الــــــــوارث

بسم الله الرحمن الرحيم

 

( المختصر )

إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنغسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا اله الا الله ، وحده لاشريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .{ ياايها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ، ولا تموتن ألا وأنتم مسلمون } [سـورة آل عمران الآية / 120  ] { ياايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ، وخلق منها زوجها ، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً ، واتقوا الله الذي تساء لون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيـيباً} [ سـورة النسـاء الآية / 1  ]  { يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً ، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً } [ سـورة الأحزاب الآيتان / 70 ، 71 ]        و بـعـــد : فهذه الحلقة الأولى في موضوع ( الوارث) وهي بعنوان : المقدمة :

من شعارات الحياة: "كما جاءت إليك فسوف تذهب إلى غيرك"، وهو تصويرٌ دقيق لحقيقة التملّك عند الخلائق، لأن المال له دورته وعجلته التي لا تتوقّف عند أحد، ومهما استوطن المال في خزائن أحدٍ من العالمين فمصيره أن يكون إلى ورثته، أما المالك الحقيقي والوارث الفعلي للسماوات والأرض وما فيهما وما بينهما فهو الله سبحانه وتعالى . [الأنترنت – موقع إسلام ويب  - الوارث – المنجد ]

قال الشاعر :

وما المال والأهلون إلا ودائع *** ولابد يوماً أن تردّ الودائع

   جعل الله لكل واحد من بني آدم منزلين : منزلاً في الجنة، ومنزلاً في النار، ثم إن من كتب له الشقاوة من أهل الكفر والشرك يرثون منازل أهل الجنة التي كانت لهم في النار، والذين كتب لهم السعادة من أهل الجنة يرثون منازل أهل النار التي كانت لهم في الجنة، قال تعالى في حق المؤمنين المفلحين بعد أن ذكر أعمالهم التي تدخلهم الجنة : {أولئك هم الوارثون * الذين يرثون الفردوس هم فيها خلدون}[المؤمنون: 10-11] . [قاله الشيخ عمر سليمان الأشقر]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة الثانية في موضوع (الوارث) وهي بعنوان :*معنى الوارث لغة :

ورِثَ يرِث ، رِثْ ، وِرْثًا وإِرْثًا ووِراثةً ،  توارث القومُ : ورِث بعضُهم بعضًا ، توارث القومُ المالَ: ورثه بعضُهم عن بعض ، توارثوا تقاليدَ العائلة: توارثوا المجدَ كابرًا عن كابر،  توارثته الحوادثُ : توارثته المصائبُ.

أورثه شيئًا: 1 - نقله إليه أو أكسبه إيّاه :-أورثه خُلُقًا حسنًا، - أورثه أستاذُه علمًا غزيرًا.

2 - أعقبه إيّاه :-أورثه المرضُ ضعفًا، - أورث المطرُ النَّباتَ نَعْمةً، - أورثه الحزنُ همًّا: سبَّبه له.

3 - أعطاه إيّاه :- {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا}

أَوْرَثَ ، و رث : فعل رباعي متعد :

1. :-أوْرَثَهُ مَا كَانَ يَمْلِكُ :- : جَعَلَهُ يَرِثُ أمْلاَكَهُ.

2. :-أوْرَثَ ابْنَهُ الْمُتَبَنَّى :- : جَعَلَهُ مِنْ وَرَثَتِهِ.

3. :-أوْرَثَ جَمِيعَ أوْلاَدِهِ أمْلاَكاً وَأمْوَالاً :- : تَرَكَ لَهُمْ مِيرَاثاً. :-لَمْ يُورِثْهُ شَيئاً.

4. :-أوْرَثَهُ مَرَضاً مُعْدِياً :- : نَقَلَهُ إلَيْهِ.

5. :أوْرَثَهُ الْمَرَضُ عِلَّةً : سَبَّبَ. :-أوْرَثَهُ الحُزْنُ مَرَضاً.

مِيراث :جمع مَوَاريثُ: ما يُورَّث، تَرِكة الميِّت :-قسَّموا ميراثَ أبيهم بالتَّساوي، - {وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}: مُلْكُهما. وعلم المِيراث: (الفقه) علم الفرائض، وهو علمٌ يُعرف به الوَرَثة وما يستحقُّون من الميراث وموانعه وكيفيَّة قسمته بينهم. [الأنترنت – موقع المعاني]

الأصل في الاشتقاق :

الوارث على وزن اسم فاعل، من الفعل ورِث، يُقال:

ورِث أباه يرِثه، وهو أحد الأفعال الواردة بالكسر في ماضيها ومضارعها، بينما القياس في الفعل الماضي المكسور أن يكون مضارعه بالفتح، كالفعل: فرِح يفرَح.

ويُقال: ورِث وِرْثاً ووِراثة وإرْثا ورِثةً، بكسر الكلِّ، وأورثه أبوه وورّثه، أي جعله من ورثته، وتوريث النار: تحريكها لتشتعل. ومن اشتقاقات الكلمة الميراث، وهو أن يكون الشيء لقوم ثم يصير إلى آخرين بنسب أو سبب. كما قال الشاعر: 

ورثناهن عن آباء صدق **** ونورثها إذا متنا بنينا

 [الأنترنت – موقع إسلام ويب  - الوارث ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة الثالثة في موضوع (الوارث) وهي بعنوان :

*معنى الوارث إصطلاحاً :

 جاء استعمال هذا الاشتقاق في حق الله جلّ وعلا في كتابه الكريم، وذلك في آية: {ولله ميراث السماوات والأرض} (آل عمران:180)، والمعنى أن الله يفني أهلهما فتبقيان بما فيهما، وليس لأحد فيهما ملك، فخوطب القوم بما يعقلون لأنهم يجعلون ما رجع إلى الإنسان ميراثا له إذ كان ملكا له.

وآية أخرى تبيّن أن الله يورث الجنة للمؤمنين، قال تعالى: { وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء}، وتأويلها كما ذكر الإمام ابن جرير الطبري، أن الله عز وجل قد جعل أرض الجنة التي كانت لأهل النار -لو كانوا أطاعوا الله في الدنيا فدخلوها- ميراثا لنا عنهم.

  والوارث، هو اسم من أسماء الله عز وجل، يدلّ على بقائه وديمومته، فهو يرث الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين، أي يبقى بعد فناء الكل، ويفنى من سواه فيرجع ما كان ملك العباد إليه وحده لا شريك له.

وكان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- : (اللهم أمتعني بسمعي وبصري واجعلهما –وفي رواية واجعلها- الوارث مني) رواه الترمذي، والمقصود بأنه أراد بقاءهما وقوتهما عند الكبر وانحلال القوى النفسانية، فيكون السمع والبصر وارثي سائر القوى، والباقييْن بعدها، وهذا المعنى هو الذي ذكره شرّاح الحديث كالإمام ابن الأثير.

[الأنترنت – موقع إسلام ويب  - الوارث - اسم الكاتب: إسلام ويب]

   والوارث الباقي الذي يبقى بعد فناء خلقه سبحانه وتعالى ، الوارث من تؤول إليه الأشياء من تؤول إليه الممتلكات من تؤول إليه كل شيء ملكه من كان قبله فالميراث بعد أن يموت فلان ويموت الآخر فإن الورثة هم الذين يرثون الأموال يرثون العقارات يرثون هذه الأمور ثم بعد ذلك يأتي الذي بعده والذي بعده والذي بعده وهكذا وفي النهاية كل هذه الأشياء إنما هي ملكية ليست حقيقية إنما هي ملكية مجازية بمعنى أن الله جل في علاه هو المالك الحقيقي هو المتصرف الحقيقي هو المالك خلقا وتصرفا وأمرا ومصيرا كذلك فماذا يعني ذلك أنه الوارث الباقي الذي يرث كل الخلائق وهناك آيات مباركات من خلال تلاوة هذه الآيات توضح المعالم بأوسع من هذا المفهوم الذي نتكلم عنه ، قال تعالى : ( إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون ) الوارث يرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون ، وقال: ( صراط الله الذي له مافي السماوات ومافي الأرض ألا إلى الله تصير الأمور ) تصير لمن إذا لم يكن الأمر لله سبحانه وتعالى الوارث هو الباقي بعد فناء خلقه فهو الملك المتصرف خلقا وأمرا وتصرفا وتدبيرا وفي النهاية تصير الأمور إليه سبحانه وتعالى .[الأنترنت- موقع  موضوع: أسماء الله الحسنى ( الوارث جل جلاله  -الشيخ ابراهيم بن عوض أيوب – جدة]

 إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة الرابعة في موضوع (الوارث) وهي بعنوان :*معنى الوارث إصطلاحاً :

وتكاد تتفق كلمة العلماء على أن "الوارث" هو الذي يرث السماوات والأرض وما فيهما بعد موت الخلائق وانتهائها، فيكون باقياً بعد فناء الخلائق، مما يدلّ على العلاقة الوثيقة والاشتراك المعنوي الكبير بين اسم الله "الوارث" واسمه "الباقي" فكلاهما يدلّ على أنه سبحانه هو المتفرّد بالملك والبقاء عند تعميم الهلاك والفناء، فتكون له الأبديّة التامّة التي تنتهي إليها الأمور.

يقول ابن الأثير: "الوارث: هو الذي يرث الخلائق، ويبقى بعد فنائهم"، ومن شرح الإمام الخطابي لهذا الاسم قوله: "الوارث: هو الباقي بعد فناء الخلق، والمسترد أملاكهم وموارثهم بعد موتهم، ولم يزل الله باقيًا مالكًا لأصول الأشياء كلها، يورثها من يشاء ويستخلف فيها من أحب".

وفي ضوء ما سبق، قام المفسّرون بتفسير الآيات

التي ورد فيها اسم الله "الوارث" :

يقول أبوالسعود في تفسير قوله تعالى:{وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون} (الحجر:23): " (ونحن الوارثون): أي الباقون بعد فناء الخلق قاطبة، المالكون للملك عند انقضاء زمان الملك، الحاكمون في الكل أولاً وآخراً، وليس لهم إلا التصرف الصوري والملك المجازي"، ويقول الإمام البغوي عند تفسير قول الله تعالى: {وأنت خير الوارثين} (الأنبياء: 89): "أثنى على الله بأنه الباقي بعد فناء الخلق، وأنه أفضل من بقي حياً"، ويقول الإمام الطبري في بيان معنى قوله تعالى: {وكنا نحن الوارثين} (القصص:58): " ولم يكن لما خّربنا من مساكنهم منهم وارث، وعادت كما كانت قبل سكناهم فيها،لا مالك لها إلا الله، الذي له ميراث السماوات والأرض". [ الأنترنت – موقع إسلام ويب  - الوارث - اسم الكاتب: إسلام ويب ]

   والوَارِثُ : صفةٌ من صفات الله عزَّ وجلَّ ؛ وهو الباقي الدائم الذي يَرِثُ الأَرضَ ومَن عليها، أي يبقى بعد فناء الكل ويَفْنَى مَن سِوَاه فيرجِع ما كان مَلَكَ العبادُ إليه وحدَه لا شريكَ له .[الأنترنت – موقع المعاني]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة الخامسة في موضوع (الوارث) وهي بعنوان :*معنى الوارث إصطلاحاً :

من معاني الوارث :

1 ـ الوارث سبحانه وتعالى هو الباقي الدائم بعد فناء الخلق : أما " الوارث "سبحانه وتعالى قال هو الباقي الدائم بعد فناء خلقه ، أحياناً يخطر في بالي ، حينما أرى سوقاً من أسواق دمشق العريقة وليكن سوق الحمدية ، أقول : كل خمسين عاماً يكون في أشخاص جدد في هذه المحلات ، يكبر الإنسان ، يقعد في البيت ، يتولى أولاده العمل من بعده ، توافيه المنية ، يبيعون المحل ، يقتسمون التركة ، يأتي إنسان جديد ، هذه البيوت كلها ، وهذه الأسواق كلها ، كل خمسين عاماً تقريباً هناك أناس جدد .

مرة قرأت كتاباً من أربعة أجزاء عن قصص العرب ، اتعظت بعد قراءته موعظة بالغة ، وجدت أن الأقوياء ماتوا ، والضعفاء ماتوا ، والأغنياء ماتوا ، والفقراء ماتوا ، والأصحاء ماتوا ، والمرضى ماتوا ، والأذكياء ماتوا ، والأغبياء ماتوا ، وكل مخلوق سوف يموت ، ماذا بعد الموت ؟ هنا البطولة .

" الوارث " سبحانه وتعالى هو الباقي الدائم بعد فناء الخلق

و " الوارث " صفة من صفات الله جلّ جلاله ، وهو الباقي الدائم الذي يرث الخلائق ويبقى بعد فنائهم ، فالله : " نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا " وهو " خَيْرُ الْوَارِثِينَ " .

هذه المنطقة ،منطقة الشرق الوسط، جاءها الرومان ، وجاءتها شعوب كثيرة ، أين هي ؟ تحت أطباق

 الثرى ، الله يرث الخلق ، بل هو " خَيْرُ الْوَارِثِينَ " أي يبقى بعد فناء خلقه جميعاً فيفنى من سواه، ويرجع  ما كان،فيرجع الأمر إلى الله عز وجل"خَيْرُ الْوَارِثِينَ "

إذا كان الخلائق يتعاقبون على الأرض، فيرث المتأخر المتقدم ،ويرث الولد الوالد ،والزوج زوجته ، وهكذا ، ويستمر التوارث حتى ينقطع حبل الحياة في الدنيا ، فإنه لا يبقَ إلا الوارث هو الله مالك الملك ، قال تعالى : " وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ " [آل عمران:180] فالوارث هو الباقي بعد فناء خلقه أو" الوارث " لجميع الأشياء بعد فناء أهلها

2 ـ الذي أورث المؤمنين ديار الكافرين في الدنيا :

" الوارث " هو معنى جديد ، هو الذي أورث المؤمنين ديار الكافرين في الدنيا ، كما قال تعالى : " وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً " [الأحزاب:27] يعني يرث ويورث .

3 ـ الذي أورث المؤمنين مساكنهم في الجنة :

ثم إن الله سبحانه وتعالى " الوارث " الذي أورث

 المؤمنين مساكنهم في الجنة ، أنا حينما أعزّي أحداً ، وأدعو له أقول له : اللهم أبدله أهلاً خيراً من أهله ، وداراً خيراً من داره ، وجيراناً خيراً من جيرانه .

إذاً الله " الوارث " يبقى بعد فناء خلقه ، ويورث المؤمنين بعض ما كان بأيدي الكافرين ، وثالثاً قد يورث المؤمن قصراً في الجنة .

" وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ " [الزمر:73] المعنى دقيق جداً ، أحياناً إنسان درس في الجامعة،ونال الدكتوراه ، وفتح عيادة ، وفتح الله عليه دخلاً وفيراً ، وعاش في بحبوحة ، مسكن فخم ،وزوجة ، وأولاد ، ومكانة اجتماعية ، إذا مرّ أمام الجامعة ماذا يخطر في باله ؟ يقول : لولا هذه الجامعة والتحاقي بها ، و دراستي فيها ، ونيل الدكتوراة ، ما كنت بهذه البحبوحة . [ الأنترنت- موقع الكلم الطيب...للدكتور محمد راتب النابلسي ]

  والوارث هو الذي ترجع إليه الأملاك بعد فناء الملاك وذلك هو الله سبحانه وتعالى إذ هو الباقي بعد فناء الخلق وإليه مرجع كل شيء ومصيره وهو القائل إذ ذاك {لمن الملك اليوم} 40 سورة غافر الآية 16 وهو المجيب {لله الواحد القهار} [40 سورة غافر الآية 16 ] وهذا بحسب ظن الأكثرين إذ يظنون لأنفسهم ملكا وملكا فينكشف لهم ذلك اليوم حقيقة الحال وهذا النداء عبارة عن حقيقة ما ينكشف لهم في ذلك الوقت

    فأما أرباب البصائر فإنهم أبدا مشاهدون لمعنى هذا النداء سامعون له من غير صوت ولا حرف موقنون بأن الملك لله الواحد القهار في كل يوم وفي كل ساعة وفي كل لحظة وكذلك كان أزلا وأبدا وهذا إنما يدركه من أدرك حقيقة التوحيد في الفعل وعلم أن المنفرد بالفعل في الملك والملكوت واحد وقد أشرنا إلى ذلك في أول كتاب التوكل من كتاب إحياء علوم الدين فليطلب منه فإن هذا الكتاب لا يحتمله

[الأنترنت- موقع  المقصد الأسنى – محمد الغزالي ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة السادسة في موضوع (الوارث) وهي بعنوان :

* آيات ورد فيها "الوارث" ومشتقاته :

قال تعالى : {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَٰلِكَ }﴿٢٣٣ البقرة﴾

قال تعالى : {وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }﴿١٨٠ آل عمران﴾

قال تعالى : {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ }﴿١١ النساء﴾

قال تعالى : {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ

أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ }﴿١٢ النساء﴾

قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا }﴿١٩ النساء﴾

قال تعالى:{وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ}﴿١٧٦ النساء﴾

قال تعالى : {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }﴿٤٣ الأعراف﴾

قال تعالى : {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ }﴿١٠٠ الأعراف﴾

قال تعالى : {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ }﴿١٢٨ الأعراف﴾

قال تعالى : {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ

مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا}﴿١٣٧ الأعراف﴾

قال تعالى : {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ } ﴿١٦٩ الأعراف﴾

قال تعالى : {وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ } ﴿٢٣ الحجر﴾

قال تعالى:{يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا }﴿٦ مريم﴾

قال تعالى :{يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ }﴿٦ مريم﴾

قال تعالى : { إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ }﴿٤٠ مريم﴾

قال تعالى : { تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ

كَانَ تَقِيًّا }﴿٦٣ مريم﴾

قال تعالى : { وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا }﴿٨٠ مريم﴾

قال تعالى : { رَبِّ لَاتَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ } ﴿٨٩ الأنبياء﴾

قال تعالى : { أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ } ﴿١٠٥ الأنبياء﴾

قال تعالى : { أُولَٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ }﴿١٠ المؤمنون﴾

قال تعالى : {الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } ﴿١١ المؤمنون﴾

قال تعالى:{كَذَٰلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ}﴿٥٩ الشعراء﴾

قال تعالى : { وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ } ﴿٨٥ الشعراء﴾

قال تعالى : { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ }﴿١٦ النمل﴾

قال تعالى:{وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}﴿٥ القصص﴾

[الأنترنت – موقع المعاني - آيات ورد فيها "الوارث"]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة السابعة في موضوع (الوارث) وهي بعنوان :*أدلة هذا الاسم من النصوص الشرعيّة:

ورد اسم الله الوارث في القرآن الكريم ثلاث مرّات، في قوله تعالى: {وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون} (الحجر:23)، وقوله تعالى: {وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين} (الأنبياء: 89)، وقوله عز وجل: { وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين} (القصص:58).

وورد في موضع واحد بصيغة الفعل، في قوله تعالى: { إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون} (مريم:40). [الأنترنت – موقع إسلام ويب  - الوارث - اسم الكاتب: إسلام ويب]

*آثار الإيمان بهذا الاسم:

أولاً: الصبر على الحق والتواصي عليه، وعدم اليأس

من انتفاش الباطل وسطوته، أو الحزن من تسلّط

أعداء الرسالات والمتآمرين على شريعة الله؛ فإنهم مهما طغوا وتجبّروا، وعتوا عما نهوا عنه، وتنكّبوا عن سبيل الحق، وظنوا ما لهم من محيص، وأمعنوا في عداوة الصالحين ومحاربتهم بشتّى الوسائل، فإن مصيرهم إلى زوال، وليس لهم إلا ذلك النطاق الزمني اليسير ليستكبروا بغير الحق ويتحكّموا في رقاب الناس، ثم يرث الله عز وجل الأرض ومن عليها وإليه يُرجعون.

فالعاقبة للمتقين والعقبى لهم، وما على المؤمنين سوى الاستعانة بالله جلّ وعلا والتوكّل عليه، وهذا هو عين ما دعا إليه موسى عليه السلام حين خاف أتباعه من بطش فرعون وقومه: {قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين} (الأعراف:128)، هذه هي قصّة المدافعة بين الحق والباطل في الدنيا، أما في الآخرة: { وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون} (الزخرف:43).

ثانياً: استنهاض الهمم في مجالات الخير، لاسيما الإنفاق في سبيل الله، انطلاقاً من الإدراك العميق بأن ما بين أيدينا من الأموال إنما هي ودائع استخلفنا الله تعالى عليها لينظر كيف سنتصرّف وفيها ونتعامل بها:

وما المال والأهلون إلا ودائع *  ولابد يوماً أن تردّ الودائع

فهو ترغيبٌ في إنفاق المال في وجوه الخير، وعدم البخل به واكتنازه، ونستبين هذه الدعوة من خلال قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: (يقول العبد: مالي، مالي، إنما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو أعطى فاقتنى، وما سوى ذلك فهو ذاهب، وتاركه للناس) رواه مسلم.

ويُفهم مما سبق أن على المسلم أن يستعمل ما رزقه الله تعالى من الطيبات فيما يُرضيه ويُحبّه، ويتنافس مع إخوانه في الخيرات، وألا يغترّ بزهرة الحياة الدنيا الفانية.

ثالثاً: اسم الله "الوارث" يكشف حقيقة التملك عند الخلائق، فملكهم إلى زوال، وهو ملكٌ ناقصٌ ولحظيّ غير دائم، ناقصٌ من ناحية الكمّ إذ يبقى محدوداً بما وهبه الله، ومن ناحية القدرة على التصرّف شرعاً وقدراً، ولحظيٌّ مآله إلى زوال ثم يتركه إلى ورثته، بينما نجد أن ملك الله شاملٌ وكاملٌ لا يعتريه نقص، وباقٍ دائم لا يعتريه زوال، فهو الوارث على جهة الشمول والكمال، وهذا يجعلنا استحضار عظمة الله سبحانه وتعالى [الأنترنت – موقع إسلام ويب  - الوارث - اسم الكاتب: إسلام ويب]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة الثامنة في موضوع (الوارث) وهي بعنوان :*ومن آثار الإيمان بهذا الاسم العظيم

[اشتقاق الأسماء ص 173، نقلاً عن كتاب "النهج الأسمى

في شرح أسماء الله الحسنى": (2/288) ] :

أوَّلاً: الله جلَّ شأنه هو الباقي بعد فناء خلْقِه، الحيّ الَّذي لا يَموت، الدَّائم الذي لا ينقطع، وإليْه مرجع كلّ شيء ومصيره، فإذا مات جَميع الخلائق وزال عنْهم ملكُهم، كان الله تعالى هو الباقي الحقّ، المالك لكلِّ الممْلوكات وحده، وهو القائل: ﴿ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ﴾ [غافر:16]، فيُجيب سبحانه نفسه: ﴿ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾ [غافر:16]، وقال تعالى: ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ [الرحمن: 26، 27]، وقال سبحانه: ﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ﴾ [القصص:88].

ثانيًا: بيَّن الله تعالى لعباده أنَّه هو الوارث لِما أهْلك من القرى الظَّالمة، الَّتي كانت تعِيش في أمْنٍ ودَعة ورغْد العيْش، حتَّى أصابَهم الأشَر والبطَر، فلم يقوموا بحقِّ النِّعْمة، ولم يَشكروا ربَّهم الَّذي وهبهم، قال تعالى: ﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ﴾ [القصص:58].

فقوله تعالى: ﴿ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً ﴾؛ أي: إلاَّ زمانًا قليلاً؛ إذ لا يسكنُها إلاَّ المارَّة يومًا أو بعْض يوم، وبقِيت شاهدةً على مصْرع أهلها وفنائِهم، وعِبرةً لِمَن كان له قلبٌ أوْ ألْقى السَّمع وهو شهيد.

قوله تعالى: ﴿ وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ﴾؛أي: منْهم؛ إذ لَم يَخْلُفهم أحدٌ يتصرَّف تصرُّفهم في ديارهم وأموالهم، بل

كان الله وحده الوارثَ لدِيارهم وأموالهم، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ﴾ [مريم:40].

قال أبو البقاء الرندي:

أَيْنَ المُلُوكُ ذَوُو التِّيجَانِ مِنْ يَمَنٍ **** وَأَيْنَ مِنْهُمْ أَكَالِيلٌ وَتِيجَانُ؟

وَأَيْنَ مَا شَادَهُ شَدَّادُ فِي إِرَمٍ؟ ******وَأَيْنَ مَا سَاسَهُ فِي الفُرْسِ سَاسَانُ؟

وَأَيْنَ مَا حَازَهُ قَارُونُ مِنْ ذَهَبٍ ******وَأَيْنَ عَادٌ وَشَدَّادٌ وَقَحْطَانُ؟

أَتَى عَلَى الكُلِّ أَمْرٌ لا مَرَدَّ لَهُ ****** حَتَّى قَضَوْا فَكَأَنَّ القَوْمَ مَا كَانُوا

وَصَارَ مَا كَانَ مِنْ مُلْكٍ وَمِنْ مَلِكٍ ***** كَمَا حَكَى عَنْ خَيَالِ الطَّيْفِ وَسْنَانُ

ثالثًا: حثَّ الله عبادَه المؤمنين على النَّفقة في سبيلِه، وذكَّرهم أنَّهم مستَخْلفون فيما عندهم من الأمْوال لا يَملكونَها حقيقة؛ وإنَّما المالُ مال الله، قال تعالى: ﴿ آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ [الحديد:7]، روى مسلمٌ في صحيحِه من حديثِ أبِي هُرَيْرة رضِي اللَّه عنْه أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليْه وسلَّم قال: ((يقول العبد: مالِي مالي، إنَّما له من مالِه ثلاث: ما أكل فأفْنَى، أو لبِس فأبْلى، أو أعطى فاقتنى، وما سوى ذلك فهو ذاهبٌ وتاركُه للنَّاس))[ ص 1187 برقم 2959]

رابعًا: دعوة زكريا عليه السَّلام ربَّه أن يهبَه ولدًا يكون من بعده نبيًّا، وقد بلغ من الكِبر عتيًّا وامرأته عاقر، وقد حكى اللهُ ذلك في كتابِه، قال تعالى: ﴿ وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾ [الأنبياء: 89، 90]؛ أي: ارزُقْني وارثًا من آل يعقوب يرثني.

خامسًا: أنَّ الله تعالى هو الوارِث، فهو الَّذي يُورث

الأرْضَ مَن يَشاء من عباده، قال تعالى عن نبيّ الله موسى وهو يُخاطب قومَه: ﴿ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الأعراف:128].

سادسًا: أنَّ الله تعالى جعل الجنَّة ثوابًا للمتَّقين، وهو

 يُورثهم إيَّاها، قال تعالى: ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف:43]، [انظر: النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى: (2/287-291).]

 [ الأنترنت – موقع  الألوكة - شرح اسم الله "الوارث" -    د. أمين بن عبدالله الشقاوي ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة التاسعة في موضوع (الوارث) وهي بعنوان :*ومن آثار الإيمان بهذا الاسم العظيم

ومن ذلك: أن النصر مع الصبر وأن التمكين مع

الثبات وأن العطاء الجميل لا يكون إلا من ملك متصرف وارث لكل شيء قال تعالى (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۖ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ۖ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ) [الأعراف137].

ومن ذلك: استنهاض الهمم في مجالات الخير، لاسيما الإنفاق في سبيل الله، انطلاقاً من الإدراك العميق بأن ما بين أيدينا من الأموال إنما هي ودائع استخلفنا الله تعالى عليها لينظر كيف سنتصرّف وفيها ونتعامل بها هو ترغيبٌ في إنفاق المال في وجوه الخير، وعدم البخل به واكتنازه، ونستبين هذه الدعوة من خلال قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: (يقول العبد: مالي، مالي، إنما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو أعطى فاقتنى، وما سوى ذلك فهو ذاهب، وتاركه للناس) (رواه مسلم).

هذا عثمان رضي الله عنه في عام الرمادة وقد أشتد بالمسلمين الفقر والجوع جاءت تجارته من الشام   ألف بعير محملة بالتمر والزيت والزبيب فجاءه تجار المدينة  وقالوا له تبيعنا و نزيدك الدرهم درهمين  ؟ فقال عثمان بن عفان رضي الله عنه لهم لقد بعتها بأكثر من هذا . فقالوا نزيدك الدرهم بخمسة ؟ فقال لهم عثمان رضي الله عنه لقد زادني غيركم الدرهم بعشرة : فقالوا له فمن الذي زادك ؟ وليس في المدينة تجار غيرنا ؟ فقال لهم عثمان رضي الله عنه لقد بعتها لله ولرسوله  فهي لفقراء المسلمين .. الله أكبر ...  ماذا لو لم يكن يحمل بين جوانحه ضمير المؤمن الحي وعنده عقيدة بأن الوارث هو الله وأن ما عند الله خير وابقى لكانت هذه الفرصة لا تعوض ليربح أموال طائلة  ومكاسب كبيرة في نظر كثير  من الناس الذين لا يعقلون بأن كل شيء يذهب ويرحل ويبقى الوارث سبحانه يجازي عباده ؛اللهم اجعلنا ممن يرثون الأرض ويعمرونها بطاعتك واجعلنا من ورثة جنتك مع الصالحين من عبادك  [ الأنترنت- موقع عيون نت - اسم الله الوارث وآثاره الإيمانية - الكاتب : حسان احمد العماري ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة العاشرة في موضوع (الوارث) وهي بعنوان

*الوارث اسم من اسماء الله الحسنى وصفة من صفاته :

 قال تعالى:﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف:180].

روى البخاريُّ ومسلم من حديثِ أبِي هُرَيرة رضِي اللَّه عنْه أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليْه وسلَّم قال: ((إنَّ لله

تسعةً وتسعين اسمًا مائة إلاَّ واحدًا، مَن أحْصاها دخل الجنَّة))[ ص 526 برقم 2736، وصحيح مسلم: ص 1075 برقم 2677 ]

ومِن أسماء الله الحُسْنى الَّتي وردتْ في الكتاب

 العزيز "الوارث"، قال الزجَّاج: "الوارثُ كلّ باقٍ بعد ذاهبٍ فهو وارث"[تفسير الأسماء: ص 65 ] ، وقال الحليمي: "الوارث معناه الباقي بعد ذهاب غيره" [تفسير الأسماء: ص 65[المنهاج (1/189)، نقلاً عن كتاب "النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى" للنجدي (2/289).]

، قال تعالى:﴿وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ ﴾ [الحجر:23]، وقال تعالى عن نبيّ الله زكريَّا: ﴿ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ﴾ [الأنبياء:89]، وقال تعالى: ﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ﴾ [القصص:58].

قال ابن جرير رحِمه الله: "ونحن نرِثُ الأرض ومَن

 عليها؛ بأن نُميتَ جميعَهم فلا يبقى حيّ سوانا إذا جاء

ذلك الأجل" [جامع البيان (7/507) ] وقال الزَّجَّاجي: "الله عزَّ وجلَّ وارث الخلْق أجمعين؛ لأنَّه الباقي

بعدهم وهم الفانون،كما قال عزَّ وجلَّ: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ﴾ [مريم:40]".

[الأنترنت – موقع  الألوكة - شرح اسم الله "الوارث" -د. أمين بن عبدالله الشقاوي]

إنه الله الوارث {وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ} [الحجر: 23] الوارث  الذي يرث الأرض ومن عليها، ولا يبقى إلا هو جل شأنه.

الوارث  الباقي بعد خلقه؛ لتمام ملكه، فإلى ملكه يؤول كل ملك.

الوارث  ينذر من ظلم وطغى وتجبر أن المرد إلى الله، لأنه الوارث.

الوارث يحث عباده على النفقة في سبيله جل شأنه؛ فالمال عارية والعمر ذاهب ،والرجوع إلى الله الوارث.

الوارث يحذر عباده من عدم شكره؛ فأصل النعمة منه ومآلها إليه.

