاؤب من الشيطان، والتثاؤب عنوان الكسل والخمول، حتى التثاؤب الذي هو عملية طبعية تكون في الجسم، ومع ذلك نرده ونكظمه؛ أمرنا بذلك شرعاً.

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة االثامنة والأربعون في

موضوع (القوي ) وهي بعنوان : بعض جوانب علو الهمة من حياة السلف:

 وبعد هذه النقاط في مقتضيات علو الهمة وبعض الأسباب التي تؤدي إلى علو الهمة لننتقل إلى تطبيقات عملية من واقع السلف في بعض الجوانب فيما يتعلق بعلو الهمة، ومن ذلك: الهمة في العبادة، الهمة في البحث عن الحق، الهمة في الدعوة إلى الله، الهمة في الجهاد، والهمة في طلب العلم، وتحت كل فرع من هذه الفروع نضرب أمثلة، ونستلهم المعاني من قصص أولئكم النفر الكرام من الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين.

علو همة السلف في العبادة:

 أما الهمة في العبادة، فإن الله جل جلاله قد رغبنا في ذلك، وذكر لنا حال أصحاب الهمم العالية في العبادة، مثال:  تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة: 16 - 17].

وهذا النبي ﷺ أعلى الأمة قاطبة، بل هو أعلى الناس همة في العبادة كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه [رواه البخاري: 4837]، ضرب لنا مثلاً، همة عالية في العبادة، قال ابن مسعود: "صليت مع النبي ﷺ ليلة فأطال القيام حتى هممت بأمر سوء، قيل: وما هممت به؟ قال: هممت أن أجلس وأدعه" [رواه البخاري: 1135، ومسلم: 773] أكمل الصلاة قاعداً .

وروى مسلم عن حذيفة قال: صليت مع رسول الله ﷺ ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى، همة عالية، مضى فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسلاً إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ، ثم ركع، فجعل يقول: سبحان ربي العظيم، فكان ركوعه نحواً من قيامه، ثم قال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، ثم قام قياماً طويلاً قريباً مما ركع، ثم سجد فقال: سبحان ربي الأعلى فكان سجوده قريباً من قيامه [رواه مسلم: 772].

والأمثلة كثيرة ومن الصحابة والتابعين وذكرنا طرفاً صالحاً من هذا في محاضرة بعنوان: اجتهاد السلف في العبادة، فلا نطيل في ذلك.

ولكن لنعلم -أيها الإخوة- أن الشيطان يثبط الإنسان أن تكون له همة في العبادة، وهو الشيطان يعني يعقد على قافية رأس أحدنا بثلاث عقد حتى لا يقوم الليل، فإذا قام وذكر الله انحلت عقدة، توضأ انحلت، صلى انحلت كل العقد، انحلت كل العقد [رواه البخاري: 1142، ومسلم: 776].

ولما ذكر للنبي ﷺ رجل نام حتى أصبح، قال: ذلك رجل بال الشيطان في أذنه [رواه البخاري: 1144، ومسلم: 774].

علو الهمة السلف في البحث عن الحق:

 أما بالنسبة للهمة في البحث عن الحق، فإن النبي ﷺ، وهو النبي ﷺ، كان يسأل الله أن يوفقه

للحق ويدعو ربه ويناجيه في الليل وهو يصلي وهو يدعو وهو يقوم الليل:  اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك [رواه مسلم: 770].

والإنسان مطالب بالوصول إلى الحق، أن يحاول ذلك، سواء كان في مسائل الاعتقاد، أو العبادات ومعرفة الصواب والحق فيها، ينبغي أن يبذل جهده في ذلك، ولنأخذ مثلاً واحداً يبين لنا الهمة العالية في البحث عن الحق، إنه سلمان الفارسي -رضي الله عنه-، أبوه من عباد النار من المجوس، كان مع أبيه يحش النار، فحصلت له حادثة أرسله أبوه في أمر، فمر على دير للرهبان فتعرف على دين النصرانية، فأعجب بهم فأخبر أباه فسجنه وقيده بالسلاسل، فأرسل إلى أولئك النصارى يسألهم عن أصل هذا الدين، قالوا: هو بالشام، فأرسل إليهم يقول: إذا صار هناك ناس سيتركون يسافرون إلى الشام أعلموني، فلما علم حل القيد فهرب وخرج إلى الشام، وذهب إلى أسقف في كنيسة يخدمه ويتعلم منه، يبحث عن الحق، عبادة النار هذه لا تجدي، ولا تنفع، ولا تصلح، فلما أوشك الرجل على الموت إذا به رجل سوء، اكتشفه أنه يأخذ صدقات الناس ويخزنها، فدل الناس عليه فرجموه وصلبوه ولم يدفنوه، وجعلوا واحداً بدلاً منه رجلاً صالحاً على دين التوحيد، يعني ملة عيسى عليه السلام ، فلازمه سلمان -رضي الله عنه- يخدم ويتعلم منه فلما أوشك الرجل الصالح على الموت قال: لمن توصي بي ، فأوصاه إلى رجل بالموصل، ذهب إليه يتعلم منه، لما نزل به الموت أوصاه إلى رجل بنصيبين، فلما حضرته الوفاة أوصاه إلى رجل بعمورية، وسلمان ينتقل ويسافر من بلد إلى بلد، فلما نزل الموت بصاحب عمورية، قال: أي بني، لما سأله سلمان: تدلني على من؟ أي بني، والله ما أعلمه بقي أحد على مثل ما كنا عليه، ولكن قد أظلك زمان نبي يبعث من الحرم، من الحرم مهاجره بين حرتين إلى أرض سبخة ذات نخل، وإن فيه علامات لا تخفى: بين كتفيه خاتم النبوة، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، فلما واراه ودفنه أعطى كل ما يملك إلى رجال من تجار العرب ليحملوه إلى أرض العرب، لكن ظلموه وباعوه عبداً لرجل من وادي القرى، فباعه على رجل من بني قريظة، فجيء به إلى المدينة عبد، فأقام في الرق، وبعث الله محمداً ﷺ بمكة، وسلمان لا يدري عنه شيئاً، يعمل في النخل عبد، حتى قدم النبي ﷺ المدينة، فجاء ابن عم لليهودي يخبره بقدوم النبي ﷺ، وسلمان فوق النخلة، فلما سمع الخبر قال: فأخذتني العرواء، يعني الرعدة، حتى ظننت لأسقطن على صاحبي، ونزلت أقول: ما هذا الخبر؟ فرفع مولاي يده فلكمني لكمة شديدة، وقال: مالك ولهذا؟ يهودي، ولكن سلمان عند المساء أتى النبي ﷺ بطعام قال: هو صدقة، فلم يأكل منه النبي ﷺ، فجاءه مرة أخرى بطعام قال: هو هدية، فأكل منه النبي ﷺ، وسلمان يقول: هذه واحدة، هذه الثانية، فدار سلمان حول ظهر النبي ﷺ فعرف النبي ﷺ أنه يريد أن يتثبت من شيء فأرخى له الرداء، فقال سلمان: فنظرت إلى الخاتم فعرفته فانكببت عليه أقبله وأبكي [رواه أحمد: 23737، والطبراني في الكبير: 6065 ، السلسلة الصحيحة: 894].

يعني بعد هذه السنوات الطويلة جداً وصل سلمان إلى هدفه، وعرف الحق، ترك أباه وأهله وفارق الأوطان، وتغرب، وأنفق كل ما عنده من البقرات والمال لأجل أن يسافر إلى المكان الذي فيه ذلك النبي ﷺ، وظلم وبيع عبداً واشتغل في الرق سنوات طويلة جداً حتى وصل إلى الهدف وعرف الحق، وصل إليه.  وإذا كانت النفوس كباراً *** تعبت في مرادها الأجسام.

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة التاسعة والأربعون في

موضوع (القوي ) وهي بعنوان : بعض جوانب علو الهمة من حياة السلف:

علو همة السلف في الدعوة:

وأما الهمة في الدعوة إلى الله جل جلاله ، فهذه قضية ينبغي أن تكون مغروسة في أنفسنا؛ لأننا أيها الإخوة

مطالبون بأمر إلهي:  ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ [النحل: 125] يجب علينا أن ندعو، إنقاذ الأمة من الهلكة، الأمة الآن تعيش في أحط أوضاعها، وأسفل ما هو مر بها في تاريخها.

ولو تأملنا صعوبة مهمة الداعية، لو تأمل الداعية صعوبة المهمة لعرف أنه لا بد أن يكون صاحب إرادة قوية وهمة عالية؛ لأن هناك جهد كبير ينبغي أن يبذل، تصحيح الانحرافات الموجودة ليس أمراً سهلاً، والأمر أعظم مما قال عمر بن عبد العزيز لما قال: "إني أعالج أمراً لا يعين عليه إلا الله، قد فني عليه الكبير، وكبر عليه الصغير، وفصح عليه الأعجمي، وهاجر عليه الأعرابي، حتى حسبوه ديناً لا يرون الحق غيره" [سيرة عمر بن عبد العزيز، أحمد عبيد، ص: 42].

هذه الأمة الآن غارقة في المصائب، غارقة في المعاصي، إنها المحاربة من قبل الأعداء، يحاربون المساجد بالمراقص، والزوجات بالمومسات، والعقيدة بالفكر المنحرف والفلسفة، والقوة باللذة، يحاربوننا بأن يجعلوا همتنا دنية في اللقمة والجنس.

والداعية إلى الله إذا رأى أهل الباطل وعملهم في دعواتهم الباطلة، وسعيهم لنشرها حتى لربما كانت عجوزاً شمطاء في المجاهل والأدغال مع ضعفها وقلة حيلتها تعمل لأجل الصليب، أو غير ذلك من الأفكار المنحرفة، ويسهرون الليل، وينفقون الأموال، فالعيب الكبير في الداعية إلى الله أو بالشخص أن يتقاعس عن الدعوة وهو ينظر إلى أولئك القوم.

والداعية إلى الله يعلم أنه منصور، وإن لم يكن منصوراً بالسنان فهو منصور بالحجة والبيان:لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله [رواه مسلم: 1920].

وتتأمل في قوة إرادة النبيﷺ وعلو همته في الدعوة لما بعث ولم يكن في الأرض في ذلك الوقت إلا هذه البشرية المنحرفة، تأمل حال رجل واحد يراد ومطلوب منه التبليغ، وحمل الناس على الدين، وإقامة الإسلام في الأرض، واحد أمام هذا الكم الهائل من ركام البشرية المنحرفة التائهة الغارقة في الشرك والوثنية، واحد كم تكون المهمة صعبة والحمل ثقيل؟ رجع يقول: زملوني زملوني[رواه البخاري: 3، ومسلم: 160] من هول ما ألقي عليه من هذه التبعات العظيمة، لا يقام بهذه المسؤولية إلا من قبل رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين، أصحاب همم عالية وإرادات قوية.

والدعوة إلى الله طبيعتها الابتلاء والفتن والمحن، ولا بد من صبر.

الدعوة تحتاج إلى بذل أوقات، وهذا نوح قعد يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً.

الدعوة إلى الله تحتاج لصاحب همة عالية يدعو إلى الله سراً وجهاراً، ليلاً ونهاراً، في جميع الأحوال والظروف، وينوع الوسائل، والداعية إلى الله يرحل ويتجول في أي مكان سافر وإلى أي مكان ارتحل فهو يدعو، تأمل حال الأعرابي الذي جاء إلى النبي ﷺ فقال: "أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك" [رواه مسلم: 12]، لاحظ: "أتانا رسولك" هؤلاء رسل النبي -عليه الصلاة والسلام- يجوبون القفار والصحاري، وينتقلون بين القبائل لتبليغ الدعوة، أسفار، مشاق، صرف أموال، تعب، لكن هذه حال الدعوة.

والداعية وقف لله -تعالى- لا يصلح أن يترك هذه المهمة، أو يقول: أدعو سنة وأنام سنة، كلا.

وقد تكلمنا في بعض المحاضرات الماضية عن أساليب الدعوة، ووسائل الدعوة، وبعض صفات الداعية، فلا نطيل بهذا، ولكن القضية تذكير بأن المهمة في عصرنا صعبة ولكنها واجبة، ولا بد أن نكون أصحاب إرادات كبيرة وهمم عليا لنقوم بهذه الدعوة.

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الخمسون في موضوع     (القوي ) وهي بعنوان : بعض جوانب علو الهمة من حياة السلف:

علوم همة السلف في الجهاد في سبيل الله:

 أما الجهاد في سبيل الله، فإن النبي ﷺ حكى لنا حال رجل مثل به بألفاظ عجيبة تبين همة هذا

الرجل العالية في الجهاد، قال النبي ﷺ: من خير معاش الناس لهم، رجل ممسك عنان فرسه في سبيل الله، يطير على متنه، كلما سمع هيعة، أو فزعة طار عليه، يبتغي القتل والموت مظانه [رواه مسلم: 1889].

هذا رجل على أهبة الاستعداد، دائماً مستعد ممسك بعنان فرسه، أي وقت فزعة أو هيعة منادي الجهاد طار، لم يمش مشياً، طار على الفرس يبتغي مظان الموت، وأين يوجد القتل فيدخل في المعترك.

وكان النبي ﷺ يقاتل ويحتمي به أصحابه، وتمنى ألا يتخلف عن سرية قط، لكن لأجل بعض المصالح، ومع ذلك قاد عدداً كبيراً من الجيوش والسرايا.

وأصحابه ساروا على منهاجه، انظر إلى همة أنس بن النضر العالية في قتاله حتى ما عرفته أخته إلا بشامة أو ببنانه، سبعين موضع في جسمه طعن وضرب [رواه البخاري: 2805، ومسلم: 1903].

وحمزة في أحد قال الراوي: "مثل الجمل الأورق يهز الناس بسيفه هزاً، ما يقوم له شيء"

 [رواه ابن حبان في صحيحه: 7016، وصححه الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان: 6977]، يقول: "يا ابن أم أنمار مقطعة البظور، أتحاد الله ورسولهﷺ؟ قال: ثم شد عليه، فكان كأمس الذاهب [رواه البخاري: 4072].

ولعل من أعجب الأمثلة وأروع الأمثلة في تاريخنا الإسلامي لصاحب همة عالية في الجهاد، الرجل الذي مع شهرة اسمه لكن لا يعرف عن أفعاله إلا القليل، خالد بن الوليد -رضي الله عنه-، هذا الرجل العجيب والعجيب فعلاً فيما قدم لهذا الدين في الجهاد والقتال، أسلم مع النبي ﷺ بعد حين، ولكن سخر قوته ومواهبه لله ورسوله، وقاد جيشاً من المسلمين في فتح مكة، ولما مات النبي ﷺ بعدما أرسله وبعثه أيضاً بعوثاً ارتدت العرب، وكانت مهمة عظيمة ملقاة على أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، فعرف من ينتقي سيف من سيوف الله، فوجهه إلى أشد الخصوم مسيلمة الكذاب، وقاتلوا في ليالي اليمامة وأيامها مقاتلة شديدة، خالد يقود الجيش حتى أظفرهم الله على المرتدين، وبرغم قساوة وشراسة تلك المعارك معارك الردة التي مع الأسف ليست معروفة لكثير من الأجيال المسلمين، معارك الردة التي ينبغي أن تدرس بعناية؛ لأن فيها أمور كثيرة مما ينطبق في زماننا، لم يقعد خالد وإنما وجهه أبو بكر لغزو فارس، بادئاً بثغر أهل الهند والسند، وأرسل معه أناس، فقام خالد -رضي الله عنه- قسم الجيش إلى ثلاث فرق، وأعدهم عند الحفير، وراسل هرمز يدعوه إلى الإسلام، أو الجزية، أو القتال، وجاء هرمز بجيشه، ونزل على الماء ونزل المسلمون على غير ماء، وكلموا خالداً فقال: حطوا أثقالكم، ثم جالدوهم على الماء، فلعمري ليصيرن الماء لأصبر الفريقين وأكرم الجندين، وربط الفرس بعضهم بالسلاسل، ودعا هرمز خالداً للمبارزة يريد الخديعة، حتى جعل خطة بحيث أن هناك أناس من الفرس ينقضون على خالد من الخلف أثناء المبارزة، ولكن القعقاع وهو قائد إسلامي آخر كان منتبهاً فحمل عليهم فقتل خالد هرمز، وانهزم الفرس وأرسلت الغنائم إلى أبي بكر.

ثم دخل في واقعة المدار وكان هرمز قد كتب لأزدشير يستمده، فأمده بقائد منهم، فالتقى الجيشان مع

 فلول جيش هرمز في ذلك المكان، فنهض خالد لقتالهم على التعبئة، وخرج إليهم، فاقتتل الجيشان وانهزم الفرس وكانت للمسلمين فيهم مقتلة عظيمة.

ثم موقعة الولجة التي أرسل فيها الفرس جيشاً كثيف العدد، ونهض لهم خالد وخلفه من يحمي ظهره، وقسم الجيش وأعد الكمائن، واقتتل الجيشان واستعرت الحرب، وصار الظفر للمسلمين وولى الفرس ومات قائدهم من العطش.

ثم انتقل إلى وقعة أليس، جماعة من عرب الضاحية نصارى من بكر ووائل، عبوا أنفسهم للثأر، وراسلوا الفرس فأمدوهم، وعلم خالد باجتماعهم فذهب إليهم وعاجلهم، واقتتل الجيشان في مقتلة عظيمة, ونذر خالد إن أظفره الله بهم ليجرين نهرهم بدمائهم، وهزم الله الفرس وأسر المسلمون الكثير منهم، ثم قتلوهم حتى جرى النهر بدمهم، فسمي: نهر الدم، وكان خالد يقول: ما لقيت من أهل فارس قوماً كأهل أليس.   وقسم الغنائم وأرسل الخمس إلى الخليفة.

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والخمسون في موضوع    (القوي ) وهي بعنوان : علوم همة السلف في الجهاد في سبيل الله:

ثم واقعة أنغيشيا التي أكمل خالد بجنده إليها وقاتل أهلها وولوا تاركين كل شيء، ما إن اقترب خالد هربوا وتركوا كل شيء غنيمة.

ثم توجه إلى الحيرة وخرج المرزبان بجنده وجعل خالد الجيش على سفن في الفرات، ولكن الفرس عملوا مكيدة، بأن يفجروا أنهاراً فرعية لتقف سفن المسلمين بأحمالها، وفعلاً وقفت سفن المسلمين بأحمالها، لكن خالد لم يكن ليحتار ويضطرب ولا يدري ماذا يفعل، وإنما انفلت بكتيبة من المسلمين وقاتل ابن المرزبان على حين غفلة من جيشه حتى هزمهم وهم القائمون على الأنهار الفرعية، وأجرى

 الماء في الفرات، ورجع الماء، وحمى سفن المسلمين.

ودخل الحيرة وفتحها وأعمل القتل فيها، وخيرهم خالد خير قساوستها فاختاروا الجزية، فأرسل لأبي بكر الصديق.

ثم انتقل إلى الأنبار، وهكذا من معركة إلى أخرى، ثم إلى عين التمر وهي واقعة عجيبة.

ثم إلى دومة الجندل، ثم إلى الخنافس والحصيب، وهي وقعة أخرى.

ثم ينتقل خالد من مكان إلى مكان إلى واقعة الفراض التي تحالف فيها الفرس والروم ونصارى العرب في جيش واحد ضد خالد بن الوليد وجيش المسلمين، وفتحها الله.

ثم معركة اليرموك المشهورة وأنتم تعلمون ما فيها، وظهرت العبقرية العجيبة لخالد بن الوليد حينما أراد أن يفاجئ الروم من مكان لا يحسبون له حساباً، فاختار أن ينطلق من العراق إلى الشام عبر بادية الشام الصحراء التي تقطع الآن بالسيارات بعشرين ساعة مع الراحات، أتى خالد بدليل يدل الطريق، وأمر بحمل الماء وأخذ عشرين جزوراً سماناً عظاماً فأظمأها حتى اشتد عطشها ثم أوردها الماء، حتى رويت فقطع مشافرها وعكمها حتى لا تجتر، وكان كل يوم لهم منزل يعمد إلى أربعة من الإبل فيقطع أسنمتها ويأخذ ما في كروشها ويسقيه الخيل حتى كان المنزل الأخير، فوفقهم الله حتى عبروا ذلك المكان، وفاجأ الروم من المكان الذي لا يحتسبونه.

ولما حوصرت دمشق من أبوابها المختلفة كان جيش خالد بن الوليد الفرقة التي فيها خالد هي التي دخلت دمشق، وهو الذي قال لهم: انتظرونا فإذا سمعتمونا كبرنا فاقتحموا، فصعد هو ومن معه الأسوار ونزلوا على الروم في الحراس وقتلوهم وفتحوا الأبواب وكبروا، فدخلت جيوش المسلمين إلى دمشق، وكان أهلها من الطرف الآخر بعض أهلها صالحوا المسلمين في الجهة الأخرى، فصار بعض دمشق فتح عنوة وبعضها فتح صلحاً.

وهكذا يستمر خالد بن الوليد، وفي معركة من المعارك تواجه جيش خالد مع جيش عقة بن أبي عقة النصراني العربي الذي كان يجهز الجيش، فلمح خالد ثغرة فترك جيشه وانطلق إلى القائد، انطلق من مكانه إلى القائد المشرك الكافر فأخذ به فاحتضنه ورجع به أسيراً، فانهزم جيشه، تصور انفض على القائد، انقض عليه فأخذه وسرقه، ورجع به.

وفي معركة من المعارك حاصر المسلمون حصناً، فقال بعض المسلمين لخالد: إن هؤلاء إذا رأوا وجهك لا يخرجون خارج الحصن، نحن نريد أن يخرجوا نقاتلهم، فخرج خالد نهاراً وهم يرونه مبتعداً، ثم دخل ليلاً في الجيش مرة أخرى، في الصباح خرجوا لأنهم علموا أن خالداً خرج، خرجوا من الحصن ليقاتلوا فصبحهم خالد بوجهه فهزموا، رضي الله -تعالى- عنه.

ويستمر حتى يطيع أمر الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بعد حين برجوعه إلى المدينة، ويكون عنده حتى وافاه الأجل -رضي الله عنه-.

في إحدى الغزوات بعدما فتح مدينة أخذ فرساناً وذهب إلى الحج، قطع مسافة إلى عرفة مباشرة، حج ورجع، فلما رآه أصحابه حليق الرأس عرفوا أنه قد حج.

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والخمسون في موضوع  (القوي ) وهي بعنوان : علو همة السلف في طلب العلم:

 وأخيراً: من الأمثلة العالية الهمم العالية في طلب العلم كثيرة جداً وننتقي بعض المقاطع، عن ابن عباس قال: لما توفي رسول الله ﷺ قلت لرجل من الأنصار: هلم نسأل أصحاب رسول الله ﷺ فإنهم اليوم كثير، فقال: واعجباً لك يا ابن عباس، أترى الناس يحتاجون إليك وفي الناس من أصحاب النبي ﷺ من ترى، فترك ذلك وأقبلت على المسألة، يسأل ابن عباس، فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتيه وهو قائل، نائم القيلولة، فأتوسد ردائي على بابه فتسفي الريح علي التراب فيخرج فيراني، فيقول: يا ابن عم رسول الله، ألا أرسلت إلي فآتيك؟ فأقول: أنا أحق أن آتيك فأسألك، قال: فبقي الرجل حتى رآني وقد اجتمع الناس علي، فقال: هذا الفتى أعقل مني [فضائل الصحابة: 1925، ومستدرك الحاكم: 363].

الهمة العالية يتوسد عند الباب في الظهيرة، هذا الرجل نائم وابن عباس عند الباب، والريح تأتي بالتراب ينتظر للمسألة العلمية.

وعروة بن الزبير عن هشام عن أبيه أنه كان يقول لنا ونحن شباب: مالكم لا تعلمون؟ إن تكونوا صغار قوم يوشك أن تكونوا كبار قوم، وما خير الشيخ أن يكون شيخا وهو جاهل، لقد رأيتني قبل موت عائشة بأربع حجج وأنا أقول: لو ماتت اليوم ما ندمت على حديث عندها إلا وقد وعيته، ولقد كان يبلغني عن الصحابي الحديث فآتيه وأجده قد قال، فأجلس على بابه ثم أسأله عنه [سير أعلام

النبلاء: 4/424].

وكان عامر بن قيس التميمي مقرئاً يقرئ الناس القرآن فيأتيه ناس فيقرئهم القرآن، ثم يقوم فيصلي إلى الظهر، من الصباح يقرئ إلى الظهر، ثم يصلي العصر، ثم يقرئ الناس إلى المغرب، ثم يصلي ما بين العشاءين فينصرف إلى منزله، فيأكل رغيفاً وينام نومة خفيفة ثم يقوم لصلاته، ثم يتسحر رغيفاً ويخرج [سير أعلام النبلاء: 4/15- 16].

قيام وصيام وإقراء قرآن من الصباح إلى الليل.

أما سعيد بن عبد العزيز التنوخي قال: "كنت أجلس بالغدوات إلى ابن أبي مالك، وأجالس بعد الظهر إسماعيل بن عبيد الله، وبعد العصر مكحولاً" [سير أعلام النبلاء: 8/33].

وأما القعنبي قال أبو حاتم: ثقة حجة لم أر أخشع منه، كان إذا مر بمجلس القوم قالوا: لا إله إلا الله، ذكروا الله -عز وجل-، سألناه أن يقرأ علينا الموطأ، فقال: تعالوا بالغداة، فقلنا: لنا مجلس عند الحجاج بن منهال، قال: فإذا فرغتم منه، قلنا: فنأتي حينئذ مسلم بن إبراهيم، قال: فإذا فرغتم، قلنا: نأتي أبا حذيفة النهدي، قال: فبعد العصر، قلنا: نأتي عارماً أبا النعمان، قال: فبعد المغرب، فكان يأتينا بالليل، فيخرج علينا وعليه كبل ما تحته شيء في الصيف، فكان يقرأ علينا في الحر الشديد حينئذ [سير أعلام النبلاء: 10/260].

هذا يدل على كيف كان أبو حاتم -رحمه الله- وأقرانه يطلبون العلم، مجالس متواصلة.

وحدث بعض أهل العلم وهو ابن حبان عن بعض العلماء، ابن حبان يحدث عن نفسه قال: "لعلنا قد كتبنا عن أكثر من ألفي شيخ"، قال الذهبي: "كذا فلتكن الهمم، هذا مع ما كان عليه من الفقه والعربية والفضائل الباهرة وكثرة التصانيف" رحمه الله [سير أعلام النبلاء: 16/94].

وقال محمد بن علي السُلمي: "قمت ليلة سحراً لآخذ النوبة على ابن الأخرم فوجدته قد سبقني ثلاثون

قارئاً، لم تدركني النوبة إلى العصر" [سير أعلام النبلاء: 15/565]، وراء بعض يجلسون سرى عند الشيخ.

وابن الأخرم كان له حلقة عظيمة بجامع دمشق يقرؤون عليه من بعد الفجر إلى الظهر [سير أعلام النبلاء: 15/565].

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والخمسون في موضوع    (القوي ) وهي بعنوان : علو همة السلف في طلب العلم :

والطبري قال لأصحابه: هل تنشطون لتاريخ العالم من آدم إلى وقتنا؟ قالوا: كم قدره؟ قال: نحو ثلاثين ألف ورقة، فقالوا: هذا مما تفني الأعمار قبل تمامه، قال: إنا لله، قد ماتت الهمم، فاختصر ذلك في نحو ثلاثة آلاف ورقة [سير أعلام النبلاء: 14/274 - 275].

وأما السمعاني -رحمه الله- فإنه طوف البلاد وأخذ عن مشايخ لا يعدون، وذهب إلى أبي ورد

وإسفرائين والأنبار وبخارى وبسطام والبصرة وبلخ وترمذ وجورجان وحماه وحمص وحلب وخسرو وجرج والري وسرخس وسمرقند وهمذان وهرات والحرمين والكوفة وواسط والموصل ونهاوند والمدائن، ما في طائرات ولا في سيارات ولا قطارات، المشي على الأرجل وعلى الدواب حتى دخل بيت المقدس والخليل وهما بأيدي الفرنج تحيل وخاطر ودخل رغم أنها تحت احتلال النصارى.

السِلفي الذي ذهب يطلب العلم وله أقل من عشرين سنة، ارتحل ونسخ من الأجزاء ما لا يحصى، وكان ينسخ الجزء الضخم في ليلة، وبقي في الرحلة ثمانية عشر عاماً [سير أعلام النبلاء: 21/16].

وابن طاهر قال: بلت الدم في طلب الحديث مرتين، مرة ببغداد، وأخرى بمكة، كنت أمشي حافياً في الحر فلحقني ذلك، وكنت أحمل كتبي على ظهري، وما سألت في الطلب أحداً" ما مددت يدي لأحد.

قيل: إنه كان يمشي في اليوم والليلة عشرين فرسخا [سير أعلام النبلاء: 19/363] الفرسخ تقريباً خمسه كيلو.

وروي عن سليم الرازي قال: "كان أبو حامد الإسفراييني في أول أمره يحرس في درب"، لكن له همة عالية ولو كان يحرس في درب، "وكان يطالع على زيت الحرس" يقرأ على مشاعل الحرس، "وأفتى وهو ابن سبع عشرة سنة" [سير أعلام النبلاء: 17/196].

عطاء بن أبي رباح كان فراشه المسجد عشرين سنة [سير أعلام النبلاء: 6/327].

الزهري جلس يتذاكر الحديث من بعد العشاء حتى أصبح، وعدد من السلف فعلوا ذلك.

الإمام مالك قلما صلى الصبح إلا بوضوء العشاء لمدة تسعة وأربعين سنة.

وكيع بن الجراح والإمام أحمد تذاكرا الحديث من العشاء إلى آخر الليل.

أسد بن الفرات يجلس عند محمد بن الحسن الشيباني يتلقى منه الحديث، وكان ينثر في وجهه الماء ينضح لكي يصحو يبقى منتبهاً في الدرس.

وأحمد بن حنبل كان يذهب من قبل الفجر إلى مجلس الشيخ ليتبوأ مكانه، وكان يقول: مع المحبرة إلى المقبرة.

والبخاري يستيقظ عشرين مرة في الليل ليسجل ما يخطر له، يوقد السراج في كل مرة ويطفئه.

هذه الهمم العالية، هذا الحفظ، هذا العلم، هذه الرحلة، هذا التأليف والتصنيف، هذه المجالس، هذا الحرص على الحضور.

هذه -أيها الإخوة- نماذج مما كان عليه سلفنا -رحمهم الله- في طلب العلم، والهمم العالية فيه.

فنسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يلهمنا رشدنا، وأن يقينا شر أنفسنا، وأن يقوي إراداتنا في طاعته، وأن يجعلنا من أصحاب الهمم العالية في سبيله مجاهدين وعلماء عاملين.والله -تعالى- أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.[ الأنترنت – موقع  الشيخ محمد المنجد - قوة الإرادة وعلو الهمة ]

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والخمسون في موضوع    (القوي ) وهي بعنوان : * قوة الشكر :

للشكر والامتنان طاقة غريبة تمنح صاحبها النجاح والشفاء، هذا ما يقوله الخبراء اليوم وهذا ما قاله النبي الكريم قبل ذلك....

كنتُ أتأمل سيرة بعض الناجحين على مر التاريخ ولفت انتباهي أمر مهم ألا وهو أنهم يستخدمون التقنيات ذاتها في سبيل النجاح وتحقيق ما يطمحون إليه بسهولة. ومن الأشياء الملفتة أنهم يستخدمون "قوة الشكر" فالشكر والامتنان له سحر غريب وتأثير عجيب في حياة الإنسان، ولكن كيف؟

الشكر طريق سهل للنجاح

يؤكد الدكتور جون غراي وهو طبيب نفسي وأحد المبدعين الذين بيعت ملايين النسخ من كتبه،

يؤكد على أهمية الشكر في حياة الإنسان الناجح، فالزوجة مثلاً التي تشكر زوجها على ما يقوم به، فإن هذا الشكر يحفزه للقيام بمزيد من الإبداعات والنجاح. فالامتنان يقدم لك المزيد من الدعم والقوة.

ويوضح الخبير "جيمس راي" هذه الحقيقة بقوله: إن قوة الشكر كبيرة جداً فأنا أبدأ يومي كلما استيقظت صباحاً بعبارة "الحمد لله" لأنني وجدتها مفيدة جداً وتمنحني طاقة عظيمة! ليس هذا فحسب بل إنني أشكر الله على كل صغيرة وكبيرة وهذا سرّ نجاحي أنني أقول "الحمد لله" وأكررها مراراً طيلة اليوم!!

الشكر طريق سهل للإبداع

للشكر تأثير مذهل في حياة معظم المبدعين، فالامتنان والشكر للآخرين هو أسهل الطرق للنجاح، والشكر طريقة قوية ومؤثرة حتى عندما يقدم لك أحد معروفاً صغيراً فإنك عندما تشكره تشعر بقوة في داخلك تحفزك للقيام بالمزيد من الأعمال الخيرة. وفي دراسة حديثة تبين أن الامتنان والشكر يؤدي إلى السعادة وتقليل الاكتئاب وزيادة المناعة ضد الأمراض!

لقد قام العلماء بتجارب كثيرة لدراسة تأثير الشكر على الدماغ ونظام المناعة والعمليات الدقيقة في العقل الباطن، ووجدوا أن للشكر تأثيراً محفزاً لطاقة الدماغ الإيجابية، مما يساعد الإنسان على مزيد من الإبداع وإنجاز الأعمال الجديدة. كما تؤكد بعض الدراسات أن الامتنان للآخرين وممارسة الشكر والإحساس الدائم بفضل الله تعالى يزيد من قدرة النظام المناعي للجسم!

يقوم الدكتور Robert Emmon وفريق البحث في جامعة كاليفورنيا بدراسة الفوائد الصحية للشكر، وقد وجد بنتيجة تجاربه على الطلاب أن الشكر

يؤدي إلى السعادة وإلى استقرار الحالة العاطفية وإلى صحة نفسية وجسدية أفضل. فالطلاب الذين يمارسون الشكر كانوا أكثر تفاؤلاً وأكثر تمتعاً بالحياة ومناعتهم أفضل ضد الأمراض. وحتى إن مستوى النوم لديهم أفضل!

الشكر لعلاج المشاكل اليومية

يؤكد الباحثون في علم النفس أن الشكر له قوة هائلة في علاج المشاكل، لأن قدرتك على مواجهة الصعاب وحل المشاكل المستعصية تتعلق بمدى امتنانك وشكرك للآخرين على ما يقدمونه لك. ولذلك فإن المشاعر السلبية تقف حاجزاً بينك وبين النجاح، لأنها مثل الجدار الذي يحجب عنك الرؤيا الصادقة، ويجعلك تتقاعس على أداء أي عمل ناجح.

عندما تمارس عادة "الشكر" لمن يؤدي إليك معروفاً فإنك تعطي دفعة قوية من الطاقة لدماغك ليقوم بتقديم المزيد من الأعمال النافعة، لأن الدماغ مصمم ليقارن ويقلّد ويقتدي بالآخرين وبمن تثق بهم. ولذلك تحفز لديك القدرة على جذب الشكر لك من قبل الآخرين، وأسهل طريقة لتحقيق ذلك أن تقدم عملاً نافعاً لهم.

فن ممارسة الشكر

الاختصاصي "لي برو" مؤسس شركة تفعيل الطاقة لإحراز الثروة، ينصح بأن تمارس الشكر

والامتنان باستمرار بل أن تقنع نفسك بذلك من خلال الكلام، أي لا يكفي الاعتقاد أو الامتنان إنما يجب أن تقول وتكتب ذلك على ورقة مثلاً: إنني سعيد جداً ... لأنني أشكر الناس على معروفهم... وهذا الشكر سيقدم لي النجاح والإبداع...

ويقول هذا الخبير المتخصص بجمع الثروات: اجعل الشكر عادة تمارسها كل صباح، أن تبدأ بشكر الله، ثم تشكر الناس خلال ممارسة أعمالك اليومية لكل عمل أو معروف يقدّم لك... وخلال أيام قليلة ستشعر بقوة غريبة وجديدة من نوعها تسهل طريقة النجاح لك.

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والخمسون في موضوع    (القوي ) وهي بعنوان : آلية عمل الشكر:

بعد دراسات طويلة لعدد من الباحثين في البرمجة اللغوية العصبية وعلم النفس تبين أن معظم المبدعين والأثرياء كانوا يشكرون الناس على أي عمل يقدمونه لهم، وكانوا كثيري الامتنان والإحساس بفضل الآخرين عليهم، ولا ينكرون هذا الفضل حتى بعد أن جمعوا ثروات طائلة.

ولو تساءلنا: كيف يقوم هذا "الشكر" بعمله، وكيف يمكن أن يصبح الإنسان ناجحاً، وما علاقة ممارسة الشكر بالإبداع مثلاً؟ إن الجواب يكمن في عقلك الباطن!

يؤكد العلماء أن كل تصرف تقوم به أو حركة تعملها أو كلمة تنطق بها... إنما تصدر نتيجة برامج معقدة موجودة في داخل الدماغ في منطقة تسمى العقل الباطن (وهي منطقة مجهولة حتى الآن). وهناك تفاعلات يقوم عقلك الباطن في كل لحظة مع الأحداث التي تمر بك، وعند ممارستك لأي عمل هناك عمليات معقدة تحدث في دماغك لا تشعر بها.

فكثير منا يحاول حفظ القرآن مثلاً ولا يستطيع بل يجد ثقلاً وكأن شيئاً يبعده عن هذا الحفظ.

وكثير منا يحاول أن ينجز عملاً فلا يجد رغبة في ذلك فيتقاعس وتجده كئيباً منعزلاً لا يجد لذة في هذا العمل فلا يقدم عليه. وكثير أيضاً لديهم طموحات في مجال الدراسة أو العمل أو العاطفة... ولكن لا ينجزون أي شيء!

هل تعلمون ما هو سبب هذه الظاهرة الخطيرة؟ إنه عقلك الباطن الذي امتلأ بالأفكار السلبية وتمَّ حشوه بالمعلومات الخاطئة عن الآخرين وفقد التوجه الصحيح، وبالتالي لابد من إعادة شحنه وبرمجته وتنشيطه.

للشكر طاقة هائلة تظهر بعد فترة من ممارسته، فالمبدعون الذين كانوا يشكرون الآخرين ويعبرون عن امتنانهم بشتى الطرق، أدركوا فوائد هذا العمل وبالتالي أكثروا منه واستثمروه وحصدوا نتائجه من خلال ما قدموه من إبداع واكتشاف.

والآن يأتي دور الشكر والامتنان، حيث أنك عندما تشكر الناس وتشكر الله فإن كل عملية شكر

 تقوم بها تشكل في عقلك الباطن معلومة جديدة تحفزه ليدفعك للعمل أكثر، لأنك ستعتقد أن الناس

سيقدرون عملك ويهتمون به ويشكرونك عليه، وهذا يقودك لمزيد من العمل.

بينما نجد الإنسان الذي لا يشكر الناس يظن بأن الآخرين لن يشكروه على أي عمل يقدمه مهما كان مهماً، وبالتالي يختفي الحافز والدافع لأي عمل جديد، فتجده يفقد الرغبة في الإنجاز ومع الزمن يتطور الأمر فيصاب باكتئاب خفيف وقد يتطور إلى اضطراب مزمن...

كيف نمارس فن الشكر؟

بالقول والعمل. فعندما يؤدي لك شخص ما عملاً ينبغي أن تشكره بقولك: شكراً لكم، أو إنني أشكرك شكراً جزيلاً، أو تعبر له عن فرحتك وسرورك بهذا العمل ومن ثم تشكره على ذلك. وهذا لن ينقص من قدرك شيئاً، لأن بعض الناس يعتقدون أن شكر الآخرين هو ضعف، على العكس هو قوة وطاقة تجد أثرها في نجاحك في المستقبل.

الطريقة الثانية هي العمل، فينبغي عليك أن تنجز عملاً للآخرين تعبر لهم عن امتنانك لهم. تساعد

أخاك على قضاء حاجة ما، أو تفرج عنه هماً، أو ترسم الابتسامة على وجهه، أو تدخل السرور إلى قلب طفلك أو زوجتك أو أخيك أو أبيك...

ويمكن القول إن العلماء لم يدركوا أهمية هذه العملية إلا حديثاً جداً، ولكن الإسلام جعل الشكر جزءاً مهماً يمارسه المؤمن عبادة وطاعة لله عز وجل، وقد جعل الله جزاءك الجنة إذا شكرت الله وشكرت الناس... لنتأمل الآن هذه الأحاديث والآيات عسى أن نتذوق حلاوة الشكر.

النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالاستفادة من قوة الشكر

إن أكثر ما لفت انتباهي في أقوال الخبراء في علم النجاح وتطوير الشخصية والإبداع، هو أنهم يبدأون صباحهم بالشكر لله، وربما أتذكر نبينا عليه الصلاة والسلام الذي كان يبدأ يومه بعد الاستيقاظ مباشرة بحمد الله تعالى فيقول: (الحمد لله)، فقد جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا انتبه من الليل قال: (الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور) [البخاري ومسلم].

ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم أراد لنا الخير وأمرنا أن نشكر الناس باستمرار على أي معروف يؤدونه لنا، بل جعل الشكر للناس موازياً للشكر لله تعالى، وأ، الذي لم يتعود على شكر الناس لا يمكن أن يشكر الله ولذلك يقول النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم: (لا يشكر الله من لا يشكر الناس) [رواه الترمذي].

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والخمسون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : أهم أنواع الشكر:

إنه شكر الخالق عز وجل، فالله الذي خلقك ورزقك وأنعم عليه بنعم لا تعد ولا تُحصى يستحق منك أن تشكره... ولذلك نجد المؤمن يبدأ صلاته في كل ركعة بعد البسملة ب (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الفاتحة: 2]، وهي ما بدأ الله به كتابه بعد بسم الله الرحمن الرحيم.

لقد أعطانا الله تعالى معادلة رائعة للشكر يقول تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) [البقرة: 152]. فذكر الله وشكره من أهم أسباب النجاح في الدنيا والآخرة. والإسلام يريد لنا الخير في هذه الدنيا وما بعدها، بينما تقتصر جهود العلماء على تحقيق السعادة في الدنيا فقط!

وهذه ميزة الإسلام أنه يحقق لك السعادة حتى عندما تأتي لحظة الموت! ففي حالة المرض نجد المؤمن يشكر الله ويحمده لأنه يعلم أن هذا المرض سيكون سبباً في المغفرة ومزيد من رحمة الله تعالى.

أعظم سورة في القرآن هي الفاتحة وهي التي لا تصح الصلاة إلا بها، وتبدأ بعد البسملة بـ "الحمد لله رب العالمين"، ولذلك كان النبي يبدأ خطبته بالحمد لله، فالحمد لله كلمة عظيمة لا يدرك أسرارها إلا من يكررها ويستشعر عظمتها!

آيات كثيرة تحض على الشكر، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [البقرة: 172]. ويذكرنا الله بنعمه وفضله علينا، ولكن معظم الناس غافلون عن الشكر وفوائده، يقول تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ) [البقرة: 243].

الشكر... صفة لله تعالى

يقول تعالى: (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا) [النساء: 147]. فشكر الله عز وجل يكون من خلال كرمه وفضله ورزقه لنا، وشكرنا لله تعالى يكون من خلال التزامنا بتعاليمه وطاعة أوامره والانتهاء عما نهى عنه. ولذلك فإن الله جعل الشكر صفة له فقال: (وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا). وكذلك جعل الشكر صفة لأنبيائه عليهم السلام فقال في حق سيدنا إبراهيم: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [النحل: 121].

وقال تعالى عن نفسه: (لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) [فاطر: 30].

وحتى يوم القيامة فإن المؤمن يحمد الله تعالى وهو في الجنة، ويشكر الله الغفور الشكور على هذه النعم، يقول تعالى: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ) [فاطر: 34].

الشكور من أسماء الله الحسنى وهذا الاسم يحمل إشارة مهمة وهي: أيها الإنسان! أنت لست أفضل من الخالق تبارك وتعالى، فإذا كان الله تعالى هو "الشكور" فماذا عنك أيها الإنسان؟ وسبحان الله، كلما ازداد المؤمن إيماناً ازداد شكراً للناس.

الشكر يقابل الكفر

هل تتصورون أن عدم الشكر يؤدي إلى الكفر! بل إن الله تعالى جعل للإنسان طريقين: الشكر والكفر، يقول تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) [الإنسان: 3]. وهكذا ندرك أن الشكر فريضة على المسلم، وليس مجرد عادة تهدف لجلب الثرة أو النجاح أو الشهرة!

ولذلك قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7].

 تأملوا معي المنزلة التي يحتلها الشكر في الإسلام، إذا لم تشكر الله فإن عذاب الله شديد! ولكن عندما تشكر الله تعالى فإن الله سيرزقك ويزيدك مالاً ونجاحاً وقوة: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)، أليس هذا ما يؤكده الخبراء من غير المسلمين؟

حتى إننا نجد الدراسات العلمية الجديدة تؤكد على فوائد الامتنان والشكر ولكن ما علاقة الإيمان بذلك؟ يقول العلماء: إن الإيمان بالله والصلاة تساعد كثيراً على الشكر للناس وبالتالي كسب فوائده، ولذلك ينصحون بمزيد من الإيمان بالله!

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والخمسون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : حتى البهائم تشكر الله تعالى!

ربما نتذكر قصة ذلك الرجل الذي وجد في الصحراء كلباً يلهث يأكل الثرى من العطش فذهب إلى البئر ونزع خفّه فملأها ماءً حتى روي الكلب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فشكر الله له فغفر له) [البخاري ومسلم].

فالحيوانات والنباتات تشكر الله وتسبحه حمداً له على أن أوجدها وسخر لها أسباب الرزق. فعندما تحسن إلى حيوان تجده يتقرب منك ويشمك ويحني رأسه أمام تعبيراً منه عن امتنانه لك! ففي رواية البخاري ومسلم أن رجلاً وجد "غصن شوك" يؤذي النبات فنزعه فشكر الله له، فغفر له!

هذه الطيور تشكر الله تعالى باستمرار وتسبحه على نعمه عز وجل، فقد خلقها ورزقها وسخر لها أسباب المعيشة، ولذلك نجدها تتعاون وتضحي من أجل الآخرين كما أثبت العلماء مؤخراً، فقد وجد العلماء أن عالم الحيوان والحشرات مليء بالتضحية والإيثار، فماذا عنا نحن البشر العقلاء؟!

شكر الزوجة لزوجها فريضة عليها

إن معظم المشاكل الزوجية التي تنتهي بالطلاق تكون ذات أسباب تافهة جداً، ويقول الباحثون إن حياتك الزوجية تكون سعيدة وهانئة بمجرد أن تمارس الشكر لزوجتك وتشعرها بامتنانك له... وتؤكد دراسة جديدة للبروفسور Todd Kashdan في جامعة George Mason أن النساء اللواتي يشكرن أزواجهن يكنّ أكثر سعادة ويعشن عمراً أطول!

وتؤكد الدراسة أن النساء أكثر قدرة على التعبير من الرجال، وأكثر قدرة على منح مشاعر الامتنان. وتقول الدراسة التي نشرت في مجلة الشخصية Personality أن المرأة يمكن أن تعيش حياة هانئة ومطمئنة بمجرد أن تقدم الشكر لزوجها.

سبحان الله، رسولنا الكريم لم يترك هذا الأمر جانباً بل نبَّه عليه قبل 1400 سنة، فقد اعتبر النبي الكريم أن شكر المرأة لزوجها عبادة لله تعالى، وأن الله لا ينظر للمرأة التي تنكر الجميل، قال صلى الله عليه وسلم: (لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر لزوجها وهي لا تستغني عنه) [السلسلة الصحيحة للألباني].

تصوروا أن كلمات بسيطة تقولها لزوجتك كل يوم تشكرها وتشعرها بقيمة عملها وتقدر لها مجهودها في البيت وفي تربية الأولاد، هذه الكلمات قد تكون سبباً في درء الكثير من المشاكل وجلب الكثير من السعادة... إنها قوة الشكر!

الشكر جزء من العبادة

إن الإسلام جعل من الشكر عبادة لله تعالى، يقول عز وجل: (فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [النحل: 114]. إنها آيات عظيمة سوف تكون سبباً في سعادتك ونجاحك، لأن الله هو الذي يرسم لك طريق الخير، ويهيء لك أسباب النجاح ولكن ينبغي أن تتذكره في كل لحظة وتحمده على نعمه حتى يعطيك ما تريد.

لنتأمل هذه الآية التي تصور لنا حال المؤمن يوم القيامة: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ) [الأعراف: 43]، وآخر دعوة للمؤمن يوم القيامة هي الحمد والشكر لله تعالى: (دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [يونس: 10].

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والخمسون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : الصبر والشكر :

هناك خبراء اليوم ينصحون بالشكر لعلاج الأمراض! حيث يؤكد الباحثون وجود طاقة شفائية للامتنان والشكر يمكن بواسطتها علاج بعض الأمراض المستعصية. ويقولون: إذا اقترن الشكر بالصبر كان ذلك علاجاً ناجعاً للكثير من الأمراض لأن جهاز المناعة سيتحسن كثيراً ويقوى على مواجهة الأمراض. وسبحان الله، تأملوا معي هذه الآية العظيمة: (إنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ

شَكُورٍ) [الشورى: 33]. فقد قرن الله بين الصبر والشكر.

ولا ننسى أن النبي صلى الله عليه وسلم أكد أن حال المؤمن عجيب، فعندما يصيبه الضر يصبر، وعندما يصيبه الخير يشكر، فكل شأنه خير.

الأنبياء مارسوا عبادة الشكر

هذا هو سيدنا سليمان عليه السلام يشكر الله ويقدر نعمه... يقول تعالى على لسان سليمان: (قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) [النمل: 40].

وكذلك سيدنا لقمان شكر الله تعالى، فقد علمه الله الحكمة وأول قواعد الحكمة الشكر لله، يقول تعالى: (وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) [لقمان: 12]. وكأن الله يريد أن يعطينا إشارة قوية لأهمية الشكر وأنه جزء من الحكمة بل هو

الحكمة: (وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ)...

وقال الله في حق سيدنا نوح عليه السلام: (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا) [الإسراء: 3]... انظروا كيف يركز القرآن على الشكر ويجعله صفة لأنبياء الله سبحانه وتعالى لنقتدي بهم وهذا هو النجاح الحقيقي وليس نجاح الثروة والمال!

الشكر للوالدين

شكر الله أولاً ثم الوالدين، يقول تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) [لقمان: 14]. وتأملوا معي هذا الأمر الإلهي: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ)، لأن الإنسان عندما لا يقدر قيمة الأبوين ولا يشعر بحنانهما وما بذلاه في تربيته، فلا يمكن أن يشكر الناس ولا يشكر الله تعالى.

فالشكر ليس مجرد عادة تمارسها بل هو عبادة لله تعالى يرافقك في كل أعمالك، ومعظم الناجحين

والمبدعين كانوا يرافقون عملهم بالشكر للنا  ولله، وهذا ما أمر الله به. فعلى سبيل المثال أمر الله آل داوود بالشكر أثناء العمل فقال: (اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ: 13]. فالعمل هو نوع من أنواع الشكر أيضاً!

ينظر العلماء إلى الشكر على أنه أسهل طريق للوصول لما تطمح إليه. فأنت بالشكر تستطيع جذب الآخرين إليك وكسب ثقتهم وإيصال رسالة لعقلهم الباطن تؤكد لهم تقديرك ومودتك وإخلاصك، وبالتالي تستطيع استثمار من حولك وتحفيزهم للتعامل معك، وبالتالي كسب المزيد من العلاقات الناجحة وإنجاز العمل بسرعة وإتقان.

الشكر ينجي من المهالك

الذي يشكر الله سوف ينجيه من المواقف الصعبة، فهذا هو سيدنا لوط عليه السلام أنجاه الله من العذاب الذي أهلك قومه بسبب شكره لله، يقول تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آَلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ * نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ) [القمر: 34-35]. تأملوا معي هذه العبارة: (كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ)...فإذا كانت الهموم تحيط بك والمشاكل تلفّك من كل جانب، وتريد حلاً بسيطاً ومجانياً، إذاً احمد الله تعالى وأكثر من الشكر، وحاول أن تقدم عملاً نافعاً للآخرين، وبخاصة أقاربك وأهلك وجيرانك، فالحمد سر لا يعلمه إلا من يمارسه.

إن الشكر يتم بالقول والفعل، وهو أمر يسهل لك كسب علاقات ناجحة كل يوم، فأنت عندما تمد يدك إلى الآخرين مع كلمة شكر وابتسامة فإن هذه الأشياء الثلاثة مجتمعة تقودك لكسب ثقة الآخرين وكسب محبتهم لك وضمان مساعدتهم لك فيما تحتاج... ولذلك فإن للشكر "قوة جذب" خاصة تجذب بها الآخرين وتوصل إليهم رسائل إيجابية تخلق علاقات طيبة معهم، وهذا ينعكس على استقرار شخصيتك وزيادة قدرتك على حل المشاكل والصعوبات.

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والخمسون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : كيف نشكر الله؟

أما شكر الله فيكون بالقول والعمل معاً، فالشكر يكون بذكرك لله تعالى في كل حال وكل لحظة، تحمده وتسبحه وتكبره، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحمد الله ثلاثاً وثلاثين مرة عقب كل صلاة. وكان يحمد الله على كل حال، وكان يحمد الله بالفعل أيضاً ولكن كيف؟

إن الله وهبك نعمة البصر فكيف تشكره عليها؟ لا تستعملها في غضب الله فلا تنظر إلى ما حرم الله، كذلك وهبك الله نعمة العقل فلا تفكر في معصية أو إثم أو أذىً، بل اجعل تفكيرك كله في مساعدة الآخرين وتقديم الخير لهم ولك.

وهكذا كل النعم التي أنعم الله عليك ينبغي أن تؤدي شكرها لله تعالى، وبخاصة نعمة المال التي فقد الكثيرون الشكر عليها، فهذا المال ليس لك إنما هو لله تعالى وضعه أمانة بين يديك، فلا يكفي قولك: الحمد لله، لابد أن تتبع هذا القول بالتصدق على من يحتاج هذا المال، وللصدقة مفعول كبير أيضاً في الإبداع والنجاح كما يؤكد كثير من المختصين...

دماغ الإنسان الذي يشكر الناس يكون أكثر نشاطاً، وبالتالي نجده متفائلاً وبعيداً عن الاكتئاب، بينما نجد الدماغ المكتئب لم يتعود على ممارسة الشكر! تؤدي مشاعر الامتنان وممارسة الشكر، إلى إطلاق مواد كيميائية في الجسم مثل مادة Dopamine ومادة Serotonin وهذه المواد تنطلق طبيعياً أثناء السعادة، ويقل إفراز هرمون الإجهاد Cortisol مما يؤدي لوقاية القلب من النوبات القلبية ومرض الأوعية القلبية. (حسب Professor Robert A. Emmons).

وفي النهاية نقول:

نحن نمارس الشكر لله كل يوم استجابة لنداء الحق عز وجل واستجابة لأمر النبي الكريم، فالشكر

جزء من عقيدتنا ومنهج مهم نسلكه في حياتنا، ولكن الغرب اكتشف قوة الشكر وتأثيره بعد تجربة

ومعاناة ولو أنهم درسوا تعاليم الإسلام واستفادوا منه، لوفروا على أنفسهم عناء البحث.

إن ممارسة الشكر دواء مجاني لك عزيزي القارئ لعلاج أمراضك ومشاكلك النفسية! إنك لن تشتري أي دواء ولن تنفق أي نقود، ولن تجهد نفسك بممارسة الرياضة أو اتباع نظام غذائي... فقط مارس الشكر وتمتع بصحة أفضل.

إن الأشياء التي رأيناها في هذا البحث تؤكد أن تعاليم الإسلام صحيحة وليس كما يدعي بعض المشككين، فالإسلام يريد لنا أن نشكر الله ويشكر بعضنا بعضاً، ويسود العدل والسلام والمحبة في أرجاء الأرض... فهل تقبلون معي هذه التعاليم الرائعة وتبدأون منذ هذه اللحظة بممارسة الشكر والاستفادة من طاقته الرائعة؟! [ الأنترنت – موقع  بحث رائع: أسرار "قوة الشكر" بقلم عبد الدائم الكحيل ]

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الستون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * قوة التحمل :

إنها قوة الصبر لكن .. ما هو الصبر؟!

قال أبو قدامة :" فالصبر عبارة عن ثبات باعث الدين في مقابل باعث الشهوات ، فإن ثبت حتى قهر الشهوة التحق بالصابرين ، وإن ضعف حتى غلبت الشهوة ولم يصبر على دفعها ، التحق بأتباع الشياطين ، وإذا ثبت أن الصبر عبارة عن ثبات باعث الدين في مقاومة الهوى ، فهذه المقاومة من خاصية الآدميين "‏ وحديثنا القادم يتناول نوعين : الصبر على الطاعات والصبر عن المعاصي.

بين الطاعة والبلاء :

الصبر على الطاعة أعلى مقاما من الصبر على البلاء لأن الصبر على الطاعة صبر اختيار ، والصبر على البلاء صبر اضطرار ، لذلك ( كان صبر نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام على ما نالهم في الله باختيارهم وفعلهم ومقاومتهم قومهم : أكمل من صبر أيوب على ما ناله في الله من ابتلائه وامتحانه بما ليس مسبَّبا عن فعله ، وكذلك كان صبر إسماعيل الذبيح وصبر أبيه إبراهيم عليهما السلام على تنفيذ أمر الله أكمل من صبر يعقوب على فقد يوسف ) .

وسبب آخر لكون الصبر على الطاعة أكمل من الصبر على البلاء ؛ وهو أن من علامات كمال الصبر على البلاء وأمارات قبوله عند الله : فعل الطاعة بعده ، ولذلك قال تعالى في معرض الحديث عن غزوة أحد : ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ [ آل عمران : 144 ] ، ولم يقل وسيجزي الصابرين مع أن المقام مقام صبر بل قال : ﴿ الشَّاكِرِينَ ﴾ أي الطائعين الذين استمروا على طاعتهم عقب البلاء .. أعظم بلاء ، وهل أعظم من مقتل النبي ؛ وكـأن المطلوب منك يا صاحب القلب الحي أن تخرج من مصيبتك بمزيد الطاعة والقرب من ربك والحرص على رضوانه ،

 وإلا رُدَّ صبرك عليك ولم يُقبل.

وأصحاب القلوب الحية لا يزيدهم البلاء إلا طاعة لله ، لذا حكى الله موقف الصحابة بعد غزوة أحد حيث البلاء الشديد والجراح الغائرة استجابتهم لأمر الله ورسوله ، وخروجهم وهم المثخنون بالجراح الغارقون في الأوجاع والأحزان إلى غزوة حمراء الأسد بعد أقل من خمس عشرة ساعة من نهاية غزوة أحد ، فقال عز وجل : ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ [ آل عمران : 173-174 ]

بل قد لا تكون المصيبة سوى طريقا لجذب العبد إلى الطاعة وتقريبه منها ، كما قال ابن عطاء في حكمة تحذيرية :

" من لم يُقبِل على الله بملاطفات الإحسان ، قِيْد إليه بسلاسل الامتحان " .

والصابرون على الطاعات المداومون عليها دوما قلة قليلة بين الناس. قال تعالى : ﴿ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ﴾ [ النساء : 66 ] ، ولأنهم قلة وسط كثرة مفرِّطة فقد وعدهم الله بأثمن المكافآت وأغلى الجوائز. قال تعالى : ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [ النساء : 69 ] فهل علمتم ثوابكم يا أهل الصبر على طاعته ، ولو لم يكن لكم من جزاء غير هذا لكفى.

والصديقون هم السابقون في تصديقهم المبالغين في الصدق وهم أفضل أصحاب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وخواصهم المقربين ، والشهداء هم الذين بذلوا أرواحهم في طاعة الله تعالى وإعلاء كلمته ، والصالحون هم الصارفون أعمارهم في طاعته وأموالهم في مرضاته ﴿ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ ، وما أروعها من صحبة ، والصابر على الطاعات هؤلاء غدا هم أصحابه وجيرانه وأحبابه وخلانه ، إنه أسمى

نعيم الجنة ، وهل أحلى من صحبة الأنبياء وأشباه الأنبياء وأصفياء الله من خلقه ومن صنعهم على عينه؟!

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والستون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * قوة التحمل : بين الطاعة والمعصية :

والصبر على الطاعة أكمل كذلك وأعلى من الصبر عن المعصية لأن عدم ملء الوقت بالطاعة كان سبب وقوع المعصية ، وعدم سدِّ الفراغ بالطاعة مهَّد الطريق لاقتحام المعصية ، فكلما حُجِب الإنسان عن طاعة وقع في معصية ، بل وكانت الطاعة مكافأة كل صبر عن معصية ، ومن هنا كان الصبر على الطاعة أعلى درجات الصبر ، بل وكان ترك الصبر على الطاعة أبغض عند الله من عدم الصبر عن المعصية. قال سهل بن عبد الله : " ترك الأمر عند الله أعظم من ارتكاب النهى ؛ لأن آدم نهى عن

أكل الشجرة فأكل منها فتاب عليه ، وإبليس أُمِر أن يسجد لآدم فلم يسجد فلم يتب عليه " .

ثم شرع ابن القيم في ذكر ثلاثة وعشرين وجها بيَّن من خلالها صحة القاعدة السابقة ،ثم قال بعد ذلك:

" سِرُّ هذه الوجوه أن المأمور محبوبه والمنهى مكروهه ، ووقوع محبوبه أحب اليه من فوات مكروهه ، وفوات محبوبه أكره اليه من وقوع مكروهه " .

لكن الصبر على الطاعة مع ذلك أصعب أنواع الصبر ، ولذا جاءت صيغة الأمر بالصبر على الطاعة مغايرة لغيرها فقال تعالى : ﴿ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾ [ مريم : 65 ] ، وقال : ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [ طه : 132 ] ، فاستخدام صيغة الافتعال تدل على المبالغة في الفعل إذ زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى ، والمقصود بالاصطبار : شدة الصبر على الأمر الشاق لأن صيغة الافتعال ترد لإفادة قوة الفعل ، وما ذاك إلا لصعوبة هذا النوع من الصبر على النفس لما فيه من

القيام بحق العبودية في كل الأحوال.

قال الزمخشري : " لأن العبادة جُعِلت بمنزلة القرن في قولك للمحارب : اصطبر لقرنك أي اثبت له فيما يورد عليك من شداته " .

أ - الصبر على طاعة الله :

وهو أوضح ما يكون في قصة إبراهيم وإسماعيل التي خلَّد الله ذكرها في كتابه ، فمن أيهما تعجب : من الأب الذي رأى في المنام أنه يذبح ابنه فلبى؟! أم من الابن الذي استسلم لأمر الله طواعية واختيارا؟! لقد كان الابن وحيد إبراهيم ولم يُرزَق إلا على كِبَر فما ظنك بتعلق أب كهذا بابنه؟! لكن إبراهيم حطَّم كل نداءات الأرض لما جاءه أمر السماء ، وضرب لنا أروع مثل على الإطلاق في الصبر على طاعة ربه ، ولقد كان باستطاعته أن يتأول الرؤيا لصالحه بدافع من غريزة الأبوة ، لكنه امتثل الأمر على وجه عجيب ، وفاتح ابنه في ما رأى ، ولم يكن الابن صغيرا لا يفهم ما سيُفعل به ؛ بل بلغ مع أبيه السعي فأصبح فتى مفتول العضلات قوي الساعد مما زاد من شغف الأب بابنه وتعلق الابن بأبيه ، وجاءت إجابة الابن محيِّرة حقا ، فقد حسم الموقف بجملتين فاصلتين ممتلئين بالرضا فضلا عن الصبر قالهما لأبيه وخلَّدهما التاريخ له : ﴿ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِريْنَ ﴾ [ الصافات : 102 ].

وبعد أن شهد إسماعيل لنفسه بالصبر شهد الله جل جلاله له بالصبر ودوَّن اسمه في سجل الصابرين وأين؟! على صفحات القرآن : ﴿ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ [ الأنبياء : 85 ] ، ثم هو مع ذلك لم ينس أن يستمد العون من الله الذي لا يكون الصبر إلا بمشيئته ، فهو لا يعتمد على قوته وشدة جلده بل يعتمد على ربه ، وصدقا وأسلم الوالد ولده ، وتله للجبين ، وتهيأ للذبح ، وعندها فحسب جاءته البشرى والنجاة.

أنواع خمسة من الصبر على الطاعة :

# الصبر على التعلُّم والمُعلِّم ، وهذا صبر على مكافحة الجهل ، وصبر على ما يمكن أن يكون من شدة المعلِّم ، وصبر على الخجل من طلب العلم وخاصة إذا كنت كبير السن وأستاذك أصغر منك ، ولا شك أن ذلك صعب على النفس لذا كان مما يورث الأجر العظيم ، واذكروا ما قاله نبينا : « الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة ، والذي يقرؤه وهو عليه شاق له أجران » ، وهذا الصبر سبق وواجهه موسى حين رحل إلى الرجل الصالح ليُعلِّمه مما علمه الله ، فأبرم موسى معه العهد بالصبر قائلا : ﴿ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا ﴾ [ الكهف : 69 ].

# الصبر على تصحيح النية وتخليص الضمائر من شوائب الرياء ، أو الصبر على حفظ الطاعة بعد انتهائها ، وعدم إفشائها والتباهي بها ، أو العجب والاغترار ، لئلا تتحوَّل سيئة : ﴿ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ﴾ [ محمد : 33 ] ، ولعل هذا هو سر تقديم الصبر على العمل الصالح في قوله : ﴿ إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ [ هود : 11 ] ، وهي معركة من معارك العبد مع

الشيطان يقص علينا وقائعها وتفاصيلها سفيان الثوري في قوله :

" بلغني أن العبد يعمل العمل سرا ، فلا يزال به الشيطان حتى يغلبه ، فيُكتب في العلانية ، ثم لا يزال الشيطان به حتى يُحِبَّ أن يُحمد عليه ، فيُنسخ من العلانية فيثبت في الرياء " .

# الصبر على المداومة على الطاعة وعدم الملل منها ومن ثم الانقطاع عنها ، ولا شك أن المداومة على أي عمل ولو كان سهلا على مدار الأيام والأعوام مما يشق على أي نفس ، وفي مقابل هذه المشقة ينال المرء أعظم الأجر كما أخبر بذلك الحبيب صلى الله عليه وسلم  : « أحبُّ الأعمال إلى الله أدومها وإن قلَّ » .

# الصبر على وحشة التفرد وقلة سالكي طريق الحق وكثرة المعرضين عنه : إذا كنتَ الوحيد الذي يغض بصره عن النساء في عملك ، وكنتَ الوحيد الذي يصوم تطوعا في يوم حار ، وكنتَ الوحيد الذي يطهِّر لسانه من الغيبة وسط صحبة العمل أو الدراسة ، وكنتِ الوحيدة التي تحافظ على الحجاب الصحيح شكلا وسلوكا ، إذا كنتَ أو كنتِ من هؤلاء فهنيئا لك.

# الصبر على تبعات التزام طريق الحق والثبات عليه : وهي الرسالة الأولى التي تلقاها النبي في مهد الدعوة حين انطلقت به خديجة إلى ورقة بن نوفل ابن عم خديجة ، وكان شيخا كبيرا قد عمي ، فقالت له خديجة : يا ابن عم .. اسمع من ابن أخيك ، فقال له ورقة : يا ابن أخي ماذا ترى فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى ، فقال له ورقة : هذا الناموس الذي كان ينزل على موسى ، يا ليتني فيها جذعا ، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أو مخرجيَّ هم؟! فقال : نعم .. لم يأت أحد بمثل ما جئت به إلا عودي ، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا .

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والستون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : ب - الصبر عن معصية الله :

وأبرز الأمثلة وأشدها وضوحا صبر يوسف عليه السلام على مراودة امرأة العزيز له ، ولقد كان الصبر ظهير يوسف في محنته التي ابتلي بها اضطرارا

واختيارا ، وكشف عن هذا السر حين عثر إخوته عليه فقال : ﴿ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [ يوسف : 90 ]. قال ابن القيم :

" وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدَّس الله روحه يقول : كان صبر يوسف عن مطاوعة امرأة العزيز على شأنها : أكمل من صبره على إلقاء إخوته له في الجب وبيعه وتفريقهم بينه وبين أبيه ، فإن هذه أمور جرت عليه بغير اختياره لا كسب له فيها ؛ ليس للعبد فيها حيلة غير الصبر ، وأما صبره عن المعصية : فصبر اختيار ورضا ومحاربة للنفس ، ولا سيما مع الأسباب التي تقوى معها دواعي الموافقة ، فإنه كان شابا ؛ وداعية الشباب إليها قوية ، وعزبا ليس له ما يعوضه ويرد شهوته ، وغريبا والغريب لا يستحي في بلد غربته مما يستحي منه من بين أصحابه ومعارفه وأهله ، ومملوكا والمملوك أيضا ليس وازعه كوازع الحر ، والمرأة جميلة ، وذات منصب ، وهي سيدته ، وقد غاب الرقيب وهي الداعية له إلى نفسها ، والحريصة على ذلك أشد الحرص ، ومع ذلك

توعدته إن لم يفعل بالسجن والصغار ، ومع هذه الدواعي كلها : صبر اختيارا وإيثارا لما عند الله ، وأين هذا من صبره في الجب على ما ليس من كسبه

ولكن الدافع إلى الصبر عن معصية الله؟!

والجواب : إما الخوف وإما الحياء.

أما الخوف فهو من سوء عواقب المعصية وقبح أثرها ، أي خوف المرء مما يصيبه من جرائها في الدنيا والآخرة :

والخوف أيضا قسمان : خوف الدنيا وخوف الآخرة ، أما خوف الدنيا فهو ما ذكره الإمام ابن القيِّم :

" الصبر عن الشهوة أسهل من الصبر على ما توجبه الشهوة ، فإنها إما أن توجب ألما وعقوبة ، وإما

أن تقطع لذة أكمل منها ، وإما أن تضيع وقتا إضاعته حسرة وندامة ، وإما أن تثلم عرضا توفيره أنفع للعبد من ثلمه ، وإما أن تذهب مالا بقاؤه خير له من ذهابه ، وإما أن تضع قدرا وجاها قيامه خير من وضعه ، وإما أن تسلب نعمة بقاؤها ألذ وأطيب من قضاء الشهوة ، وإما أن تطرق لوضيع إليك طريقا لم يكن يجدها قبل ذلك ، وإما أن تجلب هما وغما وحزنا وخوفا لا يقارب لذة الشهوة ، وإما أن تنسي علما ذكره ألذ من نيل الشهوة ، وإما أن تُشمت عدوا وتُحزن وليا ، وإما أن تقطع الطريق على نعمة مقبلة ، وإما أن تُحدث عيبا يبقى صفة لا تزول ، فان الأعمال تورث الصفات والأخلاق " .

وأما خوف الآخرة وهو مما يلقى العاصي من العقوبة النارية والتقلب بين الأطباق الجهنمية ، فهي العقوبة إن عصى علنا فيكون مجاهرا بذنبه داعيا إليه ، وهي العقوبة إن عصى سِرًّا ليكون هاتكا ستر الله عليه مظهرا غير ما يبطن.

أما الدافع الثاني الذي يدفع إلى الصبر عن المعصية هو الحياء ، لكن ما الحياء؟!

قال الجنيد : " الحياء رؤية الآلاء ورؤية التقصير فيتولد بينهما حالة تسمى الحياء ، وحقيقته خلق يبعث على ترك القبائح ويمنع من التفريط في حق صاحب الحق " .

وهب ربك عفا عنك فأين الحياء مما جنيت يا رجل؟! إن

وسؤال أخير : أيهما أعلى مقاما وأكثر أجرا : الخوف أم الحياء؟!

فصل ابن القيِّم بين الخصمين فقال في كلام ألفاظه أنوار ومعانيه ثمار :

" ولما كان الحياء من شيم الأشراف وأهل الكرم والنفوس الزكية : كان صاحبه أحسن حالا من أهل الخوف ، ولأن في الحياء من الله ما يدل على مراقبته وحضور القلب معه ، ولأن فيه من تعظيمه وإجلاله ما ليس في وازع الخوف ، فمن وازعه الخوف : قلبه حاضر مع العقوبة ، ومن وازعه الحياء : قلبه حاضر مع الله ، والخائف مراعٍ جانب نفسه وحمايتها ، والمستحي مراعٍ جانب ربه وملاحظ عظمته ، وكلا المقامين من مقامات أهل الإيمان ؛ غير أن الحياء أقرب إلى مقام الإحسان وألصق به ، إذ أنزل نفسه منزلة من كأنه يرى الله ، فنبعت ينابيع الحياء من عين قلبه وتفجرت عيونها " .

ولابد مع الخوف والحياء لكي يُحدِثا أعظم الأثر من صفتين متلازمتين وهما العلم واليقين ، فبغيابهما يغيب الخوف والحياء ، وبقوتهما يقويان.

فكل من علم أن الذي ينام عن الصلاة المكتوبة يكسر الحجر رأسه في قبره ثم أيقن بذلك : كيف ينام عن صلاة الفجر؟! وكل من علم أن ناشر الكذب ومروِّج الإشاعة يُشقُّ من رأسه ومنخره وعينه إلى قفاه ثم أيقن بذلك قل لي بعدها : كيف يكذب؟! وكل من علم أن الزاني يُحرق بنار أسفل منه وهو عريان ليفتضح في العلن كما كان يأتي الفاحشة في السر ثم أيقن بذلك ؛ فكيف يزني؟! وكل من علم أن أكل الربا يورث السباحة في نهر الدم والتقام الحجارة ثم أيقن بذلك فكيف يرابي؟! وكل من علم أن الوقوع في أعراض الناس يُعاقب فاعله بخمش وجهه وصدره بأظفار من نحاس ، ثم أيقن بذلك ؛

فكيف يُعقل أن يغتاب؟! وهكذا مع كل معصية وعقوبتها.

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والستون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : زاد الصابرين!!

1. تلمح لذة العاقبة :

مرارة الصبر شفاء ، لأن الصبر على مرارة الدواء في البداية يورث حلاوة الشفاء في النهاية ، ما أشبه حال المبتلى بذنب بحال المدمن ؛ عافت نفسه الطيِّب ولا صبر له عن الخبيث ، فإن تجرَّع جرعة صبر ، وتحمَّل المشقة حينا ، وأكل من الحلال وداوم عليه إذن لزال أثر السم بالكلية ، ورجعت نفسه تعاف كل كريه كانت تحبه ، وكل معصية كان يلتذ بها ، فالصبر الصبر ، والتفكر في حلاوة العاقبة ،

والاعتبار بسوء مصير الهالكين.

قال الأشعث بن قيس : " دخلتُ على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب  رضي الله عنه ، فوجدته قد أثر فيه صبره على العبادة الشديدة ليلا ونهارا ، فقلت : يا أمير المؤمنين!! إلى كم تصبر على مكابدة هذه الشدة؟ فما زادني إلا أن قال :

اصبر على مضض الإدلاج في السَّحَر وفي الرواح إلى الطاعات في البكر

إني رأيت وفي الأيام تجربة للصبر عاقبة محمودة الأثر

وقلَّ من جدَّ في أمر يؤمِّله واستصحب الصبر إلا فاز بالظَّفَر

فحفظتها منه وألزمتُ نفسي الصبر في الأمور ، فوجدت بركة ذلك " .

وتعرَّف إلى أسرار العبادات وأثر الجرعات وفضائل القربات ، واغرق في أنوارها وراجع ما ورد من

أحاديثها ، وعندها تطيع أمر الله وتستسلم له ولو كان شاقا وسترى العجب كما سبقه ورآه خليل

الرحمن لما صبر. قال ابن القيِّم :

" وأُنبِّهك على خصلة واحدة مما أكرمه الله به في محنته بذبح ولده ، فإن الله تبارك وتعالى جازاه على تسليمه ولده لأمر الله بأن بارك في نسله وكثرة حتى ملأ السهل والجبل ، فإن الله تبارك وتعالى لا يَتكرَّم عليه أحد وهو أكرم الاكرمين ، فمن ترك لوجهه أمرا أو فعله لوجهه بذل الله له أضعاف ما تركه من ذلك الامر أضعافا مضاعفة ، وجازاه بأضعاف ما فعله لأجله أضعافا مضاعفة ، فلما أمر إبراهيم بذبح ولده ؛ فبادر لأمر الله ، ووافق عليه الولد أباه رضاء منهما وتسليما ، وعلم الله منهما الصدق والوفاء فداه بذبح عظيم ، وأعطاهما ما أعطاهما من فضله ، وكان من بعض عطاياه أن بارك في ذريتهما حتى ملؤا الارض ، وجعل النبوة والكتاب في ذريته خاصة وأخرج منهم محمدا " .

من كالخليل يُرينا خيرَ تضحية جلَّت مواقفها عن كل تبيين

صحا مع الفجر صوت الوحي يُفزِعه قم يا بني فصوت الله يدعوني

إني بذبحك قد أُلهمتُ يا ولدي أمرُ السماء فهل تعصي وتُخزيني

فشمَّر الطفل إيمانا بلا جزعٍ جمِّع قواك أبي خُذْ تلك سكيني

2. الاستعانة بالله :

قال تعالى :﴿ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ﴾ [ النحل : 127 ].

والمأمور به في الآية : الاستعانة بالله ورؤية أنه هو المُصبِّر وحده ، وأن صبر العبد بربه لا بنفسه ، وبمشيئة الله ومعونته لا بمشيئته هو وقوته ، فهو لا يرى لنفسه صبرا ولا قوة ولا فضلا ولا عزما ، بل كل ذلك من الله وبفضل الله ، وعندها يعلم حقيقة قوله : لا حول ولا قوة إلا بالله ، فإن لم يصبِّرك هو فليس إلا الجزع والهلاك ، بل لو لم يصبِّر الله خير خلقه وصفوة رسله محمد صلى الله عليه وسلم  ما كان ثبت.

قال تعالى : ﴿ وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا ﴾ [ الإسراء : 74 ]

ولذا روى حذيفة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  أنه ( كان إذا حزبه أمر صلى ) ليستمد من القوة التي لا تُغلب ، والطاقة التي لا تُحدُّ ، والإله الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والستون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : زاد الصابرين!!

3. صبر أعدائك يُعدي :

أعداء دينك لا ينامون ، بل يصبرون ويحتملون في سبيل الباطل ما لا تحتمله أنت في سبيل الحق ، والله إن المرء ليستحي أن يكسل في جنب الله

حين يسمع عن بطل رياضي يعاني الأعوام الطوال ويُتعِب نفسه منذ نعومة أظفاره ليفوز في النهاية بميدالية الذهب ، وتُسلَّط عليه الأضواء ، وتُغدق عليه الأموال ، مع أنه سيكبر يوما وينصرف الناس عنه ، بل ويموت وينساه كل من كان محتفيا به بالأمس ، ويترك كل ما جمع ويرحل تحت التراب ، فكيف لا تصبر أنت يا طالب ذهب الآخرة؟! ألا تريد أن تُسلَّط عليك الأضواء هناك وأنت متكئ على أريكة لك في الفردوس؟! ألا تطمع أن تُغدق عليك اللذات وأنت مستلق في قصر من قصورك في جنات عدن؟! ألا تتعب قليلا لتستريح طويلا .. هناك في خلد لا تذوق فيه الموت بل لا تسمع حتى مرادفات أو مشتقات كلمة (موت) .. واعجبا من خاطب دنيا يتعب وطالب آخرة ينام ، واحسرتاه على طالب رضا البشر وغافل عن رضا ربِّ البشر.

عن عمر بن عثمان المكي قال : " لقد وبَّخ الله التاركين للصبر على دينهم بما أخبر عن الكفار أنهم قالوا :

 ﴿ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ ﴾ [ ص : 6 ] ، فهذا توبيخ لمن ترك الصبر من

المؤمنين على دينه " .

إن مقارنة المريض لصبره على الطاعات بصبر غيره من موتى القلوب على الباطل يبعث في القلب الحياة ، وانظروا إلى خلف بن أيوب وكان لا يطرد الذباب عن وجهه في الصلاة ، فقيل له : كيف تصبر؟! فقال : " بلغني أن الفساق يتصبَّرون تحت السياط ليقال فلان صبور ، وأنا بين يدي ربي ؛ أفلا أصبر على ذباب يقع عليَّ؟!" .

بل واسمعوا صبر أهل الدنيا يا أصحاب الآخرة واقرؤوا خبر أبي الهيثم خالد الحدَّاد ، وكان يُضرَب المثل بصبره. قال له المُتوكِّل يوما : ما بلغ من جَلَدِك؟ قال : املأ لي جرابي عقارب ، ثم أُدخِل يدي فيه ، وإنه ليؤلمني ما يؤلمك ، وأجد لآخر سوط من الألم ما أجد لأول سوط ، ولو وُضِعت في فمي خرقة وأنا أُضرب لاحترقت من حرارة ما يخرج من جوفي ، ولكنني وطَّنت نفسي على الصبر ، فقال له الفتح : ويحك!! مع هذا اللسان والعقل ما يدعوك إلى ما أنت عليه من الباطل ، فقال : " أحب الرياسة " .

ولماذا أمثلة الماضي والحاضر بين أيدينا ينطق ويشهد ، وأهل اللهو في لهوهم من أهل الغناء والفن الهدام يفتخرون أنهم يصلون الليل والنهار ويهجرون الراحة ويعانقون التعب في أوقات كثيرة ليجنوا حصاد أعمالهم : سيئات تلطِّخ الصحائف وتورث اللعنات وتُصليهم جهنم وبئس المهاد ، فلماذا لا نصل نحن -أهل الحق- الليل بالنهار ونهجر الراحة ونعانق التعب لنجني حصائد أعمالنا : حسنات تُشرِق على صحائفنا وتثقِّل موازيننا وتورثنا اللذة الأبدية والنعيم الذي لا يبيد.

4. جهاد النفس : إن النفس البشرية بطبيعتها تحب الراحة والكسل والدعة وتنفر من البذل والاجتهاد والعطاء ، فهي الآمرة بالسوء الناهية عن الخير ،

وهي الحقيقة التي قرَّرها رب العزة والجلال بقوله ﴿ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ﴾ [ يوسف : 53[

لذا كانت مخالفتها نوعًا من أنواع الموت الدامي! قال حاتم الأصم : " الموت الأحمر : مخالفة النفس " .

لذا عبَّر النبي  عن هذه المخالفة بأقوى الألفاظ وأشدها وهو لفظ الجهاد فقال : « والمجاهد :

من جاهد نفسه في الله » .

وقال عز وجل : ﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ﴾ [ الحج : 78 [. قال ابن المبارك في تفسيرها : " هو جهاد النفس والهوى " .

أما أن تطيع نفسك في كل ما تأمرك به ، وتنتهي عن كل خير تنهاك عنه ، فليس هذا من الجهاد فضلا عن الرجولة في شيء.

نعم الأمر صعب وشاق .. ليس في هذا شك ، لكن في المقابل تؤنسك بشرى الله لك : ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [ العنكبوت : 69 ] فالخطوة الأولى عليك ثم يأتيك المدد الإلهي عميما من حيث لا تحتسب ، والهداية طريق طويل طويل لكن أول وأهم خطوة فيها : المجاهدة.

والبشارة الثانية من راشد هو عمر بن عبد العزيز رحمه الله الذي قال وكأنه يهوِّن عليك مشقة العمل

الصالح ويروِّح عليك بمراوح الرجاء : " أحب

الأعمال إلي الله ما أُكرهت عليه النفوس " .

والبشارة الثالثة أن النفوس اليوم قد تغيَّرت ، والزمان الحاضر ليس كالماضي في صلاحه وتقواه ، ومن ثم كان الثواب اليوم أعظم والأجر أوفى ، ولقد جاء ذلك في قول الإمام عبد الله بن المبارك : " إن الصالحين فيما مضى كانت أنفسهم تواتيهم على الخير عفوا ، وإن أنفسنا لا تكاد تُواتينا إلا على كُرْه ينبغي لنا أن نكرهها "  فليت شعري لو أدرك ابن المبارك زماننا هذا ماذا سيقول ؟!!

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والستون في موضوع

(القوي ) وهي بعنوان : تجربة جهادية!! :

يقول ابن الجوزي :" تأملتُ جهاد النفس فرأيتُه أعظم الجهاد ، وإنما الجهاد لها كجهاد المريض العاقل ، يحملها على مكروهها في تناول ما ترجو به العافية ، و يذوِّب في المرارة قليلاً من الحلاوة ، و يتناول من الأغذية مقدار ما يصفه الطبيب ، ولا تحمله شهوته على موافقة غرضها من مطعمٍ ربما جرَّ جوعا ، ومن لقمة ربما حَرَمت لقمات ، فكذلك المؤمن العاقل لا يترك لجامها ، ولا يهمل مقودها ، بل يُرخي لها في وقت والطول بيده ، فإذا رآها مالت ردَّها باللطف ، فإن ونت وأبت فبالعنف ، ويحبسها في مقام المداراة ، كالزوجة التي مبنى عقلها على الضعف والقلة ، فهي تُدارى عند نشوزها بالوعظ ، فإن لم تصلح فبالهجر ، فإن لم تستقم فبالضرب ، وليس في سياط التأديب أجود من سوط عزم ، هذه مجاهده من حيث العمل.

فأما من حيث وعظها وتأنيبها ، فينبغي لمن رآها تسكن للخلق ، وتتعرض للدنيء من الأخلاق أن يُعرِّفها تعظيم خالقها لها فيقول :

ألستِ التي قال فيك : خلقتك بيدي ، وأسجدتُ لك ملائكتي ، وارتضاك للخلافة في أرضه ، وراسلك واقترض منك واشترى ، فإن رآها تتكبر ، قال لها : هل أنت إلا قطرة من ماء مهين ، تقتلك شرقة ، وتؤلمك بقَّة؟! وإن رأى تقصيرها عرَّفها حق الموالي على العبيد ، وإن ونت في العمل حدَّثها بجزيل الأجر ، وإن مالت إلى الهوى ، خوَّفها عظيم الوزر ، ثم يحذرها عاجل العقوبة الحسية ، كقوله تعالى : ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ ﴾ ، والمعنوية كقوله تعالى : ﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الذين يَتَكَبَّروْنَ فيْ الأَرْضَ بِغَيْرِ الحَقِّ ﴾ ، فهذا جهاد بالقول ، وذاك جهاد بالفعل " .

أخي .. هل لك أن تأخذ خطوة عملية على الطريق؟! عوِّد نفسك مثلا بالنسبة للطعام أن تقوم عن المائدة ولا زلت تشتهيه ، وبالنسبة للكلام جرِّب يوما من الأيام أن توثِق لسانك فلا تتكلم بكلام إلا إذا أدركت مغزاه وفائدته ، وبالنسبة للمنام جرِّب يوما في الأسبوع أن تهجر الفراش الناعم وتنام على الأرض مخالفة للنفس ، والمران على ذلك يورث الانتصار على النفس الشرود وسهولة قيادتها.

جهاد النفس وجهاد العدو :

إن هذا الجهاد هو المقدمة الطبيعية والتمهيد الذي لابد منه لجهاد أكبر وهو جهاد الأعداء والانتصار على اليهود ، ويشهد لهذا قول عبدالله بن عمر لمن سأله عن الجهاد : " ابدأ بنفسك فجاهدها ، وابدأ بنفسك فاغزُها " .

يا من يجاهد غازيا أعداء ديـ ـن الله يرجو أن يُعان ويُنصرا

هلا غشيت النفس غزوا إنها أعدى عدوِّك كي تفوز وتظفرا

مهما عُنيتَ جهادها وعنادها فلقد تعاطيتَ الجهاد الأكبرا

قال ابن القيِّم شارحا قول ابن عمر :

" ولما كان جهاد أعداء الله في الخارج فرعا على جهاد العبد نفسه في ذات الله ، كما قال النبي :

 « المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله » كان جهاد النفس مُقدَّما على جهاد العدو في الخارج وأصلا له ، فإنه ما لم يجاهد نفسه أولا لتفعل ما أُمِرت به ، وتترك ما نُهيت عنه ويحاربها في الله لم يمكنه جهاد عدوه في الخارج ، فكيف يمكنه جهاد عدوه والانتصاف منه؟! وعدوه الذي بين جنبيه قاهر له متسلط عليه لم يجاهده ولم يحاربه في الله ؛ بل لا يمكنه الخروج إلى عدوه حتى يجاهد نفسه على الخروج " .

بل إن جهاد النفس في رأي ابن القيم أصعب من جهاد العدو. قال وهو يحاو أن يقنعنا بصحة مذهبه وصواب رأيه :

" اعلم أنه إنما كان جهاد النفس أكبر من جهاد الأعداء ؛ لأن النفس محبوبة وما تدعو إليه محبوب ، لأنها لا تدعو إلا إلى ما تشتهي ، وموافقة المحبوب في المكروه محبوبة ، فكيف إذا دعا إلى محبوب؟!

فإذ عُكِست الحال وخولف المحبوب فيما يدعو إليه من المحبوب اشتدَّ الجهاد وصَعُب الأمر، بخلاف

جهاد الكفار فإنَّ الطباع تُحْمَل على خصومة الأعداء

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والستون في موضوع

(القوي ) وهي بعنوان : مضاعفات القوة :

1- الصبر الدائم :

النفس ملولة والمواظبة على الأعمال الصالحة يحتاج منها إلى قوة وصبر ،ولهذا ربطت كثير من الأحاديث بين المواظبة على الأعمال ودخول الجنة ، فمثلا :

« خصلتان أو خلتان لا يحافظ عليهما عبد مسلم إلا دخل الجنة وهما يسير ومن يعمل بهما قليل : يُسبِّح الله في دبر كل صلاة عشرا ويحمده عشرا

ويكبِّره عشرا ، وذلك خمسون ومائة باللسان وألف وخمسمائة في الميزان ، ويكبِّر أربعا وثلاثين إذا أخذ مضجعه ، ويحمد ثلاثا وثلاثين ويسبِّح ثلاثا وثلاثين ، فذلك مائة باللسان وألف في الميزان ».

ثمن الجنة إذن ليس برخيص بل هو في المحافظة الدائمة ، وليس بمجرد عمل يوم أو يومين أو شهر أو شهرين ، فالصبر على العمل والمواظبة عليه يقابلها الله بأعظم الجزاء لصعوبتها على النفس وانقطاع أكثر الناس عنها.

2- صبر التميُّز والانفراد : وهذه نماذج للصبر الذي أعنيه :

يعمل بين أناس لا يصلون ويصلي وحده.

يتعفَّفُ عن مال فيه شبهة بين رهط لا يتورعون عن المال الحرام.

يصوم تطوعا بين قوم لا يصومون ، وإن صاموا لا يحفظون صيامهم مما يفسده.

يذكر الله في رفقة غافلة.

يغض بصره في من يجرحون بأبصارهم ويخدشون الحياء بأفعالهم.

يدعو من حوله إلى النجاة وهم يدعونه إلى النار.

فالصبر على هذا وعدم الانجرار مع التيار المضاد يضمن لصاحبه أعظم الثواب عند الله ، ولذا وردت الآثار بفضل ذكر الله في الغافلين ، وأكَّد النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى فقال : « عبادة في الهرج والفتنة كهجرة إليَّ » .

والهرج هو وقت الفتن واختلاط الأمور حيث يخف أمر الدين ويقلُّ الاعتناء به ولا يبقى لأحد اعتناء الا بأمر معاشه ودنياه ، ومن ثم عظم قدر العبادة أيام الفتنة وكثر ثوابها حتى ساوى ثواب الهجرة بعنائها ومشاقها.

3- صبر الزمن الصعب :

فلا شك أن الصبر على الطاعات والصبر عن الشهوات في هذا الزمن الذي انتشرت فيه الفتن يعتبر أكثر ثوابا وأعلى مقاما ، حيث تعرض الفاحشة نفسها جهارا نهارا ، ولم تعد تتوارى حياء ولا خوفا ، مما ينزع كراهية الحرام من القلب ويغرس حب الحرام بدلا منه.

أضف إلى هذا قلة الأعوان على الخير ، ثم تواري العلماء والمصلحين خوفا أو ورعا ، ثم غياب التقوى في من يحيط بك وجرأتهم على السوء والعصيان ، ومن هنا عظم أجر المهتدي ونال غاية الثواب.

4- صبر الشباب :

فالصبر في هذه المرحلة العمرية التي تشتد فيها قوة النفس الأمارة بالسوء وتشتعل الشهوة الجموح وتنفتح أبواب الإغراءات على مصراعيها وتتنوع الملهيات وتعرض نفسها على الراغبين كل ساعة فوق طبق من ذهب ، وأين هذا من صبر الشيخ الذي نامت شهوته وسكن هواه.

وليس معنى كلامي أن المطلوب من الشباب اليوم أن يطلق شهوته وينسى غريزته ، بل المطلوب أن

يكظم النفس عنها رجاء ما هو أحلى في الجنة ، أو يصبر عنها حراما حتى ييسِّرها الله له حلالا ، وذلك في مقابل الأجر العظيم والجزاء الذي لا يوصف ، لأن لكل شيء مقابل ، والمقابل عند الله لا حدود له ولا نهاية لفضله.

سُئل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، عن قوم يشتهون المعصية ولا يعملون بها ، فأجاب بقول القرآن : " أولئك قوم امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم " .

ومن الأجر العظيم أن تكون في ظل العرش يوم القيامة ، ومن هنا استحق السبعة المذكورون في الحديث الصحيح أن يظلهم الله في ظل عرشه وذلك لكمال صبرهم ومشقته ، فالإمام العادل : صبر في حكمه حالة رضاه وغضبه ، والشاب الذي نشأ في طاعة الله : صبر على العبادة في ظل مغريات العصر ومخالفة هواه ، و الرجل الذي قلبه معلَّق بالمساجد : صبر على ملازمته والمكوث فيه ، والمتصدِّق بيمينه حتى أخفاها عن شماله : صبر على الرياء وحب محمدة الناس ، والمتحابين في الله في اجتماعهما وافتراقهما : صبرا على طاعة الله ، والباكي من خشية الله : صبر على كتمان ذلك وعدم إظهاره للناس.

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والستون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : مضاعفات القوة :

5- الصبر على ما تم اعتياده :

قال ابن القيِّم :

" فإن للعادة طبيعة خاصة ، فاذا انضافت الشهوة إلى العادة تظاهر جندان من جند الشيطان ، فلا يقوى باعث الدين على قهرهما " .

ويكون للصبر هنا أعظم الدور في علاج الإدمان بكل أنواعه : إدمان سماع الغناء أو إدمان مشاهدة المواقع الإباحية أو أكل الرشوة أو ترك الصلاة أو الوقوع في أعراض الخلق ، فإن كل هذه سيئات من اعتادها مع مرور الأيام صعب عليه التحوُّل عنها ، ومن فارقها وصبر على مفارقتها بعد أن اعتادها كان له عند الله الجزاء الأوفى على ما لقيه من عناء وقاساه من بلاء.

ويضرب ابن القيِّم مثلا حيا لذلك حين يتناول معاصي الفرج واللسان بقوله :

" الصبر عن معاصي اللسان والفرج من أصعب أنواع الصبر لشدة الداعي إليهما وسهولتهما ، فإن معاصي اللسان فاكهة الإنسان كالنميمة والغيبة والكذب والمراء والثناء على النفس تعريضا وتصريحا وحكاية كلام الناس والطعن على من يبغضه ومدح من يحبه ونحو ذلك ، فتتفق قوة الداعي وتيسر حركة اللسان فيضعف الصبر ، ولا سيما اذا صارت المعاصي اللسانية معتادة للعبد ، فإنه يعِزُّ عليه الصبر عنها ، ولهذا تجد الرجل يقوم الليل ويصوم النهار ويتورَّع عن استناده إلى وسادة حرير لحظة

 واحدة ، ويطلق لسانه في الغيبة والنميمة والتفكُّه في أعراض الخلق " .

6- أشق الصبر :

قال ابن القيم :" مشقة الصبر بحسب قوة الداعي إلى الفعل وسهولته على العبد ، فإذا اجتمع في الفعل هذان الأمران كان الصبر عنه أشق شيء على الصابر ، وإن فُقِدا معا سهل الصبر عنه ، وإن وُجِد أحدهما وفُقِد الآخر سهل الصبر من وجه وصعب من وجه ، فمن لا داعي له إلى القتل والسرقة وشرب المسكر وأنواع الفواحش ولا هو سهل عليه فصبره عنه من أيسر شيء عليه وأسهله ، ومن اشتد داعيه إلى ذلك وسهل عليه فعله فصبره عنه أشق شيء عليه ، ولهذا كان صبر السلطان عن الظلم ، وصبر الشباب عن الفاحشة ، وصبر الغنى عن تناول اللذات والشهوات عند الله بمكان " .

فمن أشق الصبر الذي يحتسب به العبد أعظم الأجر : رجل فقير في شدة الاحتياج إلى المال تُعرض

عليه الرشوة فيأبى ، وشاب في عنفوان الشباب يعيش في الغربة وتُعرض عليه الفاحشة فيأبى ، وامرأة

 كثيرة الكلام دخلت في خصومة مع جارة لها ثم جلست مع من يقع في جارتها فتصون لسانها وتأبى.

7- الصبر عند مواسم الجزر :

الشيطان يتحيَّن لحظات الفتور عند العبد ، ولن يجرؤ على مواجهة جيش قلبك عند اشتداد هجمة الإيمان عليه ، بل يتربص حتى تحين استراحة مقاتل ، وعند إخلادك إلى الراحة يبدأ الانقضاض عليك ، ومن صبر عند مواسم الفتور ونوبات ضعف الإيمان عن شهوة محرَّمة ، أو عن ذنب خلوة ، أو عن صحبة سوء ، أو عن لقمة شهوة كان أجر صبره هو الأعلى وإيمانه الأقوى ، وكان في ذلك دلالة على قوة قلبه ولو في لحظات ضعفه ، ومجاهدته لنفسه حتى عند أوقات فتوره.

8- قوة الصبر الثلاثية :

من الناس من يشقُّ عليه الصبر على الطاعة ، وبعضهم بالعكس تسهل الطاعة عليه ، لكن ترك المعصية عليه شاق ، وبعض الناس يسهل عليه الصبر على الطاعة والصبر عن المعصية ، لكنه ضعيف الصبر عند المصائب فيجزع ، وأعظم الصابرين من عرف الأنواع الثلاثة : ذاق الطاعة فواظب عليها ، وذاق المعصية فعافها ، ونزل به البلاء فاستقبله استقبال الأبطال.

9- الصبر على ما بعد الصبر :

قد يصبر الإنسان على العمل الصالح حتى يؤديه ، لكنه يُعجب بعمله ويُتبِعه بالمنِّ فيكون هذا أضر عليه من كثير من المعاصي ، فمن الصبر عدم إبداء

الصبر كما أن من الإخلاص إخفاء الإخلاص ، فمن صبر عن الحرام وجعل ذلك سرا بينه وبين ربه لم يُفشه أوتي أجره مرتين : ثواب الصبر وثواب الإخلاص ، وقد حقق هذين الأجرين كثير من الصالحين ولا يزالون ، فعن أبي عبدة العبدري :

" لما هبط المسلمون المدائن وجمعوا الغنائم أقبل رجلٌ بحُقٍّ معه ، فدفعه إلى صاحب الأقباض (بيت المال) ، فقال الذين معه : ما رأينا مثل هذا قط ما يعدله ما عندنا ولا يقاربه ، فقالوا له : هل أخذت منه شيئا؟! فقال : أما والله لولا الله ما أتيتكم به ، فعرفوا أن للرجل شأنا ، فقالوا : من أنت؟! فقال : لا والله لا أخبركم لتحمدوني ، ولا غيركم ليُقرِّظوني ، ولكني أحمد الله وأرضى بثوابه ، فأتبعوه رجلا حتى انتهى إلى أصحابه ، فسأل عنه فإذا هو عامر بن عبد قيس " .[ الأنترنت – موقع الكلم الطيب  -قوة التحمل]

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والستون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * الدعوة والقوة :

استخلف الله سبحانه وتعالى الإنسان في هذا الكون دون سائر خلقه؛ لما حباه الله من تفضيل وتكريم عليهم، وزوده بالعقل والتفكير الذي يمكنه من السيادة على الكون، وتسخير ما فيه من قوى طبيعية، وثروات وإمكانيات، من أجل خدمته وراحته ومنفعته وتقدمه ورقيه، قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد:25].

وقد بينت الآية أن الناس ثلاثة أصناف، وكلُّ واحدٍ من الكتاب والميزان والحديد علاجُ قومٍ؛ فالخواص أهل القريحة النافذة والفطنة القوية، الخالية بواطنهم من التقليد والتعصب، فهؤلاء علاجهم بالميزان، وهو ما رسمه القرآن في الجدل الإبراهيمي الذي فيه الحجة البالغة.

والعامة الذين ليس لهم فطنة لفهم الحقائق، وإن كانت لهم فطنة فطرية، فليس فيهم داعية الطلب ولا داعية الجدل، وهؤلاء ليس الخوض في الخلافات

من عشهم، فهؤلاء لهم الاعتقاد، وما في الكتاب من أصول وفروع، من غير أن يشغلوا أنفسهم بمواقع الخلاف، ويكفيهم معرفة الفرائض، وما اتفقت عليه الأمة من الحلال والحرام.

ومن هؤلاء قوم هم أهل الجدل، فيرى الغزالي علاجهم بالتلطف إلى الحق، من غير تعصب عليهم أو

تعنيف لهم، وإنما يعالجون بما قال الله سبحانه: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125].

وبقي الحديد الذي فيه بأس شديد، وهو علاج الصنف الثالث، وهم الذين يتبعون ما تشابه من الكتاب ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله[داعية التوحيد محمد بن عبد الوهاب، ص33.]

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «فذكر تعالى أنه أنزل الكتاب والميزان، وأنه أنزل الحديد لأجل القيام بالقسط؛ وليعلم الله من ينصره ورسله، ولهذا كان قوام الدين بكتاب يهدي وسيف ينصر، {وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} [الفرقان:31][ مجموع فتاوى ابن تيمية (10/13).]، وقال: فكان المقصود الأكبر بذكر الحديد هو اتخاذ آلات الجهاد منه؛ كالسيف والسنان والنصل، وما أشبه ذلك الذي به ينصر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم»[ المصدر السابق (12/253).]

فأخبر أنه أرسل الرسل وأنزل الكتاب والميزان لأجل قيام الناس بالقسط، وذكر أنه أنزل الحديد الذي به ينصر هذا الحق، فالكتاب يهدي والسيف ينصر؛ {وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} [الفرقان:31]، ولهذا كان قوام الناس بأهل الكتاب، الذي هو القرآن، وأهل الحديد، كما قال من قال من السلف: «صنفان إذا صلحوا صلح الناس: العلماء والأمراء»، وقالوا في قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59]، أقوال العلماء والأمراء.

فالدين الحق لا بد فيه من الكتاب الهادي والسيف الناصر، كما قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد:25].

فبين سبحانه وتعالى أنه أرسل الرسل بالبينات، وهي الحجج والبراهين الساطعة التي يوضح الله بها الحق، ويدفع بها الباطل، وأنزل مع الرسل الكتاب الذي فيه البيان، والهدى والإيضاح، وأنزل معهم الميزان، وهو العدل الذي ينصف به المظلوم من الظالم، ويقام به الحق، وينشر به الهدى، ويعامل الناس على ضوئه بالحق والقسط، وأنزل الحديد فيه بأس شديد، فيه قوة وردع وزجر لمن خالف الحق، فالحديد لمن لم تنفع فيه الحجة وتؤثر فيه البينة، فهو الملزم بالحق، وهو القامع للباطل، ولقد أحسن من قال في مثل هذا:

وما هو إلاَّ الوحي أو حد مرهف  ***     تزيل ضـباه أخـدعي كـل مائل

فهـذا شفـاء للقـلوب مـن الـعمى   ***    وهذا شفاء العي من كل جاهل

فالعاقل ذو الفطرة السليمة ينتفع بالبينة، ويقبل الحق بدليله، أما الظالم التابع لهواه فلا يردعه إلا السيف.

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والستون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * الدعوة والقوة :

ولا يخفى على العاقل البصير أن القوة المادية لها أهمية عظيمة في نشر الدعوات والأفكار مع القوة

المعنوية والحجج والبراهين، فإن أي دعوة إذا لم يكن لديها من القوة ما يحميها، ويذود عنها سرعان ما تتكالب عليها قوى الشر والطغيان حتى تستأصل خضراءها، وتظهر هذه الأهمية من قوله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد:25]، وكذلك قوله: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} [الإسراء:81].

قال قتادة فيها: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم لا طاقة له بهذا الأمر إلا بسلطان، فسأل سلطانًا نصيرًا لكتاب الله ولحدود الله ولفرائض الله، ولإقامة دين الله، فإن السلطان رحمة من الله جعله بين أظهر عباده، ولولا ذلك لأغار بعضهم على بعض فأكل شديدهم ضعيفهم.

قال ابن كثير: وهو الأرجح؛ لأنه لا بد مع الحق من قهر لمن عاداه وناوأه[ تفسير ابن كثير (3/64).]

قال ابن القيم رحمه الله عند قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هي أَحْسَنُ} [النحل:125]: «جعل الله سبحانه وتعالى مراتب الدعوة بحسب مراتب الخلق، فالمستجيب القابل الذكي، الذي لا يعاند الحق ولا يأباه، يدعى بطريق الحكمة، والقابل الذي عنده نوع غفلة وتأخر يدعى بالموعظة الحسنة، وهي الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب، والمعاند الجاحد يجادل بالتي هي أحسن»[ مفتاح دار السعادة، لابن القيم (1/153).] والنص يقول: {وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ} بوصفهم وحدة، وبوصف الكتاب وحدة كذلك، إشارة إلى وحدة الرسالة في جوهرها، {وَالْمِيزانَ} مع الكتاب، فكل الرسالات جاءت لتقر في الأرض وفي حياة الناس ميزانًا ثابتًا ترجع إليه البشرية؛ لتقويم الأعمال والأحداث والأشياء والرجال، وتقيم عليه حياتها في مأمن من اضطراب الأهواء واختلاف الأمزجة، وتصادم المصالح والمنافع، ميزانًا لا يحابي أحدًا؛ لأنه يزن بالحق الإلهي للجميع، ولا يحيف على أحد؛ لأن الله رب الجميع.

هذا الميزان الذي أنزله الله في الرسالة هو الضمان الوحيد للبشرية من العواصف والزلازل والاضطرابات، والخلخلة التي تحيق بها في معترك الأهواء ومضطرب العواطف، ومصطخب المنافسة وحب الذات، فلا بد من ميزان ثابت يثوب إليه البشر، فيجدون عنده الحق والعدل والنصفة بلا محاباة، {لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}، فبغير هذا الميزان الإلهي الثابت في منهج الله وشريعته لا يهتدي الناس إلى العدل، وإن اهتدوا إليه لم يثبت في أيديهم ميزانه، وهي تضطرب في مهب الجهالات والأهواء! {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ}[ في ظلال القرآن، سيد قطب (الحديد:25).]

قال العتبي: كان يختلج في صدري أن في الجمع بين الكتاب والميزان والحديد تنافرًا، وسألت عنه فلم أحصل على ما يزيح العلة وينقع الغلة، حتى أعملت التفكر، فوجدت الكتاب قانون الشريعة، ودستور الأحكام الدينية، يتضمن جوامع الأحكام والحدود، وقد حظر فيه التعادي والتظالم، ودفع التباغي والتخاصم، وأمر بالتناصف والتعادل، ولم يكن يتم إلا بهذه الآلة، فلذا جمع {الْكِتابَ وَالْمِيزانَ}، وإنما تحفظه العامة على اتباعها بالسيف، وجذوة عقابه، وعذاب عذابه، وهو الحديد الذي وصفه الله

بالبأس الشديد.

فجمع بالقول الوجيز، معاني كثيرة الشعوب، متدانية الجنوب، محكمة المطالع، مقومة المبادئ والمقاطع.

قال القاسمي: لا يحصل كمال الشخص إلا بالعلم والعمل، ولا كمال النوع إلا بالسيف والقلم، أما الأول فظاهر، وأما الثاني فلأن الإنسان مدني بالطبع،

محتاج إلى التعامل والتعاون، لا تمكن معيشته إلا بالاجتماع، والنفوس إما خيّرة أحرار بالطبع، منقادة للشرع، وإما شريرة عبيد بالطبع آبية للشرع، فالأولى يكفيها في السلوك طريق الكمال، والعمل بالعدالة واللطف وسياسة الشرع، والثانية لا بد لها من القهر وسياسة الملك[ محاسن التأويل، للقاسمي (2/417).]

فمن عدل عن الكتاب قوم بالحديد؛ ولهذا كان قوام الدين بالمصحف والسيف، وقد روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نضرب بهذا، يعني السيف، من عدل عن هذا، يعني المصحف[ مجموع الفتاوى (28/263).]

فإن السيوف عز لأهلها وسلطان، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم»[رواه أحمد (5114).].، فبالسيف الناصر والكتاب الهادي عز الإسلام وظهر في مشارق الأرض ومغاربها.

والسيف من أعظم ما يعتمد في الحرب عليه، ويرهب به العدو، وبه ينصر الدين ويذل الله الكافرين، والذمي ليس من أهل حمله والعز به.

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السبعون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * الدعوة والقوة :

إن دين الإسلام إنما يقوم بالعلم الشرعي، والجهاد، والقوة، والسلاح، والحديد، فكل واحد منهما يمد الآخر بمعونة العزيز الحميد، أما ترون أهون الأمم حين أهمل المسلمون هذه الأوامر قد استولوا على كثير من أوطانهم، ولا يزالون طامعين فيها إن بقوا على تفرقهم وتخاذلهم وهوانهم.

فالجهاد في سبيل الله ذروة سنام الدين، و«من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق»[ أخرجه مسلم (1910)]، قال تعالى: {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء:104].

وتحمل الدعوة الإسلامية ميزانًا دقيقًا للحقوق والواجبات حسب الشريعة، فلا يجوز التفريط فيها أو التخلي عنها، فهي منحة إلهية للبشرية، وقد اقتضى

تطبيق تلك التعاليم جهادًا وبذلًا منذ نزول الوحي حتى استقرت دولة الإسلام، فلولا الجهاد لما قضي على الشرك وطابع الحياة الجاهلية، ولما استقرت معاني العقيدة وقيم الإسلام الاجتماعية ومضامينه الخلقية في نفوس الملايين.

والعدل الشامل يمتد إلى المسلم والذمي والكافر، والأغنياء والفقراء، والأقوياء والضعفاء، والرجال والنساء، حيث تتحدد حقوق الجميع وفق موازين العدل دون احتكار أو استغلال أو استئثار أو ظلم: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ} [النحل:90][موسوعة نضرة النعيم (1/210).]

والمناسبة ظاهرة بين الجهاد والدعوة؛ لأن الدعوة لا بد أن تسبق الجهاد، إن حصلت الاستجابة بها ونعمت، وهذا هو المطلوب، وإن لم تحصل تأتي المرحلة الثانية وهي الجهاد.

واستخدام القوة يكون بالكلام، وبالتأديب لمن له سلطة وقوة، وبالجهاد في سبيل الله تعالى تحت

لواء ولي أمر المسلمين، بالشروط التي دلّ عليها الكتاب والسنة، وهذا ما يقتضيه مفهوم الحكمة

الصحيح؛ لأنها وضع الشيء في موضعه اللائق به بإحكام وإتقان وإصابة.

ويزيد ذلك وضوحًا وبيانًا ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي أعطاه ربه من الحكمة ما لم يعط أحدًا من العالمين، فقد كان يضع العلم والتعليم والتربية في مواضعها، والموعظة في موضعها، والمجادلة بالتي هي أحسن في موضعها، والقوة والغلظة والسيف في مواضعها، وهذا من أحكم الحكم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التحريم:9]، وهذا عين الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى.

وأصناف المدعوين من الملحدين، والوثنيين، وأهل الكتاب، وغيرهم من الكفار إذا لم يؤثر فيهم ما تقدم من حكمة القول في دعوتهم، ولم يستفيدوا من حكمة القول العقلية، والحسية، والنقلية، والبراهين المعجزة، والجدال بالتي هي أحسن، وأعرضوا وكذبوا، فحينئذ يكون آخر الطب الكي، وهو استخدام القوة؛ فإن لها الأثر العظيم في نشر الدعوة، وقمع الباطل وأهله، ونصر الحق وأهله، قال

تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد:25].

فبين سبحانه أنه أرسل الرسل عليهم الصلاة والسلام بالبينات، وهي المعجزات، والحُجج الباهرات، والبراهين السَّاطعات، والدلائل القاطعات، التي يوضح الله بها الحقّ، ويدفع بها الباطل، وأنزل مع الرسل الكتاب الذي فيه البينات والهدى والإيضاح، وأنزل معهم الميزان، وهو العدل في الأقوال والأفعال، الذي يُنصَف به المظلوم من الظالم، ويقام به الحق، ويعامل الناس على ضوئه بالحق، وأنزل الحديد فيه قوة وردع وزجر لمن خالف الحق، فالحديد لمن لم تنفع فيه الحجة والبرهان وتؤثر فيه البيّنة، فهو الملزم بالحق، والقامع للباطل بإذن الله تعالى[كيفية دعوة الوثنيين إلى الله تعالى، د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني، ص43-46.]

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والسبعون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * الدعوة والقوة :

وما أحكم ما قاله الآخر:

دعا المصطفى دهرًا بمكة لم يجب   ***    وقـد لان منه جانب وخطاب

فلمـــا دعـــا والسـيف صـلت بكفه   ***    له أسلموا واستسلموا وأنابوا

إن التاريخ يحدثنا أن المبادئ أو الأفكار لا بد لها من قوة تسندها لتستقر استقرارًا نهائيًا في المجتمعات البشرية، فالدين المسيحي مثلًا لم يستقر كدين لأمة لو بقى على مبدئه الأول في المعاملة، من ضربك على خدك الأيسر أدر له خدك الأيمن، لو لم يجد من يسنده بالقوة؛ كالملك قسطنطين وأمثاله.

أما الدين الإسلامي فهذه المسألة لا تضمن انتشاره ولا انتصاره، وليس ذلك من طبعه ولا من

عقيدته؛ لأنه يريد أن يكون قويًا عزيزًا، وموقفه من الجماعات الأخرى أن يدخلوا في السلم والإسلام الذي دعاهم إليه، أو يقبلوا حمايته ويكونوا تحت ذمته وهم على ديانتهم، أو يكونوا معه في حرب تنتهي بانتصار أحد الفريقين، والمسلم إما أن يعيش سيدًا سعيدًا أو يموت شهيدًا مجيدًا، فهو كما قال الشاعر العربي أبو فراس :

ونحــن أنــاس لا توســط بيننــا   ***    لنــا الصــدر دون العالميــن أو القبــر

وقد فاه المنافقون في عهد الرسول بأنهم أعزة، وأن الرسول، في زعمهم الفاسد، لم يكن بهذه الصفة، وأنهم يستطيعون إخراجه من المدينة، كما حكى الله عنهم ذلك في قوله: {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} [المنافقون:8]، والحقيقة أن الأعز يخرج الأذل، ولكن الأعز هو الله ورسوله والمؤمنون، {وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}، فالمؤمنون هم الذين يمكنهم إخراج المنافقين لأنهم الأعزة، أما الأذلة لا تفسح له مجال نشر دعوته، ولا تضمن انتشاره ولا انتصاره، وليس تلك المسألة إلى حد الصفع من توجيهاته الحيوية، التي ترمي في جوهرها إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما قال الله في وصف المؤمنين: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} [الحج:41].

وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم كيفية تغيير المنكر حيث قال: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان»[ رواه مسلم (49)].، فأمر النبي بتغيير المنكر باليد، وبين أن الانتقال من التغيير باليد إلى التغيير باللسان مشروط بعد استطاعة تغييره باليد، والمنكر قد يكون صادرًا عن شخص كما يكون صادرًا عن جماعة، وما عجز عن تغييره الفرد لا تعجز عنه الجماعة، وقد كانت قريش عقدت بينهما حلفًا في الجاهلية يسمى حلف الفضول، يضمن نصرة كل مظلوم بمكة، حيث تعاهدت على ألا تجد بمكة مظلومًا من أهلها وغيرهم، ممن دخلها من سائر الناس، إلا قاموا معه، وكانوا على من ظلمهم حتى ترد عليه مظلمته.

وقد كان الإسلام يريد أن يظهر أمام أعدائه بمظهر القوة والعزة لا بمظهر الضعف والذلة، في كل مرحلة من مراحل كفاحه.

ومن أروع ذلك الاستعراض الذي وقع يوم فتح مكة، حسبما رواه ابن هشام في السيرة، أنه بعد ما أجار العباس بن عبد المطلب أبا سفيان حتى أسلم، قال العباس: قلت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل يحب الفخر؛ فاجعل له شيئًا، قال: «نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن»، فلما ذهب لينصرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عباس، احبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل، حتى تمر به جنود الله فيراها»، قال: فخرجتُ به حتى حبسته حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أحبسه، قال: ومرت القبائل على راياتها، كلما مرت قبيلة قال: «يا عباس، من هذه؟»، فأقول: سليم، فيقول: «مالي ولسليم»، ثم تمر القبيلة فيقول: «مالي ولمزينة»، حتى نفذت القبائل، ما تمر به قبيلة إلا يسألني عنها، فإذا أخبرته بهم قال: «مالي ولبني فلان»، حتى مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء، قال ابن هشام: وإنما قيل لها الخضراء لكثرة الحديد وظهوره فيها، قال ابن إسحاق: فيها المهاجرون والأنصار، لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد.

فقال أبو سفيان: سبحان الله، يا عباس، من هؤلاء؟ قال: قلت: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار، قال: ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة، والله يا أبا الفضل، لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيمًا، قال: قلت: يا أبا سفيان، إنها النبوة، قال: نعم إذن[ السيرة النبوية، لابن هشام (2/404).]

فهذا اعتراف خطير من قائد حربي محنك هو أبو سفيان، القائد العام للمشركين في معركة أحد، وفي غزوة الأحزاب.

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والسبعون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * الدعوة والقوة :

يقول عبد الواحد المراكشي، في شأن إنقاذ يوسف بن تاشفين وأصحابه للأندلس، بعد أن كاد ملوك الطوائف المتخاذلين يسلمونها للأعداء، بما فيهم المعتمد بن عباد، قال: لم يزل أصحاب يوسف بن تاشفين يطوون تلك الممالك مملكة مملكة، إلى أن دانت لهم الجزيرة بأجمعها، فأظهروا في أول أمرهم من النكاية في العدو والدفاع عن المسلمين وحماية الثغور؛ ما صدق بهم الظنون، وأثلج الصدور، وأقر العيون، فزاد حب الأندلس لهم، واشتد خوف ملوك الروم منهم، ويوسف بن تاشفين في ذلك كله يمدهم في كل ساعة بالجيوش بعد الجيوش، والخيل إثر الخيل.

ويقول في كل مجلس من مجالسه: إنما كان غرضنا من ملك هذه الجزيرة أن نستنقذها من أيدي الروم، لما رأينا استيلاءهم على أكثرها، وغفلة ملوكهم، وإهمالهم للغزو، وتواكلهم وتخاذلهم وإيثارهم الراحة، وإنما همة أحدهم كأس يشربها، وقينة تُسمعه، ولهو يقطع به أيامه، ولئن عشت لأعيدن جميع البلاد التي ملكها الروم في طول هذه الفتنة إلى المسلمين، ولأملانها عليهم (يعني الروم) خيلًا ورجالًا لا عهد لهم بالدعة، ولا علم عندهم برخاء العيش، وإنما همة أحدهم فرس يروضه ويستنفره، أو سلاح يستجيده، أو صريخ يلبي دعوته.

في أمثال لهذا القول؛ فيبلغ ذلك ملوك النصارى فيزداد فرقهم، ويقوى، مما بأيدي المسلمين؛ بل مما بأيديهم، يأسُهم.

وحين ملك يوسف أمير المسلمين جزيرة الأندلس وأطاعته بأسرها، ولم يختلف عليه شيء منها عد من يومئذ في جملة الملوك، واستحق اسم السلطة، وتسمى هو وأصحابه بالمرابطين، وصار هو وابنه معدودين في أكابر الملوك، ونفس هذه الروح العسكرية كانت لعبد المؤمن، مؤسس دولة الموحدين بالمغرب، يحكي لنا عبد الواحد المراكشي ذلك حيث يقول: وكان عبد المؤمن في نفسه سري الهمة، نزيه النفس، شديد الملوكية، لا يرضى إلا بمعالي الأمور. أخبرني الفقيه المتفنن أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن أبي جعفر الوزير عن أبيه عن جده الوزير أبي جعفر قال: دخلت على عبد المؤمن وهو في بستان له، قد أينعت ثماره، وتفتحت أزهاره، وتجاوبت على أغصانها أطياره، وتكامل من كل جهة حسنه، وهو قاعد في قبة مشرفة على البستان، فسلمت وجلست، وجعلت أنظر يمنة وشأمة، متعجبًا مما أرى من حسن ذلك البستان، فقال لي: يا أبا جعفر، أراك كثير النظر إلى هذا البستان، فقلت: يطيل الله بقاء أمير المؤمنين، والله، إن هذا المنظر حسن، فقال: يا أبا جعفر، المنظر الحسن هذا؟ قلت: نعم، فسكت عني.

فلما كان بعد يومين أو ثلاثة أمر بعرض العسكر آخذي أسلحتهم، وجلس في مكان مطل، وجعلت العساكر تمر عليه قبيلة بعد قبيلة، وكتيبة إثر كتيبة، لا تمر كتيبة إلا والتي بعدها أحسن منها؛ جودة سلاح، وفراهة خيل، وظهور قوة، فلما رأى ذلك، التفت إلي وقال: يا أبا جعفر، هذا هو المنظر الحسن، لا ثمارك وأشجارك، ولم يزل عبد المؤمن يطوي الممالك مملكة مملكة، ويدوخ البلاد، إلى أن دانت له البلاد وأطاعته العباد[ المعجب في تلخيص أخبار المغرب، للمراكشي، ص123.]

وهكذا كان الشأن في الشرق أيام صلاح الدين، الذي استنقذ البلاد من الصليبيين، وأيام الخلافة العثمانية وتوغلهم في تخوم أوربا، ولكن دار الزمان دورته، فرجحت في الوزن الدولي كفة أقوام وشالت كفة الآخرين، طبق ما نطق به الذكر الحكيم: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140].

ورغم أن الحق منصور من داخله بأدلته وبراهينه، فلا بد له من قوة خارجية، لا لكي يفرض ‏بها نفسه على الناس، وإنما يحتاج إليها لأمرين: الأول: لكي تدافع عنه ضد عدوان المعتدين، وصيال ‏الصائلين، الذين ختم الله تعالى على قلوبهم، وأصبح نهجهم العناد والمكابرة، والعدوان على المخالفين.

الثاني: جهاد الطغاة الظالمين، الذين يصدون الناس بما لديهم من سلطان وقوة عن الاستجابة ‏للنداء

الحق، ويصرفونهم عن اتباعه، ويجبرونهم جبرًا وقسرًا على البقاء على دينهم الفاسد، وعدم الإقبال ‏على

الدين الحق، ولأجل تلك الحقيقة شرع الله تعالى الجهاد.‏

 [ الأنترنت – موقع تيار الإصلاح - الدعوة والقوة - الكاتب : تيار الاصلاح ]

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة و السبعون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * القُـوَّة في السِّياسةِ الشَّرعِيَّةِ   :

مقدمة :فإن الإسلام هو الدين القيم، والدين الحق، ولابد للحق من قوة تحميه، فلا يثبت حق دون قوة، ولا تستقيم قوة دون حق؛ إذ الحق من دون قوة سيذهب هدرًا، ولن يستطيع أتباعه إقامته في واقع الناس، فالضامن لإقامة هذا الحق وترسيخه إنما هي القوة، والقوة من دون حق تكون قوة طائشة باغية طاغية، تبطش بالناس وتوقع بهم الظلم والقهر، فالعاصم لهذه القوة من الطيش والنزق

أن تنطلق محفوفة بالحق الذي يحجزها عن الانحراف والضلال.

وما أحوج ديننا اليوم إلى دولة تملك مقومات القوة الشاملة لتقوم بحمايته والذب عنه وإبرازه للإنسانية بما يحمله من مقومات، وما يتمتع به من خصائص،

وما جاء به من مشتركات إنسانية تصلح أن يتلاقى عليها البشر؛ ليتعارفوا، ويتآلفوا، ويقدم بعضهم لبعض ما ينفعهم، ويتجنبوا ما يضرهم ولا ينفعهم.

وقد أصبح عالمنا اليوم مليئا بالصراعات والحروب والقتل والتدمير؛ لأن كثيرا من الأمم يصدر عن القوة دون حق، وهذا هو الطرف الباغي، وأمم تحمل الحق من دون قوة، ومن هنا تحدث المفارقة وتقع المشكلات؛ إذ يضعف الحق عن القيام بمقتضياته، وتنزق القوة إلى طريق الضلال والانحراف.

وما أحوج الأمم جميعا على وجه العموم، والأمة المسلمة على وجه الخصوص، أن تقيم هذه الموازنة بين

الحق والقوة؛ فهذا وحده هو الضامن لأمنها، والحافظ لمقوماتها ومقدراتها، والناهض بأن تعاملها الأمم بندية وتقدير دون طغيان ولا إخسار.

والإسلام العظيم – بعقيدته وشريعته – يحمل في تصوراته وتشريعاته من الرحمة والسماحة ما لم يوجد في دين سماوي، ولا قانون أرضي؛ فليست القوة – كما سيأتي – تعني القسوة أو البطش أو السيف كما يريد البعض أن يسجنها في غياهب الماديات والقتل والتدمير، وإنما لها في اللغة والشرع معانٍ كثيرة تتنوع لتتناسب مع كل حال، وتستوعب كل واقع وجديد.

ومما لا شك فيه أن أرحب المجالات لإبراز القوة ووجودها هو مجال السياسة الشرعية بأنواعها، سواء كانت سياسة داخلية بين أفراد المجتمع وطبقاته، أم سياسة خارجية على المستويين: الإقليمي، والدولي؛ إذ القوة بالحق والحق بالقوة هي التي تسوس الناس، وتُنْفِذُ التشريعاتِ والأحكامَ والآداب.

