البـــــــــــــارئ
المقدمة : إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا اله الا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ،قال تعالى :{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته،ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} آل عمران/ 120،وقال تعالى : { يائها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ، وخلق منها زوجها ، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً ، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً } النساء / 1 ،وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً ، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً } الأحزاب /70 ، 71 وبعـــــد :
فهذه الحلقة الأولى في موضوع (الباريء) وهي بعنوان : المقدمة وأهمية العلم بأسماء الله وصفاته
* أهمية العلم بأسماء الله وصفاته
تظهر أهمية العلم بأسماء الله وصفاته وشرفه وعلو شأنه فيما يلي:
أولًا: أنها أشرف العلوم وأجلها:
العلم بأسماء الله الحسنى وصفاته هو العلم الذي يتعلق بالله، وأسمائه الحُسنى وصفاته العلا، وبقدر معرفة العبد بأسماء الله جل وعز وصفاته يكون حظ العبد من العبودية لربه والأنس به ومحبته وإجلاله، مما يكون سببًا في الفوز برضوان الله جل وعز وجنته، والتنعم بالنظر إلى وجه الله ذي الجلال والإكرام في الدار الآخرة، وهذه الغاية لن تتحقق إلا بتوفيق الله جل وعز.
ثانيًا: أنها أصل العلوم وأساس الإيمان:
العلم بأسماء الله جل وعز وصفاته هو أصل العلوم، وأساس الإيمان، وأول الواجبات؛ فإذا علم الناس بربهم عبدوه حق عبادته، قال تعالى: (هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ عَٰلِمُ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِۖ هُوَ ٱلرَّحۡمَٰنُ ٱلرَّحِيمُ) [الحشر: 22]. شرف العلم بشرف المعلوم وليس هناك أشرف من العلم بالله وأسمائه الحسنى وصفاته.
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية في موضوع (الباريء) وهي بعنوان : * أهمية العلم بأسماء الله وصفاته
ثالثًا: أن العلم بها زيادة في الإيمان واليقين:
معرفة الله جل وعز بأسمائه وصفاته زيادة في الإيمان واليقين، وتحقيق للتوحيد، وتذوق لطعم العبودية ، وهذا هو روح الإيمان وأصله وغايته، وأقرب طريق إلى ذلك تدبر صفاته وأسمائه من القرآن، فإن الله جل ثناؤه، وتقدست أسماؤه إذا أراد أن يكرم عبده بمعرفته وجمع قلبه على محبته، شرح صدره لقبول صفاته العلا، وتلقيها من مشكاة الوحي، فإذا ورد عليه شيء منها قابله بالقبول، وتلقَّاه بالرضا والتسليم، وأذعن له بالانقياد؛ فاستنار به قلبه، واتسع له صدره، وامتلأ به سرورًا ومحبة، فاشتد بها فرحه، وعظم بها غناؤه، وقويت بها معرفته، واطمأنت إليها نفسه، وسكن إليها قلبه، فجال من المعرفة في ميادينها، وأسام عين بصيرته في رياضها وبساتينها؛ لتيقنه بأن شرف العلم تابع لشرف معلومه، ولا معلوم أعظم وأجل ممن هذه صفته جل وعز، وهو ذو الأسماء الحسنى والصفات العلا، وشرفه أيضًا بحسب الحاجة إليه، وليست حاجة الأرواح قط إلى شيء أعظم منها إلى معرفة بارئها وفاطرها، ومحبته وذكره، والابتهاج به، وطلب الوسيلة إليه، والزلفى عنده، ولا سبيل إلى هذا إلا بمعرفة أوصافه وأسمائه، فكلما كان العبد بها أعلم كان بالله أعرف، وله أطلب، وإليه أقرب، وكلما كان لها أنكر كان بالله أجهل، وإليه أكره، ومنه أبعد، والله يُنْزِلُ العبد من نفسه حيث يُنْزِلُه العبدُ من نفسه. العلم بالله وأسمائه الحسنى وصِفاته صلاح للقلب وتمام للإيمان.
رابعًا: الاستدلال من صفاته وأسمائه على أفعاله وتشريعاته:
العالم بالله جل وعز حقيقة يستدل بما علم من صفاته وأسمائه الحسنى على
ما يفعله وعلى ما يشرعه من الأحكام؛ لأنه تعالى لا يفعل إلا ما هو مقتضى أسمائه وصفاته، وأفعاله تعالى دائرة بين العدل والفضل والحكمة، كذلك لا يشرع ما يشرعه من الأحكام إلا حسب ما اقتضاه حمده وحكمته وفضله وعدله، فأخباره كلها حق وصدق، وأوامره ونواهيه عدل وحكمة ورحمة، وهذا العلم أعظم وأشهر من أن ينبه عليه لوضوحه.
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة في موضوع (الباريء) وهي بعنوان : * أهمية العلم بأسماء الله وصفاته
خامسًا: إدراك التــلازم بين صفــاته وما تقتضيــه من العبادات:
التــلازم الوثيــق بين صفــات الله جل وعز وما تقتضيــه من العبادات الظاهرة والباطنة، إذ لكل صفة عبودية خاصة هي من موجباتها ومقتضياتها، وهذا مطرد في جميع أنواع العبودية التي على القلب والجوارح؛ فعلم العبد بتفرد الرب تعالى بالضر والنفع، والعطاء والمنع، والخلق، والرزق، والإحياء والإماتة يثمر له عبودية التوكل عليه تعالى باطنًا، ولوازم التوكل وثمراته ظاهرًا، وعلمه بسمعه تعالى وبصره، وعلمه أنه لا يخفى عليه مثقال ذرة وأنه يعلم السر، ويعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور، يثمر له حفظ لسانه وجوارحه وخطرات قلبه عن كل ما لا يرضي الله، وأن يجعل تعلق هذه الأعضاء بما يحبه الله ويرضاه، فيثمر له ذلك الحياء باطنًا، ويثمر له الحياء اجتناب المحرمات والقبائح، ومعرفته بغناه وجوده وكرمه وبره وإحسانه ورحمته، توجب له سعة الرجاء، وكذلك معرفته بجلال الله وعظمته وعزته تثمر له الخضوع والاستكانة والمحبة، وتثمر له تلك الأحوال الباطنة أنواعًا من العبودية الظاهرة هي موجباتها؛ فرجعت العبودية كلها إلى مقتضى الأسماء والصفات.
سادسًا: آثارها الطيبة في القلوب والأخلاق:
للتعبد بأسماء الله جل وعز الحسنى وصفاته آثار طيبة في سلامة القلوب، وسلامة الأخلاق والسلوك، كما أن في تعطيلها بابًا إلى أمراض القلوب.
سابعًا: فيها تسلية للعبد عند المصائب والشدائد: العلم بأسماء الله الحسنى وصِفاته فيه تَسلية للعبد حينما يَقع في المَصائب والمكروهات والشدائد، فإذا علم العبد أن ربه عليم حكيم عدل لا يظلم أحدًا رضي وصبر، وعلم أن المكروهات التي تصيبه والمحن التي تنزل به فيها ضروب من المصالح والمنافع التي لا يبلغها علمه؛ لكنها هي مقتضى علم الله جل وعز وحكمته؛ فيطمئن ويسكن إلى ربه، ويفوض أمره إليه.
ثامنًا: فهمها طريق إلى محبة الله وتعظيمه:
فهم معاني أسماء الله جل وعز وصفاته طريق إلى محبة الله وتعظيمه ورجائه
والخوف منه والتوكل عليه والاعتماد عليه ومراقبته سبحانه، وغير ذلك من
ثمرات معرفة الله وأسمائه وصفاته.
تاسعًا: تدبرها أكبر عون على تدبر القرآن:
إن في تدبر معاني أسماء الله جل وعز وصفاته أكبر عون على تدبر كتاب
الله؛ حيث أمرنا الله تعالى بتدبر القرآن في قوله جل وعز: (كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ إِلَيۡكَ مُبَٰرَكٞ لِّيَدَّبَّرُوٓاْ ءَايَٰتِهِۦ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ٢٩) [ص: 29].
ونظرًا لأن القرآن الكريم يكثر فيه ذكر الأسماء والصفات حسب متعلقاتها فإن في تدبرها بابًا كبيرًا من أبواب تدبر القرآن، فإذا تدبَّرتَ القرآنَ؛ أشهدكَ ملكًا قيومًا فوق سماواته على عرشه، يُدبِّر أمر عباده، يأمر وينهي، ويُرسل الرسلَ ويُنزل الكتبَ، ويرضى ويغضب، ويُثيب ويُعاقب، ويُعطي ويمنع، ويُعِزُّ ويُذِلُّ، ويخفض ويرفع، ويرى ويسمع من فوق سبع سماوات، ويعلم السرَّ والعلانية، فعَّال لما يُريد، موصوفٌ بكلِّ كمال، مُنزَّهٌ عن كلِّ عيبٍ، لا تتحرك ذرةٌ فما فوقها إلا بإذنه، ولا تسقط ورقة إلا بعلمه وهو العليم الحكيم. من وجد الله فماذا فقد؟! ومن فقد الله فماذا وجد؟!
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة في موضوع (الباريء) وهي بعنوان : * أهمية العلم بأسماء الله وصفاته
عاشرًا: العلم بها يزرع في القلب الأدب مع الله والحياء منه:
العلم بأسماء الله الحسنى وصفاته يزرع في القلب الأدب مع الله والحياء منه، فالأدب مع الله جل وعز هو القيام بدينه والتأدب بآدابه ظاهرًا وباطنًا، ولا يستقيم لأحد قط الأدب مع الله إلا بثلاثة أشياء: معرفته بأسمائه وصفاته، ومعرفته بدينه وشرعه وما يحب وما يكره، ونفس مستعدة
قابلة لينة متهيئة لقبول الحق علمًا وعملًا وحالًا.
الحادي عشر: العلم بها فيه تبصير للعبد بنقائص نفسه وعيوبها:
المعرفة بالله جل وعز وأسمائه وصفاته تبصر العبد بنقائص نفسه وعيوبها وآفاتها؛ فيجتهد في إصلاحها، وأركان الجحود أربعة: الكبر، الحسد، الغضب، الشهوة، ومنشأ هؤلاء الأربعة جهل العبد بربه وجهله بنفسه، فإنه لو عرف ربه بصفات الكمال ونعوت الجلال، وعرف نفسه بالنقائص
والآفات لم يتكبر، ولم يغضب لها، ولم يحسد أحدًا على ما آتاه الله.
الثاني عشر: الجهل بها سبب للضلال والجهل:
جهل العبد بأسماء الله الحسنى وصفاته، وعدم فهمه لها، والتعبد لله بها سبب للضلال والجهل، فأي شيء عرف من لم يعرف الله ورسله، وأي حقيقة أدرك من فاتتــه هذه الحقيقة، وأي علم أو عمل حصل لمن فاته العلم بالله والعمل بمرضاته ومعرفة الطريق الموصلة إليه، وما له بعد الوصول إليه، فإن حياة الإنسان بحياة قلبه وروحه، ولا حياة لقلب إلا بمعرفة فاطره ومحبته وعبادته وحده، والإنابة إليه، والطمأنينة بذكره، والأنس بقربه، ومن فقد هذه الحياة فقد الخير كله ولو تعوض عنها بما تعوض في الدنيا. معرفة الله سبحانه وتعالى صلاح للقلوب والأبدان.
الثالث عشر: أنها سبب لتجريد التوحيد وتمام الإيمان: العلم بأسماء الله الحسنى وصفاته سبب لتجريد التوحيد وتمام الإيمان، وتظهر بها أعمال القلوب من إخلاص ومحبة وخوف ورجاء وتوكل على الله وحده، والاعتناء بهذا الباب والتأمل فيه قليل مع أنه باب عظيم لإصلاح القلوب وتخليصها من وساوسها وآفاتها، ومن تأمل الشريعة في مصادرها ومواردها علم ارتباط أعمال الجوارح بأعمال القلوب وأنها لا تنفع بدونها، وأن أعمال القلوب أفرض على العبد من أعمال الجوارح،وهل يتميز المؤمن عن المنافق إلا بما في قلب كل واحد منهما من الأعمال التي ميزت بينهما، وهل يمكن لأحد الدخول في الإسلام إلا بعمل قلبه قبل جوارحه، وعبودية القلب أعظم من عبودية الجوارح، وأكثر وأدوم، وهي طريق لعمل الجوارح؛ ولذا فهي واجبة في كل وقت. [الأنترنت – موقع أهمية العلم بأسماء الله الحسنى وصفاته - النابلسي]
* الشروط التي وضعها العلماء حتى يدخل أي اسم في أسماء الله تعالى:
1- أن يكون مطلقًا ليس مقيدًا كقوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ} [الحشر من الآية:24] فذكر الاسم مطلقًا، إنما ورد مقيدًا في قول الله تعالى: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ} [البقرة من الآية:54].
2- وأن يكون مُعرَّفا (البارئ) هكذا جاء معرفًا ليس نكرة.
3- مُراداً به العلانية: أي أنه علم علي ذاته سبحانه.
4- دالاً علي كمال الوصفية: بمعني أنَّ تكون الصفة صفة كمال لا تعتريها أي شائبة. {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} [الحشر من الآية:24].[الأنترنت – موقع طريق الإسلام – المصدر: الكلم الطيب هاني حلمي عبد الحميد ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :*معنى اسم الله البارئ
الدِّلالاتُ اللُّغَوِيَّةُ لاسْمِ (البَارِئ):
قَالَ اللهُ تعالى: ﴿ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ ﴾ [الحشر: 24].
قَالَ الحُليْمِيُّ رحمه الله: "وهَذَا الاسْمُ يَحْتَمِلُ مَعْنَيينِ:
أَحَدُهما: المُوجِدُ لِمَا كَانَ في مَعْلُومِهِ مِنْ أَصْنَافِ الخَلَائِقِ، وهَذَا هُوَ الذِي يُشِيرُ إليهِ قَوْلُه تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا ﴾ [الحديد: 22].
ولا شَكَّ أَنَّ إِثْبَاتَ الإبْدَاعِ والاعْتِرَافَ بهِ للبَارِي تبارك وتعالى لَيْسَ عَلَى أَنَّه أَبْدَعَ بَغْتَةً مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ سَبَقَ لَهُ بِمَا هُوَ مُبْدِعُهُ، لَكِنْ عَلَى أَنَّه كَانَ عَالِمًا بِمَا أَبْدَعَ قَبْلَ أَنْ يُبْدِعَ، فَكَمَا وَجَبَ لَهُ عِنْدَ الإبْدَاعِ اسْمُ البَدِيعِ، وَجَبَ لَهُ
اسْمُ البَارِئ.
والآخَرُ: أَنَّ المرُاد بالبَارئ قَالِبُ الأعْيَانِ، أَي أَنَّهُ أَبْدَعَ المَاءَ والتُّرَابَ والنَّارَ والهَوَاءَ لا مِنْ شَيءٍ، ثُمَّ خَلَقَ مِنْهَا الأجْسَامَ المُخْتَلِفَةَ، كَمَا قَالَ الله تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ﴾ [الأنبياء: 30]، وقَالَ: ﴿ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ ﴾ [ص: 71]، وقَالَ: ﴿ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ﴾ [النحل: 4]، وقَالَ: ﴿ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ * وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ ﴾ [الرحمن: 14، 15]، وقَالَ: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ [المؤمنون: 12 - 14].
فَيَكُونُ هَذَا مِنْ قَوْلِهِم: بَرَأَ الَقَوَّاسُ القَوْسَ؛ إذا صَنَعَها مِنْ مَوَادِّها التي كَانَتْ لَهَا، فَجَاءَتْ مِنْها لا كَهَيْئَتِها، والاعْتِرَافُ للهِ تعالى بالإبْدَاعِ يَقْتَضِي الاعْتِرَافَ لَهُ بالْبَرْءِ، إِذْ كَانَ المُعْتَرِفُ يَعْلمُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ مَنْقُولٌ مِنْ حَالٍ إلى حَالٍ إلى قَدْرٍ عَلَى الاعْتِقَادِ والاعْتِرافِ، واللهُ أَعْلَمُ"[الأسماءُ والصفاتُ للبيهقي (ص: 24).]
قَالَ ابنُ الأعرابي: "بَرِئَ إذا تَخَلَّصَ، وبَرِئَ إذا تَنَزَّهَ وتَبَاعَدَ، وبَرِئَ إذا أَعْذَرَ
وأَنْذَرَ، ومِنْهُ قُوْلُه تَعَالَى: ﴿ بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [التوبة: 1]، أَيْ: إِعْذَارٌ وإِنْذَارٌ. وأَصْبَحَ بَارِئًا مِنْ مَرَضِهِ وَبَرَيئًا كَقَوْلِكَ صَحِيحًا وصِحَاحًا، وَقْد أَبْرَأَهُ اللهُ مِنْ مَرَضِهِ إِبْرَاءً.
وقَالَ الأَخْفَشُ: "يُقَالُ: بَرِئْتُ الْعُودَ وبَرَوتُهُ إذا قَطَعْتُهُ، وبَرَيْتُ القَلَمَ بِغَيْرِ هَمْزٍ إذا قَطَعْتُهُ وأَصْلَحْتُهُ". والبَرِيَّةُ: الخَلْقُ وأَصْلُها الهَمْزُ وقَدْ تَرَكَتِ الْعَرَبُ هَمزَها.
وَقَالَ الفَرَّاءُ: "وإِذَا أَخَذْتَ البَرِيَّة مِنَ البَرَي وَهُو التُّرَابُ، فَأصْلُها غَيْرُ الهَمْزِ"
[ النهايةُ (1/ 122)، واللسانُ (1/ 239)، وتفسيرُ الأسماءِ للزجَّاجِ (ص: 37)، وشرحُ الأسماءِ للرازي (ص: 207)، وشأنُ الدُّعاء (ص: 50).]
وقَدْ وَرَدَتْ في القُرآنِ كَقَوْلِه تَعَالَى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾ [البينة: 7].
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :*معنى اسم الله البارئ
ويُمْكِنُ أَنْ نُلَخِّصَ القَوْلَ فِي مَعْنَى (البَارِئِ) عَلَى وُجُوهٍ:
1- أَنَّ (البَارِئَ) هُوَ المُوجِدُ والمُبْدِعُ، مِنْ بَرَأَ اللهُ الخَلْقَ إذا خَلَقَهم. وبِهَذَا
2- يَكُونُ الاسْمُ مُشَابِهًا ومُرَادِفًا ب (الخَالِقِ).
2- (البَارِئُ) هُوَ الذِي فَصَلَ بَعْضَ الخَلْقِ عَنْ بَعْضٍ، أَيْ: مَيَّزَ بَعْضَه عَنْ بَعْضٍ، وأَنَّ أَصْلَهُ مِنَ البرءِ الذِي هُوَ القَطْعُ والفَصْلُ.
3- أَنَّ (البَارِئَ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّه تَعَالَى خَلَقَ الإِنسانَ مِنَ التُّرَابِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ ﴾ [طه: 55]، وأَنَّ أَصْلَهُ مِنَ البَرْي وَهُوَ التُّرَابِ
4- وهُنَاكَ مَعْنًى رَابِعٌ ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ فَقَالَ: (البَارِئُ) هُوَ الذِي خَلَقَ الخَلْقَ برِيئًا مِنَ التَّفَاوُتِ: ﴿ مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ﴾ [الملك: 3] ، أَيْ: خَلَقَهُم خَلْقًا مُسْتَويًا لَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ ولا تَنَافُرٌ ولا نَقْصٌ ولا عَيْبٌ ولا خَلَلٌ أَبْرِيَاءَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ
[- الأنترنت – موقع الألوكة الشيخ وحيد عبدالسلام بالي ]
*المعنى الاصطلاحي للباريء :
من خلال المعاني اللغويّة السابقة يمكن فهم معنى اسم الله "البارئ" بأنّه الموجد والمبدع والخالق سبحانه وتعالى، وذلك بالعودة إلى أن معنى برأ بمعنى خلق، وأن من معاني هذا الاسم العظيم: فصل الخلائق بعضهم عن
بعض والتمييز فيما بينها، أخذاً من معنى المزايلة والمباعدة.
يقول الشيخ السعدي: "البارئ، الذي خلق جميع الموجودات وبرأها، وسواها بحكمته، وصورها بحمده وحكمته، وهو لم يزل ولا يزال على هذا الوصف العظيم".
ويبقى معنى ثالث ذكره بعض العلماء، وهو أن "البارئ هو الذي خلق الخلق بريئاً من التفاوت، والنقص، والعيب والخلل، وهو الذي خلق الخلق متميزاً بعضه عن بعض"، قال سبحانه وتعالى: مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ
(سورة الملك، الآية 3). [الأنترنت – موقع الموسوعة الحرة ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :*معنى اسم الله البارئ
والبارئ هو الذي خلق الخلق بريئاً من التفاوت (النقص والعيب والخلل ) وهو الذي خلق الخلق متميزاً بعضه عن بعض .
فإذا قلنا خلق الله عز وجل الإنسان فمعنى ذلك أنه استحدثه وأوجده من
العدم المطلق، وإذا قلنا برئ الله الإنسان فمعنى ذلك أنه استحدثه وأوجده من العدم المطلق في خلقة تناسب المهمة والغاية التي خلق من أجلها. فالخالق قد يخلق الشيء مناسبا أو غير مناسب،
أما البارئ فلا يخلق الشيء إلا مناسبا للغاية التي أرادها من خلقه ويؤخذ ذلك من قوله تعالى: { لقد خلقنا الإنسان في احسن تقويمٍ " ثم رددناه أسفل سافلين (سورة التين) فلو كان فعل الخلق يشير إلي درجة الخلق من الحسن أو القبح لما أضاف المولى عز وجل عبارة في احسن تقويم،
ولو كان اسم الله عز وجل (البارئ) مرادفا مرادفة تامة لاسمه (الخالق) لما قال تبارك وتعالى: هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم "24" (سورة الحشر)
وإذا تأملنا الكون المحيط بنا سنلاحظ أن الله عز وجل قد خلق كل شيء صالحا لمهمته مناسبا للغاية من خلقه ومتوائما مع المحيط الذي وضع فيه. فالإنسان خلق ليكون خليفة الله عز وجل على الأرض وليكون عارفا بالله عابدا له متأملا في ملكوته لذلك برأه في خلقه تناسب جلال الغاية فبرأه أي خلقه في احسن تقويم .. أي احسن خلقه، فجعله احسن المخلوقات من حيث التركيب ومن حيث الشكل، مألوفا من سائر الكائنات الحية،
ومعظم الكائنات في علاقة ود وتراحم مع الإنسان .. الحصان .. الجمل .. الحمار .. الكلب .. القط .. الطيور
حتى الجن يرانا هو وقبيله من حيث لا نراهم كما قال المولى عز وجل: { يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما سوءتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون "27" (سورة النساء) فالشياطين يروننا لأننا مقبولون مألوفون لهم شكلا بينما لا نرى نحن الشياطين لأن أشكالهم غير مألوفة ولا مقبولة لدينا.
ولقد صرح المولى عز وجل بخلافة الإنسان على الأرض ، فقال سبحانه: { وإذا قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفةً قالوا تجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون } "30" (سورة البقرة) [ النترنت – موقع فيس بوك – البارئ ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة في موضوع (الباريء) وهي بعنوان : *المَعْنَى فِي حَقِّ اللهِ تَعَالَى:
قال وحيد عبدالسلام : قَالَ ابنُ جَريرٍ: "(البَارِئُ) الذِي بَرَأَ الخَلْقَ فَأَوْجَدَهُم بِقُدْرَتِهِ"[ تفسيرُ ابن جرير (28/ 37).]
وقَالَ الزَّجَّاجُ: "(البَارِئُ) يُقَالُ بَرَأَ اللهُ الخَلْقَ فَهُوَ يَبْرَؤُهم بَرْءًا: إِذا فَطَرَهُم.
والبَرْءُ: خَلقٌ عَلَى صِفَةٍ، فَكُلُّ مَبْروُءٍ مَخْلُوقٌ، ولَيْسَ كُلُّ مَخْلُوقٍ مبْرءًا وذَلِكَ لأَنَّ البَرْءَ مِنْ تَبْرِئَةِ الشَّيءِ مِنَ الشَّيءِ مِنْ قَولِهمْ: بَرَأْتُ مِنَ المَرَضِ، وبَرِئْتُ مِنَ الدَّيْنِ أَبَرَأُ مِنْهُ، فَبَعْضُ الخَلْقِ إذا فُصِلَ مِنْ بَعْضٍ سُمِّيَ فَاعِلُه بَارِئًا"[ تفسيرُ الأسماءِ للزجاجِ (ص: 27).]
وقَالَ الشَّوْكَانِيُّ: "البَارِئُ الخَالِقُ، وقِيلَ إنَّ (البَارِئَ) هو: المُبْدِعُ المُحْدِثُ" [فتحُ القديرِ (1/ 86).]
وقَالَ الخَطَّابِيُّ: "البَارِئُ هُوَ الخَالِقُ"، ثُمَّ قَالَ: "إِلَّا أَنَّ لِهَذِه اللَّفْظَةِ مِنَ الاخْتِصاصِ بالحَيَوانِ مَا لَيْسَ لَهَا بِغَيْرِهِ مِنَ الخَلْقِ، وقَلَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي خَلقِ
السَّمَاواتِ والأرْضِ والجِبَالِ فَيُقَالُ: بَرَأَ اللهُ السَّمَاءَ كَمَا يُقَالُ: بَرَأَ اللهُ
الإنسانَ ، وبَرَأ النَّسَمَ"[شأنُ الدعاءِ، (ص: 51)، والنهاية لابن الأثيرِ (1/ 111).]
وقَالَ ابنُ كَثِيرٍ: "الخَلْقُ هو التَّقْدِيرُ، والبَرْءُ هو الفَرْيُ وهو التَّنْفِيذُ وإبْرَازُ ما قَدَّرَهُ وَقَرَّرَهُ إلى الوُجُودِ، ولَيْسَ كُلُّ مَنْ قَدَّرَ شَيْئًا وَرَتَّبَهُ يَقْدِرُ عَلَى تَنْفِيذِهِ وإيجَادِهِ سِوَى الله تعالى".[ الأنترنت – موقع الألوكة الشيخ وحيد عبدالسلام بالي]
وقال هاني حلمي : معنى الاسم في حق الله سبحانه وتعالى البارئ: الذي أوجد الخلق بقدرته. وقال الزجاج: يقال برأ الله الخلق: إذا فطرهم وخلقهم وأوجدهم..فكل مبروء مخلوق. وقال الشوكاني: البارئ أي الخالق،
وقيل: أي المبدع، المحدث الشيء على غير نظير.
[ الأنترنت – موقع طريق الإسلام – المصدر: الكلم الطيب هاني حلمي عبد الحميد ]
* شبهه: كيف مع كون الله هو الخالق البارئ وله الكمال المطلق في ذلك ويكون في خلقه نقصان؟ كمن خلق أعمى لا يبصر أو أصم لا يسمع أو به شلل أو أي عيب خلقي؟
نقول ابتداء أنه {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23]، يعني السؤال من البداية خطأ، لكن هذا جواب لأهل الإيمان الذين يعرفون أن الله سبحانه حكيم عليم، أنَّ الله سبحانه وتعالى محال في حقه الظلم «إني حرمت الظلم على نفسي» فهم يعرفون تماما كما في حديثِ النبي أن «من فقد حبيبتيه فإن الله عز وجل يبدله بهما الجنة يصبر على ذلك» (مسند أحمد بن حنبل)، ويكون هذا مفتاح دخوله الجنة، لا تحتاج أكثر من أنك فقط تصبر على هذه البلية -المؤمن يفهم ذلك-.