الوارث  يرث الأرض وما عليها، وكلُ باقٍ بعد ذاهب فهو وارث، { وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ } [القصص: 58] إنه الله الوارث.. [الأنترنت – موقع الله الوارث]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة الحاديةعشرة في موضوع (الوارث) وهي بعنوان*معنى(الوارث) في حق الله عز وجل :

قال الزجاجي: "الله - عز وجل - وارث الخلق أجمعين،لأنه الباقي بعدهم وهم الفانون كما قال عز وجل -:{إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} مريم: 40.

ويقول الخطابي:"(الوارث) هو: الباقي بعد فناء الخلق والمسترد أملاكهم وموارثهم بعد موتهم،ولم يزل الله باقيًا مالكًا لأصول الأشياء كلها يورثها من يشاء، ويستخلف فيها من أحب".

*ومن آثار الإيمان باسمه سبحانه (الوارث)

1- السعي في هذه الدنيا للتقرب إلى الله عز وجل وجنته بالعلم النافع والعمل الصالح؛

وذلك للفوز بالجنة التي لا يورثها الله عز وجل إلا للمتقين:{ تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا } [مريم:63]. واللهج بالدعاء الذي دعا به إبراهيم عليه السلام:{وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ} [الشعراء:85].

2- عدم الاغترار بقوة الباطل وانتفاشه فإن الله - عز وجل - له بالمرصاد وسيأتي الوقت الذي يزهقه الله فيه،ويورث عباده المؤمنين ديارالكافرين ويمكنهم فيها.

وقوله سبحانه: { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَن الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: 105].

3- عدم الاغترار بالدنيا والحذر من الركون إليها، لأن مآلها إلى الفناء ولا يبقى إلا ما قدمه العبد لنفسه يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم:(يقول ابن آدم: مالي مالي. قال: وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت).رواه مسلم

4- التعلق بالله وحده، والتوكل عليه في حفظ من يبقى للعبد بعد موته من مال، وولد وهو خير الوارثين.

5- التبرؤ من الحول والقوة في كسب المال، والنظر إلى أن المالك الحقيقي هو الله - عز وجل - وإنما وضعه الله في أيدي الناس للاختبار، وهذا يحفز العبد إلى الإنفاق في سبيل الله - عز وجل - والجود

به في سبيل مسديه.

قال سبحانه: { وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } [الحديد: 10].

[الأنترنت- موقع حياة القلوب في معرفة علام الغيوب - ولله الأسماء الحسنى - عبد العزيز الجليل]

*«الوارث» .. تفرد بالبقاء بعد هلاك كل شيء إلا وجهه

«الوارث» اسم من أسماء الله الحسنى،ومعناه الباقي، ولأن الله سبحانه وتعالى حي باق على الدوام فهو الوارث، كل ما بأيدي الخلق مصيره إليه، اسم يدل على بقائه وديمومته، فهويرث الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين، يبقى بعد فناء الكل، ويفنى من سواه فيرجع ما كان ملكاً للعباد إليه وحده لا شريك له. ويتفق العلماء على أن «الوارث» هو الذي يرث السماوات والأرض وما فيهما بعد موت الخلائق وانتهائها، هو المتفرد بالملك والبقاء عند تعميم الهلاك والفناء، فتكون له الأبدية التامة التي تنتهي إليها الأمور.

إن الله تعالى هو الوارث الحق، لأن كل شيء مملوك له وحده لا شريك له،الذي يورث من يشاء بما يشاء فيجعل إرثه حيث يشاء، وينقل ملكه ممن يشاء لمن يشاء بأي سبب ونسب شاء ومتى شاء.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة الثانية عشرة في موضوع (الوارث) وهي بعنوان :*الإطلاق والتعظيم

وجاء هذا الاسم في القرآن الكريم بصيغة الجمع، ورد على سبيل الإطلاق والتعظيم كما في قوله تعالى: (وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلاً وكنا نحن الوارثين)، «سورة القصص: الآية 58»، وقوله: (وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون)، «سورة الحجر: الآية 23»، وورد في دعاء زكريا عليه السلام: (وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين)، «الأنبياء: الآية 89»، وورد في موضع واحد بصيغة الفعل، في قوله تعالى: (إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون)، «سورة مريم: الآية 40».

قال الإمام الغزالي: إن «الوارث» هو الذي ترجع إليه الأملاك بعد فناء المُلاك، إذ هو الباقي بعد فناء خلقه، وإليه مرجع كل شيء ومصيره، وهو القائل: «لمن الملك اليوم»، وهو المجيب «لله الواحد القهار». والإمام الرازي يقول، الوارث مالك جميع الممكنات هو الله سبحانه وتعالى، ولكنه بفضله جعل بعض الأشياء ملكاً لبعض عباده، فالعباد إنما ماتوا وبقي الحق سبحانه وتعالى.

وارث الخلق : وقال الزجاج، الوارث كل باق بعد ذاهب فهو وارث، والله عز وجل وارث الخلق أجمعين، لأنه الباقي بعدهم وهم الفانون، كما قال عز وجل:(إنانحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون) ، «سورة مريم: الآية 40». وقال الحليمي، الوارث معناه الباقي بعد ذهاب غيره.

ويقول ابن الأثير، الوارث هو الذي يرث الخلائق، ويبقى بعد فنائهم، ومن شرح الإمام الخطابي لهذا الاسم قوله، الوارث هو الباقي بعد فناء الخلق، والمسترد أملاكهم وموارثهم بعد موتهم، ولم يزل الله باقياً مالكاً لأصول الأشياء كلها، يورثها من يشاء ويستخلف فيها من أحب.

ويقول الإمام البغوي عند تفسير قول الله تعالى:

 (وأنت خير الوارثين)، أثنى على الله بأنه الباقي بعد

فناء الخلق، وأنه أفضل من بقي حيا.

واسم الله الوارث يدل على ذات الله وعلى صفة البقاء المطلق، ويدل على الحياة والقيومية، والقوة

والأحدية، والقدرة والصمدية والكبرياء والعزة، والملك والعظمة، وكل ما يلزم لمعنى البقاء وما يترتب عليه،

واسم الله الوارث دلّ على صفة من صفات الذات والفعل معاً.

*المالك لكل المملوكات : إذا مات جميع الخلائق وزال عنهم ملكهم، كان الله تعالى هو الباقي الحق، المالك لكل المملوكات وحده، والوارث سبحانه هو الباقي وغيره هالك فان، والخلائق يتعاقبون على الأرض، فيرث المتأخر المتقدم، والولد والده، ويستمر التوارث حتى ينقطع حبل الحياة، ولا يبقى في الأخير غير الله الوارث الكبير، فالوارث سبحانه هو الباقي بعد فناء الخلق، أو الوارث لجميع الأشياء بعد فناء أهلها، قال تعالى: (ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير)، «سورة آل عمران: الآية 180». و«الوارث» صفة من صفات الله جل جلاله، الذي أورث المؤمنين ديار الكافرين في الدنيا، كما قال تعالى: (وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطأوها وكان الله على كل شيء قديراً)، والذي أورث المؤمنين مساكنهم في الجنة، (وقالوا الحمد له الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء)، «سورة الزمر: الآية 73».

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة الثالثة عشرة في موضوع (الوارث) وهي بعنوان : القدرة :

واسم الله «الوارث» يكشف حقيقة التملك عند الخلائق، فملكهم إلى زوال، وهو ملك ناقص ومؤقت غير دائم، ناقص من ناحية الكم إذ يبقى محدوداً بما وهبه الله، ومن ناحية القدرة على التصرف شرعاً وقدراً، ومآله إلى زوال، ثم يتركه إلى ورثته، بينما ملك الله شامل وكامل لا يعتريه نقص، وباق دائم لا

 يعتريه زوال، فهو الوارث على جهة الشمول والكمال.

وبقاء المخلوقات في الجنة لا يعني أنها تشارك الله في البقاء، وكذلك فإنها لا تتعارض مع اسم الله الوارث، لأن خلد الجنة وأهلها إلى ما لا نهاية إنما هو بإبقاء الله وإرادته، فالبقاء عندهم ليس من طبيعة المخلوقات ولا من خصائصها الذاتية، بل من طبيعتها جميعاً الفناء، أما صفات الله عز وجل فهي صفات باقية ببقائه وببقاء ذاته سبحانه وتعالى له فهو الوارث لجميع الخلائق في الدنيا والآخرة.[الأنترنت- موقع الإتحاد - «الوارث» .. تفرد بالبقاء بعد هلاك كل شيء إلا وجهه- أحمد محمد ]

*الموت بوابة الخروج : لذلك كلمة " الوارث " هذا المال ليس لك ، هذا البيت لن تبقى فيه إلى أبد الآبدين ، هذه الزوجة الرائعة لن تبقى معها ، إما أن تغادرك ، أو أن تغادرها ، هذا المحل التجاري ، هذا المكتب الفخم ، هذه السيارة الفارهة ، هذا الذي تستمتع به ، لا يمكن أن يبقى لك دائماً .

بالمناسبة ، يستطيع واحد منا وأنا معكم أن يقول أنا أستيقظ كل يوم كاليوم السابق إلى ما شاء الله ؟

مستحيل ، لابدّ أن يطرأ علينا طارئ في أحد الأيام ، هذا الطارئ لا نعلم ، من الدماغ ، من القلب ، من الكليتين ،من الكبد ، بحادث سير لا نعرف،هذا المرض الذي ينهي الإنسان أنا أسميه بوابة الخروج،ماذا أعددت لبوابة الخروج؟ .

[الأنترنت- موقع الكلم الطيب...للدكتور محمد راتب النابلسي]

*العمل الصالح في الحياة الدنيا ثمن للآخرة :

الآن الله جعل العمل الصالح في الحياة الدنيا ثمناً للآخرة ، جعل من العمل الصالح في الدنيا ثمناً للآخرة ، فالإنسان وهو في الجنة يقول : لولا أن الله جاء بنا إلى الدنيا ، وفي الدنيا تعرفنا إلى الله ، تعرفنا إلى أسمائه الحسنى وصفاته الفضلى ، تعرفنا إلى عظمته ، أطعناه، عبدناه ، أدينا الصلوات الخمس ، صمنا رمضان ، حججنا بيت الله الحرام ، أنفقنا من أموالنا ، حضرنا مجالس العلم ، لولا أن الله أورثنا الأرض ، وفي الأرض تعرفنا إلى الله ، وتبنا إليه ، واصطلحنا معه ، وقدمنا الأعمال الصالحة ، لما كنا في الجنة ، الآن هذا معنى الآية : " وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ "لولا أننا جئنا إلى الأرض،وعرفنا ربنا في الأرض،واستقمنا على أمره في الأرض،وعملنا الأعمال الصالحة ، لما كنا في الجنة .

كما يمر الطبيب أمام جامعته ، لولا أنني التحقت في الجامعة ، وأمضيت سنوات سبع ، أدرس ، وأحضر ، وأذاكر ، وأتابع ، وأجرب ، لما كنت في هذه الحياة المريحة بعد التخرج ، وقال تعالى : " تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً " [مريم:63] . [الأنترنت- موقع الكلم الطيب...للدكتور محمد راتب النابلسي]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة الرابعة عشرة في موضوع (الوارث) وهي بعنوان : *أقوال العلماء في اسم الله الوارث:

قال الزجاج أن الوارث هو كل ما يتبقى بعد الذهاب، ويطلق عليه اسم وارث.

قال ابن جرير على قول الله تعالى أنه يرث الأرض ومن عليها، حيث أنه يميت كل المخلوقات ولم يتبقى حي سواه.

قال ابن الأثير أن الوارث هو من يرث الخلائق بعد أن يفنى الجميع.

قال أبو السعود في تفسير قول الحق تعالى: " إنا

لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون" سورة الحجر:23،

والمراد من قول نحن الوارثون هنا بمعنى من يبقى بعد أن يفنى الخلق جميعه، المالكون للملك بعد أن ينتهي زمان الملك، والحاكمون أولاً وأخيراً في الكل.

يقول الطبري في تفسير قول الله جل جلاله: " وكنا نحن الوارثين" سورة القصص:58.

قال الحليمي أن المعنى من الوارث هو الذي يبقى بعد أن يذهب الجميع إليه.

قال الزجاجي أن الله جل جلاله هو الوارث لجميع الخلق، حيث أن جميعهم يفنون ويبقى الله وحده لا شريك له، كما قال الله سبحانه وتعالى: " إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ

الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ" سورة مريم:40.

قال الخطابي أن الوارث هو من يفني جميع الخلق ويبقى هو، كما أنه من يسترد بعد موتهم موارثهم وأملاكهم، ولم يزل الله مالكاً باقياً لأصل كل شئ، يورثها لمن يشاء ويستخلف من أحب فيها.

قال البغوي في تفسير قول الحق سبحانه وتعالى: " وأنت خير الوارثين" سورة الأنبياء:89، وهذا ثناء على بقاء الله جل جلاله، بالإضافة لأنه أفضل من بقى حياً. [ الأنترنت- موقع معرفة - بواسطة : سجود علي ]

   واسم الوارث من أسماء الله الحُسنى التي سمى بها نفسه -عز وجل-، ولأسمائه الحُسنى أفضال عظيمة، ولكل اسم صفاته الخاصة التي تُناسب عظمة الله سُبحانه وتعالى، واسم الوارث هو تصوير دقيق لحقيقة التملُك عند الخلائق، وكما هو معروف أن من شِعارات الحياة كما جاءت إليك ستذهب لغيرك، لأن المال والعقار له دورته وعجلته التي لا تتوقف عند أحد، ومهما طال المملوك في خزائن أحد من الخلائق فمصيره أن يكون للورثة من بعده، أما الوارث الحقيقي والفعلي للسماوات والأرض هو الله -عز وجل- لأنه يبقى بعد زوال الخلائق جميعها ويرِث الأرض، وجاء اسم الوارث في أكثر من موضع في القراَن الكريم، هذا المقال يُبين معنى اسم الله الوارث ويوضح كيفية تطبيقه. معنى اسم الله الوارث تعدد معنى اسم الله الوارث عند العلماء فمنهم من قال: الوارث كل باقٍ بعد ذاهبٍ، وقسم اَخر فسّر الاسم بأنه الباقِ بعد ذهاب غيره، وجاء في قوله تعالى: {وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ}، ويأتي معنى اسم الله الوارث بأنه -عز وجل- يرِث الأرض ومن عليها بعد موت جميع المخلوقات لأنه الباقي بعدهُم وهم الفانون، كما جاء بالاَية الكريمة {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ}، الله جل شأنه هو الباقي الدائم الذي لا ينقطع الحي الذي لا يموت وإاليه مرجع كل شيء.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة الخامسة عشرة في موضوع (الوارث) وهي بعنوان :

 *أقوال العلماء في اسم الله الوارث:

وبين سبحانه معنى اسم الله الوارث لما أهلك القرى الظالمة التي كانت تعيش في رغد ولم تؤمن بوحدانيته، قال تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا ۖ فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا ۖ وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ}،كما ذكر الله تعالى دعوة زكريا -عليه السلام- بأن يهبه الله ولدًا يكون من بعده نبيًا وكان قد بلغ من الكِبر عتيًا وامرأته عاقر، قال تعالى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ}، وجعل الله تعالى الجنة ثوابًا للمُتقين وهو يورثهُم إياها بعد الحساب. التحلي بصفة اسم الله الوارث ينبغي على العبد التحلي بصفة اسم الله الوارث، بحيث يحب أن يتقي الله فيما يدع عمن مال بين أيدي الأبناء سواء كانوا ذكورًا أو إناثًا، و أن يشعر أن الذي بين يديه ليس له بل هو صائر إلى غيره وهو مستخلف فيه، وعلى العبد أن يُحافظ على الأمانة لأنها امتحان في هذه الدنيا، وهذه الأمانة يُمكن أن تكون مال أو منصب معين أو عقار، وقيل أن الإرث الحقيقي هو العلم والأدب، ولتطبيق هذا الاسم العظيم على المؤمن أن يؤمن بأن الله تعالى هو مُقسم الأرزاق، ومن أكبر العطايا أن يكون العبد متيقن بأن الله تعالى هو الوارث، ومن يمتلك الحِكمة والعمل ومعرفة الله تعالى ومخافته يُسمى وارث مُحمدي أي ورث العلم والتقوى من النبي مُحمد -عليه الصلاة والسلام . [ الأنترنت- موقع  سطور - معنى اسم الله الوارث بواسطة: محمد الهنداوي]

*أركان وشروط الإرث وأسباب الميراث:

تعريف الركن: لغة: هو جانب الشيء الأقوى، واصطلاحًا: هو جزء الماهية؛ أي: ما لا توجد الحقيقة إلا به.

وأركان الإرث ثلاثة:1 - المورِّث، وهو الميت، أو الملحَق به؛ كالمفقود.

2 - الوارث، وهو الحي بعد المورِّث، أو الملحق بالأحياء؛ كالجنين.

3 - الحق الموروث، وهو المال الذي يخص الميتَ.

شروط الإِرث: تعريف الشرط: لغة: هو العلامة، واصطلاحًا: ما يلزم من عدمه العدمُ، ولا يلزم من وجوده وجودٌ ولا عدمٌ لذاته ، وشروط الإِرث ثلاثة:

1 - تحقُّق موت المورِّث، ويتم ذلك بأحد أُمور:

أ - بالمشاهدة. ب - بشهادة عَدْلين.

جـ - إلحاقه بالأموات حكمًا: كالمفقود الذي انتهت مدة الانتظار فيه، وحكَم القاضي بموته.

د - إلحاقه بالأموات تقديرًا: كالجنين إذا انفصل عن

أُمه بسبب جناية عليها أوجبَتِ الغُرة

2 - تحقُّق حياة الوارث عند موت مورِّثه، ولو لحظة.

3 - العلم بالجهة المقتضية للإِرث، وتعيين جهة القرابة ودرجتها.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة السادسة عشرة في موضوع (الوارث) وهي بعنوان : أسباب الميراث :

تعريف السبب: لغة: هو ما يُتَوَصَّل به إلى غيره، واصطلاحًا: ما يلزم مِن وجوده الوجود، ومن عدِمه العدمُ لذاته.

والأسباب المتفق عليها ثلاثة، هي: النكاح، الولاء، النسب. وسبب واحد مُختلَف فيه، هو: بيت المال.

فالمالكية: يرونه سببًا رابعًا؛ للأثَر الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنا وارثُ مَن لا وارثَ له، أعقِلُ عنه وأرِثُه))، ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يرثه لنفسه، وإنما باعتباره حاكمًا للمسلمين.

والشافعية: يقولون: إنه سبَب إن انتظم؛ أي كان يُصرَف لصالح المسلمين حسَب الأحكام الشرعية، وإلا فلا.

أما الأحناف والحنابلة: فلا يَرَوْن بيت المال سببًا، سواء انتظَم أو لم ينتظم، وإنما هو بمثابةِ حافظٍ للمال الضائع.

تعريف النكاح: لغة: الضم، يقال: تناكَحَت الأشجارُ

إذا انضم بعضها إلى بعض، واصطلاحًا: عقد الزوجية الصحيح، فيتوارث به الزوجانِ، وإن لم يحصل دخول أو خَلْوة، أما النكاح الفاسد: وهو ما اختلَّ أحد شروطه؛ كالنكاح بلا شهود، أو النكاح الباطل: وهو ما اختَلَّ أحد أركانه؛ كزواج المسلمة بالكافر - فلا توارُثَ فيهما.

والطلاق الرَّجْعي لا يمنع التوارُثَ ما دامت في العِدة.

أما الطلاق البائن، فيمنع التوارث إذا كان في حالة الصحة.

أما الطلاق في مرض الموت، وهو ما يسمى بطلاق الفِرار، فلا يمنع التوارث، ولو كان بائنًا، أو انتهت العِدة، ما لم تتزوج الزوجةُ أو ترتَدَّ.

تعريف الولاء: لغة: يُطلق على المِلْك والنصرة والقرابة، واصطلاحًا: هو عُصُوبة سببها نعمةُ المعتِق على رقيقه بالعِتق، فيرث به المعتِقُ، والعَصَبة بالنفس من أقربائه، فهو إرثٌ مِن جهة واحدة؛ حيث إن المعتَق لا يرث من سيده، وإن لم يكن له وَرَثَة.

وسيأتي تفصيل الإِرث بالولاء في باب مستقل، إن شاء الله تعالى.

تعريف النسب: لغة: القرابة، واصطلاحًا: هو الاتصال بين إنسانَيْن بالاشتراك في ولادة قريبة أو بعيدة، وينقسم النسب إلى ثلاثة أقسام:

1 - الأُصول: هم الآباء وآباؤهم، وإن عَلَوْا.

2 - الفروع: هم الأبناء وأبناؤهم، وإن نَزَلوا.

3 - الحواشي: هم الإِخوة وبَنُوهم، والأعمام وبنوهم.

قال الرحَبي رحمه الله تعالى : أسبابُ ميراثِ الورَى ثلاثَة  :كلٌّ يُفيدُ ربَّهُ الوراثَة  ، وَهْي نكاحٌ وولاءٌ ونسَب ، ما بعدَهُنَّ للمواريثِ سبَب

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة السابعة عشرة في موضوع (الوارث) وهي بعنوان : موانع الميراث :          تعريف المانع: لغة: هو الحاجز بين الشيئين. واصطلاحًا: هو ما يلزم من وجوده العدم، ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم لذاته؛ عكس الشرط.

وموانع الإرث ثلاثة، وهي: الرِّق، القتل، اختلاف الدِّين.

1 - الرق: لغة: العبودية، واصطلاحًا: عجز حُكْمِي يقوم بالإنسانِ سببه الكفر؛ فلا يرث الرقيقُ بجميع

أنواعه ، ولا يورَث؛ لأن الرقيق وما ملكت يداه لسيده، أما المبعَّض (وهو الذي أُعتق بعضه)، فإنه يرِث ويورَث ويحجَب بقدر ما فيه من الحرية عند الإمام أحمد رضي الله عنه، وسيأتي تفصيل مسائله في باب المبعَّض إن شاء الله تعالى.

2 - القتل: القتل الذي يمنع من الإرث هو كلُّ قتلٍ

أوجَب قِصاصًا؛ كالقتل العمد العدوان؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((وليس للقاتل شيء))، أو أوجب ديَة، كالقتل الخطأ، أو أوجب كفَّارة؛ كقتل مَن بين الصفين يظن به حربيًّا، أما القتل حدًّا أو دفاعًا عن النفس أو العِرْض أو المال أو بغيًا، فإنه لا يمنَع الإرث.

3 - اختلاف الدِّين: فلا يرث الكافرُ المسلمَ، ولا المسلمُ الكافرَ، وكذلك لا يرث الكفارُ من بعضهم البعض ما لم تتَّحِد مِلَلُهم وأديانهم عند الإمامين أحمد ومالك؛ لأن الكفر مِلَلٌ شتى عند الإمام أحمد، وثلاثُ مِلَل عند الإمام مالك، فإذا اختلفت أديانهم فلا توارُثَ.

وعند الإمامين أبي حنيفة والشافعي يتوارث الكفار من بعضهم البعض، ولو اختلفت أديانهم؛ لأن الكفر ملةٌ واحدة عندهما.

ملاحظة: تُستثنى عند الإمام أحمد حالتان من مانع (اختلاف الدِّين)؛ حيث يرِث الكافرُ المسلمَ في صورتين:

1 - إذا أسلم الوارث الكافر قبل قسمة التركة، فإنه يُعطى نصيبه من ميراث مورِّثه المسلم؛ ترغيبًا له في الإسلام.

2 - التوارث بالولاء؛ فلا يمنع اختلاف الدِّين ذلك، فيرِث المسلمُ مِن عتيقه الكافر، وبالعكس.

حكم المرتد: المرتد هو الذي كفَر بعد إسلامه، وحكمه أنه لا يورَث ولا يرِث، وماله فَيْءٌ لبيتِ مال المسلمين.

قال الإمام الرحَبي رحمه الله:

ويمنَعُ الشَّخْصَ مِن الميراثِ  ****واحدةٌ مِن علَلٍ ثلاثِ

رقٌّ وقتلٌ واختلافُ دِينِ  ****فافْهَمْ فليس الشكُّ كاليقينِ

[ الأنترنت- موقع  الألوكة – أركان وشروط الإرث وأسباب الميراث - أ. د. مصطفى مسلم]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة الثامنة عشرة في موضوع (الوارث) وهي بعنوان :

* الله مالك لعباده في الدنيا والآخرة :

أثبتت السنة الصحيحة والقرآن الكريم أنّ لله عزّ وجلّ أسماء وصفات عديدة، وهي الصفات التي أطلقها الله على نفسه أو جاءت على لسان رسله، وأنّ الإيمان بها ليعدّ واجبًا، وصفات الله لا تشبه صفات المخلوقات، وذلك لأن صفات الله تتصف بالكمال، فيستحيل أن يعتريها أي نقص، ونستنتج ذلك من قوله تعالى في الآية الكريمة: «ليس كمثله شيء وهو السميع البصير».

خلق الله السموات والأرض ومن فيها وعليها وحينما يأذن بطي السماء والأرض وقيام الساعة والنفخ في

 الصور يكون ذلك أكبر دليل على ملك الله لعباده، فالله سبحانه وتعالى وارث كل شيء وخالقه.

نتناول شرح اسم الله "الوارث" من كتاب شرح أسماء الله الحسنى لسعيد بن وهف القحطاني.

ورد في القرآن الكريم قال تعالى: "إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ"، مريم.

الوارث: الباقي بعد فناء الخلق، وقيل "الوارث" لجميع الأشياء بعد فناء أهلها، روى أنه ينادي يوم القيامة: لمن الملك اليوم؟ فيقال: "لله الواحد القهار". وهذا النداء عبارة عن حقيقة ما ينكشف للأكثرين في ذلك اليوم إذ يظنون لأنفسهم ملكًا، أما أرباب البصائر فإنهم أبدًا مشاهدون لمعنى هذا النداء، يؤمنون بأن الملك لله الواحد القهار أزلًا وأبدًا.

ويقول الرازي: اعلم أن ملك جميع الممكنات هو الله سبحانه وتعالى ولكنه بفضله جعل بعض الأشياء ملكًا لبعض عباده، فالعباد إذا ماتوا وبقي الحق سبحانه وتعالى، فالمراد يكون وارثًا هو هذا كله.

[ الأنترنت- موقع صدى البلد - تعرف على اسم الله «الوارث»]

*كيف ندعو الله باسمه الوارث دعاء مسألة ودعاء عبادة؟

دعاء المسألة كما في قوله تعالى :و زكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا و أنت خير الوارثين «الأنبياء: 89» فقد كان يبتغي الولد مع انقطاع الأسباب ، فدعا الله بما يناسب حاله : «إذ نادى ربه نداء خفيا قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا و لم أكن بدعائك رب شقيا وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا»، وروي الترمذي وحسنه الألباني عَنْ عَائِشَةَ قَالتْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : «اللهم عافني في جسدي و عافني في بصري و اجعله الوارث مني لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله رب العرش العظيم و الحمد لله رب العالمين».

أما دعاء العبادة ، فسلوك العبد يظهر فيه معني البقاء لله ، ويقينه بالزوال عن الحياة إلى أخراه ، فيتقي الله في حقوق الإرث ولا يظلم أحدا ، ويوقن أن الله هو الذي يقسم الأرزاق وأن الميراث الحقيقي هو ميراث العلم والأخلاق ، وميراث عدن والنعيم والفردوس يقول تعالى : إِلا من تاب و آمن و عمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة و لا يظلمون شيئا جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتيا لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما و لهم رزقهم فيها بكرة و عشيا تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون «المؤمنون: 11» ، وقال تعالى : و إذا حضر القسمة أولو القربى و اليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا«النساء:8» روى البخاري من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَال : « إن ناسا يزعمون أن هذه الآية نسخت ، ولا والله مَا نسخت ، ولكنها مما تهاون الناس ، هما واليان وال يرث ، و ذاك الذي يرزق ، ووال لا يرث ، فذاك الذي يقول بالمعروف ، يقول لا أملك لك أن أعطيك ».

 [ الأنترنت – موقع جريدة المغرب- من الأ سماء الربّانية:  الوارث.. - الشّيخ سالم بوحاجب]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة التاسعة عشرة في موضوع (الوارث) وهي بعنوان :

*{تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا }

بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه يورث المتقين من عباده جنته ،وقد بين هذا المعنى أيضا في مواضع أخر ، كقوله تعالى : قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون - إلى قوله - أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ، وقوله : وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الآيات،وقوله تعالى : {وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا}الآية ،وقوله :{ ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون } ، إلى غير ذلك من الآيات .

ومعنى إيراثهم الجنة : الإنعام عليهم بالخلود فيها في أكمل نعيم وسرور ، قال الزمخشري في ) الكشاف   ( : نورث أي : نبقي عليه الجنة كما نبقي على الوارث مال الموروث ، ولأن الأتقياء يلقون ربهم يوم القيامة قد انقضت أعمالهم ، وثمرتها باقية وهي الجنة ، فإذا أدخلهم الجنة فقد أورثهم من تقواهم كما يورث الوارث المال من المتوفى ، وقال بعض أهل العلم : معنى إيراثهم الجنة أن الله تعالى خلق لكل نفس منزلا في الجنة ، ومنزلا في النار ، فإذا دخل أهل الجنة الجنة ; أراهم منازلهم في النار لو كفروا وعصوا الله ليزداد سرورهم وغبطتهم ; وعند ذلك يقولون : الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله الآية ، وكذلك يرى أهل النار منازلهم في الجنة لو آمنوا واتقوا الله لتزداد ندامتهم وحسرتهم ، وعند ذلك يقول الواحد منهم : لو أن الله هداني لكنت من المتقين ، ثم إنه تعالى يجعل منازل أهل الجنة في النار لأهل النار ، ومنازل أهل النار في الجنة لأهل الجنة فيرثون منازل أهل النار في الجنة ، وهذا هو معنى الإيراث المذكور على هذا القول .

و قد جاء حديث يدل لما ذكر من أن لكل أحد منزلا في الجنة ومنزلا في النار ، إلا أن حمل الآية عليه غير صواب ; لأن أهل الجنة يرثون من الجنة منازلهم المعدة لهم بأعمالهم وتقواهم ، كما قد قال تعالى : ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون ، ونحوها من الآيات ، ولو فرضنا أنهم يرثون منازل أهل النار فحمل الآية على ذلك يوهم أنهم ليس لهم في الجنة إلا ما أورثوا من منازل أهل النار والواقع بخلاف ذلك كما ترى ، والحديث المذكور هو ما رواه الإمام أحمد في المسند ، والحاكم في المستدرك من حديث أبي هريرة " كل أهل الجنة يرى مقعده من النار فيقول : لولا أن الله ، هداني فيكون له أشكر ، وكل أهل النار يرى مقعده من الجنة فيقول : لو أن الله هداني ، فيكون عليه حسرة " اهـ ، وعلّم في الجامع الصغير على هذا الحديث علامة الصحة ، وقال شارحه المناوي : قال الحاكم : صحيح على شرطهما وأقره الذهبي ،وقال الهيثمي رجال أحمد رجال الصحيح . اهـ . [ الأنترنت – موقع اسلام ويب - أضواء البيان » سورة مريم » قوله تعالى {تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا } ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة العشرون في موضوع (الوارث) وهي بعنوان :

*{تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا }

وقال ا بن كثير: أي هذه الجنة التي وصفنا بهذه الصفات العظيمة هي التي نورثها عبادنا المتقين، وهم المطيعون للّه عزَّ وجلَّ في السراء والضراء، والكاظمون الغيظ والعافون عن الناس، وكما قال تعالى في سورة المؤمنين: { أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون}

وقال الطبري: يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَذِهِ الْجَنَّة الَّتِي وَصَفْت لَكُمْ أَيّهَا النَّاس صِفَتهَا , هِيَ الْجَنَّة الَّتِي نُورِثهَا

يَقُول : نُورِث مَسَاكِن أَهْل النَّار فِيهَا { مِنْ عِبَادنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا } يَقُول : مَنْ كَانَ ذَا اِتِّقَاء عَذَاب اللَّه بِأَدَاءِ فَرَائِضه , وَاجْتِنَاب مَعَاصِيه .'