من أجل هذا أردنا أن نتعرض في هذا البحث لموضوع مهم، وهو: “القوة في السياسة الشرعية:

عناصرها وضوابطها ومقاصدها”، وقد اقتضى أن يكون على النحو الآتي:

المبحث الأول: معنى القوة لغة واصطلاحا. المبحث الثاني: العلاقة بين السياسة الشرعية والقوة. المبحث الثالث: القوة في القرآن الكريم والسنة النبوية. المبحث الرابع: عناصر القوة ومجالاتها. المبحث الخامس: ضوابط القوة في السياسة الشرعية. المبحث السادس: مقاصد القوة في السياسة الشرعية.

والله تعالى أسأل أن يحقق لأمتنا الأمن والأمان والسلم والسلام بالقوة والحق معا، وأن يقيم لها أمر رشد تتعاون به مع البشرية على الخير والحق والعدل، إنه ولي ذلك والقادر عليه .. وهو السميع المجيب.

المبحث الأول: معنى القوة لغة واصطلاحا

تدور معاني مادة (ق و ي) في اللغة حول الطاقة والقدرة والجد والجوع والفقر والاحتباس والخلاء، جاء في المصباح المنير: قَوِيَ يَقْوَى فَهُوَ قَوِيٌّ، وَالْجَمْعُ أَقْوِيَاءُ، وَالِاسْمُ الْقُوَّةُ، وَالْجَمْعُ: الْقُوَى مِثْلُ غُرْفَةٍ وَغُرَفٍ، وَقَوِيٌّ عَلَى الْأَمْرِ، وَلَيْسَ لَهُ بِهِ قُوَّةٌ أَيْ طَاقَةٌ، وَالْقَوَاءُ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ الْقَفْرُ، وَأَقْوَى صَارَ بِالْقَوَاءِ، وَأَقْوَتْ الدَّارُ خَلَتْ [ المصباح المنير للفيومي: باب القاف مع الواو وما يثلثهما ]

وقال ابن منظور: القوّة من تأْليف ق و ي ولكنها حملت على فُعْلة فأُدغمت الياء في الواو كراهية تغير الضمة والفِعالةُ منها قِوايةٌ .. ونقل عن ابن سيده: القُوَّةُ نقيض الضعف، والجمع: قُوًى وقِوًى، وقوله عز وجل: “يا يحيى خُذِ الكتاب بقُوَّةٍ” أَي بِجِدّ وعَوْن من الله تعالى … وقد قَوِيَ الرجل والضَّعيف يَقْوَى قُوَّة فهو قَوِيٌّ وقَوَّيْتُه أَنا تَقْوِيةً وقاوَيْتُه فَقَوَيْتُه أَي غَلَبْته [ لسان العرب: 15/ 206. دار صادر. بيروت. مادة (ق و ا) ]

أما الزمخشري فيذكر معانيَ جديدةً من اشتقاقات الجذر وتعديته بطرق تعدية الفعل، فيقول: هو قويّ مقوٍ: قويّ الأصحاب والإبل. وقويَ على الأمر، وقوّاه الله، وتقوّى بفلان، وهو شديد القوّة والقوَى … وقاوى شريكه المتاع، وتقاووه بينهم وهو أن يشتروا شيئا رخيصًا ثم يتزايدوا حتى يبلّغوه غاية ثمنه فإذا استخلصه أحدهم لنفسه قيل: قد اقتواه. .. وتقاوينا الدّلو تقاويا إذا جمعوا شفاههم على شفتها فشرب كلّ واحد ما أمكنه. .. واقتوى شيئا بشيء: تبدّله به. .. وأقوى القوم: فني زادهم، وباتوا على القوى، وقويَ: جاع جوعاً شديداً، وإبل قاويات، وتقاوى فلان: بات قاويًا … وأقووا: نزلوا بالقفر. وأقوت الدار من أهلها. ونزلوا بالقواء والقيّ: بالقفر، وبات فلان القواء. وأقوى في شعره إقواءً [ أساس البلاغة: مادة (ق و ي)]

وفي المعجم الوسيط وردت معاني الطاقة والتحمل، ثم جاء فيه: وقوى جاع جوعا شديدا، والمطر احتبس، والحبل والوتر كان بعض قواه أغلظ من بعض فهو قو، والدار قوى وقواء وقواية خلت .. ( أقوى ) الرجل افتقر ونزل بالقفر ونفد طعامه وفني زاده وجاع فلم يكن معه شيء… ( قاويت ) فلانا غالبته في القوة فقويته غلبته. ( قوَّى ) الرجل أو الشيء أبدله مكان الضعف قوة. ( اقتوى ) كان ذا قوة أو جادت قوته، وعلى فلان عاتبه، والشيء اختصه لنفسه، وشيئا بشيء تبدل به، والشركاء المتاع بينهم تزايدوه حتى بلغ غاية ثمنه فأخذه بعضهم به .. ( تقاوى ) فلان بات قاويا… ( القاوي ) الجائع والآخذ. ( القاوية ) البيضة والسنة القليلة المطر. ( القواء ) القفر من الأرض، وأرض قواء: لا أحد فيها، ومنزل قواء: لا أنيس به، والأرض التي لم تمطر بين أرضين ممطورتين ( ج ) أقواء [ المعجم الوسيط: 2/ 768-769. مجمع اللغة العربية. طبعة دار الدعوة]

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والسبعون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * القُـوَّة في السِّياسةِ الشَّرعِيَّةِ   :

وأما القوة في الاصطلاح فقد جاء في المعجم الفلسفي: قوة: مصدر الحركة والعمل، ومنه قوة الروح،

وقوة الإرادة، وقوة التفكير[ المعجم الفلسفي: 149. مصطلح رقم (761). مجمع اللغة العربية. 1403هـ.

1983م، وانظر المعجم الفلسفي لجميل صليبيا: 2: 202-203. دار الكتاب اللبناني. 1982م.]

أما الإمام الجرجاني صاحب التعريفات – وكذلك المناوي صاحب التعاريف – فينحو منحى فلسفيًّا منطقيًّا مبينًا أنواع القوة، فيقول: القوة هي تمكن الحيوان من الأفعال الشاقة، فقوى النفس النباتية تسمى قوى طبيعية، وقوى النفس الحيوانية تسمى قوى نفسانية، وقوى النفس الإنسانية تسمى عقلية، والقوى العقلية باعتبار إدراكاتها للكليات تسمى القوة النظرية، وباعتبار استنباطها للصناعات الفكرية من أدلتها بالرأي تسمى القوة العملية …. ثم يتحدث عن القوى: الباعثة والفاعلة والعاقلة والمفكرة والحافظة والعقلية [ التعريفات للجرجاني: 231-232. دار الكتاب العربي. بيروت. 1405هـ، وانظر التعاريف للمناوي: 592-593. دار الفكر. دمشق. 1410هـ.]

وعرفها العلامة محمد الطاهر ابن عاشور بقوله: “حقيقتها: كمال صلابة الأعضاء لأداء الأعمال التي تراد منها”[ التحرير والتنوير: 10/ 44. طبعة الدار التونسية.]

وفي مقام آخر عند قوله تعالى من سورة الأعراف: ” وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ(145)”. يفصل ابن عاشور في حقيقة القوة جامعا بين معانيها اللغوية والاصطلاحية فيقول: والقوة حقيقتها حالة في الجسم يتأتى له بها أن يعمل ما يشق عمله في المعتاد، فتكون في الأعضاء الظاهرة، مثل: قوة اليدين على الصنع الشديد، والرجلين على المشي الطويل، والعينين على النظر للمرئيات الدقيقة. وتكون في الأعضاء الباطنة، مثل: قوة الدماغ على التفكير الذي لا يستطيعه غالب الناس، وعلى حفظ ما يعجز عن حفظه غالب الناس، ومنه قولهم: قوة العقل…

وسمى الحكماء الحواس الخمس العقلية بالقوى الباطنية وهي الحافظة، والواهمة، والمفكرة، والمخيلة، والحس المشترك؛ فيقال: فرس قوي، وجمل قوي على الحقيقة، ويقال: عود قوي، إذا كان عسير الانكسار، وأسس قوي، إذا كان لا ينخسف بما يبنى عليه من جدار ثقيل، إطلاقا قريبا من الحقيقة، وهاته الحالة مقول عليها بالتشكيك لأنها في بعض موصوفاتها أشد منها في بعض آخر، ويظهر تفاوتها في تفاوت ما يستطيع موصوفها أن يعمله من عمل مما هي حالة فيه، ولما كان من لوازم القوة أن قدرة صاحبها على عمل ما يريده أشد مما هو المعتاد، والأعمال عليه أيسر، شاع إطلاقها على الوسائل التي يستعين بها المرء على تذليل المصاعب مثل السلاح والعتاد، والمال، والجاه، وهو إطلاق كنائي قال تعالى: قالوا نحن أولوا قوة في سورة النمل [33] .

ولكونها يلزمها الاقتدار على الفعل وصف الله تعالى باسم القوي أي الكامل القدرة قال تعالى: إن الله قوي شديد العقاب في سورة الأنفال [52] .

والقوة هنا في قوله: فخذها بقوة تمثيل لحالة العزم على العمل بما في الألواح، بمنتهى الجد والحرص دون تأخير ولا تساهل ولا انقطاع عند المشقة ولا ملل، بحالة القوي الذي لا يستعصي عليه عمل يريده. ومنه قوله تعالى: يا يحيى خذ الكتاب بقوة في سورة مريم [12] [ التحرير والتنوير: 9: 99-100.

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والسبعون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : المبحث الثاني ] العلاقة بين السياسة الشرعية والقوة

السياسة الشرعية ابتداء هي – كما أورد ابن القيم عن ابن عقيل -: ما كان فعلا يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح ، وأبعد عن الفساد ، وإن لم يضعه الرسول – صلى الله عليه وسلم – ولا نزل به وحي [ الطرق الحكمية في السياسة الشرعية: 29. دار عالم الفوائد. 1428هـ.]

وقد تطور علم السياسة في الواقع المعاصر بحيث أصبح أكثر تخصصا بما لا ينصرف الذهن معه للمعنى السابق، فصار يطلق – من مجمل التعريفات المعاصرة له – على الدولة والسلطة فيها، يقول د. ثروت بدوي: وهناك اختلاف في تعريف السياسة في الاصطلاح المعاصر، حتى إنه ليصعب صياغة تعريف واحد يوافق عليه الجميع، إلا أن هناك قدراً متيقناً متفقاً عليه لتحديد مدلول السياسة، ألا وهو أنها تتعلق بالسلطة في الدولة”[ النظم السياسية: 4. دار النهضة العربية. القاهرة. 1989م.]

ولما كانت طبيعة البشر الاختلاف بسبب تفاوت الطباع، واختلاف المنطلقات والغايات، وتنوع الوسائل والآليات، فما تراه أنت صحيحا يراه آخرون خطأ، وما تراه راجحا يراه غيرك مرجوحا، وما تظنه مناسبا يراه البعض غير مناسب … فلهذا كله وغيره اتفق العقلاء والفقهاء على أنه لا سياسة بغير قوة، ولا قوة بغير سياسة، والقوة التي نعنيها هنا ليست القوة الطائشة الباغية الظالمة، وإنما القوة المنضبطة بضوابط الشرع، وسيأتي بيان لهذه الضوابط فيما بعد.

وإذا تأملنا كلام فقهاء السياسة عن واجبات الحاكم التي حصروها في عشرة:

أحدهما: حفظ الدين على الأصول التي أجمع عليها سلف الأمة أي إقامة الدين على وجهه الصحيح.

الثاني: تنفيذ الأحكام بين المتشاجرين وقطع الخصام بينهم , أي إقامة العدل بين الناس وتنفيذ الأحكام

الثالث: حماية البيضة والذب عن الحوزة ليتصرف الناس في المعايش وينتشروا في الأسفار آمنين , أي نشر الأمن في الداخل .

الرابع: إقامة الحدود لتصان محارم الله عن الانتهاك , وتحفظ حقوق عباده من إتلاف واستهلاك . أي تنفيذ عقوبات جرائم الحدود وجرائم القصاص .

الخامس: تحصين الثغور بالعدة المانعة والقوة الدافعة حتى لا يظفر الأعداء بغرة ينتهكون بها محرما ويسفكون فيها دما لمسلم أو معاهد. أي حماية الأمن الخارجي بالعدة والاستعداد الدائمين .

السادس: جهاد من عاند الإسلام بعد الدعوة حتى يسلم أو يدخل في الذمة .

السابع: جباية الفيء والصدقات على ما أوجبه الشرع نصا واجتهادا من غير عسف.

الثامن: تقدير العطاء وما يستحق في بيت المال من غير سرف ولا تقصير ودفعه في وقت لا تقديم

فيه ولا تأخير .

التاسع: استكفاء الأمناء وتقليد العظماء فيما يفوضه إليهم من الأعمال .

العاشر: أن يباشر بنفسه مشارفة الأمور وتصفح الأحوال ليهتم بسياسة الأمة وحراسة الملة .

هذه هي واجبات الإمام كما حددها بعض الفقهاء، وهي تدخل جميعا تحت واجبين اثنين، هما: إقامة الدين، وإدارة شئون الدولة في حدوده

[ الأحكام السلطانية للماوردي: 22-23. تحقيق أحمد مبارك البغدادي. مكتبة دار ابن قتيبة. الكويت. 1409هـ، وانظر: الأحكام السلطانية لأبي يعلى الفراء: 27-28. دار الكتب العلمية، والإسلام وأوضاعنا السياسية لعبد القادر عودة: 183-184. ، والتشريع الجنائي الإسلامي له أيضا: 1/ 43، والإسلام والاستبداد السياسي لمحمد الغزالي: 106.]

أقول إذا تأملنا هذه الواجبات وجدناها جميعا لا تستغنى عن القوة والشوكة التي تمكّن الحاكم من إنفاذها وتمكينها ورعايتها وحمايتها والحفاظ عليها، بما يحقق تنظيم أمور المجتمع، والحفاظ على حياة الناس وأمنهم.

والسُّلْطَةُ ارتبطت بالقوة حتى في تعريفها اللغوي، قال ابن فارس: السين واللام والطاء: أصلٌ واحد، وهو القوّة والقهر. ومن ذلك السَّلاطة، من التسلط وهو القَهْر، ولذلك سمّي السُّلْطان سلطاناً. وفي القاموس المعتمد: السُّلْطَةُ بالضم القدرة والملك، والسُّلطان: الحجة، والقدرة، والمَلِك

[ معجم مقاييس اللغة، والقاموس المعتمد، مادة ( سلط ).]

وكذلك في الاصطلاح: هي السيطرة والتمكن والقهر والتحكم، ومنه السلطان، وهو من له ولاية التحكم والسيطرة في الدولة[الموسوعة الفقهية 6/216]

إن السلطة في الفكر الإسلامي وفي إطار النظام السياسي اتصفت بصفتين أساسيتين:

الأولى: تتمثل في عدم الفصل بين الشؤون المدنية والشؤون العسكرية منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

والثانية: تتمثل في إعلاء قيمة القوة والتأكيد على ارتباط السلطة بالقوة [ علم اجتماع السياسة – مبادئ علم السياسة لموريس دوفرجيه: 133. ترجمة سليم حداد. المؤسسة الجامعية للنشر والتوزيع 1991م ]

ومن هنا فلا غني للسلطة عن القوة، ولا غنى للقوة عن ضوابطها، وبهذين الجناحين تحقق سياسةُ دنيا المسلمين بدينهم أهدافَها وغاياتها.(المصدر: مجلة كلمة حق) [ الأنترنت – موقع منتدى العلماء - القُـوَّة في السِّياسةِ الشَّرعِيَّةِ  بقلم د. وصفي عاشور أبو زيد ]

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والسبعون في

موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * التصميم الإلهي الرائع يشهد على قدرة الخالق وقوته :

الطبيعة هي المعلم الأول للإنسان، ومعظم الاختراعات هي في أصلها تقليداً لها. واليوم يعود العلماء لاستلهامها في ابتكاراتهم بعد عقود من العزوف عنها. فما تقدمه الطبيعة من طرق وحلول يمكن استثماره لتحسين المخترعات الحالية.

فقد تعوّد الإنسان على استلهام اختراعاته من الطبيعة. فالملابس مثلا بدأت باتخاذ جلود الحيوانات وفروها نموذجاً لها حتى تطورت لتصل إلى صورتها

الحالية. وربما نسي الإنسان ما تعلمه من الطبيعة وأصبح يعتمد على الاختراعات في صورتها الحالية، إلا أن الباحثين عادوا في الآونة الأخيرة إلى الاهتمام بالطبيعة، إذ وجدوا فيها قدرات قد تفيدهم كثيراً في ابتكار تقنيات حديثة. والـ “بيوميميتيك biomimetic” أو علم “محاكاة الطبيعة” أصبح في بؤرة اهتمام عدد كبير من العلماء اليوم، حيث يسعون من خلال هذه التقنية إلى فهم التركيبات الطبيعية لاستخدامها في تطبيقات مفيدة.

ندوة في ألمانيا حول تقليد الطبيعة

أقيمت مؤخراً ندوة في مركز أبحاث النسيج في مدينة دينكندورف في منطقة جنوب ألمانيا حول البيوميتيك وتطبيقاتها الممكنة. وأشهر تطبيقات هذه التقنية هو شريط اللصق (المعروف بفيلكرو Velcro) والذي يستخدم على سبيل المثال في صناعة الأحذية. فكرة هذا الاختراع البسيط استغرقت من العالم السويسري جورج دي ميسترال ثماني سنوات حتى تمكن من تطبيقها. فكثيراً ما شاهد بذور النباتات الشائكة وهي تلتصق بفرو الكلاب أو بألياف بعض الملابس بمجرد سقوطها من الشجر على السائرين أسفلها. وبعد فترة من التأمل استطاع العالم أن يحول هذه الظاهرة إلى تطبيق علمي نستخدمه في حياتنا اليومية. وقد سهلت هذه الشرائط ذاتية اللصق، التي يمكن لصقها وفكها بسهولة وبسرعة الكثير من الأعمال.

لكن فهم ما طورته وحسنته الطبيعة (تصحيح: إن الله تعالى هو الذي خلق وطور هذه الكائنات من

حولنا) خلال ملايين السنين ليس بالأمر السهل كما يؤكد البروفسور توماس شبيك، مدير حديقة النباتات بجامعة فرايبورج والمتحدث عن شبكة المختصين في تقنية “بيوميمتيك” أو محاكاة الطبيعة. ويضيف: إن “البيوميميتك ليس نقلاً كربونياً عن الطبيعة، ولكنه ابتكار جديد مستوحى من أمثلة طبيعية، فهو يمر بعدة مراحل قبل أن يصل إلى المنتج النهائي.”

لكل نبات مميزاته التي يمكن التعلم منها تقوم الطبيعة بتطوير ابتكاراتها بطريقة لعبة “الليغو” التي يمارسها الأطفال. عدد قليل من المواد الأولية ينتج عدداً

هائلاً من المركبات. بياض البيض مثلاً مكون من عدد قليل من الجزيئات، 20 حمض أميني على وجه التقريب، ولكن يَنتج عبر تنويعاتها المختلفة عدداً ضخماً من المواد. المنسوجات تُصنع بصورة مشابهة: فالخيوط تصنع من الألياف، ومن الخيوط تنتج الأقمشة. وبمشاهدة الطبيعة يجد الإنسان أن الأمر لا يتوقف على سيقان النبات المكونة من الألياف، إذ أن العظام أيضا مكونة من الألياف، وتحليل هذه التركيبات الطبيعية للمواد المختلفة، ثم نقلها وتحويلها لتقنية جديدة يفتح مجالاً كبيراً من التطبيقات.

محاكاة الطبيعة في نقل المياه

يمكن توظيف البيوميميتيك لتوفير استهلاك المياه: في الوقت الحالي يتعلم الباحثون من الطبيعة كيف تصلح نفسها، كما هو الحال عندما يقطع الشخص إصبعه خطأ أو ينكسر عود النبات. وهو ما أمكن تقليده في المعمل، فأمكن إصلاح ثقوب في أنسجة تصل إلى 5 ملليمترات باستخدام الوسيلة نفسها التي تستخدمها الطبيعة. ويمكن القول إن تقنيات البيوميمتك لن تبدل التقنية المتعارف عليها حالياً، لكنها ستكملها، وستفتح مجالات جديدة تماماً. فقد يمكن نقل السوائل إلى أعلى بلا مضخات على مثال نبات الليانا المتسلق الذي ينقل المياه حتى مسافة 1 كيلومتر.

قد يساعد تطبيق هذه التقنية في الزراعة على الاقتصاد في المياه المطلوبة ومنع تبديد كميات هائلة

منها. وهو ما يؤكده الدكتور توماس شتيجماير من معهد دينكندورف قائلاً: “من الابتكارات المدهشة أنظمة نقل المياه. وهي تمثل تحدياً تقنياً كبيراً، أن نحول هذه الأنظمة القادرة على نقل المياه على ارتفاع 10 متر حتى الآن إلى أنظمة قادرة على نقل المياه على ارتفاع يصل إلى مئة متر، على مثال الطبيعة”. هذه الأنظمة ستقلل تبديد المياه وتوفر الطاقة المستخدمة في المضخات.

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والسبعون في

موضوع (القوي ) وهي بعنوان : الله خالق كل شيء!

من خلال هذه الدراسات وغيرها يمكن أن نؤكد أن الإنسان يأخذ اختراعاته من الطبيعة، وأهم مثال على ذلك الطائرة، فلولا وجود الطيور ربما لم يفكر الإنسان بالطيران أصلاً، ولولا وجود قوانين فيزيائية سخرها الله لم يتمكن الإنسان من استغلال طاقة الهواء لحمل الطائرة، إذاً كل ما نراه من حولنا مسخَّر لخدمتنا، ولذلك يقول تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الجاثية: 13]. فهل نتفكر في هذه المعجزات العظيمة؟!

ولو تأملنا الآية الكريمة (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) [الرعد: 16]، نرى فيها إشارة إلى أن كل ما نراه من حولنا هو مخلوق من مخلوقات الله، حتى الطائرة مثلاً هي مخلوق من مخلوقات الله، فالمادة الأولية التي صُنعت منها الطائرة خلقها الله بلا شك، والوقود الذي يسير الطائرة هو من صنع الله، والهواء الذي يحمل الطائرة من صنع الله الذي أتقن كل شيء، وحتى تصميم الطائرة أخذه الإنسان من الطيور وهي مخلوقات في الطبيعة من صنع الله عز وجل، وحتى الإنسان الذي يقود الطائرة هو من صنع الله، إذاً مَن الذي خلق الطائرة الله أم الإنسان؟!

وهنا يتجلى قول الحق تبارك وتعالى: (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [النحل: 8]. فالخيل والبغال وغيرها لا يشك أحد أنها من صنع الله، وقوله تعالى: (وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) يدل على أن الله هو الذي خلق كل شيء لأن الإنسان حتى هذه اللحظة لم يتمكن من خلق ذرة من العدم!

والآن أترككم مع روائع التصميم الإلهي في الطبيعة لنرى دقة وجمال صنع الله في مخلوقاته:

صورة لزهرة يظهر من خلالها التداخل الرائع للألوان، إن كل اللوحات التي رسمها الإنسان، وكل الأشكال التي اخترعها هي في الأصل مستوحاة من الطبيعة. يقول عز من قائل: (وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) [النحل: 13].

نجمة البحر، انظروا إلى التصميم المحكم لها، وكيف تتناسق الألوان فلا نشعر بأي تناقض أو تشويه،

بل نجد اللون الأحمر والأصفر والبرتقالي وحتى الأخضر الداكن من حولها كل ذلك في تناسق بديع يشهد بأن الخالق هو الله وليس الطبيعة الصماء كما يعتقدون!

ربما لا تصدقوا أن هذا الشكل السداسي الرائع هو جزيئة ثلج!!! هكذا تتوضع جزيئات الثلج بنظام بديع ولو درسنا نتف الثلج نلاحظ أنها تأخذ أشكالاً هندسية رائعة… من أين جاء هذا التصميم؟ ألا يشهد بأن هناك صانعاً مدبراً حكيماً عليماً؟ يقول تعالى: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [البقرة: 117].

مَن الذي علَّم هذا العنكبوت صنع هذه الشبكة بنظام هندسي متقن؟ وكيف اهتدى لصناعة هذه الخيوط التي تعتبر أقوى من الفولاذ بكثير، انظروا كيف وضع فوق الشبكة شكلاً متعرجاً ليخيف الحشرات الكبيرة من الاقتراب منه!! نريد ممن يعتقدون أن الطبيعة هي التي تطور هذه المخلوقات أن يعرّفوا لنا ما هي الطبيعة التي يتحدثون عنها وأين توجد؟

حتى في تراب الأرض نرى الهندسة الرائعة! فهذه صورة لأرض جافة أخذت هذا الشكل الهندسي، تأملوا هذه الخطوط وتداخلاتها وكأنها لوحة فسيفساء رسمها فنان مبدع! ولكن الله تعالى أودع في الطبيعة أشياء نرى من خلالها قدرة الخالق ليدلنا على أنه خالق كل شيء، فهل ندرك عظمة هذا الخالق الرحيم؟

هذه ليست تلالاً أو ودياناً، إنها سطح جليدي شكلته قدرة الخالق (وليس الطبيعة)، فعندما يتجمد الماء في الشتاء البارد يشكل مثل هذه التلال والوديان بعد تكبير الصورة، وهنا يتجلى قول الحق تبارك وتعالى: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) [النمل: 88].

هذه ليست دعاية للشوكولاتة!! إنها ظاهرة طبيعية نراها من حولنا، إنها عبارة عن طين تشكل بهذه الأشكال الهندسية بعد طوفان في إحدى المناطق، لقد رسم لوحة إلهية رائعة تشهد على إتقان ودقة هذه الصناعة، يقول تعالى: (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) [النحل: 17].

هذه ليست لوحة زيتية وليست صورة بالفوتوشوب، إنها لوحة إلهية تشهد على قدرة الله جل جلاله، إنها جزء من زعنفة سمكة تزينها هذه البقع البرتقالية، تأملوا تداخل الألوان وتناسبها مع بعضها وتدرجاتها، أين أنتم أيها الملحدون من هذا التصميم الرائع؟ كل هذه المشاهد نراها من حولنا ثم نرى إنساناً ضعيفاً ينكر وجود الخالق، فلا نملك إلا أن نقول: (أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) [النمل: 60].

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والسبعون في

موضوع (القوي ) وهي بعنوان : طرح الأسئلة على كل ملحد:

والآن لنطرح هذه الأسئلة على كل ملحد لا يؤمن بكتاب الله أو صدق نبيه عليه الصلاة والسلام:

1- هل لديكم تفسير علمي لوجود التصميم الرائع في الطبيعة؟ اسمعوا الجواب: يقول تعالى:

 (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ) [النمل: 59].

2- هل يمكنكم أن تخبرونا من الذي خلق الكون ومن الذي خلق الماء الذي هو سر الحياة، ومن الذي خلق النباتات من حولنا؟ اسمعوا الجواب في الآية التالية: يقول تعالى (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) [النمل: 60].

3- هل تفسرون لنا سر الجاذبية الأرضية، وكيف جاءت مناسبة تماماً لحياة المخلوقات على ظهرها؟ ومن الذي ثبت الأرض بالجبال فكانت مثل الرواسي للقشرة الأرضية ولولاها لاضطربت هذه القشرة الضعيفة والرقيقة؟ ومن الذي قدّر هذا النظام المائي الرائع على ظهر الكوكب، ومن الذي خلق لنا هذه المياه العذبة وميَّزها عن المياه المالحة ولولا ذلك لانعدمت الحياة؟ اسمعوا الجواب، يقول تعالى: (أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ

 بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [النمل: 61].

4- من الذي أعطاك القدرة أيها الملحد لتحكم العالم وتسيطر على مقدرات الطبيعة ومن الذي سخر لك هذه الأرض لتعيش فيها وتستمتع بها، ومن الذي أعطاكم كل هذه النعم، إنه الله القائل: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) [النمل:

5- هل سألتم أنفسكم كيف تهتدون في ظلمات الليل؟ من الذي سخر لكم المجال المغنطيسي للأرض لتهتدوا به، ومن الذي سخر لكم النجوم لتهتدوا بها، ومن الذي خلق لكم هذه الرياح التي لولاها لما نزلت قطرة مطر، أليس هو القائل: (أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [النمل: 63].

6- وأخيراً هناك سؤال لن تجدوا الإجابة عنه إلا بالرجوع إلى خالقكم، فمن الذي خلق الكون وخلق المجرات وخلق الأرض والشمس والقمر، ومن الذي جعل النباتات تثمر وجعل السماء تمطر وجعل في كل شيء دورة مقدرة للماء والصخور والتراب وأنتم ترون كيف يتكرر الخلق ويُعاد أمامكم، فقطرة الماء هي ذاتها تسقط من الغيمة ثم تتبخر ثم تعود للغيوم لتسقط من جديد، إنها إعادة مستمرة للخلق تحدث أمام أعينكم، من الذي قدّر هذه العملية المحكمة؟ اسمعوا: (أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) ]النمل: 64].

بعد كل هذه الحقائق، هل ندرك أن كل ما نراه من حولنا هو من صنع الله تعالى؟ إذاً تأملوا معي هذا النص القرآني الرائع: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ * هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [لقمان: 10-11].

[ الأنترنت – موقع  إعجاز القرآن والسنة - التصميم الإلهي الرائع يشهد على قدرة الخالق وقوته - المهندس عبد الدائم الكحيل ] 

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والسبعون في

موضوع (القوي ) وهي بعنوان :

* قصص وعبر في عجائب مصارع الظالمين قديما وحديثا دليل على قدرة وقوة الجبار :

من السنن الإلهية ان الظلم مهما طال امده واسودت لياليه وطالت اذرعه واشتد فساده وانتشر في ربوع الارض حتي يضرع المظلمون الي ربهم يقولون اما لهذا الليل من اخر ويتساءلون متي تنقشع  هذه الظلمة وينبلج فجر العدل : فان الله تعالى لا بد أن يأخذ الظالم ولو بعد حين، وقد  جرت عادته في خلقه أنه سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل، ونهاية الظالمين أليمة  والمتأمل في سيرهم في القرآن الكريم يجد في مصارعهم عبرة وعظة ولا يبالي الله في أي واد يهلكون ويخزيهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة وقد

 جعل الله عقوبة الظلم والبغي معجلة في الدنيا قبل الآخرة لشناعة الظلم وكثرة أضراره

(ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم) [رواه الترمذي  2511  حديث صحيح

وعلى الظالم  الباغي تدور الدوائر فيبوء بالخزي ويتجرع مرارة الذل والهزيمة وينقلب خاسئاً وهو حسير لم يبلغ ما أراد ولن يظفر بما رجا، أقرب الأشياء صرعت الظلوم وأنفذ السهام دعوة المظلوم

فالحكم العدل لابد وان يهلك الظالمين ويمحق المعتدين ويقطع دابر المفسدين، سواء كان الظالم فرداً أو جماعة، حزباً أو طائفة، قال الحافظ ابن رجب رحمه الله : “الغالب أن الظالم تعجل له العقوبة في الدنيا وإن أمهل فإن الله يملي له حتى إذا أخذه لم يفلته “، وقد قال بعض أكابر التابعين لرجل : “يا مفلس فابتلي القائل بالدين والحبس بعد أربعين سنة “، وضرب رجل أباه وسحبه إلى مكان ما فقال الذي رآه بعد ذلك: إلى هاهنا رأيت هذا المضروب قد ضرب أباه وسحبه إليه، فسبحان من هو قائم على كل نفس بما كسبت، وسبحان من هو بالمرصاد، وسبحان الحكم العدل الذي لا يجور، وسبحان من بيده موازين ومقاليد الأمور، يفعل ما يشاء ويحصي على العباد مثاقيل الذر، وكما تدين تدان

فجانب الظلم لا تسلك مسالكه                       عواقب الظلم تخشى وهي تنتظر

وكل نفس ستجزى بالذي عملت                     وليس للخلق من ديانهم وطر

ومن أشد أنواع الظلم تسلط الظلمة على رعيتهم كما تسلط فرعون على قومه وقال: مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (غافر29) واليوم كثيرون يظلمون ويتسلطون ويستبدون سيراً على سيرة سلفهم فرعون الطاغية : ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى سورة (غافر26)، وهكذا سفك للدماء، عدوان على الأحياء، بقر لبطون الحوامل، قلع لعيون الناس وأظفار الأطفال، هدم للبيوت، حصار للأعداء، تجويع، تسميم، إهانة، إذلال، استيلاء على الأموال، استعباد كامل، والله سبحانه وتعالى قال على لسان فرعون: سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (الأعراف127 ) لا يستطيعون أن يخرجوا عن حكمنا وقدرتنا، وهذا غاية الجبروت والعدوان والقسوة  ولذلك قال تعالى: إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا

يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ( القصص)

ومن الظلمة الذين مروا في التاريخ قارون الذي بغى على قومه لما آتاه الله من الكنوز ما تنوء بثقله العصبة أولي القوة، كما بغى عليهم بجبروت الخبرة كما

ظن والذكاء والعلم الذي عنده فماذا كانت النتيجة؟ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ ( القصص 81 ) .

وأبرهة صاحب الفيل الذي بنى كنيسة بصنعاء ليصرف الناس للحج إليها ويجعل العرب يأتونها بدلاً من الكعبة ماذا كانت عاقبته؟ صرف الله عنها الناس وهيأ من يوقد فيها حريقاً ويلطخها بالنجاسة، فأراد أن يأتي البيت ويهدمه حجراً حجراً، فماذا فعل الله به ؟ أرسل طيراً أبابيل جماعات جماعات تحمل الحجارة وترمي أبرهة وجنوده بها، حتى رجع صنعاء وهو مثل فرخ الطائر فمات هناك وقد هلك أكثر جيشه وانتهى

يقول ابن القيم

اذاكنت في نعمة فارعها فان الذنوب تزيل النعم وحطها بطاعة رب العباد فرب العباد سريع النقم

واياك والظلم مهما استطعت فظلم العباد شديدالوخم*** وسافر بقلبك بين الوري لتبصر اثار من قد ظلم

فتلك مساكنهم  بعدهم شهود عليهم ولاتتهم وماكان شيء*** عليهم اضر من الظلم وهو الذي قد قصم

فكم تركوا من جنان ومن قصورواخري عليهم اطم صلوا ***بالجحيم وفات النعيم وكان الذي نالهم كالحلم

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثمانون في

موضوع (القوي ) وهي بعنوان : دعوة المظلوم :

فإن دعوة المظلوم سهم لا يرد ولايخطيء، فيا بؤس الظالم المخذول ينام ملء عينيه والمظلوم يدعو عليه، يجأر إلى الله أن ينتقم منه، وأن يشتت شمله، ويعجل عقابه، وينزل به بأسه، ويحل عليه سخطه، ويأخذه أخذ عزيز مقتدر، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (ثلاثة لا ترد دعوتهم الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويفتح لها أبواب السماء ويقول الرب: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين)[رواه الترمذي3598](واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب)[رواه البخاري1496]لو كان المظلوم فاجراً فدعوته مستجابة ففجوره على نفسه، ودعوة المظلوم على الظالم تصعد إلى الله فما بالك بدعوة التقي الصالح أو العالم الرباني ومن بذل نفسه لله؟

وإذا فتحت أبواب السماء لهذه الدعوة أتى الفرج من رب الأرباب ومهلك الجبابرة وقاصم ظهور

 القياصرة: ( وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى *وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى * وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى) النجم50-52

كان يزيد بن حكيم يقول: ما هبت أحداً قط هيبتي رجلاً ظلمته وأنا أعلم أنه لا ناصر له إلا الله يقول لي: حسبي الله، الله بيني وبينك

يقول ابن القيم رحمه الله: فسبحان الله كم بكت في تنعم الظالم عين أرملة، واحترق كبد يتيم، وجرت دمعة مسكين، قال الله: كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُم مُّجْرِمُونَ (المرسلات46) وقال: وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ سورة ص 88 وقد يستهزئ  البعض من كثرة دعوات المظلوم علي الظالم واستبطاء الاجابة ولهؤلاء نقول

اتهزا بالدعاء وتزدريه وماتدري بماصنع الدعاء

سهام الليل لاتخطيء ولكن لها امد وللامد انقضاء

فدعوة المظلوم سلاحٌ على الظالمِ لا يُبقِي وإن طالَ الدهرُ، قال – صلى الله عليه وسلم – لمُعاذ بن جبلٍ – رضي الله عنه – حين بعثَه إلى اليمن: “.. واتَّقِ دعوةَ المظلومِ؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجابٌ”؛ متفق عليه وعن وهب بن منبه قال:بني جبار من الجبابرة قصرا وشيده فجاءت عجوز فقيرة فبنت الي جانبه كوخا تاوي اليه فركب الجبار يوما وطاف حول القصر فراي الكوخ فقال : لمن هذا ؟ فقيل لامراة فقيرة تاوي اليه فامر به فهدم فجاءت العجوزفراته مهدوما فقالت من هدمه فقيل : الملك راه فهدمه فرفعت العجوز راسها الي السماء وقالت : يارب اذالم اكن اناحاضرة فاين كنت انت ؟قال : فامر الله جبريل ان يقلب القصر علي من فيه فقلبه

وهذه اروي بنت اوس ادعت علي سعيد بن زيد انه اخذ شيئا من ارضها فذهبت تشكوه الي الخليفة عبد الملك بن مروان الذي استدعاه وساله هل اخذت شيئا من ارض هذه المراة فقال كيف اخذ من ارضها شيئاوقد سمعت رسول الله يقول في ذلك الامر كلاما عظيما ووعيدا شديدا قال وماذا يقول (صلي الله عليه وسلم ) قال يقول : من اخذ شبرا من الارض ظلما طوقه الله الي سبع اراضين يوم القيامة00 قال له : اذهب لا اسالك بينة بعد ذلك وعرف الخليفة انها كاذبة وقد دعا عليها سعيد بن زيد فقال : اللهم ان كانت كاذبة فاعم بصرها واقتلها في ارضها واستجاب الله لدعوة سعيد بن زيد فبعد مدة من الزمن عمي بصرها وبينما كانت تسير في ارضها اذ وقعت في حفرة فماتت فيها

وفي “السنن” بسندٍ حسنٍ أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “دعوةُ المظلومِ تُحمَلُ على الغَمام، وتُفتحُ لها أبوابُ السماوات، ويقول الربُّ – جل وعلا -: وعزَّتي! لأنصُرنَّكِ ولو بعد حينٍ”

وإن من سُوء عاقبةِ الظلمِ أن دعوةَ المظلومِ مُستجابةٌ حتى ولو من الفاجرِ أو الكافرِ؛ روى أحمد في “مسنده” بسندٍ حسنٍ أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال:

“لا تُردُّ دعوةُ المظلومِ ولو كان فاجِرًا ففُجورُه على نفسه”

وفي حديثٍ آخر عنده – رحمه الله – بسندٍ حسنٍ: “اتَّقوا دعوةَ المظلوم وإن كان كافرًا؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجابٌ”

 وصدقَ القائلُ حينما قال:

لا تظلِمنَّ إذا ما كنتَ مُقتدرًا ***فالظلمُ ترجِعُ عُقباهُ إلى النَّدَمِ

تنامُ عيناك والمظلومُ مُنتبِهٌ ****يدعُو عليكَ وعينُ الله لم تنَمِ

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والثمانون في

موضوع (القوي ) وهي بعنوان : دعوة المظلوم :

من أزجَرِ ما نُقِل في التاريخ: قصةٌ عن خالد بن عبدالله البَرمَكيِّ وولده في حوارٍ بينهما وهُما في السجنِ، فيقول له: يا أبَتَاه! بعد العِزِّ والمُلكِ صِرنا في القَيْدِ والحبس. فقال له: يا بُنيّ! دعوةُ مظلومٍ سَرَت بليلٍ غفَلنَا عنها والله لم يغفَل عنها

وذكرَ العلماءُ – رحمهم الله – أن مالكَ بن دينارٍ الزاهدَ العابِدَ حُمَّ أيامًا – أي: وجَدَ حرارةً في بدنه -، ثم وجدَ خِفَّةً فخرجَ لبعضِ حاجته، فمرَّ بعضُ أصحاب الشُّرط بين يديه قومٌ، قال: فأعجَلوني فاعترضتُ في الطريقِ، فلحِقَني إنسانٌ من أعوانه فقنَّعَني أسواطًا – أي: ضرَبَني أسواطًا – كانت أشدَّ عليَّ من تلك الحُمَّى. فقلتُ: قطَعَ اللهُ يدَكَ، فلما كان من الغدِ غدوتُ إلى الجسرِ في حاجةٍ لي فتلقَّاني ذلك الرجلُ مقطوعةً يدُهُ يحمِلُها في عُنقِهِ

وقد جاء عن النبي (ص) انه قال : من ضرب سوطا ظلما اقتص منه يوم القيامة قال الالباني في الصحيحة  اسناده حسن

فيا ايها الظالم ! تذكَّر انك موقوف غدا بين يدَي احكم الحاكمين – جل وعلا –والذي قال في محكم اياته ( وقفوهم انهم مسئولون )، واخشَ على نفسِكَ من دعوةِ صالحٍ تسري بليلٍ والناسُ نِيامٌ، فيستجيب لها رب العزة وينتقم منك عاجلا واجلا

ومن صور هذا الانتقام الاجل  في الدنيا، قبل الاخرة بسبب دعوة المظلوم ايضاما رواه الطبراني بسندٍ رِجالُهُ رجالُ الصحيح: أن رجلاً نالَ من عليٍّ – رضي الله عنه -، فنهاهُ سعدُ بن أبي وقَّاصٍ، فلم ينتَهِ عن ذلك، فقال سعدٌ: أدعُو الله – جل وعلا – عليك. فدعَا عليه، فما برِحَ حتى جاءَ بعيرٌ نادٌّ فخبَطَه حتى ماتَ

وأوردَ أبو نُعيمٍ في “الحلية”، وابنُ الجوزي في بعضِ كُتبه: أن سُليمان التيميَّ العابِدَ الحافظَ كان بينه وبين رجلٍ شيءٌ، فنازعَه فتناولَ الرجلُ سُليمان فغمَزَ بطنَه، فدعا عليه سُليمانُ فجفَّت يدُ الرجلِ

اسمَع هذه العِبرةَ فاتَّعِظ وازدَجِر؛ حكى ابنُ أبي الدنيا أن رجلاً من مُناوِيء عُثمان – رضي الله عنه –

آلَى على نفسه أن يلطِمَ وجهَ عُثمان الشريف. وفي القصَّة قال: فدخلتُ مع صاحبي وإذا رأسُ عثمان في حجر امرأته، فقال لها صاحبي: اكشِفي وجهَه. فقالت: لِمَ؟ قال: ألطُمُ حُرَّ وجهِهِ. قالت: أمَا تذكُرُ ما قال فيه رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -؟! قال فيه كذا وكذا – ثم عدَّدَت مزاياه العظيمة -، قال: فاستحيَى صاحبي بعد ذلك فرجعَ، فقلتُ لها أنا: اكشِفي عن وجههِ. قال: فذهَبَت – أي: امرأةُ عُثمان – تدعُو عليَّ، ومع ذلك قال: فلطَمتُ وجهَهُ. فقالت: ما لكَ يبَّسَ الله يدَكَ، وأعمَى بصرَك، ولا غفرَ لك ذنبَكَ. قال: فواللهِ ما خرجتُ من البابِ حتى يبَسَت يدِي، وعمِيَ بصري، وما أرى اللهَ أن يغفِرَ لي ذنبِي. ثم رُؤِيَ يطوفُ في الكعبة ويتألَّى على الله عقوبةً له، فيقول وهو أعمَى: اللهم اغفِر لي، وما أراكَ تفعلُ

ومن القصص التي فيها زجرٌ عن الظلمِ وعظة وعبرة من دعوة المظلوم : ما أخرجه البخاري عن جابر بن سمُرة قال: شكا أهلُ الكوفةِ سعدًا إلى عُمر حتى قالوا: إنه لا يُحسِنُ يُصلِّي. فقال سعدٌ: أما أنا فإني كنتُ أُصلِّي بهم صلاةَ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لا أخرِمُ عنها، أركُدُ في الأَوليَيْن (اي اطيل الصلاة قليلا في الركعتين الاوليين  ) وأحذِفُ ( اي اخفف) في الأُخرَيَيْن. قال عُمر: واللهِ ذاك الظنُّ بك يا أبا إسحاق

ثم بعثَ عُمر – وهو الخليفةُ العادلُ الذي لا تأخُذُه عاطفةٌ عن الحق والتتبُّع -، رجالاً يسألون عنه في مجالسِ الكوفة، فكانوا لا يأتون مجلِسًا إلا أثنَوا عليه خيرًا، وقالوا معروفًا، حتى أتَوا مسجدًا من مساجِدِهم فقال رجلٌ – يُقال له: أبو سَعدة -، فقال: اللهم إذ سألتُمُونا فإنه كان لا يعدِلُ في القضية، ولا يقسِمُ بالسَّوِيَّة، ولا يسيرُ بالسرِيَّة

وهكذا الظالمُ إذا تبِعَ هواه انطلَقَ لسانُهُ بما يهوَى، وانطلَقَت جوارِحُه بما تهوَى نفسُه الأمَّارة. فقال سعدٌ: اللهم إن كان كاذِبًا فأعمِ بصرَه، وأطِل فقرَه، وعرِّضْه للفتن. قال عبدُ الملك – راوي الحديث -: فأنا رأيتُه يتعرَّضُ للإماءِ في السِّكَكِ، فإذا قيل له: انتَهِ يا أبا سَعدة! قال: كبيرٌ فقيرٌ مفتونٌ أصابَتني دعوةُ سعدٍ

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والثمانون في

موضوع (القوي ) وهي بعنوان : دعوة المظلوم : يا مَن ينسَى دعوةَ المظلوم!

لتكُن مثلُ هذه الأمثِلَة زاجِرًا لك ورادِعًا لنفسك عن ظُلم الخلق في أنفسهم أو أموالهم أو أعراضهم

حُكِي أن رجلاً من قتَلَة الحُسين بن عليٍّ ( رضي الله عنه، وعن أبيه، وعن أمِّه، وعن آل البيت جميعًا ) رمَى الحُسين بسهمٍ. فقال الحُسين: يا هذا! إيتنِي بماءٍ أشربُه، فلما رماهُ هذا الرجلُ حالَ بينَه وبين الماءِ، فقال الحُسينُ: اللهم أظمِئْهُ

فرُؤِيَ هذا الرامي وهو عند موته في الاحتِضار وهو يصيحُ من الحرِّ في بطنِهِ، ويصيحُ من البردِ في ظهره، فبين يدَيْه المراوِحُ والثلجُ وخلفَه المُصطَلَى،

وهو يقول: أسْقُوني أهلَكَني العطشُ، فيُؤتَى بإناءٍ عظيمٍ فيه السَّوِيْقُ  وهو الماءُ واللبنُ، لو شرِبَه خمسةٌ لكفاهم -، فيشربَه جميعًا، ثم يعودُ فيقول: أسْقُوني أهلكَني العطشُ، ثم انقدَّ بطنُهُ كانقِداد البَعير

ونقلب  صفحات التاريخ لنذهب الي  الحجاج بن يوسف الثقفى الذي  قتل مائة وعشرين ألفا ومات و في سجونه خمسين ألف رجل، وثلاثين ألف امرأة، و كان يحبس النّساء والرجال في موضع واحد ، ولم يكن للحبس ستر يستر النّاس من الشمس في الصيف ولا من المطر والبرد في الشتاء  ومن أشهر ضحايا هذا الطاغية أكبر علماء الأرض حينذاك وهو “سعيد بن جبير” الذي دعا الله علي الحجاج عند قتله له فقال  : اللهم لاتسلط هذا المجرم على أحد من بعدى وتقبل الله منه هذا الدعاء

وقد ذكرت لنا كتب التاريخ أن الحجاج قد أصيب بمرض “الأكلة ” في بطنه وكان يهرش بطنه بيديه الاثنتين حتى يدمى إلى درجة أنهم كانوا يكوونه بالنار على بطنه لتخفيف تلك الأكلة التي أصيب بها ولم يكن يشعر بحرارة النار  ويقول الرواة أنه كان يبكي كالأطفال من شدة الألم وقد شكا حاله إلى العالم الكبير حسن البصري الذي قال له : كم قد نهيتك يا حجاج أن لاتتعرض لعباد الله الصالحين لكنك لم تنتهي وهذا جزاؤك  فقال الحجاج بصوت يملؤه الأسى والألم : إني لا أطلب منك أن تدعو الله حتى يشفيني ولكني أطلب منك أن تسأل الله أن يعجل قبض روحي ولا يطيل عذابي ويقال أن الحسن البصري بكى بكاء شديدا من شدة تأثره لحال الحجاج

وقد حكي ايضا  ان الحجاج حبس رجلا ظلما فكتب له رقعة قال له فيها :

قد مضي من بؤسنا ايام ومن نعيمك ايام والموعد القيامة والسجن جهنم والحاكم لايحتاج الي بينة ثم قال له : اما والله ان الظلم شؤم ومازال الظلوم هوالملوم

ستعلم ياظلوم اذا التقينا غدا عند المليك من من الظلوم

الي ديان يوم الدين نمضي وعند الله تجتمع الخصوم

وهذا شاعر كتب علي جدران قصر حاكم طاغية ظلم شعبه فخرجوا عليه وقتلوه وسملوا عينيه بالحديد المحمي بالنار واشعلوا النار في قصره بسبب بغيه وظلمه وطغيانه

احسنت ظنا بالايام اذحسنت ولم تخف يوما ياتي به القدر

وسالمتك الليالي فاغتررت بها وعند صفوالليالي يحدث الكدر

يحكى أن وزيراً ظلم امرأة بأخذ مزرعتها وبيتها، فشكته إلى الله فأوصاها مستهزئاً بالدعاء في ثلث الليل الآخر، فأخذت تدعو عليه شهراً، فابتلاه الله بحاكم فوقه قطع يده وعزله وأهانه، فمرت عليه وهو يجلد فشكرته على وصيته وقالت

إذا جار الوزير وكاتباه                وقاضي الأرض أجحف في القضاء

فويل ثم ويل ثم ويل                    لقاضي الأرض من قاضي السماء

يروى ان صيادا يصطاد السمك وويعول من ثمنه اطفاله وزوجته ،خرج يوما للصيد ،فوقع في شبكته سمكة كبيرة ففرح بها ثم اخذ ها ومضى الى السوق ليبيعها ويصرف ثمنها في مصالح عياله

فلقيه بعض الظلمة من اعوان السلطان فراى السمكة معه فاراد اخذها منه فمنعه الصياد فرفع الظالم خشبة كانت بيده فضرب بها راس الصياد ضربة موجعة واخذ السمكة منه غصبا بلا ثمن

ثم ان ذلك الغاصب الظالم  انطلق بالسمكة الى منزله وبينما هوسائر اليه عضت اصبعه عضة قوية لم يطق القرارمنها فذهب الي الطبيب وشكاله حاله فقال له هذه بدء الاكلة اقطع اصبعك ثم انتشر الالم الي الكف فاشار عليه الطبيب بقطع كفه فقطعه ثم سري الالم الي الساعدفقطعه  فما زال هكذا كلما قطع عضوا انتقل الالم الى العضو الآخر الذي يليه ،حتى خرج هائما على وجهه ،مستغيثا بربه ليكشف عنه مانزل به فلقيه رجل في الطريق فساله عن حاله فاخبره فقال له : لوانك رجعت الي الصيادواستحللته من ثمن السمكة ماحدث بك ماحدث ،فدخل المدينة ،وسال عن الصياد ،واتى اليه ووقع بين يديه يتمرغ على رجليه ،وطلب منه الإقالة مما جناه ،ودفع  شيئامن ماله ،وتاب من فعله ،فرضي عنه الصياد وعفا عنه فساله هل كنت  قد دعوت علي حينما اخذت منك السمكة قهرا عنك قال نعم قال فماذا قلت ؟ قال قلت اللهم ان كان هذا قدتقوي علي علي ضعفي علي مارزقتني ظلما فارني قدرتك

فيه قال له : هاانا يااخي قد اراك الله قدرته في واناتائب الي الله ولن اظلم احدا بعد اليوم

نهاية الظالمين أليمة

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالثالثة والثمانون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : دعوة المظلوم : يا مَن ينسَى دعوةَ المظلوم!

في صفحات التاريخ كثيرون هم هؤلاء الظلمة  المستبدين والحكام الجبارين الذين نالوا من قلب الامة وعقلها وهم العلماء والدعاة المخلصين واولياء الله الصالحين  حتي يطفئوا نور الحق وكان ان اخذهم الله اخذ عزيز مقتدر وجعلهم عبرة لمن يعتبر ومن هؤلاء الذين ذكرهم الاستاذعبد الحميد الشح في مقالته (دروس وعبر من محن بعض العلماء

أحمد بن أبي دؤاد فمن هو وكيف كانت عاقبة ظلمه

انه القاضي المعتزلي أحمد بن أبي دؤاد، الذي كان احدرؤؤس الفتنه في عهد الخليفة الواثق والذي كان يُفتي بجواز ضرْب العلماء وسجْنهم وقتْلهم، فإنه سُئل

بعد قتْل الواثق للإمام أحمد بن نصر الخزاعي، فقال: ضرَبني الله بالفالج – أي: الشلل – ، فيشاء الله – جل وعلا – بقُدرته وعظَمته أن يُصاب هذا

الرجل ( احمد بن ابي دؤاد)في آخر حياته بالفالج، فمكَث أربع سنوات قبل موته طريحًا في فراشه

لقد حبَسه الله وعذَّبه في جلده، كما تسبَّب هو في حبْس الإمام أحمد وتعذيبه، وزاد الله عليه همَّه وغمَّه، فعزله المتوكل من وظيفته، كما تسبَّب هو في فصْل عشرات ومئات الأشخاص من وظائفهم، بل أمَر المتوكل بمُصادرة جميع أمواله، ثم أُتِي بولده محمد، فصُودِرت أمواله ومات قبل أبيه بشهرٍ، ثم مات الأب بعده بهمِّه وغمِّه، وتلك – والله – سُنة الله في خلقه

نهاية الجلاَّدين

ومن الناس الذين جعَلهم الله – عز وجل – عِبرة لغيرهم في هذه المِحنة: الجلادون الذين كانوا يَضربون الإمام أحمد بالسياط،(في محنة خلق القران ) فكان منهم رجلان: أبو ذر، وأبو العروق

أما أبو ذر، فكان ممن يضرب الإمامَ بين يدي المعتصم، فأُصيب بالبَرص والمرض، وتقطَّع جسمه، وأهلَكه الله بسوء عمله، وأما أبو العروق، فكان هلاكه أسوأَ من صاحبه، فمكَث خمسة وأربعين يومًا يَنبِح كما يَنبِح الكلب، ابتلاه الله بمرضٍ، فصار يَنبح كالكلاب، سبحان الله، هل نفع الجلادين أن

يقول أحدهم: أنا عبدٌ مأمور؟ كلاَّ، إنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق

جزاء الوزير ابن الزيات

أما ابن الزيَّات(والذي كان وزيرا في عهد الخليفة المتوكل ) فقد قال له المتوكل: في قلبي شيء من قتْل أحمد بن نصر، فقال: يا أمير المؤمنين، أحرَقني الله بالنار، إن قتَله أمير المؤمنين الواثق إلا كافرًا، أمَّا هرثمة، فقال: قطَّعني الله إرْبًا إرْبًا، إن قتله إلا كافرًا

 هكذا قالوا، فكيف كانت نهاية كل واحد منهم؟

أما ابن الزيات الوزير، فقد ساءت الأحوال بينه وبين المتوكل، فأصدر أمرًا بالقبض عليه واعتقاله، فقُيِّد بالحديد وأُدخِل السجن، وصُودِرت أمواله وبساتينه، ثم أمَر الخليفة أن يُعذَّب، وأن يُمنع من الكلام والنوم، ثم وُضِع بعد ذلك في تَنُّورٍ من خشبٍ، فيه مسامير قائمة في أسفله، فأُقيم عليها، حتى مات وهو كذلك

مصير هرثمة

وأما هرثمة الذي قال: قطَّعني الله إرْبًا إرْبًا، فقد هرب من المتوكل، فمرَّ بقبيلة خزاعة – قبيلةِ الإمام أحمد بن نصر الخزاعي – فعرَفه رجل من الحي، فصرَخ بالناس: يا معشر خزاعة، هذا الذي قتَل ابن عمِّكم أحمد بن نصر، فاجتمع الناس عليه، وقطَّعوه إرْبًا إرْبًا، وجزاء سيِّئة بمثلها

والجزاء من جنس العمل، وماالله بغافل عما يعمل الظالمون ، كان أحد الظلمة أميراً على بلد ظلوماً متجبراً سفاكاً للدماء مصادراً للأموال خبيث العقيدة، عج الخلق فيه إلى الله، وكثر ابتهال أهل دمشق من هذا الذي سمي جيش ابن محمد بن صمصامة، يقول الذهبي في سير أعلام النبلاء: ابتلي بما لا مزيد عليه، ضربه الله بالجذام، حتى ألقى ما في بطنه، وكان يقول لأصحابه: اقتلوني ويلكم أريحوني من الحياة، فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ  ( الأعراف  103

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالرابعة والثمانون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :  مصارع الظالمين حديثا :

وفي التاريخ المعاصر عبر في مصارع الظالمين: كيف كانت نهاية هتلر وموسيليني وذلك الطاغية الذي كان في بلاد الصرب وعاث فساداً في بلاد المسلمين، وغيره وغيره من الطغاة الذين ذهبوا أذلهم الله واخزاهم

ومن نهاية احد هؤلاء الظالمين  أن وضع مسدساً في فمه وأطلق رصاصة على نفسه فتهشم وجهه تماماً وماكان من حارسه الا ان وضع جثته في حفرة عميقة وصب الزيت عليها وأشعل فيها النار.

كمال اتاتورك الذي ألغى الخلافة العثمانية، وكان معادياً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ودينه، ومنع أعياد الفطر والحج والأذان واللغة العربية، وأصدر أمراً بتحويل مسجد أيا صوفيا إلى متحف، وكان سكيراً عربيداً ماجناً فاحشاً، ابتلاه الله بكائنات دقيقة لا ترى بالعين، أصيب بتليف في الكبد فذاق مر العذاب ثلاث سنوات حتى قبض جاحداً ظالماً ملحداً، هكذا في ظاهر الأمر، وغيرهم كثير ....

عقوبة الظالمين في الاخرة

وعن ابي امامة قال : يجيء الظالم يوم القيامة حتي اذاكان علي جسر جهنم لقيه المظلوم فعرفه وعرف ماظلمه به فما يبرح الذين ظلموابالذين ظلموا حتي ينزعوا مابايديهم من الحسنات فان لم يجدوالهم حسنات حملوا عليهم من سيئاتهم مثل ماظلموهم حتي يردوا الي الدرك الاسفل من النار ( اخرجه الطبراني في الاوسط من حديث ابي امامة مرفوعا

وعن عبدالله بن انيس قال : سمعت رسول الله(ص) يقول: يحشر الله العباد يوم القيامة حفاة عراة غرلا بهما فيناديهم مناد بصوت يسمعه من بعد كمايسمعه من قرب :اناالملك الديان لاينبغي لاحد من اهل الجنة ان يدخل الجنة اواحد من اهل النار ان يدخل النار وعنده مظلمة ان اقصه حتي اللطمة فما فوقها (ولايظلم ربك احدا ) قلنايارسول الله كيف وانما ناتي حفاة عراة فقال : بالحسنات والسيئات جزاءا وفاقا اخرجه احمد

و عن أبي هريرة(رض ). قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (صنفان من أهل النار لم أرهما. قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا  يجدن ريحها. وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) وهذا الحديث كاني به قد نزل في بعض رجال  الشرطة وأعوان الظلمة الذين يعذبون الناس بالسياط وغيرها، وقد أصبح هذا معروفاً ومنتشراً في كثير من بلاد المسلمين ويعني ان النبي قد راي هؤلاء الظلمة في العذاب الشديد في النار لقيامهم بتعذيب الناس (رواه مسلم )،

وقيل : مكتوب في التوراة : ينادي مناد من وراء الجسر (يعني الصراط )يامعشر الجبابرة الطغاة ويامعشر المترفين الاشقياء ان الله يحلف بعزته وجلاله ان لايجاوز هذا الجسر اليوم ظالم

قال مكحول الدمشقي :ينادي مناد يوم القيامة :اين الظلمة واعوانهم ؟فمايبقي احد مدلهم حبرا اوحبر لهم دواة اوبري لهم قلما الاحضرمعم فيجمعون في تابوت من نار فيلقون في جهنم0

وماذا عن اخبار الامم المكذبة الظالمة

وإذا كان الظلم على مستوى الأفراد والعقوبة النازلة عليهم يشهدها بعض الناس كما نسمع فإن العقوبة تنزل أيضاً على الأمم المكذبة الظالمة، وسنة الله جارية في عموم الظلمة.

بل و كثيرة، قال تعالى: وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَسورة الأنبياء11، وقال: وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًاسورة الكهف59، وقال: وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُسورة الحـج48، وقد عاقب الله أمما بأنواع من العقوبات: فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ سورة العنكبوت40، عاقب الله أقواماً بالصاعقة بصوت شديد من الجو ونار تنزل عليهم من السماء: وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَسورة البقرة55، قوم شعيب ظلة مثل الغيم فوقهم سحب تقصفهم بالصواعق، عذاب يوم الظلة، عاقب الله بعض الأمم بالرجزوهو العذاب و بالطاعون: فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ سورة البقرة59، عاقب قوماً بالرجس والسخط قال: قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ سورة الأعراف71، عاقب قوماً بالمسخ وتشويه الخلقة، لما جاهر بعض بني إسرائيل بالمعاصي: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ تحايلوا على شرع الله، فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِين َسورة البقرة65، عذب قوماً بريح صرصر باردة شديدة الهبوب، عاد استكبروا وطغوا: وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةًسورة فصلت15، فأرسل عليهم إعصاراً: وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ *سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا يعني: متتابعاتفَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍسورة الحاقة 6-7، أرسل على أهل سبأ سيل العرم مزق ملكهم وأزال نعمتهم وأغرقهم بماء سدهم وجعلهم عبرة: فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ سورة سبأ16، وقال: فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ سورة سبأ19سيرة بين الناس، قوم شعيب لما ظلموا بأنواع من الظلم عاقبهم الله بأنواع من العذاب: عذاب يوم الظلة، سحابة أظلتهم فاجتمعوا تحتها فأحرقتهم في يوم شديد الهول، وبالصيحة فقال: وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُسورة هود94، وبالرجفة والزلزلة قال: فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ سورة الأعراف78الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَانُواْ هُمُ الْخَاسِرِينَ سورة الأعراف92، وقال سبحانه بعدما ذكر عاقبة الظالمين ومصارعهم: فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ سورة الأنعام45

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالخامسة والثمانون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : درجات الظلم واعوانه :

الظلم درجات والظالم له أعوان، وجنود، و أتباع، والله عز وجل يخذل الجميع، هؤلاء يعينون هؤلاء: {إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ }سورة القصص8، يعينونهم على باطلهم، ويوم القيامة سيلعن بعضهم بعضاً: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ *قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ}سورة غافر47-48.

جاء السجان  إلى الإمام أحمد رحمه الله في حبسه فقال له: يا أبا عبد الله! الحديث الذي روي في الظلمة وأعوانهم صحيح؟ قال: نعم، قال السجان: فأنا من أعوان الظلمة؟ قال له: أعوان الظلمة من يأخذ شعرك ويغسل ثوبك ويصلح طعامك، ويبيع ويشتري منك، فأما أنت فمن  الظلمة أنفسهم،.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: قال غير واحد من السلف: أعوان الظلمة من أعانهم ولو أنه حبر لهم دواة أو برى لهم قلماً، ومنهم من كان يقول: بل من يغسل ثيابهم من أعوانهم، وأعوانهم هم من أزواجهم المذكورين في الآية، فإن المعين على البر والتقوى من أهل ذلك والمعين على الإثم والعدوان من أهل ذلك.

وإذا كانت الشريعة حرمت الركون إلى الظالم ومداهنتة والميل اليه فكيف إثم من يعينه؟ قال ميمون بن مهران رحمه الله: الظالم والمعين على الظلم والمحب له سواء.

الحكمة من عدم معاجلة الظالم بالعقوبة

قد نرى بعض الظالمين يتمادون في ظلمهم  عشرات السنين جاثمين على صدور العباد لكن الله لا يهمل، الله حليم لا يعاجل بالعقوبة، قال: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى، فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ سورة النحل61، الله يحلم ويستر ويُنظر لكن لا يترك ولا ينسى سبحانه وتعالى: وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًاسورة الكهف59بعض الناس يقولون: دول الآن تظلم وتطغى وتقصف وتحتل وتنهب وتسلب وتفسد لكن لهم يوم، هلاك الظالمين مؤكد لكن وقت حلوله، مجهول لنا قدلاتراه انت ايها العجول ولاتدركه بسبب عمرك القصير ولكن قد يراه احفادك وتسجله عين التاريخ الباصرة الساهرة .

، وقد يكون في عدم تعجيل العقوبة حكمة يعلمها الله مثل أن يستدرجه ليأخذه على أقبح حال اولياخذه علي حين غرة قال تعالي : إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا ولهم عذاب مهين سورة آل عمران178، قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ثم قرأ: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌسورة هود102))[رواه البخاري4686 ومسلم2583 سورة هود102يعني: هذه عادة لله قانون سنة جارية، الله قد يمهل بعض الناس ليتوبوا، وفعلاً قد يتوب ظالم ويرجع إلى ربه، وأحياناً يتأخر إهلاك الظالم لأن المظلوم كان ظالماً لغيره،

قال ابن القيم رحمه الله: وأنت أيها المظلوم تذكر من أين أتيت فإنك لا تلقى كدراً إلا من طريق جناية:

 إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِم ْسورة الرعد11، وقال: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا

كَسَبَتْ أَيْدِيكُم ْسورة الشورى30.

هذا إنسان كان يخلط اللبن بالماء، فجاء سيل فذهب بغنمه فجعل يبكي، فهتف به هاتف: اجتمعت تلك القطرات فصارت سيلاً، ولسان الجزاء يناديه: يداك أوقدتا وفوك نفخ، أنت الذي أوقدت على نفسك.

تأجيل الظالم يكون أحياناً ليستحكم العذاب عليه يوم القيامة، يعني: قد يموت في أوج قوته فيكون موته هو الأخذ والعذاب ينتظر أمامه: وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءسورة إبراهيم42-43، وهذا وعيد شديد للظالمين وتسلية للمظلومين، سيكون هناك يوم يأتي فيه هؤلاء الظلمة لا ينبسون ببنت شفه.

قال عليه الصلاة والسلام: (لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء) [رواه مسلم2582]، فإذا كان هذا حال العجماوات البهائم فيما بينها وهي غير مكلفة ولا عاقلة فكيف حال العقلاء؟!

أيحسب الظالم في ظلمه                       أهمله القادر أم أمهلا

ما أهملوا بل لهم موعد                       لن يجدوا من دونه موئلا

فلا يغر الظالم إمهال الله له، الملك بيد الله يؤتي من يشاء وينزع ممن يشاء، نقمة الله تأتي بسرعة مذهلة، تأتي بغتة.

يا من لذلة قوم بعد عزتهم                  أحال حالهم كفر وطغيان

بالأمس كانوا ملوكاً في مساكنهم           واليوم هم في بلاد الكفر عبدان

فلو تراهم حيارى لا دليل لهم              عليهم من ثياب الذل ألوان

[ الأنترنت – موقع - المصدر: جريدة الشعب الجديد  - قصص وعبر في عجائب مصارع الظالمين قديما وحديثا دليل على قدرة وقوة الجبار - د. عوض الله عبده شراقة ]

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والثمانون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * اعجاز الله في خلق الانسان يدل على قوته :

   يقول علماء وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) إنهم التقطوا صوراً لأشجار على سطح المريخ! وتُظهر الصور صفوفاً من الأشجار الصنوبرية الغامقة بين الكثبان والتلال الموجودة على سطح الكوكب. وتبين الصور كثبانا رملية مغطاة بطبقة رقيقة من ثاني أكسيد الكربون المجمد، وهذه الأشجار هي في الواقع آثار حطام سببته انهيارات أرضية كما يحدث عند ذوبان الجليد على سطح المريخ في الربيع. إن التشابه بين صورة الكثبان الرملية على الأرض وصورة الكثبان على المريخ هو أحد الشواهد على أن الخالق واحد عز وجل! وهو القائل: (قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) [الرعد: 16].

إن مثل هذه الصورة تُظهر مدى ضعف المعلومات التي توصل إليها الإنسان حتى الآن، فمع أن كوكب المريخ هو الأقرب إلى الأرض إلا أن العلماء لا زالوا عاجزين عن فهم حقيقة هذا الكوكب وماذا يوجد على سطحه. ولكن هل تكون مثل هذه الصور دليلاً على قدرة الخالق عز وجل ووسيلة للإيمان به؟ يقول تعالى: (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ) [يونس: 101].

صورة رائعة للقمر : يقول تعالى: (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ

الْمُوقِنِينَ) [الأنعام: 75]. هذه الآية تؤكد على أهمية أ، يتعمق المؤمن في أسرار الكون ليزداد يقيناً

بالله عز وجل!

اعجاز الله سبحانه:

وهذا هو القمر الذي سخره الله لنا. يقول العلماء إنه موجود في المكان الصحيح وعلى المسافة الصحيحة من الأرض والشمس، ولو كان أبعد بقليل لظهر كنجم خافت، ولو اقترب من الأرض لأخاف من عليها بسبب حجمه الكبير! بل لو اقترب القمر قليلاً من الأرض سوف تحدث أمواج مدّ عاتية تغرق اليابسة بسبب جاذبية القمر...

كل هذا بفضل من الله ورحمة فهو القائل: (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم: 33].

فالقمر هو مخلوق مسخر بأمر الله، لا تظن عزيزي القارئ أنه يدور بفعل الجاذبية وقوانين الفيزياء... بل هذه القوانين مسخرة بأمر الله، وهو يتحكم بها، ولولا أن الله يمسك هذا القمر لزال من الوجود... وتبارك الله القائل: (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) [فاطر: 41].

رياح قوية ترفع الناس : الريح قادرة على اقتلاع أي شيء من على وجه الأرض وحمله، وفيما يلي لقطة لطيفة لإنسان محمول بالهواء

اعجاز الله سبحانه

هذه صورة لإنسان ترفعه رياح قوية على شواطئ بريطانيا هبَّت بسرعة تصل إلى 160 كيلو متر في الساعة، والحقيقة إن الريح القوية التي تبلغ 300 كيلو متر في الساعة قادرة على اقتلاع المنازل والبشر والشجر... وهنا نتذكر قول الله تعالى في عذاب قوم عاد عندما أرسل الله عليهم عاصفة قوية. يقول تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ * تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) [القمر: 19-20]. إنه تصوير دقيق لهذه الريح القادرة على نزع الناس وحملهم في الهواء وهو ما

نشاهده في الصورة... فسبحان الله!

سقوط النيازك في المناطق غير المأهولة يثير دهشة العلماء : النيازك تحيط بالأرض من كل جانب وتضرب سماء الأرض وتخترقها ولكنها تسقط في الأماكن غير المأهولة... لماذا؟

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالسابعة والثمانون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : اعجاز الله سبحانه :

هذه صورة لنيزك يخترق سماء بلجيكا وهولندا بتاريخ 15 / 10 / 2009 مثل هذه الكرة النارية تتساقط باستمرار على مناطق مختلفة من الأرض، ويقول العلماء إنها غالباً ما تسقط فوق مناطق غير مأهولة. حيث تسقط كل فترة كرة نارية ملتهبة بالقرب من المناطق المأهولة ولكنها غالباً لا تؤذي أحداً.

وسبحان الله طرحت هذا السؤال: لماذا تختار هذه الحجارة الحارقة أماكن غير سكنية؟ ومن الذي يتحكم بحركتها ومن الذي يحدد مكان سقوطها؟ طبعاً هناك قوانين فيزيائية تحكم كل هذا، ولكن هذه القوانين هي بيد الله تعالى، وهو الذي يحدد مسارها.

لنتأمل هذه الآية الكريمة: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) [الأنعام: 59]. ولو شاء لأسقط هذه الحجارة على البشر ولكنها رحمة الله بعباده فهو القائل: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) [الأنعام: 65].

إن هذه النتيجة تدل على أن العملية لا تحدث بالمصادفة ولو كان الأمر كذلك لما استطاعت هذه النيازك التمييز بين المناطق المأهولة أو غير المأهولة، ولكن اللهتعالى الذي خلق هذه الحجارة وقدر لها أن تسبح في الفضاء وقدر لها أن تدخل الغلاف الجوي، هو الذي سخر لنا سماء لتحفظنا من شر هذه النيازك! والحقيقة هذه الظاهرة والتي تثير عجب العلماء لا تثير العجب لدينا نحن المسلمين لأننا نعلم أنالله تعالى هو الذي سخر كل شيء لخدمتنا، وليست المصادفة المزعومة.

ومن هنا يمكن أن نقرأ هذه الآية قراءة جديدة عسى أن ندرك نعمة الله ونشكره عليها، فهو القائل: (وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آَيَاتِهَا مُعْرِضُونَ) [الأنبياء: 32].

الكلب يلهث : إشارات علمية رائعة تضمنها كتاب الله تعالى، ومنها هذا التشبيه لمن انسلخ من آيات الله تعالى وابتعد عن كتابه....

لقد أنعم الله علينا بنعمة الجلد، حيث يحوي جلدنا فتحات خاصة للتعرق وتنظيم حرارة الجسد والحماية من الجراثيم، ولكن الله حرم الكلب من هذه النعمة فلا يوجد على جلده إلا القليل من الفتحات ولذلك فإنه يلهث باستمرار لتنظيم حرارة جسده.

اعجاز الله سبحانه

صورة لجنين كلب عمره 36 يوماً، وبعد مراقبة العلماء لجنين الكلب وجدوا أنه يلهث وهو في بطن أمه وبعد أيام قليلة فقط من تكوّنه!!

هذه المعلومة لم يكن أحد يعلمها زمن النبي الكريم، ولكن القرآن ذكرها لنا في مثال رائع يؤكد فيه أن الذي ينسلخ عن آيات الله ويبتعد عنها مثل الذي ينسلخ من جلده فيصبح كالكلب لابد أن يلهث ليعوض جلده المسلوخ!!

يقول تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا) [الأعراف: 175]، ثم قال: (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث) [الأعراف: 176]، فسبحان الله!

البرق خلف الجبل : لنتأمل هذه الصورة الرائعة التي أبدعها الخالق سبحانه وتعالى... إنها لوحة فنية مليئة بالإعجاز

اعجاز الله سبحانه

صورة للبرق خلف الجبل... إن هذه الظواهر الكونية تشهد على عظمة الخالق تبارك وتعالى. وهنا أتذكر آية عظيمة يقول فيها الله تعالى: (يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة: 20]. تأملوا معي كلمة (يَخْطَفُ) ... لماذا لم يقل "يكاد البرق يعمي أبصارهم" ماذا يشير فعل الخطف؟

إن هذه الكلمة (يَخْطَفُ) تستعمل في اللغة العربية للتعبير عن سرعة الأشياء "سرعة خاطفة" وهي من أقوى الكلمات للتعبير عن السرعة الهائلة وغير المدركة بالعين، وبالفعل اكتشف العلماء أن سرعة شعاع البرق أكثر من 150 ألف كيلو متر في الثانية!! تصوروا أن هذه السرعة تعني أن هذا الشعاع لو قدّر له أن يطوف حول الكرة الأرضية لقطعها خلال ربع ثانية فقط!! ولذلك قال تعالى (يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ)... لا نملك إلا أن نقول سبحان الله! فهذه الدقة اللغوية العجيبة تشهد على أن هذا القرآن

من تنزيل العزيز الحكيم وليس بقول بشر كما يدعي الملحدون!

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والثمانون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : الحائط العظيم : اعجاز الله سبحانه

الحائط العظيم: عبارة عن حائط ضخم جداً من المجرات والغبار الكوني والنجوم والثقوب السوداء والدخان.. وجميع هذه المخلوقات تتوضع بنظام مذهل ودقة بالغة. طول هذا الجدار أكثر من 200 مليون سنة ضوئية، ويبعد عنا أكثر من 500 مليون سنة ضوئية. ولكنه ليس الجدار الوحيد في الكون، إنما هنالك الكثير من الجدران الكونية، أكبرها يبلغ طوله ألف مليون سنة ضوئية!!!! ويقول العلماء إن هذه الجدران هي أجزاء من مباني ضخمة جداً، وأن هنالك بنى هائلة في الكون.

ما رأيك عزيزي القارئ أن القرآن قد تحدث بدقة عن هذه البنى الكونية العظيمة وسمَّاها البروج يقول تعالى: (تبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً)، فهل سيكتشف العلماء مستقبلاً أشكال هذه البروج بالكامل؟

أول صورة للطبقة الثانية من طبقات الأرض : اعجاز الله سبحانه

هذه صورة عرضها موقع ناشيونال جيوغرافيك للطبقة الثانية للأرض، وهذه أول صورة مباشرة تم الحصول عليها بعد قيام العلماء بثقب في جزيرة هاواي (وهي جزيرة بركانية تشكلت بفعل انطلاق الحمم المنصهرة وتجمدها)، وشاهد العلماء هذه الطبقة الملتهبة في حالتها الطبيعية بعد إجراء الحفر في أرض الجزيرة البركانية على عمق 2.5 كيلو متر. ويؤكد الباحثون المختصون بعلم البراكين أن هذه فرصة لدراسة طبقات الأرض عن قرب.

إن هذه الصورة تذكرني بآية عظيمة ونعمة من نعم الخالق تبارك وتعالى! فماذا سيحدث لو أن القشرة

الأرضية (الطبقة الأولى) والتي تعوم فوق الطبقة

الثانية الملتهبة، لو أن هذه القشرة الرقيقة غاصت قليلاً في الحمم الملتهبة، ماذا سيحدث؟ إن سطح الأرض سيهتز وينقلب ويغرق في بحر من اللهب! وهذه النعمة تجعلنا نحمد الله تعالى، يقول عز وجل: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ) [الملك: 16]. ومعنى (تَمُورُ) أي تضطرب وتميل وتغرق.

منطقة التقاء النهرين : اعجاز الله سبحانه :

صورة حقيقية لمنطقة يلتقي بها نهر Rio Negro ونهر Solimões في البرازيل، ويلتقيان لمسافة تمتد لأكثر من خمسة كيلو مترات ولا تختلط مياههما! لهما كثافة ودرجة حرارة مختلفة. النهر الأول على اليمين يحوي ترسبات من تربة الجبال ولذلك يظهر باللون البني، أما النهر الثاني على اليسار فهو قاتم بسبب النباتات المتحللة القادمة من الغابة.

إن هذه الظاهرة لها تفسير علمي اليوم، وهو مجموعة القوانين الفيزيائية التي تحكم حركة السوائل، مثل اختلاف الكثافة والملوحة ودرجات الحرارة. هذه القوانين تضمن عدم طغيان أحد النهرين على الآخر، على الرغم من التقائهما بشكل مباشر. فسبحانالله الذي وصف لنا التقاء الأنهار والبحار قبل 14 قرناً فقال: (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا) [الفرقان: 53].

وبالطبع هذه الآية تتحدث عن التقاء البحر المالح بالنهر العذب، وتشكل منطقة البرزخ بينهما، ولكن ما نراه في الصورة حالة شبيهة بالتي وصفها القرآن، حيث تلتقي المياه العكرة مع المياه الصافية، ولكل منهما درجة ملوحة تختلف عن الآخر، ولا يختلطان إلا بحدود ضيقة جداً.

وزينا السماء الدنيا بمصابيح : اعجاز الله سبحانه

صورة توضح النجوم التي تعتبر مصابيح خافتة وجميلة في السماء وتسمى brown dwarfs وتبلغ

شدة إضاءتها جزء من المليون من إضاءة الشمس،

لذلك يسميها العلماء مصابيح light bulbs ويقول علماء وكالة ناسا إن هذه المصابيح الكونية هي الأقل إضاءة في الكون.

عندما كنتُ أتابع هذا الخبر العلمي لاكتشاف العلماء هذه الأجسام الجميلة في الكون، استوقفني التعبير الذي يستخدمونه light bulbs أي مصابيح، وأدركت أن هؤلاء العلماء أطلقوا هذا التعبير لأنهم وجدوا في آلية عمل هذه الأجسام (وغيرها من النجوم) تشابهاً كبيراً مع آلية عمل المصباح. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن القرآن سبق علماء ناسا إلى إطلاق هذا التعبير، يقول تعالى: (وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [فصلت: 12] فسبحان الله!

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالتاسعة والثمانون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : البرق والبركان :

ربما تكون ظاهرة البرق من أكثر الظواهر إثارة في الطبيعة فهي ظاهرة مخيفة وجميلة، ولكن يزداد الأمر إثارة عندما تمتزج مع ظاهرة أخرى هي تدفق الحمم المنصهرة من البراكين! فحرارة الحمم المقذوفة تبلغ آلاف الدرجات المئوية، وحرارة شعاع البرق تبلغ ثلاثين ألف درجة مئوية، فتأملوا معي هذا المشهد الشديد الحرارة.

اعجاز الله سبحانه

ويظهر في الصورة بركان Chaiten في تشيلي، وكيف تنطلق منه المواد المنصهرة والتي تخرج من باطن الأرض، وتنطلق الغازات الحارة والدخان والنار، والعجيب أن هذا البركان يسرع عملية حدوث البرق، عندما تهبط شحنة كهربائية من الغيمة باتجاه البركان وتتفاعل مع الشحنة التي يحملها البركان، لتنطلق شرارة البرق المحرقة، ولكن تصوروا معي أن نار جهنم أشد حراً، يقول تعالى: (قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ) [التوبة: 81]. إن هذا المشهد يدعونا للتأمل والتفكر في عظمة الخالق وقدرته عز وجل، نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين قال فيهم: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران: 191].

وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً :

هذه صورة التقطها أحد الفلكيين الهواة تظهر القمر في أقرب مسافة وأبعد مسافة عن الأرض. الصورة اليمنى نرى فيها القمر وهو في أقرب نقطة من الأرض على مسافة 357.448 كيلو متر، والصورة على اليسار يظهر فيها القمر وهو في أبعد نقطة عن الأرض على مسافة 405.363 كيلو متر.

اعجاز الله سبحانه

إن إنارة القمر وحجمه واضح الاختلاف بالنسبة لنا، مع أن حجم القمر لا يتغير ولكننا نراه أكبر وأكثر إضاءة عندما يكون قريباً من الأرض. فالمدار الذي يسلكه القمر ليس دائرياً بل بشكل بيضوي، وبالتالي في كل يوم هناك مسافة وإنارة تختلف عن اليوم التالي أي في كل يوم له منزلة (مكان) يختلف عن اليوم الذي يليه، وربما ندرك معنى قوله تعالى: (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) [يس: 39]. ويؤكد العلماء أن قمرنا هو الأكثر إنارة بين جميع أقمار المجموعة الشمسية، والسبب في ذلك هو حجمه الكبير وقربه من الأرض ووجود الزجاج في ترابه، وقربه من الشمس أيضاً، على عكس أقمار المشتري التي تعتبر بعيدة جداً عن كوكبها وبعيدة عن الشمس فهي لا تتميز بصفة الإنارة. وربما ندرك لماذا أطلق القرآن هذه الصفة (مُنِيرًا) على القمر، يقول تبارك وتعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا) [الفرقان: اعجاز الله سبحانه]. فهو القمر

 الوحيد الذي تناسبه هذه الكلمة، وهذه معجزة قرآنية،فمن الذي أخبر النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم بذلك؟

إن الذي يتأمل الأبحاث الصادرة عن القمر يلاحظ أن الله تعالى أودع فيه قوانين فيزيائية دقيقة، فهو يتحرك بنظام، ويبتعد بنظام ويقترب بنظام، ويعكس أشعة الشمس بنظام محسوب. كذلك علاقته مع الشمس ودورانه حول الأرض كل ذلك بنظام رياضي يمكن حسابه بالأرقام، وهنا ندرك لماذا أطلق القرآن كلمة (حُسْبَانًا) على الشمس والقمر، يقول تعالى: (فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [الأنعام" 96].

أول صورة لكوكب خارج المجموعة الشمسية

قالت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا إن التلسكوب الفضائي هابل التقط أول صورة في وضح الضوء لكوكب يدور حول نجم في نظام شمسي آخر. ويقدر حجم الكوكب "فومالهوت بي" بثلاثة أضعاف حجم كوكب المشترى أكبر الكواكب السيارة في النظام الشمسي. وتم التقاط الصورة بينما يدور الكوكب في

مدار نجم فومالهوت، والذي يبعد 25 سنة ضوئية من الأرض.

اعجاز الله سبحانه

ويمثل التقاط مثل هذه الصور نوعا من التحدي حيث أن وهج النجم يجعل من المستحيل تقريبا رؤية الكواكب المدارية في ضوء مرئي. وهذا من شأنه إجبار الفلكيين أن ينظروا للكواكب بشكل غير مباشر بقياس تأثير الجاذبية على النجم الذي تدور في فلكه الكواكب. وحسب الصورة التي بثتها وكالة ناسا يبدو الكوكب نقطة صغيرة جداً في وسط حلقة غبار حمراء ضخمة لحطام كوكب كبير. وتشبه أقراص الحطام الكبيرة لحزام كوبر والذي هو عبارة عن دوائر حول النظام الشمسي ويحوي أجساما مجمدة كبيرة الحجم من حبات الغبار وأحيانا مواد في حجم الكويكبات الصغيرة على غرار بلوتو في النظام الشمسي الخاص بالأرض.

والسؤال: هل من الممكن أن توجد كواكب أخرى في الكون؟ وهل من الممكن وجود حضارات

أخرى وكائنات حية تعيش عليها؟ هذا ما يبحث عنه العلماء، ولكن القرآن أشار إلى ذلك، هناك آيات كثيرة تؤكد وجود كواكب أخرى وكائنات أخرى في الكون، ومن هذه الآيات قوله تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ) [الشورى: 29]. فهذه الآية تشير إلى وجود كائنات حية منتشرة في الكون، وليس في الأرض فحسب، لأن الله تعالى قال: (وَمَا بَثَّ فِيهِمَا) أي في السموات والأرض. فسبحان الله!

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التسعون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : لحماً طرياً : اعجاز الله سبحانه

يؤكد العلماء أن بروتين السمك ذو قيمة غذائية عالية، سهل الهضم ولا يخلف بعد امتصاصه إلا القليل

من الفضلات والأبيض منه أسهل هضماً من اللحم ولذا فهو يعتبر غذاء مفيداً للمرضى المصابين باضطرابات في جهازهم الهضمي، كما يحتوي على جميع البروتيدات الكبريتية الرئيسية. ويتميز الدهن الموجود في السمك بغناه بالحموض الدسمة غير المشبعة، وهي حموض مفيدة وغير ضارة وتتصف بقدرتها على خفض مستوى الدهون في الدم مما يجعلها مفيدة في الوقاية من تصلب الشرايين وخاصة من أمراض الشرايين الإكليلية القلبية. ودهن السمك أسهل هضماً من دهن اللحم. قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل: 14]، يتبين لنا من الآية السابقة أن الله تعالى ذكر لنا أنه سخر لنا البحر لنأكل منه لحماً طرياً، وبالفعل يعتبر السمك من أطرى أنواع اللحوم، ويتميز بقيمة غذائية عالية، فسبحان الذي سخر لنا هذه النعم لنشكره عليها.

الظلمات الثلاث :  اعجاز الله سبحانه

يقول البروفسور كيث مور أحد أشهر علماء الأجنة في العالم: ينتقل الجنين من مرحلة تطور إلى أخرى داخل ثلاثة أغطية التي كانت قد ذكرت في القرآن

الكريم في قوله تعالى (فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ): هذه الظلمات هي مرادفة للمعاني التالية:

جدار البطن : جدار الرحم : المشيمة بغشائها الكوريونو -أمونيونية

وقد ثبت علمياً أن تطور الجنين يمر عملية في بطن الأم عبر ظلمات ثلاث هي: الظلمة الأولى: ظلمة جدار البطن، الظلمة الثانية: ظلمة جدار الرحم، الظلمة الثالثة: ظلمة المشيمة بأغشيتها، قال الله تعالى: (يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) [الزمر: 6].ووجه الإعجاز في الآية القرآنية الكريمة هو إشارة القرآن الكريم إلى أن عملية تخلّق الجنين تتم في بطون الأمهات عبر ظلمات ثلاث وهذه العمليات الخفية لم يكن لأحد علم بها زمن نزول القرآن بما يشهد على إعجاز هذا الكتاب العظيم.

الكذب عند الطيور :

قام العلماء بالعديد من التجارب ودهشوا عندما علموا أن الطيور تكذب مثل البشر تماماً!! فعالم الطيور عالم مليء بالأسرار ولم يتمكن العلماء من معرفة هذه الأسرار باستثناء القليل منها، ومسألة الكذب في عالم الطيور معروفة لدى العلماء منذ سنوات قليلة فقط! والطيور تكذب من أجل الحصول على طعامها وقد تكذب وتغش الأنثى لتجذبها إليها!

اعجاز الله سبحانه

ولكن القرآن كتاب العجائب حدثنا عن هذه القضية في إشارة رائعة وذلك في سياق الحديث عن الهدهد في قصة سيدنا سليمان مع بلقيس. فقد أعطى الله القدرة لسيدنا سليمان فكان يفهم لغة الطيور ويخاطبهم، وعندما تأخر طائر الهدهد وجاء فأخبر الملك سليمان أنه وجد قوماً يسجدون للشمس من دون الله، قال له سليمان: (قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) [النمل: 27]. هذه الآية تدل على أن الطيور تصدق وتكذب، وهذا ما كشفه العلماء حديثاً جداً! وهنا يتساءل المرء: كيف علم سيدنا سليمان أن الطيور تكذب؟ ثم من الذي أخبر الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم بهذه القصة؟ إنه الله تعالى الذي خلق الطيور وهو أعلم بها.

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والتسعون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : سرعة الذبابة :

قال باحثون في الولايات المتحدة الأمريكية إنهم توصلوا لمعرفة السر الذي يجعل من الصعب ضرب الذباب. ويعتقد الباحثون أن مقدرة الذبابة على تفادي الضربات تعود لدماغها سريع التصرف والمقدرة على التخطيط مسبقاً. وأظهر تسجيل فيديو عالي السرعة أن الذبابة تتعرف على المصدر الذي يأتي منه الخطر وتعد لمسار الهروب.

اعجاز الله سبحانه

وصور الباحثون في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا مجموعة من محاولات إصابة الذباب، حيث اكتشفوا أن الذبابة تضع نفسها في موضع "ما قبل الطيران" بسرعة كبيرة خلال جزء من عشرة أجزاء من الثانية من تعرفها على الشخص الذي يستهدفها. فسبحان الذي أعطى للذبابة هذه القدرات الفائقة بل وضربها مثلاً لنا فقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) [الحج: 73]

أمواج تحت المحيط : اعجاز الله سبحانه

آية عظيمة كلما تذكرتها أتذكر عظمة الخالق سبحانه وتعالى يقول فيها: (أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ) [النور: 40]. يشبّه الله أعمال الكفار برجل يعيش في أعماق المحيط حيث تتغشاه الأمواج العميقة من فوقه ثم هناك طبقة ثانية من الأمواج على سطح الماء وفوق هذا الموج سحاب كثيف يحجب ضوء الشمس، فهو يعيش في ظلمات بعضها فوق بعض. في هذه الآية العظيمة حقيقة علمية لم تنكشف يقيناً للعلماء إلا في نهاية عام 2007 وذلك من خلال اكتشافهم لأمواج عميقة في المحيط لأول مرة تختلف عن الأمواج السطحية على سطح الماء، أي أن هناك موج عميق وموج سطحي، وهو ما عبرت عنه الآية بقوله: (مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ). وقد تفاجأ العلماء بهذه الأمواج التي أكدوا أنهم لم يكونوا يتوقعون وجودها، وسبحان الله! لو أنهم اطلعوا على قرآننا لعلموا بها ولأدركوا أن هذا القرآن هو الحق!

نبات يبكي! :  اعجاز الله سبحانه

هذه ورقة من أحد النباتات التي زودها الله بجهاز خاص للبكاء!! فهي تفرز مادة دمعية عبر قنوات خاصة، ويعجب العلماء من تصرف هذا النبات، لماذا يقوم بهذه العملية وما هي الحكمة منها؟ إنها آية من آيات الله في النبات، أليس الله تعالى هو القائل في كتابه المجيد: (وأنه هو أضحك وأبكى)؟ وهو القائل أيضاً: (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم)؟؟ فسبحان الله الذي جعل في كل شيء له آية تدل على أنه واحد أحد.

سمكة الأعماق : إنها سمكة تسبح الله تعالى وهي تسلك الطريق التي حددها لها البارئ عز وجل، وصدق الله القائل: (الذي أعطى كل شيء خلْقه ثم هدى).

اعجاز الله سبحانه : الطاقة الشفائية للصلاة : اعجاز الله سبحانه

هنالك آثار نفسية عظيمة للصلاة، فعندما يتم المؤمن خشوع الصلاة فإن ذلك يساعده على التأمل والتركيز والذي هو أهم طريقة لمعالجة التوتر والإرهاق العصبي. كذلك الصلاة علاج ناجع للغضب والتسرع والتهور فهي تعلم الإنسان كيف يكون هادئاً وخاشعاً وخاضعاً لله عز وجل وتعلمه الصبر والتواضع. وهذه الأشياء تؤثر بشكل جيد على الجملة العصبية وعلى عمل القلب وتنظيم ضرباته وتدفق الدم خلاله. يقول تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) [المؤمنون: 1-2].[ الأنترنت – موقع  اعجاز الله في خلق الانسان يدل على قوته ]

  ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والتسعون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *القوَّة في الدِّين.. كيف نراها واقعاً في حياتنا.. :

المتأمل في التاريخ يجدُ أنَّه ما من دينٍ ظهَر وانتشر –سواءً أكان حقَّاً أم باطلاً- إلاَّ كان وراءه فئة

تؤمن به، وتعمل له، وتمتثله واقعاً في حياتها؛ ليقوم ذلك الدِّين على أكتافهم، وليكونوا أنموذجاً واضحاً

لأتباعه؛ يسترشدون بهم، ويطمئنُّون من جهة تطبيق ذلك الدِّين وتحقيقه.

ولذلك.. عندما أنزل الله عزَّ وجل دينه في هذه الأرض بشرائعه المختلفة، جعل لكلِّ شريعة من الشرائع رسولاً كريماً يبلِّغ ويكون قدوة، وفئة تؤمن وتعمل وتمتثل؛ لتكون عاملةً على إظهار دينها شيئاً فشيئاً، دالَّةً على صحَّته وإمكان تطبيقه، وتهيئة فئات تحمل همَّ هذا الدِّين والعمل له..

ولكن.. عندما يدبُّ الضَّعف في تلك الفئة المؤمنة العاملة -على اختلاف أزمانها- سواءً من جهة العلم أو العمل، فإنَّ ذلك الضَّعف ينعكس تلقائياً على ظهور ذلك الدِّين وأتباعه..حتى يضمر أو يتلاشى.

 وكان من حكمة الله عزَّ وجل أنْ جعل في هذه الأمَّة المحمديَّة، والشريعة الخالدة الأبديَّة، فئة تؤمن بدينه، وتعمل له، وتمتثله واقعاً عملياً في حياتها ما دام هذا الدِّين في الأرض، لا يعتريهم الضَّعف، ولا يسيطر عليهم اليأس، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يزال من أمتي أمةٌ قائمةٌ بأمر الله لا يضرُّهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك)) [رواه البخاري في صحيحه كتاب المناقب، باب "سؤال المشركين أن يريهم النبي صلى الله عليه وسلم آية فأراهم انشقاق القمر"، (ح3369).]

وقد دلَّ الحديث على أنَّ هذه الطائفة القائمة بأمر الله عزَّ وجل قد تمَّ حفظها من ضرَرَيْن:

أولاً: حفظها من ضرر الخذلان.

وثانياً: حفظها من ضرر المخالفة. والفرق بينهما: أنَّ الخذلان ما كان من داخل الصفِّ..!، والمخالفة ما كان من خارجه [ انظر: فتاوى شيخ الإسلام رحمه الله (28/416).]

، وهذان هما الخطران المحدقان بكلِّ دين أو مذهب يُراد له الظهور والانتشار..

وما كان لهذه الطائفة المؤمنة أن تبقى قائمةً بأمر الله عزَّ وجل، صامدةً في وجه طوفان المخاطر الداخليَّة والخارجيَّة سوى أنها كانت قويَّةً في دين الله عزَّ وجل أخذاً وعطاءً، تلقياً وأداءً، علماً وعملاً، شريعة ونَهْجاً..هذا هو الأمر الذي حفظها من حَنَق المخالفين، وخَوَر المخذِّلين المرجفين. ولولا تلك القوَّة الدينيَّة وما تُمْليه من وضوحٍ في التصوُّر والاعتقاد، وحزمٍ في التمسُّك والامتثال، وجديَّةٍ في السلوك والعمل..، لانحلَّت تلك الطائفة عند أدنى مؤامرة أو اعتداء، ولكانت تعيش تشتُّتاً في الأمر، وهواناً في العزم، ولما بقيت تقوم لله عزَّ وجل بحجَّة..

 ولذا.. لما كان مدار الصُّمود والبقاء على القوَّة في الدِّين، أَمَر الله عزَّ وجل بها أنبياءه وأقوامهم، فقال تعالى لموسى عليه السلام {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا} [الأعراف: 145] وقال لبني إسرائيل {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} [الأعراف: 171]، وَوصَف الله عزَّ وجل بها نبيَّه داود عليه السلام فقال: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 17] أي ذا القوة في الدِّين، بل خاطب الله بها يحيى عليه السلام منذ أن كان في المهد صبياً {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} [مريم: 12] لينشأ ذلك الصبي وهو ابن ثلاث سنين كما في قول ابن عباس رضي الله عنه[ انظر: تفسير

البغوي (5/121).]..على معاني القوَّة والجدِّ والعزم في أخذ الدِّين والتمسُّك به.

إن الأمَّة اليوم بحاجةٍ شديدةٍ إلى استجماع معاني القوَّة في أفرادها؛ ليسعدوا بدينهم، ويُؤدوا حقَّ الله عزَّ وجل فيهم. والناظر في كلام ربِّه سبحانه وتعالى لا تكاد تخطئُ عينه صورتان اثنتان من صور القوَّة في الدِّين لا تتحقق القوَّة إلا بهما:

الأولى: القوَّة في الأخذ والتمسُّك والعمل {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} [الأعراف: 171] .

والثانية: القوَّة في الإعداد والمواجهة والمدافعة {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60].

إنَّ الأمَّة بحاجةٍ إلى المؤمن القويِّ في عقيدته.. القويِّ في عبادته..القويِّ في تعلُّمه..القويِّ في دعوته....القويِّ في دفاعه..القويِّ في صَدْعه بالحقِّ ووقوفه أمام سَيْل الشُّبهات والشَّهوات، والفتن والمغريات.. إذا تكلَّم كان قويَّاً واثقاً، وإن ناقش كان قويَّاً واضحاً، وإذا عَمِل كان قويَّاً ثابتاً، يأخذ تعاليم دينه بقوَّة، وينقلها إلى غيره بقوَّة، ويتحرَّك ويدعو في مجتمعه بقوَّة..لا وَهَن ولا تميُّع.. ولا ضعْف ولا تصنُّع، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن القويُّ خير وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز..)) [ رواه مسلم في صحيحه، كتاب القدر، باب في "الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله وترك المقادير لله" (ح4816).]

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والتسعون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : الأسس التي تقوم عليها القوة 

ولكي تتحصَّل هاتان القوَّتان بكل صُوَرها وأشكالها، وتُصْبح واقعاً عملياً نعيشه في حياتنا، لابدَّ من استجماع عدِّة أمور هي بمثابة الأُسُس التي يقوم عليها هذا المبدأ الشرعيِّ، (والمقام مقام إشارةٍ لا استفاضة، وهي محاولة استقرائية للآيات الواردة في القوَّة، وحال المأمورين والموصوفين بها):

الأساس الأول: قوَّة الصِّلة بالله تعالى.

إنَّ من أهمِّ أُسُس القوَّة في دين الله عزَّ وجل أن يكون المؤمن قويَّ الصلة بالله عزَّ وجل، كثير العبادة له سبحانه. لما ذَكَر الله عزَّ وجل نبيَّه داود عليه السلام وَصَفه بالقوَّة في الدِّين، وعلَّل ذلك بأنه أوَّاب كثير الرجوع إلى ربِّه عزَّ وجل فقال تعالى {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 17]، وكان عليه السلام حَسَن التعبُّد لربِّه عزَّ وجل ففي الحديث: "إن أحبَّ الصيام إلى الله صيام داود، وأحبَّ الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام"  [ رواه مسلم في صحيحه، كتاب الصيام، باب "االنهي عن صوم الدهر لمن تضرر به أو فوت به حقاً.." (ح1969).]

 ولما أمر نبيُّ الله هود عليه السلام قومه بالاستغفار والرجوع إليه سبحانه بيَّن لهم أنَّ هذه الصلة الحسنة بالله تعالى تزيدهم قوَّة في أمر دينهم ودنياهم {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} [هود: 52].

 الأساس الثاني: الاستجابة الكاملة لله تعالى..

ففي قوله تعالى لبني إسرائيل {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا} [البقرة: 93] أَتْبعَ الله عزَّ وجل أمْرَه بأخذ ما آتاهم بقوَّة بأمرٍ آخر وهو السماع المطلق والاستجابة الكاملة له سبحانه، ليدُلَّنا ذلك بطريق الإشارة على أن ممِّا تتحقق به القوَّة في الدِّين سماع أمر الله عزَّ وجل، والإنصات له، والعمل بموجبه، ليتمَّ تحقيق العبودية الشاملة له بعد ذلك. وإذا أعرض الإنسان عن سماع أمر ربِّه تعالى، أو سمع ولم يجب الاستجابة الكاملة التي تُغيِّر محتواه ظاهراً وباطناً كان عُرضة لأن يقع فيما وقع فيه بنو إسرائيل من الذمِّ وسوء العاقبة {قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 93].

الأساس الثالث: اليقين بنصرة الله عزَّ وجل لدينه.

إن استحضار نصرة الله عز وجل لدينه، وامتلاء القلب يقيناً وصِدْقاً بوعد ربِّه تعالى لابدَّ أن يكون

مصاحباً لكل مريد للقوَّة في الدِّين- لاسيَّما زمن الفتن والمحن-، ولذلك عندما أحسَّ أصحاب موسى عليه السلام بخُسران المعركة أمام فرعون وملئه، وظنُّوا انتصار الباطل على الحقِّ..أظهر الله عزَّ وجل على لسان موسى عليه السلام -المأمور بالقوَّة في الدِّين- ما كان يحمل في قلبه من يقينٍ وثقةٍ بنصر الله تعالى لدينه وعباده المؤمنين، فقال الله عزَّ وجل -حاكياً حاله وحالهم- {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيم} [الشعراء: 61 - 63].

 كما أن على القويِّ في دين الله عز وجل ألاَّ يستبطئ وَعْد الله تعالى في نُصْرة دينه، وأن يسعى في مؤازرة إخوانه وتذكيرهم بهذا الوعد، اقتداء بفعل

موسى عليه السلام -لما استبطأ قومه النَّصْر واستطالوا عَهْد الله فعبدوا العِجْل- {فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا

حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي} [طه: 86].

الأساس الرابع: الحرص على مذاكرة ما في الكتاب والسنة..

فكيف لمؤمنٍ يريد أن يكون قويَّاً في دين الله عزَّ وجل، حاملاً همَّ تبليغه وتبيينه للناس، إذا فتَّشت عن قراءته -فضلاً عن مذاكرته- لكتاب الله عزَّ وجل وسُنَّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم وجدتها تبلغ من الضَّعف قدْراً كبيراً.، لما أمر الله بني إسرائيل بأخذ ما آتاهم من التوراة بقوَّة أشار سبحانه إلى ما يُعينهم على هذا الأمر فقال تعالى {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 63] أي: خذوا التوراة بقوَّة واتلوها وادرسوها واعملوا بما فيها لتكونوا من أهل التقوى[ انظر: تفسير الطبري (2/161).] فكذلك كل من أراد القوَّة في دين الله عز وجل عليه أن يكون حريصاً على ذِكْر ما وَرَد في الكتاب والسنة، وعلى العمل بموجبه؛ ليَقْوَى في دينه، وليوصله بعد ذلك بإذن الله إلى العلَّة المذكورة في الآية (لعلكم تتقون). وعندما وَصَف الله عزَّ وجل نبيَّه داود عليه السلام بكونه قويَّا في دين الله أخبر سبحانه عن طَرَف من مظاهر هذه القوَّة وأسبابها فقال تعالى {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا} [النمل: 15]، وقال {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 79].

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والتسعون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : الأسس التي تقوم عليها القوة 

الأساس الخامس: عدم الانسياق لرغبات النفس وشهواتها..

إنِّ المؤمن إذا اشتغل قلبه بالدُّنيا، وتعلَّقت نفسه بشهواتها، صَعُب عليه التقوِّي في دين الله تعالى، والاجتهاد في طاعته، ولذلك لما وَصَف الله عزَّ وجل نبيَّه يحيى عليه السلام -المأمور بالقوة في الدِّين- وَصَفَه مُثنياً عليه بأنه يَحصُر نفسه ويحبسها عن الشهوات والملذَّات المباحة فضلاً عن المحرَّمة، فقال

تعالى مخاطباً زكريا عليه السلام {أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران: 39]. [ انظر: تفسير البغوي (2/35).]

الأساس السادس: الارتباط بالصالحين والتقوِّي بهم..

إنَّ على القويِّ في دين الله عزَّ وجل أن يكون على ارتباطٍ وثيقٍ، واتصالٍ متينٍ، بإخوانه الصالحين المصلحين؛ ليشدُّوا من عزمه، وليصدِّقوه في دعوته، وليزداد بهم رسوخاً وثباتاً على أمره..، ولذلك سأل موسى عليه السلام– وهو المأمور بالقوَّة في الدين- ربَّه سبحانه وتعالى أن يُرسل معه أخاه هارون عليه السلام ليزداد به قوَّةً على قوَّته، فقال تعالى- على لسان موسى-: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ} [القصص: 34، 35].

هذه سته أسس.. أَحْسبُ أنها كفيلة بإذن الله تعالى في أنْ تُحيي فينا معاني القوَّة في الدِّين أخذاً

ومدافعة، وتصنع لنا جيلاً يتربَّى على مثل هذا الأمر..والشواهد على هذه الأسس كثيرة مستفيضة، ولكنِّي رغبت الاقتصار على الاستشهاد بالآيات الواردة في القوَّة والمتعلِّقة بها؛ ليظهر لنا مدى الاتصال بين هذه الأسس وموضوع القوَّة في الدِّين. ولك أن تتأمل معي ما وَرَد في هذه الآية العظيمة وتُقارن بين المأمور به، وشدَّة العقاب المترتِّب على عدم الامتثال.. يقول الله عز وجل -عن بني إسرائيل-: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأعراف: 171] .. قال قتادة رحمه الله في تفسير هذه الآية: "جبل نزعه الله من أصله ثم جعله فوق رؤوسهم، فقال: لتأخذُنّ أمري، أو لأرمينَّكم به..!"، وقال الحسن البصري رحمه الله: "لما نظروا إلى الجبل خرَّ كلُّ رجل ساجدًا على حاجبه الأيسر، ونظر بعينه اليُمْنَى إلى الجبلِ، فَرَقًا من أن يَسْقُط عليه"[ انظر: تفسير الطبري (13/218-219).]

وختاماً.. إنَّ على القويِّ في دين الله عزَّ وجل أن يتحمَّل كل التَّبِعات التي قد تنشأ من أخذه للدِّين

بقوَّة..فمن طبيعة هذا الدِّين أن المستمسك به يلاقي ما لا يلاقيه غيره من الضعفاء المتنازلين..وذلك من حكمة الله عزَّ وجل، وهي فتنة يمحِّص الله عزَّ وجل بها عباده وأولياءه.. والله تعالى قادرٌ على نَصْر دينه وإعزاز كلمته دون أدنى جُهْد من البشر، ولكنَّ الأمر وُكِل إليهم للابتلاء والتمحيص، قال الله تعالى: {ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} [محمد: 4].

 وعلينا أن نسأل أنفسنا سؤالاً: هل نحن ممن يَصْلح أن يكون من هذه الطائفة القويَّة التي تنصر دينها، وتصبر على ما تُبتلى به..؟؟ إذا كنَّا نغشى بعض المخالفات الشرعيَّة، ولا نستطيع قيام الليل أو الوتر على الأقل [ ذكرت هذا الأمر لكون صلاة الوتر من آكد التطوعات وقد اختُلف في وجوبها، ولأن لها علاقة مباشرة بموضوع القوَّة في الدين فقد رُويَ عن عقبة بن عامر – وفي سند الحديث مقال- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل أبا بكر متى توتر؟ قال: أصلي مثنى مثنى ثم أوتر قبل أن أنام، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مؤمن حذر"، وقال لعمر بن الخطاب كيف توتر؟ قال: أصلي مثنى مثنى ثم أنام حتى أوتر من آخر الليل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مؤمن قوي" أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (17/304)، (ح838) ]

، وكلَّما هبَّت ريحُ شبهةٍ أمالتنا..! أو شهوةٍ أناختنا..! فإن إحياء معاني القوَّة في أنفسنا قبل الآخرين ظاهرُ العُسْر والصعوبة..

 ولا تخش على هذا الدِّين، فإنَّ الأقوياء في حَمْله والأخذ به والدفاع عنه لابدَّ من وجودهم في كل زَمَن..وهذه الأمَّة أمَّة ولود..فما يضعف قويٌّ إلا ويقوى ضعيف، وما يزلُّ عالم إلا ويرسخ آخر، وما يتساهل داعية إلا ويثبت غيره، فإمَّا أن تتحقق فينا معاني القوَّة في الدِّين أخذاً ومدافعة..وإمَّا أن تجري علينا سنَّة الاستبدال في قيادة هذا الدِّين والتأثير في الناس.

ومن نافلة القول.. الإشارة إلى أن القوَّة في الدِّين لا تتطلَّب عبوساً في الوجه، وضيقاً في الصَّدر، وغلظةً في التعامل، فإنَّ هذا مما يخالف قوَّة الأخلاق

عند الطائفة المنصورة، ولنا في سِيَر الأقوياء الأتقياء أسوة حسنة..

 [الأنترنت – موقع الدرر السنية - القوَّة في الدِّين.. كيف نراها واقعاً في حياتنا..؟- د. مشهور بن حاتم الحارثي ]

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والتسعون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *أجمل عبارات وأقوال الفلاسفة والمشاهير في قوة الحب :

*الكراهية تشل الحياة، والحب يطلقها؛ الكراهية تربك الحياة، والحب ينسقها؛ الكراهية تظلم الحياة، والحب ينيرها. – مارتن لوثر كنج

*من يقع في حب نفسه يأمن المنافقين. – بنجامين فرانكلين

*إذا كان هناك من يحبك فأنت إنسان محظوظ وإذا كان صادقاً في حبه فأنت أكثر الناس حظاً.

*الحب الخالص والشك لا يجتمعان، فالباب الذي يدخل منه الشك يخرج منه الحب. – ألكسندر دوما

*الأشخاص الواقعون في الحب حقاً، يميلون إلى الغيرة من الأشياء الغبية. – تشارلي تشابلن

*المرأة التي تحبها، اجعل لها اسماً جميلاً مختلفاً، لا يناديها به أحد غيرك. – نزار قباني

*إذا رغبت في كسب القلوب أزرع بذور الحب، إذا رغبت بالجنة فلا تنثر الأشواك في الطريق. – جلال الدين الرومي

*الشوق والغيرة، أصدق صفات الحب وأجمل طقوسه. – جبران خليل جبران

*سنوات من الحب تُنسى في لحظةٍ من الكراهية. – إدغار آلان بو

*الحبّ لا يترهّل ولا يشيخ؛ يترهّل العاشق والمعشوق، ولا يترهّل الحبّ.. فيضُ الحبّ يسيّجني من كلّ الجهات. – أدونيس

*كل إنسان يصبح شاعراً إذا لامس الحُب قلبه. – أفلاطون

*حب الذات لدى المجانين يعذر حب الذات لدى ذوي العقول.

*لا شكّ في أنك أغبى الناس إذا كنت تبحث عن الحب في قلب يكرهك.

*عندما تتغلب قوة الحب على حب القوة سيشهد العالم السلام. – جيمي هندريكس

*الحب الحقيقي كلما مر عليه الزمن، كلما زاد عمقاً في نفوسنا. – توماس كارليل

*الأم هي الحب الثابت، والحقيقة التي لا تتغير في زمن كل ما فيه يتغير. – أنيس منصور

*الحب أن أحبك ألف مرة، وفي كل مرة أشعر أني أحبك لأول مرة. – نزار قباني

*قبح الله الحب إن كان مثل وجدي بك، لا يؤتى الحياة جمالها إلا يسلبها حريتها واستقرارها معا. – مصطفى صادق الرافعي

*في أعماق كُل قلب قاسِ وجاف، هُناك قطرة أو اثنان من الحُب. – هنري ميلر

*عندما يكون الرجال والنساء قادرين على أن يحترموا اختلافاتهم ويقبلوها، عندئذ تكون الفرصة سانحةً ليزدهر الحب. – جون جراي

*إذا أحببت حتى تألم قلبك، فلن يكون هناك المزيد من الألم، فقط المزيد من الحب. – الأم تريزا

*فرق كبير بين أن تحبها لأنها جميلة، وأن تكون جميلة لأنك تحبها. – أنيس مصور

*الحب جحيم يُطاق.. والحياة بدون حب نعيم لا يطاق. – كامل الشناوي

*كل ما نحبه بعمق يصبح جزءا منا. – هيلين كيلر

*ربما لم يرغب المرء في الحب، بقدر رغبته في أن يفهمه أحد. – جورج أورويل

*الثقة أسمى مراتب الحب، أن تثق بشخص يعني أن تعطيه بلا تردد مفاتيح قلبك. – جبران خليل جبران

*أنت الحب يا أماه، إن كل هذه الثرثرة والمعارف هي بعض من فتات موائدك. – مصطفى محمود

*لأن الحب يحب القوة، لذلك قد نقع في حب الآخرين بطريقة انتحارية، لكننا نادراً ما نستطيع أن نتبادل الحب مع الذين وقعوا في حبنا بطريقة انتحارية. – إليف شفق

*بعضهم يهديك الحب دون أن تهديه أي شيء، وبعضهم يهديك الألم بعد أن تهديه كل شيء. – نجيب محفوظ

*الحب في كل زمان وفي كل مكان، ولكنه يشتد كثافة، كلما اقترب من الموت. – غابرييل غارسيا ماركيز

*ستكتشف أنك وقعت في الحب عندما لا تستطيع النوم لأن واقعك قد أصبح أخيرا أفضل من أحلامك! – دكتور سوس

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والتسعون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *أجمل عبارات وأقوال الفلاسفة والمشاهير في قوة الحب :

*أن يحب المرء يعني أنه يتمتع، في حين أنه يتمتع إذا كان محبوبًا. – أرسطو

*الحب الصادق كالقمر عندما يكون بدراً والكسوف هو نهايته عندما يلاقي غدراً.

*إنك إذا استعملت الحب يوماً كمبتدأ في جملة مفيدة فستنسى حتماً الخبر إلى الأبد! – نجيب محفوظ

*سلاما على من يعرفون معنى الحُب ولا يملكون حبيبا. – جبران خليل جبران

*كل لحظة من ساعة الحب السعيدة تستحق عمرا من الحياة الرتيبة والعادية. – أفرا بن

*حبنا لشخص لجماله فقط ليس حباً، ولكن أن تحبه رغم عيوبه فهذا هو الحب بكل تأكيد. – جبران خليل جبران

*في الحب نكون كالأطفال، لا نحسن التفكير ولا التحمل، يفرحنا الاهتمام ويبكينا الإهمال. – وليم شكسبير

*فرحة الحبِّ عظيمة، لكن المُعاناة فظيعة، والأفضل للإنسان أن لا يحب أبدا. – فيودور دوستويفسكي

*الحبُّ هو ألاَّ تخاف وأنت في وسَط بحرٍ من الخوْف. – الشمس التبريزي

*أهم إنجاز حققته في حياتي، عندما أقنعت زوجتي بالموافقة على الزواج مني. – ونستون تشرشل

*أحبك ليس لما أنت عليه، ولكن لما أكون عليه عندما أكون معك. – روي كروفت

*الحب كالزهرة الجميلة والوفاء هي قطرات الندى عليها والخيانة هي الحذاء البغيض الذي يدوس على الوردة فيسحقها.

*تبادل الحب في جو من الصراحة الصحية خير من الكبي والتقلب بين أذرع البغايا. – نجيب محفوظ

*الأصدقاء هم الأوطان الصغيرة، الوجه الثاني للحب، الحب الذي لا يتغير. – عباس محمود العقاد

*ما الذي يبقى من الحب غير القصائد العتيقة؟ – غادة السمان

*يبقى الحب كلمة، حتى يأتي شخص ويعطيها المعنى. – فيكتور هوجو

*ربما كانوا محقين حين وضعوا الحب بالكتب، ربما لم يكن ليعيش في أي مكان آخر. – ويليام فوكنر

*الكراهية إحساس هو الأطول أمدا على الإطلاق؛ الناس يقعون في الحب في لحظة خاطفة ولكنهم يكرهون بتمهلٍ وعلى روية. –غوردون بايرون

*الحب ليس أعمى، فالعاشق يرى في محبوبته أكثر مما يرى كل الناس. – أنيس منصور

*الحب مثل الرياح، لا يمكنك رؤيته ولكنك تشعر به. – نيكولاس سباركس

*أريد أذناً لا تسمع وعيناً لا ترى بدلاً من قلب لا يحب. – روبرت تيزون

*واحد من أعظم الآلام هو أن تحب شخصاً لا يمكن أن يكون لك.

*طالما تمتعنا بحب من نحب ولكن لا يخلد من الحب إلا الخيبة. – نجيب محفوظ

*قُدرتك على حُب الوحدة والانعزال هي أساس الحُب، فعندما نعتاد على الوحدة، نستطيع أن نكون مع الآخرين بعد ذلك بدون استخدامهم كوسيلة للهروب من أنفسنا. – بيل هوكس

*إن كان جمال الحب في العطاء، فإن عظمته في تجاوز الأخطاء. – روبرت بويل

*من لا يهتم لأمرك اترك أمره، الحب جميل لكن الكرامة أجمل. – آل باتشينو

*لا تحدثني عن الحب، بل عاملني به. – جبران خليل جبران

*اثنان يهتمون بأدق تفاصيلك، شديد الحب وشديد الحقد. – مارك توين

*الاشتباك في المعركة يعني الحرب، وفي الحب يعني الاستسلام. – أنيس منصور

*الحب لا يتعلق بما تتوقع أن تحصل عليه من الطرف الآخر، بل ما تتوقع أن تمنحه له والذي يكون كل شيء. – كاثرين هيبورن

*ساعاتنا في الحب لها أجنحة، ولها في الفراق مخالب. – وليم شكسبير

*الحب مشاعر جميلة وأحاسيس راقية.. الحب هو حياة القلوب الميتة.

*كانت حياته في الواقع خالية من الحب مثل كهف رطب لا تزوره الشمس. – نجيب محفوظ

*الاهتمام الكبير، أثمن من الحب الكثير. – وليم شكسبير

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والتسعون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *أجمل عبارات وأقوال الفلاسفة والمشاهير في قوة الحب :

*الحب يحتاج إلى طرف معذِّب وآخر معذَّب ليكتمل. – جبران خليل جبران

*الحب لا يمكن أن يكون علاج للوحدة والانفراد، إن لم تجد نفسك بداخلك فلن تجدها بأي مكان أخر. – الشمس التبريزي

*الحب أسهل ما نكتب عنه، أصعب ما نقوم به. – سيغموند فرويد

*اجتماع مشاعر الحب والصداقة بذات الشخص تبني علاقة من الصعب أن تنتهي. – فيرديناند كون

*الشك بداية الإيمان والغيرة بداية الحب. – فرانسيس بيكون

*يحب المرء لأنه يحب؛ فلا يوجد سبب للحب. –  باولو كويلو

*ليس ثمة حبال أو سلاسل تشد بقوة أو بسرعة كما يفعل الحب بخيط واحد. – أندريه برتون

*إذا لم تكن أهلاً لقول كلمة أحبك فلا تقلها لأن الحب تضحية وصبر وتعب.

*لأن الانسان إذ يفقد جوهرة الحب اللامعة لا يتصور أنه سيسعد بالعثور عليها مرة أخرى. – نجيب محفوظ

*لا تحاول شراء الحب لأنك بالمقابل تبيع نفسك. – جبران خليل جبران

*قرع الفراق بابي، وحين فتحت له اعطاني وردة الحب الآتي. – غادة السمان

*أنقذتني الكتب من الرتابة والغضب والجنون وتدمير الذات، وعلمتني الحب، بل وأكثر من ذلك بكثير. – إليف شفق

*هناك سبل كثيرة لتصلَ إلى الله، وأنا اخترت الحب لأصلَ إليه. – جلال الدين الرومي

*استمرار العلاقات يحتاج، بعض الحب والاهتمام ومساحة من الثقة. – سيغموند فرويد

*ثمة شيء في الحب يشبه الإيمان، نوع من الثقة العمياء، الشعور بالنشوة وطعم السعادة. – إليف شفق

*الجاذبية لا تتحمل مسؤولية من يقعون في الحب! – ألبرت آينشتاين

*الحب استمرارية ونقاء، والكراهية موت وشقاء. – جون كيتس

*يقول القلب الصادق أنا أحبك.. إذاً أنا مستعد لفعل أي شيء من أجلك.

*إذا أردت أن تحب وأن تُحب فابحث عن الحب بين أقاربك وأصدقائك ولاسيما والديك فلن تجد أحدا يكفيك بالحب سواهم فهم أحبوك دون سبب. – وليم شكسبير

*الحب شعور راق جداً، هو فقط يحتاج لمن يعرف معنى الوفاء. – غوته

*الألم، الحُب، الخَوف، يجعلونك حقيقياً من جديد. – جاك كيروك

*المُزعج في الحب أنه جريمة لا يمكن فيها الاستغناء عن شريك. – شارل بودلير

*أجمل ما في الحب، أنه يجعل البشر أكثر أناقة وجاذبية. – نيكولا تسلا

*الأفكار عنصر انفصال، أما الحب فإنه وسيلتنا للارتباط مع الآخرين. – أناييز نين

*عجبتُ لمن عرف الحبَّ، كيف يحبّ؟ – محمود درويش

*أنت لا تحب شخصاً لمظهره أو لملابسه الأنيقة أو لسيارته الفاخرة، وإنما لأنه يغني أغنية لا أحد يسمعها سواك! – أوسكار وايلد

*الحب أشد أنواع السحر فاعلية. – ستندال

*لو كان في قلبك ذرة واحدة من الحب فتأكد بأن آخر ما كنت ستفكر فيه هو الابتعاد عني.

