الــــقوي

بسم الله الرحمن الرحيم

 

المختصر

 

  المقدمة :

               إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا اله الا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ،قال تعالى :{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته،ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} آل عمران/ 120،وقال تعالى :  { يائها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ، وخلق منها زوجها ، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً ، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً }  النساء  / 1  ،وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً ، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً } الأحزاب /70 ، 71 وبعـــــد : 

فهذه الحلقة الأولى في موضوع (القوي )وهي بعنوان : المقدمة والتعريفات

*تعريف و معنى القوي في اللغة :

قَويّ: (اسم) الجمع : أقْوياءُ ، المؤنث : قويّة ، و الجمع للمؤنث : أقْوياءُ ، صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من قوِيَ والقَوِيّ :ذو القوة

قَويَ: (فعل) قوِيَ / قوِيَ بـ / قوِيَ ، فهو قَويُّ والجمع : أَقوياءُ ، والمفعول مقويّ به

قَوِيَ قَوِّي: جاع جُوعًا شديدًا ، قوِي بمساعدة فلان: استمدّ قُوّتَه منه ، قوِي على الأمْرِ: أطاقه، استطاع فِعله

آفة القُوَّة استضعاف الخصم، الاتّحاد يورث القوّة،

قَويُّ : فاعل من قَويَ ، استقوى فلانٌ : صار ذا قوَّة (طاقة)

استقوى بمساعدة فلان: صار قويًّا بمساعدته  [الأنترنت – موقع المعاني للمجامع ]

وأيضاً معنى القوي :

القوة خلاف الضعف والعجز ، وهي الاستعداد الذاتي للقيام بالفعل. القوي هو صاحب القدرةِ المطلقة والإرادةِ المطلقة . القوي هو الذي لا يلحقه عجز في حال من الأحوال ، يفعل ما شاء ، متى شاء ، وكيف شاء. [الأنترنت – موقع طاقتنا الخضراء ]

والقوي  في اللغة أيضاً  : صفة مشبهة للموصوف بالقوة ، وقد قوي ، وتقوى قوة فهو قوي ، يقال : قوى الله ضعفك أي أبدلك مكان الضعف قوة ، فالقوة نقيض الضعف ، والوهن ، والعجز ، وهي الاستعداد الذاتي ، والقدرة على الفعل ، وعدم العجز عن القيام به ، قال تعالى لسيدنا موسى  عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام  عن الألواح : " فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ " [الأعراف:145] .

أي خذها بقوة في دينك وحجتك ، وقال جلّ جلاله لسيدنا يحيى عليه السلام : " يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ " [مريم:12] أي بجد ، وعون من الله تعالى .

الحبّ في الله عين التوحيد والحبّ مع الله عين الشرك [الأنترنت – موقع  الكلم الطيب - اسم الله القوي  - د محمد راتب النابلسي ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : 

*تعريف و معنى القوي في الإصطلاح  :

، الله جلّ جلاله هو " القوي " بل هو  القوي  وحده ، ولا قوي سواه ، وكل قوة في الأرض مستمدة من قوة الله ، كل قوة في الأرض في الذوات

والأشياء مستمدة من قوة الله تعالى ، تأييداً للمؤمنين ، أو استدراجاً لغير المؤمنين ، أو تسخيراً للجمادات ، لحكمة بالغةٍ عرفها من عرفها ، وجهلها من

جهلها ، الآية الدقيقة ، يحتاجها كل واحد منا ، قال تعالى : " وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ " [البقرة:165] .

العلماء قالوا : هناك حب في الله ، وهناك حب مع الله ، الحبّ في الله عين التوحيد والحبّ مع الله عين الشرك ، والفرق كبير بينهما ، إنك تحب الله ، محبة الله هي الأصل ، ومن لوازم هذه المحبة أن تحبّ رسوله ، وأن تحبّ أنبياءه ، و رسله ، وأن تحبّ أصحاب النبي جميعاً ، وأن تحبّ المؤمنين ، وأن تحبّ أولياء الله الصالحين ، وأن تحبّ زوجتك ، وأن تحبّ أولادك  ، وأن تحبّ المساجد ، وأن تحبّ كتاب الله ، وأن تحبّ قراءته ، وأن تحبّ تفسيره ، وأن تحبّ فهمه ، هذا حبّ في الله ، هناك حبّ أصلي ، وهناك فروع لهذه المحبة .

 أما الحب مع الله : أن تحب جهة لا يرضى الله عنها ، لكن مصلحتك مرتبطة بها ، هذا حب مع الله ، الأول عين التوحيد ، والثاني عين الشرك ، الآن : " وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ " [البقرة:165] .

الله عزّ وجلّ منح الإنسان أشياء لا تعد ولا تحصى :" وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ " [البقرة:165] .

كأن القوة هنا تعطي ملامح ثلاثة ، قوة في الجمال ، أو قوة في الكمال ، أو قوة في النوال ( العطاء ) الله المعطي ، منحك الوجود ، منحك نعمة الإيجاد .

" هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً " [الإنسان:1] ، منحك قوة الإمداد ، منحك نعمة الهدى والرشاد ، منحك عقلاً ، منحك سمعاً وبصراً ، منحك محاكمة ، منحك زوجة ، منحك أولاداً ، منحك حرفة تتكسب بها ، منحك أشياء لا تعد ولا تحصى " وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ " [البقرة:165] .

أسعد لحظات المؤمن عند لقاء ربه تعالى ،وأرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً ، أي شيء تحبه لابدّ من أن يفارقك ، أو أن تفارقه ، شخص يحب امرأته حباً لا حدود له ، لابدّ من أن يموت قبلها ، أو تموت قبله .

هل يوجد حدث مستقبلي بحياتنا جميعاً أقوى من الموت ؟ هل يستطيع شخص من بني البشر بما فيهم الملوك والأنبياء أن ينجو من الموت ؟ أبداً ، أخطر حدث مستقبلي مغادرة الدنيا ، من هو العاقل ؟ من هو الذكي ؟ من هو الموفق ؟ من هو الفالح ؟ من هو الناجح ؟ الذي يتكيف مع هذه اللحظة

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :  الله جلّ جلاله سمًى ذاته العلية باسم " القوي " لأنه :

1 ـ موصوف بالقوة التي لا تغلب  :

" القوي " سبحانه وتعالى هو الموصوف بالقوة ، والإنسان في أصل فطرته يعجب بالـ " القوي " أنت اجلس بمجلس ، هناك عشرة رجال ، أحدهم قوي جداً يتمتع بمنصب رفيع ، تجد الحاضرون كلهم تنعقد أبصارهم عليه ، ينظرون إليه ، يسألونه ، خطف الأبصار كلها لأنه قوي ، وهناك إنسان آخر خطف الأبصار كلها لأنه غني ، وهناك إنسان أنيق جداً ، وسيم الطلعة ، وجهه لطيف ، الناس كلهم ينظرون إليه ، الجمال ، والكمال ، والنوال يجلب الأنظار ،فكيف إذا علمت أن كل جمال في الكون مسحة من جمال الله ، وكل كمال في البشر مسحة من كمال الله ؟ شخص أعطاك عطية ، لكن الله منحك زوجة ، منحك أولاداً ، منحك أجهزة دقيقة جداً .....

لذلك الله سبحانه وتعالى موصوف بالقوة، وصاحب القدرة المطلقة، لا يغلبه غالب، وإن كان  الإنسان أحياناً يتعلق بقوي من البشر ولو كان عدوه ، قوي ، أمره نافذ ، يتكلم ينفذ ، تجد حتى الدول التي تهزم من قبل الأقوياء القوي مع أنه عدو لكن ينتزع إعجاب الأفراد المهزومين ، فكيف بك إذا تعلقت بأقوى الأقوياء ، تعلقت بالـ" القوي " الحقيقي وقوته يمكن أن تنتفع بها ، أنت قوي إذا كنت مع القوي ، وأنت غني إذا كنت مع الغني وأنت عالم إذا كنت مع العالم ، وأنت حكيم إذا كنت مع الحكيم ........

2 ـ قوي في فعله قادر على إتمامه :

 الإنسان الضعيف ، يقوي ضعفه بالله ، يصبح قوياً ، والإنسان الجاهل يلغي جهله بمعرفة الله ، الإنسان أحياناً غير حكيم لكنه إذا اتصل بالحكيم صار حكيما

إذاً الله جلّ جلاله لا يغلبه غالب ، ولا يرد قضاؤه راد ، ولا يمنعه مانع ، ولا يدفعه دافع ، وهو " القوي " في فعله ، القادر على إتمام فعله .....

3 ـ قوي في بطشه لا يعتريه ضعف أو قصور :

" القوي " في بطشه ، أحياناً إنسان طاغية يتفنن في إذلال العباد ، تأتي قدرة الله عز وجلّ فيبطش به ، ترتاح النفوس ، وسبحان من قهر عباده بالموت ، مطلق المشيئة والأمل في مملكته ، والله هو " القوي " سبحانه ، لا يعتريه ضعف أو قصور ، قيوم لا يتأثر بوهم أو فتور ، ينصر من نصره ، ويخذل من خذله ." إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ " [محمد:7] .

هناك هدف للمسلمين الآن يفوق من أن ننتصر على أعدائنا وما أكثرهم ؟ أكبر هدف الراحة لنا أن ننتصر ، أن نستمع أننا أقوياء ، وانتصرنا ، النصر بيد الله ، وثمنه بيدنا الثمن أن ننصر الله ، أن ننصر دين الله " إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ " .

" إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ " [آل عمران:160] وإذا كان الله معك فمن عليك ، وإذا كان عليك فمن معك ، ويا رب ماذا فقد من وجدك وماذا وجد من فقدك ؟ .

4 ـ كتب الغلبة لنفسه :

و " القوي " سبحانه ، الذي كتب الغلبة لنفسه فقط ، و أحياناً تأتي كلمة كتب مقترنة بفعل الله ، الله عنده كتابة ؟ نحن بني البشر نكتب ، لماذا ؟ إذا وثق الأمربالكتابة اصبح مريحا ، يقول لك : إن معي سند ، إن معي موافقة خطية ، إن معي إيصال ، إن معي عقد ، الإنسان من ضعفه بحياته هناك اتفاقات شفهية ، واتفاقات كتابية ، أي اتفاق شفهي يُنكر ، أما الكتابة ثابتة ، فالله عز وجل مراعاة لعقليتنا يقول : " كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ " [الأنعام:54] اطمئن ." كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي " [المجادلة:21] .إذا جاءت كلمة كتب مقترنة بفعل الله عز وجل كي يطمئن عباده ، الآية : " كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي "

هذه آيات زوال الكون أهون على الله من ألا تتحقق :" إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ " [المجادلة:21] ." إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا " [غافر:51] .

" إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ " [آل عمران:160] ." وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ " [الصافات:173] ." وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ " [الروم:47] .

علينا أن ننصر الله حتى نستحق نصره ، أنا أعود وأقول دائماً : اللهم انصرنا على أنفسنا حتى ننتصر لك ، حتى نستحق أن تنصرنا على أعدائنا ، والحديث الشريف : " هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ " [البخاري] .إذا نصرنا الضعيف ، الفقير ، الجائع ، المظلوم ينصرنا الله عز وجل .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :  الله جلّ جلاله سمًى ذاته العلية باسم " القوي " لأنه :

5 ـ موصوف بالقوة المطلقة :

" القوي " هو الكامل ، القدرة على كل شيء ، الذي لا يستولي عليه العجز في حال من الأحوال ، قال تعالى : " مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ " [الحج:74] ." قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَىٰ (45) قَالَ لَا تَخَافَا ۖ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ " [طه:45-46] .

أنت حينما تقول في الصلاة : سمع الله لمن حمده ، يعني أنا أسمعك يا عبدي ." إِنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ نَزَلَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا

فَيَقُولُ : هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ ؟ هَلْ مِنْ تَائِبٍ ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ ؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ ؟ حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ " [مسلم] ." ولو علموا ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبواً " [البخاري] . وأبشركم : " من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي ، ومن صلى العشاء في جماعة فهو في ذمة الله حتى يصبح " [أحمد] .

فإذا أدركت العشاء والفجر في المسجد في جماعة فقد أخذت ضمانة من الله في اليوم بأكمله لأنه القوي.

6 ـ متناهٍ في القوة :

" القوي " المتناهي في القوة ، الذي تتصاغر كل قوة أمام قوته ، مثال : زلزال تسونامي يساوي مليون قنبلة ذرية ، هناك جزر انزاحت عن مكانها ، هناك حديث طويل عن هذا الزلزال هذا مثل لقوة الله عز وجل .

يتضاءل كل عظيم عند ذكر عظمته ، الله تعالى أعطى الملائكة قوة كبيرة يستطيع الملك بها أن يقتلع الجبال ، وأن يقلب المدن ، يقول لك : سبعة رختر يعني دمر كل شيء مدينة بأكملها أصبحت : " قَاعاً صَفْصَفاً " [طه:106] .

زلزال وقع في إزميت بتركيا هناك صورة عُرضت في البي بي سي ، في الموقع بالانترنيت تلفت النظر كل شيء في المدينة أصبح ركاماً ، تفتت المدينة فتاتاً عجيباً إلا مسجداً ، ومعهداً شرعياً ، هذه الصورة تركت أثراً بالعالم ، إزميت بأكملها أصبحت ركاماً ، أحياناً يكون في الزلازل قطع كبيرة ،  لكن هذه المدينة         أصبحت قطعا صغيرة ، الارتفاع متر تقريباً ، إلا مسجداً ومعهداً شرعياً ، هذه رسالة من الله .

7 ـ له كمال القدرة والعظمة ولا يعجزه شيء :

" القوي " هو الذي له كمال القدرة والعظمة ، ولا يعجزه شيء ، قال العلماء : " القوي " غالب لا يُغلب ، يُجير ولا يُجار عليه ، فقوته فوق كل قوي ،

ما قولك أن تكون مع هذا " القوي " ؟ هل تخشى أحداً ؟ هل ترتعد فرائصك ؟ إذا كنت مع " القوي " فأنت " القوي " .

من عرف الله زهد فيما سواه : الإنسان  يعجب بالقوة ، ويتأثر بالكمال ، وأحياناً يتطلع إلى الأقوياء ، والله سبحانه وتعالى من عظمته جلّ جلاله يجمع بين القوة وبين الكمال ." تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ " [الرحمن:78] .

 هذه أسماء الكمال  : الرحيم ، الرحمن ، اللطيف ، المعطي ، الحنان ، المنان ، أما القوي ، الجبار ، المنتقم فهي من أسماء القوة ، أنت مع قوي ومع رحيم ، مع قوي ومع لطيف ، مع قوي ومع كريم .

والإنسان لا يعجب بقوي لئيم ، ولا بمحسن ضعيف ، يعجبه أن تجتمع القوة والكمال في جهة واحدة ، الله وحده في كمالاته ، وفي قوته ، الذي يملأ طموح الإنسان هو الله القوي ؛ لذلك من عرف الله زهد فيما سواه .

التدين حاجة فطرية ، حتى أتباع الديانات الأرضية ، الوضعية يلبون حاجة في نفوسهم ، الإنسان خلق ضعيفاً ليفتقر في ضعفه ، فيسعد بافتقاره ، ولو خلق قوياً لاستغنى بقوته فشقي باستغنائه ، حتى أتباع الديانات الباطلة ، الوضعية ، المختلقة ، هم يلبون حاجة لأن الإنسان خلق ضعيفاً ، لحكمة بالغةٍ بالغة     أن المسلم عرف " القوي " الحقيقي ، طبعاً هناك آلهة كالشمس ، والقمر ، والحجر ، والمدر ، والبقر ، آلهة في بعض البلاد ، فالمسلم محضوض ومن عظمة هذا الدين أنه عرف المسلم على الإله القوي القوة الحقيقية ، الذي هو معه في كل حين وزمان ومكان

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :  * آيات ورد فيها ( قُوَّةً ) :

*قال تعالى : {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ }﴿٦٠ الأنفال﴾

*وقال : {كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا }﴿٦٩ التوبة﴾

* وقال : {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ ﴿٥٢ هود﴾

* وقال : {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ ﴿٨٠ هود﴾

* وقال : {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا ﴿٩٢ النحل﴾

* وقال : {وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ﴿٣٩ الكهف﴾

* وقال : {قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ ﴿٣٣ النمل﴾

* وقال : {كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا ﴿٩ الروم﴾

* وقال : {ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ﴿٥٤ الروم﴾

* وقال : {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً ﴿٤٤ فاطر﴾

* وقال : {كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ ﴿٢١ غافر﴾

* وقال : {كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ ﴿٨٢ غافر﴾

* وقال : {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ﴿١٥ فصلت﴾

* وقال : {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ ﴿١٣ محمد﴾

* وقال : {ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ ﴿٢٠ التكوير﴾

* وقال : {فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ ﴿١٠ الطارق﴾

* وقال : {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ ﴿٦٣ البقرة﴾

* وقال : {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا ﴿٩٣ البقرة﴾

* وقال : {وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴿١٦٥ البقرة﴾

* وقال : {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ﴿١٤٥ الأعراف﴾

* وقال : {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴿١٧١ الأعراف﴾

* وقال : { إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴿٥٢ الأنفال﴾

[ الأنترنت – موقع المعاني  - آيات ورد فيها "قُوَّةً" ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :  *ومعنى القوي في حق الله :

إن البشرية اليوم في أمسِّ الحاجة لفقه أسماء الله وصفاته عامة، واسم القوي خاصة, في زمان أصبح فيه الناس كالوحوش يأكل القوي الضعيف دون زاجرٍ من دين, أو رادعٍ من ضمير, ففقه هذا الاسم يعيد للبشرية سلامها وأمنها ويضبط توازنها، وتستعيد البشرية به مرة أخرى إنسانيتها المفقودة بسبب الاغترار بالقوة والجبروت, فإن الغرور بالقوة والتقدم العلمي والعسكري غر كثيراً من الدول، فتسلطوا على خلق الله شرقا وغربا، ولسان حالهم: (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) [فصلت:15], ولو فقهوا معنى القوة الحقيقية، ومَن المتَّصِفُ بها لتواضعوا لله -عز وجل-، وكفوا عن العدوان على الناس.

و القوي قَالَ تعالى: (كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ إنا وَرُسُلِي إِن الله قَوِيٌّ عَزِيزٌ) [المجادلة:21], والقوة لله جميعاً (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات:58], وكلمة القوة في القرآن الكريم وردت منسوبة إلى الله كما في قوله: (وَلوْلا إِذْ دَخَلتَ جَنَّتَكَ قُلتَ مَا شَاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللهِ إِنْ تَرَنِ إنا أَقَل مِنْكَ مَالاً وَوَلداً) [الكهف:39]، وهو -سبحانه- الذي يهب القوة من شاء من عباده, كما قال هود -عليه السلام-: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلوْا مُجْرِمِينَ) [هود:52].

فالله قويٌ كامل القدرة لا يستولي عليه العجز في حال من الأحوال، لا يغلبه غالب، ولا يرد قضاءه

رادٌ، القويُّ الذي ينفذ أمره وقضاؤه، لا يمنعه مانع، ولا يدفعه دافع، القوي الذي قهر جميع المخلوقات، ودانت له الخلائق، وخضعت له جميع الكائنات، وامتنع أن يناله أحد من المخلوقات.

وفي القرآن نجد أن المولى -جل وعلا- قد قرن اسم القوي باسمين مخصوصين تتكامل بهما معاني ودلالات اسم الله القوي، هذان الاسمان هما: “العزيز” و”المتين”، فكثيرا ما يقترن اسم الله القوي باسمه العزيز؛ لأن قوته عن عزة وغنى, فلا يحتاج لمعينٍ ولا نصير ولا ظهير.

وقد جاءت أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- متناسقة مع الحديث القرآني عن أسماء الله وصفاته، توضح دلالاتها وتكشف مقتضياتها، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: “كَانَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ في سُجُودِ الْقُرْآنِ بِالليْلِ، يَقُولُ في السَّجْدَةِ مِرَارًا: سَجَدَ وجهي للذي خَلَقَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ” (صححه الألباني).

وعنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: “مَنْ أَكَلَ طَعَامًا ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ

الَّذِي أَطْعَمَنِي هَذَا الطَّعَامَ، وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ

مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ“، قَالَ: “وَمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي هَذَا الثَّوْبَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي، وَلَا قُوَّةٍ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ” (حسنه الألباني).

وشتان بين قوة الخالق وقوة المخلوقين، فلا وجه بين القوتين، وذلك من أوجه عديدة, منها:

أولا: أن كل قوة في الكون مصدرها الله تعالى، وقوة المخلوقات جميعا لا تساوي ذرة بالنسبة لقوة الله -عز وجل-، بل قوة جميع تلك المخلوقات لو اجتمعت لواحد منهم، فإن قوة أولئك كلهم لا تساوي شيئاً بالنسبة لقوة الملك القوي الجبار: (مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج:74].

ثانيا: قوة الله قوة أبدية لا تحول ولا تزول، وكل قوة في المخلوق تبدأ بضعف وتنتهي إلى ضعف, قال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) [الروم:54]. [الأنترنت – موقع ملتقى الخطباء - اسم الله القوي]

وأيضاً معنى الاسم في حق الله:

(القوي) جل جلاله: هو الذي لا يغلبه غالب، ولا يفوته هارب، ولا يَردُّ قضاءه رادٌّ، ينفذ أمرُه ويمضي قضاؤه في خلقِه، شديد عقابه لمن كفَر بآياته وجحد حججه"    [ تفسير الطبري، وتفسير ابن كثير.]

 (القوي) جل جلاله: هو الذي تتصاغر كل قوة أمام قوته، ويتضاءل كل عظيم أمام عظمته.

(القوي) جل جلاله: هو الذي يُعطي القوة بحكمته لمن يشاء، ويسلبها ممن يشاء، فبينما الرجل في أوج قوته وكامل صحته إذ بالمرض يدهمه؛ فلا يقوى أن يصلب عوده أو يرفع رأسه، ويضعف عن حمل أقل الأشياء.

ويأتي القوي في كتاب الله تعالى في سياقين:

الأول: الإخبار عن تدمير الظالمين والمذنبين.

الثاني: سياق النصر والتأييد والتفريج للمؤمنين والمستضعفين. [الأنترنت – موقع الألوكة - القوي المتين جل جلاله - د. شريف فوزي سلطان ]

ومن معنى اسم "القوي" في حق الله عز وجل : قال الخطابي رحمه الله تعالى: "هو الذي لا يستولي عليه العجز في حال من الأحوال، والمخلوق وإن وصف بالقوة فإن قوته متناهية وعن بعض الأمور قاصرة".

وذكر الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله تعالى - الفرق بين القدرة والقوة فقال:"القدرة يقابلها العجز، والقوة يقابلها الضعف، والفرق بينهما أن القدرة يوصف بها ذو الشعور، والقوة يوصف بها ذو الشعور وغيره.

ثانيًا: أن القوة أخص فكل قوي من ذي الشعور قادر وليس كل قادر قويًا".

ولله اﻷسماء الحسنى - عبد العزيز الجليل الأنترنت – موقع حياة القلوب في معرفةعلام الغيوب

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فهذه الحلقة السابعة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :  *ومن مظاهر قوة الله القوي :

أولا: قوة المشيئة النافذة على إتمام فعله، فله مطلق المشيئة والأمر، قويٌ في ذاته غيُر عاجز، لا يعتريه ضعفٌ أو قصور، قيّوم، لا يتأثر بوهن أو فتور، ينصر من نصره، ويخذل من خذله، قال -عز وجل-: (وَلَيَنْصُرَنَّ الله مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج:40].

ثانيا: قوة إبداع الخلق، خلق العرش والكرسي، وخلق الملائكة العِظام، خلق السماوات والأرض، والجبال الراسيات، والنجوم الزاهرات، والكواكب النيرات، والحيوان والنبات, وذلك لكمال قوته وقدرته (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ) [السجدة: 7].

عباد الله: أليس في رفع السماء بلا عمد مع ما تحمل من المخلوقات فوقها أكبرُ آية وأعظم دليل على قوة الله البالغة؟ (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ) [فاطر:41]. “قَرَأَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- هَذِهِ الْآيَةَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: (وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)، قَالَ: يَقُولُ اللهُ -عز وجل-: “أنا الْجَبَّارُ، أنا الْمُتَكَبِّرُ، أنا الْمَلِكُ، أنا الْمُتَعَالِي، يُمَجِّدُ نَفْسَهُ“. قَالَ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ يُرَدِّدُهَا حَتَّى رَجَفَ بِهِ الْمِنْبَرُ، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيَخِرُّ بِهِ” (رواه أحمد).

ثالثا: ومن مظاهر قوته: إهلاك الكافرين والمجرمين, بأنواع من العقوبات، نصراً لأنبيائه وتأييداً لأوليائه, قال الله: (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال:52].

وقد أهلك الله القوي الأمم التي كفرت بالله وكذبت الرسل، وأفسدوا في الأرض، واستكبروا فيها،

 (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [غافر:22]، فأنزل عليهم من عقابه ما أظهر عليهم قدرته وقوته (أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى * وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى * وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى * وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى * فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى) [النجم:50-55].

وكانت العقوبات القوي -سبحانه- متفاوتة (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا) [العنكبوت:40]. الأنترنت – موقع ملتقى الخطباء - اسم الله القوي

*إن لاسم الله القوي آثارٌ إيمانية في حياة الفرد والمجتمع, ومن أهم هذه الآثار:

أولا: الاعتزاز بقوة الله -عز وجل-؛ وذلك بأن ينعكس هذا الاعتزاز على حياة المؤمن وسلوكه وأفعاله، فيصدع بالحق ولا يخاف في الله لومة لائم، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قوما، فَرَأَوْا مِنْ الْمُسْلِمِينَ غِرَّةً، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى قَامَ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِالسَّيْفِ، فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: “اللَّهُ عز وجل“، فَسَقَطَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ. فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ: “مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟” قَالَ: كُنْ كَخَيْرِ آخِذٍ. قَالَ: “أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟”. قَالَ: لَا، وَلَكِنِّي أُعَاهِدُكَ أَنْ لَا أُقَاتِلَكَ وَلَا أَكُونَ مَعَ قَوْمٍ يُقَاتِلُونَكَ، فَخَلَّى سَبِيلَهُ. قَالَ: فَذَهَبَ إِلَى أَصْحَابِهِ، قَالَ: “قَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ خَيْرِ النَّاسِ“. (رواه أحمد)، في هذا الموقف الصعب يصمد القائد كالجبل الأشم ثابتاً لا يتزحزح؛ لأنه يعلم أن قوة القوي مهيمنة ونافذة.

ثانيا: حسن التوكل على القوي والاستسلام لعظمته والتبرؤ من الحول والقوة إلا به، ولهذا كانت كلمة “لا حول ولا قوة إلا بالله” جليلة الشأن، كبيرة القدر، عظيمة الأثر, عَنْ حَازِمِ بْنِ حَرْمَلَةَ قَالَ: مَرَرْتُ بِالنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ لِي: “يَا حَازِمُ، أَكْثِرْ مِنْ قَوْلِ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، فَإِنَّهَا مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ” (صححه الألباني).

ثالثا: التواضع وترك الغرور، فمن خدعته قوته واغتر بنفسه أو جاهه أو سلطانه فليتذكر قوة القوي الجبار. عن أَبُي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيّ: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي بِالسَّوْطِ، فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ خَلْفِي، “اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ“، فَلَمْ أَفْهَمِ الصَّوْتَ مِنَ الْغَضَبِ، قَالَ: فَلَمَّا دَنَا مِنِّي إِذَا هُوَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَإِذَا هُوَ يَقُولُ: “اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ، اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ“، قَالَ: فَأَلْقَيْتُ السَّوْطَ مِنْ يَدِي، فَقَالَ: “اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ، أَنَّ اللهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الْغُلَامِ“، قَالَ: فَقُلْت: لَا أَضْرِبُ مَمْلُوكًا بَعْدَهُ أَبَدًا” (رواه مسلم).

فإذا دعتك قوتك إلى ظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك, فكم من أناس بين عشية وضحاها أصبحوا لا وزن لهم ولا قيمة، فهذا قارون لما اختال بماله ومكانته، ونَصَحَهُ قومه ووعظوه: (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) [القصص:78]، فكانت النتيجة: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ) [القصص:81].

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فهذه الحلقة الثامنة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :  *ومن مظاهر قوة الله القوي :

رابعا: الاستخدام النافع للقوة الموهوبة في الحق في خدمة الواهب -سبحانه-، وأن تذيب هذه القوة في الدعوة إليه، فلك في السابقين قدوة، فعن أَبِى عَقْرَبٍ -رضي الله عنه- أنه قَال: سَأَلْتُ رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الصَّوْمِ فَقَال: “صُمْ يَوْمًا مِنَ الشَّهْرِ“، قُلْت: يَا رَسُول اللهِ زِدْنِي زِدْنِي إِنِّي أَجِدُنِي قَوِيًّا، فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ ليَرُدُّنِي، قَال: “صُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ” (صححه الألباني).

فسخَّر قوتك ونشاطك في طاعة الله -سبحانه- وفي عمارة الأرض بالخير والعمل الصًّالح، ولا تبخل بها في دعم مسيرة الدعوة إلى الله -عز وجل- إن كنت ممن يحسن ذلك, فالمؤمن القويّ محبوبٌ عند الله -سبحانه-، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “المُؤمِنُ القَوِيُّ خَيرٌ وَأَحَبُّ إِلى اللهِ مِنَ الْمُؤمِنِ الضَّعِيفِ، وفي كُلٍّ خَيرٌ ” (رواه مسلم).[ الأنترنت – موقع ملتقى الخطباء - اسم الله القوي ]

ومن آثار الإيمان باسمه سبحانه (القوي المتين)

أولاً: التواضع لله تعالى ولخلقه، والشعور بالضعف الشديد أمام قوة الله - عز وجل -

الذي لا يعجزه شيء، والتي خضع لها كل شيء فمهما أوتي المخلوق من ملك وقوة وسلطان ومال وأولاد فهو ذليل ضعيف أمام قوة الله تعالى،

وهذا الشعور يثمر التواضع ومعرفة قدر النفس، والبعد عن إيذاء الخلق وظلمهم والاعتداء عليهم، وينفي العجب بالنفس وقوتها وغرورها.

ثانيًا: التوكل على الله وحده الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وإذا أراد أمرًا فلا راد لأمره، فهو سبحانه الذي يجب التوكل عليه وحده؛ لأنه وحده القوي العزيز الذي لا يغالب، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.

قال الله تعالى: { وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ } (217) [الشعراء: 317].

ثالثًا: الاستهانة بقوة المخلوق، والثقة في نصر الله - عز وجل - وكفايته للمؤمنين فمهما بلغت قوة الكافرين وعددهم وعتادهم فالله فوقهم،

ونواصيهم بيده وقوتهم لا شيء في جنب قوة الله تعالى، لكن بشرط الأخذ بأسباب النصر والعزة،

قال الله - عز وجل -: { فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَن اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ (16) } [فصلت: 15 - 16].

رابعًا: الشعور بالعزة وعدم الخوف من المخلوق؛ لأنه ضعيف لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعًا فضلاً عن أن يملكه لغيره.

كما قال ذلك العالم المجاهد الذي دخل على أحد السلاطين الظلمة فأمره ونهاه،

فلما قيل له: ألم تخف سطوته؟

قال: تذكرت عظمة الله تعالى وقوته فكان أمامي كالهر.

خامسًا: التبرؤ من الحول والقوة، حيث لا قوة للعبد على طاعة الله - عز وجل - وترك معاصيه، والصبر على أحكامه القدرية إلا بقوة الله - عز وجل -

وتوفيقه ولو وكل العبد إلى نفسه وحوله وقوته لضاع وهلك وخسر،

قال الرسول صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن قيس:(يا عبد الله بن قيس، ألا أعلمك كلمة هي من كنوز الجنة: لا حول ولا قوة إلا بالله)،

[الأنترنت – موقع حياة القلوب في معرفةعلام الغيوب - ولله اﻷسماء الحسنى - عبد العزيز الجليل]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فهذه الحلقة التاسعة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *القوي المتين جل جلاله

قال تعالى: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحج: 40].

نزلتْ هذه الآية في النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ حيث كانوا في أول الإسلام ممنوعين مِن قتال الكفار،

ومأمورين بالصبر عليهم لحكمة إلهية؛ فلما هاجروا إلى المدينة، وأُوذوا وحصل لهم منعة وقوة أُذن لهم بالقتال؛ فقال الله: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [الحج: 39، 40]، فإننا إن نصَرْنا الله تعالى باتباع أوامره واجتناب نواهيه، وفِعْل ما يُرضيه؛ فإن الله تعالى ناصِرُنا على عدوِّنا مهما قلَّ عدَدُنا وعُدَدُنا، ومهما عظُم عَدَدُهم وعُدَدُهم؛ وقال تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ﴾ [هود: 66]، وقال تعالى: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [المجادلة: 21]، فسبحانه كامل القوة، كاملُ العزة.

• ومِن كمال قوته وعزَّته أنَّ نواصي الخلق بيديه، وأنه لا يتحرك متحرِّكٌ، ولا يسكن ساكنٌ، إلا

بإرادته ومشيئته، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.

• ومِن كمال قوته أنه رفع السماوات بلا عمَدٍ؛ قال تعالى: ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [غافر: 57]،

وقال تعالى: ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ

زَوْجٍ كَرِيمٍ * هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [لقمان: 10، 11].

جبال الهيمالايا: يبلغ ارتفاعها اثني عشر ألف متر، ولها قاعدة تغوص تحت الأرض بعمق أربعة وعشرين ألف متر، فجميع جبال الأرض ثلثها فوق الأرض وثلثاها تحت الأرض، فمَن الذي خلَقَها؟ ومَن الذي جعلها أوتادًا للأرض لئلا تميد بنا؟ ومن الذي جعلها مصدَّات للرياح؟ ومن الذي جعلها مستودعًا للكنوز؟ إنه القوي المتين جل جلاله.

• ومن كمال قوته أنه يمسك السماء أن تقع على الأرض، ولو تركها ما قدر أحد على إمساكها؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ

زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ [فاطر: 41].

• ومن كمال قوَّته أن في كونه وخلقه عجائبَ وأسرارًا، مهما عظُمتْ قوى الأرض لن يستطيعوا لها تفسيرًا، إلا إذا شاء الله.

يسمع الكثير عن مثلث برمودا، الذي هو سِرٌّ من أسرار الله في أرضه، طائرات عملاقة تطير فوقه فتسقط في المياه بلا أي خبرٍ يُعرف عنها، وبواخر عملاقة كذلك، كل ذلك مردُّه إلى أنَّ الله قويٌّ عزيز.

• قال تعالى: ﴿اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ﴾ [الشورى: 19].

• وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ [الذاريات: 58].

فمِن أعظم آثار قوة الله جل جلاله: تكفُّله برزق جميع الخلائق، وهذا ما لا يقوى عليه إلا الله.

قال العلامة السعدي رحمه الله: "ومن قوَّته أن أوصَل رزقه إلى جميع العالم..."[ تفسير السعدي.]

 [الأنترنت – موقع الألوكة - القوي المتين جل جلاله - د. شريف فوزي سلطان ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فهذه الحلقة العاشرة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : وهل هناك فرق بين القوي والقادر والمتين؟

الحقيقة أنه لا فرق، إلا أنَّ القوي هو: "الكامل القدرة على الشيء، تقول: هو القادر على حمله، فإن زدْتَه وصفًا قلت: هو القوي على حمله"[ تفسير أسماء الله الحسنى؛ الزجاج.] وأما المتين: قال الغزالي: "والمتانة تدل على شدة القوة لله تعالى..."[ المقصد الأسنى.]

وقال الخطابي: "المتين: الشديد القويُّ الذي لا تنقطع قوته، ولا تلحقه في أفعاله مشقَّة، ولا يمسه لغوب"[شأن الدعاء.]

[الأنترنت – موقع الألوكة - القوي المتين جل جلاله - د. شريف فوزي سلطان ]

*حق القوي المتين جل جلاله:

1-أن تستمدَّ قوتك منه وحده، معتقدًا أنه لا حول ولا قوة إلا بالله:

قال تعالى: ﴿وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ﴾

[البقرة: 165]، فالقوة الحقيقية كلها لله، لا تُستمدُّ إلا منه، وهذه حقيقةٌ سوف يُدركها الغافلون يوم يرون عذاب الله بأبصارهم فيعلمون حينئذٍ علمًا جازمًا أن القوة لله جميعًا، وقد عميتْ أبصارهم في الدنيا عن رؤية شواهد قوَّته ودلائل قدرته، فعلَّقوا قلوبهم بما لا يُعطي ولا يمنع ولا يرفع، ولا يملك لنفسه فضلًا عن غيره شيئًا.

فالقوة كلها لله، والعزيز مَنْ أعزَّه، والذليل مَنْ أذلَّه، والقوي من قوَّاه، والمنصور مَن نصره، والمخذول مَن خذله؛ قال تعالى: ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ﴾ [هود: 52].

وسألت فاطمة النبي صلى الله عليه وسلم أن يُعطيها خادمًا؛ فقال لها: ((ألا أدُلُّكِ على ما هو خَيْرٌ لكِ مِنْ خادِمٍ؟ تُسبِّحينَ ثلاثًا وثلاثين، وتَحْمَدِين ثلاثًا وثلاثين، وتُكبِّرين أرْبَعًا وثلاثين، حين تأْخُذِين مَضْجَعَكِ))[ رواه مسلم.]

ولذلك ما أجمل أن يُردِّد العبد: "لا حول ولا قوة إلا بالله"، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإكثار منها، فقال: ((أكثِرْ مِن لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها كنزٌ مِن كُنوز الجنة))[ رواه ابن حبان، وصححه الألباني.]

وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سمِع المؤذِّن قال مثل ما يقول، حتى إذا بلغ: "حي على الصلاة، حي على الفلاح" قال: ((لا حولَ ولا قوَّة َإلا بالله))[ رواه أحمد، وصحَّحه الألباني في الصحيحة.]

ذلك لأنَّ فِعْل الخير من المسارعة إلى الصلاة، والحرص على الفلاح، لا يكون إلا بأن يمنحك الله القوة على ذلك.

وهي في نفس الوقت كلمة إسلام واستسلام، وتفويض وتوكُّل؛ معناها: أنه لا تحوُّل للعبد مِن معصية إلى طاعة، ولا مِن مرض إلى صحة، ولا مِن وهن إلى

قوة، ولا مِن نقص إلى زيادة إلا بالله؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ألا أدُلُّكَ على كلمة من تحت العرش

من كَنْز الجنة؟ تقول: لا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلا بالله، فيقول الله: أسلَمَ عبدي واستسلَمَ))[ رواه الحاكم، وصححه الألباني في صحيح الجامع.]

ومَن قال هذه الكلمة مستشعرًا معناها، عاملًا بمقتضاها مِن التوكُّل على الله، وصِدْق الاعتماد عليه، هُدِي وكُفِي ووُقِي، وكان مِن أقوى الناس وأحسنهم

حالًا ومآلًا، وفي الأثر: "مَنْ سَرَّهُ أن يكون أقوى الناس فليتوكَّل على الله، ومن سَرَّه أن يكون من أغنى الناس فليكُنْ بما في يد الله أوْثَقَ منه بما في يده"   [ ذكره ابن تيمية في الفتاوى، ولا تصحُّ نسبتُه إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ انظر: الضعيفة.]

2- ألا يطغى الإنسان بقوَّته، وينسى ضعفه وعجزه:

كثير مِن الناس يُعطيه الله تعالى القوة والمنعة والمال والجاه، فيَطْغى ويستكبر في الأرض، وينسى

بدايته وعجزه، وينسى قدرة الله وقهره وبطشه، وقد حكى الله تعالى لنا عن كثيرٍ مِن هؤلاء، منهم قوم هود: قال الله: ﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾ [فصلت: 15]، فماذا كانتْ عاقبة أمرهم؟

﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ﴾ [فصلت: 16].

فالعاقلُ لا يتجاوز قدره؛ بل عليه أن ينتهزَ فرصة قوَّته وشبابه ويجعلها في الطاعة، كما عليه أن يبذل قوته في الخير، والدفاع عن الحق، ونصرة الضعيف، وإنصاف المظلوم.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فهذه الحلقة الحادية عشرة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *حق القوي المتين جل جلاله:

3- ألا يدبَّ اليأس إلى قلبك:

لأنك تتعامل مع القوي المتين جل جلاله، الذي لا يعجزه شيء، ولا يغلبه ولا يفوته هارب؛ ولهذا كان اليأسُ من روح الله من صفات الكافرين؛ ﴿إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ [يوسف: 87].

4- ألا يكون خوفك إلا منه:

لأنَّ قوته سبحانه وتعالى فوق كل قوة، وليس أقوى مِن القويِّ أحدٌ، فكيف تخاف أحدًا أكثر مِن خوفك مِن الله؟!

وكيف تخشى سطوة أمير أو مدير أكثر مِن خشيتك لله، والله تعالى يقول: ﴿فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ

وَاخْشَوْنِ﴾ [المائدة: 44]، ويقول: ﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 175].

فلا بد أن تُحقِّق الخوف الحقيقي مِن القويِّ جل جلاله كعلامة مِن علامات إيمانك؛ ولهذا قال الإمام أحمد لرجل وقد شكا إليه من الخوف: "لو صَحَحْتَ لم تخَفْ أحدًا"[ هنيئًا لمن عرف ربَّه، بتصرُّف يسير.]

5- ألا تطلب النصرة إلا منه:

لأن النصر الحقيقي لا يكون إلا مِن عند الله لعباده المؤمنين الذين نصروا دينه بقلوبهم وأقوالهم وأفعالهم، فاستحقوا بذلك نصر ربهم؛ قال تعالى: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحج: 40]، فليس النصر للأقوى سلاحًا، ولا للأكثر عددًا؛ وإنما لمن آمن بالله القويِّ وتعلَّق به؛ قال الله: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [الأنفال: 10].

لقد أنزل الله الملائكة يوم بدر، ووظيفتها بثُّ البُشرى والطُّمَأْنينة في قلوب المؤمنين ليس أكثر، فإن الله تعالى ناصرٌ عباده المؤمنين بقوته القاهرة وقدرته

الباهرة؛ قال الله تعالى: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [الأنفال: 9، 10].

هذه عقيدة راسخة عند مَن آمن بالله القويِّ، فهو يعمل كل ما يقدر عليه دون أن يعتمد على نفسه؛ بل على قوة مَن آمن به وجاهد في سبيله.

حين جاء الأحزاب لحصار المدينة وتآمروا لكسر شوكة المؤمنين، وأحكموا كيدهم سِرًّا وعلانيةً، أرسل الله القويُّ عليهم ريحًا عاتية اقتلعتْ خيامهم، وقلبتْ قدورهم، وأطفأتْ نيرانهم؛ قال تعالى: ﴿وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا﴾ [الأحزاب: 25].

6-أن نعمل جاهدين على تحصيل القوة (مع الأمانة):

قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾ [الأنفال: 60]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((ألَا إنَّ القُوَّةَ الرَّمْيُ))[ رواه مسلم.]

 ؛ فالله تعالى يُحب القوة والأقوياء؛ الأقوياء في إيمانهم وأجسادهم وعلمهم وتعاطيهم وأخذهم وسائر أمورهم؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: ((المؤمنُ القويُّ خَيْرٌ وأحَبُّ إلى الله مِن المؤمن الضعيف، وفي كُلٍّ خيرٌ، احرِصْ على ما ينفَعُكَ، واسْتعِن بالله ولا تعجزْ))[ رواه مسلم.]

والله تعالى يكره القوة المبنية على الطغيان والظلم؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: ((لا قُدِّسَتْ أُمَّةٌ لا يأخُذُ الضعيفُ فيها حقَّه غيرَ مُتَعْتَعٍ))[ رواه ابن ماجه، وصححه الألباني] وقوله: ((غير مُتَعْتَعٍ))؛ أي: من غير أن يُصيبَه أذًى يُقلِقُه ويُزعجه[ حاشية السندي على سنن ابن ماجه.]

فلا بد مع القوة مِن الأمانة: ﴿يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ [القصص: 26].

إن قوَّةً بغير أمانة كفيلةٌ بأن تنتج الطغاة في الأرض، وتنشُر الظلمَ والعدوان، وإن أمانةً مع ضَعْفٍ كفيلةٌ بأن تُفسِد من حيث أردْتَ الإصلاح، فلا بد لنا

- إن أردْنا النهوض - مِن هاتين الصفتين: القوة والأمانة[هنيئًا لمن عرف ربَّه.]

وقد عرفنا القوة، أما الأمانة فـ"ترجع إلى خشية الله، وألا نشتري بآياته ثمنًا قليلًا، وترك خشية الناس..."[ مجموع الفتاوى: ابن تيمية.]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فهذه الحلقة الثانية عشرة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *حق القوي المتين جل جلاله:

7- دعاء الله تعالى باسمه القويِّ والمتين: فاللهم إنا نسألك باسمك القويِّ:

أن تُوفِّقنا إلى طاعاتك، وتُعيننا على مرضاتك، وتأخُذ بنواصينا إلى طريق جناتك.

وتنصرنا على أعدائك، وأن تُعيننا على ضَعْف نفوسنا ووهن قلوبنا، وأن تجعلنا مِن الصادقين.

اللهم إنا نسألك باسمك القوي أن تنتقمَ مِن الظالمين، اللهم أَرِنا فيهم عجائبَ قُدرتكَ.

اللهم إنا نسألك باسمك القوي أن تشفي صُدور قومٍ مؤمنين.اللهم آمين.

[الأنترنت – موقع الألوكة - القوي المتين جل جلاله - د. شريف فوزي سلطان ]

* القوي” . . له كمال القدرة فلا يعجزه شيء

قال تعالى: "فلما جاء أمرنا نجينا صالحاً والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ إن ربك هو القوي العزيز"، (سورة هود الآية: 66) .

و"القوي" اسم من أسماء الله تعالى الحسنى، ومعناه أنه تعالى ذو القوة والقدرة التامة البالغة الكمال، فلا غالب له، فهو القادر على كل شيء لا يعجزه شيء وهو الغالب الذي لا يغلب، وهو القوي الذي يحتاج خلقه إليه، وهو القوي الذي يمتلك كل ما في الوجود بلا شريك .

يذكر الدكتور أحمد عبده عوض في "موسوعة أسماء الله الحسنى" أن هذا الاسم يختص بعدة خواص:

 الأولى: أن القوي هو الذي يمتلك القدرة التامة، فالله تعالى من حيث إنه بالغ القدرة فهو قوي .

الثانية: أن القوي قد يكون بمعنى القادر، ومن قوي على شيء فقد قدر عليه، وقد يكون معناه التام القوة الذي لا يستولي عليه العجز في حال من الأحوال،

والمخلوق وإن وصف بالقوة فإن قوته وعن بعض الأمور قاصرة .

الثالثة: أن القوي هو الله الذي لا يلحقه ضعف في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، كما أنه القوي الذي له كمال القدرة والعظمة .

الرابعة، أن القوي هو القادر التام القدرة الذي لا يستولي عليه عجز في حال من الأحوال، وهو الكامل القدرة على كل شيء .

يقول الدكتور أحمد الشرباصي في "موسوعة له الأسماء الحسنى": جاء وصف الله تعالى بالقوة في آيات منها قوله تعالى في سورة البقرة: " ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعاً وأن الله شديد العقاب" . وجاء في سورة الكهف: "ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترن أنا أقل منك مالاً وولداً" . وفي سورة فصلت: "فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون"، وقال تعالى: "إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين"، (سورة الذاريات الآية: 58) . وقال تعالى: "ولينصرن الله من ينصره إن الله قوي عزيز"، (سورة الحج) . وحين ننظر في الآيات السابقة نجد أن اسم القوي صحبه الوصف بشديد العقاب، وجاء ذلك في موضعين، وقد اقترن اسم القوي باسم العزيز سبع مرات وهذا مناسب لأن القوة يلائمها العزة، كما أن القوة يلائمها الشدة .

والمتين : قال تعالى: "إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين"، (سورة الذاريات الآية: 58) . و"المتين" اسم من أسماء الله تعالى الحسنى، ومعناه أنه شديد القوى بالغ القدرة، لا تنقطع قوته، ولا تلحقه مشقة، له كمال القوة والقدرة، لا يستولي عليه العجز، ولا يغلبه غالب، ولا يوهنه الضعف، لا يعجزه شيء في الأرض، ولا في السماء، ولا يمسه في أفعاله لغوب، لا يحتاج في إمضاء حكمه إلى جند ومدد، إذا أراد أن يهلك قوماً أهلكهم من دون جهد، ولا نصب، فهو المتين الذي يمتلك كل عناصر القوة .

يقول الدكتور أحمد عبده عوض: يختص هذا الاسم بعدة خواص:

 الأولى: أن المتين هو شديد القوة، فإن الله تعالى هو شديد القوة المتين .

الثانية: أن المتين هو الذي لا تتناقص قوته فيهون ويفتر، إذ كان يحدث ما يحدث في غيره لا في نفسه، وكان التقدير لا يجوز عليه .

 الثالثة: أن المتين هو القوي الشديد: الذي لا يلحقه من أفعاله مشقة، ولا كلفة، ولا تعب .

الرابعة: أن المتين هو الكامل القوة الذي بلغت قدرته أقصى الغايات لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء .

الخامسة، أن المتين هو المتناهي في المتانة، يؤثر في كل الأشياء، ولا تؤثر فيه .

ويذكر البخاري في صفة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا أهل قوة . وطريق القوة والمتانة هو طريق

الله، لأن الكتاب الإلهي هو حبل الله المتين، ودينه هو الدين المتين، فلنتجه إلى الله بقلوبنا نسأله

 أن يقوينا بقوته، وأن يؤيدنا بمتانته، إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين .

الأنترنت – موقع الخليج  - الأسماء الحسنى - “القوي” . . له كمال القدرة فلا يعجزه شيء]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فهذه الحلقة الثالثة عشرة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *قوة العزيمة :

     تعدّ قوة العزيمة من الصفات النفسية التي لها أثر إيجابي جداً على حياة صاحبها، وعلى شخصيته كذلك، بل تُعدّ قوّة الشخصية إحدى روافدها، فقوّة العزيمة تعني قوة الإرادة مصحوبة بالتصميم، وتتميّز عن الإرادة بفارق التصميم، فإذا كانت الإرادة تعني مطلق المشيئة، وميل النفس نحو عمل أمر ما، فإنّ قوة العزيمة هي هذا الميل وزيادة عليه التصميم على العمل، والتنفيذ مهما كانت التبعات، ومهما كانت العراقيل والمصاعب، وهناك عوامل تساعد على قوّة العزيمة، كما أنّ هناك نتائج إيجابيّة لها، وآثار سلبيّة تترتب على انعدامها.[١] طرق زيادة قوة العزيمة من طرق زيادة قوة العزيمة الآتي:[٢] التعرّف على سير من اتصفوا بقوّة العزيمة من الناجحين في الحياة، قديماً، وحديثاً وفي مختلف مجالات الحياة، وفي ذلك فوائد تتعلّق بالتأسّي، والتقليد، والمنافسة، وكلّها صفات نفسيّة متحرّكة، بمعنى قابلة للزيادة كما أنّها قابلة للنقصان فيما يتعلّق بالهمّة. مصاحبة من لديه صفات إيجابيّة، كعلوّ الهمّة وقوّة العزيمة، فالصاحب يتأثر بسجايا صاحبه سلباً أو إيجاباً. قوّة الإيمان بالله سبحانه وتعالى، وبالقدر خيره وشره، ممّا يؤدي إلى إقدام الإنسان على العمل الذي يؤمن به، واضعاً نصب عينيه، تحقيق الهدف، بغض النظر عن العراقيل والتوابع، وكلّ ما في الأمر ثقته بالهدف الذي يودّ القيام به، وثقته بصحّة الخطوات التي يسلكها.[٣] دراسة ما يود القيام به بشكل جيّد، فصحة وسلامة الهدف تدعو صاحبها للإقدام، دون تردّد أو خوف.[٤] دراسة الخطوات التي يودّ القيام بها لتحقيق الهدف، فثقته بصحّة الخطوات، يقود إلى قوّة العزيمة في التنفيذ.[٥] التدرّج في محطّات مع قوّة العزيمة، فوجود تجارب سابقة أقلّ تكلفة، ونجاحه فيها، يولد الهمّة لشؤون أكبر شأناً وأكثر حملاً، كما أنّ إقحام الإنسان لنفسه في قرارات صعبة ومكلفة، يُعرِّضه للفشل، أو الإحباط الشديد بسبب الفشل، لانعدام الخبرة وضعف العزيمة.[٤] النتائج الإيجابية لقوة العزيمة من النتائج الإيجابية لقوة العزيمة الآتي:[٦] تحقيق الأهداف المخطّط لها، ودون قوة العزيمة تبقى الأهداف مجرد عناوين منظمة، ومنسقة في قائمة الانتظار. النجاح في الحياة، فلا نجاح في الحياة يكون دون التسلح بالعزيمة. اكتساب الخبرات والتجارب، فالإنسان بمبادراته، وقراراته القوية والحكيمة في ذات الوقت، يكتسب خبرة وهي تزيد بالتجارب. علوّ الهمة وقوّة الطموح، حيث تبقى طموحات من يتصل بقوّة العزيمة دائماً في صعود. الحياة تستقيم بقوة العزيمة لا شيء إذاً في الحياة يستقيم دون قوة العزيمة، فهي في الحياة أساس نجاحها، وفي السعادة سرها، وهي مزيج من علو الهمّة وقوة الإرادة، مثابرة وطموح وجدّ، وطرق لكلّ أبواب المعالي، ثبات على القيم الرفيعة، ومتى وجدت مقرونة بالحكمة، فالعيش إذاً يطيب.

[ الأنترنت – موقع موضوع - قوة العزيمة كتابة إبراهيم العبيدي ]

* أهم ملامح القوة الذاتية :

تعرف القوة الذاتية ببساطة على أنها قدرة الإنسان على معرفة كافة سماته الشخصية الإيجابية واستخدامها كسلاح للتصدي لأي تحديات تقف أمامه وكذلك كوسيلة لتحقيق أهدافه التي يطمح لها، وهناك عناصر تشملها القوة الذاتية من خلالها يمكن التحكم بها بشكل أمثل.

العنصر الأول من عناصر القوة الذاتية : الإدراك:

 والإدراك هو حالة عامة من الاستيعاب لمقومات الحياة المحيطة بالشخص؛ أي أنه هناك عدة أشياء يجب على العقل إدراكها ليتفهم كيفية تحويلها إلى داعم لقوته الذاتية وهي:

*اليقين بضرورة التحلي بالمرونة الكافية للتعامل مع أي تغييرا يطرأ على الحياة.

*وجود مقومات الابتكار التي تساعد صاحبها على النجاح في أي منافسة يخوضها وأيضاً الإدراك بأن النجاح في الحياة وتملُك أسرار القوة الذاتية لا يتم إلا باستغلال كافة الفرص المتاحة.

*إدراك الشخص للواقع الذي يعيشه من حيث الظروف المحيطة به وكيف يمكن استغلالها الاستغلال الأمثل لتحقيق الأهداف المرجوة.

* إدراك التحديات التي تواجهه في حياته وكذلك الحالة النفسية التي يمر بها الشخص من سعادة أو حزن أو غضب وبالتالي يترتب عليها اتخاذ قرارات قد تكون غير مناسبة ولكن قد لا يعي الشخص ذلك بسبب طغيان حالته النفسية على تفكيره فلا يتحقق من توابع تلك القرارات إلا بعد فوات الأوان.

* إدراك كافة التغيرات التي قد يقابلها المرء في حياته فيجبر على التعامل معها رغماً عنه.

*والإدراك الأهم وهو إدراك أن وجود تلك التغييرات والتحديات والمشاكل والأعباء لا يجب أن يقف حائلاً بين الشخص وبين سعادته أو سعيه الدؤوب خلف أحلامه ليتمكن من تحقيقها.

*يترتب تلقائياً على حدوث الإدراك لكافة العناصر السابقة التفكير فيها وهو ما يساعد الشخص على

أن يكون متقبلاً أكثر للصعوبات الموجودة وواثقاً بأن قدراته الشخصية ومؤهلاته العقلية ستساعده على تخطيها بكل سهولة.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فهذه الحلقة الرابعة عشرة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * أهم ملامح القوة الذاتية :

العنصر الثاني : الإصرار :

يأتي عنصر الإصرار بعد تمام إدراك القوة الذاتية لدى الشخص؛ حيث أن التفكير المستمر وتمام الوعي بأن لكل حدث في الحياة وجهان أبيض وأسود يمكن الشخص من أن يرى الجانب المضيء مما حوله فيصبح أكثر إيجابية وتركيزاً على ما يسعده فقط، كل ذلك يساهم في تولد قوة كبيرة من الإصرار عند الشخص على تحقيق أهدافه مستخدماً عناصر القوة الذاتية وعدم الاكتراث بأي عقبات تقف في طريقه مهما بلغ حجمها. يساعد الإصرار صاحبه على تحمل المشاكل التي قد يقع بها أملاً في أنها ستزيده قوة وصلابة تساعده أكثر على الوصول لأحلامه، كما يشتمل إصرار الشخص أيضاً على رغبة ملحة في تحسين كافة ظروف حياته المحيطة به سواء أكانت الظروف المادية فتجده يعمل بجهد مضاعف للحصول على راتب أكبر مثلاً أو الظروف الاجتماعية فيسعى الشخص لتحسين علاقته بعائلته وأصدقائه وتكوين علاقات اجتماعية جديدة وكذلك الظروف النفسية فيبتعد تلقائياً عن كل ما يصيبه بالإحباط أو الاكتئاب وعلى العكس يواظب أكثر على ما يجعله سعيداً مبتهجاً. الاعتقاد الاعتقاد هو نتيجة مترتبة على اكتمال الإدراك لدى الشخص وتولد الإصرار لديه على تحسين حياته فيبدأ الاعتقاد بالبزوغ أي أن الشخص أصبح الآن على يقين بأنه-وبدون الحاجة لأي مؤثرات خارجية-يمتلك مفاتيح السعادة لنفسه والتي تؤهله لتقلد أسرار القوة الذاتية الخاصة به، وكذلك الاعتقاد بأن خلف كل حزن سيأتي فرح فلا ييأس من أي ضائقة يمر بها وعلى العكس فخلف كل ابتسامة قد تأتي الدموع فلا يفرط في سعادته بشكل يؤثر عليه سلباً بعد ذلك.

العنصر الثالث : الهدف  :

الهدف أو الغاية هو أحد أهم عناصر القوة الذاتية، فعند تحديد الإنسان لهدفه والعمل عليه يفتح العالم له كل الأبواب المغلقة. فطريق النجاح والوصول إلى الهدف وتحقيقه طريق ممتع وشيق ويكسب النفس والروح الكثير من القوة عن طريق خوض التحديات، فعندما يحدد الشخص المكان الذي تنبعث منه قوته وعندما يحدد المكان أو الغاية التي يرنو إليها والخطوات التي يجب عليه اتباعها لتحقيق ذلك الحلم؛ يصبح المستحيل ممكناً.

العنصر الرابع : القرار :

تعتبر القدرة على الاختيار واحدة من أعظم المنح والقدرات التي يمتلكها الإنسان؛ فالحرية في اتخاذ القرارات هبة عظيمة يجب على كل منا تقديرها. ولكن دوماً ما تواجه قراراتنا الكثير من الخوف والتردد، ولكن لا تقلق فكل القرارات تحمل العديد من النتائج منها ما يحمل نتائج سلبية ومنها ما يجيئ بنتائج إيجابية، ولتعلم دوماً أن التعلم لا يأتي إلا بالاستمرار في الرحلة والإصرار على قراراتنا وعدم الرجوع عنها مهما كانت الضغوط والمؤثرات، وستجد أنه بعد العديد من القرارات الخاطئة أن العقل قد مر بمرحلة من النضج لم يكن ليصل إليها دون مراحل من الفشل، فاتخاذ القرارات يشبه عضلات الجسم يجب عليك دوماً تمرينها وكلما زاد التمرين كلما زادت العضلة، كذلك قراراتنا كلما اتجهنا لأخذ القرارات وتنفيذها بدقة وحزم كلما كانت قراراتنا تحمل صواباً أكبر وحملت العديد من النتائج الإيجابية عند تنفيذها.