وقال القرطبي: قوله تعالى { تلك الجنة التي} أي هذه الجنة التي وصفنا أحوال أهلها { نورث} بالتخفيف. وقرأ يعقوب { نورث} بفتح الواو وتشديد الراء. والاختيار التخفيف؛ لقوله تعالى { ثم أورثنا الكتاب} .[فاطر : 32]. { من عبادنا من كان تقيا} قال ابن عباس : (أي من اتقاني وعمل بطاعتي) وقيل هو على التقديم والتأخير تقديره نورث من كان تقيا من عبادنا.

وقال الشعراوي : قوله: { تِلْكَ ٱلْجَنَّةُ } [مريم: 63] أي: التي يعطينا صور لها هي: { ٱلَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً } [مريم: 63] أ ي: يرثونها، فهل كان في الجنة أحد قبل هؤلاء، فَهُم يرثونه؟

الحق ـ تبارك وتعالى ـ قبل أن يخلق الخَلْق عرف منهم

 مَنْ سيؤمن باختياره، ومَنْ سيكفر باختياره، علم مَنْ سيطيع ومَنْ سيعصي، فلم يُرغِم سبحانه عباده على شيء، إنما علم ما سيكون منهم بطلاقة علمه تعالى، إلا أنه تعالى أعدَّ الجنة لتسع جميع الخَلْق إنْ أطاعوا، وأعدَّ النار لتسع جميع الخَلْق إنْ عَصَوْا، فلن يكون هناك إذن زحام ولا أزمة إسكان، إنْ دخل الناس جميعاً الجنة، أو دخلوا جميعاً النار.

إذن: حينما يدخل أهلُ النارِ النارَ، أين تذهب أماكنهم التي أُعِدَّتْ لهم في الجنة؟ تذهب إلى أهل الجنة، فيرثونها بعد أنْ حُرم منها هؤلاء. [الأنترنت – موقع { تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا}

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والعشرون في موضوع (الوارث) وهي بعنوان :

*نداء رباني يحمل عدد من الرسائل {تِلكِ الجَنَّةُ التي نُورِثُ مِن عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقَّياً!!

هذا النداء الرباني الجميل . . وكأنه يحمل بين طياته العديد من الرسائل . .

الرسالة الأولى : أن تحمَّل أيها السائرُ على درب التقوي مشاق المسير رغم قلة الرفقاء، واشتداد المغريات التي سرعان ما تمنح أصحابها متعها العاجلة!!

وأنت لا زلت تواجه صراعاً داخلياً مع رغبات نفسك

وشهواتها . . وصراعاً خارجياً بسخرية الغافلين منك

واستهزائهم بك . . ولا ترى في الأمد القريب ثواباً عاجلاً!!

لكن ما أشد فرحتك . . حين ينادى عليك يوم القيامة بعد طول عناء . . وقد ذهبت لذة الغافلين، ولم يبق لهم سوى حسرة النادمين!!

أن يا عبد الله . . صدقت وصبرت بل وصابرت . . وتحملت مشاق الطريق . . فتعال إلى وعد ربك :

تِلكِ الجَنَّةُ التي نُورِثُ مِن عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقَّياً!!

الرسالة الثانية : ها أنا امنحك الزاد لمواصة الطريق . . فاجعل الجنة تزهو دائماً بين عينيك . . واسحق ببهجتها جميع بهارج الشهوات والغفلات من نفسك؛ فبسحقك لآثارها . . ستُفقد الشيطان أهم عوامل إغوائك . . وحين تواصل بهذا الزاد الطريق إلىَّ حتى يسلمك الناس إلى قبرك . . سأجعل لك نافذة في قبرك . . كي تتطلع من خلالها على عاقبتك . . فتأنس فيه . . حتى تحط بقدميك يوم القيامة أولى خطواتك لأعتاب وعدي لك . . فتعلم حيينها كم كان وعداً ثرياً

{تِلكِ الجَنَّةُ التي نُورِثُ مِن عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقَّياً!!}

الرسالة الثالثة : هناك في الأفق البعيد فرح كبير . . لا حزن بعده أبداً!! . . ولا شقاء يتبعه مطلقاً!! بل نعيم يتبعه نعيم . . فهناك رضى الرحمن عمَّن تحمل ألم مقاومة الشهوة . . وهناك فرحة الرحمن بمن آثر خوفه ومرضاته على متع الحياة الفانية . . هناك يكشف الله الحجب . . فتتهلل الوجوه وتكبر الألسنة . . فرحاً برؤية وجه الله الكريم . . بعدما يسألهم سبحانه يا عبادي: هل رضيتم عني؟!

حيينها فقط . . ستعلم الأفئدة معنى ذلك الوعد . .{تِلكِ الجَنَّةُ التي نُورِثُ مِن عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقَّياً!!}

[الأنترنت – موقع صيد الفوائد- أبو مهند القمري ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة الثانية والعشرون في موضوع

(الوارث) وهي بعنوان :

* {أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون} :

  لما ذكر الله تعالى أعمال المؤمنين وصفاتهم الحميدة، وأفعالهم الرشيدة، بشرهم سبحانه بحسن العاقبة، وميراث الجنة. فقال تعالى: «أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون». وهذه بشارة ما أعظمها بشارة لهؤلاء الذين عظمت أعمالهم، واتصفوا بصفات الكمال البشري، فالتزموا طريق الرشاد وابتعدوا عن الشر والفساد، وكانت جميع أعمالهم في طاعة رب العباد، فحفظهم الله من الغي والفساد، فسلموا في الدنيا وغنموا في الآخرة جنة عرضها

الأرض والسماوات، وهذه غاية ورجاء كل مؤمن

صادق الإيمان، أن يكون ممن يرثون الفردوس خالدا فيها، وتبشرهم الآيات بميراث الفردوس الأعلى في الجنة، وأنهم فيها خالدون، فلا يزول عنهم نعيم الجنة أبدا وهم فيها خالدون، فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. ومن دعائهم ما جاء في قوله تعالى: «وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور. الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب. (فاطر: 24-25)، ويقول تعالى: يدعون فيها بكل فاكهة آمنين. لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم. (الدخان: 55-56)، والمؤمن في دعائه يسأل الله الفردوس الأعلى في الجنة، وهو يسأل الله بعمله الطاعات، وحسن العبادة، فيسارع في الطاعات وفعل الخيرات، ولا يكفي كما يتصور البعض مجرد الدعاء، وحسن الظن بالله بل لا بدَّ من حسن العبادة والعمل، حيث ثبت في الصحيحين أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس، فإنه أعلى الجنة وأوسط الجنة، ومنه تفجر أنهار الجنة، وفوقه عرش الرحمن. رواه البخاري، وقوله تعالى: «أولئك». تدل على التعظيم والرفعة وعلو منزلة المؤمنين في الآخرة. و«الوارثون»: أي يرثون منازل أهل النار في الجنة، لأنّ الله تعالى خلق لكل إنسان منزلا في الجنة ومنزلا في النار، فأما المؤمن فيرث منزل الكافر في الجنة، ويرث الكافر منزل المؤمن في النار، يؤيد هذا ويوضحه ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه. عن النبي. صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى جعل لكل إنسان مسكنا في الجنة ومسكنا في النار، فأما المؤمنون فيأخذون منازلهم ويرثون منازل الكفار، ويجعل الكفار في منازلهم». رواه ابن ماجة، وقال القرطبي: ويُحتمل أن يُسمى الحصول على الجنة وراثة من حيث حصولها لهم من دون غيرهم، والفردوس ربوة في الجنة وأوسطها وأفضلها. وتحدث القرآن عن ميراث المؤمنين المتقين للجنة،وهذا ما وعدهم به رب العالمين. يقول تعالى: «تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا». (مريم: 63) ، قال ابن كثير في تفسيره: أي هذه الجنة التي وصفنا بهذه الصفات العظيمة هي التي نورثها عبادنا المتقين، وهم المطيعون لله عز وجل في السراء والضراء، والكاظمون الغيظ والعافون عن الناس.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والعشرون في موضوع

(الوارث) وهي بعنوان :

* {أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون} :

يقول تعالى: «وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أُعدت للمتقين». (آل عمران: 133) ، وكما قال تعالى في أول سورة (المؤمنون): «قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ». إلى أن قال: «أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ». المؤمنون: 1-11، قال ابن عباس: أي من اتقاني وعمل بطاعتي. وقيل هو على التقديم والتأخير وتقديره: نورث من كان تقيا من عبادنا. أخرج عبدالرزاق، حدثنا معْمَر، عن هَمَّام، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول زُمْرَة تلج الجنة صُورهم على صورة القمر ليلة البدر، لا يبصُقون فيها، ولا يتمخطون فيها، ولا يَتَغَوّطون، آنيتهم وأمشاطهم الذهب والفضة، ومجامرهم الألْوّة، ورَشْحُهم المسك، ولكل واحد منهم زوجتان، يُرى مُخّ ساقيهما من وراء اللحم من الحسن، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم على قلب واحد، يسبحون الله بكرة وعشيًّا». أخرجاه في الصحيحين من حديث معمر به. وقال الإمام أحمد: حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني الحارث بن فضيل الأنصاري، عن محمود بن لبيد الأنصاري، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الشهداء على بارق نهر بباب الجنة، في قبة خضراء، يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيًّا». وقد شبه القرآن الجنة ومثلها بما يُرغب المؤمن في طلبها، ووصفها الله بما يُقربها لعباده تشويقا لها، وترغيبا فيها، لأنها غيب لا يعرف حقيقتها إلا الله تعالى. يقول تعالى: «مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ». الرعد: 35، أخرج البخاري ومسلم عن ابن عباس. في حديث صلاة الكسوف، وفيه. قالوا: «يا رسول الله، رأيناك تناولت شيئا في مقامك هذا، ثم رأيناك تَكعْكعت فقال: إني رأيت الجنة أو: أُريت الجنة. فتناولت منها عنقودا، ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا». وأخرج الإمام أحمد في المسند. بسنده عن جابر قال: «بينما نحن في صلاة الظهر، إذ تقدم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فتقدمنا، ثم تناول شيئا ليأخذه ثم تأخر. فلما قضى الصلاة قال له أبي بن كعب: يا رسول الله، صنعت اليوم في الصلاة شيئا ما رأيناك كنت تصنعه. فقال: إني عُرضت على الجنة وما فيها من الزهرة والنضرة، فتناولت منها قِطْفًا من عنب لآتيكم به، فحيل بيني وبينه، ولو أتيتكم به لأكل منه من بين السماء والأرض لا يَنْقُصونَه». ووصف الله تعالى الجنة فقال: «مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ». (محمد: 15). [الأنترنت – موقع أخبار الخليج - قد أفلح المؤمنون  - بقلم: د. علي أبو هاشم ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والعشرون في موضوع

(الوارث) وهي بعنوان :

*{ وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون }

أولًا : قال الله تعالى : {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ}   الزخرف/ 73 .

معنى الآية الكريمة : أن أهل الجنة، "يقال لهم، على سبيل الامتنان والتفضل : تلك الجنة التي كانت توصف لكم في الدنيا، جعلت لكم كالميراث.(بما كنتم تعلمون) أي : بسبب ما كنتم تعملون من الأعمال الصالحة ، حيث شبه ما استحقوه بسبب أعمالهم من الجنة، ونعيمها الباقي لهم - شُبِّه - بما يُخلِّفه المرء لوارثه، من الأملاك والأرزاق. وأيًّا ما كان فدخول الجنة، بسبب العمل: لا يتم إلا بفضل الله ورحمته - عَزَّ وَجَلَّ - .والمراد بقوله - صلى الله عليه وسلم -:   ليس يدخل أحدكم الجنةَ عملُه   : أن إدخال العمل الجنة لا يكون على سبيل الاستقلال والسببية التامة ، فلا تعارض.

وقال ابن عباس : خلق الله لكل نفس جنة ونارًا ، فالكافر يرث نار المسلم ، والمسلم يرث جنة الكافر ، وذلك قوله: وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا ...  الآية "، انتهى  من "التفسير الوسيط" (9/ 831).

قال "ابن كثير" في "التفسير" (7/ 239): " ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ عَلَى وَجْهِ التَّفَضُّلِ وَالِامْتِنَانِ: ( وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) أَيْ: أَعْمَالُكُمُ الصَّالِحَةُ كَانَتْ سَبَبًا لِشُمُولِ رَحْمَةِ اللَّهِ إِيَّاكُمْ ، فَإِنَّهُ لَا يُدْخِلُ أَحَدًا عَمَلُهُ الْجَنَّةَ،وَلَكِنْ بِفَضْلٍ من الله ورحمته وَإِنَّمَا الدَّرَجَاتُ تَفَاوُتُهَا بِحَسَبِ عَمَلِ الصَّالِحَاتِ

وأورد في تفسير الآية " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :   كُلُّ أَهْلِ النَّارِ يَرَى مَنْزِلَهُ مِنَ الْجَنَّةِ حَسْرَةً، فَيَقُولُ :  لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ  [الزُّمَرِ: 57] وَكُلُّ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَرَى مَنْزِلَهُ مِنَ النَّارِ فَيَقُولُ : ( وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ) [الْأَعْرَافِ: 43] ، لِيَكُونَ لَهُ شُكْرًا  .

قَالَ : وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( ما من أَحَدٍ إِلَّا وَلَهُ مَنْزِلٌ فِي الْجَنَّةِ وَمَنْزِلٌ فِي النَّارِ ، فَالْكَافِرُ يَرِثُ المؤمنَ منزلَه مِنَ النَّارِ ، وَالْمُؤْمِنُ يَرِثُ الكافرَ مَنْزِلَهُ مِنَ الْجَنَّةِ"، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )"  انتهى .

وقال الشيخ عمر سليمان الأشقر، رحمه الله:"أهل

الجنة يرثون نصيب أهل النار في الجنة: جعل الله

لكل واحد من بني آدم منزلين: منزلاً في الجنة، ومنزلاً في النار، ثم إن من كتب له الشقاوة من أهل الكفر والشرك يرثون منازل أهل الجنة التي كانت لهم في النار، والذين كتب لهم السعادة من أهل الجنة يرثون منازل أهل النار التي كانت لهم في الجنة، قال تعالى في حق المؤمنين المفلحين بعد أن ذكر أعمالهم التي تدخلهم الجنة: (أولئك هم الوارثون * الذين يرثون الفردوس هم فيها خلدون) [المؤمنون: 10-11] .

قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: " قال ابن أبي حاتم - وساق الإسناد إلى أبي هريرة رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما منكم من أحد إلا وله منزلان: منزل في الجنة، ومنزل في النار، فأما المؤمن فيبني بيته الذي في الجنة، ويهدم بيته الذي في النار ".

وروى عن سعيد بن جبير نحو ذلك، فالمؤمنون يرثون منازل الكفار، لأنهم خلقوا لعبادة الله وحده لا شريك له، فلما قام هؤلاء بما وجب عليهم من العبادة، وترك أولئك ما أمروا به مما خلقوا له، أحرز هؤلاء نصيب أولئك لو كانوا أطاعوا ربهم عز وجل، بل أبلغ من هذا أيضاً، وهو ما ثبت في صحيح مسلم عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " يجيء ناس يوم القيامة من المسلمين بذنوب أمثال الجبال،

 فيغفرها الله لهم، ويضعها على اليهود والنصارى".

وفي لفظ له: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إذا كان يوم القيامة دفع الله لكل مسلم يهودياً أو نصرانياً، فيقال: هذا فكاكك من النار". وهذا الحديث كقوله تعلى: (تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا) [مريم: 63] ، وقوله: (وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون) [الزخرف: 72] . فهم يرثون نصيب الكفار في الجنان." انتهى  من "الجنة والنار" (192-193).

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والعشرون في موضوع

(الوارث) وهي بعنوان :

*{ وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون }

ثانيًا : أهل الجنة - جعلنا الله من أهلها - تتفاوت درجاتهم بحسب أعمالهم ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:   إِنِّي لَأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا ، وَآخِرَ أَهْلِ الجَنَّةِ دُخُولًا ، رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ كَبْوًا ، فَيَقُولُ اللَّهُ : اذْهَبْ فَادْخُلِ الجَنَّةَ ، فَيَأْتِيهَا ، فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلْأَى ، فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ : يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلْأَى ، فَيَقُولُ : اذْهَبْ فَادْخُلِ الجَنَّةَ ، فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلْأَى ، فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ : يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلْأَى ، فَيَقُولُ : اذْهَبْ فَادْخُلِ الجَنَّةَ ، فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا - أَوْ : إِنَّ لَكَ مِثْلَ عَشَرَةِ أَمْثَالِ الدُّنْيَا - فَيَقُولُ : تَسْخَرُ مِنِّي - أَوْ : تَضْحَكُ مِنِّي - وَأَنْتَ المَلِكُ  فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ، وَكَانَ يَقُولُ:   ذَاكَ أَدْنَى أَهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً   انتهى ، رواه "البخاري" (6571)، واللفظ له، و"مسلم" (186).

وأما ما ورد في السؤال عن كيفية حصول هذه الوراثة، وعلى أي أساس تقسم "المواريث"، فيبدو أن السائل قد انتقل ذهنه إلى ما يكون من أحوال الناس في ميراث الأموال في الدنيا؛ وهذا لا علاقة له

بوجه، بميراث أهل الجنة لمنازل الجنة ودرجاتها.

ولم يبين لنا في شيء من النصوص: كيف يكون ميراث المؤمن لمنزلة الكافر من الجنة، التي حرم منها بسبب كفره؛ والتنقير عن ذلك: تكلف ليس له كبير معنى، ولا يترتب عليه شيء من العمل؛ وبحسب المؤمن أن يعلم أن أهل الإيمان هم الوراثون، الذين يرثون الفردوس، بنعمة الله ورحمته 

[ الأنترنت – موقع الإسلام سؤال وجواب- المنجد ]

وقال السعدى : { وَتِلْكَ الْجَنَّةُ } الموصوفة بأكمل الصفات، هي { الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } أي: أورثكم اللّه إياها بأعمالكم، وجعلها من فضله جزاء لها، وأودع فيها من رحمته ما أودع.

وقال الطنطاوي : ثم ختم - سبحانه - هذا التكريم لعباده بقوله : ( وَتِلْكَ الجنة التي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِّنْهَا تَأْكُلُونَ ) .

واسم الإِشارة ( تِلْكَ ) مبتدأ وخبره ( الجنة ) وما بعدها صفة الجنة . . وفى الكلام التفات من الغيبة إلى الخطاب على سبيل التشريف .

وقال - سبحانه - ( وَتِلْكَ ) بالإِفراد ، للإِشعار بأن الخطاب لكل واحد من أهل الجنة ، على سبيل العناية به ، والإِعلاء من شأنه .

أى : ويقال لهم يوم القيامة على سبيل التشريف : وهذه الجنة التى أورثتموها بسبب أعمالكم الصالحة فى الدنيا لكم فيها فاكهة كثيرة ، وثمار لذيذة ، منها تأكلون أكلا هنيئا مريئا .

وعبر بقوله - تعالى - ( أُورِثْتُمُوهَا ) للإِشعار بأنها قد صارت إليهم بفضل الله وكرمه ، كما يصير الميراث إلى الوارث .

وقوله ( بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) بيان للأسباب التى أوصلتهم إلى هذه المنازل الالية ، فإن أعمالهم الطيبة التى تقبلها الله - تعالى - منهم ، جعلتهم - بفضله وإحسانه - فى أعلى الدرجات وأسماها .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة السادسة والعشرون في موضوع

(الوارث) وهي بعنوان :

*{ وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون }

وقال ابن كثير : ثم قيل لهم على وجه التفضل والامتنان : (وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون )

أي : أعمالكم الصالحة كانت سببا لشمول رحمة الله إياكم ، فإنه لا يدخل أحدا عمله الجنة ، ولكن بفضل من الله ورحمته . وإنما الدرجات تفاوتها بحسب عمل الصالحات .

روى ابن أبي حاتم بسنده من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " كل أهل النار يرى منزله من الجنة حسرة ، فيقول : ( لو أن الله هداني لكنت من المتقين ) [ الزمر : 57 ] وكل أهل الجنة يرى منزله من النار فيقول : ( وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ) [ الأعراف : 43 ] ، ليكون له شكرا " . قال : وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما من أحد إلا وله منزل في الجنة ومنزل في النار ، فالكافر يرث المؤمن منزله من النار ، والمؤمن يرث الكافر منزله من الجنة " وذلك قوله تعالى : ( وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون )

وقال القرطبى : قوله تعالى : {وتلك الجنة } أي يقال لهم هذه تلك الجنة التي كانت توصف لكم في الدنيا .

وقال ابن خالويه : أشار تعالى إلى الجنة بتلك وإلى جهنم بهذه ، ليخوف بجهنم ويؤكد التحذير منها . وجعلها بالإشارة القريبة كالحاضرة التي ينظر إليها .

{التي أورثتموها بما كنتم تعملون} قال ابن عباس : خلق الله لكل نفس جنةً وناراً ، فالكافر يرث نار المسلم ، والمسلم يرث جنة الكافر ، وقد تقدم هذا مرفوعا في قد أفلح المؤمنون من حديث أبي هريرة ، وفي ( الأعراف ) أيضا .

وقال ابن عاشور :  وجملة { وتلك الجنة التي أورثموها } الآية تذييل للقول . واسم الإشارة مبتدأ و { الجنة } خبره ، أي تلك التي تَرونها هي الجنة التي سمعتم بها ووُعدتم بدخولها . وجملة { التي أورثتموها بما كنتم تعملون } صفة للجنة .

واستعير { أورثتموها } لمعنى : أُعطيتموها دون غيركم ، بتشبيه إعطاء الله المؤمنين دون غيرهم نعيم الجنة بإعطاء الحاكم مال الميت لوارثه دون غيره من القرابة لأنه أولى به وآثرُ بنيله . والباء في { بما كنتم تعملون } للسببية وهي سببية بجعل الله ووعده ، ودل قوله { كنتم تعملون } على أن عملهم الذي استحقّوا به الجنة أمر كائن متقرر ،وأن عملهم ذلك متكرر متجدد ، أي غير منقطع إلى وفاتهم [ الأنترنت –: وَتِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِىٓ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة السابعة والعشرون في موضوع

(الوارث) وهي بعنوان :*ميراث الجنة :

قال تعالى : { وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [الأعراف : 43] قال تعالى : { تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [ الزخرف : 72 ]

{ تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا } [مريم: 63] اذا هل يوجد ميراث في الجنة؟

قال الطبري : عن السدي:{ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون}، قال: ليس من كافر ولا مؤمن إلا وله في الجنة والنار منزل، فإذا دخل أهل الجنة الجنةَ، وأهل النار النارَ، ودخلوا منازلهم، رفعت الجنة لأهل النار فنظروا إلى منازلهم فيها، فقيل لهم:"هذه منازلكم لو عملتم بطاعة الله"، ثم يقال:"يا أهل الجنة، رِثُوهم بما كنتم تعملون"، فتُقْسم بين أهل الجنة منازلهم

وقال القرطبي:" التي أورثتموها بما كنتم تعملون " قال ابن عباس: خلق الله لكل نفس جنة ونارا، فالكافر يرث نار المسلم، والمسلم يرث جنة الكافر . [ الأنترنت – موقع ستار تايمز ]

*لن ينجي أحداً منكم عمله :

فإنَّ الله -سبحانه- خلق الخلق ليعبدوه، وأثاب

العابدين بدخول جنته، والفوز برحمته، والبعد عن غضبه وسطوته، فقال تعالى: {ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} سورة النحل(32). وقوله: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} سورة الزخرف(72). ولكنه -سبحانه- لم يجعل دخول الجنة عوضاً عن عبادة العابد وعمله، وإنما جعل العبادة والعمل سبباً لدخول الجنة؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لن ينجي أحداً منكم عمله). قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: (ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة، سددوا وقاربوا، واغدوا -من الغدو وهو السير أول النهار- وروحوا -من الرواح وهو السير في النصف الثاني من النهار- وشيء من الدلجة، -السير آخر الليل- والقصدَ القصدَ -الزموا الوسط المعتدل في الأمور- تبلغوا)1-مقصدكم وبغيتكم-. ظاهر هذا الحديث أنه يتعارض مع آيات كثيرة تبين أن دخول الجنة إنما يكون بالعمل، بينما ظاهر الحديث يدل  على أن دخولها إنما يكون برحمة الله -تعالى-؛ ومن هذه الآيات التي ظاهرا التعارض مع الحديث؛ قوله تعالى: {ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} سورة النحل(32). وقوله: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} سورة الزخرف(72). وقد جمع العلماء بين هذا الحديث مع ما عارضه من الآيات؛ نذكر هنا ما قاله العلامة ابن القيم -رحمه الله-: وهاهنا أمر يجب التنبيه عليه، وهو أن الجنة إنما تدخل برحمة الله –تعالى- وليس عمل العبد مستقلاً بدخولها، وإن كان سبباً، ولهذا أثبت الله –تعالى- دخولها بالأعمال في قوله: {بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}؛ ونفى رسول الله دخولها بالأعمال بقوله: (لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله)، ولا تنافي بين الأمرين لوجهين: أحدهما ما ذكره سفيان وغيره قال: كانوا يقولون النجاة من النار يغفر الله، ودخول الجنة برحمته، واقتسام المنازل والدرجات بالأعمال. ويدل على هذا حديث أبي هريرة أن أهل الجنة إذا دخلوها نزلوا فيها بفضل أعمالهم. رواه الترمذي. والثاني: أن الباء التي نفت الدخول هي باء المعاوضة التي يكون فيها أحد العوضين مقابلاً للآخر، والباء التي أثبتت الدخول هي باء السببية التي تقتضي سببية ما دخلت عليه لغيرة، وأن لم يكن مستقلاً بحصوله، وقد جمع النبي بين الأمرين بقوله: (سدوا وقاربوا وأبشروا واعلموا أن أحداً منكم لن ينجو بعمله). قالوا: ولا أنت يا رسول الله، قال: (ولا أنا ألا أن يتغمدني الله برحمته).

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والعشرون في موضوع

(الوارث) وهي بعنوان :*ميراث الجنة :

وهذا من رحمته -سبحانه وتعالى- بخلقه حيث جعل

 العمل الصالح سبباً لدخول الجنة، وذلك بعد تفضله ورحمته، وذلك لأن الإنسان لو عمل ما عمل من الأعمال فإنه لا يمكن أن يؤدي حق نعمة من نعم الله عليه، ولذلك قال النبي-صلى الله عليه وسلم-: (لن ينجى أحداً منكم عمله). قالوا: ولا أنت يا رسول الله، قال: (ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل). يقول هذا -عليه الصلاة والسلام- مع أنه سيد العابدين، وإمام المتقين، والذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؛ فعن عائشة-رضي الله عنه- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا صلَّى قام حتى تفطر رجلاه، قالت عائشة: يا رسول الله أتصنع هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: (يا عائشة أفلا أكون عبداً شكوراً). وهذا من تمام علمه بربه، وشدة خشيته له، وعظم تواضعه، وعلو إخلاصه في عمله، ومن تمام شكره لربه، وهذا حال من وفقه الله واصطفاه. فأن العابد المخلص لربه لا يرى لنفسه عملاً، وإنما يرى إنعام الموفق لذلك العمل؛ قال الله -تعالى-: {حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} سورة الحجرات. وأنه إذا قيس العمل بالنعم لم يف بمعشار عشرها...وتأمل ما هو حال  الفطناء في هذا الأمر؟؛ فهؤلاء الملائكة الذين قال الله عنهم: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} سورة التحريم. وقال: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} سورة الأنبياء(20)، ومع ذلك جاء في الأثر أنهم يقولون: ما عبدناك حق عبادتك. وهذا إبراهيم الخليل -عليه السلام- يقول: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي} سورة الشعراء(82). مع أنه صبر عندما ألقي في النار، و سلم ولده إسماعيل- عليه السلام- للذبح. ورسول الله -صلى الله عليه و سلم-(كما سبق) أنه كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه، ومع هذا يقول: (ما منكم من أحد ينجيه عمله). قالوا: ولا أنت؟ قال: (ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته). وأبو بكر الصديق-رضي الله عنه- يقول: وهل أنا و مالي إلا لك يا رسول الله. و عمر الفاروق -رضي الله عنه-يقول: لو أنَّ لي طلاع الأرض لافتديت بها من هول ما أمامي قبل أن أعلم ما الخبر. وابن مسعود-رضي الله عنه- يقول: ليتني إذا مت لا أبعث. وعائشة -رضي الله عنها- تقول: ليتني كنت نسياً منسياً. وهذا شأن جميع العقلاء، -فرضي الله عن الجميع-. وأما من قلة فهمه، وانتكست فطرته، واغتر بعمله، فإنه يؤدي به إلى الهاوية، فهذا الرجل العابد من بني إسرائيل قيل أنه عبد الله خمسمائة سنة في جزيرة، وأخرج له كل ليلة رمانة، وسأل الله –تعالى- أن يميته في سجوده، فإذا حشر قيل له: أدخل الجنة برحمتي، قال: بل بعملي، فيوزن جميع عمله بنعمة واحدة فلا يفي، فيقول: يا رب برحمتك...

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والعشرون في موضوع

(الوارث) وهي بعنوان :*ميراث الجنة :

وفي الحديث يشبه النبي- صلى الله عليه وسلم- المسلم في الدنيا بالرامي الذي يسدد ويصوب على هدف، يريد أن يصيب منتصفه، فإن حاول ذلك، وبذل كل ما في وسعه ولم يصب النقطة التي في منتصف الهدف، فستكون إصابته قريبة من ذلك، ولكنه إن صوَّب على طرف الهدف، فقد لا يصيبه إطلاقاً. ومثل ذلك الطالب أيضاً إن جعل هدفه أن ينجح بامتياز، وبذل الجهد المناسب لهذا الهدف، فقد يحصل عليه، وإن لم يوفق فسيحصل على تقدير "جيد جداً"، وأما إن كان هدفه النجاح فقط، فقد ينجح، وقد يخفق. وهكذا...

وفي الحديث الحث على العمل لا على الكسل، ولكنه يحث أيضاً على الاعتدال الذي يستطيع الإنسان به أن يداوم على عمله، (فالقصد القصد تبلغوا) أي عليكم بالاعتدال والاتزان؛ لتصلوا إلى رضوان الله وجناته، وتشملكم رحمة الله -تعالى-. والإسلام هو دين الوسطية والاتزان، فهو يوازن بين حقوق الله وحقوق الناس، وحقوق الأهل، وحقوق النفس؛ ففي الحديث: (إنَّ لربك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، فأعط كل ذي حق حقه)6. ولما جاء بعض أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- يسألون عن عبادته، وقال بعضهم: أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أقوم الليل ولا أنام، وقال ثالث: لا أتزوج. قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (ما بال أقوام قالوا كذا وكذا؟ لكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)7. ولكن ما هو مقياس الاعتدال وعدم التطرف؟ هل هو أهواء الناس وعقولهم وشهواتهم؟! إن الذي يعيش في محيط تجرأ على محارم الله –تعالى-، يعتبر نفسه معتدلاً تزناً، ويعتبر التمسك بالحد الأدنى من الدين تعصباً وتطرفاً!!. إن بعض المجتمعات تعتبر عدم الاختلاط، وعدم إقامة العلاقات الجنسية، وعدم شر الخمور تطرفاً وتعصباً. إن العقل البشري غير قادر بمفرده على وضع الميزان الصحيح للاعتدال، ولا أدل على ذلك من اختلاف هذه العقول حول ذلك، فبأي الآراء نأخذ؟! وهل رأي الأكثرية دائماً صحيح؟! وهل يمكن أن يكون لكل فرد قانونه الخاص به؟! ولماذا أتنازل عن قناعاتي لحساب قناعاتك؟!