*الحب أحياناً، أن تُحب أحداً لن يحبك أبداً. – بورس فيان

*القلوب التي تقع في الحب سريعًا، قد تكره سريعًا. – إليزابيث براونينغ

*يا سالب القلب مني عندما رمقـا.. لم يبق حبك لي صبـرا ولا رمقا.. لا تسأل اليوم عما كابدت كبدي.. ليت الفراق وليت الحب ما خلقا.. ما باختياري ذقت الحب ثانية.. وإنما جارت الأقدار فاتفقا. – أبو البقاء الرندي

*الحب وحدة لا يستطيع مهما بلغت حرارته، أن يخبز رغيفاً. – غسان كنفاني

*لا يُوجد شيء اسمه «الحُب» يا صديقي! إنه وهم جميل ينفذ به الرجال إلى عقول النساء ليستولوا على أجسادهن، صدقني، هذه خُلاصة تجربتي. – محمد المنسي قنديل

*قليل من الشجار قد ينعش ذاكرة الحب. – غادة السمان

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والتسعون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *أجمل عبارات وأقوال الفلاسفة والمشاهير في قوة الحب :

*إحذروا الحب، فهو مكيدة. – نجيب محفوظ

*من الأفضل لك أن تحب وتضيع من ألا تحب على الإطلاق. – إرنست همينغوي

*حب بلا إخلاص بناء بلا أساس. – أرتور شوبنهاور

*إذا كان في وسعك أن تحب ففي وسعك أن تفعل أي شيء. – أنطون تشيخوف

*بدون الحُب الحياة سهلة وبسيطة، ولكنها بلا معنى. – ليو تولستوي

*من يريد القمر لا يتجنب الليل، من يرغب في الورد لا يخشى أشواكه، ومن يسعى إلى الحب لا يهرب من ذاته. – جلال الدين الرومي

*لا بد أن يكون الحب متبادلاً، إن الحب من طرف واحد تعاسة. – ليو تولستوي

*الحب الذي لا يزدهر، دائماً يحتضر. – جبران خليل جبران

*أتبع الحب وسوف يهرب، أهرب من الحب وسوف يلحق بك. – جون غاي

*الحبُ هو قوة مُحتملة من داخل ضعف حقيقي. – توماس هاردي

*الحب أصبح سلعة كالخبز كالفستان أو مثل السجائر. – فاروق جويدة

*الحب الحقيقي هو روح واحدة تسكن جسدين. – أرسطو

*كلما ازداد حبنا تضاعف خوفنا من الإساءة إلى من نحب. – جورج ساند

*الحب يكون أقوى عندما يعطي الشخص أكثر مما يأخذ. – غوته

*كنا ننبت في كل مكان, نحب المطر ونقدس الخريف, حتى فكرنا ذات يوم أن نبعث برسالة شكر

إلى السماء, ونلصق عليها بدل الطابع ورقة خريف, كنا نؤمن بأن الجبال زائلة والبحار زائلة والحضارات زائلة, أما الحب فباق, وفجأة افترقنا. – محمد الماغوط

*الحبُّ ليس روايةً يا حلوتي.. بختامها يتزوج الأبطالُ، هو هذه الأزماتُ تسحقنا معاً.. فنموت نحن وتزهر الآمالُ، هو هذه اليدُ التي تغتالنا.. ونقبّل اليد التي تغتالُ. – نزار قباني

*عندما يأتي الشك يذهب الحب. – ميلان كونديرا

*إن الرحمة أجمل كثيرا من الحب وهي أكبر من الحب، والذي لا يعرف الرحمة لا يعرف الحب، فالحب أحد أبواب الرحمة. – فاروق جويدة

*فكيف تعيدني من جديد متسولة على أبواب تكايا الوجد، عارية القدمين والقلب، في بلاط سيدي الحب؟ – غادة السمان

*من علامات الحب، الإبتسام دون أن نشعر عند رؤية من نحب. – أنيس منصور

*قيل في تعريفِ الحُبِّ: هو إيثارُ المحبُوب على جميع المَصحوب. – ابن قيم الجوزية

*تعلم أن تحب أشياء كثيرة، فهنا تكمن القوة الحقيقة؛ فمن يحب كثيرا، ينتج كثيرا ويحقق كثيرا، وما يُفعل بحب يُفعل دوما بإتقان! – فنسنت فان غوخ

*الرجل يعشق بعينيه و المرأة بأذنيها. – أديب إسحق

*قد تنمو الصداقة لتصبح حباً، ولكن الحب لا يتراجع ليصبح صداقة. – خوان بيرون

*ثم ان الحُب لا يُستجدى؛ هو إما موجود أو غير موجود. – لطيفة الزيات

*كشف الفحص عدم وجود حمى ولا آلام في أيّ موضع والشيء الوحيد الذي كان يشعر به هو أعراض الحب التي تشبه أعراض الكوليرا. – غابرييل غارسيا ماركيز

*الحب الحقيقي، لا يتأثر بسوء المزاج، فمن يحبك يحبك في كل حالاته. – يوهانس كيبلر

*قد فقدتُ القلبَ والنبضَ الرقيق.. دربُ المدينة يا أبي دربٌ عتيق، تتربع الأحزانُ في أرجائه.. ويموت فيه الحب والأمل الغريق. – فاروق جويدة

*الحب الحقيقي، لا البعد يقدر عليه ولا الزمن. – غوته

*دموع الحب جميلة، إذا وجدت من يمسحها. الحب درب البائسين. – فاروق جويدة

*الحب هو جمال الروح. – سانت أوغستين

*لا يوجد وهم يبدو كأنه حقيقة مثل الحب، ولا حقيقة نتعامل معها وكأنها الوهم مثل الموت. – مصطفى محمود

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والتسعون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *أجمل عبارات وأقوال الفلاسفة والمشاهير في قوة الحب :

*الحب كالحرب من السهل أن تشعلها ومن الصعب أن تخمدها. فليس على الشاعر من حرج إن كذب، وهو لا يكذب إلا في الحب. – محمود درويش

*إننا لا نستطيع أن نحب إنساناً إلا إذا ظل مختفياً عن نظرنا، فمتى لمحنا وجهه تبدد الحب، إن وجه الإنسان يخلق في كثير من الأحيان حاجزاً يحول دون الحب لدى أولئك الذين لم يتعلموا بعد أن يحبوا. – فيودور دوستويفسكي

*حتى ولو جاء الحبُّ متأخرا: فمجيء الحب هو قدوم النور. – مارك ستراند

*كلما قلّت بلاغة التعبير عن المشاعر كان الحبُ أعظم. – شارل بيرو

*معوقات الحب دائماً هي من صنع الإنسان. – أنطونيو غالا

*لم يكن في الشقة إلا القليل من الأثاث والكثير من الكتب والاسطوانات، وقدر هائل من الحب. – أناييز نين

*الحب هو أن لا أعزلك عن العالم.. الحب هو أن أتركك بالزحام.. وأعلم تماماً أن قلبك لي. – محمود درويش

*القلب المحب هو الحكمة الحقيقية. – تشارلز ديكينز

*عندما تنام كل العيون، تظل عيون الحب وحدها ساهرة. – غوته

*الذي يحب يصدق كل شيء أو لا يصدق أي شيء.

*إنني مقيد إليك, لا بالحب وحده فالحب وحده لا يكفي, الحب يبدأ, الحب يأتي, ينقضي, ويأتي مرة أخرى, ولكن هذه الحاجة التي تقيدني بالكامل *إليك هي ما يبقى. – فرانز كافكا

*إذا كنت لا تتقن الاهتمام، إياك أن تتحدث عن الحب. – نزار قباني

*الحب هو تلك الرغبة في إيجاد النصف الآخر المفقود من أنفسنا. – ميلان كونديرا

*فالأمور الوسط لا يعرفها الحب، فهو اما أن ينقذ واما يحطم، الحب حياة إن لم يكن حتفا. – فيكتور هوجو

*ذلك الحُب الذي يقول «إلى أبد الأبدين»، ثم يدهسك كشاحنة. – آن سكستون.

*أحياناً يتجلى الحب في غياب الحبيب، أكثر منه في حضوره. – باولو كويلو

*الحب حكيم والكراهية حمقاء. – بيرتراند راسل

*أفضل حب هو الذي يوقظ الروح، الذي يجعلنا نتطلع ونطالب بالأكثر، الذي يزرع النار في قلوبنا ويجلب السلام إلى أذهاننا؛ هذا ما آمل أن أقدمه لك إلى الأبد!

*بما أنني رميت سيفي فإن كأس الحب هو كل ما أستطيع أن أهديه لمن يتعرض لي. – مهاتما غاندي

*بالنسبة للعالم فإنك مجرد شخص، لكنك بالنسبة لشخص ما قد تكون العالم كله.

*صغير هو القلب قلبي.. كبير هو الحب حبي.. يسافر في الريح، يهبط، يفرط رمانة، ثم يسقط في تيه عينين لوزيتين، ويصعد في الفجر غمازتين، وينسى طريق الرجوع إلى بيته واسمه، صغير هو القلب قلبي، كبير هو الحب حبي. – محمود درويش

*لا دواء للحب إلا المزيد من الحب. – هنري ديڤيد ثورو

*في نهاية الأمر، الحب الذي تتلقاه، هو بنفس مقدار الحب الذي منحته. – بول مكارتني

*الحب الذي ينتهي، ليس حباً حقيقياً. - أرسطو

*جميع محاسن الدين ومكارم الأخلاق ثمرة الحب، وما لا يثمره الحب فهو اتباع الهوى وهو من رذائل الأخلاق. – أبو حامد الغزالي

*من أكاذيب الكلام، من أكاذيب الروائح، من أكاذيب الأصوات، من أكاذيب العالم، الكذبة الوحيدة

التي تستحق التصديق هي الحب. – رياض الصالح الحسين

*الرجل المحب لنساء كثيرات يعرف المرأة، الرجل المحب لامرأة واحدة يعرف الحب. – سيغموند فرويد

*الحب لا يمكن تفسيره، فهو يفسر كل شيء – جلال الدين الرومي

*إن حب الذات هو حب الإنسان لنفسه، ولأي شيء آخر لأجله، وحياة الإنسان كلها ليست إلا ممارسة متصلة لهذا الحب وتحريضاً قوياً له. – فرانسوا دلا روشفوكو

*من يحب الشجرة يحب الأغصان. – موليير

*يجوز الربا في الحب، فمن أعطاكَ حبًا رده ضعفين. – الشمس التبريزي

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة المائة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *أجمل عبارات وأقوال الفلاسفة والمشاهير في قوة الحب :

*لا يمكن أن يحب المرء إلا شخصا مكافئا له؛ لأن جوهر الحب هو أن يكون متبادلا، والأدنى لا يمكن أن يعطي ما لا طاقة له على إعطائه. – جيرمين

*لا أحد يموت من الحب يا عزيزتي، لا يحدث هذا إلا في الكتب، وفي الكتب الرديئة تحديدا. – غريغوار دولاكور

*إن قيود الحب لا تفرق كثيرا عن قيود السجن. – ليو تولستوي

*الاهمال يقتل الحب، والنسيان يدفنه. – جورج برنارد شو

*الحب هو أن نضع سعادتنا في سعادة شخص آخر. – غوتفريد لايبنتس

*الحب يعني أن تميل بكلك إلى المحبوب ثم تؤثره على نفسك وروحك ومالك ثم توافقه سراً وجهراً ثم تعترف بتقصيرك في حبه. – جلال الدين الرومي

*إذا شئتم أن تذوقوا أجمل لذائذ الدنيا، وأحلى أفراح القلوب، فجودوا بالحب كما تجودون بالمال. – علي الطنطاوي

*يمكننا عمل الكثير بالحق، لكن بالحب أكثر.- وليم شكسبير

*حافظ على من تحبه، عاتبه إن أردته، اهتم بجميع تفاصيله، الحب إحساس قبل أن يكون كلمات. – عباس محمود العقاد

*الحب الحقيقي لا يجمع المتشابهين، الحب يجمع المختلفين دائما، كاثنين بينهما فارق بالعمر أو اثنين أحدهما له ماض وآخر يحب لأول مرة. – سعود الدوسري

*يبدأ فقدان الحب بأن نكف عن العطاء، بعدها نكف عن الأخذ. – أحمد خالد توفيق

*رغم حطام قلبك، يوماً ما سيزهر الحب فيه ويرممه. – فيودور دوستويفسكي

*الحب ليس معصية، المعصية هي أن تتلاعب بمشاعر البعض تحت مسمى الحب. – نجيب محفوظ

*يضرب الحب ضربته حيث يريد، لا حيث نريد. – لاروشفوكو

*ما الحب إلا جنون. – وليم شكسبير

 *قد يكتب الرجل عن الحب كتاباً ومع ذلك لا يستطيع أن يعبر عنه، ولكن كلمة عن الحب من المرأة تكفي لذلك كله. – فيكتور هوجو

*أوفى حب لدى البشر هو حب الطعام. – جورج برنارد شو

*أنت لم تحبها هي، أنت أحببت جزءاً من روحكَ وضعه الله فيها، فهي مخلوقة من ضلعك، أقرب

مكان الى قلبك لذلك منتهى الحب أن تناديها يا «أنا»؛ هي لم تحبك أنت، هي أحبت الوطن التي نزعت منه فعندما ترجع اليك تشعرُ أنك وطنها، إنه حنين غريب كحنين القارب لحضن الشط، كحنين المسافر لرائحة البيت. – مصطفى صادق الرافعي

*الحب كالقهوة، إذا أكثرت منه منعك من النوم. – مارك توين

*تعلم جيداً، في أعماق أعماقك، أنه لا يوجد إلا سحر واحد وقوة واحدة وخلاص واحد، وهو الحُب، إذن فلتُحبَّ مُعاناتكَ، لا تُقاومها ولا تهرب منها، إحساسك بالكراهية هي التي تؤلمك ولا شيء آخر. – هرمان هيسه

*ان الحُب يكون اعظم وانبل ما يكون وقت الشدائد. – غابرييل غارسيا ماركيز

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة بعد المائة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *أجمل عبارات وأقوال الفلاسفة والمشاهير في قوة الحب :

*حزين من لم تمر بيارق الحب في شوارع عمره. – غادة السمان

*قُل لي إذا، هل يجعلنا الحبُ أغبياء أم وحدهُم اﻷغبياء يقعون في الحُب؟ – أورخان باموق

*الحب يستأذن المرأة في أن يدخل قلبها، وأما الرجل فإنه يقتحم قلبه دون استئذان، وهذه هي مصيبتنا. – جورج برنارد شو

*بعض النسوة تقضي كل يومها وهي تحاول إيقاف الزمن وتتحقق من وزنها على الدوام ظناً منها أن الحب يتوقف على ذلك. – باولو كويلو

*قلق في الحب، مطمئن في الزواج. – جيفري تشوسر

*الحب مرض عقلي عضال. – أفلاطون

*هُناك من يرَى الحبَّ حيَاة وهُنَاك من يَراه كِذبة، كِلاهما صَادق: فالأوَّل التَقى بروحِه، والثانِي فقدهَا. – محمود درويش

*شروط حدوث الحب، أن تكون النفوس خيرة اصلا، جميلة اصلا، والجمال النفسي والخير هو المشكاة التي يخرج منها هذا الحب، وإذا لم تكن النفوس خيرة فإنها لا تستطيع ان تعطي فهي اصلا فقيرة مظلمة ليس عندها ما تعطيه. – مصطفى محمود

*الحب أن تراني كل مرة كأول مرة. – نزار قباني

*أن تدفن الحب في قلبك، أفضل من أن تعطيه لمن لا يستحق. – جورج سبنسر

*لا تستطيع الغيرة أن تبصر الأشياء أكثر مما يبصرها الحب. – جورج إليوت

*وتسألني ما الحب؟ الحب أن أكتفي بك ولا أكتفي منك أبداُ. – نزار قباني

*الحب هو أجمل سوء تقدير بين الرجل والمرأة. – فيكتور هوجو

*ليس الزواج مقبرة الحب، فكم من حب جاء ثمرة للزواج. – مي زيادة

*الحب لا يمكن شراؤه إلا بالحب. – جبران خليل جبران

*عندما تبحث عن عذر لمن لا عذر له، تأكد بأنك بأعلى قمة الحب. – نزار قباني

*في دستوري، الكرامة أولاً ثم الحب. – تشي جيفارا

*أنت الذي تتألم لأنك تحب: كن مسرفا في هواك، فإن مت بسبب الحب، حييت به، فهو الخلود، هو السرمد! – فيكتور هوجو

*كن أنيقاً دائما فأنت لا تدري متى يصادفك الحب. – كوكو شانيل

*أعرفُ أنَّ الحبَّ بسيطٌ كالزنابق، سهل كمطر الربيع، واضح كسماءٍ زرقاء؛ لكنني أتساءلُ: لماذا يخاف الكثيرون من الزنابق ومطر الربيع والسماء الزرقاء؟ – رياض الصالح الحسين  [الأنترنت – موقع أجمل عبارات وأقوال الفلاسفة عن الحب وقوته ]

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية بعد المائة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *الفرق بين المؤمن القوي والمؤمن الضعيف:

السؤال: كيف يكون المؤمن قوي الإيمان؟

الجواب: يقول النبي ﷺ: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، رواه مسلم في الصحيح، المؤمن القوي: هو قوي الإيمان، الذي عنده من العلم والبصيرة والخوف من الله ما يجعله قوي الإيمان، حتى يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وينصح الناس ويبذل المعروف ويكف الأذى، كلما قوي إيمانه كثرت أعماله الصالحة، وكلما ضعف الإيمان قلت الأعمال الطيبة، فالمؤمن القوي هو الذي يلقى نصرة في الدين وغيرة لله وتعظيماً لله فهو يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وينصح لعباد الله ويحذر السيئات، هكذا يكون المؤمن القوي.

والمؤمن الضعيف هو ضعيف الإيمان ضعيف البصيرة ضعيف الخوف من الله، فهذا تقع منه المعاصي في الغالب، لضعف إيمانه وقلة خوفه من الله، نسأل الله السلامة،  [الأنترنت  - موقع الشيخ ابن باز ]

  *طريقك إلى تقوية إيمانك :

إن من أهم المهمات، وأوجب الواجبات ، تحقيق الإيمان وتكميله، إذ إن كل خير في الدنيا والآخرة متوقف على وجوده وصحته وكماله.

قال تعالى: }يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ{ [المجادلة:

من هنا شمر المشمرون وتنافس المتنافسون في تحقيق الإيمان وتكميله وتقويته، ومن أولئك سلف الأمة وصدرها الذين كانوا يتعاهدون إيمانهم ويتفقدون أعمالهم ويتواصون بينهم.

فقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لأصحابه: «هلموا نزدد إيمانًا» وكان معاذ بن جبل رضي الله عنه يقول: «هلموا بنا نؤمن ساعة».

وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول في دعائه: «اللهم زدني إيمانًا ويقينًا وفقهًا» فالإيمان يقوى ويضعف، ويزيد وينقص، ويبلى كما يبلى الثوب فيحتاج إلى تجديد، لذا كان السلف يتعاهدونه بالرعاية والمراقبة، قال أبو الدرداء رضي الله عنه: «من فقه العبد أن يتعاهد إيمانه وما نقص منه، ومن فقه العبد أن يعلم أيزداد إيمانه أم ينقص».

لذلك كان لا بد من الحديث عن الإيمان وأهمية تفقده وتكميله، إذ هو المنة العظمى كما قال تعالى: }بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ{ [الحجرات: 17].

وبتكميل الإيمان تحصل سعادة الدنيا والآخرة، قال تعالى: }مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{ [النحل: 97].

والإيمان شرط لقبول العمل قال الله تعالى: }فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ { [الأنبياء: 94].

وعلى قدر تحصيل الإيمان وتحقيقه يحصل الثبات للإنسان أمام مغريات الفتن وتيارات المحن.

قال الله تعالى: }يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ{ [إبراهيم: 27].

وقال تعالى: }الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ{ [آل عمران: 173-174].

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة بعد المائة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : حقيقة الإيمان القوي

 والآن ما هو الإيمان، وما هي حقيقته؟

الإيمان هو الإقرار والاعتراف المستلزم للقبول للأخبار، والإذعان للأحكام.

فلا يكفي في تحقيق الإيمان المعرفة وحدها، أو التصديق القلبي فقط؛ فلو أن رجلاً أقر بالله تعالى وبصحة نبوة محمد ﷺ ولكنه لم يقبل ويستسلم لما بلغه من أحكام الإسلام فإنه كافر وليس بمؤمن.

لأجل ذلك قال الله تعالى عن الكفار من أهل الكتاب: }الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ{ [الأنعام:

وعلى ذلك فالإيمان إقرار بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فأعمال

 الجوارح تبع لأعمال القلب، والإيمان يزيد حيث إقرار القلب وطمأنينته وسكونه.

والإنسان يجد ذلك من نفسه فتارة تدمع العين من تلاوة آية واحدة، وتارة لا تدمع ولو طالت القراءة. وكذلك عندما يحضر مجلس ذكر فيه موعظة فإنه

يزداد إيمانه ويشعر بإقبال على الخير، وعندما توجد الغفلة يخف ذلك اليقين في قلبه والإقبال.

وقد جاء في القرآن ما يثبت أن الإيمان يزيد وينقص، قال تعالى: }وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِيمَانًا{ [المدثر:

وقال تعالى: }وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ{ [التوبة: 124].

قال الشافعي رحمه الله: «كان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ومن أدركناهم يقولون: الإيمان

قول وعمل ونية لا يجزئ واحد من الثلاث إلا بالآخر» نقل ذلك عنه شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى.

بينما هناك من يخطئ خطأً فاحشًا فيعتقد أن الإيمان هو التصديق القلبي المجرد من قول اللسان وعمل الأركان. وذلك هو في الأصل فكر الإرجاء الذي ما زال يفتك بالأمة، والذي يقوم على مبدأ أن الإيمان الذي في القلب لا تؤثر فيه المعاصي ولا تنقص منه، وأن العمل الصالح ليس شرطًا في صحة الإيمان، ومن صوره الواقعية في العصر الحاضر تبرير العاصي لمعصيته ودفع اللوم عنه بقوله: «الإيمان في القلب، والمهم هو عقيدة القلب وإيمانه»، والبعض يقول: «دينك في قلبك»؛ فيفصلون بين الإيمان الذي في القلب – بزعمهم – وبين العمل الظاهر وأنه لا ارتباط بينهما في الزيادة والنقص أو الوجود والعدم.

وفي ذلك إلغاء لمظهر الدين والشرع، وإسراع في إزاحة الدين عن الواقع والحياة، وغسل كل أثر طيب من آثار الإيمان ونفحاته، كما أن الانتماء إلى الفكر الإرجائي يشجع على الاسترسال في المعاصي والجرأة على المحرمات، بحجة أنها لا تضر الإيمان الذي في القلب.

قال الزهري: «ما ابتدعت في الإسلام بدعة أضر على أهلها من الإرجاء».

وقال شريك القاضي عن المرجئة: «هم أخبث قوم، حسبك بالرافضة خبثًا، ولكن المرجئة يكذبون على الله».

وهنا سؤالٌ مهم جدًا:

ما هو الإيمان الذي يعصم صاحبه من عذاب الله تعالى؟

الجواب: ذلك هو الإيمان الواجب الذي يمنع صاحبه من التقصير في الواجبات، والوقوع في المحرمات على وجه الإصرار والاستهانة. لذلك جاءت النصوص بنفي الإيمان عن أهل الكبائر، ويراد بها انتفاء الإيمان الواجب ولا يُراد به انتفاء الإيمان كله، كما في حديث «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن...»[ البخاري: كتاب المظالم، باب النهي بغير إذن صاحبه. وحديث: «لا إيمان لمن لا أمانة له» ] [مسند أحمد: كتاب باقي مسند المكثرين، باب مسند أنس بن مالك رضي الله عنه.] ولعظم مكانة المؤمن عند ربه فلقد خصه الله جل وعلا بفضائل كبيرة في الدنيا، ولأجر الآخرة أكبر وأعظم.

1- معية الله تعالى للمؤمن: قال تعالى: }إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ{ [النحل: 128]. فهو معهم بالرعاية والكفاية والنصر والتأييد والهداية والتوفيق والتسديد وغير ذلك.                                                                                                                   2- الدفاع عن المؤمن: قال تعالى: }إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا{ [الحج: 38]، فيحفظهم من شر الأشرار وكيد الفجار بتأييده ونصره }وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ{ [الروم: 47].

3- تسديد المؤمن وتوفيقه للهداية: قال تعالى: }اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ{ [البقرة: 257]، أي يخرجهم من الضلالة إلى الهداية ومن الجهالة إلى الرشد.

4- وأما منزلة المؤمن في الآخرة: فهو رضوان الله وجناته ورؤية وجهه الكريم، والأنس باستماع كلامه. وحسبنا أن نورد ما أخبر به النبي ﷺ في بيان منزلة المؤمن في الآخرة: «إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب، لتفاضل ما بينهم» قالوا: يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال: «بل والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين»[ البخاري: كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة.] قال تعالى: }وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ{ [التوبة: 72].

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة بعد المائة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : أقسام القلوب عند ابن القيم

وقد قسم ابن القيم القلوب إلى ثلاث أقسام على حسب ما يقوم بها من إيمان فقال رحمه الله تعالى:

والقلوب ثلاثة:

قلب خالٍ من الإيمان وجميع الخير، فذلك قلب مظلم قد استراح الشيطان من إلقاء الوساوس فيه، لأنه قد اتخذه بيتًا ووطنًا، وتحكم فيه بما يريد، وتمكن منه غاية التمكين.

القلب الثاني: قلب قد استنار بنور الإيمان، وأوقد فيه مصباحه، لكن عليه ظلمة الشهوات وعواصف الأهوية، فللشيطان هناك إقبال وإدبار ومجالات أحوال هذ الصنف بالقلة والكثرة، فمنهم من أوقات غلبته لعدوه أكثر، ومنهم من أوقات غلبة عدوه له أكثر، ومنهم من هو تارة وتارة.

القلب الثالث:

قلب محشو بالإيمان قد استنار بنور الإيمان وانقشعت عنه حجب الشهوات، وأقلعت عنه تلك الظلمات، فلنوره في قلبه إشراق، ولذلك الإشراق إيقاد لو دنا منه الوسواس احترق به، فهو كالسماء التي حرست بالنجوم، فلو دنا منها الشيطان يتخطاها رجم فاحترق.

 مظاهر ضعف الإيمان

فإن لضعف الإيمان في القلب علامات ظاهرة في أقوال العبد وأفعاله وسائر حاله، والشاهد على ذلك قول النبي ﷺ: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب»[ البخاري: كتاب الإيمان، باب من استبرأ لدينه.]

وصلاح القلب وفساده يكون بقوة الإيمان وضعفه. وإليكم بعضًا من تلك العلامات والمظاهر، وقد خُصت بالذكر لخطورتها وكثرة شيوعها وإن كانت أكثر من أن تحصر فمنها:

1- اقتراف الذنوب مع استصغارها والإصرار عليها:

إن الاستهانة بالذنوب والتساهل مع النفس في مواقعتها علامة على ضعف الإيمان في القلب وقسوته.

فإصرار العاصي على الذنب ولو كان صغيرًا علامة استهانته بالله الذي عصاه، وضعف خوفه منه بينما

المؤمن قد يفرط منه معصية وقد تكون كبيرة من غير إصرار، ولا يكون ذلك مؤشرًا لضعف إيمانه، لأن إيمانه يدفعه لأن يتوب وينيب إلى الله تعالى.

والنبي ﷺ قد ربط بين المعصية وبين ضعف الإيمان بقوله «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن»[البخاري: كتاب الحدود، باب السارق حين يسرق وهو مؤمن.،.]

لذا ينبغي على المؤمن أن يحتاط بالإيمان حتى من الشبهات، ليكون في مأمن من الوقوع في المحرمات التي حذرنا من الوقوع فيها النبي ﷺ فقال: «ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه»[ مسلم: كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات.]وفي رواية البخاري: «ومن اجترأ على ما يشك فيه من الإثم، أوشك أن يواقع ما استبان»[البخاري: كتاب البيوع، باب الحلال بيَّن والحرام بيَّن.]

ومن الذنوب التي قد يستصغرها بعض الناس. إطلاق البصر في الحرام كمشاهدة الأفلام والمسلسلات وغيرها، والكذب والغيبة والنميمة، وعدم المبالاة في طرق الكسب والتجارة.

وكذلك ذنوب الخلوات إذا غاب عن الرقيب البشري، إما في خيانة الأمانة، أو ترك واجب لكون الناس لا يرونه، أو ممارسة المحرمات الخفية التي يستحي من أن يراه الناس عليها، كإقامة العلاقات المحرمة، ونزع المرأة حجابها حين سفرها لكونها ابتعدت عن مجتمعها وبلادها.

فالله مسؤول أن يغيث قلوبنا بالإيمان، وأن يعيذنا من المعاصي والفتن ما ظهر منها وما بطن.

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالخامسة بعد المائة في

موضوع (القوي ) وهي بعنوان : صلاح القلب وفساده يكون بقوة الإيمان وضعفه:

2- التقاعس عن الطاعات والتثبيط دونها: والميل إلى الراحة والملذات من علامات ضعف الإيمان، كما أنها من علامات المنافقين. كما قال عز وجل: }إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا{ [النساء: 142].

وقد حذر من ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقال: «حذار حذار من أمرين لهما عواقب سوء:

أ- رد الحق لمخالفة الهوى، فإنك تعاقب بتقليب القلب، ورد ما يرد عليك من الحق رأسًا.

ب- التهاون بالأمر إذا حضر وقته، فإنك تعاقب بالتثبيط والإقعاد والكسل، فمن سلم من هاتين الآفتين فلتهنه السلامة». أهـ.

ومن صور ذلك تأخير الصلوات وخاصة صلاة الفجر والعصر، وهجر كتاب الله، والبخل بالمال عن الإنفاق في سبيل الله.

3- التنافس على الدنيا:

فمظهر التنافس على الدنيا والاشتغال بها والانخداع بزهرتها من علامات جهل العبد بحقيقتها وضعف إيمانه بالله والدار الآخرة، فمتى عظمت رغبة العبد في الدنيا وتعلق قلبه بها ضعفت رغبة العمل للآخرة ثم نقص الإيمان بحسب ذلك قال ابن القيم: «وعلى قدر رغبة العبد في الدنيا ورضاه بها يكون تثاقله عن طاعة الله وطلب الآخرة».

أما أهل الإيمان فقد هانت عليهم الدنيا حتى أصبحت أهون من التراب الذي يمشون عليه، كما قال الحسن البصري: «والله لقد أدركت أقوامًا كانت الدنيا أهون عليهم من التراب الذي تمشون عليه، ما يبالون أشرقت الدنيا أم غربت؟ ذهبت إلى ذا أو ذهبت إلى ذا؟».

ومن صور الانشغال بالدنيا: الانشغال بجمع المال، والانشغال بالمظاهر والمساكن وغير ذلك من أمور الدنيا، انشغالاً مفرطًا يشغل عن أمور الدين ويوقع في المحرمات، ومن مظاهر ذلك أيضًا التشاحن على حطامها والتباغض لأجلها. يقول الحسن البصري: «إذا نافسك أحد في الدين فنافسه، وإذا نافسك أحد في الدنيا فألقها في نحره».

قال تعالى: }وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ{ [الرعد: 26].

4- الغفلة عن ذكر الله عز وجل:

كما جاء في وصف ضعاف الإيمان ومرضى القلوب وهم المنافقون في قلة ذكرهم لله وطول غفلتهم: }يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا{ [النساء: 142].

قال عمر بن حبيب الحطمي: الإيمان يزيد وينقص، فقيل له: وما زيادته ونقصانه؟ فقال: إذا ذكرنا الله وحمدناه وسبحناه فتلك زيادة، وإذا غفلنا ونسينا وضيعنا، فذلك نقصانه).

ومن صور ذلك هجر القرآن وترك أذكار أدبار الصلوات وإهمالها وقلة الصبر عليها، كذلك إهمال أذكار

الصباح والمساء وغيرها من مواطن ومناسبات الذكر، وقلة الصلاة والسلام على النبي ﷺ، والغفلة عن الاستغفار، والانقطاع عن مجالس العلم والدروس، وغير ذلك كثير.

5- إهمال محاسبة النفس وعدم مؤاخذتها في تقصيرها: فضعيف الإيمان يواقع الذنب تلو الذنب بلا ندم ولا شعور بقبح فعله، وما ذلك إلا بإهماله لمحاسبة نفسه وتركها على جنوحها من غير تقويم وتأديب.

لأجل ذلك أمر الله عباده المؤمنين بمحاسبة أنفسهم، لأن الإيمان الصحيح يقتضي أن يكون الإنسان محاسبًا لنفسه واقفًا عليها بالمراقبة، فناداهم بوصف الإيمان في قوله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ{ [الحشر: 18]. فالمؤمن قوي الإيمان لا يزال محاسبًا نفسه على تقصيرها وتفريطها. كما يصف الحسن البصري نفس المؤمن: «فلا ترى المؤمن إلا وهو يلوم نفسه: ماذا أردت بفعل كذا؟ ماذا أردت بكلمة كذا؟».

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالسادسة بعد المائة في

موضوع (القوي ) وهي بعنوان : صلاح القلب وفساده يكون بقوة الإيمان وضعفه:

6- عدم أو ضعف التأثر بالآيات والمواعظ:

وذلك من جراء قسوة القلب والكثافة التي تتابعت من توالي الذنوب والمعاصي، كما قال تعالى: }كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ{ [المطففين: 14].

ولا سيما معاصي السمع والبصر واللسان فإنها سبب سريع مباشر لقسوة القلب وضعف الإيمان، ومن ثم تظهر شكوى عدم الخشوع في العبادة، وضعف التأثر عند تلاوة آيات القرآن، وكذلك ضعف أثر المواعظ والذكر في القلب لأجل ذلك قال الله تعالى: }سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى{ [الأعلى: 10].

قال ابن الجوزي: «استعن على صلاح قلبك بحفظ جوارحك».

7- ومن علامات ضعف الإيمان أن تمر الموعظة والنصيحة والمشهد المؤثر على قلب ضعيف الإيمان كما تمر قطرة الماء على الصفا بلا أثر ولا تأثر، ومن علامات ذلك جمود العين وعدم التأثر بآيات القرآن عند قراءتها وسماعها، قال الله تعالى: }اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ{ [الزمر: 23]، قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: «لو طابت قلوبنا لما ملت كتاب الله».

8- ظهور الأخلاق السيئة:

يظهر ضعف الإيمان من خلال الأخلاق السيئة كالكبر والحسد والعجب والأثرة (حب الذات). كما قال رسول الله ﷺ: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»[ البخاري: كتاب الإيمان، باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه.]ومن ذلك عدم رعاية الأمانة (الخيانة) «لا إيمان لمن لا أمانة له»[ سبق تخريجه.]وكذلك ذهاب الحياء: «والحياء شعبةٌ من الإيمان»[ البخاري: كتاب الإيمان،

باب أمور الإيمان.]

وسوء الجوار: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر

فليقل خيرًا أو ليسكت»[ مسلم: كتاب الإيمان، باب الحث على إكرام الجار والضيف ولزم الصمت.]كثرة الثرثرة والهذر: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت»[ البخاري: كتاب الرقاق.]الوقوع في الغيبة: «يا معشر من آمن بالله بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من يتبع عورة أخيه يتبع الله عورته حتى يفضحه في بيته»[ مسند أحمد: كتاب أول مسند البصريين، باب حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه.]

9- الاستئناس بمجالس المعصية ومعاشرة أهلها:

قال قتادة: «إنا والله ما رأينا الرجل يصاحب من الناس إلا مثله وشكله، فصاحبوا الصالحين من عباد الله، لعلكم أن تكونوا معهم أو مثلهم».

فخلطة أهل الغفلة وأهل الزيغ من أكبر أسباب مرض القلب وهبوط الإيمان ومظاهر نقصانه. قال الإمام ابن القيم رحمه الله: «مثل القلب مثل الطائر كلما علا بَعُد عن الآفات، وكلما نزل احتوشته الآفات».

قال ﷺ: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل»[ مسند أحمد: كتاب باقي مسند المكثرين، باب مسند أبي هريرة رضي الله عنه.]

فأضر الناس على إيمان الشخص قرناء السوء؛ لأن الطباع مجبولة على التأثر والاقتداء بمن يُصاحب، فمجالسة الحريص على الدنيا وكثير الحديث عنها والاهتمام بها تحرك في النفس الحرص على الدنيا، ومجالسة المبتدعة وأهل الأهواء تُردي إلى مهاوي البدع وهكذا.

قال سفيان الثوري: «ليس شيء أبلغ في فساد رجل وصلاحه من صاحب».

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة بعد المائة في

موضوع (القوي ) وهي بعنوان : مظاهر قوة الإيمان:

فإنه كما تقرر سابقًا أن الإيمان يزيد ويقوى، ولا شك أن ذلك يكون له علامات وظواهر جلية في أقوال صاحبه وأفعاله وسائر أحواله، فالمؤمن الذي رسخ الإيمان في قلبه لا بد أن تتأثر بذلك جوارحه، ويسري فيها مسرى الدم في العروق، وتظهر آثار هذا الإيمان في أقواله وأفعاله وفي سلوكه وتصرفاته، حتى في خواطره وأمنياته، ومن ذلك:

1- سرعة الانقياد للشرع:

فأعظم آثار الإيمان في قلب المؤمن التزامه بشرع الله، ومحافظته عليه، وأن يكون واقفًا عند حدوده ونواهيه، كما قال تعالى في وصف المؤمنين: }إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ{ [النور: 51-52].

بل قد نفى الإيمان عن أولئك الذين يتململون من أحكام الشريعة حتى ولو في بطونهم، فقال جل وعلا: }فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا{ [النساء: 65].

وقد ضرب المؤمنون حقًا وهم الصحابة رضوان الله عنهم أروع الأمثلة في التزامهم أمر الله عز وجل ورسوله، حتى قال قائلهم: «لو أمرنا الله بقتل أنفسنا لفعلنا، والحمد لله الذي عافانا»؛ وحسبنا أن نذكر موقف نساء الأنصار حين نزلت آيات الحجاب، وكيف كانت سرعة انقيادهن واستجابتهن بلا تردد.

وفي هذا تحدثت عائشة رضي الله عنها: «إن لنساء قريش فضلاً، وإني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار، وأشد تصديقًا لكتاب الله، ولا إيمانًا بالتنزيل، لما نزلت سورة النور: }وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ{ [النور: 31]، انقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل الله إليهم منها، يتلو الرجل على امرأته وابنته وأخته وعلى كل ذي قرابته، فما فيهن امرأة إلا قامت إلى مرطها فاعتجرت به، تصديقًا وإيمانًا بما أنزل الله من كتاب، فأصبحن وراء رسول الله ﷺ كأن على رؤوسهن الغربان».

2- اجتناب لوثات الشرك:

إن من آمن أن الله عز وجل هو الخالق الرازق القوي القادر الذي بيده الأمر، علم يقينًا أن الخلق كلهم فقراء إليه وضعفاء من دونه، لا يملكون لأنفسهم

نفعًا ولا ضرًا ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا، ولهذا فإنه إذا سأل سأل الله، وإذا استعاذ استعاذ بالله، وإذا توجه ولجأ لجأ إلى الله وحده، وإذا توكل توكل

على الله، علم يقينًا وآمن حقًا أن الله تعالى كاف عبده المؤمن فتوكل عليه واطمأن به، كما قال تعالى: }أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ{ [الزمر: 36].

حفظ قول ربه تصديقًا وإيمانًا }وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{ [الأنعام: 17]، فسارع إلى ربه في ملماته وحوائجه.

وإذا حلف حلف بالله لأنه يعلم أن: «من حلف بغير الله فقد أشرك»[ سنن أبي داود: كتاب الإيمان والنذور، باب في كراهية الحلف بالآباء.]

لا يتطير ولا يتشاءم توكلاً على الله وحُسنَ ظن به ورضاءً بأمره «الطيرة شرك»[ سنن أبي داود، كتاب الطب، باب في الطيرة.]

، والله تعالى يقول: }إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ{ [النساء: 34، و 116].

فحري بالمؤمن أن يطهر نفسه من الشرك المخرج من الملة، وأن يتعاهد قلبه وعمله بالمحاسبة حتى يطمئن إلى السلامة من الشرك بأنواعه.

وبالجملة فعمل المؤمن الحق ظاهرًا وباطنًا قائم على التوحيد، وسالمٌ من لوثات الشرك وأدرانه.

3- مدافعة الوساوس الشيطانية: يقول الرسول ﷺ: «يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق السماء؟ من خلق الأرض؟ فيقول: الله، فيقول: من خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئًا فليقل: آمنت بالله ورسوله»، وفي رواية البخاري: «فإذا بلغ ذلك: فليستعذ بالله ولينته». فالمؤمن إذا خطر بقلبه خواطر ووساوس شيطانية من الشك في الدين أو العبادة فعليه أن يدفعها مباشرة، ولا يسترسل معها، ولا يستسلم لها، بل يلجأ إلى الله تعالى في دفعها عنه حتى تزول عنه ويندحر الشيطان.

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة بعد المائة في

موضوع (القوي ) وهي بعنوان : مظاهر قوة الإيمان:

4- الحب في الله واستشعار الأخوة للمؤمنين:

من أَجَلِّ آثار قوة الإيمان وصحته حب المؤمن لإخوانه في الدين، ولا سيما أهل الطاعة والخير، فيحب لهم ما يحبه لنفسه «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»[ البخاري: كتاب الإيمان، باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه.]، فهو يسعى في حاجاتهم ويشعر بمصابهم ويحزن لآلامهم حتى يكون وإياهم كالجسد الواحد، «مثل المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»[ البخاري: كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم.]، «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا»[ البخاري: كتاب المظالم والغصب، باب نصر المظلوم.] فهو ينزل إخوانه المؤمنين منزلة نفسه وأهل بيته، فما يحبه لنفسه وأهل بيته من حصول الخير ودفع الشر فيحبه لهم، وما يكرهه لنفسه وأهل بيته من حصول الشر وفوات الخير يكرهه لهم كذلك، وهذه حقيقة الإيمان وعلامة كماله وعليها تُقاس درجة الإيمان.

وكم سطر المؤمنون الصادقون صورًا رائعة تتجسد من خلالها معاني الأخوة الإيمانية والحب في الله من سلف هذه الأمة إلى خلفها الصالح حتى عصرنا هذا.

5- بغض أعداء الله ومجانبتهم:

من أعظم مقتضيات الإيمان وآثاره التي يجب أن تظهر جلية في المؤمن ولاؤه لله عز وجل ورسوله وللمؤمنين }إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا{ [المائدة: 55].

فالولاء لله: محبة الله ونصرة دينه، ومحبة أهل طاعته ونصرتهم.

والبراء: هو بغض أعداء الله ومجاهدتهم.

كما قال تعالى: }لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ{ [المجادلة: 22]، قيل إنها نزلت في أبي عبيدة عامر بن الجراح حين قتل أباه المشرك يوم بدر، ولهذا قال عمر: لو كان أبو عبيدة حيًا لاستخلفته.

وقوله تعالى: }أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ{ أي من اتصف بأنه لا يواد من حاد الله ورسوله فهذا من كتب في قلبه الإيمان وزينه في بصيرته.

6- الخلق الحسن:

كما أن الإيمان قوة عاصمة عن الأخلاق الدنيئة كذلك هو قوة دافعة إلى المكرمات والأخلاق الحسنة، وقد وضح النبي ﷺ أن الإيمان القوي يولد الخلق الكريم حتمًا ، وأن انهيار الأخلاق مرده إلى ضعف الإيمان كما مرَّ معنا، وبحسب ضعف الإيمان يتفاقم الشر ويزداد الانهيار الأخلاقي.

ومن ثم فإن الله تعالى إذ أراد أن يدعو عباده إلى الخير أو ينهاهم عن الشر كأن يناديهم بوصف الإيمان الذي يقتضي الاستجابة والسمع والطاعة لما يأمر به وينهى عنه، كقوله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ{ [التوبة: 119].

7- الصمود في مواجهة الفتن:

قال الله تعالى: }أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ{ [العنكبوت: 2-3].

فالله جل وعلا يختبر صدق إيمان عباده ويظهر حقائق معادن قلوبهم في مواقف الاختبار بالفتن من خير وشر ونعمة ومصيبة كما قال تعالى: }وَنَبْلُوكُمْ

بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً{ [الأنبياء: 35].

فالمؤمن متسلح بسلاح الإيمان في سرائه وضرائه وشدته ورخائه، شامخٌ بدينه لا يتنازل عنه ولو قليلاً في مواقف الشهوات والمجاملات، ثابتٌ على أرض الإيمان لا تهزه أعاصير الأهواء والأمزجة، ولا تغير موقفه فتنة الناس ومجاراتهم، غير آبه بردود أفعالهم وأقوالهم، مستصحبًا تقوى الله ومخافته حيثما كان في كل المواقف والأحوال.

وهنا تظهر حكمة الله تعالى في توالي الفتن وكثرتها في آخر الزمان، وذلك لكثرة مدعي الإيمان المنطوين تحت لواء الإسلام، وهم كغثاء السيل في الكثرة ولكنهم قلة في نصرة دينه وإعلاء كلمته والجهاد في مرضاته، فيأبى الله إلا أن يظهر الحقائق ويبتلي السرائر ويميز الخبيث من الطيب كما قال تعالى: }مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ{ [آل عمران: 179].

أي على ما أنتم عليه في حال الرخاء وجريان الأمر على العادة وادعاء دعوى الإيمان، إذ لا بد من

الاختبار والابتلاء لتظهر النتيجة ويتميز الصادق من الكاذب والخبيث من الطيب }لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ

عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ{ [الأنفال: 42].  ونحن في هذا الزمان الذي يُحارب فيه الإسلام وأهله، وقد تكالبت عليهم الأمم المعادية كما تتكالب الأكلة على قصعتها، وما ذلك إلا من ضعف ضُرب في قلوب كثير من المسلمين، إلا من تميز بصدق إيمانه وعزته بدينه ونصرته لعقيدته، في مواقف اتسمت بالصبر على التمسك بالدين والثبات عليه، مع كثرة المغريات والشهوات والشعارات المضللة، ومن صور ذلك ما نراه اليوم من تمسك بعض المسلمات بعفتهن وحجابهن وحفظهن لبيوتهن عزيزات مصونات في مقابل دعوات التحرر والتحضر والاختلاط بدعوى المشاركة في العطاء وإزالة التميز ضد المرأة وغير ذلك من الدعوات الخطيرة المعاصرة التي اغتر بها الكثير من ضعاف الإيمان رجالاً ونساء فانساقوا وراءها مؤيدين ومطالبين ومطبقين.

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة بعد المائة في

موضوع (القوي ) وهي بعنوان : ولزيادة الإيمان وتقويته أسباب كثيرة أهمها ما يلي:

أولاً: تعلم العلم النافع:

وهو العلم المستمد من كتاب الله تعالى وسنة رسوله ﷺ من مسائل العقائد والحلال والحرام والفضائل والمعارف المتنوعة. فمن وُفق لهذا العلم، فقد وُفق لأعظم أسباب زيادة الإيمان، ومن تأمل نصوص الكتاب والسنة علم ذلك.

قال تعالى: }وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ{ [الحج: 54].

وقال تعالى: }يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ{ [المجادلة:

وفي الصحيحين من حديث معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «ومن يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين».

وفي المسند وغيره من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «من سلك طريقًا يطلب فيه علمًا، سلك الله به طريقًا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر».

وفي الترمذي وغيره من حديث أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «فضل العالم على

العابد كفضلي على أدناكم، إن الله عز وجل وملائكته وأهل السموات والأرض، حتى النملة في جحرها

وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير».

فهذه بعض ما ذكر من الآثار الحميدة والخصال الكريمة للعلم وأهله في الدنيا والآخرة.

قال الآجري في مقدمة كتابه أخلاق العلماء: «إن الله عز وجل وتقدست أسماؤه اختص من خلقه من أحب فهداهم للإيمان، ثم اختص من سائر المؤمنين من أحب فتفضل عليهم فعلمهم الكتاب والحكمة، وفهمهم في الدين وعلمهم التأويل وفضلهم على سائر المؤمنين».

وينبغي التنبيه إلى أن العلم ليس مقصودًا لذاته بل هو وسيلة لأعظم الغايات وهو التعبد لله بالعمل، قال تعالى: }إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ{ [الزمر: 2].

وكل ما ورد في فضل العلم إنما هو ثابت له من وجه ما هو مكلف به من العمل.

وقد جاءت النصوص بالوعيد لمن لم يعمل بعلمه، وأن المتعلم يُسأل عن علمه: ماذا عمل به؟ قال

تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} الصف

قال الحسن البصري: «العلم علمان: علم في القلب، وعلم على اللسان، فعلم القلب هو العلم النافع، وعلم اللسان هو حجة الله على عباده».

بل إن الأعمال إنما تتفاوت في زيادتها ونقصها وحسنها وفضلها بل وقبولها وردها بحسب ما يقوم به صاحبها من العلم بها. كما قال ابن القيم رحمه الله: «والأعمال إنما تتفاوت في القبول والرد بحسب موافقتها للعلم ومخالفتها له، فالعمل الموافق للعلم هو المقبول، والمخالف له هو المردود، فالعلم هو الميزان وهو المحك». والمؤمن لا بد له من علم بما جاء به الرسول ﷺ يكون يقينًا له لا ريب عنده فيه، ويكون سلاحًا له ضد غارات الشبهات وتيارات الشهوات، لا سيما في

هذه الأزمان التي كثرت فيها الفتن وتلاعبت بالناس الأهواء والآراء المجردة من الدليل، فلا نجاة للمؤمن بإيمانه ما لم يكن معه علم يدافع به عن إيمانه ويقويه.

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة العاشرة بعد المائة في

موضوع (القوي ) وهي بعنوان : وجوه زيادة الإيمان من جهة العلم

وعلى هذا فزيادة الإيمان الحاصلة من جهة العلم تكون من وجوه متعددة:

1- من جهة خروج صاحبه في طلبه.

2- جلوسه عليه في حلقة العلم والذكر ومُذاكرة مسائله.

3- زيادة معرفته بالله وشرعه.

4- تطبيقه لما تعلمه.

5- من حيث تعليمه الجاهل ما تعلمه.

6- الصبر على تحصيله والدعوة إليه.

فهذه جوانب متعددة يزداد بها الإيمان بسبب العلم وتحصيله، أما أبواب العلم الشرعي التي يحصل بها زيادة الإيمان فكثيرة جدًا منها:

1- قراءة القرآن الكريم وتدبره: لا شك أن أعظم أبواب العلم دراسة كتاب الله وتناوله بالفهم والتدبر، وبه يزداد الإيمان ويثبت ويقوى.

قال تعالى: }وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ{ [الأعراف: 52].

وقد أخبر سبحانه أنه إنما أنزله ليدَّبَّر العباد آياته فقال: }كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ{ [ص: 29].

وقال تعالى مؤكدًا أن القرآن يزيد المؤمنين إيمانًا: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: 2].

قال ابن القيم رحمه الله: «فلو علم الناس ما في قراءة القرآن بالتدبر لاشتغلوا بها عن كل ما سواها، فإذا قرأه بتفكر حتى مر بآية وهو محتاج إليها في شفاء قلبه كررها ولو مائة مرة، ولو ليلة، فقراءة آية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم، وأنفع للقلب وأدعى إلى حصول الإيمان وذوق حلاوة القرآن».

وقال محمد رشيد رضا: «واعلم أن قوة الدين وكمال الإيمان واليقين لا يحصلان إلا بكثرة قراءة القرآن واستماعه مع التدبر، بنية الاهتداء به والعمل بأمره ونهيه».

وكما بينا في شأن العلم سابقًا فإن زيادة الإيمان التي تكون بقراءة القرآن لا تكون إلا لمن اعتنى بفهمه

وتطبيقه والعمل به، وإلا فكم من قارئ للقرآن والقرآن حجيجه وخصيمه يوم القيامة، وقد ثبت عن النبي ﷺ قوله: «... والقرآن حجة لك أو عليك»[  مسلم: كتاب الطهارة، باب فضل الوضوء.

وقال قتادة: «لم يجالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان».

وكثير من الناس من اشتغل بحفظ القرآن وحسن ترتيله مع إهمال جانب العمل به والتخلق بأخلاقه فيصف الحسن البصري هذا النوع من الناس

فيقول: «...أما والله ما هو بحفظ حروفه وإضاعة حدوده، حتى إن أحدهم ليقول: لقد قرأت القرآن كله فما أسقطت منه حرفًا، وقد والله أسقطه كله، ما يُرى له القرآن في خُلق ولا عمل، حتى إن أحدهم ليقول إني لأقرأ السورة في نفس، والله ما هؤلاء بالقُرّاء ولا العلماء ولا الحكماء ولا الورعة، متى كانت القُرَّاء مثل هذا لا أكثر الله في الناس مثل هؤلاء».

وليس هذا اعتراضًا على الاعتناء بتجويد القرآن وحفظه وحسن أدائه وإنما هو اعتراض على التكلف في ذلك دون الاهتمام بإقامة الأوامر والأحكام التي نزل بها القرآن.

فلا بد للعبد عند قراءة القرآن أن يجمع قلبه وهمته على فهمه والعمل به وأن يستشعر أن هذا القرآن إنما هو خطاب من الله تعالى له، كما قال الحسن البصري: «إن من كانوا قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل ويتفقدونها بالنهار».

وهنا يعطينا ابن القيم قاعدة جليلة في كيفية الاستفادة والانتفاع من قراءة القرآن فيقول: «إذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه وألق سمعك واحضر حضور من يخاطبه من تكلم به سبحانه منه إليه، فإنه خطاب منه لك على لسان رسوله».

وإذا ظفر العبد بالعلم والعمل معًا زاد إيمانه وثبت ثبوت الجبال الراسيات – نسأل الله من فضله .

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الحادية عشرة بعد المائة في

موضوع (القوي ) وهي بعنوان : وجوه زيادة الإيمان من جهة العلم

2- العلم بأسماء الله الحسنى وصفاته العلى:

فإن معرفة أسماء الله وصفاته الواردة في الكتاب والسنة والتي تدل على كمال الله المطلق من كافة الوجوه من أعظم الأسباب التي يحصل بها قوة الإيمان وكمال اليقين.

وتعلم أسماء الله وصفاته والاشتغال بمعرفتها من أعظم أبواب العلم التي يحصل بها زيادة الإيمان، فشرف العلم بحسب شرف معلومه وشدة الحاجة إليه. إذ لا سبيل إلى معرفة الرب سبحانه إلا بمعرفة أسمائه ونعوته التي يُعرف بها سبحانه إلى عباده من الكتاب والسنة الصحيحة، أما ما سوى هذين المصدرين فلا يجوز الأخذ منه، لأن أسماءه سبحانه وصفاته كلها توقيفية لا تثبت لله إلا بدليل من القرآن أو السنة الصحيحة.

وبحسب معرفة العبد بربه يكون محبته له وخضوعه وطاعته، وبالتالي إيمانه ويقينه.

فأسماء الرب عز وجل ونعوته تثمر في القلب العبودية والخضوع، إذ لكل صفة عبودية خاصة يشهدها القلب ثم يظهر مقتضاها على الجوارح.

وبيان ذلك أن العبد إذا علم بتفرد الرب تعالى بالضر والنفع والعطاء والمنع والخلق والرزق والإحياء والإماتة فإن ذلك يثمر له عبودية التوكل عليه باطنًا ولوازم التوكل وثمراته ظاهرًا.

وإذا علم بأن الله سميع بصير عليم لا يخفى عليه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض، وأنه يعلم السر وأخفى، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فإن هذا يثمر له حفظ اللسان والجوارح وخطرات القلب عن كل ما لا يرضى الله وأن يجعل تعلقات هذه الأعضاء بما يحبه ويرضاه.

وإذا علم بأن الله غني كريم برٌ رحيم واسع الإحسان فإن هذا يوجب له قوة الرجاء، والرجاء يثمر أنواع العبودية الظاهرة والباطنة بحسب معرفته وعلمه.

وإذا علم بكمال الله وجماله أوجب له هذا محبة خاصة وشوقًا عظيمًا إلى لقاء الله، وهذا يثمر أنواعًا كثيرة من العبادة.

فلا بد للعبد أن يعرف أن له ربًا قد اجتمعت له صفات الكمال ونعوت الجلال، منزه عن المثال، بريء من النقائص والعيوب، له كل اسم حسن وكل وصف كمال، فعّال لما يريد، فوق كل شيء، ومع كل شيء، وقادر على كل شيء، ومقيم لكل شيء، آمرٌ ناهٍ، متكلم بكلماته الدينية والكونية، أكبر من كل شيء، وأجمل من كل شيء، أرحم الراحمين، وأقدر القادرين، وأحكم الحاكم، فالقرآن أنزل لتعريف عباده به، وبصراطه الموصل إليه، وبحال السالكين بعد الوصول إليه.

وكما قال ابن القيم – رحمه الله تعالى -: «من أعز أنواع المعرفة: معرفة الرب سبحانه بالجمال، وأتمهم معرفة من عرفه بكماله وجلاله وجماله سبحانه، ليس كمثله شيء في سائر صفاته ... ويكفي في جماله أنه لو كشف الحجاب عن وجهه لأحرقت سبحاته ما انتهى إليه بصره من خلقه، ويكفي في جماله أن كل جمال ظاهر وباطن في الدنيا والآخرة من آثار صنعه، فما الظن بمن صدر عنه هذا الجمال؟ ويكفي في جماله أن لنور وجهه أشرقت الظلمات كما قال النبي ﷺ في دعاء الطائف: «أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة».

وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه «ليس عند ربكم ليل ولا نهار، نور السموات والأرض من نور وجهه فهو سبحانه نور السموات والأرض، ويوم القيامة إذا جاء لفصل القضاء تشرق الأرض بنوره».

ثم قال رحمه الله: «وجماله سبحانه على أربع مراتب: جمال الذات، وجمال الصفات، وجمال الأفعال، وجمال الأسماء، فأسماؤه كلها حسنى وصفاته كلها صفات كمال، وأفعاله كلها حكمة ومصلحة وعدل ورحمة، وأما جمال الذات، وما هو عليه محجوب بستر الرداء والإزار، كما قال رسول الله ﷺ فيما يحكي عن ربه: «الكبرياء ردائي والعظمة إزاري»[ سنن أبي داود: كتاب اللباس، باب ما جاء في الكبر.]

قال ابن عباس: «حجب الذات بالصفات ، وحجب الصفات بالأفعال، فما ظنك بجمال حجب بأوصاف الكمال ، وستر بنعوت العظمة والجلال؟».

ثم قال رحمه الله تعالى: «فإن العبد يترقى من معرفة الأفعال إلى معرفة الصفات، ومن معرفة الصفات إلى معرفة الذات، فإذا شاهد شيئًا من حسن جمال الأفعال استدل به على جمال الصفات، ثم استدل بجمال الصفات على جمال الذات» انتهى كلامه بتصرف.

فلا شك بعد ذلك في أن العبد كلما تعرف إلى ربه زاد حبه وإيثاره لمرضاته، وبالتالي زاد إيمانه ويقينه. كما أن معرفة الله تقوِّي في العبد جانب الخوف والمراقبة، كما قال تعالى: }إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ{ [فاطر: 28].

قال ابن كثير رحمه الله تعالى: «أي إنما يخشى الله حق خشيته العلماء العارفون به، لأنه كلما كانت

المعرفة للعظيم العليم الموصوف بصفات الكمال المنعوت بالأسماء الحسنى كلما كانت المعرفة به أتم والعلم

 به أكمل كانت الخشية له أعظم وأكثر».

فمن كانت معرفته بالله كذلك، كان من أقوى الناس إيمانًا وأحسنهم إجلالاً ومراقبة لله عز وجل، وأكثرهم طاعة وتقربًا إليه وبعدًا عن معاصيه ومساخطه.

قال بشر رحمه الله تعالى: «لو تفكر الناس في عظمة الله تعالى ما عصوه عز وجل».

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية عشرة بعد المائة في

موضوع (القوي ) وهي بعنوان : وجوه زيادة الإيمان من جهة العلم

3- دراسة سنة النبي ﷺ والتأمل في سيرته:

من أسباب زيادة الإيمان النظر في سيرة النبي ﷺ وهديه والتأمل فيما ذكر من أفعاله ونعوته الطيبة وشمائله الحميدة، إذ هو المبعوث بالدين القويم رحمة للعالمين وإمامًا للمتقين وقدوة للمؤمنين، ومن درس السيرة وتأمل في نعوت وصفات النبي ﷺ التي جاء ذكرها في الكتاب والسنة وكتب السير، فقد استكثر لنفسه من الخير وانتفع به غاية الانتفاع، إذ إن هذا من أعظم ما يقوي محبته ﷺ في قلب المسلم، وزيادة المحبة له ﷺ تورث المتابعة والعمل الصالح اللذين يزيدان في إيمان العبد، فكان هذا من أعظم أبواب وسبل الهداية.

وقد ذكر ابن القيم رحمه الله، أن للهداية أسبابًا متعددة، وطرقًا متنوعة، وهذا من لطف الله بعباده، لتفاوت عقولهم ومداركهم وميولهم وطباعهم، وذكر

من هذه الأسباب تأمل حال وأوصاف النبي ﷺ، وأن هذا سبب لهداية بعض الناس فقال رحمه

الله: «... ومنهم من يهتدي بمعرفته بحاله ﷺ وما فُطر عليه من كمال الأخلاق والأوصاف والأفعال، وأن عادة الله أن لا يخزي من قامت به تلك الأوصاف والأفعال، لعلمه بالله ومعرفته به، وأنه لا يُخزي من كان بهذه المثابة، كما قالت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها له ﷺ: «أبشر لن يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق».

قال الشيخ السعدي – رحمه الله -: «فمعرفته ﷺ توجب للعبد المبادرة للإيمان ممن لم يؤمن، وزيادة الإيمان ممن آمن به».

إلى أن قال: «ولهذا كان الرجل المنصف الذي ليس له إرادة إلا اتباع الحق، مجرد ما يراه ويسمع كلامه يبادر إلى الإيمان به ﷺ ولا يرتاب في رسالته، بل كثير منهم مجرد ما يرى وجهه الكريم يعرف أنه ليس بوجه كذاب».

ويكفي أن الرب عز وجل أقسم على كمال هذا الرسول وعظمة أخلاقه وأنه أكمل مخلوق بقوله: }ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ{ [القلم: 1-4].

وحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كان ﷺ أجود الناس، وأجمل الناس، وأشجع الناس»[ البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب الشجاعة بالحرب والجبن.] وحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: «أن رسول الله ﷺ لم يكن فاحشًا ولا متفحشًا، وأنه كان يقول: «خياركم أحسنكم أخلاقًا»[ البخاري: كتاب المناقب، صفة النبي ﷺ.] النفس أثره.

4- قراءة سيرة سلف هذه الأمة:

فإن سلف هذه الأمة أصحاب النبي ﷺ وتابعيهم بإحسان أهل الصدر الأول من الإسلام هم خير

القرون، أهل المشاهد والمواقف العظام، وهم حملة هذا الدين ونقلته لمن جاء بعدهم من العالمين، أقوى الناس إيمانًا وأرسخهم علمًا، يخص منهم أصحاب النبي ﷺ الذين خصهم الله برؤيته وأكرمهم بسماع صوته، فأخذوا الدين منه غضًا طريًا، فاستحكمت به قلوبهم، واطمأنت به نفوسهم وثبتوا عليه ثبوت الجبال.

ويكفي في بيان فضلهم أن الله خاطبهم بقوله: }كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ{ [آل عمران: 110]، والمعنى: أنهم خير الأمم وأنفع الناس للناس. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «خير أمتي القرن الذي بعثت فيه ثم الذين يلونهم»[ البخاري]

من تأمل حال أولئك الأخيار وقرأ سيرهم، وعرف محاسنهم، وما كانوا عليه من خلق عظيم، وتعاهد للإيمان، وإقبال على الطاعة، وتنافس في فعل الخير، وشدة تعبدهم لله، وإعراضهم عن الدنيا الفانية، وإقبالهم على الآخرة الباقية، فإن المتأمل سيقف من خلال ذلك على قصور نفسه وضعف همته وعلى قلة زاده، وسيكون ذلك شاحذًا لهمته مقويًا لعزيمته داعيًا إلى صدق التأسي بهم. ولو لم يحصل من ذلك كله إلا حصول محبتهم في القلب ورغبة التحلي بصفاتهم لكفى، لأنه كما جاء في الحديث: «المرء يحشر مع من أحب»[ البخاري: كتاب الأدب، باب علامة حب الله عز وجل، مسلم: كتب البر والصلة، باب المرء مع من أحب..]

وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: «ومن كان بهم أشبه ذلك فيه أكمل» و«من تشبه بقوم فهو منهم»[ سنن أبي داود: كتاب اللباس، باب في لبس الشهرة.] وموضع التأمل والبحث في سير وأخبار هؤلاء الأخيار يكون في: كتب التاريخ والسير، والزهد، والرقائق، والورع وغيرها.

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة عشرة بعد المائة في

موضوع (القوي ) وهي بعنوان : ثانيًا: التأمل في آيات الله الكونية:

فالتأمل في آيات الله الكونية ومخلوقاته العظيمة من سماء وأرض، وليل ونهار، وجبال وأشجار وبحار وأنهار وغير ذلك مما لا يحصى. مما خلق البارئ عز وجل وأودع في هذا الكون الفسيح، فإن من تأملها وأمعن النظر وأجال الفكر فيها، يعود عليه ذلك بالنفع وتقوية الإيمان وتثبيته؛ لأن التفكر الذي حقيقته النظر والاعتبار يكون به الإدراك الواعي لوحدانية الله وعظيم ملكه وكمال قدرته، يُفجر في قلب العبد ينابيع الإيمان وتعظيم الله وإجلاله، وينبهه إلى كثرة نعمه وآلائه.

وكذلك فإن من وراء التفكر الواعي بأحوال الناس والنفس والدنيا وسرعة زوالها وانقضائها، وفي الصفات المهلكة والصفات المنجية، يكون الاعتزاز بالله وحده والذل لوجهه سبحانه والترفع عن الهوان لغيره. وإحياء الجوانب الفاضلة والحسنة في القلب وإزهاق النوازع الخبيثة والرديئة، ويقوي الرغبة فيما عند الله والدار الآخرة.

وكان سفيان بن عيينة يقول: «إذا المرء كانت له فكرة، ففي كل شيء له عبرة». ومما يُربي في النفس

فضيلة التفكر، دعوة القرآن إلى النظر في آيات الله ومفعولاته التي هي مخلوقاته ، وآثار صنعه والتي هي أعظم دليل على وحدانيته وتفرده، قال الله تعالى في سورة الحشر: }فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ{ [الحشر: 2].

وربط بين التفكر والعبرة وبين مواطنها المتعلقة بما خلق الله وأبدع في كونه من أشياء داعية إلى توحيده وخشيته ، فيقول في سورة النحل: }وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ{ [النحل: 66].

ويقول في سورة النور: }يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ{ [النور: 44].

وكما قال الشاعر:  وفي كل شيء له آية ***** تدل على أنه الواحد

وكأن التفكر لصاحبه رائد يهديه إلى طريق ربه ، ويحول بينه وبين الانصراف عنه، وإذا كان التفكر بهذه المنزلة، وثمرته بتلك المكانة فالمصيبة كبيرة حين يُحرم الإنسان ذلك الجانب من العبادة، فالذي يمر على الآية العظيمة والخلق الباهر والعبرة الموقظة دون أن يدركها أو يتأثر بها أو يعتبر عندها، دال على تجمد تفكيره وإدراكه وتبلد شعوره وإحساسه، ويكون بمنزلة من فقد العقل أو البصر أو كما وصفهم الرب عز وجل }أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ{، ومن لم يجعل الله له نورًا فما له من نور.

قال جل وعلا: }سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ{ [الأعراف: 146].

وقد ذكر الحسن أن معنى (الصرف) هنا هو أن الله جل جلاله يمنع هؤلاء الأشقياء من التفكر في أمر الله عز وجل.

وقد يسأل سائل عن طريق التفكر وكيف الوسيلة إلى تحقيقه؟ وجواب ذلك أن التفكر هو عمل قلبي تأتي الجوارح تبعًا له، وعبادة تحتاج إلى نية وبذل وجهد وقصد، ثم إنه يأتي بحمل النفس على ذلك والمحاولة وتكرار ذلك، لأن التكرار يورث التعود، ويعاون على التفكر الصمت والسكون والخلوة بالنفس حتى يسبح الفكر في آفاق التذكر والتدبر بلا شواغل ولا قواطع، كانتهاز فرصة الذهاب إلى رحلات البر أو البحر أو الصعود إلى سطح المنزل، والتفكر في بديع صنع السماء. وكذا يفتش في عجيب صنع نفسه وتغير مراحله وأحواله، وقد سُئل أعرابي: بم عرفت ربك؟ فرد بجواب المتفكر: بنقض العزائم وصرف الهمم. وهذا هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوجه الانتباه إلى التفكر والاعتبار بأحوال الخلق وضعفهم ونهايتهم وحقارة الدنيا وسرعة انقضائها فيقول: «أو لستم ترون أهل الدنيا يمسون ويصبحون على أحوال شتى، فميت يُبكي، وآخر يُعزَّى، وصريع مبتلى، وعائد يعود، وآخر بنفسه يجود، وطالب الدنيا والموت يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه، وعلى أثر الماضي يمضي الباقي».

ولكن ليس كل صمت يؤدي إلى فضيلة التفكر، فقد يصمت الإنسان في غفلة وبلادة وشرود، لذلك قال الحسن: «من لم يكن سكوته تفكرًا فهو سهو».

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة عشرة بعد المائة في

موضوع (القوي ) وهي بعنوان :ثالثًا: الاجتهاد في الأعمال الصالحة:

فمن أهم أسباب زيادة الإيمان وأظهرها القيام بالأعمال الصالحة الخالصة لوجه الله تعالى، والإكثار منها والمداومة عليها، فإن كل عمل يقوم به المسلم مما شرعه الله ويخلص نيته فيه يزيد في إيمانه، لأن الإيمان يزيد بزيادة الطاعات وكثرة العبادات.

والأعمال الصالحة تنقسم من حيث متعلقها إلى ثلاثة أقسام:

1- أعمال قلبية.2- أعمال قولية.3- أعمال فعلية. .

1- أما أعمال القلب فمنها:

الإخلاص، والمحبة، والتوكل، والإنابة، والرجاء، والخوف، والرضا والصبر وغيرها من أعمال القلب،

وهي في الحقيقة أصل الدين ورأس أمره؛ لأن الأعمال الظاهرة لا تُقبل إن خلت من الأعمال القلبية، ولا عبرة بصلاح الظاهر مع فساد الباطن.

فمثلاً الأعمال كلها يشترط في قبولها الإخلاص لله عز وجل والإخلاص عمل قلبي ، لذا لزم على كل مسلم أن يبدأ بالاعتناء بإصلاح قلبه وتحقيق تلك الأعمال فيه.

ففي الصحيحين من حديث النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «...ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب».

فإذا كان القلب سليمًا ليس فيه إلا محبة الله ومحبة ما يحبه الله، وخشية الله وخشية الوقوع فيما يسخط الله، صلحت تبعًا لذلك حركات جوارحه، وانقادت لذلك الخير الذي في قلبه، بخلاف ما إذا كان القلب قد استولى عليه حب الهوى واتباع الشهوات وتقديم حظوظ النفس، فإن من كان كذلك فسدت حركات جوارحه تبعًا لما في قلبه.

والمقصود أن أعظم باعث للإيمان ، وأنفع مقوياته ، وأهم أسباب زيادته ونمائه هو إصلاح القلب بحب الله وحب رسوله وحب ما يحبه الله ورسوله ﷺ ، وتطهيره مما يخالف ذلك ويناقضه.

وجماع ذلك وتحقيقه بإشغال القلب بالفكر بما فيه صلاحه وفلاحه، فيشغله بمعرفة ما يلزمه من توحيد الله وتعظيمه وحقوقه عز وجل، وتذكر الموت وما بعده إلى دخول الجنة أو النار، والتعرف على آفات القلوب وأعمالها المفسدة والتحرز منها، كالشرك بأنواعه والشك وتعظيم الخلق والحسد والرياء، والعمل على طرح الإرادات التي تضره، والعزم على الإرادات التي تنفعه، وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: «من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان»[ سنن الترمذي: كتاب السنة، باب الدليل على زيادة الإيمان]. ومعنى هذا أن كل حركات القلب إذا كانت كلها لله فقد كمل إيمان صاحبه.

لذلك كان أكمل المؤمنين إيمانا هم أهل المحبة الذين انعقدت قلوبهم على محبة الله عز وجل ، ومحبة ما يحبه ، وبغض ما يبغضه، وكذلك أهل التوكل الذين بلغوا أعلى قمة الإيمان بذلك العمل القلبي ، فأدخلهم بعد رحمة الله الجنة بغير حساب كما في قول النبي ﷺ في صفتهم: وعلى ربهم يتوكلون [البخاري: كتاب الطب، باب من اكتوى أو كوى غيره وفضل من لم يكتو.]

2- أعمال اللسان: كذكر الله عز وجل وحمده والثناء عليه وقراءة كتابه والصلاة والسلام على رسوله ﷺ والاستغفار والدعاء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله ... وغير ذلك من الأعمال التي تكون باللسان، فلا شك أن القيام بها والمداومة عليها والإكثار منها من أعظم أسباب زيادة الإيمان.                                                                                                                                                   قال الشيخ السعدي – رحمه الله -: «ومن أسباب دواعي الإيمان الإكثار من ذكر الله كل وقت، فإن ذكر الله يغرس شجرة الإيمان في القلب، ويغذيها وينميها، وكلما ازداد العبد ذكرًا لله قوي إيمانه، كما أن الإيمان يدعو إلى كثرة الذكر، فمن أحب الله أكثر من ذكره، ومحبة الله هي الإيمان بل هي روحه».

وقد ورد في الكتاب والسنة نصوص كثيرة في الأمر بالذكر والحث على الإكثار منه بما يبين أهميته قال

تعالى: }وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{ [الجمعة: 10]، وقال تعالى: }أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ{ [الرعد: 28].

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأرضاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إعطاء الذهب والورق، ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم»؟ قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: «ذكر الله»[ سنن ابن ماجة: كتاب الأدب، باب فضل الذكر.] وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «يقول الله تبارك وتعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه ...» وغيرها من النصوص الدالة على فضل الذكر وأهميته، وفضل الاشتغال به.

فإن أعرض الإنسان عن ذلك ولم يشغل لسانه بذكر الله عز وجل، اشتغل لسانه بغير ذلك من

اللغو والخوض الباطل والغيبة والفحش، لأن العبد لا بد له أن يتكلم، فإن لم يتكلم بذكر الله تعالى وذكر أوامره تكلم بهذه الأمور.

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة عشرة بعد المائة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :ثالثًا: الاجتهاد في الأعمال الصالحة:

قال ابن القيم: «فإن اللسان لا يسكت البتة، فإما لسان ذاكر، وإما لسان لاغ، ولا بد من أحدهما، فها هي النفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، وكذلك القلب، إن لم تسكنه محبة الله عز وجل، سكنته محبة المخلوقين ولا بد، وهذا اللسان، إن لم تشغله بالذكر، شغلك باللغو، وهي عليك ولا بد، فاختر لنفسك إحدى الخطتين، وأنزلها في إحدى المنزلتين».

فالإيمان يزيد من حيث القول فإن من ذكر الله عشر مرات ليس كمن ذكر الله مائة مرة، فالثاني أزيد بكثير.

ثم إن من أعظم العبادات القولية التي تزيد في الإيمان الدعاء والدعوة إلى الله، ولأهمية هذين الأمرين ولعظم نفعهما في زيادة الإيمان لزم الحديث عنهما:

- أما الدعاء فهو من أقوى الأسباب لتقوية الإيمان لأنه في حقيقته هو العبادة كما قال ﷺ: «الدعاء هو العبادة»[سنن الترمذي: كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة البقرة.]

فالعبد عندما يتوجه إلى ربه بالدعاء فإن ذلك يدل على ما في القلب من الثقة بالله وحسن الظن به وفيه أيضًا تظهر عبودية الافتقار إلى الله والذل

والخضوع له وكلما حقق ذلك أكثر كان إلى الله أقرب. قال ﷺ: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء»[ مسلم: كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود] وكذلك بالدعاء يتوجه العبد إلى ربه بطلب التوفيق إلى أسباب زيادة الإيمان وتقوية اليقين لأن الله سبحانه هو مسبب الأسباب وميسر الأمور، وقد قال الرسول ﷺ: «إن الإيمان ليخْلَقُ في جوف أحدكم كما يخْلَقُ الثوب فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم».

وتقدم معنا أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كان يقول في دعائه: «اللهم زدني إيمانًا ويقينًا وفقهًا».

- أما الدعوة إلى الله تعالى وإلى دينه ففيها يكمّل العبد نفسه وإيمانه ويكمَّل غيره.

كما أقسم الله تعالى بالعصر أن جنس الإنسان لفي خسر إلا من اتصف بصفات أربع: الإيمان والعمل الصالح اللذين بهما تكمل النفس، والتواصي بالحق الذي هو العلم النافع، وبالصبر على ذلك كله، وبهما تكمل الهداية للنفس وللغير.

والدعوة إلى الله من أكبر مقويات الإيمان لأن صاحبها يسعى إلى نصرة هذه الدعوة ويقيم الأدلة

والبراهين لتحقيقها، فالجزاء من جنس العمل، فكما سعى إلى تكميل العباد ونصحهم وتوصيتهم فإن الله

 يجازيه بتأييده بنور منه وقوة إيمان.

وكما تصدى لنصرة الحق فإن الله يفتح عليه الفتوحات العلمية والإيمانية بمقدار صدقه وإخلاصه.

قال تعالى: }إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ{ [محمد: 7]، وقال تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ{ [يونس: 9].

كما ينبغي للآمر الناهي الداعي إلى الله أن يلتزم الصدق والإخلاص وأن يلتزم في دعوته بالحكمة والرفق، والصبر على المدعوين والعلم بما يدعوهم إليه، فإن تحققت فيه هذه الأوصاف أثمرت دعوته ونفعت بإذن الله، وكانت سببًا لقوة إيمانه، وقوة إيمان المدعوين.

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة عشرة بعد المائة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :

ثالثًا: الاجتهاد في الأعمال الصالحة: اقسام الأعمال الصالحة من حيث متعلقها :

3- وأما أعمال الجوارح

من صلاة وصيام وحج وصدقة وجهاد وغير ذلك من الطاعات، فهي كذلك من أسباب زيادة الإيمان، فالاجتهاد في القيام بالطاعات التي افترضها الله على عباده، وبالقربات التي ندب عباده إليها، والإتيان بها على أحسن الوجوه وأكملها من أعظم أسباب قوة الإيمان وزيادته.

قال الله تعالى: }قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{ [المؤمنون:

فهذه الصفات الثمان، كل واحدة منها تثمر الإيمان وتنميه، كما أنها من صفات الإيمان وداخلة في تفسيره.

فحضور القلب في الصلاة، وكون المصلي يجاهد نفسه على استحضار ما يقوله ويفعله من القراءة

والذكر والدعاء فيها، ومن القيام والقعود، والركوع والسجود من أسباب زيادة الإيمان ونموه.

وقد سمى الله الصلاة إيمانًا بقوله: }وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ{ [البقرة: 143]، وقوله: }وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ{ [العنكبوت: 45]، فهي أكبر ناهٍ عن كل فحشاء ومنكر ينافي الإيمان، كما أنها تحتوي على ذكر الله الذي يغذي الإيمان وينميه، لقوله: }وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ{.

والزكاة كذلك تنمي الإيمان وتزيده، فرضها ونفلها، كما قال النبي ﷺ: «والصدقة برهان»

[ مسلم: كتاب الطهارة، باب فضل الوضوء. ] أي: على إيمان صاحبها، فهي دليل الإيمان، تغذيه وتنميه.

والإعراض عن اللغو الذي هو كل كلام لا خير فيه، وكل فعل لا خير فيه، بل يقولون الخير ويفعلونه، ويتركون الشر قولاً وفعلاً، ولا شك أنه من الإيمان ويزداد به الإيمان.

ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم إذا وجدوا غفلة أو تشعثًا في إيمانهم، يقول بعضهم

لبعض «اجلس بنا نؤمن ساعة» فيذكرون الله ويذكرون نعمه الدينية والدنيوية، فيتجدد بذلك إيمانهم.

وكذلك العفة عن الفواحش خصوصًا فاحشة الزنا، ولا ريب أن هذا من أكبر علامات الإيمان ومنمياته، فالمؤمن لخوفه مقامه بين يدي ربه }وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى{ إجابة لداعي الإيمان.

ورعاية الأمانات والعهود وحفظها من علامات الإيمان، وفي الحديث: «لا إيمان لمن لا أمانة له»[ سبق تخريجه.]، وإذا أردت أن تعرف إيمان العبد ودينه، فانظر حاله هل يرعى الأمانات؟

وهل يرعى الحقوق والعهود والعقود التي بينه وبين الله والتي بينه وبين العباد؟ فإن كان كذلك فهو صاحب دين وإيمان ... وإن لم يكن كذلك نقص من دينه وإيمانه بمقدار ما انتقص من ذلك.

وختمها بالمحافظة على الصلوات على حدودها وحقوقها، وأوقاتها؛ لأن المحافظة على الصلوات على حدودها وحقوقها، وأوقاتها؛ بمنزلة الماء الذي يجري على بستان الإيمان فيسقيه وينميه، ويؤتي أكله كل حين.

وشجرة الإيمان محتاجة إلى تعاهد كل وقت بالسقي وهو المحافظة على أعمال اليوم والليلة من الطاعات

والعبادات، وإلى إزالة ما يضرها من الصخور والنوابت الغريبة الضارة، وهو العفة عن المحرمات قولاً وفعلاً فمتى تمت هذه الأمور حيي هذا البستان وزها، وأخرج الثمار المتنوعة.

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة عشرة بعد المائة في

موضوع (القوي ) وهي بعنوان : ثالثًا: الاجتهاد في الأعمال الصالحة:

وبهذا البيان يتضح لنا شدة أثر الأعمال الصالحة في زيادة الإيمان، وأن القيام بها والإكثار منها سبب عظيم من أسباب زيادته.

قال الشيخ محمد العثيمين – رحمه الله -: «ولزيادة الإيمان أسباب منها: فعل الطاعة، فإن الإيمان يزداد به بحسب حسن العمل، وجنسه، وكثرته، فكلما كان العمل أحسن كانت زيادة الإيمان به أعظم، وحسن العمل يكون بحسب الإخلاص والمتابعة، وأما جنس العمل فإن الواجب أفضل من المسنون، وبعض الطاعات أوكد وأفضل من البعض الآخر، وكلما كانت الطاعة أفضل كانت زيادة الإيمان بها أعظم، وأما كثرة العمل فإن الإيمان يزداد بها لأن العمل من الإيمان فلا جرم أن يزيد بزيادته».

فالصلاة إيمان، والحج إيمان، والصدقة إيمان، والجهاد إيمان، بشرط الإخلاص والمتابعة، ومجالسة أهل الخير ومرافقتهم إيمانٌ بل هو سبب عظيم من أسباب زيادة الإيمان لما يكون في مجالستهم من التذكير بالله تعالى والترغيب في رحمته وعفوه والترهيب من سخطه وعذابه، وما في مجالستهم من تحريك بواعث التنافس في الخير ودفع العزائم والهموم إلى فعل الطاعات وترك المعاصي.

وقد قال ﷺ: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل»[سبق تخريجه.]

وكما بين الله تعالى أن القلوب تستفيد من مجالس الذكر ويحدث لها نشاطٌ وهمة ويوجب لها الانتفاع والارتفاع، بخلاف مجالس اللهو والغفلة فإنها من أعظم أسباب نقص الإيمان.

ولهذا كان سلفنا الصالح أشد الناس عناية بمجالس الذكر والحرص عليها، وأشدهم بعدًا عن مجالس اللهو والغفلة.

وسبب أخير نختم به هذه الأساليب؛ ينبغي العناية به وعدم إغفاله: وهو أن الأمور السابقة جميعها تتطلب مجاهدة للنفس وتوطينها على الإتيان بها

وتحقيقها فالإيمان لا يأتي دفعة واحدة كما أنه لا يقف عند حد، بالإضافة إلى أن ذلك أيضًا يستلزم محاسبة النفس على جميع ما من شأنه إنقاص الإيمان أو إضعافه والتوبة مما يقع منها ... وبالله التوفيق.

 خاتمة

وفي الختام أشير إلى بعض النماذج والتطبيقات العملية لزيادة الإيمان، وفقنا الله جميعًا إلى العمل بها والثبات عليها، وفتح لنا باب الاستزادة من كل خير، ومنها:

1- المحافظة على الصلاة في أول وقتها.

2- المحافظة على أذكار أدبار الصلوات ولزومها.

3- المحافظة على أذكار الصباح والمساء وحفظها وعدم التهاون بها.

4- المحافظة على الورد اليومي من القرآن.

5- النظر في شيء من معاني القرآن والتفسير، ولا سيما السور المكية التي يغلب عليها ذكر أصول الإيمان.

6- الإكثار من تذكر الموت والاعتبار بالصحة والعافية ومهلة الحياة.

7- التصدق بشيء من المال وعدم الغفلة عن ذلك.

8- الحرص على قيام الليل ولو قليلاً.

9- المشاركة في حلق الذكر والمحافظة على حضورها وعدم الانقطاع عنها.

10- الحرص على الخلوة بالنفس ومحاسبتها والتعرف على تقصيرها، وذلك كل يوم أو كل ليلة ، ثم مجاهدتها في الوصول بها إلى مستوى كمالها وسلامتها.

11- سماع المواعظ الإيمانية بشكل دوري لا ينقطع، مع قراءة كتب السير والرقائق والزهد.

 [ الأنترنت – موقع  - طريقك إلى تقوية إيمانك  - أسماء بنت راشد الرويشد ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة عشرة بعد المائة في

موضوع (القوي ) وهي بعنوان :* المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف :  

روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان».

إن هذا الحديث العظيم من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم تحمل في طياتها معانٍ عظيمة ومفاهيم عميقة يتبين بإذن

الله من خلال الطرح بعد قليل. يقول عليه الصلاة والسلام: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من

المؤمن الضعيف» ما المراد بالقوة وما هي مجالات القوة المطلوبة من المؤمن ليكون أحب إلى الله من الضعيف؟

إن أول ما يجب أن تتمثل قوة المؤمن فيه عقيدته، إن صحة العقيدة وسلامتها على ضوء معتقد أهل السنة والجماعة هو المعين الذي لا ينضب للنشاط المتواصل والعمل الدؤوب والحماس في الدعوة الذي لا ينقطع أبدًا.

إن الأمة في حاجة إلى ذلك المؤمن القوي في عقيدته والتي تضفي على صاحبها قوة تظهر في أعماله كلها، إن الأمة في أوضاعها الراهنة لفي حاجة إلى شباب أقوياء في عقيدتهم إذا تكلم الواحد منهم كان قويًا واثقًا، وإن عمل كان قويًا ثابتًا وإذا ناقش كان قويًا واضحًا، وإذا فكر كان قويًا مطمئنًا لا يعرف التردد ولا تميله الرياح، ولا تخيفه التهديدات يأخذ تعاليم دينه بقوة وينقلها إلى غيره بقوة ويتحرك ويدعو في مجتمعه بقوة.لا وهن معها ولا ضعف يستشعر قول البارئ جل وعلا: (خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ) [البقرة: 63]، وقوله جل وعز: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) [مريم: 12] وقوله:

(فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ) [الأعراف: 145].

 إنها قوة المؤمن، التي لا رخاوة فيها ولا قبول لأنصاف الحلول مع الخصوم إن هذا المؤمن بهذه المواصفات لا يعرف الهزال، ولا يعرف إضاعة الأوقات بل كله جد وصرامة، وقوة هذا جانب من جوانب القوة المطلوبة في المؤمن جانب آخر يتفرع من الجانب الأول، لكن لأهميته ولخطورته، لابد أن يفرد بكلام مستقل، وهو أن هذه القوة تتمثل في ثبات الخطى، وذلك حين يحفظ المؤمن لنفسه طريق الدعوة إلى الله عز وجل، ويسخر كل وقته وجهده لخدمة هذا الدين، فهو حين يعاشر الناس، ويختلط بمن حوله، من أجل هدايتهم ودعوتهم، قد تتعثر بعض خطواته أمام الأعراف والتقاليد، أو قد يتأثر فيفقد بعض الأشياء بحكم الاحتكاك المستمر، فإذا لم يتنبه المؤمن لهذه القضية، فقد ينحرف عن المسار الصحيح.

"لا تكونوا إمّعة تقولون: إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن

الناس أن تحسنوا وإن أساءوا فلا تظلموا".

إن توطين النفس، وقسرها على عدم التخوض في أعراف المجتمع وتقاليد العائلة، مما لا تتناسب مع مروءة الداعية، أمر يحتاج إلى قوة. ولا اقصد بهذه العبارة، أن يتساهل معهم في المحرمات، أو ترك الواجبات، فهذا أمر مفروغ منه بُعد المؤمن القوي الداعية عنه، وإنما أعني، بعض مما هو ليس بمحرم،

تحريمًا واضحًا لكنها تتنافى مع آداب ومكمّلات الدعوة، تتنافى مع الفضيلة والكمال.

جانب آخر من جوانب القوة المطلوبة في المؤمن بشكل عام، وفي المؤمن الشاب الداعية بشكل خاص، إلا وهو القوة في الحق.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة عشرة بعد المائة في

موضوع (القوي ) وهي بعنوان :* المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف : 

إن المؤمن القوي يبتعد عن المداهنة، والمجاملة المذمومة، يواجه الناس بقلب مفتوح، ومبادئ واضحة، لا يصانع على حساب الحق، لأنه لا يعرف المتاجرة بالباطل، المؤمن القوي غني عن التستر بستار الدجل والاستغلال، كأصحاب المبادئ الأرضية من أجل هذا، فإن هذا المؤمن في صدعه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ينطلق من هذه القاعدة، ينطلق ونفسه وقلبه في سمو، وقوته الإيمانية تنير له طريقة أمره ونهيه.

قوة في استمساكه بالحق الذي معه، ثم قوة في مواجهة من يخالف الحق، أو يريد الباطل لتأخذن على يدي الظالم، ولتأطرنه على الحق أطرًا، إن الأمة في حاجة إلى هذه النوعيات نريد ذلك المؤمن، الذي تكون لديه قوة في مصارحة المخلوقين، قوة في تنبيه المخطئين، قوة في نقد العيوب والمثالب المعلنة، لا حوف من وجيه، ولا حياء من قريب، ولا خجل من صديق وبعبارة جامعة رائعة، لا تأخذه في الله

لومة لائم.

 وهنا نقطة يجب أن نقف معها: ذكرها أهل العلم يجب أن تعرف وتكون واضحة عند من لهم غيرة على محارم الله، وهي أن المنكر إذا أُظهر وأعلن وأعلى، فإنه يشرع إنكاره علنًا، وإذا أخفي وأُسر، شرع إنكاره سرًّا، وهذا أيضًا نوع من القوة تكون محموده في معاصي معلنة، ومذنبين مجاهرين.

أولئك الذين تجرأوا على الله عز وجل، ولم يخجلوا حتى من عباد الله، وجاهروا بمنكراتهم، وخرجت روائح جرائمهم، لماذا لا يرضون، حتى بذكر أسمائهم أمام الناس، فضلاً عن الإنكار عليهم علانية، مقابلة بصنيعهم. بل ويلصقون برجال الحسبة التهم، والتشهير وربما آذوهم في أبدانهم أو غير ذلك، بحجة أنهم أعلنوا عن منكراتهم.

فيقال لهم، أنتم الذين لا يرضون بذلك، لا تعلنوا منكراتكم، ولا تبدوا عوراتكم، فإن الذين لا يعرف إلا القوة والصرامة في مثل هذه المواقف.

جانب آخر، من جوانب القوة المطلوبة، في المؤمن، والتي تظهر فيها حقيقة القوة عنده، وهذه نقطة مهمة جدًا، نريدها في الشباب المؤمن، نريدها في الشاب الذي سخر نفسه لخدمة دين الله عز وجل، وهو القوة في ضبط النفس والتحكم في الإرادة، ضبط النفس، ومحاولة التحكم لها من الإنسياق وراء جذبه النفس للشهوات، والمغريات والفتن نريد قوة المؤمن تظهر في التعفف والترفع عن سوء الخصال، وعن خوارم المروءة.

 القوة المطلوبة من المؤمن في علو همه في عدم الوقوع في المنكرات والفواحش والمعاصي وهنا تظهر حقيقة، قوة المؤمن من ضعفه، لاشك بأن الشهوات، لها ضغط على النفس، أيًا كانت هذه الشهوات، والواقع المزعج حول المؤمن أيضًا له ضغط عليه، فهنا تظهر القوة من عدمها. وهذا لا يعني العصمة، فإنه لا عصمة إلا لأنبياء الله ورسله، ولكن هذه القوة، تجعل المؤمن أن لا ينساق وراء هذه الفلتة لو وقع فيها، بل قوته تجعله يبادر بالتوبة، ويرجع إلى ما

كان عليه من قبل وأفضل.

 إن القوة في ضبط النفس في مثل هذه الأمور، لاشك أنها تأخذ بصاحبها بالسير في مسالك الطهر، ودروب النزاهة والإستقامة على الجادة، وقد قال هود عليه السلام لقومه آمرًا لهم بالاستغفار والبعد عن مزالق الخاطئين (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ) [هود: 52].

جانب آخر، من جوانب القوة المطلوبة في المؤمن: وهي القوة في ترك الدعة وحب الراحة، وهذا أيضًا له ضغط على النفس البشرية. خصوصًا في واقعنا المعاصر التي يُسرت كل سبل الراحة والدعة للناس.

اعلم يا عبد الله، بأن حب الراحة وإيثار اللذات، هو الذي يسقط الهمم، ويفتر العزائم، فهناك شابان يتساويان في نباهة الذهن، وذكاء العقل وقوة البصيرة،ولكن قوة الإرادة، وعلو الهمة، ونفاذ العزيمة عند أحدهما،يكسبه التفوق على زميله الآخر وتبلغ به هذه القوة من المحامد والمراتب،ما لا يبلغه الآخر.

بل إن هناك بعض الشباب، قد يكون أقل إمكانيات وأضعف وسائل، وأقل أوقات، لكنه بقوة إرادته، وعلو همته، وبإصراره على الإقدام والتقديم، يفوق أقرانه ويكون عطائه في الواقع أقنع وأبرك، من آخر، أعطاه الله جل وعلا نباهة الذهن، وذكاء العقل، لكنه آثر الدعة والراحة والسلامة.

إنه لا رفعة لأمة، يكثر فيها النوع الثاني إنه لا قوامة لأمة شبابها وذوو الطاقات فيها لا يُقدّمُون، ولا يتحركون، لا لعجزهم وضعفهم، بل لدنو هممهم وضعف إراداتهم.

إنه لحقيق بالرجال القوامين على التربية، أن يعطوا هذا الدرس مكانه من التوجيه، وأن يعطوا هذه القضية، قدرها من الاهتمام من أجل بناء صرح من الشباب المؤمن، صرح من العز شامخة، ومن القوة ظاهرة، فإن لم يكن كذلك، فقد ظلمت الأمة نفسها وخسرت أجيالها، وهضمت حق دينها، وأضاعت رسالتها. قال الله تعالى: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) [مريم: 12]، وما اقترن العزم الصحيح مع التوكل الوثيق على من بيده ملكوت كل شيء إلا كانت العاقبة فوزًا ونجاحًا قال عز وجل: (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) [آل عمران: 159].

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة العشرون بعد المائة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :* المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف : 

إن قوة المؤمن بشكل عام، والشاب المؤمن بشكل أخص من تكون إرادته تحت سلطان دينه، وعقله ليس عبدًا لشهواته، فتعس عبد الدينار وتعس عبد الدرهم. إن من قوة المؤمن، أن يفرغ قلبه عن الشهوات القريبة، والعواطف السريعة.

اسمعوا أيها الشباب، إلى صقر قريش، عبد الرحمن الداخل، في قصة حفظها لنا التاريخ، وذلك حينما عبر عبد الرحمن الداخل البحر أول قدومه على الأندلس، أهديت له جارية بارعة الجمال، وهذه كانت حلال له، بحكم الجواري في ذلك الوقت، لكنه رضي الله عنه ورحمه نظر إليها، وقال: "إن هذه من القلب والعين بمكان وإن أنا شُغلت عنها بما أَهُمُّ به ظلمتها، وإن أنا اشتغلت بها عما أهُم به ظلمت همتي، ألا فلا حاجة لي بها، ثم ردها إلى صاحبها".

فكم من شاب نشط في حقل الدعوة، والعمل لهذا الدين، كان شعلة وقادة، وعطاء قويًا، وهمة عالية، وبعد دخوله بيت الزوجية، أصبح يسمع الأعذار، والمبررات، ويدخل في ثنايا كلامه حقًا أُريد به باطل مثل "ولأهلك عليك حقًّا" ونحوه ولا شك بأن هذه الحالة تتنافى مع القوة المطلوبة في المؤمن.

جانب آخر وأختم به كلامي، من جوانب القوة الواجبة لزامًا على المؤمن، القوة في اقتران علمه بعمله. الأصل فيمن علم خيرًا أن يبادر إلى فعله، ومن علم شرًّا أن يحذر من الاقتراب منه، وإذا لم يفعل الإنسان ذلك، فهذا ضعف منه، لأنه يعلم الخير، لكن نفسه ورغباته تميل إلى غيرها أو ضدها فيفعل ما تميل إليه نفسه وهذا ضعف في الإرادة.

إن المؤمن، لا تتكامل شخصيته، ويستقيم عوده، ولا يكون قويًا ويعرف بذلك إلا بالعمل بما علم. إن المعرفة الصحيحة الناضجة، والعلم النافع والمبادرة

بتطبيق ذلك والعمل به، هو استنارة القلوب، وتصحيح المسيرة.

يقول بعض السلف: كنا نستعين على حفظ أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمل بها.

ويقول بعض الحكماء: إذا أردت الاستفادة من النصائح المكتوبة والمسوعة، فجربها واعمل بها، فإنك إن لم تفعل كان نصيبك نسيانها.

إن المعلومات النظرية التي لم ينقلها العمل من دائرة الذهن والأفكار المجردة، إلى واقع الحياة، لا فائدة

فيها فالجندي لا تنفعه معلوماته إذا لم يمارسها في الميدان، وماذا ينفع الطبيب علمه وكراريسه وآلاته إذا لم يمارسها طبًّا وعلاجًا. وكذلك الشباب، ما فائدة الكم الهائل الذي يُلقى إليه من خلال الدروس والخطب والمحاضرات، واللقاءات والندوات والرحلات إذا لم تحول هذا كله إلى حياة طيبة، ودعوة مباركة، ونشاط مستمر لا يتوقف ولو دخلت قبرك؛ لأنها صدقة جارية.

فإذا كنت تسمع وتفهم، ثم لا تمارس وتطبق فهذا ضعف، وخور، يفترض في مثلك أن تترفع عنه، بل

القوة هو أن الشاب إذا تلقى الخير أن يعمل به، قد يحتاج إلى زمن، وقد يحتاج هذا الخير إلى

مجاهدة، وصبر وهنا يتميز المؤمن القوي من الضعيف.

ولا يشترط أن يكون كل واحدٍ منا كعلامة القصيم أو مفتي نجد أو جوهرة الحجاز، فبلال غير أبي بكر، وخالد غير أبي ذر، وابن عباس غير ابن عمر، ومصعب غير ابن عوف، كانوا مهاجرين وأنصارًا، وكان فيهم أصحاب بيعة الرضوان، فيهم الولاة والحكام وفيهم العسكريون والقادة، وفيهم أوعية العلم والفقه، لكن كلهم أبلى في الإسلام بلاءً حسنًا، وكلهم كان ثغر من ثغور الإسلام فحفظه وصانه، وهذا هو المهم لهذا.

 فالأعمال كثيرة، والواجبات متنوعة والمطلوب تحقيقه ضخم، وبناء عليه، فالمطلوب من كل مؤمن يهمه أمر الإسلام، أن يعلم من العلم ما يقوده إلى حسن العمل، أولاً، ثم يكون جنديًا في سرية من سرايا هذا الدين فيتخذ موقعه المناسب حسب قدرته وموهبته وحاجة الدعوة إليه.

وليخلص كل مؤمن، أن يعمل بجد ومثابرة، فإن الباطل يزحف، وسيله جارف، ولا يقابل ذلك، إلا

 إيمان وعمل، ألا فاعملوا فكل ميسر لما خلق له، (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [التوبة: 105].

[الأنترنت – موقع ملتقى الخطباء - شرح حديث: المؤمن القوي (قوة المؤمن) خطبة جمعة - الشيخ د. : ناصر بن محمد الأحمد خطيب]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والعشرون بعد المائة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *القوي الأمين :

قال تعالى : «إن خير من استأجرت القوي الأمين» هذه عبارة ذكرها القرآن الكريم على لسان ابنة شعيب، وذلك حينما رأت رجلاً غريبًا، عنده من القوة ما هابه لأجلها الرعاة فأفسحوا له الطريق، وخلّوا له السقيا، والغريب ضعيفٌ مهما كان قويًا، ثم رأت من أمانته في عفة لسانه وغضّ بصره، مع أنه غريب، والبعيد عن الدار قد يترخص في سمعه وبصره، ويتحرر من قيوده...

لقد أعجبت هذه الفتاة العفيفة بقوة الفتى، وانبهرت بأمانته، وما منعها بعد العودة وإخبار أبيها بما رأت

من أن تقول {يّا أّبّتٌ اسًتّأًجٌرًهٍ, إنَّ خّيًرّ مّنٌ اسًتّأًجّرًتّ القّوٌيَ, الأّمٌينٍ, }، وأدركت بفطرتها أن من

كان أمينًا على العرض فهو لما سواه آمن، إن مما رأته ابنة شعيب لم يكن إلا نبيًا من أكرم الأنبياء، ورسولاً من أولي العزم، وهذه القوة والأمانة وإن كانتا خير مؤهلين لتشغيل هذا الرجل في الرعي، فهما في الوقت نفسه أفضل صفات الخاطب، وهذا ما تتمناه كل فتاة عفيفة مستورة في (فتى أحلامها)، وهذا الذي حصل بالفعل، فكان الزواج في مقابل العمل، واختار الأبيّ الشهم أبعد الأجلين في الخدمة، برًا بعمّه الذي قال {فّإنً أّتًمّمًتّ عّشًرا فّمٌنً عٌندٌكّ}

إن ثنائية (القوة، والأمانة) هي إكسير النجاح، ومفتاح الاستخلاف، فالقوة تعني مجموع القدرات والإمكانات المادية والمعنوية التي يتمتع بها الإنسان،

والأمانة تعني حفظ ما أمر الله - تعالى - بحفظه، ورعاية ما استرعاه إياه، وكل بحسبه، فالتكاليف الشرعية بمجملها أمانة، اعتذرت عن حملها السموات والأرض والجبال، وحملها الإنسان، كما ذكر القرآن الكريم، حملها بكل مجالاتها، فالأمانة في القول والكلمة، والأمانة في الأموال والحقوق، ثم الشهادة

 والقضاء، وهكذا في السمع والبصر وسائر الحواس.

وعلى هذا فالأمانة هي القيم على تكاليف الإسلام، والحارس على مبادئه.

يقول أنس - رضي الله عنه -: قلما خطبنا رسول الله [إلا قال (لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له) ، لقد اجتمعت هذه الثنائية في يوسف - عليه السلام - بعد أن ظهرت قوته وأمانته، فقال له عزيز مصر {إنَّكّ الًيّوًمّ لّدّيًنّا مّكٌينِ أّمٌينِ}، فقال يوسف {قّالّ اجعّلنٌي عّلّى خّزّائٌنٌ الأّرًضٌ إنٌي

حّفٌيظِ عّلٌيمِ}.

إن الأمانة حملت يوسف - عليه السلام - على أن يعرض نفسه لتحمل المسؤولية في وقت الشدة، فالأمة قادمة على سبع شداد: سمتُها الجوع، وشعارها

شدٌّ الأحزمة، ولمّا تقدم لم يقل إني نبي كريم، بل قال إني حفيظ عليم، فهذا قوام القوة في هذه المهمة،

 ولقد احتاج إلى أن يعرض نفسه في أمة لم تكن تعرف قدر رجالها، لقد رأى أن تحمل المسؤولية في وقت الشدائد من خصائص الرجال، الذين يرون تحملها مغرمًا لا مغنمًا.

إن القوة والأمانة من صفات أكارم الخلق، الأنبياء المرسلين، فكلهم قالوا بلسان واحد {إني لكم رسول أمين}، وكان عندهم من قوة الحجة، ونصاعة البيان، ومنهجية المناظرة، وقدرة الصبر والتحمل، ما جعلهم يحوزون عناصر القوة في مقام التبليغ. وجبريل - عليه السلام - سفير الوحي، كان قويًا أمينًا، هكذا وصفه القرآن بقوله {ذٌي قٍ,وَّةُ عٌندّ ذٌي العرًشٌ مّكٌينُ مٍ,طّاعُ ثّمَّ أّمٌينُ}

إن الأمانة والقوة ليستا متلازمتين تمامًا، فقد تجد أمينًا غير قوي، أو قويًا غير أمين، وبينهما أصناف، فأمين فيه بعض القوة، وقوي أمانته ليست كما ينبغي، وهناك من لا أمانة عنده ولا قوة، وهذا الانفكاك في هذه الثنائية من مشكلات الأمة على تعاقب الأجيال، لذا جرى التفاضل في كتب الفقه والسياسة الشرعية بين هذه الأصناف، فمن يُقدَّم من هؤلاء إذا عزَّ القوي الأمين؟ لقد استعمل النبي [على أصحابه رجالاً، وفيهم من هو أتقى لله منهم، فقد استعمل خالدًا رضي الله عنه بعد أن وجد عليه من بعض تصرفاته، وذلك حينما أرسله إلى بني جذيمة، فقتل وأسر دون تثبت، حتى قال [(اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد) قالها مرتين، وما زال يستعمله بعدها، وهذا أبو ذر الغفاري رضي الله عنه الذي شهد له [بصدقه وأمانته، فقال (ما أظلّت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر) جاء إلى النبي [قائلاً: ألا تستعملني؟ فضرب [بيده على منكب أبي ذر وقال: (يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها) ، يقول ابن تيمية عليه رحمة الله: (وتقتضي السياسة الشرعية المستمدة من السيرة النبوية استعمال الأصلح في الولايات، وإن كان في الرعية من هو أفضل منه في العلم والإيمان، وقد وضّح القرآن أهم صفتين لتولي الأعمال، فقال {إنَّ خّيًرّ مّنٌ استّأًجّرتّ القّوٌيَ, الأّمٌينٍ,} والقوة تختلف بحسب تنوع الولاية، فحاجة الولاية العسكرية إلى الشجاعة والخبرة بالحرب، وحاجة الولاية السياسية إلى العلم بالعدل، ومعرفة أحكام الشرع، والقدرة على تنفيذها، واجتماع الأمانة والقوة في الناس قليل، لذا يحتاج الخليفة إلى الاستقصاء عنهم، وهو مكلف بتعيين الأمثل فالأمثل، إن لم يجد من تتوافر فيه الصفتان)

إن مراعاة المصلحة العامة في هذا التفاضل يحتاج إلى قوة وأمانة، تعلوان على صلات القرابة والصداقة والمصلحة الخاصة، وهذا ما توفر في الخلافة الراشدة عمومًا، يقول أحد الباحثين: (ولم يدع الخلفاء الراشدون أثرًا لعواطفهم في تعيين الولاة، بل راعوا المصلحة العامة، حتى إن عمر بن الخطاب عين أبا مريم الحنفي على قضاء البصرة، وهو قاتل أخيه زيد بن الخطاب في موقعة اليمامة)

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والعشرون بعد المائة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *القوي الأمين :

هذه الندرة في الثنائية (القوة، والأمانة) جعلت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يردد مرارًا (اللهم أشكو إليك قوة الخائن وضعف الأمين) وتمنى في يوم من الأيام أن يكون ملء مجلسه رجال من أمثال سعيد بن عامر الجمحي، ومن الطريف أن نعلم أن سعيدًا - رضي الله عنه - ولي لعمر حمص (الكويفة) تشبيهًا لها بالكوفة، لكثرة شكوى أهلها على ولاتهم وعمالهم، ولقد شكا أهل الكوفة سعدًا (القوي الأمين) فعزله عمر حسمًا للفتنة والشر وقال: (إني لم أعزله لعجز أو خيانة). ومن الطرائف أيضًا ما ذكره صاحب العقد الفريد، أن عمر - رضي الله عنه - لما قدم عليه رجال من أهل الكوفة يشكون سعدًا قال: (من يعذرني من أهل الكوفة، إن وليت عليهم التقي ضعفوه، وإن وليت عليهم القوي فجروه ؟

وفي هذا الصدد ذكر ابن خلدون في مقدمته مذاهب الناس في استخدام الأكفاء غير الثقات، وتقديمهم على الثقات غير الأكفاء، واختار هو استخدام غير الثقات إذا كانو مؤهلين، لأن بالإمكان وضع بعض التدابير التي تحد من تجاوزاتهم، أما إذا كان لا يحس شيئًا فماذا تعمل به. إن انخزام هذه الثنائية في واقع الناس اليوم جعلهم يفشلون في كثير من مشاريعهم الخاصة والعامة، فإن كثيرًا من المشاريع التي تولاها أمناء ليسوا أكفاء باءت بالفشل، فلم يشفع لها أمانة القائمين، والمشكلة تكمن بعد ذلك في أن يُنسب الفشل إلى القدر تحت دعوى (الابتلاء)، فأصبح من الضروري اليوم أن يميز العاملون بين الإخفاق والابتلاء، حتى لا تتكرر التجارب وتتوالى الإخفاقات، وليس للصابرين آنذاك ثواب المبتلين، وكذلك فإن المشاريع التي يتولاها أكفاء ليسوا بأمناء، تتبدد مكاسبها، وتنحرف أهدافها، وتخترق من داخلها... إن من ملامح القوة اليوم (التخصص)، فلم يعد مصطلح (العلامة الموسوعي) له وجوده في عصر التخصصات الدقيقة التي انتهت إليها أمهات العلوم والفنون والمعارف، وبالتالي إذا كان التخصص ضروريًا، فاحترام آراء المتخصصين هو ثمرته الفعلية، وإلا لا معنى للتخصص إذا لم يؤخذ بآراء المتخصصين.

إن من أكبر المشكلات التي نعانيها اليوم أن يتجاوز العالم حدود عمله ومقدرته، ويدّعي علم ما لم يعلم، ويقتحم الميادين من ليس أهلاً لها، ويجتهد من ليس مؤهلاً للاجتهاد، بدعوى (تحصيل الأجر الواحد للمخطئ)، ونسي هذا أو تجاهل أن الأجر حال الخطأ، والأجرين حال الإصابة، تترتب على مقدمة أخرى وهي كون الاجتهاد صادرًا من أهله في محله.

وكذلك فإن من عناصر القوة في التخطيط المعلومة الصحيحة الدقيقة، التي تمكن من التصور الصحيح، الذي هو أساس التخطيط السليم، ولا يخفى على المهتمين عناية المؤسسات المتقدمة علميًا وبحثيًا، بتأمين روافد مستمرة للمعلومات، من إحصاءات واستطلاعات وأبحاث ودراسات، ولقد ساعدت التقنيات الحديثة بالتزود والاطلاع بشكل أفضل من ذي قبل على المعلومة.

إن التضليل الذي يحصل بسبب نقص المعلومات أو ضآلتها أو تقادمها، يجعل التخطيط متخلفًا عن الواقع وبعيدًا عن متطلبات العصر، ولقد حضرت مرة في حقبة السبعينيات بإحدى القرى واعظًا يقرأ من كتاب مواعظ، ألف أواخر الدولة العثمانية، بأسلوب السجع الذي كان سائدًا، وما فات الخطيب في آخر موعظته أن يدعو للسلطان الغازي عبد الحميد الثاني بطول العمر وبالبطانة الصالحة!

إن هذه الثنائية المنشودة هي الضمان الوحيد للبشرية اليوم، وصمام الأمان لها ـ بعد أن تضخمت القوة كثيرًا وضعفت الأمانة والقيم ـ من أن تنفلت القوة من عقالها دون ضابط أو كابح، فمع غياب القيم الأخلاقية وانكماشها، واضطراب الأطر المرجعية لها، فتارة المصلحة وتارة العنصرية... إلخ، يُخشى من أولئك الذين يملكون أسرار القوة وآلياتها، أن يجعلوا العالم على (كف عفريت) كما يقولون، لأن هذا المارد ـ القوة ـ إذا خرج من قمقمه دون ضابط القيم (الأمانة)حطم ودمر، وطغى وظلم، ونحن نرى اليوم صورًا متعددة لهذا الانفلات، لقد سخرت القوة لتدمير الشعوب، واستغلال ثرواتها، وتركيع الأمم، وطمس حضاراتها، وإذابة هوياتها وخصوصياتها... إلخ.

إن الأمانة قيد القوة وضابطها ومرشدها، لنتصور مملكة سليمان مثلاً، وهي من أعظم الممالك قوة

وتسخيرًا، فقد عرض أحد جنودها أن يأتي بعرش بلقيس من آلاف الأكيال ببرهة من الزمن، لا تتجاوز جلسة سمر قصيرة، فقال {أّنّا آتٌيكّ بٌهٌ قّبًلّ أّن تّقٍ,ومّ مٌن مَّقّامٌكّ وإنٌَي عّلّيًهٌ لّقّوٌيَ أّمٌينِ}،

ثم انطلق الذي عنده علم من الكتاب فجاء به بطرفة عين!

لنتصور هذه القدرات التي سخرت لسليمان، إذا لم يكن لها ضابط من دين أو قيم، فما الذي بإمكانها أن تفعله؟ لقد قابل سليمان هذا التسخير العظيم بقوله {رّبِ أّوًزٌعًنٌي أّنً أّشًكٍرّ نٌعًمّتّكّ الَّتٌي أّنًعّمًتّ عّلّيَّ وّعّلّى والٌدّيَّ وأّنً أّعًمّلّ صّالٌحا تّرًضّاهٍ,}.

وفي الختام إذا أدركنا أهمية هذه الثنائية، فعلى المؤسسات التعليمية والمهنية والبحثية على اختلافها أن تقوم بدورها في تدعيم عناصر القوة في الأمة، وبالمقابل على المؤسسات التربوية والدينية والاجتماعية بكل أنشطتها أن ترفع من سوية الأمانة والإحساس بالمسؤولية، وهذا يأخذنا بدوره إلى حقيقة مهمة تقول: إن هذه المؤسسات يجب أن تتكامل في أدوارها، لا أن تتعارض وتتنازغ.

[الأنترنت – موقع مداد - القوي الأمين - محمد معاذ مصطفى الخن ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والعشرون بعد المائة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *قدرة الله تعالى :

   أيها الناس: اتقوا الله تعالى وأطيعوه، اتقوا من له ملك السموات والأرض وما فيهن، وهو على كل شيء قدير، قدرته فوق كل قدرة، وقوته تغلب كل قوة. أرانا عجائب قدرته، ودلائل قوته فيما خلق وقدّر. خلق السموات والأرض، ثم قال لهما: ﴿ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴾ [فصِّلت:

قدرته تعالى لا تخضع لما عرفه البشر من قوانين الكون والحياة؛ فقدرته تخرق هذه القوانين، ومن وضع هذه القوانين في الكون إلا هو سبحانه وتعالى! وقانون الكون يقتضي أن كل شيء يبنى لابد له من عمد لكيلا يسقط والله تعالى ﴿ رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ﴾ [الرعد: 2]. قال ابن كثير رحمه الله تعالى: "أي هي مرفوعة بغير عمد كما ترونها، وهذا هو الأكمل في القدرة، كما قال تعالى: ﴿ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ ﴾الحج: 65

إنَّ السماءَ لمِنْ أكبر الأدلة على قدرة الخالق تبارك وتعالى في ارتفاعها، وما فيها من أنجم وأفلاك، وشمس وقمر وسحاب.                                     

 وفي الأرض من المخلوقات والعجائب ما يبهر العقول، ويستولي على النفوس ﴿ وَفِي الأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ ﴾ [الذاريات: 20]. فيها من الآيات الدالة على عظمة خالقها وقدرته الباهرة مما قَدْ ذرأ فيها من صنوف النَّبات والحيوان والمهاد والجبال والقفار والأنهار والبحار، وما بثَّ فيها من أنواع الدوابّ ﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ ﴾ [الشُّورى: 29].

ونوّع بقدرته هذه الدواب ﴿ وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاءٍ فَمِنْهُم مَّن يَّمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَّمْشِي

عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَّمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَّخْلُقُ اللهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [النور: 45].

ومن دلائل قدرته تعالى: ما ينزل من السماء من ماء، فيبقيه في الأرض ولو شاء لذهب به

﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ * فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴾. [المؤمنون: 18- 19].

إنه تعالى بقدرته وحكمته جعل حياة الأرض ومن عليها بهذا الماء، إن ارتوت منه حيت، وإن فقدته ماتت، وكما يحيي الأرض بالماء فهو قادر على بعث المخلوقين، ولو كذّب المكذبون، وعاند المعاندون ﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا المَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي المَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [فصِّلت: 39]، ﴿ فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي المَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الرُّوم: 50].

لقد كذَّب المشركون والملاحدة بذلك، فلم يؤمنوا بقدرته تعالى على إحياء الموتى، وبعث الخلق مرة أخرى، ولم ينظروا إلى قدرته تعالى في خلق السموات والأرض التي هي أكبر من خلق هذا الإنسان ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ المَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الأحقاف: 33]، ﴿ أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الخَلَّاقُ العَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [يس: 81 - 83]، ألا يقدر على إعادة الخلق كرة أخرى من خلق المرة الأولى؟! ألا تظهر قدرته لكل من يعقل وقد خلق الإنسان من طين، ومن ماء مهين، ومن صلصال من حمأ مسنون؟ وسواه من نطفة لا قيمة لها ﴿ أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ المَوْتَى ﴾ [القيامة: 36 - 40] بلى وعزة ربنا وقدرته ﴿ إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ﴾ [الطًّارق: 8].

وخلْقُ الإنسان، وسيره في الحياة، بداية ونهاية، وضعفًا وقوة، لمن دلائل قدرة الخالق سبحانه وتعالى. جعل للجنين في بطن أمه أطوارًا ينمو فيها شيئًا شيئًا حتى يأذن بخروجه إلى الدنيا ضعيفًا، ثم يقوى، ثم يضعف حتى ينتهي، إنها لعبرة، وإنها لدليل قدرة؛ فتبارك الله أحسن الخالقين ﴿ اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ العَلِيمُ القَدِيرُ ﴾ [الرُّوم: 54].

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والعشرون بعد المائة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *قدرة الله تعالى :

رزق الإنسان العقل، وسخر له الخلق، وأمره بحمل الأمانة وعمارة الأرض، وإقامة الدين له تعالى؛ فآمن

 أقوام، وكفر آخرون؛ فكان الاختلاف والاحتراب على الأرض بين الإيمان والكفر، بين الهدى والضلال، بين الحق والباطل قائمًا إلى قيام الساعة.

وقد أخبرنا أنه تعالى ينصر المؤمنين، ويُهلك المكذبين. من أغرق فرعون وجنده؟ ومن أرسل الريح على عاد وقومه؟ ومن أهلك ثمودَ بالصيحة؟ ومن خسف بقارون وداره؟ ومن دمّر جموعًا من المعاندين؟ ومن نصر أولياءه المؤمنين، وأظهر عباده المتقين؟ إنه الله تعالى وهو على كل شيء قدير.

لقد حذرنا سبحانه وتعالى من التمرد والعصيان، وأبان لنا عاقبة ذلك، وضرب لنا الأمثال بمن خَلَوْا

قبلنا، وأوضح لنا أنه على كل شيء قدير، فقال في المكذبين ﴿ وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ ﴾ [المؤمنون: 95]، وقال في المنافقين: ﴿ وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 20].

إنه تعالى حذّرنا من عاقبة القعود عن نصرة الدين مهما كانت التبعات والتضحيات، وإذا قصرنا فهو

قادر على أن يبدلنا بخير منا ﴿ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾ [محمد: 38]، ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ المَشَارِقِ وَالمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ﴾ [المعارج: 40 -41]، ﴿ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآَخَرِينَ وَكَانَ اللهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا ﴾ [النساء: 133].

وما نعمل من طاعات تنفعنا ولا تنفعه تعالى، وما نقارف من عصيان يضرنا ولا يضر الله تعالى شيئًا.

ولما استنفر رسول الله صلى الله عليه وسلم حيًّا من العرب فتثاقلوا عنه أمسك الله عز وجل عنهم القطر فكان عذابهم[3] ﴿ إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [التوبة: 39]، ولا يستطيع أحد من الخلق أن يملك النفع والضر مهما بلغ؛ بل ذلك بيد الله سبحانه وتعالى ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ ﴾ [الأنعام: 17 - 18].

إن البشر يشاهدون قدرة الله تعالى وقوته في الإهلاك والعذاب، ولا يملكون حيالها شيئًا مع كل ما

وصلوا إليه من علوم وصناعات.

يأمر الله تعالى الريح فتأتي تدمر ما أمرت به؛ تقتلع الأشجار، وتهدم البيوت، وتهلك من شاء الله تعالى لا يملك البشر لها دفعًا. ويأتي الفيضان بأمر الله تعالى فيغرق المدن ومن فيها، والزلزلة آية أخرى من آيات قدرته تعالى، يسوي الله تعالى بها مدنًا بالأرض في أقل من ثانية، فأين هي قوة البشر وقدرتهم، وأين دراساتهم وأبحاثهم، ومكتشفاتهم ومخترعاتهم؟ هل دفعت لله أمرًا؟ أو منعت عذابًا؟ أو عطلت قدره؟! كلا؛ بل ما شاء الله تعالى كان، وما لم يشأ لم يكن، وهو على كل شيء قدير. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿ اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ [الطَّلاق: 12].

أيها الإخوة: إن المؤمن الحق لا يغتر بجاهه أو ماله أو قدرته، ويتبرأ من حوله وقوته، ويسأل الله الإعانة في أموره؛ فقدرته تعالى نافذة، فإذا سمع المؤمن المؤذن يقول: حي على الصلاة حي على الفلاح قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، كأنه يقول: هذا الذي تدعوني إليه وهو الصلاة والفلاح أمر عظيم لا أستطيع مع ضعفي القيام به إلا إذا وفقني الله بحوله وقوته[5]. إنه يطلب الإعانة من الله تعالى حتى في أمور دينه.

وإذا حار بين أمرين لا يدري ما الخير له فيهما استخار الله تعالى وسأله بقدرته وعلمه أن يختار له الأحسن فقال: ((اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب))

وإذا شكا وجعًا وألمًا علم أن الله تعالى قادر على أن يذهب وجعه، وأن يسكن ألمه؛ فيضع يده على مكان الوجع ويقول: "أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر".

إن من قوي إيمانه بالله تعالى قوي يقنه بقدرة الله تعالى وقوته؛ فلا يعظم ولا يخاف إلا الله تعالى. لا يعظم مخلوقًا كتعظيم الله تعالى مهما كان له من

الإنجازات والعطاءات، ومهما شاهد من قدرته وقوته؛ لأنه يعلم أن الله تعالى أقوى وأقدر.

ومن كان كذلك فإنه لا يظلم العباد؛ لأنه إن رأى قدرته فوق قدرتهم علم أن قدرة الله تعالى فوق قدرته،وهو كذلك لا يخاف الظلمة والمتسلطين؛ لأنه إن رأى أن قدرتهم فوق قدرته علم أن قدرة الله تعالى فوق قدرتهم.

والمؤمن مأمور دائمًا أن يتذكر قدرة الله تعالى وقوته في كل أحواله وشؤونه؛ ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة: ((ألا أدلك على كلمة من تحت العرش، من كنز الجنة؟ تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فيقول الله: أسلم عبدي واستسلم))؛ أخرجه الحاكم بإسناد صحيح.

فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واطلبوا منه العون في الأمور كلها، وتبرؤوا من حولكم وقوتكم، ولوذوا بحمى من هو على كل شيء قدير.[ الأنترنت – موقع الألوكة  - خطبة جمعة بعنوان  : قدرة الله تعالى - الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والعشرون بعد المائة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :* إِنَّ ٱللَّهَ قَوِىٌّ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ :

في الوسيط للطنطاوي : وقوله: إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ تذييل مقرر لمضمون ما قبله من الأخذ الشديد، بسبب الكفر والمعاصي.

أى: إن الله- تعالى- قوى لا يغلبه غالب، ولا يدفع قضاءه دافع، شديد عقابه لمن كفر بآياته، وفسق عن أمره.

وقال البغوى : ( كدأب آل فرعون ) كفعل آل فرعون وصنيعهم وعادتهم ، معناه : أن عادة هؤلاء في كفرهم كعادة آل فرعون . قال ابن عباس : هو أن آل فرعون أيقنوا أن موسى نبي من الله فكذبوه ، كذلك هؤلاء جاءهم محمد - صلى الله عليه وسلم - بالصدق فكذبوه ، فأنزل الله بهم عقوبة كما أنزل بآل فرعون . ( والذين من قبلهم ) أي : ( كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم إن الله قوي شديد العقاب )                                                         وقال ابن كثير : يقول تعالى : فعل هؤلاء المشركون المكذبون بما أرسلت به يا محمد كما فعل الأمم المكذبة قبلهم ، ففعلنا بهم ما هو دأبنا ، أي عادتنا وسنتنا في أمثالهم من المكذبين من آل فرعون ومن قبلهم من الأمم المكذبة بالرسل ، الكافرين بآيات الله . ( فأخذهم الله بذنوبهم ) [ أي : بسبب ذنوبهم أهلكهم ، فأخذهم أخذ عزيز مقتدر ] ( إن الله قوي شديد العقاب ) أي : لا يغلبه غالب ، ولا يفوته هارب .

وقال القرطبى :الدأب العادة . وقد تقدم في " آل عمران " . أي العادة في تعذيبهم عند قبض الأرواح وفي القبور كعادة آل فرعون . وقيل : المعنى جوزي هؤلاء بالقتل والسبي كما جوزي آل فرعون بالغرق . أي دأبهم كدأب آل فرعون .

وقال ابن عاشور : { كدأب } خبر مبتدأ محذوف ، وهو حذف تابع للاستعمال في مثله ، فإنّ العرب إذا تَحَدَّثوا عن شيء ثم أتَوا بخبر دون مبتدأ عُلم أنّ المبتدأ محذوف ، فقُدّر بما يدل عليه الكلام السابق .

فالتقدير هنا : دأبُهم كدَأب آلِ فرعون والذين من قبلهم ، أي من الأمم المكذّبين برسل ربّهم ، مثل عاد وثمود .

والدأب : العادة والسيرة المألوفة ، وقد تقدّم مثله في سورة آل عمران . وتقدّم وجه تخصيص آل فرعون بالذكر . ولا فرق بين الآيتين إلاّ اختلاف العبارة ، ففي سورة [ آل عمران : 11 ] { كذبوا بآياتنا } وهنا { كفروا بآيات الله } ، وهنالك { والله شديد العقاب } [ آل عمران : 11 ] وهنا { إن الله قوي شديد العقاب }.

فأمّا المخالفة بين { كذبوا } [ آل عمران : 11 ] و { كفروا } فلأنَّ قوم فرعون والذين من قبلهم شاركوا المشركين في الكفر بالله وتكذيب رسله ، وفي جحد دلالة الآيات على الوحدانية وعلى صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فذُكِروا هنا ابتداء بالأفظع من الأمرين فعبّر بالكفر بالآيات عن جحد الآيات الدالّة على وحدانية الله تعالى ، لأنّ الكفر أصرح في إنكار صفات الله تعالى . وقد عقبت هذه الآية بالتي بعدها ، فذكر في التي بعدها التكذيب بالآيات ، أي التكذيب بآيات صدق الرسول عليه الصلاة والسلام ، وجَحد الآيات الدالّة على صدقه . فأمّا في سورة آل عمران [ 11 ] فقد ذكر تكذيبهم بالآيات ، أي الدالّة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم لأنّ التكذيب متبادر في معنى تكذيب المخبِر ، لوقوع ذلك عقب ذكر تنزيل القرآن وتصديق من صدق به ، وإلحاد من قصد الفتنة بمتشابهه ، فعبّر عن الذين شابَهوهم في تكذيب رسولهم بوصف التكذيب .