أما الملحدون والمتكلمة أهل الشبهات فنقول لهم: أن الأرزاق قُسِّمَت ما بين الناس جميعًا بالسوية، لكن الرزق تفاوت في كيفيته بالنسبة لكل شخص، فشخص كان الرزق بالنسبة له مال، وآخر كان الرزق له صحة، وثالث كان الرزق له تيسير أمور من نحو تيسير زواج وأولاد ونحو ذلك، وشخص آخر رزق ملكات وذكاء فيستغل ملكاته وذكاؤه ويصبح به مرموقا فكل يأخذ رزقه من ناحية. فقانون العدل الإلهي يقتضى ذلك، وهذا دليله الحس قبل أن يكون دليله الإيمان، فالواقع يشهد أن الذي يفقد شيء يُعوَّضه الله بأشياء، فمثلاً الإنسان الضرير من أكثر الناس في ملكة الحفظ وييسر له ما لا ييسر للإنسان العادي الصحيح، ونفس الحال بالنسبة للغنى والفقير، فالفقير له راحة البال، والله يدخل الفقراء قبل الأغنياء الجنة، وكم من غني أغبط فقيرا على رضاه وراحة باله وصلاح حياته، فكل إنسان أخذ جزء من الكعكة ولم يأخذها كلها، ولكن كل منا ينظر إلى القطعة التي لم يأخذها [شرح وأسرار الأسماء الحسنى - اسـم الله البـارئ - شبهه: كيف مع كون الله هو الخالق البارئ وله الكمال المطلق في ذلك ويكون في خلقه نقصان؟]
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
*أنواع ورود اسم الله البارئ
ورد الاسم في القرآن مطلقا معرفا مرادا به العلمية ودالا على كمال الوصفية في قوله تعالى:{هُوَ اللهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الحشر:24]
وورد مقيدا في قول موسى عليه السلام لقومه: فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَالتَّوَّابُ الرَّحِيمُ[البقرة:54]
والاسم لم يرد في السنة إلا في سرد الأسماء المدرجة عند الترمذي وابن ماجة وهو ليس حجة في إثبات أسماء الله الحسنى .
والبارئ أيضا هو الذي أبرأ الخلق، وفصل كل جنس عن الآخر، وصور كل مخلوق بما ينساب الغاية من خلقه )، قال أبو علي: ( هو المعنى الذي به انفصلت الصور بعضها من بعض، فصورة زيد مفارقة لصورة عمرو، وصورة حمار مفارقة لصورة فرس فتبارك الله خالقا وبارئا )
*دلالة الاسم على أوصاف الله :
اسم الله البارئ يدل بالمطابقة على ذات الله وعلى البراءة من العيب كوصف ذات ، والإبراء للخلق كوصف فعل، وعلى الذات وحدها بالتضمن، وعلى الصفة وحدها ، بالتضمن، فالبارئ إذا كان تقدير فعله برء يَبْرَأ كفعل لازم؛ فالله هو البارئ من كل ، نقص المتصف بالجلال والكمال، وإذا كان تقدير فعله أبرأ كفعل متعد فهو وصف فعل ، به قدَّر الأحداث وفصل الأجناس وتميز الناس .
قال تعالى :َ{ما أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى الله يَسِيرٌ [الحديد:22]
وقال { يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قَالُوا
وَكَانَ عِنْدَ الله وَجِيهاً [الأحزاب:69] .
*الدعاء باسم الله البارئ دعاء مسألة
لم يرد الدعاء بالاسم المطلق ولكن ورد دعاء المسألة بالوصف فيما رواه أحمد وصححه الشيخ الألباني من حديث عبد الرحمن التميمي أن جبريل عليه السلام علم رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يقول: ( أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ الله التَّامَّاتِ التي لاَ يُجَاوزُهُنَّ بَرٌّ وَلاَ فَاجِرٌ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَذَرَأَ وَبَرَأَ الحديث )
وروى مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كَانَ إِذَا اشْتَكَى
رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم رَقَاهُ جِبْرِيلُ قَالَ بِاسْمِ اللهِ يُبْرِيكَ
وَمِنْ كُلِّ دَاءٍ يَشْفِيكَ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ وَشَرِّ كُلِّ ذِي عَيْنٍ وقد ورد دعاء المسألة بمقتضى المعنى المناسب للاسم، وطلب المسلم من ربه
البراءة من كل إثم، وما يغضب الله من الأقوال والأفعال، ومن ذلك ما رواه البخاري من حديث سالم عن أبيه قال: بَعَثَ النبي صلى الله عليه و سلم خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى بني جَذِيمَةَ فَدَعَاهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ؛ فَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا أَسْلَمْنَا، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ صَبَأْنَا، وَجَعَلَ خَالِدٌ قَتْلاً وَأَسْرًا، فَدَفَعَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ أَسِيرَهُ حَتَّى إِذَا أَصْبَحَ يَوْمُنَا، أَمَرَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ أَنْ يَقْتُلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَقُلْتُ وَالله لاَ أَقْتُلُ أسيري وَلاَ يَقْتُلُ أَحَدٌ .. فَقَدِمْنَا عَلَى النبي صلى الله عليه و سلم فَذُكِرَ لَهُ صُنْعُ خَالِدٍ، فَقَالَ النبي صلى الله عليه و سلم وَرَفَعَ يَدَيْهِ: اللهمَّ إني أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ، مَرَّتَيْنِ
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة العاشرة في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
*الدعاء باسم الله البارئ دعاء عبادة
دعاء العبادة هو مراعاة العبد لاسمه البارئ في سلوكه؛ فيبرأ إلى الله من كل شهوة تخالف أمره، ومن كل شبهة تخالف خبره، ومن كل ولاء لغير دينه وشرعه، ومن كل بدعة تخالف سنة نبيه صلى الله عليه و سلم ، ومن كل معصية تؤثر على محبة الله وقربه، ورضاه سبحانه عن عبده .
روى النسائي وصححه الألباني من حديث صفوان بن محرز أنه قال: أُغْمِي عَلى أَبِي مُوسَى فَبَكَوْا عَليْهِ فَقَال: أَبْرَأُ إِليْكُمْ كَمَا بَرِئَ إِليْنَا رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم ليْسَ مِنَّا مَنْ حَلقَ وَلاَ خَرَقَ وَلاَ سَلق وعند مسلم من حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه و سلم
قال: ( إِنَّهُ يُسْتَعْمَل عَليْكُمْ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلمَ، وَلكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ )
وقال تعالى عن خليله إبراهيم عليه السلام : وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ
إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلمَّا تَبَيَّنَ لهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للهِ تَبَرَّأَ ِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَليمٌ [التوبة:114] .
كما أنه ينبغي على العبد أن يتقي الله ( في عمله؛ فيخلص فيه ويتقنه ما استطاع ليظهر جمال الصنعة توحيدا لمن أبرأ صانعها وعلمه ما لم يكن يعلم،
ومنحه قوة على التفكير والإبداع، وقد أمر النبي صلى الله عليه و سلم بذلك كما روى الطبراني وصححه الشيخ الألباني من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: ( إِنَّ الله يُحِبُ إذا عَمِل
أحَدُكُم عَمَلا أنْ يُتْقِنَه ) فإذا كانت دقة الصنعة وإتقانها دليلا على خبرة صانعها وقدرته على الإبداع، فالذي خلق صانعها وصوره وأبرأه على هذا الكمال له مطلق الحق في أن يعبد وأن يطاع . أما من جهة التسمية بعبد البارئ والتعبد لله بهذا الاسم، فقد تسمى به عبد البارئ بن إسحاق، روى عنه البيهقي بعضا من كلام ذي النون المصري قال: ( ثلاثة من علامات السنة المسح على الخفين والمحافظة على صلوات الجمع وحب السلف )[الأنترنت – موقع منتدى الأصدقاء] إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الحادية عشرة في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
* الإيمان بالقضاء والقدر ومنزلته من الخلق
الإيمان بالقضاء والقدر هو السعادة،وهو ركن الإفادة من هذه الدنيا والاستفادة ، منه تنشرح الصدور، ويعلوها الفرح والحبور، وتنزاح عنها الأحزان والكدور، فما أحلاها من حياة عندما يسلِّم العبد زمام أموره لخالقه، فيرضى بما قسم له، ويسلِّم لما قدّر عليه، فتراه يحكي عبداً مستسلماً لمولاه، الذي خلقه وأنشأه وسواه، وبنعمه وفضله رباه وغذاه، فيسعد في الدنيا ويؤجر في الأخرى.
ولا يتم ذلك إلا لمن فهم القضاء والقدر، وعرف أسراره، وعلم حكمه على فهم سلف الأمة، فهم على علم أقدموا، وعن فهم كفوا وأحجموا، فلابد من الوقوف حيث وقفوا، وقصر الأفهام على ما فهموا.
القضاء والقدر لغة وشرعا :- القضاء لغة فهو: الحكم، والقدر: هو التقدير. فالقدر: هو ما قدره الله سبحانه من أمور خلقه في علمه.
والقضاء: هو ما حكم به الله سبحانه من أمور خلقه وأوجده في الواقع. وعلى هذا فالإيمان بالقضاء والقدر معناه: الإيمان بعلم الله الأزلي، والإيمان بمشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة سبحانه
# حكم الخوض فى مسائل القدر :-
الأصل أن المؤمن يؤمن بقضاء الله وقدره ويمسك لسانه عن الخوض فى دقائق القدر , ويضع نصب عينيه عدل الله ورحمته . بهذا ينجو من أمواج هذا البحر العميق .
وقبل أن نسبح فى هذا المحيط العظيم أذكر بأن اعظم الأخطار فى مسائل الإعتقاد أن تنظر إليها من جانب واحد دون الإمساك بخيوطها جميعها .
# مراتب القدر وأركانه :-
الإيمان بالقدر يقوم على أربعة اركان تسمى مراتب القدر أو اركانه , وهى المدخل لفهم باب القدر ولا يتم الإيمان به إلا بتحقيقها كلها , فبعضها مرتبط ببعض , فمن أقر بها جميعا اكتمل إيمانه بالقدر ومن انتقص واحداً منها أو أكثر اختل إيمانه بالقدر ,وهذه الأركان هى :-
1) العلم 2) الكتابة 3) المشيئة 4) الخلق
المرتبة الأولى : العلم :- وهو الإيمان بأن الله عالم بكل شئ جملة وتفصيلاً , ازلاً وأبداً , سواء كان ذلك مما يتعلق بأفعاله , أو بأفعال عباده , فعلمه محيط بما كان , وما سيكون ومالم يكن لو كان كيف كان يكون , ويعلم الموجود والمعدوم والممكن والمستحيل , وقد علم جميع خلقه قبل أن يخلقهم , فعلم أرزاقهم وآجالهم , واقوالهم واعمالهم , وجميع حركاتهم وسكناتهم ,,اهل الجنة , وأهل النار .إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية عشرة في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
* الإيمان بالقضاء والقدر ومنزلته من الخلق
والأدلة على المرتبة الأولى من القرآن الكريم والسنة المطهرة كثيرة جداً منها .
1) قوله تعالى(هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ )( الحشر / 22 )
أى عالم ما غاب من الإحساس و ما حضر , وقيل عالم السر والعلانية , وقيل ما كان وما يكون وقيل الآخرة والدنيا
وقوله تعالى ((أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا )) ( الطلاق /12)
2) وفي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : « سئل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم عن أولاد المشركين فقال : الله أعلم بما كانوا عاملين » (البخاري) .
المرتبة الثانية : الكتابة :- وهى الإيمان بأن الله كتب ما سبق به علمه من مقادير الخلائق إلى يوم القيامة فى اللوح المحفوظ .
وقد اجمع الصحابة والتابعون وجميع أهل السنة والحديث على أن كل كائن
إلى يوم القيامة فهو مكتوب فى ام الكتاب التى هى اللوح المحفوظ .
والأدلة على هذه المرتبة كثيرة من الكتاب والسنة منها .
أولا : الأدلة من الكتاب :
1) قوله تعالى :- { مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ } (الأنعام/38) .
2) وقوله جل وعلا :- { وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } (يونس / 61)
3) وقوله تعالى : { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي
كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } (الحج / 70) .
ثانيا : الأدلة من السنة :
1)روى البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي عن علي رضي الله عنه قال : كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حوله ومعه
مخصرة فنكس وجعل ينكت بمخصرته ثم قال : « ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة ، فقالوا : يا رسول الله أفلا نتكل
على كتابنا ؟ فقال : اعملوا فكل ميسر لما خلق له ، أما من كان من أهل
السعادة فسيصير لعمل أهل السعادة ، وأما من كان من أهل الشقاوة فسيصير لعمل أهل الشقاء ثم قرأ ».
2) وروى مسلم عن جابر بن عبد الله قال : « جاء سراقة بن مالك بن جعثم فقال : يا رسول الله بين لنا ديننا كأنا خلقنا الآن ، ففيم العمل اليوم ، أفيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير ، أم فيما نستقبل ؟ قال : " لا ، بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير " ، قال : ففيم العمل ؟ قال : " اعملوا فكل ميسر لما خلق له وكل عامل بعمله »
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة عشرة في موضوع (الباريء) وهي بعنوان : ثانيا : الأدلة من السنة :
3) وروى الإمام أحمد والترمذي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : « كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ، فقال لي : يا غلام إني معلمك كلمات احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك وإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك . رفعت الأقلام وجفت الصحف »
قوله ( صلى الله عليه وسلم ) (رفعت الأقلام وجفت الصحف) يعنى : على اللوح المحفوظ , فهذا اللوح المحفوظ ليس فيه محو ولا إثبات للتغير .
فاللوح المحفوظ كتب الله فيه ما سيكون إلى يوم القيامة , وما هو كائن , حتى لو أن كتاباً آخر مُحى فيه شئ واثبت آخر لكان هذا موجوداً فى اللوح المحفوظ أن يُمحى من كتاب فلان كذا وكذا ولا محو ولا لإثبات فى
الللوح المحفوظ , رفعت الأقلام وجفت الصحف
ويتبع هذه الكتابة الأولى – وهى الكتابة فى اللوح المحفوظ – كتابات وتقديرات أخر :-
1) التقدير يوم القبضتين :-
قال صلى الله عليه وسلم (( إن الله عز وجل خلق آدم , ثم أخذ الخلق من ظهره , وقال هؤلاء فى الجنة ولا أبالى , وهؤلاء فى النار ولا أبالى )) فقال قائل : يا رسول الله فعلى ماذا نعمل ؟ قال صلى الله عليه وسلم (( على مواقع القدر )) وفى رواية (( أخذ قبضة بيمينه فقال :- هؤلاء فى الجنة ولا أبالى واخذ قبضة بشماله وقال هؤلاء فى النار ولا أبالى ))
فلا يبالى الله عز وجل بطاعة الطائعين , ولا معصية العاصين ولا يزيد فى ملكه طاعة طائع , ولا ينقص من ملكه معصية عاصٍ , ولو أن أول خلقه وآخرهم وإنسهم وجنهم كانوا على أتقى قلب رجل منهم ما زاد ذلك فى ملكه شيئاً لأنه هو الذى قدر ذلك , وهو الذى جعله كذلك سبحانه وتعالى ولكنهم مأمورين بالأخذ بالأسباب وبين النبى صلى الله عليه وسلم أن وجود القدر السابق لا يعنى ترك العمل , لأن الله عز وجل كتب المقادير بأسبابها فقال (( هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون )) وقال (( وهؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون )) رواه الترمذى وصححه الشيخ الألبانى رحمه الله ، وليس هذا أمرأ مكتوباً بلا أسباب فلذا عليك أن تأخذ بالأسباب لأن الله عز وجل خلق لك قدرة وإرادة يقع بها فعلك ولكن ذلك لا يعنى الخروج عن القدر .
وهذه المسألة هى التى حيرت البشرية و جوابها فى هذا الحديث الذى لا يتجاوز السطر أن الناس تعمل , وكل ميسر لما خلق له , فالإنسان ليس مُسيراً فقط , ولا مخيرا ً فقط , لأن كلمة " مسير " يعنى إنه لا اختيار له كالسيارة يقودها صاحبها ويوجهها وكونه مخيراً يعنى إنه لا سلطان لأحد عليه , فكلا الأمرين باطل .
إنما يُجمع بين الأمرين فالإنسان له أختيار ومشيئة وجعل الله وقدر له قدرة فلا يلزمنا أحد بأحدى إجابتين كلاهما خطأ , فيقول لك الإنسان مسير أم مخير ؟ وكأنه يقول 5+ 5 = 9 أم 11 فنقول كلتى الإجابيتين خطأ , والصواب ما قاله النبى صلى الله عليه وسلم ( اعملوا فكل ميسر لما خلق له ) فكلمة ( اعملوا ) قالها ما إثبات القدر , فإثبات القدر لا يعنى ترك العمل , فقال ( اعملوا )) فأثبت العمل (( فكل ميسر لما خلق له )) فكلمة (( لما خلق له )) لا تعنى أنه يدخله بغير عمل غلا أن بعض اهل الجنة يدخلهم الله جل وعلا الجنة بلا عمل عملوه ولا خير قدموه , وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء , ولكن النار لا يدخلها أحد غلا بعمله ولا يدخلها أحد غلا بعدل الله سبحانه .
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة عشرة في موضوع (الباريء) وهي بعنوان : كتابات وتقديرات أخر :
2) التقدير العمرى :- وهو تقدير كل ما يجرى على العبد فى حياته إلى نهاية أجله , وكتابة شقاوته أو سعادته .
وقد دل على ذلك حديث الصادق المصدوق فى الصحيحين عن ابن مسعود مرفوعاً (0 إن أحدكم يجمع خلقه فى بطن أمه أربعين يوماً , ثم يكون علقة مثل ذلك , ثم يكون مضغة مثل ذلك , ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات , يكتب رزقه وأجله , وعمله , وشقى أم سعيد )) رواه البخارى ومسلم وابن ماجه .
3) التقدير السنوى :-
وذلك فى ليلة القدر من كل سنة , ويدل عليه قوله سبحانه وتعالى ((فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ )) الدخان / 4
فكل أمور السنة تقدر تقديراً أخر فى ليلة القدر وهذه كتابات وتقديرات
قد تكون منسوخة – أى منقوله – من اللوح المحفوظ فكتب الله عز
وجل ما يشاء فى ليلة القدر :- من يحج ومن يموت ومن يغزو ........الخ
4 ) التقدير اليومى :- قال تعالى ((كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ )) الرحمن / 29
(( من شأنه أن يغفر ذنباً , ويفرج كرباً ويرفع قوماً ويخفض أخرين )) حسنه الألبانى
المرتبة الثالثة :- المشيئة :- وهذه المرتبة تقتضى الإيمان بمشيئة الله النافذة , وقدرته الشاملة , فما شاء كان , ومالم يشأ لم يكن , وأنه لا حركة , ولا سكون , ولا هداية , ولا إضلال إلا بمشيئته .
والنصوص الدالة على هذا الأصل كثيرة جداً من الكتاب والسنة :-
1- قال تعالى ((وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ )) التكوير / 29
ومشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة يجتمعان فيما كان وما سيكون ويفترقان فيما لم يكن , ولا هو كائن , فما شاء الله كونه فهو كائن بقدرته لا محالة ومالم يشأ كونه فإنه لا يكون , لعدم مشيئته له لا لعدم قدرته عليه . قال تعالى ((وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ )) البقرة / 253 فعدم اقتتالهم ليس لعدم قدرة الله ولكن لعدم مشيئته ذلك
# الإرادة مردافة للمشيئة .
وهى تنقسم إلى قسمين : _ إرادة شرعية وإرادة كونية قدرية
1) فالإرادة الكونية القدرية :-بها تكون الأشياء , وتقع كقوله تعالى ((إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ )) يس /82
وهذه تشمل كل الموجودات , خيرها وشرها , ما الله منها وما أبغض , وما مدحه وما ذمه , يشمل كل شئ وجد بإرادة الله سبحانه اراد وجود غبليس وأبى لهب وفرعون ووجود الشر , وهو يبغض كل ذلك .
كما أنه الذى أراد وجود الملائكة , والأنبياء والمؤمنين , وكل الخير , ويحب ذلك فخلق ما يرضاه وما لا يرضاه , وما أراده شرعاً , ومن نهى عنه شرعاً , وخلق كلا لحكمة يعلمها فلو سأل سائل :- فلماذا خلق الله عز وجل مالا يحب ؟ فنقول : خلق هذه الأشياء لحكمة يعلمها , وقد يُطلع بعض خلقه على بعض حكمه . قال النبى صلى الله عليه وسلم فى بيان حكمة وقوع الذنوب المكروهة لله عز وجل من عباده (( لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم ) رواه مسلم
فهنا يظهر آثار الأسماء والصفات , فالله عز وجل يجب أن يغفر عز وجل فكيف يغفر لمن يوجد منه الذنب ؟ وإنما الأمر مرتبط بوجود الذنوب وهذا يقاس عليه ما تراه , فظهور آثار الرحمة , وظهور أثار شدة العقاب , وظهور اثار العزة , وظهور أنه ذو انتقام عز وجل وإنما ينتقم من المجرمين , ولا ينتقم من المؤمنين الذين اطاعوه عز وجل , وهذا بعض معانى حكمته عز وجل وهى كثيرة جداً فى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , فيكثر بيان أنواع من الحكم الكونية , كما يكثر بيان أنواع من الحكم الشرعية , ولكن لا يحيط علماً بحكمته عز وجل إلا هو .
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة عشرة في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
2) الإرادة الشرعية :- وهذه الارادة تشمل كل ما يحبه الله ويرضاه فقط , سواء أوجد أم لم يوجد (( والله يريد أن يتوب عليكم )) النساء /27
وهذه الإرادة ليست إرادة كونية وإنما هى إرادة شرعية , فمن الناس من يتوب, ومنهم من لا يتوب , والله يريد التوبة من الجميع شرعاً ولا يريدها كوناً إلا من بعضهم فالتوبة التى حدثت من بعضهم متعلقة بإرادة الله الكونية , التى هى متعلقة بكل ما يوجد مما يحبه ومما لا يحبه , والتوبة عمل يحبه عز وجل .
المرتبة الرابعة :- الخلق :-
وهذه المرتبة تقتضى الإيمان بأن جميع الكائنات مخلوقة لله بذواتها وصفاتها وحركاتها وبأن كل من سوى الله مخلوق موجد من العدم , كائن بعد أن لم يكن والأدلة على هذه المرتبة لا تكاد تحصر منها :- قوله تعالى (( الله خالق كل شئ )) الزمر / 62
وكذلك أفعال العباد هي من الله خلقاً وإيجاداً وتقديراً , وهى من العباد فعلاً وكسباً , فالله هو الخالق لافعالهم , وهم الفاعلون لها تم بحمد الله تعالى[الأنترنت – موقع صيد الفوائد - الإيمان بالقضاء والقدر - إيهاب عبدالجليل عباس ]
*«البارئ» هو المبدع والموجد والخالق من العدم
“البارئ” هو المنشئ للأشياء والمخلوقات من العدم إلى الوجود، والبرء هو التنفيذ، وإظهار ما قدره وقرره، وليس كل من قدر شيئاً ورتبه يقدر على تنفيذه وإيجاده سوى الله عز وجل.
و”البارئ” في أسماء الله تعالى هو الذي خلق الخلق لا عن مثال، والبرء أخص من الخلق، هو اسم ذات من أسماء التنزيه، يعني خلق المخلوقات على نحو يحقق سلامة وجودها، والغاية من خلقها، “صنع الله الذي أتقن كل شيء”.
وقال العلماء: البارئ الذي يبرئ جوهر المخلوقات من الآفات، وهو معطي كل مخلوق صفته التي علمها له في الأزل، وبعضهم يقول إن اسم البارئ يدعى به للسلامة من الآفات.
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة عشرة في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
*ورد الاسم في القرآن مراداً به العلمية ودالاً على كمال الوصفية
في قوله تعالى: (هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى)، وورد مقيداً في قول موسى عليه السلام لقومه: (فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم).
وفي ذلك يري الشيخ محمد متولي الشعراوي - رحمه الله - أن الخالق شيء، والبارئ شيء آخر، فخلق أي أوجد الشيء من عدم، البارئ أي سوّاه على هيئة مستقيمة، وعلى أحسن تقويم، وهنا يقول الله تعالي (الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى)، ومن ثم تعرف أن الخلق شيء والتسوية شيء آخر، فقوله تعالى (فتوبوا إلى بارئكم) مأخوذة من بريء السهم، وبريء السهم يحتاج إلى دقة وبراعة فائقة جداً. ولا شك أن إثبات الإبداع، والاعتراف به للبارئ عز وجل ليس على أنه أبدع بغتة من غير علم سبق له مما هو مبدعه، لكن على أنه كان عالما قبل أن يبدع فكما وجب له عند
الإبداع اسم البديع وجب له اسم البارئ.
الصنعة البديعة والبارئ : تعني الصنعة البديعة الجميلة التي لا يعرف أن يأتي بمثلها أحد على الإطلاق إلا الله سبحانه وتعالى الذي قدر الأشياء وقال لها كن فيكون، ومن هنا بات البارئ على خلاف الخالق، فالبارئ هو صاحب الصنعة الرائعة التي لا مثيل لها، وليس هناك أبدع واروع من تكوين الإنسان نفسه الذي خلقه الله.
و”البارئ” يعني أن الله عز وجل هو الخالق على نحو خاص، لتحقيق
الهدف، فجاءت وظيفة المخلوق بأعلى درجة من الكمال، لأن الذي خلقه قد سواه، والبارئ هو الذي أبرأ الخلق، وفصل كل جنس عن الآخر، وصور كل مخلوق بما يناسب الغاية من خلقه.
واسم الله البارئ يدل على ذات الله وعلى البراءة من العيب، المتصف بالجلال والكمال، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها).
والبارئ سبحانه له الكمال المطلق في ذاته وصفاته وأفعاله، وتنزه عن كل
نقص، وتقدس عن كل عيب، لا شبيه له ولا مثيل، ولا ند له ولا نظير، وهو واهب الحياة للأحياء، الذي خلق الأشياء صالحة ومناسبة للغاية التي أرادها، وهو الذي يتم الصنعة على وجه التدبير ويظهر المقدور وفق سابق التقدير، والاسم يدل على الحياة والعلم والقدرة، ويدل على الغنى والقوة والعظمة والحكمة، وغير ذلك من صفات الكمال.
وورد اسم الله البارئ في دعاء المسألة فيما رواه أحمد وصححه الألباني من حديث عبد الرحمن التميمي أن جبريل عليه السلام علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول “أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق وذرأ وبرأ”. وروى مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: “كان إذا اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم رقاه جبريل قال باسم الله يبريك ومن كل داء يشفيك ومن شر حاسد إذا حسد وشر كل ذي عين”.
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة عشرة في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
*ورد الاسم في القرآن مراداً به العلمية ودالاً على كمال الوصفية
الموحد والمبدع : ولخص بعض العلماء القول في معنى البارئ على انه هو الموجد والمبدع، الذي فصل بعض الخلق عن بعض أي ميز بعضه عن بعض، ويدل على أنه تعالى خلق الإنسان من التراب .
وقال الزمخشري : البارئ هو الذي خلق الخلق بريئاً من التفاوت، وقال
القرطبي، البارئ هو المنشئ المخترع. وقال الحليمي هذا الاسم يحتمل معنيين، أحدهما الموجد لما كان في معلومه من أصناف الخلائق، وهو الذي يشير إليه قوله عز وجل: (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير)، ولا شك في أن إثبات الإبداع والاعتراف به للبارئ عز وجل ليس على أنه أبدع بغته من غير علم سبق له بما هو مبدعه، لكن على أنه كان عالما قبل أن يبدع.?والثاني، أن المراد بالبارئ قالب الأعيان أي أنه أبدع الماء والتراب والنار والهواء لا من شيء ثم خلق منها الأجسام المختلفة كما قال عز وجل: (وجعلنا من الماء كل شيء حي)، وقال: (ومن آياته أن خلقكم من تراب)، وقال: (إني خالق بشرا من طين)، وبهذا يكون معنى البارئ الموجد والمبدع، والبرية الخلق، وهو بارئ لأنه أبدع تلك الأجسام وأخرجها من العدم إلى الوجود وكانت يمين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه التي يحلف بها والذي فلق الحبة وبرأ النسمة. [الانترنت – موقع الإتحاد-«البارئ» هو المبدع والموجد الخالق من العدم (القاهرة) -]
*الفرق بين اسم الله البارئ واسم الله الخالق:
قال الخطابي: "البارئ هو الخالق إلا أن لهذه اللفظة من الاختصاص
بالحيوان ما ليس لها بغيره من الخلق وقلما يُستعمل في خلق السماوات والأرض والجبال".
المقصود أن اسم الله الخالق هذا اسم عام يشمل جميع الخلق، وكلمة الخلق هنا تشمل كل مخلوقات الله سبحانه وتعالى، واسم الله الخلّاق نفس الأمر، أما برأ فتختص بعالم الحيوان.