إن التوازن أمر فوق طاقة البشر، لا يقدر عليه إلا القدير الذي خلق الكون متوازناً؛ {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} سورة القمر(49). والذي أنزل الدين متوازناً؛ لأنه العليم بما خلق، الحكيم فيما شرع؛ {أَلَا

يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} سورة الملك (14).

إن الأمة الإسلامية هي التي تملك المقياس الصحيح للاعتدال، وهي المتخصصة والمؤهلة لتعليم الناس الوسطية الحقيقية، قال الله -تعالى-: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ} سورة البقرة(143). وهكذا فتشريعات الله هي التي تحقق الاعتدال، وكل ما خالفها فهو التطرف، مهما كثر فاعلوه، وانتشر مؤيدوه8. وخلاصة القول أنَّ الإنسان مهما عمل من الأعمال الصالحة؛ فإنه لابد له من خول الجنة من تحقق أمرين:

1. العمل الصالح، وهذا سبب لدخولها.

2. رحمة الله -تعالى-، وهذا أهم سبب لدخول الجنة. [ الأنترنت – موقع إمام المسجد ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة الثلاثون في موضوع (الوارث) وهي بعنوان :* {يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا }

الآية: ﴿ يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ﴾.السورة ورقم الآية: مريم (6).

قال الواحدي: ﴿ يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ﴾ العلم

والنبوة ﴿ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ﴾ مرضيًّا فاستجاب الله تعالى دعاءه.

وقال البغوي  في "معالم التنزيل": ﴿ يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ﴾ قرأ أبو عمرو والكسائي بجزم الثاء فيهما على جواب الدعاء، وقرأ الباقون بالرفع على الحال والصفة؛ يعني: وليًّا وارثًا، واختلفوا في هذا الإرث؛ قال الحسن: معناه يرث مالي، ويرث من آل يعقوب النبوة والحبورة، وقيل: أراد ميراث النبوة والعلم، وقيل: أراد إرث الحبورة؛ لأن زكريا كان رأس الأحبار، وقال الزجاج: والأولى أن يحمل على ميراث غير المال؛ لأنه يبعد أن يشفق زكريا وهو نبي من الأنبياء أن يرث بنو عمه ماله، والمعنى: أنه خاف تضييع بني عمه دين الله وتغيير أحكامه على ما كان يشاهده من بني إسرائيل من تبديل الدين وقتل الأنبياء، فسأل ربَّه ولدًا صالحًا يأمنه على أُمَّته، ويرث نبوَّته وعلمه؛ لئلا يضيع الدين، وهذا معنى قول عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما. ﴿ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ﴾؛ أي: بَرًّا تقيًّا مرضيًّا. – [الأنترنت – موقع الألوكة  تفسير: (يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا)]

وقال السعدى : أي: عبدا صالحا ترضاه وتحببه إلى عبادك، والحاصل أنه سأل الله ولدا، ذكرا، صالحا، يبق بعد موته، ويكون وليا من بعده، ويكون نبيا مرضيا عند الله وعند خلقه، وهذا أفضل ما يكون من الأولاد، ومن رحمة الله بعبده، أن يرزقه ولدا صالحا، جامعا لمكارم الأخلاق ومحامد الشيم. فرحمه ربه واستجاب دعوته

وقال الطنطاوي : والمراد بالوراثة فى قوله ( يَرِثُنِي ) وراثة العلم والنبوة والصفات الحميدة .

قال الإمام ابن كثير ما ملخصه : " وقوله : ( وَإِنِّي خِفْتُ الموالي مِن وَرَآئِي ) قرأ الأكثرون بنصب الياء من الموالى على أنه مفعول ، وعن الكسائى أنه سكن الياء . . .

ووجه خوفه أنه خشى أن يتصرفوا من بعده فى الناس تصرفاً سيئاً . فسأل الله ولداً يكون نبيا من بعده ليسوسهم بنبوته . . . لا أنه خشى من وراثتهم له ماله . فإن النبى أعظم منزلة وأجل قدراً من أن يشفق على ماله إلى هذا الحد ، وأن يأنف من وراثة عصبته له ، ويسأل أن يكون له ولد ليحوز ميراثه دونهم .

وقد ثبت فى الصحيحين من غير وجه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا نورث ما تركنا صدقة " وفى رواية عند الترمذى بإسناد صحيح : " نحن معاشر الأنبياء لا نورث " .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والثلاثون في موضوع

(الوارث) وهي بعنوان :* {يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا }

وعلى هذا فتعين حمل قوله ( فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً يَرِثُنِي ) على ميراث النبوة ولهذا قال : ( وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) كقوله : ( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ) أى : فى النبوة ، إذ لو كان فى الال لما خصه من بين إخوته بذلك ، ولما كان فى الإخبار بذلك كبير فائدة ، إذ من المعلوم المستقر فى جيمع الشرائع والملل ، أن الولد يرث أباه ، فلولا أنها وراثة خاصة لما أخبر بها ، وكل هذا يقرره ويثبته ما صح فى الحديث : " نحن معاشر الأنبياء لا نورث ، ما تركنا فهو صدقة " .

وقال بعض العلماء ما ملخصه : ومعنى ( يَرِثُنِي ) أى : إرث علم ونبوة ، ودعوة إلى الله والقيام بدينه ، لا إرث مال ، ويدل لذلك أمران : أحدهما قوله : ( وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ) ومعلوم أن آل يعقوب انقرضوا من زمان ، فلا يورث عنهم إلا العلم والنبوة والدين .

والأمر الثانى ما جاء من الأدلة أن الأنبياء - صلولات الله وسلامه عليهم - لا يورث عنهم المال،وإنما يورث عنهم العلم والدين ، فمن ذلك ما أخرجه الشيخان عن أبى بكر الصديق أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا نورث ما تركنا صدقة " .

وقال مجاهد في قوله : ( يرثني ويرث من آل يعقوب )

قال : كان وراثته علما وكان زكريا من ذرية يعقوب .

وقال هشيم : أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح في قوله : ( يرثني ويرث من آل يعقوب ) قال : قد يكون نبيا كما كانت آباؤه أنبياء . وقال عبدالرزاق ، عن معمر ، عن قتادة ، عن الحسن :

 يرث نبوته وعلمه .

وقال السدي : يرث نبوتي ونبوة آل يعقوب .

وعن مالك ، عن زيد بن أسلم : ( ويرث من آل يعقوب ) قال : نبوتهم .

وقال جابر بن نوح ويزيد بن هارون ، كلاهما عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح في قوله : ( يرثني ويرث من آل يعقوب ) قال:يرث مالي ، ويرث من آل يعقوب النبوة .وهذا اختيار ابن جرير في تفسيره .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن قتادة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يرحم الله زكريا ، وما كان عليه من ورثة ، ويرحم الله لوطا ، إن كان ليأوي إلى ركن شديد "

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة الثانية والثلاثون في موضوع

(الوارث) وهي بعنوان :* {يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا }

القرطبى : قوله تعالى : يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا فيه أربع مسائل :

الأولى : قوله تعالى : يرثني قرأ أهل الحرمين والحسن وعاصم وحمزة ( يرثني ويرث ) بالرفع فيهما . وقرأ يحيى بن يعمر وأبو عمرو ويحيى بن وثاب والأعمش والكسائي بالجزم فيهما ، وليس هما جواب ( هب ) على مذهب سيبويه ، إنما تقديره إن تهبه يرثني ويرث ؛ والأول أصوب في المعنى لأنه طلب وارثا موصوفا ؛ أي هب لي من لدنك الولي الذي هذه حاله وصفته ؛ لأن الأولياء منهم من لا يرث ؛ فقال : هب لي الذي يكون وارثي ؛ قاله أبو عبيد ؛ ورد قراءة الجزم ؛ قال : لأن معناه إن وهبت ورث ، وكيف يخبر الله - عز وجل - بهذا وهو أعلم به منه ؟ ! النحاس : وهذه حجة متقصاة ؛ لأن جواب الأمر عند النحويين فيه معنى الشرط والمجازاة ؛ تقول : أطع الله يدخلك الجنة ؛ أي إن تطعه يدخلك الجنة .

الثانية : قال النحاس : فأما معنى يرثني ويرث من آل يعقوب فللعلماء فيه ثلاثة أجوبة ؛ قيل : هي وراثة نبوة . وقيل : وراثة حكمة . وقيل : هي وراثة مال . فأما قولهم وراثة نبوة فمحال ؛ لأن النبوة لا تورث ، ولو كانت تورث لقال قائل : الناس ينتسبون إلى نوح - عليه السلام - وهو نبي مرسل . ووراثة العلم والحكمة مذهب حسن ؛ وفي الحديث العلماء ورثة الأنبياء . وأما وراثة المال فلا يمتنع ، وإن كان قوم قد أنكروه لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا نورث ، ما تركنا صدقة فهذا لا حجة فيه ؛ لأن الواحد يخبر عن نفسه بإخبار الجمع . وقد يؤول هذا بمعنى : لا نورث ، الذي تركناه صدقة ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يخلف شيئا يورث عنه ؛ وإنما كان الذي أباحه الله - عز وجل - إياه في حياته بقوله تبارك اسمه : واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول لأن معنى لله لسبيل الله ، ومن سبيل الله ما يكون في مصلحة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما دام حيا ؛ فإن قيل : ففي بعض الروايات إنا معاشر الأنبياء لا نورث ، ما تركنا صدقة ففيه

التأويلان جميعا ؛ أن يكون ( ما ) بمعنى الذي .

والآخر لا يورث من كانت هذه حاله . وقال أبو عمر : واختلف العلماء في تأويل قوله - عليه السلام - : لا نورث ما تركنا صدقة على قولين : أحدهما : وهو الأكثر وعليه الجمهور أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يورث وما ترك صدقة . والآخر : أن نبينا - عليه الصلاة والسلام - لم يورث ؛ لأن الله تعالى خصه بأن جعل ماله كله صدقة زيادة في فضيلته ، كما خص في النكاح بأشياء أباحها له وحرمها على غيره ؛ وهذا القول قاله بعض أهل البصرة منهم ابن علية ، وسائر علماء المسلمين على القول الأول . إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والثلاثون في موضوع

(الوارث) وهي بعنوان :* {يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا }

الثالثة : قوله تعالى : من آل يعقوب قيل : هو يعقوب بن إسرائيل ، وكان زكريا متزوجا بأخت مريم بنت عمران ، ويرجع نسبها إلى يعقوب ؛ لأنها من ولد سليمان بن داود وهو من ولد يهوذا بن يعقوب ، وزكريا من ولد هارون أخي موسى ، وهارون وموسى من ولد لاوي بن يعقوب ، وكانت النبوة في سبط يعقوب بن إسحاق . وقيل : المعني بيعقوب هاهنا يعقوب بن ماثان أخو عمران بن ماثان أبي مريم أخوان من نسل سليمان بن داود - عليهما السلام - ؛ لأن يعقوب وعمران ابنا ماثان ، وبنو ماثان رؤساء بني إسرائيل ؛ قاله مقاتل وغيره . وقال الكلبي : وكان آل يعقوب أخواله ، وهو يعقوب بن ماثان ، وكان فيهم الملك ، وكان زكريا من ولد هارون بن عمران أخي موسى . وروى قتادة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : يرحم الله - تعالى - زكريا ما كان عليه من ورثته . ولم ينصرف يعقوب لأنه أعجمي .

الرابعة : قوله تعالى : واجعله رب رضيا أي مرضيا في أخلاقه وأفعاله . وقيل : راضيا بقضائك وقدرك . وقيل : رجلا صالحا ترضى عنه . وقال أبو صالح : نبيا كما جعلت أباه نبيا .

وقال ابن عاشور : ولذلك قال : { يرثني ويرث من آل يعقوب } فإن نُفوس الأنبياء لا تطمح إلا لمعالي الأمور ومصالح الدين وما سوى ذلك فهو تبع .

فقوله { يَرِثُني } يعني به وراثة ماله . ويؤيّده ما

أخرجه عبد الرزاق عن قتادة عن الحسن أن

النبيصلى الله عليه وسلم قال : " يرحم الله زكرياء ما كان عليه من وراثة ماله "

والظواهر تؤذن بأن الأنبياء كانوا يُورَثون ، قال تعالى : { وورث سليمان داوود } [ النمل : 16 ]. وأما قول النبيء صلى الله عليه وسلم " نحن معشر الأنبياء لا نورث ما تركْنَا صدقةٌ " فإنما يريد به رسول الله نفسَه ، كما حمله عليه عُمر في حديثه مع العبّاس وعليّ في «صحيح البخاري» إذ قال عمر : «يريد رسول الله بذلك نفسه» ، فيكون ذلك من خصوصيات محمد صلى الله عليه وسلم فإن كان ذلك حكماً سابقاً كان مراد زكرياء إرث آثار النبوءة خاصة من الكتب المقدّسة وتقاييده عليها

والموالي : العصبة وأقرب القرابة ، جمع مولى بمعنى الولي .

ومعنى : { من ورائي } من بعدي ، فإن الوراء يطلق ويراد به ما بعد الشيء ، كما قال النّابغة :

وليس وراء الله للمرء مطلب ... أي بعد الله . فمعنى

 { من ورائي } من بعد حياتي .

و { من ورائي } في موضع الصفة ل { الموالي } أو الحال .

وامرأة زكرياء اسمها أليصابات من نسل هارون أخي موسى فهي من سبط لاوي .

والعاقر : الأنثى التي لا تلد ، فهو وصف خاص بالمرأة ، ولذلك جرد من علامة التأنيث إذ لا لبس . ومصدره : العُقر بفتح العين وضمها مع سكون القاف . وأتى بفعل ( كان ) للدلالة على أن العقر متمكن منها وثابت لها فلذلك حرم من الولد منها .

ومعنى { مِنْ لَدنكَ } أنه من عند الله عندية خاصة ،

 لأنّ المتكلّم يعلم أنّ كلّ شيء من عند الله بتقديره وخلقه الأسْباب ومسبباتها تبعاً لخلقها ، فلما قال { من لدنك } دلّ على أنه سأل ولياً غير جارٍ أمره على المعتاد من إيجاد الأولاد لانعدام الأسباب المعتادة ، فتكون هبته كرامة له .

ويتعلّق { لِي } و { مِن لَّدُنكَ } بفعل { هَبْ }. وإنما قدم { لِي } على { مِن لدُنكَ } لأنه الأهم في غرض الداعي ، وهو غرض خاص يقدم على الغرض العام .

و { يَرِثُني } قرأه الجمهور بالرفع على الصفة ل { وَلِيَّا }. وقرأه أبو عمرو ، والكسائي بالجزم على أنه جواب الدعاء في قوله { هَبْ لِي } لإرادة التسبب لأن أصل الأجوبة الثمانية أنها على تقدير فاء السببية .         إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله

 وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والثلاثون في موضوع

(الوارث) وهي بعنوان :* {يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا } و{ ءَال يَعْقُوبَ } يجوز أن يراد بهم خاصة بني إسرائيل كما يقتضيه اللفظ

المشعر بالفضيلة والشرف ، فيكون يعقوب هو إسرائيل؛ كأنه قال : ويرث من آل إسرائيل ، أي حملة الشريعة وأحْبار اليهودية كقوله تعالى : { فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة } [ النساء : 54 ] ، وإنما يذكر آل الرجل في مثل هذا السياق إذا كانوا على سننه ، ومن هذا القبيل قوله تعالى : { إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه } [ آل عمران : 68 ] وقولِه : { ذرية من حملنا مع نوح } [ الإسراء : 3 ] ، مع أن الناس كلهم ذرية من حملوا معه .

ويجوز أن يراد يعقوب آخر غير إسرائيل . وهو يعقوب بن ماثان ، قاله : معقل والكلبي ، وهو عمّ مريم أخو عمران أبيها ، وقيل : هو أخو زكرياء ، أي ليس له أولاد فيكون ابنُ زكرياء وارثاً ليعقوب لأنه ابن أخيه ، فيعقوب على هذه هو من جملة الموالي الذين خافهم زكرياء من ورائه .[ الأنترنت – موقع  {يَرِثُنِى وَيَرِثُ مِنْ ءَالِ يَعْقُوبَ ۖ وَٱجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} ]

*{وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}

قال تعالى :  { وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } آل عمران  180.  قال السعدي في تفسيره : أي: ولا يظن الذين يبخلون، أي: يمنعون ما عندهم مما آتاهم الله من فضله، من المال والجاه والعلم، وغير ذلك مما منحهم الله، وأحسن إليهم به، وأمرهم ببذل ما لا يضرهم منه لعباده، فبخلوا بذلك، وأمسكوه، وضنوا به على عباد الله، وظنوا أنه خير لهم، بل هو شر لهم، في دينهم ودنياهم، وعاجلهم وآجلهم { سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة } أي: يجعل ما بخلوا به طوقا في أعناقهم، يعذبون به كما ورد في الحديث الصحيح، "إن البخيل يمثل له ماله يوم القيامة شجاعا أقرع، له زبيبتان، يأخذ بلهزمتيه يقول: أنا مالك، أنا كنزك" وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم مصداق ذلك، هذه الآية.

فهؤلاء حسبوا أن بخلهم نافعهم، ومجد عليهم، فانقلب

 عليهم الأمر، وصار من أعظم مضارهم، وسبب عقابهم.

{ ولله ميراث السماوات والأرض } أي: هو تعالى مالك الملك، وترد جميع الأملاك إلى مالكها، وينقلب العباد من الدنيا ما معهم درهم ولا دينار، ولا غير ذلك من المال.

قال تعالى: { إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون } وتأمل كيف ذكر السبب الابتدائي والسبب الغائي، الموجب كل واحد منهما أن لا يبخل العبد بما أعطاه الله.

أخبر أولا أن الذي عنده وفي يده فضل من الله ونعمة، ليس ملكا للعبد، بل لولا فضل الله عليه وإحسانه، لم يصل إليه منه شيء، فمنعه لذلك منع لفضل الله وإحسانه؛ ولأن إحسانه موجب للإحسان إلى عبيده كما قال تعالى: { وأحسن كما أحسن الله إليك } .فمن تحقق أن ما بيده، فضل من الله، لم يمنع الفضل الذي لا يضره، بل ينفعه في قلبه وماله، وزيادة إيمانه، وحفظه من الآفات.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والثلاثون في موضوع

(الوارث) وهي بعنوان :{يرثني ويرث من آل يعقوب

 واجعله رب رضيا }

ثم ذكر ثانيا: أن هذا الذي بيد العباد كلها ترجع إلى الله، ويرثها تعالى، وهو خير الوارثين، فلا معنى للبخل بشيء هو زائل عنك منتقل إلى غيرك.

ثم ذكر ثالثا: السبب الجزائي، فقال: { والله بما تعملون خبير } فإذا كان خبيرا بأعمالكم جميعها -ويستلزم ذلك الجزاء الحسن على الخيرات، والعقوبات على الشر- لم يتخلف من في قلبه مثقال ذرة من إيمان عن الإنفاق الذي يجزى به الثواب، ولا يرضى بالإمساك الذي به العقاب. [ الأنترنت – موقع {وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} أبو الهيثم محمد درويش ]

وقال ابن عثيمين: ﴿وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾

(لله) اللام هذه للاختصاص، والجار والمجرور خبر مقدم، وتقديمه يفيد الحصر؛ أي: أنه له وحده، لله وحده، والميراث انتقال المال من سابق إلى لاحق كانتقاله من الميت إلى الحي، فمن الذي يرث السماوات والأرض ويبقى بعدها؟ هو الله، ولهذا قال: ﴿وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ لا يتحول ميراثها إلا إليه وحده عز وجل، ومناسبة هذه الجملة لما بعدها واضح، وذلك أن الذي يبخل بماله إنما يبخل به ليبقى له، فبيّن الله أنه لن يبقى لماله، لا بد أن يموت ويرثه ورثته، ثم ورثته يموتون، ويرثهم ورثتهم، ثم هكذا إلى أن ينتهي الإرث إلى من؟ إلى الله عز وجل، فالمناسبة إذن بين هذه الجملة وما قبلها ظاهرة جدًّا؛ يعني: امنع أو لا تمنع، سوف تخلِّف مالك من بعدك ويرثه ورثتك ومن ورائهم ورثتهم إلى أن ينتهي الإرث إلى الله عز وجل، فتفارق أنت جميع مالك ويكون لمن بعدك. وقال: ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ فيها قراءتان: ﴿تَعْمَلُونَ﴾ و﴿يَعْمَلُونَ﴾  وختم الآية بهذا الاسم وهو الخبير واضح المناسبة؛ لأن هؤلاء الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله قد لا يطلع عليهم الخلق، فالإنسان قد يكون عنده ملايين ولا يعلم الناس عنه ويبخل بزكاتها ولا يُعلم عنها، فبين الله سبحانه وتعالى أن الله خبير بعملهم، والغالب أن من منع الحق في ماله سُلِّط على هلكته في الباطل؛ يعني فتحت له أبواب من الباطل يصرف فيها ماله، فيكون مانعًا لما يجب واقعًا فيما يَحرُم، ولهذا هدّدهم الله بقوله: والله خبير بما يعملون.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة السادسة والثلاثون في موضوع

(الوارث) وهي بعنوان :* {يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا }

* في هذه الآية من الفوائد الكثيرة: تهديد مَن بخل بما آتاه الله من فضله، وسبق لنا أن البخل هو منع الواجب في المال؛ منع الواجب في المال هذا هو

البخل الذي يُتوعّد عليه.

* ومن فوائد هذه الآية: أن الشيطان قد يغر الإنسان، قد يغره فيقول: لا تنفق فيهلك مالك؛ لقوله: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ﴾ ولا شك أن هذا هو الواقع، ودليل ذلك أن الله يحذرنا دائمًا من هذا الشيطان فيقول: ﴿لَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ [لقمان ٣٣]، وأول من يغرنا بالله هو الشيطان.

* ومن فوائد الآية الكريمة: إقامة اللوم والتوبيخ على هؤلاء الذين بخلوا، من أين يؤخذ؟ من قوله: ﴿بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾، أي: كيف يبخلون بشيء ليس من كسبهم ولا من كدهم بل هو من فضل الله فيبخلون به في طاعة الله.

* ومن فوائد الآية الكريمة: أن ما أوتيه الإنسان من علم أو مال أو ولد فإنه من الله عز وجل، فالولد لا يقول الإنسان: أوتيته بسبب أني تزوجت وأتيت أهلي، والعلم لا يقول: أوتيته بأني سعيت فيه، والمال كذلك لا يقول: أوتيته بأني سعيت فيه؛ لأن الكل من فضل الله، فتوفيقك للسعي في هذا الأمر من فضل الله، ثم حصول النتيجة التي كنت ترجوها، أيش؟ من فضل الله، فكم من إنسان خُذل فلم يسعَ، وكم من إنسان سعى ولم يحصل على ثمرة، فأصل السعي والثمرة كلها من الله، ولهذا قال: ﴿بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾.

* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: تحذير الباخلين من البخل؛ لقوله: ﴿لَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ﴾.

* ومن فوائدها: أن الإنسان قد يُزيّن له سوء عمله فيظنه حسنًا، فالبخل خلق سيء وعمل سيء، قد يزين للإنسان فيبخل مع أنه من الأعمال السيئة والأخلاق السيئة.

* ومن فوائد هذه الآية: إثبات الجزاء، بل إثبات العقوبة العظيمة على هؤلاء الباخلين، ما هي العقوبة؟ أنهم يطوّقون به يوم القيامة حين لا ينفعهم الندم ولا يمكنهم الخلاص.

* ومن فوائدها: تحقُّق وقوع الجزاء؛ لقوله: ﴿سَيُطَوَّقُونَ﴾ وذلك بواسطةماذا؟ بواسطة السين.

* ومن فوائد هذه الآية أيضًا: إقامة الحجة على أن هذا البخل ليس بنافع أصحابه، مأخوذ من قوله:

﴿وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ فبخلهم لن يُخلّدهم في الدنيا، ولن يخلد المال لهم، بل هم سوف يجازون عليه، وسوف ينتقل المال منهم إلى ورثتهم، ومن ورثتهم إلى الآخرين حتى ينتهي الأمر إلى الله عز وجل.

* ومن فوائد هذه الآية: إثبات يوم القيامة؛ لقوله: ﴿مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ والإيمان بيوم القيامة أحد أركان الإيمان الستة كما هو معروف، ولا يتم إيمان عبد حتى يؤمن به، فإن وقع منه شك فيه فإنه لم يتم إيمانه.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة السابعة والثلاثون في موضوع

(الوارث) وهي بعنوان :* {يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا }

* ومن فوائدها: إثبات علم الله عز وجل؛ لقوله: ﴿بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ ، ﴿بما يَعْمَلُونَ﴾  و﴿تَعْمَلُونَ﴾ قراءتان؛ لأن الخبرة كما قال العلماء: هي العلم بأيش؟ ببواطن الأمور، ومن المعلوم أن العليم ببواطن الأمور عليم بظواهرها من باب أولى.

* ومن فوائد هذه الآية: الإشارة إلى اسم الله الآخر؛ فإن الله هو الأول والآخر، من أين تؤخذ؟ من قوله: ﴿وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ فإذا ثبت إرثه لهما لزم من ذلك أن يكون هو الآخر عز وجل.

[ الأنترنت – موقع تفسير القرآن الكريم – ابن عثيمين ]

* { إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين }: قال البغوي : ( قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله ) يعني أرض مصر ، ( يورثها ) يعطيها ( من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ) بالنصر والظفر .وقيل : السعادة والشهادة . وقيل : الجنة .

( قالوا أوذينا ) قال ابن عباس : لما آمنت السحرة اتبع موسى ستمائة ألف من بني إسرائيل ، فقالوا - يعني قوم موسى - إنا أوذينا ، ( من قبل أن تأتينا ) بالرسالة بقتل الأبناء ، ( ومن بعد ما جئتنا ) بإعادة القتل علينا . وقيل : فالمراد منه أن فرعون كان يستسخرهم قبل مجيء موسى إلى نصف النهار ، فلما جاء موسى استسخرهم جميع النهار بلا أجر . وذكر الكلبي أنهم كانوا يضربون له اللبن بتبن فرعون ، فلما جاء موسى أجبرهم أن يضربوه بتبن من عندهم . ( قال ) موسى ( عسى ربكم أن يهلك عدوكم ) فرعون ، ( ويستخلفكم في الأرض ) أي : يسكنكم أرض مصر من بعدهم ، ( فينظر كيف تعملون ) فحقق الله ذلك بإغراق فرعون واستخلافهم في ديارهم وأموالهم فعبدوا العجل .

قوله - عز وجل - : ( ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ) أي : بالجدوب والقحط . تقول العرب : مستهم السنة ، أي : جدب السنة وشدة السنة . وقيل : أراد بالسنين القحط سنة بعد سنة ، ( ونقص من الثمرات ) والغلات بالآفات والعاهات . وقال قتادة : أما السنين فلأهل البوادي ، وأما نقص الثمرات فلأهل الأمصار ، ( لعلهم يذكرون ) أي : يتعظون وذلك لأن الشدة ترقق القلوب وترغبها فيما عند الله –

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والثلاثون في موضوع

(الوارث) وهي بعنوان :* {يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا }

قوله تعالى  {وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض } أي بإيقاع الفرقة وتشتيت الشمل . ويذرك بنصب الراء جواب الاستفهام ، والواو نائبة عن الفاء . وآلهتك قال الحسن : كان فرعون يعبد الأصنام ، فكان يعبد ويعبد . قال سليمان التيمي : بلغني أن فرعون كان يعبد البقر . قال التيمي : فقلت للحسن هل كان فرعون يعبد شيئا ؟ قال نعم ; إنه كان يعبد شيئا كان قد جعله في عنقه . وقيل : معنى وآلهتك أي وطاعتك ، كما قيل في قوله تعالى : اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله إنهم ما عبدوهم ولكن أطاعوهم ; فصار تمثيلا . وقرأ نعيم بن ميسرة ( ويذرك ) بالرفع على تقدير : وهو يذرك . وقرأ الأشهب العقيلي ( ويذرك ) مجزوما مخفف " يذرك " لثقل الضمة . وقرأ أنس بن مالك ( ونذرك ) بالرفع والنون . أخبروا عن أنفسهم أنهم يتركون عبادته إن ترك موسى حيا . وقرأ علي بن أبي طالب وابن عباس والضحاك ( وإلاهتك ) ومعناه وعبادتك . وعلى هذه القراءة كان يعبد ولا يعبد ، أي ويترك عبادته لك . قال أبو بكر الأنباري : فمن مذهب أصحاب هذه القراءة أن فرعون لما قال أنا ربكم الأعلى و ما علمت لكم من إله غيري نفى أن يكون له رب وإلاهة . فقيل له : ويذرك وإلاهتك ; بمعنى ويتركك وعبادة الناس لك .

وقراءة العامة وآلهتك كما تقدم ، وهي مبنية على أن فرعون ادعى الربوبية في ظاهر أمره وكان يعلم أنه مربوب . ودليل هذا قوله عند حضور الحمام آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل فلم يقبل هذا القول منه لما أتى به بعد إغلاق باب التوبة . وكان قبل هذا الحال له إله يعبده سرا دون رب العالمين جل وعز ; قاله الحسن وغيره . وفي حرف أبي ( أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض وقد تركوك أن يعبدوك ) . وقيل : " وإلاهتك " قيل : كان يعبد بقرة ، وكان إذا استحسن بقرة أمر بعبادتها ، وقال : أنا ربكم ورب هذه . ولهذا قال : فأخرج لهم عجلا جسدا . ذكره ابن عباس والسدي . قال الزجاج : كان له أصنام صغار يعبدها قومه تقربا إليه فنسبت إليه ; ولهذا قال : أنا ربكم الأعلى . قال إسماعيل بن إسحاق : قول فرعون أنا ربكم الأعلى . يدل على أنهم كانوا يعبدون شيئا غيره . وقد قيل : إن المراد بالإلاهة على قراءة ابن عباس البقرة التي كان يعبدها . وقيل : أرادوا بها الشمس وكانوا يعبدونها .

ثم آنس قومه فقال ( سنقتل أبناءهم ) بالتخفيف ، قراءة نافع وابن كثير . والباقون بالتشديد على التكثير . ونستحيي نساءهم أي لا تخافوا جانبهم . وإنا فوقهم قاهرون آنسهم بهذا الكلام . ولم يقل سنقتل موسى لعلمه أنه لا يقدر عليه . وعن سعيد بن جبير قال : كان فرعون قد ملئ من موسى رعبا ; فكان إذا رآه بال كما يبول الحمار .

قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده ولما بلغ قوم موسى من فرعون هذا قال لهم موسى : استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء أطمعهم في أن يورثهم الله أرض مصر .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والثلاثون في موضوع

(الوارث) وهي بعنوان :* {يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا }

والعاقبة للمتقين أي الجنة لمن اتقى . وعاقبة كل شيء آخره ، ولكنها إذا أطلقت فقيل : العاقبة لفلان ، فهم منه في العرف الخير . [ الأنترنت – موقع إسلام ويب - تفسير البغوي » سورة الأعراف » تفسير قوله تعالى " قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين "]

وقال السعدى :  فـ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ موصيا لهم في هذه الحالة، - التي لا يقدرون معها على شيء، ولا مقاومة - بالمقاومة الإلهية، والاستعانة الربانية: اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ أي: اعتمدوا عليه في جلب ما ينفعكم، ودفع ما يضركم، وثقوا باللّه ، أنه سيتم أمركم وَاصْبِرُوا أي: الزموا الصبر على ما يحل بكم، منتظرين للفرج.

إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ ليست لفرعون ولا لقومه حتى يتحكموا فيها يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أي: يداولها بين الناس على حسب مشيئته وحكمته، ولكن العاقبة للمتقين، فإنهم - وإن امتحنوا مدة ابتلاء من اللّه وحكمة، فإن النصر لهم، وَالْعَاقِبَةُ الحميدة لهم على قومهم وهذه وظيفة العبد، أنه عند القدرة، أن يفعل من الأسباب الدافعة عنه أذى الغير، ما يقدر عليه، وعند العجز، أن يصبر ويستعين اللّه، وينتظر الفرج.

وقال الطنطاوي : ويبلغ موسى وقومه هذا التهديد والوعيد من فرعون وملئه فماذا قال موسى- عليه السلام-؟ لقد حكى القرآن عنه أنه لم يحفل بهذا التهديد بل أوصى قومه بالصبر، ولوح لهم بالنصر. استمع إلى القرآن وهو يحكى قول موسى- عليه السلام- فيقول:

قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا، إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ، وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ.

أى: قال موسى لقومه على سبيل التشجيع والتسلية حين ضجوا وارتعبوا من تهديدات فرعون وملئه: يا قوم استعينوا بالله في كل أموركم. واصبروا على البلاء، فهذه الأرض ليست ملكا لفرعون وملئه، وإنما هي ملك لله رب للعالمين، وهو- سبحانه- يورثها لمن يشاء من عباده، وقد جرت سنته- سبحانه- أن يجعل العاقبة الطيبة لمن يخشاه ولا يخشى أحدا سواه.

وقال القرطبى : قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده ولما بلغ قوم موسى من فرعون هذا قال لهم موسى : استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من

يشاء أطمعهم في أن يورثهم الله أرض مصر .

والعاقبة للمتقين أي الجنة لمن اتقى . وعاقبة كل شيء آخره ، ولكنها إذا أطلقت فقيل : العاقبة لفلان ، فهم منه في العرف الخير

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة الأربعون في موضوع (الوارث) وهي بعنوان :* {يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا }

وقال ابن عاشور : وجملة : { قال موسى لقومه }

واقعة جواباً لقول قومه { إنا إلى ربنا منقلبون } [ الأعراف : 125 ] إلى آخرها الذي أجابوا به عن وعيد فرعون ، فكان موسى معدوداً في المحاورة ، ولذلك نزل كلامه الذي خاطب به قومه منزلة جواب منه لفرعون ، لأنه في قوة التصريح بقلة الاكتراث بالوعيد ، وبدفع ذلك بالتوكل على الله .

والتوكل هو جُماع قوله : { استعينوا بالله واصبروا } وقد عبر عن ذلك بلفظ التوكل في قوله : { وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين } في سورة يونس ( 84 ) ، فإن حقيقة التوكل أنه طلب نصر الله وتأييده في الأمر الذي يُرغب حصوله ، وذلك داخل في الاستعانة

وهو يستلزم الصبر على الضر لاعتقاد أنه زائل بإذن الله .

وخاطب موسى قومه بذلك تطميناً لقلوبهم ، وتعليماً لهم بنصر الله إياهم لأنه علم لأنه بوحي الله إليه .

وجملة : { إن الأرض لله } تذييل وتعليل للأمر بالاستعانة بالله والصبر ، أي : افعلوا ذلك لأن حكم الظلم لا يدوم ، ولأجل هذا المعنى فصلت الجملة .

وقوله : { إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده } كناية عن ترقب زوال استعباد فرعون إياهم ، قصد منها صرف اليأس عن أنفسهم الناشىء عن مشاهدة قوة فرعون وسلطانه ، بأن الله الذي خوله ذلك السلطان قادر على نزعه منه لأن ملك الأرض كلها لله فهو الذي يقدر لمن يشاء ملك شيء منها وهو الذي يقدر نزعه .

فالمراد من الأرض هنا الدنيا لأنه أليق بالتذييل وأقوى في التعليل ، فهذا إيماء إلى أنهم خارجون من مصر وسيملكون أرضاً أخرى .

وجملة : { والعاقبة للمتقين } تذييل ، فيجوز أن تكون الواو اعتراضية ، أي : عاطفة على ما في قوله : { إن الأرض لله } من معنى التعليل ، فيكون هذا تعليلاً ثانياً للأمر بالاستعانة والصبر ، وبهذا الاعتبار أوثر العطف بالواو على فصل الجملة مع أن مقتضى التذييل أن تكون مفصولة .

والعاقبة حقيقتها نهاية أمر من الأمور وآخره ، كقوله تعالى : { فكان عاقبتهما أنهما في النار } [ الحشر : 17 ] ، وقد تقدم ذكرها عند قوله تعالى : { قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين } في أول سورة الأنعام ( 11 ) ، فإذا عُرفَت العاقبة باللام كان المراد منها انتهاء أمر الشيء بأحسن من أوله ولعل التعريف فيها من قبيل العلم بالغلبة . وذلك لأن كل أحد يود أن يكون آخرُ أحواله خيراً من أولها؛ لكراهة مفارقة الملائم ، أو للرغبة في زوال

 المنافر ، فلذلك أطلقت العاقبة معرَفة على انتهاء

الحال بما يسر ويلائم ، كما قال تعالى : { والعاقبة للتقوى } [ طه : 132 ]. وفي حديث أبي سفيان قول هرقل : «وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة» فلا تطلق المعرفة على عاقبة السوء . فالمراد بالعاقبة هنا عاقبة أمورهم في الحياة الدنيا ليناسب قوله { إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده } وتشمل عاقبة الخير في الآخرة لأنها أهم ما يلاحظه المؤمنون . والمتقون : المؤمنون العاملون .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والأربعون في موضوع

(الوارث) وهي بعنوان :

 قال تعالى { إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين } جاء بلفظين عامين ، وهما : من يشاء من عباده والمتقين ، لتكون الجملتان تذييلاً للكلام وليحرص السامعون على أن يكونوا من المتقين .

وقد علم من قوله : { والعاقبة للمتقين } أن من يشاء الله أن يورثهم الأرض هم المتقون إذا كان في الناس متقون وغيرهم ، وأن تمليك الأرض لغيرهم إمّا عارض وإمّا لاستواء أهل الأرض في عدم التقوى .

[ الأنترنت – موقع: قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ٱسْتَعِينُواْ بِٱللَّهِ وَٱصْبِرُوٓاْ ۖ إِنَّ ٱلْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِۦ ۖ وَٱلْعَٰقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ]

*{ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون}

قال السعدى : { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ } وهو الكتاب المزبور، والمراد: الكتب المنزلة ، كالتوراة ونحوها     { مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ } أي: كتبناه في الكتب المنزلة، بعد ما كتبنا في الكتاب السابق، الذي هو اللوح المحفوظ، وأم الكتاب الذي توافقه جميع التقادير المتأخرة عنه والمكتوب في ذلك: { أَنَّ الْأَرْضَ } أي: أرض الجنة    { يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ } الذين قاموا بالمأمورات، واجتنبوا المنهيات، فهم الذين يورثهم الله الجنات، كقول أهل الجنة: { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ }

   ويحتمل أن المراد: الاستخلاف في الأرض، وأن الصالحين يمكن الله لهم في الأرض، ويوليهم عليها كقوله تعالى: { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ }

وقال الطنطاوي : ثم ساق - سبحانه - سنة من سننه التى لا تتخلف فقلا : ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور مِن بَعْدِ الذكر أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصالحون ) .

والمراد بالزبور : الكتاب المزبور أى : المكتوب ، مأخوذ من قولهم : زبرت الكتاب إذا كتبته .

ويشمل هنا جميع الكتب السماوية كالتوراة والإنجيل والزبور .

والمراد بالذكر : اللوح المحفوظ الذى هو أم الكتاب .

وقيل : المراد بالزبور : كتاب داود خاصة . وبالذكر التوارة ، أو العلم ، والمقصود بالأرض هنا : أرض الجنة

فيكون المعنى : ولقد كتبنا فى الكتب السماوية ، من بعد كتابتنا فى اللوح المحفوظ : أن أرض الجنة نورثها يوم القيامة لعبادنا الصالحين .

وهذا القول يؤيده قوله - تعالى - فى شأن المؤمنين :  ( وَقَالُواْ الحمد للَّهِ الذي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأرض نَتَبَوَّأُ مِنَ الجنة حَيْثُ نَشَآءُ فَنِعْمَ أَجْرُ العاملين ) ومن المفسرين من يرى أن المراد بالأرض هنا : أرض الدنيا فيكون المعنى :

ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أن هذه الأرض التى يعيش عليها الناس مؤمنهم وكافرهم ، ستكون فى النهاية لعبادنا الصالحين .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة الثانية والأربعون في موضوع

(الوارث) وهي بعنوان :

 قال تعالى { إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين }

قال الآلوسى ما ملخصه : أخرج ابن جرير عن ابن عباس أن المراد بالأرض فى الآية : أرض الجنة ، وإنها الأرض التى يختص بها الصالحون . لأنها لهم خلقت ، وغيرهم إذا حصلوا فيها فعلى وجه التبع ، وأن الآية ذكرت عقب ذكر الإعادة وليس بعدها أرض يستقر عليها الصالحون . ويمتن الله بها عليهم سوى أرض الجنة

وفى رواية أخرى عن ابن عباس أن المراد بها أرض الدنيا يرثها المؤمنون ، ويستولون عليها .

أخرج مسلم وأبو داود والترمذى عن ثوبان قال :

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أن الله - تعالى - زوى لى الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها ، وإن أمتى سيبلغ ملكها ما زوى لى منها . . . " .

ويبدو لنا أنه لا مانع من أن يكون المراد بالأرض التى يرثها العباد الصالحون ، ما يشمل أرض الجنة وأرض الدنيا ، لأنه لم يرد نص يخصص أحد المعنيين .

وقد سار على هذا التعميم الإمام ابن كثير فقال عند تفسيره لهذه الآية : " يقول الله - تعالى - مخبرا عما قضاه لعباده الصالحين ، من السعادة فى الدنيا والآخرة ووراثة الأرض فى الدنيا والآخرة كقوله - تعالى -    ( إِنَّ الأرض للَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ والعاقبة لِلْمُتَّقِينَ ) وقال - سبحانه - ( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا والذين آمَنُواْ فِي الحياة الدنيا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشهاد ) وأخبر - تعالى - أن هذا مكتوب مسطور فى الكتب الشرعية ، فهو كائن لا محالة ، ولهذا قال : ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور مِن بَعْدِ الذكر أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصالحون . )

وقال البغوى : قوله عز وجل ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ) قال سعيد بن جبير ومجاهد : الزبور

جميع الكتب المنزلة والذكر أم الكتاب الذي عنده والمعنى من بعد ما كتب ذكره في اللوح المحفوظ .

وقال ابن عباس والضحاك : الزبور التوراة والذكر

الكتب المنزلة من بعد التوراة .

وقال الشعبي : الزبور كتاب داود ، [ والذكر التوراة وقيل الزبور زبور داود ] والذكر القرآن وبعد بمعنى قبل كقوله تعالى : ( وكان وراءهم ملك ) ( الكهف 97 ) : أي أمامهم ( والأرض بعد ذلك دحاها )      ( النازعات 30 ) قبله ، ( أن الأرض ) يعني أرض الجنة ( يرثها عبادي الصالحون ) قال مجاهد : يعني أمة محمد صلى الله عليه وسلم دليله قوله تعالى : ( وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض ) ( الزمر 74 ) ، وقال ابن عباس : أراد أن أراضي الكفار يفتحها المسلمون وهذا حكم من الله بإظهار الدين وإعزاز المسلمين وقيل أراد بالأرض الأرض المقدسة

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والأربعون في موضوع

(الوارث) وهي بعنوان : قال تعالى { إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين }

وقال ابن كثير :  يقول تعالى مخبرا عما حتمه وقضاه لعباده الصالحين ، من السعادة في الدنيا والآخرة ، ووراثة الأرض في الدنيا والآخرة ، كقوله تعالى : ( إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ) [ الأعراف : 128 ] . وقال : ( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ) [ غافر : 51 ] . وقال : ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم [ وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا ] ) ، الآية [ النور : 55 ] . وأخبر تعالى أن هذا مكتوب مسطور في الكتب الشرعية والقدرية فهو كائن لا محالة; ولهذا قال تعالى : ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ) ، قال الأعمش : سألت سعيد بن جبير عن قوله تعالى : ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ) فقال الزبور : التوراة ، والإنجيل ، والقرآن .

وقال مجاهد : الزبور : الكتاب . وقال ابن عباس ، والشعبي ، والحسن ، وقتادة ، وغير واحد : الزبور : الذي أنزل على داود ، والذكر : التوراة ، وعن ابن عباس : الزبور : القرآن .

وقال سعيد بن جبير : الذكر : الذي في السماء .

وقال مجاهد : الزبور : الكتب بعد الذكر ، والذكر : أم الكتاب عند الله .

واختار ذلك ابن جرير رحمه الله ، وكذا قال زيد بن أسلم : هو الكتاب الأول . وقال الثوري : هو اللوح

المحفوظ . وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : الزبور

: الكتب التي نزلت على الأنبياء ، والذكر : أم الكتاب

 الذي يكتب فيه الأشياء قبل ذلك .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : أخبر الله سبحانه في التوراة والزبور وسابق علمه قبل أن تكون السماوات والأرض ، أن يورث أمة محمد صلى الله عليه وسلم الأرض ويدخلهم الجنة ، وهم الصالحون .

وقال مجاهد ، عن ابن عباس : ( أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) قال : أرض الجنة . وكذا قال أبو العالية ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، والشعبي ، وقتادة ، والسدي ، وأبو صالح ، والربيع بن أنس ، والثوري [ رحمهم الله تعالى ] .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والأربعون في موضوع

(الوارث) وهي بعنوان : قال تعالى { إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين }

القرطبى : قوله تعالى : ولقد كتبنا في الزبور الزبور والكتاب واحد ؛ ولذلك جاز أن يقال للتوراة والإنجيل زبور . زبرت أي كتبت وجمعه زبر . وقال سعيد بن جبير : الزبور التوراة والإنجيل والقرآن . من بعد الذكر الذي في السماء أن الأرض أرض الجنة يرثها عبادي الصالحون رواه سفيان عن الأعمش عن سعيد بن جبير . الشعبي : الزبور زبور داود ، والذكر توراة موسى - عليه السلام - . مجاهد وابن زيد : الزبور كتب الأنبياء عليهم السلام ، والذكر أم الكتاب الذي عند الله في السماء . وقال ابن عباس : الزبور الكتب التي أنزلها الله من بعد موسى على أنبيائه ، والذكر التوراة المنزلة على موسى . وقرأ حمزة ( في الزبور ) بضم الزاي جمع زبر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون أحسن ما قيل فيه أنه يراد بها أرض الجنة كما قال سعيد بن جبير ؛ لأن الأرض في الدنيا قد ورثها الصالحون وغيرهم . وهو قول ابن عباس ومجاهد وغيرهما . وقال مجاهد وأبو العالية : ودليل هذا التأويل قوله تعالى : وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض وعن ابن عباس أنها الأرض المقدسة . وعنه أيضا : أنها أرض الأمم الكافرة ترثها أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - بالفتوح . وقيل : إن المراد بذلك بنو إسرائيل ؛ بدليل قوله تعالى : وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وأكثر المفسرين على أن المراد بالعباد الصالحين أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - . وقرأ حمزة ( عبادي الصالحون ) بتسكين الياء .

ابن عاشور : إن كان المراد بالأرض أرض الجنة كما في قوله تعالى في [ سورة الزمر : 7374 ] { وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً إلى قوله تعالى : وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فمناسبة ذكر هذه الآية عقب التي تقدمتها ظاهرة . ولها ارتباط بقوله تعالى : أفلا ترون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها } [ الأنبياء : 44 ].

وإن كان المراد أرضاً من الدنيا ، أي مَصيرَها بيدِ عباد الله الصالحين كانت هذه الآية مسوقة لوعد المؤمنين بميراث الأرض التي لَقُوا فيها الأذَى ، وهي أرض مكة وما حولها ، فتكون بشارة بصلاح حالهم في الدنيا بعد بشارتهم بحسن مآلهم في الآخرة على حد قوله تعالى : { من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون } [ النحل : 97 ].

على أن في إطلاق اسم الأرض ما يصلح لإرادة أن سلطان العالم سيكون بيد المسلمين ما استقاموا على الإيمان والصلاح . وقد صدق الله وعده في الحالين وعلى الاحتمالين . وفي حديث أبي داوود والترمذي عن ثَوبان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إنّ الله زوَى لي الأرض فرأيت مشارقَها ومغاربَها وأن أمتي سيبلغ ملكها ما زُوي لي منها » . وقرأ الجمهور { في الزبور } بصيغة الإفراد وهو اسم للمزبور ، أي المكتوب ، فعول بمعنى مفعول ، مثل : ناقة حَلوب ورَكوب . وقرأ حمزة بصيغة الجمع { زُبور بوزن فعول جمع زِبْر بكسر فسكون أي مزبور ، فوزنه مثل قِشر وقُشور ، أي في الكتب .

[ الأنترنت – موقع عربي - نصوص الآيات عثماني : وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى ٱلزَّبُورِ مِنۢ بَعْدِ ٱلذِّكْرِ أَنَّ ٱلْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ ٱلصَّٰلِحُونَ ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والأربعون في موضوع

(الوارث) وهي بعنوان :

 *قال تعالى: {وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها ۖ }

قال السعدى : أي: بني إسرائيل الذين كانوا خدمة لآل فرعون، يسومونهم سوء العذاب أورثهم اللّه مَشَارِقَ الأرْضِ وَمَغَارِبَهَا والمراد بالأرض هاهنا، أرض مصر، التي كانوا فيها مستضعفين، أذلين، أي: ملكهم اللّه جميعا، ومكنهم فيها الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا حين قال لهم موسى: اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ . وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ من الأبنية الهائلة، والمساكن المزخرفة وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ .

قال الطنطاوي : ثم بين- سبحانه- مظاهر فضله وكرمه على بنى إسرائيل بعد أن بين نهاية فرعون وآله فقال: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها.

أى: وأعطينا القوم الذين كانوا يستضعفون في مصر من فرعون وملئه بالاستعباد وقتل الأبناء، وسوء العذاب، أعطيناهم من طريق الاستخلاف- قبل أن يزيغوا ويضلوا- مشارق أرض الشام ومغاربها التي باركنا فيها بالخصوبة وسعة الأرزاق، وبكونها مساكن

 الأنبياء والصالحين ليكون ذلك امتحانا لهم، واختبارا لنفوسهم.

وجمع- سبحانه- بين صيغتي الماضي والمستقبل للدلالة على استمرار الاستضعاف وتجدده، والمراد بهم بنو إسرائيل، وذكروا بعنوان القوم، إظهارا لكمال اللطف بهم،وعظيم الإحسان إليهم، حيث رفعوا من حضيض المذلة إلى أوج العزة.

وقوله:{وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا} ، أى: ونفذت كلمة الله الحسنى ومضت عليهم تامة كاملة، حيث رزقهم- سبحانه- النصر على أعدائهم. والتمكين في الأرض بسبب صبرهم على ظلم فرعون وملئه.

قال الزمخشري: وحسبك به حاثا على الصبر. ودالا على أن من قابل البلاء بالجزع وكله الله إليه. ومن قابله بالصبر، وانتظار النصر، ضمن الله له الفرج.

وعن الحسن: عجبت ممن خف كيف خف وقد سمع قوله- تعالى- ثم تلا هذه الآية وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا ... ومعنى «خف» طاش جزعا وقلة صبر، ولم يرزق رزانة أولى الصبر» .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة السادسة والأربعون في موضوع

(الوارث) وهي بعنوان :

ثم ختمت الآية بقوله- تعالى- {وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ } من بناء القصور الشاهقة والمنازل القوية، وما كانوا يرفعونه من البساتين، والصروح المشيدة، كصرح هامان وغيره.

ويَعْرِشُونَ بكسر الراء وضمها- أى يرفعون من العرش وهو الشيء المسقف المرفوع.

قال الجمل: وقوله وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ في إعرابه أوجه:

أحدها: أن يكون فرعون اسم كان ويصنع خبر مقدم،

 والجملة الكونية صلة والعائد محذوف. والتقدير:

ودمرنا الذي كان فرعون يصنعه.

والثاني: أن اسم كان ضمير عائد على ما الموصولة، ويصنع مسند لفرعون. والجملة خبر عن كان، والعائد محذوف، والتقدير: ودمرنا الذي كان هو يصنعه فرعون.

الثالث: أن تكون كان زائدة وما مصدرية والتقدير ودمرنا ما يصنع فرعون أى: صنعه» .

وهكذا تنهى السورة الكريمة هذا الدرس بذكر ما أصاب الظالمين والغادرين من دمار وخراب، وما أصاب المستضعفين الصابرين من خير واستخلاف في الأرض.

ثم بدأت السورة بعد ذلك مباشرة حديثا طويلا عن

هؤلاء المستضعفين من بنى إسرائيل بينت فيه ألوانا من جحودهم لنعم الله، ونسيانهم لما كانوا فيه من ذل واستعباد، وتفضيلهم عبادة الأصنام على عبادة الخالق- عز وجل وغير ذلك من أنواع كفرهم ومعاصيهم، واستمع إلى القرآن وهو يحكى لونا من رذائلهم فيقول:

وقال البغوى :(وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون) يقهرون ويستذلون بذبح الأبناء واستخدام النساء والاستعباد وهم بنو إسرائيل ( مشارق الأرض ومغاربها ) يعني مصر والشام ( التي باركنا فيها ) بالماء والأشجار والثمار والخصب والسعة ( وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل ) يعني : وفت كلمة الله وهي وعده إياهم بالنصر والتمكين في الأرض ، وذلك قوله تعالى : ( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ) القصص - 5 ( بما صبروا ) على دينهم وعلى عذاب فرعون ( ودمرنا ) أهلكنا ( ما كان يصنع فرعون وقومه ) في أرض مصر من العمارات ، ( وما كانوا يعرشون ) قال مجاهد : يبنون من البيوت والقصور . وقال الحسن : يعرشون من الأشجار والثمار والأعناب . وقرأ ابن عامر وأبو بكر ( يعرشون ) بضم الراء هاهنا وفي النحل ، وقرأ الآخرون بكسرها .

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة السابعة والأربعون في موضوع

(الوارث) وهي بعنوان :

 *قال تعالى: {وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها ۖ }

وقال ابن كثير : أخبر تعالى أنه أورث القوم الذين كانوا يستضعفون - وهم بنو إسرائيل - مشارق الأرض ومغاربها ( 137 ) ) كما قال تعالى : ( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ) [ القصص : 5 ، 6 ] وقال تعالى : ( كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوما آخرين ) [ الدخان : 25 - 28 ]

وعن الحسن البصري وقتادة ، في قوله : ( مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها ) يعني : الشام .

وقوله : ( وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ) قال مجاهد وابن جرير : وهي قوله تعالى : ( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون )

وقوله : ( ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه ) أي :

وخربنا ما كان فرعون وقومه يصنعونه من العمارات والمزارع ، ( وما كانوا يعرشون ) قال ابن عباس ومجاهد : ( يعرشون ) يبنون .

وقال القرطبى : قوله تعالى وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون قوله تعالى وأورثنا القوم يريد بني إسرائيل الذين كانوا يستضعفون أي يستذلون بالخدمة .

مشارق الأرض ومغاربها زعم الكسائي والفراء أن الأصل " في مشارق الأرض ومغاربها " ثم حذف " في " فنصب . والظاهر أنهم ورثوا أرض القبط . فهما نصب على المفعول الصريح ; يقال : ورثت المال وأورثته المال ; فلما تعدى الفعل بالهمزة نصب مفعولين . والأرض هي أرض الشأم ومصر . ومشارقها ومغاربها جهات الشرق والغرب بها ; فالأرض مخصوصة ، عن الحسن وقتادة وغيرهما . وقيل : أراد جميع الأرض ; لأن من بني إسرائيل داود وسليمان وقد ملكا الأرض .

التي باركنا فيها أي بإخراج الزروع والثمار والأنهار .

وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل هي قوله : {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين} بما صبروا أي بصبرهم على أذى فرعون ، وعلى أمر الله بعد أن آمنوا بموسى

ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون يقال : عرش يعرش إذا بنى . قال ابن عباس ومجاهد : أي ما كانوا يبنون من القصور وغيرها . وقال الحسن : هو تعريش الكرم . وقرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم ( يعرشون ) بضم الراء . قال الكسائي : هي لغة تميم . وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة ( يعرشون ) بتشديد الراء وضم الياء .

[ الأنترنت – موقع { وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَٰرِقَ ٱلْأَرْضِ وَمَغَٰرِبَهَا ٱلَّتِى بَٰرَكْنَا فِيهَا ۖ }]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والأربعون في موضوع

(الوارث) وهي بعنوان : *خطبة جمعة (وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ) (23 ) الحجر

القرآن الكريم : هو حبل الله المتين ، وهو الذكر الحكيم ،والصراط المستقيم ،من عمل به أجر، ومن حكم به عدل ،ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم .

وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ، ولا تلتبس به الألسنة ، ولا يخلق عن كثرة الرد ، ولا تنقضي عجائبه

القرآن الكريم: أساس رسالة التوحيد، والمصدر القويم للتشريع، ومنهل الحكمة والهداية، والرحمة المسداة للناس، والنور المبين للأمة، والمحجة البيضاء التي لا يزغ عنها إلا هالك

وموعدنا اليوم إن شاء الله مع آية من كتاب الله ، نتلوها ، ونتفهم معانيها ، ونسبح في بحار مراميها ، ونعمل إن شاء الله بما جاء فيها ، مع قوله تعالى :

(وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ) (23) الحجر

فقد جاء في تفسير ابن كثير : (وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ  ) قال :

هذا إخبار من الله عن قدرته تعالى على بدء الخلق وإعادته ، وأنه هو الذي أحيا الخلق من العدم ، ثم يميتهم ثم يبعثهم كلهم ليوم الجمع . وأخبر أنه – تعالى –

يرث الأرض ومن عليها وإليه يرجعون .

وفي التفسير الميسر : وإنَّا لنحن نحيي مَن كان ميتًا بخلقه من العدم، ونميت من كان حيًا بعد انقضاء أجله، ونحن الوارثون الأرض ومَن عليها.

وفي الوسيط لطنطاوي : أي : وإنا وحدنا القادرون على

 إيجاد الحياة في المخلوقات ، والقادرون على سلبها عنها ، ونحن الوارثون لهذا الكون بعد فنائه ، الباقون بعد زواله .

فالله يرث الأرض ومن عليها ، ويعلم ما في باطنها ، من رفات الجبابرة والملوك والأكاسرة وسيجمع الله كل هذا في يوم معلوم ، ليحاسب الجميع ، فيجازي ويمنح ويعاقب .

فالموت مرحلةٌ يمرُّ بها الإنسان، ومنزلة يَرِدُها، وحقيقة

لا يتخطَّاها، وكأس يتجرَّعها، ومنهلاً يسقى منه،

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والأربعون في موضوع

(الوارث) وهي بعنوان : *خطبة جمعة (وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ) (23 ) الحجر

وللموت حكم كثيرة؛ ومنها:

أولا :  في الموت يتجلَّى كمال قدرة الله الخالصة – سبحانه – وعظيم حكمته في تصريف أطوار الخلق؛ فهو الذي أنشأ هذا الإنسان من عدم، ثم أوجده طورًا بعد طور، وخلقًا بعد خلق؛ حتى صار بشرًا سويًّا يسمع ويبصر ويعقل، ويتكلم ويتحرك، ويسالم ويخاصم، ويتزاوج ويتناسل، ويعيش على أرض الله، وينال من رزق الله،ثم بعد ذلك كله يُمِيته الله – تعالى – فلا يأكل ولا يشرب، ولا يسمع ولا يبصر، ولا يعقل ولا يتحرَّك، فيزول بعد بقاء، ويفنَى بعد وجود، وكل ذلك بتصريف الله وقدرته، وبالغ حكمته في خلق الأمور المختلفة والأحوال المتضادة، قال الله تعالى -:﴿ فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [الواقعة: 86، 87].

ثانيا : أن الله تعالى خلق الموت والحياة ابتلاءً لعباده

واختبارًا لهم؛ ليعلم مَن يطيعه ممَّن يعصيه، قال الله تعالى :﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴾ [الملك: 2].

ثالثا : بالموت تصلُ النفس إلى اليقين، وتتعرَّف على حقيقتها؛ من حيث إنها مخلوقة للخالق – سبحانه – وأنها مخلوقة لغاية.

رابعا : لم يخلقِ اللهُ البشرَ في الدنيا على خِلْقة قابلة للدوام، بل جعلهم خلائف في الأرض، يخلف بعضهم بعضًا، فلو أبقاهم لفاتت المصلحة والحكمة في جعلهم خلائف؛ 

خامسا : في الموت نِعَم عظيمة لا تتأتَّى للناس إلا به، فلولا الموت لما هنأ لهم العيش، ولا طاب في هذه الأرض، ولا وَسِعتْهم الأرزاق، ولضاقت عليهم المساكن والمدن، والأسواق والطرقات.

سادسا : الموت يخلِّص المؤمن من نكد هذه الحياة

 التي حشيت بالغُصَص، وحُفَّت بالمكاره والآلام الباطنة والظاهرة، إلى نعيم لا ينفد، وقرَّة عين لا تنقطع، وسعادة لا تنتهي في ظلال وارفة، وبساتين مؤنقة، وجنات دائمة، مع خيرة الرفقاء، وأطيب الأصفياء”؛ 

وجاء في “تفسير ابن كثير”  عن أبي الدرداء – رضي الله عنه – أنه قال:

“ما من مؤمنٍ إلا والموت خير له، وما من كافرٍ إلا والموت خير له، ومَن لم يصدِّقني؛ فإن الله تعالى يقول: ﴿ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ ﴾ [آل عمران: 198]، ويقول الله تعالى : ﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ

لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [آل عمران: 178]؛

وقد كان السَّلف الكِرام يُذكِّر أحدُهم أخاه بالموت وما بعدَه؛ حتى يتأهَّب لهذه اللَّحظة ولا يغفل عنها، فالموت خير واعظ.

وكان الفُضيل رحمه الله يقول: “كفى بالله محبًّا، وبالقُرآن مُؤنسًا، وبالموت واعظًا، وكفى بخشية الله عِلمًا، والاغترار بالله جهلاً”.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة الخمسون في موضوع (الوارث) وهي بعنوان : *خطبة جمعة بعنوان (وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ) (23 ) الحجر، وللموت حكم كثيرة؛ ومنها:

وجاء في كتاب “التذكرة” للقرطبي  :“أنَّه قيل لبعض الزُّهَّاد: ما أبلغ العِظات؟ ، قال: النظَر إلى الأموات”.

 وكتب محمَّدُ بن يوسف بن معدان الأصبهاني إلى أخيه عبدالرحمن بن يوسف فقال له:

  فإنِّي مُحذِّرك مُتحوَّلك من دار مُهْلتك إلى دار إقامتك وجَزاء أعمالك؛ فتَصِير في قَرار باطن الأرض بعدَ ظاهِرها، فيأتيك مُنكرٌ ونَكير، فيُقعِدانك وينتَهِراك، فإنْ يكنِ الله معك فلا بأسَ ولا وحشة ولا فاقة، وإنْ يكن غير ذلك فأعاذني الله وإيَّاك من سُوء مصدع، وضِيق مضجع، ثم تتبعك صيحةُ الحشر، ونفخ الصُّور، وقيام الجبَّار لفصْل قَضاء الخلائق، وخلاء الأرض من أهلها، والسَّماوات من سُكَّانها، فباحت الأسرار، وسُعِّرَتِ النار، ووُضِعت الموازين، وجِيء بالنبيِّين والشُّهَداء، ﴿ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الزمر: 75]،

فكم من مُفتضح ومَستور، وكم من هالكٍ وناج، وكم من مُعذَّب ومرحوم! فيا ليت شعري… ما حالي وحالك يومئذ؟ ، ففي هذا ما هَدَم اللذَّات، وسلا عن الشَّهوات، وقصَّر الأمل؛ فاستَيْقَظ النائمون وحذَّر الغافلون.