فأمّا الإظهار هنا في مقام الإضمار ، فاقتضاه أنّ الكفر كفر بما يرجع إلى صفات الله فأضيفت الآيات

إلى اسم الجلالة؛ ليدلّ على الذات بعنوان الإله الحَقّ وهو الوحدانية .

وأمّا الإضمار في آل عمران فلكون التكذيب تكذيباً لآيات دالّة على ثبوت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم فأضيفت الآيات إلى الضمير على الأصل في التكلّم .

وأمّا الاختلاف بذكر حرف التأكيد هنا ، دونه في سورة آل عمران [ 11 ] ، فلأنّه قصد هنا التعريض بالمشركين ، وكانوا ينكرون قوّة الله عليهم ، بمعنى لازمها ، وهو إنزال الضرّ بهم ، وينكرون أنّه شديد العقاب لهم ، فأكّد الخبر باعتبار لازمه التعريضي الذي هو إبلاغ هذا الإنذار إلى من بقي من المشركين ، وفي سورة آل عمران [ 11 ] لم يقصد إلا الإخبار عن كون الله شديد العقاب إذا عاقب ، فهو تذكير للمسلمين وهم المقصود بالإخبار بقرينة قوله ، عقِبَه : { قل للذين كفروا ستغلبون } [ آل عمران : 12 ] الآية .

وزيد وصفُ «قوي» هنا مبالغة في تهديد المشركين المقصودين بالإنذار والتهديد . والقوي الموصوف بالقوة ، وحقيقتها كمال صلابة الأعضاء لأداء الأعمال التي تراد منها ، وهي متفاوتة مقول عليها بالتشكيك .

وقد تقدّم عند قوله تعالى : { فخذها بقوة } [ الأعراف : 145 ]. وهي إذا وصف الله بها مستعملة في معناها اللزومي وهي منتهى القدرة على فعل ما تتعلّق به إرادته تعالى من المُمْكنات . والمقصود من ذكر هذين الوصفين : الإيماء إلى أنّ أخذهم كان قوياً شديداً ، لأنّه عقابُ قوي شديد العقاب ، كقوله : { فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر } [ القمر : 42 ] ، وقوله : { إن أخذه أليم شديد } [ هود : 102 ].

[الأنترنت – موقع  الآيات :{ كَدَأْبِ ءَالِ فِرْعَوْنَ ۙ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِىٌّ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ﴿٥٢ الأنفال﴾]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والعشرون بعد المائة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :* خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍۢ :

ورد في التفسير الميسر : واذكر -أيها الرسول- إذ رفعنا الجبل فوق بني إسرائيل كأنه سحابة تظلهم، وأيقنوا أنه واقع بهم إن لم يقبلوا أحكام التوراة، وقلنا لهم: خذوا ما آتيناكم بقوة، أي اعملوا بما أعطيناكم باجتهاد منكم، واذكروا ما في كتابنا من العهود والمواثيق التي أخذناها عليكم بالعمل بما فيه؛ كي تتقوا ربكم فتنجوا من عقابه.

وقال السعدى : وقيل لهم: خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ أي: بجد واجتهاد. وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ دراسة ومباحثة،

واتصافا بالعمل به لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ إذا فعلتم ذلك.

وفي الوسيط للطنطاوي :  وقوله {خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ } مقول لقول محذوف دل عليه المعنى.

والتقدير: وقلنا لهم خذوا ما آتيناكم بقوة، أى تمسكوا به واعملوا بما فيه بجد ونشاط، وتقبلوه بحسن استعداد وبدون تقصير أو تردد.

والمراد بقوله: {ما آتَيْناكُمْ }التوراة التي أنزلها الله على موسى لتكون هدى ونورا لهم.

وقوله {وَاذْكُرُوا ما فِيهِ} أى: احفظوه وتدبروه وتدارسوه واعملوا به بلا تعطيل لشيء منه.

وقال الطبرى : قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: واذكر، يا محمد، إذ اقتلعنا الجبل فرفعناه

فوق بني إسرائيل, كأنه ظلة غمام من الظلال= وقلنا لهم: " خذوا ما آتيناكم بقوة "، من فرائضنا,

وألزمناكم من أحكام كتابنا, فاقبلوه, اعملوا باجتهاد منكم في أدائه، من غير تقصير ولا توانٍ

[الأنترنت- موقع الآيات {وَإِذْ نَتَقْنَا ٱلْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُۥ ظُلَّةٌ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُۥ وَاقِعٌۢ بِهِمْ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍۢ وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴿١٧١ الأعراف﴾]

* التوجيهات

١- على المسلم أن يتمسك بدينه بقوة، وأن لا يكون سريع التنازل عن شيءٍ منه أمام الأحداث والمصائب، ﴿خُذُوا۟ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ﴾

٢- ما يحصل لغيرك من عقوبة فيه عبرةٌ وعظة لك، ﴿فَجَعَلْنَٰهَا نَكَٰلًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ﴾

٣- اذكر فضل الله ورحمته عليك بهذا الإسلام، واشكره على ذلك؛ فلولاه لكنت من الخاسرين في الدنيا والآخرة، ﴿ثُمَّ تَوَلَّيْتُم مِّنۢ بَعْدِ ذَٰلِكَ ۖ فَلَوْلَا فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُۥ لَكُنتُم مِّنَ ٱلْخَٰسِرِينَ﴾

* العمل بالآيات

١- اخرج اليوم إلى أعمالك الدينية والدنيوية مبكراً, وحاول أن تكون أكثر جدية، وأعلى همةً، ثم تأمل الفرق في النتائج ﴿خُذُوا۟ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَٱذْكُرُوا۟ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴿﴾

٢- أرسل رسالة لمن حولك تذكر فيها أن المعصية بتحايل أكثر جلباً لسخط الله من المعصية بلا تحايل، ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ٱلَّذِينَ ٱعْتَدَوْا۟ مِنكُمْ فِى ٱلسَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا۟ قِرَدَةً خَٰسِـِٔينَ﴾

٣- أرسل رسالة تذكر المجتمع فيها بعلم الله سبحانه بالفرق بين التقوى الكاذبة والتقوى الصادقة، ﴿قَالُوا۟ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا﴾[ الانترنت – موقع الباحث القرآني ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والعشرون بعد المائة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :*أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ :

الحمد لله الحنان المنان ، خالق الأكوان ، ومصرف الدهور والأزمان ، أحمده سبحانه وأشكره على نعمة الأمن والإيمان ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا يخرج عن تدبيره و بطشه وانتقامه إنس ولا جان وأشهد أن نبينا وحبيبنا وسيدنا محمداً عبد الله ورسوله للثقلين الإنس والجان صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبع نهجه وسنته على مر الزمان.أما بعد:فاتقوا الله عباد الله وأبشروا بوعد ربكم فهاهو يخاطبكم فيقول:{قُلْ يَاعِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}

أيها الأحبة في الله في ظل الظروف التي تعيشها أمة الإسلام في هذه الحقبة الزمنية ؛ حقبة الابتلاء والتمحيص ، يثبت  قوم ويهلك آخرون ، فأما الذين ثبتهم الله فقد كانوا ممن يقرؤون القرآن بنور الإيمان والبصيرة فعرفوا أن المؤمن معرض للبلاء وأن من علامات صدق الإيمان الثبات عند المحنة والتمحيص علموا ذلك من قوله تعالى :{الم()أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ()وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}. وقدم لنا الرعيل الأول من هذه الأمة المباركة نماذج للصبر على البلاء والتمحيص حيث صبر بلال وصبر خباب ، وصبرت سمية ، والقائمة تطول ..، ومما أعانهم على الصبر إدراكهم للقاعدة العظيمة التي وضعها الله في كتابه يوم أن قال : {أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ}. هذه القاعدة التي قد تغيب عن ضعفاء الإيمان حينما يرون بطش أعداء الإسلام بأبناء أمة الإسلام حيث يتسلل الشيطان إلى نفوسهم المريضة ليبعث فيها سؤالاً خبيثاً ملؤه القذارة والشك في قدرة الله فيقول لهم:أين الله من نصرة عباده ؟ وحينما ينجح الخبيث في إضعاف ثقة تلك الفئة في القاعدة الربانية {أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ}. تراهم يسارعون لمن عنده القوة المادية المؤقتة من أهل الأرض فيحبونهم ويسعون في مرضاتهم ولو كان ذلك على حساب دينهم ؛ وقد يبدؤون في التشكيك في جدوى الدين والشريعة ، ويدعون لغير شريعة الله ، والبلاء والتمحيص أيها الأحبة في الله قد يكون على مستوى الأفراد ؛ كما سبق ذكره مع بلال وخباب وغيرهم، وقد يكون على مستوى الجماعة والأمثلة على ذلك عديدة من سيرة المصطفى  صلى الله عليه وسلم  ولكني أكتفي بذكر مثال واحد منها وهو ما حدث في غزوة أحد حيث انخذل عبد الله بن أبي رأس النفاق في ذلك الزمان بثلث الجيش وقال مبرراً عمله المشين : (يدع رأيي ورأيه ويأخذ برأي الصبيان؟) فيقول شيخ الإسلام ابن تيمية في ذلك : ( انخذل معه خلق كثير كان كثير منهم لم ينافق قبل ذلك ، فأولئك كانوا مسلمين ومعهم إيمان هو الضوء الذي ضرب الله به المثل ، فلو ماتوا قبل المحنة والنفاق لماتوا على الإسلام، ولم يكونوا من المؤمنين حقاً ، الذين امتحنوا فثبتوا على المحنة ، ولا من المنافقين حقاً الذين ارتدوا عن الإيمان بالمحنة، وهذا حال كثير من المسلمين في زماننا أو أكثرهم ، إذا ابتلوا بالمحنة التي يتضعضع فيها أهل الإيمان ينقص إيمانهم كثيراً ، وينافق كثير منهم ، ومنهم من يظهر الردة إذا كان العدو غالباً ، وقد رأينا هذا ورأى غيرنا من هذا ما فيه عبرة . وإذا كانت العافية ، أو كان المسلمون ظاهرين على عدوهم كانوا مسلمين ، وهم مؤمنون بالرسل باطناً وظاهراً ؛ لكنه إيمان لا يثبت على المحنة ) ثم يذكر رحمه الله مواصفات أولئك القوم الذين لا يثبتون على المحنة بقوله : (ولهذا يكثر في هؤلاء ترك الفرائض وانتهاك المحارم ؛ وهؤلاء من الذين قال الله فيهم : {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ }.أي الإيمان المطلق الذي أهله هم المؤمنون حقاً ؛ فإن هذا الإيمان إذا أطلق في كتاب الله تعالى،كما دل عليه الكتاب والسنة ، لم يحصل لهم ريب عند المحن التي تقلقل الإيمان في القلوب).انتهى كلامه رحمه الله. ولذلك لم فقدت قلوبهم تلك القاعدة {أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ}.وحدث للمسلمين ما حدث لهم في أحد قاموا يقولون قولتهم التي خلدها الله لأمة الإسلام في كتابه حتى لا يستن أحد بسنتهم بقوله : {الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} فرد الله عليهم فريتهم ومقولتهم بقوله :{ قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمْ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}. أيها الأحبة في الله قولوا لمن تسلل إلى نفسه شيء من هذه الأوهام من أهلك قوم نوح ؟ من أمر السماء بأن تمطر فأطاعته وأمطرت ماء منهمر ؟ من أمر الأرض فأطاعته وتفجرت عيوناً ؟ من جعل الماء يطغى حتى غطى رؤوس أعلا جبال الأرض ؟ من الذي أمر الماء أن تغرق أهل الكفر وأن لاتتعرض بسوء لسفينة الإيمان سفينة نوح ومن معه وهي تجري في موج كالجبال ارتفاعه آلاف الأقدام ؟ إنه..الله..إنه الله.. إنه الله {أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ}. فقولوا لمن عظمت في قلوبهم قدرة البشر الضعفاء ، أعطونا من يفعل مثل ذلك ؟ فإن لم يفعلوا ولن يفعلوا فقولوا لهم أما آن لقلوبكم أن توقن بتلك القاعدة الربانية {أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ}. والقصص أيها الأحبة في الغابرين عديدة يضيق المجال عن ذكرها ولكن ارجعوا إلى كتاب ربكم وإلى سنة نبيكم تجدوا فيها من ذلك الشيء الكثير ، ارجعوا إليها بنفس من يبحث عن أمثلة لتلك القاعدة الربانية ، ولكني أود أن أنقلكم نقلة إلى زماننا الحاضر فقد أخبرني رجل ثقة بإذن الله عما رآه بأم عينه وعاشه وكان مثالاً تطبيقياً واقعياً لتلك القاعدة الربانية {أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ}.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والعشرون بعد المائة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :*أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ :

 يقول بعد أن هدم الهندوس المسجد البابري بالهند مستغلين ضعف العالم الإسلامي الذي لا يستطيع نصرة إخوانه ، وكان الهدم بتمويل رئيس من أصحاب منطقة من أكبر المناطق الصناعية في الهند وهي منطقة كوجرت التي تحتوي على عشرين ألف مصنع فأرى الله المسلمين هناك شيئاً من قدرته حيث ضرب منطقة كوجرت المذكورة زلزال أباد تلك المصانع  في ثوانٍ معدودات{أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ}.،وقتل من الهندوس في لحظات خمسين ألف قتيل{أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ}.ومحق ذلك الزلزال فإذن القوي المقتدر ثمانين قرية فسواها بالأرض فلم يعد لها أثر{أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ}.بلغ عدد المنازل المهدمة من جراء الزلزال مليون وثلاثمائة ألف منزل وعدد القرى المصابة سبعة آلاف قرية{أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ}؛ومن عجائب ذلك الزلزال أنه ما أتى إلا على الهندوس وممتلكاتهم وأصحاب العقائد المنحرفة من المسلمين، فتجد أن مساجد أهل البدع والخرافات هي التي هدمت أما مساجد أهل السنة والجماعة ظلت شامخة لم تتأثر ، وهدمت بعض المساجد لكن الجدران التي كان عليها اسم الله واسم نبيه لم تسقط ! {أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ}.،والأعجب من ذلك أنك ترى العمارة مكونة من أربعة طوابق فإذا كان الطابقان العلويان للهندوس وجدت أنها هدمت بينما الطابقان السفليان سليمان،وإذا كان العكس فتجد أن الطوابق السفلى هدمت على أهلها والطوابق العليا سليمة فالله أكبر أي قوة في الدنيا تستطيع فعل ذلك؟{أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ}.ماء كانت ملح أجاج في منطقة المسلمين إذا بها في ثوانٍ معدودات تتحول بقدرة الواحد الأحد إلى ماء عذب زلال الله أكبر{أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ}.مناظر عديدة جعلت من بعض الهندوس وهم من هم في تعصبهم لعقيدتهم الفاسدة،لا يتمالكون إلا أن يقولوا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأخذوا يدخلون في دين الله أفواجاً،ولم يتمالك عضو في البرلمان الهندي إلا أن يصرح بقوله:(إن هذا الزلزال إنما هو انتقام من إله المسلمين لهدم المسجد البابري) أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ}.

واعلموا رحمني الله وإياكم أن الله مطلع عليم حكيم لا يخفى على جلاله سبحانه وبحمده ما يفعله أعداء الإسلام بأمة الإسلام وإنما هي حكمته وتدبيره وتمحيص لهذه الأمة {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ}.

وما أصاب الأمة ما أصابها من فراغ إنما هو إعراض عن منهج له وذنوب وخطايا تراكمت وتفريط وتقصير ، فبذنب واحد حدث للمؤمنين ما حدث يوم أحد وكان فيهم خير الخليقة رسول الله    صلى الله عليه وسلم  فما بالكم بحالنا اليوم فنقول لكل من يسأل متعجباً عما يحدث للأمة اقرأ قول الله تعالى:{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.أيها الأحبة في الله قولوا لمن يسأل عن النصر إن الله يوم تحدث عن النصر قال : {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}.فهو نصر الله يأتي به الله متى شاء بالكيفية التي يشاؤها وينزله على من يشاء من عباده ، فهو نصره وهو أعلم به،أمة الإيمان والقرآن لنعود أنفسنا وأزواجنا وأهلينا العودة إلى كتاب الله وقراءته بتدبر ووعي فإن فيه حل جميع المشاكل وفيه السعادة والطمأنينة.

[الأنترنت – موقع صيد الفوائد – خطبة جمعة - أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ الدكتور عصام بن هاشم الجفري]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والعشرون بعد المائة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :

* {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِىَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ ٱلَّتِىٓ أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَٰهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ}

ورد في التفسير الميسر : وكثير من أهل قرى كانوا أشد بأسًا من أهل قريتك -أيها الرسول، وهي

"مكة"- التي أخرجتك، دمَّرناهم بأنواع من العذاب، فلم يكن لهم نصير ينصرهم من عذاب الله.

وقال السعدى : أي: وكم من قرية من قرى المكذبين، هي أشد قوة من قريتك، في الأموال والأولاد والأعوان، والأبنية والآلات.

{ أهلكناهم } حين كذبوا رسلنا، ولم تفد فيهم المواعظ، فلا نجد لهم ناصرا، ولم تغن عنهم قوتهم من عذاب الله شيئا.

فكيف حال هؤلاء الضعفاء، أهل قريتك، إذ أخرجوك عن وطنك وكذبوك، وعادوك، وأنت أفضل المرسلين، وخير الأولين والآخرين؟!

أليسوا بأحق من غيرهم بالإهلاك والعقوبة، لولا أن الله تعالى بعث رسوله بالرحمة والتأني بكل كافر وجاحد؟

وفي الوسيط للطنطاوي : ثم سلى - سبحانه - نبيه عما أصابه منهم من أذى فقال : ( وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ

هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ التي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلاَ نَاصِرَ لَهُمْ ) .

وكلمة ( كَأَيِّن ) مركبة من كاف التشبيه وأى الاستفهامية المنونة ، ثم هجر معنى جزأيها وصارت كلمة واحدة بمعنى كم الخبرية الدالة على التكثير ، ويكنى بها عن عدد مبهم فتحتاج إلى تميز بعدها . وهى مبتدأ . . وقوله : ( أَهْلَكْنَاهُمْ ) خبرها . و ( مِّن قَرْيَةٍ ) تمييز لها . والمراد بالقرية أهلها ، وهم مشركو قريش .

أى : وكم من أهل قرية هم أشد قوة من أهل قريتك التى أخرجوك منها - أيها الرسول الكريم - فترتب على فعلهم هذا أن أهلكناهم دون أن ينصرهم من عقابنا ناصر ، أو أن يجيرهم من عذابنا مجير .

قال ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية ما ملخصه : وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد لأهل مكة ، فى تكذيبهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو سيد المرسلين ، وخاتم النبيين .

روى ابن أبى حاتم ، بسنده - عن ابن عباس أن النبى - صلى الله عليه وسلم - لما خرج من مكة إلى الغار ، التفت

إليها وقال : يا مكة : أنت أحب بلاد الله إلى الله وأنت أحب بلاد الله إلىَّ ، ولو أن المشركين لم يخرجونى لم أخرج منك . . فأنزل الله هذه الآية .

ابن كثير : وقوله : ( وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك ) يعني : مكة ، ( أهلكناهم فلا ناصر لهم ) ، وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد لأهل مكة ، في تكذيبهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو سيد المرسلين وخاتم الأنبياء ، فإذا كان الله - عز وجل - قد أهلك الأمم الذين كذبوا الرسل قبله بسببهم ، وقد كانوا أشد قوة من هؤلاء ، فماذا ظن هؤلاء أن يفعل الله بهم في الدنيا والأخرى ؟ فإن رفع عن كثير منهم العقوبة في الدنيا لبركة وجود الرسول نبي الرحمة ، فإن العذاب يوفر على الكافرين به في معادهم ،( يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون ) [ هود : 20 ] . قوله : ( من قريتك التي أخرجتك ) أي : الذين أخرجوك من بين أظهرهم .

وقال ابن أبي حاتم : ذكر أبي ، عن محمد بن عبد الأعلى ، عن المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن

حنش ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما خرج من مكة إلى الغار أراه قال : التفت إلى مكة - وقال : " أنت أحب بلاد الله إلى الله ، وأنت أحب بلاد الله إلي ، ولو أن المشركين لم يخرجوني لم أخرج منك " . فأعدى الأعداء من عدا على الله في حرمه ، أو قتل غير قاتله ، أو قتل بذحول الجاهلية ، فأنزل الله على نبيه - صلى الله عليه وسلم - : ( وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم ) [ الأنترنت – موقع  :{ وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِىَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ ٱلَّتِىٓ أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَٰهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ﴿١٣ محمد﴾]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثلاثون بعد المائة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :* وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ۖ :

السعدى : هذا تفصيل لقصة هاتين الأمتين، عاد، وثمود. { فَأَمَّا عَادٌ } فكانوا -مع كفرهم باللّه، وجحدهم بآيات اللّه، وكفرهم برسله- مستكبرين في الأرض، قاهرين لمن حولهم من العباد، ظالمين لهم، قد أعجبتهم قوتهم. { وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً } قال تعالى ردًا عليهم، بما يعرفه كل أحد: { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً } فلولا خلقه إياهم، لم يوجدوا فلو نظروا إلى هذه الحال نظرًا صحيحًا، لم يغتروا بقوتهم، فعاقبهم اللّه عقوبة، تناسب قوتهم، التي اغتروا بها.

الوسيط لطنطاوي : ثم فصل - سبحانه - بعد ذلك حال كل فريق منهم ، وبين ما نزل به من عذاب مهين فقال : ( فَأَمَّا عَادٌ فاستكبروا فِي الأرض بِغَيْرِ الحق وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً . . . ) .

أى : هذا هو قولهم على سبيل الإجمال لرسلهم ، وإليك جانبا من حال قوم عاد ، ومن أقوالهم الباطلة

إنهم قد استكبروا فى الأرض بغير الحق . واغتروا بما بين أيديهم من نعم ، وقالوا على سبيل التباهى والتفاخر والتكبر : من أشد منا قوة .

وقيد استكبارهم فى الأرض بأنه بغير الحق . لبيان واقعهم ، حيث كانوا كما وصفهم الله - تعالى - فى آيات أخرى متجبرين متعالين على غيرهم ، ومن ذلك قوله - تعالى : ( أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ . وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ . وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ) الاستفهام فى قوله - تعالى - الذى حكاه عنهم ( مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ) للإنكار والنفى . أى : لا أحد أقوى منا ، فنحن فى استطاعتنا أن ندفع كل عذاب ينزل بنا ، وهذا هو الشعور الكاذب الذى يشعر به الطغاة الجاهلون فى كل زمان ومكان .

وقد رد الله  تعالى  عليهم وعلى أمثالهم ردا منطقيا حكيما يخرس ألسنتهم فقال :( أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ الله الذي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ )

أى : اعموا وصموا عن الحق ، ولم يعلموا أن الله - تعالى - الذى أجدهم من العدم ، هو - سبحانه - أشد منهم قوة وبأسا .

إنهم لغرورهم وجهالاتهم نسوا كل ذلك ، وكانوا بآياتنا الدالة على قدرتنا ووحدانيتنا يجحدون ،

ويعاندون وينكرون الحق الذى جاءتهم به رسلهم .

وقال البغوى : قوله عز وجل : ( ( فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة ) وذلك أن هودا - عليه السلام - هددهم بالعذاب ، فقالوا : من أشد منا قوة ؟ نحن نقدر على دفع العذاب عنا بفضل قوتنا ، وكانوا ذوي أجسام طوال ، قال الله تعالى ردا عليهم : ( أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون ) .

قال ابن كثير : قال الله تعالى : ( فأما عاد فاستكبروا في الأرض [ بغير الحق ] ) أي : بغوا وعتوا وعصوا ، ( وقالوا من أشد منا قوة ) أي : منوا بشدة تركيبهم وقواهم ، واعتقدوا أنهم يمتنعون به من بأس الله ! ( أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة ) أي : أفما يتفكرون فيمن يبارزون بالعداوة ؟ فإنه العظيم الذي خلق الأشياء وركب فيها قواها الحاملة لها ، وإن بطشه شديد ، كما قال تعالى : ( والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون ) [ الذاريات]

وقال القرطبى : قوله تعالى : فأما عاد فاستكبروا في الأرض على عباد الله هود ومن آمن معه بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة اغتروا بأجسامهم حين تهددهم بالعذاب ، وقالوا : نحن نقدر على دفع العذاب عن أنفسنا بفضل قوتنا . وذلك أنهم كانوا ذوي أجسام طوال وخلق عظيم .

وقد مضى في " الأعراف " عن ابن عباس : أن أطولهم كان مائة ذراع وأقصرهم كان ستين ذراعا . فقال الله تعالى ردا عليهم : أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وقدرة ، وإنما يقدر العبد بإقدار الله ، فالله أقدر إذا . وكانوا بآياتنا يجحدون أي بمعجزاتنا يكفرون .

الطبرى : يقول تعالى ذكره: ( فَأَمَّا عَادٌ ) قوم هود ( فَاسْتَكْبَرُوا ) على ربهم وتجبروا( فِي الأرْضِ ) تكبرا وعتوّا بغير ما أذن الله لهم به ( وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ ) وأعطاهم ما أعطاهم من عظم الخلق, وشدة البطش ( هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ) فيحذروا عقابه, ويتقوا سطوته لكفرهم به, وتكذيبهم رسله. يقول: وكانوا بأدلتنا وحججنا عليهم يجحدون.

وقال ابن عاشور : وقوله : { بِغَيْرِ الحَقِّ } زيادة تشنيع لاستكبارهم ، فإن الاستكبار لا يكون بحق إذ لا مبرر للكبر بوجه من الوجوه لأن جميع الأمور المغريات بالكبر من العلم والمال والسلطان والقوة وغير ذلك لا تُبلغ الإِنسان مبلغ الخلوّ عن النقص وليس للضعيف الناقص حق في الكبر ولذلك كان الكبر من خصائص الله تعالى . وهم قد اغترُّوا بقوة أجسامهم وعزة أمتهم وادعوا أنهم لا يغلبهم أحد ، وهو معنى قولهم : { مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَةً } فقولهم ذلك هو سبب استكبارهم لأنه أورثهم الاستخفاف بمن عداهم ، فلما جاءهم هود بإنكار ما هم عليه من الشرك والطغيان عظم عليهم ذلك لأنهم اعتادوا

العجب بأنفسهم وأحوالهم فكذبوا رسولهم .

فلما كان اغترارهم بقوتهم هو باعثَهم على الكفر وكان قولهم : { مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَةً } دليلاً عليه خصّ

بالذكر . وإنما عطف بالواو مع أنه كالبيان لقوله : { فَاسْتَكْبَرُوا في الأرْضضِ بِغَيْرِ الحَقِّ } إشارة إلى استقلاله بكونه مُوجب الإِنكار عليهم ، لأن قولهم ذلك هو بمفرده منكر من القول فذُكر بالعطف على فعل «استكبروا» لأن شأن العطف أن يقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه ، ويعلم أنه باعثهم على الاستكبار بالسياق .

وجملة { أوَلَم يَرَوا أنَّ الله الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أشَدُّ مِنْهُم قُوَّةً } جملة معترضة ، والواو اعتراضية . والرؤية علمية ، والاستفهام إنكاري ، والمعنى : إنكار عدم علمهم بأن الله أشد منهم قوة حيث أعرضوا عن رسالة رسول ربهم وعن إنذاره إياهم إعراضَ من لا يكترث بعظمة الله تعالى لأنهم لو حسبوا لذلك حسابه لتوقعوا عذابَه فَلأَقْبلوا على النظر في دلائل صدق رسولهم . وإجراءُ وصف { الَّذِي خَلَقَهُمْ } على اسم الجلالة لما في الصلة من الإِيماء إلى وجه الإِنكار عليهم لجهلهم بأن الله أقوى منهم فإن كونهم مخلوقين معلوم لهم بالضرورة ، فكان العلم به كافياً في الدلالة على أنه أشدّ منهم قوة ، وأنه حقيق بأن

يحسبوا لغضبه حسابه فينظروا في أدلة صدق رسوله إليهم .

وضمير { هُوَ أشَدُّ مِنْهُم } ضمير فصل ، وهو مفيد تقوية الحكم بمعنى وضوحه ، وإذا كان ذلك الحكم محققاً كان عدم علمهم بمقتضاه أشنع وعذرهم في جهله منتفياً .

والقوة حقيقتها : حالة في الجسم يتأتّى بها أن يعمل الأعمال الشاقة ، وتطلق على لازم ذلك من القدرة ووسائل الأعمال ، وقد تقدم بيان إطلاقها في قوله تعالى : { فخذها بقوة } في سورة الأعراف ( 145 ) ، والمراد بها هنا معناها الحقيقي والكنائي والمجازي ، فهو مستعمل في حقيقته تصريحاً وكنايةً ، ومجازِه لما عندهم من وسائل تذليل صعَاب الأمور لقوة أجسامهم وقوة عقولهم . والعرب تضرب المثل بِعَادٍ في أصالة آرائهم فيقولون : أحلام عاد ، قال النابغة : ... أَحلامُ عادٍ وأجسامٌ مطهرة

ولما كانت القوّة تستلزم سعة القدرة أسند القوة إلى الله تعالى بمعنى أن قدرته تعالى لا يستعصي عليها شيء تتعلق به إرادته تعالى ، وهذا المراد هنا في قوله : { أَنَّ الله الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أشَدُّ مِنهم قُوَّةً } أي هو أوسع قدرة من قدرتهم فإطلاق القوة على قدرة الله تعالى بمعنى كماللِ القدرة ، أي عموم تأثيرها وتعلقها بالممكنات على وفق الإِرادة لا يستعصي على تعلق قدرته شيء ممكنٌ ، وكماللِ غِناه عن التأثّر للغير ، وتقدم عند قوله تعالى : { إن اللَّه قوي شديد العقاب } في سورة الأنفال ( 52 ) .

وجملة { أَوَلَمْ يَرَوا أَنَّ الله الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أشَدُّ مِنهم قُوَّةً } معترضة بين الجمل المتعاطفة ، والواو فيها اعتراضية .

[ الأنترنت – موقع الآيات : { فَأَمَّا عَادٌ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِى ٱلْأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ۖ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِى خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۖ وَكَانُواْ بِـَٔايَٰتِنَا يَجْحَدُونَ﴿١٥ فصلت﴾]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والثلاثون  بعد

المائة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :* ٱللَّهُ لَطِيفٌۢ بِعِبَادِهِۦ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ ۖ وَهُوَ ٱلْقَوِىُّ ٱلْعَزِيزُ :

قال السعدى : يخبر تعالى بلطفه بعباده ليعرفوه ويحبوه، ويتعرضوا للطفه وكرمه، واللطف من أوصافه

 تعالى معناه: الذي يدرك الضمائر والسرائر، الذي يوصل عباده -وخصوصا المؤمنين- إلى ما فيه الخير لهم من حيث لا يعلمون ولا يحتسبون.

فمن لطفه بعبده المؤمن، أن هداه إلى الخير هداية لا تخطر بباله، بما يسر له من الأسباب الداعية إلى ذلك، من فطرته على محبة الحق والانقياد له وإيزاعه تعالى لملائكته الكرام، أن يثبتوا عباده المؤمنين، ويحثوهم على الخير، ويلقوا في قلوبهم من تزيين الحق ما يكون داعيا لاتباعه.

ومن لطفه أن أمر المؤمنين، بالعبادات الاجتماعية، التي بها تقوى عزائمهم وتنبعث هممهم، ويحصل منهم التنافس على الخير والرغبة فيه، واقتداء بعضهم ببعض. ومن لطفه، أن قيض لعبده كل سبب يعوقه ويحول بينه وبين المعاصي، حتى إنه تعالى إذا علم أن الدنيا والمال والرياسة ونحوها مما يتنافس فيه أهل الدنيا، تقطع عبده عن طاعته، أو تحمله على الغفلة عنه، أو على معصية صرفها عنه، وقدر عليه رزقه، ولهذا قال هنا: { يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ } بحسب اقتضاء حكمته ولطفه { وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ } الذي له القوة كلها، فلا حول ولا قوة لأحد من المخلوقين إلا به، الذي دانت له جميع الأشياء.

وقال الطبرى : يقول تعالى ذكره: الله ذو لطف بعباده, يرزق من يشاء فيوسع عليه ويقتر على من يشاء منهم.(وَهُوَ الْقَوِيُّ) الذي لا يغلبه ذو أيد لشدته, ولا يمتنع عليه إذا أراد عقابه بقدرته (الْعَزِيزُ) في انتقامه إذا انتقم من أهل معاصيه.

ابن عاشور : هذه الجملة توطئة لجملة { من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه } [ الشورى : 20 ] لأن ما سيذكر في الجملة الآتية هو أثر من آثار لطف الله بعباده ورفقه بهم وما يَسَّر من الرزق للمؤمنين منهم والكفار في الدّنيا ، ثم ما خصّ به المؤمنين من رزق الآخرة ، فالجملة مستأنفة استئنافاً ابتدائياً مقدِّمة لاستئناف الجملة الموطَّإ لها ، وهي جملة { من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه } الآية [ الشورى : 20 ] . وموقع جملة من كان يريد حرث الآخرة } الخ فسنبينه .

واللطيف : البَر القوي البِرّ . ويدخل في هذا كثير من النعم . فسّر عدد من المفسّرين اللطيف بواهب بعضها وإنما هو تفسيرُ تمثيل لا يخُصُّ دلالةَ الوصف به . وفعل ( لَطَف ) من باب نصر يتعدى بالباء كما هنا وباللام كما في قوله : { إن ربّي لطيفٌ لما يشاء } كما تقدم في سورة يوسف ( 100 ) . وتقدم تحقيقُ معنى اسمه تعالى اللطيف .

وعباده عام لجميع العباد ، وهم نوع الإنسان لأنه جمع مضاف . وجملة يرزق من يشاء } في موضع الحال من اسم الجلالة ، أو في موضع خبر عنه .

والرزق : إعطاء ما ينفع . وهو عندنا لا يختص بالحلال وعند المعتزلة يختص به والخلاف اصطلاح .

والظاهر : أن المراد هنا رزق الدّنيا لأن الكلام توطئة لقوله : { من كان يريد حرث الآخرة } [ الشورى : 20 ] .

والمشيئة : مشيئة تقدير الرّزق لكل أحد من العباد ليكون عموم اللطف للعباد باقياً ، فلا يكون قوله

: من يشاء } في معنى التكرير ، إذ يصير هكذا يرزق من يشاء من عباده الملطوففِ بجميعهم ، وما الرزق إلا من اللطف ، فيصيرُ بعضَ المعنى المفاد ، فلا جرم تعيّن أن المشيئة هنا مصروفة لمشيئة تقدير الرزق بمقاديره .

والمعنى : أنه للطفه بجميع عباده لا يترك أحداً منهم بلا رزق وأنه فضل بعضهم على بعض في الرزق جرياً على مشيئته . وهذا المعنى يثير مسألة الخلاف بين أيمة أصول الدّين في نعمة الكافر ، ومِن فروعها رزقُ الكافر . وعن الشيخ أبي الحسن الأشعري أن الكافر غير منعم عليه نعمةً دنيوية لأن ملاذّ الكافر استدراج لمَّا كانت مفضية إلى العذاب في الآخرة فكانت غير نعمة ، ومرادهم بالدنيوية مقابل الدينية . وكأنَّ مراد الشيخ بهذا تحقيق معنى غضب الله على الكافرين كما جاء في آيات كثيرة ، فمراده : أن الكافر غير مُنْعَم عليه نعمةَ رضى وكرامةٍ ولكنها نعمة رحمة لما له من انتساب المخلوقية لله تعالى .

وقال أبو بكر الباقلاني : الكافر منعَم عليه نعمة دُنيوية . وقالت المعتزلة : هو منعم عليه نعمة دنيوية

ودينية : فالدنيوية ظاهرة ، والدّينية كالقُدرة على النظر المؤدي إلى معرفة الله .

وهذه مسألة أرجع المحققون الخلافَ فيها إلى اللفظ والبناءِ على المصطلحات والاعتبارات الموافقة لدقائق المذاهب ، إذ لا ينازع أحد في نعمة المنعمين منهم وقد قال تعالى : { وذرْني والمُكذبين أولي النَّعْمَة }[ المزمل : 11 ] .

وعُطف { وهو القوي العزيز } على صفة { لطيف } أو على جملة { يرزق من يشاء } وهو تمجيد لله تعالى بهاتين الصفتين ، ويفيد الاحتراس من توهم أن لطفه عن عجز أو مصانعة ، فإنه قوي عزيز لا يَعجز ولا يصانِع ، أو عن توهم أن رزقه لمن يشاء عن شحّ أو قِلّةٍ فإنه القويّ ، والقوي تنتفي عنه أسباب الشحّ ، والعزيز ينتفي عنه سبب الفقر فرزقه لمن يشاء بما يشاء منوط لحكمة عَلِمها في أحوال خلقه عامة وخاصة ، قال تعالى : { ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكِنْ ينزِّل بقَدَر ما يشاء } [ الشورى : 27 ] الآية .

والإخبار عن اسم الجلالة بالمسند المعَرّففِ باللام يفيد معنى قصر القوة والعزة عليه تعالى ، وهو قصر الجنس للمبالغة لكماله فيه تعالى حتى كأنَّ قوة غيره وعزّة غيره عَدَم .[الأنترنت – موقع : { ٱللَّهُ لَطِيفٌۢ بِعِبَادِهِۦ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ ۖ وَهُوَ ٱلْقَوِىُّ ٱلْعَزِيزُ }]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والثلاثون بعد

المائة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :

* ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعْدِ ضَعْفٍۢ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعْدِ قُوَّةٍۢ ضَعْفًا وَشَيْبَةً :

ورد في التفسير الميسر : الله تعالى هو الذي خلقكم من ماء ضعيف مهين، وهو النطفة، ثم جعل من

بعد ضعف الطفولة قوة الرجولة، ثم جعل من بعد هذه القوة ضعف الكبر والهرم، يخلق الله ما يشاء

من الضعف والقوة، وهو العليم بخلقه، القادر على كل شيء.

وقال السعدى : يخبر تعالى عن سعة علمه وعظيم اقتداره وكمال حكمته، ابتدأ خلق الآدميين من ضعف وهو الأطوار الأول من خلقه من نطفة إلى علقة إلى مضغة إلى أن صار حيوانا في الأرحام إلى أن ولد، وهو في سن الطفولية وهو إذ ذاك في غاية الضعف وعدم القوة والقدرة. ثم ما زال اللّه يزيد في قوته شيئا فشيئا حتى بلغ سن الشباب واستوت قوته وكملت قواه الظاهرة والباطنة، ثم انتقل من هذا الطور ورجع إلى الضعف والشيبة والهرم.

{ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ } بحسب حكمته. ومن حكمته أن يري العبد ضعفه وأن قوته محفوفة بضعفين وأنه ليس له من نفسه إلا النقص، ولولا تقوية اللّه له لما وصل إلى قوة وقدرة ولو استمرت قوته في الزيادة لطغى وبغى وعتا.

وليعلم العباد كمال قدرة اللّه التي لا تزال مستمرة يخلق بها الأشياء، ويدبر بها الأمور ولا يلحقها إعياء

ولا ضعف ولا نقص بوجه من الوجوه.

وفي الوسيط للطنطاوي : وبعد هذا التطواف فى أعماق الأنفس والآفاق . أخذت السورة الكريمة فى أواخرها ، تذكر الناس بمراحل حياتهم ، وبأحوالهم يوم القيامة ، وبفضائل القرآن الكريم ، وبأمر النبى صلى الله عليه وسلم بالصبر والثبات . . قال - تعالى - : ( الله الذي خَلَقَكُمْ . . . الذين لاَ يُوقِنُونَ ) .

قال القرطبى ما ملخصه : قوله - تعالى - ( الله الذي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ . . ) .

استدلال آخر على قدرته - تعالى - ومعنى ( مِّن ضَعْفٍ ) من نطفة ضعيفة ، أو فى حال ضعف ، وهو ما كانوا عليه فى الابتداء من الطفولة والصغر . . وقرأ الجمهور بضم الضاد ، وقرأ عاصم وحمزة بفتحها ، والضعف - بالضم والفتح - خلاف القوة ، وقيل بالفتح فى الرأى ، وبالضم فى الجسد .

وقال - سبحانه - : ( خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ ) ولم يقل خلقكم ضعافاً . . . . للإشعار بأن الضعف هو مادتهم الأولى التى تركب منها كيانهم ، فهو شامل لتكوينهم الجسدى ، والعقلى ، والعطافى ، والنفسى . . إلخ . أى : الله - تعالى - بقدرته ، هو الذى خلقكم من ضعف ترون جانباً من مظاهره فى حالة طفولتكم وحداثة سنكم .

( ثُمَّ جَعَلَ ) - سبحانه - ( مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ) أى : ثم جعل لكم من بعد مرحلة الضعف مرحلة أخرى تتمثل فيها القوة بكل صورها الجسدية والعقلية والنفسية . .

( ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً ) أى : ثم جعل من بعد مرحلة القوة ، مرحلة ضعف آخر ، تعقبه مرحلة أخرى أشد منه فى الضعف ، وهى مرحلة الشيب والهرم والشيخوخة التى هى أرذل العمر ، وفيها يصير الإِنسان أشبه ما يكون بالطفل الصغير فى كثير من أحواله . .

( يَخْلُقُ ) - سبحانه - ( مَا يَشَآءُ ) خلقه ( وَهُوَ العليم ) بكل شئ ( القدير ) على كل شئ .

فأنت ترى أن هذه الآية قد جمعت مراحل حياة الإِنسان بصورها المختلفة .

وقال البغوى : ( الله الذي خلقكم من ضعف ) قرئ بضم الضاد وفتحها ، فالضم لغة قريش ، والفتح لغة تميم ، ومعنى " من ضعف " ، أي : من نطفة ، يريد من ذي ضعف ، أي : من ماء ذي ضعف كما قال تعالى : " ألم نخلقكم من ماء مهين " ( المرسلات - 20 ) ( ثم جعل من بعد ضعف قوة ) بعد ضعف الطفولية شبابا ، وهو وقت القوة ( ثم جعل من بعد قوة ضعفا ) هرما ( وشيبة يخلق ما يشاء ) الضعف والقوة والشباب والشيبة ) ( وهو العليم ) بتدبير خلقه ) ( القدير ) على ما يشاء .

ابن كثير : ينبه تعالى على تنقل الإنسان في أطوار الخلق حالا بعد حال ، فأصله من تراب ، ثم من نطفة ، ثم من علقة ، ثم من مضغة ، ثم يصير عظاما ثم يكسى لحما ، وينفخ فيه الروح ، ثم يخرج من بطن أمه ضعيفا نحيفا واهن القوى . ثم يشب قليلا قليلا حتى يكون صغيرا ، ثم حدثا ، ثم مراهقا ، ثم شابا . وهو القوة بعد الضعف ، ثم يشرع في النقص فيكتهل ، ثم يشيخ ثم يهرم ، وهو الضعف بعد القوة . فتضعف الهمة والحركة والبطش ، وتشيب اللمة ، وتتغير الصفات الظاهرة والباطنة;

ولهذا قال : ( ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء ) أي : يفعل ما يشاء ويتصرف في

عبيده بما يريد ، ( وهو العليم القدير ) .

قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، عن فضيل ويزيد ، حدثنا فضيل بن مرزوق ، عن عطية العوفي ، قال : قرأت على ابن عمر : ( الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا ) ، فقال : ( الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا ) ، ثم قال : قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قرأت علي ، فأخذ علي كما أخذت عليك .

ورواه أبو داود والترمذي - وحسنه - من حديث فضيل ، به . ورواه أبو داود من حديث عبد الله بن جابر ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، بنحوه .

وقال القرطبى : ومعنى : من ضعف من نطفة ضعيفة . وقيل : من ضعف أي في حال ضعف ; وهو ما كانوا عليه في الابتداء من الطفولة والصغر . وأجاز النحويون الكوفيون من ضعف بفتح العين ، وكذا كل ما كان فيه حرف من حروف الحلق ثانيا أو ثالثا . ثم جعل من بعد ضعف قوة يعني الشبيبة . ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يعني الهرم . وقرأ عاصم وحمزة : بفتح الضاد فيهن ، الباقون بالضم ، لغتان ، والضم لغة النبي صلى الله عليه وسلم . وقرأ الجحدري : من ضعف ثم جعل من بعد ضعف بالفتح فيهما ; ( ضعفا ) بالضم خاصة . أراد أن يجمع بين اللغتين . قال الفراء : الضم لغة قريش ، والفتح لغة تميم . الجوهري : الضعف ، والضعف : خلاف القوة . وقيل : الضعف بالفتح في الرأي ، وبالضم في الجسد ; ومنه الحديث في الرجل الذي كان يخدع في البيوع : أنه يبتاع وفي عقدته ضعف . و ( شيبة ) مصدر كالشيب ، والمصدر يصلح للجملة ، وكذلك القول في الضعف والقوة . يخلق ما يشاء يعني من قوة وضعف . وهو العليم بتدبيره . القدير على إرادته . وأجاز النحويون الكوفيون من ضعف بفتح العين ، وكذا كل ما كان فيه حرف من حروف الحلق ثانيا أو ثالثا

[الأنترنت – موقع  { ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍۢ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعْدِ ضَعْفٍۢ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعْدِ قُوَّةٍۢ

ضَعْفًا وَشَيْبَةً ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ ۖ وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْقَدِيرُ}]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والثلاثون بعد

المائة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :

*ۚ كَانُوٓاْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُواْ ٱلْأَرْضَ وَعَمَرُوهَآ أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا:

ورد في التفسير الميسر : أولم يَسِرْ هؤلاء المكذبون بالله الغافلون عن الآخرة في الأرض سَيْرَ تأمل

واعتبار، فيشاهدوا كيف كان جزاء الأمم الذين كذَّبوا برسل الله كعاد وثمود؟ وقد كانوا أقوى منهم أجسامًا، وأقدر على التمتع بالحياة حيث حرثوا الأرض وزرعوها، وبنَوْا القصور وسكنوها، فعَمَروا دنياهم أكثر مما عَمَر أهل "مكة" دنياهم، فلم تنفعهم عِمارتهم ولا طول مدتهم، وجاءتهم رسلهم بالحجج الظاهرة والبراهين الساطعة، فكذَّبوهم فأهلكهم الله، ولم يظلمهم الله بذلك الإهلاك، وإنما ظلموا أنفسهم بالشرك والعصيان.

وقال السعدى : نبههم على السير في الأرض والنظر في عاقبة الذين كذبوا رسلهم وخالفوا أمرهم ممن هم أشد من هؤلاء قوة وأكثر آثارا في الأرض من بناء قصور ومصانع ومن غرس أشجار ومن زرع وإجراء أنهار، فلم تغن عنهم قوتهم ولا نفعتهم آثارهم حين كذبوا رسلهم الذين جاءوهم بالبينات الدالات على الحق وصحة ما جاءوهم به، فإنهم حين ينظرون في آثار أولئك لم يجدوا إلا أمما بائدة وخلقا مهلكين ومنازل بعدهم موحشة وذم من الخلق عليهم متتابع. وهذا جزاء معجل نموذج للجزاء الأخروي ومبتدأ له.

وكل هذه الأمم المهلكة لم يظلمهم اللّه بذلك الإهلاك وإنما ظلموا أنفسهم وتسببوا في هلاكها.

وفي الوسيط للطنطاوي : ثم قرعهم - سبحانه - للمرة الثانية على عدم اتعاظهم بأحوال السابقين من الأمم قبلهم ، فقال - تعالى - : ( أَوَلَمْ يَسيرُواْ فِي الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الذين مِن قَبْلِهِمْ ) .

أى : اقعد مشركو مكة فى ديارهم ، ولم يسيروا فى الأرض سير المتأملين المتفكرين المعتبرين فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ، من الأمم الماضية ، كقوم عاد وثمود ، وقوم لوط .

وقوله - سبحانه - : ( كانوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً ) بيان لحال لهؤلاء الأقوام السابقين ( وَأَثَارُواْ الأرض ) أى : كان أولئك السابقون أقوى من أهل مكة فى كل مجال من مجالات القوة ، وكانوا أقدر منهم على حراثة الأرض ، وتهيئتها للزراعة ، واستخراج خيراتها من باطنها .

( وَعَمَرُوهَآ أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا ) أى : حرثوا الأرض وشقوا باطنها ، وعمروها عمارة أكثر من عمارة أهل مكة لها ، لأن أولئك الأقوام السابقين كانوا أقوى من كفار مكة ، وكانوا أكثر دارية بعمارة الأرض .

وهؤلاء لأقوال السابقون : ( وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات ) أى : بالمعجزات الواضحات ، وبالحجج الساطعات ، ولكن هؤلاء الأقوام كذبوا رسهلم ، فأهلكهم الله - تعالى - ( فَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ ) أى : فما كان الله - تعالى - من شأنه أن يعذبهم بدون ذنب .

( ولكن كانوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) حيث ارتكبوا من الكفر والمعاصى ما كان سببا فى هلاكهم .

وقال البغوى : (أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ) أولم يسافروا في الأرض فينظروا إلى مصارع الأمم قبلهم فيعتبروا ( كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض ) حرثوها وقلبوها للزراعة ( وعمروها أكثر مما عمروها ) [ أي : أكثر مما عمرها ] أهل مكة ، قيل : قال ذلك لأنه لم يكن لأهل مكة حرث ( وجاءتهم رسلهم بالبينات ) فلم يؤمنوا فأهلكهم الله ( فما كان الله ليظلمهم ) بنقص حقوقهم ( ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) ببخس حقوقهم . .

وقال ابن كثير : ثم نبههم على صدق رسله فيما جاءوا به عنه ، بما أيدهم به من المعجزات ، والدلائل

الواضحات ، من إهلاك من كفر بهم ، ونجاة من صدقهم ، فقال : ( أولم يسيروا في الأرض ) أي : بأفهامهم وعقولهم ونظرهم وسماعهم أخبار الماضين; ولهذا قال : ( فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة ) أي : كانت الأمم الماضية والقرون السالفة أشد منكم - أيها المبعوث إليهم محمد صلوات الله وسلامه عليه وأكثر أموالا وأولادا ، وما أوتيتم معشار ما أوتوا ، ومكنوا في الدنيا تمكينا لم تبلغوا إليه ، وعمروا فيها أعمارا طوالا فعمروها أكثر منكم . واستغلوها أكثر من استغلالكم ، ومع هذا لما جاءتهم رسلهم بالبينات وفرحوا بما أوتوا ، أخذهم الله بذنوبهم ، وما كان لهم من الله من واق ، ولا حالت أموالهم ولا أولادهم بينهم وبين بأس الله ، ولا دفعوا عنهم مثقال ذرة ، وما كان الله ليظلمهم فيما أحل بهم من العذاب والنكال ( ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) أي : وإنما أوتوا من أنفسهم حيث كذبوا بآيات الله ، واستهزءوا بها ، وما ذاك إلا بسبب ذنوبهم السالفة وتكذيبهم المتقدم; ولهذا قال :

وقال القرطبى : أي قلبوها للزراعة ; لأن أهل مكة لم يكونوا أهل حرث ; قال الله تعالى : تثير

الأرض . وعمروها أكثر مما عمروها أي وعمروها أولئك أكثر مما عمروها هؤلاء فلم تنفعهم عمارتهم ولا طول مدتهم . وجاءتهم رسلهم بالبينات أي بالمعجزات . وقيل : بالأحكام ، فكفروا ولم يؤمنوا . فما كان الله ليظلمهم بأن أهلكهم بغير ذنب ولا رسل ولا حجة . ولكن كانوا أنفسهم يظلمون بالشرك والعصيان

[الأنترنت – موقع { أَوَلَمْ يَسِيرُواْ فِى ٱلْأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوٓاْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُواْ ٱلْأَرْضَ وَعَمَرُوهَآ أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَٰتِ ۖ فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والثلاثون  بعد

المائة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :

* وَلَوْلَآ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَآءَ ٱللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِٱللَّهِ ۚ إِن تَرَنِ أَنَا۠ أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا :

ورد في التفسير الميسر : وهلا حين دخَلْتَ حديقتك فأعجبتك حَمِدت الله، وقلت: هذا ما شاء الله لي، لا قوة لي على تحصيله إلا بالله. إن كنت تراني أقل منك مالا وأولادًا، فعسى ربي أن يعطيني أفضل من حديقتك، ويسلبك النعمة بكفرك، ويرسل على حديقتك عذابا من السماء، فتصبح أرضًا ملساء جرداء لا تثبت عليها قدم، ولا ينبت فيها نبات، أو يصير ماؤها الذي تُسقى منه غائرًا في الأرض، فلا تقدر على إخراجه.

قال الإمام ابن كثير : هذا تحضيض وحث على ذلك . أى : هلا إذ أعجبتك جنتك حين دخلتها ونظرت إليها ، حمدت الله على ما أنعم به عليك وأعطاك من المال والولد ما لم يعط غيرك وقلت ( مَا شَآءَ الله لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بالله ) ، ولهذا قال بعض السلف : من أعجبه شئ من حاله أو ولده أو ماله ، فليقل : ما شاء الله لا قوة إلا بالله . . وهذا مأخوذ من هذه الآية الكريمة . وقد روى فيه حديث مرفوع . . فعن أنس - رضى الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أنعم الله على عبد نعمة من أهل أو مال أو ولد فيقول : ما شاء الله لا قوة إلا بالله ، فيرى فيه آفة دون الموت " .

وقال الآلوسى : وقوله : " ما شاء الله ، أى : الأمر ما شاء الله ، أو ما شاء الله - تعالى - كائن ،

 على أن " ما " موصولة مرفوعة المحل . إما على أنها خبر مبتدأ محذوف . أو على أنها مبتدأ محذوف الخبر . . وأيما كان فالمراد تحضيضه على الاعتراف بأن جنته وما فيها بمشيئة الله - تعالى - إن شاء أبقاها وإن شاء أبادها " .

وقال البغوى : ( ولولا إذ دخلت جنتك ) أي : هلا إذ دخلت جنتك ( قلت ما شاء الله ) أي الأمر ما شاء الله . وقيل : جوابه مضمر أي : ما شاء الله كان ، وقوله : ( لا قوة إلا بالله ) أي : لا أقدر على حفظ مالي أو دفع شيء عنه إلا [ بإذن الله ] .

وروي عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان إذا رأى من ماله شيئا يعجبه أو دخل حائطا من حيطانه

قال ما شاء الله لا قوة إلا بالله .

ثم قال : ( إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا ) و " أنا " عماد ولذلك نصب " أقل " معناه : إن ترني

 أقل منك مالا وولدا فتكبرت وتعظمت علي .[الأنترنت – موقع  { وَلَوْلَآ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَآءَ ٱللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِٱللَّهِ ۚ إِن تَرَنِ أَنَا۠ أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا }]

* وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ :

ورد في التفسير الميسر : ويا قوم اطلبوا مغفرة الله والإيمان به، ثم توبوا إليه من ذنوبكم، فإنكم إن فعلتم ذلك يرسل المطر عليكم متتابعًا كثيرًا، فتكثر خيراتكم، ويزدكم قوة إلى قوتكم بكثرة ذرياتكم وتتابع النِّعم عليكم، ولا تُعرضوا عما دعوتكم إليه مصرِّين على إجرامكم.

السعدى : { وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ } عما مضى منكم { ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ } فيما تستقبلونه، بالتوبة النصوح، والإنابة إلى الله تعالى.

فإنكم إذا فعلتم ذلك { يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا } بكثرة الأمطار التي تخصب بها الأرض، ويكثر خيرها.

{ وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ } فإنهم كانوا من أقوى الناس، ولهذا قالوا: { من أشد منا قوة } ؟ ، فوعدهم أنهم إن آمنوا، زادهم قوة إلى قوتهم.

{ وَلَا تَتَوَلَّوْا } عنه، أي: عن ربكم { مُجْرِمِينَ } أي: مستكبرين عن عبادته، متجرئين على محارمه.

ورد في الوسيط للطنطاوي :

ثم أرشدهم إلى ما يؤدى إلى زيادة غناهم وقوتهم ، وحذرهم من سوء عاقبة البطر والأشر فقال : ( وياقوم استغفروا رَبَّكُمْ ثُمَّ توبوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السمآء عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إلى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ

والاستغفار : طلب المغفرة من الله - تعالى - وعدم المؤاخذة على الخطايا :

والتوبة : العزم على الإِقلاع عن الذنب ، مع الندم على ما حصل منه فى الماضى .

أى : ويا قوم استغفروا ربكم مما فرط منكم من شرك وعصيان ، ثم عودوا إليه بالتوبة الصادقة النصوح

وثم هنا للترتيب الرتبى ، لأن الإِقلاع عن الذنب مع المداومة على ذلك : مقدم على طلب المغفرة .

وجملة ( يُرْسِلِ السمآء عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً ) جواب الأمر فى قوله ( استغفروا ) .

والمراد بالسماء هنا السحاب أو المطر ، تسمية للشئ باسم مصدره .

ومدرارا : مأخوذ من الدر أى : سيلان اللبن وكثرته . ثم استعير للمطر الغزير يقال : درت السماء بالمطر تدر وتدر درا . . . إذا كثر نزول المطر منها .

وهو حال من السماء ، ولم يؤنث مع أنه حال من مؤنث ، باعتبار أن المراد بالسماء هنا المطر أو السحاب .

والمعنى : أن هودا - عليه السلام - قال لقومه يا قوم اعبدوا الله واستغفروه وتوبوا إليه . . فإنكم إن

فعلتم ذلك أرسل الله - تعالى - عليكم المطر غزيرا متتابعا فى أوقات حاجتكم إليه؛ لتشربوا منه وتسقوا

به دوابكم وزروعكم .

وجملة ( وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إلى قُوَّتِكُمْ ) معطوفة على ما قبلها . أى : وأيضا إن فعلتم ذلك زادكم الله - تعالى - عزا إلى عزكم ، وزيادة القوة ، لأنهم كانوا أصحاب زروع وبساتين وعمارات . وقيل : " حبس الله عنوهم المطر وأعقم أرحام نسائهم ثلاث سنين ، فوعدهم هود على الاستغفار والتوبة كثرة الأمطار ، ومضاعفة القوة بالتناسل . . ثم حذرهم من مقابلة نعم الله بالكفر والجحود فقال : ( وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ ) والتولى : هو الإِعراض عن الشئ بإصرار وعناد

أى : ولا تتولوا عما دعوتكم إليه وأنتم مصرون على ما أنتم عليه من إجرام وجحود وعناد .

وإلى هنا يكون هود - عليه السلام - قد وضح لقومه دعوته ، ورغبهم فى الاستجابة لها ، وحذرهم من الإِعراض عنها ، وناداهم بلفظ - يا قوم - ثلاث مرات ، توددوا إليهم ، وتذكيرا لهم بآصرة القرابة التى تجمعهم وإياه .

لعل ذلك يستثير مشاعرهم ، ويحقق امطئنانهم إليه ، فإن الرائد لا يكذب أهله .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والثلاثون بعد المائة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :

* وَلَوْلَآ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَآءَ ٱللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِٱللَّهِ ۚ إِن تَرَنِ أَنَا۠ أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا :

قال البغوى : ( ويا قوم استغفروا ربكم ) أي : آمنوا به ، والاستغفار هاهنا بمعنى الإيمان ، ( ثم توبوا إليه ) من عبادة غيره ومن سالف ذنوبكم ، ( يرسل السماء عليكم مدرارا ) أي : يرسل المطر عليكم متتابعا ، مرة بعد أخرى في أوقات الحاجة ، ( ويزدكم قوة إلى قوتكم ) أي : شدة مع شدتكم . وذلك أن الله عز وجل حبس عنهم القطر ثلاث سنين ، وأعقم أرحام نسائهم فلم يلدن ، فقال لهم هود عليه السلام : إن آمنتم أرسل الله عليكم المطر ، فتزدادون مالا ويعيد أرحام الأمهات إلى ما كانت ، فيلدن فتزدادون قوة بالأموال والأولاد . وقيل : تزدادون قوة في الدين إلى قوة البدن . ( ولا تتولوا مجرمين ) أي : لا تدبروا مشركين .

ابن كثير : ثم أمرهم بالاستغفار الذي فيه تكفير الذنوب السالفة ، وبالتوبة عما يستقبلون [ من الأعمال السابقة ] ومن اتصف بهذه الصفة يسر الله عليه رزقه ، وسهل عليه أمره وحفظ [ عليه ] شأنه [ وقوته ] ; ولهذا قال : ( يرسل السماء عليكم مدرارا ) [ نوح : 11 ] ، و [ كما جاء ] وفي الحديث : " من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ، ومن كل ضيق مخرجا ، ورزقه من حيث لا يحتسب " .

قال القرطبى  أي يرسل السماء بالمطر متتابعا يتلو بعضه بعضا ; والعرب تحذف الهاء في مفعال على

 النسب ; وأكثر ما يأتي مفعال من أفعل ، وقد جاء هاهنا من فعل ; لأنه من درت السماء تدر وتدر

 فهي مدرار . وكان قوم هود - أعني عادا - أهل بساتين وزروع وعمارة ، وكانت مساكنهم الرمال التي

 بين الشام واليمن كما تقدم في " الأعراف " ويزدكم " عطف على يرسل .

قوة إلى قوتكم قال مجاهد : شدة على شدتكم . الضحاك : خصبا إلى خصبكم . علي بن عيسى : عزا على عزكم . عكرمة : ولدا إلى ولدكم . وقيل : إن الله حبس عنهم المطر وأعقم الأرحام ثلاث سنين فلم يولد لهم ولد ; فقال لهمهود : إن آمنتم أحيا الله بلادكم ورزقكم المال والولد ; فتلك القوة . وقال الزجاج : المعنى يزدكم قوة في النعم . ولا تتولوا مجرمين أي لا تعرضوا عما أدعوكم إليه ، وتقيموا على الكفر

الطبرى قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل هود لقومه: (ويا قوم استغفروا ربكم) ، يقول: آمنوا به حتى يغفر لكم ذنوبكم.

، والاستغفار: هو الإيمان بالله في هذا الموضع، لأن هودًا صلى الله عليه وسلم إنما دعا قومه إلى توحيد الله ليغفر لهم

ذنوبهم، كما قال نوح لقومه: اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ * يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ

مُسَمًّى [سورة نوح : 3 : 4]

وقوله: (ثم توبوا إليه) ، يقول: ثم توبوا إلى الله من سالف ذنوبكم وعبادتكم غيره بعد الإيمان به ، (يرسل السماء عليكم مدرارا) ، يقول: فإنكم إن آمنتم بالله وتبتم من كفركم به، أرسل قَطْر السماء عليكم يدرَّ لكم الغيثَ في وقت حاجتكم إليه، وتحَيَا بلادكم من الجدب والقَحط. (27)

[ الأنترنت –موقع { وَيَٰقَوْمِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوٓاْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ} ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والثلاثون  بعد

المائة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :

* وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍۢ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ :

ورد في التفسير الميسر : وأعدُّوا - يا معشر المسلمين - لمواجهة أعدائكم كل ما تقدرون عليه مِن عدد وعدة، لتُدْخلوا بذلك الرهبة في قلوب أعداء الله وأعدائكم المتربصين بكم، وتخيفوا آخرين لا تظهر لكم عداوتهم الآن، لكن الله يعلمهم ويعلم ما يضمرونه. وما تبذلوا من مال وغيره في سبيل الله قليلا أو كثيرًا يخلفه الله عليكم في الدنيا، ويدخر لكم ثوابه إلى يوم القيامة، وأنتم لا تُنْقصون من أجر ذلك شيئًا.

وقال السعدى : أي ‏{‏وَأَعِدُّوا‏}‏ لأعدائكم الكفار الساعين في هلاككم وإبطال دينكم‏.‏ ‏{‏مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ‏}‏ أي‏:‏ كل ما تقدرون عليه من القوة العقلية والبدنية وأنواع الأسلحة ونحو ذلك مما يعين على قتالهم، فدخل في ذلك أنواع الصناعات التي تعمل فيها أصناف الأسلحة والآلات من المدافع والرشاشات، والبنادق، والطيارات الجوية، والمراكب البرية والبحرية، والحصون والقلاع والخنادق، وآلات الدفاع، والرأْي‏:‏ والسياسة التي بها يتقدم المسلمون ويندفع عنهم به شر أعدائهم، وتَعَلُّم الرَّمْيِ، والشجاعة والتدبير‏.‏ ولهذا قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ (‏ألا إن القوة الرَّمْيُ‏)‏ ومن ذلك‏:‏ الاستعداد بالمراكب المحتاج إليها عند القتال،ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ‏}‏ وهذه العلة موجودة فيها في ذلك الزمان، وهي إرهاب الأعداء، والحكم يدور مع علته‏.‏ فإذا كان شيء موجود أكثر إرهابا منها، كالسيارات البرية والهوائية، المعدة للقتال التي تكون النكاية فيها أشد، كانت مأمورا بالاستعداد بها، والسعي لتحصيلها،حتى إنها إذا لم توجد إلا بتعلُّم الصناعة، وجب ذلك، لأن ما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب وقوله‏:‏ ‏{‏تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ‏}‏ ممن تعلمون أنهم أعداؤكم‏.‏ ْ‏{‏وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ‏}‏ ممن سيقاتلونكم بعد هذا الوقت الذي يخاطبهم الله به ْ‏{‏اللَّهُ يَعْلَمُهُم‏}‏ْ فلذلك أمرهم بالاستعداد لهم،ومن أعظم ما يعين على قتالهم بذلك النفقات المالية في جهاد الكفار‏.‏ ولهذا قال تعالى مرغبًا في ذلك‏:‏ ‏{‏وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّه‏}‏ِ قليلا كان أو كثيرًا ‏{‏يُوَفَّ إِلَيْكُمْ‏}‏ أجره يوم القيامة مضاعفًا أضعافًا كثيرة، حتى إن النفقة في سبيل اللّه، تضاعف إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف

 كثيرة‏.‏‏{‏وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ‏}‏ أي‏:‏ لا تنقصون من أجرها وثوابها شيئًا‏.‏

وفي الوسيط للطنطاوي : وقوله: وَأَعِدُّوا.. معطوف على ما قبله، وهو من الإعداد بمعنى تهيئة الشيء للمستقبل، والخطاب لكافة المؤمنين.

والرباط في الأصل مصدر ربط، أى شد، ويطلق، بمعنى المربوط مطلقا، وكثر استعماله في الخيل التي تربط في سبيل الله. فالإضافة إما باعتبار عموم المفهوم الأصلى، أو بملاحظة كون الرباط مشتركا بين معان أخر كملازمة الثغور، والمواظبة على الأمر، فإضافته لأحد معانيه للبيان.

قال صاحب الكشاف: والرباط: اسم للخيل التي تربط في سبيل الله، ويجوز أن يسمى بالرباط الذي هو بمعنى المرابطة، ويجوز أن يكون جمع ربيط كفصيل وفصال- يقال نعم الربيط هذا، لما يرتبط من الخيل.

والمعنى: عليكم- أيها المؤمنون- أن تعدوا لقتال أعدائكم ما تستطيعون إعداده من وسائل القوة على

اختلاف صنوفها وألوانها وأسبابها.

وجاء- سبحانه- بلفظ قُوَّةٍ منكرا، ليشمل كل ما يتقوى به في الحرب كائنا ما كان.

قال الجمل: وقوله مِنْ قُوَّةٍ في محل نصب على الحال، وفي صاحبها وجهان: أحدهما أنه الموصول. والثاني: أنه العائد عليه، إذ التقدير ما استطعتموه حال كونه بعض القوة، ويجوز أن تكون مِنْ لبيان الجنس.

وقوله: وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ معطوف على ما قبله من عطف الخاص على العام.

أى: أعدوا لقتال أعدائكم، ما أمكنكم من كل ما يتقوى به عليهم في الحرب، من نحو:

حصون وقلاع وسلاح. ومن رباط الخيل للغزو والجهاد في سبيل الله.

وخص رباط الخيل بالذكر من بين ما يتقوى به، لمزيد فضلها وغنائها في الحرب، ولأن الخيل كانت

الأداة الرئيسية في القتال في العهد النبوي، وقوله: تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ بيان للمقصود من

الأمر بإعداد ما يمكنهم إعداده من قوة.

وقوله: تُرْهِبُونَ من الرهبة وهي مخافة مع تحرز واضطراب.

والضمير المجرور- وهو قوله بِهِ- يعود إلى الإعداد المأخوذ من قوله وَأَعِدُّوا.

أى: أعدوا ما استطعتم من قوة، حالة كونكم مرهبين بهذا الإعداد عدو الله وعدوكم، من كل كافر ومشرك ومنحرف عن طريق الحق، وعلى رأس هؤلاء جميعا. كفار مكة الذين أخرجوكم من دياركم بغير حق، ويهود المدينة الذين لم يتركوا وسيلة للإضرار بكم إلا فعلوها.

وقوله وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ معطوف على ما قبله.

أى: ترهبون بهذا الإعداد أعداء معروفين لكم- كمشركي مكة ويهود المدينة، وترهبون به أيضا أعداء

آخرين غيرهم أنتم لا تعرفونهم لأنهم يخفون عداوتهم لكم، ولكن الله- تعالى- الذي لا يخفى عليه شيء

يعلمهم، وسيحبط أعمالهم.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والثلاثون  بعد

المائة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :

* وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍۢ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ :

وقد اختلف المفسرون في المراد بهؤلاء الأعداء الذين عبر الله عنهم بقوله لا تعلمونهم الله يعلمهم، فمنهم من قال: المراد بهم بنو قريظة ومنهم من قال: المراد بهم أهل فارس والروم.

ورجح ابن جرير أن المراد بهم: كفار الجن.. لأن المؤمنين كانوا عالمين بمداراة بنى قريظة وفارس والروم

لهم ... والمعنى ترهبون بذلك الإعداد عدو الله وعدوكم من بنى آدم الذين علمتم عداوتهم، وترهبون به جنسا آخر من غير بنى آدم لا تعلمون أماكنهم وأحوالهم، الله يعلمهم دونكم، لأن بنى آدم لا يرونهم».

ورجح الفخر الرازي أن المراد بهم المنافقون، قال: لأن المنافق من عادته أن يتربص ظهور الآفات، ويحتال في إلقاء الإفساد والتفريق بين المسلمين- بطرق قد لا تعرف، فإذا شاهد كون المسلمين في غاية القوة خافهم وترك الأفعال المذمومة».

ولعل ما رجحه الفخر الرازي هو الأقرب إلى الصواب، لأن عداوة المنافقين للمؤمنين كثيرا ما تكون خافية، ويشهد لهذا قوله- تعالى- في آية أخرى: وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ .

ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بالدعوة إلى الإنفاق في سبيله، وبشر المنفقين بحسن الجزاء فقال: وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ.

أى: وَما تُنْفِقُوا- أيها المؤمنون- مِنْ شَيْءٍ قل أو كثر هذا المنفق فِي سَبِيلِ اللَّهِ أى في وجوه الخيرات التي من أجلّها الجهاد لإعلاء كلمة الدين يُوَفَّ إِلَيْكُمْ أى:يصل إليكم عوضه في الدنيا وأجره في الآخرة وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ أى: لا تنقصون شيئا من العوض أو الأجر.

قالوا: والتعبير بالظلم- مع أن الأعمال غير موجبة للثواب حتى يكون ترك ترتيبه عليها ظلما- لبيان كمال نزاهته- سبحانه- عن ذلك بتصويره بصورة ما يستحيل صدوره عنه- تعالى- من القبائح، وإبراز الإثابة في معرض الأمور الواجبة عليه- تعالى-» .

هذا، ومن الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآية ما يأتى:

1- وجوب إعداد القوة الحربية للدفاع عن الدين وعن الوطن وعن كل ما يجب الدفاع عنه، لأن أعداء الإسلام إذا ما علموا أن أتباعه أقوياء هابوهم، وخافوا بأسهم، ولم يجرؤوا على مهاجمتهم.

وقال القرطبي: وقوله- تعالى- وَأَعِدُّوا لَهُمْ. أمر الله المؤمنين بإعداد القوة للأعداء، بعد أن أكد تقدمة

التقوى. فإن الله- تعالى- لو شاء لهزمهم بالكلام والتفل في وجوههم، وبحفنة من تراب، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن أراد أن يبتلى بعض الناس ببعض بعلمه السابق وقضائه النافذ ... ».

وقال بعض العلماء: دلت هذه الآية على وجوب إعداد القوة الحربية، اتقاء بأس العدو وهجومه، ولما عمل الأمراء بمقتضى هذه الآية أيام حضارة الإسلام، كان الإسلام عزيزا، عظيما، أبى الضيم، قوى القنا، جليل الجاه، وفير السنا، إذ نشر لواء سلطته على منبسط الأرض، فقبض على ناصية الأقطار والأمصار.

أما اليوم فقد ترك المسلمون العمل بهذه الآية الكريمة، ومالوا إلى النعيم والترف، فأهملوا فرضا من فروض الكفاية، فأصبحت جميع الأمة آثمة بترك هذا الفرض، ولذا تعانى اليوم من غصته ما تعانى.

وكيف لا يطمع العدو في بلاد الإسلام، وهو لا يرى فيها معامل للأسلحة، وذخائر الحرب، بل كلها مما يشترى من بلاد العدو؟

أما آن لها أن تتنبه من غفلتها، فتعد العدة التي أمر الله بها لأعدائها، وتتلافى ما فرطت قبل أن يداهم

العدو ما بقي منها بخيله ورجله..؟

إن القوة التي طلب الله من المؤمنين إعدادها لإرهاب الأعداء، تتناول كل ما من شأنه أن يجعل المؤمنين أقوياء. كإعداد الجيوش المدربة، والأسلحة المتنوعة التي تختلف بحسب الأزمنة والأمكنة.

وما روى من تفسير القوة- التي وردت في الآية- بالرمي، فإنما هو على سبيل المثال، ولأن الرمي كان في ذلك الوقت أقوى ما يتقوى به.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والثلاثون  بعد

المائة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :

* وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍۢ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ :

قال الفخر الرازي عند تفسيره للآية، والمراد بالقوة هنا ما يكون سببا لحصول القوة، وذكروا فيه وجوها : الأول: المراد من القوة أنواع الأسلحة.

الثاني: روى أنه صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية على المنبر وقال: «ألا إن القوة الرمي» قالها ثلاثا.

الثالث: قال بعضهم: القوة هي الحصون.

الرابع: قال أصحاب المعاني: الأولى أن يقال: هذا عام في كل ما يتقوى به على حرب العدو، وكل ما هو آلة للغزو والجهاد فهو من جملة القوة، وقوله صلى الله عليه وسلم: «القوة هي الرمي» لا ينفى كون غير الرمي معتبرا. كما أن قوله صلى الله عليه وسلم «الحج عرفة» «والندم توبة» لا ينفى اعتبار غيره. بل يدل على أن هذا المذكور جزء شريف من المقصود فكذا هنا.

وهذه الآية تدل على أن الاستعداد للجهاد بالنبل، والسلاح، وتعليم الفروسية، والرمي فريضة إلا أنه من فروض الكفايات .

إن رباط الخيل للجهاد في سبيل الله فضله عظيم، وثوابه كبير، فقد كانت الخيل هي خير ما عرف العرب من وسائل الانتقال في الحرب وأسرعها، وما زالت الخيل لها قيمتها في بعض أنواع الحروب.

قال القرطبي : قيل له: إن الخيل لما كانت أصل الحرب وأوزارها التي عقد الخير في نواصيها، وهي أقوى القوة، وأشد العدة، وحصون الفرسان، وبها يجال في الميدان، لما كانت كذلك خصها بالذكر تشريفا، وأقسم بغبارها تكريما، فقال: «والعاديات ضبحا».

وقال الإمام ابن العربي: وأما رباط الخيل فهو فضل عظيم ومنزلة شريفة.

روى الأئمة عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الخيل ثلاثة، لرجل ستر، ولرجل أجر، وعلى رجل وزر. فأما الذي هي عليه وزر فرجل ربطها رياء وفخرا ونواء لأهل الإسلام- أى: مناوأة ومعاداة- فهي عليه وزر.

وأما الذي هي عليه ستر فرجل ربطها تغنيا وتعففا، ولم ينس حق الله في ظهورها فهي عليه ستر.

وأما الذي هي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله، فأطال لها في مرج أو روضة، فما أكلت من ذلك المرج أو الروضة من شيء إلا كتب الله له عدد ما أكلت حسنات..» .

وروى البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوى ناصية فرس بإصبعيه وهو يقول: «الخير معقود في نواصي الخيل إلى يوم القيامة».

4- أن المقصود من إعداد العدة في الإسلام إنما هو إرهاب الأعداء حتى لا يفكروا في الاعتداء على المسلمين، وحتى يعيش أتباع هذا الدين آمنين مطمئنين في ديارهم، وحتى يستطيعوا أن يبلغوا رسالة الله إلى خلقه من الناس دون أن يخشوا أحدا سواه- عز وجل..

وليس المقصود بإعداد العدة إرهاب المسالمين، أو العدوان على الآمنين، أو القهر والإذلال للناس واستغلالهم فيما يغضب الله- تعالى-..

ولذلك وجدنا الآية صريحة في بيان المقصود من هذا الإعداد، وهو- كما عبرت عنه تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ

اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ....

وهناك آيات أخرى صريحة في بيان سبب مشروعية القتال في الإسلام ومن ذلك قوله- تعالى-: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ .

وقوله- تعالى-: وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ، فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ والخلاصة: أن من تتبع آيات القرآن الواردة في القتال يجدها جميعها تقرر أن سبب القتال في الإسلام ينحصر في رد العدوان، وحماية الدعوة الإسلامية من التطاول عليها وتثبيت حرية العقيدة، وتطهير الأرض من الظلم والطغيان.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والثلاثون  بعد

المائة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :

* وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍۢ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ :

5- وجوب الإنفاق في سبيل الله، ومن أشرف وجوه الإنفاق في سبيل الله أن يبذل المسلم ما يستطيع بذله في الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام، والذي ما تركه قوم إلا ذلوا ... وألقوا بأنفسهم في التهلكة.

ولقد بشرت الآية الكريمة المنفقين في سبيل الله، بأنه- سبحانه- سيجازيهم على إنفاقهم جزاء وافيا لا نقص معه ولا ظلم.

قال- تعالى- وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ وفي الحديث الشريف

الذي رواه الترمذي عن أبى يحيى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أنفق نفقة في سبيل الله كتب له سبعمائة ضعف».

ثم أمر- تعالى- رسوله صلى الله عليه وسلم بقبول السلم والمصالحة، إذا ما رغب أعداؤه في ذلك، وكانت ظواهرهم وأفعالهم تدل على صدق نواياهم فقال- تعالى-:

وقال ابن كثير : فقال : ( وأعدوا لهم ما استطعتم ) أي : مهما أمكنكم ، ( من قوة ومن رباط الخيل )

قال الإمام أحمد : حدثنا هارون بن معروف ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث ، عن أبي علي ثمامة بن شفي ، أنه سمع عقبة بن عامر يقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول وهو على المنبر : ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ) ألا إن القوة الرمي ، ألا إن القوة الرمي

رواه مسلم ، عن هارون بن معروف ، وأبو داود عن سعيد بن منصور ، وابن ماجه عن يونس بن عبد الأعلى ، ثلاثتهم عن عبد الله بن وهب ، به .

ولهذا الحديث طرق أخر ، عن عقبة بن عامر ، منها ما رواه الترمذي ، من حديث صالح بن كيسان ، عن رجل ، عنه .

وروى الإمام أحمد وأهل السنن ، عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ارموا واركبوا ، وأن ترموا خير من أن تركبوا

وقال الإمام مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن أبي صالح السمان ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : الخيل لثلاثة : لرجل أجر ، ولرجل ستر ، وعلى رجل وزر ؛ فأما الذي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله ، فأطال لها في مرج - أو : روضة - فما أصابت في طيلها ذلك من المرج - أو : الروضة - كانت له حسنات ، ولو أنها قطعت طيلها فاستنت شرفا أو شرفين كانت آثارها وأرواثها حسنات له ، ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ، ولم يرد أن يسقي به ، كان ذلك حسنات له ؛ فهي لذلك الرجل أجر . ورجل ربطها تغنيا وتعففا ، ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها ، فهي له ستر ، ورجل ربطها فخرا ورياء ونواء فهي على ذلك وزر . وسئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الحمر فقال : ما أنزل الله علي فيها شيئا إلا هذه الآية الجامعة الفاذة : ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) [ الزلزلة : 7 ، 8 ] .

رواه البخاري - وهذا لفظه - ومسلم ، كلاهما من حديث مالك .

وقال الإمام أحمد : حدثنا حجاج ، أخبرنا شريك ، عن الركين بن الربيع عن القاسم بن حسان ؛ عن عبد الله بن مسعود ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : الخيل ثلاثة : ففرس للرحمن ، وفرس للشيطان ، وفرس للإنسان ، فأما فرس الرحمن فالذي يربط في سبيل الله ، فعلفه وروثه وبوله ، وذكر ما شاء الله . وأما فرس الشيطان فالذي يقامر أو يراهن عليه ، وأما فرس الإنسان فالفرس يرتبطها الإنسان يلتمس بطنها ، فهي ستر من فقر .

وقد ذهب أكثر العلماء إلى أن الرمي أفضل من ركوب الخيل ، وذهب الإمام مالك إلى أن الركوب

أفضل من الرمي ، وقول الجمهور أقوى للحديث ، والله أعلم .

وقال الإمام أحمد : حدثنا حجاج وهشام قالا حدثنا ليث ، حدثني يزيد بن أبي حبيب ، عن ابن شماسة : أن معاوية بن حديج مر على أبي ذر ، وهو قائم عند فرس له ، فسأله ما تعالج من فرسك هذا ؟ فقال : إني أظن أن هذا الفرس قد استجيب له دعوته ! قال : وما دعاء بهيمة من البهائم ؟ قال : والذي نفسي بيده ما من فرس إلا وهو يدعو كل سحر فيقول : اللهم أنت خولتني عبدا من عبادك ، وجعلت رزقي بيده ، فاجعلني أحب إليه من أهله وماله وولده

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الأربعون  بعد

المائة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :

* وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍۢ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ :

قال : وحدثنا يحيى بن سعيد ، عن عبد الحميد بن جعفر ؛ حدثني يزيد بن أبي حبيب ، عن سويد بن قيس ؛ عن معاوية بن حديج ؛ عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنه ليس من فرس عربي إلا يؤذن له مع كل فجر ، يدعو بدعوتين ، يقول : اللهم إنك خولتني من خولتني من بني آدم ، فاجعلني من أحب أهله وماله إليه - أو - أحب أهله وماله إليه .

رواه النسائي ، عن عمرو بن علي الفلاس ، عن يحيى القطان ، به .

وقال أبو القاسم الطبراني : حدثنا الحسين بن إسحاق التستري ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا يحيى بن حمزة ، حدثنا المطعم بن المقدام الصنعاني ، عن الحسن بن أبي الحسن أنه قال لابن الحنظلية - يعني : سهلا - : حدثنا حديثا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة ، وأهلها معانون عليها ، ومن ربط فرسا في

سبيل الله كانت النفقة عليه ، كالماد يده بالصدقة لا يقبضها .

والأحاديث الواردة في فضل ارتباط الخيل كثيرة ، وفي صحيح البخاري ، عن عروة بن أبي الجعد البارقي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة : الأجر والمغنم .

وقوله : ترهبون أي : تخوفون ( به عدو الله وعدوكم ) أي من الكفار ( وآخرين من دونهم ) قال مجاهد : يعني قريظة ، وقال السدي : فارس ، وقال سفيان الثوري : قال ابن يمان : هم الشياطين التي في الدور . وقد ورد حديث بمثل ذلك ، قال ابن أبي حاتم :

حدثنا أبو عتبة أحمد بن الفرج الحمصي ، حدثنا أبو حيوة - يعني شريح بن يزيد المقرئ - حدثنا سعيد بن سنان ، عن ابن عريب - يعني يزيد بن عبد الله بن عريب - عن أبيه ، عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في قوله : ( وآخرين من دونهم لا تعلمونهم ) قال : هم الجن .

وقال مقاتل بن حيان ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم : هم المنافقون .

وهذا أشبه الأقوال ، ويشهد له قوله : ( وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم ) [ التوبة : 101 ] .

وقوله : ( وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون ) أي : مهما أنفقتم في الجهاد ، فإنه يوفى إليكم على التمام والكمال ، ولهذا جاء في حديث رواه أبو داود : أن الدرهم يضاعف ثوابه في سبيل الله إلى سبعمائة ضعف كما تقدم في قوله تعالى : ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم ) [ البقرة : 261 ] .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن القاسم بن عطية ، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن الدشتكي ، حدثنا أبي ، عن أبيه ، حدثنا الأشعث بن إسحاق ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يأمر ألا يتصدق إلا على أهل الإسلام ، حتى نزلت : ( وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم ) فأمر بالصدقة بعدها على كل من سألك من كل دين . وهذا أيضا غريب .[الأنترنت –موقع الآية : { وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍۢ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَىْءٍۢ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ}]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والأربعون  بعد

المائة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :* الداعية بين قوة العلم وقوة العمل :

حرص الإسلام حرصا كبيرا أن يتسلح كل مسلم بسلاح العلم في المقام الأول، ثم بالعمل بعده من

غير تفريق بينهما. فالأول سائق للثاني، وكل واحد منهما بغير الآخر لا يكون، أو كما قيل : “العمل

والد، والعمل مولود، والعلم مع العمل، والرواية مع الدراية”.

ولا يكون المرء من العاقلين أولي الألباب، ومن الناجين يوم الحساب، إلا إذا علم وعمل بما علم. وفي تعريف العلم والعمل قال ابن القيم : “العلم نقل صورة المعلوم من الخارج، وإثباتها في النفس، والعمل نقل صورة علمية من النفس وإثباتها في الخارج”[ الفوائد، ص : 116.]

ولتأكيد ارتباط العلم بالعمل عقد البخاري رحمه الله بابا في صحيحه سماه : “باب العلم قبل القول والعمل قال تعالى : {فاعلم أنه لا إلاه إلا الله}، قال ابن المنير : أراد به أن العلم شرط في صحة القول والعمل، فلا يعتبران إلا به، فهو متقدم عليهما لأنه مصحح للنية المصححة للعمل[ انظر : فتح الباري  212/1.]

وكان الإمام البخاري مولعا بطلب العلم، شغوفا به في يقظته وكذا في نومه، قال الحافظ ابن كثير : “ولقد كان البخاري يستيقظ في الليلة الواحدة  من نومه، فيوقد السراج ويكتب الفائدة تمر بخاطره ثم يطفئ سراجه، ثم يقوم مرة أخرى حتى يتعدد منه ذلك قريبا من عشرين مرة”[ البداية والنهاية 15/11.]

وهكذا كان السلف الصالح من أمتنا حريصين كل الحرص على أن لا يمر يوم من أيامهم دون أن يتعلموا أو يكتبوا فيه شيئا، وإلا عدوا ذلك

اليوم ضائعا. وفي ذلك روي الأثر : “إذا أتى علي يوم لم أزدد فيه علما يقربني من الله عز وجل، فلا بورك لي في طلوع شمس ذلك اليوم”…

وعن الفقه أو العلم الذي يطلب من المسلم نيل القوة فيه، فلابد من الإشارة إلى أنه العلم الذي يورث خشية الله، ويزهد في الدنيا، ويقرب من الآخرة. يقول ابن قدامة المقدسي  : “واعلم أنه قد بدلت ألفاظ وحرفت، ونقلت إلى معان لم يردها السلف الصالح، فمن ذلك الفقه، فإنهم تصرفوا فيه بالتخصيص بمعرفة الفروع وعللها، ولقد كان اسم الفقه في العصر الأول منطلقا على طريق الآخرة، ومعرفة حقائق آفات النفوس، ومفسدات الأعمال، وقوة الإحاطة بحقارة الدنيا، وشدة التطلع إلى نعيم الآخرة، واستيلاء الخوف على القلب” [ مختصر منهاج القاصدين، ص : 18.]

وإذا كان المسلم مطالبا بتحصيل العلم، ونيل نصيب وافر منه طاعة لله ولرسوله، واستزادة من العمل الذي يترتب عليه، فإن حاجة الداعية لهذا العلم أكبر من حاجة غيره له لما يتطلبه مقامه، ومهمة البلاغ التي نذر لها نفسه ووهب لها جهده. فلا دعوة بغير معرفة، ولا تعليم من غير علم. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : >تعلموا قبل أن تسودوا<، وفي الحديث : >نضر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها ثم بلغها..<(الهيثمي في مجمع الزوائد).

والناس في العلم والعمل فريقان : فريق له القوة العلمية، وفي علمه سعة وبسطة إلا أن بضاعته في العلم قليلة، ومعرفته بالشرع ضئيلة، وهو الأمر الذي أكده الشيخ محمد الغزالي رحمه الله عندما قال : “وقد أسفت -كما أسف غيري- لصنفين من الناس : صنف تلمس في قلبه عاطفة حارة، ورغبة في الله عميقة، وحبا لرسوله باديا، ومع ذلك تجده ضعيف البصر بأحكام الكتاب والسنة.. وصنف تلمس في عقله ذكاء، وفي علمه سعة، وفي قوله بلاغة، يعرف الصواب في أغلب الأحكام الشرعية،

 لكنه بارد الأنفاس، بادي الجفوة، غليظ القلب[الجانب العاطفي من الإسلام، ص : 11.]

وفي إطار الدعوة، يجب التنبيه إلى أن حماسة الداعية المجردة من العلم تكون لها العواقب الوخيمة على الدعوة والدعاة، لذلك كان العلم من أهم ما ينبغي

على الداعية صاحب الحركة الدائبة أن يتسلح به، وإلا كانت حركته قليلة النفع إذا لم تكن عديمة النفع” [انظر المصفى من صفات الدعاة -عبد الحميد البلالي 28/2. ]

ومما ينبغي على الداعية أن يحذره : مخالفة علمه لعمله، أو العلم من غير عمل لأن “العلم يراد للعمل كما العمل يراد للنجاة، فإذا كان العمل قاصرا على العلم، كان العلم كلا على العالم، ونعوذ بالله من علم عاد كلا، وأورث ذلا، وصار في رقبة صاحبه غلا”[ اقتضاء العلم العمل، البغدادي، ص : 19.]

 وفي الحديث قال الرسول صلى الله عليه وسلم : >ويل لمن لا يعلم، وويل لمن علم ثم لا يعمل (ثلاثا)<(أبو نعيم في الحلية).

الخلاصة أن المسلم عامة، والداعية خاصة ينبغي عليهما أن يجمعا بين العلم النافع، والعمل الصالح، وأن ينالا القوة فيهما معا؛ فآفة العلم أن لا يثمر عملا، كما أن آفة العمل أن يتجرد عن العلم.  [ الأنترنت – موقع مجلة المحجة - الداعية بين قوة العلم وقوة العمل - من كتاب ومضات على طريق الدعاة - د. المصطفى الناصري ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والأربعون  بعد

المائة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :*إعداد المستطاع من القوة :

قال تعالى: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 60].

هذا أمرٌ مِن الله تعالى، ووصية عامة باقية للمؤمنين بإعداد العدة اللازمة والممكنة حسب الاستطاعة؛ وذلك لتحقيق قوَّة الردع الكافية لتخويفِ العدو ومنعه من الاعتداء على المسلمين؛ فلقد كان المسلمون في مكةَ على حق، وعدوُّهم على باطل، لكنَّ الكلمة والسطوة كانت للمشركين؛ لأنهم كانوا أقوياء والمسلمون ضعفاء ليست لديهم قوة، ومن هنا فإن الحقَّ لا يعلو إلا بالقوة، وإحقاق الحق وإبطال الباطل لا يكون إلا بالقوة وأسبابها، وهي سُنة الله تعالى وحكمته، فلو شاء أن يُهلِك الباطلَ وأهله ويدفعه فإذا هو زاهق في لحظة بسبب وبغير سبب، لفَعَلَ، ولكنها سُنة الابتلاء، وحكمة الاختبار؛ قال تعالى: ﴿ فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾ [محمد: 4].

ولهذا اقتَضَتْ حكمة أحكم الحاكمين أن يفرض القتال لإحقاق الحق وإبطال الباطل، وتمييز الخبيث من

الطيب، وليذهب مَن قُتل مِن المشركين إلى الجحيم، وليذهب مَن قُتل مِن المسلمين إلى النعيم.

فالأمر في الآية الكريمة ﴿ وَأَعِدُّوا ﴾ على الوجوب، لكنْ على قدر الاستطاعة، يقول الإمام الرازي: (وهذه الآية تدلُّ على أن الاستعداد للجهاد بالنبل والسلاح وتعليم الفروسية والرمي - فريضةٌ، ثم ذكر تعالى ما لأجلِه أمَر بإعداد هذه الأشياء، فقال: ﴿ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾ [الأنفال: 60]؛ وذلك أن الكفار إذا علِموا كون المسلمين متأهِّبين للجهاد ومستعدِّين له، ممتلكين لجميع الأسلحة والآلات، خافوهم، وذلك الخوف يفيد أمورًا كثيرة:

1- أنهم لا يقصدون دخول دار الإسلام.

2- أنه إذا اشتد خوفُهم فربما التزموا مِن عند أنفسهم جزية.

3- ربما صار ذلك داعيًا لهم للإيمان.

4- لا يعينون سائر الكفار.

5- أن يصير ذلك سببًا لمزيد الزينة في دار الإسلام.

ثم قال تعالى: ﴿ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ﴾ [الأنفال: 60]، والمراد أن تكثيرَ آلات الجهاد وأدواتها كما يُرهب الأعداءَ الذين نعلم كونهم أعداءً، كذلك يُرهب الأعداءَ الذين لا نعلم أنهم أعداء)[ مفاتيح الغيب؛ الرازي، المجلد الخامس، دار الفكر، ج15، ص 192]

ومن ناحية أخرى، فإن المسلمين إذا كانوا أقوياء، وتحققت لهم الغلبة، فإن عامة الناس يكونون لهم تابعين، ويدخلون في الإسلام راغبين غير خائفين؛ ذلك لأن البشر مجبولون على الاقتداء بالغالب، والإعجابِ بالقوي، يقول ابن خلدون:

(إن النفس الإنسانية أبدًا تعتقدُ الكمال فيمَن غلبها وانقادت إليه؛ ولذلك ترى المغلوب يتشبَّه أبدًا بالغالب في ملبسه ومركبه وسلاحه، في اتخاذها وأشكالها، بل وفي سائر أحواله، وانظر ذلك في الأبناء مع آبائهم كيف تجدهم متشبهين بهم دائمًا، وما ذلك إلا لاعتقادهم الكمال فيهم، وانظر إلى كل قطرٍ مِن الأقطار كيف يغلب على أهله زيُّ الحامية وجند السلطان في الأكثر؛ لأنهم الغالبون لهم، حتى إنه إذا كانت أمة تجاورُ أخرى ولها الغلبة عليها، فيَسْرِي إليهم من هذا التشبه والاقتداء حظٌّ كبير، ثم تأمَّل في هذا سر قولهم: العامة على دِين الملِك، فإنه من بابه؛ إذِ الملك غالب لمن تحت يده، والرعية مقتدون به؛ لاعتقاد الكمال فيه اعتقاد الأبناء بآبائهم، والمتعلمين بمعلميهم، والله العليم الحكيم)[ مقدمة ابن خلدون، ص 160]

ومِن هنا نُدرِك السرَّ في تشبُّه كثير ممَّن ينتسبون إلى الإسلام بالمشركين في الغرب أو في الشرق؛ لأنهم أقوياء ومتقدمون علميًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا؛ ذلك لأن المسلمين غارقون في التخلف؛ لأنهم ترَكوا أمر الله تعالى بالإعداد، والأخذ بأسباب القوة، فصاروا في مؤخرة الرَّكْب، ولو أنهم استجابوا لنداء الحياة، وإحياء روح الجهاد، وإعداد جميع أنواع القوة التي يقدرون عليها - لتغيَّر الحال، وإن المسلمين يملكون من أسباب القوة ما لا يملكه غيرُهم، ولكنهم تعوَّدوا على الكسل، والاعتماد على أعدائهم والتَّبَعية لهم، وقد أعلنوا عجزهم أمام الآخر واستسلموا له واستعطفوه ليمُنَّ عليهم بالغذاء وبالمعونات، وغير ذلك.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والأربعون  بعد

المائة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : القوة نوعانِ :

إن القوة نوعانِ: نوع لا فضل للمسلمين لهم فيه، فهو هبة وعطاء من الله تعالى، وهم يملكونه بلا حولٍ منهم ولا قوة، ذلك هو القوة البشرية، فالمسلمون اليوم أكثر من خُمُس سكَّان العالم، ثم أعطاهم - خصوصًا العالَم العربي - الموقعَ المتميز من العالَم، والثروات الطبيعية؛ من نفط وغاز طبيعي، وذهب،

وجميع الثروات المَعدِنية، والمناخ المعتدل.

أما النوع الثاني من القوة، الذي كلَّفهم الله تعالى به، وأمرهم أن يأخذوا بأسبابه؛ فهو القوة العلمية، ومعرفة فنون الصناعات والحروب، وقد تركوا هذا النوع وتثقَّفوا بثقافة الاستجداء والاستعطاف، وطلب الأمان والعيش بأية وسيلة وبأي ثمن! فهم أحرص الناس على حياةٍ (كاليهود)!

إن الله تعالى فرض على المسلمين الجهادَ؛ للدفاع عن الدعوة، ولإفساح المجال لإقرار حرية العقيدة، وإعدادُ العُدَّة فرضٌ أيضًا تابعٌ للفرض الأول؛ لأنه ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، غيرَ أن إعداد العدة قد يكون أكثر فائدةً، ويعود بالخير؛ لأن مِن شأنه منع القتال وإحلال السلام، وهو ما يسمى بالسلم المسلح، يقول الدكتور مصطفى زيد:

(ومِن أهم مبادئ الحرب والسلم في السورة أن على المسلمين أن يعدوا للقتال كلَّ ما يستطيعون من قوَّة ومن رباط الخيل، فعلى كلٍّ منهم أن يستعدَّ للقتال بتعوُّد النظام، والتدرُّب على حمل السلاح واستعماله، وعلى الدولة أن تمدَّهم بالسلاح، وأن تُهيِّئ لهم وسائل الاستعداد الدائم للقتال، وأن تحصن الثغور، وعلى الأمة ألا تضيق بمالٍ في سبيل الاستعداد للقتال وتحصين الثغور، أو في سبيل (السلم المسلح) بعبارة أخرى، وأن الغاية مِن الاستعداد للقتال وتحصين الثغور هي إقرارُ السلام؛ بتخويف الأعداء من عاقبة التعدي على المسلمين)[ سورة الأنفال، عرض وتفسير، ص213]

هذا، وفي الآية الكريمة أكثر من عموم:

الأول: الأمر بالإعداد، فهو موجَّه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، ويدخل فيه أيضًا المؤمنون في كل مكان وزمان؛ لأن الكل مكلَّف بإحقاق الحق وإبطال الباطل، والدفاع عن الدين والوطن.

الثاني: ضمير الغائب ﴿ لَهُمْ ﴾ [الأنفال: 60] يشمل مشركي مكة الذين قاتلوا المسلمين، كما يشمل المنافقين الذين خرَجوا مع المشركين، ويشمل أيضًا اليهود الذين نقضوا العهود وقاتَلوا مع المشركين، أو ساعَدوهم بأي شكل من الأشكال، ويشمل كذلك أمثال هؤلاء إلى آخر الزمان.

الثالث: إعداد المستطاع في قوله: ﴿ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ [الأنفال: 60]، فهو يشمل الممكن والمستطاع، حسب ظروف الزمان والمكان، ولا شك أنه يتضمَّن أنواع القوة المعروفة والمملوكة للأعداء، فلا يعقل أن يواجِهَ المسلمون صواريخ الأعداء وقاذفات القنابل وأسلحتهم الذكية أو الثقيلة - بأسلحة قديمة، أو بالمنجنيق، أو بقاذفات اللهب البدائية؛ ذلك لأن المسلمين الأوائل الذين واجهوا الفرس والرومان، لا شك أنهم أعدوا أسلحة وعتادًا قد تناسب أو تقارب أسلحة أعدائهم وعتادهم، فعلى المسلمين أن يتركوا التَّبَعية للمشركين، وأن يعتمدوا على أنفسهم ومصادرهم وثرواتهم، فليس الصيني أو الياباني البوذي بأذكى من المسلم لأن هؤلاء يأكلون السمك والمسلمون لا يأكلونه، لكن المشكلة في إتاحة الفرصة للمسلم، وإزالة العقبات من أمامه، ومنع التعقيدات، وإطلاق حرية الابتكار، وتشجيع الباحثين والمخلصين، واليقين بأن هذا العمل هو مِن أجلِّ العبادات، وأفضل الطاعات؛ فإن أفضل الأعمال وأعظمها رفعُ شأن الإسلام وإعزاز المسلمين.

أما العموم الرابع، ففي قوله تعالى: ﴿ مِنْ قُوَّةٍ ﴾ [الأنفال: 60]، فإن تنكير لفظ ﴿ قُوَّةٍ ﴾ [الأنفال: 60] يُفيد العموم والشمول، فيكون المعنى - والله تعالى أعلم -: خُذوا من كل نوع من أنواع القوة ما استطعتم، ولا تتركوا جانبًا من جوانب القوة إلا وقد أخذتم منه المستطاع، ويقول الألوسي: (وإنما ذكر هذا؛ لأنه لم يكن له في بدرٍ استعداد تام، فنُبِّهوا على أن النصر من غير استعداد لا يتأتى في كل زمان)[ روح المعاني، ج6، ص 33]

، فلا بد إذًا من تكافؤ أو تقارب في ميزان القوى، وهذا ما يجب على المسلمين تحقيقُه والسعي إليه، مع توافر العقيدة القتالية؛ لأن المسلم يُقاتِل في سبيل الله لا في سبيل الطاغوت، فلديه القوة الذاتية الكامنة، وهذه القوة - كما يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي -: (هذه القوة قد تكون ذاتية في النفس؛ بحيث لا تخاف شيئًا، فجسم كل مقاتل قوي، ممتلئ بالصحة، وله عقل يعمل باقتدار وإقبال على القتال في شجاعة، بالإضافة إلى قوة السلاح، بأن يكون سلاحًا حديثًا متطورًا بعيد المدى، وأن يحرِص المؤمنون على امتلاك كل شيء موصول بالقوة، وكان الهدف قديمًا وحديثًا أن يمتلك المقاتلُ قوَّةً تُمكِّنه من عدوه، ولا تمكن عدوَّه منه، وفي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مدى رمي السهام هو رمز القوة، فأول ما تبدأ الحرب يضربون العدو بالنبال، فإذا زحف العدو وتقدَّم يستخدمون له الرماح، فإذا تم الالتحام كان ذلك بالسيوف، وكانت أحسن قوة في الحرب هي السهام التي ترمي بها خصمك فتناله وهو بعيد عنك، ولا يستطيع أن ينالك أو يقترب منك؛ ولذلك عندما فسَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم القوة فيما يرويه الإمام مسلم، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾ [الأنفال: 60]، ثم قال: ((ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي))[ صحيح مسلم، المجلد الرابع، باب فضل الرمي والحث عليه، ص 581 ] ؛ لأنك بالرمي تتمكَّن من عدوك ولا يتمكن هو منك، فإذا تفوَّقت في الرمي كنت أنت المنتصر عليه.

وقوله تعالى: ﴿ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ﴾ [الأنفال: 60]، ورباط الخيل هو القوة التي تحتلُّ الأرض، فمهما بلغت قدرتُك في الرمي فأنت لا تستطيع أن تستولي على أرض عدوك، ولكن راكبي الخيل كانوا يدخلون المعركة في الماضي بعد الرمي، ليحتلوا الأرض، وهذه عمليةٌ تقوم بها المدرعات الآن، فالمعركة تبدأ أولًا رميًا بالصواريخ والطائرات حتى إذا حطَّمت قوة عدوك، انطلقَت المدرعات لتحتل الأرض، فالقرآن أعطانَا ترتيبًا للحرب)[ تفسير الشعراوي، ص 4776]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والأربعون  بعد

المائة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : القوة نوعانِ :

غير أن هناك نوعًا آخر من الإعداد، لا بد من تحقُّقه قبل لقاء العدو؛ كي ينال المسلمون ثمرة الإعداد

وبركاته، وهي إما إلقاء الرعب في قلوب الأعداء، وإما تحقُّق النصر عند اللقاء، ألا وهو التوبة من الذنوب، والإقلاع عن المعاصي، ورد المظالم، والتقرب إلى الله تعالى بأعمال صالحة، وإحياء السنن الميِّتة، وإماتة البدع والمنكرات؛ فقد أوصى عمر بن الخطاب سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما في مَسير سعد إلى غزو الفرس، فقال:

(أما بعد؛ فإني آمُرُك ومَن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال؛ فإن تقوى الله أفضلُ العدَّة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب، وآمرُك ومَن معك أن تكونوا أشدَّ احتراسًا من المعاصي منكم من عدوكم؛ فإن ذنوبَ الجيش أخوَفُ عليهم من عدوهم، وإنما يُنصَر المسلمون بمعصية عدوهم لله، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة؛ لأن عددنا ليس كعددِهم، ولا عُدَّتنا كعُدَّتهم، فإن استوَيْنا في المعصية، كان لهم الفضل علينا في القوة، وإلا نُنصَرْ عليهم بفضلنا لم نَغلبهم بقوتنا، ولا تعملوا بمعاصي الله وأنتم في سبيل الله، ولا تقولوا: إن عدوَّنا شر منَّا فلن يسلَّط علينا، فرُبَّ قومٍ سُلِّط عليهم شر منهم، كما سُلِّط على بني إسرائيل - لما عمِلوا بمساخط الله - كفارُ المجوس، فجاسوا خلال الديار، وكان وعدًا مفعولًا، اسألوا الله العون على أنفسكم، كما تسألونه النصر على عدوكم، أسألُ الله ذلك لنا ولكم)[ فقه السنة، ج11، ص 102 والوصايا الخالدة؛ د. عبدالبديع صقر، ص 43، مكتبة وهبة، وسورة الأنفال تفسير موضوعي؛ د. علي جريشة، ص 39] ما أعظمَها من وصية! فقد عمِل بها الصحابة رضي الله عنهم، ففتح الله عليهم البلاد وقلوب العباد، ونصرهم الله تعالى على أعدائهم، لا بعددهم وعتادهم، ولكن بتقواهم لله عز وجل واجتنابهم المعاصي، وجاء في المستطرف:

(وأفضل العُدَّة أن تقدِّم بين يدي اللقاء عملًا صالحًا؛ من صدقة، وصيام، وردِّ المظالم، وصلة الأرحام، ودعاء مخلص، وأمر بمعروف، ونهي عن منكر، وأمثال ذلك، والشأن كل الشأن في استجادة القواد، وانتخاب الأمراء، وأصحاب الأَلْوية، فقد قالت حكماء العجم: أسدٌ يقودُ ألف ثعلب خيرٌ مِن ثعلب يقود ألف أسد، فلا ينبغي أن يَقْدُمَ الجيشَ إلا الرجلُ ذو البسالة والنجدة، والشجاعة والجرأة، ثابت الجأش، صارم القلب، صادق البأس، ممَّن قد توسَّط الحروب، ومارَس الرجال ومارسوه، ونازل الأقران، وقارع الأبطال، وكان عظماء الترك يقولون: ينبغي للعاقل العظيم للقياد أن يكون فيه عدَّة أخلاق من البهائم؛ شجاعة الديك، وبحث الدجاجة، وقلب الأسد، وحملة الخنزير، وروغان الثعلب، وصبر الكلب على الجراح، وغارة الذئب)            [ المستطرف في كل فن مستظرف، ص 228.

ومِن هنا يتبين أن الصحابة رضي الله عنهم - ومَن بعدهم ممن فتحوا البلاد شرقًا وغربًا، وأسقطوا دولتَي الفرس والرومان - قد تحلَّوا بأكمل صفات الإيمان والشجاعة، حتى شهِد لهم الأعداء بالجدارة في كل شيء، فمما جاء في ذلك:

(أن هرقل - وهو على أنطاكية - لما قدِمَتِ الرومُ مُنهزمةً، قال: ويلكم، أخبِروني عن هؤلاء القوم الذين يقاتلونكم، أليسوا بشرًا مثلكم؟! قالوا: بلى، قال: فأنتم أكثر أم هم؟ فقالوا: بل نحن أكثر منهم أضعافًا في كل موطن، قال: فما بالكم تنهزمون؟ فقال شيخ مِن عظمائهم: من أجلِ أنهم يقومون الليل، ويصومون النهار، ويُوفون بالعهد، ويأمرون بالمعروف، ويَنْهَون عن المنكر، ويتناصفون بينهم (ينصف بعضهم بعضًا)، ومِن أجل أنَّا نشرب الخمر، ونزني، ونركب الحرام، وننقض العهد ونظلم، ونأمر بالسخط، ونفسد في الأرض، فقال: أنتَ صدقتَني)[ البداية والنهاية؛ لابن كثير، ط، هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، ط/ 1، 1418 هـ - 1997م، (9/ 569)] كانوا رهبانًا بالليل وفرسانًا بالنهار، يتناصفون ويعدلون، ويوفون ويَصْدُقون، من أجلِ ذلك قاتَلوا مُقبِلين غير مدبِرين، يحرصون على الموت بقدر ما يحرص عدوهم على الحياة، ينتظرون إحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة؛ من أجلِ ذلك هابهم أعداؤهم وأكبَروهم، جاء في المستطرف أنه:

(دارَتْ حربٌ بين المسلمين والكفار، ثم افترقوا، فوجدوا في المعترك قطعة خوذة قدر الثُّلُث بما حوته من الرأس، فقالوا: إنه لم يُرَ قط ضربة أقوى منها، ولم يُسمع بمثله في جاهلية ولا إسلام، فحملتها الروم وعلقتها في كنيسة لهم، فكانوا إذا عيِّروا بانهزامهم، يقولون: لقينا أقوامًا هذا ضربهم، فيرحل أبطال الروم

إليها ليروها)[ المستطرف في كل فن مستظرف، ص 227]

يا ترى هل يعود المسلمون إلى ما كان عليه أسلافهم؟ وهل يستجيبون لنداء الحياة والعزة والكرامة؟ وهل يعود المجد التليد؟! نعم، بالإعداد.

إن إعداد العدة هو الضمان الوحيد لمنع فتنةِ المسلمين في دينهم، ودفع أذى المشركين عنهم، كما أنه واجبٌ حتميٌّ لحماية الدولة مِن هجمات المعتدِين، وهو أيضًا ضرورةٌ لحماية الدعوة والدعاة والمدعوِّين، فحماية الدعوة يعني إزالةَ المُعوِّقات من طريقها؛ كي تنطلق وتصل إلى مسامع الناس واضحةً جليَّة، وحماية الدعاة يعني منع الأذى والاضطهاد عنهم، حتى يتمكَّنوا من عرض الإسلام كله، لا أن يتكلموا في المسموح به - والذي لا يحدث صدامًا أو اعتراضًا من أعداء الدعوة - ويتركوا ما يُغضِب هؤلاء أو ما من شأنه جلب المتاعب والمضايقات، وأسوة الدعاة في ذلك هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد بدأ بالصعب وبالأهم، لقد بدأ بما أغاظ الكفار وأثار عداوتهم، لما قال لهم: ((قولوا: لا إله إلا الله))، قالوا له: تبًّا لك سائر اليوم، واستمرَّ في دعوته ولم يَقبَل المساومات ولا الحلول الوسط؛ كما هو مبسوط في القرآن الكريم، وكما في قوله: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ﴾ [الكافرون: 1 - 6].

الأنترنت – موقع الألوكة - إعداد المستطاع من القوة -د. أمين الدميري

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والأربعون بعد المائة        في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *القوة التي لا تغلب :

تلك القوة التي وقف بها موسى أمام بطش فرعون ثابتًا. تلك القوة التي ثبَّتت يوسفَ في محنه.

تلك القوة التي زلزلتْ قلوب الكافرين رغم عُدَّتهم وأعدادهم الكبيرة، وكانت سببًا في نصر المؤمنين رغم قلَّتهم.

نعم، إنها القوة التي لا تُغلب! إنها قوة الإيمان بالله، التي تجعل قلبَ الإنسان راضيًا مطمئنًّا، وإن أحاطت به الهموم، وألمَّت به الكروب.

هذه كلمات أسوقها لأصحاب الابتلاءات الذين ضاقت صدورهم، وربما فقدوا الصبر لشدة ما وجدوا.

هذه كلمات أسوقها لمن يظنُّون أنها النهاية، ولمن سقطوا في بحار اليأس والاكتئاب.

لماذا يبتلي الله العباد؟ إن الابتلاء سنةٌ كونيةٌ، ولله عز وجل حِكَمٌ في ابتلاء عباده، منها:

١- إما أنه جل وعلا يقوِّيهم ويثبِّتهم بهذه الابتلاءات؛ ليتعلَّموا الصبر، وتَقْوى قلوبُهم على تحمُّل الشدائد، ويروا حقيقة الدنيا، وأنه لا راحة فيها ولا سعادة؛ وإنما هي دار فانية لا تدوم؛ وإنما الهناء ورغد العيش في الجنة، ومن هنا تنقطع آمالهم وتعلُّقهم بالدنيا ومشاغلها، وينصرفون إلى إعداد الزاد للدار الآخرة.

٢- أو أنه سبحانه وتعالى يبتليهم؛ ليميز الخبيث من الطيب، وليميز ضعيف الإيمان الذي يعبد ربَّه على حرف، قال الله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ﴾ [الحج: 11]، إن أتاه الخير يفرح، وإن أتاه ابتلاء أو فتنة انقلب ساخطًا، غيرَ راضٍ، يكون عابدًا ربَّه مطمئنًّا في حال الرخاء، وإن أصابته الضراء نكص على عقبيه متأفِّفًا، أما قويُّ الإيمان، فتراه في حال الابتلاء صابرًا محتسبًا راضيًا شاكرًا لله في السراء والضراء، ثابتًا قويًّا.

نعم، يصيبه الحزن، لكنه سرعان ما يدفع حزنه بحسن الظن واليقين في الله جل وعلا، يعلم أن ابتلاءه هو خير له، فكما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: ((عجبًا لأمر المؤمن، إن أمرَه كلَّه خيرٌ، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سراءُ شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراءُ صبر، فكان خيرًا له))؛ أخرجه مسلم.

٣- كذلك قد يكون الابتلاء تكفيرًا للسيئات، ورفعةً للدرجات؛ فالإنسان قد لايوصله عمله لمنزلة

معيَّنة قد كتبها الله له في الجنة؛ فيبتليه ليرفعه لها، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعمله، ابتلاه في جسده أو في ماله أو في ولده، ثم يصبِّره حتى يُبلغه المنزلة التي سبقت له منه)).

٤- قد يبتلي الله العبد؛ لأنه يحبه، فإذا كنتَ على خير، ونزل بك البلاء، فأبشِرْ؛ إن الله يحبك، وسيأتيك من العطاء على قدر البلاء، فاصبر ولا تجزع، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحَبَّ قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط)).

كيف يكون المرء ثابتًا في الابتلاء؟

يكون المرء ثابتًا بقوة إيمانه بالله جل وعلا، تلك القوة التي لا يُهزم صاحبها أبدًا، فكلما قوَّى العبد إيمانه، زاده ذلك صلابةً وقوةً يدفع بها الحزن واليأس، فبقوة إيمانه يزداد سكينة، وما يزيده البلاءُ إلا اطمئنانًا ورضًا بالله الحكيم، قال الله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا ﴾ [الفتح:

فالمُبْتلَوْنَ المؤمنون حقَّ الإيمان بالله جل وعلا صامدون ثابتون، لا يُخيفهم بطش الجبابرة؛ ها هو موسى عليه السلام، البحر أمامه، وفرعون وجنوده من خلفه، فإما الموت غرقًا، وإما التنكيل والتعذيب على يد فرعون وحاشيته، إنها لحظات عصيبة تُزلزل القلوب، لكن قلب موسى عليه السلام قلبٌ مُلئ بالإيمان، قلب مُلئ بالقوة التي لا تُغلب، وقف صامدًا، يقول: ﴿ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الشعراء: 62].

أيها المبتلَون، يا من تخلَّل الجزعُ إلى نفوسكم، قولوا كما قال موسى، قولوا لتلك المحن والفتن: ﴿ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الشعراء: 62].

أيها المبتلَون، أنتم تحتاجون إلى غرس التقوى والصبر في القلوب؛ قال الله تعالى في سورة يوسف: ﴿ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 90]، بالتقوى والصبر عبَر يوسف عليه السلام المحن والفتن والشدائد، تكالَبَت عليه الابتلاءاتُ واحدةً تلو الأخرى، ابتداء بمكر إخوته وعزمهم على قتله وإلقائه في البئر، ثم بيعه في السوق، وشراء المَلِكِ له، ودخوله القصر ومراودة امرأة العزيز له، ثم السجن ظلمًا لسنوات، وهو صابر محتسب، ثم بعد ذلك، ماذا حدث له؟ أصبح عزيزَ مصر!.. ومن هنا أقول: قد تأتي المنحة في ثوب المحنة! وربما كان الابتلاء سببًا في نصر كبير، وفوزٍ عظيم.

ومَن أحسَنَ ظنَّه بالله، أتاه كلُّ ما هو جميل، ومن طال بلاؤه فليُبشِرْ بالعطاء الجزيل، ليس دومًا يبتلي الله ليعذِّب، بل قد يبتلي ليهذِّب، وربما كان الفرج قريبًا، وبالدعاء يكشف الله كربات المكروبين، ويفرِّج همَّ المهمومين، ويجبر كسر المنكسرين، عطاؤه لحكمة، ومنعه لحكمة، وهو على كل شيء قدير[ الأنترنت – موقع الألوكة  - القوة التي لا تغلب- سارة سعد العبسي ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والأربعون بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *القوة البدنية للمسلم :

أن مِن سعادة الإنسان المسلم في هذه الحياة الدنيا: أن يَصرِف ما أعطاه الله تعالى من الصحة في البدن في طاعته، وما رزقه من الأمن في التزود من التقوى، ومن العمل بما يحب ويرضى، وبهذا يصبح المسلم قد راعى شُكْر هاتين النعمتين بدلاً من جَحْدهما، وجاء في الأثر: ((نعمتان مجحودتان: الصحة في الأبدان، والأمن في الأوطان)) ، وعلامة الشقاوة جَحْد هاتين النعمتين؛ بألا يقوم بشكرهما.

فالصحة والقوة في البدن مطلب من مطالب الإسلام، فلقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أقوى المؤمنين بدنًا، كما كان أقواهم في إيمانه؛ وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن القوي خير وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير))، ثم بيَّن صلى الله عليه وسلم ما تُستعمل فيه هذه القوة، وهو العمل فيما يعود على الإنسان من المصلحة الدينية والدنيوية، وما يُثبِّت عقيدته وصِلته بربه فقال: ((احرص على ما ينفعك، واستَعِن بالله ولا تَعجِز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدَرُ الله وما شاء فعل؛ فإن (لو) تفتح عمل الشيطان)) ، ولقد دعا الإسلام إلى الرياضة البدنية إذا كانت عونًا على طاعة الله تعالى، وعلى جهاد الكفار وإحقاق الحق، وإبطال الباطل، كما دعا إلى تعلُّم الرماية وركوب الخيل والمسابقة فيهما، والمسابقة على الأقدام والمصارعة؛ فلقد سابَق صلى الله عليه وسلم عائشة مرتين، فسبقته في الأولى وسبقها في الثانية، والرياضة مشروعة أيضًا في الشرائع السابقة؛ كما قال تعالى عن إخوة يوسف عليه الصلاة والسلام: ﴿ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا ﴾ [يوسف: 17].

ومِثْل هذا السباحة؛ لأنها ترويض للبدن، وتمرين للأعضاء، وأَمْنٌ من الغرق، وقد ألحق بعض العلماء في الرياضة الجائزةِ حَمْلَ الأثقال والقفز ما لم يَصِل إلى حدِّ هلاك النفس، أو حد الشعوذة، حتى إذا احتاج المسلم لنفسه في حرب الكفار كان قويًّا في بدنه، كما يُطلَب منه أن يكون أمينًا في عقيدته وعمله، وهاتان الصفتان هما صفة الأنبياء وأتباعهم؛ قال تعالى عن موسى عليه السلام ﴿ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾ [القصص: 26]، وقد دلَّ على قوة بدنه رفْع الصخرة التي لا يرفعها إلا العشرة من أقوى الرجال، وصارَع الرسول صلى الله عليه وسلم (رُكانة)، وهو من أقوى الكفار وأشدهم، على قطيع من الغنم، فصرَعه الرسول صلى الله عليه وسلم في المرة الأولى، والثانية، والثالثة، ثم قال: والله ما وضع جنبي على الأرض غيرك يا محمد، فعرف (رُكانة) أن قوة بدن محمد صلى الله عليه وسلم ما هي إلا من قوة إيمانه، وثبات قلبه؛ ولذا أسلم رُكانة، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: ((إن الغنم هي لك))، وقال الله تعالى في أتباع الأنبياء: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا ﴾ [الفتح: 29]، وقال سبحانه آمرًا المسلمين بإعداد القوة للكفار: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ﴾ [الأنفال: 60]، وبيَّن أن النفقة في هذا السبيل مخلوفة وموفًّى جزاؤها؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 60]، قال بعض المفسرين: إن هذه الآية نزلت في المسلمين يوم بدر، لما قصدوا الكفارَ من غير استعداد ولا عُدَّة، فأمرهم الله تعالى بألا يعودوا لمِثْله، ثم فسَّروا القوة باتخاذ السلاح وإيجاده بأيدي المسلمين، واتخاذ الحصون والجنود في الثغور، وتعلُّم الرماية، وقرأ النبي

صلى الله عليه وسلم هذه الآيةَ على المنبر ثم قال: ((ألا إن القوة الرمي)) قالها ثلاثًا.

وقال صلى الله عليه وسلم لما مرَّ على صِبية يتعلَّمون الرماية: ((ارموا بني إسماعيل؛ فإن أباكم كان راميًا))، ويشتمل تعلُّم الرماية لكل آلة أُعِدَّت لذلك من بنادق وغيرها؛ لأن الإعداد إنما يكون مع الاعتياد، وإذًا من لا يُحسِن الرمي ولا أساليب الحرب التي تتطلَّبها الحروب في هذه الأوقات، لا يُسمَّى معدًّا للقوة، وجوَّز النبي صلى الله عليه وسلم بذْل العِوَض على المسابقة بالخيل والإبل والرمي؛ لما فيها من العون على الجهاد في سبيل الله تعالى، وتعلُّم الكرِّ والفرِّ والإصابة، وقد جعلها صلى الله عليه وسلم من اللهو الجائز، بل هو حق، وأبطل سواها، قال صلى الله عليه وسلم: ((كلُّ لهو يلهو به الرجل، فهو باطل، إلا رميه بقوسه، أو تأديبه فرسه، أو مداعبته امرأته؛ فإنه من الحق))، وكره كراهية شديدة لمن تعلَّم الرمي أن يتركه؛ لما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ارموا واركبوا، وإن ترموا أحب إليَّ من أن تركبوا، ومَن تعلَّم الرمي ثم نسيه، فليس منا))، وقال أيضًا: ((ومن عُلِّم الرمي ثم تركه، فهي نعمة كفَر بها))؛ وسبب هذه الكراهية أن مَن تعلَّم الرمي حصلت له أهلية الدفاع عن دِينه، ونِكاية العدو، وتأهيل لوظيفة الجهاد، فإذا تركه فقد فرَّط في القيام بما يتعيَّن عليه القيام به، فإذا عرفنا جواز الرياضة البدنية فيما تَقدَّم، وذلك بما يعود على الإسلام والمسلمين بالمصلحة، فهي طاعة رغب فيها؛ قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله -: "السَّبق والصراع ونحوها طاعة إذا قُصِد بها نُصْرة الإسلام، وأخذ العِوَض عليه - أي: ما يجعل جائزة - أخذ بالحق؛ لما في تعلُّم الرماية وركوب الخيل من العون على الجهاد في سبيل الله تعالى، ويدلُّ عليه قوله صلى الله عليه وسلم: ((مَن رمى بسهم بنية الجهاد في سبيل الله، كان له ثواب تحرير رقبة))؛ أي: عِتْقها"، وإن من الأهداف السامية للقوة البدنية في المسلم إغاظة الكفار؛ لعِلْمهم اليقيني بأن المسلم سيستعمل قوَّتَه في طاعة الله تعالى وفي جهادهم، فلقد قال الكفار حينما أراد النبي صلى الله عليه وسلم عمرةَ القضاء: سيأتيكم محمد وأصحابه قد أوهنتْهم حمى يثرب، فأوحي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك، فأمر الصحابة بأن يمشوا المشي السريع مُتقارِب الخطى في الثلاثة الأشواط الأولى من الطواف، والكفار على جبل أبي قبيس - الذي يُطِل على الكعبة - ينظرون إليهم؛ فماتوا بغيظهم، وقالوا: كأنهم غِزْلان ما ضرَّتهم الحمى؛ ومن هنا شُرِع الرَّمَل في الطواف عند قدوم مكة؛ ليعرف المسلمون الهدفَ الذي رمَل من أجله الرسول عليه الصلاة والسلام.

     إن البدن ليس مِلكًا لك تصرفه حسَب الهوى والشهوة؛ بل هو مِلْك لله تعالى، فعليك أن تصرف قوته وحركاته وسكناته في طاعة مَن خلَقه، فما ألهى وأشغل عما أمر الله - عز وجل - به فهو منهيٌّ عنه، وإن لم يَحرُم جنسه: كالبيع والتجارة، وأما سائر ما يتلهَّى به البطالون من أنواع اللهو وسائر ضروب اللَّعِب مما لا يُستفاد به في حقٍّ شرعي، فكلُّه حرام.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والأربعون بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *القوة البدنية للمسلم :

وقال بعض العلماء: "مَن وثب وثبة مرحًا ولعبًا بلا نفع، فانقلب فذهب عقله، عصى وقضى الصلاة"، فما كان من الرياضات الجائزة، جاز صرف المال والقوة فيها، وما كان من الرياضات الممنوعة التي تشتمل على أنواع من المحرَّمات، فصرف الأموال فيها غير جائز، وإن مما قد تشتمل عليه بعض الرياضات في وقتنا الآن من مآخذ :

أولاً: خُلو النية الصالحة، والقصد الصحيح للتقوِّي على الجهاد في سبيل الله؛ إذ لو كان كذلك لما حصلت هذه المحرَّمات، كانكشاف بعض العورات من

الأفخاذ؛ فأعلى البدن مستور وبعض العورة مكشوف، فأين هذا من تعاليم الإسلام؟!