عند ابن كثير قال: "الخلق هو التقدير، والبرء هو التنفيذ وإبراز ما قدره وقرره إلى الوجود" أي أن الله سبحانه وتعالى في مراحل إيجاده للشيء:
المرحلة الأولى: يقدر الله الشيء في قدره سبحانه وتعالى وفي علمه السابق.
المرحلة الثانية: مرحلة تنفيذ هذا التقدير وإبرازه وتقريره إلى الوجود وهي مرحلة البرء، وليس كل من قدر شيئًا ورتَّبه يقْدِر على تنفيذه وإيجاده.
عند الحليمي يقول اسم الله البارئ يحتمل معنيين أحدهما: الموجد لما كان في معلومه، وهو الذي يشير إليه الله جل وعلا في قوله: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا} [الحديد:22]. لم يقل من قبل أن نخلقها أو من قبل أن نصورها {مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا}. ولا شك أن إثبات الإبداع للباري جل وعز لا يكون على أنه أبدع بغتة من غير سبق علم بل هو على سبق في علم الله. يعني عندما يحدث زلزال أو بركان أو أي حادثة كونية بغتة مفاجئة للبشر، هذا الشيء الذي برأه الله فأصبح موجودا منفذا أمامنا، كان قبل حدوثه معلوما عند الله. كان مفاجئا لنا فقط له سبق علم عند الله. وهذا يعطينا إشارة إلى ضرورة أن تكون حياة المؤمن مبنية على علم، فلا يمشي في الأرض سدىً ولا عبثًا، و لا يكون أهوجا طائشا يتصرف من غير دراسة ولا تخطيط..بل يجب أن يكون له حظ من اسم ربه البارئ.
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة عشرة في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
*ورد الاسم في القرآن مراداً به العلمية ودالاً على كمال الوصفية
المعنى الثاني: يُشير أنَّ المُراد بالبارئ قالب الأعيان، أي أنه أبدع الماء والتراب والنار والهواء لا من شيء، ثم خلق منها الأجسام المختلفة كما قال جل وعلا: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء من الآية:30]، وقال: {إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ} [ص:71]، وقال: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ}[النحل:4]، وقال:{وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ} [الروم من الآية:20]، وقال: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ . وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} [الرحمن:14-15]، وقال: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ . ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ . ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون:12-14].
و معناه المنزه عن كل عيب، منزه عن كل نقص. وفي حق الإنسان هو أن تتباعد وتتنزه عن السفاسف، كما قال النبي «إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفاسفها» السفاسف أي دنايا الأمر، فيتنزه عن الخطايا والمعاصي التي تودي به إلي الهلكات، وتباعده عن ربه.
برِأَ: تخلص وتنزه وتباعد وأعذر وأنذر. أعذر الله سبحانه وتعالى عباده كما يقول النبي: «فما أحدٌ أحب إليه المدح من الله وما أحدٌ أكثرَ معاذير من الله» (صححه الألباني في صحيح الترمذي وغيره) يعني يخطئ العبد ولو شاء الله عز وجل أن يعجل عليه العقوبة لكن يعذره، ويأمرنا من باب آخر أن نتلمس الأعذار للناس، (أعذر ثم أنذر) فبدأ بصفة الجمال (الإعذار) ثم صفة الجلال (الإنذار).
• ويقال بَرأت العود أو يقال بَرِئْتَ العود وبروته إذا قطعته وأصلحته، ففيها معنى الإصلاح، كأن في ذلك إشارة إلى حال الاعوجاج الذي تكون عليه النفس البشرية، فإذا سعى الإنسان في إصلاحها فله في اسم الله تعالى البارئ حظ ونصيب. قالوا: البرية: معناها الخلق، وهنا {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّة} [البينة:7]. أي خير البرية: من حقق معنى الإيمان والعمل الصالح. وفي الناحية الأخرى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} [البينة:6][ الأنترنت – موقع طريق الإسلام – المصدر: الكلم الطيب هاني حلمي عبد الحميد ]
وأيضاً الفرق بين البارئ و الخالق ، أنّ البارئ هو المبدىء ، المحدث ، و الخالق هو المقدر الناقل من حال إلى حال و قال ابن منظور : « البارئ هو الذي خلق الخلق لا عن مثال و قال هذه اللفظة في الاختصاص بخلق الحيوان ما ليس لها بغيره من المخلوقات ، و قلّما تستعمل في غير الحيوان فيقال : برء اللّه النسمة و خلق السماوات و الأرض »
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة عشرة في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
ملخّص الفرق بين البارئ و الخالق
و على ضوء هذين النصّين يتلخّص الفرق بين البارئ و الخالق في أمرين :
1 ـ البارئ هو الخالق لا عن مثال ، و الخالق هو الأعم ، و لايختصّ بالناقل من حال إلى حال كما هو الحال في فعل المسيح ، قال سبحانه ناقلاً عنه : ( أَنِّى أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ ) ( آل عمران/ 49 ). بل هو أعمّ من ذلك بقرينة قوله سبحانه : ( خَلَقَ السَّمواتِ وَ الاَْرْضَ فِى سِتَّةِ ايّام ) ( يونس/3 ).
2 ـ إنّ البارئ يستعمل في الحيوان كثيراً دون الخالق ، و لأجل ذلك صحّ
الجمع بين الخالق و البارئ في بعض الايات .[ الأنترنت – موقع المكتبة الإسلامية – علوم القرآن ]
وقال النابلسي : الفرق بين البارئ و الخالق: ليس كل مخلوق مبروء، بل كل مبروء مخلوق، أحياناً إنسان يحمل ابنه من يده، لو لم تكن هذه الأربطة تتحمل وزن الجسم لخلعت يده، خلق اليد، لكن على نحو لو حملت ابنك من يده الأربطة تتحمل الوزن بأكمله، وقد تحمله بعنف في ساعة غصب إذاً يجب أن تحمل ضعف الوزن، بالتعبير المألوف مدروسة دراسة دقيقة جداً، هذا معنى "البارئ".
وأحياناً فيه فرق بين الخالق و "البارئ" : الإنسان أحياناً أعطي صفة
الخلق في قوله تعالى:﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾( سورة المؤمنون )
إلا أن الإنسان خلق شيئاً من كل شيء، على مثال سابق، لكن الله "البارئ" خلق كل شيء من لا شيء على غير مثال سابق، هذا الفرق الثاني بين "البارئ" والخالق.
الله عز وجل خلق الأشياء صالحة ومناسبة للغاية التي أرادها:
"البارئ" اسم ذات، نحن تعلمنا أن هناك اسم ذات، وهناك اسم صفة، وهناك اسم فعل، وهناك اسم تنزيه، وهناك اسم تعظيم، "البارئ" اسم ذات من الفعل اللازم برأ من كل نقص وعيب، فهو "البارئ" هذا من أسماء التنزيه، أما اسم فعل من فعل أبرأ أي وهب الحياة للأحياء، بل خلق الأشياء صالحة ومناسبة للغاية التي أرادها، أي أظهر المقدور وفق سابق التقدير، "البارئ" هو الخالق على صفة تناسب علة وجود المخلوق، هذا الحديث طويل. و يوصف الله عزَّ وجلَّ بأنه البارئ، وهذه الصفةُ ثابتةٌ بالكتاب والسنة. [الأنترنت – موقع موسوعة النابلسي]
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة العشرون في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :* الخالق المصوّر
ورد اسم الله الخالق المصوِّر في آيات كثيرة، قال تعالى: ﴿ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [الحشر: 24]، وقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ ﴾ [آل عمران: 6].
وقال تعالى: ﴿ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ﴾[الانفطار: 7-8].
قال بعضهم: المصوِّر هو الذي أنشأ خلقه على صور مختلفة، وهيئات متباينة من الطول والقصر، والحسن والقبح، والذكورة والأنوثة، كل واحد بصورته الخاصة، قال تعالى: ﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ [المؤمنون:14].
ومن آثار الإيمان بهذين الاسمين العظيمين:
أولاً: أن الله تعالى هو الخالق وحده وما سواه مخلوق، قال تعالى: ﴿ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [الرعد: 16]، وقال تعالى: ﴿ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ ﴾ [فاطر: 3]، فكل ما سوى الله مخلوق محدَث، وكل المخلوقات سبقها العدم، قال تعالى: ﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ﴾ [الإنسان: 1].
ثانياً: أن الله تعالى لم يزل خالقاً كيف شاء ومتى شاء ولا يزال، قال تعالى: ﴿ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾ [النور: 45]، وقال تعالى: ﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ﴾ [القصص: 68]، وقال تعالى: ﴿ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴾ [البروج: 16].
ثالثاً: أن الله تعالى ذكره خالق كل شيء، قال تعالى: ﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ [غافر: 62].
رابعاً: خلق الله عظيم، فلا يستطيع مخلوق أن يخلق مثله، فضلاً عن أن يخلق أفضل منه، قال سبحانه: ﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ﴾ [لقمان: 11].
وفي هذا تحدٍّ لجميع الخلق من الجن والإنس وغيرهم.
وقد أثبت الله عجزهم عن خلق ضعيف حقير: كالذباب، ولو اجتمعوا على ذلك، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا
يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ﴾ [الحج: 73].
خامساً: أن الله حرَّم على عباده أن يصوِّر الصور ذوات الأر و اح، لما فيها من مضاهاة لخلق الله، روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة –
رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((قال الله عز وجل: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي؟! فَلْيَخْلُقُوا حَبَّةً وَليَخْلُقُوا ذَرَّةً))[ صحيح البخاري ص 1155، برقم 5953، وصحيح مسلم ص 876، برقم 2111.]
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبدالله بن مسعود –
رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَاباً عِنْدَ اللِه يَوْمَ الْقِيَامَةِ المْصُوِّرُونَ))[ صحيح البخاري ص 1155، برقم 5950، وصحيح مسلم ص875، برقم 2109.]
، وفي الكرملية: ((يُقَالُ لَهُم: أَحْيُوا ما خَلَقْتُم))[ صحيح البخاري ص 1155، برقم 5951، وصحيح مسلم ص 875، برقم 2108.]، وفي هذا دليل على تعذيب المصوِّر، وهو أن يكلَّف نفخ الروح في الصورة التي صوَّرها، وهو لا يقدر على ذلك، فيستمر تعذيبه.
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والعشرون في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
* الخالق المصوّر؛ ومن آثار الإيمان بهذين الاسمين العظيمين:
سادساً: خلق الله العظيم، فهو الذي خلق السماوات والأرض، وهما أعظم من خلق الإنسان، قال تعالى: ﴿ لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ﴾ [غافر: 57].
ومن عظمة خلق الله: أن الكرسي وهو موضع القدمين – كما قال ابن
عباس رضي الله عنهما- وسع السماوات والأرض جميعاً، والعرش أعظم من ذلك، والله تعالى مستوٍ على عرشه، وهو أعظم وأكبر من كل شيء.
سابعاً: أن الله تعالى ما خلق هذا الخلق عبثاً، وإنما لغاية عظيمة، قال تعالى: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ﴾ [المؤمنون: 115، 116].
وقال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَنْ
نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ
فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ﴾ [الأنبياء: 16-18].
قال ابن كثير: يخبر تعالى أنه خلق السماوات والأرض بالحق: أي بالعدل والقسط: ﴿ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾ [النجم: 31]، وأنه لم يخلق ذلك عبثاً ولا لهواً، قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ﴾ [ص: 27][ تفسير ابن كثير (9/395).]
ثم بيَّن سبحانه الحكمة في الخلق فقال: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا
لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 56-58][ النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى (169- 174).] [الأنترنت – موقع شرح اسم الله الخالق المصوّر]
*وُرودُهُ فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ: وَرَدَ الاسْمُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ فِي القُرْآنِ، مَرَّةً فِي قَوْلِه تَعَالَى: ﴿ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ ﴾ [الحشر: 24]. وَمرَّتَينِ فِي قَولهِ تَعَالَى: ﴿ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ ﴾ [البقرة: 54]. [الأنترنت – موقع الألوكة الشيخ وحيد عبدالسلام بالي ]
أما دليله من السنة: حديث أبي جحيفة؛ قال: سألت عليّاً رضي الله عنه: هل عندكم شيء ما ليس في القرآن؟ فقال: (والذي فلق الحبة وبرأ النسمة؛ ما عندنا إلا ما في القرآن؛ إلا فهماً...) . قال ابن قتيبة: (ومن صفاته (البارئ)، ومعنى (البارئ): الخالق، يُقال: بَرَأَ الخلقَ يبرؤهم، والبريَّة: الخلق)
وقال الزجاج: (البرء: خلق على صفة، فكل مبروء مخلوق، وليس كل مخلوق مبروءاً) . وقال ابن الأثير: (البارئ: هو الذي خلق الخلق، لا عن مثال، إلا أنَّ لهذه اللفظة من الاختصاص بالحيوان ما ليس لها بغيره من المخلوقات ، وقلما تستعمل في غير الحيوان، فيقال: برأ الله النسمة، وخلق السماوات والأرض) . [الأنترنت - موقع الدرر السنية]
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والعشرون في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
* الخالق البارئ المصور
قال النابلسي : من أسماء الله الحسنى : ( البارئ ) :
لا زلنا في اسم " البارئ " ولا بد من الإشارة إلى أنه قد جرت عادة العلماء الذين شرحوا أسماء الله الحسنى أن يشرحوا اسم الخالق ، والبارئ والمصور معاً ، لأن بين هذه الأسماء علاقة ترابطية كبيرة جداً .
على كلٍ نحن بدأنا بالخالق وقد ثنينا بالبارئ ، وسوف ننتقل إن شاء الله في درس قادم إلى المصور .
الخالق و البارئ : هذا الاسم بادئ ذي بدء شرحته آية كريمة في القرآن
الكريم ، عندما قال الله عز وجل : " سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ، الَّذِي خَلَقَ
فَسَوَّى " [الأعلى:1-2] لذلك " البارئ " أن الله عز وجل خلق ، هو الخالق ، على نحو خاص ، لصالح هذا الشيء ، لتحقيق الهدف ، الفرق بين الخالق والبارئ أن الخالق خلق كل شيء من لا شيء على غير مثال سابق ، لكن البارئ خلق على نحو معين لتحقيق مصلحة راجحة ، هذا هو الفرق ، الآية واضحة جداً :" سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى . الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى " .هذا الذي خلقه سواه مع وظيفته، فجاءت وظيفته بأعلى درجة من الكمال ، لأن هذا الذي خلق قد سواه الله مع هذه الوظيفة .
من معاني البارئ :
1 ـ الله عز وجل خالق بارئ برأ الكون على نحو متحرك :
الآن نبدأ من الكون ، عندنا كواكب ، وعندنا نجوم ، الكوكب منطفئ ، النجم ملتهب ، نسمي الكواكب والنجوم معاً الأجرام السماوية ، الأجرام السماوية تتحرك ، كل نجم في السماء ، وكل كوكب يتحرك ، يتحرك بمسار مغلق حول كوكب آخر ، لماذا خصّ الله خلق الكون بحركة دائمة ، طبعاً الآية الكريمة : " وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ " [الطارق:11] فُهمت في وقت ما على أن السماء ترجع بخار الماء مطراً ، يصعد بخار الماء إلى السماء يرجع مطراً ، وفُهمت في وقت آخر على أن الأمواج الكهرطيسية تردها طبقة في الجو اسمها الأثير ، ترجعها إلى الأرض ، ثم فُهمت على أن كل جرم سماوي كوكباً كان أم نجماً يتحرك بمسار مغلق ، ويرجع إلى مكان انطلاقه الآخر .
إذاً في حركة خلق الكون على نحو متحرك ، لأنه لو أنه خلقه على نحو ساكن وبحسب قانون الجاذبية لاجتمع الكون كله في كتلة واحدة ، لأن الكتلة الأكبر تجذب الأصغر ، الكون بلا حركة يجتمع في كتلة واحدة ، الحركة ماذا تفعل ؟ ينشأ من الحركة قوة نابذة أوضح شيء الآلة التي تنشف الغسيل ، على مبدأ القوة النابذة ، الدوران يطرد الماء نحو المحيط ، فبالدوران في قوة نابذة ، فالقوة النابذة التي تصنعها حركة النجم تكافئ القوة الجاذبة يبقى الكون بهذا التوازن الرائع .
إذاً الله عز وجل خالق بارئ ، برأ الكون على نحو متحرك ، ولو خلقه على نحو ساكن لاجتمع الكون كله في كتلة واحدة ، هذه من معاني " البارئ " .
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والعشرون في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
* الخالق البارئ المصور- من معاني البارئ :
2 ـ الله عز وجل برأ الأرض على نحو أنها تدور على محور مائل :
شيء آخر ، الآن دققوا : الأرض تدور ، لو أنها تدور حول محور يوازي مستوى دورانها حول الشمس يعني الشمس هنا الأرض تدور هكذا ، الحياة انتهت ، لأن الوجه المقابل للشمس فيه النهار إلى أبد الآبدين ، والوجه الآخر فيه الظلام إلى أبد الآبدين الوجه 350 تحت الصفر ، الوجه 270 تحت الصفر ، الحياة انتهت ، لو أن الأرض تدور ولكن تدور على محور يوازي مستوي دورانها ، هذه الشمس ، الأرض تدور هكذا ، هنا نهار أبدي ، هنا ليل أبدي
إذاً الله " البارئ " خلق دورة الأرض على نحو ننتفع بها ، الآن لو أن الأرض تدور على محور متعامد على مستوى دورانها ، مستوى الدوران هكذا ، تدور على محور متعامد مع مستوي دورانها ، لألغيت الفصول الأربعة ، الشمس هنا ، والأشعة هنا عمودية إلى أبد الآبدين صيف أبدي ، هنا شتاء أبدي ، هنا ربيع أبدي .
إذاً الله عز وجل " البارئ " جعل الأرض تدور على محور لا يوازي مستوي دورانها ، عندئذٍ تلغى الحياة ، وليس عمودياً على مستوى دورانها عندئذٍ تلغى الفصول الأربعة ، ولكنه برأها على نحو أنها تدور على محور مائل ، فالمحور المائل هكذا ، الشمس تأتي إلى القسم الشمالي عمودياً هنا صيف ، وتأتي إلى قسمها الجنوبي مائلة شتاء ، فإذا دارت الأرض حول الشمس انعكست الآية ، فجاءت الأشعة عمودية في قسمها الجنوبي ، ومائلة في قسمها الشمالي، تبدلت الفصول ." البارئ " خلق على نحو معين يحقق مصلحة الشيء .
3 ـ البارئ هو من خلق الكون على نحو بعض أجرامه ملتهبة وبعضها منطفئة :
أيها الأخوة ، شيء آخر : لو أن الأجرام السماوية كلها منطفئة ، ما في حياة صفر مطلق ، يعني 270 نحن الصفر ، وفي هذا الصفر المطلق تقف حركة الذرات ، تنعدم المادة ، لو أن الأجرام السماوية كلها ملتهبة ما في حياة ، الشمس مثلاً أحد الأجرام الملتهبة وهي جرم متواضع جداً ، الحرارة على السطح ستة آلاف درجة ، في العمق عشرين مليون درجة ، لو ألقيت الأرض في الشمس لتبخرت في ثانية واحدة ، وأنت في الصيف تقف في الشمس فلا تحتمل ، وبعدها عنك 156 مليون كم ، وقد يصاب الإنسان بضربة شمس فيموت ، والشمس بعدها عنا 156 مليون كم .
إذاً تصور أن الكون كله أجرامه ملتهبة ما في حياة ، كل أجرامه منطفئة ما في حياة ، من صمم الكون ؟ من خلق الكون على نحو بعض أجرامه ملتهبة
، وبعض أجرامه منطفئة " البارئ " هو : " الْخَالِقُ الْبَارِئُ " [الحشر:24] .
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والعشرون في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
* الخالق البارئ المصور- من معاني البارئ :
4 ـ الخالق البارئ جعل لكل عنصر درجة انصهار ودرجة تجمد معينة لحكمة منه :
الآن الماء يتجمد بدرجة الصفر ، بعض المعادن ينصهر بدرجة مئة ، الرصاص الحديد 1500 ، كل عنصر في الأرض له درجة انصهار ، ودرجة تجمد ، تصور أن كل هذه العناصر تتجمد في جو واحد ، وتنصهر في درجة واحدة ، ما الذي يحصل ؟ الكون كله إما أنه غار ، أو سائل ، أو صلب ، لو أن عناصر الأرض تنصهر في درجة واحدة ، أما أنت تشرب كأس ماء سائل ، تستنشق الهواء غازاً ، تجلس على كرسي أمامك طاولة صلبة ، يوجد بحياتنا شيء صلب ، شيء لين كالإسفنج ، شيء لزج كالقطر ، شيء سائل ، شيء غاز ، ما الذي جعل هذه العناصر متفاوتة ؟ أن كل عنصر له درجة انصهار خاصة به ، من صمم أن كل عنصر له درجة انصهار خاصة به ؟ طبعاً صخور البازلت من أقسى الصخور ، وتنصهر بآلاف الدرجات ، لو تنصهر بدرجة مئة ، أما أنت بحاجة إلى معدن ، الفكرة دقيقة .
أنت عندك محل تجاري ، له غلق ، و أرضية المحل من حجر ، كيف تعامل هذا الغلق مع الحجر ؟ تحتاج إلى قطعة حديد مغروسة بالحجر ، كيف يثبت الحديد بالحجر ؟ ما في حل ، إلا بمعدن وسيط ، ينصهر بدرجة مئة ، وإذا تجمد ازداد حجمه ، أكثر حشوات الأسنان رصاص ، تنصهر بسهولة ، وتتجمد مع التمدد ، فيكون الفراغ على شكل إجاصة ، يسكبون الرصاص فإذا برد الرصاص زاد حجمه ، عندئذٍ ما في قوة تنزع قطعة الحديد من الحجر ، في معادن تنصهر بألف وخمسمئة ، بألفين ، بثلاثة آلاف ، أما الرصاص بمئة ، أحياناً يسخن على نار عادية ، يسيح الرصاص ، كل معدن له درجة انصهار ، كل شبه معدن له درجة انصهار ، كل عنصر له درجة انصهار ، شيء يحير الألباب .
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والعشرون في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
*اختلاف الكثافات :
أحياناً الكثافة تختلف ، تجد الخشب يطفو ، كثافته أقل من كثافة الماء ، الكثافة نسبة الحجم للوزن ، الخشب يطفو ، الحديد يغوص ، لأن الحديد كثافته أشد من صمم الكثافات ؟ أحياناً تجد مصعداً ، حركة سهلة جداً لأنه قابله أوزان ثقيلة ، من أين يؤتى بهذه الأوزان الثقيلة ؟ من الإسمنت ، أو الحديد .
تجد مصعداً (غرفة كبيرة) فيها سبعة أشخاص يقابلها بعض الصفائح من الحديد وزن هذه الصفائح كوزن هذه الغرفة ، فالحركة تكون سهلة ، من صمم الكثافات ؟ والماء اعتبر وحدة الكثافة ، واحد .
خلق الله عز وجل كل شيء على نحو معين :
الآن في عنا نقطة دقيقة جداً ، أن الماء يتجمد ، وإذا تجمد بحسب قانون مطلق شمولي ينكمش ، وإذا انكمش يعني حجمه قلّ ، مع الوزن الثابت يعني تزداد الكثافة ، فإذا زادت كثافة الماء المجمد يجب أن يغوص ، عنصر وحيد في الكون ، له خاصة يتميز بها أن الماء إذا تجمد زاد حجمه ، فقلت كثافته ، فطفا على سطح الماء ، ولولا هذه الخاصة لما كانت حياة على سطح الأرض .
لو أن البحار تجمدت ، فغاصت القطع الجليدية في أعماق البحار ، بعد حقبة من الزمن تتجمد جميع البحار ، وينعدم التبخر ، وتنقطع الأمطار ، ويموت النبات ، ويموت الحيوان ، ويموت الإنسان .حياتنا جميعاً ، حياة ستة آلاف مليون إنسان على خاصة بكأس ماء بدرجة زائد أربعة بدل أن ينكمش الحجم يزداد الحجم ، فإذا زاد قلت الكثافة فطفا الجليد على سطح الماء تبقى البحار دافئة ، فيها حياة ، والجليد طبقة سطحية" الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى " الْخَالِقُ الْبَارِئُ "يعني خلق على نحو معين .
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والعشرون في موضوع (الباريء) وهي بعنوان : الخالق البارئ
5 ـ الخالق البارئ هو من خلق الجاذبية ليأخذ كل شيء وزناً :
الآن لو أن حجم الأرض كان ضعف حجمها الحالي ، الأخ الذي وزنه 80 يصبح وزنه 160 الحركة صعبة ، لو كان حجمين صار وزنه 240 كغ ، من جعل حجم الأرض ؟" خَلَقَ فَسَوَّى " يجعل وزنك معقولاً ، الآن الإنسان على القمر وزنه عشر ، إذا كان ستين وزنه بالأرض بالقمر وزنه 6 ، هذه قضية الجاذبية من نعم الله العظمى ، في منطقة بين الأرض والقمر ما في جاذبية ، ما في وزن ، تمسك الشيء ما في وزن ، رواد الفضاء ينامون بالمركبة ، يستيقظون في سقف المركبة ، ما في وزن ، أنت تتمتع بميزة الوزن تضع الطاولة هنا تبقى ، لماذا تبقى ؟ من وزنها ، ما معنى الوزن ؟ يعني
انجذابها إلى الأرض ." أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً " [النمل:61] .
من ثَبّتَ الشيء على الأرض ؟ الوزن ، الوزن يعني الجاذبية ، هذا القانون قانون الجاذبية ، الإنسان بلا وزن مشكلته مشكلة ، وبوزن لا يحتمل مشكلته أكبر ، من خلق الجاذبية ليأخذ كل شيء وزناً ؟ الله عز وجل " خَلَقَ فَسَوَّى " ، " الْخَالِقُ الْبَارِئُ " .
6 ـ الخالق البارئ جعل دورة الأرض حول نفسها تتناسب مع طاقة الإنسان :
تصور الأرض تدور حول نفسها كل سنة دورة واحدة ، فالنتيجة عندنا كل ستة أشهر نهار ، وستة أشهر ليل ، الشمس مستمرة ترتفع الحرارة ، غير ارتفاع الحرارة طاقتك ثماني ساعات ، تعمل أنت بحاجة إلى أن تنام في النهار ، فلان يعمل وأنت نائم أيقظك ، ما في تناسب ، الحياة لا تحتمل لو كان الليل ستة أشهر ، أساساً القطب في هذه الحالة ، الليل ستة أشهر ، والنهار ستة أشهر ، بالليل ينامون ، ويستيقظون ، بالنهار كذلك ، من جعل دورة الأرض حول نفسها تتناسب مع طاقة الإنسان " خَلَقَ فَسَوَّى " ، " الْخَالِقُ الْبَارِئُ " .
تجد بالليل في سكن ، أشد الأمكنة ازدحاماً بالليل لا يوجد أحد ، الكل نائم ، الليل والنهار طوله يتحدد من زمن دورة الأرض حول نفسها .
7 ـ الخالق البارئ جعل أربعة أخماس الأرض بحاراً :
الآن لو مساحات البحار أقل ، البحار مساحتها أربعة أخماس الأرض ، القارات الخمس ، يعني أمريكا الشمالية والجنوبية ، أوربا، وآسيا ، وإفريقيا ، وأستراليا ، مجموع مسحات البر خمس مساحة البحر ، لولا هذه النسبة والتناسب بين مساحة البر والماء ما كان في أمطار ، حتى تكون مساحات كافية لتبخير الماء وأمطار تغطي حاجة اليابسة ، لا تظن القضية عشوائية ، أنه أربعة أخماس الأرض بحاراً لولا هذا التناسب لما كانت أمطار أساساً ، إذاً " خَلَقَ فَسَوَّى " هو " الْخَالِقُ الْبَارِئُ "
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والعشرون في موضوع (الباريء) وهي بعنوان : الخالق البارئ
8 ـ الخالق البارئ صمم الهواء ليحمل بخار الماء لأن حياتنا متوقفة على هذه الخاصية : الآن في شيء دقيق جداً أنه لو الأرض كلها في درجة حرارة واحدة ، ما في هواء إطلاقاً ، الهواء لا يتحرك ، الهواء يتحرك في حالة واحدة ، بالأماكن الباردة يكون ضغطه عالٍ ، بالأماكن الحارة ضغطه منخفض ، يقول لك : منخفض جوي ، أي عندنا كتلة هوائية ضغطها مخلخل ، ضغطها منخفض ، تنجذب إلى الضغط العالي ، أو بالعكس لولا وجود منطقة استوائية حارة ، ومنطقة قطبية باردة ما كان في رياح أساساً ، والرياح تسوق السحاب ، والسحاب معه الأمطار ، لولا تفاوت الدرجات ما كان في رياح ، وما كان في أمطار تنتقل من مكان إلى مكان " خَلَقَ فَسَوَّى " من صمم أن الهواء يحمل بخار ماء ، لو أن الهواء لا يحمل بخار ماء ما في حياة إطلاقاً ، أيضاً حياتنا متوقفة على هذه الخاصة أن الهواء يحمل بخار ماء ، لا يكفي أنه يحمل ، يجب أن يحمل بخار ماء متفاوت مع حرارة الماء والهواء ، أي عندما يحمل بخار ماء بدرجة عالية يحمل كمية كبيرة ، يصل لمنطقة باردة يتخلى عن الكمية الزائدة ، قوانين دقيقة جداً من قننها ؟ من صممها ؟ هو " خَلَقَ فَسَوَّى " .