العنصر الرابع : قوة التركيز :

عند تحديد الأهداف واتخاذ القرارات لا يتبقى أمام العقل البشري لتنفيذ تلك القرارات والعمل على تحقيق تلك الأهداف إلا التركيز عليها، فإذا أردنا النجاح في أي شيء يجب علينا تركيز كل اهتمامنا على هدفنا وأن نضعه نصب أعيننا فالتركيز يمنح العقل القوة، تلك القوة التي يستطيع منها الشخص تحقيق المستحيل. فكما يعد التركيز هو أساس النجاح كذلك يمكن أن يكون مصدر للفشل، وللحصول على التركيز اللازم للنجاح يجب على الشخص :

أولاً  : أن يكون مسئولاً بصوره كاملة عن قراراته وأن يتوقف عن لوم الآخرين، ويجب عليك دوماً أن تواجه مشاكلك الخاصة بحلولك الفريدة، حتى يتجه كل وعيك وتركيزك ناحية هدفك وحلمك، فلا بد لك من تسخير عقلك نحو هدفك، وأن تتذكر دائماً تلك الأهداف ودوافعك تجاهها والرغبة من تحقيقها، وبالطبع يجب عليك دوماً أن تشعر بالتفكير السلبي وأن تدرك سبب تواجده حتى تستطيع التغلب عليه.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فهذه الحلقة الخامسة عشرة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * أهم ملامح القوة الذاتية :

العنصر الخامس : الإيمان  :

لا نعني بالإيمان هنا الإيمان بخالق الكون فقط أو الإيمان بدين معين فقط، بل أقصد الإيمان بالروح والإيمان بالقدرة على التغيير وتحقيق الهدف، فالإيمان هو الحائط الذي تنهار أمامه كل مسببات الضعف، فبدون الإيمان يعتبر النجاح مستحيلاً، وبدون إيمان تستمد منه الروح القوة ستنضب الروح وتصبح خاوية مهما كان بأسها وقوتها. الإيمان هو الأمن واليقين بأنه لا يوجد مستحيل وأنه لا يوجد ما يستطيع هزيمة الروح.

العنصر السادس : الحب  :

نعم عزيزي القارئ الحب، يعد الحب من أقوى مصادر القوة الذاتية بل ويعتبره البعض أهمها على الإطلاق فالحب هو وقود الروح، فنحن دوماً في أمس الحاجة إلى توجيه تلك الطاقة العظيمة أو الشعور بها، فالحب يغذي كل مصادر القوة الأخرى فالحب يخلق الهدف ويعزز الاعتقاد ويقوي التركيز ويدعم الغاية التي يهدف الشخص إليها، فحب الحياة وحب الهدف والحب في السعي نحو الهدف وحب الجمال وحب الأشخاص كلها مصادر متنوعة للحب فالحاجة إلى الحب من أشد الاحتياجات في حياة البشر كالحاجة إلى الحياة، فالحب يشفى كل الجروح ويزيل كل العقبات.

العنصر السابع : التسامح :

وللحصول على قوة الحب يجب علينا التسامح، نعم فالتسامح لا يعبر بالضرورة عن الضعف بل هو

 أحد مفاتيح القوة فلتصفح عن كل المسيئين ولتعلم بأن التسامح هو طريقك للوصول نحو روح لا

يشوبها الكره ولا الحقد ومن هنا تنتج قوة لا يمكن ردعها.

هذا المقال منقول من موقع تسعة : القوة الذاتية : ما هي أهم عناصر القوة الذاتية للشخص ؟

[ الانترنت – موقع  تسعة - تعرف على أهم ملامح القوة الذاتية الإدراك - عمرو عطية ]

*أسباب قوة المسلمين :

إن المتأمل في أحوال المسلمين يجد الضعف والخور والهزيمة قد حلت مكان القوة والعزة والنصر ، يا ترى لماذا ؟

  إن المسلمين اليوم بحاجة إلى قوة تسند ظهورهم وتشد من أزرهم وتذلل لهم الصعاب وتنير لهم الطريق ، يا ترى هذه القوة المنشودة من أين نحصل عليها وأين توجد هل هي في المال أم السلاح أم العتاد والعدة أما ماذا .

إن هذه القوة ليست في كل ذلك مع أنه مطلوب لكن القوة هنا هي قوة العقيدة ورحاب الإيمان بالله .

الإيمان بالله القوي هو الذي يمدنا بروح القوة فالمؤمن لا يرجوا إلا فضل الله ولا يخشى إلا الله .

إن المؤمن بالله الواثق بنصر الله قوي وإن لم يكن في يده سلاح .

إن المؤمن بالله غني وإن لم تمتلأ خزائنه بالذهب والفضة .

إن المؤمن بالله الواثق بنصر الله وإن الرزق من عند الله عزيز وإن لم يكن وراءه عشيرة وأتباع وهو أيضا ثابت وإن اضطربت به مصائب الحياة.

فالمؤمن أقوى من البحر بأمواجه والرياح بهبوبها والجبال وثباتها وصدق النبي صلى الله عليه وسلم القائل .

((لو عرفتم الله حق معرفته لزالت بدعائكم الجبال ))

وجاء في حديث رواه الامام احمد قول النبي صلى الله عليه وسلم ((إن الله لما خلق الأرض مارت وتحركت فثبتها

بالجبال فتعجبت الملائكة وقالت يارب هل خلقت خلقا أشد من الجبال قال نعم الحديد يفتت الجبال فقالت الملائكة هل خلقت خلقا أشد من الحديد قال نعم النار تذيب الحديد فقال الملائكة يا رب هل خلقت خلقا أشد من النار قال نعم الماء تطفئ النار فقالت الملائكة هل خلقت خلقا أشد من الماء قال نعم الرياح ، فقالت الملائكة يا رب هل خلقت خلقا أشد من الريا قال نعم المؤمن إذا تصدق بالصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه هو عندي أقوى من ذلك كله)) .الله اكبر الله أكبر .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فهذه الحلقة السادسة عشرة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *أسباب قوة المسلمين :

 كم نحن بحاجة الى المؤمِنُ القوِيّ الذي يتماسَك أمامَ المصائبِ ويثبُت بين يدَيِ البلاء راضيًا بقضاء الله وقدَره، وقد صوَّر هذا رسولُنا صلى الله عليه وسلم بقوله: (عجبًا لأمر المؤمن، إنَّ أمرَه كلَّه خير، وليس ذلك لأحدٍ إلاّ للمؤمن؛ إن أصابته سرّاءُ شكَر فكان خيرًا له، وإن أصابَته ضرّاء صبرَ فكان خيرًا له) رواه مسلم

كم نحن بحاجة الى القوّة في ضبطِ النفسِ والسّيطرة عليها، قال صلى الله عليه وسلم: ((ليس الشّديدُ بالصّرعَة، إنما الشديد الذي يملك نفسَه عند الغضب)) رواه البخاري

كظمُ الغيظِ قوّةٌ، قال تعالى: ((وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ)) آل عمران:134.

كم نحن بحاجة إلى الفرد القوي بدينه القوي بإيمانه الواثق بنصر الله وتأييده المؤمن بأن الرزق والأجل ليس بيد أحد إلا الله .

قال جل وعلا ((وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَاباً مُّؤَجَّلاً ))145آل عمران

إن لكل نفس كتابا مؤجلا إلى أجل مرسوم . ولن تموت نفس حتى تستوفي هذا الأجل المرسوم . فالخوف والهلع ، والحرص والتخلف ، لا يطيل أجلا . والشجاعة والثبات والإقدام والوفاء لا تقصران عمرا . فلا كان الجبن ، ولا نامت أعين الجبناء . والأجل المكتوب لا ينقص منه يوم ولا يزيد !

بذلك تستقر حقيقة الأجل في النفس ، فتترك الاشتغال به ، ولا تجعله في الحساب ،.

وبذلك تنطلق من عقال الشح والحرص ، ، في صبر وطمأنينة ، وتوكل على الله الذي يملك الآجال وحده . ثم . . إنه إذا كان العمر مكتوبا ، والأجل مرسوما . . فلتنظر نفس ما قدمت لغد ؛ ولتنظر نفس ماذا تريد ..

وشتان بين حياة وحياة ! وشتان بين اهتمام واهتمام ! –

عباد الله : اعلموا أن الذي يعيش لهذه الأرض وحدها ، ويريد ثواب الدنيا وحدها . . إنما يحيا حياة الديدان والدواب والأنعام ! ثم يموت في موعده المضروب بأجله المكتوب . والذي يتطلع إلى الأفق الآخر . . إنما يحيا حياة "الإنسان" الذي كرمه الله واستخلفه وأفرده بهذا المكان ثم يموت في موعده المضروب بأجله المكتوب . . وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا . .

عباد الله : لسنا بحاجة إلى الضعفاء المهازيل الخائفون من هبة ريح أو عاصفة هو جاء الذين لا ينصرون صديقا ولا يخيفون عدوا ..

لا نريد الجبان الذي إن أحس بعصفور طار فؤاده وإن طنّت بعوضة طال سهاده يفزع من صرير الباب إن نظرت اليه شزراً أغمي عليه شهراً يحسب خفوق الرياح قعقعة الرماح .

اسمعوا إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم :(المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير )

كيف لا و((أفضل الشهداء حمزة ورجل قال كلمة حق عند سلطان جائر ))

أمرنا الله أن نعد ونستعد بالقوة والعتاد والجند والسلاح قوة الإيمان وعتاد الأخوة وجند التكافل

وسلاح الدعاء مع العمل بالأسباب المادية.

قال تعالى :  ((وأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ ))الانفال60

وأعدُّوا - يا معشر المسلمين - لمواجهة أعدائكم كل ما تقدرون عليه مِن عدد وعدة, لتُدْخلوا بذلك الرهبة في قلوب أعداء الله وأعدائكم المتربصين بكم, وتخيفوا آخرين لا تظهر لكم عداوتهم الآن, لكن الله يعلمهم ويعلم ما يضمرونه ، إن الزمان قد تغير على المسلمين فانكمشوا بعد امتداد ووهنوا بعد قوة هذا كله لإننا ضيعنا مصادر قوتنا فالإيمان لم يعد هو المسيطر على أنفسنا والموجه لإخلاقنا .

أصبحنا غثاء كغثاء السيل في ذل وهوان .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فهذه الحلقة السابعة عشرة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : مصادر قوتنا وأسباب عزتنا :

أحبينا الدنيا وكرهن الموت فيا ترى ما هي مصادر قوتنا وأسباب عزتنا :

أولا : الإيمان بالله : فالمؤمن قوي لإنه يستمد قوته من الله العلي الكبير الذي يؤمن به ويتوكل عليه وهو عزيز لإنه يستمد عزته من العزيز ((مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ))فاطر10

من كان يطلب عزة في الدنيا أو الآخرة فليطلبها من الله, ولا تُنال إلا بطاعته, فلله العزة جميعًا, فمن اعتز بالمخلوق أذلَّه الله, ومن اعتز بالخالق أعزه الله, إليه سبحانه يصعد ذكره والعمل الصالح يرفعه

إنّه ينبغي أن لا يَنسَى العبد ربَّه في كل حال ، فإنّ العوائقَ جمّة، والحاجة إلى عونِ الله وتوفيقِه في كلِّ لحظةٍ وآن، وفي محكمِ التنزيل: ((لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ)) الكهف:39،

وقال عزّ وجلّ في دعاء نوحٍ بعد أن كذّبه قومه وبذلَ جميع الأسباب: ((فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ)) القمر:10

وقال تعالى عن موسى عليه الصلاة والسلام في وصيّته لقومه بعد أن هدَّدَهم فرعونُ بقتلِ أولادهم: ((قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)) الأعراف:128،

المؤمن يعتقد ان الله معه وإنه ناصره ورافع رايته متى ما نصر دينه ورفع رايته قال تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ))محمد7 والقائل(( وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ))الصافات173

قال أحد التابعين عجبت لمن خاف من أي شيء ولم يفزع إلى قوله تعالى :

(( حسبنا الله نعم الوكيل )) لإني قرات بعدها قوله تعالى(( فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ))ال عمران174

وعجبت لمن مكر به ولم يفزع إلى قوله تعالى :((وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ))غافر44

فإن الله يقول بعدها ((فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ ))غافر45

وعجبت لمن أصابه كرب ولم يفزع إلى قوله تعالى : ((لا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ))لأنبياء87

فإن الله يقول بعدها ((فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ))الأنبياء88

عباد الله : من مصادر قوتنا ثانيا الإيمان بالحق : فالمؤمن يستمد قوته من الحق الذي يومن به ويعمل

 له فهو لا يعمل لشهوة عارضة ولا لمنفعة شخصية ولا لعصبية جاهلية لكنه يعمل للحق الذي قامت له

السماوات والأرض : ((وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ))الإسراء81

هذا الإيمان هو الذي جعل مجموعة من الفتية الشباب أصحاب الكهف يواجهون بعقيدتهم ملكا جبارا مع قلة العدد وانعدام القوة المادية لكن معهم القوي الجبار (( إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ))الكهف13 لإنهم تجردوا من كل حول وقوة إلا حول الله وقوته .

هذا الإيمان هو الذي جعل أطفالا وشبابا على ارض الأقصى على ارض الجهاد يحملون أحجارا يهزون الدبابات والطائرات ، هؤلاء الفدائيين على أرض الأقصى الذين لا تقف أمامهم طائرات ولا أي أسلحة لإنهم باعوا أنفسهم في سبيل الله وهم واثقين بأنهم على الحق وأن ماتوا على هذه الدنيا فهم أحياء((وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ))آل عمران169

من مبادئنا الأصيلة ومن تعاليم ديننا الجليلة أن نفخر بهذا الدين ونتشرف بأن جعلنا مسلمين وأنزل إلينا أحسن كتبه وهو القرآن الكريم وأرسل إلينا أفضل رسله محمد صلى الله عليه وسلم .

قال تعالى (( وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ))آل عمران139

فلا تخافوا ولا تضعفوا وأنتم الأعلون مبدأ الأعلون منهجا الأعلون سندا فمبدؤكم المبدأ الأصيل وقرءانكم الكتاب الجليل وسندكم الرب الفضيل فكيف يهن ويضعف من كان الله سنده ومولاه وكيف يهن ويضعف من كان محمد رسول الله قدوته ورسوله .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فهذه الحلقة الثامنة عشرة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : مصادر قوتنا وأسباب عزتنا :

الشرف كل الشرف والقوة كل القوة ليست في الدور ولا القصور ولا الأموال ولا في الهيئات .

الشرف والعز أن تكون عبدا لرب الأرض والسماوات .

ومما زادني شرفا وذخرا *** وكدت بأخمصي أطأ الثريا

دخولي تحت قولك يا عبادي *** وأن صيرت أحمد لي نبيا

ما أحسن القوة في الحق تنطلق بردا  وسلاما لرد المظالم وإقامة الحدود و لا يعرف أهمية هذه القوة الا من عاش تحت وطأة الطغيان دهرا طويلا.

ما أحسن القوة يوم ترشد الضال وتدل الحيران وتشجع الجبان.

ما أجمل القوة عندما تحق الحق وتبطل الباطل وهي القوة التي أمر بها الإسلام.

ثالثا : من مصادر قوتنا وأسباب عزتنا الإيمان بالخلود : فالمؤمن يستمد قوته من الخلود الذي يؤمن به فحياته ليست هذه الأيام المعدودات إنها حياة أخرى سرمدية أبدية قال تعالى(( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ))آل عمران14-15

إنه موت واحد وحياة واحدة لكن تعددت الأسباب والموت واحد فهل يموت الإنسان ذليلا هينا أم يموت موت عز وقوة وثبات يبيع نفسه من الله عز وجل

((إنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ))التوبة111

ها هو عمير بن الحمام بعد أن سمع المصطفى يقول في بدر قوموا على جنة عرضها السماوات والأرض فقال يا رسول الله بخ بخ قال ما حملك على قول بخ بخ قال يا رسول الله رجاء أن أكون من أهلها قال أنت من أهلها فأخذ تمرات من حجره وأكل بعضها وقال إنها لحياة طويلة حتى أكلها فرماها وانطلق يخترق الصفوف ثم استشهد الله أكبر ما أجملها من ميتة .

رابعا الإيمان بالقدر : المؤمن قوي لإنه يعلم أن ما أصابه من مصيبة فبإذن الله وأن الإنس والجن لو اجتمعوا على أن يضروه بشيء لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه ,((قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ )) التوبة51

المؤمن لا يخاف على رزقه فالرزق ليس بيد أحد إلا الله .

المؤمن لا يخاف من الأجل فالأجل محدود ومعلوم .

((وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ))لقمان34

ومِن أسرار قوّةِ العقيدة أنّه لا يستطيعُ إنسانٌ كائنًا من كان أن يمنعَك من رِزق كتبه الله لك، ولا أن

يعطيَكَ رِزقًا لم يَكتُبه الله إليك، بهذا ينقطِع حبلُ اللجوءِ إلى أغنياءِ الأرض وأقويَائِها، ويتَّصِل العبد بحبلِ الله المتينِ، فهو المعطِي المانع والرَّزّاق ذو القوّة المتين، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما: ((يا غلام، إني أعلِّمُك كلمات: احفظِ اللهَ يحفظْك، احفَظِ الله تجِدْه تجاهَكَ، إذا سألتَ فاسْألِ اللهَ، وإذا استعنتَ فاستعِن بالله، واعلم أنّ الأمةَ لو اجتمَعت على أن ينفعوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، ولو اجتمَعوا على أن يضرّوك بشيء لم يضرّوك إلاّ بشيء قد كتبه الله عليك، رُفِعَت الأقلامُ وجفَتِ الصحف)) رواه الترمذي

ولِقوّةِ العقيدةِ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرَ بنِ الخطاب رضي الله عنه: ((والذي نفسي بِيَده، ما لقِيَك الشيطان سالِكًا فجًّا قطُّ إلاّ سلَك فجًّا غيرَ فجِّك)) رواه البخاري ، وهذه فضيلة عظيمةٌ لعمرَ رضي الله عنه تقتضِي أنّ الشيطانَ لا سبيلَ له عليه لقوّةِ إيمانه، لا أنّ ذلك يقتضي وجودَ العِصمة.

ها هي امرأة ينطلق زوجها إلى الجهاد فيأتي إليها ضعاف النفوس لتمنع زوجها من ذلك خوف الرزق

والأجل وقالوا من لأولادك فقالت في ثقة واطمئنان زوجي عرفته أكالا ولم أعرفه رزاقا فإن ذهب الأكال بقي الله الرزاق ، الله أكبر إنها عقيدة لا بد أن ترسخ في قلب كل واحد منا

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فهذه الحلقة التاسعة عشرة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : مصادر قوتنا وأسباب عزتنا :

خامسا : الإيمان بالأخوة : فالمؤمن قوي بإخوانه ضعيف بنفسه فهو لهم وهم له يعينونه إذا شهد ويحفظونه إذا غاب يواسونه عند الشدة ويؤنسونه عند الوحشة فالمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا

من أين تأتي القوة عند المسلمين وهم دول متفرقة وأحزاب متناثرة تلهث وراء الدنيا بزخارفها.

أخيرا أيها المسلمون: إن الأعداء لم ينتصروا علينا بقوتهم أو بأسلحتهم بل انتصروا بضعفنا وهواننا و

 ترك ديننا وابتعادنا عنه وتمزقنا.

ومع هذا إن عدونا أهون مما نتصور والسلاح المطلوب هو سلاح الإيمان بالله جل وعلا سلاح التوحيد سلاح اللجوء إلى الله.

ليس المسلمين شرف ولا قيمة ولا عزة إلا بالإسلام فنحن قوم أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله.

فإذا قيل إن أعداءنا أكثر عددا وقوة .

فلنقرأ قوله تعالى: ((كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ )) البقرة249

وإذا قيل أنهم أكثر مالا وعتادا نتلو قوله تعالى : ((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ))الأنفال36

إذا قيل أنهم أمنع حصونا وبنيانا نتلو قوله تعالى : ((وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ))الحشر2 ، اللهم إنا ضعفاء فقونا،،، أذلاء فأعزنا،،، فقراء فأغننا،،، مظلومون فانصرنا،،، [ الأنترنت – موقع صيد الفوائد - أسباب قوة المسلمين - أمير بن محمد المدري ]

*قوة الإيمان:

الله جل جلاله هو القوي الذي خلق القوة في كل قوي، خلق سبحانه الجبال وقهرها بأقوى منها، وهو الحديد الذي يكسرها.

وخلق الحديد وقهره بالنار التي تذيبه ،وخلق النار وقهرها بالماء الذين يطفئها. وخلق الماء وقهره بالهواء الذي يقلبه ويحمله.

وخلق الملائكة أقوى من السماوات والأرض.

ولكن قوة الإيمان أقوى من ذلك كله.

فمثقال ذرة من إيمان يحصل بها أدنى مسلم على مثل هذه الدنيا عشر مرات.

عَنْ عَبْدِالله بنِ مَسْعُودٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ: قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي لأعْلَمُ آخِرَ أهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا، وَآخِرَ أهْلِ الجَنَّةِ دُخُولاً، رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ حَبْواً، فَيَقُولُ اللهُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الجَنَّةَ، فَيَأْتِيهَا، فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أنَّهَا مَلأى، فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلأى، فَيَقُولُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الجَنَّةَ، فَيَأْتِيهَا، فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أنَّهَا مَلأى، فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلأى، فَيَقُولُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الجَنَّةَ، فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أمْثَالِهَا، أوْ: إِنَّ لَكَ مِثْلَ عَشَرَةِ أمْثَالِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: تَسْخَرُ مِنِّي، أوْ: تَضْحَكُ مِنِّي وَأنْتَ المَلِكُ». فَلَقَدْ رَأيْتُ رَسُولَ الله ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، وَكَانَ يَقُولُ: ذَاكَ أدْنَى أهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً. متفق عليه.

وَعَنْ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «سَألَ مُوسَى رَبَّهُ: مَا أدْنَى أهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً؟ قال: هُوَ رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلِ الجَنَّةَ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ! كَيْفَ؟ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ وَأخَذُوا أخَذَاتِهِمْ؟ فَيُقَالُ لَهُ: أتَرْضَى أنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: رَضِيتُ، رَبِّ! فَيَقُولُ: لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ، فَقَالَ فِي الخَامِسَةِ: رَضِيتُ، رَبِّ! فَيَقُولُ: هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أمْثَالِهِ، وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَلَذَّتْ عَيْنُكَ، فَيَقُولُ: رَضِيتُ، رَبِّ قال: رَبِّ! فَأعْلاهُمْ مَنْزِلَةً؟ قال: أولَئِكَ الَّذِينَ أرَدْتُ غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي، وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا، فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ». قال: «وَمِصْدَاقُهُ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} الآية [السجدة: 17]». أخرجه مسلم.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فهذه الحلقة العشرون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : والحاجات العامة والخاصة كلها إنما تُقضى بالإيمان والأعمال الصالحة.

فنوح عليه السلام دعا على الكفار فأغرقهم الله جميعاً بالماء كما قال سبحانه: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ [9] فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي

مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ [10] فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ [11] وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ [12] وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ

[13] تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ [14] وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [15]} [القمر]   وهود عليه السلام دعا ربه فأهلك قومه الكفار عاداً بالريح كما قال سبحانه: {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ [6] سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ [7] فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ [8]} [الحاقة: 6- 8].

وصالح عليه السلام دعا ربه فأهلك قومه الكفار ثموداً بالصيحة كما قال سبحانه: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ [66] وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ [67] كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ [68]} [هود: 66- 68].

وإبراهيم عليه السلام دعا ربه فأنجاه من النار والكفار كما قال سبحانه: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ [68] قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ [69] وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ [70] وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ [71]} [الأنبياء:68- 71].

ولوط عليه السلام دعا ربه فقلب على الكفار ديارهم كما قال سبحانه: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ [82] مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ [83]} [هود:82- 83].

وشعيب عليه السلام دعا ربه فأهلك قومه الكفار بالصيحة كما قال سبحانه: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا

شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ [94]

كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ [95]} [هود: 94- 95].

وموسى عليه السلام دعا ربه فأهلك فرعون وجنوده وأغرقهم بالماء كما قال سبحانه: {وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ [38] فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ [39] فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ [40]} [الذاريات:38- 40].

هذه قوة الإيمان في الدعاء العام بعد إنذار الكفار.

وأما قوة الإيمان في الدعاء الخاص فكما يلي: قال الله تعالى: {وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ [76]} [الأنبياء:76].

وقال الله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [83] فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ [84]} [الأنبياء] وقال الله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [87] فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ [88]} [الأنبياء:87- 88].

وقال الله تعالى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ [89] فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [90]} [الأنبياء:89- 90]. وقال الله تعالى: {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ [91]} [الأنبياء:91].

فهؤلاء رسل الله ولنا بهم أسوة وقدوة كما قال سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [21]} [الأحزاب:21].

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الواحدة والعشرون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * قوة محبة الله جل جلاله :

فوائد مختصرة من مصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية – في قوة محبة الله جل جلاله

الناس في حبِّ الله يتفاوتون ما بين أفضل الخلق محمد وإبراهيم إلى أدنى الناس درجة, مثل من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان, وما بين هذين الحدين من الدرجات ما لا يحصيه إلا رب السموات والأرض.

* من عرف الله وقلبه سليم أحبه, وكلما ازداد له معرفة ازداد حبه له, وكلما ازداد حبه له ازداد ذكره له...فإن قوة الحب توجب كثرة ذكر المحبوب.

* الناس في حبِّ الله يتفاوتون ما بين أفضل الخلق محمد وإبراهيم إلى أدنى الناس درجة, مثل من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان, وما بين هذين الحدين من الدرجات ما لا يحصيه إلا رب السموات والأرض.

* محركات القلوب إلى الله عز وجل ثلاثة: المحبة والخوف والرجاء, وأقواها المحبة...فإن قيل أي شيء يحرك القلوب؟ قلنا يحركها شيئان: كثرة الذكر للمحبوب, لأن كثرة ذكره تعلق القلوب به, والثاني: مطالعة آلائه ونعمائه.

* الله يُحبُّ من يُحبُّ ذكر صفاته سبحانه وتعالى.

* الرب تعالى..سنته وعادته: أن محبته ورضاه وثوابه لا يكون إلا لمن عبده وأطاعه.

* إذا أحبَّ الله عبداً..ألهمه التوبة والاستغفار فلم يصرّ على الذنوب

* إذا وجد محبة الله وجدها أحلى من كل محبة, ولهذا يكون اشتغال أهل الجنة بذلك أعظم من كل شيء.

* من أحبه الله فرحمته أقرب شيء منه, ومن أبغضه الله فرحمته أبعد شيء منه.

* من أحبَّ الله أحبَّ من يحبه الله, ومن أحبه الله أحب الله.

* كلما ازداد القلب حباً لله ازداد له عبودية, وكلما ازداد له عبودية ازداد له حباً وحرية عما سواه.

* ليس للقلوب سرور ولا لذة تامة إلا في محبة الله والتقرب إليه بما يحبه, ولا تمكن محبته إلا بالإعراض عن كل محبوب سواه, وهذا حقيقية لا إله إلا الله. [الأنترنت – موقع طريق الإسلام  - فوائد مختصرة من مصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية في قوة محبة الله جل جلاله ]

* عوامل القوة في بناء الأمّة :

سُنّة الله في الحضارات والدُّول :

فلقد اقتضت سنة الله تعالى في الحضارات والأمم والدّول أن تقوم ثم تسقط، وتزدهر ثم تندثر، فما بين صعود وهبوط، ونجاح وإخفاق، قال تعالى: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران: 140]..

أُمّتنا بين الصعود والهبوط، والقوّة والضعف:

إنّ الأمّة الإسلامية ابتدأت طريقها بصعود وارتفاع في زمن الرسول المُؤَسِّس -صلى الله عليه وسلّم- حتى حدثت ردّة الكثير من قبائل العرب ولم يبق سوى مكة والمدينة وقرية تسمى هجَر وهي بالبحرين حاليًا، فبدأ أبو بكر يعيد مجد الأمة وعزّتها بردّ كيد المرتدين وبداية عصر فتوحات لبلاد الشام، ومصارعة قطبي الصراع العالمي والتنافس الدولي وقتها (بلاد الفرس والروم)، وحقّق المسلمون صعودًا وانتصارًا عظيمًا في زمنه وزمن صاحبه عمر الفاروق، حتى وقعت فتنة في زمن عثمان وعلي انتهت بقتلهما -رضي الله عنهما- فانكسـرت الدولة المسلمة من جديد، وانزوت عن معالم حضارتها..

حتى كانت الدولة الأموية في أوّل عهدها وحققت ارتفاعًا وصعودًا جديدًا للحضارة الإسلامية، حتى أصاب الضعفُ أمراء تلك الدولة وخلدوا إلى الدنيا فكانت سنوات الهبوط والانكسار، ثم كانت مرحلة ارتفاع في مقدمة الدولة العباسية التي قامت على أنقاض دولة الأمويين، ثم شرد خلفاء الدولة العباسية وانزوى نورها واندثرت معها راية الأمّة بين الأمم، حتى جدّد الله للأمّة شبابها على يد

الدولة الأيوبية ثم الخلافة العثمانية الراشدة، ثم كانت الانكسارات المتتالية عبر زماننا..

فإن النّاظر في واقع الأمة اليوم يدرك تمام الإدراك أنها تمرّ بمرحلة عصيبة شديدة عليها وعلى أبنائها؛ حيث أصيبت بالتبعية والضعف والهوان والمذلة، حتى تكالب عليها أعداؤها من الشرق إلى الغرب، ومن الشمال إلى الجنوب، فعملوا على تفريق شملها، وتمزيق وحدتها، والسيطرة على اقتصاديات دولها وأوطانها..

وكأني بالزّمن يعيد دورته التاريخية.. وأشدّ!!

فلقد كان حال المدينة التي هاجر إليها الرسول -صلى الله عليه وسلّم- حين أُذِن له بالهجرة؛ كان حالها فرقة وتنازع وشتات وتسلط لليهود عليها.. حتى أذِن ربنا بهجرة نبينا إليها، فأخذ بعوامل القوة التي تدعم وحدة الدولة الناشئة، وتحفظ لها قوتها ووحدتها واستقلاليتها..

وحريّ بعقلاء الأمة الكبيرة والدُّول التابعة لها أن يحسنوا قراءة سيرة الرسول الحبيب -صلى الله عليه

وسلّم-؛ حيث نراه -عليه الصلاة والسلام- وقد أحسن الأخذ بالأسباب في دعم عوامل القوة في بناء الأمة والدولة، وكذا الحذر من أسباب الضعف والهوان..

ملكنا هذه الدنيا قروناً   *** وأخضعها جدود خالدونا

وسطَّرنا صحائف من ضياء  *** فما نسيَ الزمان ولا نسينا

وللوقوف على أهم عوامل القوة في بناء الدول فلا بد أولا من ذكر الأسباب التي أدّت بنا إلى هذا الحال المُزْرِي الهزيل؛ سعيًا إلى وضع علاج واقعي لما وصلنا إليه..

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الثانية والعشرون في موضوع

(القوي ) وهي بعنوان : * عوامل القوة في بناء الأمّة :

أولاً: لماذا ضعُفَت أمّتنا اليوم؟:

ولقد ساهم في إضعاف الأمّة ودولنا العربية عدد من الأسباب تتلخّص في آية واحدة وردت في كتاب الله تعالى في أعقاب غزوة أُحُــد في السنة الثالثة من الهجرة النبوية؛ حيث انكسـر المسلمون في الغزوة وانهزمت قوّة الأُمّة -بعد انتصار بدْر- فنزل قول الله تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران: 165]... نعم: [هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ]!!

فإنّ ما وصل إليه حال أمتنا وبلادِنا مِن عند أنفسنا، لما انهزمنا نفسيًّا صار الغرب هو سيدنا ونحن عبيده، لمّا ضعفت همّتنا في العمل والإنتاج صرْنا أسرى اقتصاد الغرب، لمّا بِتْنا متفرقين انهزمنا وتسلّط علينا عدوّنا، وتبدّل حالنا..

وقد لخّص النبي الحبيب -صلّى الله عليه وسلّم- أسباب الضعف والانكسار في أُمّتنا في حديثه الذي رواه الإمام أحمد في مسنده بإسنادٍ حسَنٍ، عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الْأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا" قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: " أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ، تُنْتَزَعُ الْمَهَابَةُ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ، وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ ". قَالَ: قُلْنَا: وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: "حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ".. ذنوب ومعاصي، سلبية ورضا بالدون، تفرق وتشتت وتنازع بعد صعود وقوّة...

كنا ملوكاً على الدنيا وكان لنا *** ملك عظيم وكنا سادة الأمم

كسرى وقيصر والخاقان دان لنا *** وأمرنا كان بين السيف والقلم

ومن عوامل القوة التي اعتمدها الرسول -صلى الله عليه وسلّم- في بناء الوطن، ما يأتي:

أولا: بناء الإنسان مقدّم على بناء العُمران (عقيدة وإيمان)

ثانيًا: بناء وحْدَة الصفّ المجتمعيّ

ثالثًا: بناء منظُومة العمل والاقتصاد المستقلّ وحُسْن توظيف الطاقات

رابعًا: بناء الأمَل في النفوس والقلوب

خامسًا: بناء القيم والأخْلاق الفاضلة

سادسًا: قوّة العِلــم والتعليـم

سابعًا: إقامةُ العدل بين الناس ونبذ الظُّلم

وتفصيل تلك العناصر السابقة على النّحو التالي:

أولا: بناء الإنسان مُقدّم على بناء العُمْران:

إنّ الإنسان هو شعلة النشاط، وبارقة الأمل في بناءِ أيّ مجتمع وأيّ أُمّة، فإذا انتهكت حرماته، وضُيِّق

عليه في حياته، لن تجد منه عطاءً لوطن، ولا حفاظًا على مقومات أيًّا كانت!! فالاستثمار الحقيقي في الوطن يكون ببناء الإنسان أولاً، عقيدة وثقافة وفكرًا وأخلاقًا واقتصادًا؛ فالإنسان هو أول ركن رئيس في أي خطة للبناء في البلدان والأوطان؛ فهو أساس التقدّم، وهو عمود الرقيّ، وهو ركن التحضّر، والله كرّمه، فكيف نهينه ونمتهن كرامته لمجرّد الاختلاف في الرأي أو الفكر أو حتى العقيدة والدين، يقول الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70]. ودعا الإسلام بني البشر إلى التعارف والتعاون واحترام بعضهم البعض؛ يقول عزّ وجلّ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13].. كما حرّم الإسلام الاعتداء على دين الإنسان، وماله، ونفسه، وعِرْضِه، وبدنِه، وأرضِه، وعقلِه، وحريتِه..

وقد كانت أولى خطوات النبي الحبيب -حتى قبل الهجرة- في دار الأرقم، وهي تلك الدار التي

استطاع النبي من خلالها أن يبني الإنسان بناء متكاملا من العقيدة والعبادة والأخلاق والشجاعة والهمّة العالية. وبناء الإنسان يأتي من الآتي: من البناء العقدي والإيماني الصحيح لا المغشوش، فهناك تدين مغشوش، تدين الدروشة، تديّن المصلحة، تديّن الظروف، تديّن التلوّن، تديّن القشور والمظهر لا اللباب والمخبر، ... وبناء الإنسان تعبديًّا: حيث تصحيح مفهوم العبادة في حياة الإنسان، والعمل على بنائه أخلاقيا وقيميًّا.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الثالثة والعشرون في موضوع

(القوي ) وهي بعنوان : * عوامل القوة في بناء الأمّة :

ثانيًا: بناء وحْدة الصفّ المجتمعي لا تقسيمه وتشتيته والتصالح لا التنازع:

فإنّ المجتمع الذي يتمزّق فيه عُرى الأخوة والوحدة يكون عُرْضَةً للعنف والشتات والتدخل الخارجيّ؛ فلا بدّ من وحدة الصفّ بين أبناء المجتمع الواحد كما

فعل النبيّ صلى الله عليه وسلّم في أوّل مَقْدِمِهِ إلى المدينة الطيبة؛ آخى بين المسلم والمسلم أخوة إنسانية ووطنية وإسلامية، كما آخى بين المسلم وغير

المسلم أخوة إنسانية ووطنيّة، فاستطاع أن يحفظ الوطن في أوّل عهد تأسيسه، يقول الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]، وقال سبحانه: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46]، والنبي صلى الله عليه وسلّم يقول –كما ثبت في صحيح مسلم من حديث النُّعمان-: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى»..

فكونوا جميعًا إذا اعترى **** خطبٌ ولا تتفرّقوا آحادًا

تأبى الرّماح إذا اجتمعن تكسّرًا **** وإذا تفرّقت تكسّرت أفرادًا..

وفي سبيلِ تحقيقِ هذه الوحدة وتلك الأخوّة أعدّ النبيّ دستورًا ووثيقة تعمل على حماية المواطنين جميعًا مسلمًا وغير مسلم.

وكما قال البعض عن الإسلام: إنه "إسلام يقيم المجتمع على أواصر الإخاء والوحدة بين أبنائه، فلا مكان فيه لصراع الأجناس، ولا لصراع الأديان، ولا لصراع الطبقات، ولا لصراع المذاهب. فالناس كلهم أخوة، تجمع بينهم العبودية لله، والبنوة لآدم، "إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد" واختلافهم واقع بمشيئة الله تعالى وحكمته، وهو يفصل بينهم يوم القيامة، فيما كانوا فيه يختلفون"...

فليتفق الناس على القواسم المشتركة، ويتعاونوا من خلالها، وإن اختلفوا في أمور أخرى..

ثالثًا: بناء منظُومة العمل والاقتصاد المستقلّ وحُسْن توظيف الطاقات:

إنّ رفعة الأمم وتقدمها مربوط بحجم عطاء وعمل أبناء الشعوب والأوطان في تلك الأرض، ولا ننسى ما فعله ذو القرنين من تغيير ثقافة شعب كسول خامل عن العمل، كما ورد في سورة الكهف، وماذا كانت نتيجة حركتهم وبذلهم وعطائهم. ولقد عنيت آيات الكتاب المجيد بذكر ما أمر الله به في نصوصه المقدسة الراقية، ومن بين الأوامر قوله تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة: 105].

وتلك القيمة توفرت وبقوّة مع أصحاب رسول الله: فهذا عبدالرحمن بن عوف، قال لسعد بن الربيع: (دلني على السّوق)، إنها دعوة للتميز والاستقلاليّة لا التبعيّة للآخرين، حتى أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلّم قرّر مع بدايات هجرته ببناء سوق للمسلمين، بديلا عن سوق اليهود؛ لئلا يكون تبعًا لهم، وأن يكون متميزًا في معاملته التجارية بما يتناسب وشريعة الإسلام،

وكما يقول الشيخ الشعراوي -رحمه الله-: (من لم يكن طعامه من فأسِه، فلن يكون قراره من رأسه)..

نعـم: إنّ النّاظر في القرآن المجيد يكتشف أنّ الإسلام قد اهتمّ بالبذل والعطاء للبشرية والمجتمعات، وحفّز الهِمَم نحو الإنتاج والتنمية بكافة نواحيها، لا سيّما: التنمية الاقتصادية، القائمة على الاستثمار، استثمار الجهود، والطاقات، والأموال، والمادّة الخام، كما حدث في نموذج ذي القرنين حين أتى قومًا سلبيين لا يعملون ولا يتحرّكون، فحرّك هممهم، ووظّف طاقاتهم، وعلّمهم أنّ بالتعاون والتشارك تُبْنى الأُمم وتحصّن من أيّ عدوّ غاشم، فبنَى السدّ بينهم وبين يأجوج ومأجوج..وكم في هذه القصة من الدروس والعبر، ففيها:

(حُسْن استخدام الإمكانات المُتاحَة، وحُسْن توظيف الطاقات البشرية قبل الماديّة، وضرورة وجود إدارة متعاونة لا مستبدّة، والعمل على إيجاد فرصة للتعبير والتحرّك للمصلحة العامّة....الخ). ويبقى العمل مع الإنسان إلى آخر لحظة في حياته: ففي مسند أحمد، -وهو حديث صحيح على شرط مسلم-، وفيه: «إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ». فمهما

كانت ظروف الدنيا فلا أقلّ من العمل والعطاء والبذل والاجتهاد.

إنها دعوة لحُسْن استغلال كل المواد الخام وتوظيفها بطريقة ترفع قدر الأمة والمجتمع الإسلامي، وكما يقول الشيخ الغزالي -رحمه الله-: «الناس رجلان: رجل نام في النور، ورجل استيقظ في الظلام!!». وهو نموذج لمن استغل كل ما تحت يديه، وآخر نام في النور الذي يملكه.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الرابعة والعشرون في موضوع

(القوي ) وهي بعنوان : * عوامل القوة في بناء الأمّة :

رابعًا: بناء الأمَل في النفوس والقلوب:

فلا بدّ من بث الأمل، وتثقيف الناس جميعًا بأن من وراء الشدة يأتي الفرَج القريب، وأنّ مع العُسْر

يأتي اليُسْر، وتلك هي رسالة كل الأنبياء والرسل، وصدق الله إذ يقول: {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87]..

وقد ورد في صحيح البخاري عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ، قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟ قَالَ: «كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ» وهذه رسالة لكل ولي أمر ولكل إنسان أن يعمل على بث الأمل مهما كانت الظروف المظلمة، وكما يقول بعضهم: لن تكون قمرًا منيرًا إلا إذا أحاطتك الظُّلْمة من كُلّ مكان!

ويقول عزّ وجلّ لنبيه موسى وهو في مصر -حفظها الله-: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 87] فأمره ربُّه ببث الأمان بجعل بيوت المصريين قبلة لمن أراد الأمان، وأمره كذلك ببث البشرى والأمل.. ومن بثّ الأمل إزالة الضرر عن الناس في المجتمع، فالمسلم الحقيقي -كما ثبت- هو من سلِم الناس من لسانه وأذاه... أقُول هذا الكلام؛ لأنّ الأُمَم لا تبنى باليأس، ولا تتقدم بالتشاؤم، ولا تنافس غيرها ببث الخوف والرعب بين المنسوبين أو الزائرين للمجتمع..

خامسًا: بناء منظومة القيم والأخلاق:

لا شكّ أن للقيم أهمية في بناء المجتمعات والأُمم، وأي أمّة تتنازل عن قيمها وأخلاقياتها لا تستمرّ ولا تدوم، وإذا دامت فترة لا يُكتب لها الخلود، فالمجتمع الملتزم بالقيم مجتمع يجمع بين الرقيّ والأمان، والاحترام والتقدير.، ولِذَا كانت رسالة النبي البشير واضحة في إعلاء وإعلان القيم الفاضلة في كل معاملة وسلوك، بل رتّبت الشريعة الإسلامية الأخلاق كنتيجة طبيعية للعبادات والتشريعات.. وها هو نبينا محمّد صلى الله عليه وسلّم: يختصر رسالته في قوله: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ»... وكما يقول الشاعر: وإنّما الأمم الأخلاق ما بقيت ... فإن همُو ذهبت أخلاقهم ذهبوا.. ومن بين القيم والأخلاقيات التي تعمل على بناء الأوطان: المساواة والعدالة والحرية والشورى والشهادة في سبيل الدين والوطن...

سادسًا: قوّة العِلــم والتعليـم:

لا يُمَكِّنُ الله تعالى لأمّة الجهل!!

ولذا كانت أول كلمات الوحي للرسول (اقرأ) وكان اهتمام النبي عمليا بالعلم؛ حين جعل افتداء الأسرى يوم بدر بتعليم عشرة من أصحابه العلم وإزالة الأمية، وقد قال الله تعالى لنبيه ولنا من بعده: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]؛ لأنّ العلم قوّة وقوة عظمى!!

فلم لا نتوجه إلى العلم، ونصب اهتمامنا بإخراج جيل متميز وفائق علميا في مجالي الدين والدنيا معًا؛ لا سيما وأمم الأرض اليوم تتنافس على تبوء أعلى الأماكن علميا؛ لأنهم أدركوا أنّ قيمة الدول حقيقة فيما تحسنه في باب الأبحاث والتقدّم العلميّ، يقول القائل:

بالعلم والمال يبني الناس ملكهم *** لم يبن ملك على جهل وإقلال

كفاني ثراء أنني غير جاهــل *** وأكثر أرباب الغنى اليوم جهال

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الخامسة والعشرون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * عوامل القوة في بناء الأمّة :

سابعًا: إقامة العدل بين الناس ونبذ الظُّلم

لقد قصّ علينا القرآن المجيد قصصا لأمم انكسرت وانهزمت واندثرت لما شاع ظلمها وكثُر، قال تعالى: «وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَـاهُمْ لما ظلموا»، فبِالعَدْل قامت السماء، وإنما قامت دولة الإسلام الأولى في رحاب المدينة المنورة يوم أن كان شعار قائدها (لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمد -وهو رئيس الدولة وزعيمها- يدها).. عندما تساوى الناس وعادت الحقوق للمظلومين والمقهورين انتصرت الأمة وكُتب لها القوة والتمكين، ، وقد ثبت في حديث ابن ماجه في سننه: (لَا قُدِّسَتْ أُمَّةٌ لَا يَأْخُذُ الضَّعِيفُ فِيهَا حَقَّهُ غَيْرَ مُتَعْتَعٍ) أي: من غير أن يصيبه أذى يُقلقه ويزعجه.

وقد حدّثنا التاريخُ عن أنباء أمم ودول طغى فيها الظلم المادي والمعنوي، فاستحقت الاندثار والانهزام، وسنة الله تعالى في كونه لا تحابي أحدًا.. ومجرّد نسبة الإنسان أو الأُمّة للرسول لا تعفيها من عقوبة ونتيجة الظلم؛ فمن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه..

كلمة أخيــرة:

إلى المحبين لأمتهم وأوطانهم: احرصوا على أن تكونوا أتباعًا حقيقيّين لرسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلّم-؛ بحرصكم على بناء أمّتكم كلها بلا قومية مهينة، أو عصبية مقيتة، أو حزبية قاتلة..

تبحثون عن معالم عزّ هذه الأمة وتسعون إلى عملها وإيجادها في واقع حياة الأمّة؛ رغبةً في أن يحفظ الله أمّتنا وأوطاننا.. يتخلّى المغرور عن غروره، ويترك المتكبر كبره، ويعزل المساند للظلم نفسه عن مساندة أتباعه..

أمّتك ووطنك بك لا بغيرك!!

ومن بين حكم الحكماء: (إن لم تزد على الدنيا شيئًا فأنت زائدٌ عليها) (والراضي بالدون دنيء) فأحسِن عملك، وأتقن تخصصك، ونمّ مهاراتِك، ووظِّف ما تجيده في خدمة وطنك وأمّتك....أسأل الله تعالى أن ينفعنا وإياكم بالدين العظيم، وأن يجمّلنا بأحسن الأخلاق، وأن يجعلنا سببًا في رفعة أمّتنا وعز أوطاننا... اللهم آميـــن.. [ الأنترنت – موقع عوامل القوة في بناء الأمّة ]

*قوة الجسم وسلامة البدن :

إن الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، والقيام بمهمة الخلافة في الأرض تحتاج إلى جهد وطاقات جسدية، حتى يتم أداؤها على الوجه الأكمل ، لذا حضت التربية النبوية الكريمة على بناء الفرد المسلم على أساس من القوة.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال : “المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز ” رواه مسلم.

إن المسلم مطالب بالأخذ بأسباب القوة ، وهجر الضعف والعجز ،وكيف يضعف المسلم أو يعجز وهو مؤمن بنظام الأسباب وقانون السنن في الكون ؟!

إن الضعف في البدن أو النفس أو الحال صفة ذميمة ينبغي على المسلم أن يتنزه عنها ويهجرها ،ولهذا رغّب الشرع في إعداد العدة والأخذ بأسباب القوة ،

فقال تعالى : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ)(الأنفال:60) .

بل إننا نجد القرآن الكريم قد شنع على أقوام رضوا بالدون ، وعاشوا حياة الضعف والعجز مع قدرتهم على التحول عن هذا الحال .. قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً)(النساء:97) .إن الذين يرضون حياة الضعف والعجز يعرضون أنفسهم للذل والهوان وتسلط الجبابرة .. قال تعالى : (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ)(الزخرف:54) .

إن الأمم التي يضعف أبناؤها تُستذل وتُهزم ؛ إذ أن الهزيمة تبدأ بهزيمة النفوس ، وإلا فإذا كانت

النفوس كبارًا والهمم عالية فإنها تستعصي على الهزيمة والذل ،وقد رأينا في تاريخ أسلافنا كيف سادوا

وعزوا وفتحوا الدنيا حين كانت النفوس قوية معتزة بدينها ، آخذة بأسباب القوة ، لكن عندما ضعف أبناؤها واستسلموا للعجز رأينا كيف كان الجندي التتري يأمر المسلم – الذي ضعف وعجز – بالقعود مكانه ريثما يذهب فيحضر حجرًا يقتله به ، فيستسلم ذاك ، ولا يحرك ساكنـًا إلى أن ينجز التتري ما أوعده !!كما رأينا من يُسَوِّغ تعبيد الأمة لأعدائها بحجة أننا : ” لن نفكر برأسنا ، ما دمنا لا نأكل بفأسنا ” .

كيف هذا وقد امتدح الله جل جلاه، المَلكْ صاحب الجسد القوي، القادر على تحمل الشدائد، وجعل موهبته من العلم والقوة سبباً لترشيحه للملك قال تعالى: “إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ” البقرة 247 “كما وصف الله سبحانه وتعالى كرام أنبيائه بقوله عنهم “أولو العزم من الرسل”.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة السادسة والعشرون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * عوامل القوة في بناء الأمّة :

ولما رأت ابنة شعيب مظاهر القوة عند سيدنا موسى عليه السلام قالت لأبيها، كما جاء في سياق القصة في القرآن الكريم : “يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِين ” القصص 26 “.

وهكذا نرى كيف ربط الإسلام قوة الإيمان بالاهتمام بقوة الأبدان، والغاية من القوة أن تكون الأمة الإسلامية مرهوبة الجانب، منيعة محمية عزيزة كريمة.

وهذا أمرٌ من الله سبحانه وتعالى للأمة الإسلامية في قوله تعالى : “وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ” الأنفال 60 “.

وأول سبيل للقوة ممارسة الرياضة البدنية ،والرياضة في الإسلام موجهة نحو غاية، تهدف إلى القوة،

وهي في نظر الشارع وسيلة لتحقيق الصحة والقوة البدنية لأفراد الأمة، وهي مرغوبة بحق عندما تؤدي إلى هذه النتائج على أن تستر فيها العورات وتحترم فيها أوقات الصلاة.

وقد تبنى الإسلام حتى في صلب عباداته ما يشجع على تحقيق أفضل مزاولة للتربية البدنية ، وخير مثال على ذلك ما نرى في أعمال الصلاة والحج. فنحن إذا تمعنا في حركات الصلاة نجد أنها تضمنت تحريك عضلات الجسم ومفاصله، وهي حركات تعتبر من أنسب الرياضات للصغار والكبار، للنساء والرجال، لدرجة أنه لا يستطيع أي خبير من خبراء التدريب الرياضي أن يضع لنا تمريناً واحداً يناسب جميع الأفراد والأجناس والأعمار ويحرك كل أعضاء الجسم في فترة قصيرة، كما تفعل الصلاة وأكدت الدراسات الطبية أن حركات الصلاة من أنفع ما يفيد الذين أجريت لهم عمليات انضغاط الفقرات وتجعلهم يعودون سريعاً إلى أعمالهم .

ونرى في أعمال الحج أيضاً رياضة بدنية عظيمة خلاف ما تحمله من رياضة روحية فأعمال الحج تتوافق

مع ما يحتويه نظام الكشافة بحذافيره، ففي رحلة الحج مشي وهرولة وطواف وسعي، وسكنى خيام وتحلل من اللباس الضاغط إلى لباس الإحرام، مما يجعل الحج رحلة رياضية بحق، فهي وإن كانت في أسِّ تشريعها رحلة تسمو بالحاج إلى الأفق الأعلى، فهي في برنامجها رحلة تدريب بدنية تقوي الجسم وتعزز الصحة.

يقول الدكتور يوسف القرضاوى :جاء الإسلام ديناً شاملاً متوازناً، جاء ينظم شؤون الدنيا والآخرة ويعنى بشؤون الفرد والمجتمع ويعنى في شأن الفرد بالروح والجسم والعقل .

فهويريد المسلم القوي في جسمه وعقله وروحه وإيمانه، المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، إذا كان هناك بعض الأديان لا تهتم

بالجسم الإنساني، ولا تهتم إلا بالروح، بل بعضها يقوم على تعذيب البدن لتصفو الروح وترقى، جاءت تحرم على الجسد الطيبات من الرزق ومن زينة الله، جاء القرآن يعارض هذه الوجهة ويقول (يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين، قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) من حرّم هذه الزينة وحرّم الطيبات من الرزق على الإنسان.

جاء الإسلام يعنى بالجسم الإنساني وسمع الناس لأول مرة في جو الدين هذه الكلمات النبوية (إن لجسدك عليك حقاً) ومن حق جسدك عليك أن تقويه إذا ضعف، أن تنظفه إذا اتسخ، أن تريحه إذا تعب أن تعالجه إذا مرض، بل أن تقيه ما استطعت من الأمراض، هكذا أراد الإسلام، أن ينشئ أمة قوية، ولا يمكن أن تكون الأمة قوية إلا إذا كان أفرادها أقوياء، فمن الأفراد يتكون المجتمع كما يتكون البناء من اللبنات، أيمكن أن يوجد بنيان قوي من لبنات خاوية ضعيفة؟ لا يمكن، لهذا كان حرص الإسلام على إنشاء الفرد الصالح القوي في كل ناحية من النواحي ومنها الناحية الجسمية .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة السابعة والعشرون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : عناصر التربية الجسمية في الإسلام :

يريد الإسلام أن يربي الإنسان من الناحية الجسمية على ثلاثة عناصر أساسية:

الأول : الصحة والسلامة من الأمراض :

أن يكون الإنسان معافىً في بدنه، كما جاء في الحديث (من أصبح منكم معافى في بدنه آمناً في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها) عافية البدن أول مقومات الحياة الآمنة الهادئة، وكان النبي يسأل الله العفو والعافية، فيقول (أفضل ما أوتي الإنسان اليقين والعافية) ويدعو الله في قنوته ويقول (وعافني فيمن عافيت) ويقول بين السجدتين، (اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني وعافني وارزقني)، طلب العافية، سلوا الله العفو والعافية والمعافاة، في الدين والدنيا والآخرة عافية البدن سلامة البدن .

كيف يتعامل الإسلام مع الطهارة وكيف تتعامل معها أديان أخرى؟ ومن أجل هذا شرع الإسلام النظافة وأوجب الطهارة في الصلاة، طهارة الثوب والبدن والمكان،هذه الطهارة الحسية والطهارة الحكمية أوجبها بالغسل والوضوء.

النظافة فإن الإنسان لا يمكن أن يعافى إذا تعرض للأقذار باستمرار ولم ينظف نفسه ، حتى جاء في الحديث (حق على كل مسلم في كل سبعة أيام يوم يغسل فيه رأسه وجسده ) حق عليه إذا لم تأت الظروف الطبيعية وتسمح له بالغسل من الجنابة أو نحو ذلك فينبغي في كل أسبوع مرة على الأقل، يوم يغسل فيه رأسه وجسمه، هذا في الوقت الذي كان الرهبان في العصور الوسطى في أوروبا يتقربون إلى الله بالقذارة وكلما كان أحدهم أقذر ظن أنه إلى الله أقرب، حتى قال بعضهم :

واأسفا كان من قبلنا يعيش أحدهم طول عمره ولا يبل أطرافه بالماء ولكننا وا أسفا أصبحنا في زمن يدخل فيه الناس الحمامات، وإنما دخلوا الحمامات عدوى من المسلمين .

المسلمون في الأندلس كان عندهم في قرطبة مئات الحمامات وهؤلاء ما كانوا يعرفون هذا ، يقولون أصبحنا في زمن يدخل فيه الناس الحمامات.

حق الإنسان من ناحية تكوينه البدني الصحيح

أن ينظف جسمه وأن يبتعد عن كل ما يجلب عليه الأمراض، البول، الماء الراكد، البول في الطريق ، في موارد الماء ، الأشياء التي تجلب على الناس الأمراض المعدية، الإسلام اعتبرها من اللواعن، اللواعن الثلاث التي تجلب لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، جاء الإسلام يعلّم الإنسان المسلم الذوق الراقي، الإنسان لا ينبغي أن يبول في الطريق أو في موارد المياه أو في الظل أو نحو ذلك، فهو يحافظ على صحته ويعلمه الذوق، ويعلمه المروءة والترفع والرقي من ناحية أخرى.

حرم الإسلام على المسلم أن يشرب المسكرات أو يتناول المخدرات وقد نهى النبي من كل مسكر ومخدر، بل نهى عن كل ما يضر بالبدن، )ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، لا ضرر ولا ضرار، لا تضر نفسك ولا تضار غيرك، ومن هنا حُرّم التدخين لأن الإنسان يضر نفسه بنفسه، يشتري ضرره بفلوسه.

و ينبغي للإنسان أن يحافظ على نفسه، لا ينبغي أن يسهر طويلاً فيضني نفسه ويصبح في الصباح متعباً مكدوداً مهدوداً، حتى لو كان هذا السهر في الطاعة والعبادة.

النبي قال للصحابة الذين أتعبوا أنفسهم في عبادة الله إن لبدنك عليك حقاً، أي في الراحة،وإن لعينك عليك حقاً أي في النوم، وإن لأهلك عليك حقاً ، أي في المؤانسة والإمتاع، وإن لزورك عليك حقاً، أي في الضيافة والإكرام، على الإنسان أن يعطي كل ذي حق حقه.

إذن يجب على الإنسان أن يحافظ على جسمه، المحافظة على صحة الجسم وعافيته وسلامته، هذا هو العنصر الأول الذي جاء به الإسلام.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الثامنة والعشرون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : عناصر التربية الجسمية في الإسلام :

العنصر الثاني هو المرونة والقدرة على الحركة والسرعة:

أن يكون الإنسان مرن متحرك قادر على أداء الواجبات الدينية والدنيوية، فالإسلام أوجب علينا واجبات دينية ودنيوية منها الصلوات الخمس يصليها

الإنسان ما استطاع في المسجد يغالب الكسل، ويغالب الهوى، ويذهب إلى المسجد ويصلي، هذه تحتاج إلى قوة جسمية، الحج الإنسان في الحج كأنما هو كشاف أو جوال يبيت كيفما اتفق ويمشي كيفما اتفق، يحتاج إلى قوة جسمية، واجباته الدنيوية السعي على المعيشة السعي على عياله، يحتاج إلى قوة.

فلابد أن يكون الإنسان قوياً قادراً على الحركة، الجهاد إذا اعتدي على دينه أو على أرضه أو عرضه، يجب أن يدافع، كيف يدافع الإنسان الضعيف؟؟

لابد أن يكون الإنسان قوياً (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ) ومن القوة التي يجب أن تعد قوة الأجسام، ولهذا كان النبي قوي الجسم صارع رجلاً عرف بالمصارعة فصرعه، وكان يركب الفرس ليس عليه سرج، ولا لجام وكان الصحابة فيهم العداؤون والراكبون وكلهم يتقنون فن الفروسية ،ركوب الخيل ورمي السهام، كانوا يلعبون بهذا، ألعابهم فروسية يعدوًن أنفسهم للجهاد .

هذه أمة القوة الحقيقية :هذه الأمة، أمة القوة الحقيقية، لم يكن الصحابة مثل هؤلاء المتزينين المتماوتين، رأى سيدنا عمر رجلاً متماوتاً في صلاته فقال له يا هذا ارفع رأسك فإن الخشوع في القلوب، ليس الخشوع في الرقاب، أي لا تحني رقبتك ورأسك، ارفع رأسك.

ورأت إحدى الصحابيات بعض الشباب يمشون متهاونين متهالكين متماوتين فسألت من هؤلاء؟ فقالوا هؤلاء نساك أي عباد، قالت كان عمر إذا مشى أسرع وإذا تكلم أسمع وإذا ضرب أوجع وكان هو الناسك حقاً، كان قوياً في كلامه ومشيه وحركته وهؤلاء ليسوا نساكاً، الناسك هو عمر، وعمر كان

 يمثل القوة.

ومن هنا يشرع الإسلام الرياضات، كل الرياضات التي تقوي الجسم مشروعة ، وجاء عن عمر (علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل )

الإسلام لا يرفض الرياضة ولكن يرفض المبالغة : في عصرنا وجدت رياضات وأصبحت الرياضة علماً وفناً وأصبح هناك معاهد للرياضة، معاهد

متوسطة ومعاهد عالية تعلّم الناس كيف يروّضون أنفسهم، خصوصاً في عصرنا بعد أن أصبح الناس لا يكادون يمشون، كان الناس في الزمن الماضي يمشون ليقضوا حاجاتهم أميالاً وأميال.

الناس الآن يركبون لأي غرض، فهم محتاجون إلى تمرينات رياضية تقوي أجسامهم، الإسلام لا يرفض هذا، أي لعبة من اللعب بشرط عدم المبالغة،

 المبالغة تفسد الأمور كلها، إذا زاد الشيء عن حده انعكس إلى ضده، لا بأس أن يلعب الناس كرة القدم أو كرة الطائرة أو كرة السلة أو كرة التنس، لا مانع، لكن لا أن ينقسم الناس بعضهم على بعض ويتحزبّوا هذا فريق ضد فريق وتصبح الكرة وثناً يعبد، هذا مالا ينبغي.

الرياضة ليست خاصة بالرجال:

يمكن للنساء أن يلعبن الرياضة، ولكن بضوابط شرعية وقواعد مرعية ، إن أردنا أن نعلم المرأة الرياضة لابد أن يكون ذلك في نواد خاصة بها.