أعانَنَا الله وإيَّاك على هذا الخطَر العظيم، وأوقع الدُّنيا والآخرة من قلبي وقلبك موقعها من قُلوب المتَّقين، فإنما نحنُ به وله وجاء في كتاب “حلية الأولياء” عن القعقاع بن عجلان قال:

خطَب عمر بن عبدالعزيز، فحَمِدَ الله تعالى وأثنى عليه، وقال:“أيها الناس، إنَّكم لن تُخْلَقُوا عبثًا، ولن تُتْرَكُوا سُدًى، وإنَّ لكم معادًا يجمعكم الله للحُكم فيكم، والفصل فيما بينكم، فخابَ وشقي عبدٌ أخرَجَه الله من رحمته التي وَسِعَتْ كلَّ شيءٍ، وجنَّته التي عرضها السَّماوات والأرض، وإنما يكونُ الأمان غدًا لِمَن خاف الله واتَّقى، وباع قليلاً بكثير، وفانيًا بباقٍ، وشقوة بسعادة، ألا ترَوْن أنَّكم في أسلاب الهالكين، وسيخلف بعدكم الباقون؟!

ألا ترَوْن أنَّكم في كُلِّ يومٍ تُشيِّعون غاديًا أو رائحًا إلى الله، قد قضى نحبَه وانقطع أملُه، فتضعونه في بطن صدعٍ من الأرض غير موسَّد ولا مُمهَّد؟! قد خلَع الأسباب وفارَق الأحباب، وواجَه الحساب؟!

وايمُ الله إنِّي لأقولُ لكم مَقالتي هذه، وما أعلم عندَ أحدٍ مِنكم من الذنوب أكثر ممَّا أعلم من نفسي، ولكنَّها سننٌ من الله عادلة، أمَر فيها بطاعته، ونهى فيها عن معصيته، واستغفَرَ الله ووضَع كُمَّهُ على وجهه؛ فبكَى حتى لَثِقَتْ لحيته، فما عاد إلى مجلسه حتى مات – رحمه الله.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والخمسون في موضوع

(الوارث) وهي بعنوان :

*خطبة جمعة بعنوان (وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ) (23 ) الحجر، وللموت حكم كثيرة؛ ومنها:

وقال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله لأبي حازم:

 “أوصِني، فقال له أبو حازم:

اضَّطجِع ثم اجعل الموت عند رأسك، ثم انظُر إلى ما تحبُّ أنْ يكون فيك تلك الساعة فخُذْ به الآن، وما تكره أن يكون فيك تلك الساعة فدَعْه الآن، فلعلَّ تلك الساعة قريبة”.

وقال أبو حازم أيضًا: “انظُر كل عمل كرهت الموت لأجله فاترُكه، ولا يضرُّك متى متَّ”.

ودخَل يزيد الرقاشي على عمر بن عبدالعزيز فقال له: “عِظني، فقال يزيد الرقاشي:

لست أوَّل خليفة تموت يا أمير المؤمنين،قال: زِدني،

قال: لم يبقَ أحدٌ من آبائك من لدُن آدم إلى بلغت النوبة إليك إلا وقد ذاق الموت، قال: زِدْنِي، قال: ليس بين الجنَّة والنَّار منزل والله… ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ﴾ [الانفطار: 13، 14]، وأنت أبصَرُ ببرِّك وفُجورك، فبكى عمر حتى سقَط عن سريره.

وحقا ما قال ربنا في كتابه العزيز :  (وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ) (23)الحجر 

[ الأنترنت- موقع خطبة جمعة - عن قوله تعالى ( وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ }

*﴿إِنَّا نَحۡنُ نَرِثُ ٱلۡأَرۡضَ وَمَنۡ عَلَیۡهَا وَإِلَیۡنَا یُرۡجَعُونَ﴾

﴿إنّا نَحْنُ نَرِثُ الأرْضَ ومَن عَلَيْها﴾ لا يَبْقى لِأحَدٍ غَيْرِهِ

 تَعالى مُلْكٌ ولا مَلِكٌ فَيَكُونُ كُلُّ ذَلِكَ لَهُ تَعالى

 اسْتِقْلالًا ظاهِرًا وباطِنًا دُونَ ما سِواهُ، ويَنْتَقِلُ إلَيْهِ سُبْحانَهُ انْتِقالَ المَوْرُوثِ مِنَ المُورِّثِ إلى الوارِثِ، وهَذا كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لِمَنِ المُلْكُ اليَوْمَ لِلَّهِ الواحِدِ القَهّارِ﴾ أوْ نَتَوَفّى الأرْضَ ومَن عَلَيْها بِالإفْناءِ والإهْلاكِ تُوُفِّيَ الوارِثُ لِإرْثِهِ واسْتِيفائِهِ إيّاهُ ﴿وإلَيْنا يُرْجَعُونَ﴾ أيْ يَرِدُونَ إلى الجَزاءِ لا إلى غَيْرِنا اسْتِقْلالًا أوِ اشْتِراكًا. وقَرَأ الأعْرَجُ ( تُرْجَعُونَ ) بِالتّاءِ الفَوْقِيَّةِ. وقَرَأ السُّلَمِيُّ وابْنُ أبِي إسْحاقَ وعِيسى بِالياءِ التَّحْتِيَّةِ مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ، وحَكى عَنْهُمُ الدّانِي أنَّهم قَرَءُوا بِالتّاءِ الفَوْقِيَّةِ {الأنترنت – موقع  تفسير روح المعاني للألوسي}   إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة الثانية والخمسون في موضوع (الوارث) وهي بعنوان : *خطبة جمعة بعنوان (وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ) (23 ) الحجر،

وللموت حكم كثيرة؛ ومنها:

وقال الشنقيطي قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنّا نَحْنُ نَرِثُ الأرْضَ ومَن عَلَيْها وإلَيْنا يُرْجَعُونَ﴾، مَعْنى قَوْلِهِ جَلَّ وعَلا في هَذِهِ الآيَةِ أنَّهُ يَرِثُ الأرْضَ ومَن عَلَيْها: أنَّهُ يُمِيتُ جَمِيعَ الخَلائِقِ السّاكِنِينَ بِالأرْضِ، ويَبْقى هو جَلَّ وعَلا لِأنَّهُ الحَيُّ الَّذِي لا يَمُوتُ، ثُمَّ يَرْجِعُونَ إلَيْهِ يَوْمَ القِيامَةِ، وقَدْ أشارَ إلى هَذا المَعْنى في مَواضِعَ أُخَرَ، كَقَوْلِهِ: كُلُّ مَن عَلَيْها فانٍ ويَبْقى وجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلالِ والإكْرامِ [الرحمن: ٢٦ - ٢٧]، وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَإنّا لَنَحْنُ نُحْيِي ونُمِيتُ ونَحْنُ الوارِثُونَ﴾ [الحجر: ٢٣]، إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ.[ الأنترنت – موقع تفسير أضواء البيان للشنقيطي ]

وقال ابن عاشور : تَذْيِيلٌ لِخَتْمِ القِصَّةِ عَلى عادَةِ القُرْآنِ في تَذْيِيلِ الأغْراضِ عِنْدَ الِانْتِقالِ مِنها إلى غَيْرِها. والكَلامُ مُوَجَّهٌ إلى المُشْرِكِينَ لِإبْلاغِهِ إلَيْهِمْ.

وضَمِيرُ يُرْجَعُونَ عائِدٌ إلى مَن عَلَيْها وإلى ما عادَ إلَيْهِ ضَمِيرُ الغَيْبَةِ في وأنْذِرْهم.

وحَقِيقَةُ الإرْثِ: مَصِيرُ مالِ المَيِّتِ إلى مَن يَبْقى بَعْدَهُ. وهو هُنا مَجازٌ في تَمَحُّضِ التَّصَرُّفِ في الشَّيْءِ دُونَ مُشارِكٍ، فَإنَّ الأرْضَ كانَتْ في تَصَرُّفِ سُكّانِها مِنَ الإنْسانِ والحَيَوانِ كُلٌّ بِما يُناسِبُهُ. فَإذا هَلَكَ النّاسُ والحَيَوانُ فَقَدْ صارُوا في باطِنِ الأرْضِ وصارَتِ الأرْضُ في غَيْرِ تَصَرُّفِهِمْ فَلَمْ يَبْقَ تَصَرُّفٌ فِيها إلّا لِخالِقِها، وهو تَصَرُّفٌ كانَ في ظاهِرِ الأمْرِ مُشْتَرَكًا بِمِقْدارِ ما خَوَّلَهُمُ اللَّهُ التَّصَرُّفَ فِيها إلى أجَلٍ مَعْلُومٍ، فَصارَ الجَمِيعُ في مَحْضِ تَصَرُّفِ اللَّهِ، ومِن جُمْلَةِ ذَلِكَ تَصَرُّفُهُ بِالجَزاءِ.

وتَأْكِيدُ جُمْلَةِ ﴿إنّا نَحْنُ نَرِثُ الأرْضَ﴾ بِحَرْفِ التَّوْكِيدِ لِدَفْعِ الشَّكِّ لِأنَّ المُشْرِكِينَ يُنْكِرُونَ الجَزاءَ، فَهم يُنْكِرُونَ أنَّ اللَّهَ يَرِثُ الأرْضَ ومَن عَلَيْها بِهَذا المَعْنى.

وأمّا ضَمِيرُ الفَصْلِ في قَوْلِهِ ﴿نَحْنُ نَرِثُ الأرْضَ﴾ فَهو

لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ ولا يُفِيدُ تَخْصِيصًا، إذْ لا يُفِيدُ رَدَّ

اعْتِقادٍ مُخالِفٍ لِذَلِكَ.

وظَهَرَ لِي: أنَّ مَجِيءَ ضَمِيرِ الفَصْلِ لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ كَثِيرٌ إذا وقَعَ ضَمِيرُ الفَصْلِ بَعْدَ ضَمِيرٍ آخَرَ نَحْوَ قَوْلِهِ ﴿إنَّنِي أنا اللَّهُ﴾ [طه: ١٤] في سُورَةِ طه، وقَوْلِهِ ﴿وهم بِالآخِرَةِ هم كافِرُونَ﴾ [يوسف: ٣٧]

وأفادَ هَذا التَّذْيِيلُ التَّعْرِيفَ بِتَهْدِيدِ المُشْرِكِينَ بِأنَّهم لا مَفَرَّ لَهم مِنَ الكَوْنِ في قَبْضَةِ الرَّبِّ الواحِدِ الَّذِي أشْرَكُوا بِعِبادَتِهِ بَعْضَ ما عَلى الأرْضِ، وأنَّ آلِهَتَهم لَيْسَتْ بِمَرْجُوَّةٍ لِنَفْعِهِمْ إذْ ما هي إلّا مِمّا يَرِثُهُ اللَّهُ. وبِذَلِكَ كانَ مَوْقِعُ جُمْلَةِ ﴿وإلَيْنا يُرْجَعُونَ﴾ بَيِّنًا، فالتَّقْدِيمُ مُفِيدٌ القَصْرَ، أيْ لا يَرْجِعُونَ إلى غَيْرِنا. ومَحْمَلُ هَذا التَّقْدِيمِ بِالنِّسْبَةِ إلى المُسْلِمِينَ الِاهْتِمامُ ومَحْمَلُهُ بِالنِّسْبَةِ إلى المُشْرِكِينَ القَصْرُ كَما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ ﴿إنّا نَحْنُ نَرِثُ الأرْضَ﴾ . [ الأنترنت – موقع تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والخمسون في موضوع

(الوارث) وهي بعنوان :

* {تِلۡكَ ٱلۡجَنَّةُ ٱلَّتِی نُورِثُ مِنۡ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِیّ} :

﴿جَنَّـٰتِ عَدۡنٍ ٱلَّتِی وَعَدَ ٱلرَّحۡمَـٰنُ عِبَادَهُۥ بِٱلۡغَیۡبِۚ إِنَّهُۥ كَانَ وَعۡدُهُۥ مَأۡتِیّا (٦١) لَّا یَسۡمَعُونَ فِیهَا لَغۡوًا إِلَّا سَلَـٰماۖ وَلَهُمۡ رِزۡقُهُمۡ فِیهَا بُكۡرَة وَعَشِیّا (٦٢) تِلۡكَ ٱلۡجَنَّةُ ٱلَّتِی نُورِثُ مِنۡ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِیّ (٦٣)﴾ [مريم]

يَقُولُ تَعَالَى: الْجَنَّاتُ الَّتِي يَدْخُلُهَا التَّائِبُونَ مِنْ ذُنُوبِهِمْ، هِيَ ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ﴾ أَيْ: إِقَامَةٍ ﴿الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ﴾ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، أَيْ: هِيَ مِنَ الْغَيْبِ الَّذِي يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَا رَأَوْهُ؛ وَذَلِكَ لِشِدَّةِ إِيقَانِهِمْ وَقُوَّةِ إِيمَانِهِمْ.

وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا﴾ تَأْكِيدٌ لِحُصُولِ ذَلِكَ وَثُبُوتِهِ وَاسْتِقْرَارِهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ وَلَا يُبَدِّلُهُ، كَقَوْلِهِ: ﴿كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولا﴾ [الْمُزَّمِّلِ: ١٨] أَيْ: كَائِنًا لَا مَحَالَةَ. وَقَوْلُهُ هَاهُنَا: ﴿مَأْتِيًّا﴾ أَيِ: الْعِبَادُ صَائِرُونَ إِلَيْهِ، وَسَيَأْتُونَهُ.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: ﴿مَأْتِيًّا﴾ بِمَعْنَى: آتِيًا؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا أَتَاكَ فَقَدْ أَتَيْتَهُ، كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: أَتَتْ عَلَيَّ خَمْسُونَ سَنَةً، وَأَتَيْتُ عَلَى خَمْسِينَ سَنَةً، كلاهما بمعنى [واحد] وَقَوْلُهُ: ﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا﴾ أَيْ: هَذِهِ الْجَنَّاتُ لَيْسَ فِيهَا كَلَامٌ سَاقِطٌ تَافِهٌ لَا مَعْنًى لَهُ، كَمَا قَدْ يُوجَدُ فِي الدُّنْيَا. وَقَوْلُهُ: ﴿إِلا سَلامًا﴾ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، كَقَوْلِهِ: ﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا إِلا قِيلا سَلامًا سَلامًا﴾ [الْوَاقِعَةِ: ٢٥، ٢٦]

وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ أَيْ: فِي مِثْلِ

 وَقْتِ البُكُرات وَوَقْتِ العَشيّات، لَا أَنَّ هُنَاكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا وَلَكِنَّهُمْ فِي أَوْقَاتٍ تَتَعَاقَبُ، يَعْرِفُونَ مُضِيَّهَا بِأَضْوَاءٍ وَأَنْوَارٍ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا معْمَر، عَنْ هَمَّام، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أَوَّلُ زُمْرَة تَلِجُ الْجَنَّةَ صُورهم عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، لَا يبصُقون فِيهَا، وَلَا يَتَمَخَّطُونَ فِيهَا، وَلَا يَتَغَوّطون، آنِيَتُهُمْ وَأَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَمُجَامِرُهُمُ الألْوّة، ورَشْحُهم الْمِسْكُ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ، يَرَى مُخّ سَاقَيْهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ؛ مِنَ الْحُسْنِ، لَا اخْتِلَافَ بَيْنِهِمْ وَلَا تَبَاغُضَ، قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبٍ وَاحِدٍ، يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا".أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ مَعْمَرٍ بِهِ

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والخمسون في موضوع

(الوارث) وهي بعنوان : * {تِلۡكَ ٱلۡجَنَّةُ ٱلَّتِی نُورِثُ مِنۡ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِیّ} :

وَأخرج الْإِمَامُ أَحْمَدبسنده من حديث  ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "الشُّهَدَاءُ عَلَى بَارِقِ نَهْرٍ بِبَابِ الْجَنَّةِ، فِي قُبَّةٍ خَضْرَاءَ، يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ رِزْقُهُمْ مِنَ

 الْجَنَّةِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا" تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

وَقَالَ الضَّحَّاكُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ قَالَ: مَقَادِيرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْمٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ زُهَيْرَ بْنَ مُحَمَّدٍ، عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ قَالَ: لَيْسَ فِي الْجَنَّةِ لَيْلٌ، هُمْ فِي نُورٍ أَبَدًا، وَلَهُمْ مِقْدَارُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، يَعْرِفُونَ مِقْدَارَ اللَّيْلِ بِإِرْخَاءِ الْحُجُبِ وَإِغْلَاقِ الْأَبْوَابِ، وَيَعْرِفُونَ مِقْدَارَ النَّهَارِ بِرَفْعِ الْحُجُبِ، وَبِفَتْحِ الْأَبْوَابِ.

وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ خُلَيْد، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَذَكَرَ أَبْوَابَ الْجَنَّةِ، فَقَالَ: أَبْوَابٌ يُرى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا، فَتُكَلِّمُ وَتُكَلَّمُ، فَتُهَمْهِم انفتحي انغلقي، فتفعل.

وَقَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ : فِيهَا سَاعَتَانِ: بَكَرَةٌ وَعَشِيٌّ: لَيْسَ ثَمَّ لَيْلٌ وَلَا نَهَارٌ، وَإِنَّمَا هُوَ ضَوْءٌ وَنُورٌ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ لَيْسَ [فِيهَا] بُكْرَةٌ وَلَا عَشِيٌّ، وَلَكِنْ

يُؤتون بِهِ عَلَى مَا كَانُوا يَشْتَهُونَ فِي الدُّنْيَا.

وَقَالَ الْحَسَنُ، وقَتَادَةُ، وَغَيْرُهُمَا: كَانَتِ الْعَرَبُ، الأنْعَم فِيهِمْ، مَنْ يَتَغَدَّى وَيَتَعَشَّى، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى مَا فِي أَنْفُسِهِمْ مِنَ النَّعِيمِ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾

وَقَالَ ابْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ: ﴿وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ قَالَ: الْبُكُورُ يَرِدُ عَلَى الْعَشِيِّ، وَالْعَشِيُّ يَرِدُ عَلَى الْبُكُورِ، لَيْسَ فِيهَا لَيْلٌ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ عَمَّارٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ قَاضِي أَهْلِ شَمْشَاط عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "مَا مِنْ غَدَاةٍ مِنْ غَدَوَاتِ الْجَنَّةِ، وَكُلُّ الْجَنَّةِ غَدَوَاتٌ، إِلَّا أَنَّهُ يُزَفُّ إِلَى وَلِيِّ اللَّهِ فِيهَا زَوْجَةٌ مِنَ الْحَوَرِ الْعَيْنِ، أَدْنَاهُنَّ الَّتِي خُلِقَتْ مِنَ الزَّعْفَرَانِ"

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ.

[وَقَوْلُهُ تَعَالَى] ﴿تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا﴾ أَيْ: هَذِهِ الْجَنَّةُ الَّتِي وَصَفْنَا بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الْعَظِيمَةِ هِيَ الَّتِي نُورِثُهَا عِبَادَنَا الْمُتَّقِينَ، وَهُمُ الْمُطِيعُونَ لِلَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَالْكَاظِمُونَ الْغَيْظَ وَالْعَافُونَ عَنِ النَّاسِ، وَكَمَا قَالَ تَعَالَى فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ إِلَى أَنْ قَالَ: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [الْمُؤْمِنُونَ: ١-١١]  [ الأنترنت – موقع تفسير ابن كثير]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والخمسون في موضوع

(الوارث) وهي بعنوان :

* أَنَّ ٱلۡأَرۡضَ یَرِثُهَا عِبَادِیَ ٱلصَّـٰلِحُونَ:

قال ابن قيّم الجوزيّة : ﴿وَلَقَدۡ كَتَبۡنَا فِی ٱلزَّبُورِ مِنۢ بَعۡدِ

ٱلذِّكۡرِ أَنَّ ٱلۡأَرۡضَ یَرِثُهَا عِبَادِیَ ٱلصَّـٰلِحُونَ (١٠٥) إِنَّ فِی هَـٰذَا لَبَلَـٰغا لِّقَوۡمٍ عَـٰبِدِینَ (١٠٦)﴾ [الأنبياء

وقد اختلف الناس في الأرض المذكورة هنا فقال سعيد بن جبير عن ابن عباس: هي أرض الجنة، وهذا قول أكثر المفسرين.

وعن ابن عباس قول آخر أنها الدنيا التي فتحها اللّه على أمة محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم، وهذا القول هو الصحيح.

نظيره قوله تعالى في سورة النور: وعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكم وعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهم في الأرْضِ كَما اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ}

في الصحيح عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال:

«زويت لي الأرض مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها».

وقالت طائفة من المفسرين: المراد بذلك أرض بيت

المقدس وهي من الأرض التي أورثها اللّه عباده

الصالحين وليست الآية مختصة بها.

وقال صفوان بن عمرو: سألت عامر بن عبد اللّه أبا اليمان: هل لأنفس المؤمنين مجتمع؟

فقال: إن الأرض التي يقول اللّه تعالى: ﴿ولَقَدْ كَتَبْنا في الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أنَّ الأرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُونَ﴾ قال هي الأرض التي يجتمع إليها أرواح المؤمنين حتى يكون البعث.

وقالوا: هي الأرض التي يورثها اللّه المؤمنين في الدنيا.

* (لطيفة) :

تَأمَّلْ قَوْلَ المَسِيحِ في هَذِهِ البِشارَةِ: إنَّ مَلَكُوتَ اللَّهِ سَيُؤْخَذُ مِنكم ويُدْفَعُ إلى أُمَّةٍ أُخْرى، كَيْفَ تَجِدُهُ مُطابِقًا لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنا في الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أنَّ الأرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُونَ﴾.

* (فصل: في ذكر المرتبة الثانية وهي مرتبة الكتابة)

وقد تقدم في أول الكتاب ما دل على ذلك من نصوص القرآن والسنة الصحيحة الصريحة فنذكر هنا بعض ما لم نذكره قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنا في الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أنَّ الأرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُونَ (١٠٥) إنَّ في هَذا لَبَلاغًا لِقَوْمٍ عابِدِينَ (١٠٦)﴾

فالزبور هنا جميع الكتب المنزلة من السماء لا تختص بزبور داود، والذكر أم الكتاب الذي عند الله والأرض الدنيا وعباده الصالحون أمة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم.

هذا أصح الأقوال في هذه الآية وهي علم من أعلام نبوة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فإنه أخبر بذلك بمكة وأهل الأرض كلهم كفار أعداء له ولأصحابه والمشركون قد أخرجوهم من ديارهم ومساكنهم وشتتوهم في أطراف الأرض فأخبرهم ربهم تبارك وتعالى أنه كتب في الذكر الأول أنهم يرثون الأرض من الكفار، ثم كتب ذلك في الكتب التي أنزلها على رسله.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة السادسة والخمسون في موضوع

(الوارث) وهي بعنوان : * {وَلَقَدْ كَتَبْنا في الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أنَّ الأرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُونَ}

والكتاب قد أطلق عليه الذكر في قول النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته:

"كان الله ولم يكن شيء غيره وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء"

فهذا هو الذكر الذي كتب فيه أن الدنيا تصير لأمة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم والكتب المنزلة قد أطلق عليها الزبر في قوله تعالى: ﴿وَما أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ إلّا رِجالًا نُوحِي إلَيْهِمْ فاسْألوا أهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ بِالبَيِّناتِ والزُّبُر﴾ أي أرسلناهم بالآيات الواضحات والكتب التي فيها الهدى والنور، والذكر هاهنا الكتابان اللذان أنزلا قبل رسول الله ﷺ وهما التوراة والإنجيل، والذكر في قوله: ﴿وَأنْزَلْنا إلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إلَيْهِم﴾ هو القرآن ففي هذه الآية علمه بما كان قبل كونه وكتابته له بعد علمه.

وقال تعالى: ﴿إنّا نَحْنُ نُحْيِ المَوْتى ونَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وآثارَهم وكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْناهُ في إمامٍ مُبِينٍ﴾

فجمع بين الكتابين الكتاب السابق لأعمالهم قبل وجودهم والكتاب المقارن لأعمالهم فأخبر أنه يحييهم بعد ما أماتهم للبعث ويجازيهم بأعمالهم ونبه بكتابته لها على ذلك قال نكتب ما قدموا من خير أو شر فعلوه في حياتهم وآثارهم ما سنوا من سنة خير أو شر فاقتدي بهم فيها بعد موتهم.

وقال ابن عباس في رواية عطاء: "آثارهم ما أثروا من خير أو شر" كقوله: ﴿يُنَبَّأُ الإنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وأخَّرَ﴾

فإن قلت قد استفيد هذا من قوله ﴿قدموا﴾ فما أفاد قوله: ﴿آثارَهُمْ﴾ على قوله؟

قلت أفاد فائدة جليلة وهو أنه سبحانه يكتب ما عملوه وما تولد من أعمالهم فيكون المتولد عنها كأنهم عملوه في الخير والشر وهو أثر أعمالهم فآثارهم هي آثار أعمالهم المتولدة عنها وهذا القول أعم من قول مقاتل وكأن مقاتلا أراد التمثيل والبيان على عادة السلف في تفسير اللفظة العامة بنوع أو فرد من أفراد مدلولها تقريبا وتمثيلا لا حصرا وإحاطة وقال أنس وابن عباس في رواية عكرمة: "نزلت هذه الآية في بني سلمة أرادوا أن ينتقلوا إلى قرب المسجد وكانت منازلهم بعيدة فلما نزلت قالوا بل نمكث مكاننا واحتج أرباب هذا القول بما في صحيح البخاري من حديث أبي سعيد الخدري قال: "كانت بنو سلمة في ناحية المدينة فأرادوا النقلة إلى قرب المسجد فنزلت هذه الآية: ﴿إنّا نَحْنُ نُحْيِ المَوْتى ونَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وآثارَهُمْ﴾ فقال رسول الله ﷺ: يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم" روى مسلم في صحيحه نحوه من حديث جابر وأنس وفي هذا القول نظر فإن سورة يس مكية وقصة بني سلمة بالمدينة إلا أن يقال هذه الآية وحدها مدنية وأحسن من هذا أن تكون ذكرت عند هذه القصة ودلت عليها وذكروا بها عندها إما من النبي ﷺ وإما من جبريل فأطلق على ذلك النزول ولعل هذا مراد من قال في نظائر ذلك نزلت مرتين والمقصود أن خطاهم إلى المساجد من آثارهم التي يكتبها الله لهم.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة السابعة والخمسون في موضوع

(الوارث) وهي بعنوان : * {وَلَقَدْ كَتَبْنا في الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أنَّ الأرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُونَ}

ولمن نصر أن المراد بالكتاب اللوح المحفوظ أن يقول لما سألوا آية أخبرهم سبحانه بأنه لم يترك إنزالها لعدم قدرته على ذلك فإنه قادر على ذلك وإنما لم ينزلها لحكمته ورحمته بهم وإحسانه إليهم أذ لوا أنزلها على وفق اقتراحهم لعوجلوا بالعقوبة أن لم يؤمنوا ثم ذكر ما يدل على كمال قدرته بخلق الأمم العظيمة التي لا يحصي عددها إلا هو فمن قدر على خلق هذه الأمم مع اختلاف أجناسها وأنواعها وصفاتها وهيئاتها كيف يعجز عن إنزال آية ثم أخبر عن كمال قدرته وعلمه بأن هؤلاء الأمم قد أحصاهم وكتبهم وقدر أرزاقهم وآجالهم وأحوالهم في كتاب لم يفرط فيه من شيء ثم يميتهم ثم يحشرهم إليه والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات عن النظر والاعتبار الذي يؤديهم إلى معرفة ربوبيته ووحدانيته وصدق رسله ثم أخبر أن الآيات لا تستقل بالهدى ولو أنزلها على وفق اقتراح البشر بل الأمر كله له من يشأ يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم فهو أظهر القولين والله أعلم.

وقال: ﴿حم والكِتابِ المُبِينِ إنّا جَعَلْناهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكم تَعْقِلُونَ وإنَّهُ في أُمِّ الكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾

قال ابن عباس: "في اللوح المحفوظ المقري عندنا" قال مقاتل: "إن نسخته في أصل الكتاب وهو اللوح المحفوظ وأم الكتاب أصل الكتاب وأم كل شيء أصله"

والقرآن كتبه الله في اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات والأرض كما قال تعالى: ﴿بَلْ هو قُرْآنٌ مَجِيدٌ في لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾ وأجمع الصحابة والتابعون وجميع أهل السنة والحديث أن كل كائن إلى يوم القيامة فهو مكتوب في أم الكتاب وقد دل القرآن على أن الرب تعالى كتب في أم الكتاب ما يفعله وما يقوله فكتب في اللوح أفعاله وكلامه فتبت يدا أبي لهب في اللوح المحفوظ قبل وجود أبي لهب وقوله لدينا يجوز فيه أن تكون من صلة أم الكتاب أي أنه في الكتاب الذي عندنا وهذا اختيار ابن عباس ويجوز أن يكون من صلة الخبر أنه عليّ حكيم عندنا ليس هو كما عند المكذبين به أي وإن كذبتم به وكفرتم فهو عندنا في غاية الارتفاع والشرف والإحكام وقال تعالى: ﴿فَمَن أظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلى اللَّهِ كَذِبًا أوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولَئِكَ يَنالُهم نَصِيبُهم مِنَ الكِتابِ﴾

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والخمسون في موضوع

(الوارث) وهي بعنوان : * {وَلَقَدْ كَتَبْنا في الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أنَّ الأرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُونَ}

قال سعيد بن جبير ومجاهد وعطية: "أي ما سبق لهم في الكتاب من الشقاوة والسعادة ثم قرأ عطية: ﴿فَرِيقًا هَدى وفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ﴾ "والمعنى أن هؤلاء أدركهم ما كتب لهم من الشقاوة وهذا قول ابن عباس في رواية عطاء قال: "يريد ما سبق عليهم في علمي في اللوح المحفوظ" فالكتاب على هذا القول الكتاب الأول ونصيبهم ما كتب لهم من الشقاوة وأسبابها وقال ابن زيد والقرطبي والربيع بن أنس: "ينالهم ما كتب لهم من الأرزاق والأعمال فإذا فني نصيبهم واستكملوه جاءتهم رسلنا يتوفونهم ورجح بعضهم هذا القول لمكان حتى التي هي للغاية يعني أنهم يستوفون أرزاقهم وأعمارهم إلى الموت ولمن نصر القول الأول أن يقول حتى في هذا الموضع هي التي تدخل على الجمل ويتصرف الكلام فيها إلى الابتداء كما في كقوله:  فيا عجبا حتى كليب تسبني

والصحيح أن نصيبهم من الكتاب يتناول الأمرين فهو نصيبهم من الشقاوة ونصيبهم من الأعمال التي هي أسبابها ونصيبهم من الأعمار التي هي مدة اكتسابها ونصيبهم من الأرزاق التي استعانوا بها على ذلك فعمت الآية هذا النصيب كله وذكر هؤلاء بعضه وهؤلاء بعضه. هذا على القول الصحيح وأن المراد ما سبق لهم في أم الكتاب.

وقالت طائفة المراد بالكتاب القرآن:

قال الزجاج: "معنى نصيبهم من الكتاب ما أخبر الله من جزائهم نحو قوله: ﴿فَأنْذَرْتُكم نارًا تَلَظّى﴾ وقوله: ﴿يَسْلُكْهُ عَذابًا صَعَدًا﴾ "

قال أرباب هذا القول وهذا هو الظاهر لأنه ذكر عذابهم في القرآن في مواضع ثم أخبر أنه ينالهم نصيبهم منه.