*التفكر في خلق السماوات والأرض أقصر طريق لمعرفة الله :
أيها الأخوة ، إذا قرأت اسم " البارئ " يعني خالق خلق الشيء على نحو رائع بحيث ينتفع الشيء من خصائصه .
مرة ذكرت لكم أن هذا الصوص كيف يخرج من البيضة ؟ ما في طريقة ، إلا أنه ينمو له نتوء على منقاره نتوء كالإبرة تماماً ، مؤنف ، بهذا النتوء يكسر قشرة البيضة ، بعد أن يخرج خلال أيام يضمر هذا النتوء ويعود المنقار كما كان عليه ، ذلكم الله رب العالمين .
أيها الأخوة ، أنا أرى أن التفكر في خلق السماوات والأرض أقصر طريق لمعرفة الله ، وأوسع باب ندخل منه على الله .
" إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ " [آل عمران:190-191] .
الإنسان يعود نفسه أن يتفكر ، يعود نفسه لا يتعامل مع الأشياء تعاملاً
بسيطاً أكلنا ، شربنا ، نمنا ، في إنسان أعرفه لا ينام إطلاقاً ، أنا أقسم لكم بالله لو يملك مليار يدفعه فقط أن ينام ليلة واحدة ، نعمة النوم قليلة ؟ نعمة الحركة قليلة ؟ نعمة الذاكرة قليلة ؟ .
على كل إنسان أن يتفكر في دقة خلق الله عز وجل : الله عز وجل والله لو أمضينا كل حياتنا نتفكر في دقة خلق الله ، وحكمة خلق الله ، وعظمة خلق الله اكتفِ بجسمك . " وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ " [الذاريات:21] . بطعامك وشرابك ، الماء ، بهذه الفواكه ، بهذا الحليب الذي تشربه .
" وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ " [النحل:5] .فلذلك أيها الأخوة " البارئ " هو الخالق على نحو معين ، تحقق بهذا النحو مصلحة الاسم .
[الأنترنت – موقع الكلم الطيب - للدكتور محمد راتب النابلسي - اسم الله البارئ 2]
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والعشرون في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
*الآثار الإيمانية لأسماء الخالق – الخلاق – البارئ – المصور:
1) أخبر تعالى عن نفسه أنه هو الخالق وحده وما سواه مخلوق، قال تعالى قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الوَاحِدُ القَهَّارُ [الرعد: 16]. وقال سبحانه هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ [فاطر: 3].
فكل ما سوى الله مخلوق محدث، كائن بعد أن لم يكن، وكل المخلوقات سبقها العدم كما قال عز وجل هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا [الإنسان: 1].
وهذا قول الرسل جميعا وأتباعهم، وخالف في ذلك الفلاسفة القائلين بقدم
العالم وأبديته وأنه لم يكن معدوماً أصلًا، بل لم يزل ولا يزال، ولكن الكتاب يرد ذلك ويرفضه .
2) أن الله سبحانه لم يزل خالقاً كيف شاء ومتى شاء ولا يزال، لقوله سبحانه قَالَ كَذَلِكِ اللهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ [آل عمران: 47].
وقوله: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ [القصص: 68]. وقوله سبحانه: ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ [البروج: 15-16]. وليس بعد خلق الخلق استفاد اسم (الخالق)، ولا بإحداثه البرية استفاد اسم (الباري)، وذلك من كماله، ولا يجوز أن يكون فاقداً لهذا الكمال، أو معطلاً عنه في وقت من الأوقات، قال تعالى أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ [النحل: 17].
3) إن الله تعالى ذكره خالق كل شيء. قال تعالى: ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [غافر: 62]. ومن جملة مخلوقاته أفعال العباد وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ولا يدل هذا على أن العبد ليس بفاعل على الحقيقة ولا مريد ولا مختار، بل هو فاعل لفعله حقيقة، وأن إضافة الفعل إليه إضافة حق، وأنه يستوجب عليه المدح والذم والثواب والعقاب، لكن
لا يدل هذا أنه واقع بغير مشيئة الله وقدرته.
والدليل على أن أفعال العباد مخلوقة قوله تعالى وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات: 96] فأفعالهم لله تعالى خلق ولهم كسب، ولا ينسب شيء من
الخلق لغير الله تعالى، فيكون شريكا وندا ومساويا له في نسبة الفعل إليه، وقد نهى الله سبحانه عن ذلك بقوله فَلَا تَجْعَلُوا للهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة: 22] وقد وقع في ذلك القدرية نفاة القدر، الذين جعلوا العباد خالقين مع الله تعالى، ولهذا كانوا (مجوس هذه الأمة) بل أردأ من المجوس من حيث أن المجوس أثبتوا خالقين، خالقاً للخير وخالقا للشر، وأما هؤلاء فقد أشركوا جميع العباد في الخلق فقالوا هم يخلقون أفعالهم، وخالفوا بذلك الكتاب والسنة وأهل الحق
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والعشرون في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
*الآثار الإيمانية لأسماء الخالق – الخلاق – البارئ – المصور:
4) خلق الله عظيم محكم فلا يستطيع مخلوق أن يخلق مثله، فضلاً عن أن يخلق أفضل منه، قال سبحانه وتعالى: هَذَا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [لقمان: 11]. وفي الآية تحدي لجميع الخلق من الجن والإنس وغيرهم.
وقد أثبت الله عجزهم عن خلق خلق ضعيف حقير كالذباب مثلاً ولو اجتمعوا على ذلك وتعاونوا عليه، قال عز وجل يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالمَطْلُوبُ مَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الحج:73-74.
5) ولذلك حرم الله على عباده أن يصوروا الصور ذات الأرواح لما فيها من مضاهاة لخلق الله، أي تشبيه ما يصنعونه ويصورونه من الصور بما يصنعه ويصوره الله كما جاء في رواية مسلم ((الذين يشبهون بخلق الله))
وقد وردت أحاديث كثيرة في توعد المصورين بأشد العذاب كقوله صلى
الله عليه وسلم ((إن أشد الناس عذاباً عند الله يوم القيامة المصورون)) ،
وقوله صلى الله عليه وسلم ((إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم أحيوا ما خلقتم)) ، وهو أمر تعجيز ويستفاد منه صفة تعذيب المصور وهو أن يكلف نفخ الروح في الصورة التي صورها وهو لا يقدر على ذلك فيستمر تعذيبه. قاله الحافظ
وجاء في الحديث القدسي قوله تعالى: ((ومن أظلم مم ذهب – أي قصد – يخلق خلقاً كخلقي فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة))
فتحداهم الخالق سبحانه بأن يخلقوا ذرة وهي النملة الصغيرة، ثم زاد في
التحدي بأن طلب منهم أن يخلقوا حبة أو شعيرة وهو من الجماد الذي لا حركة فيه نسبياً إذا ما قيس بالنسبة للنمل الذي يتحرك.
وقال بعض الملاحدة يوماً: أنا أخلق! فقيل له: فأرنا خلقك؟ فأخذ لحماً فشرحه، ثم جعل بينه روثاً ثم جعله في كوز وختمه ودفعه إلى من حفظه عنده ثلاثة أيام، ثم جاء به إليه فكسر الخاتم وإذا الكوز ملآن دوداً، فقال: هذا خلقي!! فقال له بعض من حضر: فكم عدده؟ فلم يدر، فقال: كم منه ذكور وكم منه إناث، وهل تقوم برزقه؟ فلم يأت بشيء، فقال له: الخالق الذي أحصى كل ما خلق عدداً، وعرف الذكر من الأنثى، ورزق ما خلق، وعلم مدة بقاءه وعلم نفاد عمره، قال الله عز وجل: اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ [الرُّوم: 40] وقال: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ [السجدة: 7] وقد قسم النووي – رحمه الله – المصورين إلى ثلاثة أقسام: أ- من فعل الصورة لتعبد وهو صانع الأصنام ونحوها فهذا كافر وهو أشدهم عذابا. ب- من فعل الصورة وقصد مضاهاة خلق الله تعالى واعتقد ذلك، فهذا كافر له من أشد العذاب ما للكفار ويزيد عذابه بزيادة قبح كفره. ج- من لم يقصد بالصورة العبادة ولا المضاهاة فهو فاسق صاحب
ذنب كبير ولا يكفر كسائر المعاصي اهـ
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثلاثون في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
*الآثار الإيمانية لأسماء الخالق – الخلاق – البارئ – المصور:
6) وجود هذا الخلق العظيم المحيط بنا من كل ناحية دليل على قدرة الخالق وعلى عظمته وكماله، فالإنسان يعجز في كثير من الأحيان عن معرفة جوانب كثيرة من الأرض التي يعيش عليها، مع أنها صغيرة جداً إذا ما قيست بالنسبة لبقية الكون الفسيح المليء بملايين النجوم المضيئة والشموس والأقمار والتي يعجز عن حصرها أو عدها، وهذا كله في السماء الدنيا، التي فوقها ست سماوات طباق، بعضها فوق بعض وفوقهن جميعاً الكرسي، ومن عظمة خلق هذا الكرسي واتساعه أنه يستوعب السماوات السبع والأرض جميعاً، قال تعالى وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ [البقرة: 255] والعرش أعظم من ذلك والخالق سبحانه فوق العرش، وهو جلت عظمته أكبر من كل شيء وأعظم.
وبذلك تعلم أن خلق الإنسان ضعيف جداً، إذا ما قورن بالسماوات السبع والكرسي والعرش كما قال تعالى لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [غافر: 57] وقوله تعالى أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا [النازعات: 27-29].
7) وأخيرا يجب أن نعلم أن الله سبحانه وتعالى ما خلق هذا الخلق العظيم لهوا ولعباً، ولا خلقه عبثا وإنما خلقه لغاية عظيمة، قال تعالى أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللهُ المَلِكُ الحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ [المؤمنون: 115-116] أي أفظننتم أنكم مخلوقون عبثاً بلا قصد ولا حكمة لنا فيكم، فتعالى الله أي تقدس وتنزه عن ذلك ثم ذكر العرش لأنه سقف جميع المخلوقات
وقال عز وجل وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ [الأنبياء: 18].
قال ابن كثير: يخبر تعالى أنه خلق السماوات والأرض بالحق – أي بالعدل – ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى وأنه لم
يخلق ذلك عبثاً ولا لبعاً . وأبان تعالى عن هذه الغاية العظيمة بقوله وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ [الذاريات: 56-57]. [الأنترنت – موقع الدرر السنية - المشرف العام/الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف - لجنة الإشراف العلمي ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والثلاثون في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
*الفرق بين البديع ـ البارئ ـ الخالق ـ المصوِّر ـ الفاطر
قال الدكتور محمد داوود :
• البديع فى اللغة: المُبْدِع، وهو مَن يُنْشِئ صَنْعَةً على غير مثال ولا اقتداء بسابق.
• والبارئ فى اللغة: الخالق، يقال: بَرَأَ اللهُ الخَلْقَ يَبْرَؤُهم بَرْءًا وبُروءًا، أى خَلَقَهم ، وجعل بعض علماء اللغة للفظ البارئ ما ليس للخالق من الاختصاص بخلق الحيوان. وسوَّى ابن سيده بين البَرْءِ والخلق، وأن ذلك يكون فى الجواهر والأعراض.
• والخالق فى اللغة: اسم فاعل من "خَلَقَ"، والخَلْق: التقدير، قال زهير:
ولَأَنْتَ تَفْرِى ما خَلَقْتَ وبَعْـ *** ـضُ القَوْمِ يَخْلُقُ ثُمَّ لا يَفْرِى
ومنه الخُلُق، وهى السَّجيَّة؛ لأن صاحبه قد قُدِّر عليه، وفلان خليقٌ بكذا، أى هو ممَّن يُقَدَّر فيه ذلك، والخَلَاقُ: النَّصيب؛ لأنَّه قُدِّرَ لكلِّ أحدٍ نصيبُه، وخَلْقُ الكذبِ: اختراعه وتقديره فى النفس.
• والمُصَوِّر فى اللغة: اسم فاعل من "صَوَّرَ" الشىءَ، أى: أعطاه صورته وهيئته وصفته، وهو من أسماء الله الحسنى، ومعناه: الذى صَوَّر جميعَ الموجودات ورتَّبها، فأعطى كل شىءٍ منها صورة خاصة وهيئة مفردة يتميز بها.
• والفاطر فى اللغة: اسم فاعل من "فَطَرَ". وأصل الفَطْرِ: فتح شىء وإبرازه ، ومنه فَطَر نابُ البعير، أى شَقَّ وطَلَع. وفَطَرَ الله الخَلْق: خَلَقَهم وبدأهم، قال ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ : ما كنت أدرى ما فاطر السماوات والأرض حتى أتانى أعرابيَّان يختصمان فى بئرٍ، فقال أحدهما: أنا
فَطَرْتُها، أى أنا ابتدأتُ حفْرَها.
هكذا تتقارب معانى تلك الألفاظ، ويتمايز بعضها بملمح دلالىٍّ خاصٍّ، كما نرى فى اختصاص الإبداع بملمح عدم المثال، وكاختصاص المصوِّر بملمح إنشاء الصورة والهيئة. لكن الاستعمال القرآنى الحكيم لهذه الألفاظ يفرِّق بينها تفرقة دقيقة، على النحو التالى:
• البديع : وردت مادة "ب د ع" فى القرآن الكريم أربع مرَّات، فى الآيات التالية:
- {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} البقرة/117، الأنعام/ 101.
- {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ} الأحقاف/9.
- {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} الحديد/ 27. البديع فى قوله عز وجل: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}: صفة مشبَّهة معناها: بَدُعَتْ سماواته وأرضه، أى: جاءت فى الخلق على شكل مُبتدَع لم يسبق له نظير.
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والثلاثون في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
*الفرق بين البديع ـ البارئ ـ الخالق ـ المصوِّر ـ الفاطر
يقول الشيخ الطاهر بن عاشور:
"البديع مشتقٌّ من الإبداع، وهو الإنشاء على غير مثال؛ فهو عبارة عن إنشاء المنشآت على غير مثالٍ سابق، وذلك هو خلق أصول الأنواع وما يتولَّد من متولِّداتها، فخلق السماوات إبداع، وخلق الأرض إبداع، وخلق آدم إبداع، وخلق نظام التناسل إبداع".
والبِدْعُ بمعنى البديع، كالخِلِّ بمعنى الخليل، ومعنى قوله عز وجل: {قُلْ مَا
كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ}: ما كنتُ محدِثًا شيئًا لم يسبقونى إليه.
• ولكن استعمال "البِدْع" لم يرد فى وصف الله عز وجل ، فهو مقصور على المعنى المذكور، أى إحداث شىء غير مسبوق. وأمَّا البديع فهو من أسماء الله الحسنى، أى: ذو الخلق المبتدع الذى لم يسبق له نظير.
• البارئ : وردت كلمة "البارئ" فى القرآن الكريم ثلاث مرات:
- {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ} البقرة/ 54.
- {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} الحشر/24.
وورد الفعل "يبرأ" بمعنى الخلق مرة واحدة فى القرآن الكريم:- {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} الحديد/22.
جاءت آية البقرة فى سياق خطاب موسى عليه السلام لقومه لَمَّا اتخذوا العجل وعبدوه؛ لذلك جاءت كلمة "بارئكم"، أى: توبوا إلى منشئكم ومُوجِدكم من العدم؛ إذْ مُوجِدُ أعيان الأشياء هو الموجِد حقيقةً، وأمَّا عَمَلُ العجل واتخاذُه فليس فيه إبراز الذَّوَاتِ من العدم، فنبَّه بلفظ "البارئ" على الصانع المُوجِد ، واختصَّ هذا الموضع بذكر "البارئ" لأن معنى البارئ: الذى خَلَق الخَلْقَ بريئًا من التفاوت ومتميِّزًا بعضُه من بعض بالأشكال المختلفة والصور المتباينة؛ فكان فيه تقريع بما كان منهم من ترك عبادة العالم الحكيم الذى "بَرَأَهم" بلطف حكمته على الأشكال المختلفة،أبرياء من التفاوت والتنافر، إلى عبادة البقر التى هى مَثَلٌ فى الغباوة والبلادة.
• ويختص لفظ البارئ بوصف الله سبحانه وتعالى، فهو أَخَصُّ من الخالق؛
إذ البَرْءُ خَلْقٌ بترتيبٍ مُسْتَوٍ ، وفيه معنى تمييز المخلوقات بعضها من بعض
بأشكال مختلفة ، كما أنه لا بُدَّ فى معنى "بَرَأ" من حدوث المخلوق، فهو خلق حادث لا مُقدَّر، ويدل على هذا قول الله عز وجل:
- {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} الحديد/22. أى: نُحْدِثها ونُوجِدها؛ لأن تقدير المقادير سَبَقَ الإيجاد والإحداث.
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والثلاثون في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
*الفرق بين البديع ـ البارئ ـ الخالق ـ المصوِّر ـ الفاطر
• الخالق: وردت مادة "خ ل ق" فى كثير من آيات القرآن الحكيم، من ذلك:
- {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} البقرة/29.
- {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} الملك/2.
- {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} الانفطار/2.
وقد لخَّصَ الراغب الأصفهانى معانى الخلق فى القرآن على النحو التالى:
o إيجاد الشىءِ من عدم، ولا يكون هذا إلَّا لله سبحانه وتعالى.
o استمداد شىءٍ من شىءٍ آخر، وهذا يجوز إطلاقه على غير الله عز وجل، فقد جعله عز وجل لعيسى عليه السلام فقال سبحانه وتعالى:
- {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي} المائدة/ 110.
o التقدير: ولا يكون لغير الله عز وجل، إلا على سبيل الظنّ والتوهم
والزعم، ومن ذلك قوله عز وجل: {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} الروم/ 30، أى:
لِمَا قَدَّره وقضاه.
o الكذب، وهو نوع من اختراع الكذب وتقديره فى النفس ـ كما سبق ذكره ـ ومنه قول الله تبارك اسمه: {وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا} العنكبوت/ 17.
وكل موضع استُعمِلَ فيه الخَلْقُ فى وصف الكلام فالمراد به الكذب [17].
• وعلى ذلك فإن لفظ الخلق فى القرآن الكريم تتعدَّد معانيه بحسب سياقاته، ومرجعها جميعًا إلى التقدير، أو الإيجاد، أو استمداد شىء من شىء، أو تلفيق الكذب واختراعه.
• المصوِّر: ورد اسم الله "المُصَوِّر" فى آية واحدة من القرآن الكريم، هى قوله عز وجل:- {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} الحشر/ 24.
فالخالق: القادر الموُجِدُ من العدم، والبارئ خُصَّ بوصف الله عز وجل، وهو خَلْقٌ بترتيب مستوٍ، ثم التصوير بعد ذلك[18]، فالخلق أعَمُّ من البَرْءِ، والبَرْءُ أعمُّ من التصوير، ويختص الاسم المصوِّر بإعطاء الشىء صورته وهيئته بعد تقديره وترتيبه ترتيبًا مستويًا، فالمعتبر فيه ظهور الصور، كقول الله عز وجل: {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} غافر/ 64، وقوله عز وجل:
{الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} الانفطار/7-8
.أى: أوجدك من العدم، فجعلك سويًّا سالم الأعضاء، فصيَّرك معتدلًا متناسب الخلق من غير تفاوُت، كل هذا الترتيب يؤول إلى معنى التصوير، أى إعطاء المخلوق صورة من الصور المختلفة فى الحسن والقبح والطول والقِصَر والذكورة والأنوثة [19] ...إلخ.
• والملاحظ فى الاستعمال القرآنى لمادة "ص و ر" بمعنى الخلق أنها ارتبطت ـ فى أكثر المواضع ـ بخلق الإنسان، وفى هذا تنبيه على حسن صورة الإنسان وإتقانها، وأن المعتبر فى استعمال لفظ التصوير دون الخلق أو البرء ... أو غيره، هو الإشارة إلى الصورة والهيئة.
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والثلاثون في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
*الفرق بين البديع ـ البارئ ـ الخالق ـ المصوِّر ـ الفاطر
• الفاطر: تكرر ذكر مادة "ف ط ر" فى القرآن الكريم، ومن ذلك:
- {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الأنعام/14.
- {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} الأنعام/79.- {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} الروم/30.
فالفاطر من أسماء الله الحسنى، ومعناه كما سبق ذكره: الذى بدأ الخلق ابتداعًا.وفيه معنى آخر يفهم من آية الروم، قال الراغب: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} إشارة إلى ما فَطَر أى أَبْدَعَ ورَكَزَ فى الناس من معرفته عز وجل، وفِطْرة الله هى ما رَكَز فيه من قوته "يعنى الإنسان" على معرفة الإيمان، وهو المشار إليه بقول الله عز وجل: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} الزخرف/ 87.وعلى ذلك يختص الفَطْر بملمح دلالى مستقلٍّ هو معنى القابلية للإيمان بالله.
• ونخلُص مما سبق إلى أن لهذه الألفاظ ملمحًا دلاليًّا مشتركًا هو: الإيجاد، سواءٌ أكان الإيجاد إحداثًا أم تقديرًا.
ولكل واحد منها ملامح دلالية فارقة، على النحو التالى:
• البديع: يختص بإحداث شىء على غير مثال سابق، وفيه معنى الإحكام والإتقان.
• البارئ: يختص بالمُوجِد على الحقيقة، وهو الله عز وجل، كما يختص بمعنى التسوية والترتيب، وتمييز المخلوقات بعضها من بعض.
• الخالق: له معانٍ متعددة، ويتميز عن غيره من الألفاظ المقاربة بالملامح التالية : يكون بمعنى التقدير. يستعمل فى الخير والشر. وقد يُوصَف به غير الله عز وجل.
• المصوِّر: يختصُّ بملمح إعطاء المخلوق صورة من الصور، وفيه معنى الإتقان.
• الفاطر: يختص بملمح القابلية للهداية والإيمان. [ الأنترنت – موقع الدكتور محمد داوود ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والثلاثون في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
*حظ المؤمن من اسم الله البارئ:
أولاً: المؤمن كما قلنا لا بد أن تكون له دراسة جدوى في حياته بشكل عام، يخطط لحياته ولا يعيشها عبثا. فأول ما يستيقظ من نومه يأخذ بكلام العلماء في القيام بـ: (المشارطة، والمحاسبة، والمعاتبة، والمعاقبة) التي هي مراتب المحاسبة. المشارطة: يخطط ليومه من بدايته، يسجل ما يريد إنجازه في يومه ويحاسب نفسه بعد ذلك. المحاسبة: بعد انتهاء اليوم وقبل أن ينام، يبدأ ينظر في تنفيذ ما اشترطه على نفسه ويحاسبها فإن وجدها قصرت تأتي مرحلة المعاتبة: يعاتب نفسه على تقصيرها ويذكرها بالموت والآخرة وأن العمر رأس ماله. المعاقبة: ثم يعاقب نفسه بأن يحرمها من نزهة مع الأصدقاء، أو يحرمها من شراء شيء تحبه..يعاقبها فيما تحب. وهكذا في كل يوم فيصل مع الوقت إلى إحكام نفسه وتأييدها.
ثانيـا: قلنا برأ الشيء بمعنى تخلص ومنها يسعى المؤمن في تنزيه نفسه من العيوب والنقائص والآفات، وهي التزكية وسوف نفصل فيها لاحقا إن شاء الله. ثالـثا الإعذار: فقلنا أن المؤمن لكي يُعذر عند الله عز و جل عليه تلَمُّس الأعذار لغيره.
رابعـا: قلنا البري بمعنى التراب، فتشير لمعنى الذل والانكسار فأي مخلوق من تراب هذا الذي يتكبر وعلامَ؟
خامسـا تحقيق مبدأ الولاء والبراء: يبرأ فيها معنى البراءة أنه يبرأ من أشياء
ويُوالي أشياء، والولاء والبراء يتحقق في عدة معاني منها: أولا أن يبرأ إلى الله عز وجل من كل دين يخالف دين الإسلام. ويبرأ في خاصة نفسه من كل شهوة تخالف أمر ربه. ويبرأ من كل شبهة تخالف النص الذى ورد عن الله سبحانه وتعالى وعن رسوله. يبرأ من كل ولاء لغيرِ دين الله وشرعه ومن كل بدعة تخالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم يبرأ من كل معصية تؤثر على محبته لربه وقربه منه. سادسـا: إذا كان الله عز وجل برأ الخلق وأوجدهم على هذه الصورة المبدعة المذهلة التي ليس لها مثال سابق فحقها الإتقان فيما تستطيع إتقانه. أخبرنا النبي كما روى ذلك الطبراني الأوسط وصححه الألباني في الصحيح: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه» (صححه الألباني)، فالدقة في الصنعة هذا من شيم المؤمنين وبها يتلبس العبد باسم الله البارئ. [الأنترنت – موقع طريق الإسلام – المصدر: الكلم الطيب هاني حلمي عبد الحميد ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والثلاثون في موضوع (الباريء) وهي بعنوان : *بعضهم صاغ هذه المعاني شعرًا فقال: التفكر في آيات الله ومخلوقاته في الآفاق من خلال:
1 – التفكر في النفس:
لله فـــــي الآفاق آيات لعل ***أقلها هـو ما إليه هداك
ولعل ما في النفس من آياته ***عجب عجاب لو ترى عينـاك
﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾] سورة يونس الآية: 101[.
2 -التفكر في الكون:
والــــكون مشحون بأسرار إذا ***حاولـــت تفسيرًا لـها أعياك
قــل للطبيب تخطفته يد الردى ***مـــــن يا طبيب بطبه أرداك؟
قل للمريض نجا وعوفي بـعدما ***عجزت فنون الــطب من عافاك؟
3 -التفكر في خلق الإنسان:
قـل للصحيح يموت لا من علة ***بل بالمـــــنايا يا صحيح دهاك
قــل للبصير وكان يحذر حفرة ***فهو بها مـــــن ذا الذي أرداك
بل سأل الأعمى خطا بين الزحام*** بلا اصطدام مــــن يقود خطاك
الإنسان إذا فقد حاسة عوضه الله قدرات استثنائية.
قــل للجنين يعيش معزولًا بلا ***راع ومرعىً من الذي يـرعاك؟
قل للوليد بكى وأجهش بالبكا ***لدى الــولادة من الذي أبكــاك؟
حينما يبكي سد ثقب بوتال بين الأذنين.
4 -التفكر في المخلوقات:
وإذا ترى الثعبان ينفث سمه ***فسألـــه من ذا بالسموم حشاك
لماذا لدغة الثعبان تميت الإنسان؟ لأنها تهبط الضغط للصفر، أكثر أدوية الضغط مأخوذة من سم الثعبان.
واسأله كيف تعيش يا ثــعبان ***أو تحيا وهذا السم يملأ فــــاك
المعدة أليست لحمًا؟ ألا تأكل اللحم أيها الإنسان؟ فكيف يُهضم اللحم والمعدة لا تهضم نفسها، ألا تأكل أحيانًا أمعاء؟ سجق؟ لحم؟ لماذا المعدة لا تهضم نفسها؟
واسأل بطون النحل كيف تقاطر ***شهدًا وقـــل للشهد من حـلاك؟
يعني الفواكه كلها حلوة، لكن تستطيع أن توصف لي حلاوة المشمش من دون أن تذكر كلمة مشمش؟ غير الدراق، غير التفاح، غير الأجاص.