المرأة القوية مطلوبة في الإسلام :

لم تعد المرأة السمينة المترهلة هي المرأة المطلوبة في عصرنا وليست هي المطلوبة في الإسلام، المرأة القوية الجسم القادرة على خدمة بيتها وزوجها وأولادها ومجتمعها وخدمة دينها عند اللزوم،وأين من الصحابيات ومن أمهات المؤمنين في بعض الغزوات من شاركن في الغزوات، شاركن بخدمة المقاتلين بإسعاف الجرحى وسقاية المقاتلين ومن شاركن بالقتال. كانت أم عمارة نسيبة بنت كعب و أم سليم،الرميصاء وأمثالهن من الصحابيات يقاتلن في غزوة أحد.

ونظر النبي إلى نسيبة بنت كعب وهي تقاتل فدعا لها وقال اللهم اجعلها وزوجها وأولادها رفاقي في الجنة .

ومن هنا ينبغي أن يمارس أنواعاً من الرياضة ما استطاع إلى ذلك سبيلاً. هذا هو العنصر الثاني.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة التاسعة والعشرون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : عناصر التربية الجسمية في الإسلام :

العنصر الثالث هو الخشونة:

وهذا خصوصاً بالنسبة للرجال فلابد أن نربي الرجال على الخشونة، الجسم الذي يتحمل المشاق

والمصاعب، ليست الحياة كلها ورداً بلا شوك، الحياة وروداً وأشواك، الحياة نسمات وأعاصير الحياة حلو ومر، فلابد أن يؤهل الإنسان نفسه لملاقاة الحياة كما هي، يستطيع أن يجوع عند اللزوم وأن يعطش عند اللزوم، وأن يتحمل الآلام عند اللزوم، لذلك فرض الإسلام الصوم شهراً كل سنة ليدرب المسلم على أن يجوع ويعطش، قد تقتضيه سنن الحياة هذا رغماً عنه، فلابد للإنسان أن يتحمل وأن يتدرب على الخشونة، كما جاء عن عمر(اخشوشنوا فإن النعمة لا تدوم) فدوام الحال من المحال، قد يتغير الحال ويتغير الزمان والدهر قلبّ، وتلك الأيام نداولها بين الناس، فمن عاش طول عمره على الرفاهية وعلى التنعم لا يستطيع أن يواجه الحياة إذا تغيرت إنما يواجهها إذا عوّد نفسه الخشونة وركوب المصاعب.

هذه هي العناصر الثلاثة التي يريدها الإسلام لتربية الجسم البشري، جسم الإنسان المسلم، فهو أمر

لابد منه لتكوين الشخصية المسلمة، الشخصية المسلمة جسم قوي وعقل قوي وروح قوية، هذه

هي معالم الشخصية التي يريدها الإسلام .

كيف تكون قوي الجسم ؟

انطلاقًا من حديث رسول الله “المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير”، فالمؤمن يحتاج لقوة جسمه كي يقوم بالتكاليف الشرعية وعمارة الأرض، ولكي تحوز قوة الجسم لابد من عدة أمور:

-1 أن يتغذى الغذاء المتوازن المفيد الذي يحتوي على المجموعات الغذائية ممثلة بالكربوهيدرات والبروتينات ويحرص على الأطعمة التي تحتوي على الفيتامينات والمعادن ولا يعتمد في طعامه على الوجبات الجاهزة ويكثر من تناول الفاكهة الطازجة ويتجنب الدهون .

2- إحسان التعامل مع الجسم وتوفير الاحتياجات اللازمة لقوته دونما إفراط أو تفريط.. “… ولكني أصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني”.

3- اكتشاف المهارات والطاقات التي أودعها الله – تعالى – في أجسادنا وتنميتها “ألا إن القوة الرمي”، “علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل” كل منا يملك مهارة وطاقة أودعها الله فيه وكفله الاستفادة منها .

وقدأجازالنبي يوم أحد رافع بن خديج وكان صغير السن لما قيل له : إنه رامٍ، فبلغ ذلك سمرة بن جندب فذهب إلى زوج أمه مري بن سنان بن ثعلبة عم أبي سعيد الخدري وهو الذي ربى سمرة في حجره يبكي, وقال له: يا أبت أجاز رسول الله رافعًا وردني، وأنا أصرع رافعًا، فرجع زوج أمه هذا إلى النبي ، فالتفت النبي إلى رافع وسمرة فقال لهما: «تصارعا» فصرع سمرة رافعًا فأجازه كما أجاز رافعًا، وجعلهما من جنده.

ونلحظ أن رسول الله أجاز رافعًا وسمرة لامتياز عسكري امتازا به على أقرانهما, ورد صغار السن خشية ألا يكون لهم صبر على ضرب السيوف، ورمي السهام، وطعن الرماح، فيفروا من المعركة إذا حمي الوطيس، فيحدث فرارهم خلخلة في صفوف المسلمين.

ونلحظ أن المجتمع الإسلامي يضج بالحركة ، ويسعى للشهادة شيبًا، وشبابًا، وحتى الصبيان يقبلون على الموت ببسالة، ورغبة في الشهادة، تبعث على الدهشة، دون أن يجبرهم قانون التجنيد، أو تدفع بهم قيادة إلى ميدان القتال، وهذا يدل على أثر المنهج النبوي الكريم في تربية شرائح الأمة المتعددة على حب الآخرة والترفع عن أمور الدنيا.

4- صيانة الجسم والإسراع بمعالجة ومداوة أي خلل يصيبه، ويحسن في هذا العصر الذي نحياه مع كثرة الملوثات التي تُحيط بالإنسان أن يُجري كشفًا

دوريًا عامًا على بدنه ليكتشف أي علة أو مرض قبل أن يتمكن من الجسم والأعضاء والمسارعة بعلاجه؛ “ما خلق الله من داء إلا خلق له الدواء فتداووا”.

5-أن يمارس الرياضة مثل الألعاب الجماعية أو حتى الألعاب القتالية الفردية وغيرها والذي لا يلعب

الرياضة فعليه أن يضع له برنامجا يوميا يحتوي على المشي الجدّي لمدة ساعة مثلا وتمارين الإحماء لمدة

ربع ساعة يومياً .

6- وعليه أن يتخلّص من العادات الصحية السيئة ممثلة بالتدخين وغيره،وكثرة شرب المنبهات .

[ الأنترنت  - موقع الراشدون - قوة الجسم وسلامة البدن ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الثلاثون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : الإيمان بالخلود :

ويستمد المؤمن قوته من الخلود الذي يوقن به، فحياته ليست هذه الأيام المعدودة في الأماكن المحدودة، إنها حياة الأبد، وإنما ينتقل من دار إلى دار وما الموت إلا رحلة غير أنها من المنزل الفاني إلى المنزل الباقي

هذا عمير بن الحمام الأنصاري في غزوة بدر يسمع النبي يقول لأصحابه “والذي نفسي بيده ما من رجل يقاتلهم اليوم -المشركين- فيقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر إلا أدخله الله الجنة” فيقول عمير: بخ بخ -كلمة تعجب- فيقول: مم تبخبخ يا ابن الحمام؟ فيقول: أليس بيني وبين الجنة إلا أن أتقدم فأقاتل هؤلاء فأقتل؟ فيقول الرسول: بلى، وكان في يد عمير تمرات يأكل منها فقال: أأعيش حتى أكل هذه التمرات؟ إنها لحياة طويلة! وألقى التمرات من يده وأقبل يقاتل ويقول : ركــضاً إلى الله بغير زاد إلا التقى وعمل المعاد والصبر في الله على الجهاد وكل زاد عرضة للنفاد

وهذا أنس بن النضر يقاتل قتال الأبطال في أحد، ويلقاه سعد بن معاذ فيقول له: يا سعد، الجنة ورب النضر: أجد ريحها من وراء أحد ! ! غير التقى والصبر والرشاد

الإيمان بالقدر :

ويستمد المؤمن قوته من القدر الذي يؤمن به، فهو يعلم أن ما أصابه من مصيبة فبإذن الله، وأن الإنس والجن لو اجتمعوا على أن ينفعوه بشيء لم ينفعوه

إلا بشيء قد كتبه الله له، ولو اجتمعوا على أن يضروه بشيء لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه، (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا، وعلى الله فليتوكل المؤمنون) (التوبة: 51 ))

المؤمن يعتقد أن رزقه مقسوم، وأجله محدود، لا يستطيع أحد أن يحول بينه وبين ما قسم الله له من رزق، ولا أن ينتقص ما كتب الله له من أجل،

وهذه العقيدة تعطيه ثقة لا حدود لها، وقوة لا تقهرها قوة بشر. وقد كان الرجل يذهب إلى الميدان مجاهداً في سبيل الله فيعترض سبيله المثبطون، ويخوفونه من ترك أولاده. فيقول: علينا أن نطيعه تعالى كما أمرنا، وعليه أن يرزقنا كما وعدنا.

وكان المعوقون والمخذلون يذهبون إلى المرأة فيثيرون مخاوفها على رزقها ورزق عيالها إذا ذهب زوجها إلى الجهاد، فتجيبهم في ثقة واطمئنان: زوجي عرفته أكَّالاً ولم أعرفه رزَّاقاً، فإن ذهب الأكَّال فقد بقي الرزَّاق ! ! وكان علي بن أبي طالب يخوض المعامع وهو يقول أي يومي من الموت أفر؟ يوم لا يقدر أو يوم قدر؟ يوم لا يقدر لا أحذره ومن المقدور لا ينجي الحذر

قال السيد جمال الدين الأفغاني: “الاعتقاد بالقضاء والقدر -إذا تجرد عن شناعة الجبر- يتبعه صفة الجرأة والإقدام، وخلق الشجاعة والبسالة يبعث على اقتحام المهالك التي ترجف لها قلوب الأسود، وتنشق منها مرائر النمور، هذا الاعتقاد يطبع الأنفس على الثبات، واحتمال المكاره، ومقارعة الأهوال، ويحليها بحلل الجود والسخاء، ويدعوها إلى الخروج عن كل ما يعز عليها، بل يحملها على بذل الأرواح، والتخلي عن نضرة الحياة .. كل هذا في سبيل الحق الذي قد دعاها للاعتقاد بهذه العقيدة الإيمان بالأخوة :

وقد شبَّه النبي قوة المؤمن بإخوانه المؤمنين باللبنة في البناء المتين، فقال: “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد

 بعضه بعضاً” اللبنة وحدها ضعيفة مقدور عليها، ولكنها داخل البنيان أصبحت مرتبطة به ارتباطاً لا ينفصل، أصبحت جزءاً من (الكل) الكبير، لا يسهل كسرها، أو زحزحتها عن موضعها فإن قوتها هي قوة البنيان كله الذي يشدها إليه)

حدثوا أن جيشاً من المسلمين كان بينه وبين عدوه نهر فأمرهم القائد أن يخوضوه، ولبوا الأمر، وخاضوا النهر، والعدو يشهدهم من بعيد دهشاً مرتاعاً .. وفي وسط النهر شهدهم العدو يغوصون في جوف الماء مرة واحدة كأنما غرقوا، ثم ظهروا فجأة .. فسأل العدو ما شأنهم؟ فعرفوا أن رجلاً منهم سقط منه قعبه -إناؤه- فصاح: قعبي .. قعبي .. فغاصوا جميعاً يبحثون عن قعب أخيهم .. فقال الأعداء في ذهول: إذا كانوا يصنعون مثل هذا في قعب سقط من أحدهم. فماذا يصنعون إذا قتلنا بعضاً منهم؟؟ وفت ذلك في عضدهم، وكانت العاقبة التسليم للمؤمنين                                                     إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الواحدة والثلاثون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : على قدر الإيمان تكون القوة :

إن إيمان المسلم بالله الذي لا يغلب، وبالحق الذي لا يخذل، وبالخلود الذي لا ينقطع، وبالقدر الذي لا يتحول، وبالأخوة الصادقة التي لا تهن – مصادر فياضة بالقوة المعنوية التي لا يقاس إليها قوة المادة أو السلاح

وعلى قدر نصيب المرء من الإيمان يكون نصيبه من تلك القوة، نرى ذلك بارزاً في أرجح المؤمنين ميزاناً بعد رسول الله، فقد تمثلت قوته في مواقف جعلت عمر الجبار الشديد يقول: “والله لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان هذه الأمة لرجح … “.

موقفه يوم توفي الرسول فذهل المسلمون، وأخرجتهم الفجيعة عن وعيهم، حتى روي أن عمر قال: من قال أن محمداً مات ضربت عنقه بسيفي هذا! هنالك وقف أبو بكر يؤذن في الناس بصوت جهير: “من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت …”، (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً) (آل عمران: 144) وموقفه بعد ذلك يوم تردد المسلمون في إنفاذ جيش أسامة الذي جهزه النبي إلى الشام قبل مرض موته، فقد طلبوا من أبي بكر أن يوقف مسير هذا الجيش، فإن الغد مليء بالطوارئ والاحتمالات، ولا يدرى أحد ماذا يفعل العرب في القبائل والقرى إذا علموا أن النبي قد مات .. ولكن أبا بكر أجابهم في حزم عازم وقال: “والذي نفس أبي بكر بيده … لو ظننت أن السباع تختطفني لأنفذت بعث أسامة كما أمر به رسول الله، ولو لم يبق في القرى غيري لأنفذته”

وموقفه في حرب المرتدين ومانعي الزكاة في الوقت الذي برزت فيه قرون العصبية الجاهلية كأنها قرون الشياطين، وكان المسلمون -بعد موت رسولهم- كالغنم في الليلة المطيرة، كما وصفتهم عائشة- وحتى قال بعض المسلمين لأبى بكر: يا خليفة رسول الله، لا طاقة لك بحرب العرب جميعاً .. الزم بيتك، وأغلق بابك، واعبد ربك حتى يأتيك اليقين .. ولكن هذا الرجل الخاشع البكاء، الرقيق كالنسيم، اللين كالحرير، الرحيم كقلب الأم، ينقلب في لحظات إلى رجل ثائر كالبحر، زائر كالليث، يصيح في وجه عمر: أجبار في الجاهلية خوار في الإسلام يا ابن الخطاب؟ لقد تم الوحي واكتمل .. أفينقص وأنا حي؟ والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه، ما استمسك السيف بيدي ! !

  [ الأنترنت – موقع منارات - إيمانك بالله مصدر قوتك الشيخ /فرج ابوطير]

*قوة التفكير :

((المُفَكِّر هو صانع الأفكار، والأفكار تسبب التفكير، والتفكير يسبب التركيز، والتركيز يسبب الأحاسيس، والأحاسيس تسبب السلوك، والسلوك يسبب النتائج، والنتائج تحدد واقع حياتك، فلو أردت فعلا أن تحدث تغييراً في حياتك غير إدراك المفكر))[1]

التفكير السلبي : (لا يُمكِن للمَرء أن يَحصُل على المَعرِفة إلا عِندما يَتَعلَّم كيف يُفَكِّر) فيكتور هوجو.

الحقيقة أن التفكير السلبي أخطر مما يَتَصَور أي إنسان فهو يجعل الحياة سلسلة من المتاعب والأحاسيس السلبية والسلوكيات السلبية وأيضا النتائج

السلبية مثل الأمراض النفسية والعضوية والشعور بالضياع والوحدة والخوف. أنا شخصياً أعتبِره مثل عَضَّة الثعبان مؤلمة فعلاً ولكنها في حَد ذاتِها لا تُسَبب الموت، ولكن الذي يَقتُل هو السُّم الذي يَجري في العروق والدم. تماماً مثل الفكرة السلبية فهي في حد ذاتها مُجَرد كلمات داخلية يستخدمها الإنسان ولكن ما يجعلها خطرة هو تكرارها وتخزينها حتى تصبح عادة يستخدمها الإنسان في حَياتِه فتسبب له متاعب ليس لها نهاية.

التفكير السلبي يَبحث ويُفكر في السلبيات التي حدثت في الماضي ويقلق ويخاف من المستقبل ويعيش الحاضر بأحاسيس سلبية واعتقادات سلبية تجعل حياته سلسلة من التحديات والمشاكل. والعجيب أن الشخص الذي يفكر بطريقة سلبية عنده قدرة خيالية على العثور على السلبيات في أي شيء حتى ولو كان إيجابياًّ! هل تعرف أحداً يُفكر بهذه الطريقة؟ الحقيقة أننا جميعا تمُر علينا أوقات نَقَع فيها في مَطَب التفكير السلبي ونَسلُك فيها الطرق المظلمة وهناك بعض الناس يُغَيِّر من ذلك الوضع ويتوكل على الله سبحانه وتعالى فَيُوجد له المولى عز وجل مخرجاً، ولكن هناك البعض الذي يستمر بالتفكير في هذه الطريقة فتجده يعيش معظم أيام حياته في تعاسة وصعوبات ولو حدث أنه شَعُر بالسعادة فهو يَشُك فيها أو يَقلَق منها حتى يُحَوِّلها مرةً أخرى إلى تحدٍّ.

إذن، إذا كانت الفكرة بهذه القوة، وإذا كان التفكير السلبي يفتح ملفات العقل السلبية ويسبب الامراض النفسية والعضوية وحالات الطلاق والتعاسة وضياع الفرص والفشل والبعد عن الله سبحانه وتعالى. إذا كان ذلك فعلا حقيقيا فدعوني أطرح لكم بعض التساؤلات:

لماذا يفكر معظم الناس في أفكار سلبية تسبب لهم الضياع والأمراض النفسية والعضوية أيضا؟

لماذا يفكرون أفكارا سلبية تبعدهم عن تحقيق أهدافهم وتسرق منهم سعادتهم وتسبب لهم آلاماً وتبعدهم

عن الله سبحانه وتعالى وتجعلهم يتصرفون

تصرفات قد تكون السبب في ضياعهم في الدنيا والآخرة؟

لابد من أن هناك أسبابا تدفعهم إلى التفكير بسلبية تسبب لهم التحديات في حياتهم.

وهذا ما سنتعرف عليه في المبحث الثاني، لأن معرفة الفرد بكل هذه الأسباب توسع آفاقه وتساعده على أن يسلح نفسه بالعلم والمعرفة.

وقد قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ((المعرفة نور القلب، والعلم مصباح العقل وفي كل تجربة موعظة)).

فدعونا نستمر معاً في رحلتنا في (قوة التفكير) ونكتشف مسببات التفكير السلبي.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الثانية والثلاثون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : على قدر الإيمان تكون القوة :

مسببات التفكير السلبي :

• البعد عن الله سبحانه وتعالى:-

إن الحياة التي المادية التي نعيش فيها، والمنافسة القوية التي نراها حولنا، والتغيير السريع، جعل معظم الناس يضيع مع التحديات ويبتعد عن الله سبحانه وتعالى سواءً كام يدرك ذلك أم لا.

هل تعرف أحدا حياته عبارة عن سلسلة من المشاكل والمتاعب والصعوبات، وكلما خرج من مشكلة دخل في مشكلة أخرى؟ إذا كانت إجابتك نعم، هل تعرف ما هو السبب الأساسي في ذلك؟ هو بعده عن الله سبحانه وتعالى فالمؤمن الحقيقي يتوكل على الله تعالى ويتقيه، ويشكره في السراء والضراء، ولا يكف عن التقرب منه عز وجل. اما الشخص الذي يبتعد عن الله سبحانه وتعالى، تكون الدنيا أكبر همه، وحياته ضنكاً مملوءة بالسلبيات وقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 124].

• البرمجة السابقة:

إن البرمجة السابقة السلبية تعتبر مثل فرامل اليد، فكلما حاولت أن تتحرك إلى الأمام تشدك بقوة إلى الخلف أو تجعلك تقف في نفس مكانك لا تستطيع الحركة.

إننا تبرمجنا من العالم الخارجي، ولكن من المهم أن تعرف أن أول سبع سنوات من حياتنا تكونت لدينا خلالها أكثر من تسعين بالمائة من قيمنا الراسخة التي اكتبناها من الوالدين ومن المحيط العائلي، ثم بعد ذلك من المحيط الاجتماعي ومن المدرسة والأصدقاء وهكذا، فلو كانت برمجتنا سلبية فهي تؤثر بشدة على حياتنا في كافة النواحي. فمثلاً: من الأشياء التي قد يكون الإنسان قد تبرمج عليها هي عدم محاولة فعل أي تغيير لأن ذلك يؤدي إلى الفشل. فنجده يتفادى[2] أي تغيير حتى لا يواجه بالفشل. ولو كان الشخص قد تبرمج على أن أسلوب التعامل مع الآخرين يكون عن طريق العصبية والصوت المرتفع ستجده يستخدم هذه البرمجة في التعامل مع الناس.

• عدم وجود أهداف محددة:

إن الناس خمسة أنواع :

النوع الأول: أشخاص لا يعرفون ما يريدون. إن هذا النوع من الناس يعيش حياته مثل ورقة شجر تحركها الريح أينما شاءت، فهم لا يعرفون ما يريدون من الحياة. فتجدهم دائمي الشكوى من أن الحياة صعبة جداًّ، وأنه لا يوجد فرص عمل، وأن معظم الأغنياء نصابون وأن الحظ وحده هو السبب في حالتهم المادية والنفسية وأيضا الصحية. وتجد هذا النوع لا يفعل أي شيء إيجابي، ولغته الأساسية هي الشكوى الدائمة.

النوع الثاني: أشخاص يعرفون ما يريدون ولكنهم لا يفعلون شيئاً للحصول عليه: هذا النوع من

الأشخاص عنده علم تام بأهدافه، ولكنه لا يتخذ أي

خطوة إيجابية لكي يحقق هدفه. وتجد هذا النوع يعاني نفسياًّ أكثر من النوع الأول، لأن النوع الأول لا يعرف ماذا يريد، لكن النوع الثاني عنده المعرفة ولكنه لا يفعل شيئاً لكي يحققها، فتجده يقارن بينه وبين الآخرين. ولغته الأساسية هي النقد واللوم.

النوع الثالث: أشخاص يعرفون ماذا يريدون وعندهم أهداف محددة ولكنهم لا يثقون في قدراتهم: هذا النوع من الناس لا يعتقد أنه يستطيع أن يحقق أهدافه، فتقديره الذاتي ضعيف وثقته في نفسه تكاد تكون منعدمة ويخاف من الفشل والسخرية. هذا النوع يعاني أكثر من النوعين الأولين لأنه عنده علم ومعرفة ولكنه لا يجد عنده الشجاعة ليتخذ خطوات إيجابية، ولغته سلبية مليئة بالحقد على الناجحين.

النوع الرابع: أشخاص يعرفون بالتحدي ما يريدون ولكنهم يتأثرون سلبياًّ من العالم الخارجي. هذا النوع من الناس يعرف جيدا ما يريد وعنده أهداف محددة وتخطيط دقيق، لكنه ضعيف الشخصية يتأثر بسرعة بآراء الآخرين مما يسبب له تغيير في خطته في تحقيق أهدافه، لذلك لا يستخدم قدراته ومهاراته. إنه لا يتقحم كثيراً ولا يحقق إلا القليل من أهدافه. لذلك هو عصبي المزاج دائم الشكوى ممن حوله وينعي حظه. لغته سلبية وثقته في نفسه ضعيفة.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الثالثة والثلاثون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : على قدر الإيمان تكون القوة :

النوع الخامس: أشخاص يعرفون ما يريدون ويذهبون وراء أهدافهم بقوة حتى يحققوها: هذا النوع من الأشخاص يعرف تماماً ما يريد، ويخطط لأهدافه ثم يذهب وراءها بكل قوته ولا يتركها حتى يحققها بإذن الله. وهذا النوع يعلم جيِّدً قانون الرجوع الذي يقول: ((ما تفكر فيه وتفعله يعود إليك من نفس نوعه)). لذلك فهم يحققون أهدافهم ويعيشون أحلامهم. إن عدم وجود هدف محدد في حياة الإنسان يجعله لا يستغل قدراته التي وهبها له الله سبحانه وتعالى، فيعيش في ضياع وخوف وقلق من المستقبل. فتجده يتخبط في الظلام ولا يجد معنى لحياته.

التفكير الإيجابي : تعريف التفكير الإيجابي :

التفكير الإيجابي هو مصدر قوة ومصدر حرية أيضا ً. مصدر قوة لأنه سيساعدك على التفكير في الحل حتى تجده، وبذلك تزداد مهارة وثقة وقوة.

 ومصدر حرية، لأنك ستتحرر من معاناة وآلام سجن التفكير السلبي وآثاره الجسيمة.

مفهوم آخر:

التفكير الإيجابي هو موقف ذهني يجيز أن تقوم في الذهن أفكار وألفاظ وصور تساعد على النمو

والتحقق والنجاح. إنه الموقف الذهني الذي يتوقع صاحبه نتائج طيبة لكل مشروع يُقبل عليه. والعقل الإيجابي يتوقع السعادة والفرح والصحة والنجاح لكل وضع ولكل عمل. وما يتوقعه الذهن يجده.

التفكير الإيجابي علمياًّ:هو التفاؤل بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، والنظر إلى الجميل في كل شيء.وللتفكير الإيجابي أثر فعال وقوي في نفسياتنا وأمور حياتنا اليومية والمستقبلية.

أنواع التفكير الإيجابي :

أولا: التفكير الإيجابي لتدعيم وجهات النظر:

هذا النوع من التفكير يستخدمه بعض الناس لكي يدعم وجهة نظره الشخصية في شيء معين، وبذلك يقنع نفسه بأنه على صواب حتى ولو كانت النتيجة سلبية. فمثلاً: المدخن الذي يدعم وجهة نظره في التدخين ويقول: إن التدخين يهدئ من أعصابه ويجعله متزناً في عمله ومع أولاده ولذلك فهو يدخن لكي يظل متزناً.

ثانياً: التفكير الإيجابي بسبب التأثر بالآخرين:

في هذا النوع من التفكير يكون الشخص إيجابياًّ، لأنه تأثر بشخص آخر، سواءً كان ذلك من الأقارب أو الأصدقاء أو حتى بسبب برنامج قد شاهده

في التِّلفاز. فمثلاً: لو شاهدت برنامجاً عن الرياضة والرياضيين تشعر أنك تريد أن تمارس الرياضة أيضاً،فمن الممكن أن تبدأ فعلاً وتستمر حتى تصل إلى ما تريد من وزن وصحة. ومن الممكن بعد وقتٍ قصير أن تترك كل شيء وتعود إلى ما كنت. فهذا النوع من التفكير الإيجابي، قد يكون تأثيره سلبياًّ على بعض الناس الذين يتأثرون بالآخرين ولكنهم يفقدون الحماس بعد فترة قصيرة ويشعرون بالإحباط.

ثالثاً: التفكير الإيجابي بسبب التوقيت:

هل سألت نفسك لماذا تكون سلوكيات الناس أفضل في شهر رمضان وفي الأيام الروحانية؟

لأن هذا التوقيت له رابط روحاني عند الناس، فلا يريد الشخص أن يُغضِب الله سبحانه وتعالى. وأيضاً يريد أن يكسب أكبر عدد من الحسنات. فيكون الإنسان واعياً ومُدرِكاً لتصرفاته. ولكن ما يحدث بعد شهر رمضان، أن يعود الشخص مرة أخرى إلى ما كان عليه وقد يكون أسوأ! لأن تفكيره وسلوكه كان متوقِفاً على وقت محدد وليس على قيمة مستمرة في الزمن. ومن الممكن استغلال هذا النوع من التفكير الإيجابي المرتبط بتوقيت لتحسين سلوكياتنا وأيضاً لبناء عادات إيجابية جديدة.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الرابعة والثلاثون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : أنواع التفكير الإيجابي :

رابعاً: التفكير الإيجابي في المعاناة:

عندما يصاب الإنسان بمرض خطير أو يفقد أحد أعضائه في حادث، أو يفقد عزيزا عليه، فإنه يمر بعدة مراحل نفسية قد تستمر معه لفترات طويلة أو تنتهي بالتقبل والتحول والتفكير الإيجابي والتركيز على الحل. وهناك بعض الناس لو واجهته صعوبات في حياته تجعله سلبياًّ.فنجد تفكيره سلبياًّ، وتركيزه يكون على أسوأ الاحتمالات، وأحاسيسه سلبية، مما يؤثر على سلوكياته.

خامساً: التفكير الإيجابي المستمر في الزمن:

هذا النوع من التفكير الإيجابي هو أفضل وأقوى أنواع التفكير. لأنه لا يتأثر بالمكان أو الزمان او المؤثرات، بل هو عادة عند الشخص مستمرة في الزمن.

فسواءً واجه الشخص تحدياً أم لا، فهو دائماً يشكر الله سبحانه وتعالى، ثم يفكِّر في الحل والبدائل، حتى أصبحت عادة يعيش بها في حياته.

الشخص من هذا النوع تجد حياته متزنة وسعيدة وهادئة. هذا هو التفكير الإيجابي المستمر في الزمن،

الذي لا يتأثر بشيء أو بأحد. ولكن على العكس ففي الأزمان يستخدم الشخص هذا السلاح الرائع في التغلب عليها، ويركز دائماً على الجانب الإيجابي من الحياة. وهذا لا يعني الهروب من المشاكل، بل إيجاد الحلول لها.

قال المحاضر الأمريكي دكتور واين داير: ((إن هناك حلاًّ روحانياًّ لكل مشكلة)). وهذا صحيح، لأن الشخص الروحاني إيجابي بطبيعته ويتوكل على الله سبحانه وتعالى ويحقق أهداف حياته ويعيش في سلام داخلي واتزان في كافة أركان الحياة.

صفات الشخصية الإيجابية :

هناك عشر صفات أساسية تتميز بها الشخصية الإيجابية الرائعة، لتكون مصدراً للقوة والإصرار والتميز وتساعد صاحبها على تحقيق أهدافه والشعور بالسعادة والهدوء النفسي وراحة البال:

1- الإيمان بالله سبحانه وتعالى والاستعانة به والتوكل عليه:

الشخصية الإيجابية شخصية مؤمنة بالله عز وجل وتتوكل عليه حق التوكل والاستعانة به في كل الأوقات. وقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز:

﴿ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159].

2- القِيَم العُليا:

الشخصية الناجحة تعيش بقيم عليا، فتجدها تبعد عن السلوكيات السلبية مثل الكذب والغيبة والنميمة والغيبة والفتنة والاستغلال وكل ما يبعدها عن الله سبحانه وتعالى. بل تتميز هذه الشخصية بالصدق والأمانة وحب الخير للناس والعطاء والكرم والانتماء لله والتطبع بأخلاق الرسول عليه الصلاة والسلام وأخلاق الرسول والأنبياء، والتسامح المتكامل.

3- الرؤيا الواضحة:

الشخصية الناجحة تعرف جيِّداً ما تريد على المدى القصير والمتوسط والبعيد. وتعرف ماذا تريد ومتى تريد وكيف تستطيع أن تحصل عليه باستخدام كافة المصادر والإمكانيات لديها. وتخطط للتنفيذ بمرونة تامة حتى تحصل على أهدافها.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الخامسة والثلاثون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : أنواع التفكير الإيجابي :

4- الاعتقاد والتوقع الإيجابي:

الشخصية الإيجابية تعلم جيِّداً قانون الاعتقاد والتوقع، وكيف أن أي شيء تعتقد فيه بأحاسيس

مرتبطة وتتوقعه، ينجذب إليك من نفس نوعه. وهذا الاعتقاد والتوقع مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بإيمانه بالله

عز وجل ومعرفته أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا.

5- التركيز على الحل عند مواجهة الصعوبات:

الشخصية الناجحة تعرف جيِّدا قانون التركيز وقوته، وكيف أنه يلغي أي شيء آخر لكي يستطيع الإنسان أن يُرَكِّز انتباهه على ما يريد. فهو يأخذ الأمور

ببساطة ويفسرها لنفسه بطريقة إيجابية ويستمر يفكر بهذه الطريقة حتى يجد الحل للمشكلة.

6- الاستفادة من التحديات والصعوبات:

الشخصية الناجحة تستفيد من أي تحدٍّ تواجهه وتستخدمه في التخطيط للمستقبل، وبذلك فهي تحول التحديات إلى مهارات وخبرات قوية وتجارب يستند إليها.

7- لا يدع التحديات والصعوبات تؤثر على أركان حياته:

هناك سبعة أركان أساسية نسميها الأركان السبعة للحياة المتزنة وهي: الركن الروحاني، الركن الصحي، الركن الشخصي، الركن العائلي، الركن الاجتماعي، الركن المهني، وأخيرا الركن المادي. فلو واجه الشخص الإيجابي تحدياًّ مادياًّ أو مهنياًّ فهو لا يدع هذا التحدي يؤثر على باقي الأركان، بل على العكس يكون أقوى روحياًّ ويهتم أكثر بنفسه وصحته وأفكاره وعائلته. وبذلك يعيش حياته باتزان تام ويركز على الحل في نفس الوقت.

8- واثق من نفسه يحب التغيير وخوض المخاطر:

الشخصية الناجحة تعرف جيدا أن التغيير شيء واقعي لا يستطيع أي إنسان أن يتجنبه، لذلك فهو يعرف ما يريد من أهداف ويخطط لتنفيذها ويضع كافة الاحتمالات لها، ويضعها في الفعل وهو يقيم ويعدل في خطته وفي نفس الوقت يتعلم من أخطائه ثم يعود مرة أخرى للتنفيذ بثقة تامة في الله سبحانه وتعالى.

9- يعيش على الأمل والكفاح والصبر:

الشخصية الناجحة تعرف جيدا أنه لولا سعة الأمل لضاقت الحياة، وأنه بدون الأمل يضيع الإنسان ويقع في مطبات التحديات والأحاسيس السلبية. هذه

الشخصية تعرف أن الأمل هو بداية التقدم، ولولا وجود الأمل لتوقف كل شيء، وأن الأمل بدون الفعل والكفاح لا يحدث التقدم والتغيير. هذه الشخصية مكافِحة إلى أبعد الحدود. لا تَكِل، لا تمِل ولا تيأس مهما كانت الظروف والتحديات.

10- اجتماعي ويحب مساعدة الآخرين:

الشخصية الناجحة تتمتع بشخصية محببة إلى القلب، لما تتمتع به من أسلوب إيجابي يحترم الآخرين ويتعامل معهم بتقبل تام دون محاولة التحكم فيهم أو استغلالهم أو السيطرة عليهم. فهو يحب الناس ويتمتع بمساعدتهم فيقوم بتقديم يد العون لهم بكافة الطرق.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة السادسة والثلاثون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : الفصل الثاني: استراتيجية التفكير.

المبحث الأول: كيف تحول التفكير السلبي إلى إيجابي:

التخلص من التفكير السلبي والأفكار السلبية[4]:

للتخلص من التفكير السلبي والأفكار السلبية، والتي تحدك عن التقدم في حياتك وأخذ ما تريد، هناك تقنيات سهلة يمكنك استخدامها والتي يمكنها أن تحول تفكيرك للأفكار الإيجابية، وتجعلك تركز على كل ما هو إيجابي في حياتك وتحقق لك النتائج المرجُوَّة بإذن الله. فقط داوم على استخدام هذه التقنيات "البسيطة في تنفيذها القوية في تأثيرها"، وسترى كيف أن حياتك في مدة قصيرة اختلفت

كثيراً عن السابق، هذه التقنيات أعرضها كالتالي:

1- تحويل الفكر لحدث أو موقف سعيد:

كلما أتتك الأفكار السلبية اعمل على تحويل تفكيرك لشيء إيجابي في حياتك، تذكر فكرة سعيدة أو حدث أو موقف سعيد ينتشلك[5] من هذا التفكير

السلبي بشكل فوري. مثال: يوم نجاحك في التعليم الثانوي ودخولك الجامعة وفرحتك بذلك. أو نصيحة أعجبتك من والدك وتأثرت بها كثيراً وفرحت بها. مع ملاحظة أن لا تستدعي الأحداث او المواقف السعيدة التي تجلب مشاعر بها شجن وبكاء، أو مشاعر تؤدي لذكريات أخرى لها وقع سلبي في حياتك.

إن تحويل تفكيرك فوراً لفكرة إيجابية، سيلغي تأثير الفكرة السبية عليك. حيث إن العقل يميل للأفكار الإيجابية ويقربها إليك، لأنها تُدخل السعادة على العقل والنفس، وبذلك سيلفظ الأفكار السبية، ذلك لأنها تقربه للألم وهو ما يرفضه العقل وترفضه النفس. فالأفكار الإيجابية أقوى ألف مرة من الأفكار السلبية، فهي مبعث السعادة والبهجة، وكما يقولون: "البقاء للأقوى". لذا حول تفكيرك بشكل إيجابي فوراً عند ظهور الفكرة السلبية لأسعد شيء تتذكره في حياتك. وهذا من شأنه إلغاء تأثير الفكرة السلبية تماماً. يقول نورمان فينسنت بيل: (إذا غيرت أفكارك تكون بذلك قد غيرت العالم). وأقول: (إذا غيرت أفكارك تكون بذلك قد غيرت عالمك).

2- استخدام تقنية ((توقف)):

كذلك تعامل مع فكرتك السلبية بحزم، كلما لاحت[6] الفكرة السلبية في عقلك قل لها: قف أو توقف. وكلما عاودتك هذه الفكرة من جديد قل لها: توقف. يمكنك قول ذلك بصوت مسموع في البداية ثم يمكنك بعد فترة قول ذلك بأمر ذهني داخلي لعقلك بصوتك الداخلي، وذلك حتى يعلم عقلك أنك لا تريد هذه الفكرة ثانية في حياتك، ويشطبها من مخزن أفكارك، ويشطب كذلك كل ما يعمل على توكيدها. وبذلك تصبح أفعالك انعكاساً لأفكارك الإيجابية فقط عن نفسك، وتنمو وتتزايد تأثير هذه الأفكار الإيجابية في حياتك من نفس نوعها. يقول بيت كوهين- وهو خبير حياة استراتيجي-: (إنك إذا أمرت الأصوات القلقة النافذة في رأسك بأن تسكت، فإنها سوف تسكت).

المبحث الثاني: الوصايا العشر للتفكير الإيجابي:

أولاً: الرغبة المشتعلة :

هي الوقود الذي يحرك الأحاسيس ويعطي قوة للسلوك. الرغبة المشتعلة هي التي جعلت رون سكاليون يصبح من أبطال العالم في الكاراتيه رغم أنه كان معاقاً. هي التي جعلت والت ديزني يقاوم السخرية والاستهزاء والضياع لكي يحقق هدفه وحلم حياته وهو مدينة ديزني.

ثانياً: القرار القاطع :

معنى كلمة قرار يأتي من أصل يوناني وهو ((دوكايتيري))، اْي: قاطع. فالقرار الذي يتخذه الشخص يجب أن يكون قراراً قاطعاً، أي: لا رجعة فيه مهما كانت الظروف أو التحديات أو المؤثرات الداخلية أو الخارجية. لو نظرت حولك ستجد أمثلة كثيرة عن الأشخاص الناجحين الذين قرروا أن ينجحوا رغم كل المؤثرات السلبية التي كانت تواجههم، لأن قرارهم كان مدعماً برغبة مشتعلة، واعتقاد راسخ، وتوقع إيجابي، ومرونة تامة. هذا هو القرار الذي أتكلم عنه، القرار الذي أخذه خالد حسان وسبح المانش وفاز على الرغم من أنه فقد أرجله في حادث أليم وهو طفل صغير.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة السابعة والثلاثون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : المبحث الثاني: الوصايا العشر للتفكير الإيجابي:

ثالثا: تحمل المسؤولية كاملة :

إن عدم تحمل المسؤولية يجعلك تركز كل أفكارك وطاقتك فيما لا يفيدك في أي شيء، بل على العكس يبعدك كل البعد عن أن تصبح الشخص الذي تريد أن تكونه. ولكن عندما تأخذ مسؤولية حياتك فإنك بذلك تركز كل أفكارك وطاقتك في تحقيق أهداف حياتك.

رابعاً: الإدراك الواعي :

في بحث قامت به جامعة جورج تاون عن الإدراك كانت نتيجته أن أكثر من تسعين بالمائة من سلوكياتنا تلقائية نفعلها بدون تفكير! في رأيي الشخص يمثل الإدراك أكثر من خمسين في المائة من التغيير، فمثلاً: المدخن الذي لا يدرك خطورة التدخين، وأنه من الممكن أنه يُودي بحياته، سيستمر في التدخين! ولكن لو أدرك إدراكاً واعياً يكون في طريقه إلى التغيير. لذلك كن مدركاً لما تفكر فيه، وقرر أن تتحكم في التفكير السلبي وتحوله إلى صالحك، لأن التغيير الحقيقي يبدأ في الأفكار.

خامساً: تحديد الأهداف :

الأهداف من أهم عوامل التفكير الإيجابي، لأنها تجعلك تركز على ما تريد، وليس على ما لا تريد. الأهداف تجعل لحياتك معنى، وبدونها يشعر الناس بالضياع. اعدك أنه عندما تعرف أهدافك، وتخطط لحياتك، لن تكون حياتك كما كانت بل سيصبح لها معنى آخر.

سادساً: التأكيدات المتضامنة :

من ضمن الرسائل التي من الممكن أن نكون قد استقبلناها: أنت فاشل، أنت عصبي جداًّ، أنت غبي مثل عمك تماماً. لن تكون نافعا في أي شيء.. إلخ من الرسائل السلبية التي استقبلناها من العالم الخارجي سواءً كان ذلك في المنزل أم المدرسة أم من الأصدقاء أم من الناس.

المهم هو أن البرمجة الأولية تعتبر أقوى البرمجة التي تعودنا عليها. ثم أضفنا عليها من العالم الخارجي. فبسبب هذه البرمجة نسينا أنفسنا. والحقيقة أن آراء الناس لا تدل عليك أنت، بل تدل عليهم هم. فلو كان الشخص متزناً فهو يتكلم باتزان ويساعد الناس. لذلك لو قال لك شخصاً ما: إنك فاشل، فهو في الحقيقة يتحدث عن نفسه وإلا حاول أن يساعدك على التغيير بدلاً من أن يحبطك.

والآن دعنا نستخدم التأكيدات المتضامنة مع الأشخاص :

1- فكر في شخصٍ ما تعرف أنه ينقدك ويقول لك كلاماً كان يسبب لك إحباطاً.

2- انفصل بأحاسيسك عن كلامه وانظر إليه وكأنك تشاهد كل شيء من بعيد.

3- قل لنفسك: ما يقوله غير صحيح، فأنا لست فاشلاً، وأنا الآن أخطط لأهدافي، وإن شاء الله سأحققها.

4- اقرأ تأكيداتك المتضامنة واربط بها أحاسيسك.

5- ارجع لكلام هذا الشخص ستجد أنها فقدت قوتها، وحلت محلها تأكيداتك المتضامنة.

من اليوم استخدم التأكيدات المتضامنة مع الأشخاص والأشياء، وخصوصاً مع رأيك أنت عن نفسك ولو كان سلبياًّ.

سابعاً: الوقت الإيجابي:

الغرض من وصية الوقت الإيجابي هو أن تستخدم قدرة عقلك على التركيز على وقت تحدده أنت، وقد يكون ذلك الوقت لا يزيد عن عشرة دقائق كبداية تدرب فيها عقلك على التركيز على التفكير الإيجابي. ثم تصعيد هذه المدة، المهم هو الاستمرارية في فعل ذلك حتى تصبح من عاداتك المخزنة في مراكز الذاكرة في العقل، مما يجعلك تتصرف إيجابياًَ بطريقة تلقائيةٍ.

ثامناً: التنمية الذاتية :

التنمية البشرية أصبحت من أهم المتطلبات الأساسية التي تطلبها الشركات والمؤسسات في موظفيها اليوم. فمن الممكن أن يكون موظفاً حاصلا على

شهادات عليا من جامعات عالمية ولكنه لا يستطيع التعامل مع الآخرين، مما أدى إلى طرده من العمل. كلمة تنمية تعني: النمو في الأركان السبعة (الركن الروحاني، الصحي، الشخصي، العائلي، المهني، والركن المادي). وبشرية تعني: الجنس البشري.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الثامنة والثلاثون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : وسائل التنمية البشرية

هناك وسائل عدة يمكنك أن تستخدمها لكي تستفيد من التنمية البشرية منها:

1- القراءة.

2- الأشرطة السمعية.

3- الأشرطة البصرية.

4- الأمسيات الجماهيرية.

5- البرامج التدريبية.

6- الدورات المكثفة.

تاسعاً: السكون والتأمل اليومي :

لو نظرت إلى الطبيعة التي حولنا ستجد أن كل شيء يحدث وينمو في هدوء وسكون تام. فالشمس تشرق في هدوء وتغرب في هدوء، والقمر يظهر في هدوء ويختفي في هدوء. هل رأيت غروب الشمس؟ هل تمعنت فيه؟ ستجد نفسك في هدوء تام. لذلك قررت أن أضع لك وصية السكون والتأمل اليومي، والتي عندما تجعلها جزءاً من جدولك اليومي ولو لبضع دقائق فقط ستعود عليك

بفائدة لم تكن تخطر لك على بال.

عاشراً: الاهتمامات الشخصية والنشاطات اليومية :

الهوايات لها قوة علاجية رائعة، فهي تبعدك عن ضغوط الحياة اليومية وتأخذك غلى الراحة والسعادة. العمل والراحة وجهان من نفس العملة النقدية، ففي العمل تشعر بأنك تنجز وتنمو وتتقدم، وأيضاً في الراحة التي تحصل عليها عندما تمارس هواية تحبها ستشعر بالراحة والهدوء النفسي الذي يساعدك على إنجاز أكبر في عملك، وتوفير صحة أفضل في حياتك.

من اليوم... لاحظ أفكارك قبل أن تتحول إلى تركيز، لاحظ تركيزك قبل أن يتحول إلى إحساس، لاحظ إحساسك قبل أن يتحول إلى نتائج، لاحظ نتائجك قبل أن تحدد مصيرك.

و تذكر.. أنك لست العنوان الذي أعطيته لنفسك أو أعطاه لك الآخرون. أنت لست اكتئاب أو قلق أو إحباط أو توتر أو فشل. أنت لست سنك أو وزنك أو شكلك أو حجمك أو لونك. أنت لست الماضي ولا الحاضر ولا المستقبل. أنت أفضل مخلوق خلقه الله عز وجل. فلو كان أي إنسان في الدنيا حقق أي شيء، يمكنك أنت أيضاً أن تحققه، بل وتتفوق عليه بإذن الله تعالى.

و تذكر دائماً أن : الليل هو بداية النهار، والشتاء هو بداية الصيف، والألم هو بداية الراحة، والتحديات هي بداية الخير، والتفاؤل بالخير هو بداية القوة الذاتية. لذلك، عش كل لحظة وكأنها آخر لحظة في حياتك، عش بحبك لله عز وجل، عش بالتطبع بأخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم.

عش بالأمل.. عش بالكفاح.. عش بالصبر.. عش بالحب.. وقدِّر قيمة الحياة.

الخاتمة

احتوى بحثي على تعريفات للتفكير وأنواعه، وصفات الشخص السلبي والشخص الإيجابي ومسببات التفكير السلبي والتفكير الإيجابي.

كما دعمت بحثي بأدلة من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف بما يناسب موضوع بحثي.

و توصلت - بفضل الله - إلى أضرار التفكير السلبي ومميزات التفكير الإيجابي. كما توصلت إلى مساوئ التفكير السلبي وتأثيره على سلوكيات الفرد وتعامله مع الآخرين. كما توصلت إلى حلول ووصايا تهدف إلى تغيير التفكير السلبي وتحويله إلى تفكير إيجابي.

كما أوصي كل من يقرأ هذا البحث أن يحاول جاهداً تطبيق ما فيه من وصايا ومقترحات. وأوصي أفراد مجتمعي بأن يتجنبوا قدر الإمكان التفكير بسلبية والبعد عن حياة التشاؤم. [ الأنترنت – موقع الألوكة - قوة التفكير - شادية سعيد أبوعزيز ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة التاسعة والثلاثون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * قوة الإرادة وعلو الهمة :

أهمية قوة الإرادة وعلو الهمة : قوة الإرادة وعلو الهمة موضوعان مترابطان.

وهذان الموضوعان في غاية الأهمية من جهة الحاجة إليهما؛ لأنه لا يقوم بدين الله إلا من كانت له إرادة قوية وهمة عالية، فإن هذا الدين دين قويم، ودين

عظيم، والله جل جلاله أنزله وامتحن به الناس، ليرى من الذي يقوم به ممن لا يقوم، من الذي يتحرك لنصرته، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، ومن الذي يتخاذل عن ذلك، ويركن إلى الدنيا وإلى الدعة والكسل.

وهذان الموضوعان أيضاً في غاية الأهمية من جهة علاج الواقع الذي نعيش فيه، فإننا في حال هزيمة على المستوى الفردي والمستوى الجماعي، وإن العودة بالنفس والمجتمع من حال الهزيمة إلى حال الانتصار تحتاج إلى إرادة قوية وهمة عالية.

وحال الأفراد الذين يقولون: عندنا معاصي لا نستطيع أن نفارقها، وشهوات واقعون فيها لا نستطيع أن نبارحها، وعندنا ضياع أوقات من مشكلاتنا وندخل في مشاريع فلا نكمل، وتنقطع بنا السبل، ونعيش في فوضى، وحياتنا ليست مرتبة على حسب الشريعة.

لا شك أن علاج كل هذه المشكلات، وعلاج قضية عدم الجدية في الالتزام بالإسلام من هذه الأوقات الضائعة، والالتزام الناقص، ومظاهر نقص الاستقامة، لا شك أنها لا تعالج إلا بإرادة قوية وهمة عالية.

ونحن نتلفت لعلاج أنفسنا إلى الأنبياء والصحابة والتابعين والعلماء والشهداء الذين قضوا نحبهم وهم مقيمون على طاعة الله، أولئك الذين أخبر الله جل جلاله عنهم بأنهم: صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا [الأحزاب: 23].

أولئك أصحاب الهمم العالية، والعزائم القوية، والإرادات التي جعلت أصحابها في ذلك المستوى الإيماني المرتفع.

وأيضاً فإن هذا الموضوع مهم في العبادة، والجهاد، وطلب العلم، والدعوة إلى الله جل جلاله ؛ لأن هذه الأمور الشرعية المطلوبة لا يمكن تحقيقها إلا بذلك.

ولنشرع بالشطر الأول من هذا الموضوع وهو: قوة الإرادة.

أنواع الإرادة:

 أما الإرادة فإن الإرادة الكاملة التامة هي لله جل جلاله ، الذي قال ووصف نفسه بأنه: فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ [البروج: 16] لا تحدث حركة ولا سكنة في الأرض ولا في السماء إلا بإرادته ومشيئته، ولو شاء عدم وقوعها لم تقع، فهذه هي إرادته الكونية القدرية التي لا بد من وقوعها، كما قال الله -عز وجل-: فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا [الكهف: 82]، وقال: وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا [الإسراء: 16]، وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا[المائدة: 41]، وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ [الرعد: 11].

فمشيئته سبحانه وتعالى نافذة، إرادته نافذة، هذه الإرادة الكونية القدرية.

والإرادة الثانية: هي الإرادة الدينية الشرعية؛ كما قال الله -تعالى- فيها: وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ [النساء: 27].

ثم إن بعض الناس قد يسلكون سبيل التوبة فيتوب الله عليهم، وبعض الناس لا يسلكونها فلا يتوب الله عليهم.

وقال الله: يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ  [البقرة: 185] وهذه أيضاً من الإرادة الدينية الشرعية، فلو كانت الإرادة هذه كونية لما حصل لأحد منا عسر أبداً.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الأربعون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : خطر الخلط بين الإرادة الكونية والشرعية:

 والخلط بين الإرادتين هو الذي يورد الخالط المهالك.

وقد ضل أناس في هذه الإرادة فجعلوهماً شيئاً واحداً، وصار بعض الناس يقولون: إننا مجبورون على الأفعال لا إرادة لنا.

وبعض الناس يقولون: إن كل شيء نفعله فالله يريده، يعني: يحبه، فضلوا واستمروا على المعاصي والضلال، قالوا: إن الله يحب هذا، واحتجوا بأنه وقع وأن الله أراده.

وبعض الناس ضلوا في الناحية الأخرى فقالوا: إن العباد يخلقون أفعالهم بأنفسهم.

وهؤلاء الضلال هم الذين انحرفوا في مفهوم الإرادة، إرادة الله جل جلاله فخلطوا بين الإرادة الشرعية وبين

الإرادة الكونية.

والذي يخلط بينهما ولا شك فإنه يضل، فهؤلاء الذين قالوا: إن العباد يخلقون أفعالهم بأنفسهم جعلوا هناك أكثر من خالق، بل إن عدد الخالقين صار بعدد الناس الذين يفعلون الأفعال، ولا شك أن الله خلقنا وخلق أفعالنا: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ  [الصافات: 96].

وأما الذين قالوا: إن العباد ليس لهم إرادة وإنهم مقسورون ومجبورون على أفعالهم سلبوا العباد القدرة والإرادة التي أعطاهم الله إياها، بل إنهم بهذا الكلام الباطل جعلوا تعذيب الله للعاصي مثل تعذيب الطويل لم لم يكن قصيراً، والقصير لم لم يكن طويلاً، بل إنهم عذروا إبليس وقدموا العذر لفرعون وهامان وقارون؛ لأنهم معذورون بما فعلوه وأنهم مجبورون، وقال قائلهم في البيت المشهور:

ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له *** إياك إياك أن تبتل بالماء

هذا بيت من عقيدة الجبرية، الذي قاله جبري، يقول: أن الإنسان مجبور، وأن الله جل جلاله امتحنه مع أن

المخلوق لا إرادة له، بل إن بعض هؤلاء القدرية الضلال اجتمع نفر منهم فتذاكروا في القدر فجرى ذكر الهدهد وقوله: وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ [النمل: 24]، فقال أحدهم: كان الهدهد قدرياً، أضاف العمل إليهم والتزيين إلى الشيطان، وكل ذلك من فعل الله.

ونحن نعتقد أن الله جل جلاله أعطانا القدرة وأعطانا الإرادة، ولكن لا يقع إلا ما يريده الله، لم يسلبنا الله الإرادة ولا القدرة، بل إن العبد إذا أراد أن يفعل شيئاً فإن له الحرية في الفعل إذا أراد الله وقدر وقوع ذلك، ولا يشعر العاصي بقوة تدفعه إلى عمل الشيء بالرغم منه، بالرغم من أنه لا يريد ذلك أبداً، وليس العبد مجبوراً على أفعاله مطلقاً.

وكم كانت هذه العقيدة الضالة سبباً في صد بعض الناس عن دين الله جل جلاله ، وهذا مثال على ذلك قال بعض السلف: خرجنا في سفينة وصحبنا فيها قدري ومجوسي، فقال القدري للمجوسي: أسلم، قال المجوسي: حتى يريد الله.

هذا عين ما يقع اليوم من بعض الناس الفسقة إذا قلت لهم: التزموا بدين الله، عودوا إلى الله، اتركوا المعاصي قالوا: حتى يريد الله.

قال المجوسي: حتى يريد الله.

فقال القدري: إن الله يريد، ولكن الشيطان لا يريد.

فقال المجوسي: أراد الله وأراد الشيطان فكان ما أراد الشيطان، هذا شيطان قوي.

وفي رواية قال: فأنا مع الأقوى منهما [شرح العقيدة الطحاوية، ص: 227].

وهذا الضلال بسبب الخلط بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية، الله جل جلاله أعطانا الإرادة وأراد منا أن نعبده سبحانه وهو لا يقع في ملكه إلا ما يريد: إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ  [مريم: 35].

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الواحدة والأربعون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : بعض الأدلة على أن للإنسان إرادة:

 ومن الأدلة على أن الإنسان له إرادة: ما أخبر الله جل جلاله به في عدد من المواضع من كتابه، كقوله عز وجل:  فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا [القصص: 19]،  فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا [الكهف: 19]،  وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ [هود: 79].

فنحن لنا إرادة ضمن إرادة الله، لا يمكن أن نخرج عن إرادة الله، ولكن لنا إرادة، لسنا مجبورين على أفعالنا.

وبالمناسبة فإن عدداً من الذين يتكلمون من موضوع الإرادة من أصحاب الكتابات في علم النفس المأخوذ من النظريات الغربية، والمبني على عقائد القوم المنحرفين والكفرة عندهم هذه المسألة، وهي أنهم يقولون في كلامهم: إن الشخص يستطيع أن يفعل ما يريد، وأن الإنسان إذا صمم على شيء فلا بد أن يفعله، فلا بد أن يفعله، فهذا من نتيجة إلحادهم وعدم إيمانهم بالله جل جلاله وبمشيئته وإرادته، وأننا تحت قهره وسلطانه ونفوذه -عز وجل-، فالله جل جلاله خلق فينا الإرادة وجعل فينا غرائز وأهواء وشهوات، فالإرادة الحازمة تلبي المطالب الشرعية وترفض الإذعان لما يخالف الشريعة، وعلى مقدار إيمان الإنسان تكون قوة إرادته، وبمقدار انحرافه واتباعه لأهوائه وشهواته ونزواته وغرائزه تكون ضعف إرادته؛ لأن الشهوة تجعل ضعيف الإرادة مسوقاً إلى تحقيق مطالب النفس الأمارة بالسوء بدون أن يقاوم.

وإرادة الإنسان المسلم تكبح جماح الأهواء والشهوات الثائرة وتسكنها بالكبح والصبر.

وإذا كانت الإرادة قوية محكومة بالعلم الشرعي مع العقل والحكمة التي اقتضتهما الشريعة وجاءت بهما، فإن أفعال المسلم تكون حكيمة ونافعة.

وإذا كانت الإرادة ضعيفة أو غير مقرونة بالعلم والعقل والحكمة، فإن التصرفات لا تكون حكيمة ولا نافعة.

وضعيف الإرادة يتخاذل أمام ميل نفسه إلى الكسل والتباطؤ في العمل، ويجعل غالب وقته في الهزل،

ويتعطل عن العمل عند شعوره بأدنى تعب في جسمه، أو علة في نفسه، أو عند شعوره أن العمل لا يوافق هواه، وهكذا..

وهؤلاء ضعاف الإرادة متبعين لأهوائهم، ولذلك تراهم يخلدون إلى النوم الطويل القاتل للقوى، والمتلف للجسم.

وهؤلاء الذين لم يلتزموا بدين الله ولم يأخذوا بهذه الشريعة فقصروا وجعلوا للشيطان عليهم سبيلاً.

وبعض الناس يكون عندهم قوة إرادة لكن لا يحكمونها بحكمة الشريعة، قد تكون إرادتهم قوية جداً، لكن بسبب فقدانهم للعلم والحكمة تكون قوة إرادتهم نكبة على أنفسهم، فقد يضغط بعضهم على نفسه فيركب مركب الغلو، فيصل إلى تعذيب النفس والجسد فينهار ويتحطم.

وبعضهم قد يستخدم إرادته القوية فيفرض سيطرته على مجموعة من الناس، ويقودهم للإجرام.

وبعضهم من قوة إرادته يغامر بنفسه وبغيره مغامرات تقودهم إلى الهلكة، وهذا من الغلو في هذا

الموضوع. والإرادة التي نتكلم عنها هي إرادة وجه الله، ما نريده إرادة وجه الله جل جلاله ، فإن بعض الناس في هذه الدنيا عندهم قوة إرادة لكنهم وجهوها لطلب الحياة الدنيا، فأرادوها وسعوا من أجلها، فمن أجل الدنيا يعيشون، ومن أجلها يكافحون، ومن أجلها يعملون في الصباح والمساء حتى يصلوا إلى غنى، أو شهرة، أو منصب، أو شهادة، ونحو ذلك.

وهذا حال كثير من الناس اليوم، بعضهم عندهم إرادات قوية، لكن في أي شيء سخرها؟ لجمع الأموال، فتح الشركات، متابعة الأعمال كله في الدنيا أو دراسة، تجده يهلك نفسه في الدراسة الدنيوية، مفرط في أمور الشريعة وفي أمور الدين، وجاعل إرادته هذه كلها منصبة في قضايا الدنيا، هذا الذي قال الله -عز وجل- فيه: مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ [الإسراء: 18] يعني: قد تحصل له وقد لا تحصل، فإن بعضهم يكدحون ويكدحون وعندهم إرادات لكن لا يوفقهم الله حتى في الدنيا  مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا [الإسراء  : 18]،  وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا [الإسراء: 19].

فالذين لا يريدون وجه الله ما عندهم إرادة لوجه الله، هؤلاء يكون من عقوبتهم التثبيط عن الأعمال الصالحة، الله -عز وجل- يثبطهم عقوبة لهم، أنهم ما أرادوا وجهه، ولا فعلوا موجبات الإرادة، إذا كان الإنسان يريد فعلاً الدين، يريد نصرة دين الله، يريد العمل لدين الله لكان قام بالأعمال ، وصار عنده من أعمال الجوارح وغيرها، والتخطيط والتدبير لنصرة هذا الدين، والسعي إليه، لكن لما فرط وتخلى ثبطه الله، كما قال الله جل جلاله في الذين في قلوبهم مرض: وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ [التوبة: 46] لو أرادوا ذلك  وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً [التوبة: 46] لقاموا بالعمل، جهزوا أنفسهم، لأعدوا له عدة المتيسر: وَلَكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ [التوبة: 46].