والصحيح القول الأول وهو نصيبهم الذي كتب لهم أن ينالوه قبل أن يخلقوا، ولهذا القول وجه حسن وهو أن نصيب المؤمنين منه الرحمة والسعادة، ونصيب هؤلاء منه العذاب والشقاء فنصيب كل فريق منه ما اختاروه لأنفسهم وآثروه على غيره كما أن حظ المؤمنين منه كان الهدى والرحمة، فحظ هؤلاء منه الضلال والخيبة فكان حظهم من هذه النعمة أن صارت نقمة وحسرة عليهم. وقريب من هذا قوله: ﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكم أنَّكم تُكَذِّبُونَ﴾ أي تجعلونه حظكم من هذا الرزق الذي به حياتكم التكذيب به.

قال الحسن: "تجعلون حظكم ونصيبكم من القرآن أنكم تكذبون قال وخسر عبد لا يكون حظه من كتاب الله إلا التكذيب به" وقال تعالى: ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ في الزُّبُرِ﴾ قال عطاء ومقاتل: "كل شيء فعلوه مكتوب عليهم في اللوح المحفوظ"

وروى حماد بن زيد عن داود بن أبي هند عن الشعبي: ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ في الزُّبُرِ﴾ دقال: "كتب عليهم قبل أن يعملوه"وقالت طائفة: "المعنى أنه يحصى عليهم في كتب أعمالهم"

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والخمسون في موضوع

(الوارث) وهي بعنوان :

* {وَلَقَدْ كَتَبْنا في الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أنَّ الأرْضَ

يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُونَ}

وجمع أبو إسحاق بين القولين فقال: "مكتوب عليهم قبل أن يفعلوه ومكتوب عليهم إذا فعلوه للجزاء" وهذا أصح وبالله التوفيق وفي الصحيحين من حديث ابن عباس قال: "ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة أن النبي ﷺ قال: "إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنا العينين النظر وزنا اللسان النطق والنفس تمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك ويكذبه" وفي الصحيح أيضا عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: "كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة فالعينان زناهما النظر والأذنان زناهما الاستماع واللسان زناه الكلام واليد زناها البطش والرجل زناها الخطا والقلب يهوى ويتمنى ويصدق الفرج ذلك كله ويكذبه" وفي صحيح البخاري وغيره عن عمران بن حصين قال:

"دخلت على النبي ﷺ وعقلت ناقتي بالباب فأتاه ناس من بني تميم فقال: اقبلوا البشرى يا بني تميم قالوا: قد بشرتنا فأعطنا مرتين، ثم دخل عليه ناس من اليمن فقال: اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم قالوا: قد قبلنا يا ِرسول الله قالوا: جئنا لنسألك عن هذا الأمر قال كان الله ولم يكن شيء غيره وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء وخلق السماوات والأرض فنادى مناد ذهبت ناقتك يا ابن الحصين فانطلقت فإذا هي ينقطع دونها السراب فوالله لوددت أني كنت تركتها فالرب سبحانه كتب ما يقوله وما يفعله وما يكون بقوله وفعله وكتب مقتضى أسمائه وصفاته وآثارها"

كما في الصحيحين من حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ:"لما قضى الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش أن رحمتي غلبت غضبي".

[ الأنترنت – موقع الباحث القرآني - تفسير ابن قيّم الجوزيّة — ابن القيم ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة الستون في موضوع (الوارث) وهي بعنوان : * {وَلَقَدْ كَتَبْنا في الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أنَّ الأرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُونَ} وقال تعالى :

{ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡوَارِثُونَ ، ٱلَّذِینَ یَرِثُونَ ٱلۡفِرۡدَوۡسَ هُمۡ فِیهَا خَـٰلِدُونَ} وقال :{وَٱلَّذِینَ هُمۡ لِأَمَـٰنَـٰتِهِمۡ وَعَهۡدِهِمۡ رَاعُونَ (٨) وَٱلَّذِینَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمۡ یُحَافِظُونَ (٩) أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡوَارِثُونَ (١٠) ٱلَّذِینَ یَرِثُونَ ٱلۡفِرۡدَوۡسَ هُمۡ فِیهَا خَـٰلِدُونَ (١١)﴾ [المؤمنون]

   افْتَتَحَ اللَّهُ ذِكْرَ هَذِهِ الصِّفَاتِ الْحَمِيدَةِ بِالصَّلَاةِ، وَاخْتَتَمَهَا بِالصَّلَاةِ، فَدَلَّ عَلَى أَفْضَلِيَّتِهَا، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاةُ، وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ"

ولَما وَصَفَهم [اللَّهُ] تَعَالَى بِالْقِيَامِ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الْحَمِيدَةِ وَالْأَفْعَالِ الرَّشِيدَةِ قَالَ: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾

وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "إِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ الْجَنَّةَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَعْلَى الْجَنَّةِ وَأَوْسَطُ الْجَنَّةِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ" .

وَأخرج ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بسنده من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ،

 رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَلَهُ مَنْزِلَانِ: مَنْزِلٌ فِي الْجَنَّةِ وَمَنْزِلٌ فِي النَّارِ، فَإِنْ مَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ وَرثَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مَنْزِلَهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ﴾ .

وَقَالَ ابْنُ جُرَيْج، عَنْ لَيْث، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ﴾ قَالَ: مَا مِنْ عَبْدٍ إِلَّا وَلَهُ مَنْزِلَانِ: مَنْزِلٌ فِي الْجَنَّةِ، وَمَنْزِلٌ فِي النَّارِ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فيُبنَى بَيْتُهُ الَّذِي فِي الْجَنَّةِ، ويُهدّم بَيْتُهُ الَّذِي فِي النَّارِ ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فيُهْدَم بَيْتُهُ الَّذِي فِي الْجَنَّةِ، ويُبنى بَيْتُهُ الَّذِي فِي النَّارِ. وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر نَحْوَ ذَلِكَ.

فَالْمُؤْمِنُونَ يَرْثُونَ مَنَازِلَ الْكُفَّارِ؛ لِأَنَّهُمْ [كُلَّهُمْ] خُلِقُوا

لِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَمَّا قَامَ هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنُونَ بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْعِبَادَةِ، وترَكَ أُولَئِكَ مَا أمرُوا بِهِ مِمَّا خُلقوا لَهُ -أحرزَ هؤلاء نصيب أُولَئِكَ لَوْ كَانُوا أَطَاعُوا رَبَّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ، بَلْ أَبْلَغُ مِنْ هَذَا أَيْضًا، وَهُوَ مَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي بُردَةَ ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِذُنُوبٍ أَمْثَالِ الْجِبَالِ، فَيَغْفِرُهَا اللَّهُ لَهُمْ، ويضَعُها عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى" . وَفِي لَفْظٍ لَهُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ دَفَعَ اللَّهُ لِكُلِّ مُسْلِمٍ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا، فَيُقَالُ : هَذَا فَكَاكُكَ مِنَ النَّارِ". فَاسْتَحْلَفَ عُمر بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَبَا بُردَةَ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قال: فَحَلَفَ لَهُ . قُلْتُ: وَهَذِهِ الْآيَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا﴾ [مَرْيَمَ: ٦٣] ، وَكَقَوْلِهِ: ﴿وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الزُّخْرُفِ: ٧٣] . وَقَدْ قَالَ مُجَاهِدٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْر: الْجَنَّةُ بِالرُّومِيَّةِ هِيَ الْفِرْدَوْسُ.

وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: لَا يُسَمَّى الْبُسْتَانُ فِرْدَوْسًا إِلَّا إِذَا كَانَ فِيهِ عِنَبٌ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ .

[ الأنترنت – موقع الباحث القرآاني -  تفسير القرآن العظيم — ابن كثير ]

  إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والستون في موضوع

(الوارث) وهي بعنوان : أُولَئِكَ هُمُ الوارِثُونَ

وقال محمد الأمين الشنقيطي : قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الوارِثُونَ﴾ ﴿الَّذِينَ يَرِثُونَ الفِرْدَوْسَ هم فِيها خالِدُونَ﴾، ذَكَرَ - جَلَّ وعَلا - في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: أنَّ المُؤْمِنِينَ المُتَّصِفِينَ بِالصِّفاتِ، الَّتِي قَدَّمْنا هُمُ الوارِثُونَ، وحَذَفَ مَفْعُولَ اسْمِ الفاعِلِ الَّذِي هو الوارِثُونَ؛ لِدَلالَةِ قَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ يَرِثُونَ الفِرْدَوْسَ﴾ [المؤمنون: ١١] عَلَيْهِ. والفِرْدَوْسُ: أعْلى الجَنَّةِ، وأوْسَطُها، ومِنهُ تُفَجَّرُ أنْهارُ الجَنَّةِ، وفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ - جَلَّ وعَلا -، وعَبَّرَ تَعالى

 عَنْ نَيْلِ الفِرْدَوْسِ هُنا باسِمِ الوِراثَةِ.

وَقَدْ أوْضَحْنا مَعْنى الوِراثَةِ والآياتِ الدّالَّةِ عَلى ذَلِكَ المَعْنى؛

 كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿تِلْكَ الجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِن عِبادِنا مَن كانَ تَقِيًّا﴾ [مريم: ٦٣]  وقَوْلِهِ: ﴿وَنُودُوا أنْ تِلْكُمُ الجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: ٤٣]

 وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَقالُوا الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وعْدَهُ وأوْرَثَنا الأرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ﴾ الآيَةَ [الزمر: ٧٤] في سُورَةِ مَرْيَمَ في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ: ﴿تِلْكَ الجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِن عِبادِنا مَن كانَ تَقِيًّا﴾ [مريم: ٦٣] فَأغْنى ذَلِكَ عَنْ إعادَتِهِ هُنا، وقَرَأ هَذا الحَرْفَ: حَمْزَةُ والكِسائِيُّ: عَلى صَلاتِهِمْ بِغَيْرِ واوٍ، بِصِيغَةِ الإفْرادِ وقَرَأ الباقُونَ: عَلى صَلَواتِهِمْ [المؤمنون: ٩] بِالواوِ المَفْتُوحَةِ بِصِيغَةِ الجَمْعِ المُؤَنَّثِ السّالِمِ والمَعْنى واحِدٌ؛ لِأنَّ المُفْرَدَ الَّذِي هو اسْمُ جِنْسٍ، إذا أُضِيفَ إلى مَعْرِفَةٍ، كانَ صِيغَةَ عُمُومٍ كَما هو مَعْرُوفٌ في الأُصُولِ، وقَوْلُهُ هُنا: ﴿هم فِيها خالِدُونَ﴾، أيْ: بِلا انْقِطاعٍ أبَدًا، كَما قالَ تَعالى ﴿عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ [هود: ١٠٨] أيْ: غَيْرَ مَقْطُوعٍ، وقالَ تَعالى: ﴿إنَّ هَذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِن نَفادٍ﴾ وقالَ تَعالى: ﴿ما عِنْدَكم يَنْفَدُ وما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ﴾ [النحل: ٩٦] [ الأنترنت – موقع الباحث القرآن - أضواء البيان - محمد الأمين الشنقيطي ]

وقال ابن عاشور : ﴿أُولَئِكَ هُمُ الوارِثُونَ﴾ ﴿الَّذِينَ يَرِثُونَ الفِرْدَوْسَ هم فِيها خالِدُونَ﴾

جِيءَ لَهم بِاسْمِ الإشارَةِ بَعْدَ أنْ أُجْرِيَتْ عَلَيْهِمُ الصِّفاتُ المُتَقَدِّمَةُ لِيُفِيدَ اسْمُ الإشارَةِ أنَّ جَدارَتَهم بِما سَيُذْكَرُ بَعْدَ اسْمِ الإشارَةِ حَصَلَتْ مِنَ اتِّصافِهِمْ بِتِلْكَ الصِّفاتِ عَلى نَحْوِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿أُولَئِكَ عَلى هُدًى مِن رَبِّهِمْ﴾ [البقرة: ٥] بَعْدَ قَوْلِهِ: ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: ٢] إلى آخِرِهِ في سُورَةِ البَقَرَةِ. والمَعْنى: أُولَئِكَ هُمُ الأحِقّاءُ بِأنْ يَكُونُوا الوارِثِينَ بِذَلِكَ. وتَوْسِيطُ ضَمِيرِ الفَصْلِ لِتَقْوِيَةِ الخَبَرِ عَنْهم بِذَلِكَ. وحُذِفَ مَعْمُولُ (الوارِثُونَ) لِيَحْصُلَ إبْهامٌ وإجْمالٌ فَيَتَرَقَّبُ السّامِعُ بَيانَهُ، فَبَيَّنَ بِقَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ يَرِثُونَ الفِرْدَوْسَ﴾ قَصْدًا لِتَفْخِيمِ هَذِهِ الوِراثَةِ. والإتْيانُ في البَيانِ بِاسْمِ المَوْصُولِ الَّذِي شَأْنُهُ أنْ يَكُونَ مَعْلُومًا لِلسّامِعِ بِمَضْمُونِ صِلَتِهِ إشارَةٌ إلى أنَّ تَعْرِيفَ (الوارِثُونَ) تَعْرِيفُ العَهْدِ كَأنَّهُ قِيلَ: هم أصْحابُ هَذا الوَصْفِ المَعْرُوفُونَ بِهِ.

واسْتُعِيرَتِ الوِراثَةُ لِلِاسْتِحْقاقِ الثّابِتِ؛ لِأنَّ الإرْثَ أقْوى الأسْبابِ لِاسْتِحْقاقِ المالِ، قالَ تَعالى: ﴿وتِلْكَ

الجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الزخرف: ٧٢] .

والفِرْدَوْسُ: اسْمٌ مِن أسْماءِ الجَنَّةِ في مُصْطَلَحِ القُرْآنِ، أوْ مِن أسْماءِ أشْرَفِ جِهاتِ الجَنّاتِ. وأصْلُ الفِرْدَوْسِ: البُسْتانُ الواسِعُ الجامِعُ لِأصْنافِ الثَّمَرِ. وفي الحَدِيثِ أنَّ النَّبِيءَ ﷺ قالَ لِأُمِّ حارِثَةَ بْنِ سُراقَةَ لَمّا أصابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ يَوْمَ بَدْرٍ فَقَتَلَهُ وقالَتْ أُمُّهُ: إنْ كانَ في الجَنَّةِ أصْبِرْ وأحْتَسِبْ. فَقالَ لَها: ويْحَكِ أهَبِلْتِ ؟

أوَجَنَّةٌ واحِدَةٌ هي ؟ إنَّها لَجِنانٍ كَثِيرَةٍ وإنَّهُ لَفي الفِرْدَوْسِ.

وقَدْ ورَدَ في فَضْلِ هَذِهِ الآياتُ عَنْ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «أُنْزِلَ عَلَيَّ عَشْرُ آياتٍ مَن أقامَهُنَّ دَخَلَ الجَنَّةَ ثُمَّ قَرَأ ﴿قَدْ أفْلَحَ المُؤْمِنُونَ﴾ [المؤمنون: ١] حَتّى خَتَمَ عَشْرَ آياتٍ»  . قالَ ابْنُ العَرَبِيِّ في العارِضَةِ: قَوْلُهُ (﴿الَّذِينَ يَرِثُونَ الفِرْدَوْسَ﴾) هي العاشِرَةُ. رَواهُ التِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ.

[ الأنترنت – موقع الباحث القرآني - التحرير والتنوير — ابن عاشور ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة الثانية والستون في موضوع

(الوارث) وهي بعنوان :  الفردوس

وقال ابن قيّم الجوزيّة  : والفردوس: اسم يقال على جميع الجنة. ويقال: على أفضلها وأعلاها، كأنه أحق بهذا الاسم من غيره من الجنات.

وأصل الفردوس: البستان، والفراديس البساتين. قال كعب: هو البستان الذي فيه الأعناب.

وقال الليث: الفردوس جنة ذات كروم، يقال: كرم مفردس، أي معرش. وقال الضحاك: هي الجنة الملتفة بالأشجار، وهو اختيار المبرد.

وقال: الفردوس - فيما سمعت من كلام العرب -:

الشجر الملتف، والأغلب عليه العنب، وجمعه الفراديس.

قال: ولهذا سمي باب الفراديس بالشام. وأنشد لجرير:

فقلت للركب، إذ جد المسير بنا ∗∗∗ يا بعد ما بين أبواب الفراديس

وقال مجاهد: هذا البستان بالرومية. واختاره الزجاج. فقال: هو بالرومية، منقول إلى لغة العرب.

قال وحقيقته: أنه البستان الذي يجمع كل ما يكون في البساتين.[ الأنترنت – موقع الباحث القرآني - تفسير ابن قيّم الجوزيّة — ابن القيم ]

وقال البيضاوي  :﴿أُولَئِكَ﴾ الجامِعُونَ لِهَذِهِ الصِّفاتِ. ﴿هُمُ الوارِثُونَ﴾ الأحِقّاءُ بِأنْ يُسَمَّوْا وُرّاثًا دُونَ غَيْرِهِمْ.

﴿الَّذِينَ يَرِثُونَ الفِرْدَوْسَ﴾ بَيانٌ لِما يَرِثُونَهُ وتَقْيِيدٌ

لِلْوِراثَةِ بَعْدَ إطْلاقِها تَفْخِيمًا لَها وتَأْكِيدًا، وهي مُسْتَعارَةٌ

لِاسْتِحْقاقِهِمُ الفِرْدَوْسَ مِن أعْمالِهِمْ، وإنْ كانَ بِمُقْتَضى وعْدِهِ مُبالَغَةً فِيهِ. وقِيلَ إنَّهم يَرِثُونَ مِنَ الكُفّارِ مَنازِلَهم فِيها حَيْثُ فَوَّتُوها عَلى أنْفُسِهِمْ لِأنَّهُ تَعالى خَلَقَ لِكُلِّ إنْسانٍ مَنزِلًا في الجَنَّةِ ومَنزِلًا في النّارِ. ﴿هم فِيها خالِدُونَ﴾ أنَّثَ الضَّمِيرَ لِأنَّهُ اسْمٌ لِلْجَنَّةِ أوْ لِطَبَقَتِها العُلْيا.

[ الأنترنت – موقع تفسير أنوار التنزيل — البيضاوي ]

  وقال الآلوسي:﴿واجْعَلْنِي﴾ في الآخِرَةِ ﴿مِن ورَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ﴾ قَدْ مَرَّ مَعْنى وِراثَةِ الجَنَّةِ فَتَذَكَّرْ. واسْتُدِلَّ بِدُعائِهِ - عَلَيْهِ السَّلامُ - بِهَذا - بَعْدَما تَقَدَّمَ مِنَ الأدْعِيَةِ - عَلى أنَّ العَمَلَ الصّالِحَ لا يُوجِبُ دُخُولَ الجَنَّةِ، وكَذا كَوْنُ العَبْدِ ذا مَنزِلَةٍ عِنْدَ اللَّهِ - عَزَّ وجَلَّ - وإلّا لاسْتَغْنى - عَلَيْهِ السَّلامُ - بِطَلَبِ الكَمالِ في العِلْمِ والعَمَلِ، وكَذا بِطَلَبِ الإلْحاقِ بِالصّالِحِينَ ذَوِي الزُّلْفى عِنْدَهُ تَعالى عَنْ طَلَبِ ذَلِكَ، وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّهُ تَحْسُنُ الإطالَةُ في مَقامِ الِابْتِهالِ، ولا يُسْتَغْنى بِمَلْزُومٍ عَنْ لازِمٍ في المَقالِ، فالأوْلى الِاسْتِدْلالُ عَلى ذَلِكَ بِغَيْرِ ما ذُكِرَ وهو كَثِيرٌ مُشْتَهَرٌ، هَذا وفي بَعْضِ الآثارِ ما يَدُلُّ عَلى مَزِيدِ فَضْلِ هَذِهِ الأدْعِيَةِ.

أخْرَجَ ابْنُ أبِي الدُّنْيا في الذِّكْرِ، وابْنُ مَرْدُويَهْ مِن طَرِيقِ الحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ««إذا تَوَضَّأ العَبْدُ لِصَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ فَأسْبَغَ الوُضُوءَ ثُمَّ خَرَجَ مِن بابِ دارِهِ يُرِيدُ المَسْجِدَ فَقالَ حِينَ يَخْرُجُ: بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي خَلَقَنِي فَهو يَهْدِينِ هُداهُ اللَّهُ تَعالى لِلصَّوابِ - ولَفْظُ ابْنِ مَرْدُويَهْ: لِصَوابِ الأعْمالِ - والَّذِي هو يُطْعِمُنِي ويَسْقِينِ أطْعَمَهُ اللَّهُ تَعالى مِن طَعامِ الجَنَّةِ وسَقاهُ مِن شَرابِ الجَنَّةِ، وإذا مَرِضْتُ فَهو يَشْفِينِ شَفاهُ اللَّهُ تَعالى، وجَعَلَ مَرَضَهُ كَفّارَةً لِذُنُوبِهِ، والَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ أحْياهُ اللَّهُ تَعالى حَياةَ السُّعَداءِ وأماتَهُ مِيتَةَ الشُّهَداءِ، والَّذِي أطْمَعُ أنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ غَفَرَ اللَّهُ تَعالى لَهُ خَطاياهُ كُلَّها ولَوْ كانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ، رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وألْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ وهَبَ اللَّهُ تَعالى لَهُ حُكْمًا وألْحَقَهُ بِصالِحِ مَن مَضى وصالِحِ مَن بَقِيَ، واجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ في الآخِرِينَ كُتِبَ في ورَقَةٍ بَيْضاءَ أنَّ فُلانَ بْنَ فُلانٍ مِنَ الصّادِقِينَ، ثُمَّ يُوَفِّقُهُ اللَّهُ تَعالى بَعْدَ ذَلِكَ لِلصِّدْقِ، واجْعَلْنِي مِن ورَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ جَعَلَ اللَّهُ تَعالى لَهُ القُصُورَ والمَنازِلَ في الجَنَّةِ»». وكانَ الحَسَنُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ - يَزِيدُ فِيهِ: واغْفِرْ لِوالِدِيَّ كَما رَبَّيانِي صَغِيرًا.

[ الأنترنت – موقع الباحث القرآني - روح المعاني — الآلوسي ]

وقال صديق حسن خان : (واجعلني) وارثاً (من ورثة جنة النعيم) أي مندرجاً فيهم ومن جملتهم؛ أي ممن يعطاها بلا تعب ومشقة كالإرث الحاصل للإنسان من غير تعب، وإضافة الجنة إلى النعيم من إضافة المحل للحال فيه.

ولما طلب عليه السلام بالدعوة الأولى سعادة الدنيا؛ طلب بهذه الدعوة سعادة الآخرة وهي جنة النعيم، قيل: وجعلها مما يورث تشبيهاً لغنيمة الآخرة بغنيمة الدنيا.

[ الأنترنت – موقع الباحث القرآني - فتح البيان — صديق حسن خان]

    إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والستون في موضوع

(الوارث) وهي بعنوان:وَٱجۡعَلۡنِی مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ ٱلنَّعِیمِ

﴿رَبِّ هَبۡ لِی حُكۡما وَأَلۡحِقۡنِی بِٱلصَّـٰلِحِینَ (٨٣) وَٱجۡعَل لِّی لِسَانَ صِدۡق فِی ٱلۡـَٔاخِرِینَ (٨٤) وَٱجۡعَلۡنِی مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ ٱلنَّعِیمِ (٨٥) وَٱغۡفِرۡ لِأَبِیۤ إِنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلضَّاۤلِّینَ (٨٦) وَلَا تُخۡزِنِی یَوۡمَ یُبۡعَثُونَ (٨٧) یَوۡمَ لَا یَنفَعُ مَال وَلَا بَنُونَ (٨٨) إِلَّا مَنۡ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلۡب سَلِیم (٨٩)﴾ [الشعراء ]

قَوْلُهُ تَعَالَى:﴿رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾

  "حُكْماً" مَعْرِفَةً بِكَ وَبِحُدُودِكَ وَأَحْكَامِكَ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: فَهْمًا وَعِلْمًا وَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى الْأَوَّلِ. وقال الكلبي:نبوة رسالة إِلَى الْخَلْقِ"وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ" أَيْ بِالنَّبِيِّينَ مِنْ قَبْلِي فِي الدَّرَجَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بِأَهْلِ الْجَنَّةِ، وَهُوَ تَأْكِيدُ قَوْلِهِ: "هَبْ لِي حُكْماً".

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ اجْتِمَاعُ الْأُمَمِ عَلَيْهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: هُوَ الثَّنَاءُ وَخُلْدُ الْمَكَانَةِ بِإِجْمَاعِ الْمُفَسِّرِينَ، وَكَذَلِكَ أَجَابَ اللَّهُ دَعْوَتَهُ، وَكُلَّ أُمَّةٍ تَتَمَسَّكُ بِهِ وَتُعَظِّمُهُ، وَهُوَ عَلَى الْحَنِيفِيَّةِ الَّتِي جَاءَ بِهَا مُحَمَّدٌ ﷺ. وَقَالَ مَكِّيٌّ: وَقِيلَ مَعْنَاهُ سُؤَالُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ مَنْ يَقُومُ بِالْحَقِّ، فَأُجِيبَتِ الدَّعْوَةُ فِي مُحَمَّدٍ ﷺ، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا مَعْنًى حَسَنٌ إِلَّا أَنَّ لَفْظَ الْآيَةِ لَا يُعْطِيهِ إِلَّا بِتَحَكُّمٍ عَلَى اللَّفْظِ. وَقَالَ الْقُشَيْرِيُّ: أَرَادَ الدُّعَاءَ الْحَسَنَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، فَإِنَّ زِيَادَةَ الثَّوَابِ مَطْلُوبَةٌ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ. قُلْتُ: وَقَدْ فَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ إِذْ لَيْسَ أَحَدٌ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ إِلَّا وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَخَاصَّةً فِي الصَّلَوَاتِ، وَعَلَى الْمَنَابِرِ الَّتِي هِيَ أَفْضَلُ الْحَالَاتِ وَأَفْضَلُ الدَّرَجَاتِ. وَالصَّلَاةُ دُعَاءٌ بِالرَّحْمَةِ. والمراد باللسان الْقَوْلُ، وَأَصْلُهُ جَارِحَةُ الْكَلَامِ. قَالَ الْقُتَبِيُّ: وَمَوْضِعُ اللِّسَانِ مَوْضِعُ الْقَوْلِ عَلَى الِاسْتِعَارَةِ، وَقَدْ تُكَنِّي الْعَرَبُ بِهَا عَنِ الْكَلِمَةِ. قَالَ الْأَعْشَى:

إِنِّي أَتَتْنِي لِسَانٌ لَا أُسَرُّ بِهَا ... مِنْ عَلْوُ لَا عَجَبٌ مِنْهَا وَلَا سَخَرُ

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: يُرْوَى مِنْ عَلْوُ بِضَمِّ الْوَاوِ وَفَتْحِهَا وَكَسْرِهَا أَيْ أَتَانِي خَبَرٌ مِنْ أَعْلَى، وَالتَّأْنِيثُ لِلْكَلِمَةِ. وَكَانَ قَدْ أَتَاهُ خَبَرُ مَقْتَلِ أَخِيهِ الْمُنْتَشِرِ. رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ قَالَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: "وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ" لَا بَأْسَ أَنْ يُحِبَّ الرَّجُلُ أَنْ يُثْنَى عَلَيْهِ صَالِحًا وَيُرَى فِي عَمَلِ الصَّالِحِينَ، إِذَا قَصَدَ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي" وَقَالَ: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا" أَيْ حُبًّا فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ وَثَنَاءً حَسَنًا، فَنَبَّهَ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: "وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ" عَلَى اسْتِحْبَابِ اكْتِسَابِ مَا يُورِثُ الذِّكْرَ الْجَمِيلَ.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والستون في موضوع

(الوارث) وهي بعنوان:

*قَدْ مَاتَ قَوْمٌ وَهُمْ فِي النَّاسِ أَحْيَاءُ:

قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: قَالَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ شُيُوخِ الزُّهْدِ فِي

هَذَا دَلِيلٌ عَلَى التَّرْغِيبِ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ الَّذِي يُكْسِبُ الثَّنَاءَ الْحَسَنُ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ" [الْحَدِيثَ] وَفِي رِوَايَةٍ إِنَّهُ كَذَلِكَ فِي الْغَرْسِ وَالزَّرْعِ وَكَذَلِكَ فِيمَنْ مَاتَ مُرَابِطًا يُكْتَبُ لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ﴾ دُعَاءٌ بِالْجَنَّةِ وَبِمَنْ يَرِثُهَا، وَهُوَ يَرُدُّ قَوْلَ بَعْضِهِمْ: لَا أَسْأَلُ جَنَّةً وَلَا نَارًا. قَوْلُهُ تعالى: (وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ) كَانَ أَبُوهُ وَعَدَهُ فِي الظَّاهِرِ أَنْ يُؤْمِنَ بِهِ فَاسْتَغْفَرَ لَهُ لِهَذَا، فَلَمَّا بَانَ أَنَّهُ لَا يَفِي بِمَا قَالَ تَبَرَّأَ مِنْهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى. "إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ" أَيِ الْمُشْرِكِينَ. وَ "كانَ" زَائِدَةٌ.

(وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ) أَيْ لَا تَفْضَحْنِي عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ، أَوْ لَا تُعَذِّبْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ

أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ يَرَى أَبَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ الْغَبَرَةُ وَالْقَتَرَةُ" وَالْغَبَرَةُ هِيَ الْقَتَرَةُ. وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ فَيَقُولُ يا رب إنك وعدتني إلا تخزيني يَوْمَ يُبْعَثُونَ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى إِنِّي حَرَّمْتُ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ" انْفَرَدَ بِهِمَا الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ.[ الباحث القرآني - الجامع لأحكام القرآن — القرطبي ]

*{ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ } ﴿وَنُرِیدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِینَ ٱسۡتُضۡعِفُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَنَجۡعَلَهُمۡ أَىِٕمَّة وَنَجۡعَلَهُمُ ٱلۡوَارِثِینَ﴾ [القصص ٥]

(ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض) جاء بصيغة المضارع لحكاية الحالة الماضية، واستحضار صورتها، أي: نريد أن نتفضل عليهم بإنجائهم من بأسه، بعد استضعافهم، وقال النسفي: وهو دليل لنا على مسألة الأصلح انتهى والمراد بهؤلاء بنو إسرائيل، والواو للعطف على جملة: إن فرعون علا. وهذا أولى.

(ونجعلهم أئمة) أي: قادة في الخير، ودعاة إليه، يقتدى بهم، وولاة على الناس، وملوكاً فيهم، بعد أن كانوا أتباعاً مسخرين مهانين، قال علي بن أبي طالب: يعني يوسف وولده، وقال قتادة: أي ولاة الأمر، وهم بنو إسرائيل.