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والثلاثون في موضوع (الباريء) وهي بعنوان : *بعضهم صاغ هذه المعاني شعرًا فقال: التفكر في آيات الله ومخلوقاته في الآفاق من خلال:
5 -التفكر في عظمة الله عز وجل:
بل اسأل اللبن المصفى كان ***بين دم وفرث مـا الذي صفــاك؟
الغدة الثديية فوقها في شبكة أوعية، تختار من الدم:
﴿ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ ﴾] سورة النحل [.
كيف اختارت هذه الخلية الغير عاقلة الغذاء الكامل للإنسان؟
وإذا رأيت الــحيّ يـخرج من ***حنايا ميت فاسأله مــن أحيـاك؟
قــل للهواء تحسه الأيدي ويخفى ***عن عيون الناس من أخـفاك؟
6 -التفكر في الهواء:
هذا الهواء لا نراه اليوم، يحمل طائرة وزنها 350 طن، هذه الجانبو 380 يمكن أضعاف وزنها، تحمل ألف راكب، ما الذي يحملها؟ الهواء، ولا تراه أنت، لطيف تمشي خلاله، لكن يحمل طائرة:
قــل للهواء تحسه الأيدي ويخفى ***عن عيون الناس من أخفاك؟
قـل للنبات يجف بعد تعهد ورعاية ***مـــن بالجفاف رمـاك؟
7 -التفكر في النبات:
في نبات في الصحراء يعطيك ماء لأن الماء مادة أساسية في الصحراء،
نبات يعطياك بضعة مترات من الماء إذا جرحته، يعني إسعاف ماء إسعاف.
وإذا رأيت النبت فـي الصحراء ***يربو وحده فاسأله مــن أرباك؟
وإذا رأيت الــبدر يسري ناشرًا ***أنواره فاسأله مــــن أسراك؟
واسأل شعاع الـشمس يدنو وهي ***أبعد كل شيء مــا الذي أدناك؟
8 -التفكر في الكون:
بعد الشمس عنا 156 مليون كم، وأنت الآن تجلس في الشمس تشعر بالدفء الأثر واصل من 156 مليون كم.
واسأل شعاع الـشمس يدنو وهي ***أبعد كل شيء مــا الذي أدناك؟
قــل للمرير من الثمار من الذي ***بالمـــر من دون الثمار رداك؟
أحيانًا تأكل خيارة مرة، من أجل أن تعرف قيمة الخيارة الثانية، من وضع المرار بهذه الفاكهة؟.
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والثلاثون في موضوع (الباريء) وهي بعنوان : *بعضهم صاغ هذه المعاني شعرًا فقال: التفكر في آيات الله ومخلوقاته في الآفاق من خلال:
9 -التفكر في النخل:
وإذا رأيت النخل مشقوق النوى تسأله ***من يا نخــل شق نواك؟ النخل يعيش ستة آلاف سنة، هناك نخل أكل منه النبي عليه الصلاة والسلام ويأكل منه الآن أهل المدينة، أطول شجرة النخلة، ستة آلاف سنة من عهد الفراعنة.
10 -التفكر في كل شيء في الطبيعة من نار ونهر وبحر وجبل:
وإذا رأيت النار شبّ لـهيبها ***فاسأل لـهيب النار من أوراك؟
وإذا ترى الجبل الأشم مناطحًا ***قمم الساحب فاسأله من أرساك؟
من جعل الجبل ثلثه فوق الأرض، وثلثاه تحت الأرض، الجبال أوتاد.
وإذا ترى صخرًا تفجر بالمـاء ***فاسأله من بالماء شقّ صفـاك؟
وإذا رأيت النهر بالعذب الزلال ***جرى فاسأله من الذي أجـراك؟
وإذا رأيت النهر بالعذب الزلال جرى ***فاسأله مـن الذي أجـراك؟
وإذا رأيت البحر بالملح الأجاج طغى ***فاسأله مـن الذي أطـغاك؟
من جعله مالحًا؟ وإلا فسد.
وإذا رأيت الليل يغشى داجيا ً ***فاسأله من يا لــيل حاك دجاك؟
سبحان الله! أين النهار إذا جاء الليل؟ لا ترى شيئًا، أين الليل إذا جاء النهار؟
وإذا رأيت الصبح يسفل ضاحيًا ***فاسأله من يا صبح صاغ ضحاك؟
ستجيب ما في الكون مـن آياته ***عجب عجاب لــو ترى عيناك؟
طريق الإيمان بالله التفكر في خلق السماوات والأرض:
﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾] سورة آل عمران [
ربي لك الحمد الـعظيم لذاتك ***حمدًا وليس لــــــواحد إلاك
الحمد لله يا مـدرك الأبصار والأبصار ***لا تدري له ولكونه إدراك
إن لـم تكن عيني تراك فإنني فــــي ***كل شيء أستبين علاك
من ازداد تفكرًا في عظمة الله عز وجل ازداد طاعة له وخشية منه:
الآن الصوص في البيضة، كيف يخرج؟ ما في طريقة، ينمو له نتوء مؤنف دقيق مدبب على منخاره، هذا النتوء يقذفه، ويكسر القشرة، ويخرج، بعد حين هذا النتوء يضمر ويتلاشى.
العين أنسب مكان لها بالمحجر، الدماغ بالجمجمة، والنخاع الشوكي بالعمود
الفقري، والقلب بالقفص الصدري، والرحم بعظم الحوض، ومعامل كريات الدم الحمراء في نقي العظام، شيء مدهش.
باب التفكر لا ينتهي، وكلما ازددت تفكرًا في عظمة الله عز وجل ازددت له طاعة، وخشية وحبًا.التفكر أقصر طريق إلى الله عز وجل
[ الأنترنت – موقع شرح اسم الله (البارئ) -أسماء الله الحسنى - لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الأربعون في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
*آيات ورد فيها اسم الله "الْبَارِئُ"
#هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ﴿٢٤ الحشر﴾
#إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَىٰ بَارِئِكُمْ ﴿٥٤ البقرة﴾
#فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ ﴿٥٤ البقرة﴾
#إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ ﴿١٦٦ البقرة﴾
#وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا ﴿١٦٧ البقرة﴾
#وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴿٤٩ آل عمران﴾
#وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴿١١٢ النساء﴾ #وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي ﴿١١٠ المائدة﴾
#قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ﴿١٩ الأنعام﴾
#فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ﴿٧٨ الأنعام﴾
#إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ ﴿٤٨ الأنفال﴾
#بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿١ التوبة﴾
#أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ﴿٣ التوبة﴾
#فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ﴿١١٤ التوبة﴾
#أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ ﴿٤١ يونس﴾
#قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ ﴿٣٥ هود﴾
#قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ﴿٥٤ هود﴾
#وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ﴿٥٣ يوسف﴾
#أُولَٰئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴿٢٦ النور﴾
#فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ ﴿٢١٦ الشعراء﴾
#أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ ﴿٦٣ القصص﴾
#لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَىٰ فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا ﴿٦٩ الأحزاب﴾
#وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ ﴿٢٦ الزخرف﴾ [ الأنترنت – موقع المعاني - الْبَارِئُ ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والأربعون في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
*خطبة جمعة بعنوان : (اسم الله البارئ )
سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته, سبحان ربنا اتصف بكل جمال وكمال وعظمة, خالق الخلق ورازقهم، ومحييهم ومميتهم، موصوف بكل كمال وجلال، وكل عظمة وعلو مقام، سبحانه تفرد بالكبرياء الذي لا يُنال، له المثل الأعلى في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم.
انظر في نفسك -يا عبد الله- وتبصر في مبدأ خلقك، كيف أخرج البارئ الخالق -سبحانه- من بين الصلب والترائب الماءَ الدافق، وهو نطفة من ماء مهين، ثم جمعها في الرحم في قرار مكين، ثم صرّف تلك النطفة طورًا بعد طورٍ، وطبقًا بعد طبق، حتى كمل في الظلمات الخلق، ثم تأمل كيف انقلبت تلك النطفة الضعيفة المهينة؛ إلى العظام الصلبة المتينة، فجعل الله تعالى منها الرأس، وهو أشرف الأعضاء، وصانه بأنواع من الصيانات التي تدفع عنه الآفات والأدواء، وشق فيه البصر والسمع، وربطهما بالقلب ليعقل بهما خطاب الشرع.
وتأمل كيف حفظ الرب تعالى للإنسان حاسة السمع والبصر والكلام، من مؤذيات الدواب والهوام، فجعل داخل منفذ السمع مُرًّا قاتلاً غير مستساغ؛ لئلا تلج فيها دابة مؤذية فتخلص إلى الدماغ، وجعل داخل بابي البصر مادة مالحة الطعم؛ لئلا تذيب الحرارة الدائمة ما هنالك من الشحم، وجعل داخل باب الطعام والشراب حلوَ اللُّعاب؛ ليسيغ به ما يأكله ويشربه، فلا يتنغص به الطعام والشراب، فسبحان الله الخالق البارئ المصور، وصدق الله إذ يقول: (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ) [الذاريات: 21].
ثم تأمل -أخي- شكل الأنف وخِلْقته، وكيف نصبه -سبحانه- في وسط الوجه، وفتح فيه منفذين، ليستغني الإنسان عن فتح فمه في التنفس بالمنخرين، وجعل بينهما حاجزًا حتى كأنهما في حكم الأنفين، فيكونان بمنزلة العينين، والأذنين، واليدين، والرجلين.
كل هذه معجزات وآيات في خلق البارئ سبحانه لمخلوقاته، فالله تبارك وتعالى هو الخالق البارئ المصور، الذي خلق الخلق، وصوَّرهم على صور مختلفة، وهيئات متباينة، من الطول والقِصر، والحسن والجمال، والذكورة والأنوثة، والشكل واللون، كل واحد ميَّزه ربه بصورة خاصة، يتميز بها عن غيره من المخلوقات، فلكل مخلوق طبعة خاصة، وصورة مستقلة، وسبحان المصور إذا أراد شيئًا قال له: كن، فيكون على الصورة التي يختار، والصفة التي يريد، وبرأ خلقه على الأشكال والهيئات التي توافق تقديره وعلمه، ورحمته وحكمته، والتي تتناسب مع مصالح الخلق ومنافعهم، فسبحان الخالق البارئ المصور، الذي خلق المخلوقات، وصوّر الكائنات، وأحسن كل شيء خلقه.
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والأربعون في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
*خطبة جمعة بعنوان : (اسم الله البارئ )
وسبحان البارئ الملك الذي له الملك كله، فلا يخرج مخلوق عن ملكه، وله الحمد كله: حمد على ما له من صفات الكمال والجلال والجمال، وحمد على ما أوجده من الأشياء، وأحسن خلْقَها، وحمد على ما شرعه من الأحكام، وأسداه من النعم العظام. وتبارك الخالق البارئ المصور، الذي خلق السموات والأرض وما فيهما، فأحسن خلقهما، وخلق الإنسان في أحسن صورة، وأكمل هيئة، وأحسن تقويم، جل ربنا وتعالى.
أيها المسلمون: لقد أثنى الله -تبارك وتعالى- على ذاته العلية، فوصف نفسه بأنه البارئ، قال تعالى: (هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) [الحشر: 24]. قال الطاهر ابن عاشور: “الْخَالِقُ عَامٌّ، وَالْبَارِئُ أَخَصُّ مِنْهُ، وَالْمُصَوِّرُ أَخَصُّ مِنَ الْأَخَصِّ“. [التحرير والتنوير (28 / 124)].
وتفرد ربنا البارئ -سبحانه- بتنفيذ وإبراز ما قدّره وقرَّره إلى الوجود، وليس
كل من قدَّر شيئًا ورتّبه يقدر على تنفيذه وإيجاده سوى الله عز وجل، فالله -سبحانه- له قدرة تُمضِي وتنفّذ، وغيره يقدّر أشياء وهو عاجز عن إنفاذها وإمضائها، فسبحان البارئ الذي برأ الخلق فأوجدهم، وخلقهم بقدرته، وفضّل بعض الخلق على بعض، وأبدع الماء والتراب، والهواء والنار لا من شيء، ثم خلق الإنسان من تراب، وجعل من الماء كل شيء حي.
قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ
التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [البقرة: 54]، ينادي كليم الله موسى قومه أن يتوبوا إلى الذي خلقهم من العدم، وأعطاهم من النعم وأسبغ عليهم نعمه ومننه وأفضاله، توبوا إليه وعودوا إليه، فسبحان الخالق البارئ: (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) [السجدة: 7].
وقد أثنى نبينا -صلى الله عليه وسلم- على ربه -تبارك وتعالى-، وأحسن عليه الثناء، ووصفه بأنه الذي برأ كل الموجودات، وخلقهم، وملكهم، فعن أَبي التَّيَّاحِ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ خَنْبَشٍ التيمي -رضي الله عنه-: كَيْفَ صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ كَادَتْهُ الشَّيَاطِينُ؟ قَالَ: جَاءَتْ الشَّيَاطِينُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ الْأَوْدِيَةِ، وَتَحَدَّرَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْجِبَالِ، وَفِيهِمْ شَيْطَانٌ مَعَهُ شُعْلَةٌ مِنْ نَارٍ؛ يُرِيدُ أَنْ يُحْرِقَ بِهَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: فَرُعِبَ، -قَالَ جَعْفَرٌ: أَحْسَبُهُ قَالَ: جَعَلَ يَتَأَخَّرُ- قَالَ: وَجَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام، فَقَالَ: “يَا مُحَمَّدُ قُلْ، قَالَ: مَا أَقُولُ؟ قَالَ: قُلْ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، وَذَرَأَ وَبَرَأَ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا، وَمِنْ شَرِّ مَا ذَرَأَ فِي الْأَرْضِ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَمِنْ شَرِّ فِتَنِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ طَارِقٍ إِلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ، فَطَفِئَتْ نَارُ الشَّيَاطِينِ، وَهَزَمَهُمُ اللَّهُ -تبارك وتعالى-” [أخرجه أحمد (15461)، وحسّنه الألباني في صحيح الترغيب (1602)]. قال الملا علي القاري: قوله: (وَذَرَأَ) بِالْهَمْزِ أَيْ بَثَّ وَنَشَرَ، (وَبَرَأَ) أَيْ أوجد مُبَرَّأً عَنِ التَّفَاوُتِ، فَخَلَقَ كُلَّ عُضْوٍ عَلَى مَا يَنْبَغِي، قَالَ تَعَالَى: (مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ)[الملك: 3] [مرقاة المفاتيح 5/ 1718].
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والأربعون في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
*خطبة جمعة بعنوان : (اسم الله البارئ )
أيها المسلمون: والبارئ لغةً يدل على الخلق والإيجاد على غير مثال سابق، وخلوص الشيء من غيره. والبارئ -سبحانه- هو المنفرد بخلق جميع المخلوقات، المبدع للأشياء على غير مثال سابق، برأ بحكمته جميع البريات، وصوّر بإحكامه وحسن خَلْقه جميع الكائنات، فخَلَقها وأبدعها، وفطرها في الوقت المناسب لها، فأبرزها للوجود من العدم، وقدّر خلقها وأحسن تقديرها على غير مثال سابق، وصنعها أتقن صنع، وهداها لمصالحها، وأعطى كل شيء خلقه اللائق به، ثم هدى كل مخلوق لما هُيِّئَ وخُلِق له. والمبرز لها من العدم إلى الوجود، وفصل كل جنس عن الآخر، وصوّر كل مخلوق بما يناسب الغاية من خلقه.
والبارئ -سبحانه- هو الذي خلق الخلق بريئًا من التفاوت والتناقض، سليمًا من التباين والاعوجاج، فخلقه -سبحانه- كله مستوٍ مستقيم، محكَم متقَن، دالّ على كمال قدرة خالقه وعظمته، قال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ) [الملك: 3]. فهو الذي يبرئ جوهر المخلوقات من الآفات، وهو مُوجِد الأشياء بريئة من التفاوت وعدم التناسق، وهو مُعطي كل مخلوق صفته التي علّمها له في الأزل، وبعض العلماء يقول: إن اسم البارئ يُدْعَى به للسلامة من الآفات، وأن مَن أكثرَ مِن ذِكْره نالَ السلامةَ من المكروه.
واعلموا -عباد الله- أن أسماء ربنا -سبحانه- الثلاثة (الخالق والبارئ
والمصور) أسماء متلازمة متآلفة في غايتها، تجمع بينها العلاقة المترابطة في عملية الخلق؛ خلقًا وبرءًا وتصويرًا؛ فالله -عز وجل- هو الذي أعطى كل شيء صورته، ليس معنى الصورة الشكل الخارجي بل القَوام الكامل.
فإذا كان اسم الله الخالق يعني: هو الموجد الذي يَدين له كلُّ ما في الكون بالوجود، وهو خالق جميع المخلوقات والناس جميعًا من ذريَّة آدم عليه السلام الَّذي نفخ فيه من روحه، فكان من نسله كلُّ الناس الَّذين تفرَّقوا في الأرض أجناسًا، وتشعَّبوا عروقًا وألوانًا. فإن اسم البارئ هو اسم مرتبط باسم الخالق؛ لأن الخلق والبرء صفتان متصلتان والفارق بينهما يسير ودقيق. فإذا كان الخَلق هو التصميم والتقدير، فإن البرء هو التنفيذ والإخراج. وإذا قلنا: إن الله -عز وجل- خلق الإنسان، فمعنى ذلك أنه استحدثه وأوجده من العدم المطلق، وإذا قلنا: برأ الله الإنسان، فمعنى ذلك أنه استحدثه وأوجده من العدم المطلق في خِلْقَة تناسب المهمة والغاية التي خُلق من أجلها.
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والأربعون في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
*خطبة جمعة بعنوان : (اسم الله البارئ )
فالخالق قد يخلق الشيء مناسبًا أو غير مناسب، أما البارئ فلا يخلق الشيء إلا مناسبًا للغاية التي أرادها من خلقه، ويؤخذ ذلك من قوله تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ) [التين: 4، 5]، فلو كان فعل الخلق يشير إلى درجة الخلق من الحسن أو القبح لما أضاف المولى -عز وجل- عبارة في أحسن تقويم، ولو كان اسم الله -عز وجل- البارئ مرادفًا مرادفة تامة لاسمه الخالق لما قال -تبارك وتعالى-: (هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [الحشر: 24]، ففرّق بينهما -سبحانه- وقد وردا في سياق واحد.
وإذا تأملنا –عباد الله- الكون المحيط بنا سنلاحظ أن الله -عز وجل- قد خلق كل شيء صالحًا لمهمته، مناسبًا للغاية من خلقه، ومتوائمًا مع المحيط
الذي وُضع فيه. فالإنسان خُلق ليكون خليفة الله -عز وجل- على الأرض، وليكون عارفًا بالله، عابدًا له، متأملاً في ملكوته؛ لذلك برأه في خِلْقَة تناسب جلال الغاية، فبرأه في أحس تقويم. أي أحسن خِلْقة، فجعله أحسن المخلوقات من حيث التركيب، ومن حيث الشكل، مألوفًا من سائر الكائنات الحية، ومكَّنه مما يساعده على الحياة.
واعلموا –رحمني الله وإياكم- أن البارئ -سبحانه- هو الموجد المبدع، برأ الخلق وميَّز بعضهم عن بعض، فهذا أبيض وهذا أسود، هذا عربي وهذا
أعجمي.. طويل وقصير، وهكذا، وهو الذي خلق الخلق بريئًا من التفاوت، قال -سبحانه-: (مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ) [الملك: 3]، أي: خلقهم خلقًا مستويًا ليس فيه اختلاف ولا تنافر، ولا نقص ولا عيب ولا خلل، فهم أبرياء من ذلك كله.
فسبحان مَن لا تسعد النفوس إلا بمعرفته، ولا تطمئن القلوب إلا بذكره، ولا تسكن الأرواح إلا إليه، ولا يُحَب لذاته سواه، فأحبوا البارئ -سبحانه-، خلقكم فأحسن صوركم وبرأكم في أجمل الأشكال، واعبدوه واشكروا له، وسبحوا بحمده. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا جميعًا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأستغفر الله العظيم وأتوب إلى البارئ الكريم؛ فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.
واعلموا -عباد الله- أنه ينبغي للعبد أن يدعو الله بأسمائه الحسنى، ويثني على ربه بجميل الصفات وكمال النعوت، فيدعو ربه باسمه تعالى “البارئ”، ويتعبد لربه ويتخلق باسم الله البارئ، ويراعي ربه في سلوكه، فيبرأ إلى الله من كل شهوة تخالف أمره، ومن كل شبهة تخالف خبره، ومن كل ولاء لغير دينه وشرعه، ومن كل بدعة تخالف سنة نبيه، ومن كل معصية تؤثر على محبة الله وقربه، ورضاه -سبحانه- عن عبده. كما يجب على العبد أن يتقي الله -عز وجل- في عمله، فيخلص فيه، ويتقنه ما استطاع؛ ليظهر جمال الصنعة؛ توحيدًا لمن برأ وخلق -سبحانه-، وعلّمه ما لم يكن يعلم، ومنحه قوة على التفكير والإبداع.
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والأربعون في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
*خطبة جمعة بعنوان : (اسم الله البارئ )
أيها المسلمون: ومن الأمور التي يحسن بالعبد الموفق في تعبده لربه البارئ أن يلتفت إليها: أن يعمل العبد على تزكية نفسه، وتنزيهها وتبرئتها من العيوب ما أمكن، وهي قضية أساسية في حياة المؤمن، وقد كانت هي مهمة النبي -صلى الله عليه وسلم- الأولى قال الله تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) [الجمعة: 2]، وضمن الله الفلاح لمن قام على تزكية نفسه، فقال: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) [الشمس: 9، 10]،
قال السعدي: “أي: طهّر نفسه من الذنوب، ونقّاها من العيوب، ورقاها بطاعة الله، وعلاها بالعلم النافع والعمل الصالح“.
كما يحرص العبد الموفق على التماس العذر للآخرين، وإقالة عثرتهم، ومغفرة
زلتهم، حتى يكون معذورًا عند الله -سبحانه- وتعالى، فيجازيه ويعامله بما
عامل به غيرَه، والجزاء من جنس العمل.
وعلى المسلم أن يذل للبارئ، وينكسر بين يديه، ويعرف حقيقة نفسه، وأصل خِلقته، فلا يتكبر على الناس، ولا يُعجب بنفسه ويغتر بما وهبه الله، وقد خاطب مطرف بن عبد الله بن الشخير -رحمه الله- المهلبَ بنَ أبي صفرة -الوالي- عندما رآه يتبختر مرتديًا الحرير، فقال له: يا عبد الله، ما هذه المشية التي يبغضها الله تعالى؟ فقال له : أتعرفني؟ -وسبحان الله! فهذه كلمة كل معجب بنفسه، متكبر على غيره، يقول له: هل تعرف مع من تتحدث؟!!- فقال له المهلب: أتعرفني؟ قال: “نعم إن أولك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة، وأنت بين هذا وذاك تحمل العَذِرَة” [الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/180].
وإذا علم العبد منا نفسه، وأصل خلقته، تواضع للبارئ -سبحانه-، ونسب الفضل كله إليه، قال البارئ تقدست أسماؤه: (أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ) [المرسلات: 20]، وقال جل ثناؤه: (قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ) [عبس: 17 – 19]، فالبارئ -سبحانه- خلق من أضعف الأشياء وأقلها أجمل الصور وأعظمها، فلا يغتر إنسان بالظاهر وينسى الأصل، بل عليه أن يعرف أن الذي جمَّله وصوَّره وأبدعه هو بارئ البرايا البارئ، -سبحانه- وتعالى و-عز وجل-.
وعلى المسلم الصادق أن يبرأ إلى الله -عز وجل- من كل شرع لم يرضَ الله عنه، ومن تحكيم غيره، ويبرأ في خاصة نفسه من كل شهوة تخالف أمر ربه، أو شبهة تخالف ما ثبت عن الله ورسوله، ويبرأ من كل بدعة في الدين تخالف هدي النبي عليه الصلاة والسلام، ومن كل معصيةٍ تبعده عن محبة
الله له ورسوله.
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والأربعون في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
*خطبة جمعة بعنوان : (اسم الله البارئ )
ويلزمك -يا عبد الله- التبرؤ من الكافرين، والحذر من سلوك طريقهم. وتمثل قول إبراهيم الخليل عليه السلام: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ..) [الممتحنة:4]. وضع نصب عينك أخي أمر ربك لنبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-: (وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) [الأنعام:19]، وكذا قول الله تعالى: (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ) [التوبة: 114].
وعلمتنا السنة كيف نبرأ من المعاصي، فعن صفوان بن محرز -رضي الله
عنه- أنه قال: “أُغْمِيَ عَلَى أَبِي مُوسَى، فَبَكَوْا عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَبْرَأُ إِلَيْكُمْ كَمَا بَرِئَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، لَيْسَ مِنَّا مَنْ حَلَقَ، وَلَا خَرَقَ، وَلَا سَلَقَ” [صحيح ابن ماجه (1586)] أي: الصراخ والعويل، وشق الملابس، وما يكون على الميت من تقَوُّلٍ على القدر، ونحو هذا مما لا يجوز ولا يصح.
وعن أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: “إِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ”. أَيْ: مَنْ كَرِهَ بِقَلْبِهِ وَأَنْكَرَ بِقَلْبِهِ يسلم وينجو. [مسلم (4907)]، وهذا في شأن التبرؤ من المنكر، فأقل درجاته أن يكره المنكر بقلبه ولا يرضاه. وسكت النبي -صلى الله عليه وسلم- عمن رضي وتابع، كناية عن شدة حاله.
واعلموا -إخوة الإسلام- أن العبد الموفق يجب أن يكون متقنًا لعمله محسنًا فيه، فإذا كان الله -عز وجل- قد برأ الخلق وأوجدهم على هذه الهيئة المبدعة المذهلة لا على مثالٍ سابق، فحاطها بالإتقان والجودة، فأقل حق منك أن تكون متقنًا محسنًا فيما تستطيع عمله. فقد روت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ” [صحيح الجامع (1880)]، وهذا من شيم المؤمنين، وقوله يتقنه أي: يحكمه؛ وذلك لأنّ الإمداد الإلهي ينزل على العامل بحسب عمله، فكل من كان عمله أتقن وأكمل فالحسنات تُضاعف أكثر، وإذا أكثر العبد أحبه الله تعالى. فاحرصوا -عباد الله- على محبة البارئ -سبحانه-، واخضعوا لأمره، وانقادوا لشرعه، جنبني الله وإياكم مضلات الفتن، ووقانا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وأسأل الله أن يسعدنا بتقواه، وأن يجعل خير أيامنا وأسعد لحظاتنا يوم أن نلقاه.
[الأنترنت – موقع ملتقى الخطباء - خطبة جمعة بعنوان : (اسم الله البارئ ) - الفريق العلمي]
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والأربعون في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
* العدد 99 يتجلى في أواخر سورة الحشر
لنطلع على هذه اللطيفة العددية التي تتجلى في أواخر آيات سورة الحشر التي ذكر فيها أسماء الله الحسنى....
سورة عظيمة طالما قرأناها ورددناها وسمعناها ولكن نادراً ما نلتفت
لأسرارها.. إنها سورة الحشر والتي تتميز بآية عظيمة جداً تخشع لها القلوب يقول تعالى: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [الحشر: 21]. فما سر هذه الآية؟
السر يأتي في الآيات التي تليها والتي تتحدث عن أسماء الله الحسنى، يقول تعالى: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ
* هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ
الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [الحشر: 22-24].
إنه أقصر نص يحوي عدداً كبيراً من أسماء الله الحسنى، ونحن نعلم أن أسماء الله الحسنى عددها 99 اسماً من أحصاها دخل الجنة، ومن معاني (أحصاها) الواردة في الحديث الصحيح (إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة) [رواه البخاري]، أي تدبرها وعلم معانيها ودعا الله بها
وعرف أسرارها.
ومن الأسرار العجيبة ما يتجلى بلغة الأرقام، فالنبي صلى الله عليه وسلم ربط بين أسماء الله الحسنى وبين العدد 99 إذاً هذا العدد له أسرار ولم يأت عبثاً، ولو كان القرآن من تأليف بشر لما رأينا فيه هذا الإعجاز الذي سنعيش معه الآن لأول مرة..