ثانيًا: لو قصد بها المعنى الصحيح، لما تُرِكت الصلاة، ولما حصل السهو عنها من اللاعبين والمشجِّعين، والله أكبر، ما أعظم المسلمين لو كان ذلك الجهد فيما يعود عليهم بالمصلحة! وإذا حان وقت الصلاة ورُفع الأذان وأقيمت الصلاة وحُرِمَ من لم يُصَلِّ من اللعب والمشاهدة، والله أكبر لو قصد المسلمون برياضتهم وألعابهم المعنى الصحيح، فهل يبيحون تقبيل اللاعبين؟! والله أكبر لو قُصِد بالمباراة بين النوادي إظهار قوة المسلمين وشجاعتهم وأنهم أصحاء أقوياء، لما انزرع الحقد بينهم، ولما حدثت الخصومات بين الفرقاء، ولما جرحوا شعورَ الآخرين، ولما أبدوا الإعجابَ والفخر حينما يفوز بزعْمهم الفائزون، وإن آثار هذه الألعاب السيئة ظهرت على الشباب في الأسواق والمدارس والعجائز في البيوت، ألا فليعلم هؤلاء أن الصياح وتشجيع الفائزين في الألعاب والرياضات بالتصفيق والضجيج ينشأ عنه إعجاب الفائزين، وجَرْح شعور المغلوبين، وهذا يُخالِف هدف الإسلام، وهو الدعوة إلى إيجاد المحبة والألفة بين أفراد المسلمين، فإذا غلب أحدهم في الرياضات الجائزة، أخذ العِوَض الذي أُعِدَّ للسابق، ودُعي للمسبوق بالتوفيق والسداد.

أسأل الله سبحانه أن يرفع عنا البلاءَ، وأن يُوفِّق المسؤولين عن الرياضات في بلادنا أن يَسْلكوا بها الطريقَ الصحيح الذي يُرضي الله تعالى ويُوافِق سُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويَصرِفوا أوقاتهم وأموالهم وأبدانهم في طاعة الله تعالى، فلقد أخذت الكثير من أوقات الشباب وألهتْهم عن دروسهم ومراجعة علومهم، وليت القائمين على أمر الشباب والرياضة قلَّلوا منها بعضَ الشيء، ومارسها طلابنا وشبابنا في فترات إجازاتهم؛ بحيث تكون على الطريقة المرضية التي تُسِعد المسلمين.

فلنتَّقِ الله تعالى في كلِّ أمورنا، ولنتأسَّ بهدي وتعاليم ديننا، ولنَستفِد من الرياضة بجميع أنواعها، ولتكن غايتنا رضا الله تعالى ونُصْرة الإسلام.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 60].[ الأنترنت – موقع الألوكة  - القوة البدنية للمسلم - الشيخ صالح بن عبدالرحمن الأطرم ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والأربعون بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * أسباب قوة الفراسة :

للفراسة الإيمانية القلبية أسباب منها:

1- الإيمان العميق بالله   2- الإخلاص لله في السر والعلن   3- الإكثار من ذكر الله  4- جودة القريحة وقوة الذكاء 5- صفاء الفكر وحدة الخاطر

6- طهارة القلب من الشبهات والشهوات 7- تفريغ القلب من هموم الدنيا 8- الابتعاد عن المعاصي والذنوب. 9- الأخلاق الحسنة في الباطن والظاهر.

10- تقوى الله سبحانه وإفراده بالعبادة وحده. 11- حسن الفطنة وسرعة البديهة. 12- ظهور العلامات والأدلة على المتفرّس فيه.13- أكل الحلال.

14- غض البصر عن المحارم. 15- تعمير الباطن بالمراقبة والظهار باتباع السنة. 16- إنه نور وإلهام قلبي يقذفه الله في قلب من يشاء من عباده المؤمنين. 17- مخالفة الهوى. 18- الصدق. فإن الكاذب لديه عمى وضباب وعدم وضوح الرؤية لنفسه فكيف لغيره. 19- معرفة الفراسة الخلقية مثل الوجه والعين والأنف والصحة والمرض وغير ذلك فإنها دليل على الفراسة الايمانية.  20- حياة القلب ونوره.

 [ الأنترنت – موقع أسباب قوة الفراسة! ]

*الفراسة في القرآن الكريم :

- قال الله تبارك وتعالى : " إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ " [الحجر: 75] .

قال النَّسفي : (للمتفَرِّسين المتأمِّلين، كأنَّهم يعرفون باطن الشَّيء بِسمَةٍ ظاهرة) [مدارك التنزيل،للنسفى] .

وقال ابن زيد في نفس الآية : (المتفكِّرون والمعتبرون، الذين يتوسَّمون الأشياء، ويتفكَّرون فيها ويعتبرون) [جامع البيان للطبرى] .

وقال أبو المظفَّر السَّمعاني : (أي : للنَّاظرين المعتبرين، وقيل : للمتفَرِّسين، وهم الذين يعلمون النَّاس بسِيمَاهم على ما يُرِيهم الله منها) [تفسير السمعانى] .

أقوال السَّلف والعلماء في الفِرَاسَة :

- قال الشَّافعي : (خرجت إلى اليمن في طلب كتب الفِراسة، حتى كتبتها وجمعتها) [آداب الشافعى ومناقبه،لابن لأبى حاتم الرازى] .

- وقال أحمد بن عاصم الأنطاكي : (إذا جالستم أهل الصِّدق، فجالسوهم بالصِّدق؛ فإنَّهم جواسيس القلوب، يدخلون في قلوبكم ويخرجون منها من حيث لا تُحسُّون) [آداب الشافعى ومناقبه،لابن لأبى حاتم الرازى] .

- وقال الهروي عن الفراسة : (هو استئناس حكم غيبٍ من غير اسْتِدْلَال بشَاهِد، ولا اختبار بتجربة) [منازل السائرين،للهروى] .

- وقال ابن القيِّم : (الفِراسة الإيمانيَّة... سببها نورٌ يقذفه الله في قلب عبده، يفرِّق به بين الحقِّ والباطل، والصَّادق والكاذب، وهذه الفِرَاسَة على حسب قوَّة الإيمان، وكان أبو بكر الصِّدِّيق أعظم الأمَّة فِرَاسَة) [مدارج السالكين] .

أقسام الفِرَاسَة :

قسمها ابن القيِّم إلى ثلاثة أقسام :

إيمانيَّة : وسببها : نورٌ يقذفه الله في قلب عبده، يفرِّق به بين الحقِّ والباطل، والحالي والعاطل، والصَّادق والكاذب .

وحقيقتها : أنَّها خاطر يهجم على القلب، ينفي ما يضادُّه، يَثِب على القلب كوُثُوب الأسد على الفريسة...

وهذه الفِرَاسَة على حسب قوَّة الإيمان، فمن كان أقوى إيمانًا، فهو أحدُّ فِرَاسَةً... وأصل هذا النَّوع من الفِرَاسَة : من الحياة والنُّور اللذين يهبهما الله تعالى لمن يشاء من عباده، فيحيا القلب بذلك ويستنير، فلا تكاد فراسته تخطئ، قال الله تعالى : " أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا " [الأنعام: 122] كان ميِّتًا بالكفر والجهل، فأحياه الله بالإيمان والعلم. وجعل له -بالقرآن والإيمان- نورًا يستضيء به في النَّاس على قَصْد السَّبيل. ويمشي به في الظُّلَم .

- فِرَاسَة الرِّياضة والجوع، والسَّهر والتَّخلِّي؛ فإنَّ النَّفس إذا تجرَّدت عن العوائق، صار لها من الفِرَاسَة والكشف بحسب تجرُّدها، وهذه فِرَاسَة مشتركة بين المؤمن والكافر، ولا تدلُّ على إيمان ولا على ولاية، وكثير من الجهَّال يغترُّ بها. وللرُّهبان فيها وقائع معلومة، وهي فِرَاسَة لا تكشف عن حقٍّ نافع،

ولا عن طريق مستقيم، بل كشفها جزئي من جنس فِرَاسَة الولاة، وأصحاب عبارة الرؤيا والأطباء ونحوهم .

وللأطباء فِرَاسَة معروفة من حِذْقهم في صناعتهم، ومن أحبَّ الوقوف عليها فليطالع تاريخهم وأخبارهم، وقريب من نصف الطِّبِّ فِرَاسَةٌ صادقةٌ، يقترن بها تجربة، والله سبحانه أعلم .

- الفِرَاسَة الخَلْقية : وهي التي صنَّف فيها الأطبَّاء وغيرهم، واستدلُّوا بالخَلْق على الخُلُق؛ لما بينهما من الارتباط الذي اقتضته حكمة الله، كالاستدلال بصِغر الرَّأس -الخارج عن العادة- على صِغَر العقل، وبكبره، وبسعة الصَّدر، وبُعْد ما بين جانبيه : على سعة خُلُق صاحبه، واحتماله وبسْطته. وبضيقه على ضيقه. وبخمود العين وكَلَال نظرها على بَلَادة صاحبها، وضعف حرارة قلبه. وبشدَّة بياضها مع إِشْرَابه بحُمْرة - وهو الشَّكل - على شجاعته وإقدامه وفِطْنته . وبتدويرها مع حُمْرتها وكثرة تقلُّبها، على خيانته ومكره وخداعه .

ومعظم تعلُّق الفِرَاسَة بالعين. فإنَّها مرآة القلب، وعنوان ما فيه. ثمَّ باللِّسان، فإنَّه رسوله وترجمانه... وأصل هذه الفِرَاسَة : أنَّ اعتدال الخِلْقة والصُّورة، هو من اعتدال الِمَزاج والرُّوح. وعن اعتدالها يكون اعتدال الأَخْلَاق والأفعال، وبحسب انحراف الخِلْقة والصُّورة عن الاعتدال، يقع الانحراف في الأخلاق والأعمال) [انظر:مدارج السالكين،بتصرف يسير] .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والأربعون بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : نماذج من فراسة الصَّحابة والسلف :

#فِرَاسَة عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه :

رُوِي عن عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه : أنَّه دخل عليه قوم من مَذْحِج فيهم الأشتر، فصعَّد عمر

فيه النَّظر وصوَّبه، وقال : أيُّهم هذا؟ فقالوا : مالك ابن الحارث، فقال : ما له - قاتله الله - إنِّي لأرى للمسلمين منه يومًا عصيبًا، فكان منه في الفتنة ما كان [ذكره القرطبى فى تفسيره] .

#فِرَاسَة عثمان بن عفَّان رضي الله عنه :

وهذا عثمان بن عفَّان، دخل عليه رجل من الصَّحابة، وقد رأى امرأة في الطَّريق، فتأمَّل محاسنها، فقال له عثمان : يدخل عليَّ أحدكم، وأثر الزِّنا ظاهر على عينيه، فقلت : أوحيٌّ بعد رسول الله ؟! فقال : لا، ولكن تَبْصِرة وبرهان، وفِرَاسَة صادقة [انظر: الروح لابن القيم] .

#فِرَاسَة علي بن أبي طالب رضي الله عنه :

أكْثَرَ رجلٌ الثَّناء على عليٍّ رضي الله عنه بلسان لا يوافقه القلب، فقال له: (أنا دون ما تقول، وفوق ما في نفسك) [رواه ابن أبى الدنيا فى الصمت] .

نماذج من السَّلف والعلماء المتقدِّمين :

فِرَاسَة الشَّافعي :

- قال محمَّد بن إدريس الشَّافعي : (خرجت إلى اليمن في طلب كتب الفِرَاسَة، حتى كتبتها وجمعتها، ثمَّ لما حان انصرافي، مررت على رجل في طريقي وهو مُحْتَبٍ بفناء داره، أزرق العينين، ناتئ الجبهة سِنَاط، فقلت له : هل من منزل ؟ فقال : نعم. قال الشَّافعي : وهذا النَّعت أخبث ما يكون في الفِرَاسَة، فأنزلني، فرأيت أَكْرَم رجل، بَعَث إليَّ بعشاء وطِيب، وعلفٍ لدابَّتي، وفِرَاش ولِحَاف، فجعلت أتقلَّب اللَّيل، أجمع ما أصنع بهذه الكتب ؟ إذ رأيت هذا النَّعت في هذا الرَّجل، فرأيت أكرم رجل، فقلت : أرمي بهذه الكتب، فلمَّا أصبحت، قلت للغلام: أَسْرِج ، فأَسْرَج، فركبت ومررت عليه، وقلت له : إذا قدمت مكة، ومررت بذي طوى، فسل عن منزل محمَّد بن إدريس الشَّافعي. فقال لي الرَّجل : أمولى لأبيك أنا؟! قلت : لا، قال: فهل كانت لك عندي نعمة ؟! فقلت : لا، فقال : أين ما تكلَّفت لك البارحة ؟ قلت : وما هو ؟ قال : اشتريت لك طعامًا بدرهمين، وإدامًا بكذا، وعِطْرًا بثلاثة دراهم، وعَلَفًا لدابَّتك بدرهمين، وكِرَاء الفِراش، واللِّحاف درهمان، قال : قلت : يا غلام أعطه، فهل بقي من شيء ؟ قال : كِرَاء المنزل؛ فإنِّي وسَّعت عليك، وضيَّقت على نفسي، قال الشَّافعي : فغَبِطت نفسي بتلك الكتب، فقلت له بعد ذلك : هل بقي من شيء؟ قال : امض، أخزاك الله، فما رأيت قطُّ شرًّا منك) [آداب الشافعى ومناقبه،لابن أبى حاتم الرازى] .

- و(كان الشَّافعي ومحمد بن الحسن - رحمهما الله تعالى- في المسجد الحرام، فدخل رجل، فقال محمَّد بن الحسن : أتفَرَّس أنَّه نجَّار، وقال الشَّافعي : أتفَرَّس أنه حدَّاد. فسألاه، فقال: كنت قبل هذا حدَّادًا، والساعة أُنَجِّر) [الرسالة القشيرية،للقشيرى] .

نماذج من العلماء المعاصرين :

فِرَاسَة الشَّيخ عبد العزيز بن باز :

- كان الشَّيخ عبد العزيز صاحب بصيرة نافذة، وفِرَاسَة حادَّة، يعرف ذلك جيِّدًا من عاشره وخالطه، وأخذ العلم على يديه. وممَّا يؤكِّد على فِرَاسَته، أنَّه يعرف الرِّجال وينزلهم منازلهم، فيعرف الجادَّ منهم في هدفه ومقصده من الدُّعاة وطلبة العلم، فيكرمهم أشدَّ الإكرام، ويقدِّمهم على من سواهم، ويخصُّهم بمزيد من التَّقدير، ويسأل عنهم وعن أحوالهم دائمًا، وله فِرَاسَة في معرفة رؤساء القبائل، والتَّفريق بين صالحهم وطالحهم، وله فِرَاسَة - أيضًا - في ما يعرض عليه من المسائل العويصة، والمشكلات العلميَّة؛ فتجده فيها متأمِّلًا متمعِّنًا لها، تُـقْرأ عليه عدَّة مرَّات، حتى يفكَّ عقدتها، ويحلَّ مشكِلَها، وله فِرَاسَة - أيضًا - في ما يتعلق بالإجابة عن أسئلة المستفتين، فهو دائمًا يرى الإيجاز ووضوح العبارة، ووصول المقصد، إن كان المستفتي عامِّيًّا من أهل البادية، وإن كان المستفتي طالب علم حريص على التَّرْجيح في المسألة، أطال النَّفَس في جوابه مع التَّعليلات وذِكْر أقوال أهل العلم، وتقديم الأرجح منها، وبيان الصَّواب بعبارات جامعة مانعة [موقع الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرسمى] . [ الأنترنت – موقع الكلم الطيب " الفِرَاسَة " ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخمسون بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * الفراسة عند ابن القيم :

هناك ثلاثة أنواع من الفراسة لدى ابن القيم:

النوع الأول: ( الفراسة الإيمانية وحقيقتها أنها خاطر يهجم على القلب ينفي ما يضاده يثبت على القلب) وسمي بهذا الاسم تشبيها له بوثوب الأسد على فريسته وسبب هذا النوع: نور يقذفه الله في قلب العبد يكون من نتائجه أن يفرق بين الحق والباطل والصادق والكاذب وغيرها وهي بحسب الإيمان قوة وضعفا فكلما قوي الإيمان قويت وكلما ضعف ضعفت فمن كان أقوى إيمانا كان أقوى فراسة    أما النوع الثاني من الفراسة فهو الفراسة الرياضية : وهي تكون بالمران والتكرار وتحمل المشاق من الجوع والسهر والتخلي وسببها أن النفس إذا تجردت مما يثقلها صار لها كشف بحسب ذلك التجرد وهذا النوع لا يختص بأهل الإيمان بل هو حاصل للمؤمن والكافر فهي مشتركة بين الناس وقوتها تبعا لسببها . ولا دلالة فيها على إيمان ولا ولاية ولا يستفاد منها الكشف عن الحق ولا عن طريق مستقيم فهي تحصل للولاة والأطباء وأرباب الحرف بحسب معرفتهم بوظائفهم وتمكنهم منها . والنوع الثالث والأخير يسمى الفراسة الخلقية وهي الاستدلال بالخلق الظاهر على الخلق الباطن لما بينهما من ارتباط اقتضته حكمة الله كأن يستدل بزرقة العينين على الدهاء والخبث وبسعة الصدر على سعة الخلق والحلم ونحو ذلك وهي أيضا كسابقتها لا يستدل بها على إيمان ولا كفر ولا ولاية ولا عداوة . ويرى صاحب المنازل أن الفراسة: استئناس الغيب ويقصد بها قياس الشاهد على الغائب وهو أمر مشترك بين المؤمن والكافر وغيرهما ومثالها الاستدلال على نزول المطر بشدة البرقوالرعد واستدلال الطبيب على المرض بظواهر على المريض ونحو ذلك وهي عنده على ثلاث درجات: الدرجة الأولى: فراسة طارئة نادرة وهي التي تقع على لسان شخص مرة واحدة في العمر مثلا وهي عنده فراسة الغافلين الذين لم يأنسوا بذكر الله وقربه فهي كرمية من غير رام .

الدرجة الثانية: فراسة تجنى من غرس إيماني وهي تبعاً لصدق الحال فكلما كان الحال أصدق كانت هذه الفراسة أقوى وهي عنده تختص بأهل الإيمان وهم فيها متفاوتون . النوع الثالث: فراسة سرية وهي التي يخبر فيها المختار المصطفى صاحب الولاية عن الأمور المغيبة تارة تصريحا وتارة تلويحا إما سترا لحاله أو صيانة لما أخبر به من الابتذال ووصوله إلى غير أهله وإما لغير ذلك من الأسباب وهي أعلى الأنواع عند صاحب منازل السائرين مع أن هذه الدعوى غير مقبولة لأن الخبر عن الغيب قد يكون ساحرا أو كاهنا أو عرافا أو منجما وكل هؤلاء أحوالهم من الشرع مذمومة . قال صلى الله عليه وسلم: من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم . هذا وقد غلا الصوفية في الفراسة حتى جعلوها مصدرا من المصادر الأساسية للمعرفة حتى حكموها في أمور الديانة مع أن صاحب الفراسة إن كانت إيمانية لا يعرف صدقها إلا بوقوعها وجزمه بمجرد الواردات يحتاج إلى عرضه على الشرع ليحكم عليه بالنفي أو الإثبات والحق أو الباطل وغاية الأمر إن لم يدل الدليل على أنه باطل أو حق أن تكون الفراسة من المرجحات ، ولذا لم يعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بفراسة في مال أو عرض أو نفس أو نسب أو عقل بل بالبينات والشهود وغاية الفراسة أن تكون أمارة ظنية لا تصل إلى مقام الدليل من حيث دلالته على إثبات الحكم فلا تصلح للاستقلال بالحكم في أمر شرعي أو قدري بل لا بد من عرض ما دلت عليه على نصوص الكتاب والسنة وما دل عليه معقولهما . مما يدل على أن الفراسة ترجع أسبابها إلى أمرين : الأول: جودة ذهن المتفرس . الثاني: ظهور العلامات والأدلة على المتفرس فيه وهما أمران ظنيان فما بني عليه يكون ظنيا فلا يستقبل بالإثبات أو النفي ولا تعارض به الأدلة اليقينية من الكتاب والسنة ومعقولهما . وبذا يتبين لنا أنه لا يجوز الاعتماد في إثبات الحكم الشرعي أو القدري على مجرد الفراسة وحدها بل لا بد من اجتماع أمارات كثيرة تقرب إلى اليقين أو أدلة شرعية تدل على المنفي أو المثبت . وأما في الأمور الدنيوية التي لا تعارض كتابا ولا سنة ولا تستلزم نقل الأموال وإثبات الحدود والتعزيرات فلا بأس من الاستفادة من الفراسة في مجال الترجيح بين المتعارضات . [الأنترنت – موقع الفراسة عند ابن القيم ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والخمسون بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * موقع اقوى المعارك فى الاسلام :

تختلف انواع المعارك نتيجه لاختلاف الاسباب فى كل امة ؛ فقد يكون اليبب الذى يؤدى الى الحروب عند امة من الامم ؛هو حب التسلط والسيطرة وقد يكون السبب ايضا هو الدافع عن الظلم والاعتداء ؛وهذا السبب معتبرا فى الشريعة الاسلامية فالغرض الذى من اجلة نشبت معارك فى الاسلام كان دائما غرضا شريفا ، وكانت حيثيّاتها والأساليب المتّبعة فيها لا تخلّ أو تخرج عن مبادئ الإنسانيّة والرحمة، والناظر في تاريخ المعارك الإسلاميّة يتبيّن له مقدار الظلم في تصوير المعارك الإسلاميّة بصورةٍ وحشيّةٍ، وإنّ المعارك في الإسلام لم تكن لاكراه الناس على الدخول فى الاسلام بصوره وحشيه وان المعارك فى الاسلام لم تكن لسفك الدماء كما يدعى البعض ولا توسيع للنفوذ ، يقول الله عزّ وجلّ: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّـهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّـهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)،[١] وإنّما كان الباعث لقيامها هو حماية الدعوة الإسلاميّة التي تدعو إلى الشورى وغيرها من المبادئ العظيمة؛ لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وتظهر رحمة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- جليّةً في معركة أُحد، حين أراد المشركون قتله؛ فطلب منه أصحابه أن يدعو عليهم، فردّ قائلاً: (اللهم اهد قومي فإنّهم لا يعلمون).[

اقوى المعارك الاسلاميه : غزوة بدر :

تسمى ايضا بغزوة بدر الكبرى وبدر القتال ويوم الفرقان )) هي غزوة وقعتفى السابع عشر من الهجره في العام الثانى من الهجرة (الموافق 13 مارس

624) بين المسلمين بقيادة الرسول محمد ، قبيلة قريش ومن حالفها من العرب بقيادةعمرو بن هشام المخزومى القرشى. وتُعد غزوةُ بدر أولَ معركةٍ من معارك الإسلام الفاصلة،[1] وقد سُميت بهذا الاسم نسبةً إلى منطقه بدر التي وقعت المعركة فيها، وبدر بئرٌ مشهورةٌ تقع بين مكه والمدينه المنوره بدأت المعركة بمحاولة المسلمين اعتراضَ عيرٍ لقريش متوجهةٍ من الشام إلى مكه يقودها ابو سفيان بن حرب ، ولكن أبا سفيان تمكن من الفرار بالقافلة، وأرسل رسولاً إلى قريش يطلب عونهم ونجدتهم، فاستجابت قريش وخرجت لقتال المسلمين . كان عددُ المسلمين في غزوة بدر ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، معهم فَرَسان وسبعون جملاً، وكان تعدادُ جيش قريش ألفَ رجلٍ معهم مئتا فرس، أي كانوا يشكِّلون ثلاثة أضعاف جيش المسلمين من حيث العدد تقريباً. وانتهت غزوة بدر بانتصار المسلمين على قريش وقتل قائدهم عمرو بن هشام وكان عدد من قُتل من قريش في غزوة بدر سبعين رجلاً وأُسر منهم سبعون آخرون، أما المسلمون فلم يُقتل منهم سوى أربعة عشر رجلاً، ستة منهم من المهاجرين وثمانية من الانصار . تمخَّضت عن غزوة بدر عدة نتائج نافعةٍ بالنسبة للمسلمين ، منها أنهم أصبحوا مهابين في المدينه وما جاورها، وأصبح لدولتهم مصدرٌ جديدٌ للدخل وهو غنائم المعارك ، وبذلك تحسّن حالُ المسلمين الماديّ والاقتصادى والمعنويّ.

معركة مؤته :من أقوى المعارك التي خاضها المسلمون في السنة الثامنة من الهجرة، وقد تألّف جيش المسلمين من ثلاثة آلاف مقاتلٍ مسلمٍ، يقابله مئتا ألف محاربٍ من المشركين، ويعود السبب في معركة مؤتة؛ إلى أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أرسل الحارث بن عمير الأزدي إلى ملك الروم، فقام شرحبيل بن عمرو الغسّاني، وكان أميراً على منطقة البلقاء عيّنه قيصر الروم، باعتراض طريقه وقتله، وكان قتل الرسل من أعظم الجرائم، فجهّز النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- الجيش، وأمّر عليه ثلاثة قادةٍ، هم؛ زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة، وقاتلوا بشجاعةٍ منقطعة النظير حتى استشهد القادة الثلاثة، ومن معجزات النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- الدالة على صدق نبوته؛ أنّه نعى القادة قبل وصول خبر استشهادهم إلى المدينة قائلاً: (أخذ الرايةَ زيدٌ فأصيبَ، ثم أخذَ جعفرٌ فأصيبَ، ثم أخذ ابنُ رواحةَ فأصيبَ وعيناه تذرِفان: حتى أخذ الرايةَ سيفٌ من سيوفِ اللهِ، حتى فتحَ اللهُ عليهم)، فكان خالد بن الوليد هو سيف الله المسلول، وقام بسحب الجيش من أرض المعركة بأقوى الأساليب العسكريّة.

معركة اليرموك :وقعت معركة اليرموك في السنة الثالثة عشر من الهجرة بقيادة خالد بن الوليد، وكانت بين الروم والمسلمين، أراد هرقل أن تكون هذه المعركة فاصلةً مع المسلمين بعد أن تكبّد الكثير من الخسائر في حروبه معهم، إلّا أنّ جيش المسلمين ضرب مثلاً عظيماً في الشجاعة والبطولة؛ فقد قامت السيدة أسماء بنت يزيد بن السكن بقتل سبعةٍ من جيش الروم، وقد اشتدّت المعركة حتى صار لا يُسمع إلّا صوت السيوف وصهيل الخيول، وفي هذه الأثناء تولّى عمر بن الخطاب الخلافة، وكانت له سياسةٌ مختلفةٌ عن سياسة أبي بكر؛ فأمر بعزل خالد بن الوليد عن قيادة الجيش، وتعيين أبي عبيدة عامر بن الجرّاح؛ حتى لا يفتتن المسلمون بخالدٍ؛ فهو لم يدخل معركةً إلّا انتصر حتى ظنّ بعض قادة الفرس أنّه يُقاتل بسيفٍ من السماء، ومع انتهاء المعركة وقتل الأعداد الكبيرة في صفوف المشركين، قرّر هرقل الهروب إلى القسطنطينية، وفي طريقه التفت إلى الشام وقال: (السلام عليك يا سورية، سلاماً لا اجتماع بعده، ولا يعود إليك روميٌّ أبداً إلّا خائفاً)]

معركة حطين : اسباب المعارك الاسلاميه :

بعد أن استقرّ المسلمون في المدينة بقيادة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، التفت الصحابة -رضوان الله عليهم- إلى ضرورة نشر الدعوة الإسلاميّة التي جاءت للناس كافّة، كما وبرز الأعداء المتربّصون بالإسلام والمسلمين، ومن الجدير بالذكر أنّ عداوة قريش للمسلمين لم تنته بالهجرة إلى المدينة؛ لأنّهم يعلمون أنّ قيام دولةٍ للمسلمين يعني انتهاء مُلكهم وجاهليّتهم، فعندما أعلنت قريش رغبتها في الحرب، وأذن الله -عزّ وجلّ- لأهل المدينة بالقتال، بدأ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بالعمل على رفع مكانة الدولة الإسلاميّة عن طريق الخروج في الغزوات، وإرسال السرايا.[ المظفر سيف الدين قطز قاهر المغول ومنقذ الإسلام [ الأنترنت – موقع اقوى المعارك فى الاسلام – جمال حمدان ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالثانية والخمسون بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * من الأقوى .. أبو بكر أم عمر؟!

   من الطبيعي أن يتساءل المرء عن الهدف من هذه المقارنة والمفاضلة، ولا بد في البداية من التأكيد على أن المقارنة والتفضيل بالقوة بين اثنين لا يعني نفيها عنمن الأقوى .. أبو بكر أم عمر؟!

من الطبيعيِّ أن يتساءل المرء عن الهدف من هذه المقارنة والمفاضلة، ولا بدَّ في البداية من التأكيد على أنَّ المقارنة والتفضيل بالقوَّة بين اثنين لا يعني نفيها عن أحدهما..

في المخيال الجمعي لجمهور المسلمين يحضرُ أبو بكر رضي الله عنه بوصفه شيخًا رقيقًا سخيَّ الدَّمع تغلبه عبرتُه في مواقف كثيرة، بينما تحضر صورة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشَّديدة الحازمة، وتحضر شخصيَّته التي لا تخافُ أحدًا ويحاسب ويعاقب!

ممّا جعلَ انطباعًا يسري في الصورة الذِّهنيَّة العامَّة عند عامَّة المسلمين بأنَّ عمر أقوى من أبي بكرٍ رضي الله عنهما، فتجده أكثر حضورًا في أحاديثهم وأشدَّ تبجيلًا وهيبةً في نفوسِهم.

وأعتقدُ أن هذا يرجع إلى ثلاثة أسباب:

الأوَّل: الصورة النمطيَّة التي رُسِمَت لكلِّ واحدٍ من الخليفتين الرَّاشدَين في كتب السِّير والتَّراجم.

الثاني: طولُ مدَّة خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه التي امتدَّت عشر سنين مقارنةً بخلافة أبي بكرٍ رضي الله التي لم تتجاوز سنتين ونصف؛ ممَّا جعل حياة عمر رضي الله عنه تلقى اهتمامًا أكبر من حياة أبي بكرٍ رضي الله عنه حتى عند عموم الكتَّاب والدُّعاة والمؤرِّخين.

الثالث: الاستشكال في معنى القوَّة، حيث إنَّ المعنى الانطباعيَّ للقوَّة هو قرين الشِّدَّة والحماسة والاندفاع والإقدام في الحروب والسَّعيُ إلى خوض المنايا والبطشُ بالأعداء؛ وكلُّ هذا من القوَّة طبعًا لكنَّه ليسَ هو روحُها التي تؤهِّل للتَّقديم على الآخرين في القيادة.

روح القوة : إنَّ روح القوَّة تكمن في الثَّبات عند المواقف المفصليَّة، والحزمِ عند تشعُّب المواقف، والمبادرة بالموقف والقرار الحاسم عند وقوع النَّوازل المزلزلة.

إنَّ القوَّة هي قدرةُ فردٍ أو جماعةٍ على التَّأثير في سلوك الآخرين وإحداث أمرٍ فارقٍ في مسار الأحداث

 والبراعة في المبادرة المفضية إلى حمل الآخرين على التصرُّف بطريقةٍ تُضيف إلى مصالح المشروع الذي يخدمه هذا الشَّخص القوي.

إنَّ القوَّة هي العزم في أوانه بلا تأخُّرٍ أو تردُّد، وهي الإقدام في موضعه بلا تقهقرٍ أو تضعضُع، وهي الشِّدَّة في مكانِها بلا تأجيلٍ أو تسويف، وهي القرارُ الذي لا يحتملُ التَّأجيل ولا يقبلُ التَّهاون.

إنَّ القوَّة هي الثَّباتُ حين تزلُّ الأقدام، وهي الطمأنينة حين تتزلزلُ القلوب وتفرغُ الأفئدة، وهي السكينةُ حين تطيشُ العقول، وهي امتلاك الأعصاب حين يفقد الحليمُ صوابَه وتنفلتُ أعصابُه من عقالِها.

مواقف مفصلية :

إذا تتبَّعنا سيرة كلٍّ من أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما فإنَّ الكثير من المواقف تستوقفنا في إطار المقارنة بين قوَّة الرجلين؛ غير أنَّني سأكتفي بذكر ثلاثة مواقف وسأختارُها من بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم حيث يتجلَّى فيها تفرُّد الشخصية واستقلالها؛ لنرى من خلالها من هو الأقوى.

الموقف الأول: وفاة النبي صلى الله عليه وسلم

لا يشكُّ عاقلٌ في أنَّ الزلزلة الأعظم التي مرَّت على المسلمين في تاريخهم كلِّه هي وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولكم أن تستحضروا هذا اليوم الذي كان أشدَّ إظلامًا في تاريخ الأمَّة؛ حيث طاشت العقول والقلوب وزلَّت الأقدام وخرج الناس من دين الله أفواجًا.

في ذلك اليوم المفصلي لم يُصدِّق عمر رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات وامتشق سيفه مهدِّدًا كلَّ من يدَّعي ذلك بأن يفتك به.

وقال مخاطبًا الناس: "إنَّ رجالًا من المنافقين يزعمون أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تُوفِّي، وإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما مات ولكنَّه ذهب الى ربِّه كما ذهب موسى بن عمران؛ فقد غاب عن قومه أربعين ليلةً ثمَّ رجع إليهم بعد أن قيل قد مات، ووالله ليرجعن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رجع موسى؛ فليُقطِّعنَّ أيدي رجالٍ وأرجلهم زعموا أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مات".

أمَّا أبو بكر رضي الله عنه فقد أقبل حتى نزل على باب المسجد حين بلغه الخبر، وعمر يُكلِّم الناس، فلم يلتفت إلى شيءٍ حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكشف البُردَة عن الوجه الشَّريف، وأخذ يُقبِّله وهو يقول:"بأبي أنتَ وأمي، أمَّا الموتة التي كتب الله عليك فقد ذقتها، ثمَّ لن تُصيبَك بعدها موتة أبدًا".

ثمّ خرجَ إلى الناس وعمرُ يكلِّمهم فقال: "على رسلك يا عمر، أنصِتْ"، وعمر لا يستجيب؛ فأقبلَ على الناس يُخاطبهم، فلمَّا سمع الناس كلامَه أقبلوا عليه

وتركوا عمر؛ فحمد الله وأثنى عليه، ثمَّ قال:‏ "أيُّها الناس، إنَّه من كان يعبد محمدًا فإنَّ محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإنَّ الله حيٌّ لا يموت". ثمَّ تلا قول الله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144].

‏ قال عمر:‏ "والله ما هوَ إلَّا أن سمعتُ أبا بكرٍ تلاها، فعُقِرْتُ حتى وقعتُ إلى الأرض ما تحملني رجلاي، وعرفتُ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات".

لا يختلف أحدٌ في أنَّ موقف الصديق رضي الله عنه عَصَمَ الأمَّة وحافظ عليها في أحرج السَّاعات وأحلكها؛ يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والخمسون بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * من الأقوى .. أبو بكر أم عمر؟! مواقف مفصلية :

الموقف الثاني: بعث أسامة بن زيد رضي الله عنهما

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أوصى بإنفاذ جيش أسامة الذي وجَّهَه لقتال الروم في الشام، غير أنَّ ارتداد قبائل العرب وضع الصحابة الكرام أمام معطياتٍ جديدة، فأشاروا على أبي بكرٍ رضي الله عنه أن يُوقِف بعث أسامة، ويُبقيه في المدينة لحمايتها من القبائل التي ارتدَّت وتتربَّص بالمدينة.

وكان عمر رضي الله عنه من أبرز الصحابة الذين حاولوا ثني أبي بكرٍ عن إنفاذ بعث أسامة؛ فكيف يُمكن إرسالُ جيشٍ إلى أطراف الشام والمدينةُ مهدَّدةٌ تهديدًا خَطِرًا من قبائل الرِّدَّة المحيطة بها؟!

لكنَّ أبا بكرٍ رضي الله عنه أعلنها مدوِّيةً بكلِّ وضوحٍ وجلاء قائلًا: "والله لا أحلُّ عقدةً عقدَها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو أنَّ الطَّير تخطَّفَنَا والسِّباع من حول المدينة، ولو أنَّ الكلاب جرَّت بأرجل أمَّهات المؤمنين لأُجَهِّزَنَّ جيشَ أسامة".

وفعلًا أُنفذَ بعث أسامة، وكانت نتيجته مبهرةً على المستويين الدَّاخلي والخارجي؛ فعلى المستوى

الخارجي فقد حقَّق الجيش نصرًا كبيرًا على الروم الذين فرُّوا ولم يصمدوا للمواجهة عند بلوغ جيش أسامة إلى أطراف الشام.

وأمَّا على المستوى الدَّاخلي وهو الأهم؛ فقد حقَّق الجيشُ حالةً من الرَّهبة في نفوس قبائل العرب التي بدأت تُقدِّرُ بأنَّ المسلمين لو لم يكونوا يملكون جيوشًا أكبر من بعث أسامة لَمَا أقدموا على إرسال جيشٍ لمقاتلة الرُّوم، فألقيَ في قلوبهم الرُّعب وعَدَلُوا عن التَّفكير بمهاجمة المدينة التي كانت خِلوًا من أيِّ جيشٍ حينها. فكان هذا الموقف صورةً من صور القوَّة بين أبي بكرٍ وعمر رضي الله عنهما تُوضِّح بجلاءٍ من هو الأقوى.

الموقف الثالث: حروب الردة

تصف السيدة عائشة رضي الله عنها حالَ المسلمين بعد ارتداد قبائل العرب كلِّها عدا مدنٍ ثلاثٍ هي

 مكة المكرمة والمدينة المنورة والطائف بقولها: "لمـَّا تُوفِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم نَجَمَ النِّفاق، وارتدَّت العرب،

واشرأبَّت اليهوديَّة والنصرانيَّة، وصار المسلمون كالغنم المطيرة في اللَّيلة الشاتية".

كان رأي عمر رضي الله عنه الذي كان ينطق باسم جمعٍ غفيرٍ من الصحابة رضي الله عنهم عدم مقاتلة المرتدِّين وموادعتهم على الرغم من تمرُّدهم على الدَّولة، بل إنَّهم عرضوا على أبي بكر رضي الله عنه تحييد بعض المرتدِّين وقبائلهم ببعض المال يُدفَع لهم.

وحاول عمر رضي الله عنه إقناع أبي بكرٍ فقال له: "يا خليفة رسول الله تآلف الناس فأرفق بهم؛ فأجاب الصدِّيق رضي الله عنه: "أجبَّارٌ في الجاهليَّة خوَّارٌ في الإسلام، قد انقطع الوحي وتمَّ، أينقص الدِّين وأنا حيٌّ؟!".

عندها أعلن أبو بكر رضي الله عنه بكلِّ وضوحٍ لعمر رضي الله عنه قائلًا: "والله لأقاتلنَّ من فرَّق بين الصلاة والزكاة؛ فإنَّ الزكاة حقُّ المال". ثمَّ قال في

قوَّةٍ بالغة: "والله لو منعوني عقالًا كانوا يُؤدُّونه إلى رسول الله، لقاتلتهم على منعه".

وحين حاول عمر رضي الله عنه ثنيه بالتساؤل عن الجيوش التي ستُحارب أين هي؟! قال أبو بكرٍ رضي الله عنه بكلِّ قوَّة: "أُقاتلهم وحدي حتى تنفردَ سالفتي".

يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "فوالله، ما هو إلَّا أن رأيت أنَّ الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفتُ أنَّه الحق". ثمَّ يُعلِّق بعد ذلك على قوَّة أبي بكر يوم الرِّدَّة فيقول: "والله لقد رجح إيمان أبي بكر بإيمان هذه الأمَّة جميعًا في قتال أهل الرِّدَّة". ولقد حفظ الله تعالى الدين كلَّه بأبي بكرٍ يوم الرِّدَّة، وما زلنا نُعاينُ ثمار القُّوَّة التي واجه بها هذه المحنة الفاصلة في تاريخ الأمَّة كلِّها.

وهذه المواقف تكشف بجلاءٍ مَنْ هو الأقوى، وقد أشار ابن القيم رحمه الله تعالى إلى هذا فيقول: "كان الصديق رضي الله عنه أشجعَ الأمَّة بعد رسول الله؛ برز على الصحابة كلِّهم بثبات قلبه في كلِّ موطنٍ من المواطن التي تُزلزل الجبال، وهو في ذلك ثابت القلب، ربيط الجأش، يلوذ به شجعان الصحابة وأبطالهم، فيُثبِّتهم ويُشجِّعهم".

من الطبيعيِّ أن يتساءل المرء عن الهدف من هذه المقارنة والمفاضلة، ولا بُدَّ في البداية من التَّأكيد على أنَّ المقارنة والتَّفضيل بالقوَّة بين اثنين لا يعني نفيها عن أحدهما، وهذا ما لا يحتاجُ إلى تأكيدٍ ونحن نُقارن بين أوضح نموذجين في القوَّة الفذَّة، وأشهر علمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهما "الشَّيخان" في الإسلام من مبتدئه، وسيبقيان كذلك ما بقيت هذه الأمَّة وهذا الدِّين.

ومن أهمِّ ما يُفيد في هذه المفاضلة تشكيلُ الوعي بمفهوم القوَّة، لا سيَّما عند الشباب الذين يعيشون الآن في مرحلةٍ من أقسى مراحل الصِّراع بين الحقِّ والباطل.

بالإضافة إلى تصحيح النَّظرة إلى التَّاريخ ورسم منهجيَّاتٍ راشدةٍ في الحكم على الشَّخصيَّات التَّاريخيَّة تتجاوز حالة الصُّورة الانطباعيَّة التي تشكَّلت بعيدًا عن التمحيص الدَّقيق.

فضلًا عن الارتباط بذلك النَّموذج الفذِّ الذي حقَّق الفترة الراشدة النَّاصعة في تاريخ هذه الأمَّة الطَّامحة إلى الحريَّة والكرامة والقوَّة الرَّاشدة.[الأنترنت – موقع الإسلام - من الأقوى .. أبو بكر أم عمر؟! - محمد خير موسى ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والخمسون بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *قوة عمر بن الخطاب :

إن القوة الحقيقية ليست قوة البدن كما يتبادر إلى ذهن الكثير من الناس عندما يسمع كلمة القوة، وإنما القوة بمعناها الشامل تنطوي على عدة أنواع.

إن القوة الحقيقية ليست قوة البدن كما يتبادر إلى ذهن الكثير من الناس عندما يسمع كلمة القوة، وإنما القوة بمعناها الشامل تنطوي على عدة أنواع أظهرها وليس أقواها: قوة البدن، ومن أنواع القوة أيضا القوة النفسية، والقوة الإيمانية.

وصاحبُ رسول الله عمر بن الخطاب آتاه الله كل هذه الأنواع من القوة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء من خلقه.

وقد أشار النبي إلى أن مدار القوة ليس هو البدن فحسب وإنما يدخل معه أيضا القوة النفسية الناتجة عن تحمل الغير وكظم الغيظ. يقول النبي : «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرْعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ»  [(‏صحيح‏) صحيح الجامع: حديث رقم‏ ‏ [5375].]

أولًا: القوة البدنية: لا شك أن البيئة التي تربى فيها عمر بن الخطاب بما فيها من خشونة في العيش، وضيق في ذات اليد لها أثر كبير في تكوينه الجسدي، فليس من ينشأ في النعيم والظل والحرير كمن ينشأ تحت لظى الشمس الحارقة في جو مكة، وفي بيت الخطاب بن نفيل.

ولد عمر بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة، وفي رحاب مكة وجَوّها القائظ، وريحها اللافحة، وصحرائها القاحلة، وأبوه الخطاب بن نفيل العدوي، كان شديد البأس، قوي الشكيمة، مما أورثه بعضا من صفات القوة.

ووصف الفاروقَ من رآه بأنه رجل آدم، أعسر، أيسر يعمل بكلتا يديه، أصلع، أضخم، مفرط الطول،

يفوق الناس طولًا، إذا كان فيهم بدا كأنه راكب على دابة والناس يمشون، جسيم، كأنه من رجال سدوس، كبير الشارب، إذا مشى أسرع، وإذا قال أسمع، وإذا ضرب أوجع، يصارع الفتيان في سوق عكاظ فيصرعهم، وبلغ من فروسيته وشدة بنيانه أنه كان يأخذ بأذن الفرس بيد وبأذنه بيده الأخرى، ثم يثب على الفرس. فهو قوي حتى في مظهره الخارجي.

ثانيًا: القوة النفسية: الصراحة دليل القوة النفسية:

بقراءة سيرة الفاروق يظهر لنا حبه الشديد، وعاطفته الفياضة للرسول، فحين يسمع رسول الله يقول: «لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكَونُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ حَتَّى نَفْسِهِ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْهِ». فَيَقُولُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مَالِي وَوَلَدِي وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ إَلا نَفْسِي الَّتِي بَيْنَ جَنْبِي. فقال الرَّسُولُ: «لا يَا عُمَرُ». فرجع الفاروق إلى نفسه وحبه للنبي فقال: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مَنْ مَالِي وَوَلَدِي وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ حَتَّى نَفْسِي الَّتِي بَيْنَ جَنْبِي. فَقَالَ الرَّسُولُ: «الآنَ يَا عُمَرُ». أي الآن اكتمل إيمانك يا عمر، أعلن عمر صراحةً في بادئ الأمر أن حبه للنبي أكثر من أي شيء إلا نفسه وهذه الصراحة دليل على قوته النفسية.

والشجاعة أيضًا دليل على القوة النفسية:

انظروا إلى شجاعة عمر:

عن ابن عمر قال: لما أسلم عمر بن الخطاب  لم تعلم قريش بإسلامه، فقال: أي أهل مكة أفشى للحديث؟ فقالوا: جميل بن معمر الجمحي، فخرج إليه وأنا أتبع أثره، أعقل ما أرى وأسمع، فأتاه فقال: يا جميل إني قد أسلمت. فقال: فوالله ما رد عليه كلمة، حتى قام عامدًا إلى المسجد، فنادى أندية قريش فقال: يا معشر قريش إن ابن الخطاب قد صبأ. فقال عمر: كذب، ولكني أسلمت وآمنت بالله وصدقت رسوله. فثاوروه فقاتلهم حتى ركدت الشمس على رءوسهم، حتى فتر عمر، وجلس فقال: افعلوا ما بدا لكم، فو الله لو كنا ثلاثمائة رجل لقد تركتموها لنا أو تركناها لكم. فبينا هم كذلك قيام إذ جاء رجل عليه حلة حرير، وقميص موشى، فقال: ما لكم؟ فقالوا: إن ابن الخطاب قد صبأ. قال: فمه، امرؤ اختار دينًا لنفسه، أتظنون أن بني عدي تسلم إليكم صاحبهم؟ قال: فكأنما كانوا ثوبًا انكمش عنه. فقلت له بعدُ بالمدينة: يا أبت، من الرجل الذي رد عنك القوم يومئذ؟ قال: يا بني، ذاك العاص بن وائل.

هذا هو الفاروق عمر بن الخطاب يعلن إسلامه علانية أمام أئمة الكفر وأساطين الضلالة دون خوف أو جبن من العقاب والإيذاء الذي سوف يناله من كفرهم وعنادهم، لقد سطع نور الإسلام في قلب عمر وأراد لهذا الدين أن يسود، وأن يكون لصاحبه حق الإعلان عن ولائه لهذا الدين، وأن تكفل له حقوق إبداء الرأي وممارسة شعائر دينه.

وقصة إسلام عمر تدل على شجاعته وقوته، فهو يريد قتل خاتم الأنبياء، ويتوشح سيفه عند الهاجرة،

ولكن إرادة الله  تجعل نعيم بن عبد الله يقابله، ويخبره عن إسلام أخته وزوجها، فيتحول إلى بيتها، ويعلو على زوجها، ويشج وجه أخته، وتسيل الدماء. فيرق قلب عمر، وينطق بالشهادة.

قال عبد الله بن مسعود: "كَانَ إِسْلامُ عُمَرَ فَتْحًا، وَكَانَتْ هِجْرَتُهُ نَصْرًا، وَكَانَتْ إِمَارَتُهُ رَحْمَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُصَلِّيَ فِي الْبَيْتِ حَتَّى أَسْلَمَ عُمَرُ، فَلَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ قَاتَلَهُمْ حَتَّى تَرَكُونَا فَصَلَّيْنَا" [أسد الغابة: جزء 1، صفحة [818].]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والخمسون بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *قوة عمر بن الخطاب :

ثالثًا: القوة الإيمانية :

"العقيدة المكينة، معين لا ينضب للنشاط الموصول، والحماسة المدخورة، واحتمال الصعاب، ومواجهة الأخطار، بل هي سائق حثيث يدفع إلى لقاء الموت دون تهيب، إن لم يكن لقاء محب مشتاق، تلك طبيعة الإيمان إذا تغلغل واستمكن، إنه يضفي على صاحبه قوة تنطبع في سلوكه كله، فإذا تكلم كان واثقا من قوله، وإذا اشتغل كان راسخا في عمله، وإذا اتجه كان واضحا في اتجاهه، وما دام مطمئنًا إلى الفكرة التي تملأ عقله، وإلى العاطفة التي تغمر قلبه، فقلما يعرف التردد سبيلًا إلى نفسه، وقلما تزحزحه العواصف العاتية عن موقفه" [محمد الغزالي: خلق المسلم ص [86].]

وعمر الذي كان بين الصحابة متفردًا بالصرامة والصراحة والقوة في الحق، والشدة في دين الله. هو نفسه عمر الأواه الأواب الخاشع الضارع المخبت المنيب، الذي ذلت له نفسه في الله، بل ذل له شيطانه الذي لم يجرؤ أن يسير في طريق يسلكه عمر وإذا رآه ولى مدبرًا، وما أفصح وأدق قول رسول الله  وهو يرى عمر داخلًا عليه ذات يوم فيقول: "إِيِهِ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ, وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا قَطُّ إِلا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ. إِنِّي لأَنْظُرُ إِلَى شَيَاطِينِ الْجِنِّ وَالإِنْسِ قَدْ فَرُّوا مِنْ عُمَرَ". ولت الشياطين الدبر فَرَقًا وخَوْفًا من هذا المؤمن المُؤَيد بنصرة الله، ويئست منه أن

 تصرفه عن عزائم الأمور، أو الوسوسة له بالشر، فليس هذا من شأنها معه.

ويكفي المرء في معرفة قدر الفاروق عمر أن يتعرف على وصف الرسول للفاروق بالشدة في دينه والقوة في أمر الله تعالى، يروي أنس بن مالك عن الرسول: «أَشَدُّ أُمَّتِي فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ».

وقال صهيب : لما أسلم عمر بن الخطاب ظهر الإسلام ودُعي إليه علانية، وجلسنا حول البيت حلقًا، واتنصفنا ممن غلظ علينا، ورددنا عليه.

إنه عمر وما أدراك ما عمر

أَعْنِي بِهِ الْفَارُوقَ فَرَّقَ عُنْوَةً *** بِالسَّيْفِ بَيْنِ الْكُفْرِ وَالإِيمَانِ

هُوَ أَظْهَرَ الإِسْلامَ بَعْدَ خَفَائِهِ *** وَمَحَا الظَّلامَ وَبَاحَ بِالْكِتْمَانِ

هجرة الفاروق عمر:

لما أسلم عمر بن الخطاب أَبَى إلا أن يكون إسلامه علانية، وإيمانه مشتهرًا يتسامع به الناس، كذا لما أراد الهجرة أبى إلا أن تكون علانية. يقول ابن عباس رضي الله عنهما: قال لي علي بن أبي طالب: ما علمت أحدًا من المهاجرين هاجر إلا مختفيًا، إلا عمر بن الخطاب.

فإنه لما هم بالهجرة، تقلد سيفه، وتنكب قوسه، وانتضى في يده أسهمًا، واختصر عنزته، ومضى قبل الكعبة والملأ من قريش بفنائها، فطاف بالبيت سبعًا متمكنًا، ثم أتى المقام، فصلى متمكنًا، ثم وقف على الحلق واحدة، واحدة، فقال لهم: شاهت الوجوه، لا يرغم الله إلا هذه المعاطس، من أراد أن تثكله أمه، أو يوتم ولده، أو يرمل زوجه فليلقني وراء هذا الوادي.

قال ابن الجوزي: قويت شدة عمر في الدين فصلبت عزائمه، فلما حانت الهجرة، تسللوا تسلل القطا، واختال عمر في مشيته، فقال: عند خروجه ها أنا

أخرج إلى الهجرة، فمن أراد لقائي فليلقني في بطن هذا الوادي.

ولنا وقفة مع هذا المشهد العمري، إذ كيف يهاجر عمر بن الخطاب جهرًا، ويهاجر الرسول  سرًّا.

إن عمر لا يمثل القدوة للمسلمين؛ وإنما القدوة الأولى هو الرسول، وفي المسلمين من هو ضعيف ومن هو قوي، وعدم اعتراض النبي على خروج عمر جهرًا فيه دلالة واضحة على أن من استطاع من المسلمين أن يخرج في قوة وجهر حال كونه قادرًا على ذلك فليفعل، ومن استطاع من المسلمين الأقوياء أن يظهر معالم الإسلام في مجتمع تسود فيه الجاهلية فليفعل وفي عمر قدوة له، ولكن ليس على الضعفاء حرج.

هيبة عمر: اتصف الفاروق بالهيبة لما كان عليه من قوة الدين، والحرص على أمر الله، والوقوف عند حدوده.

ومن هيبة الفاروق أن هناك جارية نذرت أن تضرب بين يدي النبي إن رده سالمًا، فلما أذن لها رسول الله في الوفاء بما نذرت فجعلت تضرب، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل عليّ وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، ثم دخل عمر فألقت الدف تحت استها، وقعدت عليه هيبة له.

ومن هيبة الفاروق، أنه كان للإسلام حصنًا فقمع الكافرين وكبت المنافقين وعلت في خلافته راية الموحدين.

رجل لا تأخذه في الله لومة لائم:

يروي طارق بن شهاب رحمه الله أن حذيفة خطبهم فقال: والله ما أعرف رجلًا لا تأخذه في الله لومة لائم غير هذا الرجل: عمر بن الخطاب فكيف أنتم لو قد فارقكم؟! ألا يدعونا ذلك إلى التأسي بالفاروق  بألا تأخذنا في الله لومة لائم.

ألا نقتدي بعمر فنقدم مرضاة الله تعالى على الخلق أجمعين. هذا ما نرجوه، وهذا ما نتمناه.

الشيطان يفر من عمر: من مناقب عمر بن الخطاب التي عُرف بها بين أصحاب النبي أن الشيطان كان يفر منه، ويسلك طريقًا غير طريقه.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والخمسون بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *قوة عمر بن الخطاب :

يقول سعد بن أبي وقاص: اسْتَأْذَنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى النَّبِيِّ وَعِنْدَهُ نِسَاءٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَسْأَلْنَهُ، وَيَسْتَكْثِرْنَهُ عَالِيَةً أَصْوَاتُهُمْ عَلَى صَوْتِهِ، فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ تَبَادَرْنَ الْحِجَابَ فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ  فَدَخَلَ وَرَسُولُ اللَّهِ  يَضْحَكُ فَقَالَ: أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي. فَقَالَ الرَّسُولُ: «عَجِبْتُ مِنْ هَؤُلاءِ اللاتِي كُنَّ عِنْدِي، فَلَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ بَادَرْنَ الْحِجَابَ». فَقَال عُمَرُ: أَنْتَ أَحَقُّ أَنْ يَهَبْنَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِنَّ فَقَالَ: أَيْ عَدُّوَاتِ أَنْفُسِهِنَّ أَتَهَبْنَنِي وَلا تَهَبْنَ رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقُلْنَ: نَعَمْ أَنْتَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ . فَقَالَ النَّبِيُّ: إِ «يِهِ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ» (صحيح البخاري).

أضحك الله سنك: لم يرد به الدعاء بكثرة الضحك، بل لازمه، وهو السرور أو نفي ضد لازمه وهو الحزن.

إيه: بالكسر والتنوين معناها حدثنا ما شئت وبغير التنوين زدنا مما حدثنا.

وقال النووي هذا الحديث محمول على ظاهره، أن الشيطان متى رأى عمر سالكًا فجًّا هرب هيبة من

 عمر، وفارق ذلك الفج، وذهب في فج آخر لشدة خوفه من بأس عمر أن يفعل فيه شيئًا.

قال رسول الله : «إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَخَافُ مِنْكَ يَا عُمَر» (سنن الترمذي).

وعن تلك المنقبة التي ثبتت لعمر بن الخطاب يحدثنا ابن مسعود فيقول: خرج رجل من أصحاب النبي، فلقى الشيطان فاشتجرا فاصطرعا، فصرعه الذي من أصحاب رسول الله، فقال الشيطان: أرسلني أحدثك عجيبًا يعجبك. قال: فأرسله. قال: فحدثني. قال: لا. قال: فاشتجرا الثانية، واصطرعا، فصرعه الذي من أصحاب محمد ، قال: أرسلني فلأحدثك حديثًاً يعجبك. فأرسله. فقال: حدثني. فقال: لا. فاشتجرا الثالثة. فصرعه الذي من أصحاب محمد، ثم جلس على صدره، وأخذ بإبهامه يلوكها، فقال: أرسلني. قال: لا أرسلك حتى تحدثني. قال: سورة البقرة، فإنه ليس منها آية تقرأ في وسط الشياطين إلا تفرقوا ولا تقرأ في بيت، فيدخل ذلك البيت شيطان. قالوا: يا أبا عبد الرحمن، فمن ذلك الرجل. قال: فمن ترونه إلا عمر بن الخطاب.

ومن المواقف التي تتجلى فيها قوة عمر وفضل إيمانه مما جعل الشياطين تخشاه ما رواه الترمذي قال: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَبَّاحٍ الْبَزَّارُ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ  جَالِسًا، فَسَمِعْنَا لَغَطًا وَصَوْتَ صِبْيَانٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ  فَإِذَا حَبَشِيَّةٌ تَزْفِنُ وَالصِّبْيَانُ حَوْلَهَا، فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ تَعَالَيْ فَانْظُرِي». فَجِئْتُ فَوَضَعْتُ لَحْيَيَّ عَلَى مَنْكِبِ رَسُولِ اللَّهِ  فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهَا مَا بَيْنَ الْمَنْكِبِ إِلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ لِي: «أَمَا شَبِعْتِ، أَمَا شَبِعْتِ». قَالَتْ: فَجَعَلْتُ أَقُولُ: لا. لأَنْظُرَ مَنْزِلَتِي عِنْدَهُ إِذْ طَلَعَ عُمَرُ، قَالَتْ: فَارْفَضَّ النَّاسُ عَنْهَا. قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «إِنِّي لأَنْظُرُ إِلَى شَيَاطِينِ الإِنْسِ وَالْجِنِّ قَدْ فَرُّوا مِنْ عُمَرَ». قَالَتْ: فَرَجَعْتُ. قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ [الترمذي: كتاب المناقب -باب مناقب عمر بن الخطاب- حديث رقم [3624].]

ويروي بريدة: يَقُولُ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ  فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ جَاءَتْ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ إِنْ رَدَّكَ اللَّهُ سَالِمًا أَنْ أَضْرِبَ بَيْنَ يَدَيْكَ بِالدُّفِّ وَأَتَغَنَّى. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ: «إِنْ كُنْتِ نَذَرْتِ فَاضْرِبِي، وَإِلا فَلا». فَجَعَلَتْ تَضْرِبُ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عَلِيٌّ وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ، فَأَلْقَتِ الدُّفَّ تَحْتَ اسْتِهَا ثُمَّ قَعَدَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَخَافُ مِنْكَ يَا عُمَرُ، إِنِّي كُنْتُ جَالِسًا وَهِيَ تَضْرِبُ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عَلِيٌّ وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ وَهِيَ تَضْرِبُ، فَلَمَّا دَخَلْتَ أَنْتَ يَا عُمَرُ أَلْقَتِ الدُّفَّ» (سنن الترمذي).

وقال طارق بن شهاب رحمه الله: كنا نتحدث أن عمر بن الخطاب ينطق على لسان ملك.

ويروي علينا قول ابن مسعود: إني لأحسب الشيطان يفرق من عمر أن يحدث حديثًا فيرده، وإني لأحسب عمر بين عينيه ملك يسدده ويقومه. فالحق يدور مع الفاروق حيث دار، والصدق يكون حيث كان، فالسكينة تنطق على لسانه، والحق وضع في قلبه، وهو المحدَّث الذي أُلقي الخير في روعه، وكثرت في آيات القرآن الكريم موافقاته.

وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله تعالى هو صاحب الفضل العظيم.

يقول البراء بن عازب: كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ  مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَكَانُوا يُقْرِئُونَ النَّاسَ، قَالَ: ثُمَّ قَدِمَ بِلالٌ وَسَعْدٌ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، ثُمَّ قَدِمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي عِشْرِينَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ، ثُمَّ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ، فَمَا رَأَيْتُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَرِحُوا بِشَيْءٍ فَرَحَهُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ. قَالَ: حَتَّى جَعَلَ الإِمَاءُ يَقُلْنَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: فَمَا قَدِمَ حَتَّى

قَرَأْتُ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى:1] فِي سُوَرٍ مِنَ الْمُفَصَّلِ.

وهكذا ظل عمر بن الخطاب حريصًا على إعزاز الإسلام في أفعاله، ويعمل جاهدًا على إعانة من أراد الهجرة حتى خرج ومعه هذا الوفد الكبير من أقاربه وحلفائه.

فما أروع عمر بن الخطاب في إسلامه، وما أروعه في هجرته .

"ولما هاجر عمر  أصبح وزير صدق للنبي  وآخى بينه وبين عويمر بن ساعدة، وقيل: بينه وبين عتبان بن مالك، وقيل: بينه وبين معاذ بن عفراء، وقد علق ابن عبد الهادي على ذلك وقال: لا تناقض بين الأحاديث ويكون رسول الله  قد آخى بينه وبين كل أولئك في أوقات متعددة".

[الأنترنت – موقع طريق الإسلام  - قوة عمر بن الخطاب]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والخمسون بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *كانت قوة النبي صلى الله عليه وسلم بأربعة آلاف رجل "

* ففي صحيح البخاري من حديث أنس رضي الله عه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يطوف على نسائه في ليلة واحدةٍ وله تسع نسوة .

وفي رواية للبخاري عن قتادة أنه قال : حدثنا أنس بن مالك قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة , قال : قلت لأنس : أو كان يطيقه ؟ قال : كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين... وفي رواية «قوة أربعين» .

قال الحافظ في الفتح : وفي صفة الجنة لأبي نعيم من طريق مجاهد مثله وزاد «من رجال أهل الجنة» وعند أحمد والنسائي وصححه الحاكم من حديث زيد بن أرقم رفعه «إن الرجل من أهل الجنة ليُعطى قوة مائة في الأكل والشرب والجماع والشهوة» فعلى هذا يكون حساب قوة نبينا أربعة آلاف (فتح الباري)

[ الأنترنت – موقع الكلم الطيب]

*قوة النبي صلى الله عليه وسلم : أنى أجلتَ بصرك في السيرة النبوية، استوقفتك صفات القوة والنشاط التي كان يتمتع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم:

• قوة في الجسم. • وقوة في الإرادة. • وقوة في الصبر على تحمل المشاق.• وقوة على مواصلة الصوم.

• وقوة على الوقوف طويلًا بين يدي الله تعالى في الصلاة.• وقوة على مواجهة الأمور الصعبة..

.. إنها القوة في شتى ميادين الحياة، مادية ومعنوية.

ولقد كانت هذه القوة موفورة متجددة، حتى مع تقدمه في السن صلى الله عليه وسلم، وليس باستطاعتنا أن نضرب الأمثلة على ذلك من كل الميادين، لما في ذلك من الإطالة. ولكنا نكتفي ببعضها:

• فها هم المسلمون يحفرون الخندق في غداة باردة.. وتعرض لهم كدية شديدة، عجزت سواعدهم

ومعاولهم عن النيل منها، وجاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعرضون عليه الأمر، فقال لهم: "أنا نازل" إليها، ثم قام وبطنه معصوب بحجر - فقد لبثوا ثلاثة أيام لا يذوقون الطعام - فأخذ المعول فضرب به الكدية فتفتت[أخرجه البخاري برقم (4101).]

• وتذكر معي ذهابه إلى الطائف منفردًا بعد موت عمه وزوجته وهو يفتش عمن يحميه حتى يبلغ دين الله تعالى.. وما تحمل في ذلك ماديًا ونفسيًا.

• وفي حادثة تخيير نسائه صلى الله عليه وسلم، زاره عمر في مشربة له مرتفعة، يرتقي إليها بجذع جعل كالسلَّم.. يقول عمر رضي الله عنه: ثم نزل نبي الله صلى الله عليه وسلم ونزلت، فنزلت أتشبث بالجذع، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما يمشي على الأرض ما يمسُّه بيده[أخرجه مسلم برقم (1479).]

• وإذا تذكرنا أن حادثة التخيير كانت في السنة التاسعة، أي في أواخر حياته صلى الله عليه وسلم، علمنا استمرار هذا النشاط معه صلى الله عليه وسلم حتى آخر حياته.

فقد نزل الرسول صلى الله عليه وسلم من المشربة إلى الجذع ثم إلى الأرض، وكأنه يمشي على الأرض، بينما اضطر عمر - مع ما بينهما من فارق السن - أن يتشبث ويمسك بالجذع خوفًا من الوقوع على الأرض.

إنها مشاهد.. ومشاهد تبين ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من قوة ونشاط.

وما له لا يكون كذلك وهو القائل:

"المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير.

احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز.

وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن "لو" تفتح عمل الشيطان"[ أخرجه مسلم برقم 2664

إنه الحث على طلب القوة..

وبيان أسبابها: من الحرص.. والاستعانة بالله.. وعدم تسرب العجز إلى النفس. وكذلك عدم التحسر على الماضي، وضياع الوقت في ذلك.

إنها البلاغة النبوية، كلمات قليلة، استوفت الموضوع بكل أبعاده المادية والمعنوية فلنتأمل..

وإذا كان صلى الله عليه وسلم قويًا، ويطلب القوة ويحث عليها، فذلك لا يعني الاستهانة بالضعفاء. فقد قال في حديثه: "وفي كلٍّ خيرٌ".

وقد رأى سعد بن أبي وقاص - في بعض المواقف - أنه له فضلًا على من دونه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم"[أخرجه البخاري برقم (2896).]

إن القوة في المسلم والمؤمن لا ينبغي أن تؤدي به إلى الغرور أو التعالي على غيره، فيقع في ميدان التكبر وتلك قاصمة الظهر.

إنه التوازن في المنهج الإسلامي، فلا فائدة في النمو في جانب، إذا كان على حساب الضمور في جانب، ولذا جاء قوله صلى الله عليه وسلم: " وفي كلٍّ خيرٌ".الأنترنت – موقع الألوكة  - قوة النبي صلى الله عليه وسلم - أ. صالح بن أحمد الشامي

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والخمسون بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * منطق القوة في كتاب الله :

في عالم لا يعترف إلا بالقويِّ، ولا يحترم ولا يكترث إلا بمن يمتلك أدوات الضغط والإكراه؛ يبزغ سؤال له أهمية كبيرة في تفسير ما يجري وفي وضع الحلول لما نحن فيه من خطوب وكروب، والسؤال هو: ما موقف القرآن الكريم من استخدام القوة ؟ وما هي الأسس الفكرية والعقدية التي ينبني عليها هذا الموقف ؟ وبالجملة: ما هي العلاقة بين القرىن الكريم ومنطق القوة ؟

ولست أعني بمنطق القوة سوى ذلك المعنى المباشر الذي يتبادر إلى الذهن بمجرد النطق بلفظ القوة،

 ولن أذهب قطّ إلى تلك الفضاءات البعيدة التي يذهب إليها القاصدون للتوسع والاستطراد، لن أتحدث عن أنواع القوة التي لا يحصيها العدّ ولا يطويها الاستقصاء مهما امتدّ، فقط سأتحدث عمّا يطيب للكثيرين التعبير عنه بمصطلح: القوة الخشنة؛ وذلك لأنّه المقصود دون توسع، وإن كانت أنواع القوة الأخرى لا غنى عنها .

ولن أكون خارجاً عن فلك القرآن إذا دعمت رؤيتي بجملة من الأحاديث - وإن كثرت بعض الشيء - ما دام الأصل هو القرآن؛ لأسباب، منها: أنّ السنّة وحي بالمعنى، وهي أحد قسمي الوحي، وأنّ حجية السنة ثابتة بالقرآن نفسه، وأنّ من السنّة - وهو الأغلب - ما هو مُفَصِّل لما أُجمل في القرآن، وما هو تأويل لمقاصده وتنزيل لأحكامه على واقع الأمّة وحياة الناس .

إنّك إن ألقيت نظرة سريعة في سور القرآن الكريم - مكّيّه ومدنيّه - لرجعت إليك بحقيقة أولية غاية

في البساطة والوضوح والصراحة والثبات، هذه الحقيقة مفادها أنّ الحقّ يخوض صراعاً أزلياً سرمدياً مع

الباطل؛ ومن ثمّ فلابدّ للحق من قوة تحميه، وتهيء الأوضاع لقبوله والتسليم له والعمل بمقتضاه .

هذه الحقيقة الأولية البالغة البساطة والوضوح والصراحة والثبات؛ تنبثق منها وتتفرع عنها جملة من الحقائق، تدور في فلكها الرحيب، وتتسم بسماتها الأربع (البساطة والوضوح والصراحة والثبات)، بدرجات متفاوتة حسب القرب والبعد، والالتصاق والافتراق، دون إخلال باجتماع هذه السمات والتئامها .

الحقيقة الأولى:

أنّ القرآن المكيّ، الذي نزل أيام كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله تعالى في مكة دعوة خالية من كل أشكال الشدّة على الكافرين، لم يشتمل مطلقاً على ما يدل على أنّ الإسلام ضدّ استخدام القوة، أو أنّه دين لا يعتمد أسلوب فرض الوجود على الأرض بالقوة، وإنما اشتمل فقط على خطاب تكليفيّ للمؤمنين بالإعراض والصفح الجميل، وليس في هذا الخطاب نفيٌ لمبدأ القوة، لأنّه لم يأت معللاً بانتفاء المبدأ، وإنما جاء في مواضع عارياً عن مثل هذا التعليل، مثل قوله تعالى: (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) (الحجر 85) أي: "فأعرض عنهم إعراضا جميلاً واعف عنهم" تفسير الطبري جامع البيان (17/ 127) وفي أخرى جاء معللاً بالوقتية مثل قوله تعالى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حين} (الصافات 174) أي: " اصبر على أذاهم لك وانتظر إلى وقت مؤجل فإنا سنجعل لك العاقبة والنصرة والظفر؛

ولهذا قال بعضهم: غَيَّا ذلك - أي جعل لذلك غاية - إلى يوم بدر" تفسير ابن كثير ط العلمية (7/ 40)، والمسلك الصحيح للتعامل مع هذا التنوع هو تفسير الآيات الواردة في هذه القضية في ضوء ما ورد منها معللاً بالتوقيت، فيكون المقصود بالعفو والصفح في قوله تعالى: (فاصفح الصفح الجميل) أي: إلى حين استقرار النصر لك. تفسير القاسمي - محاسن التأويل (8/ 234)

ولأجل هذا قال أغلب المفسرين من السلف بأن آية السيف نسخت كل ما سبقها من الآيات التي تتحدث عن الصفح والإعراض، إلا أنّ المحققين لم يوافقوا المتأخرين من المفسرين في حملهم قول السلف بالنسخ على معنى النسخ في الاصطلاح، وهو رفع الحكم السابق بخطاب لا حق، لأنّ السلف لم يقصدوا بالنسخ ذلك المعنى الاصطلاحي المتأخر، وإنما قصدوا ما هو أعم منه وأشمل، مما تتسع له اللغة ولا يتسع له الاصطلاح، من ذلك أن يشرع الحكم لسبب ثم يزول السبب فيرتفع الحكم لزوال سببه. راجع: مناهل العرفان (2/254)

ولم يرد قط عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ينافي ذلك في الواقع العمليّ للدعوة الإسلامية، بل ورد ما يدعمه ويقويه، فها هو يصدر عنه بعض ما يضمره إلى أن يحين وقته، عندما تعرضوا له بالأذى قال: «تسمعون يا معشر قريش، أما والذي نفس محمد بيده، لقد جئتكم بالذبح» فأخذت القومَ كلمتُه، حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه طائرٌ واقع، حتى إن أشدهم عليه ليرفؤه بأحسن ما يجد من القول، ويقول: انصرف يا أبا القاسم، انصرف راشدا، فوالله ما كنت جهولاً. مسند أحمد (11/ 610) - سيرة ابن هشام (1/ 290) - البداية والنهاية (3/ 61) - تاريخ الطبري (2/ 332)

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والخمسون بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * منطق القوة في كتاب الله :

ولقد كان صلى الله عليه وسلم حريصاً على ألا يصدر منه ما يخالف مبدأ استخدام القوة، حتى في الظروف التي يكون فيها مكروبا مستضعفاً، بل لم يضطره لذلك حرصه على تأليف الخلق أو خوفه من تفرق الناس عنه، ومن شواهد ذلك أنّه عرض نفسه في موسم الحج على القبائل، فأتى بني عامر بن صعصعة، فدعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه، فقال له رجل منهم يقال له: بيحرة بن فراس: والله لو أني أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب، ثم قال له: أرأيت إن نحن تابعناك على أمرك ثم أظهرك الله على من يخالفك أيكون لنا الأمر من بعدك؟ قال: " الأمر لله يضعه حيث يشاء"، فقال الرجل: أفنهدف نحورنا للعرب دونك فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا! لا حاجة لنا بأمرك، فأبوا عليه. البداية والنهاية ط إحياء التراث (3/ 171)؛ فلم تشتمل إجابته على ما ينفي ما تبادر إلى فهمهم من أنّ الإسلام لابد له من دولة وقوة، رغم حرصه على هدايتهم، كما لم ينف ذلك عندما عرض عليه الذين بايعوه عند العقبة هذا العرض: "والله الذي بعثك بالحق: إن شئت لنميلن على أهل منى غدا بأسيافنا؟" واكتفى بإعلامهم بأنّ الأمر لم يصدر بعد بذلك، فكان جوابه: "لم نؤمر بذلك" سيرة ابن هشام ت السقا (1/ 448)

ولو أنّنا دققنا النظر لاكتشفنا ما هو أبعد من ذلك في دلالته، فهناك آيات مكية كثيرة اشتملت على إشارات واضحة الدلالة على هذا المبدأ، فعلى سبيل المثال؛ سورة العاديات افتتحت بهذا القسم: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5) إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6)} فعلامَ أقسم الله تعالى بالخيل التي تعدو فتضبح في عدوها وتصبح القوم قادحة للشرر مثيرة للنقع متوسطة للجمع ؟ وكان جواب القسم هكذا: " إنّ الإنسان لربه لكنود " ومحال ألا تكون هناك علاقة بين القسم والمقسم عليه؛ لأنّ كلام الله آخذ بعضه برقاب بعض، والعلاقة هي علاقة السبب بالمسبب، فكنود وجحود البشرية وموقفها المتعنت تجاه الحق وأهله يستدعي العاديات ضبحاً المغيرات صبحاً؛ ليس فقط لحماية الحق ودعاة الحق، وإنما لذلك ولأمر آخر لا يقل أهمية عن حماية الحق وأهله، وهو تهيئة النفوس والأوضاع لقبول الحق والتسليم له.

وتأتي الإشارة أكثر وضوحاً في سورة القمر، حيث ذكر الله تعالى فيها قصص الأمم المكذبة للمرسلين، وذكر مصارعهم جميعاً، حتى إذا ما بلغ السياق أهل مكة المكذبين لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذا بالسنّة الماضية تأخذ لوناً جديداً: {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ (43) أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (44) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45)} (القمر 43-45) فالأخذ - إذاً - هذه المرة سيكون بأيدي المؤمنين وجهادهم، وهذا المعنى لم يتضح للناس

بشكل كامل إلا يوم أن التقى الجمعان ببدر ووثب رسول الله صلى الله في درعه صائحاً: {سيهزم الجمع ويولون الدبر}.

هذه هي الحقيقة الأولى، حقيقة خلو الخطاب في مكة من كل ما يخالف مبدأ القوة، هذه الحقيقة لها دلالاتها المتعددة، أول هذه الدلالات أنّ مبدأ اعتماد القوة لم يكن ردّ فعل بسبب ملابسات تاريخية، ولم يكن تطوراً في أدوات الصراع اقتضته مرحلة من مراحل الدعوة، وإنما كان منهجاً ثابتاً؛ يدفع بثباته هذا كل ما توسوس به نفوس المنهزمين من المسلمين، الذين يحاولون تبرير فريضة الجهاد - لاسيما جهاد الطلب - بملابسات تاريخية وظروف غير دائمة .

الدلالة الثانية تتمثل في رسوخ المبدأ وثباته؛ إلى حدّ أنّ الحاجة الملجئة بسبب ضغط الجاهلية وبطشها بقوم ليس لديهم منعة؛ لم تفلح في استدعاء خطاب يفتح للجاهلية باب الأمل في أن تتعايش مع الإسلام على أرض واحدة، ناعمةً بسلام تأخذه وتعطيه، وأمان يفرضه طمع كل فريق في البقاء .

الحقيقة الثانية:

أنّ مبدأ اعتماد القوة في الإسلام مبنيّ على أسباب شرعية وواقعية في ذات الأمر، فهو مبرر شرعاً

وواقعاً، فإذا تأملنا - على سبيل المثال - قول الله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) (البقرة 253) لتبين لنا واقع يبرر بوضوح تام وصراحة مفرطة اعتماد الإسلام لمبدأ القوة، فلولا أنّ الناس اختلفوا إلى مؤمنين وكفار ما اقتتلوا؛ فاقتتالهم هذا نتيجة طبيعة لافتراقهم إلى مؤمنين وكفار؛ لأنّ من طبيعة الجاهلية والإسلام أنهما لا يأتلفان حتى يأتلف النور والظلام، ولا يلتقيان حتى يلتقي الليل والنهار .

ومثل هذا أو قريب منه تجده في افتتاح سورة محمد التي سميت بسورة القتال: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (1) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (2) ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ (3)} (محمد 1-3) ثم انطلق السياق بعدها إلى غايته، وهي وضع استراتيجية القتال في المرحلة تلك، وهي الإثخان في الارض قبل أخذ الأسرى وقبول الفدية: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا}(محمد آية 4) ، والشاهد هنا هو أنّ القتال الذي فرض هنا ووضعت لتنفيذه خطة واضحة بني على أصل واقعيّ يبرره ويفسره، وهو اختلاف الناس إلى مؤمنين وكفار .

وأوضح من هذا وذاك هاتان الآيتان: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} (البقرة 251) {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} (الحج  40) أي: لولا دفع الله الناس (الكافرين المفسدين) بالناس (المؤمنين المجاهدين) لفسد دين الناس ولفسدت كذلك دنياه ومعايشهم.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الستون بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * منطق القوة في كتاب الله :

الحقيقة الثالثة:

أنّ السعي لامتلاك أسباب القوة فرض على الأمّة لا يسقط ولا يتأجل، قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} (الأنفال 60) والتدريب اللازم للمواجهة من الإعداد ومن أسباب القوة؛ وقد خرّج مسلم وغيره عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله وهو على المنبر يقول: " {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي " صحيح مسلم (3/ 1522)

ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغفل قط عن الإعداد بكل مستوياته، مرّ صلى الله عليه وسلم ذات يوم على نفر من أسلم ينتضلون، فقال: «ارموا بني إسماعيل، فإن أباكم كان راميا ارموا، وأنا مع بني فلان» قال: فأمسك أحد الفريقين بأيديهم، فقال: «ما لكم لا ترمون؟»، قالوا: كيف نرمي وأنت معهم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «ارموا فأنا معكم كلكم» صحيح البخاري (4/ 38) وعن ابن عمر «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق بالخيل التي قد أضمرت من الحفياء، وكان أمدها ثنية الوداع، وسابق بين الخيل التي لم تضمر، من الثنية إلى مسجد بني زريق» متفق عليه.

وإذا كان الإنفاق في سبيل الله جهاد بالمال ينافس الجهاد بالنفس؛ فإنّه ما قصد به إلا القيام بواجب الإعداد، ومن هنا ذمّ الله تعالى المنافقين لكنهم بخلوا وضنوا بأموالهم فلم ينفقوا منها للإعداد، ولعل التأويل الصحيح لقوله تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (البقرة 195) مفاده: أنّ عدم الإنفاق يفضي إلى ترك الإعداد وهو التهلكة الحقيقية .

الحقيقة الرابعة:

أنّ حاجة الأمة الإسلامية للقوة مستمرة إلى نهاية الدنيا، قال الله تعالى: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا

فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا}(محمد آية 4) أي حتى تضع الحرب أثقالها وآثامها التي لابد منها والتي نضطر إليها من باب اختيار أهون الشرين، لكن متى تضع الحرب أوزارها ؟ قال مجاهد وابن جبير: هو خروج عيسى عليه السلام تفسير القرطبي (16/ 228) وقال آخرون: يعنى: حتى يترك أهل الحرب- وهم المشركون - شركهم ومعاصيهم بأن يسلموا تفسير الزمخشري - الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (4/ 317) وقال القاضي أبو محمد: وظاهر الآية أنها استعارة يراد لها التزام الأمر أبداً، وذلك أن الحرب بين المؤمنين والكافرين لا تضع أوزارها، فجاء هذا كما تقول: أنا أفعل كذا إلى يوم القيامة، فإنما تريد: إنك تفعله دائماً تفسير ابن عطية - المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (5/ 111)

وقد أورد بعض المفسرون في ثنايا تفسيرهم لهذه الآية ذلك الحديث الذي يمضي على نفس المعنى: عن عروة بن الجعد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة» متفق عليه، وآخرون أوردوا هذا الحديث: عن جبير بن نفير، عن سلمة بن نفيل، قال: كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رجل: يا رسول الله، أذال الناس الخيل، ووضعوا السلاح، وقالوا: لا جهاد قد وضعت الحرب أوزارها، فأقبل بوجهه، وقال: «كذبوا الآن، الآن جاء القتال، ولا يزال من أمتي أمة يقاتلون على الحق، ويزيغ الله لهم قلوب أقوام، ويرزقهم منهم حتى تقوم الساعة، وحتى يأتي وعد الله، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وهو يوحى إلي أني مقبوض غير ملبث، وأنتم تتبعوني أفنادا، يضرب بعضكم رقاب بعض، وعقر دار المؤمنين الشام» رواه النسائي (6/ 214) وصححه الألبانيّ.

الحقيقة الخامسة:

أنّ اعتماد الإسلام لمبدأ القوة ليس فقط لردّ العدوان ولا لحماية الدعوة والدعاة، وإنما لذلك ولأهداف أخرى غاية في الأهمية، قد نص القرآن عليها نصاً، وهي دفع فتنة الكفر والشرك عن الأرض، وتهيئة النفوس والأوضاع لتتقرر سيادة الشريعة ويكون الدين كله لله؛ لذلك فرض ما يسمى في الفقه الإسلاميّ بجهاد الطلب، وهو الجهاد الذي لا ينتظر عدوان المعتدين حتى يكون هو الطالب للمشركين والكافرين المبتديء بقتالهم - بعد إعلامهم بالدعوة - حتى ولو لم يقع منهم عدوان .

إنّ الله تبارك وتعالى أمر المؤمنين في محكم كتابه في آيات محكمة لم تنسخ أمراً صريحاً واضحاً بقتال جميع أصناف الكفار، وجعل لهذا القتال غايةً ليست هي مجرد رجوع المعتدين عن عدوانهم، ولا مجرد حماية الأرض والذب عن العرض، ولا حتى مجرد حماية الدعوة والدعاة، وإنما هي - بإيجاز شديد - إنهاء الكفر والشرك أو إنهاء سلطانهما، وإدخال الناس في الإسلام أو في الطاعة لسلطان دولة الإسلام؛ وهذا يعني أن الأمةَ الإسلاميةَ مفروضٌ عليها الجهادُ ابتداءً، وأن عليها أن تطلب الأمم الكافرة بالجهاد وأن تبتدئها بالقتال؛ لأن هذه الغايات من شأنها ألا تتوقف على ردود أفعال، وألا تنتظر وقوع العدوان من المستهدفين بها، من هذه هي الآيات: قول الله تعالى من سورة البقرة: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ للهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ وقوله في سورة الأنفال: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ (الأنفال 39-40) فقد أمر الله عباده المؤمنين في هاتين الآيتين بقتال الكافرين إلى غاية هي: ألا تكون فتنة، وأن يكون الدين لله، ومعنى ألا تكون فتنة: ألا يكون شرك أو كفر، وهذا المعنى مروي عن السلف مثل قتادة ومجاهد والسدّي وغيرهم. تفسير الطبري (م 2 ج 2 ص 265) 

ومعنى قوله تعالى: يكون الدين لله أي يكون التوحيد خالصا لله وتكون العبادة خالصة لله، ويدخل الناس في (لا إله إلا الله)، وهذا المعنى مروي عن السلف أيضا، مثل الضحاك وقتادة وابن جريج ومحمد بن إسحاق وعبد الرحمن بن زيد بن أرقم وابن عباس وغيرهم. تفسير ابن كثير (2/298) 

ومعنى قوله تعالى: (فإن انتهوا) قال الطبري: «يعني تعالى ذكره بقوله: «فإن انتهوا» فإن انتهى الذين يقاتلونكم من الكفار عن قتالكم، ودخلوا في ملتكم، وأقروا بما ألزمكم الله من فرائضه، وتركوا ما هم عليه من عبادة الأوثان، فدعوا الاعتداء عليهم وقتالهم وجهادهم، فإنه لا ينبغي أن لا يعتدي إلا على الظالمين -وهم المشركون بالله، والذين تركوا عبادته وعبدوا غير خالقهم» تفسير الطبري (م 2 ج 2 ص 266)

وما فهمه الطبري هو ما فهمه غيره من المفسرين، قال القرطبي: في معنى قوله تعالى:«فإن انتهوا»: أي: عن الكفر: إما بالإسلام أو بأداء الجزية » تفسير القرطبي (2/728) وقال الإمام البغوي: «فإن انتهوا»: عن القتال والكفر تفسير البغوي (1/214)

ومن الآيات الدالة على ما تقرر بما سلف من الآيات قول الله تعالى: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (التوبة 5) وسياق الآية يدل على أن الغاية التي ينتهي عندها القتال هي الدخول في الإسلام، فقوله عز وجل: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ﴾ معناه: «فإن تابوا عن الشرك بالإيمان وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة تصديقاً لتوبتهم وإيمانهم فخلوا سبيلهم أي فدعوهم ولا تتعرضوا لهم بشيء»، ومفهومه أنه إذا لم يتوبوا عن الشرك بالإيمان فلا ترفعوا عنهم السيف.

هذه هي الحقيقة التي لا يصح أن نجهلها أو نتجاهلها، فضلاً عن أن نستحي منها ونزفف عليها وكأنّها عورة، ليس في ديننا عورة نجتهد في مواراتها والستر عليها، فديننا هو الحق، والتمسك به نجاة، والإعراض عنه هلكة وضياع. القرآن القوة منطق مبدأ الجهاد

[ الأنترنت – موقع رابطة علماء أهل السنة - منطق القوة في كتاب الله -الدكتور عطية عدلان ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والستون بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * موقع قدرة الله وعدله :

بعض المقاطع من بحث أنجزه  وأعده  أحمــد الرحلــــي بعنوان  :قدرة   الله  تعالى  وعدله

*  خلق الكون  وما فيه  بقدرة  الله تعالى  وعلمه

أ – قدرة الله  على الخلق مطلقة :

وجود الله تعالى سابق  لوجود  كل شيء ، قال تعالى في سورة  الإخلاص  الآيات 1-4 :  "قل هو الله أحد ، الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد". لم يوجد أحد  ولا شيء قبل وجود الله  الذي أوجد وخلق وصنع الكون وما فيه من أشياء وأحياء. ولا قوة فوق قوة الله وقدرته وسلطاته وحكمه وتدبيره للكون كله. وليس لوجود  الله بداية ولا نهاية.  جاء  في سورة ص الآيتين  9 و10 : "أم عندهم خزائن  رحمة ربك العزيز الوهاب  أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما فليرتقوا  في الأسباب وسبح بحمده وكفى  به بذنوب عباده  خبيرا  الذي  خلق  السماوات والأرض  وما بينهما  في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمان  فسأل  به  خبيرا"  والرحمان الآيتين  26-27  :

 "كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام"  فلا نهاية لوجود الله  تعالى.

1 – خلق السماوات والأرض  وما  بينهما  :

 إن نعم الكون التي يستفيد منها الإنسان وغيره من صنع الله  وخلقه ولا أحد يملك السماوات والأرض وما بينهما ، ولا أحد يمكنه التصرف في الكون لتغيير  ما هو موجود  إلا الله  تعالى.  والواقع  والملاحظ  يؤكد  هذه الحقيقة.   وتؤكد  ذلك  عدة  آيات  كريمة  منها  القصص  الآية  68 :  "وربك  يخلق  ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة  سبحان  الله وتعالى  عما يشركون" ، البقرة الآية 107 :  "ألم  تعلم أن الله  له ملك السماوات  والأرض  وما لكم من  دون الله من ولي ولا نصير"

2 – خلق الماء والهواء  :

بعد خلق السماوات والأرض  وما بينهما خلق  الله الهواء  أو الرياح  التي تعيش  بها الكائنات الحية وتتنفس  منها ، بل كل الآلات  المتحركة التي صنعها الإنسان تتوقف  حركتها  على الهواء  الذي خلقه الله.  فمحرك السيارة والطائرة وغيرها  يتوقف إذا انعدم  الهواء الذي  هو خاضع  لإرادة  الله   وهو الذي  يبرد  حرارة  المحرك ، ويمكن  الوقود  من الاشتعال  ،  وحتى المحرك  الكهربائي  لا بد له  من الهواء ليبرده.  هناك عدة  آيات مؤكدة  لذلك  منها  الجاثية الآية 5 : "وتصريف الرياح  آيات  لقوم يعقلون".

وخلق  الله الماء ونظم دورته التي يتحكم فيها. فمياه البحار والأنهار تبخر منها أشعة الشمس فيجتمع  البخار في السماء ويكون سحبا ، وإذا  شاء الله خلق لها أسباب نزول المطر منها ، حيث  يصرف الرياح ويبردها ويسوقها حيث يشاء.  وتؤكد ذلك عدة آيات منها الروم الآية 48 :  "الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه  في السماء كيف يشاء ويجعله  كسفا  فترى الودق  يخرج من خلاله  فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم  يستبشرون".  والأعراف  الآية 57 : ".....

3 - خلق  الإنسان  وباقي الأحياء  :

خلق الله الكائنات الحية من الماء كالإنسان والحيوان والطيور وغيرها. خلق  الله الملائكة  من نور  والجن ومنه الشياطين  من نار  الحجر الآية 27 : "والجان خلقناه  من قبل من نار  السموم".  ولكن أركز في هذه النقطة على خلق الإنسان.  وتدل  على ذلك عدة آيات  منها  الروم الآية 20 : "ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون"  ، والسجدة   الآيات من 7 إلى 9 : "الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين  ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة  قليلا  ما تشكرون" .....

وجاء  في سورة النور الآية 45 :  "والله خلق  كل  دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه  ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إن الله  على كل شيء قدير"  ....

كل الكون  وما فيه من خلق الله وحده  وما يصنعه الإنسان أصله  من خلق الله لقوله تعالى  في  عدة سور  منها  الطور  الآيات من  35 إلى 38  : "أم خلقوا  من غير شيء  أم هم الخالقون أم خلقوا السماوات والأرض  بل  لا يوقنون أم عندهم خزائن ربك أم هم المصيطرون  أم لهم  سلم  يستمعون  فيه  فليأت  مستمعهم بسلطان مبين" ......

الله تعالى قادر على الخلق والموت وإعادة الحياة لمن أراد ولا أحد يستطيع  ذلك أبدا إلا الله. خلق الله  تعالى الإنسان فأكرمه وجعل أغلب مخلوقاته لمصلحة الإنسان.  سورة  ابراهيم  الآية  32 : "الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء  فأخرج  به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار وآتاكم  من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار" ......

الله تعالى  خلق الإنسان واستخلفه  في الأرض  لفترة مؤقتة  هي الحياة الدنيا التي تنتهي بالموت  ثم يبعثه  الله  مرة أخرى  للحياة الدائمة في الآخرة.  الحديد الآية 7 : "آمنوا بالله ورسوله  وأنفقوا مما جعلكم  مستخلفين فيه" .....

فإذا التزم الإنسان في الحياة الدنيا بالقرآن الذي  نسخ الشرائع السابقة وألغاها  بقدرة الله فإنه  يعيش  حياة  دائمة بعد  البعث والحساب في الجنة وإذا أعرض عن القرآن ولم يلتزم بأحكامه  الشرعية في الحياة الدنيا  ، فإنه يعيش حياة  دائمة بعد البعث والحساب  في جهنم والعذاب.  الكهف  الآية 7  : "إنا  جعلنا  ما على الأرض  زينة لها  لنبلوهم أيهم أحسن عملا" .....

ومن قدرة  الله المطلقة وتدبيره لأمور الكون  وما فيه أنه بعث الرسل من الملائكة والناس وأنزل  الشرائع التي لم يستطع الناس خلقها ، ونسخ الشرائع ببعضها البعض حسب ما يراه صالحا لعباده  ونسخ  أحكاما  شرعية بأخرى داخل الشريعة  الواحدة  لقوله  تعالى في سورة البقرة الآية 106 : "ما ننسخ من آية أو  ننسها نأت  بخير منها أو مثلها  ألم تعلم أن الله على كل شيء  قدير"....

لقد شهد الناس عبر مراحل التاريخ نزول وحي الله على أنبيائه ورسله عليهم جميعا  صلاة الله وسلامه ، وشهد الناس ملائكة  الله عليهم السلام يبلغون  وحي الله لرسله  وأنبيائه وشهدوا  ولا زالوا حتى كتابة هذه السطور  يشهدون  نزول ملائكة  الله تعالى  في هيئة  الخلق الذي  يريده  الله  ،  الحج الآية  75 : "الله  يصطفي  من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع  بصير" ....

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والستون بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * موقع قدرة الله وعدله :

ب – قدرة الله على العلم المطلق بما خلق :

الله تعالى خلق الكون وكل ما فيه من أشياء وأحياء ويدبر أموره كلها في آن واحد وباستمرار.  والله تعالى وحده محيط بكل ما في الكون وما يقع فيه ويعلم ما هو كائن وما يحدث في كل لحظة  وباستمرار سواء ما يظهر للناس ويسمعونه  أو ما هو غائب عنهم لا يرونه ولا يسمعونه.  بل يعلم الله  ما في باطن الأرض والبحار وما في جسم الإنسان الذي له قدرة على التحكم فيه متى شاء ، ويعلم ما في نفس  الإنسان وفكره قبل التعبير عن ذلك بالقول والعمل. وهذا من أدلة قدرة الله وسلطانه وحكمه وخلقه لما يريد سبحانه العزيز  الجليل والرحمان الرحيم.  ومن الآيات الدالة على هذه الحقيقة  المؤكدة فعلا في الواقع  الذي نعيشه  هناك  ، سورة  النمل الآية 65 : "قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب  إلا الله  وما يشعرون  أيان يبعثون"......

إن الله تعالى أعلم المخلوقات كلها بما في الكون المشاهد والذي لا يشاهد وهو الغيب والله تعالى هو الذي  خلق الظواهر الكونية وأسبابـها وهو مصدر العلم لعدة آيات منها الأنعام  الآية  80 : "وسع ربي  كل  شيء  علما  أفلا  تتذكرون" .....

فالله أعلم من  في الكون  وقادر على إتيان  علمه  من يريد.  البقرة الآية  239 : "فاذكروا الله   كما  علمكم  ما لم تكونوا  تعلمون" .... لنطع الله الذي  أعطى  لكل مخلوق منا روحا  منه ولنلتزم  بشرعه  وهو القرآن الكريم الذي هو مادة الامتحان الذي وضعه لنا ربنا في الحياة الدنيا المؤقتة.  فمن اجتاز  هذا الامتحان بنجاح أي  أطاع الله  وطبق القرآن وعمل بمقتضى أحكامه في أقواله  وأفعاله سرا وعلانية ، فإن  جائزته الكبرى  الحياة  الدائمة في الجنة والسعادة في الدنيا المؤقتة أيضا.  وأما من أعرض عن القرآن واتبع هواه فإنه قد خسر الامتحان وبالتالي فإن له  شقاء الدنيا ومعيشة ضنكا  ولو كانت لديه الأموال الطائلة ، وفي الآخرة مصيره  جهنم   خالدا  فيها  ،  طه  الآية 124 : "ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة  ضنكا  ونحشره  يوم القيامة  أعمى".....

فالإنسان الذي يملك الملايـير  من الأموال  ويعرض  عن القرآن  ويكفر  يعيش  معيشة  ضنكا  وشقاء  رغم  الأموال  الطائلة ، فليس له استقرار نفسي ولا اطمئنان  ،  فهو  يجري  ويلهت ليل  نـهار  بـهلع  وراء  البحث  عن المزيد من  الأموال ،  يتناول قليلا من الطعام  طبق  حمية معينة  ولا ينام  إلا  بالأقراص  المنومة ، وهو متعب  بالحسابات ولا يجلس  مع زوجته وأبنائه  ولا يؤدي  واجباته  الزوجية  والأسرية  لاشتغاله  بالبحث  عن الثروات  باستمرار  دون القيام بالواجبات الدينية ودون احترام شرع الله تعالى. أليست هذه معيشة  ضنكا ، بلى   وسيلقى  في جهنم  يوم القيامة ، الأنفال  الآية  28 : "واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة … " ترك الله  تعالى  للإنسان  حرية  العمل بأحكام  القرآن  أو الإعراض  عنها  رغم  أنه قادر على أن يكون  كل  الناس  مؤمنين  صالحين  يونس  الآية 99 : "ولو شاء  ربك  لآمن  من في الأرض  كلهم  جميعا" ، والسجدة  الآية  13 :   "ولو شئنا  لآتينا  كل  نفس  هداها  ولكن  حق القول مني  لأملأن  جهنم  من الجنة والناس أجمعين" ......

الفقرة الثانية  :  فناء  الكون  وما فيه  بقدرة الله  تعالى فعلا  وحقا  الله تعالى هو الذي  خلق  الكون  وما فيه  وهو الذي  له القدرة المطلقة  على إنهاء  وجود  الكون  وما فيه.  فحياة المخلوقات  بإذن الله وخلقها وموتـها  بإذن الله وقدرته.  سوف  أبين  الأدلة على أن الحياة  والموت  بيد الله  وقدرته ومشيئته.  إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والستون بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * موقع قدرة الله وعدله :

أ -  الحياة  بقدرة الله تعالى :

خلق  الله المخلوقات  الحية  في الكون ومنها الإنسان الذي استخلفه في الأرض ليستقر فيها ويتمتع فيها إلى حين موته وبعثه من جديد  ليحاسب  عن فترة استخلافه وأعماله ، ويحيي  الحياة  الدائمة حسب نتيجة محاسبته عن أعماله إما  في الجنة والسعادة أو في النار والشقاء الدائم.

فأصل الإنسان  من الجنة حيث كان فيها أصل البشرية آدم وزوجته  حواء  عليهما السلام ، ولكن  بعد مخالفتهما  لأمر الله طردهما من الجنة إلى الأرض

وتاب عنهما.  البقرة الآية  36 : "وقلنا اهبطوا  بعضكم لبعض  عدو  ولكم في الأرض مستقر  ومتاع  إلى حين" .....

ولكن أكد  الله  تعالى  بأنه سوف ينـزل قانونا  أسمى وشرعا متكاملا وكتابا  وهدى وهو الهدى  الذي  يهدي من  اتبعه  إلى صراط العودة إلى الجنة التي هي أصل  الإنسان الذي  يزداد أول  مرة مستحقا  للجنة وأصله من الجنة وكتابه الذي تسجل فيه  أعماله فارغ من أية سيئة أو ذنب فهو في أحسن تقويم لقوله  تعالى في سورة التين الآيتين 4-6 : "لقد  خلقنا الإنسان في أحسن تقويم  ثم رددناه  أسفل سافلين إلا الذين آمنوا  وعملوا  الصالحات  فلهم أجر غير مـمنون" ،  وسورة العصر الآيات 1-3 : "والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين  آمنوا  وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر" ....

وسوف  أبين  بحول  الله وقوته بأن حياة الإنسان وموته بقدرة الله تعالى وأن أسباب الموت والحياة لكل المخلوقات الحية يخلقها الله العزيز الحكيم.

قال الله تعالى في سورة السجدة الآيات  7-9 : "الذي أحسن  كل شيء  خلقه وبدأ  خلق الإنسان

من طين ثم جعل نسله  من سلالة  من ماء  مهين  ثم سواه  ونفخ  فيه من روحه وجعل لكم  السمع والأبصار والأفئدة قليلا  ما تشكرون" .....

لهذا  فإن  خلق  الإنسان وسائر الكائنات  الحية  الأخرى واستمرارها  في الحياة متوقفان على قدرة الله تعالى  ومشيئته وسأبين  الآيات الدالة على أن  أسباب تكوين  طعام  الإنسان  مصدرها  الله. فاطر  الآية 2 : "ما يفتح الله  للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا  مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم" .....

فعمل الإنسان لتكوين طعامه واجب وضروري ولكنه إذا لم يوفر الله أسباب تكوين الطعام ومواده الأساسية وهي بركات السماء والأرض فإن الإنسان لا يستطيع  توفير طعامه وشرابه ولو أراد العمل.  فالمصبرات  والمواد الغذائية المتوفرة بفضل التكنولوجيا  المتطورة تنفذ  إذا  أمسك  الله الماء وحفت الأرض ،  والمعامل الصناعية تتوقف  إذا  منع الله الماء لأن كل المواد الأصلية للتغذية  والصناعة وغيرها أصلها من الماء ، النجار لا يستطيع  صنع المائدة إذا ماتت الأشجار  ، ومعمل  صنع  الملابس  لا يستطيع  العمل والإنتاج إذا جفت الأرض  وانعدم القطن والصوف. بل الإنسان الذي ينتج بعمله يموت مثل المخلوقات الحية الأخرى إذا منع الله الماء والهواء ، لقوله  تعالى في سورة هود  الآية 6 : "وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها  كل في كتاب مبين" .....

لهذا فإن حياة الإنسان بقدرة الله وبأمره لأنه هو خالق الإنسان ومكون مادة استمرار حباته. لهذا  قال الله جل  جلاله في الداريات الآيات  22 و23 و58 : "وفي السماء رزقكم  وما توعدون ، فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون" ......

إن الله تعالى  استخلف الإنسان في الأرض لمدة مؤقتة إلى أن يموت ويحيه  للحياة الدائمة الثانية وسخر له ما في الكون لقوله تعالى في سورة الإسراء الآية 70 : "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا".  وأبراهيم  الآية  32 : "الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة  الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار" .....

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والستون بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * موقع قدرة الله وعدله :

ب -  الموت  بقدرة  الله تعالى :

كل  إنسان من خلق الله تعالى ، وكل إنسان ميت حتما لأن الحياة الأولى بالدنيا مؤقتة  ونهايتها  الموت ، ويبعث  الله  الأموات  للحياة الدائمة في الآخرة بعد الحساب والجزاء.

قال الله تعالى في سورة الواقعة الآيتين 60-61 : "نحن  قدرنا بينكم الموت  وما نحن بمسبوقين ، على أن نبدل أمثالكم وننشئكم فيما لا تعلمون" ....

إذا قامت ساعة فناء الكون بأمر من الله وعلمها عنده سبحانه فلا أحد يستطيع منع قضاء الله وحكمه ، وتؤيد ذلك  عدة آيات  منها  القصص  الآية 88 : "كل شيء هالك  إلا وجهه  له الحكم وإليه ترجعون" ......

الله تعالى له قدرة فناء الكون في أي وقت وبعث الناس أحياء من جديد لمحاسبتهم عن أعمالهم في الدنيا. وله كذلك قدرة على منع المخلوقات الحية من طعامها كعقاب عن  ذنوب أو ابتلاء أو لإنهاء الحياة كلها في الدنيا. وتؤيد ذلك عدة  آيات  أخرى منها الملك الآية 21 : "أمن هذا الذي  يرزقكم إن أمسك رزقه بل  لجوا  في  عتو  ونفور" .....

يا أيها الناس  في كل أنحاء  العالم  إنكم  إخوة  في الأصل ، إنكم  جميعا من آدم  وحواء ، وقد بعث

 الله  لكم  رسوله  محمد  عليه وعلى جميع الرسل  صلاة الله  وسلامه  لقوله  تعالى  في سورة الأعراف الآية  158 : "قل يا أيها  الناس إني  رسول الله إليكم جميعا  الذي له ملك السماوات والأرض لا إلــه إلا هو يحيي ويميت ، فآمنوا  بالله ورسوله النبي الأمي  الذي يؤمن  بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون" ......

واعلموا  أيها الناس  وتأكدوا  أن حياتنا  ووجودنا  من  خلق  الله وروحه  وبفضل  الله الذي  بيده مادة حياتنا ، وهي الماء وبركات الأرض  والهواء ، الأعراف  الآية  96 : "ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا  لفتحنا  عليهم  بركات  من السماء والأرض"....

فلنعبد أيها الناس  من خلقنا  ويراقبنا  ويطعمنا  ومن سخر لنا  كل ما في الكون وكرمنا ،  فلنعبد الله  الذي  لا إلــه إلا هو الحي  القيوم  لا تأخذه  سنة ولا نوم  والذي  نحن  له  وإليه راجعون حتما ، ولا تكون  عبادة الله إلا بالالتزام بأحكام القرآن  قولا وعملا ،  سرا وعلانية.

لقد  تعمدت تكرار النداء  لإخواني  بني  آدم في العالم ، وأعتذر  لأني  مشتاق  لإقناع غير المقتـنـعـين بأحكام القرآن الكريم واعتناقهم دين الله الحق  الإسلام  والإخلاص  لخالق الكون ومدبر أموره وهو الله تعالى.

المبحث  الثاني  براهين وآيات  دالة على قدرة الله تعالى

أ -  قدرة الله تعالى  على مراقبة  ما خلق :

ومن  قدرة الله  تعالى وسلطانه وحكمه  للكون وما فيه أنه يراقب أعمال وأقوال كل مخلوقاته البشرية وغيرها ويعلم ما في عقول الناس وأفكارهم واعتقادهم جميعا وفي نفس الوقت وباستمرار ، ويعلم الله تعالى لغات كل المخلوقات ووسائل اتصالها مهما اختلفت وتعددت وتطورت.  وسوف  أبين  الآيات الكريمة المؤكدة  لقدرة الله على مراقبة الناس ، قال الله تعالى  في العنكبوت  الآية 10 : "أو ليس الله بأعلم بما في صدور العالمين"  ، هذه الآية  تدل  على أن الله  يعلم أسرار  كل ما في الكون ولا

يعلمها أحد  سواه  ومنها  أسرار  الإنس والجن والملائكة.

ومن الآيات الدالة على مراقبة الله للإنسان التوبة  الآية  105 : "وقل  اعملوا  فسيرى  الله عملكم  ورسوله والمؤمنون  وستردون  إلى عالم  الغيب والشهادة فينبئكم  بما كنتم  تعملون" .....

إن  الله  بقدرته  المطلقة  يراقب أعمال كل  مخلوقاته  ومنها الرسل  والأنبياء  لأنـهم  ملزمون  هم  أيضا  بالالتزام  بشرع  الله المنـزل وبتبليغه  للناس  وتنفيذ  أوامر  الله تعالى.  ومن الآيات الدالة على ذلك  هود  الآية 112 : "فاستقم كما أمرت  ومن تاب معك  ولا  تطغوا  إني  بما  تعملون  بصير".......

وقصة  ابن  نوح  الذي كفر  فأغرقه  الله رغم  كون  نوح طلب من الله   إنقاذه.  هود  الآية  45 : "ونادى نوح  ربه  فقال  رب  إن  ابني  من أهلي" ، والآية  46 : "قال  يا نوح  إنه  ليس من أهلك إنه عمل غير صالح … " ......

هذه الآيات   الكريمة  تؤكد  بأن قدرة الله لا تعلوها  قدرة نـهائيا  وأن كل  ما خلق الله  خاضع  لسلطان  الله وقدرته وحكمه ومراقبته  وتصرفه  العادل

 ومنهم الرسل  والأنبياء  المؤمنون الآية  :  51  : "يا أيها  الرسل  كلوا  من الطيبات واعملوا  صالحا إني بما  تعملون  عليم"  ......

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والستون بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * موقع قدرة الله وعدله :

ب-  قدرة الله  على الجزاء  عن أعمال  الناس   :

خلق الله تعالى  كل  الكون  وما فيه ومنه الإنسان الذي استخلفه ليعمر الأرض وسخر له ما في

 الكون ولكن بشرط أن يطيع الله تعالى ويعبده ويلتزم بالشرع الذي  ينـزله  إليه  ، وفعلا نزل الله  عدة  شرائع  متتابعة  ولكل أمة  حسب  مرحلتها  الزمنية  في  الكون  شرعها  الذي  يلغي  ما سبقه  من شرائع  وينسخها. فالشرع  المنزل من الله هو النظام الذي يجب  أن يعيش الناس طبقا لأحكامه ، وشرع الله هو مادة  الامتحان الذي  قرره  الله  للناس  في حياة الدنيا  ليحصلوا  على جزاء  أو مقابل لأعمالهم يوم  يحاسبون  أمام  الله تعالى  بعد  بعثهم  وإحيائهم  بعد الموت.  فكما  سبق أن  بينت أدلة مراقبة الله تعالى للناس  وتسجيل أقوالهم  وأعمالهم طيلة  حياتـهم  في الدنيا في الكتاب  المخصص لكل  واحد فإن الله تعالى له  قدرة كذلك  على مكافأة  كل إنسان  عن أعماله  بعد موته وبعثه  في الحياة  الآخرة والدائمة. فالأمم  السابقة والتي أنزل لها الله  شرائع كثيرة كامتحان لها  في الحياة الدنيا مسؤولة أمام الله تعالى عن تطبيق الشريعة المخصصة لكل أمة ، منذ رسول  الله  نوح  إلى رسوله  محمد عليهما  وعلى كل الرسل  صلاة  الله وسلامه ، البقرة الآية 134 : "تلك أمة  قد  خلت

 لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون  عما  كانوا  يعملون" ......

وأمة القرآن  تعني كل الناس  بالكون  لأن الله  تعالى أنزل  القرآن  الكريم  لكافة  الناس بالعالم ونسخ به  كل الشرائع  السابقة ، الزمر  الآية  41 : "إنا  أنزلنا  عليك  الكتاب للناس  بالحق" ، الأعراف  الآية  158 : "قل يا أيها  الناس إني رسول  الله إليكم جميعا"

الله موجود  والقرآن شرعه المنـزل  لكافة الناس  بالكون ، فاقرؤوا  القرآن  وتدبروا  آياته  يا بني آدم  لتتأكدوا  أنكم  ملزمون  بعبادة الله  طبقا  للقرآن  دون  سواه  من الشرائع  الأخرى السابقة.

لهذا  فإن  مادة الامتحان  الذي  قرره  الله  لكافة الناس  بالعالم هو القرآن  فمن التزم به وطبقه  وعاش حياته في الدنيا  طبقا لأحكامه  يعتبر فائزا  في الامتحان، وحياته  الدائمة  في الآخرة هي السعادة في الجنة ، ومن أعرض عن القرآن  ولم يلتزم بأحكامه  في الدنيا خسر الامتحان وبالتالي  ستكون  حياته الدائمة  في الآخرة في  النار.

سوف  أبين  الآيات  الكريمة  المبينة لمفهوم الجزاء الإلاهي  والآيات الدالة على أن قدرة الله على الجزاء عن أعمال الناس مطلقة  وعادلة.

1 – مدلول الجزاء  الإلاهي  عن أعمال  الناس  :

 الجزاء  الذي  يخصصه  تعالى  للناس  عن أعمالهم  يوم  الحساب بعد موتهم  وبعثهم  ، هو  نتيجة الامتحان  الذي  اجتازوه  في الدنيا. ومادته  طبعا القرآن الكريم ، ومن الآيات  المؤكدة  لذلك  العنكبوت  الآية 23 :  "والذين كفروا  بآيات الله  ولقائه أولئك  يئسوا من  رحمتي  وأولئك  لهم  عذاب  أليم" ...

إن الله  تعالى  يحاسب  الناس ويجازيهم عن أعمالهم طبقا لأحكام القرآن الكريم ، فإن التزموا  بـها  وعملوا  بـها  يجازيهم بالرحمة  والثواب في الدنيا  والآخرة ،  وإن خالفوها  يجازيهم  بالعذاب في الدنيا والآخرة.  لهذا  فإن القوانين الوضعية في بلاد الإسلام يجب  أن تكون مطابقة لأحكام القرآن  الكريم ومطبقة  لها  ، ويجب على العلماء  الـمتقين  الصادقين  وأولي  الأمر  المؤمنين  في بلاد  الإسلام  كلها  أن يحددوا  هذه  القوانين المطبقة  للقرآن  لأن كثيرا من المؤمنين وغيرهم في بلاد  الإسلام  أميون  ولا يفهمون  أحكام  القرآن  الملزمة  لهم ، إن أحسن وسيلة للدعوة  الإسلامية هي وضع أحكام القرآن  في صيغة  قوانين وضعية وتطبيقها بصرامة وبعدل.  سورة المائدة  الآيتان 48  و49 : "وأنزلنا  إليك  الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه  فاحكم  بينهم بما أنزل  الله ولا تتبع  أهواءهم عما  جاءك  من الحق" ، "وأن أحكم بينهم  بما أنزل الله ولا تتبع  أهواءهم  واحذرهم 

أن  يفتنوك عن بعض ما أنزل  الله  إليك".

ورغم ذلك  فالله تعالى  بقدرته  المطلقة  وقضائه  وقدره  أحكم  الحاكمين وهو قادر على فعل ما يريد  والحكم في الدنيا والآخرة ، القصص  الآية  88 : "كل شيء  هالك  إلا  وجهه  له  الحكم  وإليه ترجعون" .....

وعذاب الله  تعالى  عن  مخالفة القرآن  والظلم يكون جزء منه في الدنيا وهو العذاب  الأصغر والجزء الأكبر في الآخرة بعد البعث ،  فصلت  الآية 16 : "فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا  في أيام نحسات  لنذيقهم  عذاب الخزي  في الحياة  الدنيا  ولعذاب الآخرة  أخزى  وهم  لا  ينصرون" ، القلم  الآية 33 :  "كذلك  العذاب  ولعذاب  الآخرة أكبر لو كانوا  يعلمون" ، البقرة  85 : "فما جزاء  من  يفعل  ذلك  منكم إلا خزي  في الحياة الدنيا ويوم القيامة  يردون إلى أشد العذاب  وما الله  بغافل  عما  تعملون"....

والله تعالى  يضع  أجلا للعقاب في  الدنيا  قبل  عقاب الآخرة  الأكبر ، النحل الآية  61 : "ولو  يؤاخذ  الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم  إلى أجل مسمى  فإذا  جاء  أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون".....

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والستون بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * موقع قدرة الله وعدله :

فالله رحيم  ينذر  الناس قبل العقاب ، الإسراء  الآية 15 : "وما كنا معذبين  حتى  نبعث  رسولا"

والله  لا يعاقب قبل تبليغ  شرعه  بواسطة الرسل الأنعام الآية 83 : "وتلك حجتنا  آتيناها  ابراهيم على قومه" ، والشعراء  الآيتان  208-209 :  "وما أهلكنا  من قرية إلا لها منذرون ، ذكرى  وما  كنا  ظالمين" ......

الله  تعالى  بين  للناس  في القرآن  الأعمال  التي  تؤدي  إلى الجنة ومن خالفها  يكون  مصيره  جهنم  خالدا فيها لقوله  تعالى في كثير  من الآيات  منها الشمس الآيات  7-10 : "ونفس  وما سواها  فألهمها  فجورها  وتقواها  قد أفلح من زكاها  وقد خاب من دساها  }.....

والله تعالى  حرم  ظلم  الناس  لقوله : "إن الذين  يظلمون الناس  ويفسدون  في الأرض  لهم

 عذاب  أليم" ، الأنعام  الآية 82 : "الذين  آمنوا  ولم يلبسوا  إيمانـهم بظلم أولئك  لهم  الأمن وهم  مهتدون" ، فكل  خرق  لأحكام  القرآن يعاقب  عليه  الله   تعالى.  الشورى الآية  42 : "إنما   السبيل  على الذين  يظلمون  الناس ويبغون  في  الأرض  بغير  الحق  أولئك  لهم  عذاب  أليم".

إن  ظلم الناس  ومصائبهم فيما بينهم لا تكون  عذابا من الله  لأنه  لا يظلم ، وكذلك  ابتلاء  الله  للناس  لامتحانـهم أمام  الناس وإظهار خباياهم  وإيمانـهم  أو كفرهم  ونفاقهم لا  يعتبر عذابا  من الله وعقابا  عن   الذنوب  وتؤيد ذلك  عدة  آيات  منها  البقرة  الآيتان  155-156 : "ولنبلونكم بشيء  من  الخوف والجوع ونقص  من  الأموال  والأنفس  والثمرات  وبثر  الصابرين الذين  إذا أصابتهم  مصيبة  قالوا  إنا لله  وإنا إليه راجعون".....

ومن رحمة الله تعالى وعدله  أنه  لا يعاقب الناس عن ذنوبـهم وسيئاتـهم مباشرة إثر إجرامهم ومخالفتهم لأحكام القرآن ، بل يضع  أجلا  للعقاب لعل المجرم والمذنب أو المسيء  يتراجع عن ظلمه ويتوب لله  توبة  نصوحا  فيرد الحقوق إلى أهلها ويتسامح  معهم ويرجع إلى الالتزام بأحكام القرآن الكريم بصفة لا رجعة فيها. وتؤيد  ذلك عدة آيات الكهف  الآيتان 58 – 59 : "وربك الغفور  ذو الرحمة  لو  يؤاخذهم  بما كسبوا   لعجل  لهم  العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا ، وتلك القرى  أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا  لمهلكهم  موعدا".....

نستنتج  من  هذه الآيات الكريمة أن الله تعالى  يجازي الناس عن أعمالهم في الدنيا والآخرة ، بناء على التزامهم أو عدم التزامهم بالقرآن الكريم. طبعا سنة الرسول عليه صلاة الله وسلامه  لا يجوز  شرعا بأن تكون  مخالفة  لأحكام  القرآن  بأمر  من الله تعالى كما ورد ذلك  في القرآن.  وكل القوانين الوضعية في بلاد الإسلام يجب أن تكون مطابقة للقرآن ، وجزاء الله يكون رحمة وتوابا عن الأعمال المطابقة للقرآن وعقابا وعذابا  عن الأعمال المخالفة  لأحكام القرآن الكريم.  فلا ينال رحمة الله إلا المؤمن الصالح والمتقي  الملتزم بأحكام القرآن  بينما  المخالف لشرع  الله ينال عذاب الله وعقابه في الدنيا والآخرة.

ونستنتج  كذلك  بأن العذاب  والمصائب  التي  تصيب الإنسان تكون  لأسباب ثلاثة : إما بسبب عقاب الله عن الذنوب التي حل  أجلها المحدد  ، وإما  بسبب الابتلاء  من الله  لإظهار  ما  يكتمه  الإنسان ، أو بسبب  ظلم الناس فيما بينهم بمحض  إرادتهم دون تدخل  القدرة  الإلاهية إلا في حالة  ما إذا  أراد  الله تعالى  حماية  المؤمن  الصالح  المتقي .....

2 – قدرة  الله تعالى  على الجزاء  مطلقة  وعادلة :

إن الله تعالى  يراقب أعمال الناس ويجازيهم عنها  في الدنيا والآخرة. وقد سبق   ذكر الآيات  الدالة على ذلك.  ....

إن الإنسان مسؤول  عن أعماله الدنيوية أمام الله وهو حر في عمله يراقبه الله ويجازيه عن أعماله. لهذا من الخطأ القول بأن الإنسان مسير في أعماله وخاضع لقضاء الله وقدره في  أعماله. فهناك مجال لحرية الإنسان  في العمل في إطار قدرة الله العادلة وهو مسؤول أمام الله عن عمله  ويجازيه  عنه.

إن قضاء الله وقدره  وقدرته على التصرف في الكون مطلقة لأنه يفعل ما يريد ،  ولكن في إطار

 العدل والحق.  الله تعالى  يحمي المؤمن وييسر  أموره  للخير إن أراد ، الأعلى  الآية 8 : "ونيسرك لليسرى"  ، والليل الآيات 5-11  : "فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره  لليسرى ، وأما من بخل  واستغنى  وكذب  بالحسنى  فسنيسره  للعسرى  ، وما يغني  عنه ماله إذا تردى".  ويعاقب الله الظالم حسب الأجل الذي يضعه له في الدنيا قبل الآخرة فيقدر عليه ما يشاء ويريد في إطار ما يستحق من عقاب أو في إطار الابتلاء لإظهار الواقع النفسي  للملائكة والناس ، الله تعالى يخلق الأسباب والوقائع لتحقيق  كل ما يريد  ، ولكن لا يظلم  ولا يقدر إلا  العدل والحق  والحكمة  والصواب قال  تعالى الرعد  الآية 11 : "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" ، فالله يعطي رحمته وعذابه لمن يستحقهما ،  محمد  الآية  7 : "إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم"  ، ونصر الله هو الالتزام بشرعه  والدفاع  عنه ، لأن الله  قوي  ولا  يحتاج  إلى نصر  غيره.

إن القرآن نزل بقضاء  الله  وقدره  وشرع  الله  لا أحد بإمكانه إلغاؤه  أو تبديله أبدا إلا الله. 

ومن أحكام القرآن الكريم  آيات  دالة بصراحة ووضوح على أن الإنسان مخير في أعماله ومراقب عنها وينال الجزاء المخصص لها في الدنيا والآخرة ،  الشمس  الآيات  7-10 : "ونفس  وما سواها فألهمها  فجورها  وتقواها قد أفلح  من زكاها  وقد خاب من دساها" ......

والله تعالى بقدرته المطلقة  يتصرف في جسم  الإنسان إن أراد  به خيرا  أو شرا في إطار  الجزاء  عن الأعمال ، ولكن  لا يظلم  ولا أحد  بإمكانه  منع  قضاء  الله وقدره.  الله تعالى لا يقدر على الظالم فعل ظلمه  أبدا  لعدة آيات منها الأعراف  الآية 28  : "وإذا  فعلوا  فاحشة  ، قالوا وجدنا  عليها آباءنا والله أمرنا بها ، قل إن الله لا يأمر  بالفحشاء ،  أتقولون  على الله ما لا تعلمون" .....

والله تبارك وتعالى وحده  العالم  بالغيب وبما وقع  ويقع  في الحاضر والمستقبل ويعلم ما في عقول  ونفوس  كل المخلوقات  ومنها. الإنسان ،  والله  يعلم ما  ينفع الإنسان وما يضره ،  ومن قدرته إرشاد وهداية  المؤمنين  إلى الخير والصواب  إن أراد،ومن قدرته  إحباط أعمال  الكفار والظالمين  إن  أراد. 

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والستون بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * موقع قدرة الله وعدله :

ومن قدرة الله  هداية وإرشاد  المؤمنين الصالحين و حمايتهم إذا شاء ، وهناك وقائع وآيات كثيرة مؤكدة  لذلك منها الإسراء  الآية  74 : "ولولا  أن ثبتناك لكدت  تركن  إليهم" .....

لهذا فالذي  يقرر  فعل شيء مستقبلا قد  تمنعه  إرادة  الله العادلة ولسبب مستحق  لا ظلم  فيه ، الكهف  الآية  23 : "ولا تقولن لشيء  إني فاعل ذلك غدا ، إلا  أن يشاء الله واذكر ربك  إذا  نسيت  وقل  عسى  أن يهدينـي ربي  لأقرب من هذا رشدا" ، قد يقرر  بناء  بناء  دار  في الشهر المقبل لكن قضاء الله وقدرته  المطلقة  قد تحول  دون بناء هذه  الدار لأسباب أربعة :

1 – قد يأتي أجل  موت البناء  قبل البدء في البناء

2 – قد يبتلي الله البناء بمصيبة مرض أو غيره  لاختيار  إيمانه وصبره  وكشفه  للملائكة  والناس لأن الله يعلم ما في النفوس.

3 – قد يأتي  أجل  عقاب الله للبناء  عن ذنوب  سبق  أن  ارتكبها  فيحول  العقاب دون إنجاز البناء ، الشورى الآية  30 : "وما  أصابكم من مصيبة فبما  كسبت أيديكم".

4 – قد يأتي يوم الساعة  وهي اللحظة  التي  يفنى  فيها ما في الكون  ويموت  كل الناس من أجل  البعث للحساب  أمام الله  يوم القيامة وأجل  ووقت  ساعة  الفناء علمها  عند الله وحده ، النازعات  الآيات 42-46 : "يسألونك  عن الساعة إيان مرساها ، فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها" ، إنما أنت منذر من يخشاها  كأنـهم يوم يرونـها  لم يلبثوا  إلا عشية أو ضحاها" ، يوسف  الآية  107 : "أ فآمنوا  إن  تأتيهم غاشية من عذاب  الله  أو تأتيهم  الساعة بغتة  وهم  لايشعرون" ،  الأحزاب  الآية  63 : "يسألك  الناس  عن الساعة  ، قل  إنما  علمها  عند الله  وما  يدريك  لعل  الساعة تكون قريبا".