(ونجعلهم الوارثين) أي الذين يرثون الأرض بعد

فرعون وقومه، لا الوراثة المعهودة في شرعنا، قاله قتادة، أي: نجعلهم الوارثين لملك فرعون ومساكن القبط وأملاكهم،فيكون ملك فرعون فيهم، ويسكنون مساكن قومه، وينتفعون بأملاكه وأملاكهم. [الأنترنت – موقع الباحث القرآني – فتح البيان — صديق حسن خان ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والستون في موضوع

(الوارث) وهي بعنوان:* {وَنُرِیدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِینَ ٱسۡتُضۡعِفُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَنَجۡعَلَهُمۡ أَىِٕمَّة وَنَجۡعَلَهُمُ ٱلۡوَارِثِینَ}

﴿طسۤمۤ (١) تِلۡكَ ءَایَـٰتُ ٱلۡكِتَـٰبِ ٱلۡمُبِینِ (٢) نَتۡلُوا۟ عَلَیۡكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرۡعَوۡنَ بِٱلۡحَقِّ لِقَوۡم یُؤۡمِنُونَ (٣) إِنَّ فِرۡعَوۡنَ عَلَا فِی ٱلۡأَرۡضِ وَجَعَلَ أَهۡلَهَا شِيعاً یَسۡتَضۡعِفُ طَاۤىِٕفَة مِّنۡهُمۡ یُذَبِّحُ أَبۡنَاۤءَهُمۡ وَیَسۡتَحۡیِۦ نِسَاۤءَهُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلۡمُفۡسِدِینَ (٤) وَنُرِیدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِینَ ٱسۡتُضۡعِفُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَنَجۡعَلَهُمۡ أَىِٕمَّة وَنَجۡعَلَهُمُ ٱلۡوَارِثِینَ (٥) وَنُمَكِّنَ لَهُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَنُرِیَ فِرۡعَوۡنَ وَهَـٰمَـٰنَ وَجُنُودَهُمَا مِنۡهُم مَّا كَانُوا۟ یَحۡذَرُونَ (٦)﴾ [القصص]

قَوْلُهُ: ﴿وَنُرِيدُ أنْ نَمُنَّ عَلى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا في الأرْضِ﴾ فِيهِمْ قَوْلانِ:

أحَدُهُما: بَنُو إسْرائِيلَ، قالَهُ يَحْيى بْنُ سَلّامٍ. الثّانِي:

 يُوسُفُ ووَلَدُهُ، قالَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

﴿وَنَجْعَلَهم أئِمَّةً﴾ فِيهِ ثَلاثَةُ أقاوِيلَ: أحَدُها: وُلاةُ الأمْرِ، قالَهُ قَتادَةُ. الثّانِي: قادَةٌ مَتْبُوعِينَ، قالَهُ قَتادَةُ.

الثّالِثُ: أنْبِياءُ لِأنَّ الأنْبِياءَ فِيما بَيْنَ مُوسى وعِيسى كانُوا مِن بَنِي إسْرائِيلَ أوَّلُهم مُوسى وآخِرُهم عِيسى وكانَ بَيْنَهُما ألْفُ نَبِيٍّ، قالَهُ الضَّحّاكُ.

﴿وَنَجْعَلَهُمُ الوارِثِينَ﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهم بَعْدَ غَرَقِ فِرْعَوْنَ سَبَوُا القِبْطَ فاسْتَعْبَدُوهم بَعْدَ أنْ كانُوا عَبِيدَهم فَصارُوا وارِثِينَ لَهم، قالَهُ الضَّحّاكُ. الثّانِي: أنَّهُمُ المالِكُونَ لِأرْضِ فِرْعَوْنَ الَّتِي كانُوا فِيها مُسْتَضْعَفِينَ.

والمِيراثُ زَوالُ المِلْكِ عَمَّنْ كانَ لَهُ إلى مَن صارَ إلَيْهِ،

 ومِنهُ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ كُلْثُومٍ : ورِثْنا مَجْدَ عَلْقَمَةَ بْنِ سَيْفٍ أباحَ لَنا حُصُونَ المَجْدِ دِينًا . [ النكت والعيون — الماوردي ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة السادسة والستون في موضوع

(الوارث) وهي بعنوان:* {وَنُرِیدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِینَ ٱسۡتُضۡعِفُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَنَجۡعَلَهُمۡ أَىِٕمَّة وَنَجۡعَلَهُمُ ٱلۡوَارِثِینَ  القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ

 شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (١٦) ﴾

يقول تعالى ذكره: ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ﴾ أباه ﴿دَاودَ﴾ العلم الذي كان آتاه الله في حياته، والمُلك الذي كان خصه به على سائر قومه، فجعله له بعد أبيه داود دون سائر ولد أبيه ﴿وَقَالَ يَاأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ﴾ يقول: وقال سليمان لقومه: يا أيها الناس علمنا منطق الطير، يعني فهمنا كلامها؛ وجعل ذلك من الطير كمنطق الرجل من بني آدم إذ فهمه عنها.

   وقد حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي معشر، عن محمد بن كعب: ﴿وَقَالَ يَاأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ﴾ قال: بلغنا أن سليمان كان عسكره مائة فرسخ: خمسة وعشرون منها للإنس، وخمسة وعشرون للجنّ، وخمسة وعشرون للوحش، وخمسة وعشرون للطير، وكان له ألف بيت من قوارير على الخشب؛ فيها ثلاث مائة صريحة، وسبع مائة سرية، فأمر الريح العاصف فرفعته، وأمر الرخاء فسيرته، فأوحى الله إليه وهو يسير بين السماء والأرض: إني قد أردت أنه لا يتكلم أحد من الخلائق بشيء إلا جاءت الريح فأخبرته.

وقوله: ﴿وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾ يقول: وأعطينا ووهب لنا من كلّ شيء من الخيرات ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ﴾ يقول: إن هذا الذي أوتينا من الخيرات لهو الفضل على جميع أهل دهرنا المبين، يقول: الذي يبين لمن تأمَّله وتدبره أنه فضل أعطيناه على من سوانا من الناس. [ الأنترنت – موقع جامع البيان — ابن جرير الطبري]

  قال صديق حسن خان : (وورث سليمان داود) أي ورثه العلم والنبوة أو الكتب، دون باقي أولاده، قال قتادة والكلبي: كان لداود تسعة عشر ولداً ذكراً، فورث سليمان من بينهم نبوة، ولو كان المراد وراثة المال لم يخص سليمان بالذكر، لأن جميع أولاده في ذلك سواء، وكذا قال جمهور المفسرين.

 (وقال) سليمان لبني إسرائيل تحدثا بما أنعم الله به عليه، وشكر النعمة التي خصه بها (يا أيها الناس علمنا) الضمير فيه وفي أوتينا لكل من داود وسليمان.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة السابعة والستون في موضوع

(الوارث) وهي بعنوان:* {وَنُرِیدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِینَ ٱسۡتُضۡعِفُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَنَجۡعَلَهُمۡ أَىِٕمَّة وَنَجۡعَلَهُمُ ٱلۡوَارِثِینَ 

قال القرطبي: تفضل الله علينا زيادة على ما ورثنا من داود من العلم والنبوة، والخلافة في الأرض أن فهمنا (منطق الطير) أي فهم ما يريده كل طائر إذا صوت، والمعاني التي في نفوسها، سمى صوت الطير منطقاً لحصول الفهم منه، كما يفهم من كلام الناس.

وقدم منطق الطير لأنها نعمة خاصة به، لا يشاركه فيها غيره.

قال الفراء: منطق الطير كلام الطير، فجعل كمنطق الرجل. ومعنى الآية فهمنا ما يقول الطير.

ومقتضى هذا أن كُلاًّ منهما كان يعلم أصوات الطير؛ وما تريده. قال الخطيب: علمنا أي أنا وأبي بأيسر أمر وأسهله.

وفي البيضاوي النطق والمنطق في التعارف: كل لفظ يعبر به عما في الضمير؛ مفرداً كان أو مركباً مفيداً كان أو غير مفيد. وقد يطلق على كل ما يصوت به على التشبيه أو التبع كقولهم: نطقت الحمامة، ومنه الناطق والصامت للحيوان والجماد، فإن الأصوات الحيوانية من حيث إنها تابعة للتخيلات نزلت منزلة العبارات، سيما وفيها ما يتفاوت باختلاف الأغراض، بحيث يفهمها ما هو من جنسه.

ولعل سليمان مهما سمع صوت حيوان علم بقوته القدسية الغرض الذي صوت لأجله، والغرض الذي توخاه به انتهى. قال جماعة من المفسرين: إنه علم منطق جميع الحيوانات، وإنما ذكر الطير لأنه كان جنداً من جنوده، يسير معه لتظليله من الشمس، فخص بالذكر لكثرة مداخله. وقال قتادة والشعبي: إنما علم منطق الطير خاصة، ولا يعترض ذلك بالنملة فإنها من جملة الطير، وكثيراً ما تخرج لها أجنحة فتطير،

وكذلك كانت هذه النملة التي سمع سليمان كلامها وفهمه.

أخرج أحمد في الزهد وابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن أبي الصديق الناجي قال: خرج سليمان بن داود يستسقي بالناس، فمر على نملة مستلقية على قفاها رافعة قوائمها إلى السماء، وهي تقول: اللهم إنا خلق من خلقك ليس بنا غنى عن رزقك، فإما أن تسقينا، وإما إن تهلكنا، فقال سليمان: للناس ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم.

وقد ذكر الخازن والنسفي في تفسيريهما منطق بعض الطيور، وما تقوله القمري وغيرها، وكذا القرطبي بلا إسناد صحيح متصل يعتمد عليه، ويصار إليه فتركنا ذكره هاهنا فإنه لا يأتي بكثير فائدة للمنقحين.

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والستون في موضوع

(الوارث) وهي بعنوان: (وأوتينا من كل شيء)

 تدعو إليه الحاجة، كالعلم والنبوة والحكمة والمال وتسخير الجن، والإنس، والطير، والرياح، والوحش، والدواب، وكل ما بين السماء والأرض. وجاء سليمان بنون العظمة، والمراد نفسه بياناً لحاله من كونه مطاعاً لا يخالف، لا تكبراً وتعظيماً لنفسه، عن جعفر بن محمد قال: أعطي سليمان ملك مشارق الأرض ومغاربها، فملك سليمان سبعمائة سنة وستة أشهر، ملك أهل الدنيا كلهم، وأعطي كل شيء.

وفي زمانه صنعت الصنائع المعجبة، حتى إذا أراد الله أن يقبضه أوحى إليه أن يستودع علم الله وحكمته أخاه؛ وولد داود كانوا أربعمائة وثمانين رجلاً، أنبياء بلا رسالة. قال الذهبي: هذا باطل وقد رويت قصص في عظم ملك سليمان عن القرظي وغيره لا تطيب النفس بذكر شيء منها، فالإمساك عن ذكرها أولى.

(إن هذا) أي ما تقدم ذكره من التعليم والإيتاء (لهو الفضل المبين) أي الظاهر الواضح، الذي لا يخفي على أحد. أو المظهر لفضيلتنا وإنما قال ذلك شكراً لا فخراً.[ الأنترنت – موقع تفسير فتح البيان — صديق حسن خان ]

وقال ابن كثير : يُخْبِرُ تَعَالَى عَمَّا أَنْعَمَ بِهِ عَلَى عَبْدَيْهِ وَنَبِيَّيْهِ دَاوُدَ وَابْنِهِ سُلَيْمَانَ، عَلَيْهِمَا مِنَ اللَّهِ السَّلَامُ، مِنَ النِّعَمِ الْجَزِيلَةِ، وَالْمَوَاهِبِ الْجَلِيلَةِ، وَالصِّفَاتِ الْجَمِيلَةِ، وَمَا جَمَعَ لَهُمَا بَيْنَ سَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْمُلْكِ وَالتَّمْكِينِ التَّامِّ فِي الدُّنْيَا، وَالنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ فِي الدِّينِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ .

قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ذُكِرَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَحْيَى بْنِ تَمَّامٍ : أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْعِمْ عَلَى عَبد نِعْمَةً فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَيْهَا، إِلَّا كَانَ حَمْدُه أَفْضَلَ مِنْ نِعْمَتِهِ، لَوْ كُنْتَ لَا تَعْرِفُ ذَلِكَ إِلَّا فِي كِتَابِ اللَّهِ الْمُنَزَّلِ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ، وَأَيُّ نِعْمَةٍ أَفْضَلُ مما أوتي داود وَسُلَيْمَانُ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ؟

وَقَوْلُهُ: ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ﴾ أَيْ: فِي الْمُلْكِ وَالنُّبُوَّةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ وراثَةَ الْمَالِ؛ إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَخُصَّ سُلَيْمَانَ وَحْدَهُ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ أَوْلَادِ دَاوُدَ، فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ لِدَاوُدَ مائةُ امْرَأَةٍ. وَلَكِنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ وراثةُ الْمُلْكِ وَالنُّبُوَّةِ؛ فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا تُوَرَّثُ أَمْوَالُهُمْ، كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ [فِي قَوْلِهِ](٣) : نَحْنُ مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُوَرَّثُ، مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ . [ الأنترنت – موقع تفسير القرآن العظيم — ابن كثير ]

 إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والستون في موضوع

(الوارث) وهي بعنوان: وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً

  وقال القرطبي : قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً﴾ أَيْ فَهْمًا، قَالَهُ قَتَادَةُ. وَقِيلَ: عِلْمًا بِالدِّينِ وَالْحُكْمِ وَغَيْرِهِمَا كَمَا قَالَ: "وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ". وَقِيلَ: صَنْعَةَ الْكِيمْيَاءِ. وَهُوَ شَاذٌّ. وَإِنَّمَا الَّذِي آتَاهُمَا اللَّهُ النُّبُوَّةَ وَالْخِلَافَةَ فِي الْأَرْضِ وَالزَّبُورَ.

 "وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ

 الْمُؤْمِنِينَ) وَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى شَرَفِ الْعِلْمِ وَإِنَافَةِ مَحَلِّهِ وَتَقَدُّمِ حَمَلَتِهِ وَأَهْلِهِ، وَأَنَّ نِعْمَةَ الْعِلْمِ مِنْ أَجَلِّ النِّعَمِ وَأَجْزَلِ الْقِسَمِ، وَأَنَّ مَنْ أُوتِيَهُ فَقَدْ أُوتِيَ فَضْلًا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ." يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ". وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾ قَالَ الْكَلْبِيُّ:

 كَانَ لِدَاوُدَ ﷺ تِسْعَةَ عَشَرَ وَلَدًا فَوَرِثَ سُلَيْمَانُ مِنْ بَيْنِهِمْ نُبُوَّتَهُ وَمُلْكَهُ، وَلَوْ كَانَ وِرَاثَةَ مَالٍ لَكَانَ جَمِيعُ

أَوْلَادِهِ فِيهِ سَوَاءً، وقال ابْنُ الْعَرَبِيِّ، قَالَ: فَلَوْ كَانَتْ

 وِرَاثَةُ مَالٍ لَانْقَسَمَتْ عَلَى الْعَدَدِ،فَخَصَّ اللَّهُ سُلَيْمَانَ بِمَا كَانَ لِدَاوُدَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَالنُّبُوَّةِ، وَزَادَهُ مِنْ فَضْلِهِ مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: دَاوُدُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَانَ مَلِكًا وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ مُلْكَهُ وَمَنْزِلَتَهُ مِنَ النُّبُوَّةِ، بِمَعْنَى صَارَ إِلَيْهِ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ أبيه فسمى ميراثا تجوزا، وهذا نحو قول: "الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ" وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامَ: "إِنَّا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ" أَنْ يُرِيدَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ الْأَنْبِيَاءِ وَسِيرَتِهِمْ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ وُرِثَ مَالُهُ كَزَكَرِيَّاءَ عَلَى أَشْهَرِالْأَقْوَالِ فِيهِ، وَهَذَا كَمَا تَقُولُ: إِنَّا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ إِنَّمَا شَغَلَتْنَا الْعِبَادَةُ، وَالْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ فِعْلُ الْأَكْثَرِ. وَمِنْهُ مَا حَكَى سِيبَوَيْهِ: إِنَّا مَعْشَرَ الْعَرَبِ أَقْرَى النَّاسِ لِلضَّيْفِ. قُلْتُ: قَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي "مَرْيَمَ" وَأَنَّ الصَّحِيحَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "إِنَّا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ" فَهُوَ عَامٌّ وَلَا يخرج منه شي إِلَّا بِدَلِيلٍ. قَالَ مُقَاتِلٌ: كَانَ سُلَيْمَانُ أَعْظَمَ مُلْكًا مِنْ دَاوُدَ وَأَقْضَى مِنْهُ، وَكَانَ دَاوُدُ أَشَدَّ تَعَبُّدًا مِنْ سُلَيْمَانَ. قَالَ غَيْرُهُ: وَلَمْ يَبْلُغْ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مَا بَلَغَ مُلْكُهُ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سَخَّرَ لَهُ الْإِنْسَ وَالْجِنَّ وَالطَّيْرَ وَالْوَحْشَ، وَآتَاهُ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ، وَوَرِثَ أَبَاهُ فِي الْمُلْكِ وَالنُّبُوَّةِ، وَقَامَ بَعْدَهُ بِشَرِيعَتِهِ، وَكُلُّ نَبِيٍّ جَاءَ بعه مُوسَى مِمَّنْ بُعِثَ أَوْ لَمْ يُبْعَثْ فَإِنَّمَا كَانَ بِشَرِيعَةِ مُوسَى، إِلَى أَنْ بُعِثَ الْمَسِيحُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَنَسَخَهَا. وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْهِجْرَةِ نَحْوٌ مِنْ أَلْفِ وَثَمَانِمِائَةِ سَنَةٍ. وَالْيَهُودُ تَقُولُ أَلْفُ وَثَلَاثُمِائَةِ وَاثْنَتَانِ وَسِتُّونَ سَنَةً. وَقِيلَ: إِنَّ بَيْنَ مَوْتِهِ وَبَيْنَ مَوْلِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سَلَّمَ نَحْوًا مِنْ أَلْفٍ وَسَبْعِمِائَةٍ. وَالْيَهُودُ تُنْقِصُ مِنْهَا ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ، وَعَاشَ نَيِّفًا وَخَمْسِينَ سَنَةً. [الأنترنت – موقع الجامع لأحكام القرآن — القرطبي]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة السبعون في موضوع (الوارث) وهي بعنوان: ووَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ

وقال ابن عاشور ﴿ووَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ﴾ .طَوى خَبَرَ

 مُلْكِ داوُدَ وبَعْضَ أحْوالِهِ إلى وفاتِهِ؛ لِأنَّ المَقْصُودَ هو قِصَّةُ سُلَيْمانَ كَما قَدَّمْناهُ آنِفًا. وقَدْ كانَ داوُدُ مَلِكًا عَلى بَنِي إسْرائِيلَ ودامَ مُلْكُهُ أرْبَعِينَ سَنَةً وتُوُفِّيَ وهو ابْنُ سَبْعِينَ سَنَةً.

فَخَلَفَهُ سُلَيْمانُ فَهو وارِثُ مُلْكِهِ القائِمِ في مَقامِهِ في سِياسَةِ الأُمَّةِ وظُهُورِ الحِكْمَةِ ونُبُوءَةِ بَنِي إسْرائِيلَ والسُّمْعَةِ العَظِيمَةِ بَيْنَهم. فالإرْثُ هُنا مُسْتَعْمَلٌ في مَعْناهُ المَجازِيِّ وهو تَشْبِيهُ الأحْوالِ الجَلِيلَةِ بِالمالِ وتَشْبِيهُ الخِلْفَةِ بِانْتِقالِ مُلْكِ الأمْوالِ لِظُهُورِ أنْ لَيْسَ غَرَضُ الآيَةِ إفادَةَ مَنِ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ أمْوالُ داوُدَ بَعْدَ قَوْلِهِ: ﴿ولَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وسُلَيْمانَ عِلْمًا وقالا الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا﴾ [النمل: ١٥] فَتَعَيَّنَ أنَّ إرْثَ المالِ غَيْرُ مَقْصُودٍ فَإنَّهُ غَرَضٌ تافِهٌ.

وقَدْ كانَ لِداوُدَ أحَدَ عَشَرَ ولَدًا فَلا يَخْتَصُّ إرْثُ مالِهِ بِسُلَيْمانَ ولَيْسَ هو أكْبَرَهم، وكانَ داوُدُ قَدْ أقامَ سُلَيْمانَ مَلِكًا عَلى إسْرائِيلَ. وبِهَذا يَظْهَرُ أنْ لَيْسَ في الآيَةِ ما يُحْتَجُّ بِهِ أنْ يُورِثَ مالُ النَّبِيءِ وقَدْ قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لا نُورَثُ ما تَرَكْنا صَدَقَةٌ»، وظاهِرُهُ أنَّهُ أرادَ مِنَ الضَّمِيرِ جَماعَةَ الأنْبِياءِ وشاعَ عَلى ألْسِنَةِ العُلَماءِ: إنّا أوْ نَحْنُ مَعاشِرَ الأنْبِياءِ لا نُورَثُ، ولا يُعْرَفُ بِهَذا اللَّفْظِ ووَقَعَ في كَلامِ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ مَعَ العَبّاسِ وعَلِيٍّ في شَأْنِ صَدَقَةِ النَّبِيءِ ﷺ قالَ عُمَرُ: أنْشُدُكُما اللَّهَ هَلْ تَعْلَمانِ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ قالَ: «لا نُورَثُ ما تَرَكْنا صَدَقَةٌ»، يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ نَفْسَهُ. وكَذَلِكَ قالَتْ عائِشَةُ، فَإذا أخَذْنا بِظاهِرِ الآيَةِ كانَ هَذا حُكْمًا في شَرْعِ مَن قَبْلَنا فَيُنْسَخُ بِالإسْلامِ، وإذا أخَذْنا بِالتَّأْوِيلِ فَظاهِرٌ. وقَدْ أجْمَعَ الخُلَفاءُ الرّاشِدُونَ وغَيْرُهم عَلى ذَلِكَ، خِلافًا لِلْعَبّاسِ وعَلِيٍّ ثُمَّ رَجَعا حِينَ حاجَّهُما عُمَرُ. والعِلَّةُ هي سَدُّ ذَرِيعَةِ خُطُورِ تَمَنِّي مَوْتِ النَّبِيءِ في نَفْسِ بَعْضِ ورَثَتِهِ.  [الأنترنت – موقع تفسير التحرير والتنوير — ابن عاشور]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والسبعون في موضوع

(الوارث) وهي بعنوان: ووَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ

وقال ابن قيّم الجوزيّة  : وأما قوله تَعالى: ﴿وَورث سُلَيْمان داوُد﴾ فَهو مِيراث العلم والنبوة لا غير.

وَهَذا بِاتِّفاق أهل العلم من المُفَسّرين وغَيرهم وهَذا لأن داوُد عَلَيْهِ السَّلام كانَ لَهُ أولاد كَثِيرَة سوى سُلَيْمان فَلَو كانَ المَوْرُوث هو المال لم يكن سُلَيْمان مُخْتَصًّا بِهِ.

وأيضا فَإن كَلام الله يصان عَن الإخبار بِمثل هَذا فَإنَّهُ بِمَنزِلَة أن يُقال ماتَ فلان وورثه ابْنه ومن المَعْلُوم أن كل أحد يَرِثهُ ابْنه ولَيْسَ في الإخبار بِمثل هَذا فائِدَة وأيضا فَإن ما قبل الآية وما بعْدها يبين أن المُراد بِهَذِهِ الوراثة وراثة العلم والنبوة لا وراثة المال قالَ تَعالى ﴿وَلَقَد آتَيْنا داوُود وسليمان علما وقالا الحَمد لله الَّذِي فضلنا على كثير من عباده المُؤمنِينَ وورث سُلَيْمان داوُود﴾

وَإنَّما سيق هَذا لبَيان فضل سُلَيْمان وما خصّه الله بِهِ من كرامته وميراثه ما كانَ لأبيه من أعلى المَواهِب وهو العلم والنبوة

﴿إن هَذا لَهو الفضل المُبين﴾ وكَذَلِكَ قَول زَكَرِيّا عَلَيْهِ الصَّلاة والسَّلام ﴿وَإنِّي خفت الموالِي من ورائي وكانَت أمرَأتي عاقرا فَهَب لي من لَدُنْك وليا يَرِثنِي ويَرِث من آل يَعْقُوب واجعله رب رَضِيا﴾

فَهَذا مِيراث العلم والنبوة والدعوة إلى الله وإلّا فَلا يظنّ بنبي كريم أنه يخاف عصبته أن يرثوه ماله فَيسْأل الله العَظِيم ولدا يمنعهُم مِيراثه ويكون أحق بِهِ مِنهُم، وقد نزه الله أنبياءه ورُسُله عَن هَذا وأمْثاله فبعدا لمن حرف كتاب الله ورد على رَسُوله كَلامه ونسب الأنبياء إلى ما هم بُرَآء منزهون عَنهُ والحَمْد لله على توفيقه وهدايته. [ الأنترنت – موقع تفسير ابن قيّم الجوزيّة — ابن القيم ]

* واجعله الوارث منا.

ورد في الأحاديث أن من دعاء الرسول صلى الله

 عليه وسلم: (اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبدا ما أحييتنا،واجعله الوارث منا..) .

   [الحديث أخرجه الإمام الترمذي، والحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري، وحسنه الشيخ الألباني في تخريجه لأحاديث كتاب الكلم الطيب لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.]

وقد اختلف أهل العلم في معنى قوله: " واجعله الوارث منا "، واختلافهم فيه ناشئ عن اختلافهم في مرجع الضمير، والراجح أنه راجع إلى المذكور الشامل للأسماع والأبصار والقوة، وعليه فمعنى كون هذه وارثة أن يموت الشخص وهو متمتع بها، بخلاف ما لو فقدها في حياته فإنه سيكون وارثاً لها، لا وارثة له، لأن من شأن الوارث البقاء بعد الموروث، وقد مال بعض النحاة إلى أن الضمير في "اجعله" ضمير مصدر، واختلف هؤلاء في تقدير المصدر المفسر له، فمنهم من قال: هو: تمتعنا، المدلول عليه بمتعنا، ومنهم من قال: هو: الجعل المفهوم من اجعله، وقيل: الضمير راجع على واحد من المذكورات، ويدل ذلك على وجود الحكم في الباقي، وقيل غير ذلك.ولكن الراجح هو القول الأول، إذ لا يسلم غيره من اعتراض غير مندفع.[ الأنترنت – موقع إسلام ويب – المنجد ]

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة الثانية والسبعون في موضوع

(الوارث) وهي بعنوان:

*من أمالي الحرم"وَاجْعَلْهُ الوَارِثَ مِنَّا"

  من دعاء القنوت الذي دعا به إمام الحرم المكي في العشر الأواخر الدعاء المأثور " وَاجْعَلْهُ الوَارِثَ مِنَّا"، وهو مما دار النقاش حوله في "مجلس العشر الأواخر" في مكة المكرمة بحضور العلماء وطلبة العلم ... وفحوى النقاش كانت : لماذا كان الضمير في قوله " وأجعله" بالمفرد علماً أن المذكور قبله بصيغة الجمع مع تنوعه؟ فتنوعت الآراء وتعددت كلها منطلقة من النصوص واختلاف الفاظ الحديث ومسنديه إلى النبي صلى الله عليه وسلم آخذين بنظر الاعتبار قواعد اللغة العربية وفنونها واساليبها، وبعد تمام المجلس اقترح علي الشيخ الفاضل  ( نظام يعقوبي )  أن أجمع أقوال العلماء في هذا الموضوع بعد عرض الروايات في الباب واختلافها، وكيف خرجها شراح الحديث بما يتوافق مع علوم اللغة العربية، فشددت العزم على ذلك بعد التوكل على الله وبه أستعنت، فأقول:

قال الترمذي: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ المُبَارَكِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، قَالَ: قَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ مِنْ مَجْلِسٍ حَتَّى يَدْعُوَ بِهَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ لِأَصْحَابِهِ: «اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ اليَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا، وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الوَارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، وَلَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا، وَلَا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا،وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لَا يَرْحَمُنَا»

وأخرجه عن أبن عمر أبن أبي الدنيا بلفظ: « وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا» ، والدينوري بلفظ: (... وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا، وَاجْعَلْ ذَلِكَ الْوَارِثَ مِنَّا »، والحاكم وَزَاد فِي أَوله «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي»، وبلفظ: «...وَبَارِكْ لِي فِي سَمْعِي وَبَصَرِي، وَاجْعَلْهُمَا الْوَارِثَ مِنِّي »....

ومن طريق نافع عن ابن عمر أخرجه ابن أبي المبارك ، والبزار بلفظ: «... اللَّهُمَّ مَتِّعْنَا بِأَبْصَارِنَا وَأَسْمَاعِنَا وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا»، والنسائي، والطبراني بلفظ: « وَبَارِكْ فِي سَمْعِي وَبَصَرِي، وَاجْعَلْهُمَا الْوَارِثَ مِنِّي »،

إلى هنا ونكمل في اللقاء القادم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والسبعون في موضوع

(الوارث) وهي بعنوان:

*من أمالي الحرم"وَاجْعَلْهُ الوَارِثَ مِنَّا"

 ومما ينبغي ان يعلم ان هذا الدعاء ورد في مسانيد متعددة بمناسبات مختلفة ومنها:

في  مسند عائشة، وفي مسند أ بي هريرة، وفي  مسند الزبير ، وفي مسند عبد الله بن الشخير

وفي  مسند علي ، وفي  مسند سعد بن زرارة ، وفي مسند أنس رَضِيَ الله عَنْهُ

وتبين من سوق الأحاديث السابقة ما يأتي:

رواية حديث الباب الجمع للثلاثة(السمع، والبصر، والقوة)، والضمير العائد عليها بالمفرد وهي رواية المشهورة بلفظ: (وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الوَارِثَ مِنَّا)، وهي محل الأشكال، أما باقي الروايات فلا اشكال فيها ولا سيما رواية المثنى، أو عود الضمير المفرد على المفرد، وبعد عرض وأقول العلماء تبين للباحث الأتي:

أن الضمير يعود إلى الأثر أي: أجعل أثر السمع، وأثر البصر، وأثر القوة باق بعد موتنا بقرينه قوله صلى الله عليه وسلم: (الوارث)، لا يكون ذلك الا بعد الموت، بعد انتقال العبد من دار الدنيا الى دار الأخرة، فعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ندعو الله ان يمتعنا بهذه الأشياء في حياتنا وان يبقي أثرها بعد موتنا لتكون مدعاة لغيرنا على طاعة الله، أو تعينهم على طاعة الله، أو توظيف ذلك الأثر لينتفع به الخلائق بعد موتنا كالصدقة الجارية وغيرها، والملاحظ أن النص ذكر التمتع بها في الدنيا بقوله:(مَا أَحْيَيْتَنَا)، ثم قال: (وأجعله الوارث منا)، أي: اجعل التمتع بها في الحياة الدنيا وبأثرها بعد الموت؛وهو ما ذكره الأجلة؛ بقوله: (اجْعَل تَمَتعنَا بهَا بَاقِيا عَنَّا موروثا لمن بَعدنَا)، وهو ما يتناسب مع قول الله تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ﴾ [يس: 12]، فـ(قدموا) في الحياة الدنيا، و(واثارهم)، بعد موتهم،فاخبرنا المولى أنه يكتب ما قدم الأنسان في حياته وآثاره بعد موته وهذا من كرم الله بتنزيله الاثار منزلة ما قدمه العبد، وهذا ما نفهمه من قوله صلى الله عليه وسلم: "منا "، أي: الوراثة تكون منا وليس خارجة عنا؛ وهو ما عبر عنه الافاضل بقولهم: (لا كلالة عنَّا)، فاثر السمع والبصر والقوة منا وليس من غيرنا.[الأنترنت – موقع شبكة الألوكة  - من أمالي الحرم: واجعله الوارث منا - أ. د. فهمي أحمد عبدالرحمن القزاز ، بتصرف ]

الخاتمة

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ،لقد انتهيت من هذا البحث الجميل في يوم 15/8/1441ه

في منزلي الكائن في مدينة العقيق بمنطقة الباحة بالمملكة العربية السعودية ، وقد بذلت فيه غاية جهدي وطاقتي ، وعزوت كل نص إلى قائله سواء كان آيات أو احاديث أو اقوال للصحابة أو التابعين أو اتباعهم أو الأئمة أو العلماء أو الدعاة أو طلبة العلم أو الكتّاب أو غيرهم ، وهو أشبه مايكـون بالتفسير الموضوعي ، إن اصبـت فمـن الله ، وإن أخطأ ت فمـن نفسـي والشيـطان ، وأستغفر الله ، اسأل الله أن يجعله علماً نافعاً وعملا صالحا ، وأن ينفع به الكاتب والقاريء والسامع ، والرآي ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وكتبه : د/ مسفر بن سعيد دماس الغامدي؛جوال /0555516289