دعونا الآن نكتب الأسماء الحسنى التي وردت في كل آية من آيات النص الكريم:
1- (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ)
هذه الآية ثلاثة أسماء هي: الله – الرحمن – الرحيم .
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والأربعون في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
* العدد 99 يتجلى في أواخر سورة الحشر
2-(هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) لدينا في هذه الآية تسعة أسماء (عدا اسم الله الأخير لأنه مكرر) .
3- (هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) لدينا في هذه الآية الأخيرة ستة أسماء .
إذاً لدينا في الآية الأولى 3 أسماء وفي الآية الثانية 9 أسماء وفي الآية الثالثة
6 أسماء، لماذا اختار الله تعالى هذه الأرقام بالذات؟ هناك ترتيب مذهل
يتعلق بالعدد 99، ولكن كيف؟
لنتبع طريقة صف الأعداد التي أثبتت إعجازها في القرآن الكريم مع الرقم سبعة، لنختبر هذه الطريقة هل تحقق لنا تناسقاً مع العدد 99؟
نقوم بصف عدد أسماء الله الحسنى الواردة في كل آية من الآيات الثلاثة على الترتيب:
الآية الأولى الآية الثانية الآية الثالثة
3 9 6
وهنا يتجلى العدد المعجز 693 ست مائة وثلاثة وتسعون، هذا العدد عندما نحلله يعطينا:
693 = 7 × 99
فالرقم 7 هو الرقم المعجز في القرآن والعدد 99 هو عدد أسماء الله الحسنى.. سبحان الله! ولا ننسى أن هذا العدد المعجز 693 الذي يمثل أسماء الله الحسنى في الآيات الثلاث يمكن كتابته بطريقة أخرى هكذا:
693 = 11 × 63 والعدد 63 هو عدد السنوات التي عاشها النبي
الكريم صلى الله عليه وسلم.
[ الأنترنت – موقع اسرار الإعجاز العلمي - العدد 99 يتجلى في أواخر سورة الحشر– د عبد الدائم الكحيل ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والأربعون في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
*الإعجاز اللغوي – الأبجدية (للباريء) :
و معنى( البارئ) هل هو المنشئ الموجد كما وجدناه في تفاسير السلف الصالح؟؟؟ فما تفسير القرآن:
. في هذه الآية الكريمة نجد أن اسم (البارئ) جاء بين اسمين مترادفين هما ( الخالق المصور) فكان معناها لا بد أن يكون وسيطا لها وما نراه من معنى للاسم الأول (الخالق) أي ( الخلق والخلق هو ما يكون قبل التصوير ) ولو كان الخلق والبر والتصوير لهما نفس المعنى لما كان تكرارها تتاليا – كما ثبت لنا في قضية أسماء الله الحسنى ( القاهر والقهار) والذي اعتقد المفسرون أن لهما نفس المعنى فاكتفوا بالقهار دون القاهر وثبت لنا من تفسير القرآن ذاته خلافا كبيرا بين المعنى فكان استثناء اسم القاهر خطأ كبيرا علما أن الله تعالى سمى ذاته العليا به في القرآن فتدخل الإنسان واستثناه جهلا لا عدوانا وقلنا أن كلمات الله محكمات لا يشوبها خلل وعليه لا يجوز أن نعتقد فيها الخلل فنتصرف كما فعل بعض المفسرين والعياذ بالله؟ لهذا وجب علينا توضيح الفرق بين معاني ( الخالق البارئ المصور) حتى نفهم لماذا اختار الله تعالى ثلاث أسماء يعتقد المفسرون أنها واحدة وعليه – لو كانت واحدة- يكون هناك خلل في النظم ..وهذا مرفوض الاعتقاد به جزما لقول الله تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ... }ولقوله: {وَمَا كَانَ هَـذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ }...فأين الحق إذن ( الصحيح للتفسير) نقول انظر ما تفسره الآيات ذاتها لتعرف الحق: لان كلمة الخلق سبقت التصوير فالخلق شئ والتصوير شئ آخر لنرى قول الله في ذلك:
قال الله تعالى على لسان نبيه عيسى عليه السلام {أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ}.... هل وجدت شيئا من التفسير على لسان نبي الله ؟ لاحظ انه يخلق من الطين ( المادة الخام للتصوير) ثم ( ينفخ فيه) أي يصوره , ثم يبرئ الأكمه والأبرص.... هنا لم يرتب النبي عيسى عليه السلام قدراته كما رتب ربه تعالى بعظمته, لان عيسى نبيا يفعل ( بإذن الله) وليس بقدرة الله... فكانت له قدرات محدودة ... ونتساءل: هل كان عيسى عليه السلام رساما أو مصورا يستطيع أن يجسد تمام التصوير كما الله تعالى ؟ لا, وهو يقر بذلك في قوله ( أخلق لكم من الطين كهيئة الطير) وليس كالطير تماما... إذن هو لم يقل أخلق وأبرئ وأصور كما قال الله تعالى؟؟؟ هناك شئ لم يتمكن منه النبي عليه السلام فما هو ؟؟؟ هو ( الإبراء) وهذا ما نحاول معرفته ليقيننا أن الله تعالى لم يسمي ذاته بثلاث أسماء بنفس المعنى ( الخالق البارئ المصور) فلا بد أن لكل اسم معنى خاص به .... فهل أنت معي ؟؟؟ أعتقد نعم لان كلمات الله تعالى كما أخبرنا لا تنفذ ولو كتبت بمداد يساوي مياه بحرين وذلك قوله تعالى: {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً } فهل ندعي نحن البشر على الله تعالى أنه جاء بثلاث أسماء وهي اسم واحد كما فسر المفسرون ( الخالق) (البارئ الخالق) لا يجوز ؟؟؟؟ فسبحان الله كيف يخطيء المسلم عندما يتدخل بالحكم على ما لا يستطيع فهمه فيغير فيه ليحبك الأمور على قدر ما فهم فمن استبعد أسماء - سمى الله ذاته بها - تدخل ببشريته في شأن هو من شئون الله فقط ,جهلا وبشرية متواضعة وهذا شأن أمتنا اليوم وانتشار فتاوى لا تحصى وكأنهم بالقرآن لا يحتوي على ما يفتون به بل هو كتاب الله تعالى الذي قال فيه الله جل وعلا: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } فمن لا يتدبر القرآن جيدا ...يفتي من عنده رغم قول الله تعالى:{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ ) فلا حول ولا قوة الا بالله...
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخمسون في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
*الإعجاز اللغوي – الأبجدية (للباريء) :
لنبحث معا عن معنى الخالق أولا لنفهم ما يليها فنرى الآية التالية تحسم لنا الموضوع في قضية الخلق ومعناها والخالق وتفسيرها فانظر قول الله تعالى:
الخلق أولا: لنرى معنى الخلق..
قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ }{والجان خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ }المعنى هنا أن الخلق قبل النفس وهو غير مبرئ وغير مصور فالخلق إذن ( يسبق الإبراء و ما قبل الإبراء) أي هو (إعداد المواد الخام) بمفهومنا الحاضر , والمادة الخام لخلق الإنسان هو الطين وللجن هو النار وللملائكة هو النور ....{وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ } هذه الآية تبين الإعجاز الكامل لله تعالى في قدرته ذاته فقط على إيجاد المادة الخام الأصل وهذا ما لا يستطيعه بشر فالإنسان يجد الطين ولا يخلقه والله يخلق الطين ويبرئ فيه ويصوره والفارق هنا الإعجاز فانا نقول الله خالق فذلك لا جدال فيه وان نقول الإنسان خالق فلا يمكن أبدا لان الخلق هو إيجاد الشئ من العدم ؟؟؟ انتهى تفسير الخلق ومعناه . لننتقل إلى البارئ والبرء...
اتفقنا اذن على أن الخلق هو إيجاد المادة الخام... لنرى آية أخرى لبعض مراحل الخلق الخاصة بخلق لإنسان مثلا : {فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً} لاحظ المراحل هي بعد التراب ( والتراب هو أصل الخلق أو مادته الخام) المراحل هي خمس مراحل .. نطفه , علقه,مضغه,إقرار في الرحم وهي مدة الحمل,وأخيرا طفل لهذا بحث خاص لنرى معنى قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ } بدأت تنجلي لنا مرحلة (قضاء أجل مسمى عند الله) وهي مرحلة ما بعد الخلق وما قبل التصوير (والتصوير هنا جاء في قوله ( ثم أنتم تمترون ) أي أحياء وتفعلون ما تفعلون ؟؟؟ لاحظ الترتيب في (ثم) ...فهل..(قضاء أجل مسمى عند الله) هو الإبراء الذي نبحث عن معناه ؟؟؟ على اعتباره مرحلة من مراحل الخلق أو هو مما بعد الخلق ؟؟ إذا كان الخلق للإنسان ما بعد – الطين أي ما بعد خلق آدم يبدأ بالمضغة فالعلقة فهل مرحلة الإبراء هي فترة الحمل والتي تكون ما قبل التصوير بمعنى آخر هل هي ( وضع الروح ) ؟ أم هي الزمن اللازم ما بين الخلق والتصوير – ما بين المضغة والطفل؟؟؟؟؟؟ لا نستبق الأمور لنرى قول الله تعالى: {أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} هذه هي الروح التي يبثها الله الخالق فيما خلق لتدب فيها الحياة إذن ... فهل هو الإبراء المشار إلية ( البارئ) ؟؟؟
لن ندع حجة إلا نستدعيها حتى لا نقع في الخطأ رغم تمام قناعتي الآن ان الإبراء هو ( بث الروح ) فيما تم خلقه ليكون بعد ذلك صورة حية ( خلق فإبراء فصورة) أي إعمال المادة الخام ثم نفخ الروح فيها فهي صورة حية ...
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والخمسون في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
*الإعجاز اللغوي – الأبجدية (للباريء) :
لنتابع المزيد: قال تعالى: {قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ } لاحظ المراحل:
وجود الولد يحتاج بين الأحياء إلى جماع بين ذكر وأنثى وهذه هي الإشارة الأولى في الآية , أما الخلق الإلهي المباشر فلا يحتاج لذلك كما كان في حالتي خلق ( آدم وعيسى) فادم خلق مباشر من الطين وعيسى خلق مباشر من إنسان ؟؟ سبحان الله : هل تعلم أولا أن اسم آدم ورد في القرآن 25 مرة واسم عيسى ورد 25 مرة ... ذلك الله وإعجازه للبشر ...لمن لا يؤمنون بنظريتنا في تتبع الإعجاز الرقمي للقرآن فما تشابه خلق على الأرض دون والدين من ذكر وأنثى غير آدم وعيسى فكان أن ذكرهما ربهما في القرآن متشابهي تكرار الذكر سبحانه .ووجه الشبه بين الخلقين هو نفخ الله فيهما روحا وذاك قول الله تعالى: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ }وذلك خلق عيسى : {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا }فانظر جيدا قوله تعالى: (فإذا سويته) والتسوية هنا من المادة الخام وهي الطين , ثبت الآن الخلق = الطين ثم التسوية = الروح ثم يكون صورة حيه مطلوب سجود الملائكة لها وبهذا يكون التمام ( الخالق البارئ المصور) فهي أسماء كل منها معجزة مستقلة . فلا من يستطيع خلق الطين ولا من يستطيع بث الروح ولا من يستطيع إيجاد حي مصور غير الله ولا من يستحق أيا كان أن يتسمى بالخالق والبارئ والمصور غير الله .
إعجاز آخر :جاء في هذه الآية ({هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }ذكر أربعة أسماء حسنى لله تعالى كما نرى ... فلاحظ جيدا أن كل اسم قد عطف عليه الاسم التالي له ... عطف بالواو .... لان كل منها مختلف عن الآخر بينما جاء في هذه الآية الأمر مختلفا(هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ) فلا حرف عطف بين الأسماء الثلاث؟؟؟ لماذا؟؟؟
تلك مهمة واحدة يكمل بعضها بعضا مهمة خاصة ذات مراحل فلا تعطف على بعضها البعض بل ترتب ترتيبا مرحليا , فانظر الآية جيدا ( هو الله) وليس ( هو والله) لانه هو الذات هي , ثم ( هو الأول) نفس الشئ , ( الله الخالق ) وليس (هو والخالق) لانه هو وهي الذات , ثم ( الأول والآخر) هو الأول وهو الآخر) إضافات, بينما ( الله الخالق البارئ المصور) فهو الذات الواحدة ذات المعجزات المختلفة وقلنا في القاعدة أن ما يصلح اسما لله لا يصلح اسما لمخلوق فمن ذا الذي يخلق أو ينفخ الروح أو يصور حيا غير الله .... ثبتت القاعدة بحمد الله للمرة الحادية عشرة حتى الآن.
على هذا نثبت أن معنى ( البارئ ) نافخ الروح في الأحياء و لا غير ذلك فلله وحدة حق البيان ولا نأخذ تفسيرا من مخلوق... ونزيد من الحجة آيات أخرى لمن لم يرتوي: هذا نبي الله يعقوب يفسر : {يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } يوسف87- لا تيأسوا من روح الله ؟ ألم يخبره أبناءه أن يوسف أكله الذئب ؟؟ نعم . فكيف لا يقول لا تيأسوا من إيجاد بقايا جثته بل قال : لا تيأسوا من ( روح) الله ؟ لانه يعلم من الله بان يوسف ( حي) مبرئ.... {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً }الإسراء85- الروح هي أمر أما الخلق فهو عمل أما الصورة الحية فهي نتاج الخلق وبث الروح. انظر المراحل – سواه و نفخ فيه -{ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ }السجدة9
انظر هنا تعرج الروح بعد أن تفقد الخلق(الجسد) وتفقد(الصورة) وهي بين الخلق والصورة أي هي الإبراء {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ }المعارج4 ؛ نكتفي بهذا لنثبت معنى كلمة بارئ واختلافها عن خالق ومصور وتفسيرا لموقعها بين الاسمين ولا يجوز بأي شكل نزعها من بين الاسمين ( الخالق المصور ) لان المخلوق هنا لا يكون حيا غير مبرئ...والله وحده اعلم. له الحمد على ما فتح به علينا ...
وفي كل الحالات فالاسم لا يحتاج للمزيد من الإثبات والحجج كونه ظاهرا
مسمى من الله تعالى في الآية المذكورة.[الانترنت – موقع مزامير آل داوود - ( البـــارئ) من أسماء الله الحسنى - الإعجاز اللغوي – الأبجدية (للباريء) ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والخمسون في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
*الدعاء باسم الله البارئ دعاء عبادة
دعاء العبادة هو مراعاة العبد لاسمه البارئ في سلوكه فبرا الى الله من كل
شهوة تخالف امره ومن كل شبهة تخالف خبره ومن كل ولاء لغير دينه و شرعه ومن كل بدعة تخالف سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ومن كل معصية تؤثر على محبة الله وقربه و رضاه سبحانه عن عبده روى النسائي و صححه الالباني من حديث صفوان بن محرز انه قال:اغمي على ابي موسى فبكوا عليه فقال : ابرا اليكم كما برئ الينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس منا من حلق و لا خرق و لا سلق
وعند مسلم من حديث ام سلمة رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم قال : (انه يستعمل عليكم امرا فتعرفون و تنكرون فمن كره فقد برئ ومن انكر فقد
سلم ولكن من رض وتابع) وقال تعالى عن خليله ابراهيم عليه السلام :((وما كان استغفار ابراهيم لابيه الا عن موعدة و عدها اياه فلما تبين له انه عدولله تبرا منه ان ابراهيم لاواه حليم))<التوبة:114> كما انه ينبغي على
العبد ان يتقي الله (في عمله:فيخلص فيه و يتقنه ما استطاع)ليظهر جمال
الصنعة توحيدا لمن ابرا صانعها و عمله ما لم يكن يعلم و منحه قوة على التفكير و الابداع و قد امر النبي صلى الله و عليه وسلم بذلك كما روى
الطبراني و صححه الشيخ الالباني من حديث عائشة رضي الله عنها ان
النبي صلى الله عليه و سلم قال :(ان الله يحب اذا عمل احدكم عملا ان يتقنه) فاذا كانت دقة الصنعة و اتقانها دليلا على خبرة صانعها و قدرته على الابداع فالذي خلق صانعها و صوره و ابراه على هذا الكمال له مطلق الحق في ان يعبد وان يطاع اما من جهة التسمية بعبد البارئ و التعبد لله بهذا الاسم فقد تسمى به عبد البارئ بن اسحاق روى عنه البيهقي بعضا من كلام ذي النون المصري قال: ثلاثة من علامات السنة المسح على الخفين و المحافظة على صلوات الجمع وحب السلف
[الانترنت – موقع الدعاء باسم الله البارئ دعاء عبادة - مُساهمة من طرف نونو]
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والخمسون في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
*{وَإِذْ قَالَ إِبْرَٰهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِۦٓ إِنَّنِى بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ}
قال السعدى : يخبر تعالى عن ملة إبراهيم الخليل عليه السلام، الذي ينتسب إليه أهل الكتاب والمشركون، وكلهم يزعم أنه على طريقته، فأخبر عن دينه الذي ورثه في ذريته فقال: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ } الذين اتخذوا من دون اللّه آلهة يعبدونهم ويتقربون إليهم{ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ } أي: مبغض له، مجتنب معاد لأهله،
وفي الوسيط للطنطاوي : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ } وبعد هذا البيان الماحق لشبهات المشركين ولأقوالهم الباطلة . . أتبع - سبحانه - ذلك بذكر جانب من قصة إبراهيم - عليه السلام - مع قومه ، وبذكر جانب من اعتراضاتهم على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعلى دعوته ، ورد عليها بما يخرس ألسنتهم فقال - تعالى - : ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ . . . والآخرة عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ ) .
أى : واذكر - أيها الرسول الكريم - لقومك حال جدك إبراهيم - عليه السلام - وقت أن قال لأبيه آزر ولقومه الذين كانوا عاكفين على عبادة الأصنام ، مقلدين فى ذلك آباءهم . . . قال لهم : إننى برئ ما تعبدونه من هذه الأوثان .وذكرهم - سبحانه - هنا بحال إبراهيم ، لأنه كان أعظم آبائهم ، ومحط فخرهم ، والمجمع على محبته منهم . فكأنه - تعالى - يقول لهم : هذا هو حال جدكم إبراهيم الذى تعتزون به فلماذا لم تقلدوه فى إنكاره لعبادة الأصنام ، وفى هجره لما كان عليه أبوه وقومه ، وإخلاصه العبادة لله - تعالى - وحده .
وقوله : ( بَرَآءٌ ) مصدر وقع موقع الصفة وهى برئ ، على سبيل المبالغة فى التبرى من عبادتهم لغير الله - تعالى - يقال : تبرات من فلان ، فأنا منه براء أى : كرهت قوله وفعله والقرب منه .
وقال البغوى : قوله - عز وجل : ( وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء )
أي بريء ، ولا يثنى البراء ولا يجمع ولا يؤنث ؛ لأنه مصدر وضع موضع
النعت . ( مما تعبدون )
وقال ابن كثير :يقول تعالى مخبرا عن عبده ورسوله وخليله إمام الحنفاء ، ووالد من بعث بعده من الأنبياء ، الذي تنتسب إليه قريش في نسبها ومذهبها : أنه تبرأ من أبيه وقومه في عبادتهم الأوثان ،
وقال القرطبى : قوله تعالى : قوله تعالى : ( وإذ قال ) أي : ذكرهم إذ قال . إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون البراء يستعمل للواحد فما فوقه فلا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث ; لأنه مصدر وضع موضع النعت ، لا يقال : البراءان والبراءون ، لأن المعنى ذو البراء وذوو البراء . قال الجوهري : وتبرأت من كذا ، وأنا منه براء ، وخلاء منه لا يثنى ولا يجمع لأنه مصدر في الأصل ، مثل : سمع سماعا . فإذا قلت : أنا بريء منه وخلي ثنيت وجمعت وأنثت ، وقلت في الجمع : نحن منه برآء مثل فقيه وفقهاء ، وبراء أيضا مثل كريم وكرام ، وأبراء مثل شريف وأشراف ، وأبرياء مثل نصيب وأنصباء ، وبريئون . وامرأة بريئة بريئتان وهن بريئات وبرايا . ورجل بريء وبراء مثل عجيب وعجاب . والبراء ( بالفتح ) أول ليلة من الشهر ، سميت
بذلك لتبرؤ القمر من الشمس .
وقال ابن عاشور : وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) لما ذكَّرهم الله بالأمم الماضية وشبه حالهم بحالهم ساق لهم أمثالاً في ذلك من مواقف الرسل مع أممهم منها قصة إبراهيم عليه السلام مع قومه . وابتدأ بذكر إبراهيم وقومه إبطالاً لقول المشركين : { إنا وجدْنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون } [ الزخرف : 22 ] ، بأن أوْلى آبائهم بأن يقتدوا به هو أبوهم الذي يفتخرون بنسبته إبراهيم . [ الأنترنت – موقع الآيات: وَإِذْ قَالَ إِبْرَٰهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِۦٓ إِنَّنِى بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والخمسون في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَىٰ فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا ۚ وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا
قال السعدى : يحذر تعالى عباده المؤمنين عن أذية رسولهم، محمد صلى اللّه عليه وسلم، النبي الكريم، الرءوف الرحيم، فيقابلوه بضد ما يجب له من الإكرام والاحترام، وأن لا يتشبهوا بحال الذين آذوا موسى بن عمران، كليم الرحمن، فبرأه اللّه مما قالوا من الأذية، أي: أظهر اللّه لهم براءته. والحال أنه عليه الصلاة والسلام، ليس محل التهمة والأذية، فإنه كان وجيها عند اللّه، مقربًا لديه، من خواص المرسلين، ومن عباده المخلصين، فلم يزجرهم ما له، من الفضائل عن أذيته والتعرض له بما يكره، فاحذروا أيها المؤمنون، أن تتشبهوا بهم في ذلك، والأذية المشار إليها هي قول بني إسرائيل لموسى لما رأوا شدة حيائه وتستره عنهم: "إنه ما يمنعه من ذلك إلا أنه آدر" أي: كبير الخصيتين، واشتهر ذلك عندهم، فأراد الله أن يبرئه منهم، فاغتسل يومًا، ووضع ثوبه على حجر، ففر الحجر بثوبه، فأهوى موسى عليه السلام في طلبه، فمر به على مجالس بني إسرائيل، فرأوه أحسن خلق اللّه، فزال عنه ما رموه به.
وفي الوسيط للطنطاوي : (ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كالذين آذَوْاْ موسى )
والمعنى : يا من آمنتم بالله - تعالى - حق الإِيمان ، التزموا الأدب والطاعة والاحترام لنبيكم صلى الله عليه وسلم واحذروا أن تسلكوا معه المسلك الذى سلكه بنو إسرائيل مع نبيهم موسى - عليه السلام - حيث آذوه بشتى أنواع الأذى .
وقولهم : ( لَن نَّصْبِرَ على طَعَامٍ وَاحِدٍ . . . ) واتخاذهم العجل إلها من دون الله فى غيبة نبيهم موسى - عليه السلام - . .
( فَبرَّأَهُ الله مِمَّا قَالُواْ ) أى : فأظهر الله - تعالى - براءته من كل ما نسبوه إليه من سوء .( وَكَانَ عِندَ الله وَجِيهاً ) أى : وكان عند الله - تعالى - ذا جاه عظيم ، ومكانه سامية ، ومنزلة عالية ، حيث نصره - سبحانه - عليهم ، واصطفاه لحمل رسالته . .يقال : وجه الرجل يوجه وجاهة فهو وجيه ، إذا كان ذا جاه وقدر . .
وقال البغوى : قوله - عز وجل - : ( ياأيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا ) فطهره الله مما قالوا : ( وكان عند الله وجيها ) كريما ذا جاه ، يقال : وجه الرجل يوجه وجاهة فهو وجيه ، إذا كان ذا جاه وقدر . قال ابن عباس : كان حظيا عند الله لا يسأل الله شيئا إلا أعطاه .
وقال الحسن : كان مستجاب الدعوة .وقيل : كان محببا مقبولا . واختلفوا فيما أوذي به موسى :
فأخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا روح بن عبادة أخبرنا عوف ، عن الحسن ومحمد وخلاس ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن موسى كان رجلا حييا ستيرا لا يرى من جلده شيء استحياء منه فآذاه من آذاه من بني إسرائيل ، فقالوا ما يتستر هذا التستر إلا من عيب بجلده ، إما برص أو أدرة وإما آفة ، وإن الله أراد أن يبرئه مما قالوا ، فخلا يوما وحده فوضع ثيابه على الحجر ، ثم اغتسل ، فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها وإن الحجر عدا بثوبه ، فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر ، فجعل يقول : ثوبي حجر ، ثوبي حجر ، حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل ، فرأوه عريانا أحسن ما خلق الله ، وأبرأه مما يقولون ، وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه وطفق بالحجر ضربا بعصاه ، فوالله إن بالحجر لندبا من أثر ضربه ثلاثا أو أربعا أو خمسا " فذلك قوله - عز وجل - : " يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها . [الأنترنت – موقع الآيات : يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ ءَاذَوْاْ مُوسَىٰ فَبَرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُواْ ۚ وَكَانَ عِندَ ٱللَّهِ وَجِيهًا ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والخمسون في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
*ۖ{ تَبَرَّأْنَآ إِلَيْكَ ۖ مَا كَانُوٓاْ إِيَّانَا يَعْبُدُونَ}
قال السعدى : { تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ } من عبادتهم، أي: نحن برآء منهم ومن عملهم. { مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ } وإنما كانوا يعبدون الشياطين.
وقال صاحب الكشاف ما ملخصه : قوله : ( هؤلاء ) مبتدأ ، و ( الذين أَغْوَيْنَآ ) صفته ، والراجع إلى الموصول محذوف و ( أَغْوَيْنَاهُمْ ) الخبر . والكاف صفة لمصدر محذوف تقديره : أغويناهم فغووا غيا مثل ما غوينا ، يعنون أنا لم نغو إلا باختيارنا ، لا أن فوقنا مغوين أغوونا بقسر منهم وإلجاء . أودعونا إلى الغى وسولوه لنا ، فهؤلاء كذلك غووا باختيارهم ، لأن إغواءنا لهم ، لم يكن إلا وسوسة وتسويلا . لا قسرا أو إلجاء " فلا فرق إذا بين غينا وغيهم
وقوله - سبحانه - ( تَبَرَّأْنَآ إِلَيْكَ مَا كانوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ ) من كلام الرؤساء والشياطين ، فهو مقرر لما قبله ، ومؤكد له .
أى : تبرأنا إليك منهم ، ومن ادعائهم أننا أجبرناهم على الضلالة والغواية ، والحق أنهم ما كانوا يعبدوننا ، بل كانوا يعبدون ما سولته لهم أهواؤهم وشهواتهم الباطلة .أهـ
فالآية الكريمة تحكى تبرؤ رءوس الكفر من أتباعهم يوم القيامة ، ومن الآيات التى وردت فى هذا المعنى قوله - تعالى - : ( وَقَالَ الشيطان لَمَّا قُضِيَ الأمر إِنَّ الله وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحق وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فاستجبتم لِي فَلاَ تَلُومُونِي ولوموا أَنفُسَكُمْ . . ) وقوله - سبحانه - : ( واتخذوا مِن دُونِ الله آلِهَةً لِّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً ) .
وقال ابن كثير : وقوله : ( قال الذين حق عليهم القول ) يعني : من الشياطين والمردة والدعاة إلى الكفر ، ( ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون ) ، فشهدوا عليهم أنهم أغووهم فاتبعوهم ، ثم تبرءوا من عبادتهم ، كما قال تعالى : ( واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا . كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا ) [ مريم : 81 ، 82 ] ، وقال الله : ( إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم
كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار ) [ البقرة : 166 ، 167 ]
وقالل القرطبى : قال الذين حق عليهم القول أي حقت عليهم كلمة العذاب
وهم الرؤساء ; قاله الكلبي وقال قتادة : هم الشياطين . ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا أي دعوناهم إلى الغي فقيل لهم : أغويتموهم ؟ قالوا : أغويناهم كما غوينا يعنون أضللناهم كما كنا ضالين . تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون أي تبرأ بعضنا من بعض ، والشياطين يتبرءون ممن أطاعهم ، والرؤساء يتبرءون ممن قبل منهم ; كما قال تعالى : الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين .
وجملة { تبرأنا إليك } استئناف . والتبرؤ : تفعل من البراءة وهي انتفاء ما
يصم ، فالتبرؤ : معالجة إثبات البراءة وتحقيقها . وهو يتعدى إلى من يحاول إثبات البراءة لأجله بحرف ( إلى ) الدال على الانتهاء المجازي؛ يقال : إني أبرأ إلى الله من كذا ، أي أوجه براءتي إلى الله ، كما يتعدى إلى الشيء الذي يَصِم بحرف ( من ) الاتصالية التي هي للابتداء المجازي قال تعالى { فبراه الله مما قالوا } [ الأحزاب : 69 ] . وقد تدخل ( من ) على اسم ذات باعتبار مضاف مقدر نحو قوله تعالى { وقال إني بريء منكم } [ الأنفال : 48 ] أي من كفركم . والتقدير : من أعمالكم وشؤونكم إما من أعمال خاصة يدل عليها المقام أو من عدة أعمال .
فالمعنى هنا تحقق التبرؤ لديك والمتبرأ منه هو مضمون جملة { ما كانوا إيانا يعبدون } فهي بيان لإجمال التبرؤ .
والمقصود : أنهم يتبرؤون من أن يكونوا هم المزعوم أنهم شركاء وإنما قصارى أمرهم أنهم مضلون وكان هذا المقصد إلجاء من الله إياهم ليعلنوا تنصلهم من ادعاء أنهم شركاء على رؤوس الملأ ، أو حملهم على ذلك ما يشاهدون من فظاعة عذاب كل من ادعى المشركون له الإلهية باطلاً لما سمعوا قوله تعالى { إنكم وما تعبدون عن دون الله حصب جهنم } [ الأنبياء : 98 ] . [الأنترنت – موقع الآيات : قَالَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ رَبَّنَا هَٰٓؤُلَآءِ ٱلَّذِينَ أَغْوَيْنَآ أَغْوَيْنَٰهُمْ كَمَا غَوَيْنَا ۖ تَبَرَّأْنَآ إِلَيْكَ ۖ مَا كَانُوٓاْ إِيَّانَا يَعْبُدُونَ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والخمسون في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
*{ فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ }
قال بن كثير: يقول تعالى آمراً بعبادته وحده لا شريك ولا مخبراً أن من
أشرك به عذبه. ثم قال تعالى آمراً لرسوله صلى اللّه عليه وسلم أن ينذر عشيرته الأقربين أي الأدنين إليه، وأنه لا يخلص أحداً منهم إلاّ إيمانه بربه عزَّ وجلَّ، وأمره أن يلين جانبه لمن اتبعه من عباد اللّه المؤمنين، ومن عصاه من خلق اللّه كائناً من كان فليتبرأ منه، ولهذا قال تعالى: { فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون} ، وهذه النذارة الخاصة لا تنافي العامة بل هي فرد من أجزائها، كما قال تعالى: { لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون} ، وقال تعالى: { لتنذر أم القرى ومن حولها} ، وقال تعالى: { لأنذركم به ومن بلغ} ، كما قال تعالى: { ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده} ، وفي صحيح مسلم: (والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار). وقد وردت أحاديث كثيرة في نزول هذه الآية الكريمة، فلنذكرها، الحديث الأول: عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: لما أنزل اللّه عزَّ وجلَّ { وأنذر عشيرتك الأقربين} أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم الصفا فصعد عليه ثم نادى: (يا صباحاه)، فاجتمع الناس إليه بين رجل يجيء إليه، وبين رجل يبعث رسوله، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (يا بني عبد المطلب، يا بني فهر، يا بني لؤي، أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم صدقتموني؟) قالوا: نعم، قال: (فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد) فقال أبو لهب: تباً لك سائر اليوم أما دعوتنا إلا لهذا؟ وأنزل اللّه: { تبت يدا أبي لهب وتب} ""أخرجه الإمام أحمد ورواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي من طرق بمثله""،
وقال الطبري :الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَإِنْ عَصَوْك فَقُلْ إِنِّي بَرِيء مِمَّا تَعْمَلُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَإِنْ عَصَتْك يَا مُحَمَّد عَشِيرَتك الْأَقْرَبُونَ
الَّذِينَ أَمَرْتُك بِإِنْذَارِهِمْ , وَأَبَوْا إِلَّا الْإِقَامَة عَلَى عِبَادَة الْأَوْثَان , وَالْإِشْرَاك
بِالرَّحْمَنِ , فَقُلْ لَهُمْ : { إِنِّي بَرِيء مِمَّا تَعْمَلُونَ } مِنْ عِبَادَة الْأَصْنَام وَمَعْصِيَة بَارِئ الْأَنَام . [الأنترنت- موقع الآية { فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ }]
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والخمسون في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
* {ٱلْخَبِيثَٰتُ لِلْخَبِيثِينَ وَٱلْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَٰتِ ۖ وَٱلطَّيِّبَٰتُ لِلطَّيِّبِينَ وَٱلطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَٰتِ ۚ أُوْلَٰٓئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ ۖ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}
ورد في التفسير الميسر : كل خبيث من الرجال والنساء والأقوال والأفعال مناسب للخبيث وموافق له، وكل طيِّب من الرجال والنساء والأقوال والأفعال مناسب للطيب وموافق له، والطيبون والطيبات مبرؤون مما يرميهم به الخبيثون من السوء، لهم من الله مغفرة تستغرق الذنوب، ورزق كريم في الجنة.
وقال السعدى : أي: كل خبيث من الرجال والنساء، والكلمات والأفعال، مناسب للخبيث، وموافق له، ومقترن به، ومشاكل له، وكل طيب من الرجال والنساء، والكلمات والأفعال، مناسب للطيب، وموافق له، ومقترن به، ومشاكل له، فهذه كلمة عامة وحصر، لا يخرج منه شيء، من أعظم مفرداته، أن الأنبياء -خصوصا أولي العزم منهم، خصوصا سيدهم محمد صلى الله عليه وسلم، الذي هو أفضل الطيبين من الخلق على الإطلاق لا يناسبهم إلا كل طيب من النساء، فالقدح في عائشة رضي الله عنها بهذا الأمر قدح في النبي صلى الله عليه وسلم، وهو المقصود بهذا الإفك، من قصد المنافقين، فمجرد كونها زوجة للرسول صلى الله عليه وسلم، يعلم أنها لا تكون إلا طيبة طاهرة من هذا الأمر القبيح.
فكيف وهي هي؟" صديقة النساء وأفضلهن وأعلمهن وأطيبهن، حبيبة رسول رب العالمين، التي لم ينزل الوحي عليه وهو في لحاف زوجة من زوجاته غيرها، ثم صرح بذلك، بحيث لا يبقى لمبطل مقالا، ولا لشك وشبهة مجالا، فقال: { أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ } والإشارة إلى عائشة رضي الله عنها أصلا، وللمؤمنات المحصنات الغافلات تبعا { لَهُمْ مَغْفِرَةٌ } تستغرق الذنوب { وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } في الجنة صادر من الرب الكريم.
وفي الوسيط للطنطاوي : ثم ختم - سبحانه - الآيات التى نزلت فى حديث
الإفك بتقرير سنته الإلهية ، التى نشاهدها فى واقع الناس - وهى : أن شبيه الشىء منجذب إليه ، وأن الأرواح جنود مجندة ، فما تعارف منها ائتلف . وما تناكر منها اختلف " - كما جاء فى الحديث الشريف - فقال - تعالى - : " الخبيثات للخبيثين " أى : الخبيثات من النساء ، مختصات بالخبيثين من الرجال " والخبيثون " من الرجال مختصون " بالخبيثات " من النساء ، " والطيبات " منهن " للطيبين " منهم " والطيبون " - أيضا - منهم " للطيبات " منهن .
وهكذا يألف الشكل كله ، والطيور على أشكالها تقع ، وإذا كان النبى صلى الله عليه وسلم هو أطيب الطيبين ، فلا يمكن أن تكون زوجاته صلى الله عليه وسلم وعلى رأسهن عائشة ، إلا من أطيب الطيبات من النساء ، وأطهر الطاهرات منهن .
ثم جاءت شهادة الله - تعالى - وهى تغنى عن كل شهادة - بما يثبت براءة عائشة - رضى الله عنها - من كل ما افتراه عليها المفترون ، جاء قوله - سبحانه - ( أولئك مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ) .
أى : أولئك ، الطيبون والطيبات ، وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته . وعلى رأس أهل بيته عائشة - رضى الله عنها - مبرءون مما يقولون أى : مما يقوله الخبيثون والخبيثات فى شأنهم .
وأولئك الطيبون والطيبات " لهم مغفرة " عظيمة من الله - تعالى - ولهم " رزق كريم " هو جنة عرضها السموات والأرض ، جزاء إيمانهم وعملهم الصالح وصبرهم على الأذى .
هذا هو حديث القرآن عن حديث الإفك ، الذى أشاعه الفاسقون عن
السيدة عائشة - رضى الله عنها - وكان مقصدهم الأكبر من وراء ذلك هو الطعن فى نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم . ولكن الله - تعالى - رد عليهم بما يكبتهم ويخرس ألسنتهم .
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والخمسون في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
* {ٱلْخَبِيثَٰتُ لِلْخَبِيثِينَ وَٱلْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَٰتِ ۖ وَٱلطَّيِّبَٰتُ لِلطَّيِّبِينَ وَٱلطَّيِّبُونَ
لِلطَّيِّبَٰتِ ۚ أُوْلَٰٓئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ ۖ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}
ويؤخذ من هذه الآيات الكريمة جملة من الأحكام والآداب من أهمها ما يأتى
1 - غيرة الله - تعالى - على حرمة نبيه صلى الله عليه وسلم ودفاعه - سبحانه - عن أوليائه ، ورده لكيد المنافقين فى نحورهم .
2 - تسلية الله - تعالى - لعباده المؤمنين ، عما أصابهم من هم وغم بسبب هذا الحديث المفترى على الصديقة بنت الصديق - رضى الله عنهما - ، وقد
ظل هذا الحديث يتردد فى جنبات المدينة ، حتى نزلت هذه الآية الكريمة ،
لإحقاق الحق وإبطال الباطل .
ومن مظاهر هذه التسلية قوله - تعالى - ( لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ . . . ) قال صاحب الكشاف : ومعنى كونه خيرا لهم أنهم اكتسبوا فيه الثواب العظيم ، لأنه كان بلاء .
. . ومحنة ظاهرة . وأنه نزلت فيه ثمانى عشرة آية ، كل واحدة منها مستقلة ، بما هو تعظيم لشأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتسلية له . وتنزيه لأم المؤمنين - رضوان الله عليها - وتطهير لأهل البيت . وتهويل لمن تكلم فى ذلك ، أو سمع به فلم تمجه أذناه ، وعدة ألطاف للسامعين والتالين إلى يوم القيامة . وفوائد دينية وأحكام وآداب لا تخفى على متأمليها " .
3 - إرشاد المؤمنين إلى أن من أنجع الوسائل لمحاربة الإشاعات الكاذبة ، أن يحسن بعضهم الظن ببعض ، وأن يكتموا هذه الإشاعات حتى تموت فى مهدها ، وأن يزجروا من يتفوه بها . أو من يعمل بعلى ترويجها . وأن يظهروا له احتقارهم ، ونفورهم من مجرد سماعها .
وهذا الإرشاد الحكيم ، نراه فى آيات متعددة من هذه القصة ، ومن ذلك
قوله - تعالى - : ( لولا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المؤمنون والمؤمنات بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُواْ هاذآ إِفْكٌ مُّبِينٌ ) ( ولولا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بهذا سُبْحَانَكَ هذا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ) .
4 - بيان جانب من مظاهر فضل الله - تعالى - ورحمته بعباده المؤمنين ، الذين سبقتهم ألسنتهم بالخوض فى حديث الإفك ، أو فى سماعه . . . ثم تابوا بعد ذلك مما وقعوا فيه .
ويتجلى هذا الفضل العظيم ، فى قوله - تعالى - : ( وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ
وَرَحْمَتُهُ فِي الدنيا والآخرة لَمَسَّكُمْ فِي مَآ أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) ( وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ الله رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ) ( وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً ولكن الله يُزَكِّي مَن يَشَآءُ والله سَمِيعٌ عَلِيمٌ
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الستون في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
* {ٱلْخَبِيثَٰتُ لِلْخَبِيثِينَ وَٱلْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَٰتِ ۖ وَٱلطَّيِّبَٰتُ لِلطَّيِّبِينَ وَٱلطَّيِّبُونَ
لِلطَّيِّبَٰتِ ۚ أُوْلَٰٓئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ ۖ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ }
5 - تحذير المؤمنين تحذيرا شديدا ، عن مغبة الوقوع مرة أخرى . فيما وقع فيه بعضهم من الخوض فى حديث الإفك ، وفيما يشبهه من أحداث ، وبيان أن ما حدث من بعضهم يتنافى مع ما يقتضيه الإيمان ، ومع آداب الإسلام .
ومن الآيات التى وردت فى هذا التحذير قوله - تعالى - : ( يَعِظُكُمُ الله أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ وَيُبَيِّنُ الله لَكُمُ الآيات والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) 6 - تهديد الذين افتروا حديث الإفك بخبث وبسوء نية ، وبإصرار على نشر قالة السوء فى صفوف المؤمنين . . . تهديدهم بأشد ألوان العذاب فى الدنيا والآخرة ، ووصفهم بأقبح الصفات التى تدعو إلى نبذهم والبعد عنهم .
7 - توجيه المؤمنين الصادقين إلى العفو والصفح ، عمن شارك فى حديث الإفك بالقول ، أو بالسماع ، أو بالرضا به ، ما دام هؤلاء المشاركون قد تابوا أو ندموا على ما وقع منهم ، ندما يدل على حسن توبتهم ، كأن يعترفوا بخطئهم أو يعتذروا عما فرط منهم .
ويشهد لهذا التوجيه قوله - تعالى - فى شأن أبى بكر الصديق ، بعد أن
اقسم أن لا ينفق على مسطح - ( وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ الفضل مِنكُمْ والسعة أَن يؤتوا أُوْلِي القربى والمساكين والمهاجرين فِي سَبِيلِ الله وَلْيَعْفُواْ وليصفحوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ الله لَكُمْ والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) 8 - تكريم السيدة عائشة - رضى الله عنها - تكريما يظل ملازما لها إلى أن يرث الله - تعالى - الأرض ومن عليها . فقد برأها - سبحانه - مما افتراه عليها المفترون ، وشهد بحصانتها وغفلتها عن السوء ، وقوة إيمانها ، وطيب عنصرها ، وأنزل فى شأنها قرآنا يتلى إلى يوم القيامة ، ويكفيها فخرا قوله - تعالى : ( أولئك مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ) [الأنترنت – موقع الآيات: ٱلْخَبِيثَٰتُ لِلْخَبِيثِينَ وَٱلْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَٰتِ ۖ وَٱلطَّيِّبَٰتُ لِلطَّيِّبِينَ وَٱلطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَٰتِ ۚ أُوْلَٰٓئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ ۖ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والستون في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
* وَمَآ أُبَرِّئُ نَفْسِىٓ ۚ إِنَّ ٱلنَّفْسَ لَأَمَّارَةٌۢ بِٱلسُّوٓءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّىٓ ۚ إِنَّ رَبِّى غَفُورٌ رَّحِيمٌ
ورد في التفسير الميسر : قالت امرأة العزيز: وما أزكي نفسي ولا أبرئها، إن النفس لكثيرة الأمر لصاحبها بعمل المعاصي طلبا لملذاتها، إلا مَن عصمه الله. إن الله غفور لذنوب مَن تاب مِن عباده، رحيم بهم.
وقال السعدى : ثم لما كان في هذا الكلام نوع تزكية لنفسها، وأنه لم يجر منها ذنب في شأن يوسف، استدركت فقالت: { وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي } أي: من المراودة والهمِّ، والحرص الشديد، والكيد في ذلك. { إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ } أي: لكثيرة الأمر لصاحبها بالسوء، أي: الفاحشة، وسائرالذنوب، فإنها مركب الشيطان، ومنها يدخل على الإنسان { إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي } فنجاه من نفسه الأمارة، حتى صارت نفسه مطمئنة إلى ربها، منقادة لداعي الهدى، متعاصية عن داعي الردى، فذلك ليس من النفس، بل من فضل الله ورحمته بعبده.
{ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ } أي: هو غفور لمن تجرأ على الذنوب والمعاصي، إذا تاب وأناب، { رَحِيمٌ } بقبول توبته، وتوفيقه للأعمال الصالحة،. وهذا هو الصواب أن هذا من قول امرأة العزيز، لا من قول يوسف، فإن السياق في
كلامها، ويوسف إذ ذاك في السجن لم يحضر.
وقال ابن كثير : تقول المرأة : ولست أبرئ نفسي ، فإن النفس تتحدث وتتمنى; ولهذا راودته لأنها أمارة بالسوء ، ( إلا ما رحم ربي ) أي : إلا من عصمه الله تعالى ، ( إن ربي غفور رحيم ) .
وهذا القول هو الأشهر والأليق والأنسب بسياق القصة ومعاني الكلام .
وقد حكاه الماوردي في تفسيره ، وانتدب لنصره الإمام العلامة أبو العباس
ابن تيمية ، رحمه الله ، فأفرده بتصنيف على حدة
وقال ابن عاشور : ظاهر ترتيب الكلام أن هذا من كلام امرأة العزيز ، مضت في بقية إقرارها فقالت : { وما أبرىء نفسي }. وذلك كالاحتراس مما يقتضيه قولها : { ذلك لِيَعْلَم أني لم أخنْه بالغيب } [ سورة يوسف : 52 ] من أن تبرئة نفسها من هذا الذنب العظيم ادعاءٌ بأن نفسها بريئة براءة عامة فقالت :{ وما أبرىء نفسي } ، أي ما أبرىء نفسي من محاولة هذا الإثم لأن النفس أمّارة بالسوء وقد أمرتني بالسوء ولكنه لم يقع .
فالواو التي في الجملة استئنافية ، والجملة ابتدائية .
وجملة { إن النفس لأمارة بالسوء } تعليل لجملة { وما أبرىء نفسي } ، أي لا أدعي براءة نفسي من ارتكاب الذنب ، لأن النفوس كثيرة الأمر بالسوء .
والاستثناء في { إلا ما رحم ربي } استثناء من عموم الأزمان ، أي أزمان وقوع السوء ، بناءً على أن أمر النفس به يبعث على ارتكابه في كلّ الأوقات إلاّ وقت رحمة الله عبده ، أي رحمته بأن يقيّض له ما يصرفه عن فعل السوء ، أو يقيض حائلاً بينه وبين فعل السوء
[الأنترنت – موقع الآيات : ۞ وَمَآ أُبَرِّئُ نَفْسِىٓ ۚ إِنَّ ٱلنَّفْسَ لَأَمَّارَةٌۢ بِٱلسُّوٓءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّىٓ ۚ إِنَّ رَبِّى غَفُورٌ رَّحِيمٌ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثانية والستون في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
* {قَالَ إِنِّىٓ أُشْهِدُ ٱللَّهَ وَٱشْهَدُوٓاْ أَنِّى بَرِىٓءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ}
ورد في التفسير الميسر : ما نقول إلا أن بعض آلهتنا أصابك بجنون بسبب نهيك عن عبادتها. قال لهم: إني أُشهد الله على ما أقول، وأُشهدكم على أنني بريء مما تشركون، مِن دون الله من الأنداد والأصنام، فانظروا واجتهدوا أنتم ومَن زعمتم من آلهتكم في إلحاق الضرر بي، ثم لا تؤخروا ذلك طرفة عين؛ ذلك أن هودًا واثق كل الوثوق أنه لا يصيبه منهم ولا من آلهتهم أذى.
وقال السعدى : { إِنْ نَقُولُ } فيك { إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ } أي: أصابتك بخبال وجنون، فصرت تهذي بما لا يعقل. فسبحان من طبع على قلوب الظالمين، كيف جعلوا أصدق الخلق الذي جاء بأحق الحق، بهذه المرتبة، التي يستحي العاقل من حكايتها عنهم لولا أن الله حكاها عنهم.
ولهذا بين هود، عليه الصلاة والسلام، أنه واثق غاية الوثوق، أنه لا يصيبه
منهم، ولا من آلهتهم أذى، فقال: { إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا } أي: اطلبوا لي الضرر كلكم، بكل طريق تتمكنون بها مني { ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ } أي: لا تمهلوني.
وفي الوسيط للطنطاوي : لقد كان موقفه منهم : موقف المتبرئ من شركهم ، والمتحدى لطغيانهم والمعتمد على الله - تعالى - وحده فى الانتصار عليهم ، ولقد حكى القرآن رده علهيم فقال :{ قَالَ إني أُشْهِدُ الله واشهدوا أَنِّي بريئا مِّمَّا تُشْرِكُونَ . مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ . إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى الله
رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ إِنَّ رَبِّي على صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ .}
أى : قال هود - عليه السلام - للطغاة من قومه بعزة وثقة ( قَالَ إني أُشْهِدُ الله ) الذى لا رب سواه على براءتى من عبادتكم لغيره .
( واشهدوا ) أنتم أيضا على ( أَنِّي بريئا مِّمَّا تُشْرِكُونَ ) . أى : على براءتى من كل عبادة تعبدونها لغير الله - تعالى - لأنها عبادة باطلة . يحتقرها العقلاء ، ويتنزه عنها كل إنسان يحترم نفسه .
فأنت تراه فى هذه الآية الكريمة يعلن احتقاره لآلهتهم ، وبراءته من شركهم ،
واستخفافه بأصنامهم التى زعموا أن بعضها قد أصابوه بسوء ، ويوثق هذه البراءة بإشهاد الله - تعالى - وإشهادهم .
وقال ابن كثير : ( إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء ) يقولون : ما نظن إلا أن بعض الآلهة أصابك بجنون وخبل في عقلك بسبب نهيك عن عبادتها وعيبك لها ( قال إني أشهد الله واشهدوا ) [ أي أنتم أيضا ] ( أني بريء مما تشركون) عبادة الأصنام التي تعبدونها .
وقال ابن عاشور : وجملة { إن نقول إلاّ اعتراك بعض آلهتنا بسوء }
استئناف بياني لأنّ قولهم : { وما نحن لك بمؤمنين } من شأنه أن يثير للسامع ومن معه في أنفسهم أن يقولوا إن لم تؤمنوا بما جاء به أنّه من عند الله فماذا تعدُّون دعوته فيكم ، أي نقول إنك ممسوس من بعض آلهتنا ، وجعلوا ذلك من فعل بعض الآلهة تهديداً للنّاس بأنه لو تصدّى له جميعُ الآلهة لدكوه دكّاً .
والاعتراء : النزول والإصابة . والباء للملابسة ، أي أصابك بسوء . ولا
شك أنهم يعنون أن آلهتهم أصابته بمسّ من قَبْل أن يقوم بدعوة رفض
عبادتها لسبب آخر ، وهو كلام غير جار على انتظام الحجّة ، لأنه كلام ملفّق من نوع ما يصدر عن السفسطائيين ، فجعلوه مجنوناً وجعلوا سبب جنونه مسّاً من آلهتهم ، ولم يتفطنوا إلى دخَل كلامهم وهو أن الآلهة كيف تكون سبباً في إثارة ثائر عليها .
[ الأنترنت – موقع الآيات: إِن نَّقُولُ إِلَّا ٱعْتَرَىٰكَ بَعْضُ ءَالِهَتِنَا بِسُوٓءٍۢ ۗ قَالَ إِنِّىٓ أُشْهِدُ ٱللَّهَ وَٱشْهَدُوٓاْ أَنِّى بَرِىٓءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثالثة والستون في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
* وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّى عَمَلِى وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ ۖ أَنتُم بَرِيٓـُٔونَ مِمَّآ أَعْمَلُ وَأَنَا۠ بَرِىٓءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ
قال ابن كثير : يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : وإن كذبك هؤلاء المشركون ، فتبرأ منهم ومن عملهم ، ( فقل لي عملي ولكم عملكم ) كقوله تعالى : ( قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين ) [ سورة الكافرون ] . وقال إبراهيم الخليل وأتباعه لقومهم المشركين : ( إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده ) [ الممتحنة : 4 ] .
وقال ابن عاشور : لما كان العلم بتكذيبهم حاصلاً مما تقدم من الآيات تعين أن التكذيب المفروض هنا بواسطة أداة الشرط هو التكذيب في المستقبل
أي الاستمرار على التكذيب . وذلك أن كل ما تبين به صدق القرآن هو مثبِت لصدق الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أتى به ، أي إن أصروا على التكذيب بعدما قارعتْهم به من الحجة فاعلم أنهم لا تنجع فيهم الحجج وأعلن لهم بالبراءة منهم كما تَبرؤوا منك .
ومعنى : { لي عملي ولكم عملكم } المتاركة . وهو مما أجري مُجرى المثل ، ولذلك بني على الاختصار ووفرة المعنى ، فأفيد فيه معنى الحصر بتقديم المعمول وبالتعبير بالإضافة ب { عَملي } و { عَمَلكم } ، ولم يعبر بنحو لي ما أعمل ولكم ما تعملون ، كما عُبر به بعد .
والبريء : الخلي عن التلبس بشيءٍ وعن مخالطته . وهو فَعيل من بَرّأ
المضاعف على غير قياس . وفعل بَرَّأ مشتق من برىء بكسر الراء من كذا ، إذا خلت عنه تبعته والمؤاخذة به .
وهذا التركيب لا يراد به صريحُه وإنما يراد به الكناية عن المباعدة . وقد جاء هذا المكنى به مصرحاً به في قوله تعالى : { فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون } [ الشعراء : 216 ] ، ولذلك فجملة : { أنتم بريئون مما أعمل } إلى آخرها بيان لجملة : { لي عملي ولكم عملكم } ولذلك فصلت .
وإنما عدل عن الإتيان بالعمل مصدراً كما أتي به في قوله : { لي عملي ولكم
عملكم } إلى الإتيان به فعلاً صلة ل { ما } الموصولة للدلالة على البراءة من كل عمل يحدث في الحال والاستقبال ، وأما العمل الماضي فلكونه قد انقضى لا يتعلق الغرض بذكر البراءة منه . ولو عبر بالعمل لربما توهم أن المراد عمل خاص لأن المصدر المضاف لا يعم ، ولتجنب إعادة اللفظ بعينه في الكلام الواحد؛ لأن جملة البيان من تمام المبيَّن ، ولأن هذا اللفظ أنسب بسلاسة النظم ، لأن في ( ما ) في قوله : { مما أعمل } من المد ما يجعله أسعد بمد النَفَس في آخر الآية والتهيئة للوقف على قوله : { مما تعملون } ، ولما في { تعملون } من المد أيضاً ، ولأنه يراعي الفاصلة . وهذا من دقائق فصاحة القرآن الخارجة عن الفصاحة المتعارفة بين الفصحاء .
[الأنترنت – موقع الآيات : وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّى عَمَلِى وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ ۖ أَنتُم بَرِيٓـُٔونَ مِمَّآ أَعْمَلُ وَأَنَا۠ بَرِىٓءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الرابعة والستون في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
* {وَأَذَٰنٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوْمَ ٱلْحَجِّ ٱلْأَكْبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِىٓءٌ مِّنَ
ٱلْمُشْرِكِينَ ۙ وَرَسُولُهُۥ}
قال السعدى : هذا ما وعد اللّه به المؤمنين، من نصر دينه وإعلاء كلمته، وخذلان أعدائهم من المشركين الذين أخرجوا الرسول ومن معه من مكة، من بيت اللّه الحرام، وأجلوهم، مما لهم التسلط عليه من أرض الحجاز. نصر اللّه رسوله والمؤمنين حتى افتتح مكة، وأذل المشركين، وصار للمؤمنين الحكم والغلبة على تلك الديار. فأمر النبي مؤذنه أن يؤذن يوم الحج الأكبر، وهو يوم النحر، وقت اجتماع الناس مسلمهم وكافرهم، من جميع جزيرة العرب، أن يؤذن بأن اللّه بريء ورسوله من المشركين، فليس لهم عنده عهد وميثاق، فأينما وجدوا قتلوا، وقيل لهم: لا تقربوا المسجد الحرام بعد عامكم هذا، وكان ذلك سنة تسع من الهجرة. وحج بالناس أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه، وأذن ببراءة ـ يوم النحر ـ ابن عم رسول اللّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه. ثم رغب تعالى المشركين بالتوبة، ورهبهم من الاستمرار على الشرك فقال: {فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ} أي: فائتيه، بل أنتم في قبضته، قادر أن يسلط عليكم عباده المؤمنين. {وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} أي:
مؤلم مفظع في الدنيا بالقتل والأسر، والجلاء، وفي الآخرة، بالنار، وبئس القرار.