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الثانية والأربعون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : الحاجة إلى قوة الإرادة:

 وهذه الحياة الدنيا التي نعيش فيها: مغريات، خضرة حلوة، تجذب بما فيها من الزينة والأموال واللهو واللعب، ولذلك يحتاج المسلم إلى قوة إرادة للوقوف أمام شهواتها وإغراءاتها وجاذبيتها.

نحتاج إلى قوة الإرادة في أي شيء؟

في الثبات ضد هذه المغريات.

قوة إرادة للثبات أمام عوامل الانحراف.

قوة إرادة للثبات أمام عوامل التثبيط والفتور سواء التي تأتي من داخل أنفسنا الأمارة بالسوء، أو

التي تأتي من الخارج من كيد الأعداء والشيطان، ونحو ذلك، وهو يسير ويجري من ابن آدم مجرى الدم.

نحتاج إلى قوة الإرادة في مواجهة الوساوس التي يلقيها الشيطان، حتى هؤلاء الناس الذين عندهم وساوس في الطهارة، فيعيدون الوضوء عشرات المرات، ويمكثون في مكان قضاء الحاجة والحمامات الساعات الطوال، ويعيدون الصلوات، بل ربما من شدة الوسوسة جعل بجانبه شخصاً يحسب له عدد الركعات.

ما هو علاج الوسوسة؟ إذا أنت تفكرت ونظرت لوجدت أنه قوة الإرادة المانع من تكرار الفعل مثلاً، فلو توضأ بشكل صحيح موافق للسنة غسل الأعضاء، وصل الماء إلى البشرة كما أمره الله، فجاءه الوسواس: ربما لم تغسل! ربما لم تمسح شعرك! ربما لم تفعل كذا وكذا! وهو يعلم إذا وضع يده على شعره يجد البلل، إذا نظر في مرفقيه وجد الماء، فما الذي يثنيه؟ وما الذي يرد الوسواس عنه؟

الإرادة القوية المبنية على التوكل على الله، والعلم الشرعي الذي ينبئك بأن إعادة العبادة محرم لا يجوز، لو أعدت الوضوء تأثم.

نحتاج إلى الإرادة القوية في مواجهة الفتن، فتنة الزوجة التي تجر الإنسان إلى المعاصي إلا من رحم الله

من الزوجات الصالحات، فتأمر الزوج بالمعصية، أو تحببه إليها، أو تقول: لماذا لا نذهب إلى المكان الفلاني، وفيه ما لا يرضي الله؟ أو لماذا لا نشتري الشيء الفلاني وهو محرم لا يرضي الله؟ ولماذا لا ندخل في بيتنا الآلة الفلانية وهي لا ترضي الله؟ وهكذا مما تأمر به الزوجة إذا لم تكن طائعة لله.

فتنة الأولاد  الولد محزنة مجبنة مجهلة مبخلة [رواه الطبراني في الكبير: 614].

 مجهلة  يصرف الإنسان عن طلب العلم.

 مبخلة  يصرف الإنسان عن الإنفاق في سبيل الله، وعن الخوض للقتال للمعركة في سبيل الله  مبخلة  يصرفه عن الإنفاق.

 مجبنة  يصرفه عن القتال.

 مجهلة  يصرفه عن طلب العلم.

 محزنة  إذا مرض، وغير ذلك.

فالأولاد فتنة: إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ [التغابن: 14].

فالصمود أمام هؤلاء يحتاج إلى إرادة قوية.

قوة الإرادة مهمة في مقاومة ميل النفس إلى الدعة والراحة، النفس بطبيعتها تميل إلى الدعة، تميل إلى الكسل، إلى الفوضى، والإرادة القوية هي التي تحمل النفس على العمل وترغمها على عدم الانجرار وراء ساعات النوم الكثيرة، ويرغمها على التنظيم المقاوم للفوضى، وهكذا..

قوة الإرادة هي التي تصد الشيطان عن إلقاء المخاوف وعن الاستجابة لها: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ [آل عمران: 175] يخوف أولياءه، يعني: يجعل أولياءه أعداء الإسلام يظهرون في أعينكم وفي أنفسكم قوة لها رهبة وخوف: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ ، يخوفكم يا أيها المؤمنون بأوليائه فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ .

الإنسان يتعرض إلى مصائب: موت، مرض، فقر، هذه الإرادة القوية هي التي تجعل الإنسان صامداً أمام المصيبة، صابراً محتسباً على وقوع قضاء الله وقدره.

والإرادة القوية هي التي تحمي الشخص والفرد المسلم عن الانسياق وراء الجموع الضالة التي تهيم على غير هدى من الله: وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ [الأنعام: 116].

والإنسان من طبيعته أنه يحب موافقة الكثرة، والاختلاف عنهم ومفارقتهم صعبة على النفس، ولذلك تجد كثيراً من الناس لو سألته عن سبب معصية، أو عمل خطأ، أو بدعة يفعلها، قال لك: كل الناس يفعلون ذلك، ما عنده إرادة قوية تعصمه عن الانسياق وراء الكثرة الضالة التي تتبع الهوى والجهل والعادات والتقاليد.

وكذلك الأئمة المضلون الذين يسوقون الناس بالضلال ويلبسون عليهم، والطاعة العمياء للغوغاء.

الإرادة القوية تقوم حائل بين الإنسان المسلم وبين مجاراة الجمهور فيما يريدونه إذا كان من معصية الله.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الثالثة والأربعون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : وسائل تقوية الإرادة :

أولاً: الإيمان بالله -عز وجل-، الإيمان بالله وأسمائه وصفاته، وقضائه وقدره، والتوكل عليه، وحسن الظن به، والثقة بالله -سبحانه-.

لاحظ الفرق بيننا وبين مفهوم الطرح، طرح قضية الإرادة عند الكفار، وفي بعض كتب علم النفس، يقولون: أنت تستطيع أن تفعل أي شيء، تستطيع أن تفعل كل شيء، ردد وقل: أريد، أريد، أريد، وستفعل ذلك مهما كان.

ونحن نقول: لا بد أن يوجد عندنا تصميم وعزم كما دعتنا الشريعة إلى ذلك، لكن لا بد أن نتوكل على

الله، ونفوض أمرنا إلى الله مع العمل: اعقلها وتوكل  [رواه الترمذي: 2517، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح: 22].

أما الكفار يعقلون ولا يتوكلون، يعقلونها ولا يتوكلون، هذا هو الفرق بيننا وبينهم، ولذلك إذا فشل الواحد منهم تحطم انهار انتهى انتحر أصيب بالجنون

أو الأمراض العصبية، لكن المسلم يعمل متوكلاً على الله، فلو ما وصل إلى مرامه ولا نجح، فإنها مصيبة يصبر على قضاء الله جل جلاله.

وثانياً: التربية هي التي تدرب الشخص على مقاومة الأهواء والشهوات، وتربية الإرادة في نفسه التي تكبح جماح هذه الأهواء والشهوات، فالإنسان قد يفشل في المرة الأولى من أول مواجهة ينهار، لكنه بالتربية يصمد في المرة التي بعدها.

نعم، قد لا يستطيع الصمود إلى النهاية أو لا يصمد إلى النهاية ويسقط، لكن مع النصيحة مع المتابعة

مع التوجيه مع شد الأزر مع الجو الطيب تتكون عنده الإرادة وتنمو الإرادة القوية التي تساعده في الوقوف أمام جيوش المعاصي والشهوات.

ثم من وسائل تقوية الإرادة: تحديث النفس بالشيء من طاعة الله، أو الانتهاء عن معصية الله، تحدث نفسك به باستمرار، وتتذكره بينك وبين نفسك، تأمل في حديث: من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من نفاق [رواه مسلم: 1910] الإنسان إذا كان يحدث نفسه بالغزو دائماً صدق، لو أنه قام قائم الجهاد ونادى المنادي للنفير، فإنه سيكون مع الخارجين في سبيل الله؛ لأنه دائماً يحدث نفسه بهذا الشيء، ويذكر نفسه بهذا الشيء، ويردد على نفسه تلك الآيات والأحاديث المرغبة في هذا العمل.

وكذلك لو أنه يريد أن تكون عنده إرادة في مقاومة شهوة من الشهوات، يردد على نفسه ويتذكر دائماً وباستمرار هاجسه الذي يقلقه والشيء الذي يتردد في نفسه حرمة هذه المعصية وعقوبة العاصي عند الله والعزم على عدم العودة، الندم على الفعل، هذا في النهاية سيوصله إلى إرادة قوية تمنعه من الوقوع في هذه المعصية.

ومن عوامل تقوية الإرادة: ممارسة العبادات، وعلى رأسها: ذكر الله -عز وجل-، فقد ثبت بالدليل الصحيح أن ذكر الله -تعالى- يقوي القلب، ويقوي البدن.

وتأمل أبدان فارس والروم كيف خانتهم أحوج ما كانوا إليها وانتصر عليهم أولئك النفر المؤمنون الذين لم يكونوا مثلهم في قوة الأجساد ولا في العدة والعتاد.

إذاً، الذاكرون الله كثيراً والذاكرات هؤلاء من المزايا التي أعطاهم الله إياها هذه القوة، قوة الإرادة، قوة الإيمان، والقوة في القلب والقوة في البدن.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الرابعة والأربعون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : وسائل تقوية الإرادة :

ثم من العبادات التي تقوي الإرادة: الصيام، فلا شك أن الصيام يقوي الإرادة، إرادة الصبر على الجوع والعطش والشهوة لأجل الله جل جلاله ، فهناك عبادات واضح أثرها في تقوية الإرادة.

ثم من الأمور المهمة أيضاً: عدم التردد والتحير والتلكؤ إذا ظهر لك رجحان الأمر شرعاً وأنه من طاعة الله، بل ينبغي عليك الإقدام والإسراع، الذين يسارعون في الخيرات، ينبغي عليك أن تأخذ بجانب الحزم والعزم، قال النبي ﷺ: إنه ليس لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل [رواه أحمد: 14787، وقال محققو المسند: "صحيح لغيره"].

في غزوة أحد استشار القوم فأشار بعضهم بأمر، وأشار الآخرون بأمر آخر في الخروج، وعدم الخروج، فمال النبي ﷺ إلى قول الذين قالوا بالخروج من المدينة لملاقاة العدو ولبس لأمته، فكأن بعضهم وجد في نفسه أو أنه ندم، قالوا: ربما أكرهنا النبي ﷺ فراجعوه إذا كان يريد أن يقعد، يعني ما عندهم مانع في ذلك، وهم يؤيدونه، لكن النبي ﷺ ما دام اتخذ القرار ورأى فيه المصلحة الشرعية بعدما شاور: فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ  [آل عمران: 159]، فقال:إنه ليس لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل [رواه أحمد: 14787، وقال محققو المسند: "صحيح لغيره"].

وهذا درس في مسألة رد التحير والاضطراب والتردد، ونبذ هذا الكلام، والإقدام على الأمر بالحزم والعزم.

ثم إن النبي ﷺ قد علمنا هذا المفهوم في حديث مهم، فقالﷺ: المؤمن القوي، خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف [رواه مسلم: 2664].

-طبعاً- القوي في كل شيء، في إرادته، دينه، إيمانه، بدنه، مهاراته، قدراته، المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز ، واستعن بالله ولا تعجز، لا تعجز، يعني: أقدم، لا تتردد، لا تتحير، لا تتخاذل، لا تتكاسل، واستعن بالله ولا تعجز، احرص على ما ينفعك، ما دام رأيت فيه المصلحة الشرعية، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء  بعد كل هذه الإجراءات  لو أصابك شيء، فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان [رواه مسلم: 2664].

فإذاً، الإرادة القوية تقتضي حزم وإقدام وجرأة وشروع في العمل، ولا للتردد والحيرة والاضطراب.

وهذا الحديث رواه أحمد ومسلم.

وهذه اللفتة أيضاً موجودة في حديث مسلم في فتح خبير، في حديث مسلم لما أعطى النبي ﷺ الراية، جاء في الحديث قوله ﷺ: لأعطين هذه الراية رجلاً يحب الله ورسوله، يفتح الله على يديه ، قال عمر -رضي الله عنه-: ما أحببت الإمارة إلا يومئذ، بأي سبب؟ بسبب هذا الوصف يحب الله ورسوله، ما أحببت الإمارة إلا يومئذ، هذا من ورع عمر -رضي الله عنه- ما كان يتطلع للإمارة إلا في هذا الموقف، "فتساورت لها رجاء أن أدعى إليها، قال أبو هريرة: فدعا رسول الله ﷺ علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- فأعطاه إياها، وقال:  امش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك ، فسار علي شيئاً ثم وقف ولم يلتفت، فصرخ: يا رسول الله على ماذا أقاتل الناس؟ قال: قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم، إلا بحقها وحسابهم على الله [رواه مسلم: 2405].

ومن صفات القائد المسلم الذي يقود في معركة، أو في أي مجال آخر من المجالات: أنه لا يتردد ولا يتباطأ؛ لأن عامل الحسم عامل مهم في القيادة، إذا كان الكفار يتكلمون عنه في كثير من الأمور العسكرية والإدارية وغيرها نحن أولى وأحرى بهذا، بل هو من ديننا، بل عرفناه قبلهم من هذا الدين.

وعدم التكاسل والتردد حتى في العبادة، حتى في الصلاة، في السهو إذا غلب على ظنه، يفعل ما ترجح لديه، وإذا لم يغلب على ظنه شيء شك يبني على اليقين، لا ينصرف عن صلاته وهو شاك فيها، إما أن ينصرف عن يقين أو غلبة ظن ويسجد للسهو.

وقد قال النبي ﷺ: قال الله -تعالى-: يا بن آدم لا تعجز عن أربع ركعات في أول النهار أكفك آخره[رواه أحمد: 22469، وقال محققو المسند: "حديث صحح"]، هذه مثل: صلاة الضحى أربع ركعات في أول النهار تسبب الوقاية من الأحداث السيئة والأعراض والأمراض، ونحو ذلك.

ويحتاج الإنسان في هذا إلى التحلي بالصبر، وأن يكون جاداً، وأن يعقد قلبه على الشيء وأن يعزم، العزم مهم، العزم هذا من مرادفات قوة الإرادة، قال الله -عز وجل-: وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ [آل عمران: 186]. هناك أفعال واضح أنها تحتاج إلى عزيمة تحتاج إلى قوة:  وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ  [الشورى: 43].

ليس كل الناس يستطيعون أن يصبروا ويسامحوا الآخرين: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [لقمان: 17]، فليس كل الناس يستطيعون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على ما يترتب على ذلك مع إقام الصلاة.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الخامسة والأربعون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : حال أولو العزم من الرسل :

وتأمل في حال أولو العزم من الرسل، لماذا سموا بأولي العزم؟

هؤلاء الخمسة المقدمون عند الله -عز وجل-، كانت لهم إرادات تنفيذية على مستوى رفيع، فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ  [الأحقاف: 35]. ولذلك نحن نعزم ونتوكل على الله وننفذ، ولا نكن كالعاجز الذي يتبع نفسه هواها ويتمنى على الله الأماني.

والإنسان المتعرض للشهوات ينبغي عليه أن يتدبر قول الله -عز وجل-: فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات: 37 - 41] فقوة الإرادة عند الشهوة أن تحضر قلبك وتحضر علمك وعزيمتك للوقوف أمام الشهوة: وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ [يوسف: 23].

 ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال إلى نفسها، فقال: إني أخاف الله رب العالمين [رواه البخاري: 1423].

فهذا الرجل الذي قال: إني أخاف الله رب العالمين أمام هذا الإغراء ذات منصب وجمال، منصب ترغمه ربما وتسجنه وتذيقه الأذى إذا ما استجاب، وجمال مغرٍ، فاجتمعت المسألة من جوانبها ترغيب وترهيب، وهو يقول: إني أخاف الله رب العالمين، هذا صاحب إرادة قوية.

ومن عوامل تقوية الإرادة -أيها الإخوة-: المبادرة بالأعمال قبل الأعراض؛ كما قال النبيﷺ: بادروا بالأعمال [رواه مسلم: 118].قد يأتيك فقر ينسي، قد يأتيك غنى يطغي، قد يأتيك مرض يقعد، قد يأتيك الموت، بادر بالأعمال الآن اشرع بها قبل فوات الأوان، قبل أن تجتمع عليك الحوادث، أو يأتي ما لا تظن وما لا تفكر فيه.

وكذلك من عوامل تقوية الإرادة: أن يحافظ الإنسان على العمل وإن قل، فتشرع فيه ثم تحافظ عليه، تشرع فيه ثم تشرع في الأعمال، ثم تحافظ عليها وإن قلت، فإن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل [رواه البخاري: 6464، ومسلم: 783].

وكذلك إذا فرغت من عمل فابدأ في عمل آخر وراءه مباشرة، هذا من الأمور المهمة في متابعة قوة الإرادة، والدليل على ذلك قول الله -عز وجل-: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ  [الشرح: 7 - 8] إذا فرغت من الصلاة فانصب للذكر بعدها، فليس إذا انتهى الإنسان من عمل يذهب ويلعب، إذا انتهى من الصلاة يذهب ويطلق هوى النفس، يقول: الحمد لله نصلي صلينا، الصلوات صليناها، أدينا الفروض، ممكن نذهب نتفرج على الأفلام ومسلسلات ونلعب الورق يعني فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ  غير موجود عند هؤلاء، ولذلك تكون إراداتهم ضعيفة.

وصحيح أنه يحافظ على بعض الأعمال الدينية كالصلاة مثلاً، أو الزكاة أو الصيام لكن في بقية أعمال

الخير كسول متردد مسوف.

وكذلك من الأمور التي تؤثر في الإرادة: التفاؤل وعدم التشاؤم، فإن بعض الناس الذين عندهم نفسيات متشائمة ليست عندهم إرادات قوية؛ لأنه بمجرد ما يرى شيئاً يجلب لنفسه التشاؤم يترك العمل، تنتهي الإرادة، تفتر تنتهي تتلاشى.

والنبي ﷺ كان يحب التفاؤل، كان يتفاءل ويحب التفاؤل، وقال: الطيرة شرك [رواه أبو داود: 3910، وابن ماجه: 3538، وأحمد: 3687، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: 3098] لا يجوز التشاؤم، والتشاؤم يبطئ الهمة، ويشتت القلب، ويميت روح الإقدام.

وعلى المسلم أن يتحامل على نفسه رغم الصعاب، هذا من الأشياء التي تقوي الإرادة، كما قال الله -عز وجل-: وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ [النساء: 104].

في غزوة أحد أراد النبي ﷺ أن يلحق بالمشركين وفي المسلمين جراحات، وتعب شديد من المعركة:

وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ  مثلكم، لكن الفرق أنكم  وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ  وهذا فرق أساسي ومهم جداً  وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ  تحملوا تجلدوا تصبروا  إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ  فهم يألمون أيضاً لكنكم أنتم يا أيها المؤمنون ترجون من الله ما لا يرجون وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا  [النساء: 104].

ثم على المسلم أن يتلقى الأحداث بالصبر وعدم الجزع عند المصيبة، أو الحزن على ما فات، وهذا ولا شك نابع من الإيمان بالقضاء والقدر، والله -سبحانه- قال: مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا [الحديد: 22] من قبل أن نخلقها ونوجدها في الواقع هي مكتوبة في كتاب  إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ  [الحديد: 22]. فائدة الإيمان بهذا المفهوم ذكرها الله -تعالى- فقال: لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [الحديد: 23].

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة السادسة والأربعون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : علو الهمة :

 المقصود بعلو الهمة: علو الهمة -أيها الإخوة- شيء لا يحسنه ولا يتوفر إلا لأكابر الناس الذين جعل الله التوفيق حليفهم. وعلو الهمة التطلع إلى الأعلى وهو رضا الله جل جلاله ابتغاء وجه الله.

ما هي همتنا؟ ينبغي أن تكون موجهة إلى أي شيء؟ ابتغاء وجه الله، الجنة، وإنا لنبتغي فوق ذلك مظهراً. هذه الهمة العالية ليست إلا لمن وفقه الله -تعالى- لها.

وعلو الهمة مركب من عدة عناصر؛ منها: الجد في الأمر والإباء والترفع عن الصغائر والدنايا والطموح إلى المعالي الشرعية؛ لأن بعض الناس يطمحون إلى وظائف مناصب مستويات مادية شرف دنيوي مدح ثناء، فهذا ليس علواً في الهمة، هذا دنو في الهمة؛ لأنه صار ينظر إلى الدنيا، لماذا سميت الدنيا؟ لأنها دنية سافلة، فلا يوصف الذي يتطلع إلى منصب أو وظيفة أنه عنده علو همة، هذا همه في الدنيا، وذكرنا أنه قد يكون عنده من قوة الإرادة الشخصية ما يحقق له الغرض الذي يريده، لكن ليس له عند الله من خلاق، فإن قصد بها وجه الله صارت قضية شرعية، كمن قصد أن يحصل على الشهادة لكي يوظف ذلك في طاعة الله، أو قصد التجارة لينفق على نفسه وأهله بالمعروف، وأن يتصدق، وأن يدعم القضايا الإسلامية، ونحو ذلك، فهذا ممن يبتغي وجه الله، همته إرادة وجه الله، ما تاجر إلا لوجه الله، ما اكتسب إلا لوجه الله، ما درس إلا لوجه الله، فهذا عنده علو همة.

فعلو الهمة هو الجد في الأمر والإباء والترفع عن الصغائر والدنايا والطموح إلى المعالي الشرعية.

وكلما عظم الهدف وسمت النفس إليه ارتفعت الهمة، ووصف صاحبها بأنه عالي الهمة.

وكلما هبط الهدف ودنا نزلت الهمة وحصلت الدناءة، ورضي المرء بالصغائر والتوافه.

علو الهمة يقتضي أموراً؛ منها: الجدية في العمل وعدم التواني والكسل، إذا دعا الداعي من الله -عز

وجل- إلى عمل تسابقوا إليه: "حي على الصلاة" علو الهمة إن كانت مطرقته رفعها ألقاها خلف ظهره، ولا يطرق بها، وإنما يذهب إلى الصلاة مباشرة.

إذا أراد أن يبيع فأذن المؤذن لم يبع ولم يكمل التفاوض ولا المساومة وترك ذلك للصلاة، هذا علو همة.

من يوم ما يستطيع الحج يحج هذا علو همة، لا يسوف ولا يؤخر.

إذا قال الله: انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً [التوبة: 41] طاروا إليه رجالاً وركباناً، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ يعني: جماعات، أَوِ انفِرُواْ جَمِيعًا [النساء: 71] نفير عام، الجيش كله: وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ [النساء: 72] ما عندهم علو همة، وعندهم ضعف إرادة فهم يثبطون.

وقلنا: إن علو الهمة وقوة الإرادة أمران مترابطان غاية الترابط، وبينهما علاقة وثيقة جداً.

أصحاب الهمة الدنية لا يقومون إلى ما يرضي الله، وإذا دعا الداعي إلى شيء من الطاعات أحجموا

وسوفوا وتكاسلوا، كما وصف الله المنافقين بقوله: وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى [النساء: 142]، وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ [التوبة: 54].

فالتكاسل والتقاعس هذا مما ينافي علو الهمة، وعكسه الجد وعدم التواني، والنبي ﷺ كان يتعوذ بالله من العجز والكسل، فيقول: اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل [رواه البخاري: 2823، ومسلم: 2706]، كما جاء في الحديث الصحيح،  اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل ، وهذا دعاء مهم جداً.

والإسلام يدفع المسلم إلى ابتغاء الكمالات، إلى التطلع للآخرة، التطلع إلى المعالي، إلى الأشياء العظيمة، الإسلام يصرف المسلم عن أن ينزل ببصره إلى الدنايا والتوافه والصغائر والأمور الحقيرة، خذ مثلاً على ذلك في أن الله -عز وجل- يريد أن يرتفع المسلم بنفسه عن هذه الأرض وجواذبها ودناياها ليتطلع إلى الأمر العظيم، الهمة العالية تتطلع إلى الأمر العظيم: طاعة الله -عز وجل- العبادة: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ [الزمر: 9]، فهو يريد أن يكون همة العباد إلى هذا الشيء قيام الليل قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ  (9) سورة الزمر]، وقال الله -عز وجل-: [لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ ] لا يستوون  هؤلاء، والمجاهدون في سبيل الله بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى  فضل الله المجاهدين على القاعدين بعذر درجة، ثم قال: وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ ، يعني: بغير عذر  أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا [النساء: 96].

هذا المنادي من الله يدعو العباد إلى التطلع إلى هذه المعالي، ويقارن لهم بين الشيء العالي والشيء الدنيء الواطيء، وكذلك حتى الأشياء العالية متفاوتة، فيقول: التمسوا الأعلى  لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا  [الحديد: 10]. إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة االسابعة والأربعون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : الإسلام يحث على الارتفاع والتطلع إلى معالي الأمور: 

الإسلام كما أنه يحث على الارتفاع والتطلع إلى معالي الأمور: طاعة الله، العبادة، الجهاد، الصدقة، الصلاة، قيام الليل، فإنه يصرف المسلم عن أن ينظر ببصره أو يتطلع، يهفو قلبه، ينصرف يميل، يركن إلى سفاسف الأمور والدنايا، قال النبي ﷺ: إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها ويكره سفسافها [رواه الطبراني في الكبير: 2894، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 1627]، وجاء الحديث هذا بألفاظ أخرى. والسفساف: هو الأمر الحقير والرديء من كل شيء.

ومن الأمثلة على ذلك: ذم السؤال في الإسلام، الشحاذة، السؤال، طلب الناس، يقول النبي ﷺ: اليد العليا خير من اليد السفلى  فسرها في الحديث الآخر:اليد العليا هي المنفقة، والسفلى هي السائلة [رواه البخاري: 1429، ومسلم: 1033].

ما يريد الإسلام من المسلمين أن يكونوا شحاذين وسؤال ويمدون أيديهم، وإنما يكونوا عاملين، بل يأكل الإنسان من عمل يده، حتى الأعمال حتى الطعام، أشرف طعام يدخل جوفك ما صنعته بيدك، هذه سنة داود .

وذم النبي ﷺ السؤال من غير حاجة، المكثرين من السؤال، لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله، وليس في وجهه مزعة لحم [رواه مسلم: 1040].

وقال: من سأل الناس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش أو خدوش، أو كدوح  قيل: وما الغنى يا رسول الله؟ كيف وله ما يغنيه؟، قال: خمسون درهماً أو قيمتها من الذهب [رواه أبو داود: 1626، والترمذي: 650، وقال: "صَحِيح" كما في صحيح الترغيب والترهيب: 1847] فإذا كان له ما يغنيه وسأل جاءت المسألة يوم القيامة في وجهه هذه الندب والآثار.

والنبي ﷺلفت نظر أصحابه إلى قضية ترك سؤال الناس بالكلية، وقال: من يتكفل لي ألا يسأل

الناس شيئاً وأتكفل له بالجنة؟  فقال ثوبان: أنا، فكان بعد ذلك لا يسأل أحداً من الناس شيئاً [رواه أبو داود: 1643، وأحمد: 22374، وصححه الألباني في صحيح أبي داود: 1450]. وصار الصحابة -رضوان الله عليهم- إذا سقط السوط من يد أحدهم لا يسأل أحداً من الناس أن يناوله إياه.

وقضية علو الهمة تطلع إلى الآخرة، تطلع إلى طاعة الله، حتى في الدعاء، الإنسان همته عالية في الدعاء فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة [رواه البخاري: 7423]

 واحد يقول: أنا مقصر وأنا مذنب وأنا أعرف نفسي ما أستاهل الفردوس؟

نقول: لكن النبيﷺ قال: فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة ، الله كريم، ولا يعجزه شيء ، وهو المنان، فاسأل، وماذا يضرك؟ حتى علو الهمة في الدعاء يتطلع إلى الفردوس، المسلم يسأل الفردوس.

وربما بعض الناس يقول في نفسه: دعني فلأسأل تحت، عند باب الجنة فقط؟

نقول: لا. يقول: عندي معاصي.

نقول: لا، فاسأل الله الفردوس، حتى في الجنة اسأل المراتب العليا، ادع الله فربما يجيبك فتكون من الفائزين بهذه الدرجات العلى والنعيم المقيم.

والذي يدفع المسلم إلى علو الهمة هو الزهد في الدنيا؛ لأنه إذا عرف حقيقة الدنيا أنها فانية زائلة، أنها ملعونة، أنها كالعصف المأكول، أنها تكون كهذا الذي

تذروه الرياح، فإذا عرف قيمة الدنيا وتفاهتها وحقارتها وزوالها وفناءها فإنه في هذه الحالة يزهد فيها، وتتطلع همته إلى الأمور العليا إلى الآخرة وإلى الجنان وما أعد الله فيها.

ومن الأمور المعينة على أن تكون الهمة عالية: اشتغال الإنسان بما يعنيه وانصرافه عما لا يعنيه، فإنه

إذا انشغل بما يعنيه، معنى: يعنيه، يعني: يعنيه شرعاً، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعنيك،

الدعوة إلى الله تعنيك، كسبك لأجل أولادك وزوجتك والإنفاق على نفسك يعنيك، كل هذا يعنيك، معرفة أوقات الصلوات تعنيك.

وما لا يعنيك كل ما يضرك وما لا مصلحة لك فيه شرعاً.

انظر إلى هؤلاء الناس الذين عندهم هوايات عجيبة: التصوير، وجمع الطوابع، والرياضات البحرية، وساعات يعني تقضى فيها ساعات، وصيد الجرابيع، إيش هذا؟ وأن يصعد بسيارته على تل من رمل، هذه رياضاتهم، هذه همهم في هذه الأشياء، الألعاب واحد يجلس عند الكمبيوتر في ألعاب الكمبيوتر عشر ساعات، واللعبة تأخذ كل يوم مرحلة، ساعات طويلة ساعات،  من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه [رواه أحمد: 1737، وقال الألباني: "صَحِيح" كما في صحيح الترعيب والترهيب: 4839]، فينبغي ترك هذه الأشياء، لا نقول: لا تروح عن نفسك، ولا تتريض الرياضة المباحة، لا، هذا مما يعنيك، لكن الإغراق في هذه الأشياء، وإضاعة الساعات الطويلة فيها، هذا لا شك أنه مناف لعلو الهمة.

وترك فضول الكلام، ومجالس إضاعة الوقت، والناس الثرثارين، هذا مهم من أجل أن يحفظ الإنسان وقته، فالشخص الذي عنده علو همة ينصرف لمراعاة وقته، وكل ما هو من مدعاة الكسل والخمول، فالإنسان يترفع عنه، حتى التثاؤب انظر كيف أمرنا برد التثاؤب وتغطية الفم في الصلاة إذا تثاءبنا حتى لا يدخل الشيطان؛ لأن التثاؤب من الشيطان، والتثاؤب عنوان الكسل والخمول، حتى التثاؤب الذي هو عملية طبعية تكون في الجسم، ومع ذلك نرده ونكظمه؛ أمرنا بذلك شرعاً.

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة االثامنة والأربعون في

موضوع (القوي ) وهي بعنوان : بعض جوانب علو الهمة من حياة السلف:

 وبعد هذه النقاط في مقتضيات علو الهمة وبعض الأسباب التي تؤدي إلى علو الهمة لننتقل إلى تطبيقات عملية من واقع السلف في بعض الجوانب فيما يتعلق بعلو الهمة، ومن ذلك: الهمة في العبادة، الهمة في البحث عن الحق، الهمة في الدعوة إلى الله، الهمة في الجهاد، والهمة في طلب العلم، وتحت كل فرع من هذه الفروع نضرب أمثلة، ونستلهم المعاني من قصص أولئكم النفر الكرام من الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين.

علو همة السلف في العبادة:

 أما الهمة في العبادة، فإن الله جل جلاله قد رغبنا في ذلك، وذكر لنا حال أصحاب الهمم العالية في العبادة، مثال:  تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة: 16 - 17].

وهذا النبي ﷺ أعلى الأمة قاطبة، بل هو أعلى الناس همة في العبادة كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه [رواه البخاري: 4837]، ضرب لنا مثلاً، همة عالية في العبادة، قال ابن مسعود: "صليت مع النبي ﷺ ليلة فأطال القيام حتى هممت بأمر سوء، قيل: وما هممت به؟ قال: هممت أن أجلس وأدعه" [رواه البخاري: 1135، ومسلم: 773] أكمل الصلاة قاعداً .

وروى مسلم عن حذيفة قال: صليت مع رسول الله ﷺ ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى، همة عالية، مضى فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسلاً إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ، ثم ركع، فجعل يقول: سبحان ربي العظيم، فكان ركوعه نحواً من قيامه، ثم قال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، ثم قام قياماً طويلاً قريباً مما ركع، ثم سجد فقال: سبحان ربي الأعلى فكان سجوده قريباً من قيامه [رواه مسلم: 772].

والأمثلة كثيرة ومن الصحابة والتابعين وذكرنا طرفاً صالحاً من هذا في محاضرة بعنوان: اجتهاد السلف في العبادة، فلا نطيل في ذلك.

ولكن لنعلم -أيها الإخوة- أن الشيطان يثبط الإنسان أن تكون له همة في العبادة، وهو الشيطان يعني يعقد على قافية رأس أحدنا بثلاث عقد حتى لا يقوم الليل، فإذا قام وذكر الله انحلت عقدة، توضأ انحلت، صلى انحلت كل العقد، انحلت كل العقد [رواه البخاري: 1142، ومسلم: 776].

ولما ذكر للنبي ﷺ رجل نام حتى أصبح، قال: ذلك رجل بال الشيطان في أذنه [رواه البخاري: 1144، ومسلم: 774].

علو الهمة السلف في البحث عن الحق:

 أما بالنسبة للهمة في البحث عن الحق، فإن النبي ﷺ، وهو النبي ﷺ، كان يسأل الله أن يوفقه

للحق ويدعو ربه ويناجيه في الليل وهو يصلي وهو يدعو وهو يقوم الليل:  اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك [رواه مسلم: 770].

والإنسان مطالب بالوصول إلى الحق، أن يحاول ذلك، سواء كان في مسائل الاعتقاد، أو العبادات ومعرفة الصواب والحق فيها، ينبغي أن يبذل جهده في ذلك، ولنأخذ مثلاً واحداً يبين لنا الهمة العالية في البحث عن الحق، إنه سلمان الفارسي -رضي الله عنه-، أبوه من عباد النار من المجوس، كان مع أبيه يحش النار، فحصلت له حادثة أرسله أبوه في أمر، فمر على دير للرهبان فتعرف على دين النصرانية، فأعجب بهم فأخبر أباه فسجنه وقيده بالسلاسل، فأرسل إلى أولئك النصارى يسألهم عن أصل هذا الدين، قالوا: هو بالشام، فأرسل إليهم يقول: إذا صار هناك ناس سيتركون يسافرون إلى الشام أعلموني، فلما علم حل القيد فهرب وخرج إلى الشام، وذهب إلى أسقف في كنيسة يخدمه ويتعلم منه، يبحث عن الحق، عبادة النار هذه لا تجدي، ولا تنفع، ولا تصلح، فلما أوشك الرجل على الموت إذا به رجل سوء، اكتشفه أنه يأخذ صدقات الناس ويخزنها، فدل الناس عليه فرجموه وصلبوه ولم يدفنوه، وجعلوا واحداً بدلاً منه رجلاً صالحاً على دين التوحيد، يعني ملة عيسى عليه السلام ، فلازمه سلمان -رضي الله عنه- يخدم ويتعلم منه فلما أوشك الرجل الصالح على الموت قال: لمن توصي بي ، فأوصاه إلى رجل بالموصل، ذهب إليه يتعلم منه، لما نزل به الموت أوصاه إلى رجل بنصيبين، فلما حضرته الوفاة أوصاه إلى رجل بعمورية، وسلمان ينتقل ويسافر من بلد إلى بلد، فلما نزل الموت بصاحب عمورية، قال: أي بني، لما سأله سلمان: تدلني على من؟ أي بني، والله ما أعلمه بقي أحد على مثل ما كنا عليه، ولكن قد أظلك زمان نبي يبعث من الحرم، من الحرم مهاجره بين حرتين إلى أرض سبخة ذات نخل، وإن فيه علامات لا تخفى: بين كتفيه خاتم النبوة، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، فلما واراه ودفنه أعطى كل ما يملك إلى رجال من تجار العرب ليحملوه إلى أرض العرب، لكن ظلموه وباعوه عبداً لرجل من وادي القرى، فباعه على رجل من بني قريظة، فجيء به إلى المدينة عبد، فأقام في الرق، وبعث الله محمداً ﷺ بمكة، وسلمان لا يدري عنه شيئاً، يعمل في النخل عبد، حتى قدم النبي ﷺ المدينة، فجاء ابن عم لليهودي يخبره بقدوم النبي ﷺ، وسلمان فوق النخلة، فلما سمع الخبر قال: فأخذتني العرواء، يعني الرعدة، حتى ظننت لأسقطن على صاحبي، ونزلت أقول: ما هذا الخبر؟ فرفع مولاي يده فلكمني لكمة شديدة، وقال: مالك ولهذا؟ يهودي، ولكن سلمان عند المساء أتى النبي ﷺ بطعام قال: هو صدقة، فلم يأكل منه النبي ﷺ، فجاءه مرة أخرى بطعام قال: هو هدية، فأكل منه النبي ﷺ، وسلمان يقول: هذه واحدة، هذه الثانية، فدار سلمان حول ظهر النبي ﷺ فعرف النبي ﷺ أنه يريد أن يتثبت من شيء فأرخى له الرداء، فقال سلمان: فنظرت إلى الخاتم فعرفته فانكببت عليه أقبله وأبكي [رواه أحمد: 23737، والطبراني في الكبير: 6065 ، السلسلة الصحيحة: 894].

يعني بعد هذه السنوات الطويلة جداً وصل سلمان إلى هدفه، وعرف الحق، ترك أباه وأهله وفارق الأوطان، وتغرب، وأنفق كل ما عنده من البقرات والمال لأجل أن يسافر إلى المكان الذي فيه ذلك النبي ﷺ، وظلم وبيع عبداً واشتغل في الرق سنوات طويلة جداً حتى وصل إلى الهدف وعرف الحق، وصل إليه.  وإذا كانت النفوس كباراً *** تعبت في مرادها الأجسام.

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة التاسعة والأربعون في

موضوع (القوي ) وهي بعنوان : بعض جوانب علو الهمة من حياة السلف:

علو همة السلف في الدعوة:

وأما الهمة في الدعوة إلى الله جل جلاله ، فهذه قضية ينبغي أن تكون مغروسة في أنفسنا؛ لأننا أيها الإخوة

مطالبون بأمر إلهي:  ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ [النحل: 125] يجب علينا أن ندعو، إنقاذ الأمة من الهلكة، الأمة الآن تعيش في أحط أوضاعها، وأسفل ما هو مر بها في تاريخها.

ولو تأملنا صعوبة مهمة الداعية، لو تأمل الداعية صعوبة المهمة لعرف أنه لا بد أن يكون صاحب إرادة قوية وهمة عالية؛ لأن هناك جهد كبير ينبغي أن يبذل، تصحيح الانحرافات الموجودة ليس أمراً سهلاً، والأمر أعظم مما قال عمر بن عبد العزيز لما قال: "إني أعالج أمراً لا يعين عليه إلا الله، قد فني عليه الكبير، وكبر عليه الصغير، وفصح عليه الأعجمي، وهاجر عليه الأعرابي، حتى حسبوه ديناً لا يرون الحق غيره" [سيرة عمر بن عبد العزيز، أحمد عبيد، ص: 42].

هذه الأمة الآن غارقة في المصائب، غارقة في المعاصي، إنها المحاربة من قبل الأعداء، يحاربون المساجد بالمراقص، والزوجات بالمومسات، والعقيدة بالفكر المنحرف والفلسفة، والقوة باللذة، يحاربوننا بأن يجعلوا همتنا دنية في اللقمة والجنس.

والداعية إلى الله إذا رأى أهل الباطل وعملهم في دعواتهم الباطلة، وسعيهم لنشرها حتى لربما كانت عجوزاً شمطاء في المجاهل والأدغال مع ضعفها وقلة حيلتها تعمل لأجل الصليب، أو غير ذلك من الأفكار المنحرفة، ويسهرون الليل، وينفقون الأموال، فالعيب الكبير في الداعية إلى الله أو بالشخص أن يتقاعس عن الدعوة وهو ينظر إلى أولئك القوم.

والداعية إلى الله يعلم أنه منصور، وإن لم يكن منصوراً بالسنان فهو منصور بالحجة والبيان:لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله [رواه مسلم: 1920].

وتتأمل في قوة إرادة النبيﷺ وعلو همته في الدعوة لما بعث ولم يكن في الأرض في ذلك الوقت إلا هذه البشرية المنحرفة، تأمل حال رجل واحد يراد ومطلوب منه التبليغ، وحمل الناس على الدين، وإقامة الإسلام في الأرض، واحد أمام هذا الكم الهائل من ركام البشرية المنحرفة التائهة الغارقة في الشرك والوثنية، واحد كم تكون المهمة صعبة والحمل ثقيل؟ رجع يقول: زملوني زملوني[رواه البخاري: 3، ومسلم: 160] من هول ما ألقي عليه من هذه التبعات العظيمة، لا يقام بهذه المسؤولية إلا من قبل رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين، أصحاب همم عالية وإرادات قوية.

والدعوة إلى الله طبيعتها الابتلاء والفتن والمحن، ولا بد من صبر.

الدعوة تحتاج إلى بذل أوقات، وهذا نوح قعد يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً.

الدعوة إلى الله تحتاج لصاحب همة عالية يدعو إلى الله سراً وجهاراً، ليلاً ونهاراً، في جميع الأحوال والظروف، وينوع الوسائل، والداعية إلى الله يرحل ويتجول في أي مكان سافر وإلى أي مكان ارتحل فهو يدعو، تأمل حال الأعرابي الذي جاء إلى النبي ﷺ فقال: "أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك" [رواه مسلم: 12]، لاحظ: "أتانا رسولك" هؤلاء رسل النبي -عليه الصلاة والسلام- يجوبون القفار والصحاري، وينتقلون بين القبائل لتبليغ الدعوة، أسفار، مشاق، صرف أموال، تعب، لكن هذه حال الدعوة.

والداعية وقف لله -تعالى- لا يصلح أن يترك هذه المهمة، أو يقول: أدعو سنة وأنام سنة، كلا.

وقد تكلمنا في بعض المحاضرات الماضية عن أساليب الدعوة، ووسائل الدعوة، وبعض صفات الداعية، فلا نطيل بهذا، ولكن القضية تذكير بأن المهمة في عصرنا صعبة ولكنها واجبة، ولا بد أن نكون أصحاب إرادات كبيرة وهمم عليا لنقوم بهذه الدعوة.

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:فهذه الحلقة الخمسون في موضوع     (القوي ) وهي بعنوان : بعض جوانب علو الهمة من حياة السلف:

علوم همة السلف في الجهاد في سبيل الله:

 أما الجهاد في سبيل الله، فإن النبي ﷺ حكى لنا حال رجل مثل به بألفاظ عجيبة تبين همة هذا

الرجل العالية في الجهاد، قال النبي ﷺ: من خير معاش الناس لهم، رجل ممسك عنان فرسه في سبيل الله، يطير على متنه، كلما سمع هيعة، أو فزعة طار عليه، يبتغي القتل والموت مظانه [رواه مسلم: 1889].

هذا رجل على أهبة الاستعداد، دائماً مستعد ممسك بعنان فرسه، أي وقت فزعة أو هيعة منادي الجهاد طار، لم يمش مشياً، طار على الفرس يبتغي مظان الموت، وأين يوجد القتل فيدخل في المعترك.

وكان النبي ﷺ يقاتل ويحتمي به أصحابه، وتمنى ألا يتخلف عن سرية قط، لكن لأجل بعض المصالح، ومع ذلك قاد عدداً كبيراً من الجيوش والسرايا.

وأصحابه ساروا على منهاجه، انظر إلى همة أنس بن النضر العالية في قتاله حتى ما عرفته أخته إلا بشامة أو ببنانه، سبعين موضع في جسمه طعن وضرب [رواه البخاري: 2805، ومسلم: 1903].

وحمزة في أحد قال الراوي: "مثل الجمل الأورق يهز الناس بسيفه هزاً، ما يقوم له شيء"

 [رواه ابن حبان في صحيحه: 7016، وصححه الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان: 6977]، يقول: "يا ابن أم أنمار مقطعة البظور، أتحاد الله ورسولهﷺ؟ قال: ثم شد عليه، فكان كأمس الذاهب [رواه البخاري: 4072].

ولعل من أعجب الأمثلة وأروع الأمثلة في تاريخنا الإسلامي لصاحب همة عالية في الجهاد، الرجل الذي مع شهرة اسمه لكن لا يعرف عن أفعاله إلا القليل، خالد بن الوليد -رضي الله عنه-، هذا الرجل العجيب والعجيب فعلاً فيما قدم لهذا الدين في الجهاد والقتال، أسلم مع النبي ﷺ بعد حين، ولكن سخر قوته ومواهبه لله ورسوله، وقاد جيشاً من المسلمين في فتح مكة، ولما مات النبي ﷺ بعدما أرسله وبعثه أيضاً بعوثاً ارتدت العرب، وكانت مهمة عظيمة ملقاة على أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، فعرف من ينتقي سيف من سيوف الله، فوجهه إلى أشد الخصوم مسيلمة الكذاب، وقاتلوا في ليالي اليمامة وأيامها مقاتلة شديدة، خالد يقود الجيش حتى أظفرهم الله على المرتدين، وبرغم قساوة وشراسة تلك المعارك معارك الردة التي مع الأسف ليست معروفة لكثير من الأجيال المسلمين، معارك الردة التي ينبغي أن تدرس بعناية؛ لأن فيها أمور كثيرة مما ينطبق في زماننا، لم يقعد خالد وإنما وجهه أبو بكر لغزو فارس، بادئاً بثغر أهل الهند والسند، وأرسل معه أناس، فقام خالد -رضي الله عنه- قسم الجيش إلى ثلاث فرق، وأعدهم عند الحفير، وراسل هرمز يدعوه إلى الإسلام، أو الجزية، أو القتال، وجاء هرمز بجيشه، ونزل على الماء ونزل المسلمون على غير ماء، وكلموا خالداً فقال: حطوا أثقالكم، ثم جالدوهم على الماء، فلعمري ليصيرن الماء لأصبر الفريقين وأكرم الجندين، وربط الفرس بعضهم بالسلاسل، ودعا هرمز خالداً للمبارزة يريد الخديعة، حتى جعل خطة بحيث أن هناك أناس من الفرس ينقضون على خالد من الخلف أثناء المبارزة، ولكن القعقاع وهو قائد إسلامي آخر كان منتبهاً فحمل عليهم فقتل خالد هرمز، وانهزم الفرس وأرسلت الغنائم إلى أبي بكر.

ثم دخل في واقعة المدار وكان هرمز قد كتب لأزدشير يستمده، فأمده بقائد منهم، فالتقى الجيشان مع

 فلول جيش هرمز في ذلك المكان، فنهض خالد لقتالهم على التعبئة، وخرج إليهم، فاقتتل الجيشان وانهزم الفرس وكانت للمسلمين فيهم مقتلة عظيمة.

ثم موقعة الولجة التي أرسل فيها الفرس جيشاً كثيف العدد، ونهض لهم خالد وخلفه من يحمي ظهره، وقسم الجيش وأعد الكمائن، واقتتل الجيشان واستعرت الحرب، وصار الظفر للمسلمين وولى الفرس ومات قائدهم من العطش.

ثم انتقل إلى وقعة أليس، جماعة من عرب الضاحية نصارى من بكر ووائل، عبوا أنفسهم للثأر، وراسلوا الفرس فأمدوهم، وعلم خالد باجتماعهم فذهب إليهم وعاجلهم، واقتتل الجيشان في مقتلة عظيمة, ونذر خالد إن أظفره الله بهم ليجرين نهرهم بدمائهم، وهزم الله الفرس وأسر المسلمون الكثير منهم، ثم قتلوهم حتى جرى النهر بدمهم، فسمي: نهر الدم، وكان خالد يقول: ما لقيت من أهل فارس قوماً كأهل أليس.   وقسم الغنائم وأرسل الخمس إلى الخليفة.

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والخمسون في موضوع    (القوي ) وهي بعنوان : علوم همة السلف في الجهاد في سبيل الله:

ثم واقعة أنغيشيا التي أكمل خالد بجنده إليها وقاتل أهلها وولوا تاركين كل شيء، ما إن اقترب خالد هربوا وتركوا كل شيء غنيمة.

ثم توجه إلى الحيرة وخرج المرزبان بجنده وجعل خالد الجيش على سفن في الفرات، ولكن الفرس عملوا مكيدة، بأن يفجروا أنهاراً فرعية لتقف سفن المسلمين بأحمالها، وفعلاً وقفت سفن المسلمين بأحمالها، لكن خالد لم يكن ليحتار ويضطرب ولا يدري ماذا يفعل، وإنما انفلت بكتيبة من المسلمين وقاتل ابن المرزبان على حين غفلة من جيشه حتى هزمهم وهم القائمون على الأنهار الفرعية، وأجرى

 الماء في الفرات، ورجع الماء، وحمى سفن المسلمين.

ودخل الحيرة وفتحها وأعمل القتل فيها، وخيرهم خالد خير قساوستها فاختاروا الجزية، فأرسل لأبي بكر الصديق.

ثم انتقل إلى الأنبار، وهكذا من معركة إلى أخرى، ثم إلى عين التمر وهي واقعة عجيبة.

ثم إلى دومة الجندل، ثم إلى الخنافس والحصيب، وهي وقعة أخرى.

ثم ينتقل خالد من مكان إلى مكان إلى واقعة الفراض التي تحالف فيها الفرس والروم ونصارى العرب في جيش واحد ضد خالد بن الوليد وجيش المسلمين، وفتحها الله.

ثم معركة اليرموك المشهورة وأنتم تعلمون ما فيها، وظهرت العبقرية العجيبة لخالد بن الوليد حينما أراد أن يفاجئ الروم من مكان لا يحسبون له حساباً، فاختار أن ينطلق من العراق إلى الشام عبر بادية الشام الصحراء التي تقطع الآن بالسيارات بعشرين ساعة مع الراحات، أتى خالد بدليل يدل الطريق، وأمر بحمل الماء وأخذ عشرين جزوراً سماناً عظاماً فأظمأها حتى اشتد عطشها ثم أوردها الماء، حتى رويت فقطع مشافرها وعكمها حتى لا تجتر، وكان كل يوم لهم منزل يعمد إلى أربعة من الإبل فيقطع أسنمتها ويأخذ ما في كروشها ويسقيه الخيل حتى كان المنزل الأخير، فوفقهم الله حتى عبروا ذلك المكان، وفاجأ الروم من المكان الذي لا يحتسبونه.

ولما حوصرت دمشق من أبوابها المختلفة كان جيش خالد بن الوليد الفرقة التي فيها خالد هي التي دخلت دمشق، وهو الذي قال لهم: انتظرونا فإذا سمعتمونا كبرنا فاقتحموا، فصعد هو ومن معه الأسوار ونزلوا على الروم في الحراس وقتلوهم وفتحوا الأبواب وكبروا، فدخلت جيوش المسلمين إلى دمشق، وكان أهلها من الطرف الآخر بعض أهلها صالحوا المسلمين في الجهة الأخرى، فصار بعض دمشق فتح عنوة وبعضها فتح صلحاً.

وهكذا يستمر خالد بن الوليد، وفي معركة من المعارك تواجه جيش خالد مع جيش عقة بن أبي عقة النصراني العربي الذي كان يجهز الجيش، فلمح خالد ثغرة فترك جيشه وانطلق إلى القائد، انطلق من مكانه إلى القائد المشرك الكافر فأخذ به فاحتضنه ورجع به أسيراً، فانهزم جيشه، تصور انفض على القائد، انقض عليه فأخذه وسرقه، ورجع به.

وفي معركة من المعارك حاصر المسلمون حصناً، فقال بعض المسلمين لخالد: إن هؤلاء إذا رأوا وجهك لا يخرجون خارج الحصن، نحن نريد أن يخرجوا نقاتلهم، فخرج خالد نهاراً وهم يرونه مبتعداً، ثم دخل ليلاً في الجيش مرة أخرى، في الصباح خرجوا لأنهم علموا أن خالداً خرج، خرجوا من الحصن ليقاتلوا فصبحهم خالد بوجهه فهزموا، رضي الله -تعالى- عنه.

ويستمر حتى يطيع أمر الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بعد حين برجوعه إلى المدينة، ويكون عنده حتى وافاه الأجل -رضي الله عنه-.

في إحدى الغزوات بعدما فتح مدينة أخذ فرساناً وذهب إلى الحج، قطع مسافة إلى عرفة مباشرة، حج ورجع، فلما رآه أصحابه حليق الرأس عرفوا أنه قد حج.

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والخمسون في موضوع  (القوي ) وهي بعنوان : علو همة السلف في طلب العلم:

 وأخيراً: من الأمثلة العالية الهمم العالية في طلب العلم كثيرة جداً وننتقي بعض المقاطع، عن ابن عباس قال: لما توفي رسول الله ﷺ قلت لرجل من الأنصار: هلم نسأل أصحاب رسول الله ﷺ فإنهم اليوم كثير، فقال: واعجباً لك يا ابن عباس، أترى الناس يحتاجون إليك وفي الناس من أصحاب النبي ﷺ من ترى، فترك ذلك وأقبلت على المسألة، يسأل ابن عباس، فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتيه وهو قائل، نائم القيلولة، فأتوسد ردائي على بابه فتسفي الريح علي التراب فيخرج فيراني، فيقول: يا ابن عم رسول الله، ألا أرسلت إلي فآتيك؟ فأقول: أنا أحق أن آتيك فأسألك، قال: فبقي الرجل حتى رآني وقد اجتمع الناس علي، فقال: هذا الفتى أعقل مني [فضائل الصحابة: 1925، ومستدرك الحاكم: 363].

الهمة العالية يتوسد عند الباب في الظهيرة، هذا الرجل نائم وابن عباس عند الباب، والريح تأتي بالتراب ينتظر للمسألة العلمية.

وعروة بن الزبير عن هشام عن أبيه أنه كان يقول لنا ونحن شباب: مالكم لا تعلمون؟ إن تكونوا صغار قوم يوشك أن تكونوا كبار قوم، وما خير الشيخ أن يكون شيخا وهو جاهل، لقد رأيتني قبل موت عائشة بأربع حجج وأنا أقول: لو ماتت اليوم ما ندمت على حديث عندها إلا وقد وعيته، ولقد كان يبلغني عن الصحابي الحديث فآتيه وأجده قد قال، فأجلس على بابه ثم أسأله عنه [سير أعلام

النبلاء: 4/424].

وكان عامر بن قيس التميمي مقرئاً يقرئ الناس القرآن فيأتيه ناس فيقرئهم القرآن، ثم يقوم فيصلي إلى الظهر، من الصباح يقرئ إلى الظهر، ثم يصلي العصر، ثم يقرئ الناس إلى المغرب، ثم يصلي ما بين العشاءين فينصرف إلى منزله، فيأكل رغيفاً وينام نومة خفيفة ثم يقوم لصلاته، ثم يتسحر رغيفاً ويخرج [سير أعلام النبلاء: 4/15- 16].

قيام وصيام وإقراء قرآن من الصباح إلى الليل.

أما سعيد بن عبد العزيز التنوخي قال: "كنت أجلس بالغدوات إلى ابن أبي مالك، وأجالس بعد الظهر إسماعيل بن عبيد الله، وبعد العصر مكحولاً" [سير أعلام النبلاء: 8/33].

وأما القعنبي قال أبو حاتم: ثقة حجة لم أر أخشع منه، كان إذا مر بمجلس القوم قالوا: لا إله إلا الله، ذكروا الله -عز وجل-، سألناه أن يقرأ علينا الموطأ، فقال: تعالوا بالغداة، فقلنا: لنا مجلس عند الحجاج بن منهال، قال: فإذا فرغتم منه، قلنا: فنأتي حينئذ مسلم بن إبراهيم، قال: فإذا فرغتم، قلنا: نأتي أبا حذيفة النهدي، قال: فبعد العصر، قلنا: نأتي عارماً أبا النعمان، قال: فبعد المغرب، فكان يأتينا بالليل، فيخرج علينا وعليه كبل ما تحته شيء في الصيف، فكان يقرأ علينا في الحر الشديد حينئذ [سير أعلام النبلاء: 10/260].

هذا يدل على كيف كان أبو حاتم -رحمه الله- وأقرانه يطلبون العلم، مجالس متواصلة.

وحدث بعض أهل العلم وهو ابن حبان عن بعض العلماء، ابن حبان يحدث عن نفسه قال: "لعلنا قد كتبنا عن أكثر من ألفي شيخ"، قال الذهبي: "كذا فلتكن الهمم، هذا مع ما كان عليه من الفقه والعربية والفضائل الباهرة وكثرة التصانيف" رحمه الله [سير أعلام النبلاء: 16/94].

وقال محمد بن علي السُلمي: "قمت ليلة سحراً لآخذ النوبة على ابن الأخرم فوجدته قد سبقني ثلاثون

قارئاً، لم تدركني النوبة إلى العصر" [سير أعلام النبلاء: 15/565]، وراء بعض يجلسون سرى عند الشيخ.

وابن الأخرم كان له حلقة عظيمة بجامع دمشق يقرؤون عليه من بعد الفجر إلى الظهر [سير أعلام النبلاء: 15/565].

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والخمسون في موضوع    (القوي ) وهي بعنوان : علو همة السلف في طلب العلم :

والطبري قال لأصحابه: هل تنشطون لتاريخ العالم من آدم إلى وقتنا؟ قالوا: كم قدره؟ قال: نحو ثلاثين ألف ورقة، فقالوا: هذا مما تفني الأعمار قبل تمامه، قال: إنا لله، قد ماتت الهمم، فاختصر ذلك في نحو ثلاثة آلاف ورقة [سير أعلام النبلاء: 14/274 - 275].

وأما السمعاني -رحمه الله- فإنه طوف البلاد وأخذ عن مشايخ لا يعدون، وذهب إلى أبي ورد

وإسفرائين والأنبار وبخارى وبسطام والبصرة وبلخ وترمذ وجورجان وحماه وحمص وحلب وخسرو وجرج والري وسرخس وسمرقند وهمذان وهرات والحرمين والكوفة وواسط والموصل ونهاوند والمدائن، ما في طائرات ولا في سيارات ولا قطارات، المشي على الأرجل وعلى الدواب حتى دخل بيت المقدس والخليل وهما بأيدي الفرنج تحيل وخاطر ودخل رغم أنها تحت احتلال النصارى.

السِلفي الذي ذهب يطلب العلم وله أقل من عشرين سنة، ارتحل ونسخ من الأجزاء ما لا يحصى، وكان ينسخ الجزء الضخم في ليلة، وبقي في الرحلة ثمانية عشر عاماً [سير أعلام النبلاء: 21/16].

وابن طاهر قال: بلت الدم في طلب الحديث مرتين، مرة ببغداد، وأخرى بمكة، كنت أمشي حافياً في الحر فلحقني ذلك، وكنت أحمل كتبي على ظهري، وما سألت في الطلب أحداً" ما مددت يدي لأحد.

قيل: إنه كان يمشي في اليوم والليلة عشرين فرسخا [سير أعلام النبلاء: 19/363] الفرسخ تقريباً خمسه كيلو.

وروي عن سليم الرازي قال: "كان أبو حامد الإسفراييني في أول أمره يحرس في درب"، لكن له همة عالية ولو كان يحرس في درب، "وكان يطالع على زيت الحرس" يقرأ على مشاعل الحرس، "وأفتى وهو ابن سبع عشرة سنة" [سير أعلام النبلاء: 17/196].

عطاء بن أبي رباح كان فراشه المسجد عشرين سنة [سير أعلام النبلاء: 6/327].

الزهري جلس يتذاكر الحديث من بعد العشاء حتى أصبح، وعدد من السلف فعلوا ذلك.

الإمام مالك قلما صلى الصبح إلا بوضوء العشاء لمدة تسعة وأربعين سنة.

وكيع بن الجراح والإمام أحمد تذاكرا الحديث من العشاء إلى آخر الليل.

أسد بن الفرات يجلس عند محمد بن الحسن الشيباني يتلقى منه الحديث، وكان ينثر في وجهه الماء ينضح لكي يصحو يبقى منتبهاً في الدرس.

وأحمد بن حنبل كان يذهب من قبل الفجر إلى مجلس الشيخ ليتبوأ مكانه، وكان يقول: مع المحبرة إلى المقبرة.

والبخاري يستيقظ عشرين مرة في الليل ليسجل ما يخطر له، يوقد السراج في كل مرة ويطفئه.

هذه الهمم العالية، هذا الحفظ، هذا العلم، هذه الرحلة، هذا التأليف والتصنيف، هذه المجالس، هذا الحرص على الحضور.

هذه -أيها الإخوة- نماذج مما كان عليه سلفنا -رحمهم الله- في طلب العلم، والهمم العالية فيه.

فنسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يلهمنا رشدنا، وأن يقينا شر أنفسنا، وأن يقوي إراداتنا في طاعته، وأن يجعلنا من أصحاب الهمم العالية في سبيله مجاهدين وعلماء عاملين.والله -تعالى- أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.[ الأنترنت – موقع  الشيخ محمد المنجد - قوة الإرادة وعلو الهمة ]

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والخمسون في موضوع    (القوي ) وهي بعنوان : * قوة الشكر :

للشكر والامتنان طاقة غريبة تمنح صاحبها النجاح والشفاء، هذا ما يقوله الخبراء اليوم وهذا ما قاله النبي الكريم قبل ذلك....

كنتُ أتأمل سيرة بعض الناجحين على مر التاريخ ولفت انتباهي أمر مهم ألا وهو أنهم يستخدمون التقنيات ذاتها في سبيل النجاح وتحقيق ما يطمحون إليه بسهولة. ومن الأشياء الملفتة أنهم يستخدمون "قوة الشكر" فالشكر والامتنان له سحر غريب وتأثير عجيب في حياة الإنسان، ولكن كيف؟

الشكر طريق سهل للنجاح

يؤكد الدكتور جون غراي وهو طبيب نفسي وأحد المبدعين الذين بيعت ملايين النسخ من كتبه،

يؤكد على أهمية الشكر في حياة الإنسان الناجح، فالزوجة مثلاً التي تشكر زوجها على ما يقوم به، فإن هذا الشكر يحفزه للقيام بمزيد من الإبداعات والنجاح. فالامتنان يقدم لك المزيد من الدعم والقوة.

ويوضح الخبير "جيمس راي" هذه الحقيقة بقوله: إن قوة الشكر كبيرة جداً فأنا أبدأ يومي كلما استيقظت صباحاً بعبارة "الحمد لله" لأنني وجدتها مفيدة جداً وتمنحني طاقة عظيمة! ليس هذا فحسب بل إنني أشكر الله على كل صغيرة وكبيرة وهذا سرّ نجاحي أنني أقول "الحمد لله" وأكررها مراراً طيلة اليوم!!

الشكر طريق سهل للإبداع

للشكر تأثير مذهل في حياة معظم المبدعين، فالامتنان والشكر للآخرين هو أسهل الطرق للنجاح، والشكر طريقة قوية ومؤثرة حتى عندما يقدم لك أحد معروفاً صغيراً فإنك عندما تشكره تشعر بقوة في داخلك تحفزك للقيام بالمزيد من الأعمال الخيرة. وفي دراسة حديثة تبين أن الامتنان والشكر يؤدي إلى السعادة وتقليل الاكتئاب وزيادة المناعة ضد الأمراض!

لقد قام العلماء بتجارب كثيرة لدراسة تأثير الشكر على الدماغ ونظام المناعة والعمليات الدقيقة في العقل الباطن، ووجدوا أن للشكر تأثيراً محفزاً لطاقة الدماغ الإيجابية، مما يساعد الإنسان على مزيد من الإبداع وإنجاز الأعمال الجديدة. كما تؤكد بعض الدراسات أن الامتنان للآخرين وممارسة الشكر والإحساس الدائم بفضل الله تعالى يزيد من قدرة النظام المناعي للجسم!

يقوم الدكتور Robert Emmon وفريق البحث في جامعة كاليفورنيا بدراسة الفوائد الصحية للشكر، وقد وجد بنتيجة تجاربه على الطلاب أن الشكر

يؤدي إلى السعادة وإلى استقرار الحالة العاطفية وإلى صحة نفسية وجسدية أفضل. فالطلاب الذين يمارسون الشكر كانوا أكثر تفاؤلاً وأكثر تمتعاً بالحياة ومناعتهم أفضل ضد الأمراض. وحتى إن مستوى النوم لديهم أفضل!

الشكر لعلاج المشاكل اليومية

يؤكد الباحثون في علم النفس أن الشكر له قوة هائلة في علاج المشاكل، لأن قدرتك على مواجهة الصعاب وحل المشاكل المستعصية تتعلق بمدى امتنانك وشكرك للآخرين على ما يقدمونه لك. ولذلك فإن المشاعر السلبية تقف حاجزاً بينك وبين النجاح، لأنها مثل الجدار الذي يحجب عنك الرؤيا الصادقة، ويجعلك تتقاعس على أداء أي عمل ناجح.

عندما تمارس عادة "الشكر" لمن يؤدي إليك معروفاً فإنك تعطي دفعة قوية من الطاقة لدماغك ليقوم بتقديم المزيد من الأعمال النافعة، لأن الدماغ مصمم ليقارن ويقلّد ويقتدي بالآخرين وبمن تثق بهم. ولذلك تحفز لديك القدرة على جذب الشكر لك من قبل الآخرين، وأسهل طريقة لتحقيق ذلك أن تقدم عملاً نافعاً لهم.

فن ممارسة الشكر

الاختصاصي "لي برو" مؤسس شركة تفعيل الطاقة لإحراز الثروة، ينصح بأن تمارس الشكر

والامتنان باستمرار بل أن تقنع نفسك بذلك من خلال الكلام، أي لا يكفي الاعتقاد أو الامتنان إنما يجب أن تقول وتكتب ذلك على ورقة مثلاً: إنني سعيد جداً ... لأنني أشكر الناس على معروفهم... وهذا الشكر سيقدم لي النجاح والإبداع...

ويقول هذا الخبير المتخصص بجمع الثروات: اجعل الشكر عادة تمارسها كل صباح، أن تبدأ بشكر الله، ثم تشكر الناس خلال ممارسة أعمالك اليومية لكل عمل أو معروف يقدّم لك... وخلال أيام قليلة ستشعر بقوة غريبة وجديدة من نوعها تسهل طريقة النجاح لك.

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والخمسون في موضوع    (القوي ) وهي بعنوان : آلية عمل الشكر:

بعد دراسات طويلة لعدد من الباحثين في البرمجة اللغوية العصبية وعلم النفس تبين أن معظم المبدعين والأثرياء كانوا يشكرون الناس على أي عمل يقدمونه لهم، وكانوا كثيري الامتنان والإحساس بفضل الآخرين عليهم، ولا ينكرون هذا الفضل حتى بعد أن جمعوا ثروات طائلة.

ولو تساءلنا: كيف يقوم هذا "الشكر" بعمله، وكيف يمكن أن يصبح الإنسان ناجحاً، وما علاقة ممارسة الشكر بالإبداع مثلاً؟ إن الجواب يكمن في عقلك الباطن!

يؤكد العلماء أن كل تصرف تقوم به أو حركة تعملها أو كلمة تنطق بها... إنما تصدر نتيجة برامج معقدة موجودة في داخل الدماغ في منطقة تسمى العقل الباطن (وهي منطقة مجهولة حتى الآن). وهناك تفاعلات يقوم عقلك الباطن في كل لحظة مع الأحداث التي تمر بك، وعند ممارستك لأي عمل هناك عمليات معقدة تحدث في دماغك لا تشعر بها.

فكثير منا يحاول حفظ القرآن مثلاً ولا يستطيع بل يجد ثقلاً وكأن شيئاً يبعده عن هذا الحفظ.

وكثير منا يحاول أن ينجز عملاً فلا يجد رغبة في ذلك فيتقاعس وتجده كئيباً منعزلاً لا يجد لذة في هذا العمل فلا يقدم عليه. وكثير أيضاً لديهم طموحات في مجال الدراسة أو العمل أو العاطفة... ولكن لا ينجزون أي شيء!

هل تعلمون ما هو سبب هذه الظاهرة الخطيرة؟ إنه عقلك الباطن الذي امتلأ بالأفكار السلبية وتمَّ حشوه بالمعلومات الخاطئة عن الآخرين وفقد التوجه الصحيح، وبالتالي لابد من إعادة شحنه وبرمجته وتنشيطه.

للشكر طاقة هائلة تظهر بعد فترة من ممارسته، فالمبدعون الذين كانوا يشكرون الآخرين ويعبرون عن امتنانهم بشتى الطرق، أدركوا فوائد هذا العمل وبالتالي أكثروا منه واستثمروه وحصدوا نتائجه من خلال ما قدموه من إبداع واكتشاف.

والآن يأتي دور الشكر والامتنان، حيث أنك عندما تشكر الناس وتشكر الله فإن كل عملية شكر

 تقوم بها تشكل في عقلك الباطن معلومة جديدة تحفزه ليدفعك للعمل أكثر، لأنك ستعتقد أن الناس

سيقدرون عملك ويهتمون به ويشكرونك عليه، وهذا يقودك لمزيد من العمل.

بينما نجد الإنسان الذي لا يشكر الناس يظن بأن الآخرين لن يشكروه على أي عمل يقدمه مهما كان مهماً، وبالتالي يختفي الحافز والدافع لأي عمل جديد، فتجده يفقد الرغبة في الإنجاز ومع الزمن يتطور الأمر فيصاب باكتئاب خفيف وقد يتطور إلى اضطراب مزمن...

كيف نمارس فن الشكر؟

بالقول والعمل. فعندما يؤدي لك شخص ما عملاً ينبغي أن تشكره بقولك: شكراً لكم، أو إنني أشكرك شكراً جزيلاً، أو تعبر له عن فرحتك وسرورك بهذا العمل ومن ثم تشكره على ذلك. وهذا لن ينقص من قدرك شيئاً، لأن بعض الناس يعتقدون أن شكر الآخرين هو ضعف، على العكس هو قوة وطاقة تجد أثرها في نجاحك في المستقبل.

الطريقة الثانية هي العمل، فينبغي عليك أن تنجز عملاً للآخرين تعبر لهم عن امتنانك لهم. تساعد

أخاك على قضاء حاجة ما، أو تفرج عنه هماً، أو ترسم الابتسامة على وجهه، أو تدخل السرور إلى قلب طفلك أو زوجتك أو أخيك أو أبيك...

ويمكن القول إن العلماء لم يدركوا أهمية هذه العملية إلا حديثاً جداً، ولكن الإسلام جعل الشكر جزءاً مهماً يمارسه المؤمن عبادة وطاعة لله عز وجل، وقد جعل الله جزاءك الجنة إذا شكرت الله وشكرت الناس... لنتأمل الآن هذه الأحاديث والآيات عسى أن نتذوق حلاوة الشكر.

النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالاستفادة من قوة الشكر

إن أكثر ما لفت انتباهي في أقوال الخبراء في علم النجاح وتطوير الشخصية والإبداع، هو أنهم يبدأون صباحهم بالشكر لله، وربما أتذكر نبينا عليه الصلاة والسلام الذي كان يبدأ يومه بعد الاستيقاظ مباشرة بحمد الله تعالى فيقول: (الحمد لله)، فقد جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا انتبه من الليل قال: (الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور) [البخاري ومسلم].

ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم أراد لنا الخير وأمرنا أن نشكر الناس باستمرار على أي معروف يؤدونه لنا، بل جعل الشكر للناس موازياً للشكر لله تعالى، وأ، الذي لم يتعود على شكر الناس لا يمكن أن يشكر الله ولذلك يقول النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم: (لا يشكر الله من لا يشكر الناس) [رواه الترمذي].

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والخمسون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : أهم أنواع الشكر:

إنه شكر الخالق عز وجل، فالله الذي خلقك ورزقك وأنعم عليه بنعم لا تعد ولا تُحصى يستحق منك أن تشكره... ولذلك نجد المؤمن يبدأ صلاته في كل ركعة بعد البسملة ب (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الفاتحة: 2]، وهي ما بدأ الله به كتابه بعد بسم الله الرحمن الرحيم.

لقد أعطانا الله تعالى معادلة رائعة للشكر يقول تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) [البقرة: 152]. فذكر الله وشكره من أهم أسباب النجاح في الدنيا والآخرة. والإسلام يريد لنا الخير في هذه الدنيا وما بعدها، بينما تقتصر جهود العلماء على تحقيق السعادة في الدنيا فقط!

وهذه ميزة الإسلام أنه يحقق لك السعادة حتى عندما تأتي لحظة الموت! ففي حالة المرض نجد المؤمن يشكر الله ويحمده لأنه يعلم أن هذا المرض سيكون سبباً في المغفرة ومزيد من رحمة الله تعالى.

أعظم سورة في القرآن هي الفاتحة وهي التي لا تصح الصلاة إلا بها، وتبدأ بعد البسملة بـ "الحمد لله رب العالمين"، ولذلك كان النبي يبدأ خطبته بالحمد لله، فالحمد لله كلمة عظيمة لا يدرك أسرارها إلا من يكررها ويستشعر عظمتها!

آيات كثيرة تحض على الشكر، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [البقرة: 172]. ويذكرنا الله بنعمه وفضله علينا، ولكن معظم الناس غافلون عن الشكر وفوائده، يقول تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ) [البقرة: 243].

الشكر... صفة لله تعالى

يقول تعالى: (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا) [النساء: 147]. فشكر الله عز وجل يكون من خلال كرمه وفضله ورزقه لنا، وشكرنا لله تعالى يكون من خلال التزامنا بتعاليمه وطاعة أوامره والانتهاء عما نهى عنه. ولذلك فإن الله جعل الشكر صفة له فقال: (وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا). وكذلك جعل الشكر صفة لأنبيائه عليهم السلام فقال في حق سيدنا إبراهيم: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [النحل: 121].

وقال تعالى عن نفسه: (لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) [فاطر: 30].

وحتى يوم القيامة فإن المؤمن يحمد الله تعالى وهو في الجنة، ويشكر الله الغفور الشكور على هذه النعم، يقول تعالى: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ) [فاطر: 34].

الشكور من أسماء الله الحسنى وهذا الاسم يحمل إشارة مهمة وهي: أيها الإنسان! أنت لست أفضل من الخالق تبارك وتعالى، فإذا كان الله تعالى هو "الشكور" فماذا عنك أيها الإنسان؟ وسبحان الله، كلما ازداد المؤمن إيماناً ازداد شكراً للناس.

الشكر يقابل الكفر

هل تتصورون أن عدم الشكر يؤدي إلى الكفر! بل إن الله تعالى جعل للإنسان طريقين: الشكر والكفر، يقول تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) [الإنسان: 3]. وهكذا ندرك أن الشكر فريضة على المسلم، وليس مجرد عادة تهدف لجلب الثرة أو النجاح أو الشهرة!

ولذلك قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7].

 تأملوا معي المنزلة التي يحتلها الشكر في الإسلام، إذا لم تشكر الله فإن عذاب الله شديد! ولكن عندما تشكر الله تعالى فإن الله سيرزقك ويزيدك مالاً ونجاحاً وقوة: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)، أليس هذا ما يؤكده الخبراء من غير المسلمين؟

حتى إننا نجد الدراسات العلمية الجديدة تؤكد على فوائد الامتنان والشكر ولكن ما علاقة الإيمان بذلك؟ يقول العلماء: إن الإيمان بالله والصلاة تساعد كثيراً على الشكر للناس وبالتالي كسب فوائده، ولذلك ينصحون بمزيد من الإيمان بالله!

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والخمسون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : حتى البهائم تشكر الله تعالى!

ربما نتذكر قصة ذلك الرجل الذي وجد في الصحراء كلباً يلهث يأكل الثرى من العطش فذهب إلى البئر ونزع خفّه فملأها ماءً حتى روي الكلب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فشكر الله له فغفر له) [البخاري ومسلم].

فالحيوانات والنباتات تشكر الله وتسبحه حمداً له على أن أوجدها وسخر لها أسباب الرزق. فعندما تحسن إلى حيوان تجده يتقرب منك ويشمك ويحني رأسه أمام تعبيراً منه عن امتنانه لك! ففي رواية البخاري ومسلم أن رجلاً وجد "غصن شوك" يؤذي النبات فنزعه فشكر الله له، فغفر له!

هذه الطيور تشكر الله تعالى باستمرار وتسبحه على نعمه عز وجل، فقد خلقها ورزقها وسخر لها أسباب المعيشة، ولذلك نجدها تتعاون وتضحي من أجل الآخرين كما أثبت العلماء مؤخراً، فقد وجد العلماء أن عالم الحيوان والحشرات مليء بالتضحية والإيثار، فماذا عنا نحن البشر العقلاء؟!

شكر الزوجة لزوجها فريضة عليها

إن معظم المشاكل الزوجية التي تنتهي بالطلاق تكون ذات أسباب تافهة جداً، ويقول الباحثون إن حياتك الزوجية تكون سعيدة وهانئة بمجرد أن تمارس الشكر لزوجتك وتشعرها بامتنانك له... وتؤكد دراسة جديدة للبروفسور Todd Kashdan في جامعة George Mason أن النساء اللواتي يشكرن أزواجهن يكنّ أكثر سعادة ويعشن عمراً أطول!

وتؤكد الدراسة أن النساء أكثر قدرة على التعبير من الرجال، وأكثر قدرة على منح مشاعر الامتنان. وتقول الدراسة التي نشرت في مجلة الشخصية Personality أن المرأة يمكن أن تعيش حياة هانئة ومطمئنة بمجرد أن تقدم الشكر لزوجها.

سبحان الله، رسولنا الكريم لم يترك هذا الأمر جانباً بل نبَّه عليه قبل 1400 سنة، فقد اعتبر النبي الكريم أن شكر المرأة لزوجها عبادة لله تعالى، وأن الله لا ينظر للمرأة التي تنكر الجميل، قال صلى الله عليه وسلم: (لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر لزوجها وهي لا تستغني عنه) [السلسلة الصحيحة للألباني].

تصوروا أن كلمات بسيطة تقولها لزوجتك كل يوم تشكرها وتشعرها بقيمة عملها وتقدر لها مجهودها في البيت وفي تربية الأولاد، هذه الكلمات قد تكون سبباً في درء الكثير من المشاكل وجلب الكثير من السعادة... إنها قوة الشكر!

الشكر جزء من العبادة

إن الإسلام جعل من الشكر عبادة لله تعالى، يقول عز وجل: (فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [النحل: 114]. إنها آيات عظيمة سوف تكون سبباً في سعادتك ونجاحك، لأن الله هو الذي يرسم لك طريق الخير، ويهيء لك أسباب النجاح ولكن ينبغي أن تتذكره في كل لحظة وتحمده على نعمه حتى يعطيك ما تريد.

لنتأمل هذه الآية التي تصور لنا حال المؤمن يوم القيامة: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ) [الأعراف: 43]، وآخر دعوة للمؤمن يوم القيامة هي الحمد والشكر لله تعالى: (دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [يونس: 10].

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والخمسون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : الصبر والشكر :

هناك خبراء اليوم ينصحون بالشكر لعلاج الأمراض! حيث يؤكد الباحثون وجود طاقة شفائية للامتنان والشكر يمكن بواسطتها علاج بعض الأمراض المستعصية. ويقولون: إذا اقترن الشكر بالصبر كان ذلك علاجاً ناجعاً للكثير من الأمراض لأن جهاز المناعة سيتحسن كثيراً ويقوى على مواجهة الأمراض. وسبحان الله، تأملوا معي هذه الآية العظيمة: (إنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ

شَكُورٍ) [الشورى: 33]. فقد قرن الله بين الصبر والشكر.

ولا ننسى أن النبي صلى الله عليه وسلم أكد أن حال المؤمن عجيب، فعندما يصيبه الضر يصبر، وعندما يصيبه الخير يشكر، فكل شأنه خير.

الأنبياء مارسوا عبادة الشكر

هذا هو سيدنا سليمان عليه السلام يشكر الله ويقدر نعمه... يقول تعالى على لسان سليمان: (قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) [النمل: 40].

وكذلك سيدنا لقمان شكر الله تعالى، فقد علمه الله الحكمة وأول قواعد الحكمة الشكر لله، يقول تعالى: (وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) [لقمان: 12]. وكأن الله يريد أن يعطينا إشارة قوية لأهمية الشكر وأنه جزء من الحكمة بل هو

الحكمة: (وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ)...

وقال الله في حق سيدنا نوح عليه السلام: (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا) [الإسراء: 3]... انظروا كيف يركز القرآن على الشكر ويجعله صفة لأنبياء الله سبحانه وتعالى لنقتدي بهم وهذا هو النجاح الحقيقي وليس نجاح الثروة والمال!

الشكر للوالدين

شكر الله أولاً ثم الوالدين، يقول تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) [لقمان: 14]. وتأملوا معي هذا الأمر الإلهي: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ)، لأن الإنسان عندما لا يقدر قيمة الأبوين ولا يشعر بحنانهما وما بذلاه في تربيته، فلا يمكن أن يشكر الناس ولا يشكر الله تعالى.

فالشكر ليس مجرد عادة تمارسها بل هو عبادة لله تعالى يرافقك في كل أعمالك، ومعظم الناجحين

والمبدعين كانوا يرافقون عملهم بالشكر للنا  ولله، وهذا ما أمر الله به. فعلى سبيل المثال أمر الله آل داوود بالشكر أثناء العمل فقال: (اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ: 13]. فالعمل هو نوع من أنواع الشكر أيضاً!

ينظر العلماء إلى الشكر على أنه أسهل طريق للوصول لما تطمح إليه. فأنت بالشكر تستطيع جذب الآخرين إليك وكسب ثقتهم وإيصال رسالة لعقلهم الباطن تؤكد لهم تقديرك ومودتك وإخلاصك، وبالتالي تستطيع استثمار من حولك وتحفيزهم للتعامل معك، وبالتالي كسب المزيد من العلاقات الناجحة وإنجاز العمل بسرعة وإتقان.

الشكر ينجي من المهالك

الذي يشكر الله سوف ينجيه من المواقف الصعبة، فهذا هو سيدنا لوط عليه السلام أنجاه الله من العذاب الذي أهلك قومه بسبب شكره لله، يقول تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آَلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ * نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ) [القمر: 34-35]. تأملوا معي هذه العبارة: (كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ)...فإذا كانت الهموم تحيط بك والمشاكل تلفّك من كل جانب، وتريد حلاً بسيطاً ومجانياً، إذاً احمد الله تعالى وأكثر من الشكر، وحاول أن تقدم عملاً نافعاً للآخرين، وبخاصة أقاربك وأهلك وجيرانك، فالحمد سر لا يعلمه إلا من يمارسه.

إن الشكر يتم بالقول والفعل، وهو أمر يسهل لك كسب علاقات ناجحة كل يوم، فأنت عندما تمد يدك إلى الآخرين مع كلمة شكر وابتسامة فإن هذه الأشياء الثلاثة مجتمعة تقودك لكسب ثقة الآخرين وكسب محبتهم لك وضمان مساعدتهم لك فيما تحتاج... ولذلك فإن للشكر "قوة جذب" خاصة تجذب بها الآخرين وتوصل إليهم رسائل إيجابية تخلق علاقات طيبة معهم، وهذا ينعكس على استقرار شخصيتك وزيادة قدرتك على حل المشاكل والصعوبات.

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والخمسون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : كيف نشكر الله؟

أما شكر الله فيكون بالقول والعمل معاً، فالشكر يكون بذكرك لله تعالى في كل حال وكل لحظة، تحمده وتسبحه وتكبره، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحمد الله ثلاثاً وثلاثين مرة عقب كل صلاة. وكان يحمد الله على كل حال، وكان يحمد الله بالفعل أيضاً ولكن كيف؟

إن الله وهبك نعمة البصر فكيف تشكره عليها؟ لا تستعملها في غضب الله فلا تنظر إلى ما حرم الله، كذلك وهبك الله نعمة العقل فلا تفكر في معصية أو إثم أو أذىً، بل اجعل تفكيرك كله في مساعدة الآخرين وتقديم الخير لهم ولك.

وهكذا كل النعم التي أنعم الله عليك ينبغي أن تؤدي شكرها لله تعالى، وبخاصة نعمة المال التي فقد الكثيرون الشكر عليها، فهذا المال ليس لك إنما هو لله تعالى وضعه أمانة بين يديك، فلا يكفي قولك: الحمد لله، لابد أن تتبع هذا القول بالتصدق على من يحتاج هذا المال، وللصدقة مفعول كبير أيضاً في الإبداع والنجاح كما يؤكد كثير من المختصين...

دماغ الإنسان الذي يشكر الناس يكون أكثر نشاطاً، وبالتالي نجده متفائلاً وبعيداً عن الاكتئاب، بينما نجد الدماغ المكتئب لم يتعود على ممارسة الشكر! تؤدي مشاعر الامتنان وممارسة الشكر، إلى إطلاق مواد كيميائية في الجسم مثل مادة Dopamine ومادة Serotonin وهذه المواد تنطلق طبيعياً أثناء السعادة، ويقل إفراز هرمون الإجهاد Cortisol مما يؤدي لوقاية القلب من النوبات القلبية ومرض الأوعية القلبية. (حسب Professor Robert A. Emmons).

وفي النهاية نقول:

نحن نمارس الشكر لله كل يوم استجابة لنداء الحق عز وجل واستجابة لأمر النبي الكريم، فالشكر

جزء من عقيدتنا ومنهج مهم نسلكه في حياتنا، ولكن الغرب اكتشف قوة الشكر وتأثيره بعد تجربة

ومعاناة ولو أنهم درسوا تعاليم الإسلام واستفادوا منه، لوفروا على أنفسهم عناء البحث.

إن ممارسة الشكر دواء مجاني لك عزيزي القارئ لعلاج أمراضك ومشاكلك النفسية! إنك لن تشتري أي دواء ولن تنفق أي نقود، ولن تجهد نفسك بممارسة الرياضة أو اتباع نظام غذائي... فقط مارس الشكر وتمتع بصحة أفضل.

إن الأشياء التي رأيناها في هذا البحث تؤكد أن تعاليم الإسلام صحيحة وليس كما يدعي بعض المشككين، فالإسلام يريد لنا أن نشكر الله ويشكر بعضنا بعضاً، ويسود العدل والسلام والمحبة في أرجاء الأرض... فهل تقبلون معي هذه التعاليم الرائعة وتبدأون منذ هذه اللحظة بممارسة الشكر والاستفادة من طاقته الرائعة؟! [ الأنترنت – موقع  بحث رائع: أسرار "قوة الشكر" بقلم عبد الدائم الكحيل ]

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الستون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * قوة التحمل :

إنها قوة الصبر لكن .. ما هو الصبر؟!

قال أبو قدامة :" فالصبر عبارة عن ثبات باعث الدين في مقابل باعث الشهوات ، فإن ثبت حتى قهر الشهوة التحق بالصابرين ، وإن ضعف حتى غلبت الشهوة ولم يصبر على دفعها ، التحق بأتباع الشياطين ، وإذا ثبت أن الصبر عبارة عن ثبات باعث الدين في مقاومة الهوى ، فهذه المقاومة من خاصية الآدميين "‏ وحديثنا القادم يتناول نوعين : الصبر على الطاعات والصبر عن المعاصي.

بين الطاعة والبلاء :

الصبر على الطاعة أعلى مقاما من الصبر على البلاء لأن الصبر على الطاعة صبر اختيار ، والصبر على البلاء صبر اضطرار ، لذلك ( كان صبر نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام على ما نالهم في الله باختيارهم وفعلهم ومقاومتهم قومهم : أكمل من صبر أيوب على ما ناله في الله من ابتلائه وامتحانه بما ليس مسبَّبا عن فعله ، وكذلك كان صبر إسماعيل الذبيح وصبر أبيه إبراهيم عليهما السلام على تنفيذ أمر الله أكمل من صبر يعقوب على فقد يوسف ) .

وسبب آخر لكون الصبر على الطاعة أكمل من الصبر على البلاء ؛ وهو أن من علامات كمال الصبر على البلاء وأمارات قبوله عند الله : فعل الطاعة بعده ، ولذلك قال تعالى في معرض الحديث عن غزوة أحد : ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ [ آل عمران : 144 ] ، ولم يقل وسيجزي الصابرين مع أن المقام مقام صبر بل قال : ﴿ الشَّاكِرِينَ ﴾ أي الطائعين الذين استمروا على طاعتهم عقب البلاء .. أعظم بلاء ، وهل أعظم من مقتل النبي ؛ وكـأن المطلوب منك يا صاحب القلب الحي أن تخرج من مصيبتك بمزيد الطاعة والقرب من ربك والحرص على رضوانه ،

 وإلا رُدَّ صبرك عليك ولم يُقبل.

وأصحاب القلوب الحية لا يزيدهم البلاء إلا طاعة لله ، لذا حكى الله موقف الصحابة بعد غزوة أحد حيث البلاء الشديد والجراح الغائرة استجابتهم لأمر الله ورسوله ، وخروجهم وهم المثخنون بالجراح الغارقون في الأوجاع والأحزان إلى غزوة حمراء الأسد بعد أقل من خمس عشرة ساعة من نهاية غزوة أحد ، فقال عز وجل : ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ [ آل عمران : 173-174 ]

بل قد لا تكون المصيبة سوى طريقا لجذب العبد إلى الطاعة وتقريبه منها ، كما قال ابن عطاء في حكمة تحذيرية :

" من لم يُقبِل على الله بملاطفات الإحسان ، قِيْد إليه بسلاسل الامتحان " .

والصابرون على الطاعات المداومون عليها دوما قلة قليلة بين الناس. قال تعالى : ﴿ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ﴾ [ النساء : 66 ] ، ولأنهم قلة وسط كثرة مفرِّطة فقد وعدهم الله بأثمن المكافآت وأغلى الجوائز. قال تعالى : ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [ النساء : 69 ] فهل علمتم ثوابكم يا أهل الصبر على طاعته ، ولو لم يكن لكم من جزاء غير هذا لكفى.

والصديقون هم السابقون في تصديقهم المبالغين في الصدق وهم أفضل أصحاب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وخواصهم المقربين ، والشهداء هم الذين بذلوا أرواحهم في طاعة الله تعالى وإعلاء كلمته ، والصالحون هم الصارفون أعمارهم في طاعته وأموالهم في مرضاته ﴿ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ ، وما أروعها من صحبة ، والصابر على الطاعات هؤلاء غدا هم أصحابه وجيرانه وأحبابه وخلانه ، إنه أسمى

نعيم الجنة ، وهل أحلى من صحبة الأنبياء وأشباه الأنبياء وأصفياء الله من خلقه ومن صنعهم على عينه؟!

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والستون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * قوة التحمل : بين الطاعة والمعصية :

والصبر على الطاعة أكمل كذلك وأعلى من الصبر عن المعصية لأن عدم ملء الوقت بالطاعة كان سبب وقوع المعصية ، وعدم سدِّ الفراغ بالطاعة مهَّد الطريق لاقتحام المعصية ، فكلما حُجِب الإنسان عن طاعة وقع في معصية ، بل وكانت الطاعة مكافأة كل صبر عن معصية ، ومن هنا كان الصبر على الطاعة أعلى درجات الصبر ، بل وكان ترك الصبر على الطاعة أبغض عند الله من عدم الصبر عن المعصية. قال سهل بن عبد الله : " ترك الأمر عند الله أعظم من ارتكاب النهى ؛ لأن آدم نهى عن

أكل الشجرة فأكل منها فتاب عليه ، وإبليس أُمِر أن يسجد لآدم فلم يسجد فلم يتب عليه " .

ثم شرع ابن القيم في ذكر ثلاثة وعشرين وجها بيَّن من خلالها صحة القاعدة السابقة ،ثم قال بعد ذلك:

" سِرُّ هذه الوجوه أن المأمور محبوبه والمنهى مكروهه ، ووقوع محبوبه أحب اليه من فوات مكروهه ، وفوات محبوبه أكره اليه من وقوع مكروهه " .

لكن الصبر على الطاعة مع ذلك أصعب أنواع الصبر ، ولذا جاءت صيغة الأمر بالصبر على الطاعة مغايرة لغيرها فقال تعالى : ﴿ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾ [ مريم : 65 ] ، وقال : ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [ طه : 132 ] ، فاستخدام صيغة الافتعال تدل على المبالغة في الفعل إذ زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى ، والمقصود بالاصطبار : شدة الصبر على الأمر الشاق لأن صيغة الافتعال ترد لإفادة قوة الفعل ، وما ذاك إلا لصعوبة هذا النوع من الصبر على النفس لما فيه من

القيام بحق العبودية في كل الأحوال.

قال الزمخشري : " لأن العبادة جُعِلت بمنزلة القرن في قولك للمحارب : اصطبر لقرنك أي اثبت له فيما يورد عليك من شداته " .

أ - الصبر على طاعة الله :

وهو أوضح ما يكون في قصة إبراهيم وإسماعيل التي خلَّد الله ذكرها في كتابه ، فمن أيهما تعجب : من الأب الذي رأى في المنام أنه يذبح ابنه فلبى؟! أم من الابن الذي استسلم لأمر الله طواعية واختيارا؟! لقد كان الابن وحيد إبراهيم ولم يُرزَق إلا على كِبَر فما ظنك بتعلق أب كهذا بابنه؟! لكن إبراهيم حطَّم كل نداءات الأرض لما جاءه أمر السماء ، وضرب لنا أروع مثل على الإطلاق في الصبر على طاعة ربه ، ولقد كان باستطاعته أن يتأول الرؤيا لصالحه بدافع من غريزة الأبوة ، لكنه امتثل الأمر على وجه عجيب ، وفاتح ابنه في ما رأى ، ولم يكن الابن صغيرا لا يفهم ما سيُفعل به ؛ بل بلغ مع أبيه السعي فأصبح فتى مفتول العضلات قوي الساعد مما زاد من شغف الأب بابنه وتعلق الابن بأبيه ، وجاءت إجابة الابن محيِّرة حقا ، فقد حسم الموقف بجملتين فاصلتين ممتلئين بالرضا فضلا عن الصبر قالهما لأبيه وخلَّدهما التاريخ له : ﴿ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِريْنَ ﴾ [ الصافات : 102 ].

وبعد أن شهد إسماعيل لنفسه بالصبر شهد الله جل جلاله له بالصبر ودوَّن اسمه في سجل الصابرين وأين؟! على صفحات القرآن : ﴿ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ [ الأنبياء : 85 ] ، ثم هو مع ذلك لم ينس أن يستمد العون من الله الذي لا يكون الصبر إلا بمشيئته ، فهو لا يعتمد على قوته وشدة جلده بل يعتمد على ربه ، وصدقا وأسلم الوالد ولده ، وتله للجبين ، وتهيأ للذبح ، وعندها فحسب جاءته البشرى والنجاة.

أنواع خمسة من الصبر على الطاعة :

# الصبر على التعلُّم والمُعلِّم ، وهذا صبر على مكافحة الجهل ، وصبر على ما يمكن أن يكون من شدة المعلِّم ، وصبر على الخجل من طلب العلم وخاصة إذا كنت كبير السن وأستاذك أصغر منك ، ولا شك أن ذلك صعب على النفس لذا كان مما يورث الأجر العظيم ، واذكروا ما قاله نبينا : « الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة ، والذي يقرؤه وهو عليه شاق له أجران » ، وهذا الصبر سبق وواجهه موسى حين رحل إلى الرجل الصالح ليُعلِّمه مما علمه الله ، فأبرم موسى معه العهد بالصبر قائلا : ﴿ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا ﴾ [ الكهف : 69 ].

# الصبر على تصحيح النية وتخليص الضمائر من شوائب الرياء ، أو الصبر على حفظ الطاعة بعد انتهائها ، وعدم إفشائها والتباهي بها ، أو العجب والاغترار ، لئلا تتحوَّل سيئة : ﴿ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ﴾ [ محمد : 33 ] ، ولعل هذا هو سر تقديم الصبر على العمل الصالح في قوله : ﴿ إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ [ هود : 11 ] ، وهي معركة من معارك العبد مع

الشيطان يقص علينا وقائعها وتفاصيلها سفيان الثوري في قوله :

" بلغني أن العبد يعمل العمل سرا ، فلا يزال به الشيطان حتى يغلبه ، فيُكتب في العلانية ، ثم لا يزال الشيطان به حتى يُحِبَّ أن يُحمد عليه ، فيُنسخ من العلانية فيثبت في الرياء " .

# الصبر على المداومة على الطاعة وعدم الملل منها ومن ثم الانقطاع عنها ، ولا شك أن المداومة على أي عمل ولو كان سهلا على مدار الأيام والأعوام مما يشق على أي نفس ، وفي مقابل هذه المشقة ينال المرء أعظم الأجر كما أخبر بذلك الحبيب صلى الله عليه وسلم  : « أحبُّ الأعمال إلى الله أدومها وإن قلَّ » .

# الصبر على وحشة التفرد وقلة سالكي طريق الحق وكثرة المعرضين عنه : إذا كنتَ الوحيد الذي يغض بصره عن النساء في عملك ، وكنتَ الوحيد الذي يصوم تطوعا في يوم حار ، وكنتَ الوحيد الذي يطهِّر لسانه من الغيبة وسط صحبة العمل أو الدراسة ، وكنتِ الوحيدة التي تحافظ على الحجاب الصحيح شكلا وسلوكا ، إذا كنتَ أو كنتِ من هؤلاء فهنيئا لك.

# الصبر على تبعات التزام طريق الحق والثبات عليه : وهي الرسالة الأولى التي تلقاها النبي في مهد الدعوة حين انطلقت به خديجة إلى ورقة بن نوفل ابن عم خديجة ، وكان شيخا كبيرا قد عمي ، فقالت له خديجة : يا ابن عم .. اسمع من ابن أخيك ، فقال له ورقة : يا ابن أخي ماذا ترى فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى ، فقال له ورقة : هذا الناموس الذي كان ينزل على موسى ، يا ليتني فيها جذعا ، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أو مخرجيَّ هم؟! فقال : نعم .. لم يأت أحد بمثل ما جئت به إلا عودي ، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا .

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والستون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : ب - الصبر عن معصية الله :

وأبرز الأمثلة وأشدها وضوحا صبر يوسف عليه السلام على مراودة امرأة العزيز له ، ولقد كان الصبر ظهير يوسف في محنته التي ابتلي بها اضطرارا

واختيارا ، وكشف عن هذا السر حين عثر إخوته عليه فقال : ﴿ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [ يوسف : 90 ]. قال ابن القيم :

" وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدَّس الله روحه يقول : كان صبر يوسف عن مطاوعة امرأة العزيز على شأنها : أكمل من صبره على إلقاء إخوته له في الجب وبيعه وتفريقهم بينه وبين أبيه ، فإن هذه أمور جرت عليه بغير اختياره لا كسب له فيها ؛ ليس للعبد فيها حيلة غير الصبر ، وأما صبره عن المعصية : فصبر اختيار ورضا ومحاربة للنفس ، ولا سيما مع الأسباب التي تقوى معها دواعي الموافقة ، فإنه كان شابا ؛ وداعية الشباب إليها قوية ، وعزبا ليس له ما يعوضه ويرد شهوته ، وغريبا والغريب لا يستحي في بلد غربته مما يستحي منه من بين أصحابه ومعارفه وأهله ، ومملوكا والمملوك أيضا ليس وازعه كوازع الحر ، والمرأة جميلة ، وذات منصب ، وهي سيدته ، وقد غاب الرقيب وهي الداعية له إلى نفسها ، والحريصة على ذلك أشد الحرص ، ومع ذلك

توعدته إن لم يفعل بالسجن والصغار ، ومع هذه الدواعي كلها : صبر اختيارا وإيثارا لما عند الله ، وأين هذا من صبره في الجب على ما ليس من كسبه

ولكن الدافع إلى الصبر عن معصية الله؟!

والجواب : إما الخوف وإما الحياء.

أما الخوف فهو من سوء عواقب المعصية وقبح أثرها ، أي خوف المرء مما يصيبه من جرائها في الدنيا والآخرة :

والخوف أيضا قسمان : خوف الدنيا وخوف الآخرة ، أما خوف الدنيا فهو ما ذكره الإمام ابن القيِّم :

" الصبر عن الشهوة أسهل من الصبر على ما توجبه الشهوة ، فإنها إما أن توجب ألما وعقوبة ، وإما

أن تقطع لذة أكمل منها ، وإما أن تضيع وقتا إضاعته حسرة وندامة ، وإما أن تثلم عرضا توفيره أنفع للعبد من ثلمه ، وإما أن تذهب مالا بقاؤه خير له من ذهابه ، وإما أن تضع قدرا وجاها قيامه خير من وضعه ، وإما أن تسلب نعمة بقاؤها ألذ وأطيب من قضاء الشهوة ، وإما أن تطرق لوضيع إليك طريقا لم يكن يجدها قبل ذلك ، وإما أن تجلب هما وغما وحزنا وخوفا لا يقارب لذة الشهوة ، وإما أن تنسي علما ذكره ألذ من نيل الشهوة ، وإما أن تُشمت عدوا وتُحزن وليا ، وإما أن تقطع الطريق على نعمة مقبلة ، وإما أن تُحدث عيبا يبقى صفة لا تزول ، فان الأعمال تورث الصفات والأخلاق " .

وأما خوف الآخرة وهو مما يلقى العاصي من العقوبة النارية والتقلب بين الأطباق الجهنمية ، فهي العقوبة إن عصى علنا فيكون مجاهرا بذنبه داعيا إليه ، وهي العقوبة إن عصى سِرًّا ليكون هاتكا ستر الله عليه مظهرا غير ما يبطن.

أما الدافع الثاني الذي يدفع إلى الصبر عن المعصية هو الحياء ، لكن ما الحياء؟!

قال الجنيد : " الحياء رؤية الآلاء ورؤية التقصير فيتولد بينهما حالة تسمى الحياء ، وحقيقته خلق يبعث على ترك القبائح ويمنع من التفريط في حق صاحب الحق " .

وهب ربك عفا عنك فأين الحياء مما جنيت يا رجل؟! إن

وسؤال أخير : أيهما أعلى مقاما وأكثر أجرا : الخوف أم الحياء؟!

فصل ابن القيِّم بين الخصمين فقال في كلام ألفاظه أنوار ومعانيه ثمار :

" ولما كان الحياء من شيم الأشراف وأهل الكرم والنفوس الزكية : كان صاحبه أحسن حالا من أهل الخوف ، ولأن في الحياء من الله ما يدل على مراقبته وحضور القلب معه ، ولأن فيه من تعظيمه وإجلاله ما ليس في وازع الخوف ، فمن وازعه الخوف : قلبه حاضر مع العقوبة ، ومن وازعه الحياء : قلبه حاضر مع الله ، والخائف مراعٍ جانب نفسه وحمايتها ، والمستحي مراعٍ جانب ربه وملاحظ عظمته ، وكلا المقامين من مقامات أهل الإيمان ؛ غير أن الحياء أقرب إلى مقام الإحسان وألصق به ، إذ أنزل نفسه منزلة من كأنه يرى الله ، فنبعت ينابيع الحياء من عين قلبه وتفجرت عيونها " .

ولابد مع الخوف والحياء لكي يُحدِثا أعظم الأثر من صفتين متلازمتين وهما العلم واليقين ، فبغيابهما يغيب الخوف والحياء ، وبقوتهما يقويان.

فكل من علم أن الذي ينام عن الصلاة المكتوبة يكسر الحجر رأسه في قبره ثم أيقن بذلك : كيف ينام عن صلاة الفجر؟! وكل من علم أن ناشر الكذب ومروِّج الإشاعة يُشقُّ من رأسه ومنخره وعينه إلى قفاه ثم أيقن بذلك قل لي بعدها : كيف يكذب؟! وكل من علم أن الزاني يُحرق بنار أسفل منه وهو عريان ليفتضح في العلن كما كان يأتي الفاحشة في السر ثم أيقن بذلك ؛ فكيف يزني؟! وكل من علم أن أكل الربا يورث السباحة في نهر الدم والتقام الحجارة ثم أيقن بذلك فكيف يرابي؟! وكل من علم أن الوقوع في أعراض الناس يُعاقب فاعله بخمش وجهه وصدره بأظفار من نحاس ، ثم أيقن بذلك ؛

فكيف يُعقل أن يغتاب؟! وهكذا مع كل معصية وعقوبتها.

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والستون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : زاد الصابرين!!

1. تلمح لذة العاقبة :

مرارة الصبر شفاء ، لأن الصبر على مرارة الدواء في البداية يورث حلاوة الشفاء في النهاية ، ما أشبه حال المبتلى بذنب بحال المدمن ؛ عافت نفسه الطيِّب ولا صبر له عن الخبيث ، فإن تجرَّع جرعة صبر ، وتحمَّل المشقة حينا ، وأكل من الحلال وداوم عليه إذن لزال أثر السم بالكلية ، ورجعت نفسه تعاف كل كريه كانت تحبه ، وكل معصية كان يلتذ بها ، فالصبر الصبر ، والتفكر في حلاوة العاقبة ،

والاعتبار بسوء مصير الهالكين.

قال الأشعث بن قيس : " دخلتُ على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب  رضي الله عنه ، فوجدته قد أثر فيه صبره على العبادة الشديدة ليلا ونهارا ، فقلت : يا أمير المؤمنين!! إلى كم تصبر على مكابدة هذه الشدة؟ فما زادني إلا أن قال :

اصبر على مضض الإدلاج في السَّحَر وفي الرواح إلى الطاعات في البكر

إني رأيت وفي الأيام تجربة للصبر عاقبة محمودة الأثر

وقلَّ من جدَّ في أمر يؤمِّله واستصحب الصبر إلا فاز بالظَّفَر

فحفظتها منه وألزمتُ نفسي الصبر في الأمور ، فوجدت بركة ذلك " .

وتعرَّف إلى أسرار العبادات وأثر الجرعات وفضائل القربات ، واغرق في أنوارها وراجع ما ورد من

أحاديثها ، وعندها تطيع أمر الله وتستسلم له ولو كان شاقا وسترى العجب كما سبقه ورآه خليل

الرحمن لما صبر. قال ابن القيِّم :

" وأُنبِّهك على خصلة واحدة مما أكرمه الله به في محنته بذبح ولده ، فإن الله تبارك وتعالى جازاه على تسليمه ولده لأمر الله بأن بارك في نسله وكثرة حتى ملأ السهل والجبل ، فإن الله تبارك وتعالى لا يَتكرَّم عليه أحد وهو أكرم الاكرمين ، فمن ترك لوجهه أمرا أو فعله لوجهه بذل الله له أضعاف ما تركه من ذلك الامر أضعافا مضاعفة ، وجازاه بأضعاف ما فعله لأجله أضعافا مضاعفة ، فلما أمر إبراهيم بذبح ولده ؛ فبادر لأمر الله ، ووافق عليه الولد أباه رضاء منهما وتسليما ، وعلم الله منهما الصدق والوفاء فداه بذبح عظيم ، وأعطاهما ما أعطاهما من فضله ، وكان من بعض عطاياه أن بارك في ذريتهما حتى ملؤا الارض ، وجعل النبوة والكتاب في ذريته خاصة وأخرج منهم محمدا " .

من كالخليل يُرينا خيرَ تضحية جلَّت مواقفها عن كل تبيين

صحا مع الفجر صوت الوحي يُفزِعه قم يا بني فصوت الله يدعوني

إني بذبحك قد أُلهمتُ يا ولدي أمرُ السماء فهل تعصي وتُخزيني

فشمَّر الطفل إيمانا بلا جزعٍ جمِّع قواك أبي خُذْ تلك سكيني

2. الاستعانة بالله :

قال تعالى :﴿ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ﴾ [ النحل : 127 ].

والمأمور به في الآية : الاستعانة بالله ورؤية أنه هو المُصبِّر وحده ، وأن صبر العبد بربه لا بنفسه ، وبمشيئة الله ومعونته لا بمشيئته هو وقوته ، فهو لا يرى لنفسه صبرا ولا قوة ولا فضلا ولا عزما ، بل كل ذلك من الله وبفضل الله ، وعندها يعلم حقيقة قوله : لا حول ولا قوة إلا بالله ، فإن لم يصبِّرك هو فليس إلا الجزع والهلاك ، بل لو لم يصبِّر الله خير خلقه وصفوة رسله محمد صلى الله عليه وسلم  ما كان ثبت.

قال تعالى : ﴿ وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا ﴾ [ الإسراء : 74 ]

ولذا روى حذيفة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  أنه ( كان إذا حزبه أمر صلى ) ليستمد من القوة التي لا تُغلب ، والطاقة التي لا تُحدُّ ، والإله الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والستون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : زاد الصابرين!!

3. صبر أعدائك يُعدي :

أعداء دينك لا ينامون ، بل يصبرون ويحتملون في سبيل الباطل ما لا تحتمله أنت في سبيل الحق ، والله إن المرء ليستحي أن يكسل في جنب الله

حين يسمع عن بطل رياضي يعاني الأعوام الطوال ويُتعِب نفسه منذ نعومة أظفاره ليفوز في النهاية بميدالية الذهب ، وتُسلَّط عليه الأضواء ، وتُغدق عليه الأموال ، مع أنه سيكبر يوما وينصرف الناس عنه ، بل ويموت وينساه كل من كان محتفيا به بالأمس ، ويترك كل ما جمع ويرحل تحت التراب ، فكيف لا تصبر أنت يا طالب ذهب الآخرة؟! ألا تريد أن تُسلَّط عليك الأضواء هناك وأنت متكئ على أريكة لك في الفردوس؟! ألا تطمع أن تُغدق عليك اللذات وأنت مستلق في قصر من قصورك في جنات عدن؟! ألا تتعب قليلا لتستريح طويلا .. هناك في خلد لا تذوق فيه الموت بل لا تسمع حتى مرادفات أو مشتقات كلمة (موت) .. واعجبا من خاطب دنيا يتعب وطالب آخرة ينام ، واحسرتاه على طالب رضا البشر وغافل عن رضا ربِّ البشر.

عن عمر بن عثمان المكي قال : " لقد وبَّخ الله التاركين للصبر على دينهم بما أخبر عن الكفار أنهم قالوا :

 ﴿ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ ﴾ [ ص : 6 ] ، فهذا توبيخ لمن ترك الصبر من

المؤمنين على دينه " .

إن مقارنة المريض لصبره على الطاعات بصبر غيره من موتى القلوب على الباطل يبعث في القلب الحياة ، وانظروا إلى خلف بن أيوب وكان لا يطرد الذباب عن وجهه في الصلاة ، فقيل له : كيف تصبر؟! فقال : " بلغني أن الفساق يتصبَّرون تحت السياط ليقال فلان صبور ، وأنا بين يدي ربي ؛ أفلا أصبر على ذباب يقع عليَّ؟!" .

بل واسمعوا صبر أهل الدنيا يا أصحاب الآخرة واقرؤوا خبر أبي الهيثم خالد الحدَّاد ، وكان يُضرَب المثل بصبره. قال له المُتوكِّل يوما : ما بلغ من جَلَدِك؟ قال : املأ لي جرابي عقارب ، ثم أُدخِل يدي فيه ، وإنه ليؤلمني ما يؤلمك ، وأجد لآخر سوط من الألم ما أجد لأول سوط ، ولو وُضِعت في فمي خرقة وأنا أُضرب لاحترقت من حرارة ما يخرج من جوفي ، ولكنني وطَّنت نفسي على الصبر ، فقال له الفتح : ويحك!! مع هذا اللسان والعقل ما يدعوك إلى ما أنت عليه من الباطل ، فقال : " أحب الرياسة " .

ولماذا أمثلة الماضي والحاضر بين أيدينا ينطق ويشهد ، وأهل اللهو في لهوهم من أهل الغناء والفن الهدام يفتخرون أنهم يصلون الليل والنهار ويهجرون الراحة ويعانقون التعب في أوقات كثيرة ليجنوا حصاد أعمالهم : سيئات تلطِّخ الصحائف وتورث اللعنات وتُصليهم جهنم وبئس المهاد ، فلماذا لا نصل نحن -أهل الحق- الليل بالنهار ونهجر الراحة ونعانق التعب لنجني حصائد أعمالنا : حسنات تُشرِق على صحائفنا وتثقِّل موازيننا وتورثنا اللذة الأبدية والنعيم الذي لا يبيد.

4. جهاد النفس : إن النفس البشرية بطبيعتها تحب الراحة والكسل والدعة وتنفر من البذل والاجتهاد والعطاء ، فهي الآمرة بالسوء الناهية عن الخير ،

وهي الحقيقة التي قرَّرها رب العزة والجلال بقوله ﴿ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ﴾ [ يوسف : 53[

لذا كانت مخالفتها نوعًا من أنواع الموت الدامي! قال حاتم الأصم : " الموت الأحمر : مخالفة النفس " .

لذا عبَّر النبي  عن هذه المخالفة بأقوى الألفاظ وأشدها وهو لفظ الجهاد فقال : « والمجاهد :

من جاهد نفسه في الله » .

وقال عز وجل : ﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ﴾ [ الحج : 78 [. قال ابن المبارك في تفسيرها : " هو جهاد النفس والهوى " .

أما أن تطيع نفسك في كل ما تأمرك به ، وتنتهي عن كل خير تنهاك عنه ، فليس هذا من الجهاد فضلا عن الرجولة في شيء.

نعم الأمر صعب وشاق .. ليس في هذا شك ، لكن في المقابل تؤنسك بشرى الله لك : ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [ العنكبوت : 69 ] فالخطوة الأولى عليك ثم يأتيك المدد الإلهي عميما من حيث لا تحتسب ، والهداية طريق طويل طويل لكن أول وأهم خطوة فيها : المجاهدة.

والبشارة الثانية من راشد هو عمر بن عبد العزيز رحمه الله الذي قال وكأنه يهوِّن عليك مشقة العمل

الصالح ويروِّح عليك بمراوح الرجاء : " أحب

الأعمال إلي الله ما أُكرهت عليه النفوس " .

والبشارة الثالثة أن النفوس اليوم قد تغيَّرت ، والزمان الحاضر ليس كالماضي في صلاحه وتقواه ، ومن ثم كان الثواب اليوم أعظم والأجر أوفى ، ولقد جاء ذلك في قول الإمام عبد الله بن المبارك : " إن الصالحين فيما مضى كانت أنفسهم تواتيهم على الخير عفوا ، وإن أنفسنا لا تكاد تُواتينا إلا على كُرْه ينبغي لنا أن نكرهها "  فليت شعري لو أدرك ابن المبارك زماننا هذا ماذا سيقول ؟!!

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والستون في موضوع

(القوي ) وهي بعنوان : تجربة جهادية!! :

يقول ابن الجوزي :" تأملتُ جهاد النفس فرأيتُه أعظم الجهاد ، وإنما الجهاد لها كجهاد المريض العاقل ، يحملها على مكروهها في تناول ما ترجو به العافية ، و يذوِّب في المرارة قليلاً من الحلاوة ، و يتناول من الأغذية مقدار ما يصفه الطبيب ، ولا تحمله شهوته على موافقة غرضها من مطعمٍ ربما جرَّ جوعا ، ومن لقمة ربما حَرَمت لقمات ، فكذلك المؤمن العاقل لا يترك لجامها ، ولا يهمل مقودها ، بل يُرخي لها في وقت والطول بيده ، فإذا رآها مالت ردَّها باللطف ، فإن ونت وأبت فبالعنف ، ويحبسها في مقام المداراة ، كالزوجة التي مبنى عقلها على الضعف والقلة ، فهي تُدارى عند نشوزها بالوعظ ، فإن لم تصلح فبالهجر ، فإن لم تستقم فبالضرب ، وليس في سياط التأديب أجود من سوط عزم ، هذه مجاهده من حيث العمل.

فأما من حيث وعظها وتأنيبها ، فينبغي لمن رآها تسكن للخلق ، وتتعرض للدنيء من الأخلاق أن يُعرِّفها تعظيم خالقها لها فيقول :

ألستِ التي قال فيك : خلقتك بيدي ، وأسجدتُ لك ملائكتي ، وارتضاك للخلافة في أرضه ، وراسلك واقترض منك واشترى ، فإن رآها تتكبر ، قال لها : هل أنت إلا قطرة من ماء مهين ، تقتلك شرقة ، وتؤلمك بقَّة؟! وإن رأى تقصيرها عرَّفها حق الموالي على العبيد ، وإن ونت في العمل حدَّثها بجزيل الأجر ، وإن مالت إلى الهوى ، خوَّفها عظيم الوزر ، ثم يحذرها عاجل العقوبة الحسية ، كقوله تعالى : ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ ﴾ ، والمعنوية كقوله تعالى : ﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الذين يَتَكَبَّروْنَ فيْ الأَرْضَ بِغَيْرِ الحَقِّ ﴾ ، فهذا جهاد بالقول ، وذاك جهاد بالفعل " .

أخي .. هل لك أن تأخذ خطوة عملية على الطريق؟! عوِّد نفسك مثلا بالنسبة للطعام أن تقوم عن المائدة ولا زلت تشتهيه ، وبالنسبة للكلام جرِّب يوما من الأيام أن توثِق لسانك فلا تتكلم بكلام إلا إذا أدركت مغزاه وفائدته ، وبالنسبة للمنام جرِّب يوما في الأسبوع أن تهجر الفراش الناعم وتنام على الأرض مخالفة للنفس ، والمران على ذلك يورث الانتصار على النفس الشرود وسهولة قيادتها.

جهاد النفس وجهاد العدو :

إن هذا الجهاد هو المقدمة الطبيعية والتمهيد الذي لابد منه لجهاد أكبر وهو جهاد الأعداء والانتصار على اليهود ، ويشهد لهذا قول عبدالله بن عمر لمن سأله عن الجهاد : " ابدأ بنفسك فجاهدها ، وابدأ بنفسك فاغزُها " .

يا من يجاهد غازيا أعداء ديـ ـن الله يرجو أن يُعان ويُنصرا

هلا غشيت النفس غزوا إنها أعدى عدوِّك كي تفوز وتظفرا

مهما عُنيتَ جهادها وعنادها فلقد تعاطيتَ الجهاد الأكبرا

قال ابن القيِّم شارحا قول ابن عمر :

" ولما كان جهاد أعداء الله في الخارج فرعا على جهاد العبد نفسه في ذات الله ، كما قال النبي :

 « المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله » كان جهاد النفس مُقدَّما على جهاد العدو في الخارج وأصلا له ، فإنه ما لم يجاهد نفسه أولا لتفعل ما أُمِرت به ، وتترك ما نُهيت عنه ويحاربها في الله لم يمكنه جهاد عدوه في الخارج ، فكيف يمكنه جهاد عدوه والانتصاف منه؟! وعدوه الذي بين جنبيه قاهر له متسلط عليه لم يجاهده ولم يحاربه في الله ؛ بل لا يمكنه الخروج إلى عدوه حتى يجاهد نفسه على الخروج " .

بل إن جهاد النفس في رأي ابن القيم أصعب من جهاد العدو. قال وهو يحاو أن يقنعنا بصحة مذهبه وصواب رأيه :

" اعلم أنه إنما كان جهاد النفس أكبر من جهاد الأعداء ؛ لأن النفس محبوبة وما تدعو إليه محبوب ، لأنها لا تدعو إلا إلى ما تشتهي ، وموافقة المحبوب في المكروه محبوبة ، فكيف إذا دعا إلى محبوب؟!

فإذ عُكِست الحال وخولف المحبوب فيما يدعو إليه من المحبوب اشتدَّ الجهاد وصَعُب الأمر، بخلاف

جهاد الكفار فإنَّ الطباع تُحْمَل على خصومة الأعداء

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والستون في موضوع

(القوي ) وهي بعنوان : مضاعفات القوة :

1- الصبر الدائم :

النفس ملولة والمواظبة على الأعمال الصالحة يحتاج منها إلى قوة وصبر ،ولهذا ربطت كثير من الأحاديث بين المواظبة على الأعمال ودخول الجنة ، فمثلا :

« خصلتان أو خلتان لا يحافظ عليهما عبد مسلم إلا دخل الجنة وهما يسير ومن يعمل بهما قليل : يُسبِّح الله في دبر كل صلاة عشرا ويحمده عشرا

ويكبِّره عشرا ، وذلك خمسون ومائة باللسان وألف وخمسمائة في الميزان ، ويكبِّر أربعا وثلاثين إذا أخذ مضجعه ، ويحمد ثلاثا وثلاثين ويسبِّح ثلاثا وثلاثين ، فذلك مائة باللسان وألف في الميزان ».

ثمن الجنة إذن ليس برخيص بل هو في المحافظة الدائمة ، وليس بمجرد عمل يوم أو يومين أو شهر أو شهرين ، فالصبر على العمل والمواظبة عليه يقابلها الله بأعظم الجزاء لصعوبتها على النفس وانقطاع أكثر الناس عنها.

2- صبر التميُّز والانفراد : وهذه نماذج للصبر الذي أعنيه :

يعمل بين أناس لا يصلون ويصلي وحده.

يتعفَّفُ عن مال فيه شبهة بين رهط لا يتورعون عن المال الحرام.

يصوم تطوعا بين قوم لا يصومون ، وإن صاموا لا يحفظون صيامهم مما يفسده.

يذكر الله في رفقة غافلة.

يغض بصره في من يجرحون بأبصارهم ويخدشون الحياء بأفعالهم.

يدعو من حوله إلى النجاة وهم يدعونه إلى النار.

فالصبر على هذا وعدم الانجرار مع التيار المضاد يضمن لصاحبه أعظم الثواب عند الله ، ولذا وردت الآثار بفضل ذكر الله في الغافلين ، وأكَّد النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى فقال : « عبادة في الهرج والفتنة كهجرة إليَّ » .

والهرج هو وقت الفتن واختلاط الأمور حيث يخف أمر الدين ويقلُّ الاعتناء به ولا يبقى لأحد اعتناء الا بأمر معاشه ودنياه ، ومن ثم عظم قدر العبادة أيام الفتنة وكثر ثوابها حتى ساوى ثواب الهجرة بعنائها ومشاقها.