إن ساعة موتنا   جميعا  لما تقوم ساعة الفناء للبعث  والحساب قد يقررها  الله أثناء قراءة هذه السطور أو كتابتها  ، وعندئذ   يقفل كتاب  كل  إنسان الذي تسجل  فيه أعماله في الحياة الدنيا. فماذا  ينفعنا  إذا كان هذا الكتاب مملوءا  بالسيئات والظلم أمام حساب الله والميزان ، القارعة الآيات 1-11 : "القارعة ما القارعة وما أدراك ما القارعة يوم يكون الناس كالفراش المبثوث وتكون الجبال كالعهن المنفوش فأما  من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية ، وأما من خفت  موازينه  فأمه  هاوية  وما أدراك ماهيه نار حامية".

فيا بني آدم  احذروا  قيام ساعة الفناء  واعملوا طبقا  للقرآن  للفوز  بسعادة الدنيا  المؤقتة  وسعادة  الجنة في الآخرة الدائمة.  فالإنسان عندما  يموت ويدفن  ويغطى  بالحجر  والتراب  يواجه  الحساب  طبقا  لأعماله بلا زيادة أو نقصان ،  فلنفرح نحن الأحياء  في الدنيا  لأن أمامنا  فرصة لتحسين أعمالنا  بالتقوى  والعمل الصالح والالتزام بأحكام  شرع  الله  القرآن الكريم  فنفوز  في امتحان  الحساب أمام الله  تعالى واتباع  صراطه  المستقيم  وطريق العودة  إلى الجنة التي منها  أصلنا  وأبونا  آدم وأمنا  حواء  عليهما  السلام  ، كل  أطفال  العالم  يولدون  مستحقين للجنة  ، كتاب أعمالهم  أبيض  بدون سيئات ، ومن الخطأ  القول  بأن الإنسان   يدخل الجنة  برحمة الله وليس بعمله ، بل  إن الإنسان  لا يدخل  الجنة  فعلا  إلا  برحمة الله  وفضله  ولكن  الله  عادل  ولا  يمنح  رحمته وفضله  إلا  لمن  يستحقها  بعمله  الصالح والتقوى والالتزام  بأحكام القرآن.  وهناك عدة آيات  مؤكدة  لهذه الحقيقة  منها  الأعراف  الآية 156 : "رحمتـي وسعت كل شيء ، فسأكتبها  للذين يتقون  ويؤتون  الزكاة  والذين  هم بآياتنا  يؤمنون" ، والعنكبوت  الآية  23 : "والذين  كفروا بآيات  الله ولقائه  أولئك  يئسوا  من رحمتي  وأولئك لهم عذاب أليم" ، والإنسان الآية 31 : "يدخل  من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما" ، والأنعام الآية 147 : "فإن كذبوك فقل  ربكم  ذو  رحمة  واسعة  ولا يرد  بأسه عن القوم  المجرمين".

لهذا  فإن رحمة الله  جزاء العمل الصالح والإيمان والتقوى   أي الالتزام بأحكام القرآن  وعذاب  الله  جزاء  الكفر  ومخالفة  أحكام  القرآن  والظلم.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والستون بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * موقع قدرة الله وعدله :

وقد عاقب الله أب رسوله ابراهيم عليه صلاة الله وسلامه  عن كفره  وظلمه  ولم تنفعه  أبوته لرسول  الله. وعاقب  الله  عم الرسول  محمد عليه صلاة الله وسلامه  أبو لهب  ، ولم تنفعه قرابته به ، المسد الآيات 1 إلى 5 : "تبت يدا  أبي لهب  وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب سيصلى نارا  ذات لهب وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد" ، والمنافقون  الآية 6 :  "سواء  عليهم استغفرت لهم  أم لم تستغفر  لهم لن يغفر الله  لهم".

إن قدرة الله  وسلطانه  على الجزاء  عن أعمال الناس مطلقة وعادلة وتشمل كل الناس دون تمييز أبدا  بما في ذلك الرسل والأنبياء.  وهناك آيات كثيرة  تعطي  الدليل  على ذلك منها  الزمر  الآية 69 : "واشرقت  الأرض  بنور ربـها ووضع الكتاب وجيئ  بالنبيين  والشهداء  وقضى  بينهم بالحق  وهم  لا يظلمون"

وهذا  دليل  على  قدرة الله  المطلقة  على توقيع  الجزاء  على من يستحقه  ولو كان رسولا  مثل  يونس  عليه السلام ، فقد  عصى  أمر  الله  فأغرقه  في البحر ولما  تاب  قبل موته  أخرجه  الله بواسطة  الحوت  وأعاد  إليه الحياة  بقدرته.

الفقرة  الثانية :  آيات  دالة  على قدرة الله المطلقة

الآية  هي البرهان  والدليل  المقنع  للعقل  على شيء  معين  وبالنسبة  لآيات  الله  تعالى  فهي

 البراهين والأدلة  القاطعة الدالة على قدرته لأنـها  معجزات  لا يستطيع  الإنسان  إنجازها  ولا  أي  أحد غير الله.  في النقطة  الأولى  سأعطي  بعض  الأمثلة  عن آيات  استطعت  التوصل  إليها  وهي دالة  أن الله  فعال لما يريد  وقدرته  مطلقة والنقطة  الثانية  سوف  أبين  فيها  آيات  أخرى  دالة  على  أن الله   لا شريك له في قدرته  وحكمه  للكون وما فيه.

أ -  أمثلة  عن بعض  الآيات  الدالة  على قدرة الله المطلقة  :

لا يمكن حصر  كل آيات  الله  تعالى الدالة على قدرته المطلقة  في الكون لأن  الله وحده  عالم  الغيب  وكل  مخلوقات  الله  لا تعلم ما يعلمه الله  وسبق  بيان الآيات القرآنية  الدالة على ذلك.  كما  أن البحث  في مجال كل الآيات الدالة على قدرة  الله  تعالى وقوته  التي  لا تعلوها  قوة  أبدا  يحتاج إلى دراسة معمقة.

لهذا  سأكتفي  بأمثلة  من آيات الله في هذا  المجال ،  قال  الله  تعالى  في سورة  فصلت الآية 53

: "سنريهم  آياتنا  في الآفاق  وفي  أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق  أو لم  يكف  بربك  أنه  على كل شيء شهيد" ، والأنبياء  الآية  37 : "خلق  الإنسان من عجل  سأوريكم  آياتي  فلا  تستعجلون"  ، والشعراء  الآية 4 : "إن نشأ ننـزل  عليهم من السماء آية  فظلت أعناقهم لها  خاضعين" ،  والأنعام  الآية 37 : "وقالوا  لولا  نزل  عليه  آية  من ربه  قل إن الله قادر  على أن ينـزل آية ولكن أكثرهم  لا يعلمون" ، وغافر الآية 13 : "هو الذي  يريكم آياته وينـزل لكم  من السماء  رزقا  وما  يتذكر إلا  من ينيب" ، يوسف  الآية  111 : "لقد كان في  قصصهم  عبرة  لأولي  الألباب" ، ومن الآيات الدالة على قدرة الله الفريدة والمطلقة والعادلة ما يلي :

الله  تعالى  هو الذي  يخلق  ما في الكون  ، والحياة  والموت  بيد الله  ولا أحد  يستطيع  الخلق  والحياة  أبدا. يونس  الآية 56 :  "هو  يحيي  ويميت  وإليه  ترجعون" ، والآية 31 : "قل من يرزقكم  من السماء والأرض أمن  يملك  السمع  والأبصار ومن  يخرج  الحي  من الميت  ويخرج 

الميت  من الحي ومن يدبر  الأمر  فسيقولون الله  فقل  أفلا تتقون".

إن حياة المخلوقات  الحية ومنها الإنسان  متوقفة  على إرادة الله في أية  لحظة.  فإذا  منع  الهواء الذي  تتنفسه  تموت  في الحين. فمن  يعطي  الهواء  إلا الله.  وطعام  المخلوقات  ومنها  الإنسان يتوقف على الماء وبركات الأرض  وطبعا  العمل ولكن إذا  منع  الله  الماء وبركات الأرض  ينعدم  الطعام فتموت  المخلوقات  الحية ومنها  الإنسان ،  فمن يستطيع  توفير  الماء  غير الله ، الشعراء  الآيتان  7 و8 :  "أو لم  يروا  إلى الأرض  كم أنبتنا  فيها من كل زوج  كريم ،  إن في ذلك لآية  وما كان أكثرهم مؤمنين"

ومن  يستطيع  الإفلات  من  أجل  الموت  ، لا أحد يستطيع  منع الموت والاستمرار في الحياة ولا إرجاع  الروح  لميت إلا الله تعالى. ومن آيات الله أنه يعلم وقت الساعة التي يفني فيها كل ما على الأرض ، فإذا جاءت الساعة المذكورة من يستطيع  الإفلات منها ؟

ومن آيات  الله تعاقب الليل والنهار بأمره ولمصلحة مخلوقاته ، الشمس كوكب عظيم  يلتهب  نارا 

وهي تنمي الإنسان  والحيوان والنبات وتضيء  الكون في النهار فيتمكن الإنسان وسائر الأحياء  من   العمل لكسب الرزق من فضل  الله فمن يستطيع  إنارة الكون إذا زالت الشمس  بقدرة  الله ويحقق

النمو ؟  القصص   الآية 71 : "قل أ رأيتم إن جعل الله عليكم  الليل  سرمدا  إلى يوم القيامة من إلــه غير الله  يأتيكم  بضياء  أفلا تسمعون".

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والستون بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * موقع قدرة الله وعدله :

 إن قدرة الله  تعالى هي التي ترحم الإنسان وتحفظه من ظلام الليل  الـممانع للرؤيا  والعمل لكسب  الطعام.  كما  أن استمرار الشمس وحرارتها المفرطة  دون مجيء  الليل فيه هلاك كذلك للإنسان  وسائر  المخلوقات.  القصص الآيتان 72 و73 : "قل أ رأيتم إن جعل  الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إلــه غير الله  يأتيكم  بليل  تسكنون فيه أفلا  تبصرون،  ومن رحمته  جعل لكم  الليل   والنهار  لتسكنوا فيه  ولتبتغوا  من فضله  ولعلكم  تشكرون".

ومن يستطيع  منع  هجوم  البحر  على اليابسة واكتساح  الأرض ، لنتذكر هجوم البحر  على اليابسة  بقارة آسيا  (تسونامي) وما خلف  من دمار  وخراب وأضرار في آلاف القتلى والممتلكات  بينما مسجد  يذكر فيه اسم الله بقي شامخا لم يتهدم  أليس في ذلك آية من  آيات الله  الدالة  على قدرته بالعقاب والإنذار ؟

لا أحد  يعطي  الروح للمخلوقات  ولا أحد  يعيد  الروح  لميت إلا  الله تعالى. طلب  كفار  بني  إسرائيل  من موسى  رؤية  الله فماتوا  بقدرة الله ثم  عفا عنهم  وأحياهم  ليعطيهم  آية  من آياته.  البقرة   الآيتان  55 و56  : "وإذا قلتم  يا موسى  لن نؤمن لك حتى  نرى  الله  جهرة  فأخذتـكم  الصاعقة  وأنتم  تنظرون  ثم بعثناكم  من بعد موتكم  لعلكم  تشكرون". 

ب -  آيات  دالة  على أن الله  لا شريك  له  في قدرته :

إن البحث في  كل  الآيات   الدالة على أن الله لا شريك له في القدرة والقضاء والقدر في  الكون  يحتاج إلى دراسة معمقة  أكثر ولكني  أقتصر  على بعض الآيات  التي توصلت  إليها  في هذا المجال.

الله تعالى  خلق  الكون  وما فيه  ويدبر  أموره  بمفرده  وبقدرته  وقضائه وقدره  وسلطانه  ولا  يشاركه في ذلك  غيره ،  فالإنسان وسائر المخلوقات  كالملائكة  والرسل والجن  ومنه  الشياطين  لا تشارك الله في قدرته أبدا  بل كل الكون وما فيه خلقه  الله  وخاضع  لقدرته وحكمه ، وسأبين  بعض الآيات  الدالة على ذلك بالنسبة للملائكة والرسل والشياطين ثم أختم  هذه النقطة  بالآيات  الدالة على أن الله  فعال لما يريد ، وطبعا الله لا يريد إلا الحق والعدل  وقدرته مطلقة  ولكنها عادلة  لأن  الله هو الحق  والعدل  ولا يظلم.

بالنسبة  للملائكة  فهم من مخلوقات  الله  تعالى وخاضعون   لقدرته  وسلطانه  وينفذون أوامره

 لتدبير  أمور  الكون  وما فيه.  الأنبياء  الآيتان  26-27  :  "وقالوا  اتخذ  الرحمان ولدا  سبحانه ، بل   عباد  مكرمون  لا يسبقونه  بالقول وهم  بأمره  يعملون"......

لا  أحد  يعلم الغيب  ولا يعلم  ما  يقوله  الله  الملائكة  وما  يقوله  للملائكة  فيما  بينهم إلا  الله.  الطور  الآية  38 :  "أم لهم سلم يستمعون  فيه فليأت  مستمعهم بسلطان  مبين" ،  فالملائكة  خلقهم  الله قبل خلق الإنسان وكذلك الجن ومنه الشياطين ، البقرة  الآية 30 :  "و إذ قال ربك للملائكة إني  جاعل في الأرض خليفة" .....

إن تنفيذ  الملائكة  أوامر  الله  وتنـزيلهم  على عباد  الله الذين  اختارهم  كأنبياء  ورسل  لتبليغ  شرعه  وعلى عباده المؤمنين الذين اختارهم  لإنذار  الناس بعد الرسل والأنبياء باستمرار إن ذلك لدليل  من الأدلة القاطعة  على أن الله  تعالى موجود وقادر على كل شيء في الكون  ولا يشاركه  أحد  ملك الكون وما فيه والتصرف  فيه ،  فإذا  جاءتك  أيها الإنسان  رسالة بواسطة ساعي البريد  أليست  دليلا على وجود  من أرسلها وكتبها ؟  كم من نبي ورسول بعثه الله لتبليغ  شرائعه  وكتبه للناس  منذ  نوح  عليه  السلام وكم  من  مؤمنين نزل عليهم  الله  ملائكته  لإنذار  الناس  وحتهم على عبادة الله وطاعته والالتزام  بالقرآن  الكريم حتى كتابة هذه السطور. إن  الله تعالى مدبر  لأمور  الكون الذي خلقه  ويراقبه ويعلم ما وقع  ويقع وسيقع فيه ، فلنؤمن  يا بني آدم  ، يا أبناء أم واحدة  وأب  واحد  بمن  خلقنا  ونحن من  روحه  ويملكنا  وحياتنا  وموتنا  بقدرته  في أية  لحظة  ولنلتزم  بالقرآن  الذي  أنزله  للناس  كافة في الكون  ، يوسف  الآية  40 : "إن الحكم إلا لله   أمر  ألا  تعبدوا  إلا إياه  ذلك الدين القيم".

وبالنسبة لرسل الله  من الناس هم أيضا  مثل الملائكة  والجن  لا يشاركون الله في قدرته ورحمته وقضائه  وقدره.  بل  إن  كل ما خلق الله ومنهم الرسل  خاضع لحكم  الله ومراقبته ، الملك الآية 26 :  "قال إنما  العلم عند الله وإنما أنا  نذير مبين" ...

ونفس الحقيقة  تقال عن الجن ومنه  الشياطين  ،  إنهم  خاضعون  لقدرة الله  وقضائه  وقدره  ومراقبته  وجزائه ،  الحجر  الآية  27 : "والجان  خلقناه  من قبل  من نار  السموم"....

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السبعون بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * موقع قدرة الله وعدله :

إن الشياطين  أعداء  للإنسان ويضلونـهم  بإغوائهم  عن  سبيل الله ويدعونـهم  إلى  الفحشاء  والكفر ،  فاطر  الآية 6 : "إن الشيطان  لكم عدو فاتخذوه  عدوا ، إنما   يدعو  حزبه  ليكونوا  من أصحاب  السعير".  فالشيطان  يغوي  الإنسان  بقدرة  الله  إذا  أراد  ابتلاء  الإنسان  لإظهار  إيمانه  أو كفره  أو لعقاب  الإنسان  بسبب ذنوبه.

وقد  يغوي  الإنسان بمجرد  الحقد  عليه  دون  قدرة  الله ،  وقد  حذر الله تعالى الناس منه ،

المجادلة الآية 10 : "إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا  وليس  بضارهم  شيئا إلا بإذن الله  وعلى الله  فليتوكل  المؤمنون". ....

إن الشياطين  خاضعين  لقدرة  الله وحكمه ،  إن الله  يستعملهم  أداة  لابتلاء  الناس  وإظهار حقائقهم   ، العنكبوت  الآيتان  2-3 :  "أحسب الناس أن يتركوا  أن يقولوا  آمنا  وهم  لا  يفتنون ،  ولقد فتنا الذين من قبلهم  فليعلمن  الله  الذين صدقوا  وليعلمن الكاذبين".  .....

ويسلط  الله  الشياطين  على الظالمين لمعاقبتهم  في الدنيا  كذلك  ، مريم الآيتان 83-84 : "ألم  تر أنا  أرسلنا  الشياطين  على الكافيرين تؤزهم  أزا  فلا تعجل  عليهم  إنما  نعد  لهم  عدا " .....

إن  الملائكة  والجن  ومنه الشياطين والرسل  والناس وكل مخلوقات الله في الكون  خاضعون  لقدرة  الله وحكمه  ، وكل الكون  وما فيه خاضع لقدرة الله وقضائه وقدره  العادل  ، وهناك  أحكام شرعية  بالقرآن تؤكد  ما سبق بيانه  ومنها  النبأ  الآيتان  36-37 :  "جزاء  من ربك عطاء  حسابا  رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمان لا يملكون منه خطابا } ....

إن الله تعالى  قادر على كل شيء ولا أحد في الكون يرد  قضاء  الله وقدره  العادل ،  هود الآية 107 : "إلا ما شاء ربك  إن ربك فعال لما يريد" ..

ما يقرره الله  يتحقق  في الكون  ولا أحد  يمنعه  أبدا ، العنكبوت  الآية 22  : "وما أنتم  بمعجزين  في الأرض  ولا في السماء وما لكم من دون الله من  ولي  ولا نصير"......

لقد تأكد لنا   أيها  القراء  الأحباء  والعلماء  العقلاء  المحترمين  والباحثين  الموفقين  المجدين في كل أنحاء  العالم من خلال  هذا الفصل الأول حول  قدرة  الله تعالى أن الله وحده لا شريك له أبدا خلق  الكون  وما فيه ومنه نحن أبناء  آدم  عليه السلام. فنحن  من  خلق الله ومن روحه استخلفنا  في الأرض لنعيش ونعمل  طبقا  لشرائعه  المنزلة  عبر مراحل  الزمن  وخاتمها القرآن  الكريم  الذي  ألغى  كل  الشرائع  السابقة  ونسخها  بقدرة الله وقضائه وقدره.  ويراقب  الله  أعمالنا  ويجازي  كل  إنسان  عن  التزامه  بالقرآن  برحمته  وعن إعراضه  عن القرآن  وخرقه  بعذابه  الشديد. 

فيا  إخواني  في العالم  يا بني  آدم  وحواء  تعالوا  لنعتصم بحبل الله  جميعا  ونحبه  ونشكره  على  خلقه  لنا  وإحيائه  لنا وبثه روحه  فينا  ونشكره  على  توفيره  المواد  الأساسية  لطعامنا  : (الماء  والأرض  وخيراتها  والهواء) ، يس الآية  35  :  "ليأكلوا  من  ثمره  وما عملته  أيديهم  أفلا   يشكرون" ، تعالوا  يا بني  آدم  لنلبـي  دعوة  الله  ونعبده  طبقا  لأحكام  شرعه  القرآن  الكريم ، قال  الله تعالى في سورة  البقرة  الآيتان  21 و 22 : "يا  أيها  الناس  اعبدوا  ربكم  الذي  خلقكم  والذين  من قبلكم لعلكم  تتقون ،  الذي  جعل  لكم  الأرض  فراشا والسماء  بناء وأنزل من السماء ماء فاخرج  به من  الثمرات  رزقا  لكم  فلا  تجعلوا  لله  أندادا  وأنتم  تعلمون"و الحجرات الاية 13  : "يا أيها الناس إنا خلقناقم من ذكر و أنـثى و جعلنـاكم شعوبــا و قـبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتـقاكم إن الله علـيم خبيـر". فلا فرق بين أبيض و لا أسود و لا أحمر و لا أصفر و لا أطول و لا أقـصر و لا غني و لا فقير إلا بالتـقوى و معنى ذلك ان أحسن الناس و أحبهم إلى الله ذلك الإنسان الذي يكون أكثر الناس تقوى و التزاما بأحكام القران الكريم تفكيرا و اعتقادا قولا و عملا سرا و علانية.

لقد بينت  في  هذا  الفصل  الأول  بأن  قدرة  الله  تعالى وقضاءه  وقدره  مطلق  ولا يشاركه  في حكمه  وتدبير  للكون  أحد  أبدا.  وفي الفصل  الثاني  من  هذا  البحث المتواضع  والذي  هو  نواة  للمزيد من الأبحاث الأخرى  سوف أعطي  الأدلة  والبراهين  على  أن  العزيز  الكريم  الجليل  القادر  والقاهر  فوق  عباده  يمارس قدرته وقضاءه وقدره  المطلق بعدل ولا  يظلم  مثقال  ذرة  أبدا. [الأنترنت – موقع قدرة الله وعدله]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والسبعون بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *أعظم قوة :

كل ما على سطح هذه الأرض من أجسام ساكنة (بحسب الظاهر، وبالنسبة إلى غيرها من الأجسام المتحركة) أو متحركة، وكل ما في هذا الكون من نجوم ثابتة، وكواكب سيارة، وشموس مضيئة، وأقمار منيرة، ومذنبات معلومة أو غير مكتشفة؛ هي تحت تأثير ((القوة)) تنتقل بتأثيرها، وتدور حول نفسها بعامل هذا التأثير وهي معلقة بهذا الفضاء الفسيح الذي لم يعرف له حد، وتخضع لقانون الجذب والدفع، لا تنفك عنه أبداً ما دامت العوامل موجودة.

ولما كانت القوة مصدر كل حركة، ومنشأ كل سكون؛ نتج عن ذلك أن لا حركة بدونها ولا استقرار، وحيث لا توجد قوة يوجد فناء.

لا جرم أن الكون كما هو مشاهد لناظرنا، يدور بدقة والأجرام السماوية الموجودة في جوفه تسير بأتم

 نظام، وعلى الرغم عن السرعة الهائلة التي يسير بها كل من هذه الأجرام، فإنه لا يطرأ على أشكالها البديعة أي خلل، ولا يحدث فيما بينها أي اصطدام، وسبب ذلك يرجع إلى أن هذه العوالم كلها تحت تأثير قوى متعاكسة في الاتجاهات، فإذا أثر بعضها في جهة كانت لها قوى مضادة في الجهة الأخرى، فتبقى والحالة هذه الأجرام، معلقة بالفضاء بفعل قانون التوازن كما هو معلوم لدى علماء فن الحيل (الميكانيك) قوى عظيمة تفعل مفعولها ولا يتمكن الفرد من رؤيتها مهما تكاملت مداركه، واتسعت مخيلته وابتكاراته، وكل ما يراه هو تأثيرها الذي تنبعث عنه هذه الحركة الدائمة، وهذا الدوران المستمر.

ولئن كانت هذه القوى خفية، فهذا لا يمنع من إنعام النظر فيها، والتعمق بالبحث عن كنهها، ذلك التفكير موهبة من مواهب الله يجب الاستفادة منه حتى تظهر الحقيقة للمدقق بجلاء إن كان إلى ذلك من سبيل. لنلاحظ بادئ ذي بدء حركات الأجسام التي نرى حركاتها على هذه البسيطة بأم العين. إن الاصطدام الذي ذكرنا قد وقع كثيراً بين القطارات والسيارات بسبب وفرة عددها، وتقارب الطرق التي تسير عليها، ويزداد الخطب ويكون ثمة أضرار فادحة إذا كانت الضرورة تقضي بمرور هذه القطارات من مكان واحد لا يكاد يخرج بعضها، (وهي كالجند المنهزم من ساحة الموت) إلا ويدخل عليه الآخر، كأنه الفراش المتهافت على الضوء في الليل المدلهم.

ولتحديد هذه الأضرار قد نظمت جداول بنيت على حسابات دقيقة، ورسمت مصورات عديدة تتضمن خطوطاً كثيرة دقيقة، واستعملت ساعات تقدر بها الثواني واللحظات، وعينت الأوقات التي تمر بها القطارات بالدقة والضبط. وبالرغم عن ذلك كله لم يتوصل التكامل العلمي الحاضر إلى التغلب على المؤثرات المولدة للأخطار والويلات، وجهود الأخصائيين التي لا تزال متواصلة لم تثمر النفع المنشود.

ولا غرابة في ذلك فمثل هذا الاصطدام قد يقع أيضاً بين السفن في عرض البحار، وبين الطائرات في بساط الريح، لأقل عاصفة تحدث، فتؤثر في السير، فيكون نصيب الأولى الغرق، وحظ الثانية السقوط، وفي هذا دليل على أن عمل المخلوق ناقص مهما تكامل، وأن الوسائط المخترعة مهما علا شأنها، وسمت منـزلتها، لا تفي بالمرام، بعكس ما هي عليه الحال في قوة الخالق التي تسير هذه العوالم. وهذه المشاهدات، تجعل الإنسان ينظر - بالنسبة - إلى هذه المخترعات بعين الهزء والازدراء، هذه ناقصة وسطحية لأنها عمل الإنسان، وتلك كاملة وخفية لأنها من عمل الله.

لكل قوة شدة تقدر بوحدتها، وهي الكيلو غرام متر (أي القوة التي ترفع جسماً ثقله كيلو غرام واحد إلى ارتفاع قدره متر واحد) - أو بقوة الحصان الواحد (وتقدر هذه بقوة سبعة أشخاص تقريباً) أو بإضعافهما وأجزائهما، وقد بلغت الثروة في جنادل نياغارا خمسة ملايين حصاناً، وتقدر قوة المياه المحركة في مجموع فرنسا بثلاثين ألف ألف حصان.

وتكون القوة ظاهرة إذا كان المؤثر والتأثير فيها مرئيين بالعين المجردة، مثال ذلك القوة الحاصلة من جريان المياه التي تحرك دواليب المطاحن والمعامل والماكنات المختصة بتوليد الكهرباء، فإن الإنسان يشاهد المؤثر وهو جريان المياه، ويشاهد التأثير، وهو دوران الدواليب والآلات المحركة، بدون أقل عناء.

وتكون القوة خفية إذا كان المؤثر فقط غير مرئي فلا يتمكن الإنسان من مشاهدة القوة الكهربائية حين جريانها ضمن الأسلاك الناقلة، (كما يشاهد جريان المياه في قاع الوديان)، ولئن اكتشف العلماء الأخصائيون آلات تسهل مشاهدة الأجسام الموجودة داخل الصناديق أو وراء الجدران، فإنهم لا يزالون عاجزين عن اختراع آلة يتيسر معها رؤية المؤثرات الخفية إبان مرورها من الأوساط المختصة بها.

ويتولد من هذه القوة الخفية شدة عظيمة نشاهدها في تشغيل المعامل الجسمية، وفي إضاءة البلاد بنور الكهرباء. فالقوة التي تسيطر على جميع هذه المخلوقات، والتي تسير جميع هذه المكونات دون أن يعتريها خلل ما إبان دورانها وسيرها وحركتها، هي القوة الخفية التي تفوق بشدتها كل قوة، هي (قوة الله سبحانه).مجلة التمدن الإسلامي، السنة الرابعة، العدد الرابع، 1357هـ - 1358هـ / 1938م [الأنترنت – موقع الألوكة  - أعظم قوة - عارف التوام ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والسبعون بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ :

السؤال : في أي حال يقول الرب تعالى للشيء (كن) فيكون ؟ في حال وجوده ، أم في حال عدمه ؟

نص الجواب : الحمد لله ، قال تعالى :( إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) النحل/40

وقال عز وجل : ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) يس/ 82 .

والمعنى في هذه الآيات ونحوها : أن الله تعالى لا يتعاظم على قدرته شيء ، فإذا ما أراد فعل شيء ، فإنما يفعله ويخلقه بأمره الكوني له : كن ، فلا يتأخر ذلك الشيء الذي أراده ، بل يكون من فوره . وهذا دليل القدرة التامة لله عز وجل ، فلا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء .

وينبغي التنبه إلى أمرين مهمين ، لفهم ذلك :

الأول : أنه إنما صح تسمية هذا المعدوم قبل أن يخلق " شيئا " لأنه موجود في علم الله تعالى ، قد علمه الله سبحانه وتعالى قبل أن يخلقه ، بل وكتبه

أيضا في كتابه السابق ؛ فهو شيء باعتبار العلم به ، لا لأن له وجودا متميزا خارج الأذهان ، فإن هذا إنما يكون له بعد أن يخلق ، لا قبل أن يوجد بالفعل .

قال الشنقيطي رحمه الله في "أضواء البيان" (2/ 377):

" عَبَّرَ تَعَالَى عَنِ الْمُرَادِ قَبْلَ وُقُوعِهِ بِاسْمِ الشَّيْءِ ; لِأَنَّ تَحَقُّقَ وُقُوعِهِ كَالْوُقُوعِ بِالْفِعْلِ، فَلَا تُنَافِي الْآيَةُ إِطْلَاقَ الشَّيْءِ عَلَى خُصُوصِ الْمَوْجُودِ دُونَ الْمَعْدُومِ ; لِأَنَّهُ لَمَّا سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُ يُوجَدُ ذَلِكَ الشَّيْءُ، وَأَنَّهُ يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ كَانَ تَحَقُّقُ وُقُوعِهِ بِمَنْزِلَةِ وُقُوعِهِ ; أَوْ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ عَلَيْهِ اسْمَ الشَّيْءِ بِاعْتِبَارِ وَجُودِهِ الْمُتَوَقَّعِ، كَتَسْمِيَةِ الْعَصِيرِ خَمْرًا فِي قَوْلِهِ : ( إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا) ، نَظَرًا إِلَى مَا يَؤُولُ

 إِلَيْهِ فِي ثَانِي حَالٍ " انتهى .

الثاني : أن الخطاب الذي وجه إليه ( كن ) ليس خطابا تكليفيا ، ولا أمرا له بفعل شيء ، وإنما هو خطاب "كوني" ، "قدري" ، وهذا الخطاب : هو دليل قدرة الله تعالى التامة ، وإرادته ، ومظهر ذلك .

قال ابن الجوزي رحمه الله :" فان قيل: هذا خطاب لمعدوم ؟

فالجواب : أنه خطاب تكوين يظهر أثر القدرة ، ويستحيل أن يكون المخاطب به موجودا ، لأنه بالخطاب كان ، فامتنع وجوده قبله أو معه ، ويحقق هذا أن ما سيكون متصور العلم فضاهى بذلك الموجود ، فجاز خطابه لذلك " انتهى من "زاد المسير" (1/ 105) .

وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

مَا تَقُولُ السَّادَةُ الْعُلَمَاءُ أَئِمَّةُ الدِّينِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ ، فِي قَوْله تَعَالَى : (إنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إذَا

أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) فَإِنْ كَانَ الْمُخَاطَبُ مَوْجُودًا فَتَحْصِيلُ الْحَاصِلِ مُحَالٌ ، وَإِنْ كَانَ مَعْدُومًا فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ خِطَابُ الْمَعْدُومِ ؟

فأجاب جوابا مطولا ، جمع فيه مقاصد ذلك ، وأطرافه ، جاء فيه :

" وقَوْله تَعَالَى (إنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) . ذَلِكَ الشَّيْءُ هُوَ مَعْلُومٌ قَبْلَ إبْدَاعِهِ ، وَقَبْلَ تَوْجِيهِ هَذَا الْخِطَابِ إلَيْهِ ، وَبِذَلِكَ كَانَ مُقَدَّرًا مَقْضِيًّا، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُولُ وَيَكْتُبُ ، مِمَّا يَعْلَمُهُ : مَا شَاءَ ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ( إنَّ اللَّهَ قَدَّرَ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ( كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مَعَهُ ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ) ، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ( أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ

فَقَالَ لَهُ اُكْتُبْ ، فَقَالَ: مَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: مَا هُوَ كَائِنٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) .

إلَى أَمْثَالِ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ الَّتِي تُبَيِّنُ أَنَّ الْمَخْلُوقَ ، قَبْلَ أَنْ يُخْلَقَ : كَانَ مَعْلُومًا ، مُخْبَرًا عَنْهُ ، مَكْتُوبًا ؛ فَهُوَ شَيْءٌ بِاعْتِبَارِ وُجُودِهِ الْعِلْمِيِّ الْكَلَامِيِّ الْكِتَابِيِّ، وَإِنْ كَانَتْ حَقِيقَتُهُ ، الَّتِي هِيَ وُجُودُهُ الْعَيْنِيُّ : لَيْسَ ثَابِتًا فِي الْخَارِجِ ، بَلْ هُوَ عَدَمٌ مَحْضٌ ، وَنَفْيٌ صِرْفٌ .

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الْخِطَابُ مُوَجَّهًا إلَى مَنْ تَوَجَّهَتْ إلَيْهِ الْإِرَادَةُ ، وَتَعَلَّقَتْ بِهِ الْقُدْرَةُ ، وَخَلَقَ وَكَوَّنَ ، كَمَا قَالَ: (إنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ؛ فَاَلَّذِي يُقَالُ لَهُ: كُنْ ، هُوَ الَّذِي يُرَادُ، وَهُوَ حِينَ يُرَادُ - قَبْلَ أَنْ يُخْلَقَ - لَهُ ثُبُوتٌ وَتَمَيُّزٌ فِي الْعِلْمِ وَالتَّقْدِيرِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا تَمَيَّزَ الْمُرَادُ الْمَخْلُوقُ مِنْ غَيْرِهِ .

فقول السَّائِلِ: إنْ كَانَ الْمُخَاطَبُ مَوْجُودًا فَتَحْصِيلُ الْحَاصِلِ مُحَالٌ ؟

يُقَالُ لَهُ : هَذَا إذَا كَانَ مَوْجُودًا فِي الْخَارِجِ ، وُجُودَهُ الَّذِي هُوَ وُجُودُهُ . وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْمَعْدُومَ لَيْسَ

مَوْجُودًا ، وَلَا هُوَ فِي نَفْسِهِ ثَابِتٌ .

وَأَمَّا مَا عُلِمَ وَأُرِيدَ ، وَكَانَ شَيْئًا فِي الْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ وَالتَّقْدِيرِ ، فَلَيْسَ وُجُودُهُ فِي الْخَارِجِ مُحَالًا؛ بَلْ جَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ لَا تُوجَدُ إلَّا بَعْدَ وُجُودِهَا فِي الْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ.

وَقَوْلُ السَّائِلِ: إنْ كَانَ مَعْدُومًا فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ خِطَابُ الْمَعْدُومِ ؟

يُقَالُ لَهُ: أَمَّا إذَا قُصِدَ أَنْ يُخَاطَبَ الْمَعْدُومُ .. بِخِطَابِ يَفْهَمُهُ وَيَمْتَثِلُهُ ، فَهَذَا مُحَالٌ؛ إذْ مِنْ شَرْطِ الْمُخَاطَبِ أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ الْفَهْمِ وَالْفِعْلِ ؛ وَالْمَعْدُومُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَفْهَمَ وَيَفْعَلَ، فَيَمْتَنِعُ خِطَابُ التَّكْلِيفِ لَهُ حَالَ عَدَمِهِ ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يُطْلَبُ مِنْهُ حِينَ عَدَمِهِ أَنْ يَفْهَمَ وَيَفْعَلَ .

وَكَذَلِكَ أَيْضًا يَمْتَنِعُ أَنْ يُخَاطَبَ الْمَعْدُومُ فِي الْخَارِجِ خِطَابَ تَكْوِينٍ ، بِمَعْنَى أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ شَيْءٌ ثَابِتٌ فِي الْخَارِجِ ، وَأَنَّهُ يُخَاطَبُ بِأَنْ يَكُونَ.

وَأَمَّا الشَّيْءُ الْمَعْلُومُ الْمَذْكُورُ الْمَكْتُوبُ ، إذَا كَانَ تَوْجِيهُ خِطَابِ التَّكْوِينِ إلَيْهِ ، مِثْلَ تَوْجِيهِ الْإِرَادَةِ إلَيْهِ ، فَلَيْسَ ذَلِكَ مُحَالًا، بَلْ هُوَ أَمْرٌ مُمْكِنٌ ، بَلْ مِثْلُ ذَلِكَ يَجِدُهُ الْإِنْسَانُ فِي نَفْسِهِ، فَيُقَدِّرُ أَمْرًا فِي نَفْسِهِ يُرِيدُ أَنْ يَفْعَلَهُ، وَيُوَجِّهُ إرَادَتَهُ وَطَلَبَهُ إلَى ذَلِكَ الْمُرَادِ الْمَطْلُوبِ الَّذِي قَدَّرَهُ فِي نَفْسِهِ، وَيَكُونُ حُصُولُ الْمُرَادِ الْمَطْلُوبِ بِحَسَبِ قُدْرَتِهِ، فَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى حُصُولِهِ ، حَصَلَ مَعَ الْإِرَادَةِ وَالطَّلَبِ الْجَازِمِ، وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا لَمْ يَحْصُلْ.

وَقَدْ يَقُولُ الْإِنْسَانُ : لِيَكُنْ كَذَا ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ صِيَغِ الطَّلَبِ ، فَيَكُونُ الْمَطْلُوبُ بِحَسَبِ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ .

وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَمَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ ؛ فَإِنَّمَا أَمْرُهُ إذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ " [الأنترنت – موقع الإسلام سؤال وجواب  - في أي حال يقول الرب تعالى للشيء (كن) فيكون ؟ في حال وجوده ، أم في حال عدمه ؟]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والسبعون بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * قوة الصبر :                                                                                                            

1_ عن طريق التعاطف مع الآخرين والتفكير بنفس طريقتهم _ نستطيع رؤيتهم على حقيقتهم، بدلاً من محاولة تحويلهم إلى أشخاص آخرين، وبدلاً من أن تغضب _على سبيل المثال_ من أن زميلك هذا في فريق العمل يعمل ببطء شديد، يمكنك أن تسأل نفسك عن الفائدة التي من الممكن تحقيقها من وراء هذه السمة، عندما تفعل ذلك سوف تجد أنه يولي اهتماماً كبيراً بكل شيء يفعله، وأن هذا هو السبب في أنه يعمل ببطء.

2_ إن أطفالنا يطالبوننا بأن نتحلى بالمزيد من الصبر، وقد أظهرت دراسة أجرتها إيلين جالينسكي عام 1999م حول تحقيق التوازن في الحياة العملية أن الشيء الوحيد الذي تمناه معظم الأطفال هو أن يتغير آباؤهم ليصبحوا أقل عصبية وتوتراً عند عودتهم إلى البيت من العمل.

3_ فالصبر صفة تتعلق أكثر بما لا تفعله، إنها تقتضي منك أن تتراجع وتحجم عندما ترغب في التحرر والانطلاق، وأن تحتمل شيئاً ما كنت لتحتمله إذا كنت لا تتحلى بها، وأن تنتظر من الأشياء أن تحدث بدلاً من أن تدفعها للحدوث.

4_ إن الصبر يسمح لنا بأن نحتفظ بهدوء أعصابنا عند التعرض للضغوط، سواء الضغوط الخارجية الناتجة عن حياتنا المليئة بالعمل والانشغال، أو الضغوط الداخلية التي يولدها الغضب.الصبر يخفف من الإجهاد الواقع على الجهاز العصبي، ويقلل من السرعة التي يعمل بها، ويجعله يستريح.

5_ بالنظر إلى أسلوب حياتنا الحالي فإنه من الممكن أن نتعرض لاستجابة المواجهة أو الهروب طوال الوقت في إشارات المرور، وعندما نكون بصدد موعد نهائي من الصعب الوفاء به، وعندما ندخل مشاحنات مع أحبائنا، الأمر الذي يُلقي على أجسادنا قدراً كبيراً من الإجهاد والضغوط، وهذا هو السبب في أن التحلي بالصبر يعد أَحَدَ أفضل الأشياء التي يمكننا القيام بها من أجل صحتنا، وكلما استطعنا بسهولة أكثر أن نصمد في مواجهة صدمات الحياة، ونتسامح مع صغائر الأمور التي تصدر عن الآخرين _ يقل ما نتعرض له من ضغوط وتوتر.

6_ وما يثبته الواقع لنا هو أن الصبر ذلك الثبات الداخلي الهادئ في مواجهة ما كان من الممكن أن يزعجنا ويغضبنا فيما إذا كنا لا نتحلى به _ هو المدخل إلى تعلم التعاطف مع الآخرين، وإلى اكتساب القدرة على إدراك مشاعرهم.  

7_بالصبر تصبح تجربتنا الداخلية أشبهَ ببحيرة ساكنة منها بنهر ثائر، وبدلاً من أن نشعر بالغضب أو الذعر في مواجهة كل حادثة تلقي بها الحياة إلينا خطة يتم إلغاؤها، أو موعد نهائي لا يستطيع زميل في العمل الوفاء به، أو مهمة معينة تنسى شريك حياتك أداءها _ نصبح قادرين على أن نضع الأشياء في إطارها الصحيح، الأمر الذي يسمح لنا بالحفاظ على هدوء أعصابنا

8_ الصبر يزيد من احتمالات استمرار العلاقات مدى الحياة.

9_ الصبر هو الذي يؤدي إلى تماسك المحبين، وإلى تهدئة الأجواء بينهما، وبالتالي يتمكن الحب، والتطور والنمو، من الازدهار.

10_ إن الصبر يعد أحد أروع حلفائنا في عملية التربية، تلك العملية التي تتسم بالتعقيد؛ فالصبر يسمح لنا مثلاً بأن نستمر في هدهدة الطفل الذي يبكي ويصرخ مدة تقرب من الساعة، وبأن نقرأ لأطفالنا نفس القصة المحببة إليهم للمرة الألف، وبأن نتعامل بهدوء لأولادنا المراهقين عندما يعودون إلى البيت في وقت متأخر مثلاً.

11_ بالصبر نصبح أكثر قدرة على أن نظل هادئين من الداخل، مهما كان ما يحدث خارجنا، ونثق في قدرتنا على التعامل مع أي شيء يعترض طريقنا، وتلك الثقة تمنحنا طمأنينة رائعة.

12_ إننا لن نصبح آباءً مثاليين مهما حاولنا، وهذا أمر لا بأس به؛ فكل ما نحتاج إليه حقيقة هو أن نكون جيدين بما فيه الكفاية فقط.والصبر يساعدنا على نكون آباءً جيدين بما فيه الكفاية حتى تكون استجابتنا، وردود أفعالنا الحكيمة والرقيقة والمفعمة بالحب اتجاه أولادنا أكثر من استجابتنا وردود أفعالنا الحادة التي نُقْدِمُ عليها بدون تفكير أو تروٍّ.

 13_ من خلال تَقَبُّل الآخرين على ما هم عليه، وتَقَبُّل الحياة كما هي عليه نثبت قوتنا الحقيقية، وما نَتَّسِم به كبشر من روعة، وجمال.من السهل أن نتقبل الأمور عندما تكون كلها على ما يرام، ولكن عندما نتحلى بالصبر في المواقف التي لا تسير الأمور فيها بالطريقة التي نريدها  نصبح أبطالاً بحق.

14_ وعلى قدر ما يتحلى به الناس من صبر تظل المجتمعات متماسكة، ويظل بلايين الناس الذين يعيشون الآن على هذا الكوكب يعملون في ظل النظام.إن مخالفة النظام تبدأ عندما نصبح فاقدي الصبر، سواءً كان الأمر يتعلق بكسب المال، أو بالانتظار في سياراتنا في طريق مزدحم.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والسبعون  بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * قوة الصبر :                                                                                                            

15_ إن الصبر ليس سمة شخصية صغيرة تجعل صاحبها يشعر بمشاعر طيبة، إنه أساس اللباقة، والكياسة، وطاعة النظام.بدون الصبر لا يستطيع الناس العيش معاً، ولا يستطيع المجتمع أن يعمل بشكل سليم، وبه نستطيع أن نوفر إمكانية أن يحل السلام بين الأشخاص وبين الدول.

16_ لا أحد يرغب في أن يعاني من محن جسدية، أو عاطفية، ولكن عندما تأتينا هذه المحن بالفعل - وهي ستأتي على الأرجح، فلكل منا نصيبه من الأحزان - يكون أمامنا خياران اثنان: إما أن نشكو ونتذمر بدون توقف مما يحدث لنا، وإما أن نشعر بمشاعر الحزن والخوف والغضب، وبعد ذلك نلجأ إلى الصبر، ونسمح للتحدي الذي نواجهه بأن يسمو بأرواحنا.

17_ أعظم اكتشاف تم التوصل إليه في جيلي هو أن الإنسان يستطيع أن يغير حياته، وذلك بأن

يغير من طريقة تفكيره.

18_ وهناك فارق هائل بين الشعور بالإخفاق، والشعور بأن ثمة ما يجب أن تتعلمه؛ فالأول: يؤدي إلى اليأس وعدم التغيير، بينما يؤدي الثاني إلى إمكانية التغيير والتطور.عندما يتم الضغط على نقاط ضعفك التي تجعلك تفقد صبرك حاول أن ترى هذا الموقف على أنه فرصة لكي تتعلم شيئاً عن نفسك.اسأل نفسك: لماذا يصعب عليّ تحمل هذا الأمر؟.وسوف تندهش من النتائج التي سوف تترتب على هذا الموقف الجديد من جانبك.

19_ عندما ينذر الموقف بمحنة ما فكر ملياً بجد وتروٍّ: ما أسوأ شيء يمكن أن يحدث؟ وبعد أن تفحص وتحلل هذه المحنة المحتملة، امنح نفسك أسباباً منطقية تجعلك تفكر في أنها رغم كل شيء لن تكون كارثة رهيبة.

20_ عندما نتذكر دائماً أن بعض الأشياء تستحق الانتظار فإن ذلك يساعدنا على أن نقرر ما هي

هذه الأشياء، وعلى أن نقدرها عندما نحصل عليها بالفعل.

21_ الصبر شيء يعجبك في سائق السيارة التي خلفك، ولكنه لا يعجبك في سائق السيارة التي أمامك.

22_ أكثر الأشياء التي وجدتها فائدة هو أن أذكِّر نفسي في تلك اللحظات التي أنزع فيها إلى انتقاد الآخرين، والحكم عليهم بأنني لست معصومة من الخطأ.

23_ حتى يمكنك أن تمارس الصبر، تحتاج إلى أوغاد حقيقين لمساعدتك على ذلك؛ إذ لا حاجة إلى ممارسته مع من يتسمون بالدماثة واللطف؛ فالتعامل معهم لا يتطلب صبراً.

24_ ياله من موقف غريب! أن يكون في مقدورنا أن نرحب في حياتنا بمن نعتبرهم أكثر الناس إرهاقاً لنا؛ لأنهم سوف يعلموننا الصبر. 

25_ فالتحلي بالصبر لا معنى له إلا إذا كنا قادرين على استخدامه عندما نحتاج إليه.

26_ عندما نفتح قلوبنا للناس وللأشياء التي تمثل تحدياً بالنسبة لنا نصبح في حالة من الهدوء الروحي والعاطفي، كما نصبح أقل عرضة للتأثر بكل ما تلقيه إلينا الحياة من صعاب ومشكلات.وفي هذه الحالة يصبح الأشخاص ذوو الطباع الصعبة، والأحداث العصيبة فرصاً مثيرة للاهتمام يمكن استغلالها لمزيد من النضج والنمو، بدلاً من أن يصبحوا عقبات خطيرة يتعين علينا احتمالها.من خلال هذه الرؤية نستطيع أن نستمتع أكثر بالحياة أياً كان ما يحدث لنا.

27_ الصبر هو أن نكون على استعداد للعيش في الحاضر كما هو تماماً، وحتى إذا كنا نريد أو نتمنى أن يتغير الحاضر في يوم ما؛ فالصبر يتيح لنا أن نحيا الآن في سعادة، ورضا بقدر الإمكان.

28_ إن التركيز على اللحظة الحالية، والصبر على الحاضر يبدوان مسألة سهلة عندما تسير الحياة على ما يرام، ولكنهما أيضاً يعتبران السر لمواجهة المحن وأوقات الشدة.

29_ من الأشياء العظيمة التي يمكن أن تحميك من الغضب، ومن الأفكار المتمردة، ومن كل ما قد

تشعر به من نفاد الصبر، وكل ما قد تتعرض له من مشاحنات ومشاجرات أن يكون ذهنك مشغولاً ببعض الأعمال والاهتمامات، مثل هذه الأشياء سوف تجذب انتباهك وتحميك من أن تطيل التفكير في الأشياء التي تثير استياءك وتغضبك.

30_ إن التحلي بالصبر ليس معناه أن نحبس تفكيرنا بصورة لا تنتهي في ذلك الشيء الذي يربكنا ويحيرنا؛ فلا بأس من أن نركز انتباهنا في وقت كهذا على شيء آخر.

وقد كان أحد الحكماء مقتنعاً بأن الصبر في حد ذاته ليس إلا فن العثور على شيء آخر تقوم بآدائه.

31_ إن الصبر والشفقة يعملان معاً في انسجام وتناغم كمنظومة واحدة؛ ليدعم ويكمل كل منهما الآخر؛ فكلما تحلينا بقدر أكبر من الصبر أمكننا أن نكون أكثر حساسية وتأثراً بمشاعر الآخرين، وكلما استجبنا لهم بقلوبنا وليس بعقولنا استفدنا أكثر من معين الصبر الكامن في أعماقنا

32_ كلما ازداد إدراكنا لحقيقة أننا نفتقر بشكل كامل إلى السيطرة على الآخرين نصبح أكثر صبراً؛

لأننا سوف نتوقف عن تعذيب أنفسنا بمحاولة تغييرهم، ونبدأ في توجيه صبرنا في الاتجاه الصحيح نحو أنفسنا حتى نتمكن من احتمال أي شيء نريد منهم تغييره.

وعندما نواجه مواقف عصيبة مع الآخرين لا يكون هناك أفضل من أن نتذكر الحكمة التي تقول: اللهم امنحني القدرة على أن أتقبل الأشياء التي لا يمكنني تغييرها، والشجاعة كي أغير الأشياء التي يمكنني تغييرها، والحكمة حتى أفرق بين الاثنين.[ الأنترنت – موقع  أفكار مستقاة من كتاب قوة الصبر - إم. جيه. رايان - عبد الغفور بوغيدة ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والسبعون بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *جوهر القوة الحقيقية والتأثير السياسي :

فما هي حقيقة القدرة والقوة السياسية التي تحقق الإنجاز السياسي الحقيقي الذي لا وهم ولا لبس فيه؟

إجابة هذا السؤال تختلف باختلاف الكيان الذي يسعى لحيازة القوة والقدرة السياسية فالقوة بالنسبة للدولة غير القوة بالنسبة للحزب أو الحركة، وتفصيل ذلك يأتي فى السطور التالية.

بالنسبة للدولة نجد أن أبرز عوامل القوة الحقيقية هى:

 زيادة عدد السكان وارتفاع الناتج القومي (وهو حقيقة قوة الاقتصاد) على أن يكون ناتجا قوميا مستقلا وحقيقيا بأن يتمثل فى الصناعة والزراعة وتاليا السياحة والخدمات وأخره وأضعف أنشطته قيمة هو الاستثمار القادم من الخارج ما لم يكن مرحلة انتقالية فقط.

وكذا من أبرز جوانب قوة الدولة عامة والاقتصاد خاصة هو التقدم التكنولوجي الكامل ونعنى بالكامل أى القائم على توطن التكنولوجيا فى دولتك.

و من المهم جدا بل ملاك ذلك كله قوة فكر القيادة لأن قوة فكر القيادة هي التي تمكن هذه القيادة من انتهاز الفرص -بل وصنعها من العدم- وتجنب المخاطر فى كل الأوقات.

ويضاف لذلك كله قوة الفكر العلمي والثقافة والفن والإعلام وأن تلتزم بالصدق وأن تستهدف الخير وتحارب الشر وأن تكون ذات رسالة سامية وروح كفاحية.

وأخيرا حيازة القوة العسكرية الحقيقية وكي تكون حقيقية فيجب أن تخلو مؤسساتها من أي ترهل أو إهمال أو فساد وأن تقوم على التدريب الدائم والجاهزية الكاملة والدائمة ووجود خبرات عملية كافية لإدارتها.

أما القوة بالنسبة للحزب أو الحركة فهى حيازة قدر مناسب من القادة والعناصر الفاعلة المتميزة كل بمجاله مع قدر كبير من الأتباع والأنصار بجانب قدر كبير من القبول الجماهيري وتمويل مالي مستقل وكبير وهذا كله سيمكن الحزب أو الحركة من امتلاك أدوات وتكتيكات كافية للنجاح فى تحقيق أهداف واستراتيجية الحزب أو الحركة.

وعلى كل حال فربما يحتاج شرح عناصر قوة الدولة أو الحزب تفصيلا آخر بمقال مستقل لكن يجدر بنا في نهاية هذا التحليل أن نذكر أمثلة على فشل الدولة والحزب نتيجة التركيز على مظاهر القوة دون جوهرها لأن "بالضد تتبين الأشياء"، ومن أبرز هذه الأمثلة أن بعض الدول شهدت أحزابا وحركات برزت جدا سياسيا لأن صوتها كان عاليا وكان لإعلامها ضجيج يصم الآذان ولكنها رغم أهمية أهدافها ونفعها إلا أنها فشلت فى تحقيق أي من أهدافها ولم تصل للحكم ومنها الحركة الماركسية وحركة مصر الفتاة فى العصر الملكي ثم حزب العمل وحزب الوفد .... ولم تسع لتوسيع قاعدتها التنظيمية والاجتماعية والجماهيرية بينما ركزت على الإعلام والخطاب السياسي واتخاذ المواقف السياسية والمشاركة في الفعاليات السياسية بأكثر من اهتمامها بالبناء العقدي والشرعي والتنظيمى والتجنيد والتعبئة والتوسع الجماهيري وصياغة الفكر النهضوي المناسب وبناء القادة المناسبين لتحقيق أهداف الحزب أو الحركة، صحيح سيذكرهم التاريخ كما نذكرهم الآن لكن سيقول أنهم لم ينجحوا، ونفس الشىء بالنسبة للعديد من دول العالم الإسلامي حيث ركزت على مظاهر قوة الدولة دون تحقيق ثراء اقتصادي مستقل عن الهيمنة الغربية على العالم ودون توطين التكنولوجيا ودون تطوير التعليم والبحث العلمي وودون توسع ضخم فى الزراعة والصناعة، ولذلك نرى سوء حال غالب الدول الإسلامية  الآن من تردي فكري وحضاري وهو لا يخفى على أحد.

[الأنترنت – موقع طريق الإسلام - جوهر القوة الحقيقية والتأثير السياسي - عبد المنعم منيب

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والسبعون  بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * نعمة قوة الجاذبية الأرضية :

ما أكثر الآيات التي نمر عليها ونحن غافلون عنها وعن عظمتها ودلالاتها ومعجزاتها. وما أكثر الحقائق العلمية التي اكتشفها العلماء وقد جاء الحديث عنها في القرآن بكل دقة وبيان. فقد طرح القرآن العديد من الأسئلة على أولئك المشككين وذكَّرهم بنعمة الله وأنه هو الذي سخر لهم هذه النعم. ومن ذلك قول الحق تبارك وتعالى: (أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [النمل: 61].

هذه آية عظيمة تسأل هؤلاء المعرضين الذين جحدوا بنعمة الله: مَن الذي جعل لهم الأرض قراراً أي مكاناً يستقرون فيه؟ ومن الذي خلق هذه الأنهار، ومن الذي خلق الجبال، ومن الذي جعل البرزخ بين البحار… والحقيقة أن كل هذه الحقائق العلمية لم تكن مكتشفة زمن نزول القرآن وعلى الرغم من ذلك أمر الله هؤلاء أن يفكروا فيها ليدركوا الأسرار الخفية وراءها.

فالإنسان يعيش على هذه الأرض منذ آلاف السنين وهو لا يحس بأي فوضى أو عدم استقرار ولا يدرك نعمة وقيمة أن تكون الأرض مكاناً يستقر عليه ولا تضطرب حياته فيها. ولكن ما معنى ذلك؟

ماذا لو…يقول العلماء إن الأرض هي الكوكب الوحيد الذي جاء تصميمه مناسباً تماماً للحياة المريحة والمستقرة، وحجم الأرض وكتلتها وبعدها عن الشمس وسرعة دورانها حول نفسها وحول الشمس، مناسب جداً للحياة، ولو أن حجم الأرض أو كتلتها أو بعدها عن الشمس أو سرعة دورانها كانت أكبر بقليل أو أصغر بقليل لاختلت الحياة على ظهرها.

إن الذي يتأمل موقع الأرض داخل المنظومة الشمسية يلاحظ أن الله تبارك وتعالى هيَّأ هذه الأرض لتكون صالحة للحياة، بعكس بقية الكواكب. وهذه نعمة من نعم المولى يجب أن نشكره عليها.

ولكن هناك أمر مهم جداً لولاه لا يمكن لنا أن نستقر على هذه الأرض وهو الجاذبية الأرضية، فكوكب الأرض يمتاز بجاذبية محددة مناسبة للحياة المستقرة، ولو كانت جاذبية الأرض أقل مما هي عليه (مثل القمر) فإن الإنسان سيطير في الهواء عندما يبذل أي جهد، ولو كانت الجاذبية أكبر مما هي عليه (مثل المشتري) لالتصق الإنسان بالأرض ولم يعد قادراً على الحركة!!!

ماذا يسبب انعدام الوزن :

إنها قوة سخرها الله لجميع الأجسام في الكون لتتجاذب، فالأرض تشدنا نحو مركزها، بفعل قوة جاذبيتها، ولذلك فإننا نحس بالاستقرار على ظهرها، وبالتالي فهي قرار لنا. لو كنا على سطح القمر مثلاً فإن وزن أحدنا سيكون أقل مما هو عليه على الأرض بست مرات، أي أن الرجل الذي يزن

على الأرض 90 كيلو غرام، سيكون وزنه على القمر 15 كيلو غرام فقط!

ولا نحس بنعمة الجاذبية إلا عندما نغادر الأرض! وهذا ما يشكو منه رواد الفضاء، حيث يقول العلماء الذين صعدوا إلى الفضاء الخارجي وعاشوا حالة انعدام الوزن أو انعدام الجاذبية أو انعدام الاستقرار على الأرض:

1- إننا نعاني من أمراض كثيرة مثل الغثيان وصعود الدم للأعلى في الجسد بدلاً من الأسفل وبالتالي انتفاخ الوجه، أما العظام فتفقد جزءاً من الكالسيوم. وبالتالي فإن الذي يعيش في الفضاء يُصاب بنخر العظام، بل يفقد من كتلة عظامه كل سنة أكثر من 20 بالمئة.

2- بنتيجة عدم الاستقرار وغياب الجاذبية فإن الدورة الدموية ستضطرب وتتشكل حصيات في الكلية، سوف تضمر العضلات، ويتباطأ تقلص

الأمعاء مما يعيق هضم الطعام. سوف يرتفع لديه ضغط الدم، ويتسرّع قلبه، مما يسبب له مشاكل في نظام عمل القلب، تبقى لمدة أشهر حتى بعد عودته إلى الأرض.

3- سوف يختلف إيقاع الجسم الطبيعي بسبب فقدان طلوع الشمس وغروبها، فالظلام يخيم على كل شيء في الفضاء، وبالتالي سوف تختل دورة الجسم ونظامه ولا يعود قادراً على فعل شيء. كما أن الأشعة الكونية القاتلة سوف تؤثر عليه وتسبب أذى لجهازه العصبي، وقد يُصاب بأورام خبيثة نتيجة هذه الإسعاعات.

4- يعاني من يفقد الجاذبية ويعيش في الفضاء من قلة النوم، لأنه فقد الجاذبية التي تجعل رأسه مستقراً على الفراش أثناء النوم، فهو يحس أنه يسبح في سائل ما، ولذلك لا يتمكن من النوم إلا بصعوبة. وسوف يضعف لديه نظام المناعة، وهذا يمكِّن أي فيروس من السيطرة على جسده ومن المحتمل أن يُصاب بأي مرض بما في ذلك السرطان!

لو كانت الأرض بحجم القمر مثلاً لانخفضت قوة الجاذبية ولم يعد الإنسان مستقراً، ولذلك يقول العلماء إن حجم الأرض وكتلتها مناسبان جداً لقوة الجاذبية المثالية للإنسان ليتمتع بالاستقرار.

5- سوف تحدث اضطرابات عديدة في القلب لأنه سيعمل أكثر، فالجاذبية الأرضية تساعد القلب على ضخ الدم، وعند غياب الجاذبية فإن القلب

سيبذل جهداً أكبر مما يُضعف القلب. بل إن الدكتور William Evans من وكالة ناسا للفضاء يقول إن الخروج خارج الأرض هو بمثابة “كابوس طبي” حيث يعجز الطب عن علاج الأمراض الناتجة عن انعدام الجاذبية.

كذلك فإن الذي يعيش في الفضاء بعيداً عن جاذبية الأرض يعاني من صعوبة التبول لأن السوائل تبقى معلقة وملتصقة بجسده ولا تنزل للأسفل!

وبالتالي فإن أبسط الأشياء سوف تختل. ويقول الباحثون إن مجرد الحياة في الفضاء يعتبر موتاً بطيئاً!!

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والسبعون  بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * نعمة قوة الجاذبية الأرضية : مشاعر رواد الفضاء :

ولذلك فإن رواد الفضاء عندما يعودون إلى الأرض يحسون وكأنهم عادوا إلى بيتهم! ولذلك فإن الله تعالى وصف لنا هذا الإحساس عندما وصف الأرض بأنها كالمهد بالنسبة للإنسان، والمهد هو السرير الذي ينام فيه الطفل ويستقر: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى) [طه: 53]. وقال أيضاً: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [الزخرف: 10]. وقال أيضاً: (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا) [النبأ: 6].

وتأملوا معي كيف يصف الله الأرض بأنها مهد، ثم يذكرنا بنعمة عظيمة يفقدها الإنسان أيضاً في الفضاء وهي: (وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)، فقد جعل الله في الأرض طرقاً وأشياء نهتدي بها، أما الإنسان في الفضاء فلا يستطيع التوجه، لأنه محاط بظلام دامس من كل مكان، والذي يوجهه هو

قوة الجاذبية فقط! فتأملوا هذه النعمة (نعمة التوجه) التي نستخدمها كل يوم ولا نحس بقيمتها إلا عندما نفقدها!

يفقد رائد الفضاء الكثير من الميزات التي يتمتع بها على الأرض، لذلك فإن رواد الفضاء يصابون بأمراض تسمى “أمراض الفضاء” Space Sickness

وهي أمراض ناتجة عن فقدان نعمة الجاذبية الأرضية. تصور أن إنساناً لا يعرف كيف ينام وفي أي

اتجاه! وتصوروا معي المشهد في الصورة حيث نرى أحد رائدي الفضاء ينام ورجليه للأعلى! هل تحسون معي بنعمة الجاذبية؟

ويؤكد العلماء في أقوالهم بأن الإنسان لن يستطيع الذهاب بعيداً في الفضاء بسبب الخطر الناجم عن الأشعة الكونية الخطيرة والتي تخترق أي جسم وتصل إلى أعماق الخلايا عند الإنسان، وبالتالي فإن الموت سيكون المصير الطبيعي لمن يحاول الابتعاد عن الأرض كثيراً، وربما نتذكر في هذا الموقف قول الحق تبارك وتعالى: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ

فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ * فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) [الرحمن: 33-34].

لقد بدأ الإنسان يحس بنعمة الجاذبية فقط منذ عام 1961 عندما أبلغ رائد الفضاء الروسي Gherman عن أول حالة مرض فضاء، وذلك بعد خروجه خارج الأرض لمدة 25 ساعة. حيث حدث له إغماء واضطرابات كثيرة في الرؤية والسمع والإدراك واضطرابات في الجهاز العصبي غير ذلك.

يقول العلماء: إن الإنسان بمجرد خروجه خارج نطاق الجاذبية الأرضية يُصاب بأمراض الفضاء على الفور، وأول ما يُصاب لديه حاسة البصر التي تختل ويرى الأشياء من حوله وكأنها تدور، ويحس وكأنه في حالة سكر أو تخدير! بل إنه يتخيل أشياء ليست حقيقية وكأنه مسحور بالفعل!

اضطرابات الرؤيا :

إن أول اضطراب يُصاب به رائد الفضاء هو اضطراب بصري، حيث تختل الإشارات الصادرة عن

العين وتختلط مع الإشارات السمعية، وبالتالي فإن رائد الفضاء وبسبب فقدان التوازن في حاسة الرؤيا يحس بأن بصره قد أصابه التشويش ويفقد التنسيق بين الأذن والعين، وهذه الحالة تشبه حالة إنسان شرب الخمر وفقد التوازن واضطربت حاسة الرؤيا لديه!!

ويقول الأطباء إن الجسم يعاني من حالة فقدان التوازن وفقدان الوعي بشكل كبير ولا يعود الإنسان مدركاً ماذا يفعل. حتى إن معظم رواد الفضاء يفضلون تناول الأدوية المخدرة للتغلب على هذه الأحاسيس والاضطرابات. وهكذا يحس من يعيش خارج الأرض وكأنه قد فقد توازنه والقدرة على التحكم بنفسه فهو كإنسان مسحور لا يدرك ماذا يفعل وبخاصة في الأيام الثلاثة الأولى لرحلته! فلا يُسمح له بممارسة أي نشاط تقني حتى يتأقلم مع الوضع الجديد.

ولذلك وصف لنا رب العزة تبارك وتعالى حال من يخرج خارج الأرض باتجاه السماء بأنه يحس بحالة أشبه بالسُّكر أو السحر بسبب هذه التغيرات الغريبة التي تحصل له، يقول تعالى: (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) [الحجر: 14-15]. وهنا نجد تفسيراً لطيفاً لابن كثير حيث يقول: (سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا) وقال ابن زيد: السكران الذي لا يعقل!

عندما نغادر الغلاف الجوي نرى ظلاماً دامساً، ونحس وكأن بصرنا قد أُغلق تماماً! وهذا ما عبر عنه

 القرآن بقوله تعالى: (لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا)، فقد وصف لنا القرآن بدقة مذهلة ما يراه رائد

الفضاء قبل أربعة عشر قرناً.

فرائد الفضاء يحس وكأن بصره يدور ويرى العالم منقلباً رأساً على عقب، بل إن أحد رواد الفضاء عندما سئل كيف كنتَ ترى الأشياء في الفضاء: قال كنتُ أحس بأن العالم يدور من حولي!! كما أن أحد رواد الفضاء في وكالة ناسا استيقظ ليلاً وهو على مركبته فرأى ساعة يد تعوم أمامه وبدأ يفكر من أين جاءت، وبعد فترة استوعب أن هذه الساعة موجودة في يده!! وبالتالي فإن الجسم يفقد التنسيق بين الأذن والعين، ويحس رائد الفضاء وكأن حاسة البصر مخدَّرة لا تستطيع التجاوب مع حاسة السمع. إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والسبعون  بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * نعمة قوة الجاذبية الأرضية : نتائج علمية جديدة :

تقول الدكتورة Kathleen Cullen من المعهد الطبي لأبحاث الفضاء وتفسر ما يحدث لرائد الفضاء

عندما يخرج من نطاق جاذبية الأرض: إننا ندرك العالم من حولنا من خلال دمج المعلومات السمعية والبصرية ، وتحدث المشكلة عندما يحدث تعارض بين السمع والبصر يدعى “التضارب الحسي” والذي يسبب الغثيان أو مرض الفضاء.

يصف لنا رواد الفضاء الذين عادوا إلى الأرض إحساسهم ويقولون: منذ اللحظة الأولى لخروجنا من

نطاق جاذبية الأرض بدأ الخداع البصري وبدأت

أعيننا تدخل في حالة من الوهم والتخيل، فكنا لا نميز بين الأعلى والأسفل، أشبه بإنسان مسحور! حتى إن أحد رواد الفضاء أفاق من نومه وهو داخل مركبته فرأى الأرض فوقه بدلاً من أن يراها تحته كما تعود على ذلك فأغمي عليه وتقيَّأ.

وتتابع قولها: إن الأعراض التي يحس بها رائد الفضاء هي نفسها التي يعاني منها من أفرط في شرب

المسكرات!!! لأن شرب الخمر يؤدي إلى فقدان التنسيق بين حاسة البصر وحاسة السمع، وبالتالي يشعر رائد الفضاء وكأنه سكران!

ثم تقول: إن العديد من الناس على الأرض عاشوا نفس الإحساس الذي يحسه رائد الفضاء، وذلك عندما يشربون كمية من البيرة، ولكن مع فارق بسيط وهو أن الخمر يؤثر أكثر على حاسة السمع، أما انعدام الوزن فإنه يؤثر على حاسة البصر، هناك أمر آخر وهو أن الذي يسكر على الأرض يستطيع

أن يفيق من ذلك بعد يوم مثلاً، أما في الفضاء فيكون في حالة سكر دائم!!!

إعجاز متعدد في كلمة (سُكِّرَتْ) :

والسؤال هنا أحبتي في الله: أليس هذا ما يقوله القرآن قبل أربعة عشر قرناً: (لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا)، وكلمة (سُكِّرَتْ) جاءت من فعل (سَكَرَ) أي حُبست عن النظر أو حُيِّرت أو غُشِّيت وغُطِّيت، وكل هذه المعاني صحيحة وتنطبق على رائد الفضاء.

ومن معاني (سُكِّرَتْ) أُغلقت، والحقيقة في اللحظة التي يغادر فيها رائد الفضاء الأرض يشعر بظلام دامس فلا يعود يرى شيئاً، وبالتالي فإن رواد الفضاء الذين عادوا من رحلاتهم يصفون شعورهم وكأن بصرهم قد أُغلق! وبالتالي فإن كلمة (سُكِّرَتْ) تناسب جميع الحالات التي يحس بها من يخرج خارج الأرض وهذا من عظمة كتاب الله تعالى.

تأملوا معي كم يحتاج الإنسان من تجهيزات وتقنيات وملايين الدولارات وعلماء وأبحاث ووكالات

فضاء… كل ذلك ليتمكن من العيش خارج الأرض لأيام، وعلى الرغم من ذلك يصاب بمئات الأمراض، ومعظمها ناتجة بسبب غياب الجاذبية، فهل نقدِّر هذه النعمة، ونقدر قول الحق تبارك وتعالى عندما خاطب كل واحد منا: (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [غافر: 64].

والعجيب أننا نجد بعض البشر يتكبرون على خالقهم ورازقهم سبحانه وتعالى، ومن غرائب ما قرأت أن كثير من الحيوانات والحشرات لديها القدرة على التأقلم مع حالة انعدام الجاذبية، بل إن الفئران والصراصير أكثر قدرة من الإنسان على العيش في الفضاء!

وأخيراً هل أدركنا بعد هذه الحقائق أهمية الجاذبية وأهمية أن نكون مستقرين على سطح الأرض؟ هل ازددنا فهماً لمعنى قوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [غافر: 64]. وهل أدركنا أن الأرض هي فعلاً بيت ومهد لنا كما قال تعالى: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [الزخرف: 10].

هل أدركنا أهمية أن نحس بالاتجاهات من حولنا، هذه النعم بمجرد أن نخرج خارج الأرض سوف نفقدها على الفور بل ونصاب بالأمراض! هذا الإله الرحيم المتفضِّل ألا يستحق منا أن نشكره، أن نسجد له، أن نحبَّه؟! إنها نعم كثيرة أنعمها الله علينا، فكل ما يطلبه هذا الإنسان يحققه له المولى عز وجل، ونلاحظ كيف أن البشر كلما حاولوا اختراع شيء يسره الله لهم، حاولوا الصعود إلى الفضاء وحقق لهم الله هذا الأمر، وغير ذلك كثير، ولكن الإنسان يظلم نفسه عندما يجحد بهذه النعم التي لا تُعد ولا تُحصى، ولذلك يقول تعالى: (وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم: 34]... اللهم لك الحمد حتى ترضى … [ الأنترنت – موقع إعجاز القرآن والسنة- نعمة قوة الجاذبية الأرضية - المهندس عبد الدائم الكحيل ]

 إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والسبعون  بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *القوة الناعمة..:

شاع استخدام مفهوم القوة الناعمة منذ قام عالم السياسة الأمريكي جوزيف ناي بصك هذا المصطلح في مطلع التسعينيات. القوة هي القدرة على جعل الآخرين يقومون بتصرفات لم يكونوا ليقوموا بها لولا أثر القوة التي تم إخضاعهم لها.

حتى قيام جوزيف ناي بتطوير هذا المفهوم، فإن مفهوم القوة ارتبط بالممارسات الإكراهية، التي تجبر الآخرين على التصرف بطريقة معينة؛ أما مفهوم القوة الناعمة فيفتح الباب لدراسة القدرة على التأثير في سلوك الآخرين عبر الجاذبية والاحتواء، وليس عبر الإكراه

القوة الناعمة هي قوة النموذج، وجاذبية الثقافة، وسمو القيم والمبادئ، والمصداقية في الالتزام بكل هذا. إنها امتلاك الخصائص التي تجعل الآخرين يتطلعون للدولة باعتبارها نموذجاً يحتذى، ومصدراً للإلهام.

القوة الناعمة هي القدرة على التأثير في الآخرين بحيث يصبح ما تريده هو نفسه ما يريدونه، وبحيث

تصبح قيمك وثقافتك ومبادئك وطريقتك في الحياة هي النموذج الذي يودون احتذائه. انتشار الوجبات

 السريعة بعلاماتها التجارية الشهيرة من الولايات المتحدة لباقي أنحاء العالم يمنح أمريكا قوة ناعمة.

تعلق الناس في أنحاء العالم بسروال الجينز الأمريكي هو قوة ناعمة. سمعة الدانمارك باعتبارها البلد الأقل فساداً في العالم هو قوة ناعمة. الدقة المعروفة عن المجتمع السويسري هي قوة ناعمة. التطور الحضري المذهل في دبي والكفاءة الإدارية المذهلة في دولة الإمارات هي قوة ناعمة.

قد نفهم القوة الناعمة باعتبارها المقابل للقوة الخشنة ببعديها العسكري والاقتصادي، وقد نفهمها باعتبارها الضلع الثالث لمثلث القوة: قوة الإكراه، قوة

المكافأة، قوة الإلهام؛ المعادلات الموضوعية للقوة العسكرية، وقوة الاقتصاد، وقوة الثقافة والأخلاق. القوتان العسكرية والاقتصادية تنتجان القدرة على المنع والمنح.

قوة الإكراه العسكرية تمنح صاحبها القدرة على تدمير الخصم وحماية الحلفاء. القدرة الاقتصادية تمنح

صاحبها القدرة على مكافأة الحلفاء وحرمان الخصوم من المزايا والمنافع. القوة الناعمة لا تتيح القدرة على العقاب أو المكافأة، ولكن فقط القدرة على التأثير غير المباشر وعن بعد.

تمارس القوة العسكرية تأثيرها عبر مخاطبة غريزة البقاء. القدرة الاقتصادية، على الجانب الآخر، تمارس تأثيرها من خلال مخاطبة اشتهاء الثروة وغريزة الطمع. أما القوة الناعمة فتمارس تأثيرها من خلال مخاطبة تطلع الإنسان للسمو والامتياز.

القوة الناعمة، على أهيمتها، هي مفهوم مراوغ. يمكن قياس القوة الناعمة بعدد الناس الذين يتطلعون إلى الدولة بحثاً عن نموذج يحتذونه. لكن ألم يتطلع الملايين للاتحاد السوفييتي والصين الشيوعية وحتى ألمانيا النازية بحثاً عن الإلهام؟ أين هي جوانب السمو الأخلاقي في هذه النماذج المنقرضة؟ القوة الناعمة هي أيضاً قوة الأيديولوجيا، التي قد تكون خيّرة أو شريرة؛ فالقوة الناعمة ليست دائماً قوة أخلاقية.

القدرات العسكرية والاقتصادية هي من نوع القوة المادية التي يمكن قياسها بعدد القطعات العسكرية ومليارات الناتج والفائض الاقتصادي. مشكلة القوة الناعمة هي صعوبة قياسها بطريقة واضحة صريحة. القوة الناعمة هي شيء نشعر بوجوده، لكننا لا نستطيع قياسه أو الإمساك به.

هناك محاولات عدة لقياس القوة الناعمة، ولترتيب دول العالم وفقاً لمقدار ما تملكه منها. بسبب صعوبات القياس، فإن المقاييس العالمية للقوة الناعمة لا تصل إلى حد ترتيب كل دول العالم من حيث مقدار ما تمتلكه من قوة ناعمة، ولكنها تقتصر فقط على تصنيف الدول الأكثر امتلاكاً للقوة الناعمة، التي لا تزيد على ثلاثين دولة في أكثر المقاييس طموحاً.

مراجعة هذه المقاييس تبين أنه لا يوجد قوة ناعمة بغير قوة عسكرية واقتصاد قوي، وأن الدول صاحبة السبق في امتلاك القوة الناعمة هي نفسها قوى العالم العسكرية والاقتصادية الرئيسية، مع بعض الاستثناءات القليلة لحالات مثل الدانمارك وكوريا الجنوبية وفنلندا.

التناظر الذي يقترب من التطابق بين القوة الناعمة من ناحية، والقوة العسكرية والاقتصادية من ناحية أخرى، يثير الحيرة، حتى أنك لا تعرف ما إذا كان للقوة الناعمة وجود خاص مستقل، أم أنها ببساطة أحد نواتج الثروة والقوة العسكرية.

قد لا تكون القوة العسكرية أساسية في تكوين القوة الناعمة للدولة، لكن المؤكد أن القوة الاقتصادية للدولة وامتلاكها لجهاز إداري وإطار تنظيمي كفؤ وفعّال، ينتج الثروة، ويحقق رفاهية المجتمع هي شروط أساسية في تكوين القوة الناعمة.

القوة الناعمة مفهوم مهم، لكنها أيضاً مفهوم مراوغ، والأرجح أنه لا وجود للقوة الناعمة في غياب قدر مناسب من النجاح الاقتصادي، وجهاز سياسي وإطار تنظيمي كفؤ يقود المجتمع.[ الأنترنت – موثع مجلة البيان - القوة الناعمة.. مفهوم مهم لكنه مراوغ : د. جمال عبد الجواد ]  

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثمانون  بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *ثمان خطوات تقوي علاقتك بزوجك :

اتبعي هذه النصائح، التي ستساعدك في تجديد حياتكِ الزوجية:  استعيدي شغف البدايات مع زوجك: مع مرور سنوات طويلة على زواجكِ، ستشعرين بأن ما يبقيكِ مع زوجك هو مجرد الاعتياد، وتفقدين مع الوقت شوقك إليه، وشغفك بالحب الذي كان يجمعكما. ولكن الأمر ليس بهذا السوء عزيزتي، فالحب موجود، ويمكنكما تجديده مرة أخرى، فقط ببعض المجهود، والرغبة الحقيقية في إنجاح العلاقة واستمرارها. جددي ذكرياتكِ معه، وذكريه باللحظات الجميلة التي جمعتكما، فمثلًا: اذهبا إلى الأماكن التي شهدت لقاءاتكما الأولى، والمواقف والصعوبات التي تعرضتما لها، حتى تجتمعا معًا في بيت واحد. كل هذا سيمر كشريط فيلم أمامكما، وكل لحظة فيه ستزيد من حبكما وترابطكما مرة أخرى. تفهمي احتياجاته المتغيرة: قد تعتقدين أن طول فترة زواجكما تعتبر سببًا كافٍيًا لتفهمي زوجكِ جيدًا، وتعرفي احتياجاته كاملة والعكس، ولكن هذا الأمر غير صحيح. لا تظني أنكِ فهمتِ شخصية زوجك كاملة، أو أن احتياجاته ستتوقف عند حد معين، أو أنكِ ضمنتِ وجوده بجانبكِ، فكل شيء يحتاج إلى رعاية، والعلاقة الزوجية من ضمن هذه الأشياء. ولأن احتياجات زوجك قد تتغير مع الوقت، لذا من الضروري أن تتفهميها جيدًا وتلبيها، وهو ما سينعكس بالإيجاب على علاقتكما الزوجية. على سبيل المثال، يمكنه أن يحتاج إلى البقاء بمفرده بعض الوقت، أو يطلب أشياء جديدة في العلاقة الحميمة. لذا فكلما كنتِ مرنة في التعامل مع زوجك، سيفعل هو الآخر الأمر نفسه معكِ، ما سيزيد من الترابط بينكما. لا تسأليه أسئلة روتينية: لا تنتظري زوجك بقائمة أسئلة طويلة عن يومه، أو سبب تأخيره فور عودته إلى المنزل. يمكنك تأجيل الأمر قليلًا، حتى يتناول الغداء أو العشاء. واجعلي الأمر يبدو وكأنه جلسة ودية تسألين فيها عن أحواله، والأشياء التي تشغل عقله أو تؤرقه، ما سيشعره بدفء الحديث معكِ، ولن يتعامل معه على أنه استجواب. أشعريه بأنه أكثر الرجال إثارة: عبري لزوجك دائمًا عن حبكِ له، وأشعريه بأنه الرجل الذي كنتِ تحلمين أن تتزوجي به طوال حياتك، وأنه الأفضل في نظرك وأكثر الرجال إثارة. بالطبع، ذكر هذه الأمور قبل ممارسة علاقتكما الحميمة، سيكون له بالغ الأثر في عودة استمتاعكما بها مرة أخرى، بدلًا من اعتيادكما عليها كفعل روتيني.  قدمي له هدية بين الحين والآخر: احرصي على أن تفاجئي زوجكِ بهدية من وقت لآخر، وليس ضروريًّا انتظار مناسبة مهمة لتقدميها له، أو أن تختاري هدية باهظة الثمن، فقيمتها في شعوره بتقديرك له، وليس في سعرها. ولا تنسي أن تضعي مع الهدية رسالة حب لزوجكِ، تعبرين فيها عن شعوركِ بالسعادة معه، وأنكِ تودين قضاء ما تبقى لكما من العمر معًا. تعلمي كيف تعبرين عن تقديرك لزوجك بلفتات بسيطة من هنا. ضعي توقعات معقولة لعلاقتكما: يتخيل كل طرف أن مشاركة الطرف الآخر له في جميع اهتماماته، ضرورة وعلامة على الحب. والحقيقة أن هذا الأمر ليس ضروريًّا على الإطلاق، فاهتمامات المرأة وهواياتها مختلفة عن الرجل، وما قد ترينه ممتعًا لكِ، قد يشعر زوجكِ بالعكس تجاهه. لذا لا تنزعجي من هذا الأمر، ولا تعتقدي أنه يدل على ضعف حب زوجك لكِ، ولا تضعي توقعات غير صحيحة للعلاقة الزوجية. وإن كنتِ تفضلين أن يشارككِ زوجك في كل شيء، يمكنك الإمساك بالعصا من المنتصف، وممارسة شيء تفضلانه أنتما الاثنان، مثل: القراءة أو سماع الموسيقى على سبيل المثال. امنحيه مساحته الشخصية: الأمر لا يقتصر عليكِ فقط، فلا بد أن يمنحك زوجك أيضًا مساحتك الشخصية لتقومي بالأشياء المفضلة لكِ أو لتقابلي صديقاتك. وهذا الأمر مفيد لعلاقتكما الزوجية، ويزيد من شوقكما إلى بعضكما البعض، ويجنبكما الشعور بالملل. على سبيل المثال، يمكن أن يسافر زوجك في رحلة مع أصدقائه، بعيدًا عن أي مسؤوليات، والأمر نفسه معكِ سواء مع صديقاتك او عائلتك... وهكذا. عبري عن مشاعركِ بالفرح أو الحزن: تعلمي كيفية التخلص من كبت المشاعر، لأن الكبت يولد الانفجار كما يقولون، ويهدد أي علاقة زوجية، فليس من الصحي كتم مشاعرك سواء كانت سلبية أو حتى إيجابية. احكي لزوجك كل ما تشعرين به، ولكن احرصي على انتقاء الوقت المناسب. يمكنك استغلال مشاعركِ الإيجابية في صالحك، إذا كنتِ تريدين أن تعبري له عن حبكِ، بأن تودعيه ببعض الكلام الرومانسي قبل ذهابه إلى العمل والعودة منه، أو خلال العلاقة الحميمة... وهكذا. أما المشاعر السلبية، فتحتاج إلى اختيار الوقت المناسب لمناقشتها، وإيجاد حل بينكما للتغلب عليها. صفات الحياة الزوجية الناجحة كل زواج يواجه لحظات من الصعود والهبوط، فالأمر لا يسير بوتيرة واحدة، وكما توجد أوقات سعيدة، توجد أيضًا مشكلات قد تعكر صفو هذه اللحظات، وحتى تتجاوزيها اتبعي أنتِ وزوجكِ النصائح التالية:  الحوار والاستماع إلى الآخر: التواصل والتفاهم بين الزوجين أحد أسس العلاقة الناجحة، تحدثي مع زوجكِ باستمرار، واستمعي له جيدًا، واطلبي منه أيضًا الشيء نفسه. احترام الاختلاف في وجهات النظر: الاحترام المتبادل لوجهات النظر أيضًا من أساسيات الزواج الناجح، فيجب عليكما وقت الخلاف تفهم أن هناك رأيًا مختلفًا لكل منكما، ليس شرطًا أن يكون أحدهما الأفضل. وأن النقاش والحوار الهادئ، طريقا الوصول لاختيار مُرضٍ لكما. قبول الفروق الشخصية: تقبلي زوجكِ كما هو، ولا تحاولي تغييره، وامتنعي عن الشكوى الدائمة منه، والمقارنة بين تصرفاته قبل الزواج، والشخصية التي أصبح عليها الآن. لا تركزي فقط على نقاط ضعفه، وامدحي إيجابياته دائمًا، ما سيشجعه على الاستمرار فيها، والتغيير للأفضل. تحمل المسؤولية: مسؤولية الأسرة كبيرة، ويجب أن تكون مشتركة بين الطرفين، حددا كل المسؤوليات وقسماها بينكما، حتى لا يكون الضغط على طرف أكثر من الآخر. الاستقلالية: السعادة الشخصية تضيف للسعادة الزوجية، وشعور كل من الزوجين بالاستقلالية حتى لبعض الوقت، يساعد كثيرًا في نجاح العلاقة الزوجية. لذا لا بد أن يحصل كل منكما على بعض الوقت لنفسه، لممارسة الأشياء التي يفضلها، حتى تعودا أكثر قوة وصحة وجاذبية للآخر. اقرئي أيضًا: كيف أوفر وقتًا لنفسي وسط المسؤوليات؟ تجديد روتين الحياة الزوجية مع تكرار أحداث اليوم بكل تفاصيلها، يحتاج الزوجان لكسر هذا الروتين بين الحين والآخر، وللقيام بذلك جربي: Volume 0%   قضاء وقت خاص معًا: اقضيا بعض الوقت بمفردكما بعيدًا عن الأطفال، واتركا الهواتف واذهبا للتمشية، أو اجلسا لمشاهدة فيلم، أو استمتعا بيوم مختلف في أحد الفنادق القريبة منكما... وهكذا. استعادة الرومانسية: الرومانسية تقوي أي علاقة، وتُشعر الزوجين بالسعادة، والأمر لا يقتصر فقط على العلاقة الحميمة، ولكن تبادل الأحاسيس الرقيقة والحب بين الزوجين. العلاقة الحميمة: وهي مهمة جدًّا لزواج صحي وناجح يشعر فيه الطرفان بالرضا والسعادة، لذا يجب الانتظام عليها، وأن يلبي فيها كل طرف احتياجات الآخر. أفكار لتجديد العلاقة الحميمة الممارسة الحميمة تتأثر أيضًا بما يطول العلاقة بين الزوجين من مشكلات أو عدم تفاهم، إضافة إلى أعباء الحياة، ومسؤوليات الأطفال. لذا من الضروري التجديد فيها هي الأخرى بين الحين والآخر، حتى لا يشعر أي طرف منكما بالفتور تجاهها، ولهذا اتبعي الآتي: جددا مكان العلاقة وجربا أوضاعًا جديدة: يمكنما ترك غرفة نومكما من باب التغيير، وممارسة العلاقة الحميمة في المطبخ أو الحمام أو في فندق ما، ولا تخجلي من تجربة بعض الأوضاع الحميمية الجديدة. أرسلي له رسائل مثيرة: استغلي وقت وجود زوجكِ في العمل أو خارج المنزل، وأرسلي له رسائل رومانسية ساخنة، وستلاحظين نتيجتها بعد عودته.  أثيري زوجكِ بالكلام: فهناك عبارات معينة يعشق الرجل سماعها خلال العلاقة الحميمة، أخبريه بها، وسيزداد عشقًا لكِ. حددي وقتًا ثابتًا للعلاقة الحميمة: في ظل ضغوط الحياة ومهامها المتلاحقة، إذا انتظرتِ الوقت المناسب للعلاقة الحميمة، ففي الغالب لن تجديه، لذا حددي مع زوجكِ وقتًا منتظمًا لها والتزما به. [الأنترنت – موقع  علاقات العلاقة الزوجية-  8 خطوات تقوي علاقتك بزوجك ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والثمانون  بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :* قوة العزيمة والإرادة :

قوة العزيمة والإرادة هي خير ما يمكنك اكتسابه في هذه الحياة وأفضل شيء من خلاله تتمكن من

الوصول إلى جميع أحلامك وأهدافك، فهناك أقوال عن العزيمة والإرادة لمن يريد أخذ جرعة من العزيمة والإرادة في حياته ويحقق ما يطمح إليه من أعمال وأهداف في حياته لكي ينجح، وفي هذا الموضوع نحن نركز على قوة العزيمة والإرادة وعلى كيفية اكتساب تلك الصفتان اللتان تعدان صفة واحدة بلا شك لأن الأولى تكمل الأخرى والعكس.....

مصطلح قوة العزيمة والإرادة : إن مصطلح قوة العزيمة والإرادة هو مصطلح يدل على مقدرة الفرد على أن يتحكم بشكل كامل في أفكاره، بل ويتمكن من السيطرة عليها حسب المواقف والظروف، فكلًا منا لديه قوة وعزيمة وإصرار على أمر ما ولكن البعض يستطيع استخدام قوة عزيمته بينما البعض الآخر لا يمكنه أن يقوم بعمل ذلك، ولذلك يقال عن الشخص الذي يستطيع أن يتحكم فيس أفكاره ومشاعره بأنه شخص قوي ويعرف كيف تسير مجريات الأمور بلا شك، أيضًا قد يتم تعريف مصطلح قوة الإرادة والعزيمة على أنه قدرة الفرد على مواجهة الفتن والمغريات في هذه الحياة، وتكون قوته في المقاومة مؤقتة إلى أن يظل دائمًا يقوم بالمقاومة. اقرأ أيضًا: 5 طرق لتعلم فن الإرادة والعزيمة في العمل والحياة الشخصية قدم لنفسك العزم والإرادة إذا كان هناك هدية واحدة يمكنك أن تقدمها لنفسك فلن يكون هناك أفضل من قوة العزم حيث إنك بدون هذه القوة لن تستطيع أن تصمد أمام مواقف الحياة الصعبة، فالعزم يعني القوة والإصرار على الشيء لطالما كان هذا الشيء صحيح، وقوة العزيمة لا تختلف عن قوة الإرادة حيث الأولي تحتاج إلى الثانية وهي الإرادة، بالتالي احرص على تعليم نفسك الإرادة دون أن يتدخل أحد، فأنت أدرى الناس بحالك وبالتالي تعرف إلى أي مدى أنت بحاجة إلى قوة العزيمة والإرادة في حياتك، فلا شيء يمكن أن يمنعك عن تحقيق كل ما تريد في الدنيا سوى عدم وجود قوة عزيمة وإصرار، وبذلك ستحقق كل ما تطمح إليه في حياتك بلا شك. ماهي العوامل التي تزيد من عزمك وجود أهداف واضحة. التمتع بالمعرفة والمهارات. يجب أن تحترم الذات. أن يكون لديك موقف عقلي إيجابي. تمتلك الشجاعة. لابد من وجود الإيمان في الله وفي نفسك. وجود دافع ذاتي. عليك أن تتصور النهاية. أكد لنفسك النتائج بشكل إيجابي. قم بدعم الناس ليدعموك فتقوى ويكون لديك عزيمة وإرادة. تمكين الأفكار والمعتقدات. شاهد أيضًا: موضوع عن الأسباب المؤدية إلى استخدام السموم القاتلة قصير الزوار شاهدو أيضًا: كيف أصلح وأبدأ حياتي تعرف على نفسك أكثر ما تأثير التحفيز على نفسية الإنسان صمم على أهدافك قبل أن تأخذ أي قرار في أي مشروع أو هدف، لابد من أن تعرف بأن التصميم لابد من توافره بداخله حيث يعمل التصميم على الالتزام بجميع خططك والعمل على تحقيق جميع أهدافك، على أن ينشأ تصميمك من الداخل وبالتالي تستمد تقوية هذا التصميم من تفكيرك ومعتقداتك بدلاً من الظروف المحيطة بك، عقبها سوف تكون لديك قدرة على الحفاظ على مجهودك عندما تأتي عليك ظروف صعبة ومواقف تتطلب منك الحكمة والتفكير، تماماً كخشب الصلب الموجود في الشجرة فهو يملك قدرة تجعله قادر على الوقوف ومواجهة الرياح المضطربة، بالفعل أنت بحاجة إلى أن تكون مثله تمامًا لتواجه كل مشاكل وأعباء الحياة. ما الذي يمكنك فعله عند امتلاك العزم والإرادة؟ بالعزم تستطيع أن تنسف الجبال وأن تنسى شيء أسمه عراقيل أو صعوبات في هذه الحياة، فالعزم الذي يأتي من التصميم ويؤدي إلى قوة الإرادة هو سلاح الناجحين الذي يقومون من خلاله تحقيق كل ما يريدون وتنفيذ خططهم بكل سهولة دون أدنى معاناة في ذلك، والسبب في ذلك هو سيرهم على خطوات أكيدة من شأنها تحافظ على قوة إرادتهم وعلى التصميم والعزم بداخلهم، ولكل من يريد أن يتغلب على العقبات في حياته يستطيع أن يصمم ويعقد العزم بكل إرادة على تحقيق أهدافه وعقبها سوف يحققها بلا شك وسيكون مالكًا في يديه كل مفاتيح النجاح الخاصة به وبالتالي سيصل إلى ما يريد. تحقيق التوازن للحصول على العزم والإرادة كل إنسان في هذه الحياة يمتلك مستوى معين من الطاقة، ويأتي وقت على الفرد يتم فيه استنفاذ ما لديه من طاقة مما يجعله يشعر بعدم الرغبة في فعل شيء بل وبعدم الرغبة في تحقيق ما يريد الوصول إليه، وبالتالي تقل القوة والعزيمة بإقلال الطاقة، لذا الحل يكون بالتوازن في كل الأمور، فينبغي على من يريد الحفاظ على طاقته أن يقوم بعمل توازن وهذا التوازن لابد من أن يكون في كل الأمور وخاصةً المهمة، يكون التوازن بعدم استنفاذ الشخص لما لديه من طاقة في أمر معين، بل ينبغي عليه أن يقوم بتقسيم هذه الطاقة على جميع ما لديه من مهمات وبالتالي يظل لديه طاقة في عدة أمور أخرى. قد يهمك أيضًا: أهمية الثقة بالذات للشباب وفوائدها العزيمة والإصرار والإرادة أهم شيء في هذه الحياة، حيث من يمتلك العزيمة والإرادة يعرف كيف يصل إلى أهدافه والأهم يعرف كيف يتخطى جميع أحزانه وألمه والصدمات التي يمر بها في حياته، بل الأكثر روعة مقدرته على مواساة نفسه وقت الشدة فلا ينتظر أحد ولا يضعف أمام شيء، هذه الكلمات نختم بها مقالنا ونرجو أن تكونوا قد استفدتم من الموضوع ولا تنسوا مشاركته مع الأصدقاء من خلال صفحاتكم على مواقع التواصل الاجتماعي. [الأنترنت – موقع معلومات ثقافية - قوة العزيمة والإرادة - كتابة Asmaa Mohamed ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والثمانون  بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :*فوائد قوة العزم والعزيمة :

1- مظنة قبول الدعاء:

فقوة العزم والجزم في الدعاء، وعدم تعليقه بالمشيئة من آداب الدعاء وأرجى للقبول.

2- قوة العزم والعزيمة من وسائل تهذيب النفس، وتحصيل الأخلاق الفاضلة:

قال ابن قدامة: (وأشدُّ حاجة الرائض لنفسه، قوة العزم، فمتى كان مترددًا بعد فلاحه، ومتى أحس من نفسه ضعف العزم تصبر، فإذا انقضت عزيمتها عاقبها لئلا تعاود، كما قال رجل لنفسه: تتكلمين فيما لا يعنيك؟! لأعاقبنك بصوم سنة)  (1) . ومن صفات المؤمن القوي قوة العزم على الأمر.

3- قوة العزم والعزيمة تعين على تحقيق التقوى:

وذلك بحمل النفس على فعل المأمورات وترك المنهيات وهذه هي حقيقة التقوى قال تعالى: لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [آل عمران: 186].

4- قوة العزم والعزيمة تعين على ترك المعاصي.

5- العزم والعزيمة من وسائل التخلص من تلبيس الشيطان ووسوسته:

لأنه إذا كانت مهمة الشيطان هي الوسوسة، ومقصده منها (التشكيك والذبذبة والتردد، فإن عمومات التكليف تلزم المسلم بالعزم واليقين والمضي دون تردد، كما في قوله: فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [آل عمران: 159]، وامتدح بعض الرسل بالعزم وأمر بالاقتداء بهم فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف: 35]... فمن هذا كله كانت دوافع العزيمة مستقاة من التكاليف، مما يقضي على نوازع الشك والتردد، ولم يبق في قلب المؤمن مجال لشك ولا محل لوسوسة) 

6- العزم على ترك الذنب من شروط قبول التوبة:

فالتوبة واجبة من كل ذنب ولها ثلاثة شروط:ومنها العزم على عدم العودة للذنب أبدًا  (3) .

قال أبو حازم: (عند تصحيح الضمائر تغفر الكبائر، وإذا عزم العبد على ترك الآثام أمَّه الفتوح)  (4)

7- قوة العزم والعزيمة من علامات التوفيق:

قال ابن القيم: (الدين مداره على أصلين العزم والثبات، وهما الأصلان المذكوران في (الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد))  (5) . وأصل الشكر: صحة العزيمة، وأصل الصبر قوة الثبات، فمتى أُيِّد العبد بعزيمة وثبات فقد أُيِّد بالمعونة والتوفيق)  (6) .

8- قوة العزم والعزيمة تحصل للمرء كل مقام شريف ومنزلة رفيعة:

قال ابن القيم: (فإن كمال العبد بالعزيمة والثبات، فمن لم يكن له عزيمة فهو ناقص ،ومن كانت له عزيمة

ولكن لا ثبات له عليها فهو ناقص، فإذا انضمَّ الثبات إلى العزيمة أثمر كلَّ مقام شريف وحال كامل، ولهذا في دعاء النبي الذي رواه الإمام أحمد وابن حبان في صحيحه: ((اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد))  ومعلوم أن شجرة الثبات والعزيمة لا تقوم إلا على ساق الصبر)  .

9- صاحب العزم والعزيمة القوية الصادقة أكثر الناس صبرًا على البلاء.

10- قوة العزم من صفات الأنبياء والمرسلين والصالحين:

قال تعالى:  فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف: 35].[ الأنترنت – موقع الدرر السنية - فوائد قوة العزم والعزيمة]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والثمانون  بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :*اقتباسات وعبر عن قوة الإرادة والعزيمة :

*لا تُثَبِّط عزيمة أحد يحقق تقدمًا متواصلًا وإن كان بطيئًا.

*لا عزيمة لقلب خذله اللسان، ولا تشدّد للسان خذله القلب، ولا استقلالَ لشعب تخاذلت ألسنتهم وقلوبهم.

*خلف كلّ عزيمة هناك دافع، وبقوة الدافع تقوى العزيمة.

*أنا لم أفشل، أنا ببساطة وجدت عشرة ألاف حل لا يعمل. سقوط الإنسان ليس فشلًا، ولكن الفشل أن يبقى حيث سقط.

*الإرادة هي ما يدفعك للخطوة الأولى على طريق الكفاح، أما العزيمة فهي ما يبقيك على هذا الطريق حتى النهاية.

*توقع العقبات، لكن لا تسمح لها بمنعك من التقدّم.

*الموهبة وحدها لا تكفي، استمرّ دائمًا، فلا يوجد شيء في العالم يمكنه أن يحلّ محلّ الإصرار.

*العقبات هي تلك الأشياء المخفية التي تراها عندما ترفع عينيك عن الهدف.

*لا تجعل العوائق توقف مسيرتك، إذا واجهت حائطًا فلا تستدر لتعود خائبًا، عليك أن تحاول

تسلقه، أو المرور من خلاله، أو حتى الالتفاف من حوله.

*أنا مصمم على بلوغ الهدف، فإما أن أنجح، وإما أن أنجح.

*لا تقل قد فشلت، قل لم أنجحْ بعد.

*حاصر حصارك لا مفرّ، قاتلْ عدوك لا مفر، سقطت ذراعك فالتقطها، وسقطتُ قربك فالتقطني، واضرب عدوك بي فأنت اليوم حر وحر وحر.

*إن الضربات التي لا تقصم ظهرك تقويك : قد تثبت لك الأيام أن ما ظننته قلاع من صخور إنما هي

 حصون من ورق فريق منا تصرعه الضربة الأولى، وآخرون تخلق منهم الضربة الأولى أبطالاً.

*فاقد الإرادة هو أشقى البشر.

*كي تصبح بطلاً عليك بمواصلة نضالك : طالما أنك تواصل المحاولة ، فأنت لن تضل أبداً.

*أنت في الطريق الصحيح طالما أنك تفكر، سواء حققت ما تريد أم لم تحققه.

*كلمات عن قوة الإرادة و الطموح الطموح هو الملاذ الأخير لمن يفشل.

*الطموح هو مسار النجاح لكن الاستمرار هو العربة التي تسير بها عليه.

*لا أحد يستطيع إيقاف رجل لديه العقلية الصحيحة ولا أحد يستطيع مساعدة رجل لديه العقلية الخاطئة.

*رجل طموح دون حب إنسان ميت رجل دون طموح إنسان ميت، لكن رجل طموح مع حب فهو أسعد من على هذه الأرض.

*شاب دون طموح كرجل كبير في العمر يبحث عن نفسه.

*قيمة أي إنسان لا تتعدى قيمة طموحه”. الطموح هو الجزء الأخير الذي يفسد من عقولنا.

*إيماوند بورك الطموح يستطيع أن يصل أي ارتفاع كان.

*الطموح هو منبع كل الصفات النبيلة.

*لا نهاية للطموح. المعاناة والطموح توأمان، فمن يختار هذا الطريق عليه أن يعرف ذلك الرفيق لطموحه ألا وهو المعاناة.

*من يضحي بضميره من أجل طموحه كمن يحرق صورة ليحصل على الرماد.

*الذكاء من دون طموح كالطير من دون أجنحة.

*أن تعيش عاماً واحداً كالنمر أفضل من العيش مئة عام كخروف.

*الجنة على الأرض هو خيار نصنعه نحن وليس مكاناً نبحث عنه.

*كلمات عن العزيمة والإصرار : التحدي هو فرصة لإثبات قدراتك.

*الإرادة هي ما يدفعك للخطوة الأولى على طريق الكفاح، أما العزيمة فهي ما يبقيك على هذا الطريق

حتى النهاية.

*الأفعال لا الأقوال دليل العزيمة الصادقة.

* أنا مصمم على بلوغ الهدف، فإما أن أنجح وإما أن أنجح .

*الحياة تحدِ فقم بمواجهته، والحياة حلم فقم بتحقيقه.

*ليس هناك شيء مثل التحدي لإخراج أفضل ما عند الإنسان.

* قد تكون أفضل الطرق أصعبها ولكن عليك دائما إتباعها، إذ أن الإعتياد عليها سيجعل الأمور تبدو سهلة.

*سقوط الإنسان ليس فشلًا، ولكن الفشل أن يبقى حيث سقط.

*التحدي هو تنين يحمل هدية في فمه التردد اكبر عقبة في طريق النجاح.

*عندما أقوم ببناء فريق فإني أبحث دائماً عن أناس يحبون الفوز، وإذا لم أعثر على أي منهم فأنني أبحث عن أناس يكرهون الهزيمة.

*قد تكون أفضل الطرق أصعبها ولكن عليك دائماً اتباعها، إذ إن الاعتياد عليها سيجعل الأمور تبدو سهلة.

*لا تحقق الأعمال بالتمنيات إنما بالإرادة تصنع المعجزات.

*فقط من يتحدى هو من يعيش. أتقدم ببطء، لكنني لا أرجع للخلف إطلاقاً.

*لا تتم الأعمال العظيمة بالقوة، ولكن بالمثابرة.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والثمانون    بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :*شعر في قوة الإرادة والعزيمة :

 يقول أبو القاسم الشابي :

 بارك في الناس أهل الطموح  **** ومن يستلذ ركوب الخطر

وأعلن في الكون أن الطموح لهيب *****الحياة وروح الظفر

*يقول الإمام الشافعي:

 بقدرِ الكدِّ تكتسبُ المعالي ****ومن طلب العلا سهر الليالي

 ومن رام العلا من غير كد  ****أضاع العمر في طلب المحال

    تروم العز ثم تنام ليلاً *****يغوص البحر من طلب اللآلي

*يقول المتنبي:

عَلى قَدْرِ أهْلِ العَزْم تأتي العَزائِمُ ***** وَتأتي علَى قَدْرِ الكِرامِ المَكارمُ

وَتَعْظُمُ في عَينِ الصّغيرِ صغارُها *******وَتَصْغُرُ في عَين العَظيمِ العَظائِمُ

[ الأنترنت – موقع موضوع - كلمات عن قوة الإرادة والعزيمة  - كتابة شذى محمد سليم السخارنة]

*العفو: قوة وعزيمة :

وللأسف نرى على المستوى الفردي والمجتمعي البعد التام عن هذا الخُلق، ولو رجعنا إليه، وطبقناه لانتهت الكثير من مشاكلنا خير نهاية، سواء الفردية منها، والمجتمعية، وأولها السياسية.

الرد على الإساءة بإساءة مماثلة عدل، والرد على الظالم بمثل فعله عدل، والعفو عن الظالم ذلًا و ضعفًا إذا كان السبب عدم القدرة على الرد مع توفر نية الانتقام من الظالم هو من الذل والضعف.

أما العفو مع القدرة على الرد فهو أفضل المراتب، وكمال قوة العبد، وهو صَفْحُ الكبار، وقوة

الشخصية، وعزيمة المرء، وكمال أخلاقه.

قال تعالى: {وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ} [البقرة:237]، ونرى في عفو النبي صلى الله عليه وسلم كمال الشخصية، وكمال القوة والعزيمة، فقد عفا عن أهل مكة بعد كل ما فعلوه، وبعدما تَمَكن وأصبحت له الغلبة، بأبي هو وأمي صلوات ربي وسلامه عليه، هذا بجانب عفوه عن الكثير ممن أساء إليه في العديد من المواقف، والمواضع، مع تمام قدرته على الرد صلى الله عليه وسلم.

وللأسف نرى على المستوى الفردي والمجتمعي البعد التام عن هذا الخُلق، ولو رجعنا إليه، وطبقناه لانتهت الكثير من مشاكلنا خير نهاية، سواء الفردية منها، والمجتمعية، وأولها السياسية.

قال الفضيل بن عياض: "إذا أتاك رجلٌ يشكو إليك رجلًا، فقل: يا أخي، اعفُ عنه؛ فإنَّ العفو أقرب للتقوى، فإن قال: لا يحتمِل قلبي العفوَ، ولكن أنتصر كما أمرَني الله عزَّ وجل فقل له: إن كنتَ تُحسِن أن تنتَصِر، وإلا فارجع إلى باب العفو؛ فإنه باب واسع، فإنَّه مَن عفَا وأصلحَ فأجره على الله، وصاحِبُ العفو ينام على فراشه بالليل، وصاحب الانتصار يقلِّب الأمور؛ لأن الفُتُوَّة هي العفوُ عن الإخوان" (رواه ابن أبي حاتم؛ في تفسيره:10/3280)، (وأبو نُعيم؛ في الحلية: 8/112).

وقال إبراهيم النخعي: "كان المؤمنون يكرهون أن يستذلوا، وكانوا إذا قدروا عفوا".(تفسير القرآن العظيم؛ لابن كثير:7/210).

[ الأنترنت – موقع طريق الإسلام  - العفو: قوة وعزيمة- أبو الهيثم محمد درويش ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والثمانون بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :*أدب القوة وأدب الضعف:

أحسُّ إذ أتناول هذا الموضوع أني بين عاملين: عامل الحياء، وعامل الفخر.

أمَّا الحياء فأول دواعيه أن أعقِّب أنا الصغير على مقالِ أستاذنا العلاّمة أحمد أمين. وأمَّا الفخر فحسبي أن يقرأ لي الأستاذ سطورًا قد تحظى برضاه في موضوع كهذا يعنيه.

يرى الأستاذ: أن الشاعر المجيد هو الذي يثير العواطف بقدر، ويبنيها على أساس عميق، ويرى أن الأدب في العصر العباسي كان أدبًا ضعيفًا؛ إن أنت حصرته وجدته بين باك ومادح ومستهتر، ثم يرى أن عود الأديب الشرقي على نحو عود المغني الشرقي أشجى أغانيه أحزنها، وخير نغماته أبكاها.

وعلى ذلك يسمي الأستاذ ذلك النوع من الأدب الباكي الذي يتعمق في إثارة العواطف أدبًا مائعًا، وذلك الأدب الذي لا يثيرها إلاّ بقدر أدبًا قويًّا، فهل يسمح لي الأستاذ أن أتجرأ فأقلب هذا الوضع، فأسمّي ذلك الأدب الوجداني الحاد الذي يبالغ في إثارة العواطف أدبًا قويًّا، وذلك الأدب الذي لا يمت إلى العاطفة بصلة قوية أدبًا جافًا أو مائعًا؟

أرى الأنغام الوجدانية الحادة أساس الأدب الحاد، ولن يكون الأدب الحاد مائعًا، وأرى العبارات الخالية مما يثير العواطف أو التي تثيرها بقدر أساس التفكير العقلي، والخطوة الأولى نحو الفلسفة (القوية) ولن تكون الفلسفة القوية أدبا قويًّا، وعلى ذلك فما يسميه الأستاذ أدبًا مائعًا هو في الواقع أدب قوي، وأما ما يسميه أدبًا قويًّا فهو فلسفة قوية.

والأدب والفلسفة شيئان: فالأدب لغة القلب، والفلسفة لغة العقل، والإنسان إنما يبدأ بقلبه فيفرح أو يبكي، ويحب أو يبغض، ويرضى أو يغضب، ويأمل أو ييأس، ويثور أو يهدأ، حسب ما يحس من عواطف، فإن كان لابد من تخفيف حماسته، فليكن ذلك بشيء من حدة عقله، ولكني لا أرى تجريده من ذلك الحماس ولا أحسب ذلك ممكنا، إذ ما القلب بغير حماس؟ ثم ما الأدب بغير عاطفة؟

وإذا اشتدت العاطفة فكيف يكون الأدب مائعًا، وكيف تشتد العاطفة إلّا إذا اشتدت بواعثها؟ وإذا ما اشتدت بواعثها فما القوة إن لم تكن القوة في إظهارها قوية رائعة؟

إن الإنسان بطبعه عسوف عنوف، لا يسكن إلاّ لعجز، ولا يرتدع إلاّ من خوف، ولا يعفو إلّا عن ضعف، ولا يقنع إلاّ مضطرًا، ولو أطلق له العنان لكان شرُّه مستطيرًا ومكره خطيرًا بيد أنه على غلظته لا يخلو قلبه من عواطف نبيلة، ولكنها خامدة، وميول خيّرة ولكنها كامنة، ولذلك فهي في حاجة إلى الإبانة والتنبيه، والأدب الوجداني الحاد يخاطب القلوب فيهزها ويستثير ما كمن فيها من نبل فيبعثه، ولذلك كان هو عماد المصلحين ودعاة الإنسانية، فإنك إن تخاطب الإنسان في منطق وفي عبارات جافة فقلّما يصغي إليك، وإن استمع فقليلا ما يعي، وإن أنت بدأت بقلبه فهززته في رفق وألنته بأنغام قيثارتك ثم أهبت به فقد يهوي إليك.

تحدّث شكسبير عن تأثير الموسيقى في النفوس فبدأ بالعجماوات فقال ما بال تلك الوحوش الكاسرة تسمع أناشيد الموسيقى فتقع متراخية وتظهر كأنها مأخوذة حائرة؟ وما بال ذلك العدد المضطرب من الخيل الجانحة يسمع الموسيقى فيهدأ فجأة ويسير في نظام كأنما تذهب الأنغام ثائرته وتسحره عن نفسه.

والأدب الوجداني موسيقى النفس، وموقفه من القلوب البشرية الفطنة موقف الموسيقى الحسية من تلك الخلائق الهائمة الثائرة، فهو الذي ينفذ إلى القلب ويختلط بالنفس فيلائم بين ذراتها وينظم تموجاتها. ويقلل من عنف الإنسان وجبروته فيجعله رقيقا وادعًا.

ولا تثريب على الشاعر، أو القصصي، أن يَبكي فيُبكي عيونًا تكاد أن تتحجر، ويفتح آذانًا ضربت عليها المطامع المادية ويهز قلوبًا كانت لا تحفل دعاء أو تجيب رجاء.

وهو إن بكى على نفسه فغير ملوم، فإنما ينطق بما يحس، وبذلك ينفس عن قلبه، وقد تخفق قلوب معه وتهوي أفئدة إليه، وها هو ذا البارودي الفارس يقول:

أفي الحق أن تبكي الحمائم شجوها *****ويبلي فلا يبكي على نفسه حرّ؟

وماذا عليهم إن ترنّم شاعر *********بقافية لا عيب فيها ولا نكر؟

وهو في بكائه غير ضعيف، بل إن حدة عواطفه لتنهض دليلا على قوته، وإلاّ فما أضعف (جيته) و(لامرتين) و(هوجو) و(أبا فراس) و(المعرّي) وغيرهم ممن ضربوا على أوتار حزينة باكية!

ولقد بكى هؤلاء في شبابهم، أعني في أيام قوتهم، وبكوا لقوة إحساسهم، ونبالة قصدهم، وكمال إنسانيتهم.

ومِنَ البليّةِ أن يُسام أخو الأسَى *** رعْي التجلّد وهو غير جماد

وليس من الضروري أن يكون الشعر المتناهي في وصف ما يلاقي المحب من عذاب غير مؤسس على عاطفة صحيحة، لأن مثل هذا الشعر يكون ترجمة لإحساس الشاعر، فما دام أنه محب فله أن يعبر عمّا يحس، وليس لنا أن نتهمه في ذلك بضعف، بل أنه يكون ضعيفًا حقًا إن هو أحسّ عذابًا من وراء حبه ثم لم يستطع الإفصاح عنه.

ولم يكن الأدب العباسي ضعيفًا، لما جاء فيه من بكاء ومديح واستهتار، فإن الأدب في كل عصر صورة لذلك العصر، فإذا عبّر أدباء العباسيين عمّا يحسّون فلم نتهمهم بالضعف؟ وإذا كان أدبهم حزينًا باكيًا يتخلله المديح والاستهتار فكيف كان يتسنى لهم أدب غيره، وإذا هم تطاولوا في غير عزّة وتفاخروا بغير فخر وضحكوا في غير مرح، أفما كنا نتهم أدبهم بأنه سقيم زائف أو بعبارة أخرى ضعيف مائع؟

ثم أن الضعف السياسي لا يسلتزم أن يكون وراءه ضعف في الأدب، بل لقد يكون الضعف السياسي ذاته سببًا قويًّا من أسباب قوة الآداب كما يحدث عند انقسام الدول الواسعة كما كان الحال في القرن الرابع، وكما كان الحال عند الإغريق في مدنهم الحكومية وكما كان الحال في النهضة الإيطالية الحديثة.

وليت شعري لم لا يكون بكاء الشعوب على ما يصيبها قوة واستنهاضًا للهمم؟ هزمت فرنسا في حرب السبعين وخرجت ألمانيا متفاخرة بالنصر، فخاطب أحد الأدباء الفرنسيين الألمان الظافرين بقوله: « نعم قد انتصرتم علينا ولكن ليس لديكم شاعر يشيد بنصركم كشاعرنا هذا الذي يبكينا على مصابنا»، فهل كان بكاء الفرنسيين في ذلك الوقت ضعفًا؟ اللهم لا.

وأما ما جاء عن مصعب بن الزبير حين استخفه الطرب وعن استخفاف المنصور به لذلك حتى جعله

 يتمثل بتلك الأبيات التي أوردها الأستاذ، فأقول:

إن مصعبًا كان متغزلًا وإن المنصور كان متفاخرًا وشتّان بين الموقفين، فهذا تستملح فيه الرقة واللين وذلك لا يليق فيه إلّا الصرامة والشدة. وإذا كان في

كلام مصعب ضعف فماذا يكون في كلام الرشيد وهو يخاطب جارية بهذا البيت:

أما يكفيك أنك تملكيني *** وأن الناس كلّهم عبيدي؟ وبعد فيعجبني من الأستاذ قوله: «إن أرقى الأدب في نظره ما أحيا الضمير وزاد حياة الناس قوة»، وهذا في رأيي هو الأدب الوجداني القوي، هو ذلك الأدب الذي يرقق القلوب ويستثير الهمم ويطهر النفوس، هو ذلك الأدب الذي يجعل من الشيخ شابًا فتيًا، وهو ذلك الأدب الذي يملأ المحاجر بالدموع والقلوب بالشفقة والحنان. [ الأنترنت – موقع الألوكة  - أدب القوة وأدب الضعف - محمود الخفيف ] المصدر: مجلة الرسالة، العدد 12 ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والثمانون  بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :*قُوَّةُ الرِّسالةِ وقُوَّةُ الإقناعِ :

إنَّ رسالةَ الإسلامِ العالميَّةَ ودعوتَه التي يخاطب بها البشريَّةَ، تقتضي ضرورةً تبليغَ دينِ اللهِ إلى عُمومِ الخلق، وإرشادَهم إلى ما تكون به سعادتُهم في الحياة الدُّنْيا، وفوزُهم وفلاحُهم ونجاتُهم في الدَّارِ الآخرة.

ولا سبيلَ إلى أداءِ هذه الرِّسالةِ وإلى أداءِ هذا الحقِّ إلا بانتهاجِ سبيلِ الإقناعِ بالحُجَّةِ والبُرْهانِ، وصدقِ وقوَّةِ الاستدلالِ، وسلامةِ المقدِّماتِ المفضِيَةِ إلى صِحَّة النتائج.

ذلك؛ أنّ القبول الناشئ عن الاقتناع مباينٌ للقبول الناشئ عن الإكراه؛ فإنَّ الأثرَ النَّفْسِيَّ والعَقْليَّ الناتجَ عن الاقتناع مختلفٌ كلَّ الاختلاف عن ذلك الأثر الذي ينشأ عن القَسْرِ والإجبار، في أنَّ الأوَّلَ يُثمر كمالَ الرِّضا، وتمامَ التَّسليمِ، وحُسْنَ الإقبالِ على التَّكاليف، بامتثالِ الأوامر، والانتهاِء عن المناهي (بدافع ذاتي) و(ميل قلبي) لُحمته وسَدَاه: الحبُّ لله الذي يورث التلذذ بطاعته وذكره وشكره.

أما الثاني -يعني الإكراه والإجبار-؛ فإنه يثمر إذعانًا ظاهريًّا، لا يُلامِسُ القَلْبَ، فضلاً عنْ أن يُخالط بشاشتَه، ويتمكَّنَ من أَزِمَّته؛ فلا عَجَبْ أن يكونَ دَيْدَنُ صاحبه ودأبُه: طلبَ التخلُّصَ، والحرصَ على التهرُّبِ والتنصُّلِ عند أوَّلِ فُرْصةٍ تَسْنَحُ.

ولذا؛ كان (نهجُ الإقناع) هو سبيلُ القرآن الحكيم إلى النُّفوسِ، وطريقُه إلى العُقُولِ والقلوبِ، يأخذ بأزِمّتها، ويغرِسُ في رياضها أطيبَ غِراسٍ تزكو ثمارُه؛ إيمانًا ويقينًا وتسليمًا.

* ففي مِضْمَار التَّنْزيه له سبحانه عن الشريك في الملك والعبادة، أوضح عزّ وجلّ أنه: لو قُدّرَ تعدُّدُ الآلهة، لكان من نتيجة هذا أن ينفردَ كلُّ إلهٍ بخلقه؛ فلا ينتظم الوجود، بل يحدث الفساد والاضطراب؛ لأنَّ كلَّ إله يقصِدُ إلى قَهْرِ الآخر، وإلى مخالفته ومعارضته في تدبيره وتصريف أمور خلقه، فيعلو بعض هذه الآلهة على بعض، وهذا ممتنع عقلاً، ومحال واقعاً، يشهد بذلك انتظام الوجود واتساق الكون، على صورة شاهدة بوحدة الخالق وتفرده بالملك والتصرف والتدبير والعبادة، فقال عز من قائل: ﴿ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ المؤمنون: ٩١، وقال تعالى: ﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ الأنبياء: ٢٢.

* ولمّا زعم أهلُ الكتاب من اليهود والنصارى ما زعموه في إبراهيم عليه السلام، فادَّعَتْ كلُّ طائفة منهم بأنه كان على دينهم، أنكر الله عليهم محاجَّتَهم فيه، وأبطل زعمهم بأنَّ الزمن الذي كان فيه إبراهيم عليه السلام كان متقدمًا على الزمان الذي أنزلت فيه التوراة والإنجيل، فكيف يصحُّ أن يُنسَب (إبراهيم) إلى دينَيْن وكتابَيْن جاءا بعد عصره ولم يدركهما؟! قال عزَّ اسمُه: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإِنْجِيلُ إِلا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾آل عمران: ٦٥

* وحين أراد أهل الكتاب - في عصر النبوة - أن يجعلوا لأنفسهم منزلةً تعلو على كافة الناس، ويكون لهم بها شرفٌ واختصاصٌ وتفرُّدٌ على غيرهم، فزعموا أنهم «أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ» = ردَّ الله عليهم هذه المقالة، وأبطل هذا الادعاء: بأنهم لو كانوا كذلك لما كتب عليهم أن يُجازَوا بالعذاب في النار يوم القيامة، بكفرهم وتكذيبهم بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالكتاب الذي أنزل عليه، وبسائر معاصيهم؛ فالمُحِبُّ لا يُعذّب حبيبَه؛ فقال سبحانه: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾ المائدة: ١٨

إنّ نهج الإقناع نهجٌ قرآني، وهَدْيٌ نَبَوِيٌّ، ما أحكمَهُ وما أعظمَهُ، وما أجدرَ أنْ يأخُذَ به ويَسيرَ عليه دُعاةُ الخيرِ وحَمَلَةُ مَشاعِلِ الهداية للنَّاسِ كافَّةً؛ فإنَّ ثمارَه حُلْوةٌ طَيِّبةُ المذاقِ، والعُقْبَى فيه حسنةٌ، والمآلُ رِضْوَانُ الله.[ الأنترنت – موقع الألوكة  - موقع الشيخ د. أسامة بن عبدالله خياط]

*القوة والثبات على الحق :

 (تأملات في الحوار من خلال سورة يوسف)

1- قال تعالى: ﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾ [يوسف: 23].

ففي هذا الحوار يواجه يوسف - عليه السلام - موجة رهيبة، وموقفاً صعباً، فامرأة العزيز تدعوه إليها، وتغلّق الأبواب.. إلا أنه يقف في ثبات وقوة، فصبر عن المعصية، مع وجود الداعي القوي فيه، ودعا الله-سبحانه-أن يجعله في السجن؛ مخافة الوقوع في السوء؛ ولهذا قال: ﴿ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [يوسف: 33].

2- وقال تعالى: ﴿ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ ﴾ [يوسف: 38].

وعند تأمل هذه الآية الكريمة نجد قوة يوسف - عليه السلام - وثباته على الحق، وهو دين آبائه وما

هم عليه من التوحيد وذلك بإفراد الله - تعالى - بالعبادة وحده، فهو يواجه من يحاور، ويفصح عن

معتقده ودينه وقيمه بقوة وجسارة وثبات، وما ذاك إلاّ اعتزاز المؤمن بربه، وبالحق الذي يدعو إليه.

3- قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ﴾ [يوسف: 50].

ابتدأ هذا الحوار عندما طلبوا من يوسف - عليه السلام - تأويل رؤيا الملك، وبعدما فسر يوسف الرؤيا، قال الملك لأعوانه وحاشيته: أخرجوا الرجل المعبر للرؤيا من السجن وأحضروه لي، فلما جاءه الرسول يدعوه قال يوسف للرسول: ارجع إلى سيدك الملك، واطلب منه أن يسأل النسوة اللاتي جرحن أيديهن عن حقيقة أمرهن وشأنهن معي؛ لتظهر الحقيقة للجميع؛ وتتضح براءتي، إن ربي عليم بصنيعهن لا يخفى عليه شيء من ذلك.