وقال القرطبى : فيه ثلاث مسائل :
الثالثة : قوله تعالى {أن الله بريء من المشركين ورسوله} ( أن ) بالفتح في موضع نصب . والتقدير بأن الله . ومن قرأ بالكسر قدره بمعنى قال إن الله
( بريء ) خبر إن . ( ورسوله ) عطف على الموضع ، وإن شئت على المضمر المرفوع في ( بريء ) . كلاهما حسن ; لأنه قد طال الكلام . وإن شئت على الابتداء والخبر محذوف ; التقدير : ورسوله بريء منهم . ومن قرأ ( ورسوله ) بالنصب - وهو الحسن وغيره - عطفه على اسم الله عز وجل على اللفظ . وفي الشواذ ( ورسوله ) بالخفض على القسم ، أي وحق رسوله ; ورويت عن الحسن . وقد تقدمت قصة عمر فيها أول الكتاب .
فإن تبتم أي عن الشرك فهو خير لكم أي أنفع لكم وإن توليتم أي عن الإيمان فاعلموا أنكم غير معجزي الله أي فائتيه ; فإنه محيط بكم ومنزل عقابه عليكم
[الأنترنت – موقع الآيات : وَأَذَٰنٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوْمَ ٱلْحَجِّ ٱلْأَكْبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِىٓءٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ۙ وَرَسُولُهُۥ ۚ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَٱعْلَمُوٓاْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِى ٱللَّهِ ۗ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الخامسة والستون في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
*{ بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }
قال ابن عطية : قوله عز وجل: {بَراءَةٌ } رفع على خبر ابتداء مضمر تقديره هذه الآيات براءة، ويصح أن ترتفع بالابتداء والخبر في قوله: إِلَى الَّذِينَ وجاز الابتداء بالنكرة لأنها موصوفة فتعرفت تعريفا ما، وجاز الإخبار عنها، وقرأ عيسى بن عمر «براءة» بالنصب على تقدير التزموا براءة ففيها معنى الإغراء، وبَراءَةٌ معناها : تخلص وتبرؤ من العهود التي بينكم وبين الكفار البادئين بالنقض، تقول برئت إليك من كذا، فبرىء الله تعالى ورسوله بهذه الآية إلى الكفار من تلك العهود التي كانت ونقضها الكفار، وقرأ أهل نجران «من الله» بكسر النون من «من» ، وهذه الآية حكم من الله عز وجل بنقض العهود والموادعات التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين طوائف المشركين الذين ظهر منهم أو تحسس من جهتهم نقض، ولما كان عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لازما لأمته حسن أن يقول عاهَدْتُمْ قال ابن إسحاق وغيره من العلماء: كانت العرب قد وافقها رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدا عاما على أن لا يصد أحد عن البيت الحرام ونحو ذلك من الموادعات، فنقض ذلك بهذه الآية وأجل لجميعهم أربعة أشهر، فمن كان له مع النبي صلى الله عليه وسلم عهد خاص وبقي منه أقل من الأربعة الأشهر بلغ به تمامها، ومن كان أمده أكثر من أربعة أشهر أتم له عهده، إلا إن كان ممن تحسس منه نقض فإنه قصر على أربعة أشهر، ومن لم يكن له عهد خاص فرضت له الأربعة الأشهر «يسيح فيها» في الأرض أي يذهب مسرحا آمنا كالسيح من الماء وهو الجاري المنبسط ومنه قول طرفة بن العبد: [السريع]
لو خفت هذا منك ما نلتني ... حتى نرى خيلا أمامي تسيح
وهذا ينبىء عن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استشعر من الكفار نقضا وتربصا به إلا من الطائفة المستثناة، وقال ابن عباس رضي الله عنه: أول الأشهر الأربعة
شوال وحينئذ نزلت الآية، وانقضاؤها عند انسلاخ الأشهر الحرم وهو انقضاء المحرم بعد يوم الأذان بخمسين يوما فكان أجل من له عهد أربعة أشهر من يوم نزول الآية، وأجل سائر المشركين خمسون ليلة من يوم الأذان.
[الأنترنت – موقع تفسير ابن عطية- سورة التّوبة الآية { بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }]
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السادسة والستون في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
*ۖ {فَلَمَّا تَرَآءَتِ ٱلْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّى بَرِىٓءٌ مِّنكُمْ إِنِّىٓ أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّىٓ أَخَافُ ٱللَّهَ ۚ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ}
قال السعدى : {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ} حسَّنها في قلوبهم وخدعهم. {وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ} فإنكم في عَدَدٍ وعُدَدٍ وهيئة لا يقاومكم فيها محمد ومن معه. {وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ} من أن يأتيكم أحد ممن تخشون غائلته، لأن إبليس قد تبدَّى لقريش في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي، وكانوا يخافون من بني مدلج لعداوة كانت بينهم. فقال لهم الشيطان: أنا جار لكم، فاطمأنت نفوسهم وأتوا على حرد قادرين. {فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ} المسلمون والكافرون، فرأى الشيطان جبريل عليه السلام يزع الملائكة خاف خوفا شديدا و {نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ} أي: ولى مدبرا. {وَقَالَ} لمن خدعهم وغرهم: {إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ} أي: أرى الملائكة الذين لا يدان لأحد بقتالهم. {إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ} أي: أخاف أن يعاجلني بالعقوبة في الدنيا {وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} ومن المحتمل أن يكون الشيطان، قد سول لهم، ووسوس في صدورهم أنه لا غالب لهم اليوم من الناس، وأنه جار لهم، فلما أوردهم مواردهم، نكص عنهم، وتبرأ منهم، كما قال تعالى: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ}
وفي الوسيط للطنطاوي : إننا بمراجعتنا لأقوال المفسرين في كيفية تزيين الشيطان للمشركين، تراهم ينقسمون إلى ثلاثة أقسام:
(أ) قسم منهم ذكر القولين السابقين في كيفية التزيين دون أن يرجح أحدهما
على الآخر، وممن فعل ذلك الزمخشري، والفخر الرازي والآلوسى.
(ب) وقسم منهم سار في تفسيره على أن التزيين كان حسيا، بمعنى أن الشيطان تمثل للمشركين في صورة إنسان وقال لهم ما قال، وأهمل القول بأن التزيين لم يكن حسيا، وممن فعل ذلك ابن جرير، وابن كثير، والقرطبي.
(ج) وقسم منهم رجح أن التزيين لم يكن حسيا، بل كان عن طريق
الوسوسة، وأن الشيطان ما تمثل للمشركين في صورة إنسان، وقد سار في
هذا الاتجاه صاحب المنار مشككا في صحة ما سواه.
والذي نراه بعد هذا العرض لأقوال المفسرين: أن الآية الكريمة صريحة في أن الشيطان قد زين للمشركين أعمالهم، وأنه قد قال لهم- ما حكاه القرآن عنه: {لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ } وأنه حين تراءى الجمعان كذب فعله قوله، فقد نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وقال للمشركين الذين وعدهم ومناهم بالنصر { إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ.}
ومن العسير علينا بعد ذلك أن نحدد تحديدا قاطعا كيفية هذا التزيين والقول
والنكوص: أهو حسى أم غير حسى لأن التحديد القاطع لا بد أن يستند إلى نص صريح في دلالته على المعنى المراد، وصحيح في نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا النص غير موجود، لأن الحديث الذي أخرجه الإمام مالك في موطئه- والذي سبق أن ذكرناه- قال عنه ابن كثير وابن حجر إنه حديث مرسل، وزيادة على ذلك ففي بعض رجاله من هو ضعيف الحديث كابن الماجشون، ولأن الروايات التي رويت في تمثيل الشيطان بصورة سراقة قد جاء معظمها عن ابن عباس، وابن عباس- كما يقول صاحب المنار- كان سنه يوم بدر خمس سنين. فروايته لأخبارها منقطعة.
إذا فنحن نؤمن بما أثبته القرآن من أن الشيطان قد زين للمشركين أعمالهم، وأنه قد قال لهم ما قاله- مما حكاه القرآن عنه-، وأنه قد نكص على عقبيه.. إلا أننا لا نستطيع أن نحدد كيفية ذلك.
ويعجبني في هذا المقام قول بعض الكاتبين عند تفسيره لهذه الآية: «وفي
هذا الحادث نص قرآنى يثبت منه أن الشيطان زين للمشركين أعمالهم،
وشجعهم على الخروج ... وأنه بعد ذلك «نكص على عقبيه..» فخذلهم وتركهم يلاقون مصيرهم وحدهم.ولكننا لا نعلم الكيفية التي زين لهم بها أعمالهم والتي قال لهم بها: لا غالب لكم اليوم من الناس ... والتي نكص بها كذلك.
الكيفية فقط هي التي لا نجزم بها. ذلك أن أمر الشيطان كله غيب، ولا سبيل لنا إلى الجزم بشيء من أمره إلا بنص قرآنى أو حديث نبوي صحيح، والنص هنا لا يذكر الكيفية إنما يثبت الحادث.
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السابعة والستون في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
* إِذْ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ ٱلْأَسْبَابُ
ورد في التفسير الميسر : عند معاينتهم عذاب الآخرة يتبرأ الرؤساء المتبوعون ممن اتبعهم على الشرك، وتنقطع بينهم كل الصلات التي ارتبطوا بها في الدنيا: من القرابة، والاتِّباع، والدين، وغير ذلك.
وقال السعدى : وتبرأ المتبوعون من التابعين, وتقطعت بينهم الوصل,
التي كانت في الدنيا, لأنها كانت لغير الله, وعلى غير أمر الله, ومتعلقة بالباطل الذي لا حقيقة له, فاضمحلت أعمالهم, وتلاشت أحوالهم، وتبين لهم أنهم كانوا كاذبين, وأن أعمالهم التي يؤملون نفعها وحصول نتيجتها, انقلبت عليهم حسرة وندامة, وأنهم خالدون في النار لا يخرجون منها أبدا، فهل بعد هذا الخسران خسران؟ ذلك بأنهم اتبعوا الباطل، فعملوا العمل الباطل ورجوا غير مرجو, وتعلقوا بغير متعلق, فبطلت الأعمال ببطلان متعلقها، ولما بطلت وقعت الحسرة بما فاتهم من الأمل فيها, فضرتهم غاية الضرر، وهذا بخلاف من تعلق بالله الملك الحق المبين, وأخلص العمل لوجهه, ورجا نفعه، فهذا قد وضع الحق في موضعه, فكانت أعماله حقا, لتعلقها بالحق, ففاز بنتيجة عمله, ووجد جزاءه عند ربه, غير منقطع كما قال تعالى: { الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ }
وورد في الوسيط للطنطاوي : قوله- تعالى-: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ
اتَّبَعُوا ... بدل من قوله: إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ. أو مفعولا به بتقدير اذكر.
وتَبَرَّأَ من التبرؤ وهو التخلص والتنصل والتباعد، ومنه برئت من الدين أى: تخلصت منه، وبرأ المريض من مرضه، أى: تخلص من مرضه.
والمراد بالذين اتبعوا: أئمة الكفر الذين يحلون ويحرمون ما لم يأذن به الله.
والمراد بالذين اتبعوا: أتباعهم وأشياعهم الذين يتلقون جميع أقوالهم بالطاعة والخضوع بدون تدبر أو تعقل.
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الثامنة والستون في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
*قوله تعالى: {ذلكم خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ}
قال الفخر: أما قوله تعالى: {ذلكم خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ} ففيه تنبيه على ما لأجله يمكن تحمل هذه المشقة وذلك لأن حالتهم كانت دائرة بين ضرر الدنيا وضرر الآخرة، والأول أولى بالتحمل لأنه متناه، وضرر الآخرة غير متناه، ولأن الموت لابد واقع فليس في تحمل القتل إلا التقدم والتأخير، وأما
الخلاص من العقاب والفوز بالثواب فذاك هو الغرض الأعظم.
أما قوله تعالى: {فَتَابَ عَلَيْكُمْ} ففيه محذوف، ثم فيه وجهان:
أحدهما: أن يقدر من قول موسى عليه السلام كأنه قال: فإن فعلتم فقد تاب عليكم، والآخر: أن يكون خطابًا من الله لهم على طريقة الالتفات فيكون التقدير ففعلتم ما أمركم به موسى فتاب عليكم بارئكم.
وأما معنى قوله تعالى: {فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التواب الرحيم}، فقد تقدم في قوله: {فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التواب الرحيم}. اهـ.
وقال الألوسي:
{ذلكم خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ} جملة معترضة للتحريض على التوبة أو معللة، والإشارة إلى المصدر المفهوم مما تقدم، و{خَيْرٌ} أفعل تفضيل حذفت همزته، ونطقوا بها في الشعر. قال الراجز : بلا خير الناس وابن الأخير
وقد تأتي ولا تفضيل والمعنى: أن ذلكم خير لكم من العصيان والإصرار على الذنب أو خير من ثمرة العصيان، وهو الهلاك الدائم، والكلام على حد
العسل أحلى من الخل أو خير من الخيور كائن لكم.
والعندية هنا مجاز، وكرر البارئ بلفظ الظاهر اعتناءً بالحث على التسليم له في كل حال، وتلقى ما يرد من قبله بالقبول والامتثال فإنه كما رأى الإنشاء
راجحًا فأنشأ رأي الإعدام راجحًا، فأمر به وهو العليم الحكيم.
{فَتَابَ عَلَيْكُمْ} جواب شرط محذوف بتقدير قد إن كان من كلام موسى عليه السلام لهم، تقديره إن فعلتم ما أمرتم به فقد تاب عليكم ومعطوف على محذوف إن كان خطابًا من الله تعالى لهم، كأنه قال: ففعلتم ما أمرتم فتاب عليكم بارئكم وفيه التفات لتقدم التعبير عنهم في كلام موسى عليه السلام بلفظ القوم وهو من قبيل الغيبة، أو من التكلم إلى الغيبة في {فَتَابَ} حيث لم يقل: فتبنا، ورجح العطف لسلامته من حذف الأداة والشرط وإبقاء الجواب، وفي ثبوت ذلك عن العرب مقال، وظاهر الآية كونها إخبارًا عن المأمورين بالقتل الممتثلين ذلك.
.[ الأنترنت – موقع نداء الإيمان - قوله تعالى: {ذلكم خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ} ]
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة التاسعة والستون في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
* هُوَ ٱللَّهُ ٱلْخَٰلِقُ ٱلْبَارِئُ ٱلْمُصَوِّرُ ۖ لَهُ ٱلْأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ
ورد في التفسير الميسر : هو الله سبحانه وتعالى الخالق المقدر للخلق، البارئ المنشئ الموجد لهم على مقتضى حكمته، المصوِّر خلقه كيف يشاء، له سبحانه الأسماء الحسنى والصفات العلى، يسبِّح له جميع ما في السموات والأرض، وهو العزيز شديد الانتقام مِن أعدائه، الحكيم في تدبيره أمور خلقه.
وقال السعدى : { هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ } لجميع المخلوقات { الْبَارِئُ } للمبروءات { الْمُصَوِّرُ } للمصورات، وهذه الأسماء متعلقة بالخلق والتدبير والتقدير، وأن ذلك كله قد انفرد الله به، لم يشاركه فيه مشارك.
{ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } أي: له الأسماء الكثيرة جدا، التي لا يحصيها ولا يعلمها أحد إلا الله هو، ومع ذلك، فكلها حسنى أي: صفات كمال، بل تدل على أكمل الصفات وأعظمها، لا نقص في شيء منها بوجه من الوجوه، ومن حسنها أن الله يحبها، ويحب من يحبها، ويحب من عباده أن يدعوه ويسألوه بها.
ومن كماله، وأن له الأسماء الحسنى، والصفات العليا، أن جميع من في السماوات والأرض مفتقرون إليه على الدوام، يسبحون بحمده، ويسألونه حوائجهم، فيعطيهم من فضله وكرمه ما تقتضيه رحمته وحكمته، { وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } الذي لا يريد شيئا إلا ويكون، ولا يكون شيئا إلا لحكمة ومصلحة.
وفي الوسيط للطنطاوي : ( هُوَ الله الخالق ) لكل شىء الموجد لهذا الكون على مقتضى حكمته .
( البارىء ) أى : المبدع المخترع للأشياء . والمبرز لها من العدم إلى الوجود
. ( المصور ) أى : المصور للأشياء والمركب لها ، على هيئات مختلفة ،
وأنواع شتى من التصوير ، وهو التخطيط والتشكيل . ( لَهُ الأسمآء الحسنى ) والحسنى تأنيث الأحسن . أى : له الأسماء التى هى أحسن الأسماء لدلالتها على أفضل المعانى . من تحميد . وتقديس . وقدرة . وسمع . . . وغير ذلك من الأسماء الكريمة ، والصفات الجليلة .
( يُسَبِّحُ لَهُ ) - تعالى - وينزهه عن كل سوء ( مَا فِي السماوات والأرض )
من مخلوقات . . . ( وَهُوَ العزيز الحكيم ) أى : وهو - عز وجل - الغالب
لغيره . الحكيم فى كل تصرفاته .
وقال ابن عاشور : { هُوَ الله الخالق البارىء المصور } .
القول في ضمير { هو } المفتتح به وفي تكرير الجملة كالقول في التي سبقتها . فإن كان ضمير الغيبة ضميرَ شأن فالجملة بعده خبر عنه .
وجملة { الله الخالق } تفيد قصراً بطريق تعريف جزأي الجملة هو الخالق لا شركاؤهم . وهذا إبطال لإلهية ما لا يخلق . قال تعالى : { والذين تدعون من دون الله لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون } [ النحل : 20 ] ، وقال : { أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون } [ النحل : 17 ] ، وإن كان عائداً على اسم الجلالة المتقدم فاسم الجلالة بعده خبر عنه و { الخالق } صفة .
و { الخالق } : اسم فاعل من الخلق ، وأصل الخلق في اللغة إيجاد شيء على صورة مخصوصه . وقد تقدم عند قوله تعالى حكاية عن عيسى عليه السّلام { إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير } الآية [ 49 ] في سورة آل عمران . ويطلق الخلق على معنى أخص من إيجاد الصور وهو إيجاد ما لم يكن موجوداً . كقوله تعالى : { ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام } [ ق : 38 ] . وهذا هو المعنى الغالب من إطلاق اسم الله تعالى { الخالق } .
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة السبعون في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
* هُوَ ٱللَّهُ ٱلْخَٰلِقُ ٱلْبَارِئُ ٱلْمُصَوِّرُ ۖ لَهُ ٱلْأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ
قال في «الكشاف» : «المقدر لما يوجده» . ونقل عنه في بيان مراده بذلك
أنه قال : «لما كانت إحداثات الله مقدرة بمقادير الحكمة عبر عن إحداثه بالخلق» ا ه . يشير إلى أن الخالق في صفة الله بمعنى المحدث الأشياء عن عدم ، وبهذا يكون الخلق أعم من التصوير . ويكون ذكر { البارىء } و { المصور } بعد { الخالق } تنبيهاً على أحوال خاصة في الخلق . قال تعالى : { ولقد خلقناكم ثم صورناكم } [ الأعراف : 11 ] على أحد التأويلين .
وقال الراغب : الخلق التقدير المستقيم واستعمل في إيداع الشيء من غير
أصل ولا احتذاء ا ه .
وقال أبو بكر ابن العربي في «عارضة الأحوذي» على «سنن الترمذي» : { الخالق } : المخرج الأشياء من العدم إلى الوجود المقدر لها على صفاتها ( فخلط بين المعنيين ) ثم قال : فالخالق عام ، والبارىء أخص منه ، والمصور أخص من الأخص وهذا قريب من كلام صاحب «الكشاف» . وقال الغزالي في «المقصد الأسنى» : الخالق البارىء المصور قد يظن أن هذه الأسماء مترادفة ولا ينبغي أن يكون كذلك بل كل ما يخرج من العدم إلى الوجود يفتقر إلى تقدير أولاً ، وإلى الإيجاد على وفق التقدير ثانياً ، وإلى التصوير بعد الإِيجاد ثالثاً ، والله خالق من حيث أنه مقدِّر وبارىء من حيث إنه مخترع موجود ، ومصور من حيث إنه مرتبٌ صور المخترعات أحسن ترتيب ا ه . فجعل المعاني متلازمة وجعل الفرق بينها بالاعتبار ، ولا أحسبه ينطبق على مواقع استعمال هذه الأسماء .
و { البارىء } اسم فاعل من بَرَأَ مهموزاً . قال في «الكشاف» المميز لما
يوجده بعضه من بعض بالأشكال المختلفة ا ه . وهو مغاير لمعنى الخالق
بالخصوص . وفي الحديث
" من شر ما خلق وذرأ وبرأ " ومن كلام علي رضي الله عنه : لا والذي
فلق الحبة وبرأ النَّسَمة ، فيكون اسم البريئة غير خاص بالناس في قوله تعالى : { أولئك هم شر البريئة أولئك هم خير البريئة } [ البينة : 6 ، 7 ] . وقال الراغب : البريئة : الخلق .
وقال ابن العربي في «العارضة» : { البارىء } : خالق الناس من البرَى
( مقصوراً ) وهو التراب خاصاً بخلق جنس الإِنسان ، وعليه يكون اسم
البريئة خاصاً بالبشر في قوله تعالى : { أولئك هم شر البريئة أولئك هم خير البريئة .
وفسره ابن عطية بمعنى الخالق . وكذلك صاحب القاموس } . وفسره
الغزالي بأنه الموجود المخترع ، وقد علمت أنه غير منطبق فأحسن تفسير له ما في «الكشاف» . و { المصور } : مكوّن الصور لجميع المخلوقات ذوات الصور المرئية .
وإنما ذكرت هذه الصفات متتابعة لأن من مجموعها يحصل تصور الإِبداع الإلهي للإِنسان فابتدىء بالخلق الذي هو الإِيجاد الأصلي ثم بالبرء الذي هو تكوين جسم الإِنسان ثم بالتصّور الذي هو إعطاء الصورة الحسنة ، كما أشار إليه قوله تعالى : { الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة }
[ الانفطار : 7 ، 8 ] ، { الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء } [ آل عمران : 6 ]
ووجه ذكرها عقب الصفات المتقدمة ، أي هذه الصفات الثلاث أريد منها الإِشارة إلى تصرفه في البشر بالإِيجاد على كيفيته البديعة ليثير داعية شكرهم على ذلك . ولذلك عقب بجملة { يسبح له ما في السموات والأرض } .
إلى هنا ونكمل في الحلقة التالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد : فهذه الحلقة الواحدة والسبعون في موضوع (الباريء) وهي بعنوان :
* هُوَ ٱللَّهُ ٱلْخَٰلِقُ ٱلْبَارِئُ ٱلْمُصَوِّرُ ۖ لَهُ ٱلْأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ
واعلم أن وجه إرجاع هذه الصفات الحُسنى إلى ما يناسبها مما اشتملت عليه
السورة ينقسم إلى ثلاثة أقسام ولكنها ذكرت في الآية بحسب تناسب مواقع بعضها عقب بعض من تنظير أو احتراس أو تتميم كما علمته آنفاً .
القسم الأول : يتعلق بما يناسب أحوال المشركين وأحلافِهم اليهود المتألبين على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين بالحرب والكيد والأذى ، وأنصارهم من المنافقين المخادعين للمسلمين .
وإلى هذا القسم تنضوي صفة { لا إله إلا هو } [ الحشر : 23 ] وهذه الصفة هي الأصل في التهيؤ للتدبر والنظر في بقية الصفات ، فإن الإِشراك أصل الضلالات ، والمشركون هم الذين يُغرون اليهود ، والمنافقون بين يهود ومشركين تستروا بإظهار الإِسلام ، فالشرك هو الذي صدّ الناس عن الوصول إلى مسالك الهدى ، قال تعالى : { وما زادوهم غيرَ تتبيب } [ هود : 101 ] . وصفة { عالم الغيب } [ الحشر : 22 ] فإن من أصول الشرك إنكار الغيب الذي من آثاره إنكار البعث والجزاء ، وعلى الاسترسال في الغي وإعمال السيئات وإنكار الوحي والرسالة . وهذا ناظر إلى قوله تعالى : { ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله } [ الأنفال : 13 ] الآية .
وكذلك ذكر صفات «المَلِك ، والعزيز ، والجبار ، والمتكبر» ، لأنها تناسب ما أنزله ببني النضير من الرعب والخزي والبطشة .
القسم الثاني : متعلق بما اجْتناه المؤمنون من ثمرة النصر في قصة بني النضير ، وتلك صفات : { السلام المؤمن } [ الحشر : 23 ] لقوله : { فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب } [ الحشر : 6 ] ، أي لم يتجشم المسلمون للغنى مشقة ولا أذى ولا قتالاً . وكذلك صفتا{ الرحمان الرحيم } [ الحشر : 22 ] لمناسبتهما لإِعطاء حظ في الفيء للضعفاء .
القسم الثالث : متعلق بما يشترك فيه الفريقان المذكوران في هذه السورة فيأخذ كل فريق حظه منها ، وهي صفات : «القدوس ، المهيمن ، الخالق ، البارىء ، المصور» . { المصور لَهُ الاسمآء } : تذييل لما عُدّد من صفات الله تعالى ، أي له جميع الأسماء الحسنى التي بعضها الصفات المذكورة آنفاً .
والمراد بالأسماء الصفات ، عبر عنها بالأسماء لأنه متصف بها على ألسنة خلقه ولكونها بالغة منتهى حقائقها بالنسبة لوصفه تعالى بها فصارت كالأعلام على ذاته تعالى .
والمقصود : أن له مدلولات الأسماء الحسنى كما في قوله تعالى : { ثم عرضهم على الملائكة بعد قوله : وعلم آدم الأسماء كلها } [ البقرة : 31 ] أي عرض المسميات على الملائكة . [ الأنترنت – موقع عربي - نصوص الآيات عثماني : هُوَ ٱللَّهُ ٱلْخَٰلِقُ ٱلْبَارِئُ ٱلْمُصَوِّرُ ۖ لَهُ ٱلْأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ ]
الخاتمة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وتتنزل الرحمات ، وتتكاثر الخيرات من باريء جميع المخلوقات ....
ففي هذا اليوم الثلاثاء العاشر من شهر شوال لعام 1441هـ انتهيت من تأليف كتاب ( الباريء ) في مجموعة (اسماء الله الحسنى وصفاته ) في منزلي بقرية آل دماس ببني ظبيان بمنطقة الباحة في المملكة العربية السعودية ، وقد استمتعت وسعدت بصحبة هذا الاسم الجليل أياما واسابيع وشهورا ؛ بحثا وتأملا وتفكرا وزيادة إيمان وطاعة وسعادة وإنشراح صدر ؛ فالحمد لله والشكر له على تيسيره وتوفيقه وإعانته ... وقد احتوى على جملة من نصوص القرآن الكريم ونصوص السنة وأقوال الصحابة والتابعين والأئمة والمفسرين والعلماء والدعاة والكتاب ، ومن تبعهم بإحسان .... وهوعبارة عن تفسير موضوعي جمعت فيه كل ماله صلة بموضوعه...
اسأل الله أن يجعله علماً نافعاً وعملاً صالحاً ؛ وأن ينفع به كاتبه وقارئه وسامعه ومشاهده وناشره ، وقد بذلت فيه قصارى جهدي من جمع المادة العلمية وتوثيقها وتنسيقها ومراجعتها وإخراجها في صورتها النهائية ؛ إن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان واستغفر الله ...، وأرجو من كل مطلع إن وجد خطأ أن يبادر بإصلاحه والإتصال بي حتى اصلحه وجزاه الله خيرا ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
وكتبه : د . مسفر بن سعيد دماس الغامدي - المملكة العربية السعودية – منطقة الباحة – بني ظبيان –عراء – آل دماس