3- صبر الزمن الصعب :

فلا شك أن الصبر على الطاعات والصبر عن الشهوات في هذا الزمن الذي انتشرت فيه الفتن يعتبر أكثر ثوابا وأعلى مقاما ، حيث تعرض الفاحشة نفسها جهارا نهارا ، ولم تعد تتوارى حياء ولا خوفا ، مما ينزع كراهية الحرام من القلب ويغرس حب الحرام بدلا منه.

أضف إلى هذا قلة الأعوان على الخير ، ثم تواري العلماء والمصلحين خوفا أو ورعا ، ثم غياب التقوى في من يحيط بك وجرأتهم على السوء والعصيان ، ومن هنا عظم أجر المهتدي ونال غاية الثواب.

4- صبر الشباب :

فالصبر في هذه المرحلة العمرية التي تشتد فيها قوة النفس الأمارة بالسوء وتشتعل الشهوة الجموح وتنفتح أبواب الإغراءات على مصراعيها وتتنوع الملهيات وتعرض نفسها على الراغبين كل ساعة فوق طبق من ذهب ، وأين هذا من صبر الشيخ الذي نامت شهوته وسكن هواه.

وليس معنى كلامي أن المطلوب من الشباب اليوم أن يطلق شهوته وينسى غريزته ، بل المطلوب أن

يكظم النفس عنها رجاء ما هو أحلى في الجنة ، أو يصبر عنها حراما حتى ييسِّرها الله له حلالا ، وذلك في مقابل الأجر العظيم والجزاء الذي لا يوصف ، لأن لكل شيء مقابل ، والمقابل عند الله لا حدود له ولا نهاية لفضله.

سُئل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، عن قوم يشتهون المعصية ولا يعملون بها ، فأجاب بقول القرآن : " أولئك قوم امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم " .

ومن الأجر العظيم أن تكون في ظل العرش يوم القيامة ، ومن هنا استحق السبعة المذكورون في الحديث الصحيح أن يظلهم الله في ظل عرشه وذلك لكمال صبرهم ومشقته ، فالإمام العادل : صبر في حكمه حالة رضاه وغضبه ، والشاب الذي نشأ في طاعة الله : صبر على العبادة في ظل مغريات العصر ومخالفة هواه ، و الرجل الذي قلبه معلَّق بالمساجد : صبر على ملازمته والمكوث فيه ، والمتصدِّق بيمينه حتى أخفاها عن شماله : صبر على الرياء وحب محمدة الناس ، والمتحابين في الله في اجتماعهما وافتراقهما : صبرا على طاعة الله ، والباكي من خشية الله : صبر على كتمان ذلك وعدم إظهاره للناس.

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والستون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : مضاعفات القوة :

5- الصبر على ما تم اعتياده :

قال ابن القيِّم :

" فإن للعادة طبيعة خاصة ، فاذا انضافت الشهوة إلى العادة تظاهر جندان من جند الشيطان ، فلا يقوى باعث الدين على قهرهما " .

ويكون للصبر هنا أعظم الدور في علاج الإدمان بكل أنواعه : إدمان سماع الغناء أو إدمان مشاهدة المواقع الإباحية أو أكل الرشوة أو ترك الصلاة أو الوقوع في أعراض الخلق ، فإن كل هذه سيئات من اعتادها مع مرور الأيام صعب عليه التحوُّل عنها ، ومن فارقها وصبر على مفارقتها بعد أن اعتادها كان له عند الله الجزاء الأوفى على ما لقيه من عناء وقاساه من بلاء.

ويضرب ابن القيِّم مثلا حيا لذلك حين يتناول معاصي الفرج واللسان بقوله :

" الصبر عن معاصي اللسان والفرج من أصعب أنواع الصبر لشدة الداعي إليهما وسهولتهما ، فإن معاصي اللسان فاكهة الإنسان كالنميمة والغيبة والكذب والمراء والثناء على النفس تعريضا وتصريحا وحكاية كلام الناس والطعن على من يبغضه ومدح من يحبه ونحو ذلك ، فتتفق قوة الداعي وتيسر حركة اللسان فيضعف الصبر ، ولا سيما اذا صارت المعاصي اللسانية معتادة للعبد ، فإنه يعِزُّ عليه الصبر عنها ، ولهذا تجد الرجل يقوم الليل ويصوم النهار ويتورَّع عن استناده إلى وسادة حرير لحظة

 واحدة ، ويطلق لسانه في الغيبة والنميمة والتفكُّه في أعراض الخلق " .

6- أشق الصبر :

قال ابن القيم :" مشقة الصبر بحسب قوة الداعي إلى الفعل وسهولته على العبد ، فإذا اجتمع في الفعل هذان الأمران كان الصبر عنه أشق شيء على الصابر ، وإن فُقِدا معا سهل الصبر عنه ، وإن وُجِد أحدهما وفُقِد الآخر سهل الصبر من وجه وصعب من وجه ، فمن لا داعي له إلى القتل والسرقة وشرب المسكر وأنواع الفواحش ولا هو سهل عليه فصبره عنه من أيسر شيء عليه وأسهله ، ومن اشتد داعيه إلى ذلك وسهل عليه فعله فصبره عنه أشق شيء عليه ، ولهذا كان صبر السلطان عن الظلم ، وصبر الشباب عن الفاحشة ، وصبر الغنى عن تناول اللذات والشهوات عند الله بمكان " .

فمن أشق الصبر الذي يحتسب به العبد أعظم الأجر : رجل فقير في شدة الاحتياج إلى المال تُعرض

عليه الرشوة فيأبى ، وشاب في عنفوان الشباب يعيش في الغربة وتُعرض عليه الفاحشة فيأبى ، وامرأة

 كثيرة الكلام دخلت في خصومة مع جارة لها ثم جلست مع من يقع في جارتها فتصون لسانها وتأبى.

7- الصبر عند مواسم الجزر :

الشيطان يتحيَّن لحظات الفتور عند العبد ، ولن يجرؤ على مواجهة جيش قلبك عند اشتداد هجمة الإيمان عليه ، بل يتربص حتى تحين استراحة مقاتل ، وعند إخلادك إلى الراحة يبدأ الانقضاض عليك ، ومن صبر عند مواسم الفتور ونوبات ضعف الإيمان عن شهوة محرَّمة ، أو عن ذنب خلوة ، أو عن صحبة سوء ، أو عن لقمة شهوة كان أجر صبره هو الأعلى وإيمانه الأقوى ، وكان في ذلك دلالة على قوة قلبه ولو في لحظات ضعفه ، ومجاهدته لنفسه حتى عند أوقات فتوره.

8- قوة الصبر الثلاثية :

من الناس من يشقُّ عليه الصبر على الطاعة ، وبعضهم بالعكس تسهل الطاعة عليه ، لكن ترك المعصية عليه شاق ، وبعض الناس يسهل عليه الصبر على الطاعة والصبر عن المعصية ، لكنه ضعيف الصبر عند المصائب فيجزع ، وأعظم الصابرين من عرف الأنواع الثلاثة : ذاق الطاعة فواظب عليها ، وذاق المعصية فعافها ، ونزل به البلاء فاستقبله استقبال الأبطال.

9- الصبر على ما بعد الصبر :

قد يصبر الإنسان على العمل الصالح حتى يؤديه ، لكنه يُعجب بعمله ويُتبِعه بالمنِّ فيكون هذا أضر عليه من كثير من المعاصي ، فمن الصبر عدم إبداء

الصبر كما أن من الإخلاص إخفاء الإخلاص ، فمن صبر عن الحرام وجعل ذلك سرا بينه وبين ربه لم يُفشه أوتي أجره مرتين : ثواب الصبر وثواب الإخلاص ، وقد حقق هذين الأجرين كثير من الصالحين ولا يزالون ، فعن أبي عبدة العبدري :

" لما هبط المسلمون المدائن وجمعوا الغنائم أقبل رجلٌ بحُقٍّ معه ، فدفعه إلى صاحب الأقباض (بيت المال) ، فقال الذين معه : ما رأينا مثل هذا قط ما يعدله ما عندنا ولا يقاربه ، فقالوا له : هل أخذت منه شيئا؟! فقال : أما والله لولا الله ما أتيتكم به ، فعرفوا أن للرجل شأنا ، فقالوا : من أنت؟! فقال : لا والله لا أخبركم لتحمدوني ، ولا غيركم ليُقرِّظوني ، ولكني أحمد الله وأرضى بثوابه ، فأتبعوه رجلا حتى انتهى إلى أصحابه ، فسأل عنه فإذا هو عامر بن عبد قيس " .[ الأنترنت – موقع الكلم الطيب  -قوة التحمل]

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والستون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * الدعوة والقوة :

استخلف الله سبحانه وتعالى الإنسان في هذا الكون دون سائر خلقه؛ لما حباه الله من تفضيل وتكريم عليهم، وزوده بالعقل والتفكير الذي يمكنه من السيادة على الكون، وتسخير ما فيه من قوى طبيعية، وثروات وإمكانيات، من أجل خدمته وراحته ومنفعته وتقدمه ورقيه، قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد:25].

وقد بينت الآية أن الناس ثلاثة أصناف، وكلُّ واحدٍ من الكتاب والميزان والحديد علاجُ قومٍ؛ فالخواص أهل القريحة النافذة والفطنة القوية، الخالية بواطنهم من التقليد والتعصب، فهؤلاء علاجهم بالميزان، وهو ما رسمه القرآن في الجدل الإبراهيمي الذي فيه الحجة البالغة.

والعامة الذين ليس لهم فطنة لفهم الحقائق، وإن كانت لهم فطنة فطرية، فليس فيهم داعية الطلب ولا داعية الجدل، وهؤلاء ليس الخوض في الخلافات

من عشهم، فهؤلاء لهم الاعتقاد، وما في الكتاب من أصول وفروع، من غير أن يشغلوا أنفسهم بمواقع الخلاف، ويكفيهم معرفة الفرائض، وما اتفقت عليه الأمة من الحلال والحرام.

ومن هؤلاء قوم هم أهل الجدل، فيرى الغزالي علاجهم بالتلطف إلى الحق، من غير تعصب عليهم أو

تعنيف لهم، وإنما يعالجون بما قال الله سبحانه: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125].

وبقي الحديد الذي فيه بأس شديد، وهو علاج الصنف الثالث، وهم الذين يتبعون ما تشابه من الكتاب ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله[داعية التوحيد محمد بن عبد الوهاب، ص33.]

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «فذكر تعالى أنه أنزل الكتاب والميزان، وأنه أنزل الحديد لأجل القيام بالقسط؛ وليعلم الله من ينصره ورسله، ولهذا كان قوام الدين بكتاب يهدي وسيف ينصر، {وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} [الفرقان:31][ مجموع فتاوى ابن تيمية (10/13).]، وقال: فكان المقصود الأكبر بذكر الحديد هو اتخاذ آلات الجهاد منه؛ كالسيف والسنان والنصل، وما أشبه ذلك الذي به ينصر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم»[ المصدر السابق (12/253).]

فأخبر أنه أرسل الرسل وأنزل الكتاب والميزان لأجل قيام الناس بالقسط، وذكر أنه أنزل الحديد الذي به ينصر هذا الحق، فالكتاب يهدي والسيف ينصر؛ {وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} [الفرقان:31]، ولهذا كان قوام الناس بأهل الكتاب، الذي هو القرآن، وأهل الحديد، كما قال من قال من السلف: «صنفان إذا صلحوا صلح الناس: العلماء والأمراء»، وقالوا في قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59]، أقوال العلماء والأمراء.

فالدين الحق لا بد فيه من الكتاب الهادي والسيف الناصر، كما قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد:25].

فبين سبحانه وتعالى أنه أرسل الرسل بالبينات، وهي الحجج والبراهين الساطعة التي يوضح الله بها الحق، ويدفع بها الباطل، وأنزل مع الرسل الكتاب الذي فيه البيان، والهدى والإيضاح، وأنزل معهم الميزان، وهو العدل الذي ينصف به المظلوم من الظالم، ويقام به الحق، وينشر به الهدى، ويعامل الناس على ضوئه بالحق والقسط، وأنزل الحديد فيه بأس شديد، فيه قوة وردع وزجر لمن خالف الحق، فالحديد لمن لم تنفع فيه الحجة وتؤثر فيه البينة، فهو الملزم بالحق، وهو القامع للباطل، ولقد أحسن من قال في مثل هذا:

وما هو إلاَّ الوحي أو حد مرهف  ***     تزيل ضـباه أخـدعي كـل مائل

فهـذا شفـاء للقـلوب مـن الـعمى   ***    وهذا شفاء العي من كل جاهل

فالعاقل ذو الفطرة السليمة ينتفع بالبينة، ويقبل الحق بدليله، أما الظالم التابع لهواه فلا يردعه إلا السيف.

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والستون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * الدعوة والقوة :

ولا يخفى على العاقل البصير أن القوة المادية لها أهمية عظيمة في نشر الدعوات والأفكار مع القوة

المعنوية والحجج والبراهين، فإن أي دعوة إذا لم يكن لديها من القوة ما يحميها، ويذود عنها سرعان ما تتكالب عليها قوى الشر والطغيان حتى تستأصل خضراءها، وتظهر هذه الأهمية من قوله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد:25]، وكذلك قوله: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} [الإسراء:81].

قال قتادة فيها: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم لا طاقة له بهذا الأمر إلا بسلطان، فسأل سلطانًا نصيرًا لكتاب الله ولحدود الله ولفرائض الله، ولإقامة دين الله، فإن السلطان رحمة من الله جعله بين أظهر عباده، ولولا ذلك لأغار بعضهم على بعض فأكل شديدهم ضعيفهم.

قال ابن كثير: وهو الأرجح؛ لأنه لا بد مع الحق من قهر لمن عاداه وناوأه[ تفسير ابن كثير (3/64).]

قال ابن القيم رحمه الله عند قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هي أَحْسَنُ} [النحل:125]: «جعل الله سبحانه وتعالى مراتب الدعوة بحسب مراتب الخلق، فالمستجيب القابل الذكي، الذي لا يعاند الحق ولا يأباه، يدعى بطريق الحكمة، والقابل الذي عنده نوع غفلة وتأخر يدعى بالموعظة الحسنة، وهي الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب، والمعاند الجاحد يجادل بالتي هي أحسن»[ مفتاح دار السعادة، لابن القيم (1/153).] والنص يقول: {وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ} بوصفهم وحدة، وبوصف الكتاب وحدة كذلك، إشارة إلى وحدة الرسالة في جوهرها، {وَالْمِيزانَ} مع الكتاب، فكل الرسالات جاءت لتقر في الأرض وفي حياة الناس ميزانًا ثابتًا ترجع إليه البشرية؛ لتقويم الأعمال والأحداث والأشياء والرجال، وتقيم عليه حياتها في مأمن من اضطراب الأهواء واختلاف الأمزجة، وتصادم المصالح والمنافع، ميزانًا لا يحابي أحدًا؛ لأنه يزن بالحق الإلهي للجميع، ولا يحيف على أحد؛ لأن الله رب الجميع.

هذا الميزان الذي أنزله الله في الرسالة هو الضمان الوحيد للبشرية من العواصف والزلازل والاضطرابات، والخلخلة التي تحيق بها في معترك الأهواء ومضطرب العواطف، ومصطخب المنافسة وحب الذات، فلا بد من ميزان ثابت يثوب إليه البشر، فيجدون عنده الحق والعدل والنصفة بلا محاباة، {لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}، فبغير هذا الميزان الإلهي الثابت في منهج الله وشريعته لا يهتدي الناس إلى العدل، وإن اهتدوا إليه لم يثبت في أيديهم ميزانه، وهي تضطرب في مهب الجهالات والأهواء! {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ}[ في ظلال القرآن، سيد قطب (الحديد:25).]

قال العتبي: كان يختلج في صدري أن في الجمع بين الكتاب والميزان والحديد تنافرًا، وسألت عنه فلم أحصل على ما يزيح العلة وينقع الغلة، حتى أعملت التفكر، فوجدت الكتاب قانون الشريعة، ودستور الأحكام الدينية، يتضمن جوامع الأحكام والحدود، وقد حظر فيه التعادي والتظالم، ودفع التباغي والتخاصم، وأمر بالتناصف والتعادل، ولم يكن يتم إلا بهذه الآلة، فلذا جمع {الْكِتابَ وَالْمِيزانَ}، وإنما تحفظه العامة على اتباعها بالسيف، وجذوة عقابه، وعذاب عذابه، وهو الحديد الذي وصفه الله

بالبأس الشديد.

فجمع بالقول الوجيز، معاني كثيرة الشعوب، متدانية الجنوب، محكمة المطالع، مقومة المبادئ والمقاطع.

قال القاسمي: لا يحصل كمال الشخص إلا بالعلم والعمل، ولا كمال النوع إلا بالسيف والقلم، أما الأول فظاهر، وأما الثاني فلأن الإنسان مدني بالطبع،

محتاج إلى التعامل والتعاون، لا تمكن معيشته إلا بالاجتماع، والنفوس إما خيّرة أحرار بالطبع، منقادة للشرع، وإما شريرة عبيد بالطبع آبية للشرع، فالأولى يكفيها في السلوك طريق الكمال، والعمل بالعدالة واللطف وسياسة الشرع، والثانية لا بد لها من القهر وسياسة الملك[ محاسن التأويل، للقاسمي (2/417).]

فمن عدل عن الكتاب قوم بالحديد؛ ولهذا كان قوام الدين بالمصحف والسيف، وقد روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نضرب بهذا، يعني السيف، من عدل عن هذا، يعني المصحف[ مجموع الفتاوى (28/263).]

فإن السيوف عز لأهلها وسلطان، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم»[رواه أحمد (5114).].، فبالسيف الناصر والكتاب الهادي عز الإسلام وظهر في مشارق الأرض ومغاربها.

والسيف من أعظم ما يعتمد في الحرب عليه، ويرهب به العدو، وبه ينصر الدين ويذل الله الكافرين، والذمي ليس من أهل حمله والعز به.

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السبعون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * الدعوة والقوة :

إن دين الإسلام إنما يقوم بالعلم الشرعي، والجهاد، والقوة، والسلاح، والحديد، فكل واحد منهما يمد الآخر بمعونة العزيز الحميد، أما ترون أهون الأمم حين أهمل المسلمون هذه الأوامر قد استولوا على كثير من أوطانهم، ولا يزالون طامعين فيها إن بقوا على تفرقهم وتخاذلهم وهوانهم.

فالجهاد في سبيل الله ذروة سنام الدين، و«من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق»[ أخرجه مسلم (1910)]، قال تعالى: {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء:104].

وتحمل الدعوة الإسلامية ميزانًا دقيقًا للحقوق والواجبات حسب الشريعة، فلا يجوز التفريط فيها أو التخلي عنها، فهي منحة إلهية للبشرية، وقد اقتضى

تطبيق تلك التعاليم جهادًا وبذلًا منذ نزول الوحي حتى استقرت دولة الإسلام، فلولا الجهاد لما قضي على الشرك وطابع الحياة الجاهلية، ولما استقرت معاني العقيدة وقيم الإسلام الاجتماعية ومضامينه الخلقية في نفوس الملايين.

والعدل الشامل يمتد إلى المسلم والذمي والكافر، والأغنياء والفقراء، والأقوياء والضعفاء، والرجال والنساء، حيث تتحدد حقوق الجميع وفق موازين العدل دون احتكار أو استغلال أو استئثار أو ظلم: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ} [النحل:90][موسوعة نضرة النعيم (1/210).]

والمناسبة ظاهرة بين الجهاد والدعوة؛ لأن الدعوة لا بد أن تسبق الجهاد، إن حصلت الاستجابة بها ونعمت، وهذا هو المطلوب، وإن لم تحصل تأتي المرحلة الثانية وهي الجهاد.

واستخدام القوة يكون بالكلام، وبالتأديب لمن له سلطة وقوة، وبالجهاد في سبيل الله تعالى تحت

لواء ولي أمر المسلمين، بالشروط التي دلّ عليها الكتاب والسنة، وهذا ما يقتضيه مفهوم الحكمة

الصحيح؛ لأنها وضع الشيء في موضعه اللائق به بإحكام وإتقان وإصابة.

ويزيد ذلك وضوحًا وبيانًا ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي أعطاه ربه من الحكمة ما لم يعط أحدًا من العالمين، فقد كان يضع العلم والتعليم والتربية في مواضعها، والموعظة في موضعها، والمجادلة بالتي هي أحسن في موضعها، والقوة والغلظة والسيف في مواضعها، وهذا من أحكم الحكم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التحريم:9]، وهذا عين الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى.

وأصناف المدعوين من الملحدين، والوثنيين، وأهل الكتاب، وغيرهم من الكفار إذا لم يؤثر فيهم ما تقدم من حكمة القول في دعوتهم، ولم يستفيدوا من حكمة القول العقلية، والحسية، والنقلية، والبراهين المعجزة، والجدال بالتي هي أحسن، وأعرضوا وكذبوا، فحينئذ يكون آخر الطب الكي، وهو استخدام القوة؛ فإن لها الأثر العظيم في نشر الدعوة، وقمع الباطل وأهله، ونصر الحق وأهله، قال

تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد:25].

فبين سبحانه أنه أرسل الرسل عليهم الصلاة والسلام بالبينات، وهي المعجزات، والحُجج الباهرات، والبراهين السَّاطعات، والدلائل القاطعات، التي يوضح الله بها الحقّ، ويدفع بها الباطل، وأنزل مع الرسل الكتاب الذي فيه البينات والهدى والإيضاح، وأنزل معهم الميزان، وهو العدل في الأقوال والأفعال، الذي يُنصَف به المظلوم من الظالم، ويقام به الحق، ويعامل الناس على ضوئه بالحق، وأنزل الحديد فيه قوة وردع وزجر لمن خالف الحق، فالحديد لمن لم تنفع فيه الحجة والبرهان وتؤثر فيه البيّنة، فهو الملزم بالحق، والقامع للباطل بإذن الله تعالى[كيفية دعوة الوثنيين إلى الله تعالى، د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني، ص43-46.]

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والسبعون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * الدعوة والقوة :

وما أحكم ما قاله الآخر:

دعا المصطفى دهرًا بمكة لم يجب   ***    وقـد لان منه جانب وخطاب

فلمـــا دعـــا والسـيف صـلت بكفه   ***    له أسلموا واستسلموا وأنابوا

إن التاريخ يحدثنا أن المبادئ أو الأفكار لا بد لها من قوة تسندها لتستقر استقرارًا نهائيًا في المجتمعات البشرية، فالدين المسيحي مثلًا لم يستقر كدين لأمة لو بقى على مبدئه الأول في المعاملة، من ضربك على خدك الأيسر أدر له خدك الأيمن، لو لم يجد من يسنده بالقوة؛ كالملك قسطنطين وأمثاله.

أما الدين الإسلامي فهذه المسألة لا تضمن انتشاره ولا انتصاره، وليس ذلك من طبعه ولا من

عقيدته؛ لأنه يريد أن يكون قويًا عزيزًا، وموقفه من الجماعات الأخرى أن يدخلوا في السلم والإسلام الذي دعاهم إليه، أو يقبلوا حمايته ويكونوا تحت ذمته وهم على ديانتهم، أو يكونوا معه في حرب تنتهي بانتصار أحد الفريقين، والمسلم إما أن يعيش سيدًا سعيدًا أو يموت شهيدًا مجيدًا، فهو كما قال الشاعر العربي أبو فراس :

ونحــن أنــاس لا توســط بيننــا   ***    لنــا الصــدر دون العالميــن أو القبــر

وقد فاه المنافقون في عهد الرسول بأنهم أعزة، وأن الرسول، في زعمهم الفاسد، لم يكن بهذه الصفة، وأنهم يستطيعون إخراجه من المدينة، كما حكى الله عنهم ذلك في قوله: {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} [المنافقون:8]، والحقيقة أن الأعز يخرج الأذل، ولكن الأعز هو الله ورسوله والمؤمنون، {وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}، فالمؤمنون هم الذين يمكنهم إخراج المنافقين لأنهم الأعزة، أما الأذلة لا تفسح له مجال نشر دعوته، ولا تضمن انتشاره ولا انتصاره، وليس تلك المسألة إلى حد الصفع من توجيهاته الحيوية، التي ترمي في جوهرها إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما قال الله في وصف المؤمنين: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} [الحج:41].

وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم كيفية تغيير المنكر حيث قال: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان»[ رواه مسلم (49)].، فأمر النبي بتغيير المنكر باليد، وبين أن الانتقال من التغيير باليد إلى التغيير باللسان مشروط بعد استطاعة تغييره باليد، والمنكر قد يكون صادرًا عن شخص كما يكون صادرًا عن جماعة، وما عجز عن تغييره الفرد لا تعجز عنه الجماعة، وقد كانت قريش عقدت بينهما حلفًا في الجاهلية يسمى حلف الفضول، يضمن نصرة كل مظلوم بمكة، حيث تعاهدت على ألا تجد بمكة مظلومًا من أهلها وغيرهم، ممن دخلها من سائر الناس، إلا قاموا معه، وكانوا على من ظلمهم حتى ترد عليه مظلمته.

وقد كان الإسلام يريد أن يظهر أمام أعدائه بمظهر القوة والعزة لا بمظهر الضعف والذلة، في كل مرحلة من مراحل كفاحه.

ومن أروع ذلك الاستعراض الذي وقع يوم فتح مكة، حسبما رواه ابن هشام في السيرة، أنه بعد ما أجار العباس بن عبد المطلب أبا سفيان حتى أسلم، قال العباس: قلت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل يحب الفخر؛ فاجعل له شيئًا، قال: «نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن»، فلما ذهب لينصرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عباس، احبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل، حتى تمر به جنود الله فيراها»، قال: فخرجتُ به حتى حبسته حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أحبسه، قال: ومرت القبائل على راياتها، كلما مرت قبيلة قال: «يا عباس، من هذه؟»، فأقول: سليم، فيقول: «مالي ولسليم»، ثم تمر القبيلة فيقول: «مالي ولمزينة»، حتى نفذت القبائل، ما تمر به قبيلة إلا يسألني عنها، فإذا أخبرته بهم قال: «مالي ولبني فلان»، حتى مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء، قال ابن هشام: وإنما قيل لها الخضراء لكثرة الحديد وظهوره فيها، قال ابن إسحاق: فيها المهاجرون والأنصار، لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد.

فقال أبو سفيان: سبحان الله، يا عباس، من هؤلاء؟ قال: قلت: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار، قال: ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة، والله يا أبا الفضل، لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيمًا، قال: قلت: يا أبا سفيان، إنها النبوة، قال: نعم إذن[ السيرة النبوية، لابن هشام (2/404).]

فهذا اعتراف خطير من قائد حربي محنك هو أبو سفيان، القائد العام للمشركين في معركة أحد، وفي غزوة الأحزاب.

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والسبعون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * الدعوة والقوة :

يقول عبد الواحد المراكشي، في شأن إنقاذ يوسف بن تاشفين وأصحابه للأندلس، بعد أن كاد ملوك الطوائف المتخاذلين يسلمونها للأعداء، بما فيهم المعتمد بن عباد، قال: لم يزل أصحاب يوسف بن تاشفين يطوون تلك الممالك مملكة مملكة، إلى أن دانت لهم الجزيرة بأجمعها، فأظهروا في أول أمرهم من النكاية في العدو والدفاع عن المسلمين وحماية الثغور؛ ما صدق بهم الظنون، وأثلج الصدور، وأقر العيون، فزاد حب الأندلس لهم، واشتد خوف ملوك الروم منهم، ويوسف بن تاشفين في ذلك كله يمدهم في كل ساعة بالجيوش بعد الجيوش، والخيل إثر الخيل.

ويقول في كل مجلس من مجالسه: إنما كان غرضنا من ملك هذه الجزيرة أن نستنقذها من أيدي الروم، لما رأينا استيلاءهم على أكثرها، وغفلة ملوكهم، وإهمالهم للغزو، وتواكلهم وتخاذلهم وإيثارهم الراحة، وإنما همة أحدهم كأس يشربها، وقينة تُسمعه، ولهو يقطع به أيامه، ولئن عشت لأعيدن جميع البلاد التي ملكها الروم في طول هذه الفتنة إلى المسلمين، ولأملانها عليهم (يعني الروم) خيلًا ورجالًا لا عهد لهم بالدعة، ولا علم عندهم برخاء العيش، وإنما همة أحدهم فرس يروضه ويستنفره، أو سلاح يستجيده، أو صريخ يلبي دعوته.

في أمثال لهذا القول؛ فيبلغ ذلك ملوك النصارى فيزداد فرقهم، ويقوى، مما بأيدي المسلمين؛ بل مما بأيديهم، يأسُهم.

وحين ملك يوسف أمير المسلمين جزيرة الأندلس وأطاعته بأسرها، ولم يختلف عليه شيء منها عد من يومئذ في جملة الملوك، واستحق اسم السلطة، وتسمى هو وأصحابه بالمرابطين، وصار هو وابنه معدودين في أكابر الملوك، ونفس هذه الروح العسكرية كانت لعبد المؤمن، مؤسس دولة الموحدين بالمغرب، يحكي لنا عبد الواحد المراكشي ذلك حيث يقول: وكان عبد المؤمن في نفسه سري الهمة، نزيه النفس، شديد الملوكية، لا يرضى إلا بمعالي الأمور. أخبرني الفقيه المتفنن أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن أبي جعفر الوزير عن أبيه عن جده الوزير أبي جعفر قال: دخلت على عبد المؤمن وهو في بستان له، قد أينعت ثماره، وتفتحت أزهاره، وتجاوبت على أغصانها أطياره، وتكامل من كل جهة حسنه، وهو قاعد في قبة مشرفة على البستان، فسلمت وجلست، وجعلت أنظر يمنة وشأمة، متعجبًا مما أرى من حسن ذلك البستان، فقال لي: يا أبا جعفر، أراك كثير النظر إلى هذا البستان، فقلت: يطيل الله بقاء أمير المؤمنين، والله، إن هذا المنظر حسن، فقال: يا أبا جعفر، المنظر الحسن هذا؟ قلت: نعم، فسكت عني.

فلما كان بعد يومين أو ثلاثة أمر بعرض العسكر آخذي أسلحتهم، وجلس في مكان مطل، وجعلت العساكر تمر عليه قبيلة بعد قبيلة، وكتيبة إثر كتيبة، لا تمر كتيبة إلا والتي بعدها أحسن منها؛ جودة سلاح، وفراهة خيل، وظهور قوة، فلما رأى ذلك، التفت إلي وقال: يا أبا جعفر، هذا هو المنظر الحسن، لا ثمارك وأشجارك، ولم يزل عبد المؤمن يطوي الممالك مملكة مملكة، ويدوخ البلاد، إلى أن دانت له البلاد وأطاعته العباد[ المعجب في تلخيص أخبار المغرب، للمراكشي، ص123.]

وهكذا كان الشأن في الشرق أيام صلاح الدين، الذي استنقذ البلاد من الصليبيين، وأيام الخلافة العثمانية وتوغلهم في تخوم أوربا، ولكن دار الزمان دورته، فرجحت في الوزن الدولي كفة أقوام وشالت كفة الآخرين، طبق ما نطق به الذكر الحكيم: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140].

ورغم أن الحق منصور من داخله بأدلته وبراهينه، فلا بد له من قوة خارجية، لا لكي يفرض ‏بها نفسه على الناس، وإنما يحتاج إليها لأمرين: الأول: لكي تدافع عنه ضد عدوان المعتدين، وصيال ‏الصائلين، الذين ختم الله تعالى على قلوبهم، وأصبح نهجهم العناد والمكابرة، والعدوان على المخالفين.

الثاني: جهاد الطغاة الظالمين، الذين يصدون الناس بما لديهم من سلطان وقوة عن الاستجابة ‏للنداء

الحق، ويصرفونهم عن اتباعه، ويجبرونهم جبرًا وقسرًا على البقاء على دينهم الفاسد، وعدم الإقبال ‏على

الدين الحق، ولأجل تلك الحقيقة شرع الله تعالى الجهاد.‏

 [ الأنترنت – موقع تيار الإصلاح - الدعوة والقوة - الكاتب : تيار الاصلاح ]

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة و السبعون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * القُـوَّة في السِّياسةِ الشَّرعِيَّةِ   :

مقدمة :فإن الإسلام هو الدين القيم، والدين الحق، ولابد للحق من قوة تحميه، فلا يثبت حق دون قوة، ولا تستقيم قوة دون حق؛ إذ الحق من دون قوة سيذهب هدرًا، ولن يستطيع أتباعه إقامته في واقع الناس، فالضامن لإقامة هذا الحق وترسيخه إنما هي القوة، والقوة من دون حق تكون قوة طائشة باغية طاغية، تبطش بالناس وتوقع بهم الظلم والقهر، فالعاصم لهذه القوة من الطيش والنزق

أن تنطلق محفوفة بالحق الذي يحجزها عن الانحراف والضلال.

وما أحوج ديننا اليوم إلى دولة تملك مقومات القوة الشاملة لتقوم بحمايته والذب عنه وإبرازه للإنسانية بما يحمله من مقومات، وما يتمتع به من خصائص،

وما جاء به من مشتركات إنسانية تصلح أن يتلاقى عليها البشر؛ ليتعارفوا، ويتآلفوا، ويقدم بعضهم لبعض ما ينفعهم، ويتجنبوا ما يضرهم ولا ينفعهم.

وقد أصبح عالمنا اليوم مليئا بالصراعات والحروب والقتل والتدمير؛ لأن كثيرا من الأمم يصدر عن القوة دون حق، وهذا هو الطرف الباغي، وأمم تحمل الحق من دون قوة، ومن هنا تحدث المفارقة وتقع المشكلات؛ إذ يضعف الحق عن القيام بمقتضياته، وتنزق القوة إلى طريق الضلال والانحراف.

وما أحوج الأمم جميعا على وجه العموم، والأمة المسلمة على وجه الخصوص، أن تقيم هذه الموازنة بين

الحق والقوة؛ فهذا وحده هو الضامن لأمنها، والحافظ لمقوماتها ومقدراتها، والناهض بأن تعاملها الأمم بندية وتقدير دون طغيان ولا إخسار.

والإسلام العظيم – بعقيدته وشريعته – يحمل في تصوراته وتشريعاته من الرحمة والسماحة ما لم يوجد في دين سماوي، ولا قانون أرضي؛ فليست القوة – كما سيأتي – تعني القسوة أو البطش أو السيف كما يريد البعض أن يسجنها في غياهب الماديات والقتل والتدمير، وإنما لها في اللغة والشرع معانٍ كثيرة تتنوع لتتناسب مع كل حال، وتستوعب كل واقع وجديد.

ومما لا شك فيه أن أرحب المجالات لإبراز القوة ووجودها هو مجال السياسة الشرعية بأنواعها، سواء كانت سياسة داخلية بين أفراد المجتمع وطبقاته، أم سياسة خارجية على المستويين: الإقليمي، والدولي؛ إذ القوة بالحق والحق بالقوة هي التي تسوس الناس، وتُنْفِذُ التشريعاتِ والأحكامَ والآداب.

من أجل هذا أردنا أن نتعرض في هذا البحث لموضوع مهم، وهو: “القوة في السياسة الشرعية:

عناصرها وضوابطها ومقاصدها”، وقد اقتضى أن يكون على النحو الآتي:

المبحث الأول: معنى القوة لغة واصطلاحا. المبحث الثاني: العلاقة بين السياسة الشرعية والقوة. المبحث الثالث: القوة في القرآن الكريم والسنة النبوية. المبحث الرابع: عناصر القوة ومجالاتها. المبحث الخامس: ضوابط القوة في السياسة الشرعية. المبحث السادس: مقاصد القوة في السياسة الشرعية.

والله تعالى أسأل أن يحقق لأمتنا الأمن والأمان والسلم والسلام بالقوة والحق معا، وأن يقيم لها أمر رشد تتعاون به مع البشرية على الخير والحق والعدل، إنه ولي ذلك والقادر عليه .. وهو السميع المجيب.

المبحث الأول: معنى القوة لغة واصطلاحا

تدور معاني مادة (ق و ي) في اللغة حول الطاقة والقدرة والجد والجوع والفقر والاحتباس والخلاء، جاء في المصباح المنير: قَوِيَ يَقْوَى فَهُوَ قَوِيٌّ، وَالْجَمْعُ أَقْوِيَاءُ، وَالِاسْمُ الْقُوَّةُ، وَالْجَمْعُ: الْقُوَى مِثْلُ غُرْفَةٍ وَغُرَفٍ، وَقَوِيٌّ عَلَى الْأَمْرِ، وَلَيْسَ لَهُ بِهِ قُوَّةٌ أَيْ طَاقَةٌ، وَالْقَوَاءُ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ الْقَفْرُ، وَأَقْوَى صَارَ بِالْقَوَاءِ، وَأَقْوَتْ الدَّارُ خَلَتْ [ المصباح المنير للفيومي: باب القاف مع الواو وما يثلثهما ]

وقال ابن منظور: القوّة من تأْليف ق و ي ولكنها حملت على فُعْلة فأُدغمت الياء في الواو كراهية تغير الضمة والفِعالةُ منها قِوايةٌ .. ونقل عن ابن سيده: القُوَّةُ نقيض الضعف، والجمع: قُوًى وقِوًى، وقوله عز وجل: “يا يحيى خُذِ الكتاب بقُوَّةٍ” أَي بِجِدّ وعَوْن من الله تعالى … وقد قَوِيَ الرجل والضَّعيف يَقْوَى قُوَّة فهو قَوِيٌّ وقَوَّيْتُه أَنا تَقْوِيةً وقاوَيْتُه فَقَوَيْتُه أَي غَلَبْته [ لسان العرب: 15/ 206. دار صادر. بيروت. مادة (ق و ا) ]

أما الزمخشري فيذكر معانيَ جديدةً من اشتقاقات الجذر وتعديته بطرق تعدية الفعل، فيقول: هو قويّ مقوٍ: قويّ الأصحاب والإبل. وقويَ على الأمر، وقوّاه الله، وتقوّى بفلان، وهو شديد القوّة والقوَى … وقاوى شريكه المتاع، وتقاووه بينهم وهو أن يشتروا شيئا رخيصًا ثم يتزايدوا حتى يبلّغوه غاية ثمنه فإذا استخلصه أحدهم لنفسه قيل: قد اقتواه. .. وتقاوينا الدّلو تقاويا إذا جمعوا شفاههم على شفتها فشرب كلّ واحد ما أمكنه. .. واقتوى شيئا بشيء: تبدّله به. .. وأقوى القوم: فني زادهم، وباتوا على القوى، وقويَ: جاع جوعاً شديداً، وإبل قاويات، وتقاوى فلان: بات قاويًا … وأقووا: نزلوا بالقفر. وأقوت الدار من أهلها. ونزلوا بالقواء والقيّ: بالقفر، وبات فلان القواء. وأقوى في شعره إقواءً [ أساس البلاغة: مادة (ق و ي)]

وفي المعجم الوسيط وردت معاني الطاقة والتحمل، ثم جاء فيه: وقوى جاع جوعا شديدا، والمطر احتبس، والحبل والوتر كان بعض قواه أغلظ من بعض فهو قو، والدار قوى وقواء وقواية خلت .. ( أقوى ) الرجل افتقر ونزل بالقفر ونفد طعامه وفني زاده وجاع فلم يكن معه شيء… ( قاويت ) فلانا غالبته في القوة فقويته غلبته. ( قوَّى ) الرجل أو الشيء أبدله مكان الضعف قوة. ( اقتوى ) كان ذا قوة أو جادت قوته، وعلى فلان عاتبه، والشيء اختصه لنفسه، وشيئا بشيء تبدل به، والشركاء المتاع بينهم تزايدوه حتى بلغ غاية ثمنه فأخذه بعضهم به .. ( تقاوى ) فلان بات قاويا… ( القاوي ) الجائع والآخذ. ( القاوية ) البيضة والسنة القليلة المطر. ( القواء ) القفر من الأرض، وأرض قواء: لا أحد فيها، ومنزل قواء: لا أنيس به، والأرض التي لم تمطر بين أرضين ممطورتين ( ج ) أقواء [ المعجم الوسيط: 2/ 768-769. مجمع اللغة العربية. طبعة دار الدعوة]

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والسبعون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * القُـوَّة في السِّياسةِ الشَّرعِيَّةِ   :

وأما القوة في الاصطلاح فقد جاء في المعجم الفلسفي: قوة: مصدر الحركة والعمل، ومنه قوة الروح،

وقوة الإرادة، وقوة التفكير[ المعجم الفلسفي: 149. مصطلح رقم (761). مجمع اللغة العربية. 1403هـ.

1983م، وانظر المعجم الفلسفي لجميل صليبيا: 2: 202-203. دار الكتاب اللبناني. 1982م.]

أما الإمام الجرجاني صاحب التعريفات – وكذلك المناوي صاحب التعاريف – فينحو منحى فلسفيًّا منطقيًّا مبينًا أنواع القوة، فيقول: القوة هي تمكن الحيوان من الأفعال الشاقة، فقوى النفس النباتية تسمى قوى طبيعية، وقوى النفس الحيوانية تسمى قوى نفسانية، وقوى النفس الإنسانية تسمى عقلية، والقوى العقلية باعتبار إدراكاتها للكليات تسمى القوة النظرية، وباعتبار استنباطها للصناعات الفكرية من أدلتها بالرأي تسمى القوة العملية …. ثم يتحدث عن القوى: الباعثة والفاعلة والعاقلة والمفكرة والحافظة والعقلية [ التعريفات للجرجاني: 231-232. دار الكتاب العربي. بيروت. 1405هـ، وانظر التعاريف للمناوي: 592-593. دار الفكر. دمشق. 1410هـ.]

وعرفها العلامة محمد الطاهر ابن عاشور بقوله: “حقيقتها: كمال صلابة الأعضاء لأداء الأعمال التي تراد منها”[ التحرير والتنوير: 10/ 44. طبعة الدار التونسية.]

وفي مقام آخر عند قوله تعالى من سورة الأعراف: ” وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ(145)”. يفصل ابن عاشور في حقيقة القوة جامعا بين معانيها اللغوية والاصطلاحية فيقول: والقوة حقيقتها حالة في الجسم يتأتى له بها أن يعمل ما يشق عمله في المعتاد، فتكون في الأعضاء الظاهرة، مثل: قوة اليدين على الصنع الشديد، والرجلين على المشي الطويل، والعينين على النظر للمرئيات الدقيقة. وتكون في الأعضاء الباطنة، مثل: قوة الدماغ على التفكير الذي لا يستطيعه غالب الناس، وعلى حفظ ما يعجز عن حفظه غالب الناس، ومنه قولهم: قوة العقل…

وسمى الحكماء الحواس الخمس العقلية بالقوى الباطنية وهي الحافظة، والواهمة، والمفكرة، والمخيلة، والحس المشترك؛ فيقال: فرس قوي، وجمل قوي على الحقيقة، ويقال: عود قوي، إذا كان عسير الانكسار، وأسس قوي، إذا كان لا ينخسف بما يبنى عليه من جدار ثقيل، إطلاقا قريبا من الحقيقة، وهاته الحالة مقول عليها بالتشكيك لأنها في بعض موصوفاتها أشد منها في بعض آخر، ويظهر تفاوتها في تفاوت ما يستطيع موصوفها أن يعمله من عمل مما هي حالة فيه، ولما كان من لوازم القوة أن قدرة صاحبها على عمل ما يريده أشد مما هو المعتاد، والأعمال عليه أيسر، شاع إطلاقها على الوسائل التي يستعين بها المرء على تذليل المصاعب مثل السلاح والعتاد، والمال، والجاه، وهو إطلاق كنائي قال تعالى: قالوا نحن أولوا قوة في سورة النمل [33] .

ولكونها يلزمها الاقتدار على الفعل وصف الله تعالى باسم القوي أي الكامل القدرة قال تعالى: إن الله قوي شديد العقاب في سورة الأنفال [52] .

والقوة هنا في قوله: فخذها بقوة تمثيل لحالة العزم على العمل بما في الألواح، بمنتهى الجد والحرص دون تأخير ولا تساهل ولا انقطاع عند المشقة ولا ملل، بحالة القوي الذي لا يستعصي عليه عمل يريده. ومنه قوله تعالى: يا يحيى خذ الكتاب بقوة في سورة مريم [12] [ التحرير والتنوير: 9: 99-100.

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والسبعون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : المبحث الثاني ] العلاقة بين السياسة الشرعية والقوة

السياسة الشرعية ابتداء هي – كما أورد ابن القيم عن ابن عقيل -: ما كان فعلا يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح ، وأبعد عن الفساد ، وإن لم يضعه الرسول – صلى الله عليه وسلم – ولا نزل به وحي [ الطرق الحكمية في السياسة الشرعية: 29. دار عالم الفوائد. 1428هـ.]

وقد تطور علم السياسة في الواقع المعاصر بحيث أصبح أكثر تخصصا بما لا ينصرف الذهن معه للمعنى السابق، فصار يطلق – من مجمل التعريفات المعاصرة له – على الدولة والسلطة فيها، يقول د. ثروت بدوي: وهناك اختلاف في تعريف السياسة في الاصطلاح المعاصر، حتى إنه ليصعب صياغة تعريف واحد يوافق عليه الجميع، إلا أن هناك قدراً متيقناً متفقاً عليه لتحديد مدلول السياسة، ألا وهو أنها تتعلق بالسلطة في الدولة”[ النظم السياسية: 4. دار النهضة العربية. القاهرة. 1989م.]

ولما كانت طبيعة البشر الاختلاف بسبب تفاوت الطباع، واختلاف المنطلقات والغايات، وتنوع الوسائل والآليات، فما تراه أنت صحيحا يراه آخرون خطأ، وما تراه راجحا يراه غيرك مرجوحا، وما تظنه مناسبا يراه البعض غير مناسب … فلهذا كله وغيره اتفق العقلاء والفقهاء على أنه لا سياسة بغير قوة، ولا قوة بغير سياسة، والقوة التي نعنيها هنا ليست القوة الطائشة الباغية الظالمة، وإنما القوة المنضبطة بضوابط الشرع، وسيأتي بيان لهذه الضوابط فيما بعد.

وإذا تأملنا كلام فقهاء السياسة عن واجبات الحاكم التي حصروها في عشرة:

أحدهما: حفظ الدين على الأصول التي أجمع عليها سلف الأمة أي إقامة الدين على وجهه الصحيح.

الثاني: تنفيذ الأحكام بين المتشاجرين وقطع الخصام بينهم , أي إقامة العدل بين الناس وتنفيذ الأحكام

الثالث: حماية البيضة والذب عن الحوزة ليتصرف الناس في المعايش وينتشروا في الأسفار آمنين , أي نشر الأمن في الداخل .

الرابع: إقامة الحدود لتصان محارم الله عن الانتهاك , وتحفظ حقوق عباده من إتلاف واستهلاك . أي تنفيذ عقوبات جرائم الحدود وجرائم القصاص .

الخامس: تحصين الثغور بالعدة المانعة والقوة الدافعة حتى لا يظفر الأعداء بغرة ينتهكون بها محرما ويسفكون فيها دما لمسلم أو معاهد. أي حماية الأمن الخارجي بالعدة والاستعداد الدائمين .

السادس: جهاد من عاند الإسلام بعد الدعوة حتى يسلم أو يدخل في الذمة .

السابع: جباية الفيء والصدقات على ما أوجبه الشرع نصا واجتهادا من غير عسف.

الثامن: تقدير العطاء وما يستحق في بيت المال من غير سرف ولا تقصير ودفعه في وقت لا تقديم

فيه ولا تأخير .

التاسع: استكفاء الأمناء وتقليد العظماء فيما يفوضه إليهم من الأعمال .

العاشر: أن يباشر بنفسه مشارفة الأمور وتصفح الأحوال ليهتم بسياسة الأمة وحراسة الملة .

هذه هي واجبات الإمام كما حددها بعض الفقهاء، وهي تدخل جميعا تحت واجبين اثنين، هما: إقامة الدين، وإدارة شئون الدولة في حدوده

[ الأحكام السلطانية للماوردي: 22-23. تحقيق أحمد مبارك البغدادي. مكتبة دار ابن قتيبة. الكويت. 1409هـ، وانظر: الأحكام السلطانية لأبي يعلى الفراء: 27-28. دار الكتب العلمية، والإسلام وأوضاعنا السياسية لعبد القادر عودة: 183-184. ، والتشريع الجنائي الإسلامي له أيضا: 1/ 43، والإسلام والاستبداد السياسي لمحمد الغزالي: 106.]

أقول إذا تأملنا هذه الواجبات وجدناها جميعا لا تستغنى عن القوة والشوكة التي تمكّن الحاكم من إنفاذها وتمكينها ورعايتها وحمايتها والحفاظ عليها، بما يحقق تنظيم أمور المجتمع، والحفاظ على حياة الناس وأمنهم.

والسُّلْطَةُ ارتبطت بالقوة حتى في تعريفها اللغوي، قال ابن فارس: السين واللام والطاء: أصلٌ واحد، وهو القوّة والقهر. ومن ذلك السَّلاطة، من التسلط وهو القَهْر، ولذلك سمّي السُّلْطان سلطاناً. وفي القاموس المعتمد: السُّلْطَةُ بالضم القدرة والملك، والسُّلطان: الحجة، والقدرة، والمَلِك

[ معجم مقاييس اللغة، والقاموس المعتمد، مادة ( سلط ).]

وكذلك في الاصطلاح: هي السيطرة والتمكن والقهر والتحكم، ومنه السلطان، وهو من له ولاية التحكم والسيطرة في الدولة[الموسوعة الفقهية 6/216]

إن السلطة في الفكر الإسلامي وفي إطار النظام السياسي اتصفت بصفتين أساسيتين:

الأولى: تتمثل في عدم الفصل بين الشؤون المدنية والشؤون العسكرية منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

والثانية: تتمثل في إعلاء قيمة القوة والتأكيد على ارتباط السلطة بالقوة [ علم اجتماع السياسة – مبادئ علم السياسة لموريس دوفرجيه: 133. ترجمة سليم حداد. المؤسسة الجامعية للنشر والتوزيع 1991م ]

ومن هنا فلا غني للسلطة عن القوة، ولا غنى للقوة عن ضوابطها، وبهذين الجناحين تحقق سياسةُ دنيا المسلمين بدينهم أهدافَها وغاياتها.(المصدر: مجلة كلمة حق) [ الأنترنت – موقع منتدى العلماء - القُـوَّة في السِّياسةِ الشَّرعِيَّةِ  بقلم د. وصفي عاشور أبو زيد ]

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والسبعون في

موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * التصميم الإلهي الرائع يشهد على قدرة الخالق وقوته :

الطبيعة هي المعلم الأول للإنسان، ومعظم الاختراعات هي في أصلها تقليداً لها. واليوم يعود العلماء لاستلهامها في ابتكاراتهم بعد عقود من العزوف عنها. فما تقدمه الطبيعة من طرق وحلول يمكن استثماره لتحسين المخترعات الحالية.

فقد تعوّد الإنسان على استلهام اختراعاته من الطبيعة. فالملابس مثلا بدأت باتخاذ جلود الحيوانات وفروها نموذجاً لها حتى تطورت لتصل إلى صورتها

الحالية. وربما نسي الإنسان ما تعلمه من الطبيعة وأصبح يعتمد على الاختراعات في صورتها الحالية، إلا أن الباحثين عادوا في الآونة الأخيرة إلى الاهتمام بالطبيعة، إذ وجدوا فيها قدرات قد تفيدهم كثيراً في ابتكار تقنيات حديثة. والـ “بيوميميتيك biomimetic” أو علم “محاكاة الطبيعة” أصبح في بؤرة اهتمام عدد كبير من العلماء اليوم، حيث يسعون من خلال هذه التقنية إلى فهم التركيبات الطبيعية لاستخدامها في تطبيقات مفيدة.

ندوة في ألمانيا حول تقليد الطبيعة

أقيمت مؤخراً ندوة في مركز أبحاث النسيج في مدينة دينكندورف في منطقة جنوب ألمانيا حول البيوميتيك وتطبيقاتها الممكنة. وأشهر تطبيقات هذه التقنية هو شريط اللصق (المعروف بفيلكرو Velcro) والذي يستخدم على سبيل المثال في صناعة الأحذية. فكرة هذا الاختراع البسيط استغرقت من العالم السويسري جورج دي ميسترال ثماني سنوات حتى تمكن من تطبيقها. فكثيراً ما شاهد بذور النباتات الشائكة وهي تلتصق بفرو الكلاب أو بألياف بعض الملابس بمجرد سقوطها من الشجر على السائرين أسفلها. وبعد فترة من التأمل استطاع العالم أن يحول هذه الظاهرة إلى تطبيق علمي نستخدمه في حياتنا اليومية. وقد سهلت هذه الشرائط ذاتية اللصق، التي يمكن لصقها وفكها بسهولة وبسرعة الكثير من الأعمال.

لكن فهم ما طورته وحسنته الطبيعة (تصحيح: إن الله تعالى هو الذي خلق وطور هذه الكائنات من

حولنا) خلال ملايين السنين ليس بالأمر السهل كما يؤكد البروفسور توماس شبيك، مدير حديقة النباتات بجامعة فرايبورج والمتحدث عن شبكة المختصين في تقنية “بيوميمتيك” أو محاكاة الطبيعة. ويضيف: إن “البيوميميتك ليس نقلاً كربونياً عن الطبيعة، ولكنه ابتكار جديد مستوحى من أمثلة طبيعية، فهو يمر بعدة مراحل قبل أن يصل إلى المنتج النهائي.”

لكل نبات مميزاته التي يمكن التعلم منها تقوم الطبيعة بتطوير ابتكاراتها بطريقة لعبة “الليغو” التي يمارسها الأطفال. عدد قليل من المواد الأولية ينتج عدداً

هائلاً من المركبات. بياض البيض مثلاً مكون من عدد قليل من الجزيئات، 20 حمض أميني على وجه التقريب، ولكن يَنتج عبر تنويعاتها المختلفة عدداً ضخماً من المواد. المنسوجات تُصنع بصورة مشابهة: فالخيوط تصنع من الألياف، ومن الخيوط تنتج الأقمشة. وبمشاهدة الطبيعة يجد الإنسان أن الأمر لا يتوقف على سيقان النبات المكونة من الألياف، إذ أن العظام أيضا مكونة من الألياف، وتحليل هذه التركيبات الطبيعية للمواد المختلفة، ثم نقلها وتحويلها لتقنية جديدة يفتح مجالاً كبيراً من التطبيقات.

محاكاة الطبيعة في نقل المياه

يمكن توظيف البيوميميتيك لتوفير استهلاك المياه: في الوقت الحالي يتعلم الباحثون من الطبيعة كيف تصلح نفسها، كما هو الحال عندما يقطع الشخص إصبعه خطأ أو ينكسر عود النبات. وهو ما أمكن تقليده في المعمل، فأمكن إصلاح ثقوب في أنسجة تصل إلى 5 ملليمترات باستخدام الوسيلة نفسها التي تستخدمها الطبيعة. ويمكن القول إن تقنيات البيوميمتك لن تبدل التقنية المتعارف عليها حالياً، لكنها ستكملها، وستفتح مجالات جديدة تماماً. فقد يمكن نقل السوائل إلى أعلى بلا مضخات على مثال نبات الليانا المتسلق الذي ينقل المياه حتى مسافة 1 كيلومتر.

قد يساعد تطبيق هذه التقنية في الزراعة على الاقتصاد في المياه المطلوبة ومنع تبديد كميات هائلة

منها. وهو ما يؤكده الدكتور توماس شتيجماير من معهد دينكندورف قائلاً: “من الابتكارات المدهشة أنظمة نقل المياه. وهي تمثل تحدياً تقنياً كبيراً، أن نحول هذه الأنظمة القادرة على نقل المياه على ارتفاع 10 متر حتى الآن إلى أنظمة قادرة على نقل المياه على ارتفاع يصل إلى مئة متر، على مثال الطبيعة”. هذه الأنظمة ستقلل تبديد المياه وتوفر الطاقة المستخدمة في المضخات.

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والسبعون في

موضوع (القوي ) وهي بعنوان : الله خالق كل شيء!

من خلال هذه الدراسات وغيرها يمكن أن نؤكد أن الإنسان يأخذ اختراعاته من الطبيعة، وأهم مثال على ذلك الطائرة، فلولا وجود الطيور ربما لم يفكر الإنسان بالطيران أصلاً، ولولا وجود قوانين فيزيائية سخرها الله لم يتمكن الإنسان من استغلال طاقة الهواء لحمل الطائرة، إذاً كل ما نراه من حولنا مسخَّر لخدمتنا، ولذلك يقول تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الجاثية: 13]. فهل نتفكر في هذه المعجزات العظيمة؟!

ولو تأملنا الآية الكريمة (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) [الرعد: 16]، نرى فيها إشارة إلى أن كل ما نراه من حولنا هو مخلوق من مخلوقات الله، حتى الطائرة مثلاً هي مخلوق من مخلوقات الله، فالمادة الأولية التي صُنعت منها الطائرة خلقها الله بلا شك، والوقود الذي يسير الطائرة هو من صنع الله، والهواء الذي يحمل الطائرة من صنع الله الذي أتقن كل شيء، وحتى تصميم الطائرة أخذه الإنسان من الطيور وهي مخلوقات في الطبيعة من صنع الله عز وجل، وحتى الإنسان الذي يقود الطائرة هو من صنع الله، إذاً مَن الذي خلق الطائرة الله أم الإنسان؟!

وهنا يتجلى قول الحق تبارك وتعالى: (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [النحل: 8]. فالخيل والبغال وغيرها لا يشك أحد أنها من صنع الله، وقوله تعالى: (وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) يدل على أن الله هو الذي خلق كل شيء لأن الإنسان حتى هذه اللحظة لم يتمكن من خلق ذرة من العدم!

والآن أترككم مع روائع التصميم الإلهي في الطبيعة لنرى دقة وجمال صنع الله في مخلوقاته:

صورة لزهرة يظهر من خلالها التداخل الرائع للألوان، إن كل اللوحات التي رسمها الإنسان، وكل الأشكال التي اخترعها هي في الأصل مستوحاة من الطبيعة. يقول عز من قائل: (وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) [النحل: 13].

نجمة البحر، انظروا إلى التصميم المحكم لها، وكيف تتناسق الألوان فلا نشعر بأي تناقض أو تشويه،

بل نجد اللون الأحمر والأصفر والبرتقالي وحتى الأخضر الداكن من حولها كل ذلك في تناسق بديع يشهد بأن الخالق هو الله وليس الطبيعة الصماء كما يعتقدون!

ربما لا تصدقوا أن هذا الشكل السداسي الرائع هو جزيئة ثلج!!! هكذا تتوضع جزيئات الثلج بنظام بديع ولو درسنا نتف الثلج نلاحظ أنها تأخذ أشكالاً هندسية رائعة… من أين جاء هذا التصميم؟ ألا يشهد بأن هناك صانعاً مدبراً حكيماً عليماً؟ يقول تعالى: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [البقرة: 117].

مَن الذي علَّم هذا العنكبوت صنع هذه الشبكة بنظام هندسي متقن؟ وكيف اهتدى لصناعة هذه الخيوط التي تعتبر أقوى من الفولاذ بكثير، انظروا كيف وضع فوق الشبكة شكلاً متعرجاً ليخيف الحشرات الكبيرة من الاقتراب منه!! نريد ممن يعتقدون أن الطبيعة هي التي تطور هذه المخلوقات أن يعرّفوا لنا ما هي الطبيعة التي يتحدثون عنها وأين توجد؟

حتى في تراب الأرض نرى الهندسة الرائعة! فهذه صورة لأرض جافة أخذت هذا الشكل الهندسي، تأملوا هذه الخطوط وتداخلاتها وكأنها لوحة فسيفساء رسمها فنان مبدع! ولكن الله تعالى أودع في الطبيعة أشياء نرى من خلالها قدرة الخالق ليدلنا على أنه خالق كل شيء، فهل ندرك عظمة هذا الخالق الرحيم؟

هذه ليست تلالاً أو ودياناً، إنها سطح جليدي شكلته قدرة الخالق (وليس الطبيعة)، فعندما يتجمد الماء في الشتاء البارد يشكل مثل هذه التلال والوديان بعد تكبير الصورة، وهنا يتجلى قول الحق تبارك وتعالى: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) [النمل: 88].

هذه ليست دعاية للشوكولاتة!! إنها ظاهرة طبيعية نراها من حولنا، إنها عبارة عن طين تشكل بهذه الأشكال الهندسية بعد طوفان في إحدى المناطق، لقد رسم لوحة إلهية رائعة تشهد على إتقان ودقة هذه الصناعة، يقول تعالى: (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) [النحل: 17].

هذه ليست لوحة زيتية وليست صورة بالفوتوشوب، إنها لوحة إلهية تشهد على قدرة الله جل جلاله، إنها جزء من زعنفة سمكة تزينها هذه البقع البرتقالية، تأملوا تداخل الألوان وتناسبها مع بعضها وتدرجاتها، أين أنتم أيها الملحدون من هذا التصميم الرائع؟ كل هذه المشاهد نراها من حولنا ثم نرى إنساناً ضعيفاً ينكر وجود الخالق، فلا نملك إلا أن نقول: (أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) [النمل: 60].

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والسبعون في

موضوع (القوي ) وهي بعنوان : طرح الأسئلة على كل ملحد:

والآن لنطرح هذه الأسئلة على كل ملحد لا يؤمن بكتاب الله أو صدق نبيه عليه الصلاة والسلام:

1- هل لديكم تفسير علمي لوجود التصميم الرائع في الطبيعة؟ اسمعوا الجواب: يقول تعالى:

 (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ) [النمل: 59].