فهو - عليه السلام - لما جاءه الفرج، وسنحت له الفرصة للخروج من السجن، لم يستجب لذلك؛

ليحفظ كرامته؛ وتظهر براءته وعزته؛ ويتبين الحق؛ ليعرفه أهل المدينة جميعاً بما فيهم الملك، ولهذا

احترمه الملك، ﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ﴾ [يوسف: 54].

وجاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو لبثتُ في السجنِ ما لَبِثَ يوسفُ ثم أتاني الداعي لأجَبْتُهُ". البخاري، في صحيحه (6992). [ الأنترنت – موقع الألوكة - القوة والثبات على الحق - د. محمد بن فهد بن إبراهيم الودعان ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والثمانون بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :*لا حول ولا قوة إلا بالله (فوائد وثمار) :

  قال الإمام النووي رحمه الله في شرحه لصحيح الإمام مسلم (٤/ ٨٧): "وقوله: ((لاحول ولا قوة إلا بالله)) يجوز فيه خمسة أوجه لأهل العربية مشهورة :

أحدها: لاحول ولا قوة بفتحهما بلا تنوين، والثاني: فتح الأول، ونصب الثاني منونًا، والثالث: رفعهما مُنوَّنين، والرابع: فتح الأول ورفع الثاني منونًا، والخامس: عكسه".

ويُقال لها اختصارًا: الحولقة: بتقديم اللام على القاف؛ قاله الجوهري، والحوقلة: بتقديم القاف على اللام؛ قاله الأزهري وعليه الأكثرون؛ كما قال العلامة النووي رحمه الله في شرحه لصحيح الإمام مسلم (٤/ ٨٧).

على أني وقفتُ على قولٍ في كتاب المزهر في علوم اللغة (١/ ٣٧٣): "والحولقة قول: لا حول ولا قوة إلا بالله، ولا تقل: حوقل بتقديم القاف؛ فإن الحوقلة مِشْيَةُ الشيخ الضعيف"، والله أعلم.

ومعنى الحول: الحركة، يُقال: حال الشخص إذا تحرك، فكأن القائل إذا قال: لا حول ولا قوة، يقول: لا حركة ولا استطاعة إلا بمشيئة الله؛ [تهذيب اللغة (٥/ ١٥٧)].

وقيل الحول: الحيلة. قال صاحب النهاية (١/ ٤٦٢): "والأول أشبه".

وقال في النهاية (١/ ٤٦٥) أيضًا: "والمراد من هذه الكلمة: إظهار الفقر إلى الله عز وجل بطلب المعونة منه على ما يحاوَلُ من الأمور، وهو حقيقة العبودية".

ورُوي عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا: ((ألا أخبرك بتفسير: لا حول ولا قوة إلا بالله؟ قلتُ: بلى، يا رسول الله، فقال: لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله، ولا قوة على طاعة الله إلا بعون الله، هكذا أخبرني بها جبريل يا ابن أمِّ عبد))؛ [حديث ضعيف كما في السلسلة الضعيفة رقم: (٣٣٥٥)].

لكن يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فلفظ الحول يتناول كل تحول من حال إلى حال، والقوة هي القدرة على ذلك التحول؛ فدلَّت هذه الكلمة العظيمة على أنه ليس للعالم العلوي والسفلي حركة وتحول من حال إلى حال ولا قدرة على ذلك إلا بالله.

ومن الناس من يفسر ذلك بمعنًى خاصٍّ فيقول: لا حول من معصيته إلا بعصمته، ولا قوة على طاعته إلا بمعونته، والصواب الذي عليه الجمهور هو التفسير الأول، وهو الذي يدل عليه اللفظ؛ فإن الحول لا يختص بالحول عن المعصية، وكذلك القوة لا تختص بالقوة على الطاعة، بل لفظ الحول يعمُّ كل تحول"؛ [مجموع الفتاوى (٥/ ٥٧٤٥٧٥)].

وقال أيضًا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (١٣/ ٣٢١): "وقول: لا حول ولا قوة إلا بالله يوجب الإعانة؛ ولهذا سنَّها النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا قال المؤذن: حي على الصلاة، فيقول المجيب: لا حول ولا قوة إلا بالله، فإذا قال: حي على الفلاح، قال المجيب: لا حول ولا قوة إلا بالله". فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله؛ فهو الذي بيده الحول كله والقوة كلها؛ [الفوائد (ص: ٥٢)].

ثمار وآثار: ولهذه الكلمة المباركة الطيبة جملة من الثمار والآثار؛ فمنها أنها:

كنز من كنوز الجنة:

عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: ((لما غزا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيبرَ - أو قال: لما توجه

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - أَشْرَفَ الناس على وادٍ، فرفعوا أصواتهم بالتكبير: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اربَعُوا على أنفسكم؛ إنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبًا، إنكم تدعون سميعًا قريبًا وهو معكم، وأنا خلف دابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسمعني وأنا أقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فقال لي: يا عبدالله بن قيس، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: ألا أدلُّك على كلمةٍ من كَنزٍ من كنوز الجنة، قلت: بلى يا رسول الله، فداك أبي وأمي، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله))؛ [أخرجه البخاري رقم: (٤٢٠٥)].

وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: ((كنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سفر، فجعل الناس يجهرون بالتكبير، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أيها الناس، اربعوا على أنفسكم؛ إنكم ليس تدعون أصمَّ ولا غائبًا، إنكم تدعون سميعًا قريبًا وهو معكم، قال: وأنا خلفه وأنا أقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فقال: يا عبدالله بن قيس، ألا أدلُّك على كنز من كنوز الجنة، فقلت: بلى، يا رسول الله، قال: قل: لا حول ولا قوة إلا بالله))؛ [صحيح مسلم رقم: (٢٧٠٤)].

قال العلامة النووي رحمه الله: "ومعنى الكنز هنا: أنه ثواب مُدَّخر في الجنة، وهو ثواب نَفِيسٌ كما أن الكنز أنفسُ أموالكم"؛ [شرح مسلم (١٧/ ٢٦)].

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "والكنز: مال مجتمع لا يحتاج إلى جمع؛ وذلك أنها تتضمن التوكل والافتقار إلى الله تعالى"؛ [مجموع الفتاوى (١٣/ ٣٢١)].

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والثمانون  بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :*لا حول ولا قوة إلا بالله (فوائد وثمار) :

من أحب الكلام إلى الله عز وجل:

عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((أحبُّ الكلام إلى الله: سبحان الله لا شريك له، له

 الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، سبحان الله وبحمده))؛

[أخرجه البخاري في الأدب المفرد رقم: (٦٣٨)].

غِراس الجنة:

عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه: ((أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلةَ أُسري به، مرَّ على إبراهيم فقال: من معك يا جبريل؟ قال: هذا محمد، فقال له إبراهيم: مُرْ أمَّتَك فليُكثروا من غِراس الجنة؛ فإن تربتها طَهورٌ، وأرضها واسعة، قال: وما غِراسُ الجنة؟ قال: لا حول ولا قوة إلا بالله))؛ [أخرجه أحمد (٥/ ٤١٨)، وصححه الألباني بشواهده في السلسلة الصحيحة تحت الحديث رقم: (١٠٥)، وصحيح الترغيب والترهيب رقم: (١٥٨٣)].

وعن ابن عمر رضي الله عنهما كما عند ابن أبي الدنيا في الذكر والطبراني بلفظ: ((أكْثِروا من غراس

 الجنة؛ فإنه عذبٌ ماؤها طيِّبٌ ترابها، فأكثروا من غِراسها، قالوا: يا رسول الله، وما غراسها؟ قال: ما شاء الله، لا حول ولا قوة إلا بالله))؛ [صححه الألباني بشواهده في السلسلة الصحيحة تحت الحديث رقم: (١٠٥)، وصحيح الترغيب والترهيب رقم: (١٥٨٤)].

أُمرنا بالإكثار منها:

عن أبي ذر رضي الله عنه قال: ((أمرني خليلي صلى الله عليه وآله وسلم بسبعٍ: أمرني بحبِّ المساكين والدُّنوِّ منهم، وأمرني أن أنظر إلى مَن هو دوني ولا أنظر إلى مَن هو

فوقي، وأمرني أن أصل الرحم وإن أدبرت، وأمرني ألَّا أسأل أحدًا شيئًا، وأمرني أن أقول بالحقِّ وإن كان مرًّا، وأمرني ألَّا أخاف في الله لومة لائم، وأمرني أن أُكثرَ من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله؛ فإنهن من كَنزٍ تحت العرش، وفي رواية: فإنها كنز من كنوز الجنة))؛ [أخرجه الإمام أحمد (٥/ ١٥٩) وغيره، وهو في السلسلة الصحيحة رقم: (٢١٦٦)].

باب من أبواب الجنة:

عن قيس بن سعد بن عبادة: ((أن أباه دفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخدمه، قال: فمرَّ بي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد صليتُ، فضربني برجله وقال: ألا أدلك على باب من أبواب الجنة؟ قلتُ: بلى، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله))؛ [أخرجه الحاكم (٤/ ٢٩٠)، وأحمد (٣/ ٤٢٢)، وهو في السلسلة الصحيحة رقم: (١٧٤٦)].

يُجتهد بها في دعاء التهجد:

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا قام من الليل يتهجد قال: ((اللهم لك الحمد أنت قيِّمُ السماوات والأرض ومَن فيهنَّ، ولك الحمد لك ملك السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت ملك السماوات والأرض، ولك الحمد أنت الحق ووعدك الحق، ولقاؤك حق، وقولك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد صلى الله عليه وسلم حق، والساعة حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم، وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت - أو: لا إله غيرك - قال سفيان: وزاد عبدالكريم أبو أمية: ولا حول ولا قوة إلا بالله))؛ [أخرجه البخاري رقم: (١١٢٠)، ومسلم رقم: (٧٦٩)].

إذا قالها من تَعارَّ من الليل غُفر له وإن صلى قُبلت: عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((مَن تَعارَّ من الليل، فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: اللهم اغفر لي أو دعا، استُجيب له، فإن توضأ وصلى، قُبلت صلاته))؛ [أخرجه البخاري رقم: (١١٥٤)].

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والثمانون  بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :*لا حول ولا قوة إلا بالله (فوائد وثمار) :

يُهلَّل بها في أدبار الصلوات:

كان ابن الزبير رضي الله عنه يقول في دُبُرِ كل صلاة حين يُسلِّم: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كرِهَ الكافرون، وقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُهلِّلُ بهنَّ دُبُرَ كل صلاة))؛ [أخرجه مسلم رقم: (٥٩٤)].

أنها من أذكار النوم:

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((من قال حين يأوي إلى فراشه: لا إله إلا الله،

 وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، ولا حول ولا قوة إلا بالله، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر - غُفرت له ذنوبه - أو قال: خطاياه، شكَّ مِسعرٌ - وإن كانت مثل زَبَدِ البحر))؛ [أخرجه ابن حبان في صحيحه، وابن السني في عمل اليوم والليلة، وهو في السلسلة الصحيحة رقم: (٣٤١٤)].

اللهم أنت عَضُدي ونصيري:

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا غزا قال: اللهم أنت عَضُدي ونصيري، بك أحول، وبك أصول، وبك أقاتل))؛

[أخرجه أبو داود رقم: (2632)، وفي صحيحه للألباني رقم: (٢٣٦٦)]، وقال ابن القيم رحمه الله في الوابل الصيب (ص: ٧٨): "وكان حبيبُ بن سَلَمةَ يستحبُّ إذا لقي عدوًّا أو ناهض حصنًا قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، وإنه ناهضٌ يومًا حصنًا للروم فانهزم، فقالها المسلمون وكَبَّروا؛ فانهدم الحصن".

وهي مما يُقرَأ بها في الصلاة بدلًا عن الفاتحة لمن لا يحفظها:

عن عبدالله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: ((جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إني لا أستطيع أن آخذَ من القرآن شيئًا؛ فعلِّمني ما يُجزيني منه، قال: قل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال: يا رسول الله، هذا لله عز وجل فما لي؟ قال: قل: اللهم ارحمني وارزقني وعافني واهدني، فلما قام قال هكذا بيده، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أما هذا فقد ملأ يده من الخير))؛ [أخرجه أبو داود رقم: (٨٣٢)، والنسائي (٢/ ١٤٣)، وغيرهما، وصححه الألباني في الإرواء (٢/ ١٢)].

أنها من كنز تحت العرش:

عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: ((ألا أدلك على كلمة تحت العرش من كنز الجنة؟ تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فيقول الله عز وجل: أسلم عبدي واستسلم))؛ [أخرجه الطيالسي رقم: (٢٤٩٤)، وأحمد (٢/ ٢٣٥)، والحاكم (١/ ٢١)، وهو في السلسلة الصحيحة تحت الحديث رقم: (١٥٢٨)]. وتقدم حديث أبي ذر رضي الله عنه في: أمرنا بالإكثار منها.

وهي من وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمن سأله أن يعلمه كلامًا يقوله:

عن مصعب بن سعد عن أبيه قال: ((جاء أعرابيٌّ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: علِّمني كلامًا أقوله، قال: قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الله أكبر

كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، سبحان الله رب العالمين، لا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم، قال: فهؤلاء لربي، فما لي؟ قال: قل: اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني))؛ [أخرجه مسلم رقم: (٢٦٩٦)].

أن حملة العرش إنما أطاقوا حمل العرش بها: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "... ولهذا رُوي أن حملة العرش إنما أطاقوا حملَ العرش بقولهم: لا حول ولا قوة إلا بالله"؛ [مجموع الفتاوى (١٠/ ٣٣)].

وقال ابن القيم رحمه الله في الوابل الصيب (ص: ٧٧٧٨): "وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه

الله تعالى يذكر أثرًا في هذا الباب ويقول: ((إن الملائكة لما أُمِروا بحمل العرش قالوا: يا ربنا، كيف

نحمل عرشك وعليه عظمتُك وجلالك؟ فقال: قولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله، فلما قالوا حملوه))، حتى رأيت ابن أبي الدنيا قد ذكر هذا الأثر بعينه عن الليث بن سعد عن معاوية بن صالح قال: حدثنا مشيختنا أنه بلغهم: ((أن أول ما خلق الله عز وجل حين كان عرشه على الماء حملةَ العرش، قالوا: ربنا لِمَ خلقتنا؟ قال: خلقتُكم لحمل عرشي، قالوا: ربنا، ومَن يقوى على حمل عرشك وعليه عظمتك وجلالك ووقارك؟ قال: لذلك خلقتُكم، فأعادوا عليه ذلك مرارًا، فقال لهم: قولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله، فحملوه))".

لها تأثير عجيب في جملة من الأمور: قال ابن القيم رحمه الله: "وهذه الكلمة لها تأثير عجيب في

معالجة الأشغال الصعبة، وتحمُّلِ المشاق ..."؛ [الوابل الصيب (ص: ٧٨)].[ الأنترنت – موقع الألوكة - لا حول ولا قوة إلا بالله (فوائد وثمار) بكر البعداني ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التسعون بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :* فقه قدرة الرب :

إن في خلق الشمس آية .. وفي نورها آية .. وفي حركتها آية .. وفي اشتعالها آية.

إن هذه الكتلة الهائلة الملتهبة، والتي يخرج منها هذا النور العظيم، وهذه الحرارة الموزونة، وبهذا النور وبهذه الحرارة تجري بأمر الله في مسارات مختلفة في فضاء هذا الكون العظيم، وهي مأمورة مدبرة، سامعة مطيعة: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38)} [يس: 38].

إن ذلك كله يدل بلا شك على كمال قدرة الله الذي يصرف هذا الوجود عن قوة وعلم وحكمة.

إن رؤية الآيات الكونية، وتدبر الآيات القرآنية، كفيل بتحريك القلوب، واستجاشة الشعور، لتعظيم بارئ الوجود وعبادته وطاعته.

فسبحان من خلق هذا الكون، ومن يحكم هذه الأجرام الهائلة، ويقهرها على ما يريد، ويخرج منها المنافع على مدى الدهور والأزمان.

فلكل نجم أو كوكب فلك يدور فيه لا يتجاوزه، والمسافات بين النجوم والكواكب مسافات هائلة مقدرة، والكل يسير بأمر الله: {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)} [يس: 40].

إن حركة هذه الأجرام الهائلة في الفضاء أشبه بحركة السفن في البحار الواسعة، وهي مع ضخامتها لا تزيد على أن تكون نقطة سابحة في ذلك الفضاء الواسع، الذي خلقه الواسع العليم.

فسبحان من أمسك هذه وهذه .. وسيّر هذه وهذه.

وما أعظم من خلق هذه الملايين التي لا تحصى من النجوم الدوارة، والكواكب السيارة، ونثرها وسيّرها في ذلك الفضاء الفسيح.

والله تبارك وتعالى على كل شيء قدير، يخلق ما يشاء، ويستوي عنده خلق الكبير والصغير، ولا يختلف عنده في التكوين شيء عن شيء، سواء كان

هذا المخلوق سماءً أو أرضاً، أو ذرة أو جبلاً، أو قطرة أو بحراً، أو بعوضة أو فيلاً، أو نملة أو جملاً.

خلق هذا وذاك عند الله سواء: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)} [يس: 82].

فليس هناك أمام قدرة الله صعب ولا سهل، ولا قريب ولا بعيد، ولا صغير ولا كبير، فتوجه الإرادة

 لخلق شيء كافٍ لوجوده كائناً ما كان: {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)} [يس]

إن آيات الله الدالة على عظمته، وعلى قدرته، وعلى عظمة خلقه، موجودة منذ بداية الخلق، وجميعها تنبئ بعظمة الخالق جل جلاله، وتجذب الإنسان للانقياد لربه، والتسليم له، والتسبيح بحمده.

ثم يعطي الله سبحانه عطاءً متجدداً بعد ذلك لكل جيل غير الجيل الذي قبله، وذلك ليعلم الناس أن الله سبحانه قائم على ملكه، لا يتخلى عنه لحظة واحدة، وأن له عطاءً متجدداً كل يوم، بل كل ساعة، بل كل لحظة، حتى لا يحس البشر أن الله سبحانه خلق هذا الكون العظيم، ثم تركه بعد ذلك يعمل بالأسباب وحدها.

بل لا بد مع السنن الكونية التي خلقها الله، وسير بها هذا الكون، وجعلها تعمل بأمره، لا بد مع ذلك من ظهور قدرة الله التي تكشف وتعطي وتمنح، وتذكر الناس بأن الله ينصر الضعيف على القوي، والمظلوم على الظالم، حتى لا يستشري الفساد في الأرض، وحتى لا يتعلق الناس بالأسباب من دون الله.

فلله سنة، وله قدرة، وهذه القدرة لا تظهر إلا حين لا تكون فئة من المؤمنين تجاهد في سبيل الحق.

فإن كانت هذه الفئة موجودة، فإن الله يبارك في عملها، وينصرها حسب سنته في نصر أوليائه بالأسباب المعلومة من الإيمان والتقوى والإعداد حسب الاستطاعة.

أما إذا لم تكن هذه الفئة موجودة، فإن يد القدرة تأخذه أخذاً مباشراً، لتنزع ظالماً من قوته وسلطان ظلمه، أو تزيح جباراً في الأرض، فتنزعه من أسباب جبروته، أو تهلك عدواً ظالماً طاغياً، وتريح الناس من شره وطغيانه كما قال سبحانه: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40)} [العنكبوت: 40].

ذلك أن الله تبارك وتعالى خلق الدنيا، وخلق لها السنن والأسباب لتعمل بها بأمر الله وإذنه، فإذا حدث شيء عن طريق الأسباب كأن انتصر قوي على ضعيف، أو تمكن ظالم من مظلوم، أو ساد ذو جاه أو ذو قوة، أو ذو مال، فهذا باب السببية الذي تسير عليه الحياة في عمومها، والذي نشترك فيه جميعاً.

فالإنسان مثلاً لكي يحصل على المال يجب أن يعمل، فإذا عمل وأخذ الأجرة، فهذا شيء عادي لا يثير العجب.

ولكن الله أحياناً يوقف باب الأسباب، ويعطله فلا يعمل، ويفتح للإنسان باباً آخر، ليرى منه قدرة ربه، ويحس بعظمته، ويعلم أن قدرة الله فوق الأسباب.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والتسعون  بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :* فقه قدرة الرب :

فحين تقف أمام قوي تقول كل الأسباب أنه سينتصر عليك، ثم تجده ينهزم أمامك وينهار فهذه قدرة الله.

وحين يراد بك سوء، وتتحكم أسبابه، ثم يكشفه الله ويدفعه عنك بلا جهد منك، فهذه قدرة الله جاءت تذكرك بالله.

وحينما تكون في عسرة من الرزق، ثم يفتح الله لك باباً من الرزق من حيث لا تدري ولا تعلم، ويأتيك الرزق من حيث لا تتوقعه، فتهتف قائلاً: الله

أكبر، إنها قدرة الله: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ

 عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)} [الطلاق: 2، 3].

وظهور قدرة الله ليست وقفاً على أحد دون أحد، بل هي تظهر في حياة الناس كلهم.

فكلنا رأى ظهور قدرة الله في فترة من فترات حياته.

رآها في شفاء مريض يئس الأطباء من علاجه .. أو رزق جاء فجأة ليذهب حالة عسر لبائس معدم .. أو قصم جبار أيس الناس من مواجهته.

ولكن لماذا يرينا الله ذلك في الدنيا؟

إن الله يفعل ذلك حتى لا ييأس المؤمن أبداً، فإذا توقفت الأسباب عن العطاء، فإن الله سبحانه وتعالى يفتح باباً من أبواب رحمته، ومن هنا فإن المؤمن عندما تصل به الأسباب إلى طريق مسدود، فإن الله معه يراقبه، فإن توجه إليه وسأله فرج كربته، وقضى حاجته، فليرفع كفيه إلى السماء ويقول: يا رب، ويعلم أن الطريق الذي سدته الأسباب يفتحه الله بقدرته التي تملك الأسباب، والله يفعل ما يشاء بالأسباب، وبدون الأسباب، وبضد الأسباب.

وقد ذكر الله عزَّ وجلَّ في القرآن أمثلة كثيرة من هذا ظهرت فيها كمال قدرة الله سبحانه، وذلك حتى نمضي في الحياة بلا يأس.

فقال عن أيوب - صلى الله عليه وسلم -: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)} [الأنبياء:

وقال عن يونس - صلى الله عليه وسلم -: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ

 لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)} [الأنبياء: 87، 88].

وقال عن زكريا - صلى الله عليه وسلم -: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)} [الأنبياء: 89، 90].

وإبراهيم - صلى الله عليه وسلم - وضع زوجته هاجر وابنه إسماعيل عند بيت الله بمكة بواد غير ذي زرع وقال: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)} [إبراهيم: 37].

ثم تركها وابنها، فارتاعت المرأة حيث تركها وحدها في مكان قفر لا ماء ولا زرع ولا إنسان، فنادته مراراً فلم يجبها، فَقالتْ: «يَا إِبْرَاهِيمُ، أيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي، الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلا شَيْءٌ؟ فَقالتْ لَهُ ذلِكَ مِرَاراً، وَجَعَلَ لا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا، فَقالتْ لَهُ: آللهُ الَّذِي أمَرَكَ بِهَذَا؟ قال: نَعَمْ، قالتْ: إِذَنْ لا يُضَيِّعُنَا، ثُمَّ رَجَعَتْ». أخرجه البخاري.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والتسعون    بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :* فقه قدرة الرب :

وهناك كان طريق الأسباب معطلاً، حيث لا ماء ولا نبات ولا إنسان، فهاجر وابنها حسب الأسباب الظاهرة هالكان لا محالة، ولكن هاجر أخذت بالأسباب، فانطلقت تسعى بين الصفا والمروة، تصعد على هذا التل، ثم تصعد على ذلك التل، عسى أن ترى إنساناً أو طيراً أو قافلة أو سبباً من أسباب الحياة تتمسك به، وتستفيد منه هي وابنها، وقطعت المسافة سبع مرات بين الصفا

والمروة ولم تجد شيءاً، ولم تر أحداً.

فنال منها التعب، فجلست بجوار وليدها عند البيت، فإذا الملك يضرب بجناحه الأرض، فظهر الماء بأمر الله، وانفجر بئر زمزم بالماء، فجعلت تحوطه وشربت هي وابنها، ودَّبت الحياة في ذلك المكان، فبعد بذل الأسباب الممكنة ظهرت قدرة الله في الوقت الذي تعطلت فيه الأسباب.

وموسى - صلى الله عليه وسلم - خافت أمه أن يذبحه فرعون ورجاله، وكان من الممكن أن تخفيه في دار أو مغارة، أو تسافر به سراً من مصر، وكانت هذه هي طريقة النجاة المعروفة بين الناس.

ولكن الله القدير أراد أن يجعل من قصة موسى - صلى الله عليه وسلم - مثلاً أعلى يدل على كمال قدرته سبحانه، بأن ينجيه بأسباب الهلاك لا بأسباب النجاة، ليعلم الناس أن الله على كل شيء قدير، يظهر قدرته سبحانه بالأسباب، وبدون الأسباب، وبضد الأسباب.

فأوحى سبحانه إلى أم موسى أن تضعه في الصندوق، وتلقيه في الماء، ليكون هذا هو السبيل لنجاته

وحفظ حياته، وسيراه الناس جميعاً، فالواقف على شاطئ البحر يتطلع للظفر به، فكأنما هذا إعلان لا إخفاء، ومع ذلك جعل الله هذا الإعلام هو عين الإخفاء، وهو وإن سلم من أكل الطير أو الغرق في النهر فسيأخذه لا شخص يحفظه ويربيه، بل سيأخذه عدو لله وعدو له، ولكن الله أراد نجاته وحفظه على يد من يريد هلاكه: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7)} [القصص: 7].

ألا ما أعظم قدرة الله، لقد أخذه فرعون، ورباه في قصره على يد امرأته كما قال سبحانه:

{وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى (37) إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39)} [طه]

ثم أرسل الله موسى - صلى الله عليه وسلم - إلى فرعون وملئه، فلم يؤمنوا بما جاء به، فأهلكهم الله وأغرقهم في البحر

كما قال سبحانه: {وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ

 مَجْنُونٌ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40)} [الذاريات: 38 - 40].

وهكذا أظهر الله قدرته في مواقف كثيرة في حياة موسى مع فرعون، ومع بني إسرائيل، وأظهر قدرته بضد الأسباب.

والله عزَّ وجلَّ يعرض لنا هذه الأحوال التي جرت للأنبياء، وأظهر الله فيها قدرته في حفظهم ونصرتهم، تثبيتاً للمؤمنين على الإيمان، وليستفيدوا هم كذلك من قدرة الله بالايمان والتقوى كما استفاد الأنبياء والرسل.

وليس معنى هذا ألا نأخذ بالأسباب المشروعة، ولا نعمل منتظرين ظهور قدرة الله، بل إن ظهور قدرة الله لا تتم إلا إذا استنفذ الإنسان الأسباب أولاً، فإذا فرغ الإنسان من فعل الأسباب المأمور بها ولم تعطه شيئاً، رفع يديه إلى السماء، ولهذا يقول الله سبحانه: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62)} [النمل: 62].

والمضطر هنا هو الذي يستنفذ أسباب الدنيا، ولا يجد أمامه مخرجاً، وهذا هو الذي تنفتح لدعائه أبواب السماء. والله عزَّ وجلَّ يبتلي عباده، ليعلم من يتوجه إليه عند المصائب، وليعلم صدق العبد، وقوة إيمانه، وقوة صبره، وهذه الاختبارات الإيمانية هي الأساس، ليزيل الله الضيق، ويذهب الهم، ويفرج الكرب، ويظهر قدرته لعباده.

فحين لا يقف للباطل والطغيان أحد، يظهر الله قدرته في تدميره بما شاء، حتى لا يعم الفساد في

الأرض، فحين جاء أبرهة بعدد ضخم من الجنود والأفيال ليهدم الكعبة، وخرج سكان مكة إلى الجبال تاركين البيت الحرام، لأنهم لا يستطيعون أن يقفوا أمام أبرهة وأفياله وجنوده وجيشه الجرار، وهنا تخلى أهل مكة عن قضية حق، وهي حماية بيت الله الحرام ممن يريد أن يهدمه، فماذا فعل الملك الجبار جل جلاله؟

هنا أراد الله سبحانه أن يريهم أن أبرهة الجبار الذي يخشونه، والجيش الجرار الذي يهابونه، هو عند

الله لا يساوي شيئاً، ويعلمهم أن صاحب الحق الضعيف يجب أن لايخاف من الباطل القوي.

ولهذا جاء الله جل جلاله بالطير الصغير الضعيف ليقول للبشر أن أضعف مخلوقاتي سيهزم هذا الجيش الجبار ويمحقه، ويقوم بنصرة الحق إذا تركتموه كما قال سبحانه: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)} [الفيل: 1 - 5].

وانطلقت الطير بأمر الله تحمل حجارة صغيرة من سجيل قضت على الفيلة الجبارة، والجيش الجبار في زمن قصير، وحطمت الجيش تماماً، وظهرت قدرة الله في حفظ بيته من الجبابرة المعتدين.

ألا ما أعظم قوة الله، وما أعظم قدرته، وما أعظم خلقه وأمره: {مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74)} [الحج: 74].[ الأنترنت – موقع الكلم الطيب - فقه قدرة الرب ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والتسعون  بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :* كيف استشعر عظمة الله كتابة :

عظمة الله تعالى لا أحد يُمكنه إدراك عظمة الله تعالى، فعقول البشر قاصرةً عن فهم ومعرفة عظمة الله -تعالى- على وجه التفصيل، ولكن بيّن الله -عزّ وجلّ- صوراً من عظمته بشكلٍ يتناسب مع عقل الإنسان، وقدرته على الفهم والإدراك، ولذلك نجد أنّ العديد من الآيات القرآنية تختص بالحديث عن مظاهر قدرة الله تعالى وعظمته، ومن ذلك قول الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ)،[١] وقد أودع الله -تعالى- في الكون دلائل كثيرة على عظمته، فقال: (قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ)،[٢] وممّا لا شكّ فيه أنّ أصحاب العقول هم الذين يتأملون الكون فيُدركون عظمة الله تعالى، ويجدر بالذكر أنّ معرفة الله تعالى، واستشعار عظمته تقود الإنسان إلى طريق الهداية، فلا يعبد المرء إلّا الله ولا يُشرك به أحداً، ويفرده بالدعاء، والرجاء، والعبوديّة، والاستعانة، والتوكّل، ويؤدّي استشعار عظمة الله -تعالى- كذلك إلى تمسّك المسلم بدينه، فيؤدّي الصلاة والزكاة، ويصوم رمضان، ويدعو الله -تعالى- مباشرةً دون واسطة، فهو يُدرك أنّ الله قريبٌ مُجيبٌ، والأصل فيمن عرف الله -تعالى- بعظمته أن يتقرّب إليه بالإكثار من ذكره، قياماً وقعوداً، وعلى الجنب دائماً، فبذكر الله تحيا القلوب، ممّا يجعل المسلم يُكثر من تسبيح الله تعالى، وتنزيهه وحمده، وفي ذلك قال الله -تعالى- في مُحكم كتابه الكريم: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ)،[٣] وفي المقابل هناك من جهل عظمة الله -تعالى- فلم يستشعرها، فتجرأ عليه، ومن هؤلاء الذين تجرؤوا على الله أيضاً أولئك الذين يعتقدون أنّ الباطل سينتصر على الحقّ، وأنّ الغلبة للكافرين، فهؤلاء لم يقدروا الله حقّ قدره؛ لأنّهم اعتقدوا أنّ الله غير قادر على نصرة أوليائه ودينه، ويجدر بالذكر أنّ انتصار الباطل على الحقّ ليس إلّا انتصاراً مؤقتاً جعله الله حتى يفيق المسلمون من غفلتهم، فيُدركون تقصيرهم، ويُصلحوا خللهم، لينصرهم الله من جديدٍ، ويكتب لهم التمكين.[٤] استشعار عظمة الله تعالى يُمكن للإنسان أن يستشعر عظمة الله تعالى بتأمّله للعلامات التي تدلّ على ذلك، ويُمكن بيان بعض الدلائل على عظمة الله -تعالى- وقدرته فيما يأتي:[٥] استشعار أنّ أمر الخلائق كلّهم والكون بما فيه بيد الله سبحانه، فهو الذي يُغني ويُفقر، وهو الذي يُبكي ويُضحك، وهو الذي إن أراد أمراً كان، والكون بكلّ ما فيه في قبضته، لا شريك له، ولا مُعقّب لحكمه، ولا رادّ لقضائه، ويُقلّب قلوب عباده كيفما يشاء، ولا أحد قادر على منازعته أو غلبته. إدراك أنّ النافع وحده هو الله تعالى، وألّا ضرّ إلّا بإذنه، وإن اجتمعت الإنس والجنّ على خلاف هذا الأمر. فهم تفرّد الله -تعالى- بالغيب، فحتى الملائكة لا يعلمون من سيموت غداً وماذا سيحدث في الكون بعد حينٍ، ولا أحد يردّ عذابه إن وقع، ولا يدفع أمره إذا شاء. استشعار رحمة الله -تعالى- بعباده، وعظمته في تفريج كروبهم وكشف خطوبهم، وقدرته على إجابة الدعوات وتحقيق الأمنيات ودفع البلاء، وهو العظيم في جبر الكسور، وإغناء الفقير. معرفة أنّ الله -تعالى- يعلم كلّ ما في الكون، ولا تخفى عليه خافية، فالله -تعالى- يعلم السرّ والعلن، فلا تتحرّك ذرةً ولا تسقط ورقةً إلّا بعلمه جلّ علاه. استشعار كرم الله تعالى، وسخائه، فسبحانه يرزق قبل السؤال وبعده، ويُنفق كيف يشاء، فسبحانه واسع العطاء. استشعار رقابة الله -تعالى- في كل وقتٍ وحينٍ، بما في ذلك ظلمة الليل. استشعار رحمة الله -تعالى- بمضاعفة الحسنات لعباده، فقراءة الحرف من القرآن بعشر حسناتٍ، ثمّ يضاعفها الله إلى سبعمئة ضعفٍ إلى أضعافٍ كثيرةٍ، بالإضافة إلى ضرورة استذكار الإنسان تخصيص الله -تعالى- أوقاتاً قصيرةً بطاعاتٍ يكون فيها الأجر مضاعف أضعافاً كثيرةً، كليلة القدر التي جعل الله -تعالى- العبادة فيها خيراً من عبادة ألف شهرٍ. استحضار أنّ الله -تعالى- لا تنفعه أفعال عباده الصالحة ولا تضرّه أعمالهم المنكرة، فهو الغنيّ عن خلقه، وهو القيوم الذي لا ينام ولا ينبغي له أن ينام. استشعار مظاهر عظمة الله تعالى، وقدرته يوم القيامة، فحينئذٍ يرُجّ الله الأرض رجّاً، وينسف الجبال نسفاً، وتفزع الخلائق كلّها بنفحةٍ في الصور، وبالنفخة الثانية يُصعقون، وبالنفخة الثالثة يحشرهم الله تعالى. أسباب عدم تعظيم الله يمكن بيان أهمّ الأسباب التي تؤدّي إلى عدم تعظيم الإنسان لله -تعالى- فيما يأتي:[٦] ارتكاب الذنوب والوقوع في المعاصي، فهذه الذنوب هي السبب في كلّ محنةٍ وبلاءٍ. التساهل في العبادات؛ فلا يتساهل الإنسان في أوامر الله تعالى، إلّا لأنّه لا يُعظّمه على الوجه الذي يرضاه جلّ علاه. عدم تدبّر آيات القرآن الكريم عند قراءته، وعدم الوقوف على آياته بما فيها التي تتحدّث عن العذاب والوعيد، فترى القارئ يُسرع في القراءة حتى يصل إلى آخر السورة دون الاكتراث إلى معاني الآيات وفهم أسباب نزولها، ولذلك أوصى الله -تعالى- بقراءة كتابه الكريم بتمعّنٍ، فقال: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ).[٧] الغفلة عن ذكر الله تعالى؛ فكثير من الناس لا يملؤون أوقاتهم الطويلة بذكر الله، ومنهم من إذا سبّح وكبّر وذكر الله عامّةً لم يخشع قلبه للذكر، فتراه يُردّد بلسانه فحسب. النظر إلى المحرّمات؛ لما يُولّده في القلب من قسوةٍ وجفاءٍ.[ الأنترنت – موقع موضوع - كيف استشعر عظمة الله كتابة ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والتسعون بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :* إعداد القوة الواقع والمأمول :

الحق له قوة ذاتية نابعة منه ومن تجافيه عن الباطل، ويستطيع دعاة الحق أن يصلوا به إلى عقول ‏الناس، بما احتواه من الحجج والبراهين الدالة عليه، ولا يحتاج الحق في إقناع الناس به إلى قوة تجبرهم ‏أو تكرههم على القبول به واختياره، فإن قوته فيه، ومتى ما احتاج الحق إلى الإكراه لتحقيق الاقتناع ‏بأدلته وبراهينه لم يكن حقا، لذا جاء النص بنفي الإكراه في الدين وذلك في قوله تعالى :"لاَ إِكْرَاهَ فِي ‏الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ ‏انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" [البقرة :256] فالإسلام دين حق عليه دلائل يقينية كل من اطلع عليها لا ‏يملك غير التسليم بها والإذعان لها، فلا حاجة إذن إلى الإكراه عليه، قال ابن كثير رحمه الله تعالى ‏‏:"أي لا تكرهوا أحدا على الدخول في دين الإسلام، فإنه بين واضح جلي دلائله وبراهينه، لا يحتاج ‏إلى أن يكره أحد على الدخول فيه، بل من هداه الله للإسلام وشرح صدره ونور بصيرته دخل فيه ‏علي بينة، ومن أعمى الله قلبه وختم على سمعه وبصره، فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرها ‏مقسورا"‏ ، ولعل مجيء الآية بلفظ " لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ "، ولم تكن بلفظ :لا إكراه على الدين، مما ‏يوضح ذلك، ثم كان قوله تعالى :" قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ" كالتعليل لما سبق. ‏

ورغم أن الحق منصور من داخله بأدلته وبراهينه، فلا بد له من قوة خارجية، لا لكي يفرض ‏بها نفسه على الناس، وإنما يحتاج إليها لأمرين :الأول :لكي تدافع عنه ضد عدوان المعتدين وصيال ‏الصائلين الذين ختم الله تعالى على قلوبهم، وأصبح نهجهم العناد والمكابرة، والعدوان على المخالفين ‏

الثاني :جهاد الطغاة الظالمين الذين يصدون الناس بما لديهم من سلطان وقوة عن الاستجابة ‏للنداء

الحق ويصرفونهم عن اتباعه، ويجبرونهم جبرا وقسرا على البقاء على دينهم الفاسد وعدم الإقبال ‏على

الدين الحق، ولأجل تلك الحقيقة شرع الله تعالى الجهاد.‏

‏ لقد كانت مكة عند بداية الدعوة إلى الله تعالى دار كفر وكان الغالب على أهلها الكفر بالله ‏تعالى، واستمر ذلك زمنا طويلا، لذلك لم يكن هناك من فائدة لإعداد العدة والقوة الحربية لأنها في ‏ظل موازين القوى غير المتكافئة لن تستخدم، ويكون استخدامها في ذلك الوقت المبكر من عمر ‏الدعوة مدعاة للقول بأن الإسلام جاء من أجل قتال الناس، ولو قدر له الانتصار لقالوا إنما انتشر بقوة ‏السيف ودخله الناس مكرهين ولم يدخلوا مؤمنين.‏

‏ ثم إن ذلك قد يؤدي إلى أمر خطير لو قدر لها أن تنهزم وهو استئصال الدعوة في مهدها ‏ومنعها من النمو، كما أن شرع الجهاد في ذلك الوقت المبكر لن يساعد على تربية المسلمين الذين ‏استجابوا لله والرسول ولدعوة الحق.‏

‏ ومع أن الإعداد الحربي في ذلك الوقت غير ممكن وغير مراد، لكن كان يجري هناك إعداد أهم ‏بكثير

من الإعداد الحربي، بل لا يقوم الإعداد الحربي إلا عليه، فكان هناك إعداد أكثر أهمية يجري ‏على أرض الواقع على بصيرة وجد واجتهاد مع الروية وعدم العجلة، وهو بناء المسلم من داخله ‏‏:عقيدته وتصوراته وعبادته.‏

وما إن انتقل المسلمون من دار الدعوة (مكة المكرمة) إلى دار الدولة (المدينة المنورة) حتى ‏بدأت مرحلة جديدة من الإعداد وهو الإعداد الحربي، وجاء الأمر بذلك من الله تعالى رب الخلق ‏جميعهم فقال :"وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ ‏وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ ‏تُظْلَمُونَ" [الأنفال :60]، قال ابن كثير رحمه الله تعالى :"أمر تعالى بإعداد آلات الحرب لمقاتلتهم حسب ‏الطاقة والإمكان والاستطاعة، فقال :وأعدوا لهم ما استطعتم، أي مهما أمكنكم من قوة ومن رباط ‏الخيل"‏ ، وقال الطبري في بيان أنواع القوة بعدما تحدث عن الرمي :"ومن القوة أيضا السيف والرمح ‏والحربة، وكل ما كان معونة على قتال المشركين كمعونة الرمي أو أبلغ من الرمي فيهم وفي النكاية ‏منهم"‏ ، وقال الطيب بن عاشور:" والإعداد التهيئة والإحضار ودخل في ( ما استطعتم ) كل ما ‏يدخل تحت قدرة الناس اتخاذه من العدة، والخطاب لجماعة المسلمين وولاة الأمر منهم، لأن ما يراد ‏من الجماعة إنما يقوم بتنفيذه ولاة الأمور الذين هم وكلاء الأمة على مصالحها، والقوة كمال ‏صلاحية الأعضاء لعملها...فاتخاذ السيوف والرماح والأقواس والنبال من القوة في جيوش العصور ‏الماضية، واتخاذ الدبابات والمدافع والطيارات والصواريخ من القوة في جيوش عصرنا، وبهذا الاعتبار ‏يفسر ما روى مسلم والترمذي عن عقبة بن عامر أن رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم  قرأ هذه الآية على المنبر ثم قال :" ‏ألا إن القوة الرمي" قالها ثلاثا، أي أكمل أفراد القوة آلة الرمي أي في ذلك العصر، وليس المراد حصر ‏القوة في آلة الرمي"‏

فقد صار بالإمكان الآن-بعد تحيز المسلمين إلى دار تأويهم- استعمال العدة الحربية والاستفادة ‏منها، وأصبح وجودها والتدرب عليها في هذه الحالة ضرورة لا بد منها حيث تحقق أهداف ‏المسلمين، بعكس الحالة الأولى التي كان من الممكن أن تشكل عبئا عليهم، وقد أطلقت الآية في بيان ‏القوة التي ينبغي إعدادها من غير تقييد حتى يسمح إطلاقها بقبول ما يجد من آلات القوة مع تغير ‏الأزمنة، وهذا الأمر يفرض على جماعة المسلمين الجد والاجتهاد والمثابرة في تحصيل القوة الممكنة في ‏عصرهم التي من شأنها أن تردع الكفار المحاربين أعداء الله تعالى ورسله والمؤمنين.‏

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والتسعون  بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :* إعداد القوة الواقع والمأمول :

‏ وفي الأمر بإعداد ما يستطاع من القوة نهي عن الإهمال والتقاعس عن امتلاك أقصى ما يمكن ‏امتلاكه من القوة الحقيقية ووسائلها لا القوة الصورية أو الاستعراضية، فالأمة الإسلامية أمة رسالية، ‏مطلوب منها تبليغ رسالة الله إلى العالمين.‏

‏ وقد بين نص الآية السبب الذي لأجله أمر المسلمون بإعداد ما يستطاع من القوة، وهو قوله ‏تعالى :"تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ" فكان في إعداد ‏القوة البالغة أمان للأمة من الأعداء المعروفين وغير المعروفين، حتى إنه ليخافها ويرهب جانبها من لا ‏يعرفه المسلمون، مما يشكل رادعا لمن تسول له نفسه بمهاجمتهم أو التآمر عليهم، ويصير الإهمال في ‏إعداد ما يستطاع من القوة مدعاة لأن يستخف بهم اعداؤهم ويتجرؤون عليهم. ‏

هذا النص القرآني في وجوب إعداد القوة التي تخيف الأعداء بغرض تأمين الدعوة إلى الله تعالى ‏في أرض الله، وتأمين دار الإسلام ضد عدوان المعتدين، يفتح باب التصنيع الحربي أمام المسلمين على ‏مصراعيه، لأن إعداد المستطاع من القوة لا يتم إلا بذلك، ومن القواعد المشهورة عند أهل العلم أن ‏ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، من هنا يظهر وجوب إقامة المصانع الحربية التي تمد جيوش ‏المسلمين بالآلة الحربية المناسبة لعصرهم في جميع المجالات الحربية :البرية والبحرية والجوية.‏

‏ ويستتبع إقامة المصانع الحربية العناية بتدريس العلوم التقنية، التي تعد بمثابة اللبنة الأولى الازمة ‏لإقامة تلك المصانع، وتشجيع البحث العلمي، ورصد الميزانيات المناسبة له، وليس يقبل عقلا أو شرعا ‏أن ميزانية بعض أندية الألعاب البدنية، أو مؤسسات اللهو كالسينما ونحوها في بلد مسلم واحد، ‏تفوق

ميزانيات البحث العلمي في بلاد المسلمين مجتمعة.‏

وقد ظهرت عناية الشريعة بالتصنيع الحربي لما له من أهمية، فقال رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم  :"إن الله ليدخل ‏بالسهم الواحد ثلاثةً الجنةَ :صانعه يحتسب في صنعته الخير، والرامي به، والممد به، وقال ارموا ‏واركبوا، ولأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا، كل ما يلهو به الرجل المسلم باطل إلا رميه بقوسه، ‏وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، فإنهن من الحق"‏ ، وقد تناول هذا الحديث أمور ثلاثة رامي السهم وهو ‏يمثل الجيش وصانعه وهو يمثل الصناعات الحربية والممد به وهو يمثل التموين والإمداد الذي تحتاج إليه ‏الجيوش.‏

وقد بين رسول الله ‏ صلى الله عليه وسلم  أهمية ائتلاف تلك العناصر الثلاثة وأشركهم جميعا في حصول الثواب، ‏فلم يقصر ثواب الجهاد وأجره على المجاهد الفعلي، بل جعل القائم بالصناعة الحربية شريكا للمجاهد ‏في دخول الجنة لما يترتب عليها من نشر الدين وحماية الحوزة، ولأن المجاهد بالفعل يحتاج في جهاده ‏إلى الآلة الحربية المناسبة، وهذه لا يمكن الحصول عليها إلا بالتصنيع، كما بين الرسول ‏ صلى الله عليه وسلم  أهمية ‏الإمداد والتموين فقد يوجد المجاهد ويوجد السلاح، ولا يوجد من يوصل السلاح إلى المجاهد وقت ‏الحاجة إليه، فلا بد من وجود من يمد بالسلاح ويوصله إلى من يجاهد به. ‏

‏ وقوله ‏ صلى الله عليه وسلم  :صانعه يحتسب في صنعته الخير، يعني يطلب في صنعة السهم الثواب من الله تعالى، ‏وهذا لا يعني أن لا يأخذ على ذلك أجرا، بل القصد أن يكون يريد بذلك العمل نصرة الدين ‏والدفاع عن حوزة المسلمين. ‏

وقد أشار القرآن إلى الصناعات الحربية في قوله تعالى :"... وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ‏‏..ٌالآية

[الحديد :25]، قال ابن كثير :" فيه بأس شديد، يعني السلاح كالسيوف والحراب والسنان ‏والنصال والدروع ونحوها"‏ ، والحديد لا يصير سيوفا وحرابا ونصالا إلا بالتصنيع، وكذلك قال تعالى ‏ممتنا بتعليم الصناعة الحربية لعبده داود عليه السلام :"وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ ‏فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ" [الأنبياء :80] قال القرطبي :"قوله تعالى :" وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ " [الأنبياء :80]، ‏يعني اتخاذ الدروع بإلانة الحديد له، واللبوس عند العرب السلاح كله :درعا كان أو جوشنا أو سيفا ‏أو رمحا"‏ ‏. وقال تعالى :"وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ ‏اعْمَلْ سَابِغَاتٍ" [سبأ 10 ، 11 ] والسابغات جمع سابغة، وهي الدرع التي تغطي المقاتل غطاء وافيا، ‏والدرع :القميص من حديد أو غيره.‏

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والتسعون    بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :* إعداد القوة الواقع والمأمول :

كما دلت النصوص على العناية بالمركبات الحربية التي يستخدمها المجاهدون، أو التي تنقلهم إلى ‏ميادين الجهاد، مما يبين أن صناعة المركبات الحربية سواء كانت دبابات برية أو سفن وغواصات بحرية ‏أو طائرات جوية، ينبغي أن تلقى العناية أيضا فإن الجهاد بغيرها متعذر أو مستحيل في أيامنا.‏

‏ ومن النصوص التي تحدثت عن المركبات الحربية قوله تعالى :" وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ ‏وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ" فالخيل هي المركبات الحربية في زمن نزول القرآن، وقد دلت السنة على العناية ‏بالخيل ووردت فيها أحاديث كثيرة فمن ذلك قوله ‏ صلى الله عليه وسلم  :"من احتبس فرسا في سبيل الله إيمانا بالله ‏وتصديقا بوعده فإن شبعه وريه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة"‏ ، أي من هيأ فرسا وأعده للجهاد ‏في سبيل الله تعالى طاعة لله تعالى وابتغاء وجهه فإن ما يأكله هذا الفرس من الطعام وما يرويه من الماء ‏وما يخرج منه من بول أو روث كان ذلك كله حسنات توضع في ميزان ذلك الشخص، وهذا يدل ‏دلالة واضحة على أهمية العناية بالمركبات الحربية، وأخرج البخاري في صحيحه قال ‏ صلى الله عليه وسلم  :"الخيل ‏لرجل أجر ولرجل ستر وعلى رجل وزر :فأما الذي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله فأطال بها في ‏مرج أو روضة فما أصابت في طيلها ذلك من المرج أو الروضة كانت له حسنات ولو أنه انقطع ‏طيلها فاستنت شرفا أو شرفين كانت آثارها وأرواثها حسنات له ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم ‏يرد أن يسقي كان ذلك حسنات له فهي لذلك أجر ... "الحديث ، ومعنى الحديث أن من أعد خيله ‏للجهاد في سبيل الله تعالى فإنه يؤجر على كل شيء يتعلق بها، فلو ربطها في حبل طويل وتركها ‏ترعى فإن كل مسافة مشتها وهي في الحبل كي ترعى كانت له حسنات، ولو أنها قطعت ذلك الحبل ‏فاستنت أي أفلتت ومرحت شرفا أو شرفين، والشرف ما ارتفع من الأرض كانت آثارها وما تلقيه ‏من فضلات حسنات له، ولو مرت بنهر فشربت منه من غير إرادة له في ذلك كانت أيضا حسنات ‏له، فكيف لو أراد؟، وهذا مما يدل على عناية الإسلام بكل ما يعين ويساعد على نشر الدعوة وحماية ‏الحوزة، ومن ذلك بلا شك المركبات الحربية

وقد بلغت عناية المسلمين بالسلاح وإعداد القوة اللازمة لنشر الدعوة وحماية الحوزة أن جعل ‏أهل العلم السهمين الواردين في قوله تعالى :وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ‏‏...الآية" [الأنفال :41] "في الخيل والعدة في سبيل الله، فكانا على ذلك في خلافة أبي بكر وعمر رضي ‏الله عنهما، قال الأعمش عن إبراهيم :كان أبو بكر وعمر يجعلان سهم النبي ‏ صلى الله عليه وسلم  في الكراع ‏والسلاح، فقلت لإبراهيم :ما كان علي يقول فيه ؟ قال :كان أشدهم فيه، وهذا قول طائفة كثيرة ‏من العلماء رحمهم الله"‏ ‏.‏

واستخدم المسلمون الصحابة فمن بعدهم الآلات الحربية في الفتوحات كالمنجنيق (وهي الآلة ‏التي يقذف بها الحجارة وما أشبهها) والعرادات (جمع عرادة وهي أصغر من المنجنيق)، والدبابات ‏‏(الدبابة : آلة من آلات الحرب يدخل فيها الرجال فيدبون بها إلى الأسوار لينقبوها، ويطلق عليها ‏أيضا الدراجات والضبور)، ولم يتقاعسوا عن استخدام الأسلحة التي وصل إليها التقدم العلمي في ‏عصرهم ‏

وقد اعتنى المسلمون إلى جانب ذلك بالصناعات البحرية لحاجتهم إلى السفن الحربية في نشر ‏الدعوة والدفاع عن الديار، فأنشأ المسلمون بمصر في جزيرة الروضة دار الصناعة لبناية السفن لأول ‏مرة وكان ذلك عام 54 هجرية‏ ،وفي سنة أربع عشرة ومائة أنشأ المسلمون دار الصناعة لإنشاء ‏المراكب البحرية في تونس ، وتوالى بعد ذلك إنشاؤها.‏

فإذا كانت النصوص الشرعية قد دلت على العناية بصناعة الأسلحة والمركبات الحربية، وعمل ‏بذلك سلفنا الصالح، فإنه يكون من أكبر التقصير الذي تقع فيه الأمة اليوم أن تظل تعتمد في سلاحها ‏الذي تحفظ به أمنها وتنشر به دعوة الله المكلفة بإيصالها للعالمين، على عدوها الذي لا يألوها خبالا ‏كما قال تعالى :"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ ‏بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ" [آل عمران ‏‏:118].‏

‏ ولا شك أن اعتماد الأمة في سلاحها على الشراء فقط دون التصنيع له مفاسد كثيرة منها ‏‏:المبالغ الضخمة التي تدفع في هذه الأسلحة التي تفوق بمراحل كثيرة قيمتها الفعلية، ومنها أن تلك ‏الأسلحة لا يمكن أن تكون أسلحة متقدمة متطورة تغني في مواقع النزال مع أعداء الأمة، بل إن ‏موردي السلاح من دول النصارى لا يعطون الأمة إلا الأسلحة التي لا تخل بميزان القوى بين الأمة ‏وبين عدوها، بحيث تضمن تلك الدول للعدو أن يحقق التفوق الحربي على الدول العربية مجتمعة أثناء ‏القتال، ومنه منع الإمداد بالسلاح أو الذخيرة وقت الحاجة إليه، فتقف الجيوش عاجزة عن التحرك، ‏ويُفرض على الأمة حينئذ ما يشاؤون من الحلول الانهزامية، وأمامنا ما حدث في قضية البوسنة ‏والهرسك، حيث منع عنهم السلاح وهم يتعرضون للقتل الشديد من الصرب، ومن مفاسد الاعتماد ‏في التسليح على الغير أن يكون قرار الأمة مغلولا غير قادر على التحرر والاستقلالية، وهذا الوضع ‏يؤدي إلى استخفاف كثير من الدول بالمسلمين.‏

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والتسعون      بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :* إعداد القوة الواقع والمأمول :

إن من الأمور الغريبة التي يعسر إيجاد تسويغ مقبول لها أن تكون الأمة التي جعل الله الجهاد في ‏سبيله لتبليغ رسالة رب العالمين إلى الناس كافة أحد فرائض دينها، ثم هي تهمل آلته وما يساعد عليه، ‏رغم امتلاكها لكل ما تحتاج إليه مما يمكن أن يقيم صناعة حربية متطورة تزود الدول الإسلامية ‏جميعها بما تحتاج إليه

لقد أدى هذا الوضع أن تنتقص بلاد المسلمين من أطرافها ويحتلها الكفار من اليهود والنصارى ‏وهم مطمئنون إلى عدم قدرة هذه الدول في الدفاع عن نفسها، لأنها لا تملك سلاحها التي تدافع به ‏عن نفسها.‏

لقد تطورت صناعة الأسلحة في أيامنا هذه وكذلك المركبات الحربية تطورا مذهلا، وقد بات ‏الآن من الأمور الواضحة في فقه السياسة الشرعية وجوب القيام بالتصنيع الحربي في جميع المجالات، ‏وجوبا لا يحتمل التأخير والمماطلة، وإذا كانت الأمة تعاني من تخلف كبير في هذا المجال فإنها يمكنها أن ‏تتكامل في ذلك مع الدول الإسلامية المتقدمة في مجال التصنيع الحربي، وأن تبدأ من الآن، وتوجه ‏الجهود، وتقيم مراكز الأبحاث، وترصد الأموال اللازمة، ومن سار على الدرب وصل ولو بعد حين.‏

إن من الأمور اللافتة للنظر والتي تبين الأهمية القصوى للتصنيع الحربي هو حرص الدول القوية ‏في العالم على حرمان الدول الإسلامية من امتلاك الأسلحة القوية المتطورة ذات القوة التدميرية العالية، ‏مع أن هذه الدول تمتلك هذه الأسلحة وتستخدمها في معاركها ضد أعدائها، وتهدد باستخدامها ضد ‏من يحاول امتلاكها، ولم تتوقف مراكز أبحاثها عن النظر في هذه الأسلحة وتطويرها وابتكار أشكال ‏جديدة منها، وهو ما يعني إصرار هذه الدول على التفرد بالقوة الحقيقية في العالم، واستخدام الأسلحة ‏المتطورة ذات القوة التدميرية العالية ضد من يحاربونهم دون أن يخشوا من الرد بالمثل، وهو يكشف في ‏جانب منه عن النظرة الاستعمارية أو الاستعلائية التي تملأ عقول النخب في هذه الدول، بإزاء الدول ‏الضعيفة، والتي تريد أن تحولهم إلى مجرد ذيول لها واتباع، وبغياب القدرة الحقيقية على الردع بحرمان ‏الدول من امتلاك الأسلحة المناظرة وفرض ذلك بالقوة، يتحول العالم إلى غابة يأكل القوي فيها ‏الضعيف ويملي عليه شروطه، ولا يكون أمامه إلا أحد خيارين :أما القبول والرضوخ لما يطلب منه، ‏وإما الدمار، وفي ذلك تهديد للسلام في العالم لأن من أمن العقوبة أساء الأدب. ‏

‏ والرضوخ لهذا الوضع والقبول به والاستسلام له، معناه تحول أمتنا إلى أمة تابعة لا تملك ‏الدفاع عن نفسها أو مقدساتها، ولو كانت أمتنا الإسلامية تصنع سلاحها الذي تحتاج إليها بيد أبنائها ‏كما كانت في الماضي، لما تجرأ عبدة الصلبان على الاستخفاف والطعن في أفضل الناس وسيد الخلق ‏أجمعين محمد بن عبد الله ‏ صلى الله عليه وسلم  .‏

إنه ليس هناك ما يُسوِّغ لأحد التقاعس أو الإهمال في إعداد العدة المناسبة لعصرها، وقد تبين ‏لنا جميعا إنه لا يمكن الاعتماد أو الركون إلى ما يسمونه

تطمينات أو وعود أو نحو ذلك، فالخطط ‏معدة والانقضاض على بلادنا ليس إلا مسألة ظرف مناسب، فالبدار البدار، فإن الندم بعد وقوع ‏المصاب لا يجدي، والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني. ‏ [الأنترنت – موقع صيد الفوائد - إعداد القوة الواقع والمأمول‏ - محمد بن شاكر الشريف]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والتسعون  بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :*الإسلام دين القوة والعزة: عبرة من السيرة النبوية الكريمة :

إن السيرة النبوية عند المسلمين قدوة ومستخى عبرة لأنها معيار صادق للعدالة وسند روحي يحيي الفضيلة في المجتمع الإسلامي ويسعفه بما يحتاج إليه في شتى مناحي حياته، فيجد فيه الغذاء الكافي والدواء الناجع لما أصابه وألم به من انحلال وضعف وخمول.

وقد اخترت أن تكون هذه الكلمة عن القوة والعزة التي كانت من مظاهر الإسلام والمسلمين يوم كانوا سادة العالم وحكامه العادلين المنصفين حتى نقارنها بقوتهم في هذا الزمان الذي فقد فيه المسلمون تلك القوة فأصبحوا لقمة سائغة في أفواه المستغلين لا يمكن أن يرجع إليهم اعتبارهم الكامل إلا إذا عاودوا سيرتهم الأولى وأدركوا من القوة ما يجعل جانبهم مرهوبا من الأعداء وصداقتهم ومعاونتهم مرغوبا فيها من الأصدقاء وغيرهم على السواء، أعني أن يكون لهم وزن ثقيل في ميدان السياسة الدولية، فمن المعلوم أن القوة والضعف من الأمور النسبية في هذا الوجود، سواء في الأفراد أو الجماعات أو الدول، فمن يستطيع من الأفراد حمل نصف قنطار مثلا أقوى ممن لا يستطيع حمله، وأضعف ممن يحمل القنطار الكامل، وهكذا تكون جماعة أقوى من جماعة، وأمة أقوى من أمة، في العلوم أو الفنون أو العزمات النفسية أو الحروب أو غير ذلك من الأمور، والمسلمون كأمة أو أمم على مسرح الحياة لا يخرجون عن هذه النسبة، والمرء كثير بأخيه، وقد يعتبر عزيزا بجماعته القوية، وإن كان ضعيفا ضعفا حقيقيا أو ظاهريا، كما قال قوم شعيب لنبيهم: وأنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك.

فمتى أرادت أمة من الأمم الانتصار على غيرها أو إفساح المجال لنشر مبادئها لابد أن تتكتل وتوحد صفوف جماعتها، حتى تكون لها من القوة المادية

والمعنوية ما تتكافأ به مع غيرها، بل تزيد عليه لتستطيع التغلب والانتصار، وهذه القوة تختلف بحسب الزمان والمكان، ولكن من العوامل الأساسية التي لا يستغنى عنها الصبر والثبات وقوة العزيمة النفسية، وإن المبادئ التي تكيفت بها المجتمعات البشرية قد كانت في مبدأ أمرها في دائرة ضيقة انتشرت بطريق الدعوة إليها حتى أصبحت أفكار ومبادئ جماعة ثم مبادئ حياة أمة سواء كانت أفكار سياسية أو مبادئ دينية. إلا أن التاريخ يحدثنا أن المبادئ أو الأفكار لابد لها من قوة تسندها لتستقر استقرارا نهائيا في المجتمعات البشرية، فالدين المسيحي مثلا لم يستقر كدين لأمة لو بقى على مبدئه الأول في المعاملة، من ضربك على خدك الأيسر أدر له خدك الأيمن، لو لم يجد من يسنده بالقوة كالملك قستنطين وأمثاله.

أما الدين الإسلامي فهذه المسألة لا تضمن انتشاره ولا انتصاره وليس ذلك من طبعة ولا من عقيدته لأنه يريد أن يكون قويا عزيزا وموقفه من الجماعات الأخرى أن يدخلوا في السلم والإسلام الذي دعاهم إليها أو يقبلوا حمايته ويكونوا تحت ذمته وهم على ديانتهم أو يكونوا معه في حرب تنتهي بانتصار أحد الفريقين والمسلم إما أن يعيش سيدا سعيدا أو يموت شهيدا مجيدا، فهو كما قال الشاعر العربي أبو فراس : ونحــن أنــاس لا توســط بيننــا **** لنــا الصــدر دون العالميــن أو القبــر

وقد فاه المنافقون في عهد الرسول بأنهم أعزة وأن الرسول في زعمهم الفاسد لم يكن بهذه الصفة وأنهم

يستطيعون إخراجه من المدينة كما حكى الله عنهم ذلك في قوله : وقالوا لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، والحقيقة أن العز يخرج الأذل ولكن الأعز هو الله ورسوله والمؤمنون، ولله العزة ولرسوله وللمومنين، فالمومنون هم الذين يمكنهم إخراج المنافقين لأنهم الأعزة أما الذلة لا تفسح له مجال نشر دعوته ولا تضمن انتشاره ولا انتصاره وليس تلك المسألة إلى حد الصفع من توجيهاته الحيوية التي ترمي في جوهرها إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قال الله في وصف المومنين «الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وأتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر» وقد بين النبي (ص) كيفية تغيير المنكر حيث قال من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فغن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان فأمر النبي بتغيير المنكر باليد وبين أن الانتقال من التغيير باليد إلى التغيير باللسان مشروط بعد استطاعة تغييره باليد، والمنكر قد يكون صادرا عن شخص كما يكون صادرا عن جماعة وما عجز عن تغييره الفرد لا تعجز عنه الجماعة وقد كانت قريش عقدت بينهما حلفا في الجاهلية يسمى حلف الفضول يضمن نصرة كل مظلوم بمكة، حيث تعاهدت على ألا تجد بمكة مظلومات من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا قاموا معه وكانوا على من ظلمهم حتى ترد عليه مظلمته.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والتسعون بعد المائة  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :*الإسلام دين القوة والعزة: عبرة من السيرة النبوية الكريمة :

وحضر النبي (ص) هذا الحلف وأشاد به بعد أن شرفه بالرسالة حتى قال لقد حضرت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم ولو ادعى به الإسلام لا جبت فهذا الحلف هو من باب تغيير الجماعة للمنكر ومن أعظم المناكر العامة في البشرية منكر الشرك باله فبعث الله رسوله بعقيدة التوحيد المنفية للشرك فكانت مهمة نشرها وإعلانها صعبة وأنزل عليه قوله (فأصدع بما تومر وأعرض عن المشركين) فهل تحولت بسببه الجزيرة العربي من الوثنية إلى التوحيد والدخول في دين الإسلام بمجرد الدعوة وإهمال الاستعداد والقوة، واستعمال هذه القوة في الوقت المناسب أم أن الاستعداد وقع وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم. وقال في الإذن لاستعماله لرد عدوان المشركين على المومنين «أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله». وقد كان الإسلام يريد أن يظهر أمام أعدائه بمظهر القوة والعزة لا بمظهر الضعف والذلة في كل مرحلة من مراحل كفاحه، فقد دأب النبي عليه السلام يدعو إلى الله في مكة بعد ثلاثة عشر سنة قبل الهجرة إلى المدينة ويعرض دعوته في موسم الحج على القبائل لتدخل ف يدين الإسلام كما يعرض نفسه لتحميه حتى يبلغ رسالة ربه، فاستجاب في هذه الثناء جماعة الأنصار وفشت دعوة الإسلام في المدينة فرأت قريش أن محمد ابن عبد الله وجد سندا خارج مكة فصار لا يومن جانبه فتآمرت على قتله واغتياله بواسطة جماعة من الشبان من قبائل مختلفة حتى لا يقدر بنو هاشم على الأخذ بثأره منها مجتمعة ففشلت المؤامرة بإذن الله لنبيه في الهجرة إلى المدينة، فاجتمع شمل المسلمين بها، وصار الاستعداد والمناوشات وفي النهاية الجهاد والقتال بين الرسول وبين قبيلته، ومن أهم ذلك غزوة بدر التي انتصر فيها المسلمون، وقتل فيها صناديد من المشركين، وغزوة أحد التي امتحن فيه المسلمون واستشهد فيها كثير من المومنين.

وقصد النبي زيارة البيت فمنعته قريش وكان الصلح على أن يرجع في العام القابل لزيارة البيت الحرام فلما رجع أشاع أعداؤه أن حمى المدينة نهكت المسلمين، فخرجوا ينظرون على طواف المسلمين بين الصفا والمروة فقال النبي لأصحابه (رحم الله أمرا أراهم اليوم من نفسه قوة) فصاروا يسرعون في الطواف بين الصفا والمروة فكان هذا الطواف زيادة على كونه عبادة من مناسك الحج كاستعراض للقوة أمام لخصم لهزم معنوياته وهكذا كان الشأن في مظاهر الإسلام القوية في مختلف المناسبات.

ومن أروع ذلك الاستعراض الذي وقع يوم فتح مكة حسبما رواه ابن هشام في السيرة، أنه بعد ما

أجار العباس بن عبد المطلب أبا سفيان حتى أسلم قال أي العباس قلت يا رسول الله أن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئا قال نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، فلما ذهب لينصرف قال رسول الله (ص) يا عباس أحبسه بمضيق  الوادي حيث أمرني رسول الله (ص) أن أحبه قال ومرت القبائل على راياتها، كلما مرت قبيلة قال يا عباس من هذه ؟ فأقول سليم فيقول مالي ولسليم ثم تمر القبيلة فيقول مالي ولمزينة حتى نفذت القبائل ما تمر به قبيلة إلا يسألني عنها فإذا أخبرته بهم قال مالي ولبني فلان، حتى مر رسول الله (ص) في كتيبته الخضراء قال ابن هشام وإنما قيل لها الخضراء لكثرة الحديد وظهوره فيها قال ابن إسحاق فيها المهاجرون والأنصار لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد، فقال أي أبو سفيان سبحان الله يا عباس من هؤلاء قال : قلت هذا رسول الله (ص) في المهاجرين والأنصار، قال ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة، والله يا أبا الفضل (كنية العباس) لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما، قال قلت يا أبا سفيان إنها النبوة، قال (نعم إذن) فهذا اعتراف خطير من قائد حربي محنك هو أبو سفيان القائد العام للمشركين في معركة أحد، وفي غزوة الأحزاب، إلا أنا مع هذا كله نقول أن الباحث في انتشار الإسلام في الجزيرة العربية يكاد يجزم بأن الإسلام انتشر بطريق السلم فيها، لأن الغزوات التي حضرها رسول الله سبع وعشرون غزوة قاتل ف يتسع منها وهي غزوات : بدر وأحد والخندق وقريظة والمسطلق وخيبر والفتح وخنيس والطائف. وغزوة بدر التي لها أهمية كبرى في انتصار الإسلام لم يبلغ القتلى فيها من الجانبين مائة قتيل، كما أن معركة أحد التي ابتلى فيها المسلمون واستشهد فيها عدد من المومنين كذلك لم تبلغ القتلى مائة قتيل بين الجانبين.

أما غزوة الفتح فقد قتل فيها أفراد فقط في مناوشة صغيرة، حتى أن العلماء اختلفوا هل فتحت مكة عنوة أم لا ؟ وهذا القدر من القتلى قليل بالنسبة لأمة كثيرة العدد، وهذا ما يبين صحة قول النبي صلى الله عليه وسلم ونصر «بالرعب مسيرة شهر» وذل تأييد من الله، كما قال سبحانه : هو الذي أيدك بنصره

وبالمومنين وآلف بين قلوبهم.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة المأتين  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :*الإسلام دين القوة والعزة: عبرة من السيرة النبوية الكريمة :

ثم بعد الفتح المبين تتابعت وفود القبائل إلى رسول الله تدخل ف يدين الله بدون حرب ولا قتال، فسميت تلك السنة سنة الوفود، وأنزل الله على نبيه سورة من القرآن تنبئ بانتهاء مهمته من الرسالة، وهي قوله سبحانه : «إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا». وقد قال ابن عباس لعمر بمحضر جلة من ا لصحابة هو أجل رسول الله أعلمه به. وقد قال عليه السلام في شأن ظهور طائفة منصورة غالبة من أمته : لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله وقال عليه السلام (المومن القوي خير وأحب على الله من المومن الضعيف وفي كل خير...) وقد فاه المنافقون في عهد الرسول بما يفهم منه أنهم أعزة وأن الرسول لم يكن في زعمهم بهذه الصفة فرد الله عليهم زعمهم بعدما حكى قولهم. «يقولون لأن رجعنا على المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمومنين». فالرسول والمومنون هم العزة الذين يمكنهم إخراج المنافقين الذين هم الأذلة حقيقة، كما هددتهم الآية الكريمة حيث قال الله : «لأن لم ينتبه المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجعون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ملعونين، أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا».

فما كان مستوى هذه القوة الإسلامية التي نوهنا بمظاهرها هذا التنويه بالنسبة للأمم التي عاصرتها ؟ والجواب على هذا السؤال يتبين بعملياتها العسكرية مع الدول المعاصرة لها.

لقد كانت دولتا الفرس والروم هما الدولتان اللتان تتنازعان السيادة في العالم القديم بجانب الأمة العربية الفتية، لهما العدة الحربية الكافية والعدد الوافر من الجيوش المقاتلة فحارتهما هذه الدولة العربية جميعا، وصرعتها جميعا، وفرضت وجودها ولغتها ودينها وبسطت سيطرتها على أقوام هرقل وكسرى في أيام وجيزة، وهذا يرينا المستوى العالي الذي كانت تتمتع به قوة الأمة الإسلامية بالنسبة لغيرها من الدول.

وقد ورث مغربنا العظيم هذه الروح الفياضة بمعاني البطولة والرغبة في الاستشهاد يقول عبد الواحد المراكشي في شأن إنقاذ يوسف ابن تاشفين وأصحابه للأندلس بعد ان كاد ملوك الطوائف المتخاذلين يسلمونها للأعداء بما فيهم المعتمد بن عباد (قال : لم يزل أصحاب يوسف ابن تاشفين يطوون تلك الممالك مملكة مملكة إلى أن دانت لهم الجزيرة بأجمعها، فاظهروا في أول أمرهم من النكاية في العدو والدفاع  عن المسلمين وحماية الثغور ما صدق بهم الظنون وأثلج الصدور وأقر العيون، فزاد حب الأندلس لهم، واشتد خوف ملوك الروم منهم، ويوسف بن تاشفين في ذلك كله يمدهم في كل ساعة بالجيوش بعد الجيوش والخيل أثر الخيل، ويقول في كل مجلس من مجالسه : إنما كان غرضنا من ملك هذه الجزيرة أن نستنقذها من أيدي الروم، لما رأينا استيلائهم على أكثرها وغفلة ملوكهم وإهمالهم للغزو وتواكلهم وتخاذلهم وإيثارهم الراحة، وإنما همة احدهم كأس يشربها وفينة تسمعه ولهو يقطع به أيامه، ولأن عشت لأعيدن جميع البلاد التي ملكها الروم ف يطول هذه الفتنة إلى المسلمين، ولأملانها عليهم (يعني الروم) خيلا ورجالا لا عهد لهم بالدعة ولا علم عندهم برخاء العيش، وإنما همة أحدهم فرس يروضهن ويستفرهه أو سلاح يستجيده أو صريخ يلبي دعوته. في أمثال لهذا القول فيبلغ ذلك ملوك النصارى فيزداد فرقهم، ويقوى مما بأيدي المسلمين بل مما في أيديهم بأسهم. وحين ملك يوسف أمير المسلمين جزيرة الأندلس وإطاعته بأسرها ولم يختلف عليه شيء منها عد من يومئذ في جملة الملوك، واستحق اسم السلطة، وتسمى هو وأصحابه بالمرابطين، وصار هو وابنه معدودين في أكابر الملوك، ونفس هذه الروح العسكرية كانت لعبد المومن مؤسس دولة الموحدين بالمغرب، يحكي لنا عبد الواحد المراكشي ذلك حيث يقول : وكان عبد المومن في نفسه سري الهمة، نزيه النفس، شديد الملوكية لا يرضى إلا بمعالي الأمور، أخبرني الفقيه المتفنن أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن أبي جعفر الوزير عن أبيه عن جده الوزير أبي جعفر. قال : دخلت على عبد المومن وهو في بستان له، قد أينعت ثماره، وتفتحت أزهاره وتجاوبت على أغصانها أطيارهن وتكامل من كل جهة حسنه، وهو قاعد في قبة مشرفة على البستان، فسلمت وجلست، وجعلت أنظر يمنة وشامة، متعجبا مما أرى من حسن ذلك البستان، فقال لي يا أبا جعفر أراك كثير النظر إلى هذا البستان، فقلت يطيل الله بقاء أمير المومنين، والله أن هذا المنظر حسن فقال : يا أبا جعفر المنظر الحسن هذا ؟ قلت نعم، فسكت عني، فلما كان بعد يومين أو ثلاثة أمر بعرض العسكر آخذي أسلحتهم، وجلس في مكان مطل، وجعلت العساكر تمر عليه قبيلة بعد قبيلة، وكتيبة أثر كتيبة، لأتمر كتيبة إلا والتي بعدها أحسن منها جودة سلاح وفراهة خيل وظهور قوة، فلما رأى ذلك، التفت إلي وقال : يا أبا جعفر هذا هو المنظر الحسن، لأثمارك، وأشجارك، ولم يزل عبد المومن يطوي الممالك مملكة مملكة ويدوخ البلاد إلى أن دانت له البلاد وأطاعته العباد». 

وهكذا كان الشأن في الشرق أيام صلاح الدين الذي استنقذ البلاد من الصليبيين وأيام الخلافة العثمانية وتوغلهم في تخوم أوربا، ولكن دار الزمان دورته، فرجحت في الوزن الدولي كفة أقوام وشالت كفة الآخرين، طبق ما نطق به الذكر الحكيم : وتلك الأيام نداولها بين الناس.

فالأمة الإسلامية كانت في مقدمة دول العالم في إبان تكونها، معتزة بنفسها، فخورة بدينها، لكن المسلمين المعاصرين غيروا ما بأنفسهم من العزمات، فتغيرت حالتهم، فقدوا الاتحاد والتعاون وأعجبوا بهذه الديموقراطية الغربية المهلهلة الفاشلة، ولكن قد بدأ رؤساء المسلمين يدركون ما ينبغي أن يكونوا عليه من تعاون مثمر صادق، وتوحيد في السياسات الداخلية والخارجية، واتخاذ المواقف المشتركة مع الدول الاستعمارية الظالمة، ومن التسلح بالعلم واقتناء العدة. فعليهم أن يتخذوا جامعة إسلامية تتوحد فيها سياستهم الاقتصادية والعسكرية والديبلوماسية والثقافية والتربوية في مواقف مشتركة موحدة أمام جميع دول العالم، ويكونون يدا واحدة على من ظلم أي عضو من أعضاء هذه الجامعة حتى يحس جميع المسلمين بالأخوة الإسلامية التامة الصادقة، ولا يكون المومن مومنا حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، والمسلم أخ المسلم لا يظلمه ولا يخذله ويسلمه، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ولا تهنوا ولا تحزنوا وانتم الأعلون إن كنتم مؤمنين. [وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية  - الرباط - المغرب [ الأنترنت – موقع مجلة دعوة الحق - الإسلام دين القوة والعزة: عبرة من السيرة النبوية الكريمة]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة بعد المأتين في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :* دعاء القوة والثقة: اللهم لا مانع لما أعطيت :

كثير من الأدعية التي كان حبيبنا عليه الصلاة والسلام يحرص عليها.. ولكننا غافلون عنها للأسف.. دعونا نتأمل ماذا يقول علما النفس....

هل تعرضتَ يوماً لمشكلة لم تجد لها حلاً؟ وهل مررت بظرف أجبرك على فقدان الأمل من كل

شيء تقريباً؟ هل وقفت عاجزاً أمام ظرف صعب لا تدري ماذا تفعل وكيف تتصرف؟ هذه أشياء يمر بها الجميع وقد تسبب الاكتئاب للبعض والقلق للبعض الآخر.. وقد تسبب الإلحاد لضعيف الإيمان أو الجاهل بالقرآن.. ولذلك ما هو الحل؟

بعد دراسات نفسية كثيرة نجد علماء النفس يحاولون علاج هذه المشاكل التي تسبب أمراضاً نفسية عديدة.. حتى إننا نجد إحصائيات مؤكدة تقول بأن ربع سكان العالم أصيبوا بمرض نفسي مرة على الأقل في حياتهم أو حاولوا اللجوء إلى طبيب نفسي... إنه عدد هائل أن نجد مئات الملايين يعانون من هذه المشاكل النفسية والعلاج أبسط مما يتصورون!

تجربة شخصية : منذ سنوات شغل بالي دعاء ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد) [البخاري ومسلم]..

هذا الدعاء له معنى عظيم ربما يغيب عن الكثيرين. فعندما تعتقد تماماً أنك لا تستطيع الحصول على

أي شيء إلا بأمر الله، وأنه لا يستطيع أحد أن يمنع عنك شيئاً.. فهذا إحساس يمنحك قوة رهيبة في مواجهة مشاكل الحياة.

عندما حلل علماء النفس الكثير من الأمراض النفسية وجدوا أنها تنشأ نتيجة عدم قدرة الإنسان على مواجهة الواقع الصعب الذي يعيشه. ولذلك تجدهم ينصحون بضرورة أن يشعر الإنسان بالثقة والقوة لمواجهة المصاعب.. وأن يتمتع الإنسان بقوة الإرادة وقوة الشخصية والقدرة على حل المشاكل وعدم الاكتراث بالمصاعب واعتبارها شيئاً عادياً... وكثير من النصائح.. ولكن لا يعلمون كيفية التطبيق العلمي.

والآن لو توجهنا لعلماء النفس بسؤال حول أفضل الطرق لكسب القوة والنجاح.. الجواب بالإجماع سيكون أن أقصر وأسهل طرقة هي أن كون لديك يقين تام بأنك سوف تنجح وسوف تتمكن من مواجهة المواقف الصعبة بسهولة وسوف تتمكن من حل المشاكل المستعصية... هذه الثقة هي طريق النجاح.

طبعاً مثل هذا الدعاء يمنحك هذه القوة، لأن إحساسك بوجود الله معك في كل لحظة وأن الله

سيمنحك القوة في حياتك، وأن الله قادر بالفعل على حل مشكلتك... وقادر بلا شك على أن يعطيك ما تحب... وتعتقد بالمقابل أنه لن يستطيع أحد أن يمنع عنك هذا العطاء، ولن يستطيع أحد أن يضرك (لأن الله معك)، وأن حياتك سوف تكون سعيدة مطمئنة لأن الله كتب لك كل شيء، حتى كل كلمة تقولها مقدرة عليك فانظر ماذا تقول.. وكل حركة تقوم بها مقدرة عليك فانظر ماذا تفعل.. وكيف تحب أن تلقى الله تعالى.. هذا هو معنى (اللهم لا مانع لما أعطيت).

لا أحد يحب أن يلقى في النار، ولذلك هذا الإحساس الدائم سوف يبعدك عن التصرفات السيئة، لأنها طريق النار.. وبالمقابل فإن فعل الخير سيقودك إلى الجنة، وهذا الإحساس سيجعلك تسارع إلى الخيرات.. وبالتالي فإن هذا الدعاء سوف يعيد برمجة تصرفاتك وأقوالك وطريقة تفكيرك بالكامل.. فلن

يبقى أي اكتئاب أو هم أو قلق.. وهذا سوف ينعكس على صحة وسلامة واستقرار عمل القلب، وهو أمر أعجز الأطباء ولم يجدوا له علاجاً.

فأمراض القلب اليوم تغزو العالم وهي السبب الأول للوفاة في العالم... وكل الجهود والأدوية فشلت، ولكن الاطمئنان الذي تحصل عليه بهذه الأدعية وتكرارها كل يوم هي طريقة فعالة وناجحة لحماية قلبك من هذه الاضطرابات.. والأروع أنه علاج مجاني!!

تصور عزيزي القارئ أنك مستيقن بأن رزقك سوف يأتي ولن يمنعه أحد حتى لو جلست في بيتك!! وأن هذا الرزق حتى لو اجتمع الكون كله لن يستطيعوا أن يمنعوه عنك فكيف تتصور حالتك النفسية ف هذه اللحظة، هذا هو معنى (ولا معطي لما منعت).. فهذا الإحساس هو سبب القوة والنجاح والطمئنينة، وهو سبب البعد عن الأمراض النفسية وأهمها الاكتئاب.

[ الأنترنت – موقع أسرار الإعجاز  - دعاء القوة والثقة : (اللهم لا مانع لما أعطيت) - بقلم عبد الدائم الكحيل ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية بعد المأتين في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :* دعاء القوة والثقة: اللهم لا مانع لما أعطيت :* قوة الأمل :

قوة الأمل الخفية بداخلك,الحياة أمل,قوة الامل بالله,قوة التفكير الايجابي,الامل بالله

قوة الأمل : الأمل هو ذلك الإحساس الصادق الذي ينير طريقك للمستقبل.

هو ذلك الوعد الذي تقطعه على نفسك لتكسر أي تحدي وتحقق كل أهدافك.

فالأمل هو نور بداخلك وقوة دفينة تحيط بك، وتقضي على مخاوفك وأحزانك.

الأمل هو ذاك الميعاد الحتمي مع مستقبلك، فأجعله يكون كما أردت دوما، كما حلمت به دوما وتمنيت أن يكون.

ولكن هناك أمل يدفعك للأمام وأمل يقضي عليك.

فالأمل الذي يدفعك للأمام هو الذي يكون مبنيا على حقيقة، وعلى خطة واضحة تضعها بنفسك، لا

يهم إن كان الحلم الذي تحلم به ممكنا اليوم فأنت باستطاعتك أن تجعله ممكنا، لأنك بفضل الأمل ستجعله كذلك بعد حين، ولكن الأمل لابد أن ترفقه بالإرادة لكي تدفعك للأمام وتعينك على التحمل، فالصعاب كثيرة أمامك ومع كل خطوة تجد الحياة تضع عقبات أمامك، وما من مفر إلا بالإرادة القوية التي تنبع من الأمل الصادق بداخلك.

أما الأمل الذي يعيدك للخلف، ويقضي عليك هو ذاك الوهم الزائف الذي تضعه في مخيلتك، وتتركه يكبر من حين لآخر، هو ذاك الحلم الذي تضعه فوقك، بعيدا عنك وتجلس منتظرا أن يتحقق وحده، دون جهد، وبدون أي حراك .

هكذا تقضي على نفسك، وتوهمها بأنك قادر وتستطيع وتأمل، ولكنك لا تعمل.

الحياة بدون أمل قاتمة ومملة، ومحبطة، ولكنها بأمل زائف تكون قاسية ومهلكة للجميع.

فلا تحاول ان تقضي على نفسك، لا تحاول أن تأمل ولا تعمل، لكي لا تخطط نهايتك بيدك.

فالأمل يحتاج أن تخطط وتعمل بجدية، ولا تياس مهما قست الأيام، فالإختبار الحقيقي لقدرتك هو الإختبار القاسي الذي يجعلك تفكر في التوقف وتحس بالألم، والأمل هو الذي يقودك لتكمل طريقك وهكذا تحقق النجاح. هذه هي قوة الأمل الخفية بداخلك، تلك القوة التي تخلوا من الضعف، تخلوا من الأحقاد، قوة نقية تهديك للصواب وتوصلك لبر النجاح آمنا على نفسك.

المستقبل يأتي حلوا بفضل الأمل، ويأتي مرا بسوء وانعدام الأمل فيه. هكذا علمتنا الأيام التي نعيشها، وهكذا نسير ونصل للطريق الذي حلمنا به.[ الأنترنت – موقع قوة الأمل ]

*الإيمان بالله يوَلِّد قوة لا تقهر :

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : > المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌوأحَبُّ إلى اللهِ من الْمُؤْمِنِ الضَّعيفِ وفي كلِّ خَيْرٌ، احْرِصْ على ما يَنْفَعُكَ، واسْتعِنْ باللهِ ولاتَعْجِزْ، وإنْ أصابكَ شيءٌ فلا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كانَ كَذاَ وكَذا ولكنْ قُلْ : قَدَّرَ الله وما شَاءَ الله فعَلَ فإنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ

الشَّيْطَانِ- [رواه مسلم في باب القدر : ( باب في الامر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله، وتفويض المقادير لله)]

مفهوم الايمان :

- الايمان ليس مجرد اعلان المرء بلسانه أنه مؤمن، فما أكثر المنافقين الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تومن قلوبهم : >ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وماهم بمومنين، يخادعون الله والذين آمنوا وما يخادعون إلا أنفسهم وما يشعرون<البقرة :8. 9]

- وليس مجرد قيام الانسان باعمال وشعائر اعتيد أن يقوم بها المؤمنون فما أكثر الدجالين الذين يتظاهرون بالصالحات، وأعمال الخير، وشعائر التعبد، وقلوبهم خراب من الخير والصلاح والإخلاص لله.

- وليس هو مجرد معرفة ذهنية بحقائق الإيمان، فكم من قوم عرفوا حقائق الإيمان، ولم يؤمنوا :> وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلواً< النمل :14]

وحال الكبر أو الحسد أو حب الدنيا بينهم وبين الإيمان بما علموه من بعد ما تبين لهم الحق : {وان فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون} البقرة 146] [انظر يوسف القرضاوي، الإيمان والحياة]

- وجاء في الظلال عند تفسير قوله تعالى : { إنما المومنون الذين آمنو بالله ورسوله ثم لم يرتابوا ..} الحجرات : 15]. فالإيمان تصديق القلب بالله وبرسوله، التصديق الذي لا يرد عليه شك ولا ارتياب التصديق المطمئن الثابت المستيقن الذي لا يتزعزع ولا يضطرب، ولا تهجس فيه الهواجس ولايتلجلج فيه القلب والشعور، والذي ينبثق منه الجهاد بالمال والنفس في سبيل الله، فالقلب متى تذوق حلاوة هذا الإيمان، واطمأن إليه وثبت عليه لابد مندفع لتحقيق حقيقة خارج القلب< ويقول يوسف القرضاوي : >إن الإيمان في حقيقته عمل نفسي يبلغ أغوار النفس، ويحيط بجوانبها كلها من ارادة وادراك ووجدان… الايمان يتوقف على ادراك ذهني به تنكشف حقائق الوجود… الانكشاف لايتم إلا عن طريق الوحي الإلهي المعصوم من الخطإ… والإدراك لابد أن يبلغ حد الجزم واليقين الذي لا يزلزله شك… والمعرفة الجازمة يصحبها إذعان قلبي وانقياد إرادي… ويتبع الاذعان حرارة إيمانية قلبية تبعث على العمل بمقتضيات الشريعة والإلتزام بمبادئها الخلقية والسلوكية والجهاد في سبيلها بالمال والنفس" م.س.ص : 16]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة بعد المأتين  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :القوة الإيمانية وثمارها :

>المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير< القوة تعني : العزة والشدة والمنعة في النفس والبدن والعلم والمال والرأي والحجة والبرهان… وعلى صعيد الأمة : القوة العسكرية والإقتصادية والسياسية… والقوة في الخدمات الإجتماعية : تعليم وصحة وتشغيل… فما أحوج الأمة الإسلامية إلى قوة تحمي ظهرها، وتشد أزرها، وتأخذ بيدها إلى النجاة، وتقهر أمامها الصعاب وتدفع عنها كيد الكائدين والقوة للمؤمن وسيلة والإصلاح غاية وهدف.. فهي وسيلة لإصلاح ورعاية وتعهد قطيع من الغنم >إن خير من استأجرت القوي الأمين< القصص : 26] قبل أن تكون أداة ووسيلة لإصلاح أمة. >وقال لهم نبيئهم أن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يوت سعة من المال. قال : إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يوتي ملكه من يشاء والله واسع عليم< البقرة : 245].

وقوة الإيمان هي التي تصرف الإنسان عن المعاصي، فيهون عليه كيد الخلق أمام عقاب الخالق >قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه< يوسف :33]

- والقوة بالنسبة للأمة الإسلامية وسيلة وتحقيق الخلافة لله في الأرض غاية. ففي المجال العسكري نجد أن الله تعالى فرض على الأمة إيجاد وإعداد قوة لاتقهر ولاتغلب لإرهاب العدو لا لإستعباده واستغلاله >واعدوا لهم من قوة ومن رباط الخيل< الأنفال : 61] بل ذهب إلى أبعد من ذلك فأوجب أن تكون قوة المؤمن على الضعف من قوة الكافر وأن المؤمنين إذا كانوا على الشطر من عدوهم لم يسوغ لهم الفرار منهم. >يا أيها النبيء حرض المومنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين، وإن تكن منكم مائة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً فإن تكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابين< الأنفال  : 66. 67]

- والقوة الإقتصادية هي الركن الحصين والأساس المتين في تحقيق قوة عسكرية. وإذا كان في القصص القرآني عظة وعبرة لمن اعتبر فإن في قصة يوسف عليه السلام مايوحي بوجوب التخطيط للمستقبل انطلاقا من المعطيات والإحصائيات الآنية لاستشراف المستقبل : فقد اقترح على الأمة الحل للأزمة المتوقعة في السنوات العجاف ما نص عليه القرآن بقوله تعالى : > قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تاكلون< يوسف : 47] إنها سياسة التقشف التي يدعو إليها الإقتصاديون المعاصرون عند الجفاف والحرب والكوارث. وياليتها طالت الأغنياء كما تطال الفقراء -دائما- وبدون حرب ولاجفاف ولاكوارث. وتكون أدهى وأمر على هؤلاء عند حدوثها.

لماذا كانت القوة مطلبا ووسلية شرعية؟

1- لتحقيق العزة ورفع الذلة والمسكنة عن الأمة الإسلامية :>ولله العزة ولرسوله وللمومنين< المنافقون

2- لمنع الظلم وإشاعة الرحمة والتراحم : >محمد رسول الله والذين آمنوا معه أشداء على الكفار رحماء بينهم< الفتح : 29]

3- لتحقيق خيرية الأمة : > كنتم خير أمة أخرجت للناس< آل عمران : 110] ومع تحقيق الخيرية تحقيق أهلية الإشهاد والشهادة على الناس : >وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس< البقرة : 143]

4- ولتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى. وبالتالي لتكون السيادة لشرع الله وحده على وجه الأرض : >فلا وربك لايومنون حتى يُحَكِّموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً<. النساء : 65] إذا تحقق هذا كان الفرد المؤمن عزيزاً كريما كبير النفس كبير الآمال لايحني رأسه لمخلوق ولايخضع لطغيان أو جبروت مهما كان وهذا هو المؤمن القوي.

- تجلى هذا في بلال بن رباح فصار بالإيمان ينظر إلى السماء عاليا في تيه واعجاب وكبرياء على أمية بن خلف والحكم بن هشام والوليد بن المغيرة… فكان ينظر إليهم نظرالبصير إلى الأعمى.

- وحاصر خالد (الحيرة) فطلب من أبي بكر مدداً فما أمده إلا برجل واحد هو القعقاع بن عمر التيمي وقال : لايُهزم جيش فيه مثله، وكان يقول : لصوت القعقاع في الجيش خيرٌ من ألف مقاتل!

- وكان عبد الله بن مسعود نحيفا نحيلا، فانكشفت ساقاه يوما -وهما دقيقتان هزيلتان-فضحك بعض

الصحابة : فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : أتضحكون من دقة ساقيه؟! والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من

جبل أحد  [ يوسف القرضاوي، من أجل صحوة راشدة ص : 151]

إن الإيمان بالله هو الذي يمدنا بروح القوة، فالمؤمن الحق قوي وإن لم يكن له سلاح، غني وإن لم يكنز ذهبا ولا فضة، عزيز منيع وإن لم يكن له عصبة ولا اتباع، راسخ ثابت وإن اضطربت سفينة الحياة. فما أسعد المجتمع بالأقوياء الراسخين من أبنائه! وما أشقاه بالضعفاء الهازلين الذين لا يخيفون عدوا، ولا تقوم بهم نهضة، ولا ترتفع بهم راية، وقد كشف لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أسباب ضعف الأمة مع كثرة عددها واتساع رقعتها فقال : >يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها قالوا : أو من قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال : لا؛بل أنتم كثير ولكن غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله المهابة من قلوب أعدائكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن، قيل : وما الوهن يا رسول الله؟ قال : حب الدنيا وكراهة الموت .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة بعد المأتين  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : من مصادر القوة عند المؤمن :

1- الاستعانة بالله وترك العجز : >استعن بالله ولا تعجِزْ< :

فالاستعانة بالله والتوكل عليه هي الذرع الحصين والسند المتين لاستشعار القوة، واستمداد العون والنصرة، لأن المؤمن يعتقد أن الله ناصر المـؤمنين وخاذل المبطلين : >ومن يتوكل على الله فهو حسبه< الطلاق/3] وفي الحديث الشريف : >لو توكلتم على الله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا<

فالتوكل على الله اعتماد عليه وتفويض الأمور له بعد الأخذ بالأسباب وإعداد العدة؛ فالمريض المتوكل على الله هو الذي يتناول الدواء ويرجو من الله الشفاء، والفلاح المتوكل هو الذي يبذر ويحرث ويرجو من الله الزرع… وهكذا.

2- الإيمان بالقضاء والقدر :

وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم : > وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل : قدر الله وما شاء الله فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان<. المؤمن بالقضاء والقدر يعتقد أن ماأصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، ومن ثم يعتقد أن رزقه مقسوم :>نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا< الزخرف 32] وان أجله محدود :>فإذا جاء آجلهم لا يستاخرون ساعة ولايستقدمون< الاعراف 34] وهذه العقيدة تعطيه ثقة بالله لاحدود لها، وقوة لا تقهرها قوة بشر.

كان المخلفون من الاعراب، والمثبطون للعزائم منهم يخوفون من ترك أولاده نافراً في سبيل الله. فيعترض النافر قائلا : >علينا أن نطيعه تعالى كما أمرنا وعليه أن يرزقنا كما وعدنا< ويذهبون إلى المرأة فيخوفونها على رزقها وعيالها لتمنع زوجها من النفير، فتجيبهم في ثقة واطمئنان : >زوجي عرفته أكلا ولم أعرفه رزاقاً ولئن ذهب الأكَّال فقد بقي الرزاق<.

وبهذه العقيدة انطلق المسلمون في أول نشأتهم إلى المماليك والاقطار، فادهشوا العقول، وحيروا الالباب فأذلوا القياصرة والكياصرة. وكان القائد والسائق إلى جميع ذلك هو الايمان بالقضاء والقدر وعلى قدر الايمان تكون القوة. يقول عمر بن الخطاب : >والله لو وُزن ايمان أبي بكر بايمان هذه الامة لرجح< ولما ذُهل المسلمون لوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم واخرجتهم الفاجعة عن وعيهم. رُوي أن عمر قال : >من قال أن محمدًا مات ضربته بسيفي هذا!!< وهناك وقف أبو بكر يؤذن في الناس بصوت جهير :  >من كان يعبد محمدًا فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت… وتلا قوله تعالى : >وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا< آل عمران 144] فرحم الله أبا بكر وعمر ومن تبعهم بإحسان.

ما يستفاد  من الحديث : 1- أفاد الحديث أن القوة والضعف ترتب على مدى مجاهدة النفس >الجهاد الأكبر< ومدى المحافظة على الطاعات بامتثال الأوامر واجتناب النواهي. وفي الحديث : >ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب< وكذا قوله صلى الله عليه وسلم >ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس<.

2- أفاد أن الخيرية ثابتة لكل مؤمن : ضعيفهم وقويِّهم، وإن تفاوتت نسبها ودرجاتها بتفاوت وارتفاع درجة حرارة الايمان قال تعالى >لايستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولائك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى< النساء/95].

3- أفاد الأمر بوجوب الاستعانة بالله والتوكل عليه فإنه لايذل من والاه ولا يعز من عاداه وقد كان هذا دأب جميع الرسل والأولياء والصالحين ودَيْدَنَهُم في كل زمان ومكان :>وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ماآذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون< إبراهيم12]

4- افاد النهي عن العجز والكسل عند القدرة على القيام بما يفيد الإنسان في دينه ودنياه. فكما أن الإنسان لا يستغني عن الاستهلاك والانفاق فهو بحاجة ماسة مقابل هذا -الى الانتاج والكسب وإلا اختل التوازن وعاش بعض الافراد العاجزين عالة على اسرهم، والعالة ضعف وهوان ووصمة عار في جبين القادر العاجز يقنع بالفتات والفضلات ما لم تصنع منه مجرما يسطو على الاموال والانفس.

5- في الحديث ارشاد الى الدواء عند وقوع المقدور، وهو الرضى والتسليم بقضاء الله وقدره، والاعراض عن الالتفات لما مضى فإن ذلك يؤول إلى الحسرة والأسف والندم.>ماأصاب من مصيبة في الارض ولا في انفسكم إلا في كتاب من قبل ان نبرأها إن ذلك على الله يسير لكي لا تاسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم< الحديد21/22]

6- المؤمن لا يعيش بين “لو” و”ليست”. فمن عوامل القلق واليأس : التحسر على الماضي، والسخط على الحاضر والخوف من المستقبل، لذا ينصح الأطباء والمرشدون والمربون : أن ينسى الانسان آلام نفسه ويعيش في واقع الناس فان الماضي ان ولى لا يعود، ولقد قيل : >ما مضى فات، والمؤمل غائب، ولك الساعة التي أنت فيها<.

7- أفاد الحديث أن لو تفتح عمل الشيطان حيث يفتن المؤمن في دينه وإيمانه عند وقوع الحوادث وكانت هذه شنشنة المنافقين الذين كانوا يجبنون امام المواقف، ويعللون النفس بالاماني، ويتخلقون الأعذار : >لوكان لنا من الامر شيئ ما قتلنا ها هنا< >لوأطاعونا ما قتلوا< >لوكان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك< >لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا<. وهلم جرا.

8- أفاد الحديث أن شعارالمؤمن دائما : >قدر الله وما شاء الله فعل : الحمد لله على كل حال< وفي الإيمان بالقضاء والقدر ما يجنب الانسان فقدان الصواب عند المصيبة فيرتد عن دينه (ويقول قولا يغضب الله عز وجل وتكون له عواقب انفعالية وخيمة. وكذا يجنبه التيه والاعجاب بالنفس عند الظفر والانتصار فينزع منزع قارون عندما قال : >انما أوتيته على علم عندي< وكذا قال فرعون : >أليس لي ملك مصر وهذه الانهار تجري من تحتي<. والمؤمن الحق هو الذي يحذو حذو سليمان في

قوله : >هذا من فضل ربي ليبلوني آشكر ام اكفر<؟![ الأنترنت – موقع المحجة  - الإيمان بالله يوَلِّد قوة لا تقهر ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة بعد المأتين  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *قوة الشخصية.. أسرار لابد من معرفتها :   

أشياء كثيرة يستطيع الإنسان بواسطتها أن يطور شخصيته، ويجعلها أكثر تأثيراً وفعالية، ولكنه لا يرى إلا القليل منها، في هذه المقالة نكشف بعض الجوانب لقوة الشخصية، وربما يكون القضاء على الخوف أهمها...

سئلت سيدتنا عائشة رضي الله تعالى عنها عن أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم فردت بكلمة رائعة جمعت فيها صفات شخصية النبي الكريم، قالت:

(كان خُلُقُهُ القرآن)! وسوف يكون هذا الحديث منطلقنا في هذه المقالة المهمة لكل منا.

الخوف والحزن :

يؤكد علماء البرمجة اللغوية العصبية أن أهم شيء في قوة الشخصية هو عدم الخوف، أو ما يعبّر عنه بالثقة بالنفس. ولكن كيف يمكن الحصول على شخصية لا تخاف؟ يعتبر العلماء أن أفضل طريقة للقضاء على الخوف أن تواجه ما تخاف منه. فلا يمكن لإنسان أن يكون قوياً ما لم يعالج ظاهرة الخوف عنده. والمشكلة أن المواجهة تتطلب شيئاً من القوة، إذن العملية عكسية.

كذلك يؤكد العلماء على ضرورة أن يظهر الإنسان بمظهر الإنسان الواثق من نفسه فلا يُظهر أية أحزان أو هموم أو ضعف. لأن الظهور بمظهر الإنسان الحزين يعطي انطباعاً بالضعف لدى الآخرين. إذن هنالك تأكيد من قبل العلماء على ضرورة عدم الخوف وعدم الحزن لتكسب الشخصية القوية.

هذا ما يقوله العلماء، ولكنني كمؤمن أعود دائماً إلى كتاب الله تعالى. فكثيرة هي الآيات التي تتحدث عن الخوف ونجد تأكيداً من الله تعالى على أن المؤمن لا يخاف أبداً إلا من خالقه عز وجل. يقول تعالى: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ *الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ *لَهُمُ الْبُشْرَى فِي

الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [يونس: 62-64].

والسؤال: لماذا تحدث الله عن الخوف بصيغة الاسم (لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ)، بينما تحدث عن الحزن بصيغة الفعل (وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)؟ لنتأمل هذه الأشياء:

- الخوف هو رد فعل لا شعوري وبالتالي ليس في تحكم الإنسان، فجميع الكائنات الحية تخاف فلذلك جاء بصيغة المصدر (خوف). بينما الحزن هو تصرف شعوري وإرادي، ويمكن لإنسان أن يحزن وآخر ألا يحزن عند نفس الظروف ولذلك جاء بصيغة الفعل (يحزنون).

- الآثار والنتائج التي يسببها الخوف أكبر من تلك التي يسببها الحزن، ولذلك قدَّم الله ذكر الخوف على ذكر الحزن في الآية الكريمة.

- الخوف يأتي من مصدر خارجي، لذلك جاءت كلمة (عليهم) لتعبر عن المحيط الخارجي الذي يحيط بالإنسان. بينما الحزن يأتي من مصدر داخل الإنسان ولذلك سبق هذا الفعل بكلمة (هم).

- لا خوف ...... عليهم :  الخوف أولاً ثم (عليهم). للدلالة على سرعة الشعور بالخوف، وهو أجزاء من الثانية. أي أن الخوف هو عمل فجائي مباغت، وهذا ما يقوله العلم.

- ولا هم.......  يحزنون : (هم) ثم الحزن. للدلالة على أن الإنسان هو الذي يقوم بالحزن وهذا يستغرق زمناً قد يمتد لساعات، أي أن الحزن لا يكون فجائياً.

- الخوف يكون من المستقبل بينما الحزن يكون على شيء مضى أو يعيشه في نفس اللحظة، والمستقبل مجهول بينما الماضي معلوم والإنسان يهتم بمعرفة المستقبل أكثر من الماضي لذلك جاء ذكر الخوف أولاً ليطمئن المؤمن على مستقبله، ثم جاء ذكر الحزن ليطمئن المؤمن على ماضيه وحاضره وبالتالي شمل جميع الأزمنة!

ولذلك أينما ذكر الخوف والحزن في القرآن نجد الخوف يتقدم على الحزن لهذه الأسباب. حتى إن (الخوف) في القرآن قد تكرر أكثر من (الحزن)، فسبحان الذي أحصى كل شيء عدداً.

إن المؤمن الذي يعود نفسه على الخوف من الله تعالى، فلا يخاف أي شيء آخر. وإذا أردت أن تقضي على أي خوف مهما كان كبيراً فما عليك إلا أن

تستحضر عظمة الله وتتذكر قوته وعظمته وتقارن ذلك بقوة الشخص الذي تخاف منه وحدوده، لتجد أن كل الدنيا لا تساوي شيئاً أمام قوة الله تعالى.

وهذه العقيدة ستجعل الإنسان أكثر قدرة على المواجهة وبالتالي تجعله أكثر قدرة على درء المخاوف.

يقول علماء البرمجة اللغوية العصبية أن هنالك طريقة مهمة لكسب شخصية قوية من خلال التأمل والتفكير والاسترخاء. فيمكنك أن تجلس وتسترخي

وتتذكر عواقب الخوف الذي تعاني منه، وبالمقابل تتذكر فوائد قوة الشخصية وعدم الخوف، وهذا سيجعل عقلك الباطن أكثر ميولاً لعدم الخوف، وبالتالي سوف تشعر بالقوة من دون أن تبذل أي جهد فيما بعد.

وهذا ما فعلته الآية الكريمة، فقد تحدثت عن ضرورة عدم الخوف، وأعطتنا الطريق لذلك من خلال التقوى (يَتَّقُونَ)، وصورت لنا بعد ذلك نتائج ذلك (لَهُمُ الْبُشْرَى). أي هنالك حلول عملية يقدمها القرآن للقضاء على الخوف، فأنت عندما تكون تقياً فذلك يعني أن علاقتك بالله تعالى ممتازة، ولذلك فسوف تحصل على القوة وتستمدها من القوي سبحانه.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة بعد المأتين  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :    الحب والسيطرة :

يتوهم كثير من الناس ويعتقدون أن السيطرة على الآخرين إنما تكون بالعنف والقوة، وهذا النوع لا يحقق سوى السيطرة الظاهرية. ففي وجودك تجد الآخرين يحترمونك أو يخافون منك، ولكن بمجرد أن تغيب يحتقرونك. وهذه سيطرة سلبية لأنها لا تحقق أي نتيجة، بل نتائجها ضارة.

وهنالك سيطرة أكبر بكثير هي السيطرة على القلوب! ولا يمكن أن تحصل على هذا النوع إلا بالمحبة، وأن تجعل الآخرين يطيعونك بمحض إرادتهم وبكل طواعية وانقياد. وهذا ما تمتع به النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، فقد ملك القلوب والعقول، ولكن كيف ذلك؟

يقول علماء البرمجة اللغوية العصبية من أهم صفات القائد الناجح أن تهتم بمن حولك، وأن تتعلم كيف تصغي لهمومهم ومشاكلهم، وهذه تكسبك قوة واحتراماً في قلوب هؤلاء. كذلك يجب عليك أن تتعلم كيف تتغلب على الانفعالات، فالتسرع والتهور لا يعطيان نتيجة إيجابية.

ويقول العلماء إن أفضل طريقة للقضاء على التسرع أو الانفعال أن تكون متسامحاً، ولذلك يقول تعالى: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) [الشورى: 40]، ويقول أيضاً: (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [الشورى: 43]. أي أن الصبر والعفو والتسامح، هو من الأشياء التي تعطي قوة في العزيمة وهذا ما ينعكس على قوة الشخصية.

كذلك هنالك صفة مهمة وضرورية لتكون شخصيتك قوية وهي أن تتعلم كيف تكسب ثقة الآخرين، وهذا يمكن تحقيقه بسهولة بمجرد أن تكون صادقاً، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119].

فالصدق يجعل الناس أكثر احتراماً لك، ولكن هنالك فرق بين أن تكون صادقاً لأجل الناس، أو تكون صادقاً لأجل الله تعالى. ففي الحالة الأولى لا تكسب أي أجر في الآخرة لأنك تكون قد أخذت ثواب عملك في الدنيا من احترام الناس وتقديرهم لك وتعاملهم معك وثقتهم بك.

أما إذا كان صدقك من أجل الله، فإنك تكسب أجر الدنيا وأجر الآخرة، في الدنيا تكسب الاحترام والثقة والمحبة، وفي الآخرة تكسب الأجر العظيم فتكون مع الأنبياء والصدّيقين والصالحين.

القدرة على التحكم بالعواطف :

إذا أردت أن تكون قوياً في أعين الناس، فيجب أن تنطلق القوة من داخلك! وهذا يعني أن القوة

تسكن في أعماق الإنسان، أي في عقله الباطن، فإذا ما تمكنت من إعادة برمجة هذا العقل الخفي، ودرّبته جيداً فسوف تكون إرادتك قويه وقراراتك حاسمة وبالتالي تمتلك شخصية مميزة، ولكن كيف نبرمج العقل الباطن وهو جزء لا شعوري لا نعرفه ولا نحسّ به ولا نراه؟

هنالك أمر اسمه التكرار والإصرار والمتابعة، فعندما تكرر أمراً ما وتعتقد بصحته وتستمر على ذلك لفترة من الزمن، فإن العقل الباطن سيستجيب لهذا

الأمر ويعتقد به. وقد وجدتُ أن أفضل طريقة لإعادة برمجة العقل الباطن هي أن تتم برمجته على تعاليم القرآن الكريم، وهكذا كان النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام (كان خُلُقُهُ القرآن).

إن عملية حفظ القرآن تتم أثناء تكرار الآيات لمرات عديدة، هذا التكرار له أثر على العقل الباطن، وبخاصة إذا كانت عملية الحفظ مترافقة بالفهم والتدبر والتأمل. فعندما نحفظ قوله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا) [فاطر: 10].

 هذه الكلمات عندما نكررها مراراً ونحاول أن نعتقد بها فإن النتيجة ستكون أن عقلنا الباطن سيوقن بأن القوة والعزة والكرامة لا يمكن أن تكون خارج كتاب الله، ولا يمكن لإنسان أن يكون عزيزاً وقوياً إلا بمرضاة الله تعالى.

فالعزة لله ونحن نستمد العزة منه، ولذلك وبعدما تنطبع هذه الآية في العقل الباطن، فإن سلوكنا سيتغير بالكامل، لن يكون هنالك أي خوف من أي مخلوق، لأننا سندرك أن العزة والقوة لن تكون إلا مع الله، وبما أننا نعيش مع الله تعالى بكل أحاسيسنا وعواطفنا فهذه هي القوة الحقيقية.

إن الحياة عبارة عن مجموعة من المواجهات، قد تكون ناجحة أو تكون فاشلة. ويكفي أن تحس بالانتصار في كل مواجهة حتى يتحقق ذلك الانتصار، ولذلك عندما نقرأ قوله تعالى: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [آل عمران: 160]، فإن ثقة عظيمة تتولد في داخلنا بشرط أن نثق بهذا الكلام وندرك أن الله سيعيننا ويكون

بجانبنا في مواجهة أي مشكلة، فقد تكون مشاكل الحياة أكثر صعوبة من المعارك والحروب!!

والعجيب في هذه الآية أنها صورت لنا جانبين: إيجابي وسلبي والطريقة العملية لتحقيق الجانب الإيجابي. فهنالك نصر وهنالك خذلان وكلاهما بأمر الله

وإرادته، فإذا توكلت على الله أي اعتمدت عليه وسلّمته شأنك وأيقنت بأن الله قادر على كل شيء، فإن الله سينصرك وسيحلّ لك مشاكلك، وهذه

الثقة تشكل كما يقول العلماء نصف الحلّ!!

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة بعد المأتين  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : أدرك قوتك الحقيقة :

يعتقد العلماء أن القوى الموجودة في الإنسان كبيرة وهائلة، ولا نستخدم منها إلا أقل من 5 بالمئة! فكل إنسان لديه قوة التأثير، ولديه قوة الإرادة ولديه قوة التركيز والتفكير ولديه كمية كبيرة من الذكاء، ولكنه نادراً ما يستخدمها. إذن يجب علينا أن نتعلم كيف نحرر ونطلق هذه القوى ونستفيد منها.

فإذا أردت أن تكون قوي الشخصية فيجب عليك أن تعتقد أن شخصيتك قوية بما فيه الكفاية لمواجهة أي مشكلة أو أزمة بثقة ونجاح. لذلك يجب أن تتعرف على هذه القوى وتتعلم كيف تستثمرها بنجاح. ويمكنك ذلك من خلال دراسة سير بعض الناجحين في الحياة، وتعتقد أنه بإمكانك أن تكون مثلهم.

أذكر منذ سنوات وأنا في الجامعة وقد كُلفتُ بإلقاء محاضرة بسيطة لمدة ربع ساعة، وقد كان اعتقادي أنني سأواجه صعوبات في ذلك، وعندما حان موعد المحاضرة وجدت نفسي أتحدث عدة جمل ثم اختلطت الأفكار عندي ولم أعد أعرف كيف أكمل أو كيف أنهي هذه المحاضرة، مع العلم أن حجم المعلومات التي حضرتها كان كبيراً جداً، وقد فشلت المحاضرة.

ولكن بعد ذلك "وبعدما تطورت معرفتي بنفسي" طُلب مني أن أقوم بشرح نظريتي في الإعجاز الرقمي، وذلك من أجل إعداد فيلم عن هذا الموضوع، ومع أن هذا الفيلم سيُعرض على لجان علمية وشرعية وهو على قدر من الأهمية، والمنطق يفرض أن أكون أكثر ارتباكاً من المحاضرة التي ألقيتها أمام زملائي وفي جو مريح.

ولكن هذه المرة قمت بعمل جديد، فقد أقنعتُ نفسي أنه باستطاعتي أن ألقي محاضرة طويلة وأتحدث فيها عن أشياء مهمة وأن هذا الأمر سهل جداً بالنسبة لي، وكانت النتيجة أن لساني انطلق بشكل مذهل ولم أحس بالوقت مع أن المحاضرة استمرت أكثر من ساعتين!!

إذن لم يتغير شيء سوى أنني أدركت أن القوى موجودة في داخلي وتحتاج لمن يحررها وأن باستطاعتي أن أقوم بأي عمل يقوم به شخص آخر. وبعبارة أخرى ولكي نتمكن من القيام بأي عمل مهما كان صعباً فما علينا إلا أن نظن ونعتقد ونوقن أنه باستطاعتنا أن نقوم بهذا العمل، وسوف ننجح في ذلك.

قوة اللغة :

إن اللغة هي الوسيلة الأساسية للاتصال بالآخرين والتأثير عليهم. ولذلك فهي جزء مهم من قوة الشخصية. وفي علم البرمجة اللغوية العصبية تلعب اللغة دوراً كبيراً في إعادة برمجة المعتقدات والأفكار.

وقد يعاني كثير من الناس من مشكلة التعبير بدقة عما يريدون. فقد تجد شخصاً لديه أفكار كثيرة ولكنه عندما يريد أن يتكلم لا يعرف ما يجب أن يتكلم به، أو ربما ينسى ما يريد قوله أو يتردد في هذا القول، فما هي الطريقة المناسبة للتغلب على هذه الصعوبة والتي تضعف من الشخصية والتأثير على الآخرين.

بعد تجربة طويلة مررت بها لم يكن باستطاعتي التعبير عما أريد، وغالباً ما كنت أتردد في قول العبارات الكثيرة، وأحياناً أرتبك في بعض المواقف. وعندها لم أجد حلاً مناسباً على الرغم من أنني قرأت العديد من كتب علم النفس. لقد وجدتُ طريقة رائعة لامتلاك اللغة السليمة والقوية وهي حفظ

القرآن الكريم.

فقد بدأتُ ألاحظ على نفسي وأنا أحفظ القرآن وأكرر آياته أن لساني أصبح أكثر مرونة وأكثر تعبيراً. فالقرآن يكسبك قوة هائلة في التعبير عما تريد، فالله تعالى هو القائل: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) [الإسراء: 9]. إذن القرآن يقوّم أي خلل تعاني منه، وهذا الكلام عن تجربة مؤكدة.

وأنا أظن بأن البرمجة التي فطر الله الناس عليها موجودة في القرآن الكريم، فقراءتك للقرآن وحفظك له يعني أنك تعيد تشكيل وبناء وبرمجة دماغك

للحدود الطبيعية التي خلقك الله عليها، وإذا سألت أي إنسان يحفظ القرآن يستطيع أن يخبرك الشيء ذاته.

وأخيراً أخي القارئ : كما تلاحظ لا يوجد شيء اكتشفه العلماء حول قوة الشخصية إلا وقد سبقهم القرآن إلى ذكره، ولذلك فإذا أردت أن تحصل على أفضل شخصية فما عليك إلا أن تقرأ القرآن بتدبّر، وتعمل بما قرأت، وهذه هي أقصر طريق لتحظى بسعادة الدنيا والآخرة. ويمكن أن ننظر إلى الشخصية مثل كائن حي يتطور ويتغير ولذلك يجب أن نغيره باتجاه الأفضل، ويجب أن تعلم أن التغيير يبدأ من الداخل، وعليك أن تحفظ قوله تعالى:

إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [  الأنترنت – موقع اسرار الإعجاز العلمي - قوة الشخصية.. أسرار لابد من معرفتها - بقلم عبد الدائم الكحيل ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة بعد المأتين  في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :  *كيف يعلم المسلم قوة إيمانه من ضعفه وكيف يقوي المسلم إيمانه ؟

السؤال: عرفنا الفرق بين المسلم والمؤمن فكيف يعلم الشخص أنه وصل إلى درجة الإيمان؛ لأن عندي إحدى الأخوات تقول: إنها مؤمنة وإيماني قوي، كيف يعلم الإنسان إن إيمانه قوي، وما الشروط التي تجعل المؤمن قوي الإيمان، هل يعلم الإنسان إذا كان إيمانه قويّاً، أو ضعيفاً أرجو توضيح ذلك مأجورين؟

الجواب: الشيخ: الحمد الله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين، وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، سبق لنا أن الإيمان أعلى مرتبة من الإسلام، والإنسان يعلم أنه مؤمن بما يكون في قلبه من الإقرار بما يجب الإيمان به، وهو الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وبما يكون لهذا الإيمان من النتائج؛ وهي الإمامة إلى الله عزَّ وجلَّ بفعل الطاعات، والتوبة إليه من المعاصي، ومحبة الخير للمؤمنين، ومحبة النصر للإسلام، وغير ذلك من موجبات الإيمان التي تدل دلالة واضحة على أن الإنسان مؤمن، ويمكن هذا العامي بأن الإنسان مؤمن بأن يطبق أحواله وأعماله على ما جاءت به السنة، مثل: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، فلينظر هل هو يحب لأخيه ما يحب لنفسه، أو يحب أن يستأثر على أخيه، ولا يهتم بشأنه، ويطبق ذلك أيضاً على نفسه في المعاملة، هل هو ناصح في معاملته لإخوانه، أو غاشاً لهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الدين النصيحة الدين النصيحة الدين النصيحة. قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: من غش فليس منا، فلننظر إلى هذا، ولننظر أيضاً هل هو حسن الجوار بجيرانه، أو على خلاف ذلك؛ لأن حسن الجوار من علامات الإيمان، قال النبي صلى الله عليه وسلم: والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه، وقال صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ذلك من الأحاديث التي يعرف بها الإنسان ما عنده من الإيمان قوة وضعفاً، فالإنسان العاقل البسيط يزن إيمانه بما يقوم به من طاعة الله، واجتناب معصيته، ومحبة الخير لنفسه، وللمسلمين، وأما قول القائل: أنا مؤمن إيماناً قويّاً، فهذا إن قاله على سبيل التزكية لنفسه، فقد أخطأ لقول الله تعالى: ﴿فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴾ وإن قالها على سبيل التحدث بنعمة الله، وتشجيع غيره على قوة إيمانه، فلا حرج عليه في ذلك، ولا بأس به، والإنسان يعرف قوة إيمانه كما ذكرنا آنفاً بآثاره التي تترتب عليه، كما أنه يشاهد علم الغيب الذي أخبر الله عنه بحيث لا يكون عنده أدنى شك فيما أخبر الله به رسوله من أمور الغيب. [الأنترنت – موقع الشيخ ابن عثيمين - كيف يعلم المسلم قوة إيمانه من ضعفه وكيف يقوي المسلم إيمانه ؟]

* جاء الحق وزهق الباطل :

إن المُتَأمِّلَ في أحوال المسلمين اليوم يجد أن الضعفَ والخَوَرَ والهزيمةَ قد حلت مكان القوة والعزة والنصر.

إن الزمان قد تَغَيَّرَ على المسلمين فانكمشوا بعد امتداد، ووهنوا بعد قوة، وتفرقوا بعد وحدة،... هذا كله لإنهم ضَيَّعوا مصادرَ قوتهم.. فالإيمان لم يعد هو المسيطر على أنفسهم والموجه لإخلاقهم...

أصبحوا غُثاءً كغثاء السيل في ذُلٍّ وهوان .

أحبوا الدنيا وكرهوا الموت....

لكن القوة هنا هي قوة العقيدة ورحاب الإيمان بالله وتطبيق أحكامه.. "إن الحكم إلا لله"

والمؤمن الواثق بنصر الله قوي وإن لم يكن في يده سلاح ....

إن المؤمن بالله غني وإن لم تمتلأ خزائنه بالذهب والفضة .

فالمؤمن أقوى من البحر بأمواجه والرياح بهبوبها والجبال وثباتها وصدق النبي صلى الله عليه وسلم القائل .:

"لو عرفتم الله حق معرفته لزالت بدعائكم الجبال "

كم نحن بحاجة الى المؤمِنُ القوِيّ الذي يتماسَك أمامَ المصائبِ ويثبُت بين يدَيِ البلاء راضيًا بقضاء الله وقدَره،فهو صبار في السراء شكور عند الضراء..

وقد صوَّر هذا رسولُنا صلى الله عليه وسلم بقوله: ((عجبًا لأمر المؤمن، إنَّ أمرَه كلَّه خير، وليس ذلك لأحدٍ إلاّ للمؤمن؛ إن أصابته سرّاءُ شكَر فكان خيرًا له، وإن أصابَته ضرّاء صبرَ فكان خيرًا له)) رواه مسلم

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه التاسعة  بعد المأتين في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :  أحبوا الدنيا وكرهوا الموت....

اعلموا أن الذي يعيش لهذه الأرض وحدها ، ويريد ثواب الدنيا وحدها . . إنما يحيا حياة الديدان والدواب والأنعام !.

والذي يتطلع إلى الأفق الآخر . . إنما يحيا حياة "الإنسان" الذي كرمه الله واستخلفه وأفرده بهذا المكان ثم يموت في موعده المضروب بأجله المكتوب . . وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا..

لسنا بحاجة إلى الضعفاء الهزالى الخائفين من هبة ريح أو عاصفة هوجاء الذين لا ينصرون صديقا ولا يخيفون عدوا ..

وأعدُّوا - يا معشر المسلمين - لمواجهة أعدائكم كل ما تقدرون عليه مِن عدد وعدة, لتُدْخلوا بذلك الرهبة في قلوب أعداء الله وأعدائكم المتربصين بكم, وتخُيفوا آخرين لا تظهر لكم عداوتهم الآن, لكن الله يعلمهم ويعلم ما يضمرونه...

قال تعالى (( وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ))...

فلا تخافوا ولا تضعفوا وأنتم الأعلون .. الأعلون منهجا ...الأعلون سندا...الأعلون. إن كنتم على المحجة البيضاء التي إن زغتم عنها هلكتم...

الشرف كل الشرف والقوة كل القوة ليست في الدور ولا القصور ولا الأموال ولا البنين ولا في الهيئات .

الشرف والعز أن تكون عبدا لرب الأرض والسماوات تتمثل أوامره والجهاد في سببله لنتفع بذلك لأنه غني حميد.

ومما زادني شرفا وتيهاً ****** وكدت بأخمصي أطأ الثريا

دخولي تحت قولك يا عبادي******وأن صيرت أحمد لي نبيا

ما أحسن القوة في الحق تنطلق بردا وسلاما لرد المظالم وإقامة الحدود و لا يعرف أهمية هذه القوة الا من عاش تحت وطأة الطغيان وظلم الطواغيت..

ما أحسن القوة يوم ترشد الضال وتدل الحيران وتشجع الجبان.

ما أجمل القوة عندما تُحَقُّ الحقَّ وتُبطلُ الباطلَ وهي القوة التي أمر بها الإسلام.

فمبدؤكم المبدأ الأصيل، وقرءانكم الكتاب الجليل، وسندكم الرب الفضيل...

فكيف يَهِنُ ويضعف من كان الله سنده ومولاه وكيف يهن ويضعف من كان محمد رسول الله قدوته ورسوله .....

[ الأنترنت – موقع فيس بوك - جاء الحق وزهق الباطل - المؤمن ضعيف بنفسه قوي بأخيه...]

* ذكر الله قوة القلوب والأبدان :

إن المؤمن في سكناته وتحركاته، وحِلِّه وترحاله، وتصرفاته وجميع أحواله لا غنى له عن خالقه ومولاه؛ إذ هو عونه ومعتَمَدُه ومبتغاه، والعبد الربانيّ عابد متأله، ومخبت منكسر لله -جل في علاه-؛ لذا فكلما قويت صلة العبد بربه، وكان دائم الطاعة لله هُدِيَ طريقَه وأُلهم رشدَه، وقويت عزيمتُه، وازداد قوةً إلى قوته، واشتد صلابةً في الدين، فهذا نبيُّ الله هود -عليه السلام- يقول لقومه مُرشِدًا: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ)[هُودٍ: 52]، قوله: (وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ)[هُودٍ: 52]، فإنهم كانوا من أقوى الناس؛ ولهذا قالوا: (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً)[فُصِّلَتْ: 15]، فوعدهم أنهم إن آمنوا زادهم قوةً إلى قوتهم.

ويستفاد من الآية: أن الاستغفار مع الإقلاع على الذنب سبب للخصب والنماء وكثرة الرزق وزيادة

العزة والمنعة، قال ابن كثير -رحمه الله-: “ومن اتصف بهذه الصفة -أي الاستغفار- يسَّر اللهُ عليه

رزقَه، وسهَّل عليه أمرَه، وحفظ عليه شأنَه وقوتَه“.

ولما سألت فاطمة -رضي الله عنها- النبي -صلى الله عليه وسلم- خادمًا وجَّهَها وزوجَها عَلِيًّا بقوله: “ألا أدلكما على خير مما سألتما؟ إذا أخذتما مضاجعكما، أو أويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين وكبرا أربعا وثلاثين، فهو خير لكما من خادم” (رواه البخاري، من حديث علي -رضي الله عنه-).

فأرشد النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- ابنتَه فاطمةَ -رضي الله عنها- إلى أنَّ ذِكْر الله يقوِّي الأبدانَ، ويحصل لها بسبب هذا الذكر الذي علَّمَها قوةً؛ فتقدر على الخدمة أكثر مما يقدر الخادم، قال ابن حجر -رحمه الله-: “ويستفاد من قوله: “ألا أدلكما على خير مما سألتما” أن الذي يلازم ذكر الله يُعطى قوةً أعظمَ من القوة التي يعملها له الخادم، أو تسهل الأمور عليه بحيث يكون تعاطيه أموره أسهل من تعاطي الخادم لها.

معاشر المسلمين: لقد فطن أولياء الله وتيقَّنوا أن ذِكْرهم لله هو قوتهم، وأن حاجة أرواحهم للغذاء أحوج من حاجة أجسادهم، بل إن المادة التي تستمد منها أبدانهم قُواها هي زاد أرواحهم، فقلوبهم معلَّقة بالله، وألسنتهم تلهج بذكر الله دائما، جاء في (صحيح مسلم) من حديث جابر بن سمرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا صلى الفجر جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس حسنة، قال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-: “هذا الفعل منه -صلى الله عليه وسلم- يدل على استحباب لزوم موضع صلاة الصبح للذكر والدعاء إلى طلوع الشمس؛ لأن ذلك الوقت وقت لا يُصلى فيه، وهو بعد صلاة مشهودة، وأشغال اليوم بعد لم تأتِ، فيقع الذكر والدعاء على فراغ قلب، وحضور فَهْم، فيُرتجى فيه قبولُ الدعاء وسماع الأذكار“.

وعن الوليد بن مسلم -رحمه الله- قال: “رأيتُ الأوزاعيَّ يَثبُتُ في مصلاه، يذكر الله حتى تطلع الشمس، ويخبرنا عن السلف أن ذلك كان هديهم، فإذا طلعت الشمس قام بعضهم إلى بعض، فأفاضوا في ذكر الله والتفقه في دينه“.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة العاشرة بعد المأتين في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * ذكر الله قوة القلوب والأبدان :

قال ابن القيم -رحمه الله-، عن شيخه ابن تيمية -رحمه الله-: “وحضرته مرة، صلى الفجر ثم جلس

يذكر الله -تعالى- إلى قريب من انتصاف النهار، ثم التفت إليَّ وقال:

هذه غَدْوتي، ولم لو أتغدَّ الغداء سقطت قوتي“.

ترى من اعتاد هذا العمل يبدأ يومه ذاكرا لله، منطرحا بين يدي مولاه؛ ذلة وخضوعا، ورغبة ورجاء، كيف يكون سائر يومه، وكيف يكون نشاطه وحاله، وقد علم أن الذِّكْر يُقَوِّي القلبَ والبدنَ، وما بالُكُم إذا كان الذِّكْرُ مما يجمع فيه العبد بين الذكر القولي والذكر البدني؟ كصلاة الليل تجمع الذكرين، بل تجمع كثيرا من الأذكار؛ القرآن الكريم والأدعية وتعظيم الله، كل هذه الأمور -ولا شك- تزيد العبد قوةً بدنيةً وقوةً معنويةً، وقد كان هديه -صلى الله عليه وسلم- الحرص على قيام الليل؛ فعن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقالت عائشة: “لِمَ تصنعُ هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أحب أن أكون عبدا شكورا؟” (متفق عليه).

إن هذه العبادة تُغَذِّي الروحَ وتقوي النفس وتربي الإرادة؛ فلا عجب أن يصبر النبي -صلى الله عليه وسلم- على ما يواجهه من الشدائد والصعاب في سبيل الله، وما يلقاه من الفتن والأذى فيدافع كيد العَدُوِّ، قال تعالى: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ)[الْحِجْرِ: 97-98]؛ أي: توكل على الله خالقك؛ فإنه كافيك وناصرك عليهم، فاشتغل بذكر الله وتحميده، وتسبيحه وعبادته التي هي الصلاة، ولهذا قال: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ)[الْحِجْرِ: 98]، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا حزبه أمرٌ صلَّى، والصلاة من أكبر العون على الثبات في الأمر، كما قال تعالى: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ

وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].

ومن تسلية الله لنبيه -صلى الله عليه وسلم- أن ضرب له العبد الصالح والنبي المصطفي داود -عليه السلام- مثلًا في قوة العبادة فقال عز من قائل: (اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ)[ص: 17]، قال السعدي -رحمه الله-: “من الفوائد والحِكَم في قصة داود أن الله -تعالى- يَمدح ويُحب القوةَ في طاعته، قوة القلب والبدن؛ فإنه يحصل منها من آثار الطاعة وحسنها وكثرتها ما لا يحصل مع الوهم وعدم القوة، وإن العبد ينبغي له تعاطي أسبابها وعدم الركون إلى الكسل والبطالة المُخِلَّة بالقوى، المضعِفة للنفس، ولم يقتصر صلى الله عليه وسلم على باب واحد من أبواب تقوية الصلة بربه، بل تنوعت وسائلُه في ذلك، ففي (صحيح البخاري) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: “نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الوصال في الصوم، فقال له رجل من المسلمين: إنكَ تُواصِل يا رسول الله؟ قال: وأيُّكم مثلي، إني أبيتُ يطعمني ربي ويسقيني“؛ أي: يشغلني بالتفكر في عظمته، والتملي بمشاهدته، والتغذي بمعارفه،

 وقرة العين بمحبته، الاستغراق في مناجاته، والإقبال عليه، عن الطعام والشراب.

قال ابن القيم -رحمه الله-: “قد يكون هذا الغذاء أعظمَ من غذاء الأجساد، ومن له أدنى ذوق وتجربة يعلم استغناء الجسم بغذاء القلب والروح عن كثير من الغذاء الجسماني، ولاسيما الفَرِح المسرور بمطلوبه، الذي قرَّت عينه بمحبوبه“.

والذكر -عباد الله- عمدة العبادات وأيسرها على المؤمن؛ فلا غرو أن يُكثر العبدُ منه امتثالا لأمر الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا)[الْأَحْزَابِ: 41]، قال ابن عطيه -رحمه الله-: “وجعل تعالى ذلك دون حد ولا تقدير؛ لسهولته على العبد، ولعظم الأجر فيه.

أيها المسلمون: إن للقلب غذاء يجب أن يتغذى به حتى يبقى قويًّا، وغذاءُ القلب هو الإيمان بالله -تعالى- والعمل الصالح، وعلى قدر ما يحقق العبدُ من ذلك يكون في قلبه من القوة والثبات على الحق.

إن الحياة الحقيقية هي حياة القلب، وحياة القلب لا تتم إلا بالعمل بما يُرضي اللهَ -تعالى-؛ فقد صح عنه

 -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “مَثَلُ الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مَثَلُ الحي والميت” (رواه البخاري).

إن القلب -متى ما اتصل بالله وأناب إليه- حصل له من الغذاء والنعيم ما لا يخطر بالبال، ومتى غفل العبد عن ربه وأعرض عن طاعته فإنه سيموت قلبه؛ ولذا فلا يجد المرء راحة قلبه، ولا صلاح باله، ولا انشراح صدره إلا في طاعة الله، فهذه العبادات والقُرُبات التي يقوم بها العبد من شأنها -بإذن الله- أن تحقق الاطمئنان، وتُورث الصبرَ والثباتَ، وتُزيل الهموم وتُذهب الاكتئاب، وتمنع الإحباطَ، وتُخَلِّص من الضيق الذي يشعر به العبدُ نتيجةَ مصائب الدنيا

يا عباد الله: مِن أعظم ثمار الإيمان: الصلة بالله والافتقار إليه والإقدام عليه، والاستئناس به، وتحقيق العبودية له في السراء والضراء، وفي الشدة والرخاء، وقوة الصلة بالله تجعل المؤمن طائعا لله، عاملا بأوامره، مستقيمًا على شرعه، ومَن كان كذلك فجزاؤه الحياة الطيبة التي وعدها الله المؤمنين، قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ

بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[النَّحْلِ: 97].

إن التعلق بالله وحُسن الصلة به يربِّي في صاحبه العملَ، ويجعله يحاسب نفسَه على الصغير والكبير، ويستشعر مراقبة الخالق قبل محاسبة الخلق، وصاحب الصلة بالله مُقبِل على فعل الخير، ساعٍ إليه، حريص على ألا يفوته شيءٌ مما ينفعه، ويحزن ويتحسر على ما فاته من زاد إيمانيّ عظيم، كان يحصل وقت نشاطه وقوته.

أيها الإخوة: من حفظ جوارحه عن محارم الله، زاده اللهُ قوةً إلى قوته، ومتَّعه بها، وهذا مطلبُ كلِّ

مؤمنٍ، فمن دعائه -صلى الله عليه وسلم-: “ومتِّعْنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارثَ مِنَّا” والتمتع بالسمع والبصر إبقاؤهما صحيحينِ إلى الموت، فيكون معنى هذا الدعاء: اجعلنا متمتعينِ ومنتفعينِ بأسماعنا وأبصارنا وسائرِ قُوانا من الحواسِّ الظاهرة والباطنة، وكل أعضائنا البدنية؛ بأن نستعملها في طاعةٍ مدةَ حياتنا وحتى نموت.

ومَن حَفِظَ اللهَ في صباه وقوته حفظه الله في حال كِبَره وضَعْف قوته، ومتَّعه بسمعه وبصره وحواسه وأعضائه وحوله وقوته وعقله.[الأنترنت – موقع ملتقى الخطباء - ذكر الله قوة القلوب والأبدان - الشيخ د. : فيصل بن جميل غزاوي - خطبة جمعة ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الحاديةعشرة بعد المأتين في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :* كيف نتخلص من الوهن ؟ :

إن المسلم الذي يدرك حقيقة الإيمان ومقتضياته يشعر بألم ومعاناة شديدة من جراء الوضع المؤسف الذي تعيش فيه الأمة الإسلامية اليوم عموماً ودعاتها خصوصاً، ولا يستطيع أن يقف موقف المتفرج من آلام الأمة وما تعاني من "ضعف" و "هوان" و "هزائم" متلاحقة من قبل أعداء الإسلام، ومع انتشار مرض الهوان كما ذكر في الحلقة الأولى، وبالتالي من واجبه الإيماني أن يبحث عن سبل الخلاص ويبذل كل ما أوتي من قوة وجهد في سبيل إخراج دعاة الأمة من هذه الحالة المتردية التي لا تتفق بحال من الأحوال مع ما أمرنا الله _تعالى_ ورسوله _صلى الله عليه وسلم_ من الأخذ بأسباب النصر والابتعاد عن مواطن الضعف والوهن واليأس.

وبما أن تشخيص الداء هو أول خطوة لمعالجة المرض ولن يكون الدواء نافعاً إلا بعد معرفة الطبيب لنوع المرض وأسبابه، فإن الدراسات التي تكشف عن مواطن الداء في بنية دعاة الأمة وتبين العلاج، لها فائق الأهمية وكبير الأثر في النهوض بالدعاة للخروج من القمقم لاحتلال مكانتها في الحياة وأداء دورها الرسالي الخالد في قيادة الأمة وأستاذية البشرية خاصة في العصر الذي انكشف زيف المناهج والمذاهب الوضعية التي أعلنت عن فشلها وإفلاسها في إسعاد البشرية أو وضع حد لمعاناتها المتزايدة بسبب بعدها عن منهج الله _تعالى_ .

ولكي يتمكن الدعاة في هذه الأمة من تنظيم صفها الداخلي، ويتحرز من مواضع الضعف والهوان يضع

نصب أعينها الخطوات التالية:

1. سلامة العقيدة:

فسلامة العقيدة أهم المهمات وأوجب الواجبات، العقيدة السليمة سبب للنصر والظهور والتمكين والاجتماع، العقيدة السليمة تحمي معتنقيها من التخبط والفوضى والضياع،وتمنحهم الراحة النفسية والفكرية, وتدفعهم إلى الحزم والجد في الأمور، تكفل لهم حياة العزة والكرامة.

والعقيدة في الإسلام هو الأساس الذي يقوم عليه بناء الإيمان في نفس الإنسان المسلم،ولا بد أن تظهر أثار العقيدة في سلوك الإنسان وأعماله.

فإذا كانت العقيدة راسخة في قلب الإنسان ونفسه نرى أثر هذه العقيدة في استقامة خلقه وسلامة تصرفاته وحسن معاملاته.

إذن العقيدة هي التي تصيغ الحياة إماً سلباً أو إيجاباً، وإذا أدركنا ذلك ندرك سر الاهتمام البالغ الذي أولاه الإسلام للعقيدة، فقد عالجت السور المكية قضية العقيدة في نفوس المسلمين معالجة عميقة بكافة جوانبها، ولذلك من الطبيعي جداً أن ينعكس أي ضعف أو خلل أو غبش يطرأ على عقيدة المسلمين وتصوراتهم ونظراتهم للأمور والأشياء أن ينعكس على سير الدعوة ويسفر عن ضعف ووهن وهزيمة أمام العدو في ميادين الدعوة.

وإن في غياب العقيدة السليمة تدخل الوساوس والهواجس القلوب ومن ثم يسيطر الخوف والوهن والرعب على النفوس، إذن فلا بد من الاهتمام الشديد بالجانب العقدي للدعاة وتربيتهم على العقيدة الصحيحة.

2. قوة الإيمان:

إن الإيمان بالله –سبحانه وتعالى- وما يتبعه من أمور عقدية أخرى وما ينبثق عن كل ذلك من تصور

 للوجود والحياة والكون هو أساس البناء الذي تقوم عليه شخصية المسلم، كما أنه الموجه الذي يوجه

أفكار الإنسان المسلم وسلوكياته وتصرفاته.

والإيمان يجعل المسلم يخرج من دائرة المادة الضيقة، وهو الباعث للهمة والمقوي للإدراك، وكلما ضعفت إرادة العبد، ووهنت قوته أمده هذا الإيمان بقوة قلبية تتبعها الأعمال البدنية وكلما أحاطت به المخاوف كان هذا الإيمان حصناً حصيناً يلجأ إليه المؤمن، فيطمئن قلبه وتسكن نفسه، ومن هنا جاء اهتمام الإسلام بقوة الإيمان في نفوس أبنائه، فلا يرضى الإسلام أن يكون الإيمان في قلب المسلم ضوءاً خافتاً أو صوتاً مهموساً ولكنه يريده جذوة متقدة وضياء يغمر الآفاق, حتى يرشد الفكر ويوجه السلوك، ويسيطر على المشاعر ومن ثم يجعل الحياة كريمة سعيدة كما يريدها الإسلام.

وبما أن الإيمان أكبر مصدر للقوة في نفس المؤمن، فإن القلب الذي يملأ الإيمان أعماقه لجدير أن يثبت في العواصف والزلازل ويدفع صاحبه إلى مزيد من الصبر والاستقامة في مواجهة الشدائد.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية عشرة بعد المأتين في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :* كيف نتخلص من الوهن ؟ :

3. الاستعانة بالله _تعالى_والشعور بمعيته:

ومن يستعين بالله _تعالى_ ويتوكل عليه في دعوته، ويشعر بمعيته وتأييده ليثبت مثل ثبوت الجبال الشامخات ولا يتزلزل أمام بهرجة الباطل والشوكة الزائفة لأهله، وهو من ثمار الإيمان الصادق بالله _تعالى_ يقول _تعالى_: "اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" (البقرة:257)، وقال _تعالى_: "وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا"(الطور: من الآية48).

ومن كان بمعية الله مصحوباً، وكان بعين الله محفوظاً، فهو أهل لأن يتحمل المتاعب ويصبر على المكاره.

4. اليقين بحسن الجزاء:

فإن ما يحث المسلم على الدعوة إلى الله _تعالى_ ويثبته عليها، ويزيده رغبة فيها وحرصاً عليها أن يطمئن أنه مجزي عليها جزاءً مرضياً ومن هنا يشير القرآن الكريم أن المؤمنين ينتظرهم أحسن الجزاء من الله _تعالى_، وذلك حين يرجعون إليه ويقفون بين يديه فيعوضهم عن عملهم أكرم العوض ويمنحهم أعظم الأجر وأجزل المثوبة.

ولا نجد في القرآن شيئاً ضخم جزاؤه وعظيم أجره مثل الدعوة إلى الله والصبر عليها، فهو يتحدث عن هذا الأجر بأسلوب المدح والتضخيم، فيقول: " نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"(العنكبوت:59).

وهو يبين أن الصابرين إنما يجزون بأحسن ما عملوا، فضلاً من الله ونعمة: "مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (النحل:96).

ولا شك أن يقين الإنسان المؤمن بحسن الجزاء وعظم الأجر عند الله _تعالى_ على البلية يخفف

مرارتها على النفس، ويهون من شدة وقعها على القلب، وكلما قوي اليقين ضعف الإحساس بألم المصيبة[ الصبر في القرآن الكريم للدكتور يوسف القرضاوي ص 95-96.]

5. اليقين بالفرج:

ومما يعين المسلم على العمل اليقين بأن نصر الله قريب وأن فرجه آت لا ريب فيه، وأن بعد الضيق سعة، وأن بعد العسر يسراً، وأن ما وعد الله به المؤمنين وما وعد به المبتلين من العوض والإخلاف لا بد أن يتحقق، فهذا اليقين جدير بأن يبدد ظلمة الوهن والقلق من النفس، ويطرد شبح اليأس من القلب، وأن يضيء الصدر بالأمل في الظفر، والثقة بالغد[ الصبر في القرآن الكريم ص 97-98.]

يقول الله _تعالى_: "فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرا ًإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً" (الشرح:6.5).

6. التحرر من عبودية غير الله:

الإنسان الذي يؤمن بأن الله هو المحيي والمميت، والنافع والضار، والمعطي والمانع، ويؤمن كذلك بأنه ليس للبشر مهما علا قدره وعظم شأنه أن يسوق إلى الإنسان ما أراد الله منعه أو يمنع عنه ما أراد الله أن يعطيه إياه مثل هذا الإنسان يتحرر من سيطرة الغير، قال _تعالى_: "وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً"(الفرقان: من الآية3).

فإيمان المسلم قوة عظمى يستعلي بها المؤمنين على كل قوى الأرض، وكل شهوات الدنيا، ويصبح حراً لا سلطان لأحدٍ عليه إلا لله، فلا يخاف إلا الله، ولا يذل إلا لله، ولا يطلب إلا من الله، ولا يأمل إلا في الله، ولا يتوكل إلا على الله، وإذا تعرضت حريته للخطر يدافع عنها ويستعد لأصعب المعارك لأجل الاحتفاظ بها.

7. الترفع عن الشهوات:

ولا شك أن الترفع عن الملذات والشهوات, والجهاد لأجل الخير والصلاح يعطي الداعية المسلم دافعاً

 قوياً في استمرارية دعوته لمكافحة الشر، والتطلع إلى المزيد من الخير والأجر ومن كان هذا دافعه ومحركه في الوقوف أمام الأعداء لمؤهل للنصر _بإذن الله_، حيث إن حب الخير والعمل له يجعل الإنسان لا يشبع منه يطلب المزيد ولا يتطرق الوهن إليه أبداً، ذلك أن التقلب في الترف والإغراق في النعيم يعد من أعظم الشواغل والقواطع التي تشغل صاحبها عن طلب الكمال وتقطع عليه طريق المجد والسؤدد، ثم إن الإغراق في النعيم ينبت في نفس صاحبه أخلاقاً مرذولة من نحو الجبن والخور، وقلة الأمانة، والإمساك في وجوه الخير، وذلك مما يورث الوهن وضعف الهمة، يقول الله _عز وجل_: "يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ" (لأعراف:31).

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة عشرة  بعد المأتين في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :* كيف نتخلص من الوهن ؟ :

8. الاقتداء بأهل الصبر والعزائم:

ومما يعين الداعية في السير إلى الأمام: التأمل في سير العظماء الرجال من علماء ومجاهدين ومن كرماء وأبطال الصابرين، وما لاقوه من صنوف البلاء وألوان الشدائد، وبخاصة أصحاب الدعوات وحملة الرسالات من أنبياء الله ورسله المصطفين الأخيار، الذين جعل الله من حياتهم وجهادهم دروساً بليغة لمن بعدهم ليتخذوا منها أسوة، ويتعزوا بها عما يصيبهم من متاعب الحياة وأذى الناس، يقول الله _تعالى_: "فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ"(الاحقاف: من الآية35)، وأمتنا الإسلامية على مر عصورها لم تخل من نماذج عظيمة وقمم سامقة، سواء في ميادين العلم والعبادة أو ميادين الجهاد والدعوة أو ميادين العطاء والتضحية وسجل لهم التاريخ مواقفهم الثابتة كي يقتدى بهم.

9. مصاحبة الأخيار وأهل الهمم العالية:

فهذا الأمر من أعظم ما يبعث الهمم ويربي الأخلاق الرفيعة في النفس, فالإنسان مولع بمحاكاة من حوله شديد التأثر بمن يصاحبه.

والصداقة الشريفة تشبه سائر الفضائل من رسوخها في النفس وإيتائها ثمراً طيباً في كل حين، فهي توجد من الجبان شجاعاً، والبخيل سخاء، فالجبان قد تدفعه قوة الصداقة إلى أن يخوض في خطر ليحمي صديقه من نكبة عندما تشتد المحن وتتفاقم الفتن، وتقبل الشدائد كأمواج البحر وتأخذ بخناق المؤمنين وتزيغ الأبصار وتبلغ القلوب الحناجر ويظن الناس بالله الظنون، ويبتلى المؤمنون ويزلزلوا زلزالاً شديداً، فإذا كان الأمر كذلك فما أجدر الداعية أن يبحث عن إخوان ثقات وأبطال حتى يعينوه في هذه اللحظات الحاسمة في حياته[ الهمة العالية ص 27.]

قال ابن حزم –رحمه الله-: من طلب الفضائل لم يساير إلا أهلها، ولم يرافق في تلك الطريق إلا أكرم

 صديق من أهل المواساة والبر والصدق وكرم العشيرة والصبر والوفاء والأمانة والحلم وصفاء الضمائر وصحة المودة[ الأخلاق والسير لابن حزم ص 24-25.]

10. الجرأة في قول الحق:

الجرأة في الحق قوة نفسية رائعة يستمدها المؤمن الداعية من الإيمان بالله الواحد الأحد الذي يعتقده، ومن الحق الذي يعتنقه، ومن الخلود السرمدي الذي يوقن به، ومن القدر الذي يستسلم إليه، ومن المسؤولية التي يستشعر بها، ومن التربية الإسلامية التي نشأ عليها.

وعلى قدر النصيب المؤمن من الإيمان بالله الذي لا يغلب، وبالحق الذي لا يُخذل، وبالقدر الذي لا يتحول، وبالمسؤولية التي لا تكل، وبالتربية التكوينية التي لا تمل بقدر هذا كله يكون نصيبه من الجرأة والشجاعة وإعلان كلمة الحق التي لا تخشى في الله لومة لائم

[ صفات الداعية النفسية لعبد الله علوان ص 23.

وهذا هو وصف الصفوة المختارة لحمل الرسالة والدعوة في كل عصر يفلت فيه الناس من المسؤولية ويتخلون عن التبعية، يقول الله _تعالى_: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" (المائدة:54) [ الأنترنت – موقع المسلم - كيف نتخلص من الوهن ؟ - فضل الله ممتاز]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة عشرة  بعد المأتين في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :*العقيدة قوة عظمى :  

علمتني الحياة في ظل العقيدة: أن العقيدة قوة عظمى، لا تعدلها قوة مادية بشرية أرضية أياً كانت هذه القوة.

والأمثلة على ذلك كثيرة وبالمثال يتضح المقال :

ها هي جموع المسلمين وعددها ثلاثة آلاف في مؤتة تقابل مائتي ألف بقلوب ملؤها العقيدة، يقول قائل المسلمين: والله! ما نقاتلهم بعدد ولا عدة وإنما نقاتلهم بهذا الدين، فسل خالداً كم سيف اندق في يمينه؟ يجبك خالد: اندق في يميني تسعة أسياف.

وسل خالداً: ما الذي ثبت في يده وهو يضرب الكافرين؟ يجبك: إنها صحيفة يمانية ثبتت في يده.

انظر إليه يوم يقبل مائتا ألف مقاتل إلى ثلاثة آلاف ليهجموا عليهم هجمة واحدة، يوم يأتي بعض المسلمين ويرى هذه الحشود فيقول لـ خالد: يا خالد! إلى

أين الملجأ؟ أإلى سلمى وأجا؟ فتذرف عيناه الدموع وينتخي ويقول: لا إلى سلمى ولا إلى أجا ولكن إلى الله الملتجى؛ فينصره الله الذي التجأ إليه سبحانه وبحمده.

بربك هل هذه قوة جسدية في خالد بن الوليد؟ لا والذي رفع السماء بلا عمد! إنها العقيدة وكفى:

إن العقيدة في قلوب رجالها من ذرة أقوى وألف مهند

وها هو صلاح الدين في عصر آخر غير ذلك العصر -عليه رحمة الله- تأتيه رسالة على لسان المسجد الأقصى وقد كان أسيراً في يد الصليبيين يوم ذاك، تقول الرسالة:

يا أيها الملك الذي لمعالم الصلبان نكس

جاءت إليك ظلامة تسعى من البيت المقدس

كل المساجد طهرت وأنا على شرفي أنجس

فينتخي صلاح الدين ويقودها حملة لا تبقي ولا تذر، ويشحذ الهمم قبل ذلك، فيمنع المزاح في جيشه، ويمنع الضحك في جيشه، ويهيء الأمة لاسترداد المسجد الأقصى الذي هو أسير في يد الصليبيين يوم ذاك، ثم يقودها حملة لا تبقي ولا تذر، فيكسر شوكتهم ويعيد الأقصى بإذن الله إلى حظيرة المسلمين.

ثم ماذا بعد صلاح الدين يا أيها الأحبة؟

عادوا بعد صلاح الدين بفترة يوم تخلى مَنْ تخلى عن مبادئ صلاح الدين، عادوا فاحتلوه وذهبوا إلى قبر صلاح الدين ورفسوه بأرجلهم وقالوا: ها قد عدنا يا صلاح الدين! ها قد عدنا يا صلاح الدين! وهم ينشدون: محمد مات ****خلف بنات.

فما الحال الآن يا أيها الأحبة؟

إن ما يجري هناك لتتفطر له الأكباد، إن المسجد الأقصى -بلسان حاله- ليصيح بالأمة المسلمة: هل من صلاح؟ هل من عمر؟ هل من صلاح؟ هل من عمر؟ فلا أذن تسمع، ولا قلوب تجيب:

إني تذكرت والذكرى مؤرقة ****** مجداً تليداً بأيدينا أضعناه

أنى اتجهت إلى الإسلام في بلد ****** تجده كالطير مقصوصاً جناحاه

كم صرفتنا يد كنا نصرفها ****** وبات يملكنا شعب ملكناه

استرشد الغرب بالماضي فأرشده *****ونحن كان لنا ماض نسيناه

إنا مشينا وراء الغرب نقبس من ******ضيائه فأصابتنا شظاياه

بالله سل خلف بحر الروم عن عرب *****بالأمس كانوا هنا واليوم قد تاهوا

وانزل دمشق وسائل صخر مسجدها ***** عمن بناه لعل الصخر ينعاه

هذي معالم خرس كل واحدة *********منهن قامت خطيباً فاغراً فاه

الله يعلم ما قلبت سيرتهم يوماً ********وأخطأ دمع العين مجراه

لا در امرئ يطري أوائله فخراً ********ويطرق إن ساءلته ماه

يا من يرى عمراً تكسوه بردته ****** والزيت أدم له والكوخ مأواه

يهتز كسرى على كرسيه فرقا من ****** خوفه وملوك الروم تخشاه

يا رب فابعث لنا من مثلهم نفراً *******يشيدون لنا مجداً أضعناه

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة عشرة  بعد المأتين في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :*العقيدة قوة عظمى :  

وها هو ألب أرسلان : ذلكم الفتى المسلم الشجاع المؤمن بالله، كان عائداً من إحدى معاركه متجها ببقية جيشه إلى عاصمته خراسان، فسمع به إمبراطور القسطنطينية رومانوس فجهز جيشاً قوامه ستمائة ألف مقاتل، والله! ما جمعوا هذه الجموع إلا بقلوب ملؤها الخور والضعف والهون.

جاء الخبر لـ أرسلان ومعه خمسة عشر ألف مقاتل في سبيل لا إله إلا الله، وانظروا ووازنوا بين

الجيشين: ستمائة ألف تقابل خمسة عشر ألف مقاتل، بمعنى أن الواحد يقابل أربعين.

هل هذه قوى جسدية؟ إنها قوى العقيدة وكفى يا أيها الأحبة.

نظر هذا الرجل في جيشه، جيش منهك من القتال، ما بين مصاب وجريح، قد أنهكه السير الطويل،

 فكر وقدر ونظر في جيشه، أيترك هذا الجيش القادم ليدخل بلاده ويعيث فيها الفساد أم يجازف بهذا الجيش؟ خمسة عشر ألف مقابل ستمائة ألف.

فكر قليلاً ثم هزه الإيمان وخرجت العقيدة لتبرز في مواقفها الحرجة، فدخل خيمته وخلع ملابسه وحنط جسده ثم تكفن وخرج إلى الجيش وخطبهم قائلاً:

إن الإسلام اليوم في خطر وإن المسلمين كذلك، وإني لأخشى أن يقضى على لا إله إلا الله من

الوجود، ثم صاح: وا إسلاماه! وا إسلاماه! هأنذا قد تحنطت وتكفنت فمن أراد الجنة فليلبس كما

لبست ولنقاتل دون لا إله إلا الله حتى نهلك أو ترفع لا إله إلا الله:

فما هو إلا الوحي أوحد مرهف ***** تقيم ظباه أخدعي كل مائل

فهذا دواء الداء من كل عاقل ******وهذا دواء الداء من كل جاهل

وما هي إلا ساعة، ويتكفن الجيش الإسلامي كله، وتفوح رائحة الحنوط وتهب رياح الجنة وتدوي السماء بصيحات: الله أكبر! يا خيل الله! اثبتي، يا خيل الله! اركبي.

لا إله إلا الله! هل سمعتم بجيش مكفن؟هل سمعتم بجيش لبس ثياب حشره قبل أن يدخل المعركة؟

هل شممتم رائحة حنوط خمسة عشر ألف مسلم في آن واحد؟

هل تخيلتم صورة جيش كامل يسير إلى معركة يثق أنه من على أرضها يكون بعثه يوم ينفخ في الصور؟

التقى الجمعان واصطدمت الفئتان: فئة تؤمن بالله وتشتاق إلى لقاء الله، وفئة تكفر بالله ولا تحب

لقاء الله، ودوَّت صيحات: الله أكبر، واندفع كل مؤمن ولسان حاله: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه:84] تطايرت رءوس، وسقطت جماجم، وسالت دماء، وفي خضم المعركة إذ بالمنادي ينادي مبشراً: انهزم الرومان وأسر قائدهم رومانوس.

الله أكبر! لا إله إلا الله! صدق وعده ونصر جنده: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة:249].

ذهب من جند الله كثير وكثير -نحسبهم شهداء- وبقي الباقون يبكون، فهل يبكون على ما فاتهم من غنائم؟ لا والذي رفع السماء بلا عمد! لكنهم يبكون لأنهم مضطرون إلى خلع أكفانهم وقد باعوا أنفسهم من الله.

أما القائد المسلم فبكى طويلاً وحمد الله حمداً كثيراً وبقي يجاهد حتى لقي الله بعقيدة لا يقف في وجهها أي قوة، ويوم حلت به سكرات الموت كان يقول: آه آه! آمال لم تنل، وحوائج لم تقض، وأنفس تموت بحسراتها.

كان يتمنى أن يموت تحت ظلال السيوف، ولكن شاء الله له أن يموت على الفراش:

إن العقيدة في قلوب رجالها *****من ذرة أقوى وألف مهند

فاعرف يا بن أمي في العقيدة يا *****أخا الإسلام في الأرض المديدة

ما حياة المرء من غير عقيدة ******وجهاد وصراعات عنيدة

فهي طوبى واختبارات مجيدة *****فانطلق وامض بإيمان وثيق

وإذا ما مسك الضر صديقي ******فلأنَّا قد مشينا في الطريق  

[ الأنترنت – موقع المكتبة الشاملة الحديثة - دروس للشيخ علي القرن ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة عشرة  بعد المأتين في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * قوة العلاقة بين الشريكين :

ما الذي يدلّ على قوة العلاقة بين الشريكين؟

لا شكّ ان العلاقة القوية التي تجمع بين الزوجين هي العامل الرئيسي الذي يعزز من استمرارية الزواج وديمومته.  من هنا، فإن بعض العلامات التي تدل على قوة العلاقة بين الشريكين يمكن ملاحظتها بسهولة، في حين ان القسم الآخر قد يكون مخفياً.

علامات تدل على قوة العلاقة بين الشريكين : الصراحة :

إن الصراحة والوضوح هي من بين أهم العلامات التي يمكن ان تدلّ على قوة العلاقة بين الشريكين. فعندما يطلع الشريكين بعضهما البعض على كلّ ما يمرّان به، يمكن ان يبعدا كلّ الغموض والأمور المخفية التي يمكن ان تسبب المشاكل الكبيرة في العلاقة الزوجية. من هنا، وعندما يواجه الشريكين مشاكل على الصعيد المهني، الشخصي، والنفسي ويتشاركان مشاعرهما مع بعضهما البعض، فإنهما بالتالي يقويان من العلاقة التي تجمع بينهما ويحافظان على زواجهما.

الإخلاص :

إن الإخلاص مهمٌ جيّداً في الزواج وهو أحد أبرز العلامات التي تدلّ على قوة العلاقة بين الشريكين. من هنا، فإن الإخلاص بين الشريكين وعدم الاستسلام لمغريات الحياة خصوصاً تلك المرتبطة بالشهوة الجنسية، هي من بين الأمور التي تدلّ على قوة العلاقة بين الشريكين. والإخلاص لا يكمن فقط من خلال عدم الانزلاق في عالم الخيانة، بل أيضاً قد يكون من خلال عدم الانتقاد والتكلم بالسوء عن الشريك الآخر خصوصاً في غيابه.

تخطي الأزمات : من الطبيعي ان يمرّ الشريكين بالعديد من المشاكل الحياتية والضغوطات النفسية الكثيرة، ولكن ما يدلّ فعلاً على قوة العلاقة بينهما هو تخطيهما للأزمات سوياً. فعندما يختار الشريكين مواجهة كلّ مشاكل وازمات الحياة معاً دون التهرب من المسؤوليات، فهذا الأمر يعني ان العلاقة التي تربطهما قوية جداً ومتماسكة.

الثقة : إن الثقة هي من العوامل المهمة جداً في العلاقة الزوجية. فالثقة تمنع الشكّ وتعزز من سعادة الشريكين خلال الزواج. من هنا، وعندما يثق الشريكين ببعضهما البعض، فهما يمنعان تماماً تدهور علاقتهما وطلاقهما في نهاية المطاف. [ الأنترنت – موقع  قوة العلاقة بين الشريكين ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة عشرة  بعد المأتين في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * ثمرات قوة الحب في الله :

اعلم حفظك الله أنك إذا وجدت قلبك يتجه إلى الصالحين ويرتاح للصالحين فأول ثمرة: أن هذا دليل على الإيمان؛ لأنه لا يحب المؤمن إلا مؤمنٌ، ولا يحب الصالحين إلا صالح، ولا يطمع في مجالس الصالحين إلا موفق، فاحمد نعمة الله عز وجل على ذلك، هذا أول دليل على الإيمان، ولذلك كان من كمال الإيمان، الحب في الله والبغض في الله وذاق حلاوة الإيمان من أحب في الله ووالى في الله وعادى في الله. أما الأمر الثاني: إذا أحببت في الله فمن ثمرات المحبة أن تجني من أخيك صلاحه، فإن كان أفضل منك اقتديت به، وإن كان مثلك نافسته، وإن كان دونك دعوته، هذه من ثمرات الحب في الله تكون قريباً من إخوانك، ولذلك تجد الشباب الصالحين يحرصون على هذه الثلاث الأحوال: إن وجدوا من هو فوقهم تمثلوا به، وإن وجدوا من هو مثلهم نافسوه، وإن وجدوا من هو دونهم دعوه إلى الزيادة فتجدهم أقرب ما يكونون إلى طاعة الله عز وجل، وما فقدنا لذة الأخوة في الله إلا حينما أصبحت مجالسنا معطلة من ذكر الله، وأصبحنا نحب في الله ولا يتشبه بعضنا ببعض في الصلاح وفي العفة وفي الخير وفي الاستقامة، إذا قلت لأحد: إني أحبك في الله وكان أفضل منك حاول أن تكون مثله، وأن تتأسى به، سواءً في كلامه أو في أفعاله، أو غير ذلك من الخصال التي وفقه الله إليها من الصلاح. الأمر الثاني: ما تجنيه في آخرتك: فإن الله تبارك وتعالى أخبرنا على لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أن هذه المحبة من أعمال القلوب، وأنها بينك وبين الله عز وجل فإذا قدمت عليه يوم القيامة، أظلك بها يوم لا ظل إلا ظله ولذلك فاعلم أن أمور الدنيا الخفية التي لا يعلمها إلا الله عز وجل يأبى الله يوم القيامة إلا أن يظهرها أمام العيان: {أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} [العاديات:9 - 10]، فانكشف ما في قلبك أنك تحب أخاك في الله فأبى الله إلا أن يظهرك أمام الناس؛ لكي تظل في ظله يوم لا ظل إلا ظله. ولذلك أوصي إخواني بالحب في الله، وهذه المحبة ينبغي علينا أن نؤدي حقوقها، فلا تغتب أحداً، ومن الغيبة التي بلينا بها الآن قول البعض: شباب الصحوة فيهم شباب الصحوة يفعلون شباب الصحوة يقولون شباب الصحوة كذا وكذا، يا أخي هؤلاء إخوانك في الله! هؤلاء أقوام يحبون الله ورسوله! واحمد الله عز وجل أن الله متعك بزمان ترى فيه الصلاح في الشباب، فينبغي علينا أن نحفظ حقوق الأخوة في الله، وأننا مهما سمعنا من بعضنا من الأخطاء والنقائص ينبغي أن يكمِّل بعضنا نقص بعض، وأن يشد بعضنا من أزر بعض، وأن يكون فينا الحب الذي يرضي الله ورسوله، وأن نكون إخوة في الله كما أمر الله، ولذلك تجد الأخوة في الله على مراتب من أعلاها: من كان يسد من أخيه الخلة، ويستر له العورة، ويحرص على جمع القلوب وائتلافها، فنسأل الله العظيم أن يجعلنا وإياكم ذلك الرجل. ولذلك أوصي بتحقيق الأخوة التي ترضي الله، فإنها خالدة باقية إلى لقاء الله، كما أخبر الله بقوله: {الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67]، ولذلك أبى الله إلا أن يبقي أخوة الإسلام حتى بعد الوفاة، (وإذا مات فاتبعه) فجعل من سنن المرسلين تشييع الموتى وتشييع الجنائز، يُوضع الإنسان جثة بين إخوانه كلهم يقول: اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه، كل ذلك من أجل ماذا؟ من أجل الأخوة في الله، كلهم يشفعون ويدعون، حتى إذا قام الأربعون غفر الله عز وجل ذنبه، كما ثبت في الحديث الصحيح، ولا يقف الأمر عند هذا، ويذهبون معه حتى يوضع في القبر، ويأبون أن ينصرفوا من القبر حتى يقول قائلهم: اللهم ثبته عند السؤال؛ لأن أشد ما يكون في القبر عند أول لحظة وهي لحظة السؤال، فكان هذا من هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان يقول صلى الله عليه وآله وسلم: (استغفروا لأخيكم)، لأخيكم!! انظروا كيف! (واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل)، كأنك أنت الذي تعيش هذه الحالة وتعاني هذا الكرب، وجعل الله لك فيها من الأجور قيراطين وغير ذلك من الفضل، فنسأل الله العظيم أن يرزقنا وإياكم حب المؤمنين. وأختم هذه الكلمة بمناسبة المحبة في الله بواجب الائتلاف على طاعة الله عز وجل، وأنه ينبغي على كل واحد منا إذا قام من هذا المجلس حق عليه أن يحب إخوانه في الله، وأن نذكر هذه العروة التي جمعت بيننا، وأن لا تفرق بيننا الأقاويل ولا التراهات ولا الشائعات، وينبغي أن تُقبل قلوبنا على محبة فاطر الأرض والسماوات. والله إنه لمن نعم الله أن تحدث الفتن بين بعض الأخيار؛ ولكي يظهر الله المعادن البريئة، لكي يظهر الله بعض القلوب البريئة التي تحب لإخوانها ما تحب لنفسها، وتتألم وتتأوه لأي شيء يحدث لهم. فنسأل الله العظيم أن يرزقنا وإياكم صدق المحبة فيه، وأن يغرس في قلوبنا وقلوبكم حب المؤمنين والائتلاف على طاعة رب العالمين. [ الأنترنت – موقع طريق الإسلام  - مقطع مميز : ثمرات قوة الحب في الله – محمد محمد الشنقيطي ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة عشرة  بعد المأتين في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :* أجمل حكايات الحب في الله - قوة الحب في الله :

حينما تنتشر بيننا مشاعر المحبة والاهتمام والحرص على بعضنا تصبح الحياة أجمل وأنقى, فلا قيمة للحياة التي نعيشها ولا معنىً لها دون وجود مشاعر الحب والرحمة بين الناس؛ فالحب هو أسمى المعاني والقيم الإنسانية، خاصّةً إذا كان هذا الحب نقيًّا طاهرًا بلا غاية مادية أو مصلحة شخصية, حينها يكون هذا هو الحب في الله.

ما هو الحب في الله :

يختلف معنى الحب في الله سبحانه تعالى عن معاني الحب الأخرى وأشكاله؛ فمن نعم الله العظيمة علينا أن جعل بيننا رابطة عظيمة تربطنا يبعضنا، ونتقرّب من خلالها إليه، ألا وهي رابطة الحبِّ في الله، والحبُّ في الله هو أن يحبّ المرء أخاه حبًا صادقًا مخلصًا, وليس من أجل مصلحةٍ زائلةٍ، بل من أجل القيم الإيمانيّة التي تجمعهما كأن يجتمعا على فعل الخير أو الحث عليه أو يجتمعا على طاعة أو عبادة ما، فيكون هذا الحب طريقًا لهما إلى الحب الأكبر؛ وهو حب الخالق جل وعلا والذي يوصلهما إلى الجنة.

عَنْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ "صلى الله عليه وسلم" يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ فيَقُولُ:"الْمُتَحَابُّونَ فِي اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ، يَغبَطُهم النَبيُّون والشُّهَداء".

قل له إنك تحبه :

والحبُّ في الله له مظاهر سلوكيّة تعبِّر عنه وتترجمه، ويترتب عليه آثار عظيمةٌ على الفرد وعلى المجتمع، ومن هذه المظاهر التي تعلمناها من نبينا أن نخبر من نحب بهذا.

يقول النبي "صلى الله عليه وسلم":" إذا أحب أحدكم صاحبه فليأته في منزله، فليخبره أنه يحبه لله" - رواه أحمد

وعندما أمر النبي "صلى الله عليه وسلم" بالإخباربذلك الحب، فلأن هذا يوجب زيادته، فإن عرف أنك تحبه أحبك بالطبع لا محالة، فإذا عرفت أنه أيضًا يحبك زاد

حبك، فلا يزال الحب يتزايد من الجانبين ويتضاعف، فتحصل البركة، ويعم الخير، ونقبل النصيحة من بعضنا, فالتحابب بين المسلمين مطلوب في

الشرع ومحبوب في الدين.

ومما يزيد ذلك الحب بينكما أن تدعوه بأحبّ أسمائه إليه في غيبته وحضوره، وعن هذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ثلاث يصفين لك ودّ أخيك: أن تسلّم عليه إذا لقيته أولًا، وتوسّع له في المجلس، وتدعوه بأحب الأسماء إليه.

ومن مظاهر الحب في الله أيضًا أن تثني عليه بما تعرف من جميل صفاته؛ سواء بينك وبينه أو بين الناس، وما أجمل أن تثني عليه بين الناس حتى في غيابه.

ثمرات هذا الحب :

للحب في الله ثمرات حلوة يجنيها المتحابون من ربهم في الدنيا والآخرة منها محبته سبحانه وتعالى لهم، ويزداد حبه سبحانه وتعالى لأشدّهما حبًا لصاحبه.

يقول نبينا: "زار رجل أخًا له في قرية، فأرصد الله له ملكًا على مدرجته، فقال: أين تريد؟ قال: أخًا لي في هذه القرية، فقال: هل له عليك من نعمة تريدها؟ قال: لا إلا أني أحبه في الله، قال: فإني رسول الله إليك أخبرك أن الله أحبك كما أحببته" رواه مسلم

ومن ثمرات هذا الحب أيضًا أنهم في ظلّ عرش الرحمن.

فعن أبي هريرة أيضا رضي الله عنه قال - قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم":

"سبعة يظلهم الله تعالى يوم لا ظلّ إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه

معلّق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه".

ومن أجمل ثمرات الحب في الله أن المتحابين هؤلاء وجدوا حلاوة الإيمان الحقيقي.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال - قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم":

"من سرّه أن يجد حلاوة الإيمان، فليحبّ المرء لا يحبه إلا لله ".

وهم بهذا الحب في الله إلى الجنة يدخلون؛ حيث النعيم الدائم بلا تعب ولا حزن ولا مرض.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال - قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم":

"لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم".

المتحابون.. كيف هم في الجنة؟

وبعد أن اجتمعوا في الدنيا على حب الله، هاهم يلتقون في الجنة ويجتمون مرة أخرى، وجوههم تشع كاللآلئ، ولهم منابر عالية مشرقة بنور يخطف الأبصار، مطمئنين سالمين من أي خوف، حتى إن النبيين والشهداء يغبطونهم ويتمنون مقامهم وحالهم هذا، فهم الأقرب إلى الله سبحانه وقد حظوا بنوره جل وعلا الذي يهدي اليه من يشاء من عباده.

فعن أبي مالك الأشعري قال: كنت عند النبي "صلى الله عليه وسلم" فنزلت عليه هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" (المائدة 101)، قال فنحن نسأله فقال:"إنّ لله عبادًا ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم النبيون والشهداء بقربهم ومقعدهم من الله يوم القيامة."

قال: وفي ناحية القوم أعرابي فجثا على ركبتيه ورمى بيديه، ثم قال: حدثنا يا رسول الله عنهم من هم؟ قال: فرأيت في وجه النبي "صلى الله عليه وسلم" البِشر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"هم عباد من عباد الله من بلدان شتى، وقبائل شتى من شعوب القبائل لم تكن بينهم أرحام يتواصلون بها، ولا دنيا يتباذلون بها، يتحابون بروح الله، يجعل الله وجوههم نورًا ويجعل لهم منابر من لؤلؤ قدام الناس، ولا يفزعون، ويخاف الناس ولا يخافون" - رواه أحمد والحاكم وصححه الذهبي.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة عشرة  بعد المأتين في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :* أجمل حكايات الحب في الله - قوة الحب في الله :

حب لا ينقص بالجفاء :

هذا الحب الجميل معياره القرب من الله وطاعته، لا يزيد بالبرّ ولا ينقص بالجفاء كما قال يحيى ابن معاذ الرازي:"حقيقة المحبة أنها لا تزيد بالبر ولا تنقص بالجفاء"

وهو توافق في السلوك والرأي، وفيه يحب كل طرف للآخر ما يحبه لنفسه وربما أكثر مما يحب

لنفسه؛ وهذا هو الإيثار، وليس فيه حسد ولاغيبة، وفيه من التراحم والتعاطف، وكذلك فيه مشاركة في الحزن والفرح وأيضا تبادل الزيارات والهدايا؛ كما علمنا نبينا حين قال "تهادوا تحابوا".

وقد وصف الله تعالى المتحابين في قوله:"و لا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة " – سورة الحشر.

أجمل حكايات الحب في الله :

من أروع حكايات الحب في الله ما قاله أبو بكر الصديق رضي الله عنه:

"كنا في الهجرة وكنت أشعر بالعطش الشديد، فجئت بمذقة لبن فناولتها للرسول "صلى الله عليه وسلم" وقلت له: اشرب يا رسول الله، فشرب النبي - صلى الله عليه وسلم - حتي ارتويت".

ومن حكايات الحب في الله أيضًا ماحدث في يوم من الأيام عندما غاب رسول الله "صلى الله عليه وسلم" عن

خادمه ثوبان، وعندما جاء، قال له ثوبان وهو يبكي بحرارة: أوحشتني يا رسول الله، فقال له النبي "صلى الله عليه وسلم": أهذا ما يبكيك يا ثوبان؟ فرد مجيبًا: لا يا رسول الله، ولكنني تذكرت مكانك في الجنة ومكاني، فذكرت الوحشة.. فنزل قول الله سبحانه وتعالي: {وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [69] سورة النساء.

وللامام الشافعي رحمه الله حكاية جميلة في الحب في الله، فقد آخى محمد بن الحكم، وكان يقرّبه ويحبه في الله قائلًا: ما يقيمني بمصر غيره.

وحين مرض محمد عاده الشافعي قائلا:

مرض الحبيب فعدته ***** فمرضت من حذري عليه

و أتى الحبيب يعودني * ***فبرئت من نظري إليه

وعن الحب في الله يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه:

إنّ أخاك الصِّدق من كان معك **** ومن يضُرُّ نفسه لينفعك

و من إذا ريب الزّمان صدعك ***** شتّت نفسه ليجمعك

فما أجمل أن نلتقي في الدنيا على طاعة الله وحب الخير لبعضنا، فننعم بمحبة الله ونخلد في جنته سبحانه وتعالى مع من نحب.[ الأنترنت – موقع بوابة الأهرام  - أجمل حكايات الحب في الله - قوة الحب في الله - غادة بهنسي ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة العشرون بعد المأتين في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :*كيف تزيد من قوتك البدنية :

طرق لزيادة القوة البدنية يرغب الكثير من الرجال في امتلاك جسم قوي مفتول العضلات صلب

وشديد، بعيداً عن العضلات الكبيرة والضخمة فهو يهدف لزيادة عدد الألياف العضلية وليس زيادة المقطع العرضي للألياف، فالأول مسؤول عن قوة العضلات في حين أن الآخر مسؤول عن حجمها وتضخمها، ويمكن زيادة القوة البدنية عن طريق: ارفع أثقال بأوزان كبيرة بنسبة 90% من أكبر وزن يمكنك حملة، فهذه الأوزان من شأنها استهداف تلك العضلات التي تتطلب الكثير من الضغط حتى تستأنف العمل. أجرِ تمارين رفع الأثقال بسرعة كبيرة بقصد تحفيز الألياف العضلية جميعها على العمل. ابدأ بعضلاتك الأقل قوة، كأن تكون يدك اليمنى أقوى من اليسرى في تأديه التمارين الرياضية، فحينها عليك أن تبدأ أولاً بتمرين اليد اليسرى حتى يصبح لديها المقدرة الكافية على ممارسة التمارين ورفع الأثقال. غير روتينك اليومي في ممارسة التمارين الرياضية وذلك بهدف مفاجأة عضلاتك وجعلها في حالة ترقب ويقظة، كما يجب تعلم تمارين جديدة لتحقيق نتائج أفضل. انتبه للطريقة التي تتنفس بها، فينصح المبتدئون في بداية الأمر بأخذ الشهيق في الجزء السهل من التمرين وإخراج الزفير في الصعب، ولكن لغرض زيادة القوّة فإنّ الشهيق يؤخذ أثناء الجزء الصعب من التمرين فمن شأن هذا الهواء المحبوس في الرئتين أن يزيد من قوة الجسم وقدرته على التحمل. تناول مكملات غذائية لتقوية العضلات وترميمها بعد اللجوء لاستشارة الطبيب. تزويد الجسم بقدر كافِ من الراحة، وترك مدة يومين بين جلسات التمرين. أطعمة لزيادة القوة البدنية يعتبر الطعام أحد المؤشرات الضرورية التي تدعم صحة الجسم وتزيد من قوتة البدنية، ومن أهمّ الأطعمة التي تدعم هذا الغرض: الحليب ومشتقاته مع المكسرات: كلاهما يحتويان على الليسين والأرجينين واللذان يدعمان صحة الجسم ويخلصاه من التوتر، ويكون هذا من خلال تناول كوب حليب يومياً مع ملعقة كبيرة من المكسرات. الأطعمة الغنية بالفيتامينات ولاسيما فيتامين C وE والتي تتوفر بكثرة في الجريب فروت، والبرتقال، والفراولة، وزيت الزيتون فهذه الفيتامينات غنية المحتوى بمضادات الأكسدة التي تدعم قوة الجسم والمنشطات التي تخلصك من السعرات الحرارية الإضافية. الزبيب: من أكثر الأطعمة الغنية بعنصر المغنيسيوم والذي ينشط القيام بعمليات الأيض، ويزيد من فعالية كل من وظيفة العضلات والأعصاب. تناول اللحوم الحمراء بجانب السبانخ، فهذه الأطعمة غنية المحتوى بالحديد، والذي يزيد اللياقة البدنية، من خلال تحفيز العضلات وتنشيطها بزيادة كمية الأكسجين الواصلة لها بفعل عنصر الحديد. تناول البروتينات بكثرة ولاسيما في الصباح الباكر ويمكن تزويد الجسم بحاجته من البروتين من خلال تناول البيض والخبز الأسود فهو غني بالألياف. تناول كلّ من الفاكهة والخضراوات والتي تزوّد الجسم بطاقة إضافية إلى جانب تنشيط عمليات الأيض. [ الأنترنت – موقع موضوع - كيف تزيد من قوتك البدنية ]

القوة الجسدية  :

إنّ زيادة القوة الجسديّة لا تتطلب الكثير من الوقت، إذ يكفي في معظم الأحيان ممارسة تمارين القوة التي تستهدف كلّ عضلات الجسم الرئيسية باثني عشر إلى خمس عشر تكراراً مرتين في الأسبوع على الأقل، حيث تقدم هذه التمارين الكثير من الفوائد الصحية للجسم ويمكن القيام بها في المنزل أو في الصالة الرياضية، ومن أشهر أنواعها تمارين الأوزان الحرة أو أجهزة الأوزان.[١] كيفيّة الحصول على القوة الجسديّة للحصول على القوة الجسدية يجب ممارسة تمارين تدفع العضلات على العمل ضد المقاومة، ويمكن كذلك اتباع الخطوات والنصائح التالية:[٢] ممارسة تمارين الأوزان الحرة والتي تركز على كل عضلات الجسم مرةً في الأسبوع على الأقل فهي مثالية لزيادة قوة الجسم وتعمل على تنشيط عضلات ثانوية تدعم العضلات الأساسية في الجسم، كما تزيد قوة الجسم البدنية الوظيفية والتي هي نوع القوة الجسدية التي نحتاجها لحياتها اليومية. ممارسة تمارين المقاومة المشتركة والتي على عكس التمارين الفردية تركز على حركة أكثر من نوع من مفاصل الجسم وتعد مثاليةً كذلك لزيادة القوة الجسدية لأنها تزيد من نسبة الأنسجة العضلية المتأثرة بالتمارين. ممارسة التمارين التي تتطلب رفع أوزان ثقيلة والتي تتعب العضلات بسرعة، حيث نصحت الفيدرالية القومية للمدربين الرياضيين The National Federation of Personal Trainers زيادة القوة الجسدية بممارسة هذا النوع من التمارين بمعدل أربعة إلى ستة تكرارات، حيث تستهدف ألياف العضلات سريعة الانقباض والمسؤولة عن زيادة القوة الانقباضية في الجسم وتقوية الجسم، كما تزيد التواصل العصبي في العضلات والذي يزيد بدوره قوة انقباضات العضلات. فوائد القوة الجسديّة نادراً ما تُقترن قوة العضلات والقوة الجسدية بالصحة، فهي من المعتقد أنّها تخص الأشخاص الأقوياء والباحثين عن كمال الأجسام، ولكن اكتشف العلماء أن الحفاظ على الصحة العامة لا تقتصر على الحفاظ على الوزن الصحي أو ممارسة التمارين الهوائية فقط، بل يجب الحفاظ على قوة العضلات كذلك للأسباب التالية:[٣] تقليل فقدان كتلة العضلات المرتبطة مع التقدم بالسن والتي يعاني منها الأشخاص قليلو النشاط بمعدل 3-8% في كلّ عقد من الزمن، بينما يعاني منها الأشخاص الأكبر من عمر الخمسين بمعدل 5-10% في كل عقد من الزمن، والتي تعني زيادة احتماليّة الإصابة بمشاكل صحيّة خطيرة مثل السمنة أو السكري من النوع الثاني أو هشاشة العظام أو أمراض القلب. خسارة دهون الجسم وتحسين مرونة الجسم. تحسين حساسية الجسم ضد الإنسولين. تقليل آلام المفاصل وتحسين قدرة الجسم على العمل والأداء بشكل يومي. تقوية عمليات الأيض في الجسم على المدى البعيد وتقليل احتمالية تخرين الطعام كدهون في الجسم. تقوية العظام. [الأنترنت – موقع موضوع ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والعشرون بعد المأتين في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :* كيف تكون قوي الشخصية :

 عناصر قوة الشخصية للإجابة عن سؤال كيف تكون قوي الشخصية، لا بدّ من إلقاء نظرة على الشخصية وفهمها وتحليلها، فالشخصية القوية لا تكتمل إلا بمعرفة طبيعة عناصرها وتنميتها وتطوير قدراتها، خصوصًا أن الناس يملكون شخصيات مختلفة ومتغيّرة، ويمكن أن تتغير شخصية الإنسان بمرور العديد من الأحداث والمواقف، وأهم عناصر قوّة الشخصية اللازمة لمعرفة كيف تكون قوي الشخصية كما يأتي:

الجاذبية: تمتع الشخصية بالجاذبية تمنحه قوة كبيرة، لأنّ الجاذبية تجذب القلوب والعقول، وتجعل الشخص مقبولًا بين الناس، وهذا يمنحه شعورًا بالثقة والقوة، وينعكس كثيرًا على شخصيته، ويمكن تحقيق الجاذبية بالتمتع بخفة الروح وسرعة البديهة والأسلوب المريح في التعامل مع الآخرين لكسب ثقتهم. الذكاء: يُعدّ الذكاء من أهم متطلبات الشخصية القوية، ويمكن للشخص أن يزيد من ذكائه بالقراءة وحضور الذهن والتمرينات العقلية التي تُنمي عقله وتزيد من قوّة شخصيته، وتمنحه حدّة الذهن، خصوصًا أنّ الذكاء يُساعد الناس في النجاة من المواقف الطارئة.

المشاركة الشعورية: مشاركة الآخرين مشاعرهم تجعل القلب متقد المشاعر وقويًا، وتمنح الإنسان قوة هائلة في الشخصية، وتُساعده في فهم الناس والتقرب منهم، وهذا ينعكس على الشخصية بشكلٍ كبير، فمشاركة الآخرين مشاعرهم يُساعد في امتلاك قلوبهم.

 الشَّجاعة: تُساعد الشجاعة في السيطرة على الشخصية وضبطها وزيادة قوّتها وتنميتها.

الحكمة وقوة البيان: الشخص الحكيم يكن ذو شخصية قوية قادرة على التصرف في المواقف، ويمكن زيادة الحكمة بالقراءة والتعلم والصبر والحزم، والقدرة على الكلام القوي بعيدًا عن الثرثرة.

 التفاؤل والمزاج المعتدل: يُعدّ التفاؤل من أهم سمات الشخصية القوية، لأنّه يمنح صاحبه قوّة كبيرة تنعكس على شخصيته، وكذلك المزاج المعتدل الذي لا يتقلب بسرعة.

التواضع والبعد عن التصنع: تجنب الكبرياء والعظمة والتصنع من أهم عناصر الشخصية القوية الواثقة من نفسها.

حُسن المظهر: مظهر الشخص يُشكل انعكاسًا قويًا عن شخصيته، لهذا يجب أن يكون مظهره جميلًا وراقيًا.

فالشخصية القوية يجب أن يتمتع بها كل شخص كي يكون إنسانًا مؤثرًّا، وفيما يأتي إجابة وافية عن كيف تكون قوي الشخصية:

 =تجنب العنف، لأنّ قوّة الشخصية لا تعني العنف وفرد العضلات واستعراض القوة الجسدية، بل

 هي السيطرة على الانفعالات وضبطها وحُسن التصرف، والتعامل مع الآخرين بفن وهدوء دون الاكتراث بخوض النقاشات العقيمة.

=تنمية الشخصية والالتزام بجميع مقاييس التقدير والاحترام، سواء في القضايا الشخصية أو القضايا العامة والإنسانية، وأن يكون هذا وفقًا للضوابط الشرعية وضوابط المجتمع بحسب الزمان والمكان، ومراعاة اختلاف الطبائع بين الناس.

=تنمية العلاقات مع الآخرين من خلال تفهم ظروفهم وأوضاعهم وتقديرها، والشعور معهم والتماس الأعذار لهم، فهذا دليلٌ على قوة الشخصية وحزمها وقدرتها على السيطرة بطريقة محببة.

=توظيف لغة الجسد والأفعال واستخدام الإشارات غير اللفظية للتعبير عن النفس في الكثير من المواقف، ومثال هذا: الصفح عن أخطاء الآخرين، وتقديم الورود للناس وتقديم يد العون لهم.

=الاعتراف والتقدير بجهود الآخرين والاعتراف في الخطأ وتصحيحه وعدم التهرّب من المسؤولية أبدًا،

والاهتمام بالنفس وبالآخرين دون التقليل من شأن أحد. التحلّي بالصبر والقيادة والروح الواثقة التي تستطيع العمل ضمن فريق، وتحمّل جميع ما يحدث من أعباء.

[ الأنترنت – موقع سطور - كيف تكون قوي الشخصية بواسطة: كتّاب سطور ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والعشرون بعد المأتين في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :*حكم و أقوال عن القوي : 25 مقولة عن القوي :

#إن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له بحقه، وإن أضعفكم عندي القوي حتى آخذ منه الحق .-أبو بكر الصديق

#إن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له بحقه، وإن أضعفكم عندي القوي حتى آخذ منه الحق .أبو بكر الصديق

#إنما تحيى الفكرة .. إذا قوي الايمان بها /حسن البنا

#الجسم القوي يجعل العقل قويا.-توماس جفرسون

#الجسم القوي يجعل العقل قويا.توماس جفرسون

#الضعيف المحترس من العداوة أقرب غلى السلامة من القوي المغتر عبد الله بن المقفع

  #إن الغرب قوي والمجتمع الفاسد لايمكن أن يكون قويا. علي عزت بيجوفيتش

#أشكو الى الله ضعف الأمين وخيانة القوي -عمر بن الخطاب

#أشكو الى الله ضعف الأمين وخيانة القوي عمر بن الخطاب

#القوي من حكم غيره، والعظيم من حكم نفسه.

#أعتقد أن الاحتجاج شيء قوي جدا. انه في الاساس آلية من آليات الديمقراطية التي ، جنبا إلى جنب مع الرأسمالية ، والابتكار العلمي ,بيل غيتس

#الوقوف على الحياد من الحرب بين القوي و الضعيف لا يعني الحياد و لكن يعني الوقوف مع القوي

#ان التفكيرالقوي الواضح في داخل المكتب شئ جميل جداً ، الا ان التفكير بمثل هذه القوة و الوضوح وسط الاعاصير هو الممارسة المثالية للقدرات الانسانية غوفيون سان سير

#العدو الضعيف المحترس من العدو القوي أحرى بالسلامة من العدو المغتر بالعدو الضعيف.كسرى أنو شروان

#الفرد القوي يضيع بين الضعفاء إلى أن يصبح ضعبفاً مثل باقي البشر -إحسان عبد القدوس

#الفرد القوي يضيع بين الضعفاء إلى أن يصبح ضعبفاً مثل باقي البشر إحسان عبد القدوس

#إن الارادة هي ذلك القوي الأعمى الذي يحمل العقل المبصر الكسيح على كتفيه  آرثر شوبنهاور

#الانسان هذا المخلوق القوي الضعيفالغني الفقيريبذل جهداً يائساً ليؤكد ذاته وسط وحشة الكون الطيب صالح

#الوقوف على الحياد في الصراع بين القوي والضعيف لايعني الحياد ولكن يعني الوقوف مع القوي

…فرانسيس بيكون

#كلما ضعف الجسد أصبح أشد قيادة، وكلما قوي أصبح أكثر طاعة مثل فرنسي

#الشراكة مع القوي لم تكن مؤمنة أبدا مثل لاتيني

#العقل القوي دائم الأمل ، و لديه دائما ما يبعث على الأمل توماس كارليل

#المسلم الضعيف يحتج بقضاء الله و قدره ، أما المسلم القوي فهو يعتقد انه قضاء الله الذي لا ي?رد و قدره الذي لا ي?غلب محمد اقبال

#أوه كريشنا العقل قلقْ ،هائج ، قوي وعنيد ، وإخضاعه لا يقل صعوبة عنْ إخضاع الريح  إليزابيث جيلبرت

#كيف تقدر الأنثى، وهي الضعيفة جسديا، هزيمة رجل قوي متماسك وجعله يئن باكيا من سطوتها وجبروتها؟ جلال الخوالدة

#القوي لا يتجرأ إلا على الضعيف عبد الله ناصر الداوود

#كلما قوي إيمان العبد، تولاه الله بلطفه، ويسره لليسرى، وجنّبه العسرى. عبدالرحمن ناصر السعدي

#يجدر بالضعيف أن يتعلم كيف يكون قوياً، ويرحل عندما يصير القوي أضعف من أن يستطيع إيذاء الضعيف. -ميلان كونديرا

#يجدر بالضعيف أن يتعلم كيف يكون قوياً، ويرحل عندما يصير القوي أضعف من أن يستطيع إيذاء الضعيف. ميلان كونديرا[ الأنترنت – موقع  حكم و أمثال/حكم و أقوال عن القوي : 25 مقولة عن القوي]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والعشرون بعد المأتين في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :*ليس الشديد بالصُّرَعة :

  جاء من حديث أبي هريرة  أن رسول الله ﷺ قال: ليس الشديد بالصُّرَعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب[ متفق عليه.]

وهذا الحديث ذكره الإمام النووي -رحمه الله- في باب الصبر؛ لأن الإنسان حينما يحتدم الحنق في قلبه، ويمتلئ غيظاً وغضباً فإن السيطرة على النفس عند ذلك وكبح جماحها عن التعدي يحتاج إلى صبر عظيم، ولهذا قال النبي ﷺ: ليس الشديد يعني: ليس الإنسان الشديد هو الشديد بالصُّرَعة، والمقصود بالصُّرَعة أي: الذي يصرع الناس كثيراً، فهو إنسان قوي يصرع الناس كثيراً، وإنما الشديد حقيقة والذي ينبغي أن تلتفت الأنظار إلى قوته وشدته هو من يملك نفسه عند الغضب، فمسألة الشدة في صرع الناس وغلبتهم بالعضلات المفتولة أمر يحصل للإنسان، ولربما حصل أيضاً لغيره من الحيوانات، ولكن هذا الإنسان الذي قد امتد بدنه وانفتلت عضلاته لربما يكون كالطفل الصغير إذا غضب، فيخرج عن طوره ويفقد سيطرته على نفسه، فيتكلم بما لا يعي ولا يعقل، ويطلق امرأته، ويسب نفسه، وإذا ذُكّر بذلك بعد هذا لم يتفطن لشيء من ذلك إطلاقاً، ثم يندم على تصرفاته التي صدرت منه.

فهذا الغضب جمرة من الشيطان يلقيها في قلب الإنسان، ومن ثمّ فإن الإنسان بحاجة إذا ألقى الشيطان في قلبه جمرته أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم؛ لأن ذلك يدفع أثره، ثم هو بحاجة إن كان قائماً أن يجلس؛ لأن ذلك أثبت للإنسان، فيلزم الأرض، فلا يكون منه تعدٍّ في الخطى والمشي فيضر نفسه، أو يضر غيره، فإن لم ينفع معه ذلك فإنه يضطجع، وبالتالي فإنه لا يكون له حراك وانتقال فيصدر منه قتل أو أذية أو نحو ذلك.

فهذا أدعى لهدوئه إذا غضب، وأكثر لانضباط جوارحه وتصرفاته وسلوكه، ثم هو أيضاً مأمور بأن يتوضأ؛ لأن الشيطان يلقي هذه الجمرة في قلبه وهو المتسبب بالغضب والماء تطفئ النار، فإذا توضأ الإنسان فإن ذلك يخفف أثر هذا الغضب في نفسه.

فإذا فعل الإنسان هذه الخطوات خف عليه هذا الغضب، ثم هو بحاجة أيضاً إلى سيطرة على لسانه فلا يتكلم ولا يشتم ولا يصدر منه ما لا يليق من طلاق وتحريم وغير ذلك، حتى لا يتندم ويبحث عمن يفتيه.

وإذا كان الإنسان عند امرأته وقد غضب فإنه يترك البيت ويخرج إلى مكان آخر حتى تهدأ نفسه، وترتاض، ثم بعد ذلك يرجع، فلو بقي معها وهي تقول كلمة وهو يقول كلمة وقد حضر الشيطان بينهما فيغري كل واحد منهما بالقول والكلام البذيء، فإن ذلك من شأنه أن يجعل كل واحد مستشرفاً للانتقام لنفسه والغلبة في هذا الموقف الذي احتدم فيه الصراع -نسأل الله العافية، فيحصل ما لا تحمد عقباه، لكن العاقل يخرج ويقطع الطريق على الشيطان، ويتوضأ ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم حتى تهدأ نفسه.[الأنترنت – موقع فضيلة الشيخ خالد بن عثمان السبت - شرح كتاب رياض الصالحين - حديث «ليس الشديد بالصُّرَعة..» (1-2)]

  وقوة القلب أصل القوة والشجاعة قال شيخ الإسلام ابن تيمية:((وأصل القوة قوة القلب الموجبة

لمحبة الخير وبغض الشر فإن المؤمن قوته في قلبه وضعفه في جسمه والمنافق قوته في جسمه وضعفه

في قلبه)) . مجموع الفتاوى (7 / 540)

وقال أيضًا:((الشجاعة ليست هي قوة البدن فقد يكون الرجل قوي البدن ضعيف القلب وإنما هي قوة القلب وثباته ... ولهذا كان القوي الشديد هو الذي يملك نفسه عند الغضب حتى يفعل ما يصلح دون ما لا يصلح فأما المغلوب حين غضبه فليس هو بشجاع ولا شديد)). الاستقامة (2 / 271).

 عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني قال: ((لا تغضب، فردد مرارًا، قال: لا تغضب))  .

قال الخطابي: (معنى قوله: ((لا تغضب)). اجتنب أسباب الغَضَب، ولا تتعرَّض لما يجلبه) .

وقال ابن التين:(جمع صلى الله عليه وسلم في قوله: ((لا تغضب)). خير الدنيا والآخرة؛ لأنَّ الغَضَب يؤول إلى التقاطع ومنع الرفق، وربما آل إلى أن يؤذي المغضوب عليه، فينتقص ذلك من الدين).

 وقال البيضاوي: (لعلَّه لما رأى أنَّ جميع المفاسد التي تعرض للإنسان إنما هي من شهوته، ومن غضبه،

 وكانت شهوة السائل مكسورة، فلما سأل عما يحترز به عن القبائح نهاه عن الغَضَب، الذي هو أعظم ضررًا من غيره، وأنَّه إذا ملك نفسه عند حصوله، كان قد قهر أقوى أعدائه).

وعن حميد بن عبدالرحمن بن عوف أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((يارسول الله علمني كلمات أعيش بهن ولا تكثر علي فأنسى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تغضب)).

قال الباجي: (قول السائل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: علمني كلمات أعيش بهن. يحتمل أن يريد به أنتفع بها مدة عيشي، ويحتمل أن يريد به -والله أعلم - أستعين بها على عيشي، ولا تُكثر عليَّ فأنسى، ولعله عرف من نفسه قلة الحفظ، فأراد الاختصار الذي يحفظه ولا ينساه، فجمع له النَّبي صلى الله عليه وسلم الخير في لفظٍ واحد، فقال له: ((لا تغضب))، ومعنى ذلك - والله أعلم - أنَّ الغَضَب يفسد كثيرًا من الدين؛ لأنَّه يؤدي إلى أن يُؤذِي ويُؤذَى، وأن يأتي في وقت غضبه من القول والفعل ما يأثم به، ويُؤثِم غيره، ويؤدي الغَضَب إلى البغضة التي قلنا إنها الحالقة، والغَضَب أيضًا يمنعه كثيرًا من منافع دنياه، ومعنى

قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تغضب))، يريد -والله أعلم- لا تُمضِ ما يبعثك عليه غضبك، وامتنع منه، وكفَّ عنه).

[ الأنترنت – موقع الوفد  - القوي الذي يملك نفسه عند الغضب - كتب-أحمد طه ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والعشرون بعد المأتين في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :*﴿ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾

يقول الله - تعالى - على لسان إحدى ابنتي شعيب - عليه السلام - لما اقترحت على أبيها أن يتخذ سيدنا موسى - عليه السلام - مسؤولاَ بالأجر: ﴿ يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾ [القصص: 26]. قال الإمام الطبري - رحمه الله -: "تقول: إن خير من تستأجره للرعي، القويُّ على حفظ ماشيتك، والقيامِ عليها في إصلاحها وصلاحها، الأمينُ الذي لا تَخاف خيانته فيما تأمنه عليه". وقال ابن عباس - رضي الله عنه -: "أمين فيما وَلِيَ، أمين على ما استُودع".

إن الأمانة من أعظم الركائز التي قامت عليها السماوات والأرض، وأعلى أنواع الأمانة، حفظُ الدين، والذودُ من أجل إقامة فرائضه، وحد حدوده. قال تعالى: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: 72]. قال قتادة: "الأمانة: الدين، والفرائض، والحدود". وقال الطبري: "وقال آخرون: بل عُني بالأمانة في هذا الموضع: أماناتُ الناس".

وترتقي خطورة الأمانة في الإسلام إلى درجة تكون علامة على الإيمان أو عدم الأيمان. قال نبينا - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ، وَلاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ لَهُ" صحيح الجامع.

ومقعد الإنسان في الآخرة هو مقعده في الدنيا، هو يصنعه بيده، وهو يوجهه إلى ما اختار من جهته. فمن اتخذ مقعدا في الدنيا ليباهي به، أو يقضي مصالحه به، أو يعزف عن مصالح الناس التي علقت بعنقه، فقد خاب وخسر. فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِي - رضي الله عنه - أَنَّ رِجَالاً مِنَ الْمُنَافِقِينَ فِي عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانُوا إِذَا خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْغَزْوِ تَخَلَّفُوا عَنْهُ، وَفَرِحُوا بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَإِذَا قَدِمَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - اعْتَذَرُوا إِلَيْهِ، وَحَلَفُوا، وَأَحَبُّوا أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا، فَنَزَلَتْ: ﴿ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ ﴾ [آل عمران: 188].

عجباً ممن يتملكه الفرح لمسؤولية تعلق بها أو تعلقت به، ويتيه زهوا بين الأتراب والأصحاب، ويميس فخرا بين الجيران والأقرباء، يدق الطبول، ويقيم الحفلات، وكأنه ظفر بفوز لا يرام، وامتلك غنيمة لا تضام، في وقت عَلَّمنا فيه ديننا أن الأمانة تأتي ولا تؤتى، وأن المسؤولية تبحث عن صاحبها، وليس هو الذي يفتش عنها.

فعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: "دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - أنا ورجلان من بني عمي.

 فقال أحد الرجلين: يا رسول الله، أَمِّرْنا على بعض ما وَلاَّ ك الله - عز وجل -. وقال الآخر مثل

ذلك. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنا والله لا نولي على هذا العمل أحدا سأله، ولا أحدا حَرَص عليه" متفق عليه.

وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله، ألا تستعملني - أي: ألا تعطيني ولاية أو إمارة -؟ قال: فضرب بيده - صلى الله عليه وسلم - على منكبي ثم قال: "يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه" مسلم.

ولما جاء أهل نجران إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلتمسون منه مسؤولا أمينا، يقف على حاجاتهم، ويقضي مصالحهم، ويحسن إدارة شؤونهم، قال لهم: "لأبعثن إليكم رجلا أمينا حَقَّ أَمِين". قال حذيفة: فاستشرف لها الناس. فبعث أبا عبيدة بن الجراح. متفق عليه، وهو الرجل المناسب في المكان المناسب، الذي قال فيه - صلى الله عليه وسلم -: "لكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح" متفق عليه.

الأمين يعلم أنه مراقب على عمله، والرقيب هو الله، مسؤول عن وظيفته ومسؤولياته، والسائل هو

الله. قال تعالى: ﴿ هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الجاثية: 29].

وفي الحديث: "كُلُّكم راعٍ، وكُلُكم مسؤولٌ عن رعيَّته" متفق عليه.

الأمين يعلم أن الغش في الوظيفة يجر عليه ويلات الدنيا والآخرة، في الدنيا يفضحه الله، فيكتشف الناس كذبه، وخيانته، وتزويره، فيعيش بقية عمره ذليلا مهينا، مشارا إليه بأصبع المكر والخيانة. ويوم القيامة يفضحه الله على رؤوس الأشهاد، خزياً وعاراً وشناراً. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الْغَادِرَ يُنْصَبُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ".

الأمين يجعل نفسه طوع يد من استأمنه، الذي ما اعتلى منصبه إلا بسبب ثقته فيه، وحسن ظنه به، فيحرم عليه أن يشق على الناس، أو يتماطل في قضاء مصالحهم، أو يتأخر في مد يد العون إليهم. قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾ [المؤمنون: 8]. قال ابن كثير - رحمه الله -: "أي: إذا ائتمنوا لم يخونوا، وإذا عاهدوا لم يغدروا، وهذه صفات المؤمنين".

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والعشرون بعد المأتين في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *﴿ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا، فشق عليهم فاشقُق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفُق به" مسلم.

ومن مشين الشق على الناس، الاحتجاب عنهم، وإغلاق الباب في وجوههم، والخوف من ملاقاتهم بمصالحهم، ومواجهتهم بمآربهم وحاجاتهم. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ وَلاَّهُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاحْتَجَبَ دُونَ حَاجَتِهِمْ، وَخَلَّتِهِمْ، وَفَقْرِهِمُ، احْتَجَبَ اللَّهُ عَنْهُ دُونَ حَاجَتِهِ، وَخَلَّتِهِ، وَفَقْرِهِ" صحيح سنن أبي داود.

الأمين يعلم أن في الاحتجاب إذلالا للناس الذين قصدوا نفعه، واستضعافا لأصحاب الحاجات الذي أَمَّلوا معونته، وإضاعة لحقوق من توسموا خدمته وإنصافه. خطب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ذات يوم في العمال فقال: "إني استعملكم على أمة محمد لتقيموا بهم الصلاة، وتقضوا بينهم بالحق، وتَقسموا بينهم بالعدل، ولا تجلدوا المسلمين فتذلوهم، ولا تضيعوا حقوقهم فتفتنوهم".

الأمين عفيف عن أخذ الرشاوى والهدايا، ينظر إلى ما في يده، ولا يتطاول إلى ما في أيدي الناس، ويقنع بحلال رزقه، ولا يلتفت إلى مال غيره. ومن فعل، فقد صدق عليه قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليأتيَنَّ على الناس زمان، لا يُبالي المرء بما أخذ المال، أمِنْ حلال أم من حرام" البخاري. ذلك أن "هدايا العمال غلول" - كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - صحيح الجامع. وقال - صلى الله عليه وسلم -:"مَن استعملناه على عمل، فرزقناه رزقاً، فما أخذ بعد ذلك فهو غلول" صحيح سنن أبي داود.

وورد في الصحيح "أنَّ أوَّل ما ينتن من الإنسان بطنه، فمَن استطاع أن لا يأكل إلاَّ طيباً فليفعل" البخاري

فاحذر يا رعاك الله، أن يأتي المظلوم يوم القيامة آخذا بتلابيبك، مطالبا إياك بحقوقه التي ضيعتها،

وبحاجاته التي نسيتها، يوم لا يكون المقابل درهما ولا دينارا، ولا ملكا ولا عقارا، إنما هي الحسنات والسيئات. و اللبيب من عرف قدره، وأدى الذي عليه.

أرعى الأمانة لا أخون أمانتي *** إن الخؤون على الطريق الأنكبِ

فما أهلك المجتمعات الإسلامية مثل ضياع الأمانات، وما قوى من أطماع غيرنا فيها مثل تسابقنا إلى الدنيا، واقتناص مناصبها، والفرح بملذاتها، حين صار هَم كثير منا احتواشَ الدرهم والدينار، بحق أو بغير حق، بكفاءة أو بغير كفاءة، باقتدار أو باحتيال، مما لا يبقى معه إلا انتظار الساعة.

ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - في مجلس يحدث القوم، جاءه أعرابي فقال: متى الساعة؟. فمضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحدث. فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال. وقال بعضهم: بل لم يسمع. حتى إذ قضى حديثه قال: "أين - أراه - السائل عن الساعة؟". قال: ها أنا يا رسول الله. قال: "فإذا ضُعيت الأمانة فانتظر الساعة". قال كيف إضاعتها؟. قال: "إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة".

ذكر ابن كثير في "البداية والنهاية" أن رجلا جاء إلى أبي شجاع وزير الخليفة المقتدي العباسي، وقال له: إلى جانبنا أرملة لها أربعة أولاد، وهم عُراة جياع.

فما كان منه إلا أن بَعث إليهم مع رجل من خاصته نفقةً، وكِسوة، وطعامًا، ونزع ثيابه في البرد الشديد وقال: "والله لا ألبَسها حتى ترجع إليَّ بخبرهم". فذهب الرجل مُسرعًا، فأدى إلى الأرملة وأولادِها ما حمله إليهم، فلما رجع، أخبره أنهم فرِحوا بذلك، ودعَوا للوزير، فسُرَّ بذلك ولبِس ثيابه.

فمتى سيختفي من مجتمعاتنا الجياع والمحرومون؟ متى تغتني الأرملة، ويكتفي اليتيم؟ متى تنطفئ جذوة الصراخ والشكاة من شبه غياب أيسر وسائل العيش الكريم، من تعليم جيد، وصحة ميسورة، وإدارة هينة؟

وإذا اؤتمنت على الأمانة فارعها *** إن الكريم على الأمانة راعِ

اللهم يسر أمور مسؤولينا، ووفقهم لما تحبه وترضاه، واجعلهم فاتحة خير ويمن علينا، اللهم اجعلهم سبيل سرورنا، وصمام أمننا، وطريق ازدهار بلدنا.

[ الأنترنت – موقع الألوكة - إن خير من استأجرت القوي الأمين - د. محمد ويلالي ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والعشرون بعد المأتين في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *القوي العزيز :

قال تعالى: {فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ }هود66 * {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ العَزِيزُ }الشورى19 * وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }الحج40 * {مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }الحج74 * {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ }الحديد25 * {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ }المجادلة21 * {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً }الأحزاب25

هذا المثنى من أسماء النسق الأول من الأسماء الحسنى وهو من أسماء منظومة العزة.

إن السمة الواحدة التي تفصيلها العزة المقترنة بالقوة وفيها ما يفوقهما معاً تشير إلى العظمة اللانهائية لقدْره سبحانه، واستحالة أن يدرك أحد مدى عظمة وعزة هذا القدر وبالتالي استحالة أن يقدره أحد حق قدره، وهذا ما يجعل العبد مذنباً وإن أطاع وأحسن، قال تعالى: { مَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقّ قَدْرِهِ إِنّ اللّهَ لَقَوِيّ عَزِيزٌ } ( الحج : 74 )، وسمة العزة بالأصالة تعني استحالة أن يعرفه أحد على ما هو عليه أو أن يحيط إحاطة تامة بحقيقة أي سمة من سماته.

ومن مقتضيات تلك السمة أن له الغلبة على أمره هو ومن ارتضى من رسله، فانتصار الرسل من السنن الكونية التي هي من مقتضيات هذا الاسم ، قال تعالى :{ كَتَبَ اللّهُ لأغْلِبَنّ أَنَاْ وَرُسُلِيَ إِنّ اللّهَ قَوِيّ عَزِيزٌ } ( المجادلة : 21 )

ومن السنن الكونية التي اقتضاها هذا الاسم أيضاً انتصار من نصر الله تعالى، قال تعالى : { وَلَيَنصُرَنَّ اللّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنّ اللّهَ لَقَوِيّ عَزِيزٌ } ( الحج : 40 )

وهو سبحانه ليس في حاجة إلى من ينصره ، ولكنه يريد أن يبين سننه للناس فإذا كان هو قد آلي على نفسه أن يلتزم بقوانينه وسننه وأن يلتزم بكل كلمة سبقت منه أو كتبها على نفسه، فعباده أولى بذلك، ذلك لأنه سبحانه يمكنه أن يخسف الأرض بكل من كفر به وعاداه أو أشرك به ما لم ينزل به سلطاناً، ومع ذلك فإنه لا يفعل والتزم بما سبقت به كلمته من استخلاف الإنسان وتحميله الأمانة والاختيار وإرجاء الفصل في الأمر إلى اليوم المعلوم، وهكذا فإن الصراخ من على المنابر وشق الحناجر بالدعاء على أعداء الدين لن يجدي نفعاً إذا لم يقترن بسعي حثيث وعمل دءوب وفق القوانين والسنن لإحراز النصر، فإن الله سبحانه لن يخرق سننه من أجل أحد وما اتخذ صاحبة ولا ولداً ولا أبناء يحابيهم على حساب الآخرين، ولقد أشار الله تعالى في القرآن إلى أنه إذا أراد أن ينصر المستضعفين الذين يستغيثون به فإنه يستخدم آلاته وأدواته من عبادٍ صالحين لإنفاذ مراده، وهو لا يجبرهم على ذلك، وإنما يحثهم عليه ويحرِّضهم ، فمن كان لديه الاستعداد فإنه يسارع بالإجابة، قال تعالى :

{ وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرّجَالِ وَالنّسَآءِ وَالْوِلْدَانِ الّذِينَ يَقُولُونَ رَبّنَآ

أَخْرِجْنَا مِنْ هَـَذِهِ الْقَرْيَةِ الظّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لّنَا مِن لّدُنْكَ وَلِيّاً وَجْعَلْ لّنَا مِن لّدُنْكَ نَصِيراً } ( النساء :

فالأمور القابلة للتحقق هي مقتضيات كل منظومة أسمائه الحسنى، ولقد اقتضت تلك المنظومة أن يكون للكيان المسمى بالإنسان إرادة حرة واختيارا، وهو سبحانه لا يفعل ما لا يتسق مع أسمائه وسماته الذاتية طلباً لمرضاة أحد من خلقه.

وإلى هذا الاسم تستند الوقائع والأحداث المتعلقة بالمواجهات بين الرسل وأتباعهم الذين يجاهدون لإعلاء كلمة الحق وبين أهل الكفر والضلال والشرك، فهو الذي اقتضى السنن التي يتم بها تدبير تلك الأمور ودفع الناس بعضهم ببعض .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والعشرون بعد المأتين في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *القوي العزيز :

وإلى هذا الاسم يستند إنزال الحديد أي جعله في متناول الإنسان وفقاً لقوانين وسنن يمكن التعرف عليها ونقلها والاستفادة منها، إذ أن كل معدن –كسائر الأشياء- يستند في خلقه وإيجاده وإنزاله إلي اسم من الأسماء الحسني.

وإلى هذا الاسم يستند تشريع القتال لكفِّ بأس الظالمين والذين كفروا ، وكذلك إرسال الرسل بالكتاب والميزان .

وتلك السمة الواحدة ؛ التي تفصيلها العزة المقترنة بالقوة لازمة لإيصال الرزق إلى ما لا يتناهى عدده وتتنوع طلباته من الكائنات، فبالقوة يتمكن من ذلك وله العزة على من يتلقون الرزق.

والسمة المحكمة التي تفصيلها العزة المقترنة بالقوة هي من المثاني التي أوتيها الرسول الأعظم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولذا وجه الله تعالى له الخطاب بعد أن قصَّ عليه قصة صالح ( عليه السلام ) مع قومه قائلاً : { فَلَمّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجّيْنَا صَالِحاً وَالّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مّنّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنّ رَبّكَ هُوَ الْقَوِيّ الْعَزِيزُ } (هود : 66 )، ولذا امتنع على الخلق إدراك قدرة العظيم وكان له القدر الأعظم عند ربه وعلى كل العالمين، وانتصر انتصاراً مؤزراً على كل من عاداه، واقتضى ذلك أن يحمل السيف وأن يقاتل المشركين وأهل الضلال .

واقتضت عظمة قدره أن يكون له من ربه النصيب الأوفى من الأرزاق الحقيقية وهي الأرزاق المعنوية من خلق عظيم وعلم وحكمة وبلاغة وأحوال عليِّة ومقامات سنية .

واقتضى كل ذلك أن يتميز منه غيظاً كل الأشقياء كالكافرين والمنافقين والمفسدين وأهل الضلال دون أن ينالوا منه.

فهذا الاسم يشير إلي سمة واحدة تفصيلها القوة والعزة، وهو يقتضي من الإنسان الاتصاف بالقوة والعزة، فبالقوة يكون الإنسان عزيزا، وهذا ما يدفعه إلي الحرص علي الاستزادة من أسباب القوة، فالإنسان يجب أن يكون قويا علي كافة المستويات، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما معناه: (المؤمن القوى خير وأحب إلي الله من المؤمن الضعيف)، فالمؤمن القوى أحب إلى الله لأنه أقرب إليه وذلك لتحليه بمقتضيات سمة من سماته، ولذا فالمؤمن يجب أن يكون قوى البدن قوى النفس، وقوة النفس تعني قوة الشخصية وتماسكها ومتانتها وقدرتها علي التأثير، والإنسان يجب أن يكون عزيزا في نفسه معتدا بإمكاناته لا يحاول أن يبخسها حقها، وعليه ألا يعرضها للإهانة أو المهانة، فالمؤمن هو أولى الناس بالعزة، قال تعالي: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ(8)} (المنافقون)، وتلك العزة لا تعني أن يتطاول علي غيره أو ألا يعرف له قدره بل يجب عليه أن يتواضع وألا يصعر خده للناس وأن يكون هيناً ليناً باشا، وهذا أيضا يعني أنه علي المؤمن أن يتبع كل أسلوب شريف لكي يرفع من قدر نفسه، وللحفاظ علي عزته يجب أن يعرف إمكانات نفسه حتى لا يخوض بها فيما ليس من شأنها أو فى مجال ليست هي من أهله، وهذا الاسم يقتضى من الإنسان أن ينصر الحق وأن يقوم بين الناس بالقسط وأن يحاول أن ينفعهم ما استطاع إلي ذلك سبيلا وأن يقوي دائما من بأسه لنفع الناس لا للتطاول عليهم، كما يجب عليه أن ينصر المستضعفين وأن يغيث المستغيثين، ويقتضي هذا الاسم من الإنسان أيضا احترام الإله وتعظيم قدره واكتساب القوى بكافة صورها المادية والمعنوية، وعليه أن يتحلي بالثقة بالله تعالى وبالعزة والمنعة، كما أن عليه أن يجاهد لتكون الغلبة لرسالة الحق ولتكون كلمة الله هي العليا.

وهذا الاسم يقتضي أن يكون المؤمنون أمة واحدة قوية مرهوبة الجانب، فهو من الأسماء التي اقتضت أركان الدين الملزمة للكيانات الكبرى.

[الأنترنت – موقع أسماء الله الحسنى - القوي العزيز- مرسلة بواسطة أ.د حسني أحمد]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والعشرون بعد المأتين في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *القوة الخفية :

إن كل إنسان يظل محتاجاً لقوة يقهر بها ضعفه ، ويستمد منها أثره ، وتشكّل حياته ومستقبله ، ويعبّر الإنسان عن هذه الحاجة في نفسه بتعبيرات كثيرة يبرز بعضها في كمية ما يأكل ، أو في نوعه ، ويبرز بعضها الآخر في انتسابه إلى مواقع رياضية لكسب هذه القوة من خلال التدريب والمران والممارسة ، وهذه بلا شكل من موارد اكتساب تلك القوة وتشكيلها في حياة الإنسان ، وتظل في دائرة المباح ما لم تتجاوز إلى غيره فتمنع .

وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم تذكيراً بهذه القوة ، وحثاً عليها ، ودعوة لاكتسابها كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، وفي كل خير\" قال النووي رحمه الله تعالى في شرح الحديث : وَالْمُرَاد بِالْقُوَّةِ هُنَا عَزِيمَة النَّفْس وَالْقَرِيحَة فِي أُمُور الْآخِرَة ، فَيَكُون صَاحِب هَذَا الْوَصْف أَكْثَر إِقْدَامًا عَلَى الْعَدُوّ فِي الْجِهَاد ، وَأَسْرَع خُرُوجًا إِلَيْهِ ، وَذَهَابًا فِي طَلَبه ، وَأَشَدُّ عَزِيمَة فِي الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ ، وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر ، وَالصَّبْر عَلَى الْأَذَى فِي كُلّ ذَلِكَ ، وَاحْتِمَال الْمَشَاقّ فِي ذَات اللَّه تَعَالَى ، وَأَرْغَب فِي الصَّلَاة وَالصَّوْم وَالْأَذْكَار وَسَائِر الْعِبَادَات ، وَأَنْشَط طَلَبًا لَهَا ، وَمُحَافَظَة عَلَيْهَا ، وَنَحْو ذَلِكَ . اهـ

والملاحظ في عامة أوساط الناس انحصار مفهوم الحديث في القوة الظاهرة المكتسبة في ظاهر بدن الإنسان ، فتجد في الواقع أكثر الناس ممن لهم في ذلك الشأن أقوياً في البدن ، ضعفاء في الروح ، بل ربما كانت هذه القوة مصدر شقاء هذه الأجساد في كثير من الأحيان ترى ذلك في الواقع أكثر من أن تقدر على حصره .

وثمة معنى عظيم الأثر في تحقيق أثر الإنسان في الأرض ، وأكبر حادٍ له إلى صناعة المجد وأقوى الأسباب في تحقيق غايات الإنسان ، وبناء تاريخه في الدنيا ، هذا المعنى يغفل عنه الناس ، ولا يأخذ من حياتهم الحيّز الذي شغله معنى القوة الظاهرية في بناء أنفسهم ، وهو لا يكلفهم مالاً ، ولا يتطلّب منهم مجهوداً كما يتطلب منهم المعنى الأول ، ألا وهو معنى \" الصلة بالله تعالى .

إن الصلة بالله تعالى تصنع في حياة الإنسان من النشاط والحركة والقوة والتأثير ما لا يصنعه بناء كمال الأجسام ولا سبيل للمقارنة بين المعنيين ، وأضرب لك لتقريب هذا المعنى الأمثلة التالية :                                                                                                                  المثال الأول : حين أراد الله تعالى أن يرسل نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ليبلغ الناس هذا الدين أبلغه وصية نافعة وأرشده إلى الطريق الذي يتحمل به أعباء الدعوة ، وشدد عليه في اعتناق ذلك المعنى بكل ما يملك \" يا أيها المزمل . قم الليل إلا قليلاً . نصفه أو انقص منه قليلاً . أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً \" وكل ذلك كان من أجل البلاغ ، \" إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً \" كأن الله تعالى يقول به : إنه لا سبيل لك للقيام بهذه المهمة الشاقة الصعبة إلا بحسن الصلة ووطيد العلاقة وقوة الحياة في قلبك واستمدادك للقوة التي تحملك لبلاغ دين الله تعالى في الأرض . وكانت هذه الوصية فيما بعد هي زاد النبي صلى الله عليه وسلم الروحي والمعنوي الذي استوثق منه غاية وسعه فاستقبل بعد ذلك الدعوة وهو في أوج روحه وعطائه وجهده فذهب يعلي بها كلمة الله تعالى في الأرض ، وما رحل من الدنيا حتى سجل

أروع صور التاريخ أثراً .

المثال الثاني : في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن فاطمة أتت النبي صلى الله عليه وسلم تَسْأَلُهُ خَادِمًا وَشَكَتِ الْعَمَلَ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم لها : « أَلاَ أَدُلُّكِ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَكِ مِنْ خَادِمٍ تُسَبِّحِينَ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ وَتَحْمَدِينَ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ وَتُكَبِّرِينَ أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ حِينَ تَأْخُذِينَ مَضْجَعَكِ » .

فتأمل هذه العلاقة بين شكوى فاطمة من الإرهاق الجسدي التي تتعرّض له كل يوم في بيتها وتأتي تسأل أباها عن ما يخفف تلك الآلام التي تعتري جسدها فلا يجد لها النبي صلى الله عليه وسلم إلا هذه الوصية المعنوية الروحية يسلي بها خاطرها ، ويسل بها أثر تعبها وخدمتها ولولا أن لهذا الذكر فائدة كبرى في تقوية الإنسان على عمله وجهاده في الحياة لما كانت الوصية به في هذا المقام .

المثال الثالث : في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم \" يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب مكان كل عقدة : عليك ليل طويل فارقد فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة فإن توضأ انحلت عقدة فإن صلى انحلت عقده كلها فأصبح نشيطا طيب النفس و إلا أصبح خبيث النفس كسلان ".

فتأمل هنا في خاتمة قول نبيك صلى الله عليه وسلم " فأصبح نشيطاً طيب النفس " حتى تعلم أثر الطاعة في قلبك وجسدك وروحك ، وكيف أن هذا المعنى يكسبها قوة إضافية تجعلها قادرة على مغالبة كل الظروف والعراقيل التي تعترض الإنسان في حياته ، وتفسح له الطريق نحو التحليق للمعالي ، وكيف أن هذا

المعنى إذا فُقد من حياة إنسان أصبح " خبيث النفس كسلان "

قال ابن القيم رحمه الله تعالى في فوائد الذكر : الذكر قوت القلب والروح ، فإذا فقده العبد صار بمنزلة الجسم إذا حيل بينه وبين قوته ، وحضرت شيخ الإسلام ابن تيمية مرة صلى الفجر ثم جلس يذكر الله تعالى إلى قريب من انتصاف النهار ، ثم التفت إلىّ وقال : هذه غدوتي لولم أتغذّ هذا الغذاء سقطت قوتي ، أو كلاماً قريباً من هذا . اهـ

وإني هنا أذكّر نفسي أولاً وأذكّر كل إنسان يريد أن يكون له مشروعاً كبيراً في الأرض أن يعنى بهذا المعنى في حياته ، وأن يصابر عليه ، وأن يصنع لنفسه ورداً ثابتاً من ذلك المعنى ثم يقطع على نفسه عهداً بأن لا يتخلّف عنه إلا في الحال التي يحال بينه وبينه ولا يجد طريقاً تلك اللحظة للاستمرار .

هذه دعوة إلى اعتناق القوة الخفية ، والحرص على معانيها ، والسعي إليها بكل ما يملك الإنسان من قوة ، وحين يصل أي إنسان إلى تحقيق هذا المعنى ويرابط عليه بقوة يصل إلى تحقيق أمانيه بأيسر جهد وأقرب طريق . [الانترنت – موقع صيد االفوائد- القوة الخفية- مشعل بن عبدالعزيز الفلاحي ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والعشرون بعد المأتين في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * قوة الصلة بالله :

علاقة الإنسان بالله : يحرص الكثير من الناس على إقامة الصداقات والعلاقات مع الآخرين، وإيجاد الروابط فيما بينهم، فقد اهتم الكتاب بتأليف العديد من الكتب التي تتضمن طرق التعامل مع الناس، وأُقيمت في ذلك الكثير من الدورات، ومن الجميل أن تحظى هذه الأمور بالاهتمام من قِبل الإنسان؛ إذ هو مدنيّ بطبعه، لا بدّ له من العلاقات ومن أن يألف الناس ويألفوه، ولكن الأولى من علاقة الإنسان مع الآخرين هي علاقته مع الله، فهي التي تصل بالإنسان إلى السعادة والفوز والفلاح، وهي الأصل الذي ينبع منه صلاح علاقة الإنسان مع الآخرين، فإن كانت صالحة صلحت غيرها من العلاقات، وإن كانت فاسدة فغيرها فاسد، فقد كتبت عائشة -رضي الله عنها- لمعاوية بن أبي سفيان حين طلب منها أن تُوصيه، فردّت عليه قائلة: سمعت رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يقول: (منِ التمسَ رضا اللَّهِ بسَخطِ النَّاسِ كفاهُ اللَّهُ مؤنةَ النَّاسِ، ومنِ التمسَ رضا النَّاسِ بسخطِ اللَّهِ وَكلَهُ اللَّهُ إلى النَّاسِ). فترى من الناس مَن إذا ذُكر اسمه أثنى عليه الناس، وإذا حضر أقبلوا عليه، يمدحوه ويثنوا عليه، وربما لم يجالسوه ولم يتعاملوا معه، ويعود السبب في ذلك إلى علاقته القائمة مع الله مما يؤدي إلى أن يحبه الله تعالى، فإن الله إذا أحب عبداً من عباده نادى جبريل ليحبه، ثم نادى أهل السماء ليحبوه، ويُلقي محبته بين أهل الأرض، والعكس في ذلك إن كره الله عبداً من عباده.

 والعلاقة مع الله لن تطيب إلا بمجاهدة المرء نفسه على ترك الذنوب، فالذنوب هي التي تجلب الكروب مما يؤدي إلى سخط الله، فتؤثر على علاقة

الإنسان بربه وقربه منه، أما إن صلحت علاقته مع الله تيسرت أموره وأُجيبت دعواته، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (تعرَّفْ إلى اللهِ في الرَّخاءِ يعرِفْك في الشِّدَّةِ).

 تقوية الصلة بالله وآثارها على النفس إن النفس هي مصدر السلوك والتوجيه، وذلك بحسب ما يُملى عليها من أفكار وعواطف، وإن الاعتناء والاهتمام بالنفس من الأمور التي لا يمكن للإنسان أن يستغني عنها، كما أنها لا تتعارض مع مطالب العقل والجسد؛ إذ ينبغي على الإنسان أن يوازن بين هذه الجوانب في مطالب كل منها حتى تتحقق إنسانيته وتكتمل بشريته، وعليه فإن القرآن الكريم اعتنى بالنفس اعتناءً خاصاً، وذلك من خلال تصحيح العقيدة الإسلامية وربط الإنسان مباشرة مع ربه، من خلال الإكثار من ذكر الله، قال تعالى: (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ). فإن ذكر الله له تأثير كبير على تصرفات الإنسان وتهذيب انفعالاته تجاه كل ما يواجهه، فالإنسان بطبيعته وفطرته مجبول على الجزع وشدة الحرص، إن أصابه المكروه والعسر كان كثير الجزع والأسى، وإن أصابه اليسر كان كثير المنع والإمساك، إلا المقيمين الصلاة المحافظين على أدائها؛ حيث لا يشغلهم عنها شاغل ولا يمنعهم من أدائها مانع، والذين في أموالهم نصيب معين فرضه الله عليهم يؤدونه حقّ الأداء، وهو الزكاة، كما يؤمنون بوجود اليوم الآخر وما فيه من الحساب، فيستعدون له بالأعمال الصالحة، ويخافون من عذاب الله الذي لا يأمنه أحد، إلى غير ذلك من الصفات الواردة في قوله تعالى: (إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا* وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا* إِلَّا الْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ...). فهذه الآيات تبيّن حقيقة الإنسان الأصيلة بتصوير من خالقها، ومن المعلوم أن هذه العبادات لا تحقق أثرها في الشخصية المسلمة إلا بالدوام والحرص عليها، والاستمرار على أدائها، لأنها بمثابة الغذاء للقلب والروح، وكما هو غذاء الجسد لا تظهر آثاره ومنافعه إلا بالدوام والانتظام، فكذا العبادات يجب الدوام عليها، فمثلاً الصلاة؛ المحافظة عليها في أوقاتها التي حددها الشرع بأفضل صورة من الإحسان والإتقان، لهي عنصر مهم من عناصر علاج الهلع، ومن المعلوم أن الدواء لا يعطي النتائج المطلوبة إلا بالمحافظة عليه بالمقادير المحددة، وبالطريقة الموصوفة بشكل منتظم، وينطبق ذلك على جميع العبادات التي أمر بها الله -تعالى- وأوصى بالحرص على أدائها. طرق صلاح النفس والاستقامة إن إصلاح النفس ليس بالأمر الهين الذي يصل إليه أيّاً كان، وإنما يتطلب مثابرة ومجاهدة وصدق وإخلاص، مع طلب العون من الله، فإن الفتن في هذا الزمان لا يسلم منها أحد، وقال في ذلك الحسن البصري: (ليس العجَب فيمن هلك كيف هلك، ولكن العجب فيمَن نجا كيف نجا)، وهناك بعض الأمور التي لو اعتنى بها الإنسان وحرص عليها وتمسك بها، كانت له العون على الصلاح وسلوك طريق الاستقامة، وفي ما يأتي بيان لبعض هذه الأمور بشكل مفصّل: الصحبة: وهي من أهم عوامل صلاح النفس أو فسادها، فالإنسان يتبع لما هو عليه صاحبه، والصحبة هي التي تشكل شخصية الإنسان، فمنها يأخذ فهمه وفكره وسلوكه، فعلى المرء أن يحذر عند اختيار أصدقاءه، لأنهم إن وُصفوا بالصلاح فهو صالح، وإن وُصفوا بالفساد فهو كمثلهم. الاستفادة من الوقت: فإن الوقت هو العمر الذي يتاجر به الإنسان مع الله، ومن ضيّع وقته كان في ذلك تضييع لعمره، ومن الناس من عرفوا قيمة الوقت فكان السبب في فوزهم، وما زال ذكرهم باقياً حتى بعد مماتهم. العلم: فالعلم شريف ويأخذ هذا الشرف كل من ينتسب إليه، ويكفي لمن طلب العلم شرفاً أن الله فضلهم على غيرهم، قال تعالى: (يَرْفَعِ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)، كما أن الحيتان في البحار تستغفر لمعلمي الناس الخير، كما لا يقتصر هذا الشرف على العلم الشرعي، وإنما العلم في جميع مجالاته محمود. الزيادة من النوافل: فهي إحدى الأسباب التي لها تأثيراً واضحاً على صلاح النفس، فالقلب إذا امتلأ بالطاعة نفر من المعصية، واللسان إذا تعود على الذكر لم يصدر منه الخبيث، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أُحبَّه، فإذا أحببتُه: كنتُ سمعَه الَّذي يسمَعُ به، وبصرَه الَّذي يُبصِرُ به، ويدَه الَّتي يبطِشُ بها، ورِجلَه الَّتي يمشي بها، وإن سألني لأُعطينَّه، ولئن استعاذني لأُعيذنَّه).

المراقبة والمحاسبة: بأن يحاسب الإنسان نفسه دائماعلى كل ما يقول ويفعل، ويدرك أن الله مطّلع عليه في كل أحواله، فيراقب نفسه جيدا إن أدّى العبادة كما يرضي الله تعالى أم لا، فيلزم تقوى الله سبحانه، ويُقلع عن السوء، ومحاسبة النفس طريق لتزكيتها، فيتأمّل المسلم في أعماله، وينظر لما قدّم من خير أو شر، فيحاسب نفسه على ذلك، قال عليه الصلاة والسلام: (الكَيِّسُ مَن دان نفسَه وعمِل لما بعدَ المَوتِ، والعاجِزُ مَن أتبَعَ نفسَه هواها وتمنَّى على اللهِ)، وهي على قسمين؛ الأول أن يحاسب العبد نفسه قبل العمل؛ فيسأل نفسه إن كان يريد به وجه الله أم لا، وإن كان هذا العمل خيرا أم شرا، والثاني أن يحاسب نفسه بعد العمل؛ فيحاسبها على الغفلات، وفعل الفرائض، وترك النواهي.[ الأنترنت – موقع موضوع - قوة الصلة بالله]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثلاثون  بعد المأتين في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *كيف تقوي علاقتك بالله :

الإيمان بالله تعالى :الإيمان مصدر الفعل آمن، ومعناه التّصديق، أمّا شرعاً فيُقصد به التّصديق بالقلب، وما يتبعه من إقرارٍ باللسان، ويُقصد بالإيمان بالله تعالى: التّصديق الجازم بوحدانيّة الله تعالى، وأنّه المُستحق وحده للعبادة، والتذلّل والخضوع إليه دون سواه، وإثبات الكمال المطلق له، وتنزيهه عن كل عيبٍ ونقصٍ، فهو مالك وربّ كلّ شيءٍ، وهو الذي يُميت ويُحيي، ويخلق من العدم، ويرزق من

 يشاء من عباده بغير حساب، ومن الجدير بالذكر أنّ للإيمان معانٍ عدّةً، منها:

الانقياد لأمر الله -تعالى- والاستسلام له، حيث جاء هذا المعنى في أكثر من موضع في القرآن الكريم، ومنها قول الله تبارك وتعالى: (قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۖ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)، ومن معاني الإيمان كذلك إخلاص التّوجه والقصد لله -تعالى- دون سواه، ومنها قوله سبحانه وتعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).

 وتجدر الإشارة إلى أنّ الإيمان بالله -تعالى- قائمٌ على معنى عظيمٍ أيضاً، وهو عبادته سبحانه، وقد عرّف بعض العلماء عبادة الله -تعالى- بأنّها كمال الخضوع لله -تعالى- مع الحبّ التامّ له سبحانه، ويُشترط لتحقيق الإيمان بالله -تعالى- الإخلاص؛ إذ لا بُدّ للعبد أن يتوجه إلى الله -تعالى- بقلبٍ صادقٍ لا يُحبّ أحداً فيه كما يُحب الله تعالى، ولا يُقدّم محبة شيءٍ من مخلوقات الله -تعالى- على محبته سبحانه، وإفراده في الرجاء، والتوكل عليه فلا يرجو المسلم غير الله، ولا يدعو سواه، ولا يخاف من

 غيره سبحانه، ويؤمن يقيناً ألّا ضارّ له إلا بأمره، ولا أحداً من مخلوقات الله -عزّ وجلّ- ينفعه إلا بمشيئته.

 كيفية تقوية العلاقة بالله :

 علاقة العبد بالله تعالى ليست ثابتة، فالعبد يتقلب بين حالين؛ القرب من الله عزّ وجلّ، أو البعد عنه، والله -تعالى- يُقلّبه كيفما يشاء، وعلى المسلم أن يطلب الهداية من الله -تعالى- بشكلٍ مستمرٍ ومتواصلٍ، وأن يستحضر ضعفه بين يدي الله تعالى، حيث إنّ الغرور من الأمور التي نهى الله -تعالى- عنها وحذّر من الوقوع فيها، فلا يصحّ أن يعتقد المسلم إذا وفقه الله -تعالى- لعملٍ صالحٍ أنّه قد أخذ عهداً من الله بدخول الجنّة، أو أنّه يقف على أبواب الجنّة، أو أنّه يُدخل من يشاء في رحمة الله ويُخرج من رحمته من يشاء، فموضوع العلاقة مع الله -تعالى- أمرٌ خطيرٌ للغاية، يجدر بالمسلم ألّا يستهين بأيّ خيرٍ يفعله غيره؛ لأنّه قد يكون عند الله -تعالى- قربةً ومنجاةً له.

 الدعاء : من طرق تقوية العلاقة بالله تعالى، وتقوية الإيمان به سبحانه؛ الدعاء، وأوجه الدعاء كثيرةً

ومتعددة، منها:

 الاستعاذة بالله -تعالى- من الشّيطان الرّجيم، حيث ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة نصوصٌ كثيرةٌ تحثّ على الدعاء، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النَّبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وليقل: اللهمَّ افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج فليسلّم على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وليقُلِ: اللَّهمَّ أجِرني من الشَّيطان الرَّجيمِ)، ومن الأدعية المأثورة التي تساعد على تقوية العلاقة بالله تعالى؛ الدعاء بأن يُخسئ الله -تعالى- الشيطان، فقد رُوي عن أبي الأزهر الأنماري -رضي الله عنه- أنه قال: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان إذا أخذ مضجعه من الليل قال: بسم الله وضعتُ جنبي، اللهم اغفر لي ذنبي، وأخْسئ شيطاني، وفكّ رِهاني، واجعلني في النديّ الأعلى).

 اختيار الصحبة الصالحة :

إنّ اختيار الصّحبة الصّالحة من الأمور التي تُعدّ في غاية الأهمية عند الحديث عن العلاقة بالله -تعالى-

وتقويّتها، ففي اختيار الصّحبة الصّالحة مساعدةً للإنسان على الطّاعة والاستقامة والثبات على الحق والإيمان، ومن البيئات الصّالحة لذلك بيئة المسجد، وأداء العبادات في جماعات بين الحين والآخر؛ مثل صلاة الجماعة مع الأهل والأولاد، وقراءة القرآن الكريم في جلساتٍ جماعيةٍ مرّةً أو أكثر في الأسبوع، وإلقاء دروس مبسطة حول آداب الإسلام، وغير ذلك من الأعمال الصّالحة.

 تغيير البيئة :

إنّ مجرّد الإحساس بالبعد عن الله تعالى، والرّغبة في تقويّة العلاقة به دليلٌ على أنّ الإنسان لا يزال على خيرٍ، وأنّه سيسلك الطريق الصحيح بإذن الله، فمراجعة النفس ومحاسبتها ثمّ تقويمها خير ما يفعله المسلم لينجو، ومّما يساعد على ذلك معرفة الأسباب، والبيئة التي أدّت إلى تدهور حال المسلم وإبعاده عن الله تعالى، فمعرفة سبب البعد عن الله -تعالى- يحثّ على تجنبّه والابتعاد عنه، وهذا ما يؤدي في نهاية المطاف إلى القرب من الله تعالى، وتقوية العلاقة به.

 نصائح أخرى إضافة إلى ما سبق:  هناك مجموعة من النصائح التي تساعد على تقويّة العلاقة بالله تعالى، وتعزيز الصلة به سبحانه، وفيما يأتي بيانها:

 قراءة القرآن الكريم، والمواظبة على ذلك، وأداء الصلوات في المساجد. تجنّب الأشرار وأصحاب المعاصي والسوء. السعي في طلب العلم الشرعيّ، والصبر على تلقّي العلم، ومجالسة أهل العلم. الحدّ من وقت الفراغ والعُزلة، والحرص على إشغال الوقت بما ينفع المسلم في دنياه وآخرته. الأمل، والتفاؤل بأنّ الأيام القادمة أجمل وأفضل، وأنّه سبحانه بيده كلّ شيء، وهو -عز وجل- قادرٌ على كلّ شيء. التوبة إلى الله -تعالى- من كل المعاصي التي ارتكبها الإنسان، والحرص على عدم العودة لارتكابها، ويجدر بالمسلم اتباع الطرق التي تُؤدي به إلى تحقيق الهدف المنشود؛ فمثلاً إذا كانت صور الهاتف سبباً في معاصي الإنسان يجدر به الاستعاضة عن هاتفه بهاتف نقال دون كاميرا أو ما شابه.

الحرص على أداء النّوافل من صلواتٍ، وصيامٍ، وصدقةٍ، وذكر، وغير ذلك من الطاعات، فبالمواظبة

على أداء النوافل ينال العبد رضا الله -تعالى- وحبّه.

[ الأنترنت – موقع موضوع - كيف تقوي علاقتك بالله كتابة سناء الدويكات ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والثلاثون  بعد المأتين في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *كيف أقوي يقيني بالله :

اليقين تعتبر علاقة العبد مع خالقه سبحانه وتعالى من أهم الأمور في هذه الحياة؛ فالهدف والغاية من هذه الحياة هو عبادة الله سبحانه وتعالى على الوجه الذي يرضى به عن عبده، ففي ظل ما تعيشه المجتمعات من تشكيك في وجود الخالق سبحانه وتعالى وانتشار للإلحاد كان لا بدّ للمسلم من أن يقوّي يقينه وإيمانه بالله سبحانه وتعالى، ويوثق الصلة به لحماية نفسه من الفتن وكسب رضا الله سبحانه، فكيف يستطيع المسلم تقوية يقينه بالله سبحانه وتعالى؟، وما هو فضل اليقين وفوائده؟، وما هي درجات اليقين وعلاماته؟

معنى اليقين بالله اليقين في اللغة (اسم) مصدره يَقِنَ، يقال علم يقينٌ؛ أي ليس فيه شك، أو بمعنى ثابت يُقال أنا على يقين من أمري أي؛ متأكد منه، وعلى يقين من الأمر أي؛ عالم به حقّ العلم، وعين اليقين هي أعلى درجات العلم ، ويقينًا أي؛ بلا شكّ، بالتأكيد، وحتمًا.

 يُعرف اليقين في الاصطلاح بعدة معانٍ منها: اعتقاد الشيء (بأنّه كذا مع وجود اعتقاد بأنّه لا يمكن إلا كذا)، اعتقاداً مطابقًا للواقع غير ممكن الزوال. طمأنينة القلب على حقيقة الشيء. تحقيق التصديق بالغيب بإزالة كلّ شكّ وريب. اليقين نقيض الشك. رؤية العيان بنور الإيمان. ارتفاع الريب في مشهد الغيب.

كيف أقوي يقيني بالله لتقوية اليقين عند العبد وزيادته وثباته عليه أسباب ووسائل أهمها:

 تدبر القرآن الكريم، وبخاصة الآيات التي تناولت وتتحدث عن موضوع توحيد الله سبحانه وتعالى

وعظمته؛ فمعرفة الله سبحانه وتعالى وتعظيمه من أهم الأسباب والوسائل التي تقوّي اليقين بالله سبحانه تعالى.

المداومة على قراءة سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومطالعة سنته، ومعرفة أخباره التي تدل على دعوته، وصبره على الدعوة، وجهاده وغزواته، ففيها من الفوائد والحكم العظيمة التي تقوّي اليقين بالله عند المسلم.

قراءة النصوص من القرآن الكريم والسنة النبوية التي تتناول وتتحدث عن وعد الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين ووعيده للكافرين، والتأمل في أوصاف الجنة وأهلها، وأوصاف النار وأهلها، وقراءة النصوص التي تتناول أهوال القبر وأهوال يوم القيامة وغيرها، فهذه الأمور تقوّي اليقين بالله عند المسلم. قراءة الثابت من قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأخبارهم، والتي جاء ذكرها في نصوص القرآن الكريم والسننة النبوية، خصوصاً الآيات التي تتناول تأييد الله سبحانه وتعالى لهم بالمعجزات، والتي تتحدث أيضاً عن صبرهم وثباتهم.

معرفة أشراط الساعة وعلاماتها وآماراتها، ومعرفة ما وقع منها من أحداث وما لم يقع، وقراءة النصوص التي تدل عليها وعلى أهوالها من خروج الدآبة، ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام، وطلوع الشمس من مغربها، وخروج يأجوج ومأجوج.

اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى والإلحاح عليه بالدعاء بأنّ يقوي اليقين به، ويثبّت القلب على الطاعة والدين؛ فقد ورد النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (وسَلُوا اللهَ اليقينَ والمُعافاةَ ؛ فإنَّهُ لمْ يُؤْتَ أحدٌ بعدَ اليقينِ خيْرًا من المُعافاةِ)[٤] وكان صلى الله عليه وسلم يدعو فيقول: (اللهمَّ اقسِمْ لنا مِنْ خشيَتِكَ ما تحولُ بِهِ بينَنَا وبينَ معاصيكَ، ومِنْ طاعَتِكَ ما تُبَلِّغُنَا بِهِ جنتَكَ، ومِنَ اليقينِ ما تُهَوِّنُ بِهِ علَيْنَا مصائِبَ الدُّنيا).

 النظر والتفكر والتدبر في آيات الله سبحانه وتعالى الكونية، ومخلوقاته العظيمة، والسماوات وما فيها من نجوم وكواكب، وفي الأرض وما فيها من جبال وأنهار وبحار وحيوانات، وأشجار، وتدبر عظيم قدرة الله سبحانه وتعالى في خلقه، قال الله سبحانه وتعالى: (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ۖ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ).

 مجالسة أهل العلم ومخالطتهم، وحضور مجالسهم ودروسهم، ومجالسة الصالحين وحضور مجالس الذكر ودروس العلم؛ فإنّ ذلك له أثر كبير في تقوية اليقين بالله سبحانه وتعالى وترسيخه في النفس البشرية، وصرف أسباب الشبهات عن النفس.

فضائل وفوائد اليقين لليقين فضائل وفوائد عظيمة وكثيرة منها: يزيد اليقين المسلم قرباً من الله سبحانه وتعالى، فينال المسلم رضى الله سبحانه وتعالى ومحبته. يزيد خضوع العبد وخشوعه لربه سبحانه وتعالى. يُكسب المسلم العزة والرفعة، ويُبعده عن مواطن الذل والضعف. يورث العبد التوكل على الله سبحانه وتعالى، والزهد فيما في الدنيا من المتع الزائلة. تحصل النجاة باليقين من المهالك والمخاطر التي يمر بها المسلم في حياته. يعد من أسباب إجابة الدعاء. يعد من أسباب دخول الجنة، والفوز في الدنيا

والآخرة، والبعد عن النار. يسبب الشعور بالاستقرار وطمأنينة لقلب.

درجات اليقين وعلاماته لليقين ثلاث درجات ذكرها ابن القيم في كتابه مدارج السالكين وهي:

 علم اليقين؛ ويقصد به قبول ما ظهر من (أوامر الله سبحانه وتعالى ونواهيه) وقبول ما غاب (أي الإيمان بالغيب الذي أخبر به الله سبحانه وتعالى على لسان رسله عليهم الصلاة والسلام)، والوقوف على ما قام بالحق سبحانه وأسمائه وصفاته. وعين اليقين؛ ويُقصد بها المغني بالاستدلال عن الاستدلال، أي الاستغناء بالادراك والشهود عن طلب الدليل. وحق اليقين، وهذه خاصة بأنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام. علامات اليقين هي: قلة مخالطة الناس ومعاشرتهم. ترك مدح الناس وخاصة عندما يتعلق الأمر بالهدايا والعطايا. عدم ذم الناس والتنزه عن ذلك عند حصول المنع من قِبَلِهم. الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى في كل حال، والإستعانة به في جميع الظروف والأحوال. [ الأنترنت – موقع موضوع - كيف أقوي يقيني بالله كتابة فاتن السعيد]

الخاتمة

وفي الختام سرّ قوة المؤمن بافتقاره إلى الله القوي فحينما يعزو فضل الله إلى الله يكون المؤمن قوياً ، وحينما يعزو المرء فضل الله إلى ذاته يكون ضعيفاً ، وسرّ القوة أن يفتقر إلى الله ، وسر القوة أن يكون المرء موضوعياً في جميع شؤونه ، لولا أن الله تفضل عليّ ، لولا أن الله مكنني ، لولا أن الله أعطاني ، لولا أن الله سمح لي ، لولا أن الله وفقني ، لولا أن الله نصرني ، لولا أن الله حفظني ، لولا أن الله أمدني وعلمني  لكنت لا شيئاً .....

   والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً الذي بنعمته تتم الصالحات ، وقد انتهيت من هذا الكتاب    ( القوي )  في يوم الأثنين الأول من شهر ذي القعدة من العام الواحد والأربعون بعد الألف وأربعمائة من الهجرة في منزلي بمدينة العقيق في منطقة الباحة بالمملكة العربية السعودية  .

وقد بذلت فيه قصارى جهدي ، وجمعت كل ماله علاقة بموضوعه من الآيات الكريمة والأحاديث

الشريفة وأقوال الصحابة والتابعين ومن تبعهم الى يومنا هذا من العلماء والمفسرين والدعاة والكتاب والباحثين وعزوت كل نص إلى قائله ، وقد استفدت منه فوائد عظيمة وأرجو أن يستفيد منه كل مطلع عليه ... وهو أشبه ما يكون بالتفسير الموضوعي  ؛ إن أحسنت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان وأستغفر الله من كل خطأ وخطيئة ...     اسأل الله أن يجعله علماً نافعاً وعملاً صالحاً  متقبلاً ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين  .

وكتبه د. مسفر بن سعيد دماس الغامدي ، استاذ مشارك في السنة وعلومها ،

جوال / 0555516289