2- هل يمكنكم أن تخبرونا من الذي خلق الكون ومن الذي خلق الماء الذي هو سر الحياة، ومن الذي خلق النباتات من حولنا؟ اسمعوا الجواب في الآية التالية: يقول تعالى (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) [النمل: 60].

3- هل تفسرون لنا سر الجاذبية الأرضية، وكيف جاءت مناسبة تماماً لحياة المخلوقات على ظهرها؟ ومن الذي ثبت الأرض بالجبال فكانت مثل الرواسي للقشرة الأرضية ولولاها لاضطربت هذه القشرة الضعيفة والرقيقة؟ ومن الذي قدّر هذا النظام المائي الرائع على ظهر الكوكب، ومن الذي خلق لنا هذه المياه العذبة وميَّزها عن المياه المالحة ولولا ذلك لانعدمت الحياة؟ اسمعوا الجواب، يقول تعالى: (أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ

 بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [النمل: 61].

4- من الذي أعطاك القدرة أيها الملحد لتحكم العالم وتسيطر على مقدرات الطبيعة ومن الذي سخر لك هذه الأرض لتعيش فيها وتستمتع بها، ومن الذي أعطاكم كل هذه النعم، إنه الله القائل: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) [النمل:

5- هل سألتم أنفسكم كيف تهتدون في ظلمات الليل؟ من الذي سخر لكم المجال المغنطيسي للأرض لتهتدوا به، ومن الذي سخر لكم النجوم لتهتدوا بها، ومن الذي خلق لكم هذه الرياح التي لولاها لما نزلت قطرة مطر، أليس هو القائل: (أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [النمل: 63].

6- وأخيراً هناك سؤال لن تجدوا الإجابة عنه إلا بالرجوع إلى خالقكم، فمن الذي خلق الكون وخلق المجرات وخلق الأرض والشمس والقمر، ومن الذي جعل النباتات تثمر وجعل السماء تمطر وجعل في كل شيء دورة مقدرة للماء والصخور والتراب وأنتم ترون كيف يتكرر الخلق ويُعاد أمامكم، فقطرة الماء هي ذاتها تسقط من الغيمة ثم تتبخر ثم تعود للغيوم لتسقط من جديد، إنها إعادة مستمرة للخلق تحدث أمام أعينكم، من الذي قدّر هذه العملية المحكمة؟ اسمعوا: (أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) ]النمل: 64].

بعد كل هذه الحقائق، هل ندرك أن كل ما نراه من حولنا هو من صنع الله تعالى؟ إذاً تأملوا معي هذا النص القرآني الرائع: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ * هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [لقمان: 10-11].

[ الأنترنت – موقع  إعجاز القرآن والسنة - التصميم الإلهي الرائع يشهد على قدرة الخالق وقوته - المهندس عبد الدائم الكحيل ] 

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والسبعون في

موضوع (القوي ) وهي بعنوان :

* قصص وعبر في عجائب مصارع الظالمين قديما وحديثا دليل على قدرة وقوة الجبار :

من السنن الإلهية ان الظلم مهما طال امده واسودت لياليه وطالت اذرعه واشتد فساده وانتشر في ربوع الارض حتي يضرع المظلمون الي ربهم يقولون اما لهذا الليل من اخر ويتساءلون متي تنقشع  هذه الظلمة وينبلج فجر العدل : فان الله تعالى لا بد أن يأخذ الظالم ولو بعد حين، وقد  جرت عادته في خلقه أنه سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل، ونهاية الظالمين أليمة  والمتأمل في سيرهم في القرآن الكريم يجد في مصارعهم عبرة وعظة ولا يبالي الله في أي واد يهلكون ويخزيهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة وقد

 جعل الله عقوبة الظلم والبغي معجلة في الدنيا قبل الآخرة لشناعة الظلم وكثرة أضراره

(ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم) [رواه الترمذي  2511  حديث صحيح

وعلى الظالم  الباغي تدور الدوائر فيبوء بالخزي ويتجرع مرارة الذل والهزيمة وينقلب خاسئاً وهو حسير لم يبلغ ما أراد ولن يظفر بما رجا، أقرب الأشياء صرعت الظلوم وأنفذ السهام دعوة المظلوم

فالحكم العدل لابد وان يهلك الظالمين ويمحق المعتدين ويقطع دابر المفسدين، سواء كان الظالم فرداً أو جماعة، حزباً أو طائفة، قال الحافظ ابن رجب رحمه الله : “الغالب أن الظالم تعجل له العقوبة في الدنيا وإن أمهل فإن الله يملي له حتى إذا أخذه لم يفلته “، وقد قال بعض أكابر التابعين لرجل : “يا مفلس فابتلي القائل بالدين والحبس بعد أربعين سنة “، وضرب رجل أباه وسحبه إلى مكان ما فقال الذي رآه بعد ذلك: إلى هاهنا رأيت هذا المضروب قد ضرب أباه وسحبه إليه، فسبحان من هو قائم على كل نفس بما كسبت، وسبحان من هو بالمرصاد، وسبحان الحكم العدل الذي لا يجور، وسبحان من بيده موازين ومقاليد الأمور، يفعل ما يشاء ويحصي على العباد مثاقيل الذر، وكما تدين تدان

فجانب الظلم لا تسلك مسالكه                       عواقب الظلم تخشى وهي تنتظر

وكل نفس ستجزى بالذي عملت                     وليس للخلق من ديانهم وطر

ومن أشد أنواع الظلم تسلط الظلمة على رعيتهم كما تسلط فرعون على قومه وقال: مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (غافر29) واليوم كثيرون يظلمون ويتسلطون ويستبدون سيراً على سيرة سلفهم فرعون الطاغية : ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى سورة (غافر26)، وهكذا سفك للدماء، عدوان على الأحياء، بقر لبطون الحوامل، قلع لعيون الناس وأظفار الأطفال، هدم للبيوت، حصار للأعداء، تجويع، تسميم، إهانة، إذلال، استيلاء على الأموال، استعباد كامل، والله سبحانه وتعالى قال على لسان فرعون: سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (الأعراف127 ) لا يستطيعون أن يخرجوا عن حكمنا وقدرتنا، وهذا غاية الجبروت والعدوان والقسوة  ولذلك قال تعالى: إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا

يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ( القصص)

ومن الظلمة الذين مروا في التاريخ قارون الذي بغى على قومه لما آتاه الله من الكنوز ما تنوء بثقله العصبة أولي القوة، كما بغى عليهم بجبروت الخبرة كما

ظن والذكاء والعلم الذي عنده فماذا كانت النتيجة؟ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ ( القصص 81 ) .

وأبرهة صاحب الفيل الذي بنى كنيسة بصنعاء ليصرف الناس للحج إليها ويجعل العرب يأتونها بدلاً من الكعبة ماذا كانت عاقبته؟ صرف الله عنها الناس وهيأ من يوقد فيها حريقاً ويلطخها بالنجاسة، فأراد أن يأتي البيت ويهدمه حجراً حجراً، فماذا فعل الله به ؟ أرسل طيراً أبابيل جماعات جماعات تحمل الحجارة وترمي أبرهة وجنوده بها، حتى رجع صنعاء وهو مثل فرخ الطائر فمات هناك وقد هلك أكثر جيشه وانتهى

يقول ابن القيم

اذاكنت في نعمة فارعها فان الذنوب تزيل النعم وحطها بطاعة رب العباد فرب العباد سريع النقم

واياك والظلم مهما استطعت فظلم العباد شديدالوخم*** وسافر بقلبك بين الوري لتبصر اثار من قد ظلم

فتلك مساكنهم  بعدهم شهود عليهم ولاتتهم وماكان شيء*** عليهم اضر من الظلم وهو الذي قد قصم

فكم تركوا من جنان ومن قصورواخري عليهم اطم صلوا ***بالجحيم وفات النعيم وكان الذي نالهم كالحلم

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثمانون في

موضوع (القوي ) وهي بعنوان : دعوة المظلوم :

فإن دعوة المظلوم سهم لا يرد ولايخطيء، فيا بؤس الظالم المخذول ينام ملء عينيه والمظلوم يدعو عليه، يجأر إلى الله أن ينتقم منه، وأن يشتت شمله، ويعجل عقابه، وينزل به بأسه، ويحل عليه سخطه، ويأخذه أخذ عزيز مقتدر، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (ثلاثة لا ترد دعوتهم الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويفتح لها أبواب السماء ويقول الرب: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين)[رواه الترمذي3598](واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب)[رواه البخاري1496]لو كان المظلوم فاجراً فدعوته مستجابة ففجوره على نفسه، ودعوة المظلوم على الظالم تصعد إلى الله فما بالك بدعوة التقي الصالح أو العالم الرباني ومن بذل نفسه لله؟

وإذا فتحت أبواب السماء لهذه الدعوة أتى الفرج من رب الأرباب ومهلك الجبابرة وقاصم ظهور

 القياصرة: ( وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى *وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى * وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى) النجم50-52

كان يزيد بن حكيم يقول: ما هبت أحداً قط هيبتي رجلاً ظلمته وأنا أعلم أنه لا ناصر له إلا الله يقول لي: حسبي الله، الله بيني وبينك

يقول ابن القيم رحمه الله: فسبحان الله كم بكت في تنعم الظالم عين أرملة، واحترق كبد يتيم، وجرت دمعة مسكين، قال الله: كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُم مُّجْرِمُونَ (المرسلات46) وقال: وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ سورة ص 88 وقد يستهزئ  البعض من كثرة دعوات المظلوم علي الظالم واستبطاء الاجابة ولهؤلاء نقول

اتهزا بالدعاء وتزدريه وماتدري بماصنع الدعاء

سهام الليل لاتخطيء ولكن لها امد وللامد انقضاء

فدعوة المظلوم سلاحٌ على الظالمِ لا يُبقِي وإن طالَ الدهرُ، قال – صلى الله عليه وسلم – لمُعاذ بن جبلٍ – رضي الله عنه – حين بعثَه إلى اليمن: “.. واتَّقِ دعوةَ المظلومِ؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجابٌ”؛ متفق عليه وعن وهب بن منبه قال:بني جبار من الجبابرة قصرا وشيده فجاءت عجوز فقيرة فبنت الي جانبه كوخا تاوي اليه فركب الجبار يوما وطاف حول القصر فراي الكوخ فقال : لمن هذا ؟ فقيل لامراة فقيرة تاوي اليه فامر به فهدم فجاءت العجوزفراته مهدوما فقالت من هدمه فقيل : الملك راه فهدمه فرفعت العجوز راسها الي السماء وقالت : يارب اذالم اكن اناحاضرة فاين كنت انت ؟قال : فامر الله جبريل ان يقلب القصر علي من فيه فقلبه

وهذه اروي بنت اوس ادعت علي سعيد بن زيد انه اخذ شيئا من ارضها فذهبت تشكوه الي الخليفة عبد الملك بن مروان الذي استدعاه وساله هل اخذت شيئا من ارض هذه المراة فقال كيف اخذ من ارضها شيئاوقد سمعت رسول الله يقول في ذلك الامر كلاما عظيما ووعيدا شديدا قال وماذا يقول (صلي الله عليه وسلم ) قال يقول : من اخذ شبرا من الارض ظلما طوقه الله الي سبع اراضين يوم القيامة00 قال له : اذهب لا اسالك بينة بعد ذلك وعرف الخليفة انها كاذبة وقد دعا عليها سعيد بن زيد فقال : اللهم ان كانت كاذبة فاعم بصرها واقتلها في ارضها واستجاب الله لدعوة سعيد بن زيد فبعد مدة من الزمن عمي بصرها وبينما كانت تسير في ارضها اذ وقعت في حفرة فماتت فيها

وفي “السنن” بسندٍ حسنٍ أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “دعوةُ المظلومِ تُحمَلُ على الغَمام، وتُفتحُ لها أبوابُ السماوات، ويقول الربُّ – جل وعلا -: وعزَّتي! لأنصُرنَّكِ ولو بعد حينٍ”

وإن من سُوء عاقبةِ الظلمِ أن دعوةَ المظلومِ مُستجابةٌ حتى ولو من الفاجرِ أو الكافرِ؛ روى أحمد في “مسنده” بسندٍ حسنٍ أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال:

“لا تُردُّ دعوةُ المظلومِ ولو كان فاجِرًا ففُجورُه على نفسه”

وفي حديثٍ آخر عنده – رحمه الله – بسندٍ حسنٍ: “اتَّقوا دعوةَ المظلوم وإن كان كافرًا؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجابٌ”

 وصدقَ القائلُ حينما قال:

لا تظلِمنَّ إذا ما كنتَ مُقتدرًا ***فالظلمُ ترجِعُ عُقباهُ إلى النَّدَمِ

تنامُ عيناك والمظلومُ مُنتبِهٌ ****يدعُو عليكَ وعينُ الله لم تنَمِ

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والثمانون في

موضوع (القوي ) وهي بعنوان : دعوة المظلوم :

من أزجَرِ ما نُقِل في التاريخ: قصةٌ عن خالد بن عبدالله البَرمَكيِّ وولده في حوارٍ بينهما وهُما في السجنِ، فيقول له: يا أبَتَاه! بعد العِزِّ والمُلكِ صِرنا في القَيْدِ والحبس. فقال له: يا بُنيّ! دعوةُ مظلومٍ سَرَت بليلٍ غفَلنَا عنها والله لم يغفَل عنها

وذكرَ العلماءُ – رحمهم الله – أن مالكَ بن دينارٍ الزاهدَ العابِدَ حُمَّ أيامًا – أي: وجَدَ حرارةً في بدنه -، ثم وجدَ خِفَّةً فخرجَ لبعضِ حاجته، فمرَّ بعضُ أصحاب الشُّرط بين يديه قومٌ، قال: فأعجَلوني فاعترضتُ في الطريقِ، فلحِقَني إنسانٌ من أعوانه فقنَّعَني أسواطًا – أي: ضرَبَني أسواطًا – كانت أشدَّ عليَّ من تلك الحُمَّى. فقلتُ: قطَعَ اللهُ يدَكَ، فلما كان من الغدِ غدوتُ إلى الجسرِ في حاجةٍ لي فتلقَّاني ذلك الرجلُ مقطوعةً يدُهُ يحمِلُها في عُنقِهِ

وقد جاء عن النبي (ص) انه قال : من ضرب سوطا ظلما اقتص منه يوم القيامة قال الالباني في الصحيحة  اسناده حسن

فيا ايها الظالم ! تذكَّر انك موقوف غدا بين يدَي احكم الحاكمين – جل وعلا –والذي قال في محكم اياته ( وقفوهم انهم مسئولون )، واخشَ على نفسِكَ من دعوةِ صالحٍ تسري بليلٍ والناسُ نِيامٌ، فيستجيب لها رب العزة وينتقم منك عاجلا واجلا

ومن صور هذا الانتقام الاجل  في الدنيا، قبل الاخرة بسبب دعوة المظلوم ايضاما رواه الطبراني بسندٍ رِجالُهُ رجالُ الصحيح: أن رجلاً نالَ من عليٍّ – رضي الله عنه -، فنهاهُ سعدُ بن أبي وقَّاصٍ، فلم ينتَهِ عن ذلك، فقال سعدٌ: أدعُو الله – جل وعلا – عليك. فدعَا عليه، فما برِحَ حتى جاءَ بعيرٌ نادٌّ فخبَطَه حتى ماتَ

وأوردَ أبو نُعيمٍ في “الحلية”، وابنُ الجوزي في بعضِ كُتبه: أن سُليمان التيميَّ العابِدَ الحافظَ كان بينه وبين رجلٍ شيءٌ، فنازعَه فتناولَ الرجلُ سُليمان فغمَزَ بطنَه، فدعا عليه سُليمانُ فجفَّت يدُ الرجلِ

اسمَع هذه العِبرةَ فاتَّعِظ وازدَجِر؛ حكى ابنُ أبي الدنيا أن رجلاً من مُناوِيء عُثمان – رضي الله عنه –

آلَى على نفسه أن يلطِمَ وجهَ عُثمان الشريف. وفي القصَّة قال: فدخلتُ مع صاحبي وإذا رأسُ عثمان في حجر امرأته، فقال لها صاحبي: اكشِفي وجهَه. فقالت: لِمَ؟ قال: ألطُمُ حُرَّ وجهِهِ. قالت: أمَا تذكُرُ ما قال فيه رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -؟! قال فيه كذا وكذا – ثم عدَّدَت مزاياه العظيمة -، قال: فاستحيَى صاحبي بعد ذلك فرجعَ، فقلتُ لها أنا: اكشِفي عن وجههِ. قال: فذهَبَت – أي: امرأةُ عُثمان – تدعُو عليَّ، ومع ذلك قال: فلطَمتُ وجهَهُ. فقالت: ما لكَ يبَّسَ الله يدَكَ، وأعمَى بصرَك، ولا غفرَ لك ذنبَكَ. قال: فواللهِ ما خرجتُ من البابِ حتى يبَسَت يدِي، وعمِيَ بصري، وما أرى اللهَ أن يغفِرَ لي ذنبِي. ثم رُؤِيَ يطوفُ في الكعبة ويتألَّى على الله عقوبةً له، فيقول وهو أعمَى: اللهم اغفِر لي، وما أراكَ تفعلُ

ومن القصص التي فيها زجرٌ عن الظلمِ وعظة وعبرة من دعوة المظلوم : ما أخرجه البخاري عن جابر بن سمُرة قال: شكا أهلُ الكوفةِ سعدًا إلى عُمر حتى قالوا: إنه لا يُحسِنُ يُصلِّي. فقال سعدٌ: أما أنا فإني كنتُ أُصلِّي بهم صلاةَ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لا أخرِمُ عنها، أركُدُ في الأَوليَيْن (اي اطيل الصلاة قليلا في الركعتين الاوليين  ) وأحذِفُ ( اي اخفف) في الأُخرَيَيْن. قال عُمر: واللهِ ذاك الظنُّ بك يا أبا إسحاق

ثم بعثَ عُمر – وهو الخليفةُ العادلُ الذي لا تأخُذُه عاطفةٌ عن الحق والتتبُّع -، رجالاً يسألون عنه في مجالسِ الكوفة، فكانوا لا يأتون مجلِسًا إلا أثنَوا عليه خيرًا، وقالوا معروفًا، حتى أتَوا مسجدًا من مساجِدِهم فقال رجلٌ – يُقال له: أبو سَعدة -، فقال: اللهم إذ سألتُمُونا فإنه كان لا يعدِلُ في القضية، ولا يقسِمُ بالسَّوِيَّة، ولا يسيرُ بالسرِيَّة

وهكذا الظالمُ إذا تبِعَ هواه انطلَقَ لسانُهُ بما يهوَى، وانطلَقَت جوارِحُه بما تهوَى نفسُه الأمَّارة. فقال سعدٌ: اللهم إن كان كاذِبًا فأعمِ بصرَه، وأطِل فقرَه، وعرِّضْه للفتن. قال عبدُ الملك – راوي الحديث -: فأنا رأيتُه يتعرَّضُ للإماءِ في السِّكَكِ، فإذا قيل له: انتَهِ يا أبا سَعدة! قال: كبيرٌ فقيرٌ مفتونٌ أصابَتني دعوةُ سعدٍ

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والثمانون في

موضوع (القوي ) وهي بعنوان : دعوة المظلوم : يا مَن ينسَى دعوةَ المظلوم!

لتكُن مثلُ هذه الأمثِلَة زاجِرًا لك ورادِعًا لنفسك عن ظُلم الخلق في أنفسهم أو أموالهم أو أعراضهم

حُكِي أن رجلاً من قتَلَة الحُسين بن عليٍّ ( رضي الله عنه، وعن أبيه، وعن أمِّه، وعن آل البيت جميعًا ) رمَى الحُسين بسهمٍ. فقال الحُسين: يا هذا! إيتنِي بماءٍ أشربُه، فلما رماهُ هذا الرجلُ حالَ بينَه وبين الماءِ، فقال الحُسينُ: اللهم أظمِئْهُ

فرُؤِيَ هذا الرامي وهو عند موته في الاحتِضار وهو يصيحُ من الحرِّ في بطنِهِ، ويصيحُ من البردِ في ظهره، فبين يدَيْه المراوِحُ والثلجُ وخلفَه المُصطَلَى،

وهو يقول: أسْقُوني أهلَكَني العطشُ، فيُؤتَى بإناءٍ عظيمٍ فيه السَّوِيْقُ  وهو الماءُ واللبنُ، لو شرِبَه خمسةٌ لكفاهم -، فيشربَه جميعًا، ثم يعودُ فيقول: أسْقُوني أهلكَني العطشُ، ثم انقدَّ بطنُهُ كانقِداد البَعير

ونقلب  صفحات التاريخ لنذهب الي  الحجاج بن يوسف الثقفى الذي  قتل مائة وعشرين ألفا ومات و في سجونه خمسين ألف رجل، وثلاثين ألف امرأة، و كان يحبس النّساء والرجال في موضع واحد ، ولم يكن للحبس ستر يستر النّاس من الشمس في الصيف ولا من المطر والبرد في الشتاء  ومن أشهر ضحايا هذا الطاغية أكبر علماء الأرض حينذاك وهو “سعيد بن جبير” الذي دعا الله علي الحجاج عند قتله له فقال  : اللهم لاتسلط هذا المجرم على أحد من بعدى وتقبل الله منه هذا الدعاء

وقد ذكرت لنا كتب التاريخ أن الحجاج قد أصيب بمرض “الأكلة ” في بطنه وكان يهرش بطنه بيديه الاثنتين حتى يدمى إلى درجة أنهم كانوا يكوونه بالنار على بطنه لتخفيف تلك الأكلة التي أصيب بها ولم يكن يشعر بحرارة النار  ويقول الرواة أنه كان يبكي كالأطفال من شدة الألم وقد شكا حاله إلى العالم الكبير حسن البصري الذي قال له : كم قد نهيتك يا حجاج أن لاتتعرض لعباد الله الصالحين لكنك لم تنتهي وهذا جزاؤك  فقال الحجاج بصوت يملؤه الأسى والألم : إني لا أطلب منك أن تدعو الله حتى يشفيني ولكني أطلب منك أن تسأل الله أن يعجل قبض روحي ولا يطيل عذابي ويقال أن الحسن البصري بكى بكاء شديدا من شدة تأثره لحال الحجاج

وقد حكي ايضا  ان الحجاج حبس رجلا ظلما فكتب له رقعة قال له فيها :

قد مضي من بؤسنا ايام ومن نعيمك ايام والموعد القيامة والسجن جهنم والحاكم لايحتاج الي بينة ثم قال له : اما والله ان الظلم شؤم ومازال الظلوم هوالملوم

ستعلم ياظلوم اذا التقينا غدا عند المليك من من الظلوم

الي ديان يوم الدين نمضي وعند الله تجتمع الخصوم

وهذا شاعر كتب علي جدران قصر حاكم طاغية ظلم شعبه فخرجوا عليه وقتلوه وسملوا عينيه بالحديد المحمي بالنار واشعلوا النار في قصره بسبب بغيه وظلمه وطغيانه

احسنت ظنا بالايام اذحسنت ولم تخف يوما ياتي به القدر

وسالمتك الليالي فاغتررت بها وعند صفوالليالي يحدث الكدر

يحكى أن وزيراً ظلم امرأة بأخذ مزرعتها وبيتها، فشكته إلى الله فأوصاها مستهزئاً بالدعاء في ثلث الليل الآخر، فأخذت تدعو عليه شهراً، فابتلاه الله بحاكم فوقه قطع يده وعزله وأهانه، فمرت عليه وهو يجلد فشكرته على وصيته وقالت

إذا جار الوزير وكاتباه                وقاضي الأرض أجحف في القضاء

فويل ثم ويل ثم ويل                    لقاضي الأرض من قاضي السماء

يروى ان صيادا يصطاد السمك وويعول من ثمنه اطفاله وزوجته ،خرج يوما للصيد ،فوقع في شبكته سمكة كبيرة ففرح بها ثم اخذ ها ومضى الى السوق ليبيعها ويصرف ثمنها في مصالح عياله

فلقيه بعض الظلمة من اعوان السلطان فراى السمكة معه فاراد اخذها منه فمنعه الصياد فرفع الظالم خشبة كانت بيده فضرب بها راس الصياد ضربة موجعة واخذ السمكة منه غصبا بلا ثمن

ثم ان ذلك الغاصب الظالم  انطلق بالسمكة الى منزله وبينما هوسائر اليه عضت اصبعه عضة قوية لم يطق القرارمنها فذهب الي الطبيب وشكاله حاله فقال له هذه بدء الاكلة اقطع اصبعك ثم انتشر الالم الي الكف فاشار عليه الطبيب بقطع كفه فقطعه ثم سري الالم الي الساعدفقطعه  فما زال هكذا كلما قطع عضوا انتقل الالم الى العضو الآخر الذي يليه ،حتى خرج هائما على وجهه ،مستغيثا بربه ليكشف عنه مانزل به فلقيه رجل في الطريق فساله عن حاله فاخبره فقال له : لوانك رجعت الي الصيادواستحللته من ثمن السمكة ماحدث بك ماحدث ،فدخل المدينة ،وسال عن الصياد ،واتى اليه ووقع بين يديه يتمرغ على رجليه ،وطلب منه الإقالة مما جناه ،ودفع  شيئامن ماله ،وتاب من فعله ،فرضي عنه الصياد وعفا عنه فساله هل كنت  قد دعوت علي حينما اخذت منك السمكة قهرا عنك قال نعم قال فماذا قلت ؟ قال قلت اللهم ان كان هذا قدتقوي علي علي ضعفي علي مارزقتني ظلما فارني قدرتك

فيه قال له : هاانا يااخي قد اراك الله قدرته في واناتائب الي الله ولن اظلم احدا بعد اليوم

نهاية الظالمين أليمة

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالثالثة والثمانون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : دعوة المظلوم : يا مَن ينسَى دعوةَ المظلوم!

في صفحات التاريخ كثيرون هم هؤلاء الظلمة  المستبدين والحكام الجبارين الذين نالوا من قلب الامة وعقلها وهم العلماء والدعاة المخلصين واولياء الله الصالحين  حتي يطفئوا نور الحق وكان ان اخذهم الله اخذ عزيز مقتدر وجعلهم عبرة لمن يعتبر ومن هؤلاء الذين ذكرهم الاستاذعبد الحميد الشح في مقالته (دروس وعبر من محن بعض العلماء

أحمد بن أبي دؤاد فمن هو وكيف كانت عاقبة ظلمه

انه القاضي المعتزلي أحمد بن أبي دؤاد، الذي كان احدرؤؤس الفتنه في عهد الخليفة الواثق والذي كان يُفتي بجواز ضرْب العلماء وسجْنهم وقتْلهم، فإنه سُئل

بعد قتْل الواثق للإمام أحمد بن نصر الخزاعي، فقال: ضرَبني الله بالفالج – أي: الشلل – ، فيشاء الله – جل وعلا – بقُدرته وعظَمته أن يُصاب هذا

الرجل ( احمد بن ابي دؤاد)في آخر حياته بالفالج، فمكَث أربع سنوات قبل موته طريحًا في فراشه

لقد حبَسه الله وعذَّبه في جلده، كما تسبَّب هو في حبْس الإمام أحمد وتعذيبه، وزاد الله عليه همَّه وغمَّه، فعزله المتوكل من وظيفته، كما تسبَّب هو في فصْل عشرات ومئات الأشخاص من وظائفهم، بل أمَر المتوكل بمُصادرة جميع أمواله، ثم أُتِي بولده محمد، فصُودِرت أمواله ومات قبل أبيه بشهرٍ، ثم مات الأب بعده بهمِّه وغمِّه، وتلك – والله – سُنة الله في خلقه

نهاية الجلاَّدين

ومن الناس الذين جعَلهم الله – عز وجل – عِبرة لغيرهم في هذه المِحنة: الجلادون الذين كانوا يَضربون الإمام أحمد بالسياط،(في محنة خلق القران ) فكان منهم رجلان: أبو ذر، وأبو العروق

أما أبو ذر، فكان ممن يضرب الإمامَ بين يدي المعتصم، فأُصيب بالبَرص والمرض، وتقطَّع جسمه، وأهلَكه الله بسوء عمله، وأما أبو العروق، فكان هلاكه أسوأَ من صاحبه، فمكَث خمسة وأربعين يومًا يَنبِح كما يَنبِح الكلب، ابتلاه الله بمرضٍ، فصار يَنبح كالكلاب، سبحان الله، هل نفع الجلادين أن

يقول أحدهم: أنا عبدٌ مأمور؟ كلاَّ، إنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق

جزاء الوزير ابن الزيات

أما ابن الزيَّات(والذي كان وزيرا في عهد الخليفة المتوكل ) فقد قال له المتوكل: في قلبي شيء من قتْل أحمد بن نصر، فقال: يا أمير المؤمنين، أحرَقني الله بالنار، إن قتَله أمير المؤمنين الواثق إلا كافرًا، أمَّا هرثمة، فقال: قطَّعني الله إرْبًا إرْبًا، إن قتله إلا كافرًا

 هكذا قالوا، فكيف كانت نهاية كل واحد منهم؟

أما ابن الزيات الوزير، فقد ساءت الأحوال بينه وبين المتوكل، فأصدر أمرًا بالقبض عليه واعتقاله، فقُيِّد بالحديد وأُدخِل السجن، وصُودِرت أمواله وبساتينه، ثم أمَر الخليفة أن يُعذَّب، وأن يُمنع من الكلام والنوم، ثم وُضِع بعد ذلك في تَنُّورٍ من خشبٍ، فيه مسامير قائمة في أسفله، فأُقيم عليها، حتى مات وهو كذلك

مصير هرثمة

وأما هرثمة الذي قال: قطَّعني الله إرْبًا إرْبًا، فقد هرب من المتوكل، فمرَّ بقبيلة خزاعة – قبيلةِ الإمام أحمد بن نصر الخزاعي – فعرَفه رجل من الحي، فصرَخ بالناس: يا معشر خزاعة، هذا الذي قتَل ابن عمِّكم أحمد بن نصر، فاجتمع الناس عليه، وقطَّعوه إرْبًا إرْبًا، وجزاء سيِّئة بمثلها

والجزاء من جنس العمل، وماالله بغافل عما يعمل الظالمون ، كان أحد الظلمة أميراً على بلد ظلوماً متجبراً سفاكاً للدماء مصادراً للأموال خبيث العقيدة، عج الخلق فيه إلى الله، وكثر ابتهال أهل دمشق من هذا الذي سمي جيش ابن محمد بن صمصامة، يقول الذهبي في سير أعلام النبلاء: ابتلي بما لا مزيد عليه، ضربه الله بالجذام، حتى ألقى ما في بطنه، وكان يقول لأصحابه: اقتلوني ويلكم أريحوني من الحياة، فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ  ( الأعراف  103

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالرابعة والثمانون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان :  مصارع الظالمين حديثا :

وفي التاريخ المعاصر عبر في مصارع الظالمين: كيف كانت نهاية هتلر وموسيليني وذلك الطاغية الذي كان في بلاد الصرب وعاث فساداً في بلاد المسلمين، وغيره وغيره من الطغاة الذين ذهبوا أذلهم الله واخزاهم

ومن نهاية احد هؤلاء الظالمين  أن وضع مسدساً في فمه وأطلق رصاصة على نفسه فتهشم وجهه تماماً وماكان من حارسه الا ان وضع جثته في حفرة عميقة وصب الزيت عليها وأشعل فيها النار.

كمال اتاتورك الذي ألغى الخلافة العثمانية، وكان معادياً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ودينه، ومنع أعياد الفطر والحج والأذان واللغة العربية، وأصدر أمراً بتحويل مسجد أيا صوفيا إلى متحف، وكان سكيراً عربيداً ماجناً فاحشاً، ابتلاه الله بكائنات دقيقة لا ترى بالعين، أصيب بتليف في الكبد فذاق مر العذاب ثلاث سنوات حتى قبض جاحداً ظالماً ملحداً، هكذا في ظاهر الأمر، وغيرهم كثير ....

عقوبة الظالمين في الاخرة

وعن ابي امامة قال : يجيء الظالم يوم القيامة حتي اذاكان علي جسر جهنم لقيه المظلوم فعرفه وعرف ماظلمه به فما يبرح الذين ظلموابالذين ظلموا حتي ينزعوا مابايديهم من الحسنات فان لم يجدوالهم حسنات حملوا عليهم من سيئاتهم مثل ماظلموهم حتي يردوا الي الدرك الاسفل من النار ( اخرجه الطبراني في الاوسط من حديث ابي امامة مرفوعا

وعن عبدالله بن انيس قال : سمعت رسول الله(ص) يقول: يحشر الله العباد يوم القيامة حفاة عراة غرلا بهما فيناديهم مناد بصوت يسمعه من بعد كمايسمعه من قرب :اناالملك الديان لاينبغي لاحد من اهل الجنة ان يدخل الجنة اواحد من اهل النار ان يدخل النار وعنده مظلمة ان اقصه حتي اللطمة فما فوقها (ولايظلم ربك احدا ) قلنايارسول الله كيف وانما ناتي حفاة عراة فقال : بالحسنات والسيئات جزاءا وفاقا اخرجه احمد

و عن أبي هريرة(رض ). قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (صنفان من أهل النار لم أرهما. قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا  يجدن ريحها. وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) وهذا الحديث كاني به قد نزل في بعض رجال  الشرطة وأعوان الظلمة الذين يعذبون الناس بالسياط وغيرها، وقد أصبح هذا معروفاً ومنتشراً في كثير من بلاد المسلمين ويعني ان النبي قد راي هؤلاء الظلمة في العذاب الشديد في النار لقيامهم بتعذيب الناس (رواه مسلم )،

وقيل : مكتوب في التوراة : ينادي مناد من وراء الجسر (يعني الصراط )يامعشر الجبابرة الطغاة ويامعشر المترفين الاشقياء ان الله يحلف بعزته وجلاله ان لايجاوز هذا الجسر اليوم ظالم

قال مكحول الدمشقي :ينادي مناد يوم القيامة :اين الظلمة واعوانهم ؟فمايبقي احد مدلهم حبرا اوحبر لهم دواة اوبري لهم قلما الاحضرمعم فيجمعون في تابوت من نار فيلقون في جهنم0

وماذا عن اخبار الامم المكذبة الظالمة

وإذا كان الظلم على مستوى الأفراد والعقوبة النازلة عليهم يشهدها بعض الناس كما نسمع فإن العقوبة تنزل أيضاً على الأمم المكذبة الظالمة، وسنة الله جارية في عموم الظلمة.

بل و كثيرة، قال تعالى: وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَسورة الأنبياء11، وقال: وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًاسورة الكهف59، وقال: وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُسورة الحـج48، وقد عاقب الله أمما بأنواع من العقوبات: فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ سورة العنكبوت40، عاقب الله أقواماً بالصاعقة بصوت شديد من الجو ونار تنزل عليهم من السماء: وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَسورة البقرة55، قوم شعيب ظلة مثل الغيم فوقهم سحب تقصفهم بالصواعق، عذاب يوم الظلة، عاقب الله بعض الأمم بالرجزوهو العذاب و بالطاعون: فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ سورة البقرة59، عاقب قوماً بالرجس والسخط قال: قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ سورة الأعراف71، عاقب قوماً بالمسخ وتشويه الخلقة، لما جاهر بعض بني إسرائيل بالمعاصي: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ تحايلوا على شرع الله، فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِين َسورة البقرة65، عذب قوماً بريح صرصر باردة شديدة الهبوب، عاد استكبروا وطغوا: وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةًسورة فصلت15، فأرسل عليهم إعصاراً: وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ *سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا يعني: متتابعاتفَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍسورة الحاقة 6-7، أرسل على أهل سبأ سيل العرم مزق ملكهم وأزال نعمتهم وأغرقهم بماء سدهم وجعلهم عبرة: فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ سورة سبأ16، وقال: فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ سورة سبأ19سيرة بين الناس، قوم شعيب لما ظلموا بأنواع من الظلم عاقبهم الله بأنواع من العذاب: عذاب يوم الظلة، سحابة أظلتهم فاجتمعوا تحتها فأحرقتهم في يوم شديد الهول، وبالصيحة فقال: وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُسورة هود94، وبالرجفة والزلزلة قال: فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ سورة الأعراف78الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَانُواْ هُمُ الْخَاسِرِينَ سورة الأعراف92، وقال سبحانه بعدما ذكر عاقبة الظالمين ومصارعهم: فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ سورة الأنعام45

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالخامسة والثمانون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : درجات الظلم واعوانه :

الظلم درجات والظالم له أعوان، وجنود، و أتباع، والله عز وجل يخذل الجميع، هؤلاء يعينون هؤلاء: {إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ }سورة القصص8، يعينونهم على باطلهم، ويوم القيامة سيلعن بعضهم بعضاً: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ *قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ}سورة غافر47-48.

جاء السجان  إلى الإمام أحمد رحمه الله في حبسه فقال له: يا أبا عبد الله! الحديث الذي روي في الظلمة وأعوانهم صحيح؟ قال: نعم، قال السجان: فأنا من أعوان الظلمة؟ قال له: أعوان الظلمة من يأخذ شعرك ويغسل ثوبك ويصلح طعامك، ويبيع ويشتري منك، فأما أنت فمن  الظلمة أنفسهم،.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: قال غير واحد من السلف: أعوان الظلمة من أعانهم ولو أنه حبر لهم دواة أو برى لهم قلماً، ومنهم من كان يقول: بل من يغسل ثيابهم من أعوانهم، وأعوانهم هم من أزواجهم المذكورين في الآية، فإن المعين على البر والتقوى من أهل ذلك والمعين على الإثم والعدوان من أهل ذلك.

وإذا كانت الشريعة حرمت الركون إلى الظالم ومداهنتة والميل اليه فكيف إثم من يعينه؟ قال ميمون بن مهران رحمه الله: الظالم والمعين على الظلم والمحب له سواء.

الحكمة من عدم معاجلة الظالم بالعقوبة

قد نرى بعض الظالمين يتمادون في ظلمهم  عشرات السنين جاثمين على صدور العباد لكن الله لا يهمل، الله حليم لا يعاجل بالعقوبة، قال: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى، فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ سورة النحل61، الله يحلم ويستر ويُنظر لكن لا يترك ولا ينسى سبحانه وتعالى: وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًاسورة الكهف59بعض الناس يقولون: دول الآن تظلم وتطغى وتقصف وتحتل وتنهب وتسلب وتفسد لكن لهم يوم، هلاك الظالمين مؤكد لكن وقت حلوله، مجهول لنا قدلاتراه انت ايها العجول ولاتدركه بسبب عمرك القصير ولكن قد يراه احفادك وتسجله عين التاريخ الباصرة الساهرة .

، وقد يكون في عدم تعجيل العقوبة حكمة يعلمها الله مثل أن يستدرجه ليأخذه على أقبح حال اولياخذه علي حين غرة قال تعالي : إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا ولهم عذاب مهين سورة آل عمران178، قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ثم قرأ: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌسورة هود102))[رواه البخاري4686 ومسلم2583 سورة هود102يعني: هذه عادة لله قانون سنة جارية، الله قد يمهل بعض الناس ليتوبوا، وفعلاً قد يتوب ظالم ويرجع إلى ربه، وأحياناً يتأخر إهلاك الظالم لأن المظلوم كان ظالماً لغيره،

قال ابن القيم رحمه الله: وأنت أيها المظلوم تذكر من أين أتيت فإنك لا تلقى كدراً إلا من طريق جناية:

 إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِم ْسورة الرعد11، وقال: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا

كَسَبَتْ أَيْدِيكُم ْسورة الشورى30.

هذا إنسان كان يخلط اللبن بالماء، فجاء سيل فذهب بغنمه فجعل يبكي، فهتف به هاتف: اجتمعت تلك القطرات فصارت سيلاً، ولسان الجزاء يناديه: يداك أوقدتا وفوك نفخ، أنت الذي أوقدت على نفسك.

تأجيل الظالم يكون أحياناً ليستحكم العذاب عليه يوم القيامة، يعني: قد يموت في أوج قوته فيكون موته هو الأخذ والعذاب ينتظر أمامه: وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءسورة إبراهيم42-43، وهذا وعيد شديد للظالمين وتسلية للمظلومين، سيكون هناك يوم يأتي فيه هؤلاء الظلمة لا ينبسون ببنت شفه.

قال عليه الصلاة والسلام: (لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء) [رواه مسلم2582]، فإذا كان هذا حال العجماوات البهائم فيما بينها وهي غير مكلفة ولا عاقلة فكيف حال العقلاء؟!

أيحسب الظالم في ظلمه                       أهمله القادر أم أمهلا

ما أهملوا بل لهم موعد                       لن يجدوا من دونه موئلا

فلا يغر الظالم إمهال الله له، الملك بيد الله يؤتي من يشاء وينزع ممن يشاء، نقمة الله تأتي بسرعة مذهلة، تأتي بغتة.

يا من لذلة قوم بعد عزتهم                  أحال حالهم كفر وطغيان

بالأمس كانوا ملوكاً في مساكنهم           واليوم هم في بلاد الكفر عبدان

فلو تراهم حيارى لا دليل لهم              عليهم من ثياب الذل ألوان

[ الأنترنت – موقع - المصدر: جريدة الشعب الجديد  - قصص وعبر في عجائب مصارع الظالمين قديما وحديثا دليل على قدرة وقوة الجبار - د. عوض الله عبده شراقة ]

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والثمانون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : * اعجاز الله في خلق الانسان يدل على قوته :

   يقول علماء وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) إنهم التقطوا صوراً لأشجار على سطح المريخ! وتُظهر الصور صفوفاً من الأشجار الصنوبرية الغامقة بين الكثبان والتلال الموجودة على سطح الكوكب. وتبين الصور كثبانا رملية مغطاة بطبقة رقيقة من ثاني أكسيد الكربون المجمد، وهذه الأشجار هي في الواقع آثار حطام سببته انهيارات أرضية كما يحدث عند ذوبان الجليد على سطح المريخ في الربيع. إن التشابه بين صورة الكثبان الرملية على الأرض وصورة الكثبان على المريخ هو أحد الشواهد على أن الخالق واحد عز وجل! وهو القائل: (قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) [الرعد: 16].

إن مثل هذه الصورة تُظهر مدى ضعف المعلومات التي توصل إليها الإنسان حتى الآن، فمع أن كوكب المريخ هو الأقرب إلى الأرض إلا أن العلماء لا زالوا عاجزين عن فهم حقيقة هذا الكوكب وماذا يوجد على سطحه. ولكن هل تكون مثل هذه الصور دليلاً على قدرة الخالق عز وجل ووسيلة للإيمان به؟ يقول تعالى: (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ) [يونس: 101].

صورة رائعة للقمر : يقول تعالى: (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ

الْمُوقِنِينَ) [الأنعام: 75]. هذه الآية تؤكد على أهمية أ، يتعمق المؤمن في أسرار الكون ليزداد يقيناً

بالله عز وجل!

اعجاز الله سبحانه:

وهذا هو القمر الذي سخره الله لنا. يقول العلماء إنه موجود في المكان الصحيح وعلى المسافة الصحيحة من الأرض والشمس، ولو كان أبعد بقليل لظهر كنجم خافت، ولو اقترب من الأرض لأخاف من عليها بسبب حجمه الكبير! بل لو اقترب القمر قليلاً من الأرض سوف تحدث أمواج مدّ عاتية تغرق اليابسة بسبب جاذبية القمر...

كل هذا بفضل من الله ورحمة فهو القائل: (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم: 33].

فالقمر هو مخلوق مسخر بأمر الله، لا تظن عزيزي القارئ أنه يدور بفعل الجاذبية وقوانين الفيزياء... بل هذه القوانين مسخرة بأمر الله، وهو يتحكم بها، ولولا أن الله يمسك هذا القمر لزال من الوجود... وتبارك الله القائل: (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) [فاطر: 41].

رياح قوية ترفع الناس : الريح قادرة على اقتلاع أي شيء من على وجه الأرض وحمله، وفيما يلي لقطة لطيفة لإنسان محمول بالهواء

اعجاز الله سبحانه

هذه صورة لإنسان ترفعه رياح قوية على شواطئ بريطانيا هبَّت بسرعة تصل إلى 160 كيلو متر في الساعة، والحقيقة إن الريح القوية التي تبلغ 300 كيلو متر في الساعة قادرة على اقتلاع المنازل والبشر والشجر... وهنا نتذكر قول الله تعالى في عذاب قوم عاد عندما أرسل الله عليهم عاصفة قوية. يقول تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ * تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) [القمر: 19-20]. إنه تصوير دقيق لهذه الريح القادرة على نزع الناس وحملهم في الهواء وهو ما

نشاهده في الصورة... فسبحان الله!

سقوط النيازك في المناطق غير المأهولة يثير دهشة العلماء : النيازك تحيط بالأرض من كل جانب وتضرب سماء الأرض وتخترقها ولكنها تسقط في الأماكن غير المأهولة... لماذا؟

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالسابعة والثمانون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : اعجاز الله سبحانه :

هذه صورة لنيزك يخترق سماء بلجيكا وهولندا بتاريخ 15 / 10 / 2009 مثل هذه الكرة النارية تتساقط باستمرار على مناطق مختلفة من الأرض، ويقول العلماء إنها غالباً ما تسقط فوق مناطق غير مأهولة. حيث تسقط كل فترة كرة نارية ملتهبة بالقرب من المناطق المأهولة ولكنها غالباً لا تؤذي أحداً.

وسبحان الله طرحت هذا السؤال: لماذا تختار هذه الحجارة الحارقة أماكن غير سكنية؟ ومن الذي يتحكم بحركتها ومن الذي يحدد مكان سقوطها؟ طبعاً هناك قوانين فيزيائية تحكم كل هذا، ولكن هذه القوانين هي بيد الله تعالى، وهو الذي يحدد مسارها.

لنتأمل هذه الآية الكريمة: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) [الأنعام: 59]. ولو شاء لأسقط هذه الحجارة على البشر ولكنها رحمة الله بعباده فهو القائل: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) [الأنعام: 65].

إن هذه النتيجة تدل على أن العملية لا تحدث بالمصادفة ولو كان الأمر كذلك لما استطاعت هذه النيازك التمييز بين المناطق المأهولة أو غير المأهولة، ولكن اللهتعالى الذي خلق هذه الحجارة وقدر لها أن تسبح في الفضاء وقدر لها أن تدخل الغلاف الجوي، هو الذي سخر لنا سماء لتحفظنا من شر هذه النيازك! والحقيقة هذه الظاهرة والتي تثير عجب العلماء لا تثير العجب لدينا نحن المسلمين لأننا نعلم أنالله تعالى هو الذي سخر كل شيء لخدمتنا، وليست المصادفة المزعومة.

ومن هنا يمكن أن نقرأ هذه الآية قراءة جديدة عسى أن ندرك نعمة الله ونشكره عليها، فهو القائل: (وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آَيَاتِهَا مُعْرِضُونَ) [الأنبياء: 32].

الكلب يلهث : إشارات علمية رائعة تضمنها كتاب الله تعالى، ومنها هذا التشبيه لمن انسلخ من آيات الله تعالى وابتعد عن كتابه....

لقد أنعم الله علينا بنعمة الجلد، حيث يحوي جلدنا فتحات خاصة للتعرق وتنظيم حرارة الجسد والحماية من الجراثيم، ولكن الله حرم الكلب من هذه النعمة فلا يوجد على جلده إلا القليل من الفتحات ولذلك فإنه يلهث باستمرار لتنظيم حرارة جسده.

اعجاز الله سبحانه

صورة لجنين كلب عمره 36 يوماً، وبعد مراقبة العلماء لجنين الكلب وجدوا أنه يلهث وهو في بطن أمه وبعد أيام قليلة فقط من تكوّنه!!

هذه المعلومة لم يكن أحد يعلمها زمن النبي الكريم، ولكن القرآن ذكرها لنا في مثال رائع يؤكد فيه أن الذي ينسلخ عن آيات الله ويبتعد عنها مثل الذي ينسلخ من جلده فيصبح كالكلب لابد أن يلهث ليعوض جلده المسلوخ!!

يقول تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا) [الأعراف: 175]، ثم قال: (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث) [الأعراف: 176]، فسبحان الله!

البرق خلف الجبل : لنتأمل هذه الصورة الرائعة التي أبدعها الخالق سبحانه وتعالى... إنها لوحة فنية مليئة بالإعجاز

اعجاز الله سبحانه

صورة للبرق خلف الجبل... إن هذه الظواهر الكونية تشهد على عظمة الخالق تبارك وتعالى. وهنا أتذكر آية عظيمة يقول فيها الله تعالى: (يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة: 20]. تأملوا معي كلمة (يَخْطَفُ) ... لماذا لم يقل "يكاد البرق يعمي أبصارهم" ماذا يشير فعل الخطف؟

إن هذه الكلمة (يَخْطَفُ) تستعمل في اللغة العربية للتعبير عن سرعة الأشياء "سرعة خاطفة" وهي من أقوى الكلمات للتعبير عن السرعة الهائلة وغير المدركة بالعين، وبالفعل اكتشف العلماء أن سرعة شعاع البرق أكثر من 150 ألف كيلو متر في الثانية!! تصوروا أن هذه السرعة تعني أن هذا الشعاع لو قدّر له أن يطوف حول الكرة الأرضية لقطعها خلال ربع ثانية فقط!! ولذلك قال تعالى (يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ)... لا نملك إلا أن نقول سبحان الله! فهذه الدقة اللغوية العجيبة تشهد على أن هذا القرآن

من تنزيل العزيز الحكيم وليس بقول بشر كما يدعي الملحدون!

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والثمانون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : الحائط العظيم : اعجاز الله سبحانه

الحائط العظيم: عبارة عن حائط ضخم جداً من المجرات والغبار الكوني والنجوم والثقوب السوداء والدخان.. وجميع هذه المخلوقات تتوضع بنظام مذهل ودقة بالغة. طول هذا الجدار أكثر من 200 مليون سنة ضوئية، ويبعد عنا أكثر من 500 مليون سنة ضوئية. ولكنه ليس الجدار الوحيد في الكون، إنما هنالك الكثير من الجدران الكونية، أكبرها يبلغ طوله ألف مليون سنة ضوئية!!!! ويقول العلماء إن هذه الجدران هي أجزاء من مباني ضخمة جداً، وأن هنالك بنى هائلة في الكون.

ما رأيك عزيزي القارئ أن القرآن قد تحدث بدقة عن هذه البنى الكونية العظيمة وسمَّاها البروج يقول تعالى: (تبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً)، فهل سيكتشف العلماء مستقبلاً أشكال هذه البروج بالكامل؟

أول صورة للطبقة الثانية من طبقات الأرض : اعجاز الله سبحانه

هذه صورة عرضها موقع ناشيونال جيوغرافيك للطبقة الثانية للأرض، وهذه أول صورة مباشرة تم الحصول عليها بعد قيام العلماء بثقب في جزيرة هاواي (وهي جزيرة بركانية تشكلت بفعل انطلاق الحمم المنصهرة وتجمدها)، وشاهد العلماء هذه الطبقة الملتهبة في حالتها الطبيعية بعد إجراء الحفر في أرض الجزيرة البركانية على عمق 2.5 كيلو متر. ويؤكد الباحثون المختصون بعلم البراكين أن هذه فرصة لدراسة طبقات الأرض عن قرب.

إن هذه الصورة تذكرني بآية عظيمة ونعمة من نعم الخالق تبارك وتعالى! فماذا سيحدث لو أن القشرة

الأرضية (الطبقة الأولى) والتي تعوم فوق الطبقة

الثانية الملتهبة، لو أن هذه القشرة الرقيقة غاصت قليلاً في الحمم الملتهبة، ماذا سيحدث؟ إن سطح الأرض سيهتز وينقلب ويغرق في بحر من اللهب! وهذه النعمة تجعلنا نحمد الله تعالى، يقول عز وجل: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ) [الملك: 16]. ومعنى (تَمُورُ) أي تضطرب وتميل وتغرق.

منطقة التقاء النهرين : اعجاز الله سبحانه :

صورة حقيقية لمنطقة يلتقي بها نهر Rio Negro ونهر Solimões في البرازيل، ويلتقيان لمسافة تمتد لأكثر من خمسة كيلو مترات ولا تختلط مياههما! لهما كثافة ودرجة حرارة مختلفة. النهر الأول على اليمين يحوي ترسبات من تربة الجبال ولذلك يظهر باللون البني، أما النهر الثاني على اليسار فهو قاتم بسبب النباتات المتحللة القادمة من الغابة.

إن هذه الظاهرة لها تفسير علمي اليوم، وهو مجموعة القوانين الفيزيائية التي تحكم حركة السوائل، مثل اختلاف الكثافة والملوحة ودرجات الحرارة. هذه القوانين تضمن عدم طغيان أحد النهرين على الآخر، على الرغم من التقائهما بشكل مباشر. فسبحانالله الذي وصف لنا التقاء الأنهار والبحار قبل 14 قرناً فقال: (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا) [الفرقان: 53].

وبالطبع هذه الآية تتحدث عن التقاء البحر المالح بالنهر العذب، وتشكل منطقة البرزخ بينهما، ولكن ما نراه في الصورة حالة شبيهة بالتي وصفها القرآن، حيث تلتقي المياه العكرة مع المياه الصافية، ولكل منهما درجة ملوحة تختلف عن الآخر، ولا يختلطان إلا بحدود ضيقة جداً.

وزينا السماء الدنيا بمصابيح : اعجاز الله سبحانه

صورة توضح النجوم التي تعتبر مصابيح خافتة وجميلة في السماء وتسمى brown dwarfs وتبلغ

شدة إضاءتها جزء من المليون من إضاءة الشمس،

لذلك يسميها العلماء مصابيح light bulbs ويقول علماء وكالة ناسا إن هذه المصابيح الكونية هي الأقل إضاءة في الكون.

عندما كنتُ أتابع هذا الخبر العلمي لاكتشاف العلماء هذه الأجسام الجميلة في الكون، استوقفني التعبير الذي يستخدمونه light bulbs أي مصابيح، وأدركت أن هؤلاء العلماء أطلقوا هذا التعبير لأنهم وجدوا في آلية عمل هذه الأجسام (وغيرها من النجوم) تشابهاً كبيراً مع آلية عمل المصباح. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن القرآن سبق علماء ناسا إلى إطلاق هذا التعبير، يقول تعالى: (وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [فصلت: 12] فسبحان الله!

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقةالتاسعة والثمانون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : البرق والبركان :

ربما تكون ظاهرة البرق من أكثر الظواهر إثارة في الطبيعة فهي ظاهرة مخيفة وجميلة، ولكن يزداد الأمر إثارة عندما تمتزج مع ظاهرة أخرى هي تدفق الحمم المنصهرة من البراكين! فحرارة الحمم المقذوفة تبلغ آلاف الدرجات المئوية، وحرارة شعاع البرق تبلغ ثلاثين ألف درجة مئوية، فتأملوا معي هذا المشهد الشديد الحرارة.

اعجاز الله سبحانه

ويظهر في الصورة بركان Chaiten في تشيلي، وكيف تنطلق منه المواد المنصهرة والتي تخرج من باطن الأرض، وتنطلق الغازات الحارة والدخان والنار، والعجيب أن هذا البركان يسرع عملية حدوث البرق، عندما تهبط شحنة كهربائية من الغيمة باتجاه البركان وتتفاعل مع الشحنة التي يحملها البركان، لتنطلق شرارة البرق المحرقة، ولكن تصوروا معي أن نار جهنم أشد حراً، يقول تعالى: (قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ) [التوبة: 81]. إن هذا المشهد يدعونا للتأمل والتفكر في عظمة الخالق وقدرته عز وجل، نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين قال فيهم: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران: 191].

وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً :

هذه صورة التقطها أحد الفلكيين الهواة تظهر القمر في أقرب مسافة وأبعد مسافة عن الأرض. الصورة اليمنى نرى فيها القمر وهو في أقرب نقطة من الأرض على مسافة 357.448 كيلو متر، والصورة على اليسار يظهر فيها القمر وهو في أبعد نقطة عن الأرض على مسافة 405.363 كيلو متر.

اعجاز الله سبحانه

إن إنارة القمر وحجمه واضح الاختلاف بالنسبة لنا، مع أن حجم القمر لا يتغير ولكننا نراه أكبر وأكثر إضاءة عندما يكون قريباً من الأرض. فالمدار الذي يسلكه القمر ليس دائرياً بل بشكل بيضوي، وبالتالي في كل يوم هناك مسافة وإنارة تختلف عن اليوم التالي أي في كل يوم له منزلة (مكان) يختلف عن اليوم الذي يليه، وربما ندرك معنى قوله تعالى: (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) [يس: 39]. ويؤكد العلماء أن قمرنا هو الأكثر إنارة بين جميع أقمار المجموعة الشمسية، والسبب في ذلك هو حجمه الكبير وقربه من الأرض ووجود الزجاج في ترابه، وقربه من الشمس أيضاً، على عكس أقمار المشتري التي تعتبر بعيدة جداً عن كوكبها وبعيدة عن الشمس فهي لا تتميز بصفة الإنارة. وربما ندرك لماذا أطلق القرآن هذه الصفة (مُنِيرًا) على القمر، يقول تبارك وتعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا) [الفرقان: اعجاز الله سبحانه]. فهو القمر

 الوحيد الذي تناسبه هذه الكلمة، وهذه معجزة قرآنية،فمن الذي أخبر النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم بذلك؟

إن الذي يتأمل الأبحاث الصادرة عن القمر يلاحظ أن الله تعالى أودع فيه قوانين فيزيائية دقيقة، فهو يتحرك بنظام، ويبتعد بنظام ويقترب بنظام، ويعكس أشعة الشمس بنظام محسوب. كذلك علاقته مع الشمس ودورانه حول الأرض كل ذلك بنظام رياضي يمكن حسابه بالأرقام، وهنا ندرك لماذا أطلق القرآن كلمة (حُسْبَانًا) على الشمس والقمر، يقول تعالى: (فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [الأنعام" 96].

أول صورة لكوكب خارج المجموعة الشمسية

قالت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا إن التلسكوب الفضائي هابل التقط أول صورة في وضح الضوء لكوكب يدور حول نجم في نظام شمسي آخر. ويقدر حجم الكوكب "فومالهوت بي" بثلاثة أضعاف حجم كوكب المشترى أكبر الكواكب السيارة في النظام الشمسي. وتم التقاط الصورة بينما يدور الكوكب في

مدار نجم فومالهوت، والذي يبعد 25 سنة ضوئية من الأرض.

اعجاز الله سبحانه

ويمثل التقاط مثل هذه الصور نوعا من التحدي حيث أن وهج النجم يجعل من المستحيل تقريبا رؤية الكواكب المدارية في ضوء مرئي. وهذا من شأنه إجبار الفلكيين أن ينظروا للكواكب بشكل غير مباشر بقياس تأثير الجاذبية على النجم الذي تدور في فلكه الكواكب. وحسب الصورة التي بثتها وكالة ناسا يبدو الكوكب نقطة صغيرة جداً في وسط حلقة غبار حمراء ضخمة لحطام كوكب كبير. وتشبه أقراص الحطام الكبيرة لحزام كوبر والذي هو عبارة عن دوائر حول النظام الشمسي ويحوي أجساما مجمدة كبيرة الحجم من حبات الغبار وأحيانا مواد في حجم الكويكبات الصغيرة على غرار بلوتو في النظام الشمسي الخاص بالأرض.

والسؤال: هل من الممكن أن توجد كواكب أخرى في الكون؟ وهل من الممكن وجود حضارات

أخرى وكائنات حية تعيش عليها؟ هذا ما يبحث عنه العلماء، ولكن القرآن أشار إلى ذلك، هناك آيات كثيرة تؤكد وجود كواكب أخرى وكائنات أخرى في الكون، ومن هذه الآيات قوله تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ) [الشورى: 29]. فهذه الآية تشير إلى وجود كائنات حية منتشرة في الكون، وليس في الأرض فحسب، لأن الله تعالى قال: (وَمَا بَثَّ فِيهِمَا) أي في السموات والأرض. فسبحان الله!

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التسعون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : لحماً طرياً : اعجاز الله سبحانه

يؤكد العلماء أن بروتين السمك ذو قيمة غذائية عالية، سهل الهضم ولا يخلف بعد امتصاصه إلا القليل

من الفضلات والأبيض منه أسهل هضماً من اللحم ولذا فهو يعتبر غذاء مفيداً للمرضى المصابين باضطرابات في جهازهم الهضمي، كما يحتوي على جميع البروتيدات الكبريتية الرئيسية. ويتميز الدهن الموجود في السمك بغناه بالحموض الدسمة غير المشبعة، وهي حموض مفيدة وغير ضارة وتتصف بقدرتها على خفض مستوى الدهون في الدم مما يجعلها مفيدة في الوقاية من تصلب الشرايين وخاصة من أمراض الشرايين الإكليلية القلبية. ودهن السمك أسهل هضماً من دهن اللحم. قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل: 14]، يتبين لنا من الآية السابقة أن الله تعالى ذكر لنا أنه سخر لنا البحر لنأكل منه لحماً طرياً، وبالفعل يعتبر السمك من أطرى أنواع اللحوم، ويتميز بقيمة غذائية عالية، فسبحان الذي سخر لنا هذه النعم لنشكره عليها.

الظلمات الثلاث :  اعجاز الله سبحانه

يقول البروفسور كيث مور أحد أشهر علماء الأجنة في العالم: ينتقل الجنين من مرحلة تطور إلى أخرى داخل ثلاثة أغطية التي كانت قد ذكرت في القرآن

الكريم في قوله تعالى (فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ): هذه الظلمات هي مرادفة للمعاني التالية:

جدار البطن : جدار الرحم : المشيمة بغشائها الكوريونو -أمونيونية

وقد ثبت علمياً أن تطور الجنين يمر عملية في بطن الأم عبر ظلمات ثلاث هي: الظلمة الأولى: ظلمة جدار البطن، الظلمة الثانية: ظلمة جدار الرحم، الظلمة الثالثة: ظلمة المشيمة بأغشيتها، قال الله تعالى: (يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) [الزمر: 6].ووجه الإعجاز في الآية القرآنية الكريمة هو إشارة القرآن الكريم إلى أن عملية تخلّق الجنين تتم في بطون الأمهات عبر ظلمات ثلاث وهذه العمليات الخفية لم يكن لأحد علم بها زمن نزول القرآن بما يشهد على إعجاز هذا الكتاب العظيم.

الكذب عند الطيور :

قام العلماء بالعديد من التجارب ودهشوا عندما علموا أن الطيور تكذب مثل البشر تماماً!! فعالم الطيور عالم مليء بالأسرار ولم يتمكن العلماء من معرفة هذه الأسرار باستثناء القليل منها، ومسألة الكذب في عالم الطيور معروفة لدى العلماء منذ سنوات قليلة فقط! والطيور تكذب من أجل الحصول على طعامها وقد تكذب وتغش الأنثى لتجذبها إليها!

اعجاز الله سبحانه

ولكن القرآن كتاب العجائب حدثنا عن هذه القضية في إشارة رائعة وذلك في سياق الحديث عن الهدهد في قصة سيدنا سليمان مع بلقيس. فقد أعطى الله القدرة لسيدنا سليمان فكان يفهم لغة الطيور ويخاطبهم، وعندما تأخر طائر الهدهد وجاء فأخبر الملك سليمان أنه وجد قوماً يسجدون للشمس من دون الله، قال له سليمان: (قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) [النمل: 27]. هذه الآية تدل على أن الطيور تصدق وتكذب، وهذا ما كشفه العلماء حديثاً جداً! وهنا يتساءل المرء: كيف علم سيدنا سليمان أن الطيور تكذب؟ ثم من الذي أخبر الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم بهذه القصة؟ إنه الله تعالى الذي خلق الطيور وهو أعلم بها.

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والتسعون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : سرعة الذبابة :

قال باحثون في الولايات المتحدة الأمريكية إنهم توصلوا لمعرفة السر الذي يجعل من الصعب ضرب الذباب. ويعتقد الباحثون أن مقدرة الذبابة على تفادي الضربات تعود لدماغها سريع التصرف والمقدرة على التخطيط مسبقاً. وأظهر تسجيل فيديو عالي السرعة أن الذبابة تتعرف على المصدر الذي يأتي منه الخطر وتعد لمسار الهروب.

اعجاز الله سبحانه

وصور الباحثون في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا مجموعة من محاولات إصابة الذباب، حيث اكتشفوا أن الذبابة تضع نفسها في موضع "ما قبل الطيران" بسرعة كبيرة خلال جزء من عشرة أجزاء من الثانية من تعرفها على الشخص الذي يستهدفها. فسبحان الذي أعطى للذبابة هذه القدرات الفائقة بل وضربها مثلاً لنا فقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) [الحج: 73]

أمواج تحت المحيط : اعجاز الله سبحانه

آية عظيمة كلما تذكرتها أتذكر عظمة الخالق سبحانه وتعالى يقول فيها: (أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ) [النور: 40]. يشبّه الله أعمال الكفار برجل يعيش في أعماق المحيط حيث تتغشاه الأمواج العميقة من فوقه ثم هناك طبقة ثانية من الأمواج على سطح الماء وفوق هذا الموج سحاب كثيف يحجب ضوء الشمس، فهو يعيش في ظلمات بعضها فوق بعض. في هذه الآية العظيمة حقيقة علمية لم تنكشف يقيناً للعلماء إلا في نهاية عام 2007 وذلك من خلال اكتشافهم لأمواج عميقة في المحيط لأول مرة تختلف عن الأمواج السطحية على سطح الماء، أي أن هناك موج عميق وموج سطحي، وهو ما عبرت عنه الآية بقوله: (مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ). وقد تفاجأ العلماء بهذه الأمواج التي أكدوا أنهم لم يكونوا يتوقعون وجودها، وسبحان الله! لو أنهم اطلعوا على قرآننا لعلموا بها ولأدركوا أن هذا القرآن هو الحق!

نبات يبكي! :  اعجاز الله سبحانه

هذه ورقة من أحد النباتات التي زودها الله بجهاز خاص للبكاء!! فهي تفرز مادة دمعية عبر قنوات خاصة، ويعجب العلماء من تصرف هذا النبات، لماذا يقوم بهذه العملية وما هي الحكمة منها؟ إنها آية من آيات الله في النبات، أليس الله تعالى هو القائل في كتابه المجيد: (وأنه هو أضحك وأبكى)؟ وهو القائل أيضاً: (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم)؟؟ فسبحان الله الذي جعل في كل شيء له آية تدل على أنه واحد أحد.

سمكة الأعماق : إنها سمكة تسبح الله تعالى وهي تسلك الطريق التي حددها لها البارئ عز وجل، وصدق الله القائل: (الذي أعطى كل شيء خلْقه ثم هدى).

اعجاز الله سبحانه : الطاقة الشفائية للصلاة : اعجاز الله سبحانه

هنالك آثار نفسية عظيمة للصلاة، فعندما يتم المؤمن خشوع الصلاة فإن ذلك يساعده على التأمل والتركيز والذي هو أهم طريقة لمعالجة التوتر والإرهاق العصبي. كذلك الصلاة علاج ناجع للغضب والتسرع والتهور فهي تعلم الإنسان كيف يكون هادئاً وخاشعاً وخاضعاً لله عز وجل وتعلمه الصبر والتواضع. وهذه الأشياء تؤثر بشكل جيد على الجملة العصبية وعلى عمل القلب وتنظيم ضرباته وتدفق الدم خلاله. يقول تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) [المؤمنون: 1-2].[ الأنترنت – موقع  اعجاز الله في خلق الانسان يدل على قوته ]

  ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والتسعون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *القوَّة في الدِّين.. كيف نراها واقعاً في حياتنا.. :

المتأمل في التاريخ يجدُ أنَّه ما من دينٍ ظهَر وانتشر –سواءً أكان حقَّاً أم باطلاً- إلاَّ كان وراءه فئة

تؤمن به، وتعمل له، وتمتثله واقعاً في حياتها؛ ليقوم ذلك الدِّين على أكتافهم، وليكونوا أنموذجاً واضحاً

لأتباعه؛ يسترشدون بهم، ويطمئنُّون من جهة تطبيق ذلك الدِّين وتحقيقه.

ولذلك.. عندما أنزل الله عزَّ وجل دينه في هذه الأرض بشرائعه المختلفة، جعل لكلِّ شريعة من الشرائع رسولاً كريماً يبلِّغ ويكون قدوة، وفئة تؤمن وتعمل وتمتثل؛ لتكون عاملةً على إظهار دينها شيئاً فشيئاً، دالَّةً على صحَّته وإمكان تطبيقه، وتهيئة فئات تحمل همَّ هذا الدِّين والعمل له..

ولكن.. عندما يدبُّ الضَّعف في تلك الفئة المؤمنة العاملة -على اختلاف أزمانها- سواءً من جهة العلم أو العمل، فإنَّ ذلك الضَّعف ينعكس تلقائياً على ظهور ذلك الدِّين وأتباعه..حتى يضمر أو يتلاشى.

 وكان من حكمة الله عزَّ وجل أنْ جعل في هذه الأمَّة المحمديَّة، والشريعة الخالدة الأبديَّة، فئة تؤمن بدينه، وتعمل له، وتمتثله واقعاً عملياً في حياتها ما دام هذا الدِّين في الأرض، لا يعتريهم الضَّعف، ولا يسيطر عليهم اليأس، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يزال من أمتي أمةٌ قائمةٌ بأمر الله لا يضرُّهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك)) [رواه البخاري في صحيحه كتاب المناقب، باب "سؤال المشركين أن يريهم النبي صلى الله عليه وسلم آية فأراهم انشقاق القمر"، (ح3369).]

وقد دلَّ الحديث على أنَّ هذه الطائفة القائمة بأمر الله عزَّ وجل قد تمَّ حفظها من ضرَرَيْن:

أولاً: حفظها من ضرر الخذلان.

وثانياً: حفظها من ضرر المخالفة. والفرق بينهما: أنَّ الخذلان ما كان من داخل الصفِّ..!، والمخالفة ما كان من خارجه [ انظر: فتاوى شيخ الإسلام رحمه الله (28/416).]

، وهذان هما الخطران المحدقان بكلِّ دين أو مذهب يُراد له الظهور والانتشار..

وما كان لهذه الطائفة المؤمنة أن تبقى قائمةً بأمر الله عزَّ وجل، صامدةً في وجه طوفان المخاطر الداخليَّة والخارجيَّة سوى أنها كانت قويَّةً في دين الله عزَّ وجل أخذاً وعطاءً، تلقياً وأداءً، علماً وعملاً، شريعة ونَهْجاً..هذا هو الأمر الذي حفظها من حَنَق المخالفين، وخَوَر المخذِّلين المرجفين. ولولا تلك القوَّة الدينيَّة وما تُمْليه من وضوحٍ في التصوُّر والاعتقاد، وحزمٍ في التمسُّك والامتثال، وجديَّةٍ في السلوك والعمل..، لانحلَّت تلك الطائفة عند أدنى مؤامرة أو اعتداء، ولكانت تعيش تشتُّتاً في الأمر، وهواناً في العزم، ولما بقيت تقوم لله عزَّ وجل بحجَّة..

 ولذا.. لما كان مدار الصُّمود والبقاء على القوَّة في الدِّين، أَمَر الله عزَّ وجل بها أنبياءه وأقوامهم، فقال تعالى لموسى عليه السلام {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا} [الأعراف: 145] وقال لبني إسرائيل {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} [الأعراف: 171]، وَوصَف الله عزَّ وجل بها نبيَّه داود عليه السلام فقال: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 17] أي ذا القوة في الدِّين، بل خاطب الله بها يحيى عليه السلام منذ أن كان في المهد صبياً {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} [مريم: 12] لينشأ ذلك الصبي وهو ابن ثلاث سنين كما في قول ابن عباس رضي الله عنه[ انظر: تفسير

البغوي (5/121).]..على معاني القوَّة والجدِّ والعزم في أخذ الدِّين والتمسُّك به.

إن الأمَّة اليوم بحاجةٍ شديدةٍ إلى استجماع معاني القوَّة في أفرادها؛ ليسعدوا بدينهم، ويُؤدوا حقَّ الله عزَّ وجل فيهم. والناظر في كلام ربِّه سبحانه وتعالى لا تكاد تخطئُ عينه صورتان اثنتان من صور القوَّة في الدِّين لا تتحقق القوَّة إلا بهما:

الأولى: القوَّة في الأخذ والتمسُّك والعمل {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} [الأعراف: 171] .

والثانية: القوَّة في الإعداد والمواجهة والمدافعة {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60].

إنَّ الأمَّة بحاجةٍ إلى المؤمن القويِّ في عقيدته.. القويِّ في عبادته..القويِّ في تعلُّمه..القويِّ في دعوته....القويِّ في دفاعه..القويِّ في صَدْعه بالحقِّ ووقوفه أمام سَيْل الشُّبهات والشَّهوات، والفتن والمغريات.. إذا تكلَّم كان قويَّاً واثقاً، وإن ناقش كان قويَّاً واضحاً، وإذا عَمِل كان قويَّاً ثابتاً، يأخذ تعاليم دينه بقوَّة، وينقلها إلى غيره بقوَّة، ويتحرَّك ويدعو في مجتمعه بقوَّة..لا وَهَن ولا تميُّع.. ولا ضعْف ولا تصنُّع، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن القويُّ خير وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز..)) [ رواه مسلم في صحيحه، كتاب القدر، باب في "الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله وترك المقادير لله" (ح4816).]

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والتسعون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : الأسس التي تقوم عليها القوة 

ولكي تتحصَّل هاتان القوَّتان بكل صُوَرها وأشكالها، وتُصْبح واقعاً عملياً نعيشه في حياتنا، لابدَّ من استجماع عدِّة أمور هي بمثابة الأُسُس التي يقوم عليها هذا المبدأ الشرعيِّ، (والمقام مقام إشارةٍ لا استفاضة، وهي محاولة استقرائية للآيات الواردة في القوَّة، وحال المأمورين والموصوفين بها):

الأساس الأول: قوَّة الصِّلة بالله تعالى.

إنَّ من أهمِّ أُسُس القوَّة في دين الله عزَّ وجل أن يكون المؤمن قويَّ الصلة بالله عزَّ وجل، كثير العبادة له سبحانه. لما ذَكَر الله عزَّ وجل نبيَّه داود عليه السلام وَصَفه بالقوَّة في الدِّين، وعلَّل ذلك بأنه أوَّاب كثير الرجوع إلى ربِّه عزَّ وجل فقال تعالى {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 17]، وكان عليه السلام حَسَن التعبُّد لربِّه عزَّ وجل ففي الحديث: "إن أحبَّ الصيام إلى الله صيام داود، وأحبَّ الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام"  [ رواه مسلم في صحيحه، كتاب الصيام، باب "االنهي عن صوم الدهر لمن تضرر به أو فوت به حقاً.." (ح1969).]

 ولما أمر نبيُّ الله هود عليه السلام قومه بالاستغفار والرجوع إليه سبحانه بيَّن لهم أنَّ هذه الصلة الحسنة بالله تعالى تزيدهم قوَّة في أمر دينهم ودنياهم {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} [هود: 52].

 الأساس الثاني: الاستجابة الكاملة لله تعالى..

ففي قوله تعالى لبني إسرائيل {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا} [البقرة: 93] أَتْبعَ الله عزَّ وجل أمْرَه بأخذ ما آتاهم بقوَّة بأمرٍ آخر وهو السماع المطلق والاستجابة الكاملة له سبحانه، ليدُلَّنا ذلك بطريق الإشارة على أن ممِّا تتحقق به القوَّة في الدِّين سماع أمر الله عزَّ وجل، والإنصات له، والعمل بموجبه، ليتمَّ تحقيق العبودية الشاملة له بعد ذلك. وإذا أعرض الإنسان عن سماع أمر ربِّه تعالى، أو سمع ولم يجب الاستجابة الكاملة التي تُغيِّر محتواه ظاهراً وباطناً كان عُرضة لأن يقع فيما وقع فيه بنو إسرائيل من الذمِّ وسوء العاقبة {قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 93].

الأساس الثالث: اليقين بنصرة الله عزَّ وجل لدينه.

إن استحضار نصرة الله عز وجل لدينه، وامتلاء القلب يقيناً وصِدْقاً بوعد ربِّه تعالى لابدَّ أن يكون

مصاحباً لكل مريد للقوَّة في الدِّين- لاسيَّما زمن الفتن والمحن-، ولذلك عندما أحسَّ أصحاب موسى عليه السلام بخُسران المعركة أمام فرعون وملئه، وظنُّوا انتصار الباطل على الحقِّ..أظهر الله عزَّ وجل على لسان موسى عليه السلام -المأمور بالقوَّة في الدِّين- ما كان يحمل في قلبه من يقينٍ وثقةٍ بنصر الله تعالى لدينه وعباده المؤمنين، فقال الله عزَّ وجل -حاكياً حاله وحالهم- {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيم} [الشعراء: 61 - 63].

 كما أن على القويِّ في دين الله عز وجل ألاَّ يستبطئ وَعْد الله تعالى في نُصْرة دينه، وأن يسعى في مؤازرة إخوانه وتذكيرهم بهذا الوعد، اقتداء بفعل

موسى عليه السلام -لما استبطأ قومه النَّصْر واستطالوا عَهْد الله فعبدوا العِجْل- {فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا

حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي} [طه: 86].

الأساس الرابع: الحرص على مذاكرة ما في الكتاب والسنة..

فكيف لمؤمنٍ يريد أن يكون قويَّاً في دين الله عزَّ وجل، حاملاً همَّ تبليغه وتبيينه للناس، إذا فتَّشت عن قراءته -فضلاً عن مذاكرته- لكتاب الله عزَّ وجل وسُنَّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم وجدتها تبلغ من الضَّعف قدْراً كبيراً.، لما أمر الله بني إسرائيل بأخذ ما آتاهم من التوراة بقوَّة أشار سبحانه إلى ما يُعينهم على هذا الأمر فقال تعالى {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 63] أي: خذوا التوراة بقوَّة واتلوها وادرسوها واعملوا بما فيها لتكونوا من أهل التقوى[ انظر: تفسير الطبري (2/161).] فكذلك كل من أراد القوَّة في دين الله عز وجل عليه أن يكون حريصاً على ذِكْر ما وَرَد في الكتاب والسنة، وعلى العمل بموجبه؛ ليَقْوَى في دينه، وليوصله بعد ذلك بإذن الله إلى العلَّة المذكورة في الآية (لعلكم تتقون). وعندما وَصَف الله عزَّ وجل نبيَّه داود عليه السلام بكونه قويَّا في دين الله أخبر سبحانه عن طَرَف من مظاهر هذه القوَّة وأسبابها فقال تعالى {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا} [النمل: 15]، وقال {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 79].

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والتسعون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : الأسس التي تقوم عليها القوة 

الأساس الخامس: عدم الانسياق لرغبات النفس وشهواتها..

إنِّ المؤمن إذا اشتغل قلبه بالدُّنيا، وتعلَّقت نفسه بشهواتها، صَعُب عليه التقوِّي في دين الله تعالى، والاجتهاد في طاعته، ولذلك لما وَصَف الله عزَّ وجل نبيَّه يحيى عليه السلام -المأمور بالقوة في الدِّين- وَصَفَه مُثنياً عليه بأنه يَحصُر نفسه ويحبسها عن الشهوات والملذَّات المباحة فضلاً عن المحرَّمة، فقال

تعالى مخاطباً زكريا عليه السلام {أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران: 39]. [ انظر: تفسير البغوي (2/35).]

الأساس السادس: الارتباط بالصالحين والتقوِّي بهم..

إنَّ على القويِّ في دين الله عزَّ وجل أن يكون على ارتباطٍ وثيقٍ، واتصالٍ متينٍ، بإخوانه الصالحين المصلحين؛ ليشدُّوا من عزمه، وليصدِّقوه في دعوته، وليزداد بهم رسوخاً وثباتاً على أمره..، ولذلك سأل موسى عليه السلام– وهو المأمور بالقوَّة في الدين- ربَّه سبحانه وتعالى أن يُرسل معه أخاه هارون عليه السلام ليزداد به قوَّةً على قوَّته، فقال تعالى- على لسان موسى-: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ} [القصص: 34، 35].

هذه سته أسس.. أَحْسبُ أنها كفيلة بإذن الله تعالى في أنْ تُحيي فينا معاني القوَّة في الدِّين أخذاً

ومدافعة، وتصنع لنا جيلاً يتربَّى على مثل هذا الأمر..والشواهد على هذه الأسس كثيرة مستفيضة، ولكنِّي رغبت الاقتصار على الاستشهاد بالآيات الواردة في القوَّة والمتعلِّقة بها؛ ليظهر لنا مدى الاتصال بين هذه الأسس وموضوع القوَّة في الدِّين. ولك أن تتأمل معي ما وَرَد في هذه الآية العظيمة وتُقارن بين المأمور به، وشدَّة العقاب المترتِّب على عدم الامتثال.. يقول الله عز وجل -عن بني إسرائيل-: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأعراف: 171] .. قال قتادة رحمه الله في تفسير هذه الآية: "جبل نزعه الله من أصله ثم جعله فوق رؤوسهم، فقال: لتأخذُنّ أمري، أو لأرمينَّكم به..!"، وقال الحسن البصري رحمه الله: "لما نظروا إلى الجبل خرَّ كلُّ رجل ساجدًا على حاجبه الأيسر، ونظر بعينه اليُمْنَى إلى الجبلِ، فَرَقًا من أن يَسْقُط عليه"[ انظر: تفسير الطبري (13/218-219).]

وختاماً.. إنَّ على القويِّ في دين الله عزَّ وجل أن يتحمَّل كل التَّبِعات التي قد تنشأ من أخذه للدِّين

بقوَّة..فمن طبيعة هذا الدِّين أن المستمسك به يلاقي ما لا يلاقيه غيره من الضعفاء المتنازلين..وذلك من حكمة الله عزَّ وجل، وهي فتنة يمحِّص الله عزَّ وجل بها عباده وأولياءه.. والله تعالى قادرٌ على نَصْر دينه وإعزاز كلمته دون أدنى جُهْد من البشر، ولكنَّ الأمر وُكِل إليهم للابتلاء والتمحيص، قال الله تعالى: {ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} [محمد: 4].

 وعلينا أن نسأل أنفسنا سؤالاً: هل نحن ممن يَصْلح أن يكون من هذه الطائفة القويَّة التي تنصر دينها، وتصبر على ما تُبتلى به..؟؟ إذا كنَّا نغشى بعض المخالفات الشرعيَّة، ولا نستطيع قيام الليل أو الوتر على الأقل [ ذكرت هذا الأمر لكون صلاة الوتر من آكد التطوعات وقد اختُلف في وجوبها، ولأن لها علاقة مباشرة بموضوع القوَّة في الدين فقد رُويَ عن عقبة بن عامر – وفي سند الحديث مقال- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل أبا بكر متى توتر؟ قال: أصلي مثنى مثنى ثم أوتر قبل أن أنام، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مؤمن حذر"، وقال لعمر بن الخطاب كيف توتر؟ قال: أصلي مثنى مثنى ثم أنام حتى أوتر من آخر الليل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مؤمن قوي" أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (17/304)، (ح838) ]

، وكلَّما هبَّت ريحُ شبهةٍ أمالتنا..! أو شهوةٍ أناختنا..! فإن إحياء معاني القوَّة في أنفسنا قبل الآخرين ظاهرُ العُسْر والصعوبة..

 ولا تخش على هذا الدِّين، فإنَّ الأقوياء في حَمْله والأخذ به والدفاع عنه لابدَّ من وجودهم في كل زَمَن..وهذه الأمَّة أمَّة ولود..فما يضعف قويٌّ إلا ويقوى ضعيف، وما يزلُّ عالم إلا ويرسخ آخر، وما يتساهل داعية إلا ويثبت غيره، فإمَّا أن تتحقق فينا معاني القوَّة في الدِّين أخذاً ومدافعة..وإمَّا أن تجري علينا سنَّة الاستبدال في قيادة هذا الدِّين والتأثير في الناس.

ومن نافلة القول.. الإشارة إلى أن القوَّة في الدِّين لا تتطلَّب عبوساً في الوجه، وضيقاً في الصَّدر، وغلظةً في التعامل، فإنَّ هذا مما يخالف قوَّة الأخلاق

عند الطائفة المنصورة، ولنا في سِيَر الأقوياء الأتقياء أسوة حسنة..

 [الأنترنت – موقع الدرر السنية - القوَّة في الدِّين.. كيف نراها واقعاً في حياتنا..؟- د. مشهور بن حاتم الحارثي ]

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والتسعون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *أجمل عبارات وأقوال الفلاسفة والمشاهير في قوة الحب :

*الكراهية تشل الحياة، والحب يطلقها؛ الكراهية تربك الحياة، والحب ينسقها؛ الكراهية تظلم الحياة، والحب ينيرها. – مارتن لوثر كنج

*من يقع في حب نفسه يأمن المنافقين. – بنجامين فرانكلين

*إذا كان هناك من يحبك فأنت إنسان محظوظ وإذا كان صادقاً في حبه فأنت أكثر الناس حظاً.

*الحب الخالص والشك لا يجتمعان، فالباب الذي يدخل منه الشك يخرج منه الحب. – ألكسندر دوما

*الأشخاص الواقعون في الحب حقاً، يميلون إلى الغيرة من الأشياء الغبية. – تشارلي تشابلن

*المرأة التي تحبها، اجعل لها اسماً جميلاً مختلفاً، لا يناديها به أحد غيرك. – نزار قباني

*إذا رغبت في كسب القلوب أزرع بذور الحب، إذا رغبت بالجنة فلا تنثر الأشواك في الطريق. – جلال الدين الرومي

*الشوق والغيرة، أصدق صفات الحب وأجمل طقوسه. – جبران خليل جبران

*سنوات من الحب تُنسى في لحظةٍ من الكراهية. – إدغار آلان بو

*الحبّ لا يترهّل ولا يشيخ؛ يترهّل العاشق والمعشوق، ولا يترهّل الحبّ.. فيضُ الحبّ يسيّجني من كلّ الجهات. – أدونيس

*كل إنسان يصبح شاعراً إذا لامس الحُب قلبه. – أفلاطون

*حب الذات لدى المجانين يعذر حب الذات لدى ذوي العقول.

*لا شكّ في أنك أغبى الناس إذا كنت تبحث عن الحب في قلب يكرهك.

*عندما تتغلب قوة الحب على حب القوة سيشهد العالم السلام. – جيمي هندريكس

*الحب الحقيقي كلما مر عليه الزمن، كلما زاد عمقاً في نفوسنا. – توماس كارليل

*الأم هي الحب الثابت، والحقيقة التي لا تتغير في زمن كل ما فيه يتغير. – أنيس منصور

*الحب أن أحبك ألف مرة، وفي كل مرة أشعر أني أحبك لأول مرة. – نزار قباني

*قبح الله الحب إن كان مثل وجدي بك، لا يؤتى الحياة جمالها إلا يسلبها حريتها واستقرارها معا. – مصطفى صادق الرافعي

*في أعماق كُل قلب قاسِ وجاف، هُناك قطرة أو اثنان من الحُب. – هنري ميلر

*عندما يكون الرجال والنساء قادرين على أن يحترموا اختلافاتهم ويقبلوها، عندئذ تكون الفرصة سانحةً ليزدهر الحب. – جون جراي

*إذا أحببت حتى تألم قلبك، فلن يكون هناك المزيد من الألم، فقط المزيد من الحب. – الأم تريزا

*فرق كبير بين أن تحبها لأنها جميلة، وأن تكون جميلة لأنك تحبها. – أنيس مصور

*الحب جحيم يُطاق.. والحياة بدون حب نعيم لا يطاق. – كامل الشناوي

*كل ما نحبه بعمق يصبح جزءا منا. – هيلين كيلر

*ربما لم يرغب المرء في الحب، بقدر رغبته في أن يفهمه أحد. – جورج أورويل

*الثقة أسمى مراتب الحب، أن تثق بشخص يعني أن تعطيه بلا تردد مفاتيح قلبك. – جبران خليل جبران

*أنت الحب يا أماه، إن كل هذه الثرثرة والمعارف هي بعض من فتات موائدك. – مصطفى محمود

*لأن الحب يحب القوة، لذلك قد نقع في حب الآخرين بطريقة انتحارية، لكننا نادراً ما نستطيع أن نتبادل الحب مع الذين وقعوا في حبنا بطريقة انتحارية. – إليف شفق

*بعضهم يهديك الحب دون أن تهديه أي شيء، وبعضهم يهديك الألم بعد أن تهديه كل شيء. – نجيب محفوظ

*الحب في كل زمان وفي كل مكان، ولكنه يشتد كثافة، كلما اقترب من الموت. – غابرييل غارسيا ماركيز

*ستكتشف أنك وقعت في الحب عندما لا تستطيع النوم لأن واقعك قد أصبح أخيرا أفضل من أحلامك! – دكتور سوس

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والتسعون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *أجمل عبارات وأقوال الفلاسفة والمشاهير في قوة الحب :

*أن يحب المرء يعني أنه يتمتع، في حين أنه يتمتع إذا كان محبوبًا. – أرسطو

*الحب الصادق كالقمر عندما يكون بدراً والكسوف هو نهايته عندما يلاقي غدراً.

*إنك إذا استعملت الحب يوماً كمبتدأ في جملة مفيدة فستنسى حتماً الخبر إلى الأبد! – نجيب محفوظ

*سلاما على من يعرفون معنى الحُب ولا يملكون حبيبا. – جبران خليل جبران

*كل لحظة من ساعة الحب السعيدة تستحق عمرا من الحياة الرتيبة والعادية. – أفرا بن

*حبنا لشخص لجماله فقط ليس حباً، ولكن أن تحبه رغم عيوبه فهذا هو الحب بكل تأكيد. – جبران خليل جبران

*في الحب نكون كالأطفال، لا نحسن التفكير ولا التحمل، يفرحنا الاهتمام ويبكينا الإهمال. – وليم شكسبير

*فرحة الحبِّ عظيمة، لكن المُعاناة فظيعة، والأفضل للإنسان أن لا يحب أبدا. – فيودور دوستويفسكي

*الحبُّ هو ألاَّ تخاف وأنت في وسَط بحرٍ من الخوْف. – الشمس التبريزي

*أهم إنجاز حققته في حياتي، عندما أقنعت زوجتي بالموافقة على الزواج مني. – ونستون تشرشل

*أحبك ليس لما أنت عليه، ولكن لما أكون عليه عندما أكون معك. – روي كروفت

*الحب كالزهرة الجميلة والوفاء هي قطرات الندى عليها والخيانة هي الحذاء البغيض الذي يدوس على الوردة فيسحقها.

*تبادل الحب في جو من الصراحة الصحية خير من الكبي والتقلب بين أذرع البغايا. – نجيب محفوظ

*الأصدقاء هم الأوطان الصغيرة، الوجه الثاني للحب، الحب الذي لا يتغير. – عباس محمود العقاد

*ما الذي يبقى من الحب غير القصائد العتيقة؟ – غادة السمان

*يبقى الحب كلمة، حتى يأتي شخص ويعطيها المعنى. – فيكتور هوجو

*ربما كانوا محقين حين وضعوا الحب بالكتب، ربما لم يكن ليعيش في أي مكان آخر. – ويليام فوكنر

*الكراهية إحساس هو الأطول أمدا على الإطلاق؛ الناس يقعون في الحب في لحظة خاطفة ولكنهم يكرهون بتمهلٍ وعلى روية. –غوردون بايرون

*الحب ليس أعمى، فالعاشق يرى في محبوبته أكثر مما يرى كل الناس. – أنيس منصور

*الحب مثل الرياح، لا يمكنك رؤيته ولكنك تشعر به. – نيكولاس سباركس

*أريد أذناً لا تسمع وعيناً لا ترى بدلاً من قلب لا يحب. – روبرت تيزون

*واحد من أعظم الآلام هو أن تحب شخصاً لا يمكن أن يكون لك.

*طالما تمتعنا بحب من نحب ولكن لا يخلد من الحب إلا الخيبة. – نجيب محفوظ

*قُدرتك على حُب الوحدة والانعزال هي أساس الحُب، فعندما نعتاد على الوحدة، نستطيع أن نكون مع الآخرين بعد ذلك بدون استخدامهم كوسيلة للهروب من أنفسنا. – بيل هوكس

*إن كان جمال الحب في العطاء، فإن عظمته في تجاوز الأخطاء. – روبرت بويل

*من لا يهتم لأمرك اترك أمره، الحب جميل لكن الكرامة أجمل. – آل باتشينو

*لا تحدثني عن الحب، بل عاملني به. – جبران خليل جبران

*اثنان يهتمون بأدق تفاصيلك، شديد الحب وشديد الحقد. – مارك توين

*الاشتباك في المعركة يعني الحرب، وفي الحب يعني الاستسلام. – أنيس منصور

*الحب لا يتعلق بما تتوقع أن تحصل عليه من الطرف الآخر، بل ما تتوقع أن تمنحه له والذي يكون كل شيء. – كاثرين هيبورن

*ساعاتنا في الحب لها أجنحة، ولها في الفراق مخالب. – وليم شكسبير

*الحب مشاعر جميلة وأحاسيس راقية.. الحب هو حياة القلوب الميتة.

*كانت حياته في الواقع خالية من الحب مثل كهف رطب لا تزوره الشمس. – نجيب محفوظ

*الاهتمام الكبير، أثمن من الحب الكثير. – وليم شكسبير

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والتسعون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *أجمل عبارات وأقوال الفلاسفة والمشاهير في قوة الحب :

*الحب يحتاج إلى طرف معذِّب وآخر معذَّب ليكتمل. – جبران خليل جبران

*الحب لا يمكن أن يكون علاج للوحدة والانفراد، إن لم تجد نفسك بداخلك فلن تجدها بأي مكان أخر. – الشمس التبريزي

*الحب أسهل ما نكتب عنه، أصعب ما نقوم به. – سيغموند فرويد

*اجتماع مشاعر الحب والصداقة بذات الشخص تبني علاقة من الصعب أن تنتهي. – فيرديناند كون

*الشك بداية الإيمان والغيرة بداية الحب. – فرانسيس بيكون

*يحب المرء لأنه يحب؛ فلا يوجد سبب للحب. –  باولو كويلو

*ليس ثمة حبال أو سلاسل تشد بقوة أو بسرعة كما يفعل الحب بخيط واحد. – أندريه برتون

*إذا لم تكن أهلاً لقول كلمة أحبك فلا تقلها لأن الحب تضحية وصبر وتعب.

*لأن الانسان إذ يفقد جوهرة الحب اللامعة لا يتصور أنه سيسعد بالعثور عليها مرة أخرى. – نجيب محفوظ

*لا تحاول شراء الحب لأنك بالمقابل تبيع نفسك. – جبران خليل جبران

*قرع الفراق بابي، وحين فتحت له اعطاني وردة الحب الآتي. – غادة السمان

*أنقذتني الكتب من الرتابة والغضب والجنون وتدمير الذات، وعلمتني الحب، بل وأكثر من ذلك بكثير. – إليف شفق

*هناك سبل كثيرة لتصلَ إلى الله، وأنا اخترت الحب لأصلَ إليه. – جلال الدين الرومي

*استمرار العلاقات يحتاج، بعض الحب والاهتمام ومساحة من الثقة. – سيغموند فرويد

*ثمة شيء في الحب يشبه الإيمان، نوع من الثقة العمياء، الشعور بالنشوة وطعم السعادة. – إليف شفق

*الجاذبية لا تتحمل مسؤولية من يقعون في الحب! – ألبرت آينشتاين

*الحب استمرارية ونقاء، والكراهية موت وشقاء. – جون كيتس

*يقول القلب الصادق أنا أحبك.. إذاً أنا مستعد لفعل أي شيء من أجلك.

*إذا أردت أن تحب وأن تُحب فابحث عن الحب بين أقاربك وأصدقائك ولاسيما والديك فلن تجد أحدا يكفيك بالحب سواهم فهم أحبوك دون سبب. – وليم شكسبير

*الحب شعور راق جداً، هو فقط يحتاج لمن يعرف معنى الوفاء. – غوته

*الألم، الحُب، الخَوف، يجعلونك حقيقياً من جديد. – جاك كيروك

*المُزعج في الحب أنه جريمة لا يمكن فيها الاستغناء عن شريك. – شارل بودلير

*أجمل ما في الحب، أنه يجعل البشر أكثر أناقة وجاذبية. – نيكولا تسلا

*الأفكار عنصر انفصال، أما الحب فإنه وسيلتنا للارتباط مع الآخرين. – أناييز نين

*عجبتُ لمن عرف الحبَّ، كيف يحبّ؟ – محمود درويش

*أنت لا تحب شخصاً لمظهره أو لملابسه الأنيقة أو لسيارته الفاخرة، وإنما لأنه يغني أغنية لا أحد يسمعها سواك! – أوسكار وايلد

*الحب أشد أنواع السحر فاعلية. – ستندال

*لو كان في قلبك ذرة واحدة من الحب فتأكد بأن آخر ما كنت ستفكر فيه هو الابتعاد عني.

*الحب أحياناً، أن تُحب أحداً لن يحبك أبداً. – بورس فيان

*القلوب التي تقع في الحب سريعًا، قد تكره سريعًا. – إليزابيث براونينغ

*يا سالب القلب مني عندما رمقـا.. لم يبق حبك لي صبـرا ولا رمقا.. لا تسأل اليوم عما كابدت كبدي.. ليت الفراق وليت الحب ما خلقا.. ما باختياري ذقت الحب ثانية.. وإنما جارت الأقدار فاتفقا. – أبو البقاء الرندي

*الحب وحدة لا يستطيع مهما بلغت حرارته، أن يخبز رغيفاً. – غسان كنفاني

*لا يُوجد شيء اسمه «الحُب» يا صديقي! إنه وهم جميل ينفذ به الرجال إلى عقول النساء ليستولوا على أجسادهن، صدقني، هذه خُلاصة تجربتي. – محمد المنسي قنديل

*قليل من الشجار قد ينعش ذاكرة الحب. – غادة السمان

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والتسعون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *أجمل عبارات وأقوال الفلاسفة والمشاهير في قوة الحب :

*إحذروا الحب، فهو مكيدة. – نجيب محفوظ

*من الأفضل لك أن تحب وتضيع من ألا تحب على الإطلاق. – إرنست همينغوي

*حب بلا إخلاص بناء بلا أساس. – أرتور شوبنهاور

*إذا كان في وسعك أن تحب ففي وسعك أن تفعل أي شيء. – أنطون تشيخوف

*بدون الحُب الحياة سهلة وبسيطة، ولكنها بلا معنى. – ليو تولستوي

*من يريد القمر لا يتجنب الليل، من يرغب في الورد لا يخشى أشواكه، ومن يسعى إلى الحب لا يهرب من ذاته. – جلال الدين الرومي

*لا بد أن يكون الحب متبادلاً، إن الحب من طرف واحد تعاسة. – ليو تولستوي

*الحب الذي لا يزدهر، دائماً يحتضر. – جبران خليل جبران

*أتبع الحب وسوف يهرب، أهرب من الحب وسوف يلحق بك. – جون غاي

*الحبُ هو قوة مُحتملة من داخل ضعف حقيقي. – توماس هاردي

*الحب أصبح سلعة كالخبز كالفستان أو مثل السجائر. – فاروق جويدة

*الحب الحقيقي هو روح واحدة تسكن جسدين. – أرسطو

*كلما ازداد حبنا تضاعف خوفنا من الإساءة إلى من نحب. – جورج ساند

*الحب يكون أقوى عندما يعطي الشخص أكثر مما يأخذ. – غوته

*كنا ننبت في كل مكان, نحب المطر ونقدس الخريف, حتى فكرنا ذات يوم أن نبعث برسالة شكر

إلى السماء, ونلصق عليها بدل الطابع ورقة خريف, كنا نؤمن بأن الجبال زائلة والبحار زائلة والحضارات زائلة, أما الحب فباق, وفجأة افترقنا. – محمد الماغوط

*الحبُّ ليس روايةً يا حلوتي.. بختامها يتزوج الأبطالُ، هو هذه الأزماتُ تسحقنا معاً.. فنموت نحن وتزهر الآمالُ، هو هذه اليدُ التي تغتالنا.. ونقبّل اليد التي تغتالُ. – نزار قباني

*عندما يأتي الشك يذهب الحب. – ميلان كونديرا

*إن الرحمة أجمل كثيرا من الحب وهي أكبر من الحب، والذي لا يعرف الرحمة لا يعرف الحب، فالحب أحد أبواب الرحمة. – فاروق جويدة

*فكيف تعيدني من جديد متسولة على أبواب تكايا الوجد، عارية القدمين والقلب، في بلاط سيدي الحب؟ – غادة السمان

*من علامات الحب، الإبتسام دون أن نشعر عند رؤية من نحب. – أنيس منصور

*قيل في تعريفِ الحُبِّ: هو إيثارُ المحبُوب على جميع المَصحوب. – ابن قيم الجوزية

*تعلم أن تحب أشياء كثيرة، فهنا تكمن القوة الحقيقة؛ فمن يحب كثيرا، ينتج كثيرا ويحقق كثيرا، وما يُفعل بحب يُفعل دوما بإتقان! – فنسنت فان غوخ

*الرجل يعشق بعينيه و المرأة بأذنيها. – أديب إسحق

*قد تنمو الصداقة لتصبح حباً، ولكن الحب لا يتراجع ليصبح صداقة. – خوان بيرون

*ثم ان الحُب لا يُستجدى؛ هو إما موجود أو غير موجود. – لطيفة الزيات

*كشف الفحص عدم وجود حمى ولا آلام في أيّ موضع والشيء الوحيد الذي كان يشعر به هو أعراض الحب التي تشبه أعراض الكوليرا. – غابرييل غارسيا ماركيز

*الحب الحقيقي، لا يتأثر بسوء المزاج، فمن يحبك يحبك في كل حالاته. – يوهانس كيبلر

*قد فقدتُ القلبَ والنبضَ الرقيق.. دربُ المدينة يا أبي دربٌ عتيق، تتربع الأحزانُ في أرجائه.. ويموت فيه الحب والأمل الغريق. – فاروق جويدة

*الحب الحقيقي، لا البعد يقدر عليه ولا الزمن. – غوته

*دموع الحب جميلة، إذا وجدت من يمسحها. الحب درب البائسين. – فاروق جويدة

*الحب هو جمال الروح. – سانت أوغستين

*لا يوجد وهم يبدو كأنه حقيقة مثل الحب، ولا حقيقة نتعامل معها وكأنها الوهم مثل الموت. – مصطفى محمود

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والتسعون في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *أجمل عبارات وأقوال الفلاسفة والمشاهير في قوة الحب :

*الحب كالحرب من السهل أن تشعلها ومن الصعب أن تخمدها. فليس على الشاعر من حرج إن كذب، وهو لا يكذب إلا في الحب. – محمود درويش

*إننا لا نستطيع أن نحب إنساناً إلا إذا ظل مختفياً عن نظرنا، فمتى لمحنا وجهه تبدد الحب، إن وجه الإنسان يخلق في كثير من الأحيان حاجزاً يحول دون الحب لدى أولئك الذين لم يتعلموا بعد أن يحبوا. – فيودور دوستويفسكي

*حتى ولو جاء الحبُّ متأخرا: فمجيء الحب هو قدوم النور. – مارك ستراند

*كلما قلّت بلاغة التعبير عن المشاعر كان الحبُ أعظم. – شارل بيرو

*معوقات الحب دائماً هي من صنع الإنسان. – أنطونيو غالا

*لم يكن في الشقة إلا القليل من الأثاث والكثير من الكتب والاسطوانات، وقدر هائل من الحب. – أناييز نين

*الحب هو أن لا أعزلك عن العالم.. الحب هو أن أتركك بالزحام.. وأعلم تماماً أن قلبك لي. – محمود درويش

*القلب المحب هو الحكمة الحقيقية. – تشارلز ديكينز

*عندما تنام كل العيون، تظل عيون الحب وحدها ساهرة. – غوته

*الذي يحب يصدق كل شيء أو لا يصدق أي شيء.

*إنني مقيد إليك, لا بالحب وحده فالحب وحده لا يكفي, الحب يبدأ, الحب يأتي, ينقضي, ويأتي مرة أخرى, ولكن هذه الحاجة التي تقيدني بالكامل *إليك هي ما يبقى. – فرانز كافكا

*إذا كنت لا تتقن الاهتمام، إياك أن تتحدث عن الحب. – نزار قباني

*الحب هو تلك الرغبة في إيجاد النصف الآخر المفقود من أنفسنا. – ميلان كونديرا

*فالأمور الوسط لا يعرفها الحب، فهو اما أن ينقذ واما يحطم، الحب حياة إن لم يكن حتفا. – فيكتور هوجو

*ذلك الحُب الذي يقول «إلى أبد الأبدين»، ثم يدهسك كشاحنة. – آن سكستون.

*أحياناً يتجلى الحب في غياب الحبيب، أكثر منه في حضوره. – باولو كويلو

*الحب حكيم والكراهية حمقاء. – بيرتراند راسل

*أفضل حب هو الذي يوقظ الروح، الذي يجعلنا نتطلع ونطالب بالأكثر، الذي يزرع النار في قلوبنا ويجلب السلام إلى أذهاننا؛ هذا ما آمل أن أقدمه لك إلى الأبد!

*بما أنني رميت سيفي فإن كأس الحب هو كل ما أستطيع أن أهديه لمن يتعرض لي. – مهاتما غاندي

*بالنسبة للعالم فإنك مجرد شخص، لكنك بالنسبة لشخص ما قد تكون العالم كله.

*صغير هو القلب قلبي.. كبير هو الحب حبي.. يسافر في الريح، يهبط، يفرط رمانة، ثم يسقط في تيه عينين لوزيتين، ويصعد في الفجر غمازتين، وينسى طريق الرجوع إلى بيته واسمه، صغير هو القلب قلبي، كبير هو الحب حبي. – محمود درويش

*لا دواء للحب إلا المزيد من الحب. – هنري ديڤيد ثورو

*في نهاية الأمر، الحب الذي تتلقاه، هو بنفس مقدار الحب الذي منحته. – بول مكارتني

*الحب الذي ينتهي، ليس حباً حقيقياً. - أرسطو

*جميع محاسن الدين ومكارم الأخلاق ثمرة الحب، وما لا يثمره الحب فهو اتباع الهوى وهو من رذائل الأخلاق. – أبو حامد الغزالي

*من أكاذيب الكلام، من أكاذيب الروائح، من أكاذيب الأصوات، من أكاذيب العالم، الكذبة الوحيدة

التي تستحق التصديق هي الحب. – رياض الصالح الحسين

*الرجل المحب لنساء كثيرات يعرف المرأة، الرجل المحب لامرأة واحدة يعرف الحب. – سيغموند فرويد

*الحب لا يمكن تفسيره، فهو يفسر كل شيء – جلال الدين الرومي

*إن حب الذات هو حب الإنسان لنفسه، ولأي شيء آخر لأجله، وحياة الإنسان كلها ليست إلا ممارسة متصلة لهذا الحب وتحريضاً قوياً له. – فرانسوا دلا روشفوكو

*من يحب الشجرة يحب الأغصان. – موليير

*يجوز الربا في الحب، فمن أعطاكَ حبًا رده ضعفين. – الشمس التبريزي

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة المائة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *أجمل عبارات وأقوال الفلاسفة والمشاهير في قوة الحب :

*لا يمكن أن يحب المرء إلا شخصا مكافئا له؛ لأن جوهر الحب هو أن يكون متبادلا، والأدنى لا يمكن أن يعطي ما لا طاقة له على إعطائه. – جيرمين

*لا أحد يموت من الحب يا عزيزتي، لا يحدث هذا إلا في الكتب، وفي الكتب الرديئة تحديدا. – غريغوار دولاكور

*إن قيود الحب لا تفرق كثيرا عن قيود السجن. – ليو تولستوي

*الاهمال يقتل الحب، والنسيان يدفنه. – جورج برنارد شو

*الحب هو أن نضع سعادتنا في سعادة شخص آخر. – غوتفريد لايبنتس

*الحب يعني أن تميل بكلك إلى المحبوب ثم تؤثره على نفسك وروحك ومالك ثم توافقه سراً وجهراً ثم تعترف بتقصيرك في حبه. – جلال الدين الرومي

*إذا شئتم أن تذوقوا أجمل لذائذ الدنيا، وأحلى أفراح القلوب، فجودوا بالحب كما تجودون بالمال. – علي الطنطاوي

*يمكننا عمل الكثير بالحق، لكن بالحب أكثر.- وليم شكسبير

*حافظ على من تحبه، عاتبه إن أردته، اهتم بجميع تفاصيله، الحب إحساس قبل أن يكون كلمات. – عباس محمود العقاد

*الحب الحقيقي لا يجمع المتشابهين، الحب يجمع المختلفين دائما، كاثنين بينهما فارق بالعمر أو اثنين أحدهما له ماض وآخر يحب لأول مرة. – سعود الدوسري

*يبدأ فقدان الحب بأن نكف عن العطاء، بعدها نكف عن الأخذ. – أحمد خالد توفيق

*رغم حطام قلبك، يوماً ما سيزهر الحب فيه ويرممه. – فيودور دوستويفسكي

*الحب ليس معصية، المعصية هي أن تتلاعب بمشاعر البعض تحت مسمى الحب. – نجيب محفوظ

*يضرب الحب ضربته حيث يريد، لا حيث نريد. – لاروشفوكو

*ما الحب إلا جنون. – وليم شكسبير

 *قد يكتب الرجل عن الحب كتاباً ومع ذلك لا يستطيع أن يعبر عنه، ولكن كلمة عن الحب من المرأة تكفي لذلك كله. – فيكتور هوجو

*أوفى حب لدى البشر هو حب الطعام. – جورج برنارد شو

*أنت لم تحبها هي، أنت أحببت جزءاً من روحكَ وضعه الله فيها، فهي مخلوقة من ضلعك، أقرب

مكان الى قلبك لذلك منتهى الحب أن تناديها يا «أنا»؛ هي لم تحبك أنت، هي أحبت الوطن التي نزعت منه فعندما ترجع اليك تشعرُ أنك وطنها، إنه حنين غريب كحنين القارب لحضن الشط، كحنين المسافر لرائحة البيت. – مصطفى صادق الرافعي

*الحب كالقهوة، إذا أكثرت منه منعك من النوم. – مارك توين

*تعلم جيداً، في أعماق أعماقك، أنه لا يوجد إلا سحر واحد وقوة واحدة وخلاص واحد، وهو الحُب، إذن فلتُحبَّ مُعاناتكَ، لا تُقاومها ولا تهرب منها، إحساسك بالكراهية هي التي تؤلمك ولا شيء آخر. – هرمان هيسه

*ان الحُب يكون اعظم وانبل ما يكون وقت الشدائد. – غابرييل غارسيا ماركيز

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة بعد المائة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *أجمل عبارات وأقوال الفلاسفة والمشاهير في قوة الحب :

*حزين من لم تمر بيارق الحب في شوارع عمره. – غادة السمان

*قُل لي إذا، هل يجعلنا الحبُ أغبياء أم وحدهُم اﻷغبياء يقعون في الحُب؟ – أورخان باموق

*الحب يستأذن المرأة في أن يدخل قلبها، وأما الرجل فإنه يقتحم قلبه دون استئذان، وهذه هي مصيبتنا. – جورج برنارد شو

*بعض النسوة تقضي كل يومها وهي تحاول إيقاف الزمن وتتحقق من وزنها على الدوام ظناً منها أن الحب يتوقف على ذلك. – باولو كويلو

*قلق في الحب، مطمئن في الزواج. – جيفري تشوسر

*الحب مرض عقلي عضال. – أفلاطون

*هُناك من يرَى الحبَّ حيَاة وهُنَاك من يَراه كِذبة، كِلاهما صَادق: فالأوَّل التَقى بروحِه، والثانِي فقدهَا. – محمود درويش

*شروط حدوث الحب، أن تكون النفوس خيرة اصلا، جميلة اصلا، والجمال النفسي والخير هو المشكاة التي يخرج منها هذا الحب، وإذا لم تكن النفوس خيرة فإنها لا تستطيع ان تعطي فهي اصلا فقيرة مظلمة ليس عندها ما تعطيه. – مصطفى محمود

*الحب أن تراني كل مرة كأول مرة. – نزار قباني

*أن تدفن الحب في قلبك، أفضل من أن تعطيه لمن لا يستحق. – جورج سبنسر

*لا تستطيع الغيرة أن تبصر الأشياء أكثر مما يبصرها الحب. – جورج إليوت

*وتسألني ما الحب؟ الحب أن أكتفي بك ولا أكتفي منك أبداُ. – نزار قباني

*الحب هو أجمل سوء تقدير بين الرجل والمرأة. – فيكتور هوجو

*ليس الزواج مقبرة الحب، فكم من حب جاء ثمرة للزواج. – مي زيادة

*الحب لا يمكن شراؤه إلا بالحب. – جبران خليل جبران

*عندما تبحث عن عذر لمن لا عذر له، تأكد بأنك بأعلى قمة الحب. – نزار قباني

*في دستوري، الكرامة أولاً ثم الحب. – تشي جيفارا

*أنت الذي تتألم لأنك تحب: كن مسرفا في هواك، فإن مت بسبب الحب، حييت به، فهو الخلود، هو السرمد! – فيكتور هوجو

*كن أنيقاً دائما فأنت لا تدري متى يصادفك الحب. – كوكو شانيل

*أعرفُ أنَّ الحبَّ بسيطٌ كالزنابق، سهل كمطر الربيع، واضح كسماءٍ زرقاء؛ لكنني أتساءلُ: لماذا يخاف الكثيرون من الزنابق ومطر الربيع والسماء الزرقاء؟ – رياض الصالح الحسين  [الأنترنت – موقع أجمل عبارات وأقوال الفلاسفة عن الحب وقوته ]

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية بعد المائة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : *الفرق بين المؤمن القوي والمؤمن الضعيف:

السؤال: كيف يكون المؤمن قوي الإيمان؟

الجواب: يقول النبي ﷺ: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، رواه مسلم في الصحيح، المؤمن القوي: هو قوي الإيمان، الذي عنده من العلم والبصيرة والخوف من الله ما يجعله قوي الإيمان، حتى يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وينصح الناس ويبذل المعروف ويكف الأذى، كلما قوي إيمانه كثرت أعماله الصالحة، وكلما ضعف الإيمان قلت الأعمال الطيبة، فالمؤمن القوي هو الذي يلقى نصرة في الدين وغيرة لله وتعظيماً لله فهو يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وينصح لعباد الله ويحذر السيئات، هكذا يكون المؤمن القوي.

والمؤمن الضعيف هو ضعيف الإيمان ضعيف البصيرة ضعيف الخوف من الله، فهذا تقع منه المعاصي في الغالب، لضعف إيمانه وقلة خوفه من الله، نسأل الله السلامة،  [الأنترنت  - موقع الشيخ ابن باز ]

  *طريقك إلى تقوية إيمانك :

إن من أهم المهمات، وأوجب الواجبات ، تحقيق الإيمان وتكميله، إذ إن كل خير في الدنيا والآخرة متوقف على وجوده وصحته وكماله.

قال تعالى: }يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ{ [المجادلة:

من هنا شمر المشمرون وتنافس المتنافسون في تحقيق الإيمان وتكميله وتقويته، ومن أولئك سلف الأمة وصدرها الذين كانوا يتعاهدون إيمانهم ويتفقدون أعمالهم ويتواصون بينهم.

فقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لأصحابه: «هلموا نزدد إيمانًا» وكان معاذ بن جبل رضي الله عنه يقول: «هلموا بنا نؤمن ساعة».

وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول في دعائه: «اللهم زدني إيمانًا ويقينًا وفقهًا» فالإيمان يقوى ويضعف، ويزيد وينقص، ويبلى كما يبلى الثوب فيحتاج إلى تجديد، لذا كان السلف يتعاهدونه بالرعاية والمراقبة، قال أبو الدرداء رضي الله عنه: «من فقه العبد أن يتعاهد إيمانه وما نقص منه، ومن فقه العبد أن يعلم أيزداد إيمانه أم ينقص».

لذلك كان لا بد من الحديث عن الإيمان وأهمية تفقده وتكميله، إذ هو المنة العظمى كما قال تعالى: }بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ{ [الحجرات: 17].

وبتكميل الإيمان تحصل سعادة الدنيا والآخرة، قال تعالى: }مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{ [النحل: 97].

والإيمان شرط لقبول العمل قال الله تعالى: }فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ { [الأنبياء: 94].

وعلى قدر تحصيل الإيمان وتحقيقه يحصل الثبات للإنسان أمام مغريات الفتن وتيارات المحن.

قال الله تعالى: }يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ{ [إبراهيم: 27].

وقال تعالى: }الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ{ [آل عمران: 173-174].

ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة بعد المائة في موضوع (القوي ) وهي بعنوان : حقيقة الإيمان القوي

 والآن ما هو الإيمان، وما هي حقيقته؟

الإيمان هو الإقرار والاعتراف المستلزم للقبول للأخبار، والإذعان للأحكام.

فلا يكفي في تحقيق الإيمان المعرفة وحدها، أو التصديق القلبي فقط؛ فلو أن رجلاً أقر بالله تعالى وبصحة نبوة محمد ﷺ ولكنه لم يقبل ويستسلم لما بلغه من أحكام الإسلام فإنه كافر وليس بمؤمن.

لأجل ذلك قال الله تعالى عن الكفار من أهل الكتاب: }الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ{ [الأنعام:

وعلى ذلك فالإيمان إقرار بالقلب وقول باللسان وعمل بالجوارح يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فأعمال

 الجوارح تبع لأعمال القلب، والإيمان يزيد حيث إقرار القلب وطمأنينته وسكونه.

والإنسان يجد ذلك من نفسه فتارة تدمع العين من تلاوة آية واحدة، وتارة لا تدمع ولو طالت القراءة. وكذلك عندما يحضر مجلس ذكر فيه موعظة فإنه

يزداد إيمانه ويشعر بإقبال على الخير، وعندما توجد الغفلة يخف ذلك اليقين في قلبه والإقبال.

وقد جاء في القرآن ما يثبت أن الإيمان يزيد وينقص، قال تعالى: }وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِيمَانًا{ [المدثر:

وقال تعالى: }وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ{ [التوبة: 124].

قال الشافعي رحمه الله: «كان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ومن أدركناهم يقولون: الإيمان

قول وعمل ونية لا يجزئ واحد من الثلاث إلا بالآخر» نقل ذلك عنه شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى.

بينما هناك من يخطئ خطأً فاحشًا فيعتقد أن الإيمان هو التصديق القلبي المجرد من قول اللسان وعمل الأركان. وذلك هو في الأصل فكر الإرجاء الذي ما زال يفتك بالأمة، والذي يقوم على مبدأ أن الإيمان الذي في القلب لا تؤثر فيه المعاصي ولا تنقص منه، وأن العمل الصالح ليس شرطًا في صحة الإيمان، ومن صوره الواقعية في العصر الحاضر تبرير العاصي لمعصيته ودفع اللوم عنه بقوله: «الإيمان في القلب، والمهم هو عقيدة القلب وإيمانه»، والبعض يقول: «دينك في قلبك»؛ فيفصلون بين الإيمان الذي في القلب – بزعمهم – وبين العمل الظاهر وأنه لا ارتباط بينهما في الزيادة والنقص أو الوجود والعدم.

وفي ذلك إلغاء لمظهر الدين والشرع، وإسراع في إزاحة الدين عن الواقع والحياة، وغسل كل أثر طيب من آثار الإيمان ونفحاته، كما أن الانتماء إلى الفكر الإرجائي يشجع على الاسترسال في المعاصي والجرأة على المحرمات، بحجة أنها لا تضر الإيمان الذي في القلب.

قال الزهري: «ما ابتدعت في الإسلام بدعة أضر على أهلها من الإرجاء».

وقال شريك القاضي عن المرجئة: «هم أخبث قوم، حسبك بالرافضة خبثًا، ولكن المرجئة يكذبون على الله».

وهنا سؤالٌ مهم جدًا:

ما هو الإيمان الذي يعصم صاحبه من عذاب الله تعالى؟

الجواب: ذلك هو الإيمان الواجب الذي يمنع صاحبه من التقصير في الواجبات، والوقوع في المحرمات على وجه الإصرار والاستهانة. لذلك جاءت النصوص بنفي الإيمان عن أهل الكبائر، ويراد بها انتفاء الإيمان الواجب ولا يُراد به انتفاء الإيمان كله، كما في حديث «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن...»[ البخاري: كتاب المظالم، باب النهي بغير إذن صاحبه. وحديث: «لا إيمان لمن لا أمانة له» ] [مسند أحمد: كتاب باقي مسند المكثرين، باب مسند أنس بن مالك رضي الله عنه.] ولعظم مكانة المؤمن عند ربه فلقد خصه الله جل وعلا بفضائل كبيرة في الدنيا، ولأجر الآخرة أكبر وأعظم.

1- معية الله تعالى للمؤمن: قال تعالى: }إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ{ [النحل: 128]. فهو معهم بالرعاية والكفاية والنصر والتأييد والهداية والتوفيق والتسديد وغير ذلك.                                                                                                                   2- الدفاع عن المؤمن: قال تعالى: }إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا{ [الحج: 38]، فيحفظهم من شر الأشرار وكيد الفجار بتأييده ونصره }وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ{ [الروم: 47].

3- تسديد المؤمن وتوفيقه للهداية: قال تعالى: }اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ{ [البقرة: 257]، أي يخرجهم من الضلالة إلى الهداية ومن الجهالة إلى الرشد.

4- وأما منزلة المؤمن في الآخرة: فهو رضوان الله وجناته ورؤية وجهه الكريم، والأنس باستماع كلامه. وحسبنا أن نورد ما أخبر به النبي ﷺ في بيان منزلة المؤمن في الآخرة: «إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب، لتفاضل ما بينهم» قالوا: يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال: «بل والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين»[ البخاري: كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة.] قال تعالى: }وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ{ [التوبة: 72].

ونكمل في اللقاء القادم والسلا